Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب 5.الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

 

5.

كتاب 5.الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

……….
- * ذَكَاةُ الْجَرَادِ وَالْحِيتَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَرَفْت في الشَّاةِ الْحَيَاةَ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ أو قَبْلَهَا أُكِلَتْ وَلَيْسَ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ ما مَاتَ قَبْلَهَا إنَّمَا يَتَحَرَّكُ بَعْدَهَا ما كان فيه الرُّوحُ قَبْلَهَا ( قال ) وَكُلُّ ما عُرِفَتْ فيه الْحَيَاةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ بَعْدَهُ أُكِلَتْ - * ذكاة ( ( ( زكاة ) ) ) ما في بَطْنِ الذَّبِيحَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في ذَبْحِ الْجَنِينِ إنَّمَا ذَبِيحَتُهُ تَنْظِيفٌ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَةِ الشَّاةُ تُرْبَطُ ثُمَّ تُرْمَى بِالنَّبْلِ - * ذَبَائِحُ من اشْتَرَكَ في نَسَبِهِ من أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْغُلَامِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ يَذْبَحُ أو يَصِيدُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا صَيْدُهُ لِأَنَّهُ من أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هذا كَالْمُسْلِمِ يَكُونُ ابْنُهُ الصَّغِيرُ على دِينِهِ وَلَا كَالْمُسْلِمَةِ يَكُونُ ابْنُهَا على دِينِهَا من قِبَلِ أَنَّ حَظَّ الْإِسْلَامِ إذَا شَرِكَ حَظَّ الْكُفْرِ فِيمَنْ لم يَدْنُ كان حَظُّ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِ وَلَيْسَ حَظُّ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَوْلَى من حَظِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَلَا حَظُّ الْمَجُوسِيَّةِ بِأَوْلَى من حَظِّ النَّصْرَانِيَّةِ كِلَاهُمَا كُفْرٌ بِاَللَّهِ وَلَوْ ارْتَدَّ نَصْرَانِيٌّ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو مَجُوسِيٌّ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لم نَسْتَتِبْهُ ولم نَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَمَنْ خَرَجَ من دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ قَتَلْنَاهُ إنْ لم يَتُبْ فإذا بَلَغَ هذا الْمَوْلُودُ فَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ منهم أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ يَقِيسُ الْإِسْلَامَ بِالْكُفْرِ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ تَعْمَلُ ما يَعْمَلُ الْإِسْلَامُ دخل عليه أَنْ يُفَرَّقَ بين من يَرْتَدُّ من نَصْرَانِيَّةٍ إلَى مَجُوسِيَّةٍ وَدَخَلَ لِغَيْرِهِ عليه أَنْ يَقُولَ وَلَدُ الْأَمَةِ من الْحُرِّ عَبْدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَوَلَدُ الْحُرَّةِ من الْعَبْدِ حُرٌّ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إن ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ التي يَحِلُّ أَكْلُهَا صِنْفَانِ صِنْفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يُذَكِّيَهُ من تَحِلُّ ذَكَاتُهُ وَالصَّيْدُ وَالرَّمْيُ ذَكَاةٌ ما لَا يَقْدِرُ عليه وَصِنْفٌ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ مَيِّتُهُ وَمَقْتُولُهُ إنْ شَاءَ وَبِغَيْرِ الذَّكَاةِ وهو الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وإذا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ حَلَّ مَيِّتًا فَأَيُّ حَالٍ وَجَدْتُهُمَا مَيِّتًا أُكِلَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَالْحُوتُ كان أَوْلَى أَنْ لَا يَحِلَّ مَيِّتًا لِأَنَّ ذَكَاتَهُ أَمْكَنُ من ذَكَاةِ الْجَرَادِ فَهُوَ يَحِلُّ مَيِّتًا وَالْجَرَادَةُ تَحِلُّ مَيِّتَةً وَلَا يَجُوزُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ فَلْيُدَلِّلْ من سَنَّ له ذَكَاةَ الْجَرَادِ أو أَحَلَّ له بَعْضَهُ مَيِّتًا وَحَرَّمَ عليه بَعْضَهُ مَيِّتًا ما رَأَيْت الْمَيِّتَ يَحِلُّ من شَيْءٍ إلَّا الْجَرَادُ وَالْحُوتُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الرحمن بن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه عن بن عُمَرَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ أَحْسِبُهُ قال الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ والدراوردي أو أَحَدُهُمَا عن جَعْفَرٍ عن أبيه رضي اللَّهُ عنهما قال النُّونُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ - * ما يُكْرَهُ من الذَّبِيحَةِ - *

 فَجُعِلَ حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ حُكْمَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمُرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ يُقْتَلُ وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ الشِّرْكِ وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدٌ لم يَصِدْهُ مُسْلِمٌ وَلَا كِتَابِيٌّ يُقَرُّ على دِينِهِ وَلَا أَعْلَمُ من الناس أَحَدًا مَجُوسِيًّا وَلَا وَثَنِيًّا أَشَرَّ ذَبِيحَةٍ منه من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِيِّ وَيُقِرَّهُ على دِينِهِ وَيَجُوزَ له بَعْدَ الْقُدْرَةِ على الْحَرْبِيِّ أَنْ يَدَعَهُ بِلَا قَتْلٍ وَلَا يَجُوزُ له هذا في الْمُرْتَدِّ فَيَحِلَّ دَمُهُ بِمَا يَحِلُّ بِهِ دَمُ الْمُحَارِبِ وَلَا يَحِلُّ فيه تَرْكُهُ كما يَحِلُّ في الْمُحَارِبِ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ بِخُرُوجِهِ من دِينِ اللَّهِ الذي ارْتَضَى - * الذَّكَاةُ وما أُبِيحَ أَكْلُهُ وما لم يُبَحْ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْحُوتُ في بَطْنِ حُوتٍ أو طَائِرٍ أو سَبُعٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحُوتِ وَلَوْ وُجِدَ في مَيِّتٍ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَيِّتًا وَلَوْ كُنْت أُحَرِّمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما في بَطْنِهَا لم يَحِلَّ ما كان منه في بَطْنِ سَبُعٍ لِأَنَّ السَّبُعَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا في بَطْنِ طَائِرٍ إلَّا إنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ ثُمَّ ما كان لي أَنْ أَجْعَلَ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ الطَّائِرِ لِأَنَّهُ ليس بِمَخْلُوقٍ من الطَّائِرِ إنَّمَا تَكُونُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ في الْبَطْنِ ذَكَاةَ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ منها وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا ما لم يُزَايِلْهَا في الْآدَمِيِّينَ وَالدَّوَابِّ فَأَمَّا ما ازْدَرَدَهُ طَائِرٌ فَلَوْ ازْدَرَدَ عُصْفُورًا ما كان حَلَالًا بِأَنْ يذكى الْمُزْدَرَدَ وكان على من وَجَدَهُ أَنْ يَطْرَحَهُ فَكَذَلِكَ ما أَصَبْنَا في بَطْنِ طَائِرٍ سِوَى الْجَرَادِ وَالْحُوتِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمًا كان أو طَائِرًا لِأَنَّهُ شَيْءٌ من غَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاتُهُ على ما هو منه لَا على ما هو من غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحُوتُ لو ازْدَرَدَ شَاةً أَكَلْنَا الْحُوتَ وَأَلْقَيْنَا الشَّاةَ لِأَنَّ الشَّاةَ غَيْرُ الْحُوتِ

____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ وَجْهَانِ وَجْهٌ فِيمَا قُدِرَ عليه الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَفِيمَا لم يُقْدَرْ عليه ما نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِسِلَاحٍ بيده أو رَمْيِهِ بيده فَهِيَ عَمَلُ يَدِهِ أو ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل من الْجَوَارِحِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الْمُعَلَّمَاتِ التي تَأْخُذُ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ كما يُصِيبُ السَّهْمُ بِفِعْلِهِ فَأَمَّا الْمُحْفِرَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاحِدًا من ذَا كان فيها سِلَاحٌ يَقْتُلُ أو لم يَكُنْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَصَبَ سَيْفًا أو رُمْحًا ثُمَّ اضْطَرَّ صَيْدًا إلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَذَكَّاهُ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لو مَرَّتْ شَاةٌ أو صَيْدٌ فَاحْتَكَّتْ بِسَيْفٍ فَأَتَى على مَذْبَحِهَا لم يَحِلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ نَفْسَهَا لَا قَاتِلُهَا غَيْرُهَا مِمَّنْ له الذَّبْحُ وَالصَّيْدُ وإذا صَادَ رَجُلٌ حِيتَانًا وَجَرَادًا فَأَحَبُّ إلى لو سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ ذلك لم نُحَرِّمْهُ إذَا أَحْلَلْته مَيِّتًا فَالتَّسْمِيَةُ إنَّمَا هِيَ من سُنَّةِ الذَّكَاةِ فإذا سَقَطَتْ الذَّكَاةُ حَلَّتْ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَأَمَّا ما قُدِرَ على قَتْلِهِ من أنسى أو وَحْشِيٍّ فَلَا ذَكَاةَ إلَّا في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ وَأَمَّا ما هَرَبَ منه من أنسى أو وَحْشِيٍّ فما نَالَهُ بِهِ من السِّلَاحِ فَهُوَ ذَكَاتُهُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُهُ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يَتَرَدَّى في الْبِئْرِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ وَلَا مَنْحَرِهِ فَيُضْرَبُ بِالسِّكِّينِ على أَيِّ آرَابِهِ قُدِرَ عليه ويسمى وَتَكُونُ تِلْكَ ذَكَاةً له ( قال ) وَلَوْ حَدَّدَ الْمِعْرَاضَ حتى يَمُورَ مَوَرَانَ السِّلَاحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ - * الصَّيْدُ في الصَّيْدِ - *

(2/234)


- * إرْسَالُ الرَّجُلِ الْجَارِحَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَمَى الصَّيْدَ فَأَثْبَتَهُ إثْبَاتًا لَا يَقْدِرُ معه على أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يُؤْخَذَ أو كان مَرِيضًا أو مَكْسُورًا أو صَغِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ من أَنْ يُؤْخَذَ فَرَمَى فَقَتَلَ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَا يَحِلُّ هذا إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ ما كان من وحشى أو أنسى فما قُدِرَ عليه بِغَيْرِ الرَّمْيِ وَالسِّلَاحِ لم يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةٍ وما لم يُقْدَرْ عليه إلَّا بِرَمْيٍ أو بِسِلَاحٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ له - * بَابٌ في الذَّكَاةِ وَالرَّمْيِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ عن أبيه عن عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ عن جَدِّهِ رَافِعِ بن خَدِيجٍ قال قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَنُذَكِّي بِاللِّيطِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ عليه اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ إلَّا ما كان من سِنٍّ أو ظُفُرٍ فإن السِّنَّ عَظْمٌ من الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أو قَطَعَ جَنَاحَهُ أو بَلَغَ بِهِ الْحَالُ التي لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ أَنْ يَمْتَنِعَ فيها من أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا فَرَمَاهُ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ كان حَرَامًا وكان على الرَّامِي قِيمَتُهُ بِالْحَالِ التي رَمَاهُ بها مَكْسُورًا أو مَقْطُوعًا لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِصَيْدٍ قد صَارَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّى كان لِلرَّامِي الْأَوَّلِ وكان على الرَّامِي الثَّانِي ما نَقَصَتْهُ الرَّمْيَةُ في الْحَالِ التي أَصَابَهُ فيها وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فَأَصَابَهُ وكان مُمْتَنِعًا بِطَيَرَانٍ إنْ كان طَائِرًا أو بُعْدٍ وَإِنْ كان دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ حتى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَمْتَنِعَ كان لِلثَّانِي وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ في هذه الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قد صَارَ له دُونَهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَمَضَى مُمْتَنِعًا ثُمَّ رَمَاهُ ثَالِثٌ فَصَيَّرَهُ غير مُمْتَنِعٍ كان لِلثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلَانِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّالِثِ فَقَتَلَاهُ ضَمِنَاهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا أو أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ فَأَخْطَأَتْهُ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ وَأَصَابَتْهُ الْأُخْرَى كان الذي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ ضَامِنًا وَلَوْ أَصَابَتَاهُ مَعًا أو إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى كانت الرَّمْيَتَانِ مُسْتَوِيَتَيْنِ أو مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا قد جَرَحَتَاهُ فَأَنْفَذَتْ إحْدَاهُمَا مَقَاتِلَهُ ولم تُنْفِذْهُ الْأُخْرَى كَانَا جميعا قَاتِلَيْنِ له وكان الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا كما يَجْرَحُ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا الْجُرْحَ الْخَفِيفَ وَالْآخَرُ الْجُرْحَ الثَّقِيلَ أو عَدَدَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ فَيَكُونَانِ جميعا قَاتِلَيْنِ فَإِنْ كانت إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ أَتَتْ منه على ما لَا يَعِيشُ منه طَرْفَةَ عَيْنٍ مِثْلَ أَنْ تَقْطَعَ حُلْقُومَهُ أو مَرِيئَهُ أو رَأْسَهُ أو تَقْطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ كانت هِيَ التي وَقَعَتْ أَوَّلًا ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ الآخرى آخِرًا فَإِنَّمَا رَمَى الْآخَرُ مَيِّتًا فَلَا ضَمَانَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِالرَّمْيَةِ جِلْدًا أو لَحْمًا فَيَضْمَنُ قَدْرَ ما أَفْسَدَ من الْجِلْدِ أو اللَّحْمِ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِلرَّامِي الذي ذَكَّاهُ وَلَوْ كانت الرَّمْيَةُ التي لم تَبْلُغْ ذَكَاتَهُ أَوَّلًا وَالرَّمْيَةُ التي بَلَغَتْ ذَكَاتَهُ آخِرًا كان لِلرَّامِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ الذي ذَكَّاهُ ولم يَكُنْ على الرَّامِي الْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَجْنِ عليه بعد ما صَارَ له وَلَا على الذي ذَكَّاهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَمَى صَيْدًا مُمْتَنِعًا له رَمْيُهُ وَلَوْ كان رَمَاهُ فَبَلَغَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِثْلُهُ وَتَحَامَلَ فَدَخَلَ دَارَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْجَارِحَ طَائِرًا كان أو دَابَّةً على الصَّيْدِ فَمَضَى ثُمَّ صَرَعَهُ فَرَأَى الصَّيْدَ أو لم يَرَهُ فَإِنْ كان إنَّمَا رَجَعَ عن سُنَنِهِ وَأَخَذَ طَرِيقًا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا طَالِبٌ غَيْرُ رَاجِعٍ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَكَلَ وإذا رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ رَأَى الصَّيْدَ أو لم يَرَهُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْإِرْسَالَ الْأَوَّلَ قد انْقَضَى وَهَذَا إحْدَاثُ طَلَبٍ بَعْدَ إرْسَالٍ فَإِنْ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ بِرُجُوعِهِ فَانْزَجَرَ أو في وَقْفَةٍ وَقَفَهَا فَاسْتَقْبَلَ أو في طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ الصَّيْدِ فَعَادَ في جَرْيِهِ فَقَتَلَهُ أكل ( ( ( وأكل ) ) ) وكان ذلك كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ من يَدِهِ

(2/235)


رَجُلٍ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ فَذَكَّاهُ كان لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الذي بَلَغَ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير مُمْتَنِعٍ وكان على صَاحِبِ الدَّارِ ما نَقَصَتْهُ الذَّكَاةُ إنْ كانت نَقَصَتْهُ شيئا وَلَوْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ولم يُذَكِّهِ كان عليه رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ مَاتَ في يَدِهِ قبل أَنْ يَرُدَّهُ كان ضَامِنًا له من قِبَلِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَمَنَعَ من صَاحِبِهِ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كانت الرَّمْيَةُ لم تَبْلُغْ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير مُمْتَنِعٍ وكان فيه ما يَتَحَامَلُ طَائِرًا أو عَادِيًا فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ كان لِصَاحِبِ الدَّارِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ الذَّكَاةَ بِالْحَدِيدِ وَأَنْ يَكُونَ ما ذُكِّيَ بِهِ من الْحَدِيدِ مُوحِيًا أَخَفَّ على المذكي وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي بَالِغًا مُسْلِمًا فَقِيهًا وَمَنْ ذَكَّى من امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ ذَكَاتُهُ وَكَذَلِكَ من ذَكَّى من صِبْيَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما ذَكَّى بِهِ من شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ وَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَالْمَذْبَحَ ولم يُثَرِّدْ جَازَتْ بِهِ الذَّكَاةُ إلَّا الظُّفْرُ وَالسِّنُّ فإن النهى جاء فِيهِمَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ ذَكَّى بِظُفْرِهِ أو سِنِّهِ وَهُمَا ثَابِتَانِ فيه أو زَائِلَانِ عنه أو بِظُفْرِ سَبُعٍ أو سِنِّهِ أو ما وَقَعَ عليه اسْمُ الظُّفْرِ من أَظْفَارِ الطَّيْرِ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ الْأَكْلُ بِهِ لِنَصِّ السُّنَّةِ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَمَالُ الذَّكَاةِ بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ ما يكفى من الذَّكَاةِ اثْنَانِ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي فلم يُدْرَ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أو غير مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كما نَجْعَلُ الْقَاتِلَيْنِ مَعًا وهو على الذَّكَاةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّهُ قد صَارَ إلَى حَالٍ لَا يُقْدَرُ فيها على الِامْتِنَاعِ وَيَكُونُ مَقْدُورًا على ذَكَاتِهِ ( قال ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ طَائِرًا يَطِيرُ فَأَصَابَهُ أَيَّ إصَابَةٍ ما كانت أو في أَيِّ مَوْضِعٍ ما كان إذَا جَرَحَتْهُ فَأَدْمَتْهُ أو بَلَغَتْ أَكْثَرَ من ذلك فَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا لم نَدْرِ أَمَاتَ في الْهَوَاءِ أو بعد ما صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ مِمَّا أُحِلَّ من الصَّيْدِ وَأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حَرَّمْنَا هذا خَوْفًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ قَتَلَتْهُ حَرَّمْنَا صَيْدَ الطَّيْرِ كُلَّهُ إلَّا ما أُخِذَ منه فَذُكِّيَ وَكَذَلِكَ لو وَقَعَ على جَبَلٍ أو غَيْرِهِ فلم يَتَحَرَّكْ عنه حتى أُخِذَ وَلَكِنَّهُ لو وَقَعَ على جَبَلٍ فَتَرَدَّى عن مَوْضِعِهِ الذي وَقَعَ عليه قَلِيلًا أو كَثِيرًا كان مُتَرَدِّيًا لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ مَاتَ قبل أَنْ يَتَرَدَّى أو تَجِدَ الرَّمْيَةَ قد قَطَعَتْ رَأْسَهُ أو ذَبَحَتْهُ أو قَطَعَتْهُ بِاثْنَيْنِ فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لم يَقَعْ إلَّا ذَكِيًّا فَإِنْ وَقَعَ على مَوْضِعٍ فَتَرَدَّى فَمَرَّ بِحِجَارَةِ حَدَّادٍ أو شَوْكٍ أو شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ رَأْسَهُ أو نِصْفَهُ أو أتى على ذلك لم يُؤْكَلْ حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ لم يَتَرَدَّ إلَّا بَعْدَ ما مَاتَ وإذا رَمَى الرَّجُلُ بِسَهْمِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أو أَصَابَهُ فَأَنْفَذَهُ وَقَتَلَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ وَيَأْكُلُ كُلَّ ما أَصَابَ إذَا قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ صَيْدٍ يَرَاهُ فَقَدْ جَمَعَ الرَّمْيَةَ التي تَكُونُ بها الذَّكَاةُ وَإِنْ نَوَى صَيْدًا وإذا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ بِحَجَرٍ أو بُنْدُقَةٍ فَخَرَقَتْ أو لم تَخْرِقْ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ منها أنها غَيْرُ ذَكَاةٍ وَوَاقِذَةٍ وَأَنَّهَا إنَّمَا قَتَلَتْ بِالثِّقَلِ دُونَ الْخَرْقِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ من مَعَانِي السِّلَاحِ الذي يَكُونُ ذَكَاةً وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ فَأَصَابَ بِصَفْحِهِ فَقَتَلَ كان مَوْقُوذًا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ أَصَابَ بِنَصْلِهِ وَحَدِّهِ ونصله ( ( ( نصله ) ) ) مُحَدَّدٌ فَخَرَقَ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ سَهْمٌ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْخَرْقِ لَا بِالثِّقَلِ وَلَوْ رَمَى بِعَصًا أو عُودٍ كان مَوْقُوذًا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ خَسَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كان الْخَاسِقُ مِنْهُمَا مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ بِعَجَلَةِ السِّلَاحِ أُكِلَ وَإِنْ كان لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نَظَرْت فَإِنْ كان الْعُودُ أو الْعَصَا خَفِيفَيْنِ كَخِفَّةِ السَّهْمِ أُكِلَتْ لِأَنَّهُمَا إذَا خَفَّا قَتَلَا بِالْمَوْرِ وان أبطئا وإن كان ( ( ( أبطآ ) ) ) أَثْقَلَ من ذلك بِشَيْءٍ مُتَبَايِنٍ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْأَغْلَبَ على أَنَّ الْقَتْلَ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا - * الذَّكَاةُ - *

(2/236)


وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا أَنْ يُؤْتَى بِالذَّكَاةِ على الْوَدَجَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أتى على الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ اسْتَوْظَفَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حتى أَبَانَهُمَا وَفِيهِمَا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ لَا في الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ عِرْقَانِ قد يَسِيلَانِ من الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَحْيَا وَالْمَرِيءُ هو الْمَوْضِعُ الذي يَدْخُلُ فيه طَعَامُ كل خَلْقٍ يَأْكُلُ من بَشَرٍ أو بَهِيمَةٍ وَالْحُلْقُومُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وإذا بَانَا فَلَا حَيَاةَ تُجَاوِزُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْمَرِيءِ لم تَكُنْ ذَكَاةً لِأَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ وَكَذَلِكَ لو قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ لم تَكُنْ ذَكَاةً من قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ فَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا ما يَكُونُ بَعْدَهُ حَيَاةٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا في اجْتِمَاعِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دُونَ غَيْرِهِمَا - * بَابُ مَوْضِعِ الذَّكَاةِ في الْمَقْدُورِ على ذَكَاتِهِ وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عليه - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَذَكَاةُ ما قُدِرَ عليه من وحشى أو أنسي الذَّبْحُ أو النَّحْرُ وَمَوْضِعُهُمَا اللَّبَّةُ وَالْمَنْحَرُ وَالْحَلْقُ لَا مَوْضِعَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَذَلِكَ الذَّكَاةُ فيه بِمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وما لم يُقْدَرْ عليه فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ أنسيا كان أو وَحْشِيًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ بِأَيِّ شَيْءٍ قِسْت هذا قِيلَ قِسْته بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وقد كَتَبْت ذلك في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ أَمَرَ في الأنسى بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ إذَا قُدِرَ على ذلك منه وفي الْوَحْشِيِّ بِالرَّمْيِ وَالصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ فلما قُدِرَ على الْوَحْشِيِّ فلم يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الأنسي كان مَعْقُولًا عن اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الصَّيْدَ في الْحَالِ التي لَا يُقْدَرُ عليها على أَنْ يَكُونَ فيها مذكي بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ في الأنسي فَامْتَنَعَ امْتِنَاعَ الْوَحْشِيِّ كان مَعْقُولًا أَنَّهُ يذكي بِمَا يذكي بِهِ الْوَحْشِيُّ الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا أَجِدُ هذا في الأنسي قِيلَ وَلَا تجد ( ( ( يجد ) ) ) في الْوَحْشِيِّ الذَّبْحَ فإذا أَحَلْته إلَى الذَّبْحِ وَالْأَصْلُ الذي في الصَّيْدِ غَيْرُ الذَّبْحِ حين صَارَ مَقْدُورًا عليه فَكَذَلِكَ فَأَحَلَّ الأنسي حين صَارَ إلَى الِامْتِنَاعِ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ قُلْت لَا أُحِيلُ الأنسي وَإِنْ امْتَنَعَ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ جَازَ عَلَيْك لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ لَا أُحِيلُ الْوَحْشِيَّ إذَا قُدِرَ عليه إلَى ذَكَاةِ الأنسي وَأُثْبِتُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاتَهُ في أَيِّ حَالٍ ما كان وَلَا أُحِيلُهُمَا عن حَالِهِمَا بَلْ هذا لِصَاحِبِ الصَّيْدِ أَوْلَى لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ في الصَّيْدِ خَبَرًا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا وَأَعْلَمُ في الأنسي يَمْتَنِعُ خَبَرًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَثْبُتُ بِأَنَّهُ رأي ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ كَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْمُجْتَمِعِ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ أَبْطَلَ الثَّابِتَ من جِهَةِ الْخَبَرِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ من غَيْرِ جِهَةِ الْخَبَرِ ( قال ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ بِسَيْفٍ أو سِكِّينٍ صَيْدًا فَأَصَابَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أو حَدِّ السِّكِّينِ فَمَارَ فيه فَهُوَ كَالسَّهْمِ يُصِيبُهُ بِنَصْلِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ بِصَفْحِ السَّيْفِ أو بِمِقْبَضِهِ أو قَفَاهُ إنْ كان ذَا قَفًا أو بِنِصَابِ السِّكِّينِ أو قَفَاهُ أو صَفْحِهِ فَانْحَرَفَ الْحَدُّ عليه حتى يَمُورَ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ وَهَذَا كَالسَّهْمِ يرمى بِهِ وَالْخَشَبَةِ وَالْخَنْجَرِ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهمْ قَتَلَهُ ( قال ) وَإِنْ رَمَى صَيْدًا بِعَيْنِهِ بِسَيْفٍ أو سَهْمٍ وَلَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كما يَذْبَحُ الشَّاةَ لَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهَا فَيَجُوزَ له أَكْلُهَا وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ شَخْصًا يَرَاهُ يَحْسِبُهُ خَشَبَةً أو حَجَرًا أو شَجَرًا أو شيئا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ كان أَحَبُّ إلى أَنْ يَتَنَزَّهَ عن أَكْلِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ ما رَأَيْته مُحَرَّمًا عليه وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخْطَأَ بِشَاةٍ له فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُ ذَكَاتَهَا أو أَخَذَهَا بِاللَّيْلِ فَحَزَّ حَلْقَهَا حتى أتى على ذَكَاتِهَا وهو يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً أو غَيْرَهَا ما بَلَغَ عِلْمِي أَنْ يَكُونَ ذَا مُحَرَّمًا عليه وَلَوْ دخل عَلَيْنَا بِالتَّحْرِيمِ عليه إذَا أتى على ما يَكُونُ ذَكَاةً إذَا لم يَنْوِ الذَّكَاةَ دخل عَلَيْنَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخَذَ شَاةً لِيَقْتُلَهَا لَا لِيُذَكِّيَهَا فَذَبَحَهَا وَسَمَّى لم يَكُنْ له أَكْلُهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو رَمَى ما لَا يُؤْكَلُ من الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ لم يَأْكُلْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ غَيْرِ الذَّكَاةِ وَلَا نِيَّةَ الْمَأْكُولِ وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو أَرَادَ ذَبْحَ شَاةٍ فَأَخْطَأ

(2/237)


بِغَيْرِهَا فَذَبَحَهُ لم يَكُنْ له أَكْلُهُ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ لِيَذْبَحَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَذْبَحُ الْأُخْرَى فَسَمَّى وَأَمَرَ السكين ( ( ( بالسكين ) ) ) فَذَبَحَهُمَا حَلَّ له أَكْلُ التي نَوَى ذَبْحَهَا ولم يَحِلَّ له أَكْلُ التي لم يَنْوِ ذَبْحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَكْثَرُ من هذا وأولي أَنْ يَدْخُلَ مِمَّا أَدْخَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ شَاةَ غَيْرِهِ فَيُدْرِكَهَا الرَّجُلُ الْمَالِكُ لها فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا من قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لَا يَحِلُّ له أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لها وَلَا آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلَا أَعْلَمُ في الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ وَلَا في النِّيَّةِ عمل ( ( ( عملا ) ) ) غير الذَّكَاةِ وَلَقَدْ دخل على قَائِلِ هذا الْقَوْلِ منه ما تَفَاحَشَ حتى زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو غَصَبَ سَوْطًا من رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزنى وَلَوْ كان الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لم يَكُنْ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ مَحْدُودًا وكان عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فإذا كان هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ على غَيْرِ ما قال فَالنِّيَّةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ في الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شيئا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أو رَمَاهُ فَأَبَانَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذلك وَلَوْ أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كانت ذَكَاةً على ما بَانَ وبقى كما لو ضَرَبَهُ أو ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كانت الذَّكَاةُ على الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا تَعْدُو الضَّرْبَةُ أو الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لَا تَكُونُ على بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ أو لَا تَكُونُ ذَكَاةً فَلَا يُؤْكَلُ منه شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لو أَبَانَ منه عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لم يَأْكُلْ الْعُضْوَ الذي أَبَانَ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى صَارَتْ غير ذَكَاةٍ وَكَانَتْ الذَّكَاةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما طَلَبَتْهُ الْكِلَابُ أو الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ فَمَاتَ ولم تَنَلْهُ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حتى مَاتَتْ لم يَأْكُلْهَا وما أُصِيبَ من الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلَاحٍ ما كان ولم يَمُرَّ فيه فَلَا يُؤْكَلُ حتى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فيدمى أو يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ فَيَخْرِقَ أو يَهْتِكَ وما نَالَتْهُ الْكِلَابُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ ولم تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حتى يَخْرِقَ شيئا لِأَنَّ الْجَارِحَ ما خَرَقَ وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الْجَوَارِحِ } وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وقد يَكُونُ هذا جَائِزًا فَيَكُونُ فِعْلُهَا غير فِعْلِ السِّلَاحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلَاحِ فِعْلُ الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ ما خَرَقَ حتى يدمى وَفِعْلُهَا عَمْدُ الْقَتْلِ لَا على أَنَّ في الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ ذَكَاةٍ وقد تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُكِلَ ما أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ ما أَمْسَكْنَ حَلَالًا بِالْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هو اسْمٌ مَوْضُوعٌ عليها لَا أنها إنْ لم تَجْرَحْ لم يُؤْكَلْ ما قَتَلَتْ وإذا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أو لم يُقِمْ فَانْفَلَتَ منه فَصَادَهُ غَيْرُهُ من سَاعَتِهِ أو بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وهو لِصَاحِبِهِ الذي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كما يَمْلِكُ شَاتَه أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَهُ في يَدَيْهِ ضمن ( ( ( يضمن ) ) ) له قِيمَتَهُ كما يَضْمَنُ له قِيمَةَ شَاتِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الشَّاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَ الأنسي لو اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ كان لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ من مَلَكَ من الْآدَمِيِّينَ شيئا لم يَخْرُجْ من مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هو وَلَوْ كان هَرَبَ الْوَحْشِيُّ من يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ كان هَرَبُ الأنسي يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ من خَالَفَ هذا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ من مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قال لَا وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا قِيلَ وَهَكَذَا لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُ من مَلَكَهَا على من مَلَكَهَا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا من يَدِهِ وَيُسْأَلُ ما فَرْقُ بين أَنْ يَخْرُجَ من يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كان لِلْأَوَّلِ إذَا تَقَارَبَ ذلك وَإِنْ تَبَاعَدَ كان لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ إذَا تَبَاعَدَ كان لِلْأَوَّلِ وإذا تَقَارَبَ كان لِلْآخَرِ ما الْحُجَّةُ عليه هل هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ وإذا انْفَلَتَ كان لِمَنْ أَخَذَهُ من سَاعَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ وحشى في الْأَرْضِ من طَائِرٍ أو غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ من الصَّيْدِ

(2/238)


في الذَّبْحِ وَلَا يَقَعُ إلَّا على الْبَدَنِ وما ثَبَتَ فيه منه ولم يُزَايِلْهُ وما زايله كان بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو ضَرَبَ منه عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَهَا لم يَأْكُلْ منه شيئا لِأَنَّ الذَّكَاةَ قد أَمْكَنَتْهُ فَصَارَتْ الضَّرْبَةُ الْأُولَى غير الذَّكَاةِ - * بَابٌ فيه مَسَائِلُ مِمَّا سَبَقَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فما قُدِرَ على ذَكَاتِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَذَكَاتُهُ في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِمَا أنسيا كان أو وَحْشِيًّا وما لم يُقْدَرْ عليه فَذَكَاتُهُ أَنْ يُنَالَ بِالسِّلَاحِ حَيْثُ قُدِرَ عليه أنسيا كان أو وَحْشِيًّا فَإِنْ تَرَدَّى بَعِيرٌ في نَهْرٍ أو بِئْرٍ فلم يُقْدَرْ على مَنْحَرِهِ وَلَا مَذْبَحِهِ حَيْثُ يُذَكَّى فَطُعِنَ فيه بِسِكِّينٍ أو شَيْءٍ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ فَأَنْهَرَ الدَّمَ منه ثُمَّ مَاتَ أُكِلَ وَهَكَذَا ذَكَاةُ ما لَا يُقْدَرُ عليه قد تَرَدَّى بَعِيرٌ في بِئْرٍ فَطُعِنَ في شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عنه بن عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ وَأَخَذَ منه عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسُئِلَ بن الْمُسَيِّبِ عن الْمُتَرَدِّي يُنَالُ بِشَيْءٍ من السِّلَاحِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ فقال حَيْثُمَا نِلْت منه بِالسِّلَاحِ فَكُلْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ في الذَّبِيحَةِ أَنْ تُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ ذلك وَإِنْ لم يَفْعَلْ الذَّابِحُ فَقَدْ تَرَكَ ما أَسْتَحِبُّهُ له وَلَا يُحَرِّمُهَا ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضى اللَّهُ عنه عن النَّخْعِ وَأَنْ تُعَجَّلَ الْأَنْفُسُ أَنْ تُزْهَقَ وَالنَّخْعُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يَكْسِرَ قَفَاهَا من مَوْضِعِ الذَّبْحِ لِنَخْعِهِ وَلِمَكَانِ الْكَسْرِ فيه أو تُضْرَبَ لِيُعَجِّلَ قَطْعَ حَرَكَتِهَا فَأَكْرَهُ هذا وَأَنْ يَسْلُخَهَا أو يَقْطَعَ شيئا منها وَنَفْسُهَا تَضْطَرِبُ أو يَمَسُّهَا بِضَرْبٍ أو غَيْرِهِ حتى تَبْرُدَ وَلَا يَبْقَى فيها حَرَكَةٌ فَإِنْ فَعَلَ شيئا مِمَّا كَرِهْت له بَعْدَ الْإِتْيَانِ على الذَّكَاةِ كان مُسِيئًا ولم يُحَرِّمْهَا ذلك لِأَنَّهَا ذَكِيَّةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبِيحَةً فَسَبَقَتْهُ يَدُهُ فَأَبَانَ رَأْسَهَا أَكَلَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ أتى بِالذَّكَاةِ قبل قَطْعِ الرَّأْسِ وَلَوْ ذَبَحَهَا من قَفَاهَا أو أَحَدِ صَفْحَتَيْ عُنُقِهَا ثُمَّ لم يَعْلَمْ مَتَى مَاتَتْ لم يَأْكُلْهَا حتى يَعْلَمَ فَإِنْ عَلِمَ أنها حَيِيَتْ بَعْدَ قَطْعِ الْقَفَا أو أَحَدِ صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ حتى وَصَلَ بِالْمُدْيَةِ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَقَطَعَهُمَا وَهِيَ حَيَّةٌ أَكَلَ وكان مُسِيئًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ كما لو جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا كان مُسِيئًا وَكَانَتْ حَلَالًا وَلَا يَضُرُّهُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعًا أَقَطَعَ ما بقى من رَأْسِهَا أو لم يَقْطَعْهُ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فإذا وَصَلَ إلَى قَطْعِهِمَا وَفِيهَا الْحَيَاةُ كانت ذَكِيَّةً وإذا لم يَصِلْ إلَى ذلك وَفِيهَا الْحَيَاةُ كانت مَيْتَةً وإذا غَابَ ذلك عَنِّي وقد ابْتَدَأَ من غَيْرِ جِهَتِهَا جَعَلْت الْحُكْمَ على الذي ابْتَدَأَ منه إذَا لم أَسْتَيْقِنْ بِحَيَاةٍ بَعْدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّسْمِيَةُ على الذَّبِيحَةِ بِاسْمِ اللَّهِ فإذا زَادَ على ذلك شيئا من ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ وَلَا أَكْرَهُ مع تَسْمِيَتِهِ على الذَّبِيحَةِ أَنْ يَقُولَ صلى اللَّهُ على رسول اللَّهِ بَلْ أُحِبُّهُ له وَأُحِبُّ له أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عليه فَصَلَّى اللَّهُ عليه في كل الْحَالَاتِ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل وَالصَّلَاةَ عليه إيمَانٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَةٌ له يُؤْجَرُ عليها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من قَالَهَا وقد ذَكَرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُ كان مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما كان مَأْكُولًا من طَائِرٍ أو دَابَّةٍ فَأَنْ يُذْبَحَ أَحَبُّ إلى وَذَلِكَ سُنَّتُهُ وَدَلَالَةُ الْكِتَابِ فيه وَالْبَقَرُ دَاخِلَةٌ في ذلك لِقَوْلِهِ عز وجل { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَحِكَايَتُهُ فقال { فَذَبَحُوهَا وما كَادُوا يَفْعَلُونَ } إلَّا الْإِبِلَ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُنْحَرُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بُدْنَهُ فَمَوْضِعُ النَّحْرِ في الِاخْتِيَارِ في السُّنَّةِ في اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ في الِاخْتِيَارِ في السُّنَّةِ أَسْفَلُ من اللَّحْيَيْنِ وَالذَّكَاةُ في جَمِيعِ ما يُنْحَرُ وَيُذْبَحُ ما بين اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ فَأَيْنَ ذَبَحَ من ذلك أَجْزَأَهُ فيه ما يُجْزِيهِ إذَا وَضَعَ الذَّبْحَ في مَوْضِعِهِ وَإِنْ نَحَرَ ما يُذْبَحُ أو ذَبَحَ ما يُنْحَرُ كَرِهْته له ولم أُحَرِّمْهُ عليه وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ ذَكَاةٌ كُلُّهُ غير أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ من ذلك مَوْضِعَهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ قال بن عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ وروى مِثْلُ ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وزاد عُمَرُ وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ

(2/239)


فَتَقَدَّمَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَاتَّبَعَهُ فَوَجَدَهُ عبد الرحمن سَاجِدًا فَوَقَفَ يَنْتَظِرُهُ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فقال عبد الرحمن لقد خَشِيت أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ قد قَبَضَ رُوحَك في سُجُودِك فقال يا عَبْدَ الرحمن إنِّي لَمَّا كُنْت حَيْثُ رَأَيْت لَقِيَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي عن اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قال من صلى عَلَيْك صَلَّيْت عليه فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من نسى الصَّلَاةَ عَلَيَّ خطيء ( ( ( خطئ ) ) ) بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ ( قال الرَّبِيعُ ) قال مَالِكٌ لَا يصلى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ على الذَّبِيحَةِ وَإِنْ ذَا لَعَجَبٌ وَالشَّافِعِيُّ يقول يُصَلَّى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ على الذَّبِيحَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَبْحُ كل من أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلى من ذَبْحِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ حَلَالِ الذَّبِيحَةِ غير أَنِّي أُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ نُسُكِهِ فإنه يُرْوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِامْرَأَةٍ من أَهْلِهِ فَاطِمَةَ أو غَيْرِهَا احضري ذَبْحَ نَسِيكَتِك فإنه يُغْفَرُ لَك عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ذَبَحَ النَّسِيكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا أَجْزَأَتْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ بَعْضَهُ غَيْرُهُ وَأَهْدَى هَدْيًا فَإِنَّمَا نَحَرَهُ من أَهْدَاهُ معه غير أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شيئا من النَّسَائِكِ مُشْرِكٌ لَأَنْ يَكُونَ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ على أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ ذَبَحَهَا مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَتْ مع كَرَاهَتِي لِمَا وَصَفْت وَنِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا أَطَقْنَ الذَّبْحَ كَرِجَالِهِمْ وما ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ أو بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ منه شَحْمًا أو حَوَايَا أو ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أو غَيْرِهِ إنْ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فَلَا بَأْسَ على الْمُسْلِمِينَ في أَكْلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَكَانَ ذلك عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ فَكُلُّ ما ذَبَحُوا لنا فَفِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُحَرِّمُونَ فَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ من أَصْلِ دِينِهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ لَحَرُمَ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لنا وَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ ليس من طَعَامِهِمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّ لنا طَعَامُهُمْ وكان ذلك على ما يَسْتَحِلُّونَ كَانُوا قد يَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا يَعُدُّونَهُ لهم طَعَامًا فَكَانَ يَلْزَمُنَا لو ذَهَبْنَا هذا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ من طَعَامِهِمْ الْحَلَالِ لهم عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ ليس هذا مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَاهَا ما وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَنْزَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما أَحَلَّ فيه فَهُوَ حَلَالٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان ذلك مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أو لم يَكُنْ مُحَرَّمًا وما حَرَّمَ فيه فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان ذلك حَرَامًا قَبْلَهُ أو لم يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ ما خَالَفَهُ من كل دِينٍ أَدْرَكَهُ أو كان قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ على الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غير أَنَّهُ أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ صَاغِرُونَ غير عَاذِرٍ لهم بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلَا مُحَرِّمٍ عليهم شيئا أَحَلَّهُ في كِتَابِهِ وَلَا مُحِلٍّ لهم شيئا حَرَّمَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْنَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا وَلَا نَخَافُ عليه أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَلَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُونَ الشَّيْطَانُ أَدْخَلَ على بَعْضِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ النَّهْيَ عن ذِكْرِ اسْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الذَّبِيحَةِ لِيَمْنَعَهُمْ الصَّلَاةَ عليه في حَالٍ لِمَعْنًى يَعْرِضُ في قُلُوبِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وما يُصَلِّي عليه أَحَدٌ إلَّا إيمَانًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا له وَتَقَرُّبًا إلَيْهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَرَّبَنَا بِالصَّلَاةِ عليه منه زُلْفَى وَالذِّكْرُ على الذَّبَائِحِ كُلِّهَا سَوَاءٌ وما كان منها نُسُكًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَهُ وَإِنْ قال اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَإِنْ ضَحَّى بها عن أَحَدٍ فقال تَقَبَّلْ من فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ هذا دُعَاءٌ له لَا يُكْرَهُ في حَالٍ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فقال في أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عز وجل اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ وفي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ وَعَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( قال الرَّبِيعُ ) رَأَيْت الشَّافِعِيَّ إذَا حَضَرَ الْجَزَّارُ لِيَذْبَحَ الضَّحِيَّةَ حَضَرَهُ حتى يَذْبَحَ - * بَابُ الذَّبِيحَةِ وَفِيهِ من يَجُوزُ ذَبْحُهُ - *

(2/240)


في كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أو مُسْتَأْمَنِينَ أو ذِمَّةً (1) * كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَتَرْجَمَ فيه ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ + * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما يَحِلُّ أَكْلُهُ من الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ شَيْئَانِ ثُمَّ يَتَفَرَّقَانِ فَيَكُونُ منها شَيْءٌ مُحَرَّمٌ نَصًّا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَيْءٌ مُحَرَّمٌ في جُمْلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَارِجٌ من الطَّيِّبَاتِ وَمِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } وَيَقُولُ { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } فَأَهْلُ التَّفْسِيرِ أو من سَمِعْت منه منهم يقول في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يعنى مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ فإن الْعَرَبَ كانت تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ على أنها من الْخَبَائِثِ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ على أنها من الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لهم الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا ما اسْتَثْنَى منها وَحُرِّمَتْ عليهم الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل { وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ لَا يَجُوزُ في تَفْسِيرِ الآي ( ( ( الآية ) ) ) إلَّا ما وَصَفْت من أَنْ تَكُونَ الْخَبَائِثُ مَعْرُوفَةً عِنْدَ من خُوطِبَ بها وَالطَّيِّبَاتُ كَذَلِكَ إمَّا في لِسَانِهَا وَإِمَّا في خَبَرٍ يَلْزَمُهَا وَلَوْ ذَهَبَ ذاهب إلي أَنْ يَقُولَ كُلُّ ما حَرُمَ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ وما لم يَنُصَّ بِتَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلَالٌ أَحَلَّ أَكْلَ الْعَذِرَةِ وَالدُّودِ وَشُرْبِ الْبَوْلِ لِأَنَّ هذا لم يُنَصَّ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا فَحُرِّمَتْ عليهم بِتَحْرِيمِهِمْ وكان هذا في شَرٍّ من حَالِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمُحَرَّمَيْنِ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ يُنَجِّسَانِ ما مَاسَّا وقد كانت الْمَيْتَةُ قبل الْمَوْتِ غير نَجِسَةٍ فَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ اللَّذَانِ لم يَكُونَا قَطُّ إلَّا نَجِسَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَا أَنْ يُؤْكَلَا أو يُشْرَبَا وإذا كان هذا هَكَذَا فَفِيهِ كِفَايَةٌ مع أَنَّ ثَمَّ دَلَالَةٌ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ هذا على تَحْرِيمِ أَكْلِ ما أَمَرَ بِقَتْلِهِ في الْإِحْرَامِ وَلَمَّا كان هذا من الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ كما وَصَفْت دَلَّ هذا على أَنْ أَنْظُرَ إلَى كل ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَيَكُونُ حَلَالًا وَإِلَى ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَيَكُونُ حَرَامًا فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ كَلْبًا وَلَا ذِئْبًا وَلَا أَسَدًا وَلَا نَمِرًا وَتَأْكُلُ الضَّبُعَ فَالضَّبُعُ حَلَالٌ وَيُجْزِيهَا الْمُحَرَّمُ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها صَيْدٌ وَتُؤْكَلُ ولم تكن تَأْكُلْ الْفَأْرَ وَلَا الْعَقَارِبَ وَلَا الْحَيَّاتِ وَلَا الْحِدَأَ وَلَا الْغِرْبَانَ فَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ ما حَرَّمُوا وَإِحْلَالِ ما أَحَلُّوا وَإِبَاحَةِ أَنْ يُقْتَلَ في الْإِحْرَامِ ما كان غير حَلَالٍ أَنْ يُؤْكَلَ ثُمَّ هذا أَصْلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ الرَّخَمُ وَلَا الْبُغَاثُ وَلَا الصُّقُورُ وَلَا الصَّوَائِدُ من الطَّائِرِ كُلِّهِ مِثْلُ الشَّوَاهِينِ وَالْبُزَاةِ وَالْبَوَاشِقِ وَلَا تُؤْكَلُ الْخَنَافِسُ وَلَا الْجُعْلَان وَلَا الْعَظَاءُ وَلَا اللُّحَكَاءُ وَلَا الْعَنْكَبُوتُ وَلَا الزَّنَابِيرُ وَلَا كُلُّ ما كانت الْعَرَبُ لَا تَأْكُلُهُ وَيُؤْكَلُ الضَّبُّ وَالْأَرْنَبُ وَالْوَبْرُ وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَكُلُّ ما أَكَلَتْهُ الْعَرَبُ أو فذاه ( ( ( فداه ) ) )
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمَجْنُونِ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ في حَالِ جُنُونِهِ وَلَا أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عن هَذَيْنِ لو صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ وَالذَّكَاةِ الصَّلَاةُ أَعْمَالٌ لَا تُجْزِي إلَّا من عَقَلَهَا وَلَا تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وفي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ وَهُمَا مِمَّا لَا يَعْقِلُ ذلك وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عليها فإذا أَتَيَا عليها لم أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فيها أَسْوَأَ حَالًا من مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ حَائِضٍ أو صَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ أو من لَا تَجِبُ عليه الْحُدُودُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ فَقُلْت بهذا الْمَعْنَى إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِتْيَانُ على الذَّكَاةِ

(2/241)


الْمُحْرِمُ في سُنَّةٍ أو أَثَرٍ وَتُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن الحرث عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن بن أبي عَمَّارٍ قال سَأَلْت جَابِرَ بن عبد اللَّهِ عن الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ فقال نعم قُلْت أَتُؤْكَلُ قال نعم قُلْت أَسَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ على أُصُولِهَا فما كان منها أَصْلُهُ وَحْشِيًّا واستأنس ( ( ( واستؤنس ) ) ) فَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ منه وَيَحْرُمُ كَالْوَحْشِ وَذَلِكَ مِثْلُ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالظَّبْيِ يُسْتَأْنَسَانِ وَالْحِمَارُ يُسْتَأْنَسُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَيَحِلُّ أَنْ يَذْبَحَ حِمَارَ الْوَحْشِ الْمُسْتَأْنَسِ فَيُؤْكَلُ وما كان لَا أَصْلَ له في الْوَحْشِ مِثْلُ الدَّجَاجِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَتَوَحَّشَتْ فَقَتَلَهَا الْمُحْرِمُ لم يُجِزْهَا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ إنْ كان لها لِأَنَّا صَيَّرْنَا هذه الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا على أُصُولِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ في الْوَحْشِ بَقَرٌ وَظِبَاءٌ مِثْلُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قِيلَ نعم تُخْلَقُ غير خَلْقِ الْأَهْلِيَّةِ شَبَهًا لها مَعْرُوفَةً منها وَلَوْ أَنَّا زَعَمْنَا أَنَّ حِمَارَ الْوَحْشِ إذَا تَأَهَّلَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ دخل عَلَيْنَا أَنْ لو قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لم يُجِزْهُ كما لو قَتَلَ حِمَارًا أَهْلِيًّا لم يُجِزْهُ وَدَخَلَ عَلَيْنَا في الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ أَنْ لو تَوَحَّشَ كان حَلَالًا وَكُلُّ ما تَوَحَّشَ من الْأَهْلِيِّ في حُكْمِ الْوَحْشِيِّ وما استأنس ( ( ( استؤنس ) ) ) من الْوَحْشِيِّ في حُكْمِ الْإِنْسِيِّ فَأَمَّا الْإِبِلُ التي أَكْثَرُ عَلَفِهَا الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ فَكُلُّ ما صَنَعَ هذا من الدَّوَابِّ التي تُؤْكَلُ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَأَرْوَاحُ الْعَذِرَةِ تُوجَدُ في عِرْقِهَا وجررها ( ( ( وجرارها ) ) ) لِأَنَّ لُحُومَهَا تغتذى بها فَتَقْلِبُهَا وما كان من الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا أَكْثَرُ عَلَفِهِ من غَيْرِ هذا وكان يَنَالُ هذا قَلِيلًا فَلَا يَبِينُ في عِرْقِهِ وَلَا جُرُرِهِ لِأَنَّ اغْتِذَاءَهُ من غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِجَلَّالٍ مَنْهِيٍّ عنه وَالْجَلَّالَةُ مَنْهِيٌّ عن لُحُومِهَا حتى تُعْلَفَ عَلَفًا غَيْرَهُ ما تَصِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا مُنْقَلِبًا عَمَّا كانت تَكُونُ عليه فَيُعْلَمُ أَنَّ اغْتِذَاءَهَا قد انْقَلَبَ فَانْقَلَبَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا فَتُؤْكَلُ إذَا كانت هَكَذَا وَلَا نجد ( ( ( تجد ) ) ) شيئا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَجِدَهُ فيها كُلِّهَا أَبْيَنَ من هذا وقد جاء في بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ الْبَعِيرَ يُعْلَفُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَالشَّاةُ عَدَدًا أَقَلَّ من هذا وَالدَّجَاجَةُ سَبْعًا وَكُلُّهُمْ فِيمَا يُرَى إنَّمَا أَرَادَ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من تَغَيُّرِهَا من الطِّبَاعِ الْمَكْرُوهَةِ إلَى الطِّبَاعِ غَيْرِ الْمَكْرُوهَةِ التي هِيَ في فِطْرَةِ الدَّوَابِّ - * بَابُ ذَبَائِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُلُّ الطَّعَامِ كان حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا ما حَرَّمَ إسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ } الْآيَةَ وقال عز ذِكْرُهُ { فَبِظُلْمٍ من الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عليهم طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لهم } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ طَيِّبَاتٍ كانت أُحِلَّتْ لهم وقال عز وجل { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } إلَى قَوْلِهِ { لَصَادِقُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْحَوَايَا ما حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ في الْبَطْنِ فلم يَزَلْ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى على بَنِي إسْرَائِيلَ الْيَهُودِ خَاصَّةً وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً مُحَرَّمًا من حِينِ حَرَّمَهُ حتى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَطَاعَةِ أَمْرِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الذي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كان قَبْلَهُ وَجَعَلَ من أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فلم يَتَّبِعْهُ كَافِرًا بِهِ فقال { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } فَكَانَ هذا في الْقُرْآنِ وَأَنْزَلَ عز وجل في أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما يُبَاعُ لَحْمُ الضِّبَاعِ بِمَكَّةَ إلَّا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا ما عَدَا على الناس وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا في ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ من السِّبَاعِ الْأَسَدُ وَالذِّئَابُ وَالنُّمُورُ فَأَمَّا الضَّبُعُ فَلَا يَعْدُو على الناس وَكَذَلِكَ الثَّعْلَبُ وَيُؤْكَلُ الْيَرْبُوعُ وَالْقُنْفُذُ

(2/242)


إلَى قَوْلِهِ { مُسْلِمُونَ } وَأُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لم يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَالْأَغْلَالَ التي كانت عليهم } فَقِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْزَارَهُمْ وما مَنَعُوا بِمَا أَحْدَثُوا قبل ما شُرِعَ من دِينِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم كِتَابِيٌّ وَلَا وَثَنِيٌّ وَلَا حَيٌّ ذُو رُوحٍ من جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا قَامَتْ عليه حُجَّةُ اللَّهِ عز وجل بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وكان مُؤْمِنًا بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امريء ( ( ( امرئ ) ) ) منهم آمَنَ بِهِ أو كَفَرَ تَحْرِيمُ ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان مُبَاحًا قَبْلَهُ في شَيْءٍ من الْمِلَلِ وَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وقد وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ ولم يَسْتَثْنِ منها شيئا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ منها ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وفي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ على كل مُسْلِمٍ مِمَّا كان حَرُمَ على أَهْلِ الْكِتَابِ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى من شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَذَلِكَ لو ذَبَحَهَا كتابى لِنَفْسِهِ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لم يَحْرُمْ على مُسْلِمٍ من شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ منها شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا من جِهَةِ الذَّكَاةِ لِأَحَدٍ حَرَامًا على غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ ما ذَكَرَ عَامًّا لَا خَاصًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ هل يَحْرُمُ على أَهْلِ الْكِتَابِ ما حَرُمَ عليهم قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لم يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ قِيلَ ذلك كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عليهم حتى يُؤْمِنُوا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا عليهم وقد نُسِخَ ما خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدِينِهِ كما لَا يَجُوزُ إنْ كانت الْخَمْرُ حَلَالًا لهم إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عليهم إذْ حُرِّمَتْ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَدْخُلُوا في دِينِهِ - * ما حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على أَنْفُسِهِمْ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على أَنْفُسِهِمْ من أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ عز وجل أنها لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وقد ذَكَرْت بَعْضَ ما ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى منها وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَانُوا يَتْرُكُونَهَا في الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وقد فَسَّرْته في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } وقال { قد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً على اللَّهِ قد ضَلُّوا وما كَانُوا مُهْتَدِينَ } وقال اللَّهُ عز وجل وهو يَذْكُرُ ما حَرَّمُوا { وَقَالُوا هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا من نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ } إلَى قَوْلِهِ { حَكِيمٌ عَلِيمٌ } وَقَالُوا { ما في بُطُونِ هذه الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا } الْآيَةَ وقال { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ من الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عليهم ما حَرَّمُوا وَيُقَالُ نَزَلَتْ فِيهِمْ { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } فَرَدَّ إلَيْهِمْ ما أَخْرَجُوا من الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لم يُحَرِّمْ عليهم ما حَرَّمُوا بِتَحْرِيمِهِمْ وقال { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يعنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من الْمَيْتَةِ وَيُقَالُ أُنْزِلَ في ذلك { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } إلَى قَوْلِهِ { فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَهَذَا يُشْبِهُ ما قِيلَ يَعْنِي { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } أَيْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ إلَّا مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا منها وَهِيَ حَيَّةٌ أو ذَبِيحَةُ كَافِرٍ وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وقد قِيلَ ما كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وقال { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا } إلَى قَوْلِهِ { وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَهَذِهِ الْآيَةُ في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَ

(2/243)


- * ما حَرُمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } فَيُقَالُ يُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وكان الصَّيْدُ ما امْتَنَعَ بِالتَّوَحُّشِ كُلُّهُ وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً أَنْ يَحْرُمَ على الْمُحْرِمِ ما وَقَعَ عليه اسْمُ صَيْدٍ وهو يجزئ بَعْضَ الصَّيْدِ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ من الصَّيْدِ شيئا ليس على الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ كُلُّ ما يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ ولم يَكُنْ في الصَّيْدِ شَيْءٌ يَتَفَرَّقُ إلَّا بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَرَادَ أَنْ يفدى الصَّيْدَ الْمُبَاحَ أَكْلُهُ وَلَا يفدى ما لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَهَذَا أَوْلَى مَعْنَيَيْهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصِيدُونَ لِيَأْكُلُوا لَا لِيَقْتُلُوا وهو يُشْبِهُ دَلَالَةَ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَعَالَى { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ من الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وقال عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وقال { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فذكر جَلَّ ثَنَاؤُهُ إبَاحَةَ صَيْدِ الْبَحْرِ لِلْمُحْرِمِ وَمَتَاعًا له يَعْنِي طَعَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عليه بِالْإِحْرَامِ ما كان أَكْلُهُ مُبَاحًا له قبل الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَالْفَأْرَةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ الذي يَعْدُو على الناس فَكَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ على لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَكَانَ ما أُبِيحَ قَتْلُهُ مَعَهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ لِإِبَاحَتِهِ مَعَهَا وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ ضَرَرُهَا وَأَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْلَ الضَّبُعِ وهو أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ أَضْعَافًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ ما ضَرَّ وَلَا يَقْتُلَ ما لَا يَضُرُّ وَيَفْدِيهِ إنْ قَتَلَهُ وَلَيْسَ هذا مَعْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَلَّ أَكْلَ لَحْمِ الضَّبُعِ وَأَنَّ السَّلَفَ وَالْعَامَّةَ عِنْدَهُمْ فَدَوْهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ والفأرة ( ( ( والفأر ) ) ) وَكُلُّ ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَكَانَتْ تَدَعُهُ على التَّقَذُّرِ بِهِ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الْحِدَأِ وَالْبُغَاثِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُزَاةِ وَالرَّخَمِ وَالْفَأْرَةِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلَانِ وَالْعَظَاءِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَالذَّرِّ وَالذِّبَّانِ وما أَشْبَهَ هذا وَكُلُّ ما كانت تَأْكُلُهُ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ ولم يَكُنْ في مَعْنَى ما نَصَّ تَحْرِيمَهُ أو يَكُونُ على تَحْرِيمِهِ دَلَالَةٌ فَهُوَ حَلَالٌ كَالْيَرْبُوعِ وَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبِّ وما كانت لَا تَأْكُلُهُ ولم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ مِثْلُ الْبَوْلِ والخرء ( ( ( والخمر ) ) ) وَالدُّودِ وما في هذا الْمَعْنَى وَعِلْمُ هذا مَوْجُودٌ عِنْدَهَا إلَى الْيَوْمِ وَكُلُّ ما قُلْت حَلَالٌ حَلَّ ثَمَنُهُ وَيَحِلُّ بِالذَّكَاةِ وَكُلُّ ما قُلْت حَرَامٌ حَرُمَ ثَمَنُهُ ولم يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلُحُومِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَجُوزَ في حَالِ ضَرُورَةٍ وَحَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ وَلَا تَجُوزُ مَيْتَةٌ بِحَالٍ - * الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال

(2/244)


وقال عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَبَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ مَمْنُوعٌ من زَوْجِهَا الْوَاجِبُ الْحَقُّ عليها إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا وَأَبَاحَهُ بِطِيبِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِمَالِهَا مَمْنُوعٌ بِمِلْكِهَا مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهَا كما قضي اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ وَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ من كان مَالِكًا فَمَالُهُ مَمْنُوعٌ بِهِ مُحَرَّمٌ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ بِإِبَاحَتِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا بِإِبَاحَةِ مَالِكِهِ له لَا فَرْقَ بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَبَيَّنَ أَنَّ سُلْطَانَ الْمَرْأَةِ على مَالِهَا كَسُلْطَانِ الرَّجُلِ على مَالِهِ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَجَمَعَتْ الرُّشْدَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لم يَسْتَثْنِ فيه إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ الْيَتَامَى على أَنَّ طِيبَ نَفْسِ الْيَتِيمِ لَا يُحِلُّ أَكْلَ مَالِهِ وَالْيَتِيمُ وَالْيَتِيمَةُ في ذلك وَاحِدٌ وَالْمَحْجُورُ عليه عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ على مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الناس في أَمْوَالِهِمْ وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ مُخَلًّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فما حَلَّ له فَأُحِلُّهُ لِغَيْرِهِ حِلٌّ أو مَمْنُوعٌ من مَالِهِ فما أَبَاحَ منه لم يَجُزْ لِمَنْ أَبَاحَهُ له لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ على إبَاحَتِهِ له فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لِلْحَجْرِ في الْقُرْآنِ أَصْلٌ يَدُلُّ عليه قِيلَ نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } الْآيَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَيُنْتَقَلَ مَتَاعُهُ وقد روى حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ إذَا دخل أحدكم الْحَائِطَ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً وما لَا يَثْبُتُ لَا حُجَّةَ فيه وَلَبَنُ الْمَاشِيَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَإِنْ لم يَثْبُتْ هَكَذَا من ثَمَرِ الْحَائِطِ لِأَنَّ ذلك اللَّبَنَ يُسْتَخْلَفُ في كل يَوْمٍ وَاَلَّذِي يَعْرِفُ الناس أَنَّهُمْ يَبْذُلُونَ منه وَيُوجِبُونَ من بَذْلِهِ ما لَا يَبْذُلُونَ من الثَّمَرِ وَلَوْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا بِهِ ولم نُخَالِفْهُ - * جِمَاعُ ما يَحِلُّ من الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيَحْرُمُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا لم يَكُنْ لِمَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ أو أَحَلَّهُ مَالِكُهُ من الْآدَمِيِّينَ حَلَالٌ إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أو على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَزِمَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُحَرَّمَ وَيُحَرَّمَ ما لم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في تَحْرِيمِهِ وكان في مَعْنَى كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في أَنَّ كُلَّ ما كان مُبَاحَ الْأَصْلِ يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ حتى يَأْذَنَ فيه مَالِكُهُ فَالْحُجَّةُ فيه أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } الْآيَةَ وقال { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إلَى قَوْلِهِ { هَنِيئًا مَرِيئًا } مع آيٍ كَثِيرَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَظَرَ فيها أَمْوَالَ الناس إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا بِمَا فُرِضَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ ( قال )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَأَبَانَ اللَّهُ في كِتَابِهِ أَنَّ ما كان مِلْكًا لآدمى لم يَحِلَّ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَبَانَه

(2/245)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَعَلَ الْحَلَالَ حَلَالًا بِوَجْهٍ حَرَامًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَأَبَانَتْهُ السُّنَّةُ فإذا مَنَعَ اللَّهُ عز وجل مَالَ الْمَرْأَةِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَفِي ذلك مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللَّبَنِ الذي تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ على مَالِكِهِ وَيُسْتَخْلَفُ في الْيَوْمِ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ فَحَرُمَ الْأَقَلُّ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ كان الْأَكْثَرُ مِثْلَ الْأَقَلِّ أو أَعْظَمَ تَحْرِيمًا بِقَدْرِ عِظَمِهِ على ما هو أَصْغَرُ منه من مَالِ الْمُسْلِمِ وَمِثْلُ هذا ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل من الْمَوَارِيثِ بَعْدَ مَوْتِ مَالِكِ الْمَالِ فلما لم يَكُنْ لِقَرِيبٍ أَنْ يَرِثَ الْمَالَ الذي قد صَارَ مَالِكُهُ غير مَالِكٍ إلَّا بِمَا مَلَكَ كان لَأَنْ يَأْخُذَ مَالَ حَيٍّ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ أو مَيِّتٍ بِغَيْرِ ما جَعَلَ اللَّهُ له أَبْعَدَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ ما يَمْلِكُ الناس مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا شيآن ( ( ( شيئان ) ) ) أَحَدُهُمَا ما فيه رُوحٌ وَذَلِكَ الذي فيه مُحَرَّمٌ وَحَلَالٌ وَمِنْهُ ما لَا رُوحَ فيه وَذَلِكَ كُلُّهُ حَلَالٌ إذَا كان بِحَالِهِ التي خَلَقَهُ اللَّهُ بها وكان الْآدَمِيُّونَ لم يُحْدِثُوا فيه صَنْعَةً خَلَطُوهُ بِمُحَرَّمٍ أو اتَّخَذُوهُ مُسْكِرًا فإن هذا مُحَرَّمٌ وما كان منه سُمًّا يَقْتُلُ رَأَيْته مُحَرَّمًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ على الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ قَتْلَهُمْ أَنْفُسَهُمْ خَاصَّةً وما كان منه خَبِيثًا قَذِرًا فَقَدْ تَرَكَتْهُ الْعَرَبُ تَحْرِيمًا له بِقَذَرِهِ وَيَدْخُلُ في ذلك ما كان نَجِسًا وما عَرَفَهُ الناس سُمًّا يَقْتُلُ خِفْت أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ رُخْصَةٌ في شُرْبِهِ لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَكْرَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ خَلَطَهُ غَيْرُهُ أو لم يَخْلِطْهُ وَأَخَافُ منه على شَارِبِهِ وَسَاقِيهِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا نَفْسَهُ وَمَنْ سَقَاهُ وقد قِيلَ يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الْبَحْتُ منه وَيَحِلُّ الْقَلِيلُ الذي الْأَغْلَبُ منه أنه يَنْفَعَ وَلَا يَبْلُغَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وقد سَمِعْت بِمَنْ مَاتَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِمَالِكِهَا مَمْنُوعَةٌ إلَّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ فَلَزِمَ خَلْقَهُ بِفَرْضِهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ مِمَّا لِلَّهِ عز وجل طَاعَةٌ بِمَا أَوْجَبَ في أَمْوَالِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ أو لم تَطِبْ من الزَّكَاةِ وما لَزِمَهُمْ بِإِحْدَاثِهِمْ وَإِحْدَاثِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على من سَنَّ منهم أَخْذَهُ من أَمْوَالِهِمْ وَالْمَعْنَى الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ ما أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَازِمٌ بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل فَذَلِكَ مِثْلُ الدِّيَةِ على قَاتِلِ الْخَطَأِ فَيَكُونُ على عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ لم تَطِبْ بها أَنْفُسُهُمْ وَغَيْرُ ذلك مِمَّا هو مَوْضُوعٌ في مَوَاضِعِهِ من الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَلَوْلَا الِاسْتِغْنَاءُ بِعِلْمِ الْعَامَّةِ بِمَا وَصَفْنَا في هذا لَأَوْضَحْنَا من تَفْسِيرِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ مر ( ( ( أمر ) ) ) لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أو تَمْرٍ أو مَاشِيَةٍ أو غَيْرِ ذلك من مَالِهِ لم يَكُنْ له أَخْذُ شَيْءٍ منه إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هذا مِمَّا لم يَأْتِ فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بِمَالِكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد قِيلَ من مَرَّ بِحَائِطٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يَتَّخِذَ خُبْنَةً وروى فيه حَدِيثٌ لو كان يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا لم نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ فَخَافَ الْمَوْتَ ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ منه ما يَرُدُّ من جُوعِهِ وَيَغْرَمُ له ثَمَنَهُ ولم أَرَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَهُ في تِلْكَ الْحَالِ فَضْلًا من طَعَامٍ عِنْدَهُ وَخِفْت أَنْ يَضِيقَ ذلك عليه وَيَكُونَ أَعَانَ على قَتْلِهِ إذَا خَافَ عليه بِالْمَنْعِ الْقَتْلَ - * جِمَاعُ ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِمَّا يَمْلِكُ الناس - *

(2/246)


من قَلِيلٍ قد بَرَأَ منه غَيْرُهُ فَلَا أُحِبُّهُ وَلَا أُرَخِّصُ فيه بِحَالٍ وقد يُقَاسُ بِكَثِيرِ السُّمِّ وَلَا يَمْنَعُ هذا أَنْ يَكُونَ يَحْرُمُ شُرْبُهُ - * تَفْرِيعُ ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ التَّحْرِيمِ نَصُّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو جُمْلَةُ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عن الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } وقال عز وجل { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لهم } الْآيَةَ وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّيِّبَاتُ وَالْخَبَائِثُ عِنْدَ الْآكِلِينَ كَانُوا لها وَهُمْ الْعَرَبُ الَّذِينَ سَأَلُوا عن هذا وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ من خَبِيثِ الْمَآكِلِ مالا يَكْرَهُهَا غَيْرُهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ في الْآيِ التي ذُكِرَتْ في هذا الْكِتَابِ وما في مَعْنَاهُ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ أَرَأَيْت لو زَعَمْنَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةٌ إلَّا ما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أَمَّا زَعْمُنَا أَنَّ أَكْلَ الدُّودِ وَالذِّبَّانِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَالْخَنَافِسِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْعَظَاءِ وَالْجِعْلَانِ وَخُشَاشِ الْأَرْضِ وَالرَّخَمِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُغَاثِ وَالْغِرْبَانِ وَالْحِدَأِ وَالْفَأْرِ وما في مِثْلِ حَالِهَا حَلَالٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما دَلَّ على تَحْرِيمِهَا قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فَكَانَ شيئآن حَلَالَيْنِ فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وهو صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَكُلُّ ما فيه مَتَاعٌ لهم يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ وَحُرِّمَ عليهم صَيْدُ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ غير مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } إحْلَالَهَا دُونَ ما سِوَاهَا وَاحْتَمَلَ إحْلَالَهَا بِغَيْرِ حَظْرِ ما سِوَاهَا وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَقَوْلُهُ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنه رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَقَوْلُهُ { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه } وما أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أَنْ يَكُونَ أَبَاحَ كُلَّ مَأْكُولٍ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ في كِتَابِهِ نَصًّا وَاحْتَمَلَ كُلَّ مَأْكُولٍ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ بِعَيْنِهِ نَصًّا أو تَحْرِيمُهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحْرُمُ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَتَحْلِيلُ الْكِتَابِ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونُ إنَّمَا حَرُمَ بِالْكِتَابِ في الْوَجْهَيْنِ فلما احْتَمَلَ أَمْرَ هذه الْمَعَانِي كان أَوْلَاهَا بِنَا الِاسْتِدْلَالَ على ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةٍ تُعْرِبُ عن كِتَابِ اللَّهِ أو أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه فإنه لَا يُمْكِنُ في اجْتِمَاعِهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا لِلَّهِ حَرَامًا وَلَا حَلَالًا إنَّمَا يُمْكِنُ في بَعْضِهِمْ وَأَمَّا في عَامَّتِهِمْ فَلَا وقد وَضَعْنَا هذا مَوَاضِعَهُ على التَّصْنِيفِ - * ما يَحْرُمُ من جِهَةِ ما لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ - *

(2/247)


كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ عز وجل لَا يُحَرِّمُ عليهم من صَيْدِ الْبَرِّ في الْإِحْرَامِ إلَّا ما كان حَلَالًا لهم قبل الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَتْلِ الْحَيَّاتِ دَلَّ ذلك على أَنَّ لُحُومَ هذه مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهُ لو كان دَاخِلًا في جُمْلَةِ ما حَرَّمَ اللَّهُ قَتَلَهُ من الصَّيْدِ في الْإِحْرَامِ لم يُحِلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ وَدَلَّ على مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كانت لَا تَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ شيئا ( قال ) فَكُلُّ ما سُئِلْتَ عنه مِمَّا ليس فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَانْظُرْ هل كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَإِنْ كانت تَأْكُلُهُ ولم يَكُنْ فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ فَأَحِلَّهُ فإنه دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْحَلَالِ وَالطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحِلُّونَ ما يَسْتَطِيبُونَ وما لم تَكُنْ تَأْكُلُهُ تَحْرِيمًا له بِاسْتِقْذَارِهِ فَحَرِّمْهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ خَارِجٌ من مَعْنَى ما أُحِلَّ لهم مِمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا على أَنْفُسِهِمْ فَأَثْبَتَ عليهم تَحْرِيمَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ ( قال الرَّبِيعُ ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ يَعْدُو بِنَابِهِ - * الْخِلَافُ وَالْمُوَافَقَةُ في أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَتَفْسِيرُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال لي بَعْضُ من يُوَافِقُنَا في تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما لِكُلِّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا تُحَرِّمُهُ دُونَ ما خَرَجَ من هذه الصِّفَةِ قُلْت له الْعِلْمُ يُحِيطُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قَصَدَ قَصَدَ أَنْ يُحَرِّمَ من السِّبَاعِ مَوْصُوفًا فَإِنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ تَحْرِيمِ بَعْضِ السِّبَاعِ دُونَ بَعْضِ السِّبَاعِ كما لو قُلْت قد أَوْصَيْت لِكُلِّ شَابٍّ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ شَيْخٍ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ حَسَنِ الْوَجْهِ بِمَكَّةَ كُنْت قد قَصَدْت بِالْوَصِيَّةِ قَصْدَ صِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ وَأَخْرَجْت من الْوَصِيَّةِ من لم تَصِفْ أَنَّ له وَصِيَّتَك قال أَجَلْ وَلَوْلَا أَنَّهُ خَصَّ تَحْرِيمَ السِّبَاعِ لَكَانَ أَجْمَعَ وَأَقْرَبَ وَلَكِنَّهُ خَصَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بِالتَّحْرِيمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له هذه الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى من عِلْمِ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ فَسَلْ عن الثَّانِيَةِ قال هل منها شَيْءٌ مَخْلُوقٌ له نَابٌ وَشَيْءٌ مَخْلُوقٌ لَا نَابَ له قُلْت ما عَلِمْته قال فَإِنْ لم تَكُنْ تَخْتَلِفُ فَتَكُونُ الْأَنْيَابُ لِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَكَيْفَ الْقَوْلُ فيها قُلْت لَا مَعْنَى في خَلْقِ الْأَنْيَابِ في تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ إذَا كانت في خَلْقِ الْأَنْيَابِ سَوَاءً شيئا أَنْفِيه خَارِجًا من التَّحْرِيمِ وَلَا بُدَّ من إخْرَاجِ بَعْضِهَا من التَّحْرِيمِ إذَا كان في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إخْرَاجُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْت أَحْفَظُ عن أَحَدٍ سَأَلْته من أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمَكِّيِّينَ خِلَافًا وَجُمْلَةُ هذا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد يَكُونُ مِمَّا حَرَّمَتْ الْعَرَبُ على أَنْفُسِهَا مِمَّا ليس دَاخِلًا في مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ وَإِنْ كُنْت لَا أَحْفَظُ هذا التَّفْسِيرَ وَلَكِنَّ هذه الْجُمْلَةَ وفي تَتَابُعِ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ حُجَّةٌ وَلَوْلَا الِاخْتِصَارُ لَأَوْضَحْته بِأَكْثَرَ من هذا وَسَيَمُرُّ في تَفَارِيقِ الْأَبْوَابِ إيضَاحٌ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * تَحْرِيمُ أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ - * قال الرَّبِيعُ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي إدْرِيسَ عن أبي ثَعْلَبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ
أخبرنا مَالِكٌ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ عن عُبَيْدَةَ بن سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَكْلُ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ

(2/248)


قال أَجَلْ هذا كما وَصَفْت وَلَكِنْ ما أَرَدْت بهذا قُلْت أَرَدْت أَنْ يَذْهَبَ غَلَطُك إلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ في خَلْقِ الْأَنْيَابِ قال فَفِيمَ قُلْت في مَعْنَاهُ دُونَ خَلْقِهِ فَسَلْ عن النَّابِ الذي هو غَايَةُ عِلْمِ كل ذِي نَابٍ قال فَاذْكُرْهُ أنت قُلْت كُلُّ ما كان يَعْدُو منها على الناس بِقُوَّةٍ وَمُكَابَرَةٍ في نَفْسِهِ بِنَابِهِ دُونَ مالا يَعْدُو قال وَمِنْهَا ما لَا يَعْدُو على الناس بِمُكَابَرَةٍ دُونَ غَيْرِهِ منها قُلْت نعم قال فَاذْكُرْ ما يَعْدُو قُلْت يَعْدُو الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ قال فَاذْكُرْ ما لَا يَعْدُو مُكَابَرَةً على الناس قُلْت الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وما أَشْبَهَهُ قال فَلَا مَعْنَى له غَيْرُ ما وَصَفْت قُلْت وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي وَإِنْ كانت كُلُّهَا مَخْلُوقٌ له نَابٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلُحُومُ الضِّبَاعِ تُبَاعُ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِنَا خِلَافًا في إحْلَالِهَا وفي مَسْأَلَةِ بن أبي عَمَّارٍ جَابِرًا أَصَيْدٌ هِيَ قال نعم وَسَأَلْته أَتُؤْكَلُ قال نعم وَسَأَلْته أَسَمِعْته من النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم فَهَذَا دَلِيلٌ على أَنَّ الصَّيْدَ الذي نهى اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْرِمَ عن قَتْلِهِ ما كان يَحِلُّ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْتُلُونَ الصَّيْدَ لِيَأْكُلُوهُ لَا عَبَثًا بِقَتْلِهِ وَمِثْلُ ذلك الدَّلِيلِ في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلِذَلِكَ أَشْبَاهٌ في الْقُرْآنِ منها قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ لِأَنَّهُ لو ذَبَحَ ما حَرَّمَ اللَّهُ عليه وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عليه لم يَحِلَّ الذَّبِيحَةُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عليه وفي حديث جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبُعِ دَلِيلٌ على ما قُلْنَا من أَنْ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما عَدَا على الناس مُكَابَرَةً وإذا حَلَّ أَكْلُ الضَّبُعِ وَهِيَ سَبُعٌ لَكِنَّهَا لَا تَعْدُو مُكَابَرَةً على الناس وَهِيَ أَضَرُّ على مَوَاشِيهِمْ من جَمِيعِ السِّبَاعِ فَأُحِلَّتْ أنها لَا تَعْدُو على الناس خَاصَّةً مُكَابَرَةً وَفِيهِ دَلَالَةٌ على إحْلَالِ ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُ مِمَّا لم يُنَصُّ فيه خَبَرٌ وَتَحْرِيمُ ما كانت تُحَرِّمُهُ مِمَّا يَعْدُو من قِبَلِ أنها لم تَزَلْ إلَى الْيَوْمِ تَأْكُلُ الضَّبُعَ ولم تَزَلْ تَدَعْ أَكْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ تَحْرِيمًا بِالتَّقَذُّرِ فَوَافَقَتْ السُّنَّةُ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مع الْكِتَابِ ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُحْرِمَ إنَّمَا يجزئ ما أُحِلَّ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ دُونَ ما لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ في الْإِحْرَامِ وهو ما عَدَا على الناس وهو لَا يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ وَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ بِقَتْلِهِ شيئا فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الصَّيْدَ الذي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَدَلَّ على ذلك حَدِيثُ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ وَعَلَى ما وَصَفْت وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ كل سَبُعٍ لَا يَعْدُو على الناس من دَوَابِّ الْأَرْضِ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا على الضَّبُعِ وما سِوَى السَّبُعِ من دَوَابِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا تُؤْكَلُ من مَعْنَيَيْنِ ما كان سَبُعًا لَا يَعْدُو فَحَلَالٌ أَنْ يُؤْكَلَ وما كان غير سَبُعٍ فما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْآيَةِ خَارِجٌ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له سَأَزِيدُك في تَبْيِينِهِ قال ما أَحْتَاجُ بعد ما وَصَفْت إلَى زِيَادَةٍ وَلَقَلَّمَا يُمْكِنُ إيضَاحُ شَيْءٍ إمْكَانَ هذا قُلْت أُوَضِّحُهُ لَك وَلِغَيْرِك مِمَّنْ لم يَفْهَمْ منه ما فَهِمْت أو أُفْهِمُهُ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ قال فَاذْكُرْهُ - * أَكْلُ الضَّبُع - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ وَمُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَيْرٍ

(2/249)


الْخَبَائِثِ عِنْدَ الْعَرَبِ وما كانت تَدَعُهُ على معني تَحْرِيمِهِ فإنه خَبِيثُ اللَّحْمِ فَلَا يُؤْكَلُ بِحَالٍ وَكُلُّ ما أُمِرَ بِأَكْلِهِ فَدَاهُ الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُ الضَّبُعِ ما خَلَا كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ من دَوَابِّ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ منه ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ وقد فَسَّرْته قبل هذا - * ما يَحِلُّ من الطَّائِرِ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ صَغِيرًا أو كَبِيرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عن الضَّبِّ فقال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ لم يَرْوِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبِّ شيئا غير هذا وَتَحْلِيلُهُ أَكْلَهُ بين يَدَيْهِ ثَابِتٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ ذلك قِيلَ لَمَّا قال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ دَلَّ على أَنَّ تَرْكَهُ أَكْلَهُ لَا من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ وإذا لم يَكُنْ من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ فَإِنَّمَا تَرَكَ مُبَاحًا عَافَهُ ولم يَشْتَهِهِ وَلَوْ عَافَ خُبْزًا أو لَحْمًا أو تَمْرًا أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطِّبَاعِ لَا مُحَرِّمًا لِمَا عَافَ فقال لي بَعْضُ الناس أَرَأَيْت إنْ قال هذا الْقَوْلَ غَيْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَحْتَمِلُ مَعْنًى غير الْمَعْنَى الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ من الطَّائِرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ منه ما لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى الصَّيْدِ الذي يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ وَالْعِلْمُ يَكَادُ يُحِيطُ أَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ على الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الذي كان حَلَالًا له قبل الْإِحْرَامِ فإذا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَ بَعْضِ الصَّيْدِ دَلَّ على أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَأْكُلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ قَتْلُ ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل فَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ مِمَّا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ لِلْمُحْرِمِ فما كان في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا من الطَّائِرِ فَهُوَ دَاخِلٌ في أَنْ لَا يَجُوزَ أَكْلُ لَحْمِهِ كما لَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِمَا لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُمَا وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا مِمَّا لم تَكُنْ تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَذَلِكَ مِثْلُ ما ضَرَّ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من سَبُعٍ وَطَائِرٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعُقَابِ وَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وما أَشْبَهَهَا مما يَأْخُذُ حَمَامَ الناس وَغَيْرَهُ من طَائِرِهِمْ فَكُلُّ ما كان في هذا الْمَعْنَى من الطَّائِرِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت من أَنَّهُ في مَعْنَى الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى ما لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَكُلُّ ما كان لَا يَبْلُغُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِلنَّاسِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ من الطَّائِرِ فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تُحَرِّمُهُ إقْذَارًا له فَكُلُّهُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ نَرَاك فَرَّقْت بين ما خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ ذَا نَابٍ من السباع ( ( ( السبع ) ) ) مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ فَأَحْلَلْت أَكْلَهَا وَهِيَ تَضُرُّ بِأَمْوَالِ الناس أَكْثَرَ من ضَرَرِ ما حَرَّمْت من الطَّائِرِ قُلْت إنِّي وَإِنْ حَرَّمْته فَلَيْسَ لِلضَّرَرِ فَقَطْ حَرَّمْته وَلَا لِخُرُوجِ الثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ من الضَّرَرِ أَبَحْتهَا إنَّمَا أَبَحْتهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ أَبَاحَ ما كان غير ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَأَنَّهُ أَحَلَّ الضَّبُعَ نَصًّا وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تَأْكُلُهَا وَالثَّعْلَبَ وَتَتْرُكُ الذِّئْبَ وَالنَّمِرَ وَالْأَسَدَ فَلَا تَأْكُلُهُ وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تَتْرُكُ أَكْلَ النَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَهِيَ ضِرَارٌ وَتَتْرُكُ ما لَا يَضُرُّ من الطَّائِرِ فلم أُجِزْ أَكْلَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّخَمَةِ وَالنَّعَامَةِ وَهُمَا لَا يَضُرَّانِ وَأَكْلُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا من الْخَبَائِثِ وَخَارِجَانِ من الطَّيِّبَاتِ وقد قُلْت مِثْلَ هذا في الدُّودِ فلم أُجِزْ أَكْلَ اللُّحَكَاءِ وَلَا الْعَظَاءِ وَلَا الْخَنَافِسِ وَلَيْسَتْ بِضَارَّةٍ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ كانت تَدَعُ أَكْلَهَا فَكَانَ خَارِجًا من مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ دَاخِلًا في مَعْنَى الْخَبَائِثِ عِنْدَهَا - * أَكْلُ الضَّبّ - *

(2/250)


زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قاله ( ( ( قال ) ) ) فَزَعَمْت أَنَّهُ بَيِّنٌ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَهُ قُلْت نعم قال وإذا قُلْت من دُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس مَعْصُومًا قُلْت له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُخْرِجْهُ من التَّحْلِيلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ عن تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ فَيُجِيبَ فيه إلَّا أَحَلَّهُ أو حَرَّمَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا أَحَدٌ بَعْدَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَيَجْهَلُ وَيَقِفُ وَيُجِيبُ ثُمَّ لَا يَقُومُ جَوَابُهُ مَقَامَ جَوَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فما الْمَعْنَى الذي قُلْت قد بَيَّنَ هذا الحديث من غَيْرِهِ قُلْت قُرِّبَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَبٌّ فَامْتَنَعَ من أَكْلِهَا فقال خَالِدُ بن الْوَلِيدِ أَحَرَامٌ هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا وَلَكِنْ أَعَافُهَا لم تَكُنْ بِبَلَدِ قَوْمِي فَاجْتَرَّهَا خَالِدُ بن الْوَلِيدِ فَأَكَلَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنْظُرُ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْسَتْ حَرَامًا فَهِيَ حَلَالٌ وإذا أَقَرَّ خَالِدًا بِأَكْلِهَا فَلَا يَدَعُهُ يَأْكُلُ حَرَامًا وقد بَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ عَافَهَا لَا حَرَّمَهَا - * أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ - *
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن جَابِرٍ قال أَطْعَمَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عن لُحُومِ الْحُمُرِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينه عن هِشَامٍ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ قالت نَحَرْنَا فَرَسًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم بن أبي أُمَيَّةَ قال أَكَلْت فَرَسًا على عَهْدِ بن الزُّبَيْرِ فَوَجَدْته حُلْوًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما لَزِمَهُ اسْمُ الْخَيْلِ من الْعِرَابِ وَالْمَقَارِيفِ وَالْبَرَاذِينِ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ - * أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابنى مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن أَبِيهِمَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عَامَ خَيْبَرَ عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت سُفْيَانَ يحدث عن الزُّهْرِيِّ أخبرنا عبد اللَّهِ وَالْحَسَنُ ابْنَا مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ وكان الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَلْقُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يُبَايِنُ خَلْقَ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ مُبَايَنَةً يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بها فَلَوْ تَوَحَّشَ أَهْلِيٌّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وكان على الْأَصْلِ في التَّحْرِيمِ وَلَوْ اسْتَأْهَلَ وَحْشِيٌّ لم يَحْرُمْ أَكْلُهُ وكان على الْأَصْلِ في التَّحْلِيلِ وَلَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ اسْتَأْهَلَ وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ أَهْلِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ أَهْلِيَّةٍ لم يَحِلَّ أَكْلُ ما نَتَجَ بَيْنَهُمَا لَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى أَيِّهِمَا النَّازِي لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا فَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ لَحْمُهُمَا مَعًا حَلَالًا وَكُلُّ ما عُرِفَ فيه حِمَارٌ أَهْلِيٌّ من قِبَلِ أَبٍ أو أُمٍّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَا أَكْلُ نَسْلِهِ وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ وَحْشِيٍّ حَلَّ أَكْلُ ما وُلِدَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُبَاحَانِ مَعًا وَهَكَذَا لو أَنَّ غُرَابًا أو ذَكَرَ حدإ أو بُغَاثًا تَجَثَّمَ حُبَارَى أو ذَكَرُ حُبَارَى أو طَائِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ تَجَثَّمَ
____________________
1- ( قال ) الشَّافِعِيُّ ) في هذا الحديث دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْأُخْرَى إبَاحَةُ لُحُومِ حُمُرِ الْوَحْشِ لِأَنَّهُ لَا صِنْفَ من الْحُمُرِ إلَّا الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ فإذا قَصَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالتَّحْرِيمِ قَصَدَ الْأَهْلِيَّ ثُمَّ وَصْفُهُ دَلَّ على أَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَحْشِيَّ من التَّحْرِيمِ وَهَذَا مِثْلُ نَهْيِهِ عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَقَصَدَ بِالنَّهْيِ قَصْدَ عَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ فَحَرَّمَ ما نهى عنه وَحَلَّ ما خَرَجَ من تِلْكَ الصِّفَةِ سِوَاهُ مع أَنَّهُ قد جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إبَاحَةُ أَكْلِ حُمُرِ الْوَحْشِ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنْ يَقْسِمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا قَتَلَهُ أبو قَتَادَةَ بين الرُّفْقَةِ وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَنَّهُمْ أَكَلُوا معه لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ

(2/251)


غُرَابًا أو حِدَأً أو صَقْرًا أو ثِيرَان فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ لم يَحِلَّ أَكْلُ فِرَاخِهَا من ذلك التَّجَثُّمِ لِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ خَمْرًا لو اخْتَلَطَتْ بِلَبَنٍ أو وَدَكَ خِنْزِيرٍ بِسَمْنٍ أو مُحَرَّمًا بِحَلَالٍ فَصَارَا لَا يُزِيلُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا أُصِيبَ أو بَيْضَ صَيْدٍ فَأُشْكِلَتْ خِلْقَتُهُ فلم يُدْرَ لَعَلَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ كان الِاحْتِيَاطُ الْكَفَّ عن أَكْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى خِلْقَتِهِ فَأَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ جُعِلَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ إنْ كان الذي يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ أَكَلَهُ وَإِنْ كان الذي يَحْرُمْ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ لم يَأْكُلْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْزُوَ حِمَارٌ أنسي أَتَانًا وَحْشِيَّةً أو أَتَانًا أنسية وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ فَرَسًا أو فَرَسٌ أَتَانًا وَحْشِيًّا لم يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ وإذا تَوَحَّشَ وَاصْطِيدَ أُكِلَ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في صِغَارِ أَوْلَادِهِ وَفِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ لَا يَخْتَلِفُ وما قَتَلَ الْمُحْرِمُ من صَيْدٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَدَاهُ وَكَذَلِكَ يفدى ما أَصَابَ من بَيْضِهِ وما قَتَلَ من صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو أَصَابَ من بَيْضِهِ لم يَفْدِهِ وَلَوْ أَنَّ ذِئْبًا نَزَا على ضَبُعٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنَّهَا تأتى بِوَلَدٍ لَا يُشْبِهُهَا مَحْضًا وَلَا الذِّئْبَ مَحْضًا يُقَالُ له السَّبُعُ فلا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ وَأَنَّهُمَا لَا يَتَمَيَّزَانِ فيه - * ما يَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيَحِلُّ ما حَرُمَ من مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَكُلِّ ما حَرُمَ مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ من الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ وَالْمُضْطَرُّ الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ لَا طَعَامَ فيه معه وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ من لَبَنٍ وما أَشْبَهَهُ وَيُبْلِغُهُ الْجُوعُ ما يَخَافُ منه الْمَوْتَ أو الْمَرَضَ وَإِنْ لم يَخَفْ الْمَوْتَ أو يُضْعِفُهُ وَيَضُرُّهُ أو يَعْتَلُّ أو يَكُونُ مَاشِيًا فَيَضْعُفُ عن بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أو رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عن رُكُوبِ دَابَّتِهِ أو ما في هذا الْمَعْنَى من الضَّرَرِ الْبَيِّنِ فَأَيُّ هذا نَالَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ من الْمُحَرَّمِ وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ من الْمُحَرَّمِ غير الْمُسْكِرِ مِثْلَ الْمَاءِ تَقَعُ فيه الْمَيْتَةُ وما أَشْبَهَهُ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أُكِلَ وَشَارِبُهُ إنْ شُرِبَ أو جَمْعُهُمَا فَعَلَى ما يَقْطَعُ عنه الْخَوْفَ وَيَبْلُغُ بِهِ بَعْضَ الْقُوَّةِ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ عليه أَنْ يَشْبَعَ وَيُرْوَى وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد زَالَ عنه بِالضَّرُورَةِ وإذا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ له مُجَاوَزَتُهُ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ أَقْرَبُ منها إلي النَّفْعِ وَمَنْ بَلَغَ إلَى الشِّبَعِ فَقَدْ خَرَجَ في بُلُوغِهِ من حَدِّ الضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الرِّيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّدَ معه من الْمَيْتَةِ ما اُضْطُرَّ إلَيْهِ فإذا وَجَدَ الغني عنه طَرَحَهُ وَلَوْ تَزَوَّدَ معه مَيْتَةً فلقى مُضْطَرًّا أَرَادَ شِرَاءَهَا منه لم يَحِلَّ له ثَمَنُهَا إنَّمَا حَلَّ له منها مَنْعُ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ على بَدَنِهِ لَا ثَمَنُهَا وَلَوْ اُضْطُرَّ وَوَجَدَ طَعَامًا لم يُؤْذَنْ له بِهِ لم يَكُنْ له أَكْلُ الطَّعَامِ وكان له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ اُضْطُرَّ وَمَعَهُ ما يشترى بِهِ ما يَحِلُّ فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ في مَوْضِعِهِ أو بِثَمَنِ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَكُنْ له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَإِنْ لم يَبِعْهُ إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل فِيمَا حَرُمَ ولم يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ { وما لَكُمْ ألا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وقال { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } إلَى قَوْلِهِ { غَفُورٌ رَحِيمٌ } وقال في ذِكْرِ ما حَرَّمَ { فَمَنْ اُضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غير مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

(2/252)


الناس بمثله كان له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يغالى بِهِ وَيَدَعَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ له بِحَالٍ أَنْ يُكَابِرَ رَجُلًا على طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وهو يَجِدُ ما يُغْنِيهِ عنه من شَرَابٍ فيه مَيْتَةٌ أو مَيْتَةٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ فلم يَجِدْ مَيْتَةً وَلَا شَرَابًا فيه مَيْتَةٌ وَمَعَ رَجُلٍ شَيْءٌ كان له أَنْ يُكَابِرَهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَهُ وإذا كَابَرَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ وَافِيًا فَإِنْ كان إذَا أَخَذَ شيئا خَافَ مَالِكُ الْمَالِ على نَفْسِهِ لم يَكُنْ له مُكَابَرَتُهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ وهو مُحْرِمٌ إلَى صَيْدٍ أو مَيْتَةٍ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ فَإِنْ أَكَلَ الصَّيْدَ فَدَاهُ إنْ كان هو الذي قَتَلَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ فَوَجَدَ من يُطْعِمُهُ أو يُسْقِيهِ فَلَيْسَ له أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ وإذا وَجَدَ فَقَدْ ذَهَبَتْ عنه الضَّرُورَةُ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَخَافَ إنْ أَطْعَمَهُ أو سَقَاهُ أَنْ يَسُمَّهُ فيه فَيَقْتُلَهُ فَلَهُ تَرْكُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ بِهَذِهِ الْحَالِ وَإِنْ كان مَرِيضًا فَوَجَدَ مع رَجُلٍ طَعَامًا أو شَرَابًا يَعْلَمُهُ يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ في مَرَضِهِ كان له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْمَاءِ الذي فيه الْمَيْتَةُ وقد قِيلَ إنَّ من الضَّرُورَةِ وَجْهًا ثَانِيًا أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ الْمَرَضَ يقول له أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أو يَكُونُ هو من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ قَلَّمَا يَبْرَأُ من كان بِهِ مِثْلُ هذا إلَّا أَنْ يَأْكُلَ كَذَا أو يَشْرَبَ كَذَا أو يُقَالُ له إنَّ أَعْجَلَ ما يُبْرِئُك أَكْلُ كَذَا أو شُرْبُ كَذَا فَيَكُونُ له أَكْلُ ذلك وَشُرْبُهُ ما لم يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ ذلك منها أَسْكَرَتْهُ أو شيئا يُذْهِبُ الْعَقْلَ من الْمُحَرَّمَاتِ أو غَيْرِهَا فإن إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ وَمَنْ قال هذا قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَعْرَابَ أَنْ يَشْرَبُوا أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَأَبْوَالَهَا وقد يَذْهَبُ الْوَبَاءُ بِغَيْرِ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ ما هُنَالِكَ أَنْ يُذْهِبَهُ عن الْأَعْرَابِ لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُعْطِشُ وَتُجِيعُ وَلَا لِدَوَاءٍ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ بِالْعَقْلِ وَذَهَابُ الْعَقْلِ مَنْعُ الْفَرَائِضِ وَتُؤَدِّي إلَى إتْيَانِ الْمَحَارِمِ وَكَذَلِكَ ما أَذْهَبَ الْعَقْلَ غَيْرُهَا وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَأَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ بِجُوعٍ أو عَطَشٍ ولم يَكُنْ سَفَرُهُ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل حَلَّ له ما حَرُمَ عليه مِمَّا نَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لم يَحِلَّ له شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عليه بِحَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ ما حَرَّمَ بِالضَّرُورَةِ على شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غير بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ وَلَوْ خَرَجَ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ وَلَوْ خَرَجَ غير عَاصٍ ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ خَشِيت أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في حَالِ تَقَدُّمَتِهَا وَلَا تَأَخَّرَتْ عنها
____________________

(2/253)


(1) * - * بَابُ النُّذُورِ التي كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ أَيْمَانٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ ولم يُسَمِّ شيئا فَلَا نَذْرَ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَاهُ مَعْنَى على أَنْ أَبَرَّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى أَنِّي أَثِمْت وَلَا حَلَفْت فلم أَفْعَلْ وإذا نَوَى بِالنَّذْرِ شيئا من طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ ما نَوَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُكَلِّمَ فُلَانًا يُرِيدُ هِجْرَتَهُ أَنَّ عليه كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَأَنَّهُ إنْ قال عَلَيَّ نذره ( ( ( نذر ) ) ) أَنْ أَهْجُرَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَذْرَ هِجْرَتِهِ نَفْسِهَا لَا يَعْنِي قَوْلَهُ إن أَهْجُرَهُ أو لم أَهْجُرْهُ فإنه لَا كَفَّارَةَ عليه وَلِيُكَلِّمَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ في مَعْصِيَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أو لَا يَصِلَ فُلَانًا فَهَذَا الذي يُقَالُ له الْحِنْثُ في الْيَمِينِ خَيْرٌ لَك من الْبِرِّ فَكَفِّرْ وَاحْنَثْ لِأَنَّك تَعْصِي اللَّهَ عز وجل في هِجْرَتِهِ وَتَتْرُكُ الْفَضْلَ في مَوْضِعِ صِلَتِهِ وَهَذَا في مَعْنَى الذي قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَعْصِيَةٍ حَلَفَ عليها أَمَرْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ وَيَحْنَثَ وَيَأْتِيَ الطَّاعَةَ وإذا حَلَفَ على بِرٍّ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبِرَّ وَلَا يَحْنَثُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن الْيَوْمَ وَاَللَّهِ لِأُصَلِّيَن كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً نَافِلَةً فَنَقُولُ له بِرَّ يَمِينَك وَأَطِعْ رَبَّك فَإِنْ لم يَفْعَلْ حَنِثَ وَكَفَّرَ وَأَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ النَّذْرَ ليس بِيَمِينٍ وَأَنَّ من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل أَطَاعَهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ لم يَعْصِهِ ولم يُكَفِّرْ - * من جَعَلَ شيئا من مَالِهِ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ في كل شَيْءٍ سِوَى الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ من قَوْلِهِ مَالِي هذا في سَبِيلِ اللَّهِ أو دَارِي هذه في سَبِيلِ اللَّهِ أو غَيْرُ ذلك مِمَّا يَمْلِكُ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كان علي مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ عَطَاءٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ من ذلك كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ في كل ما حَنِثَ فيه سِوَى عِتْقٍ أو طَلَاقٍ وهو مَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها وَالْقِيَاسُ وَمَذْهَبُ عِدَّةٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقال غَيْرُهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ قال وَيَحْبِسُ قَدْرَ ما يَقُوتُهُ فإذا أَيْسَرَ تَصَدَّقَ بِاَلَّذِي حَبَسَ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهِ وَسَوَاءٌ قال صَدَقَةٌ أو قال في سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كانت على مَعَانِي الْأَيْمَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَإِنْ كان أَرَادَ يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَبَرُّرًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل فَلْيُطِعْهُ
____________________
1- * كِتَابُ النُّذُورِ

(2/254)


- * بَابُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَفِيهَا من نَذَرَ أَنْ يمشى إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز وجل - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا إلَّا بِذِلَّةٍ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تُجْزِئُهُ من ذلك إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي قال من هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّ كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فُرُوضِ اللَّهِ عز وجل عليه أو تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا ما عَلَا عُلُوَّ الأيمان فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْعُلُوِّ وقد قال غَيْرُ عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على أن شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِيهِ
( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تشرع ( ( ( تشرب ) ) ) منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فأتى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ذلك فقال له يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلارغا حتى انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ
أخبرنا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يمشى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كما لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ

(2/255)


عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ له النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجٌّ قَابِلٌ إذَا فَاتَهُ هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو نَاذِرًا له أو كان عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ أَلَّا يجزئ هذا الْحَجُّ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فإذا كان حُكْمُهُ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يجزئ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ ذلك مَاشِيًا فَلَا يمشى لِأَنَّهُمَا جميعا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مَشَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا أو غير مَاشٍ ( قال الرَّبِيعُ ) هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يَمْشِي فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الْبِرِّ بِرٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَذَرَ فقال عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ أو الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوَاضِعِ التي يرتجي فيها الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَتَيْنِ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ لِلْآدَمِيِّينَ من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لم يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال ) وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ وكان في حديث عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بهذا الْإِسْنَادِ أَنَّ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ نَذَرَتْ وَهَرَبَتْ على نَاقَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ لَتَنْحَرَنهَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا الْقَوْلَ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا وَلَا تُكَفِّرَ فَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَكَذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ مالا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ

(2/256)


- * وفي تَرْجَمَةِ الهدى الْمَذْكُورَةِ في تَرَاجُمِ مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ نُصُوصٌ تَتَعَلَّقُ بالهدى الْمَنْذُورِ - * فَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الهدى من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شيئا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الذي سَمَّى صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا وَمَنْ لم يُسَمِّ شيئا لَزِمَهُ هدى ليس بِجَزَاءٍ من صَيْدٍ فَيَكُونُ عَدْلَهُ فَلَا يُجْزِيهِ من الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا الْمَعْزِ إلَّا ثنى فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيُجْزِي من الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ وَالْمَوْضِعُ الذي يَجِبُ عليه فيه الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ للهدى دُونَهُ إلَّا أَنْ يسمى الرَّجُلُ مَوْضِعًا من الْأَرْضِ فَيَنْحَرَ فيه هَدْيًا أو يُحْصَرَ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا هدى إلَّا في الْحَرَمِ لَا في غَيْرِ ذلك وَذُكِرَ هُنَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ وقد سَبَقَ في بَابِ الهدى آخِرَ الْحَجِّ وهو يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْذُورِ وَالتَّطَوُّعِ ( قال ) وإذا سَاقَ الهدى فَلَيْسَ له أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا من ضَرُورَةٍ وإذا اُضْطُرَّ إلَيْهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غير فَادِحٍ له وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ المعي ( ( ( المعيا ) ) ) وَالْمُضْطَرَّ على هَدْيِهِ وإذا كان الهدى أُنْثَى فَنَتَجَتْ فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لم يتبعه ( ( ( يتبعها ) ) ) حَمَلَهُ عليها وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ من لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يسقى أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا وَإِنْ حَمَلَ عليها من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا غَرِمَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ من لَبَنِهَا ما يُنْهِكُ فَصِيلَهَا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الذي شَرِبَ وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ أو وَجَّهَهَا بِكَلَامٍ فقال ( ( ( فقيل ) ) ) هذه هَدْيِي فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَا يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ منها كانت زَاكِيَةً أو غير زَاكِيَةٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ لم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في الهدى إلَى يَوْمِ يُوجِبُ فَإِنْ كان وَافِيًا ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذلك عَوَرٌ أو عَرَجٌ أو ما لَا يَكُونُ بِهِ وَافِيًا على الِابْتِدَاءِ لم يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ وَإِنْ كان يوم وَجَبَ ليس بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حتى يَصِيرَ وَافِيًا قبل يَنْحَرَ لم يَجُزْ عنه ولم يَكُنْ له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مع نَحْرِهِ أو يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا فَلَا يجزئ عنه فيه إلَّا وَافٍ ( قال ) والهدى هَدْيَانِ هدى أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ فذكر في عَطَبِهِ وَإِطْعَامِهِ ما سَبَقَ في بَابِ الهدى ( قال ) وهدى وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ ما شَاءَ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ في مَوْضِعِهِ على مَسَاكِينَ كان عليه بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حين عَطِبَ قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَذَكَرَ هُنَا دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كان عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى نَفْسِهِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ ما بين الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عنهما وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ ما ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لم يُدْرِكَاهُ حتى فَاتَ بِصَدَقَةٍ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الهدى حَيًّا وكان على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حتى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيًا فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أو نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ ولم يخل ( ( ( يحل ) ) ) بين الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حتى يُنْتِنَ كان عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ وَالنَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ من آخِرِ أَيَّامِهَا فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ من كان عليه هدى وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً وَيَذْبَحُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ في الذَّبْحِ أو لَا يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ فَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وفي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان ذَبْحُهُ إيَّاهُ في غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غير مَعْقُولَةٍ وَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أو مُطْلَقَةً أَجْزَأَتْ عنه وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أو ذَبَحَ
____________________

(2/257)


الْإِبِلَ كَرِهْت له ذلك وَأَجْزَأَتْ عنه وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا من حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يهودى أو نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ على صَاحِبِهِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أو يَحْضُرَ الذَّبْحَ فإنه يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أشاء ( ( ( شاء ) ) ) أو يَشَاءُ فُلَانٌ أَنْ لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا في يومى هذا أو يَشَاءُ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أَمْشِي نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أني سَأُحْدِثُ نَذْرًا أو إنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس بِحَرَمٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وإذا قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ ليس على مَعَانِي الْعُلُوِّ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يَعْقِلَهُ على الْبَيْتِ أو يَجْعَلَ في طِيبٍ لِلْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يهدى مالا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى ثَمَنَهُ ويلى الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ وَتَعْلِيقُهُ على الْبَيْتِ وَتَطْيِيبُهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك بِهِ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى بَدَنَةً لم يُجْزِهِ منها إلَّا ثنى من الْإِبِلِ أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّهَا إلى وإذا لم يجد بدنة لم يجزه منها إلا ثنى من الإبل أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى والخصى وأكثرها ثمنا أحبها إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزَى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُهْدِيَ مَكَانَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم ( ( ( لم ) ) ) يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما قُوتُهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وَلَوْ أَهْدَى ما ( ( ( إنما ) ) ) كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا } فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ أَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ بمثله أو لا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَةَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من الصَّيْدِ فَيُجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ وَلَعَلَّهُ قَبْضَةٌ وقد سَمَّى اللَّهُ عز وجل هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٌ من الْحَرَمِ أَهْدَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فَإِنْ سَمَّى مَوْضِعًا من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال ) وإذا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَمَّى اللَّهَ عز وجل على النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ قال اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ عنى أو تَقَبَّلْ عن فُلَانٍ الذي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلَا بَأْسَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَكْلَ من هدى التَّطَوُّعِ وقد ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) والهدى هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ فَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ وَاجِبًا على الْإِنْسَانِ ليس له حَبْسُهُ فَلَا يَأْكُلُ منه شيئا وَذَلِكَ مِثْلُ هدى الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ فان أَكَلَ من الهدى الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ما أَكَلَ منه ثُمَّ ذَكَرَ ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَوُّعِ وقد تَقَدَّمَ ( قال ) وَإِنْ لم يُقَلِّدْ هَدْيَهُ ولم يُشْعِرْهُ قَارِنًا كان أو غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا من مني أو من مَكَّةَ ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس على الهدى عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ على الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لهم وَإِنَّمَا هذا من أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل

(2/258)


صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ فإنه يَصُومُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ بِنَذْرٍ أَنْ يَصُومَ هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فإن عليه الْقَضَاءَ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بالهدى وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بالهدى ( قال ) وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدُمُ فيه فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمٌ صَبِيحَةَ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدُمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدِمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ رَمَضَانَ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ وَيَعُودُ لِصَوْمِهِ لِمَقْدِمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ فَلَا يقضى ما لَا طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْم الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ فإن عليه قَضَاءَ الْيَوْمِ الذي قَدِمَ فيه وَصَوْمَ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ أو أَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ في رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أُوجِبَ عليه صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَا شَيْءَ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أؤ أَيَّامَ حَيْضِي فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَلَاةً أو صَوْمًا ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا الْوِتْرُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يُجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عن عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً وَنَذَرَ أَنْ يصلى صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً بِمَا ذَكَرْنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أجزأه ( ( ( أجزأ ) )

(2/259)


3 (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } قال الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ اللَّهُ الْبَيْعَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ على إبَاحَتِهِ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ عز وجل الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعِ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ ( قال ) وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كان مِمَّا لم يَنْهَ عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ فَيَكُونُ هذا من الْجُمَلِ التي أَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ أو من الْعَامِّ الذي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ منه وما حُرِّمَ أو يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا أو من الْعَامِّ الذي أَبَاحَهُ إلَّا ما حُرِّمَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وما في مَعْنَاهُ كما كان الْوُضُوءُ فَرْضًا على كل مُتَوَضِّئٍ لَا خَفِيَ عليه لَبْسُهُمَا على كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَأَيُّ هذه الْمَعَانِي كان فَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ بِمَا فَرَضَ من طَاعَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأن ما قبل عنه فعن الله عز وجل قبل لأنه بكتاب الله تعالى قبل ( قال ) فلما نهى رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بُيُوعٍ تَرَاضَى بها الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ من الْبُيُوعِ ما لم يَدُلَّ على تَحْرِيمِهِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ ما حَرَّمَ على لِسَانِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كانت بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها وما كان في مَعْنَى ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ في الْمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عنه وما فَارَقَ ذلك أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا من إبَاحَةِ الْبَيْعِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ ما يَجُوزُ من كل بَيْعٍ آجِلٍ وَعَاجِلٍ وما لَزِمَهُ اسْمُ بَيْعٍ بِوَجْهٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ حتى يُجْمِعَا أَنْ يَتَبَايَعَاهُ بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ وَلَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه وَلَا على أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه وَأَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه على التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ فإذا اجْتَمَعَ هذا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ ولم يَكُنْ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أو عَيْبٍ يَجِدُهُ أو شَرْطٍ يَشْرِطُهُ أو خِيَارِ رُؤْيَةٍ إن جاز خيار الرؤية ومتى لم يكن هذا لم يقع البيع بين المتابيعين ( قال الربيع ) قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية وقال لَا يَجُوزُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ الْبَيْعِ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على بَائِعِهَا فإذا جاء بها فلا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كانت على صِفَتِهِ وَبَيْعُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ على بَائِعِهَا بِعَيْنِهَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فإذا تَلِفَتْ لم يَضْمَنْ سِوَى الْعَيْنِ التي بَاعَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ مُفْتَرَقَانِ في كِتَابِ الْبُيُوعِ
____________________
1- * كِتَابُ الْبُيُوعِ

(3/3)


- * بَابٌ بَيْعُ الْخِيَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أخبرنا بن جُرَيْجٍ قال أملي على نَافِعٌ مولى بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ من بَيْعِهِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يَكُونُ بَيْعُهُمَا عن خِيَارٍ قال نَافِعٌ وكان عبد اللَّهِ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن قَتَادَةَ عن أبي الْخَلِيلِ عن عبد اللَّهِ بن الحرث عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا وَجَبَتْ الْبَرَكَةُ في بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ الْبَرَكَةُ من بَيْعِهِمَا أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن جَمِيلِ بن مُرَّةَ عن أبى الْوَضِيءِ قال كنا في غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لنا فَرَسًا من رَجُلٍ فلما أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فيه إلَى أبي بَرْزَةَ فقال له أبو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الحديث ما يُبَيِّنُ هذا أَيْضًا لم يَحْضُرْ الذي حدثني حِفْظَهُ وقد سَمِعْتُهُ من غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوْا عليه فقال لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ له الْخِيَارَ إذَا بَاتَا مَكَانًا وَاحِدًا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ قال يقول اخْتَرْ إنْ شِئْت فَخُذْ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ قال فَقُلْت له فَخَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَأَخَذَ ثُمَّ نَدِمَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَجْلِسِهِمَا ذلك أنفيلة ( ( ( أتقبله ) ) ) منه لَا بُدَّ قال لَا أَحْسَبُهُ إذَا خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن عبدالمجيد الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أنكما افْتَرَقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أو خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ ( قال ) وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ في سَلَفٍ إلَى أَجَلٍ أو دَيْنٍ أو عَيْنٍ أو صَرْفٍ أو غَيْرِهِ تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا ولم يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا أو مَجْلِسِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ حتى لَا يَكُونَ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أو شَرْطِ خِيَارٍ أو ما وَصَفْت إذَا تَبَايَعَا فيه وَتَرَاضَيَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه أو كان بَيْعُهُمَا عن خِيَارٍ فإن الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ ( قال ) وَاحْتَمَلَ قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلَاهُمَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بها وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُتَبَايِعَانِ اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ حتى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فإن الْخِيَارَ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ في السُّنَّةِ حتى يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هو أَنْ يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه كان بِالتَّفَرُّقِ أو بِالتَّخْيِيرِ وكان مَوْجُودًا في اللِّسَانِ وَالْقِيَاسِ إذَا كان الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وهو الْفِرَاقُ أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كان الْخِيَارُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كما كان التَّفَرُّقُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ بَيِّنَةٌ بِمِثْلِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ كان ما وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت من الْقِيَاسِ مع أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن طَاوُسٍ عن أبيه قال خَيَّرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فقال الرَّجُلُ عَمْرَك اللَّهُ مِمَّنْ أنت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرُؤٌ من قُرَيْشٍ قال وكان أبي يَحْلِفُ ما الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) وَبِهَذَا نَقُولُ وقد قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَيَجِبُ بِأَنْ يَعْقِدَ الصَّفْقَةَ على خِيَارٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَك بِسِلْعَتِك كَذَا بَيْعًا خِيَارًا فيقول قد اخْتَرْت الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ نَأْخُذُ بهذا وَقَوْلُنَا الْأَوَّلُ لَا يَجِبُ الْبَيْعُ
____________________

(3/4)


إلَّا بِتَفَرُّقِهِمَا أو تَخْيِيرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُهُ ( قال ) وإذا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ وَتَقَابَضَا أو لم يَتَقَابَضَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فإذا خَيَّرَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ بِمَا يَجِبُ بِهِ إذَا تَفَرَّقَا وَإِنْ تَقَابَضَا وَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ في يَدِ الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا بَالِغًا ما بَلَغَ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من ثَمَنِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ هَلَكَتْ في يَدِ الْبَائِعِ قبل قَبْضِ الْمُشْتَرِي لها وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حتى يَقْبِضَهَا فَإِنْ قَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا على الْبَائِعِ وَدِيعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وَإِنْ تَفَرَّقَا فَمَاتَتْ فَهِيَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا وإن قبضها وردها عل البائع وديعة فماتت قبل التفرق أو الخيار فهي مضمونه على بالقيمة وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو الْخِيَارِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كان له ذلك وكان عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ ما لم يَتِمَّ له مِلْكُهُ وإذا أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كان عِتْقُهُ جَائِزًا لِأَنَّهَا لم تُمْلَكْ عليه مِلْكًا يَقْطَعُ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عنها إلَّا بِتَفَرُّقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أو خِيَارٍ وَأَنَّ كُلَّ ما لم يَتِمَّ فيه مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ إذَا شَاءَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قبل التَّفَرُّقِ في غَفْلَةٍ من الْبَائِعِ عنه فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كان له فَسْخُهُ وكان على الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَحَبْلهَا فَاخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْبَيْعِ كان له رَدُّهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ له وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَعْتَقْنَا وَلَدَهَا بِالشُّبْهَةِ وَجَعَلْنَا على الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهِ يوم وُلِدَ وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ كَالِاخْتِيَارِ منه لِفَسْخِ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قام وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وكان لهم الْخِيَارُ في الْبَيْعِ ما كان له وَإِنْ خَرِسَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا أو غُلِبَ على عَقْلِهِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ من يَنْظُرُ له وَجَعَلَ له الْخِيَارَ في رَدِّ الْبَيْعِ أو أَخْذِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ثُمَّ أَفَاقَ الْآخَرُ فَأَرَادَ نَقْضَ ما فَعَلَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يُمْضِيَ الْحُكْمَ عليه بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَوَلَدَتْ أو بَهِيمَةً فَنَتَجَتْ قبل التَّفَرُّقِ فَهُمَا على الْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَا إنْفَاذَ الْبَيْعِ أو تَفَرَّقَا فولد ( ( ( فالولد ) ) ) المشتري لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ وهو حَمْلٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ في أَصْلِ الْعَقْدِ
____________________

(3/5)


- * بَابٌ الْخِلَافُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ فقال إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ وَجَبَ وَلَا أُبَالِي أَنْ لَا يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قبل بَيْعٍ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت في هذا الْقَوْلِ قال أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل منه لِلْمُشْتَرِي ما لم يَكُنْ يَمْلِكُ وَلَا أَعْرِفُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْكَلَامِ لَا بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ فَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال مِثْلَ ما قُلْت أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَا أَعْرِفُ بَيْعًا حَلَالًا وَآخَرَ حَرَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْبَيْعِ ما الْحُجَّةُ عليه قال إذْ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بُيُوعٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له وَلَك بهذا حُجَّةٌ في النَّهْيِ فما عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّ سُنَّةً في الْبُيُوعِ أَثْبَتَ من قَوْلِهِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فإن بن عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ وَحَكِيمَ بن حِزَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يَرْوُونَهُ ولم يُعَارِضْهُمْ أَحَدٌ بِحَرْفٍ يُخَالِفُهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد نهى عن الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فَعَارَضَ ذلك أُسَامَةُ بن زَيْدٍ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافِهِ فَنَهَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عن الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقُلْنَا هذا أَقْوَى في الحديث وَمَعَ من خَالَفْنَا مِثْلُ ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَأَنَّ نَهْيَهُ عن الرِّبَا خِلَافُ ما رَوَيْته وَرَوَوْهُ أَيْضًا عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وبن عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ فإذا كنا نُمَيِّزُ بين الْأَحَادِيثِ فَنَذْهَبُ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَرْجَحِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَرَى لنا حُجَّةً على من خَالَفَنَا أَفَمَا نَرَى أَنَّ ما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا لم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ عنه أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ قال بَلَى إنْ كان كما تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كما أَقُولُ فَهَلْ تَعْلَمُ مُعَارِضًا له عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخَالِفُهُ قال لَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما قُلْت وَبِهِ أَقُولُ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ على غَيْرِ ما قُلْت قُلْت فَاذْكُرْ لي الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ فيه قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا في الْكَلَامِ قال فَقُلْت له الذي ذَهَبْت إلَيْهِ مُحَالٌ لَا يَجُوزُ في اللِّسَانِ قال وما إحَالَتُهُ وَكَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ قُلْت إنَّمَا يَكُونَانِ قبل التَّسَاوُمِ غير مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ قبل التَّبَايُعِ ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ حتى يَتَبَايَعَا وَيَفْتَرِقَا في الْكَلَامِ على التَّبَايُعِ ( قال ) فقال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت بِشَيْءٍ أَعْرِفُهُ غير ما قُلْت الْآنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت
____________________

(3/6)


له أَرَأَيْت لو تَسَاوَمْت أنا وَأَنْتَ بِسِلْعَةِ فقال رَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا فيها قال فَلَا تَطْلُقُ من قِبَلِ أَنَّكُمَا غَيْرُ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ قُلْت وَعَقْدُ الْبَيْعِ التَّفَرُّقُ عِنْدَك في الْكَلَامِ عن الْبَيْعِ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت لو تَقَاضَيْتُك حَقًّا عَلَيْك فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى تُعْطِيَنِي حَقِّي مَتَى أَحْنَثُ قال إنْ فَارَقْتَهُ بِبَدَنِك قبل أَنْ يُعْطِيَك حَقَّك قُلْت فَلَوْ لم تَعْرِفْ من لِسَانِ الْعَرَبِ شيئا إلَّا هذا أَمَا دَلَّك على أَنَّ قَوْلَك مُحَالٌ وإن اللِّسَانَ لَا يَحْتَمِلُهُ بهذا الْمَعْنَى وَلَا غَيْرِهِ قال فَاذْكُرْ غَيْرَهُ فَقُلْت له أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي أو حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت وَعُمَرُ يَسْمَعُ فقال عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ قُلْت له أَفَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتَ إذَا تَفَرَّقَ الْمُصْطَرِفَانِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَصَارَفَا فيه انْتَقَضَ الصَّرْفُ وما لم يَتَفَرَّقَا لم يُنْتَقَضْ فقال نعم قُلْت له فما بَانَ لَك وَعَرَفْت من هذا الحديث أَنَّ التَّفَرُّقَ هو تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ لَا التَّفَرُّقُ عن الْبَيْعِ لِأَنَّك لو قُلْت تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عن الْبَيْعِ قبل التَّقَابُضِ لِبَعْضِ الصَّرْفِ دخل عَلَيْك أَنْ تَقُولَ لَا يَحِلُّ الصَّرْفُ حتى يَتَرَاضَيَا وَيَتَوَازَنَا وَيَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما يَأْخُذُ وَيُعْطِي ثُمَّ يُوجِبَا الْبَيْعَ في الصَّرْفِ بَعْدَ التَّقَابُضِ أو معه قال لَا أَقُولُ هذا قُلْت وَلَا أَرَى قَوْلَك التَّفَرُّقَ تَفَرُّقُ الْكَلَامِ إلَّا جَهَالَةً أو تَجَاهُلًا بِاللِّسَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له أَرَأَيْت رَجُلًا قال لَك أُقَلِّدُك فَأَسْمَعُك تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ قبل التَّقَابُضِ كان الصَّرْفُ رِبًا وَهُمَا في مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْرَهُمَا لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ مُتَبَايِعَانِ وإذا تَفَرَّقَا عن الْكَلَامِ قبل التَّقَابُضِ فَسَدَ الصَّرْفُ قال ليس هذا له قُلْت فيقول لَك كَيْفَ صِرْت إلَى نَقْضِ قَوْلِك قال إنَّ عُمَرَ سمع طَلْحَةَ وَمَالِكًا قد تَصَارَفَا فلم يَنْقُضْ الصَّرْفَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هَاءَ وَهَاءَ إنَّمَا هو لَا يَتَفَرَّقَا حتى تَقَاضَا قُلْت تَفَرَّقَا عن الْكَلَامِ قال نعم قُلْت فقال لَك أَفَرَأَيْت لو احْتَمَلَ اللِّسَانُ ما قُلْت وما قال من خَالَفَك اما يَكُونُ من قال بِقَوْلِ الرَّجُلِ الذي سمع الحديث أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الذي سمع الحديث فَلَهُ فَضْلُ السَّمَاعِ وَالْعِلْمِ بِمَا سمع وَبِاللِّسَانِ قال بَلَى قُلْت فلم لم تُعْطِ هذا بن عُمَرَ وهو سمع الحديث من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شيئا يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ له فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَلِمَ لم تُعْطِ هذا أَبَا بَرْزَةَ وهو سمع من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ وَقَضَى بِهِ وقد تَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ثُمَّ كان مَعًا لم يَتَفَرَّقَا في لَيْلَتِهِمَا ثُمَّ غَدَوَا إلَيْهِ فَقَضَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ في رَدِّ بَيْعِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ تَقُولُ إنَّ قَوْلِي مُحَالٌ قُلْت نعم قال فلست أراه كما قلت وأنت وإن كانت لك بما قلت حجة نذهب اليها فاللسان يحتمل ما قلت فقلت لا قال فبينه قلت فما أَحْسَبُنِي إلَّا قد اكْتَفَيْت بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْت وَأَسْأَلُكَ قال فَسَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت إذْ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَلَيْسَ قد جَعَلَ إلَيْهِمَا الْخِيَارَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَى أَيِّهِمَا كان قال بلى ( ( ( لي ) ) ) قُلْت فما الْوَقْتَانِ قال أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْكَلَامِ قُلْت فما الْوَجْهُ الثَّانِي قال لَا أَعْرِفُ له وَجْهًا فَدَعْهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ بِعْتُك بَيْعًا وَدَفَعْتُهُ إلَيْك فَقُلْت أنت فيه بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ من يَوْمِك هذا وَأَنْ تَخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ قبل اللَّيْلِ أَجَائِزٌ هذا الْبَيْعُ قال نعم قُلْت فَمَتَى يَنْقَطِعُ خِيَارُك وَيَلْزَمُك الْبَيْعُ فَلَا يَكُونُ لَك رَدُّهُ قال إنْ انْقَضَى الْيَوْمُ ولم اختر رَدَّ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الْبَيْعِ أو اخْتَرْت قبل اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الرَّدِّ قُلْت فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُ أَنَّ هذا قَطَعَ الْخِيَارَ في الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أو يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال دَعْهُ قُلْت نعم
____________________

(3/7)


بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الحديث وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عليك أَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ في الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أو التَّخْيِيرُ كما عَرَفْتُهُ في جَوَابِك قَبْلَهُ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ وَزَعَمْتَ أنها أَنْ يَتَفَرَّقَا في الْكَلَامِ أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ قال نعم السَّائِمُ في أَنْ يَرُدَّ أو يَدَعَ وَالْبَائِعُ في أَنْ يُوجِبَ أو يَدَعَ قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قبل التَّسَاوُمِ هَكَذَا قال بَلَى قُلْت فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غير حُكْمِهِمَا قَبْلَهُ أو يَخْفَى على أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ قال لَا قُلْت فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك الذي لم تُوجِبْ فيه شيئا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لم يُوجِبْ في مَالِهِ شيئا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فيه من الْكَلَامِ قال فَلِمَ لَا أَقُولُ لَك أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك وَإِنْ قُلْت ذلك إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ من كان له الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فإذا اخْتَارَ انْقَطَعَ خِيَارُهُ كما قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ قال أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ قُلْت لم أُلْزِمْهُ قبل إيجَابِ الْبَيْعِ شيئا فَيَكُونُ فيه يَخْتَارُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك ما جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ إنَّمَا يُقَالُ أنت بِالْخِيَارِ أَبَدًا قال فَإِنْ قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ من مِلْكِهِ قُلْت وإذا أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَفَيُقَالُ لِأَحَدٍ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِ غَيْرِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا عَارَضَك بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال قد قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هُمَا بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ ما بَذَلَ له منه وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ له بِمَا اسْتَامَ عليه وَلَا يَكُونُ له الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا قال ليس ذلك له قُلْت وَلَا لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ بِغَيْرِ عَيْبٍ أو ليس يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ قبل أَنْ نَتَفَرَّقَ وَلَا يَجُوزُ عِتْقِي وأنا مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت ليس يَقْبُحُ في هذا شَيْءٌ إلَّا دخل عَلَيْك أَعْظَمُ منه قال وما ذلك قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا أَنَّا جمعيا ( ( ( جميعا ) ) ) أو أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ قال فَجَائِزٌ قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ ولم يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ وَرُبَّمَا انتفع الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حتى يَسْتَغِلَّ منه أَكْثَرَ من ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَإِنْ كان أَخَذَهُ بِدَيْنٍ ولم يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ من مَالِ الْمُبْتَاعِ وقد عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ قال نعم هو رضى بهذا قُلْت وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي في الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ لم يَجُزْ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ جَازَ قال نعم قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ له الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما لم يَتَفَرَّقَا وَلَعَلَّ ذلك يَكُونُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ أو لَا يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلًا لِحَاجَةِ الناس إلَى الْوُضُوءِ أو تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذلك فَقَبَّحْتَهُ وَجَعَلَتْ له الْخِيَارَ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ قال ذلك بِشَرْطِهِمَا قلت فَمَنْ شَرَطَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ له شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ له بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَقُلْتُ له أَرَأَيْتَ لو اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلًا من طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قال فَجَائِزٌ قلت وَلَيْسَ لي وَلَا لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قبل تَفَرُّقٍ قال لَا قلت وَإِنْ تَفَرَّقْنَا قبل التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ قال نعم قلت أَفَلَيْسَ قد وَجَبَ لي عَلَيْك شَيْءٌ لم يَكُنْ لي وَلَا لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ قال نعم إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قلت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أَهْلُ الحديث يُوَهِّنُونَ هذا الحديث وَلَوْ كان ثَابِتًا لم يَكُنْ هذا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي التي بِعْتُك بها إذَا لم أُسَمِّ لَك أَجَلًا وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ قال لَا يَجُوزُ ذلك قلت وَلِمَ وَعَلَيْكَ فيه لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ وَلَا يُسَمِّيَانِ
____________________

(3/8)


أَجَلًا وَيَفْتَرِقَانِ قبل التَّقَابُضِ وَلَا تَرَى به بَأْسًا وَلَا تَرَى هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ فإذا كان هذا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا فَيَكُونُ حَالًّا غير دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ عَيْنٌ بِدَيْنٍ قال بَلْ هو دَيْنٌ بِدَيْنٍ قلت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَلَوْ كان كما وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا في السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قبل التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ وَلَزِمَك أَنَّك قد فَسَخْت الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك في الْبُيُوعِ ليس له مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى في الْكَلَامِ أو لَزِمَك أَنْ تَقُولَ في الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بابدانهما مَعْنًى يُوجِبُهُ كما كان لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلَا تَقُولُ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَإِنَّا رَوَيْنَا عن عُمَرَ أَنَّهُ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ قلت أَرَأَيْتَ إذَا جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما وَصَفْتَ لو كان قال رَجُلٌ من أَصْحَابِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ أَلَا يَكُونُ الذي تَذْهَبُ إلَيْهِ فيه أَنَّهُ لو سمع عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا لم يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقُولُ قد يَعْزُبُ عن بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ قال بَلَى قلت أَفَتَرَى في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً فقال عَامَّةُ من حَضَرَهُ لَا قلت وَلَوْ أَجَزْتَ هذا خَرَجَتْ من عَامَّةِ سُنَنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْكَ ما لَا تُعْذَرُ منه قال فَدَعْهُ قلت فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عن عُمَرَ وقد رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا زَعَمَ أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِثْلُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قلت وَحَدِيثُك الذي رَوَيْت عن عُمَرَ غَلَطٌ وَمَجْهُولٌ أو مُنْقَطِعٌ فَهُوَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ ما تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ قال لَئِنْ أَنْصَفْنَاك ما يَثْبُتُ مِثْلُهُ فقلت احْتِجَاجُك بِهِ مع مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حدثه وَعَمَّنْ حدثه تَرْكُ النَّصَفَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْتُ له لو كان كما رَوَيْتَ كان بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وكان خِلَافَ قَوْلِكَ كُلِّهِ قال وَمَنْ أَيْنَ قلت أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِصَفْقَةٍ وَإِمَّا بِخِيَارٍ قال بَلَى قلت أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ قال نعم قلت وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ قال تُرِيدُ مَاذَا قلت ما يَلْزَمُك قال وما يَلْزَمُنِي قلت تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ بِلَا صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كما تَقُولُ في الْمَوْلَى يَفِيءُ أو يُطَلِّقُ وفي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أو يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ قال ما يَصْنَعُ الْخِيَارُ شيئا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أو تَكُونُ معه وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عن الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ مَعَهَا خِيَارٌ أو بَعْدَهَا أو ليس مَعَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَجَبَتْ قال نعم قلت وقد زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أو خِيَارٌ لَا مَعْنَى له قال فَدَعْ هذا قلت نعم بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ أَنَّ ما ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قال فما مَعْنَاهُ عِنْدَك قلت لو كان قَوْلُهُ هذا موافقا ( ( ( موفقا ) ) ) لَمَا رَوَى أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عنه وكان مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ في مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ عن صفقه بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أو خِيَارٌ قال بَعْضُ من حَضَرَ ماله مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قال أَمَّا إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ قلت أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ قال فَعَارَضَنَا غَيْرُ هذا بِأَنْ قال فَأَقُولُ إنَّ بن مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ ما قال الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عن بن مَسْعُودٍ وَالْأَحَادِيثُ التي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كان هذا يُخَالِفُهَا لم يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ على وَاحِدٍ منها لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هو بِنَفْسِهِ
____________________

(3/9)


فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ ما يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ معه كُلُّهَا ثَابِتَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لم يَكُنْ يُخَالِفُ منها شيئا من قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ تَصَادَقَا على التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ ولم يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ في أَنْ يَأْخُذَ أو يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا من غَيْرِ اخْتِلَافٍ في ثَمَنٍ وَلَا ادِّعَاءٍ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْقُضُهُ إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلَاهُ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الحديث على الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا لم يُجِزْ له الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا من مَقَامِهِمَا فَإِنْ قال فما يُغْنِي في الْبَيْعِ اللَّازِمِ بِالصَّفْقَةِ أو التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ قِيلَ لو وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ استغنى عن التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ على عَيْبٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ له الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ على عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ اشبه حَدِيثًا في حَرْفٍ وَاحِدٍ لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فيه فَجَازَ عليه لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ ما هو أَوْلَى أَنْ يجوز ( ( ( يحوز ) ) ) من هذا فَإِنَّهُمْ قالوا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ بِالْكَيْلِ من جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في هذا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا نَحْنُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ من أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلَالٌ بِإِحْلَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى يُخَرَّجَانِ عليه وَلَجَازَ هذا عَلَيْنَا في أَكْثَرِ ما يُقْدَرُ عليه من الْأَحَادِيثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا بَعْضُ من وَافَقَنَا في الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فقال الْخِيَارُ إذَا وَقَعَ مع الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عليه أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْحُجَّةُ عليه ما وَصَفْتُ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كانت بَيْعًا فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كما كان التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ النصرى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ التَّفَرُّقَ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ على غَيْرِهِ وهو مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ قال وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَبِعْ أحدكم على بَيْعِ أَخِيهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ في مَعْنَى حديث أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ لِأَنِّي لو كنت إذَا بِعْتُ رَجُلًا سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ حتى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ ما ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً خَيْرًا منها بِعَشْرَةٍ وَلَكِنْ في نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ على بَيْعِ أَخِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ يَبِيعَ على بَيْعِ أَخِيهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يَضُرُّ بَيْعُ الرَّجُلِ على بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا قبل التَّفَرُّقِ حتى يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِهِ فيها لِئَلَّا يُفْسِدَ على الْبَائِعِ وَلَعَلَّهُ يُفْسِدُ على الْبَائِعِ ثُمَّ يَخْتَارُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ لم يَكُنْ هذا لم يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى أَبَدًا لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَجَبَ على الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ الْبَائِعَ من بَاعَ على بَيْعِهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ هذا الْحَدِيثُ على غَيْرِ هذا جَازَ أَنْ لَا يَصِيرَ الناس إلَى حَدِيثٍ إلَّا أَحَالَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ
____________________

(3/10)


- * بَابُ بَيْعِ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا من الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي بَكْرِ بن عَبْدَ الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ( قال ) قال مَالِكٌ فَلِذَلِكَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلَابِ الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أو ضَارِيًا نَقَصَ من عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بن يَزِيدَ أخبره أَنَّهُ سمع سُفْيَانَ بن أبي زُهَيْرٍ وهو رَجُلٌ من شَنُوءَةَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول من اقْتَنَى كَلْبًا نَقَصَ من عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراط ( ( ( قيراطا ) ) ) قالوا أنت سَمِعْت هذا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إي وَرَبِّ هذا الْمَسْجِدِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ وإذا لم يَحِلَّ ثَمَنُهُ لم يَحِلَّ أَنْ يَتَّخِذَهُ إلَّا صَاحِبُ صَيْدٍ أو حَرْثٍ أو مَاشِيَةٍ وَإِلَّا لم يَحِلَّ له أَنْ يَتَّخِذَهُ ولم يَكُنْ له إنْ قَتَلَهُ أَخْذُ ثَمَنٍ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ فِيمَا قُتِلَ مِمَّا يُمْلَكُ إذَا كان يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ له في الْحَيَاةِ ثَمَنٌ يُشْتَرَى بِهِ وَيُبَاعُ ( قال ) وَلَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو ما كان في مَعْنَاهُ لِمَا جاء فيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ يَدُلُّ على أنها لو صَلُحَتْ أَنْ يَكُونَ لها أَثْمَانٌ بِحَالٍ لَمَا جَازَ قَتْلُهَا وَلَكَانَ لِمَالِكِهَا بَيْعُهَا فَيَأْخُذُ أَثْمَانَهَا لِتَصِيرَ إلَى من يَحِلُّ له قنيتها ( ( ( قنيتهما ) ) ) ( قال ) وَلَا يَحِلُّ السَّلَمُ فيها لِأَنَّهُ بَيْعٌ وما أُخِذَ في شَيْءٍ يُمْلَكُ فيه بِحَالٍ مُعَجَّلًا أو مُؤَخَّرًا أو بِقِيمَتِهِ في حَيَاةٍ أو مَوْتٍ فَهُوَ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ لِمَا وَصَفْنَا من نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِهِ وَلَوْ حَلَّ ثَمَنُهُ حَلَّ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ ( قال ) وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ من عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ وقال لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ( قال ) وقد نَصَبَ اللَّهُ عز وجل الْخِنْزِيرَ فَسَمَّاهُ رِجْسًا وَحَرَّمَهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ له ثَمَنٌ مُعَجَّلٌ وَلَا مُؤَخَّرٌ وَلَا قِيمَةٌ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لم يَكُنْ فيه قِيمَةٌ وما لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ مِمَّا يُمْلَكُ لَا تَحِلُّ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ ( قال ) وما كان فيه مَنْفَعَةٌ في حَيَاتِهِ بِيعَ من الناس غير الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وما كان لَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ لم يَكُنْ بِالسَّلَفِ فيه بَأْسٌ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ من
____________________

(3/11)


أَيْدِي الناس وَمَنْ مَلَكَهُ فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ في الْوَقْتِ الذي قَتَلَهُ فيه وما كان منه مُعَلَّمًا فَقَتَلَهُ مُعَلَّمًا فَقِيمَتُهُ مُعَلَّمًا كما تَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُعَلَّمًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْفَهْدِ يُعَلَّمُ الصَّيْدَ وَالْبَازِي وَالشَّاهَيْنِ وَالصَّقْرِ وَغَيْرِهَا من الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الأنسي وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فيه مَنْفَعَةٌ حَيًّا وَإِنْ لم يُؤْكَلْ لَحْمُهُ ( قال ) فَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ فَيُؤْكَلَانِ وَيُبَاعَانِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا وَصَفْتُ يَجُوزُ فِيهِمَا السَّلَفُ إنْ كان انْقِطَاعُهُمَا في الْحِينِ الذي يُسْلَفُ فِيهِمَا مَأْمُونًا الْأَمَانَ الظَّاهِرَ عِنْدَ الناس وَمَنْ قَتَلَهُمَا وَهُمَا لِأَحَدٍ غَرِمَ ثَمَنَهُمَا كما يَغْرَمُ ثَمَنَ الظَّبْيِ وَغَيْرِهِ من الْوَحْشِ الْمَمْلُوكِ غَيْرُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما لَا مَنْفَعَةَ فيه من وَحْشٍ مِثْلُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وما لَا يَصِيدُ من الطَّيْرِ الذي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِثْلُ اللحكاء ( ( ( اللحكة ) ) ) وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وما أَشْبَهَ هذا فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ على أَحَدٍ لو حَبَسَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ له قِيمَةٌ وَكَذَلِكَ الْفَأْرُ وَالْجِرْذَانُ وَالْوِزْغَانُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فيه حَيًّا وَلَا مَذْبُوحًا وَلَا مَيِّتًا فإذا اشْتَرَى هذا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وقد نهى اللَّهُ عز وجل عن أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْعُ ما انْتَفَعُوا بِهِ مَأْكُولًا أو مُسْتَمْتَعًا بِهِ في حَيَاتِهِ لِمَنْفَعَةٍ تَقَعُ مَوْقِعًا وَلَا مَنْفَعَةَ في هذا تَقَعُ مَوْقِعًا وإذا نهى عن بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ وهو مَنْفَعَةٌ إذَا تَمَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ لِمَنْفَعَةٍ كان مالا مَنْفَعَةَ فيه بِحَالٍ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عن ثَمَنِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْخِلَافِ في ثَمَنِ الْكَلْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فَأَجَازَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَشِرَاءَهُ وَجَعَلَ على من قَتَلَهُ ثَمَنَهُ قلت له أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحَرِّمُ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَتَجْعَلُ له ثَمَنًا حَيًّا أو مَيِّتًا أو يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَلَهَا أَثْمَانٌ يَغْرَمُهَا قَاتِلُهَا أَيَأْمُرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ ما يَغْرَمُهُ قَاتِلُهُ وَكُلُّ ما غَرِمَهُ قَاتِلُهُ أَثِمَ من قَتْلِهِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ ما يَكُونُ مَالًا لِمُسْلِمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَأْمُرُ بِمَأْثَمٍ ( وقال قَائِلٌ ) فَإِنَّا إنَّمَا أَخَذْنَا أَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ ثَمَنُهُ خَبَرًا وَقِيَاسًا قُلْت له فَاذْكُرْ الْخَبَرَ قال أخبرني بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن عِمْرَانَ بن أبي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَغْرَمَ رَجُلًا ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا قال وإذا جُعِلَ فيه مَقْتُولًا قِيمَةً كان حِيَالَهُ ثَمَنٌ لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال ) فقلت له أَرَأَيْتَ لو ثَبَتَ هذا عن عُثْمَانَ كُنْتَ لم تَصْنَعْ شيئا في احْتِجَاجِكَ على شَيْءٍ ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالثَّابِتُ عن عُثْمَانَ خِلَافُهُ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أخبرنا الثِّقَةُ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ قال سَمِعْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ يَخْطُبُ وهو يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما يَغْرَمُ من قَتَلَهُ قِيمَتَهُ قال فَأَخَذْنَاهُ قِيَاسًا على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَنْهَ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَلَا الْمَاشِيَةِ عن اتِّخَاذِهِ وَذَكَرَ له صَيْدَ الْكِلَابِ فقال فيه ولم يَنْهَ عنه فلما رَخَّصَ في أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَمْلُوكًا كَالْحِمَارِ حَلَّ ثَمَنُهُ وَلَمَّا حَلَّ ثَمَنُهُ كانت قِيمَتُهُ على من قَتَلَهُ ( قال ) فقلت له فإذا أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهُ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ ولم يَنْهَ عنه صَاحِبِ الصَّيْدِ وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِنَا وَبِك وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ في الْقَوْلَيْنِ فَتُحَرِّمُ ما حَرُمَ ثَمَنُهُ وَتَقْتُلُ الْكِلَابَ على من لم يُبَحْ له اتِّخَاذُهَا كما أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَتُبِيحُ اتِّخَاذَهَا لِمَنْ أَبَاحَهُ له ولم يَنْهَهُ عنه أو تَزْعُمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فيها تَضَادٌّ قال فما تَقُولُ أنت قُلْت أَقُولُ الْحَقَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْبَاتُ الْأَحَادِيثِ على ما جَاءَتْ كما جَاءَتْ إذَا احتملت ( ( ( احتلمت ) ) ) أَنْ تَثْبُتَ كُلُّهَا وَلَوْ جَازَ ما قُلْت من طَرْحِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ جَازَ عَلَيْك ما أَجَزْت لِنَفْسِك قال فيقول قَائِلٌ لَا نَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ قُلْت إذَا كان يَأْثَمُ بها من اتخاذها ( ( ( اتخذها ) ) ) لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ اتِّخَاذَهَا وَأَقْتُلُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا ثُمَّ لَا يَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ منه قال أَفَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَتَّخِذَهَا مُتَّخِذٌ وَلَا ثَمَنَ لها قلت بَلْ لَا يَجُوزُ فيها غَيْرُهُ
____________________

(3/12)


لو كان أَصْلُ اتِّخَاذِهَا حَلَالًا حَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ كما يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ وَلَكِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهَا مُحَرَّمٌ إلَّا بِمَوْضِعٍ كَالضَّرُورَةِ لِإِصْلَاحِ الْمَعَاشِ لِأَنِّي لم أَجِدْ الْحَلَالَ يُحْظَرُ على أَحَدٍ وَأَجِدُ من الْمُحَرَّمِ ما يُبَاحُ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ( قال ) وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُبَاحَانِ لِذِي الضَّرُورَةِ فإذا فَارَقَ الضَّرُورَةَ عَادَ أَنْ يَكُونَا مُحَرَّمَيْنِ عليه بِأَصْلِ تَحْرِيمِهِمَا وَالطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ مُبَاحَةٌ في السَّفَرِ لِمَنْ لم يَجِدْ مَاءً فإذا وَجَدَهُ حُرِّمَ عليه الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ أَصْلَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَاءِ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَا خَالَفَهُ إلَّا في الضَّرُورَةِ بِالْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ أو الْمَرَضِ وَلِذَلِكَ إذَا فَارَقَ رَجُلٌ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أو الزَّرْعِ أو الْمَاشِيَةِ حَرُمَ عليه اتِّخَاذُهَا قال فَلِمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُهَا في الْحِينِ الذي يَحِلُّ اتِّخَاذُهَا قلت لِمَا وَصَفْتُ لَك من أنها مَرْجُوعَةٌ على الْأَصْلِ فَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ في الْأَصْلِ وَإِنْ تَنْقَلِبْ حَالَاتُهُ بِضَرُورَةٍ أو مَنْفَعَةٍ فإن إحْلَالَهُ خَاصٌّ لِمَنْ أُبِيحَ له قال فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ ما وَصَفْتُ قلت أَرَأَيْتَ دَابَّةَ الرَّجُلِ مَاتَتْ فَاضْطُرَّ إلَيْهَا بَشَرٌ أَيَحِلُّ لهم أَكْلُهَا قال نعم قلت أَفَيَحِلُّ له بَيْعُهَا منهم أو لِبَعْضِهِمْ إنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَيْهَا قال إنْ قلت ليس ذلك له قلت فَقَدْ حَرَّمْتَ على مَالِكِ الدَّابَّةِ بَيْعَهَا وَإِنْ قُلْتَ نعم قلت فَقَدْ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الْمُحَرَّمِ قلت نعم قال فَأَقُولُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا قلت وَلَوْ أَحْرَقَهَا رَجُلٌ في الْحِينِ الذي أُبِيحَ لِهَؤُلَاءِ أَكْلُهَا فيه لم يَغْرَمْ ثَمَنَهَا قال لَا قلت فَلَوْ لم يَدُلَّك على النَّهْيِ عن ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا ما وَصَفْتُ لَك انْبَغَى أَنْ يَدُلَّك قال أَفَتُوجِدَنِّي غير هذا أَقُولُهُ قلت نعم زَعَمْتُ أَنَّهُ لو كان لَك خَمْرٌ حُرِّمَ عَلَيْك اتِّخَاذُهَا وَحَلَّ لَك أَنْ تُفْسِدَهَا بِمِلْحٍ وَمَاءٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا يُصَيِّرُهَا خَلًّا وَزَعَمْتَ أَنَّ رَجُلًا لو أَهْرَاقَهَا وقد أَفْسَدَهَا قبل أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لم يَكُنْ عليه في ثَمَنِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لم تَحِلَّ بَعْدُ عن الْمَحْرَمِ فَتَصِيرُ عَيْنًا غَيْرَهُ وَزَعَمْتَ أَنَّ مَاشِيَتَك لو مُوِّتَتْ حَلَّ لَك سَلْخُهَا وَحَبْسُ جِلْدِهَا وإذا دَبَغْتهَا حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ حَرَقَهَا رَجُلٌ قبل أَنْ تَدْبُغَهَا لم يَكُنْ عليه فيها قِيمَةٌ قال إنِّي لَا أَقُولُ هذا وَلَكِنِّي أَقُولُ إذَا صَارَتْ خَلًّا وَصَارَتْ مَدْبُوغَةً كان لها ثَمَنٌ وَعَلَى من حَرَقَهَا قِيمَتُهُ قلت لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِنْدَك عَيْنًا حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال نعم قلت أَفَتَصِيرُ الْكِلَابُ حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال لَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ أو طَلَبِ الْمَنْفَعَةِ وَالْكِلَابُ بِالْمَيْتَةِ أَشْبَهُ وَالْمَيْتَةُ لنا فيها أَلْزَمُ قلت وَهَذَا يَلْزَمُك في الْحِينِ الذي يَحِلُّ لَك فيه حَبْسُ الْخَمْرِ وَالْجُلُودِ فَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ في ذلك الْحِينِ لها ثَمَنًا قال أَجَلْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ حَكَى أَنَّ قَائِلًا قال لَا ثَمَنَ لِكَلْبِ الصَّيْدِ وَلَا الزَّرْعِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ جُمْلَةً ثُمَّ قال وَإِنْ قَتَلَ إنْسَانٌ لِآخَرَ كَلْبًا غَرِمَ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عليه مَالَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما لم يَكُنْ له ثَمَنٌ حَيًّا بِأَنَّ أَصْلَ ثَمَنِهِ مُحَرَّمٌ كان ثَمَنُهُ إذَا قُتِلَ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ أو مِثْلُ ثَمَنِهِ حَيًّا وَكُلُّ ما وَصَفْتُ حُجَّةً على من حَكَيْتُ قَوْلَهُ وَحُجَّةً على من قال هذا الْقَوْلَ وَعَلَيْهِ زِيَادَةُ حُجَّةٍ من قَوْلِهِ من أَنَّهُ إذَا لم يَحِلَّ ثَمَنُهَا في الْحَالِ التي أَبَاحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهَا كان إذَا قُتِلَتْ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ بها حَلَالًا قال فقال لي قَائِلٌ فإذا أَخْصَى رَجُلٌ كَلْبَ رَجُلٍ أو جَدَعَهُ قُلْت إذَا لم يَكُنْ له ثَمَنٌ ولم يَكُنْ على من قَتَلَهُ قِيمَةٌ كان فِيمَا أُصِيبَ مِمَّا دُونَ الْقَتْلِ أَوْلَى ولم يَكُنْ عليه فيه غُرْمٌ وَيُنْهَى عنه وَيُؤَدَّبُ إذَا عَادَ
____________________

(3/13)


- * بَابُ الرِّبَا بَابُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي أو خَازِنِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت بعد ما قَرَأْتُهُ عليه وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ
____________________

(3/14)


عن أَيُّوبَ عن مُسْلِمِ بن يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ قال وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أو الْمِلْحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ في الصَّرْفِ وَبِهَذَا تَرَكْنَا قَوْلَ من رَوَى أَنْ لَا رِبَا إلَّا في نَسِيئَةٍ وَقُلْنَا الرِّبَا من وَجْهَيْنِ في النَّسِيئَةِ وَالنَّقْدِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبَا منه يَكُونُ في النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَيَكُونُ في الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وقد يَكُونُ مع الْأَجَلِ زِيَادَةً في النَّقْدِ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَاَلَّذِي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْفَضْلَ في بَعْضِهِ على بعض ( ( ( بعضه ) ) ) يَدًا بِيَدٍ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ ( قال ) وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مُبَايِنَانِ لِكُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ كل شَيْءٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ من الطَّعَامِ وَلَا من غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَالتَّحْرِيمُ مَعَهُمَا من الطَّعَامِ من مَكِيلٍ كُلِّهِ مَأْكُولٍ ( قال ) فَوَجَدْنَا الْمَأْكُولَ إذَا كان مَكِيلًا فَالْمَأْكُولُ إذَا كان مَوْزُونًا في مَعْنَاهُ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ مَعًا وَكَذَلِكَ إذَا كان مَشْرُوبًا
____________________

(3/15)


مَكِيلًا أو مَوْزُونًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَنْ يُبَاعَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كما كان الْكَيْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا بَلْ الْوَزْنُ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ لِبُعْدِ تَفَاوُتِهِ من الْكَيْلِ فلما اجْتَمَعَا في أَنْ يَكُونَا مَأْكُولَيْنِ وَمَشْرُوبَيْنِ وَبَيْعًا مَعْلُومًا بِمِكْيَالٍ أو مِيزَانٍ كان مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا فَحَكَمْنَا لَهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا وَذَلِكَ مِثْلُ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ مَخْرَجَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى فيه لِأَنَّهُ لَا صلاح ( ( ( إصلاح ) ) ) له إلَّا بِهِ وَالْمِلْحُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا نُخَالِفُ في شَيْءٍ من أَحْكَامِ ما نَصَّتْ السُّنَّةُ من الْمَأْكُولِ غَيْرَهُ وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا لم نُخَالِفْ بين أَحْكَامِهَا وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا حَكَمْنَا له حُكْمَهَا من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَكَذَلِكَ في مَعْنَاهَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا لِأَنَّا وَجَدْنَا كَثِيرًا منها يُوزَنُ بِبَلْدَةٍ وَلَا يُوزَنُ بِأُخْرَى وَوَجَدْنَا عَامَّةَ الرُّطَبِ بِمَكَّةَ إنَّمَا يُبَاعُ في سِلَالٍ جُزَافًا وَوَجَدْنَا عَامَّةَ اللَّحْمِ إنَّمَا يُبَاعُ جُزَافًا وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبَدْوِ إذَا تَبَايَعُوا لَحْمًا أو لَبَنًا لم يَتَبَايَعُوهُ إلَّا جُزَافًا وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزُّبْدَ وَغَيْرَهُ وقد يُوزَنُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلَا يَمْتَنِعُ من الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ في بَيْعِ من بَاعَهُ جُزَافًا وما بِيعَ جُزَافًا أو عَدَدًا فَهُوَ في مَعْنَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ من
____________________

(3/16)


الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ ما يَبْقَى منه وَيُدَّخَرُ وما لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ فَلَوْ نَظَرْنَا في الذي يَبْقَى منه وَيُدَّخَرُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ وَجَدْنَا التَّمْرَ كُلَّهُ يَابِسًا يَبْقَى غَايَةً وَوَجَدْنَا الطَّعَامَ كُلَّهُ لَا يَبْقَى ذلك الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّحْمَ لَا يَبْقَى ذلك الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّبَنَ لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ فَإِنْ قال قد يُوقَطُ قِيلَ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْفَاكِهَةِ الْمَوْزُونَةِ قد تَيْبَسُ وَقِشْرُ الْأُتْرُجِّ بِمَا لَصِقَ فيه يَيْبَسُ وَلَيْسَ فِيمَا يَبْقَى وَلَا يَبْقَى مَعْنًى يُفَرِّقُ بَيْنَهُ إذَا كان مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فَكُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما كان غير مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ لِتَفَكُّهٍ وَلَا تَلَذُّذٍ مِثْلَ الْأَسْبِيُوشِ وَالثُّفَّاءِ وَالْبُزُورِ كُلِّهَا فَهِيَ وَإِنْ أُكِلَتْ غَيْرُ مَعْنَى الْقُوتِ فَقَدْ تُعَدُّ مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً وَقِيَاسُهَا على الْمَأْكُولِ الْقُوتَ أَوْلَى من قِيَاسِهَا على ما فَارَقَهُ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا أهليلجها وايليلجها وسَقَمُونْيِهَا وَغَارِيقُونَهَا يَدْخُلُ في هذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَوَجَدْنَا كُلَّ ما يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِيَكُونَ مَأْكُولًا أو مَشْرُوبًا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِهِ لِيُؤْكَلَ أو يُشْرَبَ وَوَجَدْنَا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِلْمَنْفَعَةِ وَوَجَدْنَا الْأَدْوِيَةَ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ مَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ من مَنَافِعِ الطَّعَامِ فَكَانَتْ
____________________

(3/17)


أَنْ تُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ أَوْلَى من أَنْ يُقَاسَ بها الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ من الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذلك فَجَعَلْنَا لِلْأَشْيَاءِ أَصْلَيْنِ أَصْلٌ مَأْكُولٌ فيه الرِّبَا وَأَصْلٌ مَتَاعٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لَا رِبَا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَالْأَصْلُ في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا كان بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْأَصْلِ في الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ وإذا كان منه صِنْفٌ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِعِلَّةٍ وَتِلْكَ الْعِلَّةُ لَا تَكُونُ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ منه وَهَذَا لَا يَدْخُلُ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ أَبَدًا ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ فَرَّقْتُمْ بين الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَبَيْنَ الْمَأْكُولِ في هذه الْحَالِ قُلْت الْحُجَّةُ فيه ما لَا حُجَّةَ معه من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقِيسَ شيئا بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ له فإذا كانت الرُّطُوبَةُ مَوْجُودَةً في غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ في الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَوْجِدْنَا السُّنَّةَ فيه قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أخبرنا الرَّبِيعُ
____________________

(3/18)


قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أخبره أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ عن الْبَيْضَاءِ بِالسَّلْتِ فقال له سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فقال الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عن ذلك وقال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسْأَلُ عن شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نعم فَنَهَى عن ذلك ( قال ) فَفِي هذا الحديث رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسَّلْتِ فَإِنْ كان كَرِهَهَا بِسُنَّةٍ فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَرِهَهَا لِذَلِكَ فَإِنْ كان كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَلَيْسَ في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الْقِيَاسُ على سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيْضًا ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَصْنَافُهُ من الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ هو وَهِيَ وَكَذَلِكَ زَبِيبٌ بِتَمْرٍ وَحِنْطَةٌ بِشَعِيرٍ وَشَعِيرٌ بِسَلْتٍ وَذُرَةٌ بِأُرْزٍ وما اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ هَكَذَا كُلُّهُ وفي حَدِيثِهِ عن
____________________

(3/19)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عن نُقْصَانِهِ فَيَنْبَغِي للامام إذَا حَضَرَهُ اهل الْعِلْمِ بِمَا يَرِدُ عليه أَنْ يَسْأَلَهُمْ عنه وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ من أَهْلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَظَرَ في مُعْتَقَبِ الرُّطَبِ فلما كان يَنْقُصُ لم يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ من الرُّطَبِ إذَا كان نُقْصَانُهُ غير مَحْدُودٍ وقد حَرُمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فيها زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ في الْمُعْتَقَبِ من الرُّطَبِ فَدَلَّتْ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ من جِنْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ نَظَرَ في الْبُيُوعِ في الْمُعْتَقَبِ خَوْفًا من أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا على بَعْضٍ فَهُمَا رُطَبَانِ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ فإذا نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ فلم يَجُزْ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَا يُعْرَف كَيْفَ يَكُونَانِ في الْمُعْتَقَبِ وكان بَيْعًا مَجْهُولًا الْكَيْلُ بِالْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ الْكَيْلُ وَلَا الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنُ من جِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
____________________

(3/20)


- * بَابُ جِمَاعِ تَفْرِيعِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) مَعْرِفَةُ الْأَعْيَانِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ الذي يَنْفَرِدُ بِهِ من جُمْلَةِ ما مَخْرَجُهُ مَخْرَجُهَا فَذَلِكَ جِنْسٌ فَأَصْلُ كل ما أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ أَنَّهُ نَبَاتٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِ أَسْمَاءُ فَيُقَالُ هذا حَبٌّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِالْحَبِّ اسماء وَالْأَسْمَاءُ التي تُفَرَّقُ بِالْحَبِّ من جِمَاعِ التَّمْيِيزِ فَيُقَالُ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَيُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَسَلْتٌ فَهَذَا الْجِمَاعُ الذي هو جِمَاعُ التَّمْيِيزِ وهو من الْجِنْسِ الذي تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ وهو في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ هَكَذَا وَهُمَا مَخْلُوقَانِ من الْأَرْضِ أو فيها ثُمَّ هُمَا تِبْرٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِمَا أَسْمَاءُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَالتِّبْرُ سواهما ( ( ( وسواهما ) ) ) من النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحُكْمُ فِيمَا كان يَابِسًا من صِنْفٍ وَاحِدٍ من أَصْنَافِ الطَّعَامِ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا اخْتِلَافَ فيه كَحُكْمِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَحَكَمَ فيها حُكْمًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين أَحْكَامِهَا بِحَالٍ وقد جَمَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ تَفْرِيعِ الصِّنْفِ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بمثله - * قال الرَّبِيعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ في الْأَسْمَاءِ كما يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ في الْأَسْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ قال وَأَصْلُ الْحِنْطَةِ الْكَيْلُ وَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ كَيْلًا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بمثله وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا وَزْنًا بِكَيْلٍ قال وَلَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كما يَكُونُ ذلك في الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَخْتَلِفُ قال وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يَسْوَى مُدُّهَا دِينَارًا بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يُسَوَّى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قَبِيحَةٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا إذَا كانت حِنْطَةُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَحِنْطَةُ بَائِعِهِ صِنْفًا وَاحِدًا وَكُلُّ ما لم يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يُبَاعَ منه شَيْءٌ وَمَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ لَا خَيْرَ في مُدِّ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بمدى تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلَا مُدِّ حِنْطَةٍ سَوْدَاءَ وَدِرْهَمٍ بمدى حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حتى يَكُونَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ لَا شَيْءَ مع وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أو يَشْتَرِي شيئا من غَيْرِ صِنْفِهِ ليس معه من صِنْفِهِ شَيْءٌ - * بَابٌ في التَّمْرِ بِالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّمْرُ صِنْفٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ صَاعَ تَمْرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَلَا بَأْسَ إذَا كان صَاعُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَصَاعُ الْآخَرِ صِنْفًا وَاحِدًا أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كان بردى ( ( ( برديء ) ) ) وَعَجْوَةٌ بِعَجْوَةٍ أو بردى ( ( ( برديء ) ) ) وَصَيْحَانِيٌّ بِصَيْحَانِيٍّ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ صَاعُ أَحَدِهِمَا من تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ من تَمْرٍ وَاحِدٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَبَايَعَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مَوْزُونًا في جِلَالٍ كان أو قِرَبٍ أو غَيْرِ ذلك وَلَوْ طُرِحَتْ عنه الْجِلَالُ وَالْقِرَبُ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ وَزْنًا وَذَلِكَ أَنَّ وَزْنَ التَّمْرِ يَتَبَايَنُ فَيَكُونُ صَاعٌ وَزْنُهُ أَرْطَالٌ وَصَاعٌ آخَرُ وَزْنُهُ أَكْثَرُ منها فَلَوْ كَيْلًا كان صَاعٌ بِأَكْثَرَ من صَاعٍ كَيْلًا وَهَكَذَا كُلُّ كَيْلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بمثله وَزْنًا
____________________

(3/21)


وَكُلُّ وَزْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بمثله كَيْلًا وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ كَيْلًا وَإِنْ كان أَصْلُهُ الْوَزْنَ وَجُزَافًا لِأَنَّا إنَّمَا نَأْمُرُ بِبَيْعِهِ على الْأَصْلِ كَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فإذا كان ما يَجُوزُ فيه التَّفَاضُلُ فَلَا نُبَالِي كَيْفَ تَبَايَعَاهُ إنْ تَقَابُضَاه قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا - * بَابٌ ما في مَعْنَى التَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ يَابِسٍ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَالْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت في الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ في حَرْفٍ منه وَذَلِكَ يُخَالِفُ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالذُّرَةَ بِالذُّرَةِ وَالسَّلْتَ بِالسَّلْتِ وَالدَّخَنَ بِالدَّخَنِ وَالْأُرْزَ بِالْأُرْزِ وَكُلَّ ما أَكَلَ الناس مِمَّا يُنْبِتُونَ أو لم يُنْبِتُوا مِثْلَ الْفَثِّ وَغَيْرِهِ من حَبِّ الْحَنْظَلِ وَسُكَّرِ الْعُشْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَكَلَ الناس ولم يُنْبِتُوا وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ يَبِسَ من أَسْبِيُوشٍ بِأَسْبِيُوشٍ وَثُفَّاءٍ بِثُفَّاءٍ وَصَعْتَرٍ بِصَعْتَرٍ فما بِيعَ منه وَزْنًا بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ لم يُصْرَفْ إلَى كَيْلٍ وما بِيعَ منه كَيْلًا لم يُصْرَفْ إلَى وَزْنٍ لِمَا وَصَفْتُ من اخْتِلَافِهِ في يُبْسِهِ وَخِفَّتِهِ وَجَفَائِهِ قال وَهَكَذَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ من شَجَرٍ أو أَرْضٍ فَكَانَ بِحَالِهِ التي أخرجه الله تعالى بها لم يحدث فيه الآدميون شيئا فينقلونه عن حاله التي أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بها إلَى غَيْرِهَا فَأَمَّا ما لو تَرَكُوهُ لم يَزَلْ رَطْبًا بِحَالِهِ أَبَدًا فَفِي هذا الصِّنْفِ منه عِلَّةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا ما أَحْدَثَ فيه الْآدَمِيُّونَ تَجْفِيفًا من الثَّمَرِ فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَعْجَلُوا بِهِ صَلَاحَهُ وَإِنْ لم يَنْقُلُوهُ وَتَرَكُوهُ جَفَّ وما أَشْبَهَ هذا - * بَابٌ ما يُجَامِعُ التَّمْرَ وما يُخَالِفُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالزَّيْتُونُ مَخْلُوقٌ ثَمَرَةٌ لو تَرَكَهَا الْآدَمِيُّونَ صَحِيحَةً لم يَخْرُجْ منها زَيْتٌ وَلَمَّا عَصَرُوهَا خَرَجَتْ زَيْتًا فَإِنَّمَا اُشْتُقَّ لها اسْمُ الزَّيْتِ بِأَنَّ شَجَرَتَهَا زَيْتُونٌ فَاسْمُ ثَمَرَةِ شَجَرَتِهَا التي منها الزَّيْتُ زَيْتُونٌ فَكُلُّ ما خَرَجَ من زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَيُرَدُّ منه ما يُرَدُّ من الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يُعْصَرُ من الْفُجْلِ دُهْنٌ يُسَمَّى زَيْتُ الْفُجْلِ قال وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلَادِنَا فَيُعْرَفُ له اسْمٌ بِأُمِّهِ وَلَسْت أَعْرِفُهُ يُسَمَّى زَيْتًا إلَّا على مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ له مُسْتَعْمَلٌ في بَعْضِ ما يُسْتَعْمَلُ فيه الزَّيْتُ وهو مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ في طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وهو زَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قال وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هو أَلْيَقُ بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا من الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ منه بِالِاثْنَيْنِ من زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قال رَجُلٌ أَكَلْت زَيْتًا أو اشْتَرَيْت زَيْتًا عُرِفَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ له دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هو صِنْفٌ من الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وهو صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ منه بِالِاثْنَيْنِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْبِزْرِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ منه مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ دُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ
____________________

(3/22)


السِّمْسِمِ وَدُهْنُ نَوَى الْمِشْمِشِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلّ دُهْنٍ من هذه الْأَدْهَانِ خَرَجَ من حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ فَاخْتَلَفَ ما يَخْرُجُ من تِلْكَ الثَّمَرَةِ أو تِلْكَ الْحَبَّةِ أو تِلْكَ الْعُجْمَةِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ منه خَرَجَ من حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ أو عُجْمَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ في غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدُ منه بِالِاثْنَيْنِ ما لم يَكُنْ نَسِيئَةً لَا بَأْسَ بِدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ فُجْلٍ وَدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ لَوْزٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ بِدُهْنِ جَوْزٍ اُرْدُدْ أُصُولَهُ كُلَّهُ إلَى ما خَرَجَ منه فإذا كان ما خَرَجَ منه وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ كَالْحِنْطَةِ صِنْفٌ وإذا خَرَجَ من أَصْلَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ مُفْتَرَقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هذا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فيها كَهُوَ في التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ كان من هذه الْأَدْهَانِ شَيْءٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ من الرِّبَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ منه بِعَشْرَةٍ منه يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَوَاحِدٌ منه بِوَاحِدٍ من غَيْرِهِ وَبِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إنَّمَا الرِّبَا فِيمَا أُكِلَ أو شُرِبَ بِحَالٍ وفي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يجمعهما ( ( ( يجمعها ) ) ) اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ فلما تَبَايَنَ حِلُّ الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ أَصْلُ اسْمٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِمَعَانِي أنها تُنْسَبُ إلَى ما تَكُونُ منه فَأَمَّا أُصُولُهَا من السِّمْسِمِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَغَيْرِهِ فَمَوْضُوعٌ له أَسْمَاءُ كَأَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ لَا بِمَعَانٍ فَإِنْ قِيلَ فَالْحَبُّ الْأَخْضَرُ بِمَعْنًى فَاسْمُهُ عِنْدَ من يَعْرِفُهُ الْبُطْمُ وَالْعَسَلُ الذي لَا يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَاَلَّذِي إذَا لَقِيت رَجُلًا فَقُلْت له عَسَلٌ عَلِمَ أنه عَسَلَ النَّحْلِ صِنْفٌ وقد سُمِّيَتْ أَشْيَاءُ من الْحَلَاوَةِ تُسَمَّى بها عَسَلًا وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ الْحُلْوِ حَدِيثٌ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ وَقَالَتْ فِيمَا الْتَذَّتْ هذا عَسَلٌ وَهَذَا مَعْسُولٌ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ لَكِ حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ يَعْنِي يُجَامِعُهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ هو الْمُسْتَحْلَى من الْمَرْأَةِ فَقَالُوا لِكُلِّ ما اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ على مَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلَاءَ الْعَسَلِ قال فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ بِالِاسْمِ دُونَ ما سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ على ما وُصِفَتْ من الشَّبَهِ وَالْعَسَلُ فِطْرَةُ الْخَالِقِ لَا صَنْعَةَ للادميين فيه وما سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ من قَصَبٍ أو ثَمَرَةٍ أو حَبَّةٍ كما تُسْتَخْرَجُ الْأَدْهَانُ فَلَا بَأْسَ بِالْعَسَلِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَسَلًا إلَّا على ما وَصَفْت فَإِنَّمَا يُقَالُ عَصِيرُ قَصَبٍ وَلَا بَأْسَ بالعسل ( ( ( العسل ) ) ) بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلَا بِرُبِّ الْعِنَبِ وَلَا بَأْسَ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ لِأَنَّهُمَا مُحْدَثَانِ وَمِنْ شَجَرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ رُبِّ التَّمْرِ بِرُبِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا كُلُّ ما اُسْتُخْرِجَ من شَيْءٍ فَكَانَ حُلْوًا فَأَصْلُهُ على ما وَصَفْت عليه أُصُولَ الْأَدْهَانِ مِثْلُ عَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ وما أَشْبَهَ هذا فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ وَلَا يَجُوزُ منه صِنْفٌ بمثله إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كان يُوزَنُ وَكِيلًا إنْ كان أَصْلُهُ الْكَيْلَ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ منه مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا كان إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْت منه نَيْئًا بِمَطْبُوخٍ فَالنَّيْءُ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فيه النُّقْصَانُ في النَّيْءِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا يُبَاعُ منه وَاحِدٌ بِآخَرَ مَطْبُوخَيْنِ مَعًا لِأَنَّ النَّارَ تَبْلُغُ من بَعْضِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبْلُغُ من بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْمَطْبُوخِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كما يَكُونُ لِلتَّمْرِ في الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وقد يُطْبَخُ فَيَذْهَبُ منه جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ وَيُطْبَخُ فَيَذْهَبُ منه عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه مَطْبُوخٌ بِمَطْبُوخٍ لِمَا وَصَفْت وَلَا مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ إلَّا نَيْءٌ بِنَيْءٍ فَإِنْ كان منه شَيْءٌ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِصِنْفِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا يدري ما حِصَّةُ الْمَشُوبِ من حِصَّةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الذي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ - * بَابُ الْمَأْكُولِ من صِنْفَيْنِ شِيبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ وفي السُّنَّةِ خَبَرٌ نَصًّا وَدَلَالَةً بِالْقِيَاسِ عليها أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَذَلِكَ في حديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ بَيِّنٌ وما سِوَاهُ قِيَاسٌ عليه
____________________

(3/23)


في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَا بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى شَعِيرٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى أُرْزٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى ذُرَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى تَمْرٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بمدى زَبِيبٍ وَمُدِّ زَبِيبٍ بمدى مِلْحٍ وَمُدِّ مِلْحٍ بمدى حِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ كُلُّهُ صِنْفُ مِلْحُ جَبَلٍ وَبَحْرٍ وما وَقَعَ عليه اسْمُ مِلْحٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً مِثْلُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءً لَا يَخْتَلِفَانِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَكُلُّ ما سَكَتَ عنه مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ صِنْفٌ منه بِصِنْفٍ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أو صِنْفٌ بِصِنْفٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ لَا يَخْتَلِفَانِ في حَرْفٍ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ لَازِمًا لِلْحَدِيثِ حتى يَقُولَ هذا لِأَنَّ مَخْرَجَ الْكَلَامِ فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ وَحُرِّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحِدٌ وإذا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قال وَالْعَسَلُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ منه بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا مُسْتَوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً وَلَا يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ من الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَا وَزْنًا وفي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كان الْعَسَلُ بِأَقَلَّ منه وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ وَزْنًا وفي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لم يَخْرُجَا من أَنْ يَكُونَ ما فِيهِمَا من الْعَسَلِ من وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وقد يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لو بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا خَيْرَ في مُدِّ حِنْطَةٍ فيها قَصْلٌ أو فيها حِجَارَةٌ أو فيها زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فيها من ذلك أو فيها تِبْنٌ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً كما وَصَفْتُ في الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من هذه خَلَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْدِرُ على تَمْيِيزِهِ منه لم يَجُزْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا خَالِصًا مِمَّا يَخْلِطُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما يُخْلَطُ الْمَكِيلُ لَا يَزِيدُ في كَيْلِهِ مِثْلُ قَلِيلِ التُّرَابِ وما دُقَّ من تِبْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ في كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ في شَيْءٍ من هذا فيه لِأَنَّ كُلَّ هذا يَزِيدُ في الْوَزْنِ وَهَكَذَا كُلُّ ما شَابَهَ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ منه بِوَاحِدٍ من جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ ما شَابَهَ يَنْقُصُ من كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ فيه مِثْلُ ما وَصَفْت من الْحِنْطَةِ مَعَهَا شَيْءٌ بِحِنْطَةٍ وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ بِلَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ أو لم يَخْلِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ ما دَخَلَهُ أو دخلهما ( ( ( دخلها ) ) ) مَعًا من الْمَاءِ فَيَكُونُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ مُتَفَاضِلًا - * بَابُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) الرُّطَبُ يَعُودُ تَمْرًا وَلَا أَصْلَ لِلتَّمْرِ إلَّا الرُّطَبَ فلما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وكان في الْخَبَرِ عنه أَنَّ نَهْيَهُ عنه أَنَّهُ نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ وكان مَوْجُودًا في سُنَّتِهِ تَحْرِيمُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَغَيْرِهِ من الْمَأْكُولِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ قُلْنَا بِهِ على ما قَالَهُ وَفَسَّرَ لنا مَعْنَاهُ فَقُلْنَا لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ فيه في الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَخْرُجُ من الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَبَدًا من أَنْ يُبَاعَ مَجْهُولَ الْكَيْلِ إذَا عَادَ تَمْرًا وَلَا خَيْرَ في تَمْرٍ بِتَمْرٍ مَجْهُولِي الْكَيْلِ مَعًا وَلَا أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ نُقْصَانَهُمَا أَبَدًا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ أَحَدُ التَّمْرِينِ بِالْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ كَيْلًا من الاخر وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن هذا ( قال ) فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ رُطَبٌ منه كَيْلًا بِرُطَبٍ لِمَا وَصَفْت قِيَاسًا على الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحْشِيُّهُ وَطَائِرُهُ وأنسيه لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونَ يَابِسًا وَيَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَحْمُ الْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ في تَمْرِ نَخْلَةٍ بِرُطَبِ نَخْلَةٍ بِخَرْصٍ وَلَا بتحر ( ( ( بتجر ) ) ) وَلَا غَيْرِهِ فَالْقَسْمُ وَالْمُبَادَلَةُ وَكُلُّ ما أُخِذَ له عِوَضٌ مِثْلُ
____________________

(3/24)


الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ رَجُلٌ رَجُلًا رُطَبًا في نَخْلِهِ وَلَا في الْأَرْضِ وَلَا يُبَادِلُهُ بِهِ لِأَنَّ كلاهما ( ( ( كلهما ) ) ) في مَعْنَى الْبَيْعِ ها هنا إلَّا الْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من الطَّعَامِ الذي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما جَازَ في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ نَفْسِهِ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَهَكَذَا ما كان رَطْبًا فِرْسِكٍ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ منها بِشَيْءٍ رَطْبًا وَلَا رَطْبٌ منها بِيَابِسٍ وَلَا جُزَافٌ منها بِمَكِيلٍ وَلَا يُقَسَّمُ رَطْبٌ منها على الْأَرْضِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا في شَجَرِهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لو تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رَطْبٍ من الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بِحَالٍ مِثْلُ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ منه شَيْءٌ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى ما في الرُّطُوبَةِ من تَغَيُّرِهِ عند اليبس وكثره ما يحمل بعضها من الماء فيثقل به ويعظم وقلة ما يحمل غيرها فيضمر به ويجف وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه فَلَا بَأْسَ بِبِطِّيخٍ بِقِثَّاءَ مُتَفَاضِلًا جُزَافًا وَوَزْنًا وَكَيْفَمَا شَاءَ إذَا أَجَزْت التَّفَاضُلَ في الْوَزْنِ أَجَزْت أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى في الْجُزَافِ يُحَرِّمُهُ إلَّا التَّفَاضُلُ وَالتَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُبَاحٌ وَهَكَذَا جَزَرٌ بِأُتْرُجٍّ وَرُطَبٌ بِعِنَبٍ في شَجَرِهِ وَمَوْضُوعًا جُزَافًا وَمَكِيلًا كما قُلْنَا فِيمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ سَوَاءٌ في ذلك الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ وفي كل ما خَرَجَ من الْأَرْضِ من مَأْكُولٍ وَمِنْ مَشْرُوبٍ وَالرَّطْبُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يُتْرَكُ بِلَا عَمَلٍ من عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ يُغَيِّرُهُ عن بِنْيَةِ خِلْقَتِهِ مِثْلُ ما يُطْبَخُ فَتَنْقُصُهُ النَّارُ وَيُحْمَلُ عليه غَيْرُهُ فَيَذْهَبُ رُطُوبَتُهُ وَيُغَيِّرُهُ مِثْلُ الرُّطَبِ يَعُود تَمْرًا وَاللَّحْمِ يُقَدَّدُ بِلَا طَبْخٍ يُغَيِّرُهُ وَلَا عَمَلِ شَيْءٍ حُمِلَ عليه غَيْرُهُ فَكُلُّ ما كان من الرَّطْبِ في هذا الْمَعْنَى لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ من صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمِثْلُهُ كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ من صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ من صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْته من الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ - * بَابُ ما جاء في بَيْعِ اللَّحْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ منه بَيْعُ لَحْمٍ ضَائِنٍ بِلَحْمٍ ضَائِنٍ رَطْلًا بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلَا كِلَاهُمَا رَطْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ التي يَغْتَذِي منها لحمة فَيَكُونُ منها الرَّخْصُ الذي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الذي يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَرُخْصُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَحْمٌ أَبَدًا إلَّا يَابِسًا قد بَلَغَ إنَاهُ بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ كَالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فَإِنْ قِيلَ قد عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ قِيلَ التَّمْرُ إذَا وَقَعَ عليه اسْمُ الْيُبْسِ ولم يَبْلُغْ إنَاهُ بِيُبْسِهِ فَبِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ لم يَنْقُصْ في الْكَيْلِ شيئا وإذا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ في الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فيه كان أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حتى يَتَنَاهَى قال وما بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْت في اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ حتى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ لِأَنَّهُ قد يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ أو مَجْهُولًا وَإِنْ كان بِبِلَادٍ
____________________

(3/25)


نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حتى يَثْقُلَ لم يُبَعْ وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا من نَدًى حتى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ في وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حتى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ كما لم يَجُزْ في الِابْتِدَاءِ وَالْقَوْلُ في اللَّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الابل صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الظِّبَاءِ صِنْفٌ وَلَحْمَ كل ما تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ تَفَرَّقَ اسماؤه فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظِبَاءَ وَلَحْمُ أَرَانِبَ وَلَحْمُ يَرَابِيعَ وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ في الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجْلٍ وَلَحْمُ يعاقيب وَكَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَأُرْزٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ فَمَنْ قال هذا قال الْغَنَمُ صِنْفٌ ضانها وَمَعْزَاهَا وَصِغَارُ ذلك وَكِبَارُهُ وَإِنَاثُهُ وَفُحُولُهُ وَحُكْمُهَا أنها تَكُونُ مِثْلَ الْبُرِّ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا وَالتَّمْرِ الْمُتَبَايِنِ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا فَلَا يُبَاعُ منه يَابِسٌ مُنْتَهَى الْيُبْسِ بِيَابِسٍ مِثْلِهِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اختلف بيع لحم الغنم بلحم البقر يابس برطب ورطب برطب وزنا بوزن ووزنا منه بثلاثة أمثاله يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك أنه لا ربا في الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وإنما الربا فيه بنسيئة وإذا جَازَ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ لم يَكُنْ لِلْوَزْنِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَعْرِفَ الْمُتَبَايِعَانِ ما اشْتَرَيَا وَبَاعَا وَلَا بَأْسَ بِهِ جُزَافًا وَكَيْفَ شَاءَ ما لم يَدْخُلْهُ نَسِيئَةٌ كما قُلْنَا في التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذلك ثُمَّ هَكَذَا الْقَوْلُ في لَحْمِ الْأَنِيسِ وَالْوَحْشِ كُلِّهِ فَلَا خَيْرَ في لَحْمِ طَيْرٍ بِلَحْمِ طَيْرٍ إلَّا أَنْ يَيْبَسَ مُنْتَهَى الْيُبْسِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كما قُلْنَا في لَحْمِ الْغَنَمِ وَلَا باس بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانِ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فيه أَنْ أَقُولَ هو صِنْفٌ لِأَنَّهُ سَاكِنُ الْمَاءِ وَلَوْ زَعَمْته زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وأنسيه أو كان أَقَلَّ ما يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذلك في وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فإذا اخْتَلَفَ الْحَيَوَانُ فَكُلُّ ما تَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ لَك فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ من أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ من الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ فيه يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ وَلَا خَيْرَ في رَطْلِ لَحْمِ حُوتٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( ( رطبا ) ) ) بِرَطْلِ لَحْمٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( ( رطبا ) ) ) وَلَا أَحَدُهُمَا رَطْبٌ وَالْآخَرُ يَابِسٌ وَلَا خَيْرَ فيه حتى يُمَلَّحَ وَيُجَفَّفَ وَيَنْتَهِي نُقْصَانُهُ وَجُفُوفُ ما كَثُرَ لَحْمُهُ منه أَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فإذا انْتَهَى بِيعَ رَطْلًا بِرَطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ من صِنْفٍ فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وما رَقَّ لَحْمُهُ من الْحِيتَانِ إذَا وُضِعَ جَفَّ جُفُوفًا شَدِيدًا فَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَبْلُغَ إبَّانَهُ من الْجُفُوفِ وَيُبَاعُ الصِّنْفُ منه بمثله وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت قَبْلَهُ يُبَاعُ رَطْبًا جُزَافًا بِرَطْبٍ جُزَافٍ وَيَابِسٍ جُزَافٍ وَمُتَفَاضِلٍ في الْوَزْنِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا يَخْتَلِفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي في هذا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كما أَنَّ التَّمْرَ كُلَّهُ صِنْفٌ وَمَنْ قال هذا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ في الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هذا كَجِمَاعِ الثَّمَرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ من الثِّمَارِ صِنْفًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ حَالِفًا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ حِنْثَهُ بِلَحْمِ الْغَنَمِ فَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ثَمَرًا حَنِثَ بِالزَّبِيبِ حِنْثَهُ بِالتَّمْرِ وَحِنْثَهُ بِالْفِرْسِكِ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ من هذا بِسَبِيلِ الْأَيْمَانِ على الْأَسْمَاءِ وَالْبُيُوعِ على الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________

(3/26)


- * بَابُ ما يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الصِّنْفُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الذي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لم يَيْبَسْ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ في مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه أَبَدًا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كما كان أو بِأَنْ يَنْقَلِبَ بِأَنْ يُعْقَدَ على نَارٍ أو يُحْمَلَ عليه يَابِسٌ فَيَصِيرُ هذا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رُطُوبَةَ ما يَبِسَ من التَّمْرِ رُطُوبَةٌ في شَيْءٍ خُلِقَ مُسْتَجْسَدًا إنَّمَا هو رُطُوبَةٌ طَرَاءَةً كَطَرَاءَةِ اغْتِذَائِهِ في شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فإذا زَايَلَ مَوْضِعَ الِاغْتِذَاءِ من مَنْبَتِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وما وَصَفْت رُطُوبَةً مُخْرَجَةً من إنَاثِ الْحَيَوَانِ أو ثَمَرِ شَجَرٍ أو زَرْعٍ قد زَايَلَ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ الذي هو لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الذي هو فيه نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ ما هو فيه رَطْبًا من طِبَاعِ رُطُوبَتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كما يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يُصْرَفَ بِإِدْخَالِ غَيْرِهِ عليه بِخَلْطِهِ وَإِدْخَالِ عَقْدِ النَّارِ على ما يُعْقَدُ منه فلما خَالَفَهُ بِأَنْ لم تَكُنْ فيه الرُّطُوبَةُ التي رُطُوبَتُهُ تُفْضِي إلَى جُفُوفِهِ إذَا تُرِكَ بِلَا عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ لم يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ في كل أَحْوَالِهِ لَا مُنْتَقِلًا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حَلِيبٍ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَيْفَمَا كان بِلَبَنٍ كَيْفَمَا كان حَلِيبًا أو رَائِبًا أو حَامِضًا وَلَا حَامِضَ بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبَ بِرَائِبٍ ما لم يَخْلِطْهُ مَاءٌ فإذا خَلَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فيه إذَا خَلَطَ الْمَاءُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ أو كلاهما ( ( ( كليهما ) ) ) لِأَنَّ الْمَاءَ غِشٌّ لَا يَتَمَيَّزُ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ أَجَزْنَا الْغَرَرَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِهِ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ مُخْتَلَطَانِ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ الْمَاءِ من اللَّبَنِ فَنَكُونُ أَجَزْنَا اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولًا أو مُتَفَاضِلًا أو جَامِعًا لَهُمَا وما كان يَحْرُمُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ لم يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مَعْلُومًا كُلَّهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ أو وَزْنًا بِوَزْنٍ فَجِمَاعُ عِلْمِ بَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كان اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ لم يَخْلِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَاءٌ وَيُرَدَّانِ خَلَطَهُمَا مَاءٌ أو وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَجُوزُ إذَا كان اللَّبَنُ صِنْفًا وَاحِدًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ ما عزه وَضَائِنُهُ وَالصِّنْفُ الذي يُخَالِفُهُ الْبَقَرُ دِرْبَانِيُّهُ وعربية وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الذي يُخَالِفُهُمَا مَعًا لَبَنُ الْإِبِلِ أَوَارِكُهَا وَغَوَادِيهَا وَمُهْرِيُّهَا وَبُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَأَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاضِلًا وَمُسْتَوِيًا وَجُزَافًا وَكَيْفَ ما شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ لَا خَيْرَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً وَلَا خَيْرَ في لَبَنٍ مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ على وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يَنْقُصُ اللَّبَنَ وَلَا خَيْرَ في لَبَنِ غَنَمٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ من قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فإذا بِعْت اللَّبَنَ بِالْأَقِطِ أَجَزْت اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولًا وَمُتَفَاضِلًا أو جَمَعْتهمَا مَعًا فإذا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ إبِلٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ وَلَبَنِ بَقَرٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَافِ اللَّبَنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ زُبْدًا من غَنَمٍ بِلَبْنِ غَنَمٍ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ من اللَّبَنِ وَهُمَا مَأْكُولَانِ في حالهما ( ( ( حالها ) ) ) التي يَتَبَايَعَانِ فيها وَلَا خَيْرَ في سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ من الزُّبْدِ بِيعَ مُتَفَاضِلًا أو مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أو مَوْزُونَانِ في الْحَالِ التي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وإذا اخْتَلَفَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ فَكَانَ زُبْدُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ أو سَمْنُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ فَلَا باس لِاخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ يُبَاعَا كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ إذَا تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قال وَلَا بَأْسَ بِلَبَنٍ بِشَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كان أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا قال وَإِنْ كانت الشَّاةُ لَبُونًا وكان اللَّبَنُ لَبَنَ غَنَمٍ وفي الشَّاةِ حين تَبَايَعَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ يَقْدِرُ على حَلْبِهِ في سَاعَتِهِ
____________________

(3/27)


تِلْكَ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ من قِبَلِ أَنَّ في الشَّاةِ لَبَنًا لَا أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ من اللَّبَنِ الذي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كان اللَّبَنُ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْتَ لِلَّبَنِ وهو مَغِيبٌ حِصَّةً من الثَّمَنِ قِيلَ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ لِلَّبَنِ الْمُصَرَّاةِ حِصَّةً من الثَّمَنِ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ في الضُّرُوعِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ الرَّائِعِ في قِشْرِهِ فَيَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَمَوْلُودٍ لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهِ وَلَا ثَمَرَةٍ لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لَبَنَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وقد يَكُونُ منها اللَّبَنُ قال فَيُقَالُ إنَّ الشَّاةَ نَفْسَهَا لَا رِبَا فيها لِأَنَّهَا من الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَأْكُولٍ في حَالِهِ التي يُبَاعُ فيها إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالطَّبْخِ وَالتَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أنها حَيَوَانٌ قال وَالْآدَامُ كُلُّهَا سَوَاءٌ السَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَالشَّيْرَجُ وَالزَّيْتُ وَغَيْرُهُ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ صِنْفٌ وَزَيْتُ الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ وَدُهْنُ كل شَجَرَةٍ تُؤْكَلُ أو تُشْرَبُ بَعْدَ الذي وَصَفْت وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شَيْءٍ منه الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه حَلَّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ ولم يَجُزْ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَالْأَدْهَانُ التي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي في هذه الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَغَيْرِهِ من الْأَدْهَانِ وما كان من الْأَدْهَانِ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ فَهُوَ خَارِجٌ من حَدِّ الرِّبَا وهو في مَعْنَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا رِبَا في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَيَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ إذَا كانت فيه مَنْفَعَةٌ ولم يَكُنْ مُحَرَّمًا فَأَمَّا ما فيه سُمٌّ أو غَيْرُهُ فَلَا خَيْرَ في شِرَائِهِ وَلَا بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوضَعُ من ظَاهِرٍ فَيَبْرَأُ فَلَا يُخَافُ منه التَّلَفُ فَيُشْتَرَى لِلْمَنْفَعَةِ فيه قال وَكُلُّ ما لم يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكِيلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَالْقَسْمُ فيه كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسَّمَ ثَمَرُ نَخْلٍ في شَجَرِهِ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَلَا عِنَبُ كَرْمٍ وَلَا حَبُّ حِنْطَةٍ في سنبلة وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يُبَادَلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ في مَعْنَى الشِّرَاءِ قال وَكَذَلِكَ لَا يَقْتَسِمَانِ طَعَامًا مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ بِالْحَزْرِ حتى يَقْتَسِمَاهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ ذلك بِحَالٍ وَلَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى حَاجَةِ رَجُلٍ إلَى ثَمَرٍ رَطْبٍ لِأَنِّي لو أَجَزْته رَطْبًا لِلْحَاجَةِ أَجَزْته يَابِسًا لِلْحَاجَةِ وَبِالْأَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى قَسْمِ شَيْءٍ لم يَحْلُلْ له بِالْحَاجَةِ ما لَا يَحِلُّ له في أَصْلِهِ وَلَيْسَ يَحِلُّ بِالْحَاجَةِ مُحَرَّمٌ إلَّا في الضَّرُورَاتِ من خَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ فَأَمَّا غَيْرُ ذلك فَلَا أَعْلَمُهُ يَحِلُّ لِحَاجَةٍ وَالْحَاجَةُ فيه وَغَيْرُ الْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْت الْخَرْصَ في الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ ثُمَّ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ كَيْلًا وَلَا تُجِيزُ أَنْ يُقَسَّمَ بِالْخَرْصِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِافْتِرَاقِ ما تُؤْخَذُ بِهِ الصَّدَقَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالْقَسْمُ فَإِنْ قال فَافْرُقْ بين الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت أَرَأَيْت رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَمَرُ حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عشرة وَالْآخَرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُشْرِ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَهُ من وَسَطِ الطَّعَامِ أو أَعْلَاهُ أو أَرْدَئِهِ أَيَكُونُ له ذلك فَإِنْ قال لَا وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ في كل شَيْءٍ منه رَدِيءٌ أو جَيِّدٌ بِالْقَسَمِ قُلْنَا فالجعرور وَمُصْرَانُ الْفَأْرَةِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ لَا يَأْخُذُ الجعرور وَلَا مُصْرَانَ الْفَأْرَةِ وَيَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ وَسَطَ التَّمْرِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ خَرْصًا إنَّمَا يَأْخُذُهَا كَيْلًا وَالْمُقْتَسِمَانِ يَأْخُذَانِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَرْصًا فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الْآخَرُ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولَ الْكَيْلِ أو رَأَيْت لو كان بين رَجُلَيْنِ غَنَمٌ لِأَحَدِهِمَا رُبْعُ عُشْرِهَا وَكَانَتْ منها تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ لَبُونًا وَشَاةٌ ثَنِيَّةٌ
____________________

(3/28)


أَكَانَ على صَاحِبِ رُبْعِ الْعُشْرِ إنْ أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يَأْخُذَ شَاةً ثَنِيَّةً قِيمَتُهَا أَقَلُّ من قِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ من اللَّبَنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَهَذَا على الْمُصَدِّقِ أو رَأَيْت لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْغَنَمُ كُلُّهَا أو أَكْثَرُهَا دُونَ الثَّنِيَّةِ وَفِيهَا شَاةٌ ثَنِيَّةٌ أَيَأْخُذُهَا فَإِنْ قال لَا يَأْخُذُ إلَّا شَاةً بِقِيمَةٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا في مُنْخَفِضِ الْغَنَمِ وَمُرْتَفِعِهِ قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُقَاسَ بِالصَّدَقَةِ شَيْءٌ من الْبُيُوعِ وَلَا الْقَسْمِ الْمُقَاسِمُ شَرِيكٌ في كل شَيْءٍ مِمَّا يُقَاسَمُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ أو بِقِيمَتِهِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْنَافُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيمَا يُكَالُ أو يُوزَنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِمَّا قَلَّ منه أو كَثُرَ وَلَا يُقَسِّمُ الرَّجُلَانِ الثَّمَرَةَ بَلَحًا وَلَا طَلْعًا وَلَا بُسْرًا وَرُطَبًا وَلَا تَمْرًا بِحَالٍ فَإِنْ فَعَلَا فَفَاتَتْ طَلْعًا أو بُسْرًا أو بَلَحًا فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ ما اسْتَهْلَكَ يَرُدُّهُ وَيَقْتَسِمَانِهِ قال وَهَكَذَا كُلُّ قَسْمٍ فَاسِدٍ يَرْجِعُ على من اسْتَهْلَكَهُ بِمِثْلِ ما كان له مِثْلٌ وَقِيمَةٌ ما لم يَكُنْ له مِثْلٌ قال وَلَوْ كانت بين رَجُلَيْنِ نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ فَدَعَوَا إلَى اقْتِسَامِهَا قِيلَ لَهُمَا إنْ شِئْتُمَا قَسَمْنَا بَيْنَكُمَا بِالْكَيْلِ قال وَالْبَقْلُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ رَجُلًا رَكِيبَ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ هِنْدِبًا وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَكِنْ رَكِيبُ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ وَرَكِيبُ جِرْجِيرٍ بِرَكِيبِ سَلْقٍ وَرَكِيبُ سَلْقٍ بِرَكِيبِ كُرَّاثٍ وَرَكِيبُ كُرَّاثٍ بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه شَيْءٌ إلَّا يجز ( ( ( بجز ) ) ) مَكَانِهِ فَأَمَّا أَنْ يُبَاعَ على أَنْ يُتْرَكَ مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ الْمَبِيعُ منه من الْحَادِثِ الذي لم يُبَعْ وَلَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً عِنْدَ جِزَازِهَا كما قُلْنَا في الْقَصَبِ - * بَابٌ الْآجَالُ في الصَّرْفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ أو حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَرَأْته على مَالِكٍ صَحِيحًا لَا شَكَّ فيه ثُمَّ طَالَ على الزَّمَانُ ولم أَحْفَظْ حِفْظًا فَشَكَكْت في خَازِنَتِي أو خَازِنِي وَغَيْرِي يقول عنه خَازِنِي ( أَخْبَرْنَا ) بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُ مَعْنَى حديث مَالِكٍ وقال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ فَحَفِظْته لَا شَكَّ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا منها غَائِبًا بِنَاجِزٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَدِيثُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وابي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلَّانِ على مَعَانٍ منها تَحْرِيمُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ منها غَائِبٌ بِنَاجِزٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ يَزِيدُ على حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ الذي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما سُمِّيَ من الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ كَاَلَّذِي حَرُمَ في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ
____________________

(3/29)


وقد ذَكَرَ عُبَادَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُمَا وَأَكْثَرَ وَأَوْضَحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غير ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمَأْكُولِ وَالْمَكِيلِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وَكَذَلِكَ حَرَّمْنَا الْمَأْكُولَ وَالْمَوْزُونَ لِأَنَّ الْكَيْلَ في مَعْنَى الْوَزْنِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ما عُلِمَ بِالْكَيْلِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ من الْكَيْلِ فَلَا يُوجَدُ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَعْنًى أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ مِنْهُمَا فَاجْتَمَعَا على أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِمَا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ وَأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ فَكَانَ الْوَزْنُ قِيَاسًا على الْكَيْلِ في مَعْنَاهُ وما أُكِلَ من الْكَيْلِ ولم يُسَمَّ قِيَاسًا على مَعْنَى ما سُمِّيَ من الطَّعَامِ في مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْوَزْنُ من الْمَأْكُولِ على الْوَزْنِ من الذَّهَبِ لِأَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَكَذَلِكَ الْوَرِقُ لو قِسْنَاهُ عليه وَتَرَكْنَا الْمَكِيلَ الْمَأْكُولَ قِسْنَا على أَبْعَدَ منه مِمَّا تَرَكْنَا أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَاسَ على الْأَبْعَدِ وَيُتْرَكَ الْأَقْرَبُ وَلَزِمَنَا أَنْ لَا نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من طَعَامٍ أَبَدًا وَلَا غَيْرِهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من فِضَّةٍ وَلَا أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يُسَلَّمَانِ في كل شَيْءٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ في الْآخَرِ لَا ذَهَبَ في ذَهَبٍ وَلَا وَرِقَ في وَرِقٍ إلَّا في الْفُلُوسِ فإن منهم من كَرِهَهُ - * بَابُ ما جاء في الصَّرْفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا شَيْءٌ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ إنْ كان مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنٌ بِوَزْنٍ وَإِنْ كان مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلٌ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ كَيْلًا وَلَا شَيْءٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ
____________________

(3/30)


وَزْنًا لَا يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا لِأَنَّهُمَا قد يَمْلَآنِ مِكْيَالًا وَيَخْتَلِفَانِ في الْوَزْنِ أو يُجْهَلُ كَمْ وَزْنُ هذا من وَزْنِ هذا وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَزْنًا لِأَنَّهُمَا قد يَخْتَلِفَانِ إذَا كان وَزْنُهَا وَاحِدًا في الْكَيْلِ وَيَكُونَانِ مَجْهُولًا من الْكَيْلِ بِمَجْهُولٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بِشَيْءٍ من هذه الْأَصْنَافِ من مَقَامِهِمَا الذي يَتَبَايَعَانِ فيه حتى يَتَقَابَضَا وَلَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ من الْبَيْعِ شَيْءٌ فَإِنْ بَقِيَ منه شَيْءٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَسَوَاءٌ كان الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ أو كان وَكِيلًا لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أو عَامِدًا في فَسَادِ الْبَيْعِ فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ من هذا وكان ذَهَبًا بِوَرِقٍ أو تَمْرًا بِزَبِيبٍ أو حِنْطَةً بِشَعِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ لَا يَفْتَرِقَانِ من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ دخل في شَيْءٍ من هذا تَفَرُّقٌ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَمِيعَ الْمَبِيعِ فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ وَلَا بَأْسَ بِطُولِ مَقَامِهِمَا في مَجْلِسِهِمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْطَحِبَا من مَجْلِسِهِمَا إلَى غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَهُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لم يَفْتَرِقَا وَحَدُّ الْفُرْقَةِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَحَدُّ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ من هذا الصِّنْفِ قِيَاسًا عليه وَكُلَّمَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جُزَافًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كان حَلَالًا بِالْجُزَافِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حلالا ( ( ( حلال ) ) ) فَلَيْسَ في الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَلَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فإذا عَمَدْت أَنْ لَا أُبَالِيَ أَيُّهُمَا كان أَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ بِالْجُزَافِ في أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يشتري ذَهَبٌ فيه حَشْوٌ وَلَا معه شَيْءٌ غَيْرُهُ بِالذَّهَبِ كان الذي معه قَلِيلًا أو كَثِيرًا لِأَنَّ أَصْلَ الذي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَجْهُولٌ أو مُتَفَاضِلٌ وهو حَرَامٌ من كل وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ وَهَكَذَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْآخَرِ شَيْءٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري بِالذَّهَبِ فِضَّةٌ مَنْظُومَةٌ بِخَرَزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ فِضَّةً مَنْظُومَةً بِحِرْزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْمَبِيعَيْنِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ ولم يَجِدْ دِرْهَمًا فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَقْبِضَ الدِّرْهَمَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَ بِحِصَّتِهَا من الدِّينَارِ وَيُنَاقِصَهُ بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ من الدِّينَارِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه بِفَضْلِ الدِّينَارِ مِمَّا شَاءَ وَيَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ فَضْلَ الدِّينَارِ عِنْدَهُ يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّينَارَ حَاضِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فيها دِرْهَمًا زَائِفًا فَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ السِّكَّةِ أو قُبْحِ الْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ على الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَلَهُ رَدُّهُ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ شَرَطَ عليه أَنَّ له رَدَّهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَذَلِكَ له شَرَطَهُ أو لم يَشْرِطْهُ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الصَّرْفَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ إذَا عَقَدَ على هذا عُقْدَةَ الْبَيْعِ ( قال ) وَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ أَنَّهُ نُحَاسٌ أو شَيْءٌ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ ما اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الرَّجُلُ من الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ فإذا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ شيئا لم يَكُنْ له أَنْ يُفَارِقَ من صَرَفَ منه حتى يَقْبِضَ منه وَلَا يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ يُوَكِّلُ هذا بِأَنْ يُصَارِفَهُ وَلَا بَأْسَ إذَا صَرَفَ منه وَتَقَابَضَا أَنْ يَذْهَبَا فَيَزِنَا الدَّرَاهِمَ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ هو على الِانْفِرَادِ فَيَزِنُهَا وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ عِنْدَ رَجُلٍ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ بَاعَهُ الدِّينَارَ بِدَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا منه فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَهُ منها بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا وإذا كان لِلرَّجُلِ عِنْدَ الرَّجُلِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ فيها ولم يُقِرَّ الذي عِنْدَهُ الدَّنَانِيرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حتى يَكُونَ ضَامِنًا وَلَا أنها في يَدِهِ حين صَارَفَهُ فيها فَلَا خَيْرَ في الصَّرْفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَا حَاضِرٍ وقد
____________________

(3/31)


يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَلَكَ في ذلك الْوَقْتِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ رَهْنًا فَتَرَاضَيَا أَنْ يَفْسَخَ ذلك الرَّهْنَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ كان الرَّهْنُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ أو عَبْدًا فَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ عَبْدًا آخَرَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ في شَيْءٍ من هذا بَيْعٌ فَيُكْرَهُ فيه ما يُكْرَهُ في الْبُيُوعِ وَلَا نُحِبُّ مُبَايَعَةَ من أَكْثَرُ مَالِهِ الرِّبَا أو ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ ما كان أو اكْتِسَابُ الْمَالِ من الْغَصْبِ وَالْمُحَرَّمِ كُلِّهِ وَإِنْ بَايَعَ رَجُلٌ رَجُلًا من هَؤُلَاءِ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قد يَمْلِكُونَ حَلَالًا فَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَا نُحَرِّمُ حَرَامًا بَيِّنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ حَرَامًا يَعْرِفُهُ أو بِثَمَنٍ حَرَامٍ يَعْرِفُهُ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُسْلِمُ والذمى والحربى الْحَرَامُ كُلُّهُ حَرَامٌ ( وقال ) لَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مع أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ شَيْءٌ غَيْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَهَبٌ وَثَوْبٌ بِدَرَاهِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَوَاعَدَ الرَّجُلَانِ الصَّرْفَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حتى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بها ما شَاءَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْفِضَّةَ ثُمَّ أَشْرَكَ فيها رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِكُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ قال أُشْرِكُك على أنها في يَدِي حتى نَبِيعَهَا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ حَالَّيْنِ أو إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ فَلَهُ عليه دِينَارٌ فَإِنْ شَرَطَ عليه عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْآخِرَةِ أَنَّ له عليه دِينَارًا فَالشَّرْطُ جَائِزٌ وَإِنْ قال دِينَارًا لَا يُعْطِيهِ نِصْفَيْنِ وَلَكِنْ يُعْطِيهِ وَاحِدًا جَازَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى ولم تَجُزْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ هذا الشَّرْطَ ثُمَّ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَافِيًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان بين الرَّجُلَيْنِ ذَهَبٌ مَصْنُوعٌ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ بِوَزْنِهِ أو مِثْلِ وَزْنِهِ ذَهَبًا يَتَقَابَضَانِهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ وَمَنْ صَرَفَ من رَجُلٍ صَرْفًا فَلَا باس أَنْ يَقْبِضَ منه بَعْضَهُ وَيَدْفَعَ ما قَبَضَ منه إلَى غَيْرِهِ أو يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا حتى يَقْبِضَا جَمِيعَ ما بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لو صَرَفَ منه دِينَارًا بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ منه عَشْرَةً ثُمَّ قَبَضَ منه بَعْدَهَا عَشْرَةً قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا باس بهذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وقال خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي وَنِصْفٌ وَدِيعَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَصْرِفَ له شيئا أو يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ من نَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ أو مِثْلِهِ أو أَقَلَّ منه فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ من وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ له فلم يُوَكِّلْهُ بِأَنْ يَبِيعَ له من نَفْسِهِ كما لو قال له بِعْ هذا من فُلَانٍ فَبَاعَهُ من غَيْرِهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِفُلَانٍ ولم يُوَكِّلْهُ بِغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدِّينَارَ بِعَشْرَةٍ فَوَزَنَ له عَشْرَةً وَنِصْفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَكَانَ النِّصْفِ نِصْفَ فِضَّةٍ إذَا كان في بَيْعِهِ غَيْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ حَادِثٌ غَيْرُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كان عَقَدَ عُقْدَةَ الْبَيْعِ على ثَوْبٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ بِدِينَارٍ كان فَاسِدًا لِأَنَّ الدِّينَارَ مَقْسُومٌ على نِصْفِ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ صَرَفَ من رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَعَجَزَتْ الدَّرَاهِمُ فَتَسَلَّفَ منه دَرَاهِمَ فَأَتَمَّهُ جَمِيعَ صَرْفِهِ فَلَا باس ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ جُزَافًا مَضْرُوبًا أو غير مَضْرُوبٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما فيه أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا باس أَنْ تَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ من الصَّرَّافِ بِذَهَبٍ وَازِنَةً ثُمَّ تَبِيعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ منه أو من غَيْرِهِ بِذَهَبٍ وازنه أو نَاقِصَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيْعَتَيْنِ غَيْرُ الْأُخْرَى قال الرَّبِيعُ لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ في الْبَيْعَةِ الْأُولَى حتى يَتِمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وما حَرَّمَ معه إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَكِيلُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ مع الذَّهَبِ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا بِأَقَلَّ منه وَزْنًا على وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كان أو غير مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ ليس يُحِلُّ بَيْعًا وَلَا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ كان وَهَبَ له دِينَارًا وَأَثَابَهُ الْآخَرُ دِينَارًا أَوْزَنَ منه أو أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ
____________________

(3/32)


( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا السَّلَفُ فَإِنْ أَسْلَفَهُ شيئا ثُمَّ اقْتَضَى منه أَقَلَّ فَلَا باس لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ له بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ له الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وَزْنِ ذَهَبِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ هذا ليس من مَعَانِي الْبُيُوعِ وَكَذَلِكَ لو كان عليه سَلَفٌ ذَهَبًا فَاشْتَرَى منه وَرِقًا فَتَقَابَضَاهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان حَالًّا فَأَمَّا إذَا كان له عليه ذَهَبٌ إلَى أَجَلٍ فقال له أقضيك قبل الأجل على أن تأخذ مني أنقص فلا خير فيه ( قال الشافعي ) ومن تسلف من رجل دنانير أو دراهم فَجَاءَهُ بها وَأَكْثَرَ منها فَلَا بَأْسَ بِهِ كان ذلك عَادَةً أو غير عَادَةٍ وَمَنْ كانت عليه دَرَاهِمُ لِرَجُلٍ وَلِلرَّجُلِ عليه دَنَانِيرُ فَحَلَّتْ أو لم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذلك دَيْنٌ بِدَيْنٍ وقال مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَّ فَجَائِزٌ وإذا لم يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالًّا فاعطاه دَرَاهِمَ على غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذَّهَبِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَالذَّهَبُ كما هو عليه وَعَلَى هذا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ التي أَخَذَ منه وَإِنْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ منها أو دِينَارَيْنِ فَتَقَابَضَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ أَكْرَى من رَجُلٍ مَنْزِلًا إلَى أَجَلٍ فَتَطَوَّعَ له المكترى بِأَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ حَقِّهِ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ وَذَلِكَ ذَهَبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ له بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِضَّةً من الذَّهَبِ ولم يَحِلَّ الذَّهَبُ فَلَا خَيْرَ فيه وَمَنْ حَلَّ له على رَجُلٍ دَنَانِيرُ فَأَخَّرَهَا عليه إلَى أَجَلٍ أو آجَالٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهَا منه لِأَنَّ ذلك مَوْعِدٌ وَسَوَاءٌ كانت من ثَمَنِ بَيْعٍ أو سَلَفٍ وَمَنْ سَلَفَ فُلُوسًا أو دَرَاهِمَ أو بَاعَ بها ثُمَّ أَبْطَلَهَا السُّلْطَانُ فَلَيْسَ له إلَّا مِثْلُ فُلُوسِهِ أو دَرَاهِمِهِ التي أَسَلَفَ أو بَاعَ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْفُلُوسِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ ذلك ليس مِمَّا فيه الرِّبَا وَمَنْ أَسَلَفَ رَجُلًا دَرَاهِمَ على أنها بِدِينَارٍ أو بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَيْسَ عليه إلَّا مِثْلُ دَرَاهِمِهِ وَلَيْسَ له عليه دِينَارٌ وَلَا نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ اسْتَسْلَفَهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا فقال خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَبِعْ لي نصفه بِدَرَاهِمَ فَفَعَلَ ذلك كان له عليه نِصْفُ دِينَارِ ذَهَبٍ وَلَوْ كان قال له بِعْهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَرُدَّ عَلَيَّ نِصْفَهُ كانت له عليه دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَسْلَفَهُ دَرَاهِمَ لَا نِصْفَ دِينَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا فقال أَبِيعُكَهُ بِعِشْرِينَ من صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ صَرْفَ عِشْرِينَ ثَمَنٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ وَلَا عَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كانت عليه دَنَانِيرُ مُنَجَّمَةً أو دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهَا جُمْلَةً فَذَلِكَ له وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذهب فَأَعْطَاهُ شيئا يَبِيعُهُ له غير ذَهَبٍ وَيَقْبِضُ منه مِثْلَ ذَهَبِهِ فَلَيْسَ في هذا من الْمَكْرُوهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْضِيك إلَّا بِأَنْ تَبِيعَ لي وما أُحِبُّ من الإحتياط لِلْقَاضِي وَمَنْ كان لِرَجُلٍ عليه دِينَارٌ فَكَانَ يُعْطِيهِ الدَّرَاهِمَ تَتَهَيَّأُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مصارفه حتى إذَا صَارَ عِنْدَهُ قَدْرُ صَرْفِ دِينَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَارِفَهُ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَحْضَرَهُ إيَّاهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهَا فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّرَاهِمِ إذَا لم يَكُنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا على أنها بَيْعٌ من الدِّينَارِ وَإِنَّمَا هِيَ حِينَئِذٍ سَلَفٌ له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بها دَرَاهِمَ وإذا كانت الْفِضَّةُ مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا خَاتَمًا فيه فَصٌّ أو فِضَّةٌ أو حِلْيَةٌ لِلسَّيْفِ أو مُصْحَفٌ أو سِكِّينٌ فَلَا يشتري بِشَيْءٍ من الْفِضَّةِ قَلَّ أو كَثُرَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ وَهَكَذَا الذَّهَبُ وَلَكِنْ إذَا كانت الْفِضَّةُ مع سَيْفٍ اشترى بِذَهَبٍ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ اشترى بِفِضَّةٍ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لم يُشْتَرَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ واشترى بِالْعَرَضِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يشتري شَيْءٌ فيه فِضَّةٌ مِثْلُ مُصْحَفٍ أو سَيْفٍ وما أَشْبَهَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ لِأَنَّ في هذه الْبَيْعَةِ صَرْفًا وَبَيْعًا لَا يدري كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الصَّرْفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ بِحَالٍ لِأَنَّ فيه فِضَّةً لَا يدري كَمْ هِيَ لَا يَعْرِفُهَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي وَتُرَابُ الْمَعْدِنِ وَالصَّاغَةِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ما خَرَجَ منه يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِشَيْءٍ وَمَنْ أَسَلَفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ يَصْرِفَهَا منه بِمِائَةِ دِينَارٍ فَفَعَلَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حين أَسَلَفَهُ على أَنْ يَبِيعَهُ منه وَيَتَرَادَّانِ وَالْمِائَةُ الدِّينَارِ عليه
____________________

(3/33)


مَضْمُونَةٌ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْضِيَ عنه دِينَارًا أو نِصْفَ دِينَارٍ فَرَضِيَ الذي له الدِّينَارُ بِثَوْبٍ مَكَانَ الدِّينَارِ أو طَعَامٍ أو دَرَاهِمَ فَلِلْقَاضِي على المقضي عنه الْأَقَلُّ من دِينَارٍ أو قِيمَةُ ما قَضَى عنه وَمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا من أَهْلِ الْمِيرَاثِ على أَنْ يُقَاصُّوهُ من دَيْنٍ كان له على الْمَيِّتِ فَلَا خَيْرَ في ذلك ( قال أبو يَعْقُوبَ ) مَعْنَاهَا عِنْدِي أَنْ يَبِيعَهُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ وَأَنْ لَا يُقَاصُّوهُ عِنْدَ الصَّفْقَةِ ثُمَّ يُقَاصُّوهُ بَعْدُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوَّلًا حُلِيًّا بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ إلَى أَجَلٍ وهو قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ فِضَّةً لِيُشْرِكَهُ فيه وَيَنْقُدَ عنه فَلَا خَيْرَ في ذلك كان ذلك منه على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعَانِ من الْبُيُوعِ يُحِلُّهُمَا ما يُحِلُّ الْبُيُوعَ وَيُحَرِّمُهُمَا ما يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ فَإِنْ وَلَّى رَجُلٌ رَجُلًا حُلِيًّا مَصُوغًا أو أَشْرَكَهُ فيه بعد ما يَقْبِضُهُ الْمَوْلَى ويتوازناه ولم يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَازَ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ وإذا كانت لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الدَّنَانِيرُ فاعطاه أَكْثَرَ منها فَالْفَضْلُ لِلْمُعْطِي إلَّا أَنْ يَهَبَهُ للمعطي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَهُ على الْمُعْطِي مَضْمُونًا عليه حتى يَأْخُذَهُ منه مَتَى شَاءَ أو يَأْخُذَ بِهِ منه ما يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَهُ لو كان دَيْنًا عليه من غَيْرِ ثَمَنٍ بِعَيْنِهِ وَلَا قَضَاءٍ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِمَّا له عليه فَالْبَاقِي عليه دَيْنٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أو يُعْطِيَهُ بِهِ شيئا مِمَّا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِدَيْنِهِ عليه وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ السِّلْعَةَ من الطَّعَامِ أو غَيْرِهِ بِدِينَارٍ فَوَجَدَ دِينَارَهُ نَاقِصًا فَلَيْسَ على الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا وَافِيًا وَإِنْ تَنَاقَضَا الْبَيْعَ وَبَاعَهُ بعد ما يَعْرِفُ وَزْنَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ على أَنْ يُنْقِصَهُ بِقَدْرِهِ لم يَكُنْ ذلك على الْبَائِعِ وَلَا الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَضَاءُ ليس بِبَيْعٍ فإذا كانت لِلرَّجُلِ على رَجُلٍ ذَهَبٌ فَأَعْطَاهُ أو وَزَنَ منها مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ الذي له الْحَقُّ فَقَبِلَ منه أَنْقَصَ منها وَهَذَا لَا يَحِلُّ في الْبُيُوعِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا فقال أقبض نِصْفًا لَك وَأَقِرَّ لي النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ كان له على رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ بِدِينَارٍ فَقَضَاهُ نِصْفًا وَجَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ في سِلْعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مَوْصُوفَةٍ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ على أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدِّينَارُ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً إلَى شَهْرَيْنِ فَلَا خَيْرَ فيه وهو حَرَامٌ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ من قِبَلِ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وَشَرْطَيْنِ في شَرْطٍ وَذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ وَمَنْ رَاطَلَ رَجُلًا ذَهَبًا فَزَادَ مِثْقَالًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذلك الْمِثْقَالَ منه بِمَا شَاءَ من الْعَرَضِ نَقْدًا أو مُتَأَخِّرًا بَعْدَ أَنْ يَكُون يَصِفُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَهُ منه بِدَرَاهِمَ نَقْدًا إذَا قَبَضَهَا منه قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَإِنْ رَجَحَتْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ مِنْهُمَا فَضْلَهُ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ هذا غَيْرُ الصَّفْقَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَقَصَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ فَتَرَكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ فَضْلَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ مِثْلُ تَمْرٍ بردى وَتَمْرِ عَجْوَةٍ بَيْعًا مَعًا بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَصَاعٍ من هذا بِدِرْهَمَيْنِ وَصَاعٍ من هذا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَقِيمَةُ البردى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الاثنى عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الإثنى عَشَرَ وَهَكَذَا لو كان صَاعُ البردى ( ( ( البرني ) ) ) وَصَاعُ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ لَوَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ من اللَّوْنِ فَكَانَ البردى ( ( ( البرني ) ) ) بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ صَاعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ صَاعَيْنِ فَلَا يَحِلُّ من قِبَلِ أَنَّ البردى ( ( ( البرني ) ) ) بِأَكْثَرَ من كَيْلِهِ وَالْعَجْوَةَ بِأَقَلَّ من كَيْلِهَا وَهَكَذَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ كان مِائَةَ دِينَارٍ مَرْوَانِيَّةً وَعَشَرَةً ( محدية ( ( ( محمدية ) ) ) ) بِمِائَةِ دِينَارٍ وَعَشْرَةٍ هَاشِمِيَّةً فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّ قِيَمَ الْمَرْوَانِيَّةِ أَكْثَرُ من قِيَمِ المحدية ( ( ( المحمدية ) ) ) وَهَذَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الذي في هذا في الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاطِلَ الدَّنَانِيرَ الْهَاشِمِيَّةَ التَّامَّةَ بِالْعِتْقِ النَّاقِصَةَ مِثْلًا بِمِثْلٍ في الْوَزْنِ وَإِنْ كان لِهَذِهِ فَضْلُ وَزْنِهَا وَهَذِهِ فَضْلُ عُيُونِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كان وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمَنْ كانت له على رَجُلٍ ذَهَبٌ بِوَزْنٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِوَزْنِهَا أَكْثَرَ عَدَدًا منها
____________________

(3/34)


وَلَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَأَقْصَى حَدٍّ يَدًا بِيَدٍ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ بَيْعُهُمَا إنْ كَانَا تَبَايَعَا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمُوَازَنَةُ أَنْ يَضَعَ هذا ذَهَبَهُ في كِفَّةٍ وَهَذَا ذَهَبَهُ في كفه فإذا اعْتَدَلَ الْمِيزَانُ أَخَذَ وَأَعْطَى فَإِنْ وَزَنَ له بِحَدِيدَةٍ وَاتَّزَنَ بها منه كان ذلك لَا يَخْتَلِفُ إلَّا كَاخْتِلَافِ ذَهَبٍ في كِفَّةٍ وَذَهَبٍ في كِفَّةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا أَحْسَبُهُ يَخْتَلِفُ وَإِنْ كان يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا لم يَجُزْ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَجَزْته قِيلَ كما أُجِيزَ مِكْيَالًا بمكيالا ( ( ( بمكيال ) ) ) وإذا كِيلَ له مِكْيَالٌ ثُمَّ أَخَذَ منه آخَرُ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه بِمَا أُخِذَ منه كُلُّهُ أو بَعْضُهُ دَرَاهِمَ أو ما شَاءَ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ أَفْرَادٍ ليس له أَكْثَرُ منها وَلَا أَقَلُّ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِذَلِكَ وإذا كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ عِتْقٍ فَقَضَاهُ شَرًّا منها أَكْثَرَ من عَدَدِهَا أو وَزْنِهَا فَلَا بَأْسَ إذَا كان هذا مُتَطَوِّعًا له بِفَضْلِ عُيُونِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَهَذَا مُتَطَوِّعٌ له بِفَضْلِ وَزْنِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَإِنْ كان هذا عن شَرْطٍ عِنْدَ الْبَيْعِ أو عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ هذا حِينَئِذٍ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ أَكْثَرَ منها وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا وَزْنًا من الذَّهَبِ مَعْلُومٌ رُبْعٌ أو ثُلُثٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حِينَئِذٍ الثَّوْبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارٍ أو ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ وَلَا دِينَارٍ إلَّا مُدَّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ مَجْهُولٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا وَدِرْهَمًا يَرَاهُ وَثَوْبًا وَمُدَّ تَمْرٍ يَرَاهُ بِدِينَارٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فيه قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا وَذَهَبًا يَرَاهُ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنَّ فيه صَرْفًا وَبَيْعًا لَا يَدْرِي حِصَّةَ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الصَّرْفِ فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا وَمُدَّ تَمْرٍ بِدِينَارٍ يَرَاهُ فَجَائِزٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ دِينَارًا إلَّا درهم ( ( ( درهما ) ) ) وَلَكِنْ يُسَلِّمُ دِينَارًا يَنْقُصُ كَذَا وَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) من ابْتَاعَ بِكَسْرِ دِرْهَمٍ شيئا فَأَخَذَ بِكَسْرِ دِرْهَمِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ فِضَّةً أو سِلْعَةً من السِّلَعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ من ابْتَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مَتَاعًا فَدَفَعَ دِينَارًا وَأَخَذَ فَضْلَ دِينَارِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ ذَهَبًا أو سِلْعَةً من السِّلَعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سَوَاءٌ وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ من ذلك في بَلَدٍ يَحْرُمُ في بَلَدٍ آخَرَ وَسَوَاءٌ الذي ابْتَاعَ بِهِ قَلِيلٌ من الدِّينَارِ أو كَثِيرٌ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُصَارِفَ الرَّجُلُ الصَّائِغَ الْفِضَّةَ بِالْحُلِيِّ الْفِضَّةَ الْمَعْمُولَةَ وَيُعْطِيهِ إجَارَتَهُ لِأَنَّ هذا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فيقول له اعْمَلْهُ لي خَاتَمًا حتى أُعْطِيَك أُجْرَتَك وَقَالَهُ مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ على أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا بِمَكَّةَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أو غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّ هذا لَا سَلَفَ وَلَا بَيْعَ السَّلَفُ ما كان لَك أَخْذُهُ بِهِ وَعَلَيْك قَبُولُهُ وَحَيْثُ أَعْطَاكَهُ وَالْبَيْعُ في الذَّهَبِ ما يَتَقَابَضَاهُ مَكَانَهُمَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فإذا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ هذا له فَلْيُسَلِّفْهُ ذَهَبًا فَإِنْ كَتَبَ له بها إلَى مَوْضِعٍ فَقَبِلَ فَقَبَضَهَا فَلَا بَأْسَ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا من الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لم يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَسَوَاءٌ في أَيِّهِمَا كان له فيه الْمُرْفَقُ أو لم يَكُنْ وَمَنْ أَسَلَفَ سَلَفًا فَقَضَى أَفْضَلَ من ذلك في الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ مَعًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ ذلك شَرْطًا بَيْنَهُمَا في عَقْدِ السَّلَفِ وَمَنْ ادَّعَى على رَجُلٍ مَالًا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا ولم يَحْلِفْ وَالْغَرِيمُ يَجْحَدُ ثُمَّ سَأَلَهُ الْغَرِيمُ أَنْ يُقِرَّ له بِالْمَالِ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ قال لَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَّا على تَأْخِيرٍ كَرِهْت ذلك له إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ له عليه فَلَا أَكْرَهُ ذلك لِصَاحِبِ الْمَالِ وَأَكْرَهُهُ لِلْغَرِيمِ
____________________

(3/35)


- * بَابٌ في بَيْعِ الْعُرُوضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ وقال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّهُ ليس في الطَّعَامِ مَعْنًى ليس في غَيْرِهِ من الْبُيُوعِ وَلَا معني يُعْرَفُ إلَّا وَاحِدٌ وهو أَنِّي إذَا ابْتَعْت من الرَّجُلِ شيئا فَإِنَّمَا أَبْتَاعُ منه عَيْنًا أو مَضْمُونًا وإذا ابْتَعْت منه مَضْمُونًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنٍ وقد يُفْلِسُ فَأَكُونُ قد بِعْت شيئا ضَمَانُهُ على من اشْتَرَيْته منه وَإِنَّمَا بِعْته قبل أَنْ يَصِيرَ في تَصَرُّفِي وَمِلْكِي تَامًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ ما لَا أَمْلِكُ تَامًّا وَإِنْ كان الذي اشْتَرَيْته منه عَيْنًا فَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انقض ( ( ( انتقض ) ) ) الْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فإذا بِعْتهَا ولم يَتِمَّ مِلْكُهَا إلَيَّ بِأَنْ يَكُونَ ضَمَانُهَا مِنِّي بِعْته ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَمَعَ هذا أَنَّهُ مَضْمُونٌ على من اشْتَرَيْته منه فإذا بِعْتُ بِعْتُ شيئا مَضْمُونًا على غَيْرِي فَإِنْ زعمت أني لست بضامن فقد زعمت أني أبيع ما لم أضمن ولا يجوز لأحد أن يبيع ما لا يضمن وإن زَعَمْت أَنِّي ضَامِنٌ فعلى من الضَّمَانِ ما على دُونِ من اشْتَرَيْت منه أَرَأَيْت إنْ هَلَكَ ذلك في يَدِي الذي اشْتَرَيْته منه أَيُؤْخَذُ مِنِّي شَيْءٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَقَدْ بِعْت ما لَا تَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ما لَا أَضْمَنُ وَإِنْ قِيلَ بَلْ أنت ضَامِنٌ فَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُهُ كَيْفَ أَضْمَنُ شيئا قد ضَمِنْته له على غَيْرِي وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت دَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَأَنَّهُ في مَعْنَى الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وقال { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَكُلُّ بَيْعٍ كان عن تَرَاضٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ جَائِزٌ من الزِّيَادَةِ في جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إلَّا الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ في مَعْنَى الْمَأْكُولِ فَكُلُّ ما أَكَلَ الْآدَمِيُّونَ وَشَرِبُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ منه بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إنْ كان وَزْنًا فَوَزْنٌ وَإِنْ كان كَيْلًا فَكَيْلٌ يَدًا بِيَدٍ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَجَمِيعُ الْمَأْكُولِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهَا من الْمَأْكُولِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِمَّا ليس في بَعْضِهِ بِبَعْضِ الرِّبَا فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ منه بِاثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وإذا جَازَ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ بِجُزَافٍ منه بِجُزَافٍ وَجُزَافٍ بِمَعْلُومٍ وَكُلُّ ما أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ دَوَاءٌ فَهُوَ في مَعْنَى الْمَأْكُولِ مِثْلُ الأهليلج وَالثُّفَّاءِ وَجَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ ( قال ) وما عَدَا هذا مِمَّا أَكَلَتْهُ الْبَهَائِمُ ولم يَأْكُلْهُ الْآدَمِيُّونَ مِثْلُ الْقَرَظِ وَالْقَضْبِ وَالنَّوَى وَالْحَشِيشِ وَمِثْلُ الْعُرُوضِ التي لَا تُؤْكَلُ مِثْلُ الْقَرَاطِيسِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَمِثْلُ الْحَيَوَانِ فَلَا بَأْسَ بِفَضْلِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً تَبَاعَدَتْ أو تَقَارَبَتْ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى ما أَحَلَّ اللَّهُ من الْبُيُوعِ وَخَارِجٌ من مَعْنَى ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَدَاخِلٌ في نَصِّ إحْلَالِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَصْحَابِهِ من بَعْدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن اللَّيْثِ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا له بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه بِالرَّبَذَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ
____________________

(3/36)


رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ له عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سئل عن بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَكَّ الرَّبِيعُ عن سَلَمَةَ بن عَلْقَمَةَ شَكَكْت عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ سئل عن بَيْعِ الْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ فقال اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا هُمْ فَكَانُوا يَتَبَايَعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فإذا تَنَحَّى عن أَنْ يَكُونَ في مَعْنَى ما لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَالنَّقْدُ منه وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِسْلَافِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ إلَّا الْوَلَائِدَ وَإِنَّمَا كَرِهْت اسْتِسْلَافَ الْوَلَائِدِ لِأَنَّ من اسْتَسْلَفَ أَمَةً كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا فإذا كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا وَجَعَلْته مَالِكًا لها بِالسَّلَفِ جَعَلْته يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا وقد حَاطَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ الْفُرُوجَ فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ لَا تُنْكَحُ وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ في حَضَرٍ أو سَفَرٍ ولم يُحَرِّمْ ذلك في شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ غَيْرَهَا جَعَلَ الْأَمْوَالَ مَرْهُونَةً وَمَبِيعَةً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ولم يَجْعَلْ الْمَرْأَةَ هَكَذَا حتى حَاطَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لها بِالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ فَفَرَّقْنَا بين حُكْمِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا بِمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمَا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ غَنَمًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ الدَّنَانِيرُ فَأَعْطَاهُ بها غَنَمًا من صِنْفِ غَنَمِهِ أو غَيْرِ صِنْفِهَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا وَلَا تَكُونُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ في مَعْنَى ما اُبْتِيعَ بِهِ من الْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حتى يَقْبِضَ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ معلومة وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالسَّلَفُ فيها اشْتِرَاءٌ لها وَشِرَاؤُهَا غَيْرُ اسْتِلَافِهَا فَيَجُوزُ ذلك في الْوَلَائِدِ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ إلَّا إن يَكُونَ مَضْمُونًا على الْمُسَلِّفِ مَأْمُونًا في الظَّاهِرِ أَنْ يَعُودَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نِتَاجِ مَاشِيَةٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ هذا يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَمَنْ سَلَّفَ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ أو شَيْءٍ من الْحَيَوَانِ فلما حَلَّ أَجَلُهُ سَأَلَهُ بَائِعُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ منه بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو بِعَرَضٍ كان ذلك الْعَرَضُ مُخَالِفًا له أو مثله فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وإذا سَلَّفَ الرَّجُلُ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلَ له الْمُسَلِّفُ قبل مَحِلِّ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعَجِّلَهُ له على أَنْ يَضَعَ عنه وَلَا في أَنْ يُعَجِّلَهُ على أَنْ يَزِيدَهُ الْمُسَلِّفُ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثَانِهِ غَيْرُ الْبِيَعِ الأول ( ( ( الأولى ) ) ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُ من غَيْرِ الصِّنْفِ الذي سَلَّفَهُ عليه لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ من ذلك الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ مِثْلَ شَرْطِهِمَا أو أَكْثَرَ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَإِنْ أَعْطَاهُ من ذلك الصِّنْفِ أَقَلَّ من شَرْطِهِ على غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ كما أَنَّهُ لو فَعَلَ بَعْدَ مَحِلِّهِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَاهُ على شَرْطٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ يُنْقِصُهُ على أَنْ يُعَجِّلَهُ وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بَعْضَ ما سَلَّفَهُ فيه وَعَرَضًا غَيْرَهُ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ بَعْضُهُ وَمَنْ سَلَّفَ في صِنْفٍ فَأَتَاهُ الْمُسَلِّفُ من ذلك الصِّنْفِ بارفع من شَرْطِهِ فَلَهُ قَبْضُهُ منه وَإِنْ سأله ( ( ( لم ) ) ) زيادة ( ( ( يفعل ) ) ) على جودته ( ( ( صاع ) ) ) فلا يجوز أن يزيده إلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ الْأَوَّلَ ويشترى هذا شِرَاءً جَدِيدًا لِأَنَّهُ إذَا لم يَفْعَلْ فَهُوَ شِرَاءُ ما لم يُعْلَمْ كَأَنَّهُ سَلَّفَهُ على صَاعِ عَجْوَةٍ جَيِّدَةٍ فَلَهُ أَدْنَى الْجَيِّدِ فَجَاءَهُ بِالْغَايَةِ من الْجَيِّدِ وقال زِدْنِي شيئا فَاشْتَرَى منه الزِّيَادَةَ وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَا هِيَ كَيْلٌ زَادَهُ فَيَزِيدُهُ وَلَا هِيَ مُنْفَصِلَةٌ من الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ إذَا زَادَهُ اشْتَرَى ما لَا يَعْلَمُ وَاسْتَوْفَى ما لَا يَعْلَمُ وقد قِيلَ أنه لو اسلفه في عَجْوَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَيْحَانِيًّا مَكَانَ الْعَجْوَةِ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا بَيْعُ الْعَجْوَةِ بالصيحاني قبل أَنْ تُقْبَضْ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يُقْبَضَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ سَلَّفَ فيه من
____________________

(3/37)


طَعَامٍ أو عَرَضٍ أو غَيْرِهِ له أَنْ يَقْبِضَهُ أَدْنَى من شَرْطِهِ وَأَعْلَى من شَرْطِهِ إذَا تَرَاضَيَا لِأَنَّ ذلك جِنْسٌ واحد ( ( ( واحدة ) ) ) وَلَيْسَ له أَنْ يَقْبِضَ من غَيْرِ جِنْسِ ما سَلَّفَ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعُ ما اشْتَرَى قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ ( قال ) وَلَا يَأْخُذُ إذَا سَلَّفَ في جَيِّدٍ رَدِيئًا على أَنْ يَزْدَادَ شيئا وَالْعِلَّةُ فيه كَالْعِلَّةِ في أَنْ يَزِيدَهُ وَيَأْخُذَ أَجْوَدَ وإذا أَسَلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا في عَرَضٍ فَدَفَعَ الْمُسَلَّفُ إلَى الْمُسَلِّفِ ثَمَنَ ذلك الْعَرَضِ على أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضَهُ كَرِهْت ذلك فإذا اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ بريء منه الْمُسَلِّفُ وَسَوَاءٌ كان ذلك بِبَيِّنَةٍ أو بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذَا تَصَادَقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في كل ما أَسَلَفَ فيه حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ إذَا حَلَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِصِفَةٍ نَقْدًا وقد قال هذا بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ ثُمَّ رَجَعَ عطاء عنه وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في صُوفٍ لم يَجُزْ أن أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه عَدَدًا لِاخْتِلَافِهِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ سِلْعَةً فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ فيها بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْبَائِعُ شيئا أو يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على ازْدِيَادٍ وَلَا نَقْصٍ بِحَالٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ إيَّاهَا فَاسْتَقَالَهُ على أَنْ يُنْظِرَهُ بِالثَّمَنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ النَّظِرَةَ ازْدِيَادٌ وَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَأْخِيرَ في كِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ فلم يَقُلْهُ إلَّا على أَنْ يُشْرِكَهُ الْبَائِعُ وَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعٌ وَهَذَا بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُقِيلَهُ في النِّصْفِ أَقَالَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا له وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالسَّلَفِ وَغَيْرِهِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فإذا تَفَرَّقَا أو خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَقَدْ انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ أو غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ بَعْضَ ما سَلَّفَ فيه وَأَقَالَ الْبَائِعَ من الْبَاقِي فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَ حَيَوَانًا أو طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَأَقَالَهُ الْمُشْتَرِي من النِّصْفِ وَقَبَضَهُ بِلَا زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا وَلَا نُقْصَانٍ يَنْقُصُهُ فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ من الْبُيُوعِ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً وَبَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ فإذا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ فيها وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُبَاعَ الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ بِصِفَةٍ وَلَا إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهَا قد تُدْرَكُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ فَلَا تَكُونُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً وَالْبَيْعُ الثَّالِثُ صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ إذَا جاء بها صَاحِبُهَا على الصِّفَةِ لَزِمَتْ مُشْتَرِيَهَا وَيُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بها من حَيْثُ شَاءَ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) الذي كان يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَيَعْمَلُ بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ تُرَى أو بَيْعُ مَضْمُونٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا ( قال الرَّبِيعُ ) قد رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن بَيْعِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً من السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا الذي اشْتَرَاهَا بأقل من الثمن أو أكثر ودين ونقد لأنها بيعة غير البيعة الأولى وقد قال بعض الناس لا يشتريها البائع بِأَقَلَّ من الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ في ذلك جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ زَعْمٌ تَبِعَ الْأَثَرَ وَمَحْمُودٌ منه أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ الصَّحِيحَ فلما سئل عن الْأَثَرِ إذَا هو أبو إِسْحَاقَ عن امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أنها دَخَلَتْ مع امْرَأَةِ أبي السَّفَرِ على عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ بَاعَ شيئا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ فقالت عَائِشَةُ أَخْبِرِي زَيْدَ بن أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عن عَائِشَةَ فقال أبو إِسْحَاقَ رَوَاهُ عن امْرَأَتِهِ فَقِيلَ فَتَعْرِفُ امْرَأَتَهُ بِشَيْءٍ يُثْبِتُ بِهِ حَدِيثَهَا فما عَلِمْته قال شيئا فَقُلْت تَرُدُّ حَدِيثَ
____________________

(3/38)


بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ مُهَاجِرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْفَضْلِ بِأَنْ تَقُولَ حَدِيثُ امْرَأَةٍ وَتَحْتَجُّ بِحَدِيثِ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ عِنْدَك منها مَعْرِفَةٌ أَكْثَرُ من أَنَّ زَوْجَهَا رَوَى عنها وَلَوْ كان هذا من حديث من يَثْبُتُ حَدِيثُهُ هل كان أَكْثَرُ ما في هذا إلَّا أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ اخْتَلَفَا لِأَنَّك تَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا ما يَرَاهُ حَلَالًا له وَرَأَتْهُ عَائِشَةُ حَرَامًا وَزَعَمْت أَنَّ الْقِيَاسَ مع قَوْلِ زَيْدٍ فَكَيْفَ لم تَذْهَبْ إلَى قَوْلِ زَيْدٍ وَمَعَهُ الْقِيَاسُ وَأَنْتَ تَذْهَبُ إلَى الْقِيَاسِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ فَتَتْرُكُ بِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قال أَفَلَيْسَ قَوْلُ عَائِشَةَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ زَيْدٍ قِيلَ ما تَدْرِي لَعَلَّهَا إنَّمَا خَالَفَتْهُ في أَنَّهُ بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بها فَلَعَلَّهَا لم تُخَالِفْهُ فيه قَطُّ لَعَلَّهَا رَأَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ مَفْسُوخًا وَرَأَتْ بَيْعَهُ إلَى الْعَطَاءِ لَا يَجُوزُ فَرَأَتْهُ لم يَمْلِكْ ما بَاعَ وَلَا بَأْسَ في أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِيمَا ليس عِنْدَهُ أَصْلُهُ وإذا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فقال اشْتَرِ هذه وَأُرْبِحْك فيها كَذَا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَاَلَّذِي قال أُرْبِحْك فيها بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَحْدَثَ فيها بَيْعًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَهَكَذَا إنْ قال اشْتَرِ لي مَتَاعًا وَوَصَفَهُ له أو مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْت وأنا أُرْبِحْك فيه فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ هذا فِيمَا أَعْطَى من نَفْسِهِ بِالْخِيَارِ وَسَوَاءٌ في هذا ما وَصَفْتُ إنْ كان قال أَبْتَاعُهُ وَأَشْتَرِيهِ مِنْك بِنَقْدٍ أو دَيْنٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ في الْبَيْعِ الْآخَرِ فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ على أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قبل أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ وَالثَّانِي أَنَّهُ على مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ اشْتَرَيْتَهُ على كَذَا أُرْبِحْك فيه كَذَا وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَقَبَضَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ منه وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُعَيَّنَيْنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنَيْنِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ فَتَسَوَّمَ بها الْمُبْتَاعُ فَبَارَتْ عليه أو بَاعَهَا بِوَضْعٍ أو هَلَكَتْ من يَدِهِ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يَضَعَ عنه من ثَمَنِهَا شيئا أو يَهَبَهَا كُلَّهَا فَذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لم يَفْعَلْ من قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ له لَازِمٌ فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ له من الثَّمَنِ اللَّازِمِ وَإِنْ شَاءَ لم يَتْرُكْ وَسَوَاءٌ كان هذا عن عَادَةٍ اعْتَادَهَا أو غَيْرِ عَادَةٍ وَسَوَاءٌ أَحْدَثَا هذا في أَوَّلِ بَيْعَةٍ تَبَايَعَا بِهِ أو بَعْدَ مِائَةِ بَيْعَةٍ ليس لِلْعَادَةِ التي اعْتَادَهَا مَعْنًى يُحِلُّ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكَذَلِكَ الْمَوْعِدُ إنْ كان قبل الْعَقْدِ أو بَعْدَهُ فَإِنْ عَقَدَ الْبَيْعَ على مَوْعِدٍ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ في الْبَيْعِ وَضَعَ عنه فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ تَفْسُدُ الْبُيُوعُ أَبَدًا وَلَا النِّكَاحُ وَلَا شَيْءٌ أَبَدًا إلَّا بِالْعَقْدِ فإذا عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا لم يُفْسِدْهُ شَيْءٌ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه كما إذَا عقد عَقَدَا فَاسِدًا لم يُصْلِحْهُ شَيْءٌ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ طَعَامًا بِدِينَارٍ على أَنَّ الدِّينَارَ عليه إلَى شَهْرٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ قبل ذلك فَيُعْطِيَهُ ما بَاعَ من الطَّعَامِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَوْ بَاعَهُ إلَى شَهْرٍ ولم يَشْرِطْ في الْعَقْدِ شيئا أَكْثَرَ من ذلك ثُمَّ قال له إنْ بِعْتَهُ أَعْطَيْتُك قبل الشَّهْرِ كان جَائِزًا وكان مَوْعِدًا إنْ شَاءَ وَفَّى له وَإِنْ شَاءَ لم يَفِ له لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حتى يَكُونَ في الْعَقْدِ وإذا ابْتَاعَ رَجُلٌ طَعَامًا سَمَّى الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وَالطَّعَامُ نَقْدٌ وَقَبَضَ الطَّعَامَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ بِحَدَاثَةِ الْقَبْضِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا صَارَ من ضَمَانِهِ من الذي اشْتَرَى منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَبِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ الذي يَتَغَيَّرُ إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَقْبِضَهُ حتى يَحِلَّ أَجَلُهُ فإذا حَلَّ أَجَلُهُ جُبِرَ على قَبَضَهُ وَسَوَاءٌ عَرَضَهُ عليه قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَاعَةٍ أو بِسَنَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا على الرِّضَا بِقَبْضِهِ فَلَا بَأْسَ وَسَوَاءٌ كان ذلك قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَنَةٍ أو بِسَاعَةٍ وإذا
____________________

(3/39)


ابْتَاعَ الرَّجُلُ شيئا من الْحَيَوَانِ أو غَيْرِهِ غَائِبًا عنه وَالْمُشْتَرِي يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وهو مَضْمُونٌ من مَالِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فإذا كان الْمُشْتَرِي لم يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ من عَيْبٍ وَمِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَسَوَاءٌ وُصِفَ له أو لم يُوصَفْ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ غير مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وهو شِرَاءُ عَيْنٍ وَلَوْ جاء بِهِ على الصِّفَةِ إذَا لم يَكُنْ رَآهُ لم يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَسَوَاءٌ أَدْرَكْتهَا بِالصِّفَةِ حَيَّةً أو مَيِّتَةً وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ على صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَهُ بِالصِّفَةِ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَذَلِكَ أَنَّ شِرَاءَهُ ليس بِعَيْنٍ وَلَوْ وَجَدَ تِلْكَ الصِّفَةَ في يَدِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا كان لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهَا إذَا أَعْطَاهُ صِفَةً غَيْرَهَا وَهَذَا فَرْقٌ بين شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ الْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَوِّلَ الشِّرَاءَ منها في غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ وَالصِّفَاتُ يَجُوزُ أَنْ تُحَوَّلُ صِفَةٌ في غَيْرِهَا إذَا أَوْفَى أَدْنَى صِفَةٍ وَيَجُوزُ النَّقْدُ في الشَّيْءِ الْغَائِبِ وفي الشَّيْءِ الْحَاضِرِ بِالْخِيَارِ وَلَيْسَ هذا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ بِسَبِيلٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ تَطَوَّعَ بِالنَّقْدِ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَى ولم يُسَمِّ أَجَلًا فَهُوَ بِنَقْدٍ وَلَا أُلْزِمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ ما اشْتَرَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ أو الْعَبْدَ وقد رَآهُ وهو غَائِبٌ عنه وَأَبْرَأ الْبَائِعَ من عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فقال قد زَادَ الْعَيْبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ وَلَا تُبَاعُ السِّلْعَةُ الْغَائِبَةُ على أنها إنْ تَلِفَتْ فَعَلَى صَاحِبِهَا مِثْلُهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ لِغَائِبٍ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ من يَوْمِ تَقَعُ الصَّفْقَةُ فَإِنْ قال اشتريها مِنْك إلَى شَهْرٍ من يَوْمِ أَقْبِضُ السِّلْعَةَ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد يَقْبِضُهَا في يَوْمِهِ وَيَقْبِضُهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ - * بَابٌ في بَيْعِ الْغَائِبِ إلَى أَجَلٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا له غَائِبًا بِذَهَبٍ دَيْنًا له على آخَرَ أو غَائِبَةً عنه بِبَلَدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ عَبْدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ويرضى الْآخَرَ بِحَوَالَةٍ على رَجُلٍ فإما أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ وَيَقُولُ خُذْ ذَهَبِي الْغَائِبَةَ على أَنَّهُ إنْ لم يَجِدْهَا فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لها فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هذا أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ مُدَّةٍ وَمُحَوَّلًا في ذِمَّةٍ أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أتى حَائِكًا فَاشْتَرَى ثَوْبًا على مَنْسَجِهِ قد بَقِيَ منه بَعْضُهُ فَلَا خَيْرَ فيه نَقَدَهُ أو لم يَنْقُدْهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُخْرِجُ بَاقِيَ الثَّوْبِ وَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا وَلَا صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ قال وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الدَّارِ حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَنَقْدِ ثَمَنِهَا وَمُذَارَعَةً وَغَيْرَ مُذَارَعَةٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ في بَيْعِ الْخِيَارِ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ حتى يَرُدَّ السِّلْعَةَ كما أَخَذَهَا وَسَوَاءٌ كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي أو لَهُمَا مَعًا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ وهو بِالْخِيَارِ فَلَيْسَ لِلَّذِي عليه الْخِيَارُ أَنْ يَرُدَّ إنَّمَا يَرُدُّ الذي له الْخِيَارُ ( قال ) وَبَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ من بَاعَ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي قَبْضُهَا وَلَيْسَ عليه وَضْعُهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَيَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وإذا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَهِيَ من ضَمَانِهِ وفي مِلْكِهِ وإذا حَالَ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ يَسْتَبْرِئُهَا فَهِيَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَكُونَ هو الذي يَضَعُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي فيها وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَائِعِ حتى يَرُدَّهَا الْمُشْتَرِي أو يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَمَاتَ قبل أَنْ يَخْتَارَ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ لِرَجُلٍ وَاسْتَثْنَى رِضَا الْمَبِيعِ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثٍ فَإِنْ رضي الْمَبِيعُ له فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ جَعَلَ الرَّدَّ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذلك له إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا بِرَدٍّ أو إجَازَةٍ فَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ عن أَمْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ
____________________

(3/40)


سِلْعَةً على رِضَا غَيْرِهِ كان لِلَّذِي شُرِطَ له الرِّضَا الرَّدُّ ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ قال على أَنْ أَسْتَأْمِرَ فَلَيْسَ له أَنْ يَرُدَّ حتى يَقُولَ قد اسْتَأْمَرْتُ فَأُمِرْتُ بِالرَّدِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ بِعَيْنِهَا على أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ سَنَةٍ لِأَنَّهَا قد تَتَغَيَّرُ إلَى سَنَةٍ وَتَتْلَفُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ رُكُوبَهَا قَلَّ ذلك أو كَثُرَ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ عِقَاقَهَا وَلَوْ قال هِيَ عَقُوقٌ ولم يَشْرِطْ ذلك لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ وَلَدَ جَارِيَتِهِ على أَنَّ عليه رَضَاعَهُ وَمُؤْنَتَهُ سَنَةً أو أَقَلَّ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ قبل سَنَةٍ فَلَوْ كان مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي فَضْلُ الرَّضَاعِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ وَقْعٌ لَا يَعْرِفُ حِصَّتَهُ من حِصَّةِ الْبَيْعِ وَلَوْ كان مَضْمُونًا من الْبَائِعِ كان عَيْنًا يَقْدِرُ على قَبْضِهَا وَلَا يَقْدِرُ على قَبْضِهَا إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ وَيَكُونُ دُونَهَا وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ - * بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ - * أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عِنْدَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَالَاتٌ إحْدَاهَا لَا يُشْكَلُ في أَنَّ الْحَائِطَ إذَا بِيعَ وقد أُبِّرَ نَخْلُهُ فَالثَّمَرَةُ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا مبتاعة فَيَكُونُ مِمَّا وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَيَكُونُ لها حِصَّةٌ من الثَّمَنِ ( قال ) وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَائِطَ إذَا بِيعَ ولم يُؤَبَّرْ نَخْلُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذا ( ( ( إذ ) ) ) حَدَّ فقال إذَا أُبِّرَ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ حُكْمَهُ إذَا لم يُؤَبَّرْ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا أُبِّرَ وَلَا يَكُونُ ما فيه إلَّا لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَيْرِهِمَا وَلَا مَوْقُوفًا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا لم يُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَرْطٍ اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا بِالسُّنَّةِ ( قال ) وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ فَحْلِ نَخْلٍ أو فُحُولٍ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ فَحْلًا قبل أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ( قال ) وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وَنَجْدٍ والسقف ( ( ( والسقيف ) ) ) فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كل بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وما قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى من إبَّانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا منها لم يُؤَبَّرْ فَثَمَرُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَا يُبَاعُ منها شَيْءٌ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَإِنْ بَدَا صَلَاحُ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كان نَخْلُ الرَّجُلِ قَلِيلًا أو كَثِيرًا إذَا كان في حِظَارٍ وَاحِدٍ أو بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ في غَيْرِ حِظَارٍ فَبَدَا صَلَاحُ وَاحِدَةٍ منه حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كان إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ له آخَرُ أو لِغَيْرِهِ فَبَدَا صَلَاحُ حَائِطِ غَيْرِهِ الذي هو إلَى جَنْبِهِ لم يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الذي إلَى جَنْبِهِ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يُرَى في شَيْءٍ منه الْحُمْرَةُ أو الصُّفْرَةُ وَأَقَلُّ الْإِبَارِ أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ منه الْإِبَارُ فَيَقَعُ عليه اسْمُ أَنَّهُ قد أُبِّرَ كما أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُ شَيْءٍ منه وَقَعَ عليه اسْمُ أَنَّهُ قد بَدَا صَلَاحُهُ وَاسْمُ أَنَّهُ قد أُبِّرَ فَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ آخِرُهُ بَعْدَ أَنْ يُرَى ذلك في أَوَّلِهِ ( قال ) وَالْإِبَارُ التَّلْقِيحُ وهو أَنْ يَأْخُذَ شيئا من طَلْعِ الْفَحْلِ فَيُدْخِلُهُ بين ظَهْرَانَيْ طَلْعِ الْإِنَاثِ من النَّخْلِ فَيَكُونُ له بِإِذْنِ اللَّهِ صَلَاحًا ( قال ) وَالدَّلَالَة بِالسُّنَّةِ في النَّخْلِ قبل أَنْ يُؤَبَّرَ وَبَعْدَ الْإِبَارِ في أَنَّهُ دَاخِلٌ في الْبَيْعِ مِثْلُ الدَّلَالَةِ بِالْإِجْمَاعِ في جَنِينِ الْأَمَةِ وَذَاتِ الْحَمْلِ من الْبَهَائِمِ فإن الناس لم يَخْتَلِفُوا في أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ من بَنِي آدَمَ وَمِنْ
____________________

(3/41)


الْبَهَائِمِ بِيعَتْ فَحَمْلُهَا تَبَعٌ لها كَعُضْوٍ منها دَاخِلٌ في الْبَيْعِ بِلَا حِصَّةٍ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُزَايِلْهَا وَمَنْ بَاعَهَا وقد وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ غَيْرُهَا وهو لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونُ قد وَقَعَتْ عليه الصَّفْقَةُ وَكَانَتْ له حِصَّةٌ من الثَّمَنِ وَيُخَالِفُ الثَّمَرُ لم يُؤَبَّرْ الْجَنِينَ في أَنَّ له حِصَّةً من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَلَيْسَتْ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَوْلَا ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك لَمَا كان الثَّمَرُ قد طَلَعَ مِثْلَ الْجَنِينِ في بَطْنِ امه لِأَنَّهُ قد يَقْدِرُ على قَطْعِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَجَرِهِ وَيَكُونُ ذلك مُبَاحًا منه وَالْجَنِينُ لَا يَقْدِرُ على إخْرَاجِهِ حتى يُقَدِّرَ اللَّهُ تَعَالَى له وَلَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ وَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا في بَعْضِ حُكْمِهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ في الثَّمَرِ لم يُؤَبَّرْ كَمَعْنَى الْجَنِينِ في الْإِجْمَاعِ فَجَمْعُنَا بَيْنَهُمَا خَبَرًا لَا قِيَاسًا إذْ وَجَدْنَا حُكْمَ السُّنَّةِ في الثَّمَرِ لم يُؤَبَّرْ كَحُكْمِ الْإِجْمَاعِ في جَنِينِ الْأَمَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا فيه تَمْثِيلًا لِيَفْقَهَهُ من سَمِعَهُ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَاسَ على شَيْءٍ بَلْ الْأَشْيَاءُ تَكُونُ له تَبَعًا ( قال ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ أَصْلَ حَائِطٍ وقد تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ أو شَيْءٌ منه فَأَخَّرَ إبَارَهُ وقد أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ كان حُكْمُهُ حُكْمَ ما تَأَبَّرَ لِأَنَّهُ قد جاء عليه وَقْتُ الْإِبَارِ وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ وريئت ( ( ( ورئيت ) ) ) بَعْدَ تَغْيِيبِهَا في الْجُفِّ قال وإذا بَدَأَ في إبَارِ شَيْءٍ منه كان جَمِيعُ ثَمَرِ الْحَائِطِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ كما يَكُونُ إذَا ريئت ( ( ( رئيت ) ) ) في شَيْءٍ من الْحَائِطِ الْحُمْرَةُ أو الصُّفْرَةُ حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَإِنْ كان بَعْضُهُ أو أَكْثَرُهُ لم يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ ( قال ) وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ إذَا خَرَجَ من جَوْزِهِ ولم يَنْشَقَّ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وإذا انْشَقَّ جَوْزُهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ كما يَكُونُ الطَّلْعُ قبل الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا جَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ إذَا ابر فَكَيْفَ قُلْت يَكُونُ له إذَا اسْتَأْبَرَ وَإِنْ لم يُؤَبَّرْ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مَعْنَى للابار إلَّا وَقْتَهُ وَلَوْ كان الذي يُوجِبُ الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بِأَنْ يَأْبُرَهَا فَاخْتَلَفَ هو وَالْمُشْتَرِي انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي شيئا قد خَرَجَ منه إلَى الْمُشْتَرِي وَانْبَغَى إنْ تَصَادَقَا أَنْ يَكُونَ له ثَمَرُ كل نَخْلَةٍ أَبَّرَهَا وَلَا يَكُونُ له ثَمَرُ نَخْلَةٍ لم يَأْبُرْهَا ( قال ) وما قُلْت من هذا هو مَوْجُودٌ في السُّنَّةِ في بَيْعِ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَذَلِكَ إذَا احْمَرَّ أو بَعْضُهُ وَذَلِكَ وَقْتٌ يَأْتِي عليه وَهَذَا مَذْكُورٌ في بَيْعِ الثِّمَارِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً أخبره أَنَّ رَجُلًا بَاعَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَائِطًا مُثْمِرًا ولم يَشْتَرِطْ الْمُبْتَاعُ الثَّمَرَ ولم يَسْتَثْنِ الْبَائِعُ الثَّمَرَ ولم يَذْكُرَاهُ فلما ثَبَتَ الْبَيْعُ اخْتَلَفَا في الثَّمَرِ فَاحْتُكِمَا فيه إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَضَى بِالثَّمَرِ لِلَّذِي لَقَّحَ النَّخْلَ لِلْبَائِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طاوس ( ( ( طاووس ) ) ) عن أبيه أَنَّهُ كان يقول في الْعَبْدِ له الْمَالُ وفي النَّخْلِ الْمُثْمِرِ يُبَاعَانِ وَلَا يَذْكُرَانِ مَالَهُ وَلَا ثَمَرَهُ هو لِلْبَائِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت لو أَنَّ إنْسَانًا بَاعَ رَقَبَةَ حَائِطٍ مُثْمِرٍ لم يذكر الثَّمَرَةَ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي أو عَبْدًا له مَالٌ كَذَلِكَ فلما ثَبَتَ الْبَيْعُ قال الْمُبْتَاعُ إنِّي أَرَدْت الثَّمَرَ قال لَا يُصَدَّقُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَنْ بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا له مَالٌ قال نِيَّتُهُ في ذلك إنْ كان نَوَى في نَفْسِهِ أَنَّ مَالَهُ لَا يُعْتَقُ معه فَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ في الثَّمَرَةِ وَالْعَبْدِ ( قال ) وإذا بِيعَتْ رَقَبَةُ الْحَائِطِ وقد أُبِّرَ شَيْءٌ من نَخْلِهِ فَثَمَرَةُ ذلك النَّخْلِ في عامة ذلك لِلْبَائِعِ وَلَوْ كان منه ما لم يُؤَبَّرْ ولم يَطْلُعْ لِأَنَّ حُكْمَ ثَمَرَةِ ذلك النَّخْلِ في عَامِهِ ذلك حُكْمٌ وَاحِدٌ كما يَكُونُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ ولم يُؤَبَّرْ ( قال ) وَلَوْ اصيبت الثَّمَرَةُ في يَدَيْ مُشْتَرِي رَقَبَةِ الْحَائِطِ بِجَائِحَةٍ تَأْتِي عليه أو على بَعْضِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَرَةِ الْمُصَابَةِ وَلَا بِشَيْءٍ منها على الْبَائِعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ولم لَا يَرْجِعْ بها وَلَهَا من الثَّمَنِ حِصَّةٌ قِيلَ
____________________

(3/42)


لِأَنَّهَا إنَّمَا جَازَتْ تَبَعًا في الْبَيْعِ إلا تَرَى أنها لو كانت تُبَاعُ مُنْفَرِدَةً لم يَحِلَّ بَيْعُهَا حتى تَحْمَرَّ فلما كانت تَبَعًا في بَيْعِ رَقَبَةِ الْحَائِطِ حَلَّ بَيْعُهَا وكان حُكْمُهَا حُكْمَ رَقَبَةِ الْحَائِطِ وَنَخْلِهِ الذي يَحِلُّ بَيْعُ صَغِيرِهِ وكبيرة وَكَانَتْ مَقْبُوضَةً لِقَبْضِ النَّخْلِ وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ بها كَالْمُصِيبَةِ بِالنَّخْلِ وَالْمُشْتَرِي لو أُصِيبَ بِالنَّخْلِ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا كانت الْمُصِيبَةُ منه فَإِنْ ابْتَاعَ رَجُلٌ حَائِطًا فيه ثَمَرٌ لم يُؤَبَّرْ كان له مع النَّخْلِ أو شَرَطَهُ بعد ما أُبِّرَ فَكَانَ له بِالشَّرْطِ مع النَّخْلِ فلم يَقْبِضْهُ حتى أُصِيبَ بَعْضُ الثَّمَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ له كما اشْتَرَى أو أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ بِحَسَبِ ثَمَنِ الْحَائِطِ أو الثَّمَرَةِ فينظر كم حِصَّةُ الْمُصَابِ منها فَيُطْرَحُ عن الْمُشْتَرِي من أَصْلِ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ فَإِنْ كان الثَّمَنُ مِائَةً وَالْمُصَابُ عُشْرَ الْعُشْرِ مِمَّا اشْتَرَى طُرِحَ عنه دِينَارٌ من أَصْلِ الثَّمَنِ لَا من قِيمَةِ الْمُصَابِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ من عُقْدَةِ الْبَيْعِ بِالْمُصِيبَةِ وَهَكَذَا كُلُّ ما وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ بِعَيْنِهِ من نَبَاتٍ أو نَخْلٍ أو غَيْرِهِ فما أُصِيبَ منه شَيْءٌ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ إلَيْهِ كما اشْتَرَى بِكَمَالِهِ أو أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا وكان في أَصْلِ الْمِلْكِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منه بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي في هذا الْوَجْهِ خِيَارٌ ( قال ) وَهَكَذَا الثَّمَرُ يُبْتَاعُ مع رَقَبَةِ الْحَائِطِ وَيُقْبَضُ فَتُصِيبُهُ الْجَائِحَةُ في قَوْلِ من وَضَعَ الْجَائِحَةَ وفي الْقَوْلِ الْآخَرِ الذي حَكَيْتُ فيه قَوْلًا يُخَالِفُهُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ بِالنَّقْصِ الذي دخل عليه قبل الْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ منه بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يَنْقُصُ عنه منه شَيْءٌ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لم يَبْدُ صَلَاحُهَا مع الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لها حِصَّةً من الثَّمَنِ ولم تُجِيزُوهَا على الإنفراد قِيلَ بِمَا وَصَفْنَا من السُّنَّةِ فَإِنْ قال فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قِيلَ أَجَزْنَاهُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يَبْدُ صَلَاحُهَا تَبَعٌ في الْبَيْعِ وَلَوْ بِيعَ من هذا شَيْءٌ على الِانْفِرَادِ لم يَجُزْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ دَاخِلًا في جُمْلَةِ الْبَيْعِ وهو أَنَّ بَعْضًا لم يَجُزْ بَيْعُهُ على الإنفراد قِيلَ بِمَا وَصَفْنَا لَك فَإِنْ قال فَهَلْ يَدْخُلُ في هذا الْعَبْدُ يُبَاعُ قُلْت نعم في مَعْنًى وَيُخَالِفُهُ في آخَرَ فَإِنْ قال فما الْمَعْنَى الذي يَدْخُلُ بِهِ فيه قِيلَ إذَا بِعْنَاك عَبْدًا بِعْنَاكَهُ بِكَمَالِ جَوَارِحِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلَوْ بِعْنَاك جَارِحَةً من جَوَارِحِهِ تَقْطَعُهَا أو لَا تَقْطَعُهَا لم يَجُزْ الْبَيْعُ فَهِيَ إذَا كانت فيه جَازَتْ وإذا أُفْرِدَتْ منه لم يَحِلَّ بَيْعُهَا لِأَنَّ فيها عَذَابًا عليه وَلَيْسَ فيها مَنْفَعَةٌ لِمُشْتَرِيهِ وَلَوْ لم تُقْطَعْ وَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُخَالِفُ فيه الْعَبْدُ بِمَا وَصَفْنَا من الطُّرُقِ وَالثَّمَرِ وفي ذلك أَنَّهُ يَحِلُّ تَفْرِيقُ الثَّمَرِ وَقَطْعُ الطُّرُقِ وَلَا يَحِلُّ قَطْعُ الْجَارِحَةِ إلَّا بِحُكْمِهَا ( قال ) وَجَمِيعُ ثِمَارِ الشَّجَرِ في مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا ريء في أَوَّلِهِ النُّضْجُ حَلَّ بَيْعُ آخِرِهِ وَهُمَا يَكُونَانِ بَارِزَيْنِ مَعًا وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يُرَى في أَوَّلِهِمَا النُّضْجُ ( قال ) وَتُخَالِفُ الثِّمَارُ من الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلَ فَتَكُونُ كُلُّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً تُرَى في أَوَّلِ ما تَخْرُجُ كما تُرَى في آخِرِهِ لَا مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْلِ في الطَّلْعَةِ يَكُونُ مَغِيبًا وهو يُرَى يَكُونُ بَارِزًا فَهُوَ في مَعْنَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَارِزًا فإذا بَاعَهُ شَجَرًا مُثْمِرًا فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ لِأَنَّ الثَّمَرَ قد فَارَقَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا في الشَّجَرِ كما يَكُونُ الْحَمْلُ مُسْتَوْدَعًا في الْأَمَةِ ذَاتِ الْحَمْلِ ( قال ) وَمَعْقُولٌ في السُّنَّةِ إذَا كانت الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كان على الْمُشْتَرِي تَرْكُهَا في شَجَرِهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْجُذَاذَ وَالْقِطَافَ وَاللِّقَاطَ من الشَّجَرِ ( قال ) وإذا كان لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وما يَكْفِي الشَّجَرَ من السَّقْيِ إلَى أَنْ يجد ( ( ( يجذ ) ) ) وَيُلْقَطَ وَيُقْطَعَ فَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا شَيْءَ على الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ في ثَمَرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَبِعْهُ شيئا فَسَأَلَهُ تَسْلِيمَ ما بَاعَهُ ( قال ) وَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَكَانَ الثَّمَرُ يَصْلُحُ تُرِكَ حتى يَبْلُغَ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ لم يَمْنَعْهُ صَاحِبُهُ من قَطْعِهِ وَلَا لو كان الْمَاءُ كما هو وَلَوْ قَطَعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَاءَ لم يَكُنْ ذلك له إنَّمَا يَكُونُ له من الْمَاءِ ما فيه صَلَاحُ ثَمَرِهِ فإذا ذَهَبَ ثَمَرُهُ فَلَا حَقَّ له في الْمَاءِ ( قال ) وَإِنْ
____________________

(3/43)


انْقَطَعَ الْمَاءُ فَكَانَ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ في النَّخْلِ وَغَيْرِهِ من الشَّجَرِ المسقوى يَضُرُّ بِالنَّخْلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ ذلك الْوَادِي الذي بِهِ ذلك الْمَاءُ فَإِنْ قالوا ليس يَصْلُحُ في مِثْلِ هذا من انْقِطَاعِ الْمَاءِ إلَّا قَطْعُ ثَمَرِهِ عنه وَإِلَّا أَضَرَّ بِقُلُوبِ النَّخْلِ ضَرَرًا بَيِّنًا فيها أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا وَقِيلَ قد أُصِبْت وَأُصِيبَ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِأَكْثَرَ من مُصِيبَتِك فَإِنْ قالوا هو لَا يُضَرُّ بها ضَرَرًا بَيِّنًا وَالثَّمَرُ يَصْلُحُ إنْ تُرِكَ فيها وَإِنْ كان قَطْعُهُ خَيْرًا لها تُرِكَ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ قالوا لَا يَسْلَمُ الثَّمَرُ إلَّا إنْ تُرِكَ أَيَّامًا تُرِكَ أَيَّامًا حتى إذَا بَلَغَ الْوَقْتُ الذي يَقُولُونَ فيه يُهْلَكُ فَلَوْ قِيلَ اقْطَعْهُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَك وَلِصَاحِبِك كان وَجْهًا وَلَهُ تَرْكُهُ إذَا لم يَضُرَّ بِالنَّخْلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَإِنْ قال صَاحِبُ عِنَبٍ ليس له أَصْلُهُ ادع عِنَبِي فيه لِيَكُونَ أَبْقَى له أو سَفَرْجَلٌ أو تُفَّاحٌ أو غَيْرُهُ لم يَكُنْ له ذلك إذَا كان الْقِطَافُ وَاللِّقَاطُ وَالْجُذَاذُ أَخَذَ بِجُذَاذِ ثَمَرِهِ وقطافه ( ( ( قطافه ) ) ) وَلِقَاطُهُ وَلَا يَتْرُكُ ثَمَرَهُ فيه بَعْدَ أَنْ يَصْلُحَ فيه الْقِطَافُ وَالْجُذَاذُ وَاللِّقَاطُ قال وَإِنْ اخْتَلَفَ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْمُشْتَرِي في السَّقْيِ حَمَلَا في السَّقْيِ على ما لَا غِنَى بِالثَّمَرِ وَلَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ وما يسقى عليه أَهْلُ الْأَمْوَالِ أَمْوَالَهُمْ في الثِّمَارِ عَامَّةً لَا ما يَضُرُّ بِالثَّمَرِ وَلَا ما يَزِيدُ فيه مِمَّا لَا يَسْقِيهِ أَهْلُ الْأَمْوَالِ إذَا كانت لهم الثِّمَارُ ( قال ) فَإِنْ كان الْمَبِيعُ تِينًا أو غَيْرَهُ من شَجَرٍ تَكُونُ فيه الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً ثُمَّ تَخْرُجُ قبل أَنْ تَبْلُغَ الْخَارِجَةُ ثَمَرَةَ غَيْرِهَا من ذلك الصِّنْفِ فَإِنْ كانت الْخَارِجَةُ الْمُشْتَرَاةُ تُمَيَّزُ من الثَّمَرَةِ التي تَحْدُثُ لم يَقَعْ عليها الْبَيْعُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ الْخَارِجَةَ التي اشْتَرَى يَتْرُكُهَا حتى تَبْلُغَ وَإِنْ كانت لَا تُمَيَّزُ مِمَّا يَخْرُجُ بَعْدَهَا من ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ ما يَخْرُجُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ من الثَّمَرَةِ التي لم تَدْخُلْ في الْبَيْعِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ من الثَّمَرَةِ الدَّاخِلَةِ في الصَّفْقَةِ وَالْبُيُوعُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعْلُومَةً ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ في مِثْلِ هذا قَوْلٌ آخَرُ إنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ إذَا كان الْخَارِجُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ من الثَّمَرَةِ التي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرِ الْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قد صَارَ إلَيْهِ ثَمَرُهُ وَالزِّيَادَةُ إذَا كانت الْخَارِجَةُ لا ( ( ( غير ) ) ) تميز التي تَطَوَّعَ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ بَاعَهُ على أَنْ يَلْقُطَ الثَّمَرَةَ أو يَقْطَعَهَا حتى يَتَبَيَّنَ بها فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وما حَدَثَ في مِلْكِ الْبَائِعِ لِلْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا تُرِكَ ثَمَرَتُهُ فَكَانَتْ مُخْتَلِطَةً بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي لَا تَتَمَيَّزُ منها ( قال ) وإذا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا أَرْضًا فيها شَجَرُ رُمَّانٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزٍ وَرَانِجٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا دُونَهُ قِشْرٌ يُوَارِيه بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ كما وَصَفْت من الثَّمَرِ الْبَادِي الذي لَا قِشْرَ له يُوَارِيهِ إذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وَذَلِكَ إن قِشْرَ هذا لَا يَنْشَقُّ عَمَّا في أجوافه ( ( ( أجوفه ) ) ) وَصَلَاحُهُ في بَقَائِهِ إلَّا أَنَّ صِنْفًا من الرُّمَّانِ يَنْشَقُّ منه الشَّيْءُ فَيَكُونُ أَنْقَصَ على مَالِكِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَحَ له أَنْ لَا يَنْشَقَّ لِأَنَّهُ أَبْقَى له وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في ثَمَرِ الشَّجَرِ غَيْرِ النَّخْلِ من الْعِنَبِ وَالْأُتْرُجِّ وَغَيْرِهِ لَا يخالفه ( ( ( يخافه ) ) ) وَالْقَوْلُ في تَرْكِهِ إلَى بُلُوغِهِ كَالْقَوْلِ فيها وفي ثَمَرِ النَّخْلِ لَا يُعَجِّلُ مَالِكُهُ عن بُلُوغِ صَلَاحِهِ وَلَا يَتْرُكُ وَإِنْ كان ذلك خَيْرًا لِمَالِكِهِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَقْطِفَ مِثْلَهَا أو يَلْقُطَ وَالْقَوْلُ في شَيْءٍ إنْ كان يَزِيدُ فيها كَالْقَوْلِ في التِّينِ لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ في ثَمَرِ كل شَجَرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبَاذِنْجَانِ وَغَيْرِهِ من الشَّجَرِ الذي يَثْبُتُ أَصْلُهُ وَعَلَامَةُ الأصل الذي يثبت أن يثمر مرة ثم تقطع ثمرته ثم يثمر أخرى ثم تقطع ثمرته فما كان هكذا فهو من الْأَصْلِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْكُرْسُفِ وَغَيْرِهِ وما كان إنْمَاءُ ثَمَرَتِهِ مَرَّةً فَمِثْلُ الزَّرْعِ ( قال ) وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فيها زَرْعٌ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فإذا حُصِدَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ فَإِنْ كان الزَّرْعُ مِمَّا يَبْقَى له أُصُولٌ في الْأَرْضِ تُفْسِدُهَا فَعَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ نَزْعُهَا عن رَبِّ الْأَرْضِ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ قال وَهَكَذَا إذَا بَاعَهُ أَرْضًا فيها زَرْعٌ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً ( قال ) فَأَمَّا الْقَصَبُ فإذا بَاعَهُ أَرْضًا فيها قَصَبٌ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ فَلِمَالِكِهِ من الْقَصَبِ جِزَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ له قَلْعُهُ من أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ ( قال ) وَكُلُّ ما يُجَزُّ مِرَارًا من الزَّرْعِ فَمِثْلُ الْقَصَبِ
____________________

(3/44)


في الْأَصْلِ وَالثَّمَرِ ما خَرَجَ لَا يُخَالِفُهُ ( قال ) وإذا بَاعَهُ أَرْضًا فيها مَوْزٌ قد خَرَجَ فَلَهُ ما خَرَجَ من الْمَوْزِ قبل بَيْعِهِ وَلَيْسَ له ما خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى من الشَّجَرِ الذي بِجَنْبِ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا تَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَتُقْطَعُ وَيَخْرَجُ في الذي حَوْلَهَا ( قال ) فإذا كان شَجَرُ الْمَوْزِ كَثِيرًا وكان يَخْرُجُ في الْمَوْزِ منه الشَّيْءُ الْيَوْمَ وفي الْأُخْرَى غَدًا وفي الْأُخْرَى بَعْدَهُ حتى لَا يَتَمَيَّزَ ما كان منه خَارِجًا عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ مِمَّا خَرَجَ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ أو أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في التِّينِ وما تَتَابَعَ ثَمَرَتُهُ في الْأَصْلِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهُ أَبَدًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْزَةَ الحولى يَتَفَرَّقُ وَيَكُونُ بَيْنَهُ أَوْلَادُهُ بَعْضُهَا أَشَفُّ من بَعْضٍ فَيُبَاعُ وفي الحولى مِثْلُهُ مَوْزٌ خَارِجٌ فَيُتْرَكُ لِيَبْلُغَ وَيَخْرُجَ في كل يَوْمٍ من أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إدْرَاكِهِ مُتَتَابِعًا فَلَا يَتَفَرَّقُ منه ما وَقَعَتْ عليه عُقْدَةُ الْبَيْعِ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَهَا ولم يَدْخُلْ في عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ ما عُرِفَ الْمَبِيعُ منه من غَيْرِ الْمَبِيعِ فَيُسَلَّمُ إلَى كل وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقُّهُ ( قال ) وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِأَنْ يَقُولَ له ثَمَرَةُ مِائَةِ شَجَرَةِ مَوْزٍ منه من قِبَلِ أَنَّ ثِمَارَهَا تَخْتَلِفُ ويخطيء ( ( ( ويخطئ ) ) ) وَيُصِيبُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما كان في مَعْنَاهُ من ذِي ثَمَرٍ وَزَرْعٍ ( قال ) وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ بِحُدُودِهَا فَلِمُشْتَرِيهَا جَمِيعُ ما فيها من الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ ما وَصَفْت مِمَّا له ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ من كل شَجَرٍ وَزُرُوعٍ مُثْمِرَةٍ وَكُلِّ ما يَثْبُتُ من الشَّجَرِ وَالْبُنْيَانِ وما كان مِمَّا يَخِفُّ من الْبُنْيَانِ مِثْلُ الْبِنَاءِ بِالْخَشَبِ فَإِنَّمَا هذا مُمَيَّزٌ كَالنَّبَاتِ وَالْجَرِيدِ فَهُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الْمُشْتَرِي في صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ له بِالشِّرَاءِ ( قال ) وَكُلُّ هذا إذَا عَرَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ ما في شَجَرِ الْأَرْضِ من الثَّمَرِ وفي أَدِيمِ الْأَرْضِ من الزَّرْعِ ( قال ) فَإِنْ كانت الْأَرْضُ غَائِبَةً عِنْدَ الْبَيْعِ عن الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أو عن الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَوَجَدَ في شَجَرِهَا ثَمَرًا قد أبرأ ( ( ( أبر ) ) ) وَزَرْعًا قد طَلَعَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ هذا إنْ كان قد رَأَى الْأَرْضَ قبل الشِّرَاءِ وَرَضِيهَا لِأَنَّ في هذا عليه نَقْصًا بِانْقِطَاعِ الثَّمَرَةِ عنه عامة ذلك وَحَبَسَ شَجَرَهُ بِالثَّمَرَةِ وَشَغَلَ أَرْضَهُ بِالزَّرْعِ وَبِالدَّاخِلِ فيها عليه إذَا كانت له ثَمَرَتُهَا لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَمْنَعَهُ الدُّخُولَ عليه في أَرْضِهِ لِتَعَاهُدِ ثَمَرَتِهِ وَلَا يَمْنَعُ من يُصْلِحُ له أَرْضَهُ من عَمَلٍ له فَإِنْ أَحَبَّ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَحَبَّ رَدَّهُ ( قال ) وإذا اشْتَرَى وهو عَالِمٌ بِمَا خَرَجَ من ثَمَرِهَا فَلَا خِيَارَ له وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا فيها حَبٌّ قد بَذَرَهُ ولم يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي فَالْحَبُّ كَالزَّرْعِ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَحْتَ الْأَرْضِ وما لم يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي بِالصَّفْقَةِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وهو ينمى نَمَاءَ الزَّرْعِ فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ فَإِنْ شِئْت فَأَخِّرْ الْبَيْعَ وَدَعْ الْحَبَّ حتى يَبْلُغَ فَيُحْصَدَ كما تَدَعُ الزَّرْعَ وَإِنْ شِئْت فَانْقُضْ الْبَيْعَ إذَا كان يَشْغَلُ أَرْضَك وَيَدْخُلُ عَلَيْك فَيَهَابُهُ من ليس عَلَيْك دُخُولُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ الزَّرْعَ لِلْمُشْتَرِي أو يَقْلَعَهُ عنه وَيَكُونُ قَلْعُهُ غير مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ فَإِنْ شَاءَ ذلك لم يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ لِأَنَّهُ قد زِيدَ خَيْرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تَجْعَلْ هذا كما لم يَخْرُجْ من ثَمَرِ الشَّجَرِ وَوِلَادِ الْجَارِيَةِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرِ فَأَمْرٌ لَا صَنْعَةَ فيه للادميين هو شَيْءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ عز وجل كَيْفَ شَاءَ لَا شَيْءَ اسْتَوْدَعَهُ الْآدَمِيُّونَ الشَّجَرَ لم يَكُنْ فيها فادخلوه فيها وما خَرَجَ منه في عَامِهِ خَرَجَ في أَعْوَامٍ بَعْدَهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ خِلْقَةَ الشَّجَرِ كَذَلِكَ وَالْبَذْرُ يُنْثَرُ في الْأَرْضِ إنَّمَا هو شَيْءٌ يَسْتَوْدِعُهُ الْآدَمِيُّونَ الآرض وَيُحْصَدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا أَنْ يُعَادَ فيها غَيْرُهُ وَلَمَا رَأَيْت ما كان مَدْفُونًا في الْأَرْضِ من مَالٍ وَحِجَارَةٍ وَخَشَبٍ غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ كان لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ في الْأَرْضِ غَيْرِ الْأَرْضِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ في أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُهُ إلَّا مثله لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ الْبَائِعُ غير الْأَرْضِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لَا يُخْرِجُ زَرْعَهُ كما يُخْرِجُ ما دَفَنَ في الْأَرْضِ من مَالٍ وَخَشَبٍ قِيلَ دَفَنَ تِلْكَ فيها لِيُخْرِجَهَا كما دَفَنَهَا لَا لتنمى بِالدَّفْنِ وإذا مَرَّ بِالْمَدْفُونِ من الْحَبِّ وَقْتٌ فَلَوْ أَخْرَجَهُ لم يَنْفَعْهُ لِقَلْبِ الْأَرْضِ له وَتِلْكَ لَا تُقَلِّبُهَا فَأَمَّا وَلَدُ الْجَارِيَةِ فَشَيْءٌ لَا حُكْمَ له إلَّا حُكْمَ أُمِّهِ إلا تَرَى أنها تُعْتَقُ وَلَا يُقْصَدُ قَصْدُهُ بِعِتْقٍ فَيُعْتَقُ وَتُبَاعُ وَلَا يُبَاعُ فَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ حُكْمَهُ في الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ حُكْمُ عُضْوٍ منها وَإِنْ لم يُسَمِّهِ كان لِلْمُشْتَرِي
____________________

(3/45)


الْخِيَارُ لِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ في مَقَامِهِ في الْأَرْضِ وَإِفْسَادِهِ إيَّاهَا ( قال ) وَإِنْ كان الْبَائِعُ قد أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ له في الْأَرْضِ التي بَاعَهُ بَذْرًا سَمَّاهُ لَا يَدْخُلُ في بَيْعِهِ فَاشْتَرَى على ذلك فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَهُ حتى يَصْرِمَ فَإِنْ كان مِمَّا يَثْبُتُ من الزَّرْعِ تَرَكَهُ حتى يَصْرِمَهُ ثُمَّ كان لِلْمُشْتَرِي أَصْلُهُ ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا قَطْعُهُ ( قال ) وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قبل بُلُوغِ مِثْلِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَدَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ وهو كَمَنْ جد ( ( ( جذ ) ) ) ثمره غَضَّةً فَلَيْسَ له أَنْ يَنْتَظِرَ أُخْرَى حتى تَبْلُغَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له مِمَّا خَرَجَ منه إلَّا مَرَّةً فَتَعَجَّلَهَا فَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ في غَيْرِهَا بِحَالٍ وَالْقَوْلُ في الزَّرْعِ من الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُصْرَمُ إلَّا مَرَّةً أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا على الثَّمَرَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً في السَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيَكُونُ الْأَصْلُ مَمْلُوكًا بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ وَلَا يَكُونُ هذا مَمْلُوكًا بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ فيها ( قال ) وما كان من الشَّجَرِ يُثْمِرُ مِرَارًا فَهُوَ كَالْأَصْلِ الثَّابِتِ يُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ وَإِنْ بَاعَهُ وقد صَلُحَ وقد ظَهَرَ ثَمَرُهُ فيه فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ كما يَكُونُ النَّخْلُ الْمُلَقَّحُ ( قال ) وَذَلِكَ مِثْلُ الْكُرْسُفِ إذَا بَاعَهُ وقد تَشَقَّقَ جَوْزُ كُرْسُفِهِ عنه فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كما تَشَّقَّقُ الطَّلْعَةُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ذلك حين يُلَقَّحُ فَإِنْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَتَشَقَّقَ من جَوْزِ كُرْسُفِهِ شَيْءٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وما كان من الشَّجَرِ هَكَذَا يَتَشَقَّقُ ثَمَرُهُ لِيَصْلُحَ مِثْلَ النَّخْلِ وما كان يَبْقَى بِحَالِهِ فإذا خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ فَخُرُوجُهُ كَتَشَقُّقِ الطَّلْعِ وَجَوْزِ الْكُرْسُفِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي ( قال ) وما أَثْمَرَ منه في السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فإذا انْقَضَتْ فما خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ مع الْأَرْضِ وَصِنْفٌ من الثَّمَرَةِ فَكَانَ يَخْرُجُ منه الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ حتى لَا يَنْفَصِلُ ما وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وهو في شجرة فَكَانَ لِلْبَائِعِ ما لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وكان لِلْمُشْتَرِي ما حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ ما اشْتَرَى بِمَا لم يُشْتَرَ ولم يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونُ قد أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أو يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي له هذه الثَّمَرَةَ فَيَكُونُ قد تَرَكَ له حَقَّهُ ( قال ) وَمَنْ أَجَازَ هذا قال هذا كَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جُزَافًا فَأَلْقَى الْبَائِعُ فيه طَعَامًا غَيْرَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي جَمِيعَ ما اشْتَرَى منه وَزَادَهُ ما أَلْقَاهُ في طَعَامِهِ فلم يَظْلِمْهُ ولم يَنْقُصْهُ شيئا مِمَّا بَاعَهُ وَزَادَهُ الذي خَلَطَ وَإِنْ لم يُعْرَفْ الْمَبِيعُ منه من غَيْرِ الْمَبِيعِ وقال ( ( ( قال ) ) ) في الْوَجْهِ الذي يَتْرُكُ فيه الْمُبْتَاعُ حَقَّهُ هذا كَرَجُلٍ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا جُزَافًا فَأَلْقَى الْمُشْتَرِي فيه طَعَامًا ثُمَّ أَخَذَ الْبَائِعُ منه شيئا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ ما بَقِيَ من الطَّعَامِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَتْرُكَ له حَقَّهُ فِيمَا أَخَذَ منه فإن الصفقه وَقَعَتْ صَحِيحَةً إلَّا أَنَّ فيها خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي فَأُجِيزُهَا وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُ رَدِّهَا بِخِيَارِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ من قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا قد اخْتَلَطَ حتى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ منه الذي وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ مِمَّا لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ ( قال ) وَالْقَصَبُ وَالْقِثَّاءُ وَكُلُّ ما كان يُصْرَمُ مَرَّةً بَعْدَ الْأُخْرَى من الْأُصُولِ فَلِلْمُشْتَرِي مِلْكُهُ كما يَمْلِكُ النَّخْلَ إذَا اشْتَرَى الْأَصْلَ وما خَرَجَ فيه من ثمره مَرَّةً فَتِلْكَ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ وما بَعْدَهَا لِلْمُشْتَرِي فَأَمَّا الْقَصَبُ فَلِلْبَائِعِ اول صِرْمَةٍ منه وما بَقِيَ بَعْدَهَا لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَكَذَا الْبُقُولُ كُلُّهَا إذَا كانت في الْأَرْضِ فَلِلْبَائِعِ منها أَوَّلُ جزه وما بَقِيَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَهَا من أُصُولِهَا وَإِنْ كانت تُجَزُّ جِزَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ تُنْبِتُ بَعْدَهَا جزات ( ( ( جزت ) ) ) فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُصُولِ تُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأُصُولُ من شِرَاءِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ ( قال ) وما كان من نَبَاتٍ فَإِنَّمَا يَكُونُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَالزَّرْعِ يُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ ثُمَّ لِصَاحِبِهِ البائع الأرض أن يقلعه إن شاء فإن كان قلعه يضر بالأرض كلف إعادتها كما كانت ( قال ) وكذلك كل ما كان في الأرض من نَبَاتِ الْأَرْضِ مِمَّا لم يُنْبِتْهُ الناس وكان يَنْبُتُ على الْمَاءِ فَلِصَاحِبِهِ فيه مَالُهُ في الزَّرْع وَالْأَصْلُ يَأْخُذُ ثَمَرَةَ أَوَّلِ جِزَّةٍ منه إنْ كانت تُنْبِتُ بَعْدَهَا وَيُقْلِعُهُ من أَصْلِهِ إنْ كان لَا يَنْفَعُ بَعْدَ جِزَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا أَرْضًا أو دَارًا فَكَانَ له فيها خَشَبٌ مَدْفُونٌ أو حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ
____________________

(3/46)


لَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ إنْ مَلَكَ الْمَوْضُوعَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي منه شيئا إنَّمَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ بِمَا خُلِقَ في الْأَرْضِ من مَاءٍ وَطِينٍ وما كان فيها من أَصْلٍ ثَابِتٍ من غَرْسٍ أو بِنَاءٍ وما كان غير ثَابِتٍ أو مُسْتَوْدَعٍ فيها فَهُوَ لِبَائِعِهِ وَعَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عنه ( قال ) فَإِنْ نَقَلَهُ عنه كان عليه تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ حتى تَعُودَ مُسْتَوِيَةً لَا يَدَعُهَا حُفَرًا ( قال ) وَإِنْ تَرَكَ قَلْعَهُ منه ثُمَّ أَرَادَ قَلْعَهُ من الْأَرْضِ من زَرْعِهِ لم يَكُنْ ذلك له حتى يَحْصُدَ الزَّرْعَ ثُمَّ يَقْلَعُهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ كان له في الْأَرْضِ خَشَبٌ أو حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ ثُمَّ غَرَسَ الْأَرْضَ على ذلك ثُمَّ بَاعَهُ الْأَصْلَ ثُمَّ لم يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحِجَارَةِ التي فيها نَظَرَ فَإِنْ كانت الْحِجَارَةُ أو الْخَشَبُ تَضُرُّ بِالْغِرَاسِ وَتَمْنَعُ عُرُوقَهُ كان الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في الْأَخْذِ أو الرَّدِّ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ يُنْقِصُ غَرْسَهُ وَإِنْ كان لَا يُنْقِصُ الْغِرَاسَ وَلَا يَمْنَعُ عُرُوقَهُ وكان الْبَائِعُ إذَا اراد إخْرَاجَ ذلك من الْأَرْضِ قَطَعَ من عُرُوقِ الشَّجَرِ ما يَضُرُّ بِهِ قِيلَ لِبَائِعِ الْأَرْضِ أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تَدَعَ هذا وَبَيْنَ رَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ أَحَبَّ تَرْكَهُ لِلْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك قِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ بين أَنْ يَقْلَعَهُ من الْأَرْضِ وما أَفْسَدَ عَلَيْك من الشَّجَرِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ كانت له قِيمَةٌ أو رَدُّ الْبَيْعِ - * بَابُ الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه بَيْعُ الثِّمَارِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ( قال الشَّافِعِيِّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نهى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تزهى قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وما تزهى قال حتى تَحْمَرَّ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ حتى تَزْهُوَ قِيلَ وما تَزْهُو قال حتى تَحْمَرَّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ عن عَمْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن عُثْمَانَ بن عبد اللَّهِ بن سُرَاقَةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ قال عُثْمَانُ فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَاكَ قال طُلُوعُ الثُّرَيَّا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي مَعْبَدٍ قال الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يَبِيعُ الثَّمَرَ من غُلَامِهِ قبل أَنْ يُطْعَمَ وكان لَا يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُلَامِهِ رِبًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت أَخَصَّ جَابِرٌ النَّخْلَ أو الثَّمَرَ قال بَلْ النَّخْلَ وَلَا نَرَى كُلَّ ثَمَرَةٍ إلَّا مثله ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن طَاوُسٍ أَنَّهُ سمع بن عُمَرَ يقول لَا يُبْتَاعُ الثَّمَرُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَسَمِعْنَا بن عَبَّاسٍ يقول لَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ حتى تُطْعَمَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عيينه عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ( أخبرنا الرَّبِيع ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم مِثْلُهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وفي سُنَنِ رسول اللَّهِ
____________________

(3/47)


صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الثَّمَرِ الذي أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَهُ أَنْ يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ وَدَلَالَةُ إذْ قال إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا نهى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ التي تُتْرَكُ حتى تَبْلُغَ غَايَةَ إبَّانِهَا لا ( ( ( إلا ) ) ) أَنَّهُ نهى عَمَّا يُقْطَعُ منها وَذَلِكَ أَنَّ ما يُقْطَعُ منها لَا آفَةَ تَأْتِي عليه تَمْنَعُهُ إنَّمَا مَنْعُ ما يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونُ فيها الْآفَةُ وَالْبَلَحُ وَكُلُّ ما دُونَ الْبُسْرِ يَحِلُّ بَيْعُهُ لِيُقْطَعَ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم من الْبُيُوعِ دَاخِلٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ من الْبَيْعِ ( قال ) وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ لِيُتْرَكَ حتى يَبْلُغَ إبَّانَهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في الْمَعْنَى الذي أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يُبَاعَ حتى يَبْلُغَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لَا يُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ من الرُّطَبِ قَلِيلٌ أو كَثِيرٌ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ كان مع الرُّطَبِ بَلَحٌ كَثِيرٌ قال نعم سَمِعْنَا إذَا أُكِلَ منه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْحَائِطُ تَكُونُ فيه النَّخْلَةُ فَتُزْهَى فَيُؤْكَلُ منها قبل الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ بَلَحٌ قال حَسْبُهُ إذَا أَكَلَ منه فَلْيَبِعْ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ كَذَلِكَ لَا تُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ منها قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت من عِنَبٍ أو رُمَّانٍ أو فِرْسِكٍ قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له أَرَأَيْت إذَا كان شَيْءٌ من ذلك يَخْلُصُ وَيَتَحَوَّلُ قبل أَنْ يُؤْكَلَ منه أَيُبْتَاعُ قبل أَنْ يُؤْكَلَ منه قال لَا وَلَا شَيْءَ حتى يُؤْكَلَ منه أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال كُلُّ شَيْءٍ تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِمَّا يُؤْكَلُ من خِرْبِزٍ أو قِثَّاءٍ أو بَقْلٍ لَا يُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ منه كَهَيْئَةِ النَّخْلِ قال سَعِيدٌ إنَّمَا يُبَاعُ الْبَقْلُ صِرْمَةً صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسُّنَّةُ يكتفي بها من كل ما ذُكِرَ مَعَهَا غَيْرُهَا فإذا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ من أَنْ يَكُونَ غَضًّا كُلُّهُ فَأَذِنَ فيه إذَا صَارَ منه أَحْمَرُ أو أَصْفَرُ فَقَدْ أَذِنَ فيه إذَا بَدَا فيه النُّضْجُ وَاسْتُطِيعَ أَكْلُهُ خَارِجًا من أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ بَلَحًا وَصَارَ عَامَّتُهُ منه وَتِلْكَ الْحَالُ التي أَنْ يَشْتَدَّ اشْتِدَادًا يَمْنَعُ في الظَّاهِرِ من الْعَاهَةِ لِغِلَظِ نَوَاتِهِ في عامة وَإِنْ لم يَبْلُغْ ذلك منه مَبْلَغَ الشِّدَّةِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ هذا الْحَدَّ فَكُلُّ ثَمَرَةٍ من أَصْلٍ فَهِيَ مِثْلُهُ لَا تُخَالِفُهُ إذَا خَرَجَتْ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ يَرَى مَعَهَا كَثَمَرَةِ النَّخْلِ يَبْلُغُ أَوَّلُهَا أَنْ يُرَى فيه اول النُّضْجِ حَلَّ بَيْعُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا وَسَوَاءٌ كُلُّ ثَمَرَةٍ من أَصْلٍ يَثْبُتُ أو لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهَا في مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا كانت كما وُصِفَتْ تَنْبُتُ فَيَرَاهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ لَا يَنْبُتُ بَعْدَهَا في ذلك الْوَقْتِ شَيْءٌ لم يَكُنْ ظَهَرَ وَكَانَتْ ظَاهِرَةً لَا كِمَامَ دُونِهَا تَمْنَعُهَا من أَنْ تُرَى كَثَمَرَةِ النَّخْلَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ فما لَا يُؤْكَلُ منه الْحِنَّاءُ وَالْكُرْسُفُ وَالْقَضْبُ قال نعم لَا يُبَاعُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْقَضْبُ يُبَاعُ منه قال لَا إلَّا كُلُّ صِرْمَةٍ عِنْدَ صَلَاحِهَا فإنه لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ في الصِّرْمَةِ الْأُخْرَى عَاهَةٌ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ إنْسَانًا سَأَلَ عَطَاءً فقال الْكُرْسُفُ يُجْنَى في السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فقال لَا إلَّا عِنْدَ كل إجْنَاءَةٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ زِيَادًا أخبره عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يقول في الْكُرْسُفِ تَبِيعُهُ فَلَقَةً وَاحِدَةً قال يقول فَلَقَةً وَاحِدَةً إجْنَاءَةً وَاحِدَةً إذَا فَتَحَ قال بن جُرَيْجٍ وقال زِيَادٌ وَاَلَّذِي قُلْنَا عليه إذَا فَتَحَ الْجَوْزُ بِيعَ ولم يُبَعْ ما سِوَاهُ قال تِلْكَ إجْنَاءَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا فَتَحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما قال عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ من هذا كما قَالَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وهو مَعْنَى السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَكُلُّ ثَمَرَةٍ تُبَاعُ من الْمَأْكُولِ إذَا أُكِلَ منها وَكُلُّ ما لم يُؤْكَلْ فإذا بَلَغَ أَنْ يَصْلُحَ أَنْ يُنْزَعَ بِيعَ قال وَكُلُّ ما قُطِعَ من أَصْلِهِ مِثْلُ الْقَضْبِ فَهُوَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا جِزَّةً عِنْدَ صرامة وَكَذَلِكَ كُلُّ ما يُقْطَعُ من أَصْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ
____________________

(3/48)


إلَّا عِنْدَ قطعة لَا يُؤَخِّرُهُ عن ذلك وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضْبِ وَالْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ وَالْقَصْلِ وما أَشْبَهَهُ وَتَفْتِيحُ الْكُرْسُفِ أَنْ تَنْشَقَّ عنه قِشْرَتُهُ حتى يَظْهَرَ الْكُرْسُفُ وَلَا يَكُونُ له كِمَامٌ تَسْتُرُهُ وهو عِنْدِي يَدُلُّ على مَعْنَى تَرْكِ تَجْوِيزِ ما كان له كِمَامٌ تَسْتُرُهُ من الثَّمَرَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قُلْت لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقَضْبُ إلَّا عِنْدَ صرامة فصرامة بُدُوُّ صَلَاحِهِ قال فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُتْرَكُ الثَّمَرُ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قِيلَ الثَّمَرَةُ تُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَخْرُجُ منه شَيْءٌ من أَصْلِ شَجَرَتِهِ لم يَكُنْ خَرَجَ إنَّمَا يتزيد ( ( ( يتزايد ) ) ) في النُّضْجِ وَالْقَضْبُ إذَا تُرِكَ خَرَجَ منه شَيْءٌ يَتَمَيَّزُ من أَصْلِ شَجَرَتِهِ لم يَقَعْ عليه الْبَيْعُ ولم يَكُنْ ظَاهِرًا يُرَى وإذا حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الثَّمَرَةِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَهِيَ تُرَى كان بَيْعُ ما لم يُرَ ولم يَبْدُ صَلَاحُهُ أَحْرَمَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عليها أَنْ لَا يُرَى وَإِنْ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى قَضْبًا طُولُهُ ذِرَاعٌ أو أَكْثَرُ فَيَدْعُهُ فَيَطُولُ ذِرَاعًا مثله أو أَكْثَرَ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَخَذَ مِثْلَ ما اشْتَرَى مِمَّا لم يَخْرُجْ من الْأَرْضِ بَعْدُ وَمِمَّا إذَا خَرَجَ لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وإذا تُرِكَ كان لِلْمُشْتَرِي منه ما يَنْفَعُهُ وَلَيْسَ في الثَّمَرَةِ شَيْءٌ إذَا أُخِذَتْ غَضَّةً ( قال ) وإذا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ في الْقَضْبِ على ما وَصَفْنَا كان أَنْ يُبَاعَ الْقَضْبُ سَنَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو صِرْمَتَيْنِ أُبْطِلَ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ ما لم يُخْلَقْ وَمِثْلُ بَيْعِ جَنِينِ الْأَمَةِ وَبَيْعِ النَّخْلِ مُعَاوَمَةً وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه وَعَنْ أَنْ يَحُوزَ منه من الثَّمَرَةِ ثَمَرَةً قد رؤيت ( ( ( رئيت ) ) ) إذَا لم تَصِرْ إلَى أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ ( قال ) فَأَمَّا بَيْعُ الْخِرْبِزِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ فَلِلْخِرْبِزِ نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فإذا رؤى ذلك فيه جَازَ بَيْعُ خِرْبِزِهِ في تِلْكَ الْحَالِ وَأَمَّا الْقِثَّاءُ فَيُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أو عِظَمُ بَعْضِهِ ثُمَّ يُتْرَكُ حتى تَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ إنْ شَاءَ مُشْتَرِيهِ كما يُتْرَكُ الْخِرْبِزِ حتى تَنْضُجَ صِغَارُهُ إنْ شَاءَ مُشْتَرِيهِ وَيَأْخُذُهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كما يَأْخُذُ الرُّطَبَ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ من قال لَا يُبَاعُ الْخِرْبِزِ وَلَا الْقِثَّاءُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا وَيَجُوزُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا فَيَكُونَ لِصَاحِبِهِمَا ما يُنْبِتُ أَصْلَهُمَا يَأْخُذُ كُلَّ ما خَرَجَ مِنْهُمَا فَإِنْ دخلتهما ( ( ( دخلهما ) ) ) آفَةٌ بِشَيْءٍ يَبْلُغُ الثُّلُثَ وُضِعَ عن المشترى ( قال ) وَهَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من الْوُجُوهِ التي لم أَكُنْ أَحْسِبُ أَحَدًا يَغْلَطُ إلَى مِثْلِهَا وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَاهَةُ فَكَيْفَ لَا يَنْهَى عن بَيْعِ ما لم يُخْلَقْ قَطُّ وما تَأْتِي الْعَاهَةُ على شَجَرِهِ وَعَلَيْهِ في أَوَّلِ خُرُوجِهِ وَهَذَا مُحَرَّمٌ من مَوَاضِعَ من هذا وَمِنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَمِنْ بَيْعِ ما لم يَمْلِكْ وَتَضْمِينِ صَاحِبِهِ وَغَيْرِ وَجْهٍ فَكَيْفَ لَا يَحِلُّ مُبْتَدَأُ بَيْعِ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا كما لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وقد ظَهَرَا وَرُئِيَا وَيَحِلُّ بَيْعُ ما لم يُرَ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا يدري يَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ وَلَا إنْ كان كَيْفَ يَكُونُ وَلَا كَمْ يَنْبُتُ أَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ النَّخْلِ قد بدا صَلَاحُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ فَيَكُونُ له فَإِنْ كان لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ كل ثَمَرَةٍ وَبَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ وصلاحها ( ( ( صلاحها ) ) ) لم يَجُزْ في الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ إلَّا ذلك وَلَيْسَ حِمْلُ الْقِثَّاءِ مَرَّةً يُحِلُّ بَيْعَ حِمْلِهِ ثَانِيَةً ولم يَكُنْ حَمْلُهُ بَعْدُ وَلِحِمْلِ النَّخْلِ أَوْلَى أَنْ لَا يَخْلُفَ في الْمَوَاضِعِ التي لَا تَعْطَشُ وَأَقْرَبُ من حِمْلِ الْقِثَّاءِ الذي إنَّمَا أَصْلُهُ بَقْلَةٌ يَأْكُلُهَا الدُّودُ وَيُفْسِدُهَا السُّمُومُ وَالْبَرْدُ وَتَأْكُلُهَا الْمَاشِيَةُ وَيَخْتَلِفُ حِمْلُهَا وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ شِرَاءُ أَوْلَادِ الْغَنَمِ وَكُلِّ أُنْثَى وكان إذَا اشْتَرَى وَلَدَ شَاةٍ قد رَآهُ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَدَهَا ثَانِيَةً ولم يَرَهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ أو رَأَيْت إذَا جَنَى الْقِثَّاءَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَلْفَ قِثَّاءٍ وَثَانِيَةً خَمْسَمِائَةٍ وَثَالِثَةً أَلْفًا ثُمَّ انْقَطَعَ أَصْلُهُ كَيْفَ تُقَدَّرُ الْجَائِحَةُ فِيمَا لم يُخْلَقْ بَعْدُ أَعَلَى ثُلُثِ اجْتِنَائِهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ أو أَقَلَّ بِكَمْ أو أَكْثَرَ بِكَمْ أو رَأَيْت إذَا اخْتَلَفَ نَبَاتُهُ فكان يَنْبُتُ في بَلَدٍ أَكْثَرَ منه في بَلَدٍ وفي بَلَدٍ وَاحِدٍ مَرَّةً أَكْثَرَ منه في بَلَدٍ مِرَارًا كَيْفَ تُقَدَّرُ الْجَائِحَةُ فيه وَكَيْفَ إنْ جَعَلْنَا لِمَنْ اشْتَرَاهُ كَثِيرَ حِمْلِهِ مَرَّةً أَيَلْزَمُهُ قَلِيلُ حِمْلِهِ في أُخْرَى إنْ كان حِمْلُهُ يَخْتَلِفُ وقد يَدْخُلُهُ الْمَاءُ فَيَبْلُغُ حِمْلُهُ أَضْعَافَ ما كان قَبْلَهُ وَيُخْطِئُهُ
____________________

(3/49)


فَيَقِلَّ عَمَّا كان يُعْرَفُ وَيَتَبَايَنُ في حِمْلِهِ تَبَايُنًا بَعِيدًا قال في الْقِيَاسِ أَنْ يَلْزَمَهُ ما ظَهَرَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ قُلْت أَفَتَقُولُهُ قال نعم أقوله ( ( ( أقول ) ) ) قُلْت وَكَذَلِكَ تَقُولُ لو اشْتَرَيْت صَدَفًا فيه اللُّؤْلُؤُ بِدَنَانِيرَ فَإِنْ وَجَدْت فيه لولؤة فَهِيَ لَك وَإِنْ لم تَجِدْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ قال نعم هَكَذَا أَقُولُ في كل مَخْلُوقٍ إذَا اشْتَرَيْت ظَاهِرَهُ على ما خُلِقَ فيه وَإِنْ لم يَكُنْ فيه فَلَا شَيْءَ لي قُلْت وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ هذا السُّنْبُلَ في التِّبْنِ حَصِيدًا قال نعم وَالسُّنْبُلُ حَيْثُ كان قُلْت وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى منه بَيْضًا ورانجا ( ( ( ورائجا ) ) ) اشْتَرَى ذلك بِمَا فيه فَإِنْ كان فَاسِدًا أو جَيِّدًا فَهُوَ له قال لَا أَقُولُهُ قُلْت إذًا تَتْرُكُ أَصْلَ قَوْلِك قال فَإِنْ قُلْت أجعل له الْخِيَارَ في السُّنْبُلِ من الْعَيْبِ قال قُلْت وَالْعَيْبُ يَكُونُ فِيمَا وَصَفْت قَبْلَهُ وَفِيهِ ( قال ) فَإِنْ قُلْت أَجْعَلُ له الْخِيَارَ قُلْت فَإِذًا يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَى السُّنْبُلَ أَبَدًا الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فيه خِفَّةَ الْحِمْلِ من كَثْرَتِهِ وَلَا يَصِلُ إلَى ذلك إلَّا بِمُؤْنَةٍ لها إجَارَةٌ فَإِنْ كانت الْإِجَارَةُ على كانت على في بَيْعِ لم يُوفِنِيهِ وَإِنْ كانت على صَاحِبِي كانت عليه ولى الْخِيَارُ إذَا رَأَيْت الْخِفَّةَ في أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنِّي ابْتَعْت ما لم أَرَ وَلَا يَجُوزُ له أَبَدًا بَيْعُهُ في سُنْبُلِهِ كما وَصَفْت ( قال ) فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ مِمَّنْ وَافَقَهُ قد غَلِطْت في هذا وَقَوْلُك في هذا خَطَأٌ قال وَمِنْ أَيْنَ قال أَرَأَيْت من اشْتَرَى السُّنْبُلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَتَرَاهُ أَرَادَ كِمَامَهُ التي لَا تَسْوَى دِينَارًا كُلُّهَا قال فَنَقُولُ اراد مَاذَا قال أَقُولُ أَرَادَ الْحَبَّ قال فَنَقُولُ لَك أَرَادَ مُغَيَّبًا قال نعم قال فَنَقُولُ لَك أَفَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ قال نعم قال فَنَقُولُ لَك فَعَلَى من حَصَادُهُ وَدِرَاسُهُ قال على الْمُشْتَرِي قال فَنَقُولُ لَك فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ أَيَرْجِعُ بِشَيْءٍ من الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ قال لَا وَلَهُ رَدُّهُ من عَيْبٍ وَغَيْرِ عَيْبٍ قال فَنَقُولُ لَك فَإِنْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ تُهْلِكُهُ قبل يَحْصُدَهُ قال فَيَكُونُ من الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ جُزَافٌ مَتَى شَاءَ أَخَذَهُ كما يُبْتَاعُ الطَّعَامُ جُزَافًا فَإِنْ خَلَّاهُ وَإِيَّاهُ فَهَلَكَ كان منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَرَاك حَكَمْت بِأَنَّ لِمُبْتَاعِهِ الْخِيَارَ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا ابْتَاعَ بَزًّا في عَدْلٍ لم يَرَهُ وَجَارِيَةً في بَيْتٍ لم يَرَهَا أَرَأَيْت لو احْتَرَقَ الْعَدْلُ أو مَاتَتْ الْجَارِيَةُ وقد خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَيَكُونُ عليه الثَّمَنُ أو الْقِيمَةُ قال فَلَا أقوله ( ( ( أقول ) ) ) وَأَرْجِعُ فَأَزْعُمُ أَنَّهُ من الْبَائِعِ حتى يَرَاهُ الْمُشْتَرِي وَيَرْضَاهُ قال فَقُلْت له فَعَلَى من مُؤْنَتُهُ حتى يَرَاهُ المشتري قال إن قلت على الْمُشْتَرِي قُلْت أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى مُغَيَّبًا أَلَيْسَ عليه عِنْدَك أَنْ يُظْهِرَهُ قال بَلَى قُلْت أَفَهَذَا عَدْلٌ مُغَيَّبٌ قال فَإِنْ قُلْته قُلْت أَفَتَجْعَلُ ما لَا مُؤْنَةَ فيه من قَمْحٍ في غِرَارَةٍ أو بزفى عَدْلٍ وَإِحْضَارِ عَبْدٍ غَائِبٍ كَمِثْلِ ما فيه مُؤْنَةُ الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ قال لِعَلَيَّ أَقُولُهُ قُلْت فَاجْعَلْهُ كَهُوَ قال غَيْرُهُ منهم ليس كَهُوَ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ بِالْأَثَرِ قُلْت وما الْأَثَرُ قال يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت أَيَثْبُتُ قال لَا وَلَيْسَ فِيمَا لم يَثْبُتْ حُجَّةٌ قال وَلَكِنَّا نُثْبِتُهُ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قُلْنَا وهو عن أَنَسِ بن مَالِكٍ ليس كما تُرِيدُ وَلَوْ كان ثَابِتًا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ الْمُغَيَّبَةِ يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا رَآهَا قال وَكُلُّ ثَمَرَةٍ كانت يَنْبُتُ منها الشَّيْءُ فَلَا يجني حتى يَنْبُتَ منها شَيْءٌ آخَرُ قبل أَنْ يُؤْتَى على الْأَوَّلِ لم يَجُزْ بَيْعُهَا أَبَدًا إذَا لم يَتَمَيَّزْ من النَّبَاتِ الْأَوَّلِ الذي وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ بِأَنْ يُؤْخَذَ قبل أَنْ يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ دُونَهَا حَائِلٌ من قِشْرٍ أو كِمَامٍ وَكَانَتْ إذَا صَارَتْ إلَى مَالِكِيهَا أَخْرَجُوهَا من قشرها ( ( ( قشرتها ) ) ) وَكِمَامِهَا بِلَا فَسَادٍ عليها إذَا أَخْرَجُوهَا فَاَلَّذِي أختار فيها أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا في شَجَرِهَا وَلَا موضوعة لِلْحَائِلِ دُونَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما حُجَّةُ من أَبْطَلَ الْبَيْعَ فيه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ فيه أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ لَحْمَ شَاةٍ وَإِنْ ذُبِحَتْ إذَا كان عليها جِلْدُهَا من قَبْلِ ما تَغِيبُ منه وتغييب ( ( ( وتغيب ) ) ) الْكِمَامُ الْحَبَّ الْمُتَفَرِّقَ الذي بَيْنَهُ حَائِلٌ من حَبِّ الْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالدُّخْنِ وَكُلِّ ما كان في قَرْنٍ منه حَبٌّ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ حَائِلٌ من الْحَبِّ أَكْثَرَ من تَغْيِيبِ الْجِلْدِ اللحم ( ( ( للحم ) ) ) وَذَلِكَ
____________________

(3/50)


أَنَّ تعييب ( ( ( تغيب ) ) ) الْجِلْدِ اللحم ( ( ( للحم ) ) ) إنَّمَا يَجِيءُ عن بَعْضِ عَجَفِهِ وقد يَكُونُ لِلشَّاةِ مِجَسَّةٌ تَدُلُّ على سَمَانَتِهَا وَعَجَفِهَا وَلَكِنَّهَا مِجَسَّةٌ لَا عِيَانَ وَلَا مِجَسَّةَ لِلْحَبِّ في أَكْمَامِهِ تَدُلُّ على امْتِلَائِهِ وَضَمْرِهِ وَذَلِكَ فيه كَالسَّمَانَةِ وَالْعَجَفِ وَلَا على عَيْنِهِ بِالسَّوَادِ وَالصُّفْرَةِ في أَكْمَامِهِ وَهَذَا قد يَكُونُ في الْحَبِّ وَلَا يَكُونُ هذا في لَحْمِ الشَّاةِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ التي فيها حَائِلَةٌ دُونَ تَغَيُّرِ اللَّحْمِ بِمَا يُحِيلُهُ كما تُحَوَّلُ الْحَبَّةُ عن الْبَيَاضِ إلَى السَّوَادِ بِآفَةٍ في كِمَامِهَا وقد يَكُونُ الْكِمَامُ يَحْمِلُ الْكَثِيرَ من الْحَبِّ وَالْقَلِيلَ وَيَكُونُ في الْبَيْتِ من بُيُوتِ الْقَرْنِ الْحَبَّةُ وَلَا حَبَّةَ في الْآخَرِ الذي يَلِيهِ وَهُمَا يَرَيَانِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَمُخْتَلِفُ حَبِّهِ بِالضَّمْرَةِ وَالِامْتِلَاءِ وَالتَّغَيُّرِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ قد تَبَايَعَا بِمَا لَا يَعْرِفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَجِدْ من أَمْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَأْخُذُوا عُشْرَ الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا وَلَا عُشْرَ الْحُبُوبِ ذَوَاتِ الْأَكْمَامِ في أَكْمَامِهَا ولم أَجِدْهُمْ يُجِيزُونَ أَنْ يَتَبَايَعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا لِاخْتِلَافِ الْأَكْمَامِ وَالْحَبِّ فيها فإذا امْتَنَعُوا من أَخْذِ عُشْرِهَا في أَكْمَامِهَا وَإِنَّمَا الْعُشْرُ مُقَاسَمَةٌ عَمَّنْ جَعَلَ له الْعُشْرَ وَحَقَّ صَاحِبِ الزَّرْعِ بهذا الْمَعْنَى وَامْتَنَعُوا من قِسْمَتِهَا بين أَهْلِهَا في سُنْبُلِهَا أَشْبَهَ أَنْ يَمْتَنِعُوا بِهِ في الْبَيْعِ ولم أَجِدْهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمِسْكِ في أَوْعِيَتِهِ وَلَا بَيْعَ الْحَبِّ في الْجُرُبِ وَالْغَرَائِرِ وَلَا جَعَلُوا لِصَاحِبِهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ولم يُرَ الْحَبُّ وَلَوْ أَجَازُوهُ جُزَافًا فَالْغَرَائِرُ لَا تَحُولُ دُونَهُ كَمِثْلِ ما يَحُولُ دُونَهُ أَكْمَامُهُ وَيَجْعَلُونَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ الْخِيَارَ إذَا رَآهُ وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْحَبِّ في أَكْمَامِهِ لم يَجْعَلْ له الْخِيَارَ إلَّا من عَيْبٍ ولم أَرَهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْحِنْطَةِ في التِّبْنِ مَحْصُودَةً وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَهَا قَائِمَةً انْبَغَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَهَا في التِّبْنِ مَحْصُودَةً وَمَدْرُوسَةً وَغَيْرَ مُنَقَّاةٍ وَانْبَغَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ حِنْطَةٍ وَتِبْنٍ في غِرَارَةٍ فَإِنْ قال لَا تَتَمَيَّزُ الْحِنْطَةُ فَتُعْرَفُ من التِّبْنِ فَكَذَلِكَ لَا تَتَمَيَّزُ قَائِمَةً فَتُعْرَفُ في سُنْبُلِهَا فَإِنْ قال فَأُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا وَزَرْعِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحِنْطَةَ وَتِبْنَهَا وَسُنْبُلَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُجِزْ بَيْعَ حِنْطَةٍ في تِبْنِهَا وَحِنْطَةٍ في تُرَابٍ وَأَشْبَاهَ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ زَكَاةَ حِمْلِ النَّخْلِ بِخَرْصٍ لِظُهُورِهِ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ ولم أَحْفَظْ عنه وَلَا عن أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ شيئا من الْحُبُوبِ تُؤْخَذُ زَكَاتُهُ بِخَرْصٍ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ رَطْبًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكْ عِلْمُهُ كما يُدْرَكُ عِلْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ مع أَشْيَاءَ شَبِيهَةٍ بهذا ( قال ) وَبَيْعُ التَّمْرِ فيه النَّوَى جَائِزٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمُشْتَرَى الْمَأْكُولَ من التَّمْرِ ظَاهِرٌ وَأَنَّ النَّوَاةَ تَنْفَعُ وَلَيْسَ من شَأْنِ أَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ النَّوَى من التَّمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَةَ إذَا جُنِيَتْ مَنْزُوعَةَ النَّوَى تَغَيَّرَتْ بِالسَّنَاخِ وَالضَّمْرِ فَفَتَحَتْ فَتْحًا يُنْقِصُ لَوْنَهَا وَأَسْرَعَ إلَيْهَا الْفَسَادُ وَلَا يُشْبِهُ الْجَوْزَ وَالرُّطَبَ من الْفَاكِهَةِ الْمُيَبَّسَةِ وَذَلِكَ أنها إذَا رُفِعَتْ في قُشُورِهَا فَفِيهَا رُطُوبَتَانِ رُطُوبَةُ النَّبَاتِ التي تَكُونُ قبل الْبُلُوغِ وَرُطُوبَةٌ لَا تُزَايِلُهَا من لِينِ الطِّبَاعِ لَا يُمْسِكُ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ عليها إلَّا قُشُورُهَا فإذا زَايَلَتْهَا قُشُورُهَا دَخَلَهَا الْيُبْسُ وَالْفَسَادُ بِالطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَقِلَّةِ الْبَقَاءِ وَلَيْسَ تُطْرَحُ تِلْكَ الْقُشُورُ عنها إلَّا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْأَكْلِ وَإِخْرَاجِ الدُّهْنِ وَتَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ ولم أَجِدْهَا كَالْبَيْضِ الذي إنْ طُرِحَتْ قِشْرَتُهُ ذَهَبَ وَفَسَدَ وَلَا إنْ طُرِحَتْ وَهِيَ مُنْضَجٌ لم تَفْسُدْ وَالنَّاسُ إنَّمَا يَرْفَعُونَ هذا لِأَنْفُسِهِمْ في قِشْرِهِ وَالتَّمْرُ فيه نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَهُ وَلَيْسَ يَرْفَعُونَ الْحِنْطَةَ وَالْحُبُوبَ في أَكْمَامِهَا وَلَا كَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَهُ في أَسْوَاقِهِمْ وَلَا قُرَاهُمْ وَلَيْسَ بِفَسَادٍ على الْحُبُوبِ طَرْحُ قُشُورِهَا عنها كما يَكُونُ فَسَادًا على التَّمْرِ إخْرَاجُ نَوَاهُ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وما أَشْبَهَهُ يُسْرِعُ تَغَيُّرُهُ وَفَسَادُهُ إذَا ألقى ذلك عنه وَادُّخِرَ وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ قِشْرَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ التي يَرْفَعُهَا الناس عليه وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا وَيَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ التي إنَّمَا يُرْفَعُ وَهِيَ عليه لِأَنَّهُ يَصْلُحُ بِغَيْرِ الْعُلْيَا وَلَا يَصْلُحُ بِدُونِ السُّفْلَى وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَكُلُّ ما كانت عليه قِشْرَتَانِ وقد قال غَيْرِي يَجُوزُ بَيْعُ كل شَيْءٍ من هذا إذَا يَبِسَ في سُنْبُلِهِ وَيُرْوَى فيه عن بن سِيرِينَ
____________________

(3/51)


أَنَّهُ أَجَازَهُ وَرَوَى فيه شيئا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَمَّنْ هو أَعْلَى من بن سِيرِينَ وَلَوْ ثَبَتَ اتَّبَعْنَاهُ وَلَكِنَّا لم نَعْرِفْهُ ثَبَتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ولم يَجُزْ في الْقِيَاسِ إلَّا إبْطَالُهُ كُلُّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَكُلِّ ذِي قِشْرَةٍ يَدَّخِرُهُ الناس بِقِشْرَتِهِ مِمَّا إذَا طُرِحَتْ عنه الْقِشْرَةُ ذَهَبَتْ رُطُوبَتُهُ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَيُسْرِعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ مِثْلُ الْبَيْضِ وَالْمَوْزِ في قُشُورِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرْقُ بين ما أَجْزَتْ في قُشُورِهِ وما لم تُجِزْ منه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ هذا لَا صَلَاحَ له مَدْخُورًا إلَّا بقشره وَلَوْ طُرِحَتْ عنه قِشْرَتُهُ لم يَصْلُحْ أَنْ يُدَّخَرَ وَإِنَّمَا يَطْرَحَ الناس عنه قِشْرَتَهُ عِنْدَمَا يُرِيدُونَ أَكْلَهُ أو عَصْرَ ما عُصِرَ منه وَلَيْسَتْ تُجْمَعُ قِشْرَتُهُ إلَّا وَاحِدَةً منه أو تَوْأَمًا لِوَاحِدٍ وَأَنَّ ما على الْحَبِّ من الْأَكْمَامِ يُجْمَعُ الْحَبُّ الْكَثِيرُ تَكُونُ الْحَبَّةُ وَالْحَبَّتَانِ منها في كِمَامٍ غَيْرِ كِمَامِ صَاحِبَتِهَا فَتَكُونُ الْكِمَامُ منها تُرَى وَلَا حَبَّ فيها وَالْأُخْرَى تُرَى وَفِيهَا الْحَبُّ ثُمَّ يَكُونُ مُخْتَلِفًا أو يُدَقُّ عن أَنْ يَكُونَ تُضْبَطُ مَعْرِفَتُهُ كما تُضْبَطُ مَعْرِفَةُ الْبَيْضَةِ التي تَكُونُ مِلْءَ قِشْرَتِهَا وَالْجَوْزَةُ التي تَكُونُ مِلْءَ قِشْرَتِهَا وَاللَّوْزَةُ التي قَلَّمَا تَفْصُلُ من قِشْرَتِهَا لِامْتِلَائِهَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فَسَادُهُ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ أو بِأَنْ يَكُونَ لَا شَيْءَ فيه وإذا كان هَكَذَا رَدَّ مُشْتَرِيهِ بِمَا كان فَاسِدًا منه على بَيْعِهِ وكان ما فَسَدَ منه يُضْبَطُ وَالْحِنْطَةُ قد تَفْسُدُ بِمَا وَصَفْت وَيَكُونُ لها فَسَادٌ بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَحْشِفَةً وَلَوْ قُلْت أَرُدُّهُ بهذا لم أَضْبِطْهُ ولم أَخْلُصْ بَعْضَ الْحِنْطَةِ من بَعْضٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مُخْتَلِطَةً وَلَيْسَ من هذا وَاحِدٌ يُعْرَفُ فَسَادُهُ إلَّا وَحْدَهُ فَيَرُدُّ مَكَانَهُ وَلَا يُعْرَفُ فَسَادُ حَبِّ الْحِنْطَةِ إلَّا مختلطا ( ( ( مختلفا ) ) ) وإذا اخْتَلَطَ خَفِيَ عَلَيْك كَثِيرٌ من الْحَبِّ الْفَاسِدِ فَأَجَزْت عليه بَيْعَ ما لم يَرَ وما يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت
____________________

(3/52)


- * بَابُ الْخِلَافُ في بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا في بَيْعِ الْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا وما كان في مَعْنَاهَا بَعْضُ الناس واجتمعوا ( ( ( اجتمعوا ) ) ) على إجَازَتِهَا وَتَفَرَّقُوا في الْحُبُوبِ في بَعْضِ ما سَأَلْنَاهُمْ عنه من الْعِلَّةِ في إجَازَتِهَا فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَتُجِيزُهَا على ما أَجَزْت عليه بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْقَائِمَةِ على الْمَوْضِعِ الذي اشْتَرَيْتهَا فيه أو حَاضِرَةَ ذلك الْمَوْضِعِ غَائِبَةً عن نَظَرِ المشترى بِغِرَارَةٍ أو جِرَابٍ أو وِعَاءٍ ما كان أو طَبَقٍ قال لَا وَذَلِكَ أَنِّي لو أَجَزْتهَا لِذَلِكَ الْمَعْنَى جَعَلْت له الْخِيَارَ إذَا رَآهَا قُلْت فَبِأَيِّ مَعْنًى أَجَزْتهَا قال بِأَنَّهُ مَلَكَ السُّنْبُلَةَ فَلَهُ ما كان مَخْلُوقًا فيها إنْ كان فيها خَلْقٌ ما كان الْخَلْقُ وَبِأَيِّ حَالٍ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ كما يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ فَيَكُونُ له وَلَدَانِ كان فيها وَكَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ أو لم تَكُنْ أو كان نَاقِصًا أو مَعِيبًا لم أَرُدَّهُ بِشَيْءٍ ولم أَجْعَلْ له خِيَارًا فَقُلْت له أَمَّا ذَوَاتُ الْأَوْلَادِ فَمَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ قَصْدَ أَبْدَانِهِنَّ يُشْتَرَيْنَ لِلْمَنَافِعِ بِهِنَّ وما وَصَفْت في أَوْلَادِهِنَّ كما وَصَفْت في ( ( ( وفي ) ) ) الشَّجَرِ كما وَصَفْت أَفِي السُّنْبُلَةِ شَيْءٌ يُشْتَرَى غَيْرُ الْمَغِيبِ فَيَكُونُ الْمَغِيبُ لَا حُكْمَ له كَالْوَلَدِ وَذَاتِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ في الشَّجَرَةِ ام لَا قال وما تَعْنِي بهذا قُلْت أَرَأَيْت إذَا اشْتَرَيْت ذَاتَ وَلَدٍ أَلَيْسَ إنَّمَا تَقَعُ الصَّفْقَةُ عليها دُونَ وَلَدِهَا فَكَذَلِكَ ذَاتُ حِمْلٍ من الشَّجَرِ فَإِنْ أَثْمَرَتْ أو وَلَدَتْ الْأَمَةُ كان لَك بِأَنَّهُ لَا حُكْمَ له إلَّا حُكْمَ أُمِّهِ وَلَا لِلثَّمَرِ إلَّا حُكْمُ شجرة وَلَا حِصَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا من الثَّمَنِ وَإِنْ لم يَكُونَا لم يَنْقُصْ الثَّمَنُ وَإِنْ كان مُثْمِرًا كَثِيرًا وَسَالِمًا أو لم يَكُنْ أو مَعِيبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَفَهَكَذَا الْحِنْطَةُ عِنْدَك في أَكْمَامِهَا قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فما المبيع ( ( ( البيع ) ) ) قال فَإِنْ قُلْت ما تَرَى قُلْت فَإِنْ لم أَجِدْ فِيمَا أَرَى شيئا قال يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ يَلْزَمُهُ كَالْجَارِيَةِ إذَا لم يَكُنْ في بَطْنِهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ كَهِيَ لِأَنَّ المشتري الْأَمَةُ لاحملها والمشتري الْحَبُّ لاكمامه فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ هُنَا وَمُخَالِفٌ لِلْجَوْزِ وما أَشْبَهَهُ لِأَنَّ ادِّخَارَ الْحَبِّ بَعْدَ خُرُوجِهِ من أَكْمَامِهِ وَادِّخَارِ اللَّوْزِ وَشَبَهِهِ بِقِشْرِهِ فَهَذَا يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت وَلَيْسَ يُقَاسُ بِشَيْءٍ من هذا وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا الْأَثَرَ قُلْت لو صَحَّ لَكُنَّا أَتْبَعَ له - * بَابُ بَيْعِ الْعَرَايَا - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَعَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ قال عبد اللَّهِ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بن ثَابِتٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ في الْعَرَايَا أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن إسْمَاعِيلَ الشَّيْبَانِيِّ أو غَيْرُهُ قال بِعْتُ ما في رؤوس نخلى بِمِائَةِ وَسْقٍ إنْ زَادَ فَلَهُمْ وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِمْ فَسَأَلْت بن عُمَرَ فقال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن هذا إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ
____________________

(3/53)


مولى بن أبي احمد عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَكَّ دَاوُد قال خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أو دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ لِمَحْمُودِ بن لَبِيدٍ أو قال مَحْمُودُ بن لَبِيدٍ لِرَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إمَّا زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ ما عَرَايَاكُمْ هذه قال فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ من الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يأنى ( ( ( يأتي ) ) ) وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مع الناس وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ من قُوتِهِمْ من التَّمْرِ فَرَخَّصَ لهم أَنْ يَتَبَايَعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ الذي في أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا ( قال ) وَحَدِيثُ سُفْيَانَ يَدُلُّ على مِثْلِ هذا الحديث ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ قال سَمِعْت سَهْلَ بن أبي حَثْمَةَ يقول نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم عن بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ في الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ في الْعَرَايَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأَحَادِيثُ قَبْلَهُ تَدُلُّ عليه إذَا كانت الْعَرَايَا دَاخِلَةً في بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وهو مَنْهِيٌّ عنه في الْمُزَابَنَةِ وَخَارِجَةً من أَنْ يُبَاعَ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِالْكَيْلِ فَكَانَتْ دَاخِلَةً في مَعَانٍ مَنْهِيٍّ عنها كُلِّهَا خَارِجَةً منه مُنْفَرِدَةً بِخِلَافِ حُكْمِهِ إمَّا بِأَنْ لم يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ قَصْدَهَا وَإِمَّا بِأَنْ أَرْخَصَ فيها من جُمْلَةِ ما نهى عنه وَالْمَعْقُولُ فيها أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لِمَنْ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَبْتَاعَ بِتَمْرٍ من النَّخْلِ ما يَسْتَجْنِيهِ رُطَبًا كما يَبْتَاعُهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَيَدْخُلُ في مَعْنَى الْحَلَالِ أو يُزَايِلُ مَعْنَى الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا خَبَرٌ أَنَّ مُبْتَاعَ الْعَرِيَّةِ يَبْتَاعُهَا لِيَأْكُلَهَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا رُطَبَ له في مَوْضِعِهَا يَأْكُلُهُ غَيْرُهَا وَلَوْ كان صَاحِبُ الْحَائِطِ هو الْمُرَخِّصُ له أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ لِيَأْكُلَهَا كان له حَائِطُهُ مَعَهَا أَكْثَرَ من الْعَرَايَا فَأَكَلَ من حَائِطِهِ ولم يَكُنْ عليه ضَرَرٌ إلَى أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ التي هِيَ دَاخِلَةٌ في مَعْنَى ما وَصَفْت من النَّهْيِ ( قال ) وَلَا يَبْتَاعُ الذي يَشْتَرِي الْعَرِيَّةَ بِالتَّمْرِ الْعَرِيَّةَ إلَّا بِأَنْ تُخْرَصَ الْعَرِيَّةُ كما تُخْرَصُ لِلْعُشْرِ فَيُقَالُ فيها الْآنَ وَهِيَ رُطَبُ كَذَا وإذا تَيْبَسُ كان كَذَا وَيَدْفَعُ من التَّمْرِ مَكِيلَةَ حِرْزِهَا تَمْرًا يُؤَدِّي ذلك إلَيْهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل دَفْعِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَمْرٌ بِتَمْرٍ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ وَهَذَا مُحَرَّمٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِجْمَاعِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ ( قال ) وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا إلَّا في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو دُونَهَا دَلَالَةٌ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ فيها لِمَنْ لَا تَحِلُّ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لو كان كَالْبُيُوعِ غَيْرُهُ كان بَيْعُ خَمْسَةٍ وَدُونَهَا وَأَكْثَرَ منها سَوَاءً وَلَكِنَّهُ أَرْخَصَ له فيه بِمَا يَكُونُ مَأْكُولًا على التَّوَسُّعِ له وَلِعِيَالِهِ وَمَنْعُ ما هو أَكْثَرُ منه وَلَوْ كان صَاحِبُ الْحَائِطِ الْمُرَخِّصُ له خَاصَّةً لَأَذَى الدَّاخِلَ عليه الذي أَعْرَاهُ وكان إنَّمَا أَرْخَصَ له لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى كان أَذَى الدَّاخِلِ عليه في أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِثْلَ أو أَكْثَرَ من أَذَاهُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فإذا حَظَرَ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَزِمَهُ الْأَذَى إذَا كان قد أَعْرَى أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ( قال ) فَمَعْنَى السُّنَّةِ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن أَكْثَرَ من لَقِيت مِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا أنها جَائِزَةٌ لِمَنْ ابْتَاعَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ له في مَوْضِعِهَا مِثْلُهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيها حتى يَقْبِضَ النَّخْلَةَ بِثَمَرِهَا وَيَقْبِضَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ التَّمْرَ بِكَيْلِهِ ( قال ) وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجُزَافٍ من التَّمْرِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَا يَجُوزُ في بَعْضِهِ بِبَعْضِ الْجُزَافِ وإذا بِيعَتْ الْعَرِيَّةُ بِشَيْءٍ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ غَيْرِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حتى يَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وهو حِينَئِذٍ مِثْلُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْعَرِيَّةِ من الْعَرَايَا إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أو دُونَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ دُونَهَا لِأَنَّهُ ليس في النَّفْسِ منه شَيْءٌ ( قال ) وإذا ابْتَاعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ ولم أُقَسِّطْ له وَإِنْ ابْتَاعَ أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
____________________

(3/54)


فُسِخَتْ الْعُقْدَةُ كُلُّهَا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ على ما يَجُوزُ وما لَا يَجُوزُ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْحَائِطِ من غَيْرِ وَاحِدٍ عَرَايَا كُلِّهِمْ يَبْتَاعُونَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم لم يَحْرُمْ على الِافْتِرَاقِ لِلتَّرْخِيصِ له أَنْ يَبْتَاعَ هذه الْمَكِيلَةَ وإذا حَلَّ ذلك لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم لم يَحْرُمْ على رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وكان حَلَالًا لِمَنْ أبتاعه وَلَوْ أتى ذلك على جَمِيعِ حَائِطِهِ ( قال ) وَالْعَرَايَا من الْعِنَبِ كهى من التَّمْرِ لَا يَخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُمَا يُخْرَصَانِ مَعًا ( قال ) وَكُلُّ ثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ من أَصْلٍ ثَابِتٍ مِثْلِ الْفِرْسِكِ وَالْمِشْمِشِ وَالْكُمَّثْرَى والأجاص وَنَحْوِ ذلك مُخَالِفَةً لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهَا لَا تُخْرَصُ لِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا وَالْحَائِلِ من الْوَرَقِ دُونَهَا وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا تَجُوزَ بِمَا وَصَفْت وَلَوْ قال رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لم تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ منها فِيمَا حَرُمَ من غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كان مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) فإذا بِيعَتْ الْعَرَايَا بِمَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ لم يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَتَقَابَضَا وَالْمَعْدُودُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَمَوْزُونٌ يَحِلُّ وَزْنُهُ أو كَيْلُهُ وَمَوْجُودٌ من يَزِنُهُ وَيَكِيلُهُ وإذا بِيعَتْ بِعَرَضٍ من الْعُرُوضِ مَوْصُوفٍ بِمِثْلِ ثَوْبٍ من جِنْسٍ يُذْرَعُ وَخَشَبَةٍ من جِنْسٍ يُذْرَعُ وَحَدِيدٍ مَوْصُوفٍ يُوزَنُ وَصُفْرٍ وَكُلِّ ما عَدَا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ مِمَّا تَقَعُ عليه الصَّفْقَةُ من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو حَيَوَانٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَرِيَّةَ وسمي أَجَلًا لِلثَّمَنِ كان حَلَالًا وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فيها كَهُوَ في طَعَامٍ مَوْضُوعٍ اُبْتِيعَ بِعَرَضٍ وَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الْعَرَضَ إمَّا كان حَالًّا فَكَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْضُهُ من بَيْعِهِ مَتَى شَاءَ وَإِمَّا كان إلَى أَجَلٍ فَكَانَ له قَبْضُهُ منه عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْأَجَلِ ( قال ) وَلَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ جُزَافًا لِاتِّبَاعِ عَرِيَّةِ النَّخْلِ بِتَمْرِهِ جُزَافًا وَلَا بِتَمْرِ نَخْلَةٍ مِثْلِهَا وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّ هذا مُحَرَّمٌ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ إلَّا الْعَرَايَا خَاصَّةً لِأَنَّ الْخَرْصَ فيها يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُبَاعُ تَمْرُ نَخْلَةٍ جُزَافًا بِثَمَرِ عِنَبَةٍ وَشَجَرَةٍ غَيْرِهَا جُزَافًا لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِ هذا على بَعْضٍ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إذ أَحَلَّهَا فلم يَسْتَثْنِ فيها أنها تَحِلُّ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ وَإِنْ كان سَبَبُهَا بِمَا وَصَفْت فَالْخَبَرُ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم جاء بِإِطْلَاقِ إحْلَالِهَا ولم يَحْظُرْهُ على أَحَدٍ فَنَقُولُ يَحِلُّ لَك وَلِمَنْ كان مِثْلَك كما قال في الضَّحِيَّةِ بِالْجَذَعَةِ تُجْزِيك وَلَا تُجْزِي غَيْرَك وَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل الْمَيْتَةَ فلم يُرَخِّصْ فيها إلَّا لِلْمُضْطَرِّ وَهِيَ بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ أَشْبَهَ إذْ مَسَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُسَافِرًا فلم يَحْرُمْ على مُقِيمٍ أَنْ يَمْسَحَ وَكَثِيرٌ من الْفَرَائِضِ قد نَزَلَتْ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ فَكَانَ لهم وَلِلنَّاسِ عَامَّةً إلَّا ما بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ أُحِلَّ لِمَعْنَى ضَرُورَةٍ أو خَاصَّةٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَرِيَّةً أَنْ يَطْعَمَ منها وَيَبِيعَ لِأَنَّهُ قد مَلَكَ ثَمَرَتَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا في الْمَوْضِعِ من له حَائِطٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمُوَافَقَةِ ثَمَرَتِهَا أو فَضْلِهَا أو قُرْبِهَا لِأَنَّ الْإِحْلَالَ عَامٌّ لَا خَاصٌّ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِخَبَرٍ لَازِمٍ ( قال ) وَإِنْ حَلَّ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ شِرَاؤُهَا حَلَّ له هِبَتُهَا وَإِطْعَامُهَا وَبَيْعُهَا وَادِّخَارُهَا وما يَحِلُّ له من الْمَالِ في مَالِهِ وَذَلِكَ انك إذَا مَلَكْت حَلَالًا حَلَّ لَك هذا كُلُّهُ فيه وَأَنْتَ مَلَكْت الْعَرِيَّةَ حَلَالًا ( قال ) وَالْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ هذا الذي وَصَفْنَا أَحَدُهَا وَجِمَاعُ الْعَرَايَا كُلُّ ما أُفْرِدَ لِيَأْكُلَهُ خَاصَّةً ولم يَكُنْ في جُمْلَةِ الْبَيْعِ من ثَمَرِ الْحَائِطِ إذَا بِيعَتْ جُمْلَتُهُ من وَاحِدٍ وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَنْ يَخُصَّ رَبُّ الْحَائِطِ الْقَوْمَ فيعطى الرَّجُلَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَثَمَرَ النَّخْلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ عَرِيَّةً يَأْكُلُهَا وَهَذِهِ في مَعْنَى الْمِنْحَةِ من الْغَنَمِ يَمْنَحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الشَّاةَ أو الشَّاتَيْنِ أو أَكْثَرَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا وَيُتْمِرَهُ وَيَصْنَعَ فيه ما يَصْنَعُ في مَالِهِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ ( قال ) وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ من الْعَرَايَا أَنْ يعرى الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ وَأَكْثَرَ من حَائِطِهِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَيُهْدِيَهُ وَيُتْمِرَهُ وَيَفْعَلَ فيه ما أَحَبَّ وَيَبِيعَ ما بَقِيَ من ثَمَرِ حَائِطِهِ فَتَكُونُ هذه مُفْرَدَةً من الْمَبِيعِ منه جُمْلَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد روى أَنَّ
____________________

(3/55)


مُصَّدِّقَ الْحَائِطِ يَأْمُرُ الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ من حَائِطِهِمْ قَدْرَ ما يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُصُهُ لِيَأْخُذَ زَكَاتَهُ وَقِيلَ قِيَاسًا على ذلك أَنَّهُ يَدَعُ ما أَعْرَى لِلْمَسَاكِينِ منها فَلَا يَخْرُصُهُ وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِتَفْسِيرِهِ في كِتَابِ الْخَرْصِ - * بَابُ الْعَرِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَرِيَّةُ التي رَخَّصَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَيْعِهَا أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ما يَشْتَرُونَ بِهِ من ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَعِنْدَهُمْ فُضُولُ تَمْرٍ من قُوتِ سَنَتِهِمْ فَرَخَّصَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَشْتَرُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا وَلَا تَشْتَرِي بِخَرْصِهَا إلَّا كما سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُخْرَصَ رُطَبًا فَيُقَالُ مَكِيلَتُهُ كَذَا وَيَنْقُصُ كَذَا إذَا صَارَ تَمْرًا فَيَشْتَرِيهَا الْمُشْتَرِي لها بِمِثْلِ كَيْلِ ذلك التَّمْرِ وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَشْتَرِي من الْعَرَايَا إلَّا أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِشَيْءٍ ما كان فإذا كان أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ في شِرَاءِ الْعَرَايَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نهى عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْعَرَايَا تَدْخُلُ في جُمْلَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا جُزَافٌ بِكَيْلٍ وَتَمْرٌ بِرُطَبٍ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الْعَرَايَا لَيْسَتْ مِمَّا نهى عنه غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ وَلَكِنْ كان كَلَامُهُ فيها جُمْلَةً عَامَّ الْمَخْرَجِ يُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ وَكَمَا نهى عن صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وكان عَامَّ الْمَخْرَجِ وَلَمَّا أَذِنَ في الصَّلَاةِ لِلطَّوَافِ في سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمَرَ من نَسِيَ صَلَاةً أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ نَهْيَهُ ذلك الْعَامَّ إنَّمَا هو على الْخَاصِّ وَالْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نهى عن أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ فَأَمَّا كُلُّ صَلَاةٍ لَزِمَتْهُ فلم يَنْهَ عنه وَكَمَا قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَقَضَى بِالْقَسَامَةِ وَقَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ إنَّمَا اراد بِجُمْلَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه خَاصًّا وَأَنَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ وَالْقَسَامَةُ اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا أَرَادَ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ في الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي مع الشَّاهِدِ يَحْلِفُ وَيَسْتَوْجِبَانِ حُقُوقَهُمَا وَالْحَاجَةُ في الْعَرِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا في النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ خَرْصُ شَيْءٍ غَيْرُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ كُلَّهُ عَرَايَا إذَا كان لَا يَبِيعُ وَاحِدًا منهم إلَّا أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ - * بَابُ الْجَائِحَةِ في الثَّمَرَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت سُفْيَانَ يحدث هذا الحديث كَثِيرًا في طُولِ مُجَالَسَتِي له لَا أحصى ما سَمِعْته يُحَدِّثُهُ من كَثْرَتِهِ لَا يُذْكَرُ فيه أَمْرٌ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا يَزِيدُ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذلك وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سُفْيَانُ وكان حُمَيْدٌ يَذْكُرُ بَعْدَ بَيْعِ السِّنِينَ كَلَامًا قبل وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا أَحْفَظُهُ فَكُنْت أَكُفُّ عن ذِكْرِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي كَيْفَ كان الْكَلَامُ وفي الحديث امر بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم مِثْلُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن أُمِّهِ عمره أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَالَجَهُ واقام فيه حتى تَبَيَّنَ له النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ عنه فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/56)


فَذَكَرَتْ ذلك له فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَأَتَى إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ هو له ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سُفْيَانُ في حَدِيثِهِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في وَضْعِ الْجَوَائِحِ ما حَكَيْت فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الذي لم يَحْفَظْهُ سُفْيَانُ من حديث حميد ( ( ( محمد ) ) ) يَدُلُّ على أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهَا على مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصُّلْحِ على النِّصْفِ وَعَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا حَضًّا على الْخَيْرِ لَا حَتْمًا وما أَشْبَهَ ذلك وَيَجُوزُ غَيْرُهُ فلما احْتَمَلَ الْحَدِيثُ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ولم يَكُنْ فيه دَلَالَةٌ على أَيِّهِمَا أَوْلَى بِهِ لم يَجُزْ عِنْدَنَا أَنْ نَحْكُمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على الناس بِوَضْعِ ما وَجَبَ لهم بِلَا خَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَثْبُتُ بِوَضْعِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَالِكٍ عن عَمْرَةَ مُرْسَلٌ وَأَهْلُ الحديث وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ مُرْسَلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَمْرَةَ كانت فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا تُوضَعَ الْجَائِحَةُ لِقَوْلِهَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا وَلَوْ كان الْحُكْمُ عليه أَنْ يَضَعَ الْجَائِحَةَ لَكَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ ذلك لَازِمٌ له حَلَفَ أو لم يَحْلِفْ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ من كان عليه حَقٌّ قِيلَ هذا يَلْزَمُك أَنْ تُؤَدِّيَهُ إذَا امْتَنَعْت من حَقٍّ فَأُخِذَ مِنْك بِكُلِّ حَالٍ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الثَّمَرَةَ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا نَحْكُمُ له على الْبَائِعِ أَنْ يَضَعَ عنه من ثَمَنِهَا شيئا ( قال ) وَلَوْ لم يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثُهُ بِمَا وَصَفْت وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ وَضَعَتْ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ من السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عليه فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يُوضَعُ ما دُونَ الثُّلُثِ فَهَذَا لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ ( قال ) وَلَوْ صِرْت إلَى وَضْعِ الْجَائِحَةِ ما كانت الْحُجَّةُ فيها إلَّا اتِّبَاعَ الْخَبَرِ لو ثَبَتَ وَلَا أَقُولُ قِيَاسًا على الدَّارِ إذَا تَكَارَاهَا سَنَةً أو أَقَلَّ فاقبضها على الْكِرَاءِ فَتَنْهَدِمُ الدَّارُ ولم يَمْضِ من السَّنَةِ إلَّا يَوْمٌ أو قد مَضَتْ إلَّا يَوْمٌ فَلَا يَجِبُ على إلَّا إجَارَةُ يَوْمٍ أو يَجِبُ على إجَارَةُ سَنَةٍ إلَّا يَوْمٌ وَذَلِكَ أَنَّ الذي يَصِلُ إلَى مَنْفَعَةِ الدَّارِ ما كانت الدَّارُ في يَدَيَّ فإذا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الدَّارِ بِانْهِدَامِهَا يَجِبُ على كِرَاءُ ما لم أَجِدْ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما مَنَعَك أَنْ تَجْعَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ قِيَاسًا على ما وَصَفْت من كِرَاءِ الدَّارِ وَأَنْتَ تُجِيزُ بَيْعَ ثَمَرِ النَّخْلِ فَيُتْرَكُ إلَى غَايَةٍ في نَخْلِهِ كما تُجِيزُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّارَ وَيَسْكُنَهَا إلَى مُدَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّارُ تكتري سَنَةً ثُمَّ تَنْهَدِمُ من قَبْلِ تَمَامِ السَّنَةِ مُخَالَفَةً لِلثَّمَرَةِ تُقْبَضُ من قِبَلِ أَنَّ سُكْنَاهَا ليس بِعَيْنٍ تُرَى إنَّمَا هِيَ بِمُدَّةٍ تَأْتِي فَكُلُّ يَوْمٍ منها يَمْضِي بِمَا فيه وَهِيَ بِيَدِ المكترى يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ فيه وَإِنْ لم يَسْكُنْهَا إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَالثَّمَرَةُ إذَا اُبْتِيعَتْ وَقُبِضَتْ وَكُلُّهَا في يَدِ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ على أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا من سَاعَتِهِ وَيَكُونَ ذلك له وَإِنَّمَا يَرَى تَرْكَهُ إيَّاهَا اخْتِيَارًا لِتَبْلُغَ غَايَةً يَكُونُ له فيها أَخْذُهُ قَبْلَهَا وقد يَكُونُ رُطَبًا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ وَبَيْعُهُ وَتَيْبِيسُهُ فَيَتْرُكُهُ لِيَأْخُذَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَرُطَبًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ قِيمَةً إذَا فرقة في الْأَيَّامِ وَأَدْوَمَ لِأَهْلِهِ فَلَوْ زَعَمْت أَنِّي أَضَعُ الْجَائِحَةَ بَعْدَ أَنْ يَرْطُبَ الْحَائِطُ كُلُّهُ أو أَكْثَرُهُ وَيُمْكِنُ فيه أَنْ يُقْطَعَ كُلُّهُ فَيُبَاعَ رُطَبًا وَإِنْ كان ذلك أَنْقَصَ لِمَالِكِ الرُّطَبِ أو يَيْبَسُ تَمْرًا وَإِنْ كان ذلك أَنْقَصَ على مَالِكِهِ زَعَمْت أَنِّي أَضَعُ عنه الْجَائِحَةَ وهو تَمْرٌ وقد تَرَكَ قَطْعَهُ وَتَمْيِيزَهُ في وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فيه إحْرَازُهُ وَخَالَفْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ التي إذَا تَرَكَ سُكْنَاهَا سَنَةً لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا كما يَلْزَمُهُ لو سَكَنَهَا لِأَنَّهُ تَرَكَ ما كان قَادِرًا عليه ( قال ) وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَاسَ على الدَّارِ بِمَا وَصَفْت جَازَ ذلك ما لم يَرْطُبْ لِأَنَّ ذلك ليس وَقْتَ مَنْفَعَتِهَا وَالْحِينُ الذي لَا يَصْلُحُ أَنْ يُتْمِرَ فيه وَأَمَّا بَعْدَ ما يَرْطُبُ فَيَخْتَلِفَانِ ( قال ) وَهَذَا مِمَّا استخير اللَّهَ فيه وَلَوْ صِرْت إلَى الْقَوْلِ بِهِ صِرْت إلَى ما وَصَفْت من وَضْعِ قَبْضَةٍ رُطَبًا أو بُسْرًا لو ذَهَبَ منه كما أَصِيرُ إلَى وَضْعِ كِرَاءِ يَوْمٍ من الدَّارِ لو انْهَدَمَتْ قَبْلَهُ وَكَمَا أَصِيرُ إلَى وَضْعِ قَبْضَةِ حِنْطَةٍ لو ابْتَاعَ رَجُلٌ صَاعًا فَاسْتَوْفَاهُ
____________________

(3/57)


إلَّا قَبْضَةً فَاسْتَهْلَكَهُ لم يَلْزَمْهُ ثَمَنُ ما لم يَصِلْ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عنه الْكَثِيرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لم يَصِلْ إلَيْهِ وَلَا يُوضَعُ عنه الْقَلِيلُ وهو في مَعْنَاهُ وَلَوْ صِرْت إلَى وَضْعِهَا فَاخْتَلَفَا في الْجَائِحَةِ فقال الْبَائِعُ لم تُصِبْك الْجَائِحَةُ أو قد أَصَابَتْك فَأَذْهَبَتْ لَك فَرْقًا وقال الْمُشْتَرِي بَلْ أَذْهَبَتْ لي أَلْفَ فَرْقٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي على الْبَرَاءَةِ منه بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ بِمَا ذَهَبَ له ( قال ) وَجِمَاعُ الْجَوَائِحِ كُلُّ ما أَذْهَبَ الثَّمَرَةَ أو بَعْضَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةِ آدَمِيٍّ ( قال ) وَيَدْخُلُ على من وَضَعَ الْجَائِحَةَ من قِبَلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَقْبِضْ الثَّمَرَةَ زَعْمٌ وَأَنَّ جِنَايَةَ الْآدَمِيِّينَ جَائِحَةٌ تُوضَعُ لِأَنِّي إذَا وَضَعْت الْجَائِحَةَ زَعَمْت أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ إلَّا إذَا قَبَضْت كما لَا يَسْتَحِقُّ الْكِرَاءَ إلَّا ما كانت السَّلَامَةُ مَوْجُودَةً في الدَّارِ وَهِيَ في يَدَيَّ وكان الْبَائِعُ ابْتَاعَ مَهْلَك الثَّمَرَةِ بِقِيمَةِ ثَمَرَتِهِ أو يَكُونُ لِمُشْتَرِي الثَّمَرَةِ الْخِيَارُ بين أَنْ يُوضَعَ عنه أو لَا يُوضَعَ وَيَبِيعَ مَهْلَك ثَمَرَتِهِ بِمَا أُهْلِكَ منها كما يَكُونُ له الْخِيَارُ في عَبْدٍ أبتاعه فَجَنَى عليه قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَهَذَا قَوْلٌ فيه ما فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا تُوضَعَ الْجَائِحَةُ قِيلَ نعم فِيمَا روى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من نَهْيِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثمر ( ( ( الثمار ) ) ) حتى يَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَيَبْدُوَ صَلَاحُهُ وما نهى عنه من قَوْلِهِ أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ وَلَوْ كان مَالِكُ الثَّمَرَةِ لَا يَمْلِكُ ثَمَنَ ما اُجْتِيحَ من ثَمَرَتِهِ ما كان لِمَنْعِهِ أَنْ يَبِيعَهَا مَعْنًى إذَا كان يَحِلُّ بَيْعُهَا طَلْعًا وَبَلَحًا وَيُلْقَطُ وَيُقْطَعُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا في الْحِينِ الذي الْأَغْلَبُ فيها أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمُشْتَرِي في بَيْعٍ لم يَغْلِبْ أَنْ يَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَلَوْ لم يَلْزَمْهُ ثَمَنُ ما اصابته الْجَائِحَةُ فَجَازَ الْبَيْعُ على أَنَّهُ يَلْزَمُهُ على السَّلَامَةِ ما ضَرَّ ذلك الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال ) وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ في وَضْعِ الْجَائِحَةِ لم يَكُنْ في هذا حُجَّةٌ وَأَمْضَى الحديث على وَجْهِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ روى في وَضْعِ الْجَائِحَةِ أو تَرْكِ وَضْعِهَا شَيْءٌ عن بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قِيلَ نعم لو لم يَكُنْ فيها إلَّا قَوْلٌ لم يَلْزَمْ الناس فَإِنْ قِيلَ فابنه قِيلَ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قال ما أَرَى إلَّا أَنَّهُ إنْ شَاءَ لم يَضَعْ قال سَعِيدٌ يَعْنِي الْبَائِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وروى عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ أَنَّهُ بَاعَ حَائِطًا له فاصابت مُشْتَرِيَهُ جَائِحَةٌ فَأَخَذَ الثَّمَنَ منه وَلَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ أَمْ لَا قال وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ فَلَا يَضَعُهَا إلَّا على مَعْنَى أَنَّ قَبْضَهَا قَبْضٌ إنْ كانت السَّلَامَةُ وَلَزِمَهُ إنْ أَصَابَ ثَمَرَ النَّخْلِ شَيْءٌ يَدْخُلُهُ عَيْبٌ مِثْلُ عَطَشٍ يَضْمُرُهُ أو جَمْحٍ يَنَالُهُ أو غَيْرُ ذلك من الْعُيُوبِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ في أَخْذِهِ مَعِيبًا أو رَدِّهِ فَإِنْ كان أَخَذَ منه شيئا فَقَدَرَ عليه رَدَّهُ وَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وقال يُحْسَبُ عليه ما أُخِذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَيُرَدُّ ما بَقِيَ بِمَا يَلْزَمُهُ من الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعِيبًا فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ غَيْرُ الْعَيْبِ ( قال ) وَلَعَلَّهُ يَلْزَمُهُ لو غَصَبَ ثَمَرَتَهُ قبل أَنْ يَقْطَعَهَا أو تَعَدَّى فيها عليه وَالٍ فَأَخَذَ أَكْثَرَ من صَدَقَتِهِ أَنْ يَرْجِعَ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ له كما لو بَاعَهُ عَبْدًا لم يَقْبِضْهُ أو عَبِيدًا قَبَضَ بَعْضَهُمْ ولم يَقْبِضْ بَعْضًا حتى عَدَا عَادٍ على عَبْدٍ فَقَتَلَهُ أو غَصَبَهُ أو مَاتَ مَوْتًا من السَّمَاءِ كان لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ وَلِلْبَائِعِ اتِّبَاعُ الْغَاصِبِ وَالْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَغَصْبِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ الْمَيِّتُ من مَالِ الْبَائِعِ وكان شَبِيهًا أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فيه أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ الْمَبِيعُ في شَجَرِهِ الْمَدْفُوعِ إلَى مُبْتَاعِهِ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي ما اشْتَرَى منه لَا يَبْرَأُ الْبَائِعُ من شَيْءٍ منه حتى يَأْخُذَهُ الْمُشْتَرِي أو يُؤْخَذَ بِأَمْرِهِ من شَجَرِهِ كما يَكُونُ من ابْتَاعَ طَعَامًا في بَيْتٍ أو سَفِينَةٍ كُلَّهُ على كَيْلٍ مَعْلُومٍ فما اسْتَوْفَى الْمُشْتَرِي بريء منه الْبَائِعُ وما لم يَسْتَوْفِ حتى يُسْرَقَ أو تُصِيبَهُ آفَةٌ فَهُوَ من مَالِ الْبَائِعِ وما أَصَابَهُ من عَيْبٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَخْذِهِ أو رَدِّهِ
____________________

(3/58)


( قال ) وَيَنْبَغِي لِمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ أَنْ يَضَعَهَا من كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَتْلَفَهَا وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ تَلِفَ منها شَيْءٌ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ أو يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ ما لم يَرْطُبْ النَّخْلُ عَامَّةً فإذا أَرْطَبَهُ عَامَّةً حتى يُمْكِنَهُ جِدَادُهَا لَا يَضَعُ من الْجَائِحَةِ شيئا ( قال ) وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَرْطَبَتْ عليه فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ انْبَغَى أَنْ لَا يَضَعَهَا عنه لِأَنَّهُ قد خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبْضِهَا وَوُجِدَ السَّبِيلُ إلَى الْقَبْضِ بِالْجِدَادِ فَتَرَكَهُ إذَا تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَجُدَّهُ فيها حتى يَكُونَ أَصْلُ قَوْلِهِ فيها أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَضْمُونَةٌ من الْبَائِعِ حتى يَجْتَمِعَ فيها خَصْلَتَانِ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونَ الْمُشْتَرِي قَادِرًا على قَبْضِهَا بَالِغَةً صَلَاحَهَا بِأَنْ تُرَطَّبَ فَتُجَدَّ لَا يَسْتَقِيمُ فيه عِنْدِي قَوْلٌ غَيْرُ هذا وما أُصِيبَ فيها بَعْدَ إرْطَابِهِ من مَالِ الْمُشْتَرِي ( قال ) وَهَذَا يَدْخُلُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ قَادِرٌ على الْقَطْعِ وَإِنْ لم يُرَطَّبْ من قِبَلِ أَنَّهُ لو قَطَعَهُ قبل أَنْ يُرَطَّبَ كان قَطْعَ مَالِهِ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ ثَمَنِهِ - * بَابٌ في الْجَائِحَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الثَّمَرَ فَقَبَضَهُ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَسَوَاءٌ من قَبْلِ أَنْ يَجِفَّ أو بَعْدَ ما جَفَّ ما لم يَجُدَّهُ وَسَوَاءٌ كانت الْجَائِحَةُ ثَمَرَةً وَاحِدَةً أو أَتَتْ على جَمِيعِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَمَّا قَبَضَهَا وكان مَعْلُومًا أَنْ يَتْرُكَهَا إلَى الْجِدَادِ كان في غَيْرِ مَعْنَى من قَبَضَ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا ما قَبَضَ كما يَشْتَرِي الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الطَّعَامَ كَيْلًا فَيَقْبِضُ بَعْضَهُ وَيَهْلَكُ بَعْضُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا يَضْمَنُ ما هَلَكَ لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْهُ وَيَضْمَنُ ما قَبَضَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إذَا قَبَضَ الثَّمَرَةَ كان مُسَلَّطًا عليها إنْ شَاءَ قَطَعَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فما هَلَكَ في يَدَيْهِ فَإِنَّمَا هَلَكَ من مَالِهِ لَا من مَالِ الْبَائِعِ فَأَمَّا ما يَخْرُجُ من هذا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ الْبَائِعُ الثُّلُثَ إنْ اصابته جَائِحَةٌ فَأَكْثَرَ وَلَا يَضْمَنُ أَقَلَّ من الثُّلُثِ وَإِنَّمَا هو اشْتَرَاهَا بَيْعَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَهَا قَبْضًا وَاحِدًا فَكَيْفَ يَضْمَنُ له بَعْضَ ما قَبَضَ وَلَا يَضْمَنُ له بَعْضًا أَرَأَيْت لو قال رَجُلٌ لَا يَضْمَنُ حتى يَهْلِكَ الْمَالُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجَائِحَةُ أو قال إذَا هَلَكَ سَهْمٌ من الف سَهْمٍ هل الْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا إلَّا ما وَصَفْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجَائِحَةُ من الْمَصَائِبِ كُلِّهَا كانت من السَّمَاءِ أو من الْآدَمِيِّينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْجَائِحَةُ في كل ما اشْتَرَى من الثِّمَارِ كان مِمَّا يَيْبَسُ أو لَا يَيْبَسُ وَكَذَلِكَ هِيَ في كل شَيْءٍ اشترى فَيُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ أَوَانَهُ فَأَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ دُونَ أَوَانِهِ فَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ وَضَعَهُ لِأَنَّ كُلًّا لم يُقْبَضْ بِكَمَالِ الْقَبْضِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَمَرَةً على أَنْ يَتْرُكَهَا إلَى الْجُذَاذِ ثُمَّ انْقَطَعَ الْمَاءُ وَكَانَتْ لَا صَلَاحَ لها إلَّا بِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ الذي دَخَلَهَا فَإِنْ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ الذي دَخَلَهَا وقد أَخَذَ منها شيئا كان ما أَخَذَ منها بِحِصَّتِهِ من أَصْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَمَرَ حَائِطٍ فَالسَّقْيُ على رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلثَّمَرَةِ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ على الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا في السَّقْيِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي منه أَكْثَرَ مِمَّا يَسْقِي الْبَائِعُ لم يُنْظَرْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا لَا يَصْلُحُهُ من السَّقْيِ إلَّا كَذَا جَبَرْت الْبَائِعَ عليه وَإِنْ قالوا في هذا صَلَاحُهُ وَإِنْ زِيدَ كان أَزْيَدَ في صَلَاحِهِ لم أُجْبِرْ الْبَائِعَ على الزِّيَادَةِ على صَلَاحِهِ وإذا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي أَنَّ عليه السَّقْيَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَلَوْ كان مَعْلُومًا أَبْطَلْنَاهُ من قِبَلِ أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ
____________________

(3/59)


- * بَابُ الثُّنْيَا - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ كان يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ ويستثنى منه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن عَمْرٍو أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بن عَمْرٍو بَاعَ حَائِطًا له يُقَالُ له الأفراق بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَاسْتَثْنَى منه بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَمَرًا أو تَمْرًا أنا أَشُكُّ ( قال الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ عن أُمِّهِ عَمْرَةَ أنها كانت تَبِيعُ ثِمَارَهَا وتستثنى منها ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك حَائِطِي إلَّا خَمْسِينَ فَرْقًا أو كَيْلًا مُسَمًّى ما كان قال لَا قال بن جُرَيْجٍ فَإِنْ قُلْت هِيَ من السَّوَادِ سَوَادِ الرُّطَبِ قال لَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك نَخْلِي إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ أَخْتَارُهُنَّ قال لَا إلَّا أَنْ تستثنى ( ( ( نستثني ) ) ) أيتهن ( ( ( أيهن ) ) ) هِيَ قبل الْبَيْعِ تَقُولُ هذه وَهَذِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَيَبِيعُ الرَّجُلُ نَخْلَهُ أو عِنَبَهُ أو بُرَّهُ أو عَبْدَهُ أو سِلْعَتَهُ ما كانت على أنى شَرِيكُك بِالرُّبْعِ وَبِمَا كان من ذلك قال لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَضْلًا عن نَفَقَةِ الرَّقِيقِ فقال لَا من قِبَلِ أَنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ مَجْهُولَةٌ ليس لها وَقْتٌ فَمِنْ ثَمَّ فَسَدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قال عَطَاءٌ من هذا كُلِّهِ كما قال إنْ شَاءَ اللَّهُ وهو في مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا أو على أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِنْ اشْتَرَى حَائِطًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ فَالثَّمَنُ مُسَمًّى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وإذا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى مَكِيلَةً منه فَلَيْسَ ما بَاعَ منه بِمَعْلُومٍ وقد يَكُونُ يستثنى مُدًّا وَلَا يَدْرِي كَمْ الْمُدُّ من الْحَائِطِ أَسَهْمٌ من أَلْفٍ سهم أَمْ مِائَةُ سَهْمٍ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ فإذا اسْتَثْنَى منه كَيْلًا لم يَكُنْ ما اشْتَرَى منه بِجُزَافٍ مَعْلُومٍ وَلَا كَيْلٍ مَضْمُونٍ وَلَا مَعْلُومٍ وقد تُصِيبُهُ الْآفَةُ فَيَكُونُ الْمُدُّ نِصْفَ ثَمَرِ الْحَائِطِ وقد يَكُونُ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ منه حين بَاعَهُ وَهَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى عليه نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهُنَّ أو يَتَشَرَّرُهُنَّ فَقَدْ يَكُونُ في الْخِيَارِ وَالشِّرَارِ النَّخْلُ بَعْضُهُ أَكْثَرَ ثَمَنًا من بَعْضٍ وَخَيْرًا منه بِكَثْرَةِ الْحِمْلِ وَجَوْدَةِ الثَّمَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يستثنى من الْحَائِطِ نَخْلًا لَا بِعَدَدٍ وَلَا كَيْلٍ بِحَالٍ وَلَا جُزْءًا إلَّا جُزْءًا مَعْلُومًا وَلَا نَخْلًا إلَّا نَخْلًا مَعْلُومًا ( قال ) وَإِنْ بَاعَهُ الْحَائِطَ إلَّا رُبْعَهُ أو نِصْفَهُ أو ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أو الْحَائِطَ إلَّا نَخَلَاتٍ يُشِيرُ إلَيْهِنَّ بأعيانهن فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ما لم يَسْتَثْنِ فَكَانَ الْحَائِطُ فيه مِائَةَ نَخْلَةٍ اسْتَثْنَى مِنْهُنَّ عَشْرَ نَخَلَاتٍ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على تِسْعِينَ بِأَعْيَانِهِنَّ وإذا اسْتَثْنَى رُبْعَ الْحَائِطِ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَائِطِ وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ بِالرُّبْعِ كما يَكُونُ رِجَالٌ لو اشْتَرَوْا حَائِطًا مع شُرَكَاءَ فِيمَا اشْتَرَوْا من الْحَائِطِ بِقَدْرِ ما اشْتَرَوْا منه قال وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَاسْتَثْنَى منه بِأَلْفٍ فَإِنْ كان عَقْدُ الْبَيْعِ على هذا فَإِنَّمَا بَاعَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَائِطِ فَإِنْ قال أستثنى ثَمَرًا بِالْأَلْفِ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ غير مَعْلُومٍ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا من بَاعَ رَجُلًا غَنَمًا قد حَالَ عليها الْحَوْلُ أو بَقَرًا أو إبِلًا فَأُخِذَتْ الصَّدَقَةُ منها فالمشترى بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له ما اشْتَرَى كَامِلًا أو أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَلَكِنْ إنْ بَاعَهُ إبِلًا دُونَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى الْبَائِعِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ التي حَالَ عليها الْحَوْلُ في يَدِهِ وَلَا صَدَقَةَ على الْمُشْتَرِي فيها ( قال ) وَمِثْلُ هذا الرَّجُلِ يَبِيعُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ قد حَلَّ دَمُهُ عِنْدَهُ بِرِدَّةٍ أو قَتْلِ عَمْدٍ أو حَلَّ قَطْعُ يَدِهِ عِنْدَهُ في سَرِقَةٍ فَيُقْتَلُ
____________________

(3/60)


فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِمَا أَخَذَ منه أو يُقْطَعُ فَلَهُ الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إمْسَاكِهِ لِأَنَّ الْعُيُوبَ في الْأَبْدَانِ مُخَالِفَةٌ نَقْصَ الْعَدَدِ وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي كَيْلًا مُعَيَّنًا كان هَكَذَا إذَا كان نَاقِصًا في الْكَيْلِ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ إنْ شَاءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ فيه الْبَيْعَ وَلَوْ قال أَبِيعُك ثَمَرَ نَخَلَاتٍ تَخْتَارُهُنَّ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ قد وَقَعَ على غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ يَفْسُدُ إلَّا من هذا الْوَجْهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ ثَمَرٍ بِأَكْثَرَ منه فَهُوَ لم يَجِبْ له شَيْءٌ فَكَيْفَ يَبِيعُ ما لم يَجِبْ له وَلَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا مَعْلُومًا - * بَابُ صَدَقَةِ الثَّمَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَرُ يُبَاعُ ثَمَرَانِ ثَمَرٌ فيه صَدَقَةٌ وَثَمَرٌ لَا صَدَقَةَ فيه فَأَمَّا الثَّمَرُ الذي لَا صَدَقَةَ فيه فَبَيْعُهُ جَائِزٌ لَا عِلَّةَ فيه لِأَنَّهُ كُلُّهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ وَأَمَّا ما بِيعَ مِمَّا فيه صَدَقَةٌ منه فَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك الْفَضْلَ من ثَمَرِ حَائِطِي هذا عن الصَّدَقَةِ وَصَدَقَتُهُ الْعُشْرُ أو نِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كان يُسْقَى بِنَضْحٍ فَيَكُونُ كما وَصَفْنَا في الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَائِطِ أو تِسْعَةَ أَعْشَارِ ثَمَرِهِ وَنِصْفَ عُشْرِ ثَمَرِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي هذا باربعمائة دِينَارٍ فَضْلًا عن الصَّدَقَةِ فقال نعم لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَيْسَتْ لَك إنَّمَا هِيَ لِلْمَسَاكِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَهُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَسَكَتَ عَمَّا وَصَفْت من أَجْزَاءِ الصَّدَقَةِ وَكَمْ قَدْرُهَا كان فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما جَاوَزَ الصَّدَقَةَ بِحِصَّتِهِ من ثَمَنِ الْكُلِّ وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْكُلِّ أو تِسْعَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرِ الْكُلِّ أو يَرُدُّ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ إلَيْهِ كُلُّ ما اشْتَرَى وَالثَّانِي إنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَضْلَ عن الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّ الصَّفْقَةَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ ما مَلَكَ وما لم يَمْلِكْ فلما جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ حَرَامَ الْبَيْعِ وَحَلَالَ الْبَيْعِ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال بَائِعُ الْحَائِطِ الصَّدَقَةُ عَلَيَّ لم يَلْزَمْ الْبَيْعُ الْمُشْتَرِيَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ على السُّلْطَانِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ من الثَّمَرَةِ التي في يَدِهِ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَأْخُذَ بِمَكِيلَتِهَا ثَمَرًا من غَيْرِهَا قال وَكَذَلِكَ الرُّطَبُ لَا يَكُونُ تمرا ( ( ( ثمرا ) ) ) لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ الرُّطَبِ فَإِنْ صَارَ السُّلْطَانُ إلَى أَنْ يَضْمَنَ عُشْرَ رُطَبِهِ تمرا ( ( ( ثمرا ) ) ) مِثْلَ رُطَبِهِ لو كان يَكُونُ تَمْرًا أو اشْتَرَى الْمُشْتَرِي بَعْدَهَا رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ الشِّرَاءُ فَأَمَّا إنْ اشْتَرَى قبل هذا فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى من ثَمَرِ حَائِطٍ فيه الْعُشْرُ لِمَا وَصَفْت من أَنْ يُؤْخَذَ عُشْرُهُ رُطَبًا وَإِنَّ من الناس من يقول يَأْخُذُ عُشْرَ ثَمَنِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ له فيه فإذا كان هذا هَكَذَا فَالْبَيْعُ وَقَعَ على الْكُلِّ ولم يُسَلَّمْ له وَلَهُ في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْخِيَارُ بين أَنْ يَأْخُذَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ أو رَدِّهِ كُلِّهِ ( قال ) وَمِنْ أَصْحَابِنَا من أَجَازَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا إنْ كان قد عَرَفَ الْمُتَبَايِعَانِ مَعًا أَنَّ الصَّدَقَةَ في الثَّمَرَةِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى هذا وَبَاعَ هذا الْفَضْلَ عن الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال إنْ بِعْت ثَمَرَك ولم تَذْكُرْ الصَّدَقَةَ أنت وَلَا بَيْعَك فَالصَّدَقَةُ على الْمُبْتَاعِ قال إنَّمَا الصَّدَقَةُ على الْحَائِطِ قال هِيَ على الْمُبْتَاعِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له إنْ بِعْتَهُ قبل أو يُخْرَصَ أو بعد ما يُخْرَصُ قال نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي مُلَيْكَةَ قال في مِثْلِ ذلك مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ إنَّمَا هِيَ على الْمُبْتَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قَالَا من هذا كما قَالَا إنَّمَا الصَّدَقَةُ في عَيْنِ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَحَيْثُمَا تَحَوَّلَ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو وَرِثَ أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ من الْحَائِطِ وَكَذَلِكَ لو وُهِبَ له ثَمَرُهُ أو تُصُدِّقَ بِهِ عليه
____________________

(3/61)


أو مَلَكَهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال ) وقد قِيلَ في هذا شَيْءٌ آخَرُ إنَّ الثَّمَرَةَ إذَا وَجَبَتْ فيها الصَّدَقَةُ ثُمَّ بَاعَهَا فَالصَّدَقَةُ في الثَّمَرَةِ وَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ لِأَنَّهُ بَاعَهُ مَالَهُ وما لِلْمَسَاكِينِ في أَخْذِ غَيْرِ الصَّدَقَةِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ أو رَدِّ الْبَيْعِ ( قال ) وَأَمَّا إذَا وَهَبَهَا أو تَصَدَّقَ بها أو وَرِثَ الثَّمَرَةَ عن أَحَدٍ وقد أُوجِبَتْ فيها الصَّدَقَةُ أو لم تَجِبْ فَهَذَا كُلُّهُ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الصَّدَقَاتِ بِتَفْرِيعِهِ ( قال ) وقد قال غَيْرُ من وَصَفْت قَوْلَهُ الصَّدَقَةُ على الْبَائِعِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِلْمُبْتَاعِ ( قال ) وإذا كان لِلْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ من الثَّمَرَةِ فلم تَخْلُصْ الثَّمَرَةُ له كُلُّهَا وَإِنْ قال يُعْطِيهِ رَبُّ الْحَائِطِ ثَمَرًا مِثْلَهَا فَقَدْ أَحَالَ الصَّدَقَةَ في غَيْرِ الْعَيْنِ التي وَجَبَتْ فيها الصَّدَقَةُ وَالْعَيْنُ موجوده ( قال ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ فَإِنَّمَا يقول هو لو وَجَبَ عليه في أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ كان له أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا مثله من غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ في الْمَاشِيَةِ وَصُنُوفِ الصَّدَقَةِ ( قال ) قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا كان في الْمَالِ صَدَقَةٌ وَالشَّرْطُ من الصَّدَقَةِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ منه لَا من غَيْرِهِ فَبِهَذَا أَقُولُ وَبِهَذَا اخْتَرْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ من أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِيمَا لَا صَدَقَةَ فيه وَغَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا فيه الصَّدَقَةُ إذَا عُرِفَتْ عَرَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ما يَبِيعُ هذا وَيَشْتَرِي هذا ( قال ) وإذا سَمَّى الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الصَّدَقَةَ وَعَرَّفَاهَا فَتَعَدَّى عليه الْوَالِي فَأَخَذَ أَكْثَرَ من هذا فَالْوَالِي كَالْغَاصِبِ فِيمَا جَاوَزَ الصَّدَقَةَ وَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْغَاصِبِ فَمَنْ لم يَضَعْ الْجَائِحَةَ قال هذا رَجُلٌ ظَلَمَ مَالَهُ وَلَا ذَنْبَ على بَائِعِهِ في ظُلْمِ غَيْرِهِ وقد قَبَضَ ما ابْتَاعَ وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ كان إنَّمَا يَضَعُهَا بِمَعْنَى أنها غَيْرُ تَامَّةِ الْقَبْضِ يُشْبِهُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَضَعَ عنه بِقَدْرِ الْعُدْوَانِ عليه وَيُخَيِّرُهُ بَعْدَ الْعُدْوَانِ في رَدِّ الْبَيْعِ أو أَخْذِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ إلَيْهِ كما بَاعَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمَظْلَمَةِ لَيْسَتْ بِجَائِحَةٍ قِيلَ وما مَعْنَى الْجَائِحَةِ أَلَيْسَ ما أُتْلِفَ من مَالِ الرَّجُلِ فَالْمَظْلَمَةُ إتْلَافٌ فَإِنْ قال قل ما أَصَابَ من السَّمَاءِ قِيلَ أَفَرَأَيْت ما ابْتَعْت فلم أَقْبِضْهُ فاصابه من السَّمَاءِ شَيْءٌ يُتْلِفُهُ أَلَيْسَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فَإِنْ اصابه من الْآدَمِيِّينَ فَأَنَا بِالْخِيَارِ بين أَنْ أَفْسَخَ الْبَيْعَ أو آخُذَهُ وَأَتْبَعَ الْآدَمِيَّ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ قال نعم قبل ( ( ( قيل ) ) ) فَقَدْ جَعَلْت ما أَصَابَ من السَّمَاءِ في أَكْثَرَ من مَعْنَى ما أَصَابَ من الْآدَمِيِّينَ أو مثله لِأَنَّك فَسَخْت بِهِ الْبَيْعَ وَإِنْ قال إذَا مَلَكْته فَهُوَ مِنْك وَإِنْ لم تَقْبِضْهُ فإذا هَلَكَ هَلَكَ مِنْك بِالثَّمَرَةِ قد ابْتَعْتهَا وَقَبَضْتهَا فَهِيَ أَوْلَى أَنْ لَا تُوضَعَ عَنِّي بِتَلَفٍ أَصَابَهَا - * بَابٌ في الْمُزَابَنَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ مولى بن أبي أَحْمَدَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أو أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ في رؤوس النَّخْلِ وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ ( أخبرنا الرَّبِيع ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قال بن شِهَابٍ فَسَأَلْت عن اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فقال لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُحَاقَلَةُ في الزَّرْعِ كَالْمُزَابَنَةِ في التَّمْرِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ما الْمُحَاقَلَةُ قال الْمُحَاقَلَةُ في الْحَرْثِ كَهَيْئَةِ الْمُزَابَنَةِ في النَّخْلِ سَوَاءٌ بِيعَ الزَّرْعُ وَبِالْقَمْحِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَفَسَّرَ لَكُمْ جَابِرٌ في الْمُحَاقَلَةِ كما أَخْبَرْتنِي قال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ في الْأَحَادِيثِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/62)


مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ على رِوَايَةِ من هو دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرْقِ حِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ في رؤوس النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرْقٍ وَالْمُخَابَرَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أخبره عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التَّمْرِ لَا تُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى من التَّمْرِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا ( ( ( أخبر ) ) ) الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ سَمِعْت من جَابِرِ بن عبد اللَّهِ خَبَرًا أَخْبَرَنِيهِ أبو الزُّبَيْرِ عنه في الصُّبْرَةِ قال حَسِبْت قال فَكَيْفَ تَرَى أنت في ذلك فَنَهَى عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ أخبره عن أبيه أَنَّهُ كان يَكْرَهُ أَنْ تُبَاعَ صُبْرَةٌ بِصُبْرَةٍ من طَعَامٍ لَا تُعْلَمُ مَكِيلُهُمَا أو تُعْلَمُ مَكِيلَةُ إحْدَاهُمَا وَلَا تُعْلَمُ مَكِيلَةُ الْأُخْرَى أو تُعْلَمُ مَكِيلَتُهُمَا جميعا هذه بِهَذِهِ وَهَذِهِ بِهَذِهِ قال لَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أنه قال لِعَطَاءٍ ما الْمُزَابَنَةُ قال التَّمْرُ في النَّخْلِ يُبَاعُ بِالتَّمْرِ فَقُلْت إنْ عُلِمَتْ مَكِيلَةُ التَّمْرِ أو لم تُعْلَمْ قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فقال إنْسَانٌ لِعَطَاءٍ أَفَبِالرُّطَبِ قال سَوَاءٌ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ ذلك مُزَابَنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ إلَّا في الْعَرَايَا التي ذَكَرْنَاهَا قبل هذا قال وَجِمَاعُ الْمُزَابَنَةِ أَنْ تَنْظُرَ كُلَّ ما عَقَدْت بَيْعَهُ مِمَّا الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ رِبًا فَلَا يَجُوزُ فيه شَيْءٌ يُعْرَفُ كَيْلُهُ بِشَيْءٍ منه جُزَافًا لَا يُعْرَفُ كَيْلُهُ وَلَا جُزَافَ منه بِجُزَافٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ فإذا كان جُزَافًا بِجُزَافٍ لم يَسْتَوِيَا في الْكَيْلِ وَكَذَلِكَ إذَا كان جُزَافًا بِمَكِيلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَكُونَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ أو وَزْنًا بِوَزْنِ فَكُلُّ ما عُقِدَ على هذا مَفْسُوخٌ ( قال ) وَلَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا بِكَيْلٍ أو جُزَافًا بِجُزَافٍ من جِنْسِهِ ثُمَّ تَكَايَلَا فَكَانَا سَوَاءً كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَنَّهُ كَيْلٌ بِكَيْلٍ ( قال ) وَلَوْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا على أَنْ يَتَكَايَلَا هَذَيْنِ الطَّعَامَيْنِ جميعا بِأَعْيَانِهِمَا مِكْيَالًا بِمِكْيَالٍ فَتَكَايَلَاهُ فَكَانَا مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلَّذِي نَقَصَتْ صُبْرَتُهُ الْخِيَارَ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَيْعُ كَيْلِ شَيْءٍ فلم يُسَلَّمْ له لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له أَخْذُهُ أو رَدُّ الْبَيْعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ على شَيْءٍ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْقَوْلُ الذي حَكَيْت ضَعِيفٌ ليس بِقِيَاسٍ إنَّمَا يَكُونُ له الْخِيَارُ فِيمَا نَقَصَ مِمَّا لَا رِبَا في زِيَادَةِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَأَمَّا ما فيه الرِّبَا فَقَدْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ على الْكُلِّ فَوُجِدَ الْبَعْضُ مُحَرَّمًا أَنْ يُمْلَكَ بِهَذِهِ الْعُقْدَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ له الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ بَيْعَةٍ وَفِيهَا حَرَامٌ ( قال ) وما وَصَفْت من الْمُزَابَنَةِ جَامِعٌ لِجَمِيعِهَا كَافٍ من تَفْرِيعِهَا وَمِنْ تَفْرِيعِهَا أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك مِائَةَ صَاعِ تَمْرٍ بِتَمْرٍ مِائَةُ نَخْلَةٍ لي أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ فَهَذَا مَفْسُوخٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَجُزَافٌ بِكَيْلٍ من جِنْسِهِ وَمِنْ ذلك أَنْ آخُذَ مِنْك تَمْرًا لَا أَعْرِفُ كَيْلَهُ بِصَاعِ تَمْرٍ أو بِصُبْرَةِ تَمْرٍ لَا أَعْرِفُ كَيْلَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مُحَرَّمُ الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَأَنَّهُ لم يُبَحْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ( قال ) وَهَكَذَا هذا في الْحِنْطَةِ وَكُلُّ ما في الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا ( قال ) فَأَمَّا ثَمَرُ
____________________

(3/63)


نَخْلٍ بِحِنْطَةٍ مَقْبُوضَةٍ كَيْلًا أو صُبْرَةُ تَمْرٍ بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ أو صِنْفٍ بِغَيْرِ صِنْفِهِ جُزَافٍ بِكَيْلٍ أو كَيْلٍ بِجُزَافٍ يَدًا بِيَدٍ مِمَّا لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ ( قال ) فَأَمَّا الرَّجُلُ يقول لِلرَّجُلِ وَعِنْدَهُ صُبْرَةُ تَمْرٍ له أَضْمَنُ لَك هذه الصُّبْرَةَ بِعِشْرِينَ صَاعًا فَإِنْ زَادَتْ على عِشْرِينَ صَاعًا فَلِي فَإِنْ كانت عِشْرِينَ فَهِيَ لَك وَإِنْ نَقَصَتْ من عِشْرِينَ فَعَلَيَّ إتْمَامُ عِشْرِينَ صَاعًا لَك فَهَذَا لَا يَحِلُّ من قِبَلِ أَنَّهُ من أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ الذي وَصَفْت قبل هذا وَهَذَا بِالْمُخَاطَرَةِ وَالْقِمَارِ أَشْبَهُ وَلَيْسَ من مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ بِسَبِيلٍ ليس الْمُزَابَنَةُ إلَّا ما وَصَفْت لَا تُجَاوِزْهُ ( قال ) وَهَذَا جماعة وهو كَافٍ من تَفْرِيعِهِ وَمِنْ تَفْرِيعِهِ ما وَصَفْت فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عُدَّ قِثَّاءَك أو بِطِّيخَك هذا الْمَجْمُوعَ فما نَقَصَ من مِائَةٍ فَعَلَيَّ تَمَامُ مِائَةٍ مِثْلِهِ وما زَادَ فَلِي أو اقْطَعْ ثَوْبَك هذا قَلَانِسَ أو سَرَاوِيلَاتٍ على قَدْرِ كَذَا فما نَقَصَ من كَذَا وَكَذَا قَلَنْسُوَةٌ أو سَرَاوِيلُ فَعَلَيَّ وما زَادَ فَلِي أو اطْحَنْ حِنْطَتَك هذه فما زَادَ على مُدِّ دَقِيقٍ فَلِي وما نَقَصَ فَعَلَيَّ فَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُزَابَنَةِ وَمُحَرَّمٌ من أَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لَا هو تِجَارَةٌ عن تَرَاضٍ وَلَا هو شَيْءٌ أَعْطَاهُ مَالِكُ الْمَالِ المعطي وهو يَعْرِفُهُ فيؤجر ( ( ( فيؤخر ) ) ) فيه أو يُحْمَدُ وَلَا هو شَيْءٌ أَعْطَاهُ إيَّاهُ على مَنْفَعَةٍ فَأَخَذَهَا منه وَلَا على وَجْهِ خَيْرٍ من الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فيه دُونَ غَيْرِهِ الذي هو من وُجُوهِ الْبِرِّ قال وَلَا بَأْسَ بِثَمَرِ نَخْلَةٍ بِثَمَرِ عِنَبَةٍ أو بِثَمَرِ فِرْسِكَةٍ كِلَاهُمَا قد طَابَتْ كان ذلك مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ أو في شجره أو بَعْضُهُ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ إذَا خَالَفَهُ وكان الْفَضْلُ يَحِلُّ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ حَالًّا وكان يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَتْ النَّسِيئَةُ فَسَدَ أو تَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ في رَأْسِهَا بِثَمَرِ شَجَرَةِ فِرْسِكٍ في رَأْسِهَا أو يَبِيعَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ في رَأْسِهَا بِفِرْسِكٍ مَوْضُوعٍ في الْأَرْضِ أو يَبِيعَ رُطَبًا في الْأَرْضِ بِفِرْسِكٍ مَوْضُوعٍ في الْأَرْضِ جُزَافًا ( قال ) وَجِمَاعُهُ أَنْ تَبِيعَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ صِنْفِهِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لم يَحِلَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَلَا يُبَاعُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَلَا رَطْبٌ يَبِسَ بِرَطْبٍ إلَّا الْعَرَايَا خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في صَفْقَةٍ شيئا من الذي فيه الرِّبَا في الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَمِنْ ذلك أَنْ يَشْتَرِيَ صُبْرَةَ تَمْرٍ مَكِيلَةً أو جُزَافًا بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَكِيلَةً أو جُزَافًا وَمَعَ الْحِنْطَةِ من التَّمْرِ قَلِيلٌ أو كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّفْقَةَ في الْحِنْطَةِ تَقَعُ على حِنْطَةٍ وَتَمْرٍ بِتَمْرٍ وَحِصَّةُ التَّمْرِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ من قِبَلِ أنها إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَتِهَا وَالْحِنْطَةُ بِقِيمَتِهَا وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا كَيْلًا بِكَيْلٍ - * بَابُ وَقْتِ بَيْعِ الْفَاكِهَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْتُ بَيْعِ جَمِيعِ ما يُؤْكَلُ من تمر ( ( ( ثمر ) ) ) الشَّجَرِ أَنْ يُؤْكَلَ من أَوَّلِهِ الشَّيْءُ وَيَكُونُ آخِرُهُ قد قَارَبَ أَوَّلَهُ كَمُقَارَبَةِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ فإذا كان هَكَذَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرَتِهِ الْخَارِجَةِ فيه مَرَّةً وَاحِدَةً وَالشَّجَرُ منه الثَّابِتُ الْأَصْلِ كَالنَّخْلِ لَا يُخَالِفُهُ في شَيْءٍ منه إلَّا في شَيْءٍ سَأَذْكُرُهُ يُبَاعُ إذَا طَابَ أَوَّلُهُ الْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلُ وَالْأُتْرُجُّ وَالْمَوْزُ وَغَيْرُهُ إذَا طَابَ منه الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فَبَلَغَ أَنْ يَنْضُجَ بِيعَتْ ثَمَرَتُهُ تِلْكَ كُلُّهَا قال وقد بَلَغَنِي أَنَّ التِّينَ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ يَنْبُتُ منه الشَّيْءُ الْيَوْمَ ثُمَّ يُقِيمُ الْأَيَّامَ ثُمَّ يَنْبُتُ منه الشَّيْءُ بَعْدُ حتى يَكُونَ ذلك مِرَارًا وَالْقِثَّاءُ
____________________

(3/64)


وَالْخِرْبِزُ حتى يَبْلُغَ بَعْضُهُ وفي مَوْضِعِهِ من شَجَرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ ما لم يحرج ( ( ( يخرج ) ) ) فيه شَيْءٌ فَكَانَ الشَّجَرُ يَتَفَرَّقُ مع ما يَخْرُجُ فيه ولم يُبَعْ ما لم يَخْرُجْ فيه فَإِنْ كان لَا يُعْرَفُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ منه بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ الْمَبِيعُ غير مَعْلُومٍ فَيَأْخُذُ مُشْتَرِيهِ كُلَّهُ أو ما حُمِلَ مِمَّا لم يَشْتَرِ فَإِنْ بِيعَ وهو هَكَذَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ على ما بَاعَ فَيَكُونُ قد أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ قال فَيُنْظَرُ من الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ في مِثْلِ ما وَصَفْت من التِّينِ فَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَخْرُجُ الشَّيْءُ منه في جَمِيعِ شَجَرِهِ فإذا تُرِكَ في شَجَرِهِ لِتَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ خَرَجَ من شَجَرِهِ شَيْءٌ منه كان كما وَصَفْت في التِّينِ إنْ اُسْتُطِيعَ تَمْيِيزُهُ جَازَ ما خَرَجَ اولا ولم يَدْخُلْ ما خَرَجَ بَعْدَهُ في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَسْتَطِعْ تَمْيِيزَهُ لم يَجُزْ فيه الْبَيْعُ بِمَا وَصَفْت قال وَإِنْ حَلَّ بَيْعُ ثَمَرَةٍ من هذا الثَّمَرِ نَخْلٍ أو عِنَبٍ أو قِثَّاءٍ أو خِرْبِزٍ أو غَيْرِهِ لم يَحِلَّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَتُهَا التي تاتي بَعْدَهَا بِحَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في ذلك قُلْنَا لَمَّا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ السِّنِينَ وَنَهَى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَنَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ كان بَيْعُ ثَمَرَةٍ لم تُخْلَقْ بَعْدُ أَوْلَى في جَمِيعِ هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن جَابِرٍ قال نَهَيْت بن الزُّبَيْرِ عن بَيْعِ النَّخْلِ مُعَاوَمَةً قال فإذا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ النَّخْلِ وَالتَّمْرِ بَلَحًا شَدِيدًا لم تُرَ فيه صُفْرَةٌ لِأَنَّ الْعَاهَةَ قد تَأْتِي عليه كان بَيْعُ ما لم يُرَ منه شَيْءٌ قَطُّ من قِثَّاءٍ أو خِرْبِزٍ أُدْخِلَ في مَعْنَى الْغَرَرِ وَأَوْلَى أَنْ لَا يُبَاعَ مِمَّا قد رؤى فَنَهَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِهِ وَكَيْفَ يَحْرُمُ أَنْ يُبَاعَ قِثَّاءٌ أو خِرْبِزٌ حين بَدَا قبل أَنْ يَطِيبَ منه شَيْءٌ وقد رَوَى رَجُلٌ أَنْ يُبْتَاعَ ولم يُخْلَقْ قَطُّ وَكَيْفَ أُشْكِلَ على أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعٌ أَبَدًا أَوْلَى بِالْغَرَرِ من هذا الْبَيْعِ الطَّائِرُ في السَّمَاءِ وَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالْجَمَلُ الشَّارِدُ أَقْرَبُ من أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فيه أَضْعَفُ من هذا وَلِأَنَّ ذلك شَيْءٌ قد خُلِقَ وقد يُوجَدُ وَهَذَا لم يُخْلَقْ بَعْدُ وقد يُخْلَقُ فَيَكُونُ غَايَةً في الْكَثْرَةِ وَغَايَةً في الْقِلَّةِ وَفِيمَا بين الْغَايَتَيْنِ مَنَازِلُ أورأيت إنْ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاسُ أَبِأَوَّلِ حِمْلِهِ فَقَدْ يَكُونُ ثَانِيهِ أَكْثَرَ وَثَالِثُهُ فَقَدْ يَخْتَلِفُ وَيَتَبَايَنُ فَهَذَا عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا وَالْمَعْقُولِ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ من عُيُوبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا حَكَيْنَا وَفِيمَا حَكَيْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال ) فَكُلُّ ما كِيلَ من هذا أو وُزِنَ أو بِيعَ عَدَدًا كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا يَحِلُّ التَّمْرُ منه بِرُطَبٍ وَلَا جُزَافٌ منه بِكَيْلٍ وَلَا رُطَبٌ بِرُطَبٍ عِنْدِي بِحَالٍ وَلَا يَحِلُّ إلَّا يَابِسًا بِيَابِسٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ أو ما يُوزَنُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا يَجُوزُ فيه عَدَدٌ بعدد ( ( ( لعدد ) ) ) وَلَا يَجُوزُ أَصْلًا إذَا كان شَيْءٌ منه رطب ( ( ( رطبا ) ) ) يشترى بِصِنْفِهِ رَطْبَ فِرْسِكٍ بِفِرْسِكٍ وتين ( ( ( وتبن ) ) ) بتين ( ( ( بتبن ) ) ) وَصِنْفٍ بِصِنْفِهِ فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِعْهُ كَيْفَ شِئْت يَدًا بِيَدٍ جُزَافًا بِكَيْلٍ وَرَطْبًا بِيَابِسٍ وَقَلِيلَهُ بِكَثِيرِهِ لَا يَخْتَلِفُ هو وما وَصَفْت من ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ في هذا الْمَعْنَى وَيَخْتَلِفُ هو وَثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ في الْعَرَايَا وَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ سِوَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ الْعَرِيَّةُ بِمَا يَجُوزُ فيه بَيْعُ الْعَرَايَا من النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِينَةٍ في راسها بِمَكِيلَةٍ من التِّينِ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ من غَيْرِ تِينَةٍ في رَأْسِهَا بِثَمَرٍ منها يَابِسٍ مَوْضُوعٍ بِالْأَرْضِ وَلَا في شَجَرِهِ أَبَدًا جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا بِمَعْنًى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تُجِزْهُ قُلْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ سَنَّ الْخَرْصَ في التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَفِيهِمَا أَنَّهُمَا مُجْتَمَعَا الثمر ( ( ( التمر ) ) ) لَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ الْإِحَاطَةَ وكان يَكُونُ في الْمِكْيَالِ مُسْتَجْمَعًا كَاسْتِجْمَاعِهِ في نَبْتِهِ كان له مَعَانٍ لَا يَجْمَعُ أَحَدَ مَعَانِيهِ شَيْءٌ سِوَاهُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كان يَجْتَمِعُ في الْمِكْيَالِ فَمِنْ فَوْقِ كَثِيرٍ منه حَائِلٌ من الْوَرِقِ وَلَا يُحِيطُ الْبَصَرُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْكُمَّثْرَى وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْأُتْرُجُّ الذي هو أَعْظَمُهُ فَلَا يَجْتَمِعُ في مِكْيَالٍ وَكَذَلِكَ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءُ وهو مُخْتَلِفُ الْخَلْقِ لَا يُشْبِهُهُمَا وَبِذَلِكَ لم يَجْتَمِعْ في الْمِكْيَالِ وَلَا يُحِيطُ بِهِ الْبَصَرُ إحَاطَتَهُ بِالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَلَا يُوجَدُ منه شَيْءٌ يَكُونُ مَكِيلًا يُخْرَصُ بِمَا في رؤوس شَجَرِهِ لِغِلَظِهِ وتجافى خِلْقَتِهِ عن أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا فَلِذَلِكَ
____________________

(3/65)


لم يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا بِشَيْءٍ منه كما يُبَاعُ غَيْرُهُ من النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إذَا خَالَفَهُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ منه شيئا فيستعريه أبتاعه بِغَيْرِ صِنْفِهِ ثُمَّ اسْتَعْرَاهُ كَيْفَ شَاءَ - * بَابُ ما يَنْبُتُ من الزَّرْعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ ما كان من نَبَاتِ الْأَرْضِ بَعْضُهُ مَغِيبٌ فيها وَبَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَأَرَادَ صَاحِبُهُ بَيْعَهُ لم يَجُزْ بَيْعُ شَيْءٍ منه إلَّا الظَّاهِرُ منه يُجَزُّ مَكَانَهُ فَأَمَّا الْمَغِيبُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْبَصَلِ وما أَشْبَهَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَرَقُهُ الظَّاهِرُ مُقْطَعًا مَكَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ ما في دَاخِلِهِ فَإِنْ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ عليه كُلِّهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ فيه إذَا كان بَيْعُ نَبَاتٍ وَبَيْعُ النَّبَاتِ بَيْعُ الْإِيجَابِ وَذَلِكَ لو أَجَزْت بَيْعَهُ لم أُجِزْهُ إلَّا على أَحَدِ مَعَانٍ إمَّا على ما يَجُوزُ عليه بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ فَتِلْكَ إذَا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِهَا أو تَرْكِهَا فَلَوْ أَجَزْت الْبَيْعَ على هذا فَقَلَعَ جَزَرَةً أو فُجْلَةً أو بَصَلَةً فَجَعَلْت لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كُنْت قد أَدْخَلْت على الْبَائِعِ ضَرَرًا في أَنْ يُقْلِعَ ما في رَكِيبِهِ وَأَرْضِهِ التي اشْتَرَى ثُمَّ يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّهُ من غَيْرِ عَيْبٍ فَيَبْطُلُ أَكْثَرُهُ على الْبَائِعِ ( قال ) وَهَذَا يُخَالِفُ الْعَبْدَ يُشْتَرَى غَائِبًا وَالْمَتَاعَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا قد يَرَيَانِ فَيَصِفُهُمَا لِلْمُشْتَرِي من يَثِقُ بِهِ فَيَشْتَرِيَهُمَا ثُمَّ يَكُونُ له خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَكُونُ على الْبَائِعِ ضَرَرٌ في رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي لَهُمَا كما يَكُونُ عليه ضَرَرٌ فِيمَا قُلِعَ من زَرْعِهِ وَلَوْ أَجَزْت بَيْعَهُ على أَنْ لم يَكُنْ فيه عَيْبٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ كان فيه الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمُخْتَلِفُ الْخِلْقَةِ فَكَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى ما لم يَرَ وَأَلْزَمْته ما لم يَرْضَ بِشِرَائِهِ قَطُّ وَلَوْ أَجَزْته على أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ على صِفَةٍ مَوْزُونًا كُنْت أَجَزْت بَيْعَ الصِّفَاتِ غير مَضْمُونَةٍ وَإِنَّمَا تُبَاعُ الصِّفَةُ مَضْمُونَةً ( قال ) وَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في شَيْءٍ منه مَوْصُوفٍ مَوْزُونٍ فَجَاءَ بِهِ على الصِّفَةِ جَازَ السَّلَفُ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهِ يَأْتِي بِهِ حَيْثُ شَاءَ لَا من أَرْضٍ قد يُخْطِئُ زَرْعَهَا وَيُصِيبُ فَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من هذا بَيْعٌ إلَّا بِصِفَةِ مَضْمُونٍ مَوْزُونٍ أو حتى يُقْلَعَ فَيَرَاهُ الْمُشْتَرِي ( قال ) وَلَا يُشْبِهُ الْجَوْزَ وَالْبَيْضَ وما أَشْبَهَهُ هذا لاصلاح له في الْأَرْضِ إلَّا بِالْبُلُوغِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَبْقَى ما بَقِيَ منه وَيُبَاعُ ما لَا يَبْقَى مِثْلُ الْبَقْلِ وَذَلِكَ لَا صَلَاحَ له إلَّا بِبَقَائِهِ في قِشْرِهِ وَذَلِكَ إذَا رئى قِشْرُهُ اُسْتُدِلَّ على قَدْرِهِ في دَاخِلِهِ وَهَذَا لَا دَلَالَةَ على دَاخِلِهِ وَإِنْ رئى خَارِجُهُ قد يَكُونُ الْوَرَقُ كَبِيرًا وَالرَّأْسُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا - * بَابُ ما اشترى مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ دَاخِلَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) من اشْتَرَى رَانِجًا أو جَوْزًا أو لَوْزًا أو فُسْتُقًا أو بَيْضًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا أو مَعِيبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ وَالرُّجُوعَ بِثَمَنِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَرُدَّهُ وَالرُّجُوعَ بِثَمَنِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْبِهِ وَفَسَادِهِ وَصَلَاحِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وإذا كان الْمَقْصُودُ قَصْدُهُ بِالْبَيْعِ دَاخِلَهُ فَبَائِعُهُ سَلَّطَهُ عليه وَهَذَا قَوْلٌ ( قال ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ على الْمُشْتَرِي الْكَاسِرِ أَنْ يَرُدَّ الْقِشْرَ على الْبَائِعِ إنْ كانت له قِيمَةٌ وَإِنْ قُلْت إنْ كان يَسْتَمْتِعُ بِهِ كما يَسْتَمْتِعُ بِقِشْرِ الرَّانِجِ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَا سِوَاهُ أو يَرُدُّ فَإِنْ لم يَفْعَلْ أُقِيمَ قِشْرُهَا فَكَانَتْ لِلْقِشْرِ قِيمَةٌ منه وَدَاخِلُهُ على أَنَّهُ صَحِيحٌ وَطَرَحَ عنه حِصَّةَ ما لم يَرُدَّهُ من قِشْرِهِ من الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي وَلَوْ كانت حِصَّةُ الْقِشْرِ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ منه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه إذَا كَسَرَهُ لم يَكُنْ له رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَيَرْجِعَ بِمَا بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا
____________________

(3/66)


وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا وَبَيْضُ الدَّجَاجِ كُلُّهُ لَا قِيمَةَ له فَاسِدًا لِأَنَّ قِشْرَهُ ليس فيه مَنْفَعَةٌ فإذا كَسَرَهُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَلِقِشْرَتِهِ ثَمَنٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ قِشْرَتَهَا رُبَّمَا كانت أَكْثَرَ ثَمَنًا من دَاخِلِهَا فَإِنْ لم يَرُدَّ قِشْرَتَهَا صَحِيحَةً رَجَعَ عليه بِمَا بين قِيمَتِهَا غير فَاسِدَةٍ وَقِيمَتِهَا فَاسِدَةً وفي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَرُدُّهَا وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على سِرِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَهَا بِالْكَسْرِ وقد كان يَقْدِرُ على كَسْرٍ لَا يُفْسِدُ فَيَرْجِعُ بِمَا بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَا يَرُدُّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْخِرْبِزُ وما رَطُبَ فإنه يَذُوقُهُ بِشَيْءٍ دَقِيقٍ من حَدِيدٍ أو عُودٍ فَيُدْخِلُهُ فيه فَيَعْرِفُ طَعْمَهُ إنْ كان مُرًّا أو كان الْخِرْبِزُ حَامِضًا فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عليه في نَقْبِهِ في الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على ذلك أو أَكْثَرَ منه وَلَا فَسَادَ في النَّقْبِ الصَّغِيرِ عليه وكان يَلْزَمُ من قال لَا يَرُدُّهُ إلَّا كما أَخَذَهُ بِأَنْ يَقُولَ يَرْجِعُ بِمَا بين قِيمَتِهِ سَالِمًا من الْفَسَادِ وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا ( قال ) وَلَوْ كَسَرَهَا لم يَكُنْ له رَدُّهَا وَرَجَعَ عليه بِنُقْصَانِ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا ما كان ذلك الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَكْسُورًا وَيَرُدُّ عليه الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قد كان يَقْدِرُ على أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ طَعْمُهُ من ثُقْبِهِ صَحِيحًا ليس كَالْجَوْزِ لَا يَصِلُ إلَى طَعْمِهِ من نَقْبِهِ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَيْهِ رِيحُهُ لَا طَعْمُهُ صَحِيحًا فَأَمَّا الدُّودُ فَلَا يُعْرَفُ بِالْمُذَاقَةِ فإذا كَسَرَهُ وَوَجَدَ الدُّودَ كان له في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ رَدُّهُ وفي الْقَوْلِ الثَّانِي الرُّجُوعُ بِفَضْلِ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَوْ اشْتَرَى من هذا شيئا رَطْبًا من الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ فَحَبَسَهُ حتى ضَمُرَ وَتَغَيَّرَ وَفَسَدَ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَاسِدًا بِمَرَارَةٍ أو دُودٍ كان فيه فَإِنْ كان فَسَادُهُ من شَيْءٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ في فَسَادِهِ مع يَمِينِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْضِ يُقِيمُ عِنْدَ الرَّجُلِ زَمَانًا ثُمَّ يَجِدُهُ فَاسِدًا وَفَسَادُ الْبَيْضِ يَحْدُثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال قُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّ عَلِيَّ بن مَعْبِدٍ رَوَى لنا حَدِيثًا عن أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ بَيْعَ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ إذَا ابْيَضَّ فقال الشَّافِعِيُّ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ قُلْنَا بِهِ فَكَانَ الْخَاصُّ مُسْتَخْرَجًا من الْعَامِّ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعُ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ غَرَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَى وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّارِ وَالْأَسَاسِ لَا يُرَى وَكَذَلِكَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ أَجَزْنَا ذلك كما أَجَازَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَ هذا خَاصًّا مُسْتَخْرَجًا من عَامٍّ وَكَذَلِكَ نُجِيزُ بَيْعَ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ إذَا ابْيَضَّ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ كما أَجَزْنَا بَيْعَ الدَّارِ وَالصُّبْرَةِ - * بَابُ بَيْعِ الْقَصَبِ وَالْقِرْطِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْقَصَبِ لَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً أو قال صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقُرْطُ إلَّا جِزَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ في جِزَازِهِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ مُدَّةً أَكْثَرَ من قَدْرِ ما يُمْكِنُهُ جِزَازُهُ فيه من يَوْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ اشْتَرَاهُ ثَابِتًا على أَنْ يَدَعَهُ أَيَّامًا لِيَطُولَ أو يغلظ ( ( ( يغلط ) ) ) أو غير ذلك فَكَانَ يَزِيدُ في تِلْكَ الْأَيَّامِ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلْبَائِعِ وَفَرْعَهُ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ كان يَطُولُ فَيَخْرُجُ من مَالِ الْبَائِعِ إلَى مَالِ الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَيَمْلِكُهُ كُنْت قد أَعْطَيْت الْمُشْتَرِيَ ما لم يَشْتَرِ وَأَخَذْت من الْبَائِعِ ما لم يَبِعْ ثم ( ( ( منه ) ) ) أَعْطَيْته منه شيئا مَجْهُولًا لَا يُرَى بِعَيْنٍ وَلَا يُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ فيعرف ما لِلْبَائِعِ فيه مِمَّا لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ من وُجُوهٍ ( قال ) وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ وَقَطْعُهُ له مُمْكِنٌ مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا كان الْبَيْعُ فيه مَفْسُوخًا إذَا كان على ما شُرِطَ في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَدَعَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا اخْتَلَطَ بِهِ من مَالِ الْبَائِعِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ كما لو اشْتَرَى حِنْطَةً جُزَافًا وَشَرَطَ له أنها إنْ
____________________

(3/67)


انْهَالَ له عليها حِنْطَةٌ فَهِيَ دَاخِلَةٌ في الْبَيْعِ فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ لِلْبَائِعِ لم يَبِعْهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فيها لِأَنَّ ما اشْتَرَى لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ مِمَّا لم يَشْتَرِ فيعطى ما اشْتَرَى وَيَمْنَعُ ما لم يَشْتَرِ وهو في هذا كُلِّهِ بَائِعُ شَيْءٍ قد كان وَشَيْءٍ لم يَكُنْ غير مَضْمُونٍ على أَنَّهُ إنْ كان دخل في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَدْخُلْ فيه وَهَذَا الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في فَسَادِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ نَبَتَ في أَرْضِي بِكَذَا فَإِنْ لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ قَلِيلًا لَزِمَك الثَّمَنُ كان ( ( ( منك ) ) ) مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ جَاءَنِي من تِجَارَتِي بِكَذَا وَإِنْ لم يَأْتِ لَزِمَك الثَّمَنُ ( قال ) وَلَكِنَّهُ لو اشْتَرَاهُ كما وَصَفْت وَتَرَكَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيَّامًا وَقَطَعَهُ يُمْكِنُهُ في أَقَلَّ منها كان الْمُشْتَرِي منه بِالْخِيَارِ في أَنْ يَدَعَ له الْفَضْلَ الذي له بِلَا ثَمَنٍ أو يَنْقُضُ الْبَيْعَ ( قال ) كما يَكُونُ إذَا بَاعَهُ حِنْطَةً جُزَافًا فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُسَلِّمَ ما بَاعَهُ وما زَادَ في حِنْطَتِهِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِاخْتِلَاطِ ما بَاعَ بِمَا لم يَبِعْ ( قال ) وما أَفْسَدْتُ فيه الْبَيْعَ فَأَصَابَ الْقَصَبَ فيه آفَةٌ تُتْلِفُهُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ وما أَصَابَتْهُ آفَةٌ تُنْقِصُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ ما نَقَصَتْهُ وَالزَّرْعُ لِبَائِعِهِ وَعَلَى كل مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا أَنْ يَرُدَّهُ كما أَخَذَهُ أو خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ وَضَمَانُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ في كل شَيْءٍ
____________________

(3/68)


- * بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ الطَّعَامُ قال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَنْ ابْتَاعَ شيئا كَائِنًا ما كان فَلَيْسَ له
____________________

(3/69)


أَنْ يَبِيعَهُ حتى يَقْبِضَهُ وَذَلِكَ أَنَّ من بَاعَ ما لم يَقْبِضْ فَقَدْ دخل في الْمَعْنَى الذي يَرْوِي بَعْضُ الناس عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لِعَتَّابِ بن أُسَيْدٍ حين وَجَّهَهُ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أنههم عن بَيْعِ ما لم يَقْبِضُوا وَرِبْحِ ما لم يَضْمَنُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وَرِبْحُ ما لم يُضْمَنْ وَهَذَا الْقِيَاسُ على حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يُقْبَضَ وَمَنْ ابْتَاعَ طعاما ( ( ( طعامه ) ) ) كَيْلًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَكْتَالَهُ وَمَنْ أبتاعه جُزَافًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ من مَوْضِعِهِ إذَا كان مِثْلُهُ يُنْقَلُ وقد رَوَى بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا فَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/70)


من يَأْمُرُهُمْ بِانْتِقَالِهِ من الْمَوْضِعِ الذي ابْتَاعُوهُ فيه إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِئَلَّا يَبِيعُوهُ قبل أَنْ يُنْقَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ مَلَكَ طَعَامًا بإجارة ( ( ( بإجازة ) ) ) فالإجارة بَيْعٍ من الْبُيُوعِ فَلَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ وَمَنْ مَلَكَهُ بِمِيرَاثٍ كان له أَنْ يَبِيعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ على غَيْرِهِ بِثَمَنٍ وَكَذَلِكَ ما مَلَكَهُ من وَجْهٍ غَيْرِ وَجْهِ الْبَيْعِ كان له أَنْ يَبِيعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ له بَيْعُهُ إذَا كان مَضْمُونًا على غَيْرِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ منه إذَا فَاتَ وَالْأَرْزَاقُ التي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَبِيعُهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا وَلَا يَبِيعُهَا الذي يَشْتَرِيهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّ مُشْتَرِيَهَا لم يَقْبِضْ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ له على
____________________

(3/71)


بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ الذي باعه ( ( ( ابتاعه ) ) ) إيَّاهَا بِهِ حتى يَقْبِضَهَا أو يَرُدَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا فَكَتَبَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ قَابِضًا له من نَفْسِهِ وهو ضَامِنٌ عليه حتى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ أو وَكِيلُ الْمُبْتَاعِ غَيْرِ الْبَائِعِ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ على ذلك أو لم يُشْهِدْ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَبْتَاعَ له طَعَامًا فَابْتَاعَهُ ثُمَّ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ له من غَيْرِهِ فَهُوَ بِنَقْدٍ لَا بِدَيْنٍ حتى يُبِيحَ له الدَّيْنَ فَهُوَ جَائِزٌ كَأَنَّهُ هو أبتاعه وَبَاعَهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ من نَفْسِهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ من نَفْسِهِ وَإِنْ قال قد بِعْته من غَيْرِي فَهَلَكَ الثَّمَنُ أو هَرَبَ الْمُشْتَرِي فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ كما قال وَإِنْ كَذَّبَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قد بَاعَهُ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لو هَرَبَ الْمُشْتَرِي أو أَفْلَسَ أو قَبَضَ الثَّمَنَ منه فَهَلَكَ لِأَنَّهُ في هذه الْحَالَةِ أَمِينٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا من نَصْرَانِيٍّ فَبَاعَهُ النَّصْرَانِيُّ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَلَا يَكِيلُهُ له الْبَائِعُ حتى يَحْضُرَ النَّصْرَانِيُّ أو وَكِيلُهُ فَيَكْتَالُهُ لِنَفْسِهِ ( قال ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ ثُمَّ بَاعَ ذلك الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ طَعَامًا بِصِفَةٍ وَنَوَى أَنْ يَقْضِيَهُ من ذلك الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ له أَنْ يَقْضِيَهُ من غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك الطَّعَامَ لو كان على غَيْرِ الصِّفَةِ لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ منه وَلَوْ قَبَضَهُ وكان على الصِّفَةِ كان له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَلَوْ هَلَكَ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ صِفَةِ طَعَامِهِ الذي بَاعَهُ ( قال ) وَمَنْ سَلَفَ في طَعَامٍ أو بَاعَ طَعَامًا فَأَحْضَرَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ اكْتِيَالِهِ من بَائِعِهِ وقال أَكْتَالُهُ لَك لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَإِنْ قال أَكْتَالُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الذي حَضَرْت لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَاعَ كَيْلًا فَلَا يَبْرَأُ حتى يَكْتَالَهُ من مشتريه ( ( ( يشتريه ) ) ) وَيَكُونُ له زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يَجْرِيَ فيه الصَّاعَانِ فَيَكُونَ له زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا مَضْمُونًا عليه فَحَلَّ عليه الطَّعَامُ فَجَاءَ بِصَاحِبِهِ إلَى طَعَامٍ مُجْتَمِعٍ فقال أَيُّ طَعَامٍ رَضِيت من هذا اشْتَرَيْت لَك فَأَوْفَيْتُك كَرِهْت ذلك له وَإِنْ رضي طَعَامًا فَاشْتَرَاهُ له فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِكَيْلِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ ابْتَاعَهُ فَبَاعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ له بَعْدُ جَازَ وَلِلْمُشْتَرِي له بَعْدَ رِضَاهُ بِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عليه إنْ لم يَكُنْ من صِفَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْضُ الْقَبْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَّ عليه طَعَامٌ فَلَا يعطى الذي له عليه الطَّعَامُ ثَمَنَ طَعَامٍ يَشْتَرِي بِهِ لِنَفْسِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِنَفْسِهِ مُسْتَوْفِيًا لها قَابِضًا لها منها وَلِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَخَرَجَ من يَدَيْهِ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِهِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو قَضَاهُ رَجُلًا من سَلَفٍ أو أَسْلَفَهُ آخَرُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَلَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ على شَيْءٍ من هذه الْجِهَاتِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ إنَّمَا يَقْبِضُ عن الْمُشْتَرِي كَقَبْضِ وَكِيلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان بيده ثَمَرٌ فَبَاعَهُ وَاسْتَثْنَى شيئا منه بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ وَاقِعٌ على الْمَبِيعِ لَا على المشتري وَالْمُسْتَثْنَى على مِثْلِ ما كان في مِلْكِهِ لم يُبَعْ قَطُّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لم يَشْتَرِهِ إنَّمَا يَبِيعُهُ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَفُ حتى يَدْفَعَ الْمُسْلَفُ إلَى الْمُسْلِفِ الثَّمَنَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه وَحَتَّى يَكُونَ السَّلَفُ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ بِمِكْيَالٍ عَامَّةٍ يُدْرَكُ عِلْمُهُ وَلَا يَكُونُ بِمِكْيَالٍ خَاصَّةٍ إنْ هَلَكَ لم يُدْرَكْ عِلْمُهُ أو بِوَزْنٍ عَامَّةٍ كَذَلِكَ وَبِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَيِّدٍ نَقِيٍّ وَإِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إنْ كان إلَى أَجَلٍ وَيُسْتَوْفَى في مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونُ من أَرْضٍ لَا يُخْطِئُ مِثْلُهَا أَرْضٍ عَامَّةٍ لَا أَرْضٍ خَاصَّةٍ وَيَكُونُ جَدِيدًا طَعَامَ عَامٍ أو طَعَامَ عَامَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَجْوَدُ ما يَكُونُ من الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا أَرْدَأُ ما يَكُونُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ فإن الرَّدِيءَ يَكُونُ بِالْغَرَقِ وَبِالسُّوسِ وَبِالْقِدَمِ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّعَامِ حَالًّا وَآجِلًا إذَا حَلَّ أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ بِصِفَةٍ إلَى أَجَلٍ كان حَالًّا أو إلَى أَنْ يَحِلَّ
____________________

(3/72)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ رَجُلٌ دَنَانِيرَ على طَعَامٍ إلَى آجَالٍ مَعْلُومَةٍ بَعْضُهَا قبل بَعْضٍ لم يَجُزْ عِنْدِي حتى يَكُونَ الْأَجَلُ وَاحِدًا وَتَكُونُ الْأَثْمَانُ مُتَفَرِّقَةً من قِبَلِ أَنَّ الطَّعَامَ الذي إلَى الْأَجَلِ الْقَرِيبِ أَكْثَرُ قِيمَةً من الطَّعَامِ الذي إلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ وقد أَجَازَهُ غَيْرِي على مِثْلِ ما أَجَازَ عليه ابْتِيَاعَ الْعُرُوضِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْعُرُوضِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّ الْعُرُوضَ الْمُتَفَرِّقَةَ نَقْدٌ وَهَذَا إلَى أَجَلٍ وَالْعُرُوضُ شَيْءٌ مُتَفَرِّقٌ وَهَذَا من شَيْءٍ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلَانِ طَعَامًا مَضْمُونًا مَوْصُوفًا حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يُقْبَضَ الثَّمَنُ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ طَعَامًا مَوْصُوفًا مَضْمُونًا عِنْدَ الْحَصَادِ وَقَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَى منه من طَعَامِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا غير مَوْصُوفٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ قد يَأْتِي جَيِّدًا أو رَدِيئًا ( قال ) وَإِنْ اشْتَرَاهُ منه من الْأَنْدَرِ مَضْمُونًا عليه فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ قد يَهْلَكُ قبل أَنْ يُذَرِّيَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّعَامِ إلَى سَنَةٍ قبل أَنْ يَزْرَعَ إذَا لم يَكُنْ في زَرْعٍ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الْفَدَادِينَ الْقَمْحِ وَلَا في الْقُرْطِ لِأَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في طَعَامٍ يَحِلُّ فَأَرَادَ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الطَّعَامِ على رَجُلٍ له عليه طَعَامٌ مِثْلُهُ من بَيْعٍ أبتاعه منه فَلَا خَيْرَ فيه وَهَذَا هو نَفْسُ بَيْعِ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَلَكِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا يُقْبَضُ له الطَّعَامُ فَإِنْ هَلَكَ في يَدَيْهِ كان أَمِينًا فيه وَإِنْ لم يَهْلَكْ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَضَاءً جَازَ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو ابْتَاعَ منه طَعَامًا فَحَلَّ فَأَحَالَهُ على رَجُلٍ له عليه طَعَامٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ من قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ ما كان له عليه بَيْعٌ وَالْإِحَالَةُ بَيْعٌ منه له بِالطَّعَامِ الذي عليه بِطَعَامٍ على غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا بِكَيْلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي بِكَيْلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وإذا قَبَضَ الطَّعَامَ فَالْقَوْلُ في كَيْلِ الطَّعَامِ قَوْلُ الْقَابِضِ مع يَمِينِهِ وَإِنْ ذَكَرَ نُقْصَانًا كَثِيرًا أو قَلِيلًا أو زِيَادَةً قَلِيلَةً أو كَثِيرَةً وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِالنَّقْدِ كان أو إلَى أَجَلٍ وَإِنَّمَا لم أُجِزْ هذا لِمَا وَصَفْت من حديث الْحَسَنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنِّي أُلْزِمُ من شَرَطَ لِرَجُلٍ شَرْطًا من كَيْلٍ أو صِفَةٍ أَنْ يُوَفِّيَهُ شَرْطَهُ بِالْكَيْلِ وَالصِّفَةِ فلما شَرَطَ له الْكَيْلَ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوَفِّيَهُ شَرْطَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلِمَ لَا يَبْرَأُ كما يَبْرَأُ من الْعَيْبِ قِيلَ لو كان تَصْدِيقُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِبْرَاءِ من الْعَيْبِ فَشَرَطَ له مِائَةً فَوَجَدَ فيه وَاحِدًا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ كما يَشْتَرِطُ له السَّلَامَةَ فَيَجِدُ الْعَيْبَ فَلَا يَرْجِعُ عليه بِهِ إذَا أَبْرَأَهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ كَيْلًا لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ وَزْنًا إلَّا أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيَسْتَقْبِلَ بَيْعًا بِالْوَزْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُهُ بِمِكْيَالٍ إلَّا بِالْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَكِيلُهُ بِمِكْيَالٍ مَعْرُوفٍ مِثْلِ الْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَخَذَهُ بِالْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ وَسَوَاءٌ كان الطَّعَامُ وَاحِدًا أو من طَعَامَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ وَهَذَا فَاسِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَرْطِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بَدَلًا قد يَكُونُ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الذي له وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ وَأَقَلُّ ما فيه أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يدري أَهُوَ مِثْلُ ماله أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَحَلَّتْ فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ حِنْطَةً خَيْرًا منها بِطِيبِ نَفْسِهِ أو أَعْطَاهُ حِنْطَةً شَرًّا منها فَطَابَتْ نَفْسُ الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَلَيْسَ هذا بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَلَوْ كان أَعْطَاهُ مَكَانَ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا أو سُلْتًا أو صِنْفًا غير الْحِنْطَةِ لم يَجُزْ وكان هذا بَيْعَ طَعَامٍ بِغَيْرِهِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَهَكَذَا التَّمْرُ وَكُلُّ صِنْفٍ وَاحِدٍ من الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلَهُ قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ مِثْلَ طَعَامِهِ أو شَرًّا منه فَلَا بَأْسَ وَلَسْت أَجْعَلُ لِلتُّهْمَةِ أَبَدًا مَوْضِعًا في الْحُكْمِ إنَّمَا أقضى على الظَّاهِرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في قَمْحٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ دَقِيقًا أو سَوِيقًا فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا فَاسِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنِّي أَخَذْت غير الذي أَسْلَفْت فيه وهو بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَإِنْ قِيلَ هو صِنْفٌ وَاحِدٌ فَقَدْ أَخَذْت
____________________

(3/73)


مَجْهُولًا من مَعْلُومٍ فَبِعْت مُدَّ حِنْطَةٍ بِمُدِّ دَقِيقٍ وَلَعَلَّ الْحِنْطَةَ مُدٌّ وَثُلُثُ دَقِيقٍ وَيَدْخُلُ السَّوِيقُ في مِثْلِ هذا وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ فَحَلَّ فَسَأَلَ الذي حَلَّ عليه الطَّعَامُ الذي له الطَّعَامُ أَنْ يَبِيعَهُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ لِيَقْبِضَهُ إيَّاهُ فَلَا خَيْرَ فيه إنْ عَقَدَا عَقْدَ الْبَيْعِ على هذا من قِبَلِ أَنَّا لَا نُجِيزُ أَنْ يُعْقَدَ على رَجُلٍ فِيمَا يَمْلِكُ أَنْ يُمْنَعَ منه أَنْ يَصْنَعَ فيه ما يَصْنَعُ في مَالِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ ليس بِتَامٍّ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ بِلَا شَرْطٍ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَلَا بَأْسَ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ شيئا غير الطَّعَامِ وَلَوْ نَوَيَا جميعا أَنْ يَكُونَ يَقْضِيهِ ما يَبْتَاعُ منه بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ ما لم يَقَعْ عليه عَقْدُ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ قال له بِعْنِي طَعَامًا بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ حتى أَقْضِيَك فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ على ذلك لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَهُ على غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كان الْبَيْعُ نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ منه الذي قَضَاهُ إيَّاهُ بِنَقْدٍ أو نَسِيئَةٍ إذَا كان ذلك بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ قد صَارَ من ضَمَانِ الْقَابِضِ وَبَرِئَ الْمَقْبُوضُ منه وَلَوْ حَلَّ طَعَامُهُ عليه فقال له اقْضِنِي على أَنْ أَبِيعَك فَقَضَاهُ مِثْلَ طَعَامِهِ أو دُونَهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وكان هذا مَوْعِدًا وَعَدَهُ إيَّاهُ إنْ شَاءَ وَفَّى له بِهِ وَإِنْ شَاءَ لم يَفِ وَلَوْ أَعْطَاهُ خَيْرًا من طَعَامِهِ على هذا الشَّرْطِ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا شَرْطٌ غَيْرُ لَازِمٍ وقد أَخَذَ عليه فَضْلًا لم يَكُنْ له وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ النَّهْيِ عن بَيْعِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ في الْفِتْنَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ كان صَحِيحًا في الظَّاهِرِ لم أُبْطِلْهُ بِتُهْمَةٍ وَلَا بِعَادَةٍ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَزْته بِصِحَّةِ الظَّاهِرِ وَأَكْرَهُ لَهُمَا النِّيَّةَ إذَا كانت النِّيَّةُ لو أُظْهِرَتْ كانت تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيْفَ على أَنْ يَقْتُلَ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ على بَائِعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ظُلْمًا لِأَنَّهُ قد لَا يَقْتُلُ بِهِ وَلَا أُفْسِدُ عليه هذا الْبَيْعَ وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا وَلَا أُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا بَاعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا وقد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ خَمْرًا أَبَدًا وفي صَاحِبِ السَّيْفِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا وَكَمَا أُفْسِدُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَقْدًا صَحِيحًا وهو يَنْوِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا يَوْمًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ لم أُفْسِدْ النِّكَاحَ إنَّمَا أُفْسِدُهُ أَبَدًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ - * بَابُ السُّنَّةِ في الْخِيَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ كُلِّهِ جُزَافًا ما يُكَالُ منه وما يُوزَنُ وما يُعَدُّ كان في وِعَاءٍ أو غَيْرِ وِعَاءٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كان في وِعَاءٍ فلم يُرَ عَيْنُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بَيْعُ الشَّيْءِ الْغَائِبِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَلَا يَكُونُ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ وَلَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ جُزَافًا على الْأَرْضِ فلما انْتَقَلَ وَجَدَهُ مَصْبُوبًا على دُكَّانٍ أو رَبْوَةٍ أو حَجَرٍ كان هذا نَقْصًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فيه الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثِّمَارِ جُزَافًا وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِنِصْفِهَا شَرِيكًا لِلَّذِي له النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يَجُوزُ إذَا أَجَزْنَا الْجُزَافَ في الطَّعَامِ نَسِيئَةً لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَجُوزَ الْجُزَافُ في كل شَيْءٍ من رَقِيقٍ وَمَاشِيَةٍ وَغَيْرِ ذلك إلَّا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ في كل وَاحِدٍ منهم إذَا رَآهُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ الْآخَرِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ من الطَّعَامِ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَبِهًا ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَبْتَاعُ مِنْك جَمِيعَ هذه الصُّبْرَةِ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ وَإِنْ قال
____________________

(3/74)


أَبْتَاعُ مِنْك هذه الصُّبْرَةَ كُلُّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ على أَنْ تَزِيدَنِي ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ أو على أَنْ أُنْقِصَك منها إرْدَبًّا فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنِّي لَا أَدْرِي كَمْ قَدْرُهَا فَأَعْرِفُ الأردب الذي نَقَصَ كَمْ هو منها وَالْأَرَادِبُ التي زِيدَتْ كَمْ هِيَ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا وَلَا بَيْعًا كَائِنًا ما كان على أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك مُدًّا بِكَذَا وَعَلَى أَنْ تَبِيعَنِي كَذَا بِكَذَا حَاضِرًا كان ذلك أو غَائِبًا مَضْمُونًا كان ذلك أو غير مَضْمُونٍ وَذَلِكَ من بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وَمِنْ أنى إذَا اشْتَرَيْت مِنْك عَبْدًا بِمِائَةٍ على أَنْ أَبِيعَك دَارًا بِخَمْسِينَ فَثَمَنُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَحِصَّتُهُ من الْخَمْسِينَ من الدَّارِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الدَّارِ خَمْسُونَ وَحِصَّتُهُ من الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ وَلَا خَيْرَ في الثَّمَنِ إلَّا مَعْلُومًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان قد عَلِمَ كَيْلَهُ ثُمَّ انتقص ( ( ( انتقض ) ) ) منه شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَةُ ما انْتَقَصَ فَلَا أَكْرَهُ له بَيْعَهُ جُزَافًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ طَعَامٌ حَالًّا من غَيْرِ بَيْعٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ شيئا من غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا من قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو غَيْرِ صِنْفِهِ وَلَا أُجِيزُهُ قبل حُلُولِ الْأَجَلِ بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ خَاصَّةً فَأَمَّا بِغَيْرِ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ طَعَامٌ من قَرْضٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ من صِنْفِهِ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ أو مثله إذَا طَابَا بِذَلِكَ نَفْسًا ولم يَكُنْ شَرْطًا في أَصْلِ الْقَرْضِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ غَيْرَهُ من غَيْرِ صِنْفِهِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ أَكْثَرَ إذَا تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَوْ كان هذا من بَيْعٍ لم يَجُزْ له أَنْ يَأْخُذَ بِهِ من غَيْرِ صِنْفِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ من صِنْفِهِ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ قبل مَحَلِّ الْأَجَلِ أو بَعْدَهُ إذَا طَابَ بِذَلِكَ نَفْسًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ طَعَامًا مَوْصُوفًا فَيَحِلُّ فَيَسْأَلُهُ رَجُلٌ أَنْ يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَتَقَاضَى ذلك الطَّعَامَ فإذا صَارَ في يَدِهِ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ أو بَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بهذا إذَا كان إنَّمَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ السَّلَفَ أو الْبَيْعَ وَإِنَّمَا كان أَوَّلًا وَكِيلًا له وَلَهُ مَنْعُهُ السَّلَفَ وَالْبَيْعَ وَقَبْضَ الطَّعَامِ من يَدِهِ وَلَوْ كان شَرَطَ له أَنَّهُ إذَا تَقَاضَاهُ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ أو بَاعَهُ إيَّاهُ لم يَكُنْ سَلَفًا وَلَا بَيْعًا وكان له أَجْرُ مِثْلِهِ في التَّقَاضِي قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى رَجُلٍ له زَرْعٌ قَائِمٌ فقال وَلِّنِي حَصَادَهُ وَدِرَاسَهُ ثُمَّ أَكْتَالُهُ فَيَكُونُ على سَلَفًا لم يَكُنْ في هذا خَيْرٌ وكان له أَجْرُ مِثْلِهِ في الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ إنْ حَصَدَهُ وَدَرَسَهُ وَلِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَخْذُ الطَّعَامِ من يَدَيْهِ وَلَوْ كان تَطَوَّعَ له بِالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ ثُمَّ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ في هذا وَالْكَثِيرُ في كل حَلَالٌ وَحَرَامٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا فَشَرَطَ عليه خَيْرًا منه أو أَزْيَدَ أو أَنْقَصَ فَلَا خَيْرَ فيه وَلَهُ مِثْلُ ما أَسْلَفَهُ إنْ اسْتَهْلَكَ الطَّعَامَ فَإِنْ أَدْرَكَ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ فَلَهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لَا يَذْكُرُ من هذا شيئا فَأَعْطَاهُ خَيْرًا منه مُتَطَوِّعًا أو أَعْطَاهُ شَرًّا منه فَتَطَوَّعَ هذا بِقَبُولِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ مِثْلُ سَلَفِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا على أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ كان هذا فَاسِدًا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ في الْبَلَدِ الذي أَسْلَفَهُ فيه ( قال ) وَلَوْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَتَقَاضَاهُ الطَّعَامَ أو كان اسْتَهْلَكَ له طَعَامًا فَسَأَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ ذلك الطَّعَامَ في الْبَلَدِ الذي لَقِيَهُ فيه فَلَيْسَ ذلك عليه وَيُقَالُ إنْ شِئْت فَاقْبِضْ منه طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِك بِالْبَلَدِ الذي اسْتَهْلَكَهُ لَك أو أَسْلَفْته إيَّاهُ فيه وَإِنْ شِئْت أَخَذْنَاهُ لَك الْآنَ بِقِيمَةِ ذلك الطَّعَامِ في ذلك الْبَلَدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ الذي عليه الطَّعَامُ دَعَا إلَى أَنْ يُعْطِيَ طَعَامًا بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَامْتَنَعَ الذي له الطَّعَامُ لم يُجْبَرْ الذي له الطَّعَامُ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ طَعَامًا مَضْمُونًا له بِبَلَدٍ غَيْرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ما كان لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا رَأَيْت له الْقِيمَةَ في الطَّعَامِ يَغْصِبُهُ بِبَلَدٍ فَيَلْقَى الْغَاصِبَ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ أَنِّي أَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ ما اُسْتُهْلِكَ لِرَجُلٍ
____________________

(3/75)


فَأَدْرَكَهُ بِعَيْنِهِ أو مِثْلِهِ أَعْطَيْته الْمِثْلَ أو الْعَيْنَ فَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَا عَيْنٌ أَعْطَيْته الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا كانت الْعَيْنُ وَالْمِثْلُ عَدَمًا فلما حَكَمْت أَنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَ له طَعَامًا بِمِصْرَ فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ أو بِمَكَّةَ فَلَقِيَهُ بِمِصْرَ لم أَقْضِ له بِطَعَامٍ مِثْلِهِ لِأَنَّ من أَصْلِ حَقِّهِ أَنْ يعطي مثله بِالْبَلَدِ الذي ضَمِنَ له بالإستهلاك لِمَا في ذلك من النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وما في الْحَمْلِ على المستوفى ( ( ( المستوى ) ) ) فَكَانَ الْحُكْمُ في هذا أَنَّهُ لَا عَيْنَ وَلَا مِثْلَ له أقضى بِهِ وَأُجْبِرُهُ على أَخْذِهِ فَجَعَلْته كما لَا مِثْلَ له فَأَعْطَيْته قِيمَتَهُ إذَا كُنْت أُبْطِلُ الْحُكْمَ له بمثله وَإِنْ كان مَوْجُودًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان هذا من بَيْعٍ كان الْجَوَابُ في ذلك أَنْ لَا أُجْبِرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا على أَخْذِهِ وَلَا دَفْعِهِ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي ضَمِنَهُ وَضَمِنَ له فيه هذا وَلَا أَجْعَلُ له الْقِيمَةَ من قِبَلِ أَنَّ ذلك يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَأُجْبِرُهُ على أَنْ يَمْضِيَ فَيَقْبِضَهُ أو يُوَكِّلَ من يَقْبِضُهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَأُؤَجِّلُهُ فيه أَجَلًا فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ إلَى ذلك الْأَجَلِ وَإِلَّا حَبَسْتُهُ حتى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) السَّلَفُ كُلُّهُ حَالٌّ سَمَّى له الْمُسْلَفُ أَجَلًا أو لم يُسَمِّهِ وَإِنْ سَمَّى له أَجَلًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُسْلِفُ قبل الْأَجَلِ جُبِرَ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ له إلَى أَجَلٍ قَطُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُبْرِئَهُ منه وَلَوْ كان من بَيْعٍ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ حتى يَحِلَّ أَجَلُهُ وَهَذَا في كل ما كان يَتَغَيَّرُ بِالْحَبْسِ في يَدَيْ صَاحِبِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ إيَّاهُ بِالصِّفَةِ قبل يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَتَغَيَّرَ عن الصفه عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَيَصِيرَ بِغَيْرِ الصِّفَةِ وَلَوْ تَغَيَّرَ في يَدَيْ صَاحِبِهِ جَبَرْنَاهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا غَيْرَهُ وقد يَكُونُ يَتَكَلَّفُ مُؤْنَةً في خَزْنِهِ وَيَكُونُ حُضُورُ حَاجَتِهِ إلَيْهِ عِنْدَ ذلك الْأَجَلِ فَكُلُّ ما كان لِخَزْنِهِ مُؤْنَةٌ أو كان يغير ( ( ( يتغير ) ) ) في يَدَيْ صَاحِبِهِ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ قبل حُلُولِ الْأَجَلِ وَكُلُّ ما كان لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا مُؤْنَةَ في خَزْنِهِ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وما أَشْبَهَهُمَا جُبِرَ على أَخْذِهِ قبل مَحَلِّ الْأَجَلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ يَحِلُّ بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْبُيُوعُ وَيَحْرُمُ بِمَا تَحْرُمُ بِهِ الْبُيُوعُ فَحَيْثُ كان الْبَيْعُ حَلَالًا فَهُوَ حَلَالٌ وَحَيْثُ كان الْبَيْعُ حَرَامًا فَهُوَ حَرَامٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخُ الْبَيْعِ فَلَا بَأْسَ بها قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إبْطَالُ عُقْدَةِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَالرُّجُوعُ إلَى حَالِهِمَا قبل أَنْ يَتَبَايَعَا ( قال ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَةِ إرْدَبٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَسَأَلَهُ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ خَمْسِينَ إرْدَبًّا وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ في خَمْسِينَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كان له أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ في الْمِائَةِ كانت الْخَمْسُونَ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ وإذا كان له أَنْ يَقْبِضَ الْمِائَةَ كانت الْخَمْسُونَ أَوْلَى أَنْ يَقْبِضَهَا وَهَذَا أَبْعَدُ ما خَلَقَ اللَّهُ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَالْبَيْعُ وَالسَّلَفُ الذي نهى عنه أَنْ تَنْعَقِدَ الْعُقْدَةُ على بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَذَلِكَ أَنْ أَقُولَ أَبِيعُك هذا بكذا ( ( ( لكذا ) ) ) على أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا وَحُكْمُ السَّلَفِ أَنَّهُ حَالٌّ فَيَكُونُ الْبَيْعُ وَقَعَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا الْمُسْلَفُ لم يَكُنْ له قَطُّ إلَّا طَعَامٌ ولم تَنْعَقِدْ الْعُقْدَةُ قَطُّ إلَّا عليه فلما كانت الْعُقْدَةُ صَحِيحَةً وكان حَلَالًا له أَنْ يَقْبِضَ طَعَامَهُ كُلَّهُ وَأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ في كُلِّهِ كان له أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ وَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وبينه ( ( ( بينه ) ) ) في بَعْضِ وَهَكَذَا قال بن عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عنه فقال هذا الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا دَابَّةً أو عَرَضًا في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ منه فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كانت الدَّابَّةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أو فَائِتَةً لِأَنَّهُ لو كانت الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِلطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ لم يَكُنْ له إقَالَتُهُ فَيَبِيعُهُ طَعَامًا له عليه بِدَابَّةٍ لِلَّذِي عليه الطَّعَامُ وَلَكِنَّهُ كان فَسَخَ الْبَيْعَ وَفَسْخُ الْبَيْعِ إبْطَالُهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ كانت الدَّابَّةُ قَائِمَةً أو مُسْتَهْلَكَةً فَهِيَ مَضْمُونَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا كانت مُسْتَهْلَكَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَقَالَ رَجُلًا في طَعَامٍ وَفَسَخَ الْبَيْعَ وَصَارَتْ له عليه دَنَانِيرُ مَضْمُونَةٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَجْعَلَهَا سَلَفًا في شَيْءٍ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا كما لو كانت له عليه دَنَانِيرُ سَلَفٍ أو كانت له في يَدَيْهِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَجْعَلَهَا سَلَفًا في شَيْءٍ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا وَمَنْ سَلَّفَ مِائَةً في صِنْفَيْنِ من التَّمْرِ وسمي رَأْسَ مَالِ كل
____________________

(3/76)


وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيلَ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ هَاتَيْنِ بَيْعَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ وَإِنْ لم يُسَمِّ رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا بَيْعٌ أَكْرَهُهُ وقد أَجَازَهُ غَيْرِي فَمَنْ أَجَازَهُ لم يَجْعَلْ له أَنْ يُقِيلَ من الْبَعْضِ قبل أَنْ يَقْبِضَ من قِبَلِ أَنَّهُمَا جميعا صَفْقَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةٌ من الثَّمَنِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقِيمَةٍ وَالْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَبِيعَك تَمْرًا بِعَيْنِهِ وَلَا مَوْصُوفًا بِكَذَا على أَنْ تَبْتَاعَ مِنِّي تَمْرًا بِكَذَا وَهَذَانِ بَيْعَتَانِ في بَيْعَةٍ لِأَنِّي لم أَمْلِكْ هذا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَّا وقد شَرَطْت عَلَيْك في ثَمَنِهِ ثَمَنًا لِغَيْرِهِ فَوَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَحِصَّةٌ في الشَّرْطِ في هذا الْبَيْعِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ وَقَعَتْ في الْبَيْعِ الثَّانِي وَالْبُيُوعُ لَا تَكُونُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في مِائَةِ أردب فَاقْتَضَى منه عَشَرَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ثُمَّ سَأَلَهُ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يَرُدَّ عليه الْعَشَرَةَ التي أَخَذَ منه أو ما أَخَذَ وَيُقِيلُهُ فَإِنْ كان مُتَطَوِّعًا بِالرَّدِّ عليه تَمَّتْ الْإِقَالَةُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كان ذلك على شَرْطِ أَنِّي لَا أَرُدُّهُ عَلَيْك إلَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَنَا فَلَا خَيْرَ في ذلك وَمَنْ كانت له على رَجُلٍ دَنَانِيرُ فَسَلَّفَ الذي عليه الدَّنَانِيرُ رَجُلًا غَيْرَهُ دَنَانِيرَ في طَعَامٍ فَسَأَلَهُ الذي له عليه الدَّنَانِيرُ أَنْ يَجْعَلَ له تِلْكَ الدَّنَانِيرَ في سَلَفِهِ أو يَجْعَلَهَا له تَوْلِيَةً فَلَا خَيْرَ في ذلك لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ وَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَدَيْنٌ بِدَيْنٍ وهو مَكْرُوهٌ في الْآجِلِ وَالْحَالِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ مِائَةَ أردب طَعَامٍ فَقَبَضَهَا منه ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَائِعُ الموفى أَنْ يُقِيلَهُ منها كُلِّهَا أو بَعْضِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وقال مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيلَهُ من الْكُلِّ وَلَا يُقِيلُهُ من الْبَعْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا اشْتَرَوْا من رَجُلٍ طَعَامًا فَأَقَالَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا كَيْلًا فلم يَكِلْهُ ورضى أَمَانَةَ الْبَائِعِ في كَيْلِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَائِعُ أو غَيْرُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ فيه قبل كَيْلِهِ فَلَا خَيْرَ في ذلك لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا حتى يَكْتَالَهُ وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُوَفِّيَهُ الْكَيْلَ فَإِنْ هَلَكَ في يَدِ الْمُشْتَرِي قبل أَنْ يُوَفِّيَهُ الْكُلَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْمُشْتَرِي بِكَيْلِهِ وَالْقَوْلُ في الْكَيْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي لَا أَعْرِفُ الْكَيْلَ فَأَحْلِفُ عليه قِيلَ لِلْبَائِعِ ادَّعِ في الْكَيْلِ ما شِئْت فإذا ادَّعَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ صَدَّقْته فَلَهُ في يَدَيْك هذا الْكَيْلُ وَإِنْ كَذَّبْته فَإِنْ حَلَفْت على شَيْءٍ تُسَمِّيهِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالْيَمِينِ وَإِنْ أَبَيْت فَأَنْتَ رَادٌّ لِلْيَمِينِ عليه حَلَفَ على ما ادَّعَى وَأَخَذَهُ مِنْك ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ يَحِلُّ فيه ما يَحِلُّ في الْبُيُوعِ وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ في الْبُيُوعِ فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أو غَيْرَهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَشْرَكَ فيه رَجُلًا أو يُوَلِّيهِ إيَّاهُ فَالشَّرِكَةُ بَاطِلَةٌ والتوليه وَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ قال الشَّافِعِيُّ وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَاكْتَالَ بَعْضَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ ثُمَّ سَأَلَ أَنْ يُقِيلَهُ من بَعْضِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في طَعَامٍ فَاسْتَغْلَاهُ فقال له الْبَائِعُ أنا شَرِيكُك فيه فَلَيْسَ بِجَائِزٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَقَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَغَابَ عليه ثُمَّ نَدِمَ الْبَائِعُ فَاسْتَقَالَهُ وَزَادَهُ فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ فيه بَيْعًا بِذَلِكَ فَجَائِزٌ وقال مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ وهو بَيْعٌ مُحْدَثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا حَاضِرًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ في ذلك الثَّمَنِ طَعَامًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَخَذَ طَعَامًا فَاسْتُحِقَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لَا بِالطَّعَامِ وَهَكَذَا إنْ أَحَالَهُ بِالثَّمَنِ على رَجُلٍ قال مَالِكٌ لَا خَيْرَ فيه كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامًا على أَنْ يُعْطِيَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامًا حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ أو يُعْطِيَ بِالنِّصْفِ ثَوْبًا أو دِرْهَمًا أو عَرَضًا فَالْبَيْعُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَهَذَا من بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ بَاعَ طَعَامًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ الدِّرْهَمِ نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ
____________________

(3/77)


فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا يَكُونُ نِصْفُهُ له بِالثَّمَنِ وَيَبْتَاعُ منه بِالنِّصْفِ طَعَامًا أو ما شَاءَ إذَا تَقَابَضَا من قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَسَوَاءٌ كان الطَّعَامُ من الصِّنْفِ الذي بَاعَ منه أو غَيْرِهِ لِأَنَّ هذه بَيْعَةٌ جَدِيدَةٌ لَيْسَتْ في الْعُقْدَةِ الْأُولَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ طَعَامًا بِدِينَارٍ حَالًّا فَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ الدِّينَارَ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ من الْمُشْتَرِي طَعَامًا بِدِينَارٍ فَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الدِّينَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ الدِّينَارُ قِصَاصًا من الدِّينَارِ وَلَيْسَ أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ بِالدِّينَارِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنْ يُبْرِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ من الدِّينَارِ الذي عليه بِلَا شَرْطٍ فَإِنْ كان بِشَرْطٍ فَلَا خَيْرَ فيه - * بَابُ بَيْعِ الْآجَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ من ذَهَبَ في بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا عن عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أنها سَمِعَتْ عَائِشَةَ أو سَمِعَتْ امْرَأَةَ أبي السَّفَرِ تَرْوِي عن عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عن بَيْعٍ بَاعَتْهُ من زَيْدِ بن أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ منه بِأَقَلَّ من ذلك نَقْدًا فقالت عَائِشَةُ بِئْسَ ما اشْتَرَيْت وَبِئْسَ ما ابْتَعْت أَخْبِرِي زَيْدَ بن أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد تَكُونُ عَائِشَةُ لو كان هذا ثَابِتًا عنها عَابَتْ عليها بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهَذَا مِمَّا لَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) لَا أنها عَابَتْ عليها ما اشْتَرَتْ منه بِنَقْدٍ وقد بَاعَتْهُ إلَى أَجَلٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في شَيْءٍ فقال بَعْضُهُمْ فيه شيئا وقال بَعْضُهُمْ بِخِلَافِهِ كان أَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الذي معه الْقِيَاسُ وَاَلَّذِي معه الْقِيَاسُ زَيْدُ بن أَرْقَمَ وَجُمْلَةُ هذا أَنَّا لَا نُثْبِتُ مثله على عَائِشَةَ مع أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ لَا يَبِيعُ إلَّا ما يَرَاهُ حَلَالًا وَلَا يَبْتَاعُ مثله فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ شيئا أو ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ مُحَرَّمًا وهو يَرَاهُ حَلَالًا لم نَزْعُمْ أَنَّ اللَّهَ يُحْبِطُ من عَمَلِهِ شيئا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ اين الْقِيَاسُ مع قَوْلِ زَيْدٍ قُلْت أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْأُولَى أَلَيْسَ قد ثَبَتَ بها عليه الثَّمَنُ تَامًّا فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ أَفَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ أَهِيَ الْأُولَى فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَحَرَامٌ عليه أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِنَقْدٍ وَإِنْ كان اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ قال لَا إذَا بَاعَهُ من غَيْرِهِ قِيلَ فَمَنْ حَرَّمَهُ منه فَإِنْ قال كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ السِّلْعَةُ أو اشْتَرَى شيئا دَيْنًا بِأَقَلَّ منه نَقْدًا قِيلَ إذَا قُلْت كان لِمَا ليس هو بِكَائِنٍ لم يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْك أَرَأَيْت لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَانَ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ دَيْنًا وَاشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ أو بِمِائَتَيْنِ نَقْدًا فَإِنْ قال جَائِزٌ قِيلَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت كان ثَمَّ أو ها هنا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَشْتَرِيَ منه مِائَةَ دِينَارٍ دَيْنًا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ نَقْدًا فَإِنْ قُلْت إنَّمَا اشْتَرَيْت منه السِّلْعَةَ قِيلَ فَهَكَذَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ أَوَّلًا وَلَا تَقُولُ كان لِمَا ليس هو بِكَائِنٍ أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ بِالنَّقْدِ لو انْتَقَضَتْ أَلَيْسَ تُرَدُّ السِّلْعَةُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ ثَابِتًا كما هو فَتَعْلَمُ أَنَّ هذه بَيْعَةٌ غَيْرُ تِلْكَ الْبَيْعَةِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا اتَّهَمْته قُلْنَا هو أَقَلُّ تُهْمَةً على مَالِهِ مِنْك فَلَا تَرْكَنْ عليه إنْ كان خَطَأً ثُمَّ تُحَرِّمُ عليه ما أَحَلَّ اللَّهُ له لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَهَذَا بَيْعٌ وَلَيْسَ بِرِبًا وقد روى إجَازَةُ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ عن غَيْرِ وَاحِدٍ وروى عن غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا أَنْ لَا يُبَاعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَطَاءَ قد يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ وَإِنَّمَا الْآجَالُ مَعْلُومَةٌ بِأَيَّامٍ مَوْقُوتَةٍ أو اهله وَأَصْلُهَا في الْقُرْآنِ قال اللَّهُ عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وقال تَعَالَى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } وقال عز وجل { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } فَقَدْ وَقَّتَ بِالْأَهِلَّةِ كما وَقَّتَ بِالْعِدَّةِ وَلَيْسَ الْعَطَاءُ من مَوَاقِيتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وقد يَتَأَخَّرُ الزَّمَانُ وَيَتَقَدَّمُ وَلَيْسَ تَسْتَأْخِرُ الْأَهِلَّةُ أَبَدًا أَكْثَرَ من يَوْمٍ فإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ السِّلْعَةَ فَقَبَضَهَا وكان الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ
____________________

(3/78)


يَبْتَاعَهَا من الذي اشْتَرَاهَا منه وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ أَقَلَّ او اكثر مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ أو بِدَيْنٍ كَذَلِكَ أو عَرَضٍ من الْعُرُوضِ سَاوَى الْعَرَضَ ما شَاءَ أَنْ يُسَاوِيَ وَلَيْسَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ من الْبَيْعَةِ الْأُولَى بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كان لِلْمُشْتَرِي الْبَيْعَةُ الْأُولَى إنْ كانت أَمَةً أَنْ يُصِيبَهَا أو يَهَبَهَا أو يُعْتِقَهَا أو يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ غير بَيْعِهِ بِأَقَلَّ أو اكثر مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ نَسِيئَةً فإذا كان هَكَذَا فَمَنْ حَرَّمَهَا على الذي اشْتَرَاهَا وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ وَهَذَا إنَّمَا تَمَلَّكَهَا مِلْكًا جَدِيدًا بِثَمَنٍ لها لَا بِالدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّ هذا كان ثَمَنًا لِلدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَكَيْفَ إنْ جَازَ هذا على الذي بَاعَهَا لَا يَجُوزُ على أَحَدٍ لو اشْتَرَاهَا قال الشَّافِعِيُّ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ كُلُّهُ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ وإذا بِعْت منه صِنْفًا بِصِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إنْ كان كَيْلًا فَكَيْلٌ وَإِنْ كان وَزْنًا فَوَزْنٌ كما لَا تَصْلُحُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا تَصْلُحُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كما يَصْلُحُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَجَازَ الْفَضْلُ في أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه جُزَافًا بِجُزَافٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُتَفَاضِلًا وَالتَّفَاضُلُ لَا بَأْسَ بِهِ وإذا كان شَيْءٌ من الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ أو الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ فَكَانَ الآدميون ( ( ( للآدميين ) ) ) يصنعون فيه صَنْعَةٌ يَسْتَخْرِجُونَ بها من الْأَصْلِ شيئا يَقَعُ عليه اسْمٌ دُونَ اسْمٍ فَلَا خَيْرَ في ذلك الشَّيْءِ بِشَيْءٍ من الْأَصْلِ وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فيه كما لو أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أو قُبَّةً أو حُلِيًّا ما كان لم تَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ أَبَدًا إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَكَمَا لو أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ في شَنٍّ أو جَرَّةٍ أو غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أو لم يَنْزِعْهُ لم يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ قد يَخْتَلِفُ في أَصْلِ الْكَيْلِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ لِأَنَّ الدَّقِيقَ من الْحِنْطَةِ وقد يَخْرُجُ من الْحِنْطَةِ من الدَّقِيقِ ما هو أَكْثَرُ من الدَّقِيقِ الذي بِيعَ بها وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا بِمَعْلُومٍ من صِنْفٍ فيه الرِّبَا وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِخُبْزٍ وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِفَالُوذَجٍ إنْ كان نَشَا سععة من حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ لَا يَصْلُحُ هذا لِمَا وَصَفْت وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّمْرِ الْكَيْلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بِعْت شيئا من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ أو الذَّهَبِ أو الْوَرِقِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وإن يَكُونَ ما بِعْت منه صِنْفًا وَاحِدًا جَيِّدًا أو رَدِيئًا وَيَكُونُ ما اشْتَرَيْت منه صِنْفًا وَاحِدًا وَلَا يُبَالِي أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ أو اردأ مِمَّا اشْتَرَيْته بِهِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ خَمْسِينَ دِينَارًا مَرْوَانِيَّةً وَخَمْسِينَ حَدَبًا بِمِائَةٍ هَاشِمِيَّةً وَلَا بِمِائَةٍ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ صَاعَ بردى وَصَاعَ لَوْنٍ بِصَاعَيْ صَيْحَانِيٍّ وَإِنَّمَا كَرِهْت هذا من قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ فَيَكُونُ ثَمَنُ صَاعِ البردى بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَثَمَنُ صَاعِ اللَّوْنِ دِينَارًا وَثَمَنُ صَاعِ الصَّيْحَانِيِّ يَسْوَى دِينَارَيْنِ فَيَكُونُ صَاعُ البردى بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ صَاعَيْ الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَصَاعُ اللَّوْنِ بِرُبْعِ صاعى الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ صَيْحَانِيٍّ فَيَكُونُ هذا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا هذا في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكُلِّ ما كان فيه الرِّبَا في التَّفَاضُلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ شَيْءٍ من الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَصْلُحُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فقال أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فقال نعم فَنَهَى عنه فَنَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ في الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُمَا إذَا تَيَبَّسَا اخْتَلَفَ نَقْصُهُمَا فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ في الْمُعْتَقَبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ لَا يَيْبَسُ إذَا كان مِمَّا يَيْبَسُ
____________________

(3/79)


فَلَا خَيْرَ في رُطَبٍ منه بِرُطَبٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا عَدَدًا بِعَدَدٍ وَلَا خَيْرَ في أُتْرُجَّةٍ بِأُتْرُجَّةٍ وَلَا بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بعض وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِأُتْرُجَّةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَعَشْرِ بِطِّيخَاتٍ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُمَا فإذا كان من الرُّطَبِ شَيْءٌ لَا يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ أَبَدًا مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ على بَعْضٍ إنْ كان مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنًا وَإِنْ كان مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلًا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَفَاضُلَ فيه حتى يَخْتَلِفَ الصِّنْفَانِ وَلَا خَيْرَ في التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حتى يَكُونَ ينتهى يُبْسُهُ وَإِنْ انْتَهَى يُبْسُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ انْتِفَاخًا من بَعْضٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان منه شَيْءٌ مَغِيبٌ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وما يَكُونُ مَأْكُولُهُ في دَاخِلِهِ فَلَا خَيْرَ في بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَلَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّ مَأْكُولَهُ مَغِيبٌ وَأَنَّ قِشْرَهُ يَخْتَلِفُ في الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ فَلَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا مَجْهُولًا بِمَجْهُولٍ فإذا كُسِرَ فَخَرَجَ مَأْكُولُهُ فَلَا بَأْسَ في بَعْضِهِ بِبَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كان كَيْلًا فَكَيْلًا وَإِنْ كان وَزْنًا فَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ الْخُبْزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَلَا كَيْلًا من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان رَطْبًا فَقَدْ يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وإذا انْتَهَى يُبْسُهُ فَلَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُكْتَالَ وَأَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلَا خَيْرَ فيه وَزْنًا لِأَنَّا لَا نُحِيلُ الْوَزْنَ إلَى الْكَيْلِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ ما وُزِنَ على عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَكُلُّ ما كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وما أَحْدَثَ الناس منه مِمَّا يُخَالِفُ ذلك رُدَّ إلَى الْأَصْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلَةِ أو النَّخْلَ بِالْحِنْطَةِ فَتَقَابَضَا فَلَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا أَجَلَ فيه وَإِنِّي أَعُدُّ الْقَبْضَ في رؤوس النَّخْلِ قَبْضًا كما أَعُدُّ قَبْضَ الْجُزَافِ قَبْضًا إذَا خَلَّى الْمُشْتَرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ تَرَكْته أنا فَالتَّرْكُ من قِبَلِي وَلَوْ أُصِيبُ كان عَلَيَّ لِأَنِّي قَابِضٌ له وَلَوْ أَنِّي اشْتَرَيْته على أَنْ لَا أَقْبِضَهُ إلَى غَدٍ أو أَكْثَرَ من ذلك فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْت الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ وَهَكَذَا اشْتِرَاؤُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ أشتريه بِهِمَا على أَنْ أَقْبِضَهُ في غَدٍ أو بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّهُ قد يَأْتِي غَدٌ أو بَعْدَ غَدٍ فَلَا يُوجَدُ وَلَا خَيْرَ في اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِاللَّبَنِ الْمَضْرُوبِ لِأَنَّ في الْمَضْرُوبِ مَاءً فَهُوَ مَاءٌ وَلَبَنٌ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه مَاءٌ فَأُخْرِجَ زُبْدُهُ لم يَجُزْ بِلَبَنٍ لم يُخْرَجْ زُبْدُهُ لِأَنَّهُ قد اخرج منه شَيْءٌ هو من نَفْسِ جَسَدِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في تَمْرٍ قد عُصِرَ وَأُخْرِجَ صَفْوُهُ بِتَمْرٍ لم يُخْرَجْ صَفْوُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد أُخْرِجَ منه شَيْءٌ من نَفْسِهِ وإذا لم يُغَيَّرْ عن خِلْقَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ إذَا خُلِطَ في شَيْءٍ منه مَاءٌ بِشَيْءٍ قد خُلِطَ فيه مَاءٌ وَلَا بِشَيْءٍ لم يُخْلَطْ فيه مَاءٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ بِلَبَنٍ مَجْهُولٍ وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ فَيَجُوزُ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَلَيْسَ لَبَنُ الظِّبَاءِ منه وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ وَلَيْسَ لَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِ منه وَيَجُوزُ لَبَنُ الْإِبِلِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ الْعِرَابِ وَالْبُخْتِ وَكُلُّ هذا صِنْفٌ الْغَنَمُ صِنْفٌ وَالْبَقَرُ صِنْفٌ وَالْإِبِلُ صِنْفٌ وَكُلُّ صِنْفٍ غَيْرُ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ أَنَسِيُّهُ بِوَحْشِيِّهِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لُحُومُهُ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ إذَا اخْتَلَفَ وَرَطْبٌ بِرَطْبٍ وَيَابِسٌ بِيَابِسٍ فإذا كان منها شَيْءٌ من صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ لم يَجُزْ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَجَازَ إذَا يَبِسَ فَانْتَهَى يُبْسُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في مُدِّ زُبْدٍ وَمُدِّ لَبَنٍ بمدى زُبْدٍ وَلَا خَيْرَ في جُبْنٍ بِلَبَنٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ من اللَّبَنِ جُبْنٌ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أُخْرِجَ زُبْدُ اللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ بِزُبْدٍ وَسَمْنٍ لِأَنَّهُ لَا زُبْدَ في اللَّبَنِ وَلَا سَمْنَ وإذا لم يُخْرَجْ
____________________

(3/80)


زُبْدُهُ فَلَا خَيْرَ فيه بِسَمْنٍ وَلَا زُبْدٍ وَلَا خَيْرَ في الزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بِزَيْتِ الْفُجْلِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ إلَّا سَوَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْقَصَبِ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وإذا كان خَلٌّ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمَاءِ مِثْلُ خَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فيه بَعْضُهُ بِبَعْضٍ من قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَكْثُرُ وَيَقِلُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اخْتَلَفَ وَالنَّبِيذُ الذي لَا يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ التي لَا لَبَنَ فيها حين تُبَاعُ بِاللَّبَنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيها إنْ كان فيها لَبَنٌ حين تُبَاعُ بِاللَّبَنِ لِأَنَّ لِلَّبَنِ الذي فيها حِصَّةً من اللَّبَنِ الْمَوْضُوعِ لَا تُعْرَفُ وَإِنْ كانت مَذْبُوحَةً لَا لَبَنَ فيها فَلَا بَأْسَ بها بِلَبَنٍ وَلَا خَيْرَ فيها مَذْبُوحَةً بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ بها قَائِمَةً لَا لَبَنَ فيها بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ عَرَضٌ بِطَعَامٍ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِمَا سَمَّيْتَ من أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ بِأَيِّ طَعَامٍ شِئْت إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ ليس من الطَّعَامِ وَلَا مِمَّا فيه رِبًا وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ لِلذَّبْحِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ بِاللَّبَنِ إذَا كانت الشَّاةُ لَا لَبَنَ فيها من قِبَلِ أنها حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ بِالطَّعَامِ وَالْمَأْكُولُ كُلُّ ما أَكَلَهُ بَنُو آدَمَ وَتَدَاوَوْا بِهِ حتى الأهليلج وَالصَّبِرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالذَّهَبِ وَكُلُّ ما لم يَأْكُلْهُ بَنُو آدَمَ واكلته الْبَهَائِمُ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ والى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إذَا اخْتَلَفَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ سَوَاءٌ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ فيه وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا وَلَا خَيْرَ في اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْمَالِحِ وَالْمَطْبُوخِ وَلَا بِالْيَابِسِ على كل حَالٍ وَلَا يَجُوزُ الطَّرِيُّ بِالطَّرِيِّ وَلَا الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ حتى يَكُونَا يَابِسَيْنِ أو حتى تَخْتَلِفَ أَجْنَاسُهُمَا فَيَجُوزَ على كل حَالٍ كَيْفَ كان ( قال الرَّبِيعُ ) وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ من الْحَمَامِ فَلَا يَجُوزُ لَحْمُ الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ وَإِنْ كان من غَيْرِ الْحَمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ على كل حَالٍ كان من صِنْفِهِ أو من غَيْرِ صِنْفِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن اسلم عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن الْقَاسِمِ بن أبي بَزَّةَ قال قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت جَزُورًا قد جُزِرَتْ فَجُزِّئَتْ أَجْزَاءً كُلَّ جُزْءٍ منها بِعَنَاقٍ فَأَرَدْت أَنْ أَبْتَاعَ منها جُزْءًا فقال لي رَجُلٌ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ فَسَأَلْت عن ذلك الرَّجُلِ فَأُخْبِرْت عنه خَيْرًا قال أخبرنا بن أبي يحيى عن صَالِحٍ مولى التَّوْأَمَةِ عن بن عَبَّاسٍ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَوَاءٌ كان الْحَيَوَانُ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو لَا يُؤْكَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اللَّحْمُ وَالْحَيَوَانُ أو لم يَخْتَلِفْ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في اللَّحْمِ إذَا دَفَعْت ما سُلِّفْت فيه قبل أَنْ تَأْخُذَ من اللَّحْمِ شيئا وتسمى اللَّحْمَ ما هو وَالسَّمَانَةُ وَالْمَوْضِعُ وَالْأَجَلُ فيه فَإِنْ تَرَكْت من هذا شيئا لم يَجُزْ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ فيه إلَّا وَاحِدًا فإذا كان الْأَجَلُ فيه وَاحِدًا ثُمَّ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا في كل يَوْمٍ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَ لَحْمِ ضَأْنٍ قد حَلَّ لَحْمَ بَقَرٍ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُسْتَوْفَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الرُّءُوسِ وَلَا في الْجُلُودِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ لِلْجُلُودِ على ذَرْعٍ وَأَنَّ خِلْقَتَهَا تَخْتَلِفُ فَتَتَبَايَنُ في الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ وَأَنَّهَا لَا تَسْتَوِي على كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الرُّءُوسِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَوِي على وَزْنٍ وَلَا تُضْبَطُ بِصِفَةٍ فَتَجُوزُ كما تَجُوزُ الْحَيَوَانَاتُ الْمَعْرُوفَةُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ
____________________

(3/81)


أَنْ تشتري إلَّا يَدًا بِيَدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّرِيِّ من الْحِيتَانِ إنْ ضُبِطَ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ من صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَجِنْسٍ من الْحِيتَانِ مُسَمًّى لَا يَخْتَلِفُ في الْحَالِ التي يَحِلُّ فيها فَإِنْ أَخْطَأَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ في الرَّقِيقِ وَالْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ إذَا كان تُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يَخْتَلِفُ في الْحِينِ الذي يَحِلُّ فيه وَسَوَاءٌ كان مِمَّا يُسْتَحْيَا أو مِمَّا لَا يُسْتَحْيَا فإذا حَلَّ من هذا شَيْءٌ وهو من أَيِّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ لم يَجُزْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَبِيعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يُقِيلَ من أَصْلِ الْبَيْعِ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَلَا يَجُوزَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الشَّاةَ ويستثنى شيئا منها جِلْدًا وَلَا غَيْرَهُ في سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَوْ كان الْحَدِيثُ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّفَرِ أَجَزْنَاهُ في السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على هذا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَخَذَ ما اسْتَثْنَى من ذلك وَفَاتَ رَجَعَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي فَأَخَذَ منه قِيمَةَ اللَّحْمِ يوم أَخَذَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلَّفَ رَجُلٌ في لَبَنِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا سمي الْكَيْلَ أو لم يُسَمِّهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في طَعَامِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَإِنْ كان اللَّبَنُ من غَنَمٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ كان الطَّعَامُ من غَيْرِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في لَبَنِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا الشَّهْرَ وَلَا أَقَلَّ من ذلك وَلَا أَكْثَرَ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا زَرْعٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ بِالصِّفَةِ إلَّا في الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ أَنْ يَنْقَطِعَ من أَيْدِي الناس في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا أَقَلَّ من شَهْرٍ وَلَا أَكْثَرَ من قِبَلِ أَنَّ الْغَنَمَ يَقِلُّ لَبَنُهَا وَيَكْثُرُ وينفد ( ( ( وينفذ ) ) ) وَتَأْتِي عليه الْآفَةُ وَهَذَا بَيْعُ ما لم يُخْلَقْ قَطُّ وَبَيْعُ ما إذَا خُلِقَ كان غير مَوْقُوفٍ على حَدِّهِ بِكَيْلٍ لِأَنَّهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَبِغَيْرِ صِفَةٍ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَهُوَ حَرَامٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ بَيْعُ المقاثيء ( ( ( المقاثي ) ) ) بُطُونًا وَإِنْ طَابَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ رُئِيَ فَحَلَّ بَيْعُهُ على الإنفراد فما بَعْدَهُ من الْبُطُونِ لم يُرَ وقد يَكُونُ قَلِيلًا فَاسِدًا وَلَا يَكُونُ وَكَثِيرًا جَيِّدًا وَقَلِيلًا مَعِيبًا وَكَثِيرًا بَعْضُهُ أَكْثَرُ من بَعْضٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ إلَّا على عَيْنٍ يَرَاهَا صَاحِبُهَا أو بَيْعٌ مَضْمُونٌ على صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ يَأْتِي بها على الصِّفَةِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعٌ ثَالِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يكترى الرَّجُلُ الْبَقَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ حِلَابَهَا لِأَنَّ ها هنا بَيْعًا حَرَامًا وَكِرَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الطَّعَامَ الْحَاضِرَ على أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ وَيَحْمِلَهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ هذا فَاسِدٌ من وُجُوهٍ أَمَّا أَحَدُهَا إذَا اسْتَوْفَاهُ بِالْبَلَدِ خَرَجَ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ وكان على الْمُشْتَرِي حَمْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ قبل أَنْ يَأْتِيَ الْبَلَدَ الذي حَمَلَهُ إلَيْهِ لم يَدْرِ كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الْكِرَاءِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَالْبَيْعُ لَا يَحِلُّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ هو من ضَمَانِ الْحَامِلِ حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ الذي شَرَطَ له أَنْ يَحْمِلَهُ إلَيْهِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ على أَنْ يُوَفِّيَهُ بِبَلَدٍ فَاسْتَوْفَاهُ ولم يَخْرُجْ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ وَلَا أَعْلَمُ بَائِعًا يوفى رَجُلًا بَيْعًا إلَّا خَرَجَ من ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ ثَانِيَةً فَبِأَيِّ شَيْءٍ ضَمِنَ بِسَلَفٍ أو بَيْعٍ أو غَصْبٍ فَهُوَ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ ضَمِنَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَهَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ بِيعَ مَرَّتَيْنِ وأوفى مَرَّتَيْنِ وَالْبَيْعُ في الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ مَقْبُوضًا مَرَّتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في التحري في كل شَيْءٍ كان فيه الرِّبَا في الْفَضْلِ بَعْضُهُ على بَعْضٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ السَّمْنَ أو الزَّيْتَ وَزْنًا بِظُرُوفِهِ فَإِنْ شُرِطَ الظَّرْفُ في الْوَزْنِ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَزْنًا على أَنْ يُفْرِغَهَا ثُمَّ يَزِنَ الظَّرْفَ فَلَا بَأْسَ وَسَوَاءٌ الْحَدِيدُ وَالْفَخَّارُ وَالزُّقَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا يَرَاهُ في بَيْتٍ أو حُفْرَةٍ أو هرى أو طَاقَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ فإذا وُجِدَ أَسْفَلُهُ مُتَغَيِّرًا عَمَّا رَأَى أَعْلَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ
____________________

(3/82)


في أَخْذِهِ أو تَرْكِهِ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ الْعَيْبُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ كَثُرَ ذلك أو قَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فإذا كان الْحَائِطُ لِلرَّجُلِ وَطَلَعَتْ الثُّرَيَّا وَاشْتَدَّتْ النَّوَاةُ وَاحْمَرَّ بَعْضُهُ أو اصْفَرَّ حَلَّ بَيْعُهُ على أَنْ يُتْرَكَ إلَى أَنْ يُجَدَّ وإذا لم يَظْهَرْ ذلك في الْحَائِطِ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَإِنْ ظَهَرَ ذلك فِيمَا حَوْلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ما حَوْلَهُ وَهَذَا إذَا كان الْحَائِطُ نَخْلًا كُلُّهُ ولم يَخْتَلِفْ النَّخْلُ فَأَمَّا إذَا كان نَخْلًا وَعِنَبًا أو نَخْلًا وَغَيْرَهُ من الثَّمَرِ فَبَدَا صَلَاحُ صِنْفٍ منه فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الذي لم يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ما كان الْمُشْتَرَى منه تَحْتَ الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وما أَشْبَهَ ذلك وَيَجُوزُ شِرَاءُ ما ظَهَرَ من وَرَقِهِ لِأَنَّ الْمَغِيبَ منه يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَيَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلَيْسَ بِعَيْنٍ تُرَى فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا وَلَا مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَلَا عَيْنٍ غَائِبَةٍ فإذا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِهَا كان له الْخِيَارُ وَلَا أَعْلَمُ الْبَيْعَ يَخْرُجُ من وَاحِدَةٍ من هذه الثَّلَاثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان في بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا خَبَرٌ يَثْبُتُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَجَازَهُ في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ في الْحَالِ التي أَجَازَهُ فيها وَغَيْرُ جَائِزٍ في الْحَالِ التي تُخَالِفُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه خَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ على حَالٍ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَفْسُدُ وَيَصْلُحُ كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ في جِرَابٍ وَلَا غِرَارَةٍ وَهُمَا كَانَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَا منه وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا على أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ إذَا كان الْقَصِيلُ مِمَّا يُسْتَخْلَفُ وَإِنْ تَرَكَهُ انْتَقَضَ فيه الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ منه ما ليس في الْبَيْعِ وَإِنْ كان الْقَصِيلُ مِمَّا لَا يَسْتَخْلِفُ وَلَا يَزِيدُ لم يَجُزْ أَيْضًا بَيْعُهُ إلَّا على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَإِنْ قَطَعَهُ أو نَتَفَهُ فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يَنْتِفْهُ فَعَلَيْهِ قَطْعُهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالثَّمَرَةِ له لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَصْلَهُ وَمَتَى ما شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُقْلِعَهُ عنه قَلَعَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ حتى تَطِيبَ الثمرة ( ( ( الثمر ) ) ) فَلَا بَأْسَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ من الثَّمَرَةِ شَيْءٌ ( قال ) وإذا ظَهَرَ الْقُرْطُ أو الْحَبُّ فَاشْتَرَاهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَطَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلَا خَيْرَ فيه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ يَقْطَعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا مَتَى شَاءَ رَبُّ النَّخْلِ وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ النَّخْلِ مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهُ بِقَطْعِهَا قَطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا على أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ فَإِنْ قَطَعَ منها شيئا فَكَانَ له مِثْلُ رَدِّ مِثْلِهِ وَلَا أَعْلَمُ له مِثْلًا وإذا لم يَكُنْ له مِثْلٌ رَدَّ قِيمَتَهُ وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ التَّمْرِ إلَّا بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ الْمَعْلُومُ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ من شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أو هِلَالِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْحَصَادِ وَلَا إلَى الْجِدَادِ لِأَنَّ ذلك يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَإِنَّمَا قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } وقال عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } فَلَا تَوْقِيتَ إلَّا بِالْأَهِلَّةِ أو سِنِي الْأَهِلَّةِ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في بَيْعِ قَصِيلِ الزَّرْعِ كان حَبًّا أو قَصِيلًا على أَنْ يُتْرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذلك خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ لم يَكُنْ فيه خَبَرٌ فَلَا خَيْرَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى نَخْلًا فيها ثَمَرٌ قد أُبِّرَتْ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ فَجَائِزٌ من قِبَلِ أنها في نَخْلِهِ وَإِنْ كانت لم تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ تَرَكَ له كَيْنُونَةَ الثَّمَرَةِ في نَخْلِهِ حين بَاعَهُ إيَّاهَا إذَا كان اسْتَثْنَى على أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى على أَنْ يُقِرَّهَا فَلَا خَيْرَ في الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ تَكُونَ مُقَرَّةً إلَى وَقْتٍ قد تَأْتِي عليها الْآفَةُ قَبْلَهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ النصف ( ( ( للنصف ) ) ) مَعْلُومًا فَيَسْتَثْنِيَهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ ثُمَّ إنْ تَرَكَهُ بَعْدُ لم يَحْرُمْ عليه والإستثناء مِثْلُ الْبَيْعِ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَيَفْسُدُ فيه ما يَفْسُدُ فيه ( قال ) وإذا أُبِّرَ من النَّخْلِ وَاحِدَةٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ لم يُؤَبَّرْ منها شَيْءٌ فَثَمَرُهَا لِلْمُبْتَاعِ كما إذَا طَابَ من
____________________

(3/83)


النَّخْلِ وَاحِدَةٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَإِنْ لم يَطِبْ الْبَاقِي منه فَإِنْ لم يَطِبْ منه شَيْءٌ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَا شَيْءَ مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَعْرِفُهُ إلَّا الْكُرْسُفَ فإنه يَخْرُجُ في أَكْمَامِهِ كما يَخْرُجُ الطَّلْعُ في أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فإذا انْشَقَّ منه شَيْءٌ فَهُوَ كَالنَّخْلِ يُؤَبَّرُ وإذا انْشَقَّ النَّخْلُ ولم يُؤَبَّرْ فَهِيَ كَالْإِبَارِ لِأَنَّهُمْ يُبَادِرُونَ بِهِ إبَارَتَهُ إنَّمَا يُؤَبَّرُ سَاعَةَ يَنْشَقُّ والا فَسَدَ فَإِنْ كان من الثَّمَرِ شَيْءٌ يَطْلُعُ في أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فَيَصِيرُ في إنشقاقه فَهُوَ كَالْإِبَارِ في النَّخْلِ وما كان من الثَّمَرِ يَطْلُعُ كما هو لاكمام عليه أو يَطْلُعُ عليه كِمَامٌ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فإذا بَاعَهُ رَجُلٌ وهو كَذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ له إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فيها زَرْعٌ تَحْتَ الْأَرْضِ أو فَوْقَهَا بَلَغَ أو لم يَبْلُغْ فَالزَّرْعُ لِلْبَائِعِ وَالزَّرْعُ غَيْرُ الْأَرْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ فَاسْتَثْنَى منه مَكِيلَةً قَلَّتْ أو كَثُرَتْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَكِيلَةَ قد تَكُونُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي لم يَشْتَرِ شيئا يَعْرِفُهُ وَلَا الْبَائِعُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يستثنى من جُزَافٍ بَاعَهُ شيئا إلَّا ما لَا يُدْخِلُهُ في الْبَيْعِ وَذَلِكَ مِثْلُ نَخَلَاتٍ يُسْتَثْنَيْنَ بِأَعْيَانِهِنَّ فَيَكُونُ بَاعَهُ ما سِوَاهُنَّ أو ثُلُثٌ أو رُبْعٌ أو سَهْمٌ من أَسْهُمِ جُزَافٍ فَيَكُونُ ما لم يُسْتَثْنَ دَاخِلًا في الْبَيْعِ وما استثنى خَارِجًا منه فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا لَا يَدْرِي كَمْ هو ويستثنى منه كَيْلًا مَعْلُومًا فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ الْبَائِعَ حِينَئِذٍ لَا يَدْرِي ما بَاعَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي ما اشْتَرَى وَمِنْ هذا أَنْ يَبِيعَهُ الْحَائِطَ فيستثنى منه نَخْلَةً أو أَكْثَرَ لَا يُسَمِّيهَا بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْخِيَارُ في اسْتِثْنَائِهَا إلَيْهِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ لها حَظًّا من الْحَائِطِ لَا يَدْرِي كَمْ هو وَهَكَذَا الْجُزَافُ كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ رَجُلًا شيئا ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ منه شيئا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما اسْتَثْنَى منه خَارِجًا من الْبَيْعِ لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ كما وَصَفْت وَإِنْ بَاعَهُ ثَمَرَ حَائِطٍ على أَنَّ له ما سَقَطَ من النَّخْلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ الذي يَسْقُطُ منها قد يَقِلُّ وَيَكْثُرُ أَرَأَيْت لو سَقَطَتْ كُلُّهَا أَتَكُونُ له فَأَيُّ شَيْءٍ بَاعَهُ إنْ كانت له أو رَأَيْت لو سَقَطَ نِصْفُهَا أَيَكُونُ له النِّصْفُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا كما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِ من رَجُلٍ وَقَبَضَهُ منه وَتَفَرَّقَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَفِيهَا نَخْلٌ قد طَابَ ثَمَرُهُ على أَنَّ له الثَّمَرَةَ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنَّهُ كِرَاءٌ وَبَيْعٌ وقد يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَيَبْقَى ثَمَرُ الشَّجَرِ الذي اشْتَرَى فَيَكُونُ بِغَيْرِ حِصَّةٍ من الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَالْبُيُوعُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةَ الْأَثْمَانِ فَإِنْ قال قد يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَالْعَبْدَيْنِ وَالدَّارَ وَالدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً قِيلَ نعم فإذا انْتَقَضَ الْبَيْعُ في أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُشْتَرَيَيْنِ انْتَقَضَ في الْكُلِّ وهو مَمْلُوكُ الرِّقَابِ كُلِّهِ وَالْكِرَاءُ ليس بِمَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا هو مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ فإذا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا وَيَكْتَرِيَ دَارًا تَكَارَى الدَّارَ على حِدَةٍ وَاشْتَرَى الثَّمَرَةَ على حِدَةٍ ثُمَّ حَلَّ في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ ما يَحِلُّ في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْحَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ اسْتَوَيَا أو اخْتَلَفَا إذَا لم يَكُنْ فِيهِمَا ثَمَرٌ فَإِنْ كان فِيهِمَا ثمر ( ( ( تمر ) ) ) فَكَانَ الثمر ( ( ( التمر ) ) ) مُخْتَلِفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كان الثَّمَرُ قد طَابَ أو لم يَطِبْ وَإِنْ كان ثَمَرُهُ وَاحِدًا فَلَا خَيْرَ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا بِعْتُك حَائِطًا بِحَائِطٍ وَفِيهِمَا جميعا ثَمَرٌ فَإِنْ كان الثَّمَرَانِ مُخْتَلِفَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ كَرْمٌ فيه عِنَبٌ أو زَبِيبٌ بِحَائِطِ نَخْلٍ فيه بُسْرٌ أو رُطَبٌ بِعْتُك الْحَائِطَ بِالْحَائِطِ على أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَائِطًا بِمَا فيه فإن الْبَيْعَ جَائِزٌ وَإِنْ كان الْحَائِطَانِ مُسْتَوِيَيْ الثَّمَرِ مِثْلُ النَّخْلِ وَنَخْلٌ فِيهِمَا الثَّمَرُ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنِّي بِعْتُك حَائِطًا وَثَمَرًا بِحَائِطٍ وَثَمَرٍ
____________________

(3/84)


وَالثَّمَرُ بِالثَّمَرِ لَا يَجُوزُ ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى الْقَصِيلِ عِنْدِي الذي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ إذَا كان قد سَنْبَلَ فَأَمَّا إذَا لم يُسَنْبِلْ وكان بَقْلًا فَاشْتَرَاهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ فَلَا بَأْسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) عَامَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ على الشَّطْرِ وَخَرَصَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بن رَوَاحَةَ وَخَرَصَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَمْرَ الْمَدِينَةِ وامر بِخَرْصِ أَعْنَابِ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَخَذَ الْعُشْرَ منهم بِالْخَرْصِ وَالنِّصْفَ من أَهْلِ خَيْبَرَ بِالْخَرْصِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ بِالْخَرْصِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ غَيْرِهِمَا بِالْخَرْصِ لِأَنَّهُمَا الْمَوْضِعَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْخَرْصِ فِيهِمَا ولم نَعْلَمْهُ أَمَرَ بِالْخَرْصِ في غَيْرِهِمَا وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا سِوَاهُمَا من الثَّمَرِ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا وَأَنَّهُ لَا حَائِلَ دُونَهُمَا من وَرَقٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَنَّ مَعْرِفَةَ خَرْصِهِمَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً وَلَا تخطيء ( ( ( تخطئ ) ) ) وَلَا يُقْسَمُ شَجَرٌ غَيْرُهُمَا بِخَرْصٍ وَلَا ثَمَرُهُ بعد ما يُزَايِلُ شَجَرَهُ بِخَرْصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان بين الْقَوْمِ الْحَائِطُ فيه الثَّمَرُ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا لم يَجُزْ قَسْمُهُ من قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً من الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً من الثَّمَنِ فَتَقَعُ الثَّمَرَةُ بِالثَّمَرَةِ مَجْهُولَةً لَا بِخَرْصٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الْأَصْلَ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعَةً إنْ كانت لم تَبْلُغْ أو كانت قد بَلَغَتْ غير أنها إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ مع النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ من الْبُيُوعِ فَقَوَّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَا بهذا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ ليس في تَفَاضُلِ الثَّمَرَةِ بِالثَّمَرَةِ تُخَالِفُهَا رِبًا في يَدٍ بِيَدٍ وما جَازَ في الْقَسْمِ على الضَّرُورَةِ جَازَ في غَيْرِهَا وما لم يَجُزْ في الضَّرُورَةِ لم يَجُزْ في غَيْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَمُ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قد ينفد ( ( ( ينفذ ) ) ) ويخطيء ( ( ( ويخطئ ) ) ) وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ في الرُّطَبِ من الثَّمَرِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في وَقْتِ تَطِيب الثَّمَرَةِ فإذا قَبَضَ بَعْضَهُ وَنَفِدَتْ الثَّمَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ قبل قَبْضِ الْبَاقِي منها كان لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ كُلَّهُ وَيَرُدَّ عليه مِثْلَ قِيمَةِ ما أُخِذَ منه وَقِيلَ يُحْسَبُ عليه ما أُخِذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ فَكَانَ كَرَجُلٍ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ فَأَخَذَ منها خَمْسِينَ وَهَلَكَتْ خَمْسُونَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْسِينَ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ من رَأْسِ مَالِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يُؤَخِّرَهُ حتى يَقْبِضَ منه رُطَبًا في قَابِلٍ بِمِثْلِ صِفَةِ الرُّطَبِ الذي بَقِيَ له وَمَكِيلَتِهِ كما يَكُونُ له الْحَقُّ من الطَّعَامِ في وَقْتٍ لَا يَجِدُهُ فيه فَيَأْخُذُهُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ له الْحَائِطُ النَّخْلَةَ أو النَّخْلَتَيْنِ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ على أَنْ يَسْتَجْنِيَهَا مَتَى شَاءَ على أَنَّ كُلَّ صَاعٍ بِدِينَارٍ لِأَنَّ هذا لَا بَيْعَ جُزَافٍ فَيَكُونُ من مُشْتَرِيهِ إذَا قَبَضَهُ وَلَا بَيْعَ كَيْلٍ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ مَكَانَهُ وقد يُؤَخِّرُهُ فَيَضْمَنُ إذَا قَرُبَ أَنْ يُثْمِرَ وهو فَاسِدٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا يَسْتَجْنِيهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نَخْلَةً بِعَيْنِهَا أو نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهِنَّ وَيَقْبِضُهُنَّ فَيَكُونُ ضَمَانُهُنَّ منه وَيَسْتَجِدُّهُنَّ كَيْفَ شَاءَ وَيَقْطَعُ ثِمَارَهَا مَتَى شَاءَ أو يَشْتَرِيهِنَّ وَتُقْطَعْنَ له مَكَانَهُ فَلَا خَيْرَ في شِرَاءٍ إلَّا شِرَاءَ عَيْنٍ تُقْبَضُ إذَا اُشْتُرِيَتْ لَا حَائِلَ دُونَ قَابِضِهَا أو صِفَةً مَضْمُونَةً على صَاحِبِهَا وَسَوَاءٌ في ذلك الْأَجَلُ الْقَرِيبُ وَالْحَالُّ البعيد ( ( ( والبعيد ) ) ) لَا اخْتِلَافَ بين ذلك وَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ إلَّا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ سَاعَةَ يَعْقِدَانِ الْبَيْعَ وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في رُطَبٍ أو تَمْرٍ أو ما شَاءَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَنِصْفَ سَلَفِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا كان له أَنْ يُقِيلَهُ من السَّلَفِ كُلِّهِ وَيَأْخُذَ منه السَّلَفَ كُلَّهُ فَلِمَ لَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ من سَلَفِهِ وَالنِّصْفَ من رَأْسِ مَالِهِ فَإِنْ قالوا كَرِهَ ذلك بن عُمَرَ فَقَدْ أَجَازَهُ بن عَبَّاسٍ وهو جَائِزٌ في الْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ سَلَفِهِ وَيَشْتَرِيَ منه بِمَا بَقِيَ طَعَامًا وَلَا غَيْرَهُ لأن ( ( ( لأنه ) ) ) له عليه طَعَامًا وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَلَكِنْ يُفَاسِخُهُ الْبَيْعَ حتى يَكُونَ له عليه
____________________

(3/85)


دَنَانِيرُ حَالَّةً وإذا سَلَّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في رُطَبٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَنَفِدَ الرُّطَبُ قبل أَنْ يَقْبِضَ هذا حَقَّهُ بِتَوَانٍ أو تَرْكٍ من الْمُشْتَرِي أو الْبَائِعِ أو هَرَبَ من الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّهُ مَعُوزٌ بِمَالِهِ في كل حَالٍ لَا يَقْدِرُ عليه وَبَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الرُّطَبُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يُسَلَّفَ في ثَمَرِ رُطَبٍ في غَيْرِ أَوَانِهِ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَقْبِضَهُ في زَمَانِهِ وَلَا خَيْرَ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ إلَّا في شَيْءٍ مَأْمُونٍ لَا يَعُوزُ في الْحَالِ التي اشْتَرَطَ قَبْضَهُ فيها فَإِنْ سَلَّفَهُ في شَيْءٍ يَكُونُ في حَالٍّ وَلَا يَكُونُ لم أُجِزْ فيه السَّلَفَ وكان كَمَنْ سَلَّفَ في حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَأَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَالسَّلَفُ في ذلك مَفْسُوخٌ وَإِنْ قَبَضَ سَلَفَهُ رَدَّ عليه ما قَبَضَ منه وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ
____________________

(3/86)


- * بَابُ الشَّهَادَةِ في الْبُيُوعِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ على ما فيه الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا لَا حَتْمًا يَكُونُ من تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا منه يعصى من تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لم يَبْقَ في أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّ ذلك إنْ كان حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ وَإِنْ كان دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فيها وَكُلُّ ما نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ من فَرْضٍ أو دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ على من فَعَلَهُ إلا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ في الْبَيْعِ إنْ كان فيه دَلَالَةٌ كان فيه أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أو أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا
____________________

(3/87)


قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عليه فَيُمْنَعُ من الظُّلْمِ الذي يَأْثَمُ بِهِ وَإِنْ كان تَارِكًا لَا يُمْنَعُ منه وَلَوْ نَسِيَ أو وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ من الْمَأْثَمِ على ذلك بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا أو لَا تَرَى أَنَّهُمَا أو أَحَدَهُمَا لو وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ هذا رَجُلًا وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ ولم يُعْرَفْ أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ لم يُعْطَ الْأَوَّلُ من الْمُشْتَرِيَيْنِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَلَوْ كانت بَيِّنَةٌ فَأُثْبِتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ أعطى الْأَوَّلُ فَالشَّهَادَةُ سَبَبُ قَطْعِ التَّظَالُمِ وَتُثْبِتُ الْحُقُوقَ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَيْرُ الذي لَا يُعْتَاضُ منه من تَرَكَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى بِالْآيَةِ الْحَتْمُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ الدَّلَالَةُ فإن الذي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً لَا حَتْمًا يحرج ( ( ( يخرج ) ) ) من تَرَكَ الْإِشْهَادَ فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فذكر أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ ولم يذكر معه بَيِّنَةً وقال عز وجل في آيَةِ الدَّيْنِ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ } وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ وقد أَمَرَ فيه بِالْإِشْهَادِ فَبَيَّنَ الْمَعْنَى الذي أَمَرَ له بِهِ فَدَلَّ ما بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في الدَّيْنِ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَمَرَ بِهِ على النَّظَرِ والإحتياط لَا على الْحَتْمِ قُلْت قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ثُمَّ قال في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن ( ( ( ائتمن ) ) ) أَمَانَتَهُ } فلما أَمَرَ إذَا لم يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ ثُمَّ أَبَاحَ تَرْكَ الرَّهْنِ وقال { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } دَلَّ على أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ على الحظ ( ( ( الحض ) ) ) لَا فَرْضٌ منه يعصى من تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد حُفِظَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ بَايَعَ أَعْرَابِيًّا في فَرَسٍ فَجَحَدَ الْأَعْرَابِيُّ بِأَمْرِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ ولم يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَوْ كان حَتْمًا لم يُبَايِعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا بَيِّنَةٍ وقد حُفِظَتْ عن عِدَّةٍ لَقِيتهمْ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِي من أَنَّهُ لَا يعصى من تَرَكَ الْإِشْهَادَ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ إذَا تَصَادَقَا لَا يُنْقِضُهُ أَنْ لَا تَكُونَ بَيِّنَةٌ كما يُنْقَضُ النِّكَاحُ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا
____________________

(3/88)


- * بَابُ السَّلَفِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } قال الشَّافِعِيُّ فلما أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِالْكِتَابِ ثُمَّ رَخَّصَ في الْإِشْهَادِ إنْ كَانُوا على سَفَرٍ ولم يَجِدُوا كَاتِبًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا وَأَنْ يَكُونَ دَلَالَةً فلما قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَالرَّهْنُ غَيْرُ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ قال { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل على أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكِتَابِ ثُمَّ الشُّهُودِ ثُمَّ الرَّهْنِ إرشادا ( ( ( إرشاد ) ) ) لَا فرضا ( ( ( فرض ) ) ) عليهم لِأَنَّ قَوْلَهُ { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ }
____________________

(3/89)


إبَاحَةٌ لَأَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَدَعُ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ وَالرَّهْنَ ( قال ) وَأُحِبُّ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ لِأَنَّهُ إرْشَادٌ من اللَّهِ وَنَظَرٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَمِينَيْنِ فَقَدْ يَمُوتَانِ أو أَحَدُهُمَا فَلَا يُعْرَفُ حَقُّ الْبَائِعِ على الْمُشْتَرِي فَيَتْلَفُ على الْبَائِعِ أو وَرَثَتِهِ حَقُّهُ وَتَكُونُ التَّبَاعَةُ على الْمُشْتَرِي في أَمْرٍ لم يُرِدْهُ وقد يَتَغَيَّرُ عَقْلُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ هذا وَالْبَائِعُ وقد يَغْلَطُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُقِرُّ فَيَدْخُلُ في الظُّلْمِ من حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَيُصِيبُ ذلك الْبَائِعُ فيدعى ما ليس له فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالشَّهَادَةُ قَاطِعًا هذا عنهما وَعَنْ وَرَثَتِهِمَا ولم يَكُنْ يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت انْبَغَى لِأَهْلِ
____________________

(3/90)


دِينِ اللَّهِ اخْتِيَارُ ما نَدَبَهُمْ اللَّهُ إلَيْهِ إرْشَادًا وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ حَزْمًا وَأَمْرًا لم أُحِبَّ تَرْكَهُ من غَيْرِ أَنْ أَزْعُمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه بِمَا وَصَفْتُ من الْآيَةِ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كما عَلَّمَهُ اللَّهُ } يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا على من دعى لِلْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ كان عَاصِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كما وَصَفْنَا في كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ على من حَضَرَ من الْكُتَّابِ أَنْ لَا يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بين رَجُلَيْنِ فإذا قام بِهِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ كما حَقَّ عليهم أَنْ يُصَلُّوا على الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا فإذا قام بها من يَكْفِيهَا أَخْرَجَ ذلك من تَخَلَّفَ عنها من الْمَأْثَمِ وَلَوْ تَرَكَ
____________________

(3/91)


كُلُّ من حَضَرَ من الْكُتَّابِ خِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بَلْ كَأَنِّي لَا أَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ من المآثم وَأَيُّهُمْ قام بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } يَحْتَمِلُ ما وَصَفْت من أَنْ لا يَأْبَى كُلُّ شَاهِدٍ اُبْتُدِئَ فَيُدْعَى لِيَشْهَدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا على من حَضَرَ الْحَقَّ أَنْ يَشْهَدَ منهم من فيه الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ فإذا شَهِدُوا أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ من الْمَأْثَمِ وَإِنْ تَرَكَ من حَضَرَ الشَّهَادَةَ خِفْت حَرَجَهُمْ بَلْ لَا أَشُكُّ فيه وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال فَأَمَّا من سَبَقَتْ شَهَادَتُهُ
____________________

(3/92)


بِأَنْ اشهد أو عَلِمَ حَقًّا لِمُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ فَلَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عن تادية الشَّهَادَةِ مَتَى طُلِبَتْ منه في مَوْضِعِ مَقْطَعِ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في كل دَيْنٍ سُلِّفَ أو غَيْرِهِ كما وَصَفْت وَأُحِبُّ الشَّهَادَةَ في كل حَقٍّ لَزِمَ من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ نَظَرًا في الْمُتَعَقَّبِ لِمَا وَصَفْت وَغَيْرِهِ من تَغَيُّرِ الْعُقُولِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } دَلَالَةٌ على تَثْبِيتِ الْحَجْرِ وهو مَوْضُوعٌ في كِتَابِ الْحَجْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً وقد ذَهَبَ فيه بن عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ في السَّلَفِ ( أخبرنا ) الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن قَتَادَةَ عن أبي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال أَشْهَدُ أَنَّ
____________________

(3/93)


السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قد أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ وَأَذِنَ فيه ثُمَّ قال { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قال الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كان كما قال بن عَبَّاسٍ في السَّلَفِ قُلْنَا بِهِ في كل دَيْنٍ قِيَاسًا عليه لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ وَالسَّلَفُ جَائِزٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارِ وما لَا يَخْتَلِفُ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ عَلِمْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن عبد اللَّهِ بن كَثِيرٍ عن أبي الْمِنْهَالِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ في التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَرُبَّمَا قال السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فقال من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ قال الشَّافِعِيُّ حُفِّظْته كما وَصَفْت من سُفْيَانَ مِرَارًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنِي من أُصَدِّقُهُ عن سُفْيَانَ أَنَّهُ قال كما قُلْت وقال في الْأَجَلِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما يقول لَا نَرَى بِالسَّلَفِ بَأْسًا الْوَرِقُ في الْوَرِقِ نَقْدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يُجِيزُهُ قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّهُ كان يقول لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عن الرَّهْنِ في السَّلَفِ فقال إذَا كان الْبَيْعُ حَلَالًا فإن الرَّهْنَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ في السَّلَمِ وَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَمُ السَّلَفُ وَبِذَلِكَ أَقُولُ لَا بَأْسَ فيه بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وقد أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ فَأَقَلُّ أَمْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ إبَاحَةً له فَالسَّلَمُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلَ في شَيْءٍ يَأْخُذُ فيه رَهْنًا أو حَمِيلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجْمَعُ الرَّهْنَ وَالْحَمِيلَ وَيَتَوَثَّقُ ما قُدِّرَ عليه حَقُّهُ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُلٌ من بَنِي ظَفَرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا ابراهيم بن مُحَمَّدٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان لَا يَرَى باسا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شيئا إلَى أَجَلٍ ليس عِنْدَهُ أَصْلُهُ ( قال ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ مولى بن عُمَرَ عن بن عُمَرَ مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ أَنْ يُسَلِّفَ إذَا كان ما يُسَلِّفُ فيه كَيْلًا مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ مَعْلُومُ الْكَيْلِ وَمَعْلُومُ الصِّفَةِ وقال وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ أو إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ قَوْلَهُ وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ إذَا أَسْلَفَ في كَيْلٍ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وإذا سَمَّى أَنْ يُسَمِّيَ أَجَلًا مَعْلُومًا وإذا سَلَّفَ في وَزْنٍ أَنْ يُسَلِّفَ في وَزْنٍ مَعْلُومٍ وإذا أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَفَ في التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كُلِّهِ وَالتَّمْرُ قد يَكُونُ رُطَبًا وقد أَجَازَ أَنْ يَكُونَ في الرُّطَبِ سَلَفًا مَضْمُونًا في غَيْرِ حِينِهِ الذي يَطِيبُ فيه لِأَنَّهُ إذَا سَلَّفَ سَنَتَيْنِ كان بَعْضُهَا في غَيْرِ حِينِهِ ( قال ) وَالسَّلَفُ قد يَكُونُ بَيْعَ ما ليس عِنْدَ الْبَائِعِ فلما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكِيمًا عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَهُ وَأَذِنَ في السَّلَفِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَمَّا أَمَرَ بِهِ وَعَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا نهى حَكِيمًا عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَهُ إذَا لم يَكُنْ مَضْمُونًا عليه وَذَلِكَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ ( قال ) وَيَجْتَمِعُ السَّلَفُ وهو بَيْعُ الصِّفَاتِ وَبَيْعُ الْأَعْيَانِ في أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِيهِمَا بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عنه وَيَفْتَرِقَانِ في أَنَّ الْجُزَافَ يَحِلُّ فِيمَا رَآهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَحِلُّ في السَّلَفِ إلَّا مَعْلُومٌ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ أو صِفَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَفُ بِالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ ما لَا اخْتِلَافَ فيه عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ حُفِظَتْ عنه
____________________

(3/94)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كَتَبْت من الْآثَارِ بعد ما كَتَبْت من الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ليس لِأَنَّ شيئا من هذا يَزِيدُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُوَّةً وَلَا لو خَالَفَهَا ولم يُحْفَظْ مَعَهَا يوههنا ( ( ( يوهنها ) ) ) بَلْ هِيَ التي قَطَعَ اللَّهُ بها الْعُذْرَ وَلَكِنَّا رَجَوْنَا الثَّوَابَ في إرْشَادِ من سمع ما كَتَبْنَا فإن فِيمَا كَتَبْنَا بَعْضَ ما يَشْرَحُ قُلُوبَهُمْ لِقَبُولِهِ وَلَوْ تَنَحَّتْ عَنْهُمْ الْغَفْلَةُ لَكَانُوا مِثْلَنَا في الِاسْتِغْنَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما احْتَاجُوا إذَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِالرَّهْنِ في الدَّيْنِ إلَى أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ هو جَائِزٌ في السَّلَفِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في السَّلَفِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا مَضْمُونًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ إلَى أَجَلٍ كان وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم بَيْعُ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ حَالًّا أَجْوَزَ لِأَنَّهُ ليس في الْبَيْعِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مَضْمُونًا على صَاحِبِهِ فإذا ضَمِنَ مُؤَخَّرًا ضَمِنَ مُعَجَّلًا وكان مُعَجَّلًا أَعْجَلَ منه مُؤَخَّرًا وَالْأَعْجَلُ أُخْرِجَ من مَعْنَى الْغَرَرِ وهو مُجَامِعٌ له في أَنَّهُ مَضْمُونٌ له على بَائِعِهِ بِصِفَةٍ - * بَابُ ما يَجُوزُ من السَّلَفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ جِمَاعُ السَّلَفِ حتى يَجْمَعَ خِصَالًا أَنْ يَدْفَعَ الْمُسَلِّفُ ثَمَنَ ما سَلَّفَ لِأَنَّ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ إنَّمَا قال فَلْيُعْطِ ولم يَقُلْ لِيُبَايِعَ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَقَعُ اسْمُ التَّسْلِيفِ فيه حتى يُعْطِيَهُ ما سَلَّفَهُ قبل أَنْ يُفَارِقَ من سَلَّفَهُ وَأَنْ يَشْرِطَ عليه أَنْ يُسَلِّفَهُ فِيمَا يُكَالُ كَيْلًا أو فِيمَا يُوزَنُ وَزْنًا وَمِكْيَالٌ وَمِيزَانٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَأَمَّا مِيزَانٌ يُرِيهِ إيَّاهُ أو مِكْيَالٌ يُرِيهِ فَيُشْتَرَطَانِ عليه فَلَا يَجُوزُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لو اخْتَلَفَا فيه أو هَلَكَ لم يُعْلَمْ ما قَدْرُهُ وَلَا يُبَالِي كان مِكْيَالًا قد أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أو لَا إذَا كان مَعْرُوفًا وَإِنْ كان تَمْرًا قال تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ أو بردى أو عَجْوَةٌ أو جَنِيبٌ أو صِنْفٌ من التَّمْرِ مَعْرُوفٌ فَإِنْ كان حِنْطَةً قال شَامِيَّةٌ أو ميسانية أو مِصْرِيَّةٌ أو مَوْصِلِيَّةٌ أو صِنْفًا من الْحِنْطَةِ مَوْصُوفًا وَإِنْ كان ذُرَةً قال حَمْرَاءُ أو نَطِيسٌ أو هُمَا أو صِنْفٌ منها مَعْرُوفٌ وَإِنْ كان شَعِيرًا قال من شَعِيرِ بَلَدِ كَذَا وَإِنْ كان يَخْتَلِفُ سمي صِفَتَهُ وقال في كل وَاحِدٍ من هذا جَيِّدًا أو رَدِيئًا أو وَسَطًا وسمي أَجَلًا مَعْلُومًا إنْ كان لِمَا سَلَّفَ أَجَلٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له أَجَلٌ كان حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَوْضِعَ الذي يُقَبِّضُهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان ما سَلَّفَ فيه رَقِيقًا قال عَبْدٌ نُوبِيٌّ خُمَاسِيٌّ أو سُدَاسِيٌّ أو مُحْتَلِمٌ أو وَصَفَهُ بِشِيَتِهِ وَأَسْوَدُ هو أو أَصْفَرُ أو أَسْحَمُ وقال نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُ من الرَّقِيقِ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَلَوْنٍ وَبَرَاءَةٍ من الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْكَيَّ وَالْحُمْرَةَ وَالشُّقْرَةَ وَشِدَّةَ السَّوَادِ وَالْحَمْشَ وَإِنْ سَلَّفَ في بَعِيرٍ قال بَعِيرٌ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ ثنى غَيْرُ مُودَنٍ نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ سَبْطُ الْخَلْقِ أَحْمَرُ مُجْفَرُ الْجَنْبَيْنِ رُبَاعِيٌّ أو بَازِلٌ وَهَكَذَا الدَّوَابُّ يَصِفُهَا بِنِتَاجِهَا وَجِنْسِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَسْنَانِهَا وَأَنْسَابِهَا وَبَرَاءَتِهَا من الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يسمى عَيْبًا يَتَبَرَّأُ الْبَائِعُ منه ( قال ) وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالْجِنْسِ من كَتَّانٍ أو قُطْنٍ وَنَسْجِ بَلَدٍ وَذَرْعٍ من عَرْضٍ وَطُولٍ وَصَفَاقَةٍ وَدِقَّةِ وَجَوْدَةٍ أو رَدَاءَةٍ أو وَسَطٍ وَعَتِيقٍ من الطَّعَامِ كُلِّهِ أو جَدِيدٍ أو غَيْرِ جَدِيدٍ وَلَا عَتِيقٍ وَأَنْ يَصِفَ ذلك بِحَصَادِ عَامٍ مُسَمًّى أَصَحُّ ( قال ) وَهَكَذَا النُّحَاسُ يَصِفُهُ أَبْيَضَ أو شَبَهًا أو أَحْمَرَ وَيَصِفُ الْحَدِيدَ ذَكَرًا أو أَنِيثًا أو بِجِنْسٍ إنْ كان له وَالرَّصَاصَ ( قال ) وَأَقَلُّ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ من هذا أَنْ يُوصَفَ ما سَلَّفَ فيه بِصِفَةٍ تَكُونُ مَعْلُومَةً
____________________

(3/95)


عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أن اخْتَلَفَ الْمُسَلِّفُ وَالْمُسَلَّفُ وإذا كانت مَجْهُولَةً لَا يُقَامُ على حَدِّهَا أو إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أو ذَرْعٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أو لم يَدْفَعْ الْمُسَلِّفُ الثَّمَنَ عِنْدَ التَّسْلِيفِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ من مَقَامِهِمَا فَسَدَ السَّلَفُ وإذا فَسَدَ رُدَّ إلَى الْمُسَلِّفِ رَأْسُ مَالِهِ ( قال ) فَكُلُّ ما وَقَعَتْ عليه صِفَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسِّلْعَةِ التي سُلِّفَ فيها جَازَ فيها السَّلَفُ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في الرُّطَبِ قبل أَنْ يَطْلُعَ النخل ( ( ( للنخل ) ) ) الثَّمَرُ إذَا اشْتَرَطَ أَجَلًا في وَقْتٍ يُمْكِنُ فيه الرُّطَبُ وَكَذَلِكَ الْفَوَاكِهُ الْمَكِيلَةُ الْمَوْصُوفَةُ وَكَذَلِكَ يُسَلِّفُ إلَى سَنَةٍ في طَعَامٍ جَدِيدٍ إذَا حَلَّ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجِدَّةُ في الطَّعَامِ وَالثَّمَرِ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عن شَرْطِهِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ جَيِّدًا عَتِيقًا نَاقِصًا بِالْقِدَمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اُشْتُرِطَ في شَيْءٍ مِمَّا سُلِّفَ أَجْوَدُ طَعَامِ كَذَا أو أَرْدَأُ طَعَامِ كَذَا أو اُشْتُرِطَ ذلك في ثِيَابٍ أو رَقِيقٍ أو غَيْرِ ذلك من السِّلَعِ كان السَّلَفُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على أَجْوَدِهِ وَلَا أَدْنَاهُ أَبَدًا وَيُوقَفُ على جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ - * بَابٌ في الْآجَالِ في السَّلَفِ وَالْبُيُوعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ يَدُلُّ على أَنَّ الْآجَالَ لَا تَحِلُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَلِكَ قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قال الشَّافِعِيُّ وَلَا يَصْلُحُ بَيْعٌ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا حَصَادٍ وَلَا جُدَادٍ وَلَا عِيدِ النَّصَارَى وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّمَ أَنْ تَكُونَ الْمَوَاقِيتُ بالأهله فِيمَا وَقَّتَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فيه الْقُرْآنُ } وقال جَلَّ وَعَزَّ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وقال { يَسْأَلُونَك عن الشَّهْرِ الْحَرَامِ } وقال { وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } قال الشَّافِعِيُّ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَهِلَّةِ جُمَلَ الْمَوَاقِيتِ وَبِالْأَهِلَّةِ مَوَاقِيتَ الْأَيَّامِ من الْأَهِلَّةِ ولم يَجْعَلْ عِلْمًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا بها فَمَنْ أُعْلِمَ بِغَيْرِهَا فَبِغَيْرِ ما أَعْلَمَ اللَّهُ أُعْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَكُنْ هذا هَكَذَا ما كان من الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَةُ بِالْحَصَادِ وَالْجُدَادِ بخلافه ( ( ( فخلافه ) ) ) وَخِلَافُهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل أَجَلٍ مُسَمًّى وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى مالا يُخْتَلَفُ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْحَصَادَ وَالْجُدَادَ يَتَأَخَّرَانِ وَيَتَقَدَّمَانِ بِقَدْرِ عَطَشِ الْأَرْضِ وَرَيِّهَا وَبِقَدْرِ بَرْدِ الْأَرْضِ وَالسَّنَةِ وَحَرِّهَا ولم يَجْعَلْ اللَّهُ فِيمَا اسْتَأْخَرَ أَجَلًا إلَّا مَعْلُومًا وَالْعَطَاءُ إلَى السُّلْطَانِ يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ وَفِصْحُ النَّصَارَى عِنْدِي يُخَالِفُ حِسَابَ الْإِسْلَامِ وما أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا في شَهْرٍ وَعَامًّا في غَيْرِهِ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ إلَيْهِ أَجَزْنَاهُ على أَمْرٍ مَجْهُولٍ فَكُرِّهَ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَنَّهُ خِلَافُ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَنْ نَتَأَجَّلَ فيه ولم يَجُزْ فيه إلَّا قَوْلُ النَّصَارَى على حِسَابٍ يَقِيسُونَ فيه أَيَّامًا فَكُنَّا إنَّمَا أُعْلِمْنَا في دِينِنَا بِشَهَادَةِ النَّصَارَى الَّذِينَ لَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ على شَيْءٍ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ حَلَالٍ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال فيه أَحَدٌ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا ما نَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مع ما وَصَفْت من دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وقد رَوَى فيه رَجُلٌ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ كُلَّ الثَّبْتِ شيئا ( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عيينه عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا تَبِيعُوا إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ وَلَا إلَى الدِّيَاسِ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عن رَجُلٍ بَاعَ طَعَامًا فَإِنْ أَجَّلْت على الطَّعَامِ فَطَعَامُك في قَابِلٍ سَلَفٌ قال لَا إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَانِ أَجَلَانِ لَا يدرى إلَى أَيِّهِمَا يُوَفِّيهِ طَعَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى الْعَطَاءِ أو إلَى الْجُدَادِ أو إلَى الْحَصَادِ كان فَاسِدًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ الشَّرْطِ وَتَعْجِيلَ الثَّمَنِ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الصَّفْقَة انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً فَلَا يَكُونُ له وَلَا لَهُمَا إصْلَاحُ جُمْلَةٍ فَاسِدَةٍ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعِ غَيْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالسَّلَفُ بَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ فَإِنْ
____________________

(3/96)


اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ جَازَ وَأَنْ يَكُونَ حَالًّا وكان الْحَالُّ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ كما كان الدَّيْنُ مَضْمُونًا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّ ما أَسْرَعَ المشترى في أَخْذِهِ كان من الْخُرُوجُ من الْفَسَادِ بِغَرُورٍ وَعَارِضٍ أَوْلَى من الْمُؤَجَّلِ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً فقال له رَجُلٌ سَلَّفْته ذَهَبًا في طَعَامٍ يُوَفِّيهِ قبل اللَّيْلِ وَدَفَعْت إلَيْهِ الذَّهَبَ قبل اللَّيْلِ وَلَيْسَ الطَّعَامُ عِنْدَهُ قال لَا من أَجْلِ الشَّفِّ وقد عَلِمَ كَيْفَ السُّوقُ وَكَمْ السِّعْرُ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له لَا يَصْلُحُ السَّلَفُ إلَّا في الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ قال لَا إلَّا في الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ الذي لَا يُعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ السُّوقُ إلَيْهِ يَرْبَحُ أو لَا يَرْبَحُ قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ رَجَعَ عن ذلك بَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي أَجَازَ السَّلَفَ حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُهُ الذي رَجَعَ إلَيْهِ أَحَبُّ إلى من قَوْلِهِ الذي قَالَهُ أَوَّلًا وَلَيْسَ في عِلْمِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَيْفَ السُّوقُ شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا وَلَا في عِلْمِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَرَأَيْت لو بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا ذَهَبًا وهو يَعْرِفُ سُوقَهَا أو سِلْعَةً وَلَا يَعْلَمُهُ المشترى أو يَعْلَمُهُ المشترى وَلَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ أَكَانَ في شَيْءٍ من هذا ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ليس في شَيْءٍ من هذا شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا مَعْلُومًا نَسِيئَةً وَلَا حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ سَلَّفَ إلَى الْجُدَادِ أو الْحَصَادِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَعْلَمُ عاما ( ( ( إما ) ) ) إلَّا وَالْجُدَادُ يُسْتَأْخَرُ فيه حتى لقد رَأَيْته يَجِدُّ في ذى الْقَعْدَةِ ثُمَّ رَأَيْته يَجِدُّ في الْمُحَرَّمِ وَمِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ بِالنَّخْلِ فَأَمَّا إذَا إعتلت النَّخْلُ أو إختلفت بُلْدَانُهَا فَهُوَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ بِأَكْثَرَ من هذا ( قال ) وَالْبَيْعُ إلَى الصَّدْرِ جَائِزٌ وَالصَّدْرُ يَوْمُ النَّفْرِ من مِنًى فَإِنْ قال وهو بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ إلَى مَخْرَجِ الْحَاجِّ أو إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْحَاجُّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هذا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ إلَى فِعْلٍ يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ لِأَنَّهُمْ قد يُعَجِّلُونَ السَّيْرَ وَيُؤَخِّرُونَهُ لِلْعِلَّةِ التي تَحْدُثُ وَلَا إلَى ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ وَجُدَادِهَا لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ في الشُّهُورِ التي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَمًا فقال { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } فَإِنَّمَا يَكُونُ الْجُدَادُ بَعْدَ الْخَرِيفِ وقد أَدْرَكْت الْخَرِيفَ يَقَعُ مُخْتَلِفًا في شُهُورِنَا التي وَقَّتَ اللَّهُ لنا يَقَعُ في عَامٍ شَهْرًا ثُمَّ يَعُودُ في شَهْرٍ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيمَا يُخَالِفُ شُهُورَنَا التي وَقَّتَ لنا رَبُّنَا عز وجل وَلَا بِمَا يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ وَلَا يَكُونُ إلَّا إلَى ما لَا عَمَلَ لِلْعِبَادِ في تَقْدِيمِهِ وَلَا تَأْخِيرِهِ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل وَقْتًا ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لم يَتَهَيَّأْ فَإِلَى شَهْرِ كَذَا كان فَاسِدًا حتى يَكُونَ الْأَجَلُ وَاحِدًا مَعْلُومًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَّا مع عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عن مَوْضِعِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فَإِنْ تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا عن غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ التقيا ( ( ( ألقيا ) ) ) فَجَدَّدَا أَجَلًا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ في كَيْلٍ من طَعَامٍ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ في شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ كُلُّهُ فَفِي شَهْرِ كَذَا كان غير جَائِزٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ أَجَلَانِ لَا أَجَلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قال أُوَفِّيكَهُ فِيمَا بُيِّنَ أن دَفَعْته إلى إلَى مُنْتَهَى رَأْسِ الشَّهْرِ كان هذا أَجَلًا غير مَحْدُودٍ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ لو قال أَجَلُك فيه شَهْرُ كَذَا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ لايسمى أَجَلًا وَاحِدًا فَلَا يَصْلُحُ حتى يَكُونَ أَجَلًا وَاحِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ حَبَسَهُ فَلَهُ كَذَا كان بَيْعًا فَاسِدًا وإذا سَلَّفَ فقال إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ من سَنَةِ كَذَا كان جَائِزًا وَالْأَجَلُ حين يَرَى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَبَدًا حتى يَقُولَ إلَى إنسلاخ شَهْرِ رَمَضَانَ أو مُضِيِّهِ أو كَذَا وَكَذَا يَوْمًا يَمْضِي منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَبِيعُك إلَى يَوْمِ كَذَا لم يَحِلَّ حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ من ذلك الْيَوْمِ وَإِنْ قال إلَى الظُّهْرِ فإذا دخل وَقْتُ الظُّهْرِ في أَدْنَى الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قال إلَى عَقِبِ شَهْرِ كَذَا كان مَجْهُولًا فَاسِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَبَايَعَا عن غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ لم يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا حتى جَدَّدَا أَجَلًا فَالْأَجَلُ لَازِمٌ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل الْأَجَلِ عن مَقَامِهِمَا ثُمَّ جَدَّدَا أَجَلًا لم يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ وَإِنَّمَا أَجَزْته أَوَّلًا لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَكُنْ تَمَّ فأذا تَمَّ بِالتَّفَرُّقِ لم يَجُزْ أَنْ يُجَدِّدَاهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ
____________________

(3/97)


( قال ) وَكَذَلِكَ لو تَبَايَعَا على أَجَلٍ ثُمَّ نَقَضَاهُ قبل التَّفَرُّقِ كان الْأَجَلُ الْآخَرُ وَإِنْ نَقَضَا الْأَجَلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِأَجَلٍ غَيْرِهِ ولم يَنْقُضَا الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ تَامٌّ على الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ مَوْعِدٌ إنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي وَفَّى بِهِ وَإِنْ أَحَبَّ لم يَفِ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ في عَشْرَةِ أَكْرَارٍ خَمْسَةٌ منها في وَقْتِ كَذَا وَخَمْسَةٌ في وَقْتِ كَذَا لِوَقْتٍ بَعْدَهُ لم يَجُزْ السَّلَفُ لِأَنَّ قِيمَةَ الْخَمْسَةِ الْأَكْرَارِ الْمُؤَخَّرَةِ أَقَلُّ من قِيمَةِ الْأَكْرَارِ المتقدمة ( ( ( المقدمة ) ) ) فَتَقَعُ الصَّفْقَةُ لَا يُعْرَفُ كَمْ حِصَّةُ كل وَاحِدَةٍ من الْخَمْسَتَيْنِ من الذَّهَبِ فَوَقَعَ بِهِ مَجْهُولًا وهو لَا يَجُوزُ مَجْهُولًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ ذَهَبٌ في ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٌ في فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٌ في فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةٌ في ذَهَبٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في كل شَيْءٍ خِلَافِهِمَا من نُحَاسٍ وَفُلُوسٍ وَشَبَهٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَمَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ مَأْكُولٍ أو مَشْرُوبٍ وَغَيْرِ ذلك من جَمِيعِ ما يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَجَزْت أَنْ يُسْلَمَ في الْفُلُوسِ بِخِلَافِهِ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه وَأَنَّهُ ليس بِثَمَنٍ لِلْأَشْيَاءِ كما تَكُونُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانًا لِلْأَشْيَاءِ الْمُسَلَّفَةِ فإن في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الزَّكَاةَ وَلَيْسَ في الْفُلُوسِ زَكَاةٌ وَإِنَّمَا أنظر في التِّبْرِ إلَى أَصْلِهِ وَأَصْلِ النُّحَاسِ مِمَّا لَا رِبَا فيه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمَنْ أَجَازَ السَّلَمَ في الْفُلُوسِ قُلْت غَيْرُ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الْقَدَّاحُ عن مُحَمَّدِ بن أَبَانَ عن حَمَّادِ بن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ في الْفُلُوسِ وقال سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ في الْفُلُوسِ وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا السَّلَفَ في النُّحَاسِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوهُ في الْفُلُوسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تَجُوزُ في الْبُلْدَانِ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قِيلَ في بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَبِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ الحنطه تَجُوزُ بِالْحِجَازِ التي بها سُنَّتْ السُّنَنُ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَلَا تَجُوزُ بها الْفُلُوسُ فَإِنْ قال الحنطه لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِمَا اُسْتُهْلِكَ قِيلَ وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ قِيمَةَ دِرْهَمٍ أو أَقَلَّ لم يُحْكَمْ عليه بِهِ إلَّا من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا من الْفُلُوسِ فَلَوْ كان من كَرِهَهَا إنَّمَا كَرِهَهَا لِهَذَا انْبَغَى له أَنْ يَكْرَهَ السَّلَمَ فى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْحِجَازِ وفى الذره لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْيَمَنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا تَكُونُ ثَمَنًا بِشَرْطٍ فَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ لَا تَكُونُ ثَمَنًا إلَّا بِشَرْطٍ أَلَا تَرَى أن رَجُلًا لو كان له على رَجُلٍ دَانِقٌ لم يُجْبِرْهُ على أَنْ يَأْخُذَ منه فُلُوسًا وَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ على أَنْ يَأْخُذَ الْفِضَّةَ وقد بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ سُوَيْقَةٍ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ خَزَفًا مَكَانَ الْفُلُوسِ وَالْخَزَفُ فَخَّارٌ يُجْعَلُ كَالْفُلُوسِ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُكْرَهُ السَّلَفُ في الْخَزَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ أَرَأَيْت الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَضْرُوبَيْنِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أَمْثَلُهُمَا غَيْرُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ لَا ذَهَبٌ بِدَنَانِيرَ وَلَا فِضَّةٌ بِدَرَاهِمَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وما ضُرِبَ مِنْهُمَا وما لم يُضْرَبْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ وما كان ضُرِبَ مِنْهُمَا ولم يُضْرَبْ مِنْهُمَا ثَمَنٌ وَلَا غَيْرُ ثَمَنٍ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لَا فِضَّةٌ وَلَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في مَضْرُوبِهِ على غَيْرِ مَضْرُوبِهِ الرِّبَا في مَضْرُوبِهِ وَغَيْرِ مَضْرُوبِهِ سَوَاءٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْرُوبُ الْفُلُوسِ مُخَالِفًا غير مَضْرُوبِهَا وَهَذَا لَا يَكُونُ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما كان في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَيْءٌ منه في شَيْءٍ منه إلَى أَجَلٍ وَلَا شَيْءٌ منه مع غَيْرِهِ في شَيْءٍ منه وَحْدَهُ وَلَا مع غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَاةٌ فيها لَبَنٌ بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ حتى يُسْلِمَهَا مُسْتَحْلَبًا بِلَا لَبَنٍ وَلَا سَمْنٍ وَلَا زُبْدٍ لِأَنَّ حِصَّةَ اللَّبَنِ الذي في الشَّاةِ بِشَيْءٍ من اللَّبَنِ الذي إلَى أَجَلٍ لَا يَدْرِي كَمْ هو لَعَلَّهُ
____________________

(3/98)


بِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَاللَّبَنُ لايجوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَهَكَذَا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وقياسة ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَحِلُّ عندى اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ أَنْ يُسَلَّفَ شَيْءٌ يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ مِمَّا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ وَلَا شَيْءٌ يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ في رَطْلِ عَسَلٍ وَلَا رَطْلُ عَسَلٍ في مُدِّ زَبِيبٍ وَلَا شَيْءٌ من هذا وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسًا على الذَّهَبِ الذي لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْلَمَ في الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ التي لَا يَصْلُحُ أَنْ تُسْلَمَ في الذَّهَبِ وَالْقِيَاسُ على الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ لَا يُسَلَّفَ مَأْكُولٌ مَوْزُونٌ في مَكِيلٍ مَأْكُولٍ وَلَا مَكِيلٌ مَأْكُولٌ في مَوْزُونٍ مَأْكُولٍ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا أُكِلَ أو شُرِبَ بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ سَلَفِ الدَّنَانِيرِ في الدَّرَاهِمِ وَلَا يَصْلُحُ شَيْءٌ من الطَّعَامِ بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ نَسِيئَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ الْعَرْضُ في الْعَرْضِ مِثْلِهِ إذَا لم يَكُنْ مَأْكُولًا وَلَا مَشْرُوبًا أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ إحْدَاهُمَا ناجزه وَالْأُخْرَى دَيْنٌ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال له أَبِيعُ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ كِلْتَاهُمَا دَيْنٌ فَكَرِهَهُ قال وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهَذَا مروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا من الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعْضُهُ في بَعْضٍ ما خَلَا الذَّهَبَ في الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ في الذَّهَبِ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في صَاحِبِهِ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ من هذا الْمَعْنَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ في بَعِيرٍ وَبَعِيرٌ في بَعِيرَيْنِ وَشَاةٌ في شَاتَيْنِ وَسَوَاءٌ اُشْتُرِيَتْ الشَّاةُ وَالْجَدْيُ بِشَاتَيْنِ يُرَادُ بِهِمَا الذَّبْحُ أو لَا يُرَادُ لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَعَانِ حَيَوَانًا لَا لَحْمًا بِلَحْمٍ وَلَا لَحْمًا بِحَيَوَانٍ وما كان في هذا الْمَعْنَى وَحْشِيَّةٌ في وَحْشِيَّتَيْنِ مَوْصُوفَتَيْنِ ما خَلَا ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أُكِلَ أو شُرِبَ مِمَّا لَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ قِيَاسًا عِنْدِي على ما يُكَالُ وَيُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ قِسْت ما لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ على ما يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْهُمَا قُلْت وَجَدْت أَصْلَ الْبُيُوعِ شَيْئَيْنِ شيئا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا وَشَيْئًا لَا رِبَا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَكَانَ الذي في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا ذَهَبٌ وفضه وَهُمَا بَائِنَانِ من كل شَيْءٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا لِمُبَايَنَتِهِمَا ما قِيسَ عَلَيْهِمَا بِمَا وَصَفْنَا من أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى بِهِمَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَاهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَبِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَمِلْحٍ وكان هذا مَأْكُولًا مَكِيلًا مَوْجُودًا في السُّنَّةِ تَحْرِيمُ الْفَضْلِ في كل صِنْفٍ منه على الشَّيْءِ من صِنْفِهِ فَقِسْنَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ عَلَيْهِمَا وَوَجَدْنَا ما يُبَاعُ غير مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ من الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يُوزَنُ فلما كان الْمَأْكُولُ غير الْمَكِيلِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْمَوْزُونُ عِنْدَهَا مَأْكُولًا فَجَامَعَ الْمَأْكُولُ الْمَكِيلَ الْمَوْزُونَ في هذا الْمَعْنَى وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ من يَزِنُ وَزْنًا وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا لَا يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا فَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فيه مُتَبَايِنَةً وَاحْتَمَلَ كُلُّهُ الْوَزْنَ وَالْكَيْلَ وَمِنْهُمْ من يَكِيلُ منه الشَّيْءَ لَا يَكِيلُهُ غَيْرُهُ وَوَجَدْنَا كُلَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَزْنَ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا منهم لَا يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا وَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فيه متباينه وَاحْتَمَلَ كُلُّهَا الْوَزْنَ أو الْكَيْلَ أو كِلَاهُمَا كان أَنْ يُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْلَى بِنَا من أَنْ يُقَاسَ على ما يُبَاعُ عَدَدًا من غَيْرِ الْمَأْكُولِ من الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّا وَجَدْنَاهَا تُفَارِقُهُ فِيمَا وَصَفْت وفي أنها لاتجوز إلَّا بِصِفَةٍ وَذَرْعٍ وَجِنْسٍ وَسِنٍّ في الْحَيَوَانِ وَصِفَةٍ لَا يُوجَدُ في الْمَأْكُولِ مِثْلُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ على قِيَاسِ قَوْلِنَا هذا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا لَا وَزْنًا وَلَا سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلَا بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ منه جِنْسٌ بمثله إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كما نَقُولُ في الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وإذا إختلف فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِرُمَّانَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ عَدَدًا وَوَزْنًا كما لا ( ( ( ألا ) ) ) يَكُونَ
____________________

(3/99)


بَأْسٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَأَكْثَرَ وَلَا مُدُّ حِنْطَةٍ بِتَمْرٍ جُزَافًا أَقَلَّ من الْحِنْطَةِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ في الزِّيَادَةِ فيه يَدًا بِيَدٍ الرِّبَا لم أُبَالِ أَنْ لَا يَتَكَايَلَاهُ لِأَنِّي إنَّمَا آمُرُهُمَا يَتَكَايَلَانِهِ إذَا كان لَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَأَمَّا إذَا جَازَ فيه التَّفَاضُلُ فأنما مُنِعَ إلَّا بِكَيْلٍ كَيْ لَا يَتَفَاضَلَ فَلَا مَعْنَى فيه إنْ تُرِكَ الْكَيْلَ يُحَرِّمُهُ وإذا بِيعَ منه جِنْسٌ بِشَيْءٍ من جِنْسِهِ لم يَصْلُحْ عَدَدًا ولم يَصْلُحْ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ بِعِلَلِهِ ( قال ) وَلَا يُسَلِّفُ مَأْكُولًا وَلَا مَشْرُوبًا في مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ بِحَالٍ كما لَا يُسَلِّفُ الْفِضَّةَ في الذَّهَبِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا يَدًا بِيَدٍ كما يَصْلُحُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ في شَيْءٍ من الْمَأْكُولِ أَنْ يُسْلِمَ فيه عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا صِفَةَ له كَصِفَةِ الْحَيَوَانِ وَذَرْعِ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَلَا يُسَلِّفُ إلَّا وَزْنًا مَعْلُومًا أو كَيْلًا مَعْلُومًا إنْ صَلَحَ أَنْ يُكَالَ وَلَا يُسَلِّفُ في جَوْزٍ وَلَا بَيْضٍ وَلَا رَانِجٍ وَلَا غَيْرِهِ عَدَدًا لإختلافه وَأَنَّهُ لَا حَدَّ له يُعْرَفُ كما يُعْرَفُ غَيْرُهُ ( قال ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُسَلَّفَ جُزَافٌ من ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا ثِيَابٍ وَلَا شَيْءٍ وَلَا يُسَلَّفُ شَيْءٌ حتى يَكُونَ مَوْصُوفًا إنْ كان دِينَارًا فَسِكَّتُهُ وَجَوْدَتُهُ وَوَزْنُهُ وَإِنْ كان دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أو أَسْوَدُ أو ما يُعْرَفُ بِهِ فَإِنْ كان طَعَامًا قُلْت تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ جَيِّدٌ كَيْلُهُ كَذَا وَكَذَلِكَ إنْ كانت حِنْطَةً وَإِنْ كان ثَوْبًا قُلْت مروى طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا رَقِيقٌ صَفِيقٌ جَيِّدٌ وَإِنْ كان بَعِيرًا قُلْت ثَنِيًّا مُهْرِيًّا أَحْمَرُ سَبْطُ الْخَلْقِ جَسِيمًا أو مَرْبُوعًا تَصِفُ كُلَّ ما أَسْلَفْته كما تَصِفُ كُلَّ ما أَسْلَفْت فيه وبعت ( ( ( وبعث ) ) ) بِهِ عَرَضًا دَيْنًا لَا يُجْزِئُ في رَأْيِي غَيْرُهُ فَإِنْ تَرَكَ منه شيئا أو تَرَكَ في السَّلَفِ دَيْنًا خِفْتُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَحَالُ ما أَسْلَفْته غَيْرُ حَالِ ما أَسْلَفْت فيه وَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُخَالِفُ فيه السَّلَفُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ إلا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ إبِلًا قد رَآهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ولم يَصِفَاهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ قد بَدَا صَلَاحُهُ وَرَأَيَاهَا وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْهُمَا في الْجُزَافِ وَفِيمَا لم يَصِفَاهُ من الثَّمَرَةِ أو الْمَبِيعِ كَالصِّفَةِ فِيمَا أَسْلَفَ فيه وَأَنَّ هذا لَا يَجُوزُ في السَّلَفِ أَنْ أَقُولَ أُسَلِّفُك في ثَمَرِ نَخْلَةٍ جَيِّدَةٍ من خَيْرِ النَّخْلِ حِمْلًا أو أَقَلَّهُ أو أَوْسَطَهُ من قِبَلِ أَنْ حِمْلَ النَّخْلُ يَخْتَلِفُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا من السِّنِينَ فَيَكُونُ في سَنَةٍ أَحْمَلَ منه في الْأُخْرَى من الْعَطَشِ وَمِنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عز وجل وَيَكُونُ بَعْضُهَا مُخِفًّا وَبَعْضُهَا مُوقِرًا فلما لم أَعْلَمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ في بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْجُزَافَ وَالْعَيْنَ غير مَوْصُوفَةٍ لِأَنَّ الرئية ( ( ( الرؤية ) ) ) أَكْثَرُ من الصِّفَةِ وَيَرُدُّونَهُ في السَّلَفِ فَفَرَّقُوا بين حُكْمِهِمَا وَأَجَازُوا في بَيْعِ الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ ولم يُجِيزُوا في بَيْعِ السَّلَفِ الْمُؤَجَّلِ أَنْ يَكُونَ كان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ كما لَا يَكُونُ الْمَبِيعُ الْمُؤَجَّلُ إلَّا مَعْلُومًا بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مِثْلُهُ من صِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَغَيْرِ ذلك فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ما أبتيع بِهِ مَعْرُوفًا بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْرُوفًا كما كان الْمَبِيعُ مَعْرُوفًا وَلَا يَكُونُ السَّلَمُ مَجْهُولَ الصِّفَةِ وَالْوَزْنِ في مَغِيبٍ لم يُرَ فَيَكُونُ مَجْهُولًا بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ السَّلَفَ إنْ إنتقض عَرَفَ الْمُسَلِّفُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ وَلَا يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ عَيْنًا مَجْهُولًا وَلَا يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ عَيْنًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد نَجِدُ خِلَافَ من قال هذا الْقَوْلَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلًا وَإِنْ كنا قد إخترنا ما وَصَفْنَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ بَيْعَ الْجُزَافِ إنَّمَا جَازَ إذَا عَايَنَهُ الْمُجَازِفُ فَكَانَ عِيَانُ الْمُجَازِفِ مِثْلَ الصِّفَةِ فِيمَا غَابَ أو أَكْثَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَاعَ ثَمَرُ حَائِطٍ جُزَافًا بِدَيْنٍ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَّا مَوْصُوفًا إذَا كان غَائِبًا فَإِنْ كان الثَّمَرُ حَاضِرًا جُزَافًا كَالْمَوْصُوفِ غَائِبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ الْآخَرَ إنبغى أَنْ يُجِيزَ السَّلَفَ جُزَافًا من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَيَقُولَ إنْ إنتقض السَّلَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه مع يَمِينِهِ كما يَشْتَرِي الدَّارَ بِعَيْنِهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ في الثَّمَنِ قَوْلَ الْبَائِعِ وَمَنْ قال الْقَوْلَ الْأَوَّلَ في أَنْ
____________________

(3/100)


لَا يَجُوزَ في السَّلَفِ إلَّا ما كان مَقْبُوضًا مَوْصُوفًا كما يُوصَفُ ما سَلَّفَ فيه غَائِبًا قال ما وَصَفْنَا ( قال ) وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ الْقَوْلَيْنِ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيَاسُ هذا الْقَوْلِ الذي إخترت أَنْ لَا يُسَلَّفَ مِائَةُ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمِائَةِ صَاعِ تَمْرٍ مَوْصُوفَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَيْسَ ثَمَنُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَلَّفَ مائتي دينار في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِائَةٌ منهما ( ( ( بينهما ) ) ) إلَى شَهْرِ كَذَا وَمِائَةٌ إلَى شَهْرٍ مُسَمًّى بَعْدَهُ لم يَجُزْ في هذا الْقَوْلِ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا على حِدَتِهِ وَأَنَّهُمَا إذَا أُقِيمَا كانت مِائَةُ صَاعٍ أَقْرَبَ أَجَلًا من مِائَةِ صَاعٍ أَبْعَدَ أَجَلًا منها أَكْثَرَ في الْقِيمَةِ وَانْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ على مِائَتَيْ صَاعٍ لَيْسَتْ تُعْرَفُ حِصَّةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الثَّمَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَجَازَهُ غَيْرُنَا وهو يَدْخُلُ عليه ما وَصَفْنَا وَأَنَّهُ إنْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ يَوْمٍ يَتَبَايَعَانِ قَوَّمَهُ قبل أَنْ يَجِبَ على بَائِعِهِ دَفْعُهُ وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ ما وَجَبَ دَفْعُهُ وَهَذَا لم يَجِبْ دَفْعُهُ فَقَدْ إنعقدت الصَّفْقَةُ وهو غَيْرُهُ مَعْلُومٌ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ في هذا الْقَوْلِ أَنْ تُسْلَفَ أَبَدًا في شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ إلا إذَا سَمَّيْتَ رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ من ذلك الصِّنْفِ وَأَجَلَهُ حتى يَكُونَ صَفْقَةً جَمَعَتْ بُيُوعًا مُخْتَلِفَةً ( قال ) فَإِنْ فَعَلَ فَأَسْلَفَ مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ بِسِتِّينَ دِينَارًا إلَى كَذَا وَأَرْبَعُونَ في مِائَةِ صَاعٍ تَحِلُّ في شَهْرِ كَذَا جَازَ لِأَنَّ هذه وَإِنْ كانت صَفْقَةً فَإِنَّهَا وَقَعَتْ على بَيْعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ بِثَمَنَيْنِ مَعْلُومَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مُخَالِفٌ لِبُيُوعِ الْأَعْيَانِ في هذا الْمَوْضِعِ وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً وَمِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا وَمِائَةَ صَاعِ جُلْجُلَانَ وَمِائَةَ صَاعِ بُلْسُنٍ ( 1 ) جَازَ وَإِنْ لم يُسَمِّ لِكُلِّ صِنْفٍ منه ثَمَنَهُ وكان كُلُّ صِنْفٍ منه بِقِيمَتِهِ من الْمِائَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ فَيَأْخُذَ بِالْكَيْلِ وَزْنًا وَلَا في وَزْنٍ فَيَأْخُذَ بِالْوَزْنِ كَيْلًا لِأَنَّكَ تَأْخُذُ ما ليس بِحَقِّك إمَّا أَنْقَصُ منه وَإِمَّا أَزْيَدُ لإختلاف الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَمَا يَدْخُلُ في الْمِكْيَالِ وَثِقَلِهِ فَمَعْنَى الْكَيْلِ مُخَالِفٌ في هذا لمعنى ( ( ( المعنى ) ) ) الْوَزْنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا إنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في ثَوْبَيْنِ أَحَدُهَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ مَوْصُوفَيْنِ لم يَجُزْ السَّلَفُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ ثَوْبَيْنِ مَرْوِيَّيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ ليس هذا كَالْحِنْطَةِ صِنْفًا وَلَا كَالتَّمْرِ صِنْفًا لِأَنَّ هذا لَا يَتَبَايَنُ وَأَنَّ بَعْضَهُ مِثْلُ بَعْضٍ وَلَكِنْ لو أَسْلَمَ في حِنْطَتَيْنِ سَمْرَاءَ ومحموله مَكِيلَتَيْنِ لم يَجُزْ حتى يسمى رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ - * بَابُ جِمَاعِ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ وما لَا يَجُوزُ وَالْكَيْلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ ما بَنَيْتُ عليه في السَّلَفِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ دَاخِلٌ في نَصِّ السُّنَّةِ وَدَلَالَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَمَرَ بِالسَّلَفِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَمَوْجُودٌ في أَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ما أَذِنَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في صِفَتِهِ سَوَاءً ( قال ) وإذا وَقَعَ السَّلَفُ على هذا جَازَ وإذا اخْتَلَفَ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فيه أو كان مِمَّا لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما أَذِنَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا تَبَايُعُ الناس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ على مَعْنَى ما وَصَفْت بَيِّنٌ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمِيزَانَ يُؤَدِّي ما أبتيع مَعْلُومًا وَالْمِكْيَالُ مَعْلُومٌ كَذَلِكَ أو قَرِيبٌ منه وَأَنَّ ما كِيلَ ثُمَّ مَلَأَ الْمِكْيَالَ كُلَّهُ ولم يَتَجَافَ فيه شَيْءٌ حتى يَكُونَ يَمْلَأُ الْمِكْيَالَ وَمِنْ الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ ما يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ حتى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لم يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَهَذَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ التَّجَافِيَ يَخْتَلِفُ فيها يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ في السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لم يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَهُ
____________________

(3/101)


أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لم يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَاهُ مَعًا ( قال ) وَمَوْجُودٌ في حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نَهَاهُمْ عن السَّلَفِ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كما وَصَفْت قبل هذا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ في التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ يَكُونُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ لَا يَكُونُ في السَّنَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مَوْجُودًا وَإِنَّمَا يُوجَدُ في حِينٍ من السَّنَةِ دُونَ حِينٍ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا السَّلَفَ في الرُّطَبِ في غَيْرِ حِينِهِ إذَا تَشَارَطَا أَخْذَهُ في حِينٍ يَكُونُ فيه مَوْجُودًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ السَّلَفَ في السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ مَوْصُوفًا لِأَنَّهُ لم يَنْهَ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ ولم يَنْهَ عنه في السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ في السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ في أَكْثَرِ مُدَّتِهِمَا وَلَا يُسَلِّفُ في قَبْضَةٍ وَلَا مُدٍّ من رُطَبٍ من حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قد تَأْتِي عليه الْآفَةُ وَلَا يُوجَدُ في يَوْمٍ وإذا لم يَجُزْ في أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَإِنَّمَا السَّلَفُ فِيمَا كان مَأْمُونًا وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ أَجَزْت هذا في مُدِّ رُطَبٍ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حَائِطٍ بِعَيْنِهِ أَجَزْته في أَلْفِ صَاعٍ إذَا كان يُحْمَلُ مِثْلُهَا وَلَا فَرْقَ بين الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ في هذا - * بَابُ السَّلَفِ في الْكَيْلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن إبن جريح ( ( ( جريج ) ) ) عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا دَقَّ وَلَا رَذْمَ وَلَا زَلْزَلَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) من سَلَّفَ في كَيْلٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَدُقَّ ما في الْمِكْيَالِ وَلَا يُزَلْزِلُهُ وَلَا يُكْنِفُ بِيَدَيْهِ على رَأْسِهِ فَلَهُ ما أَخَذَ الْمِكْيَالُ وَلَيْسَ له أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلِ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ في الْمِكْيَالِ مِثْلُ ما تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ وَيَعْظُمُ وَيَصْلُبُ لِأَنَّهُ قد يَبْقَى فِيمَا بُيِّنَ لَك خَوَاءً لَا شَيْءَ فيه فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي كَمْ أعطى وَكَمْ أَخَذَ إنَّمَا الْمِكْيَالُ لَيُمْلَأُ وما كان هَكَذَا لم يُسَلِّفْ فيه إلَّا وَزْنًا وَلَا يُبَاعُ أَيْضًا إذَا كان هَكَذَا كَيْلًا بِحَالٍ لِأَنَّ هذا إذَا بِيعَ كَيْلًا لم يُسْتَوْفَ الْمِكْيَالُ وَلَا بَأْسَ ان يُسَلِّفَ في كَيْلٍ بِمِكْيَالٍ قد عُطِّلَ وَتُرِكَ إذَا كان مَعْرِفَتُهُ عَامَّةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كان لَا يُوجَدُ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِهِ أو أَرَاهُ مِكْيَالًا فقال تَكِيلُ لي بِهِ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْمِيزَانِ لِأَنَّهُ قد يَهْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيَخْتَلِفَانِ فيه فَيَفْسُدُ السَّلَفُ فيه وَمِنْ الناس من أَفْسَدَ السَّلَمَ في هذا وَأَجَازَهُ في أَنْ يُسَلَّفَ الشَّيْءُ جُزَافًا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَلَا خير ( ( ( خبر ) ) ) في السَّلَفِ في مَكِيلٍ إلَّا مَوْصُوفًا كما وَصَفْنَا في صِفَاتِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْحِنْطَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ تَعَالَى والسلف ( ( ( السلف ) ) ) في الْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ قَلَّ طَعَامُ الْبُلْدَانِ أو كَثُرَ فإذا كان الذي يُسَلِّفُ فيه في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه لَا يَخْتَلِفُ وَوَصَفَ الْحِنْطَةَ فقال محموله أو مُوَلَّدَةٌ أو بُوزَنْجَانِيَّةٌ وجيده أو رديه ( ( ( رديئة ) ) ) من صِرَامِ عَامِهَا أو من صِرَامِ عَامٍ أَوَّلَ ويسمى سَنَتَهُ وَصِفَاتِهِ جَازَ السَّلَفُ وَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ من قِبَلِ إختلافها وَقِدَمِهَا وَحَدَاثَتِهَا وَصَفَائِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَصِفُ الْمَوْضِعَ الذي يَقْبِضُهَا فيه وَالْأَجَلَ الذي يَقْبِضُهَا إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال غَيْرُنَا إنْ تَرَكَ صِفَةَ الْمَوْضِعِ الذي يَقْبِضُهَا فيه فَلَا بَأْسَ وَيَقْبِضُهَا حَيْثُ أَسْلَفَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد يُسَلِّفُهُ في سَفَرٍ في بَلْدَةٍ لَيْسَتْ بِدَارِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا قُرْبُهَا طَعَامٌ فَلَوْ يُكَلَّفُ الْحِمْلَ إلَيْهَا أَضَرَّ بِهِ وَبِاَلَّذِي سَلَّفَهُ وَيُسَلِّفُهُ في سَفَرٍ في بَحْرٍ ( قال ) وَكُلُّ ما كان لِحِمْلِهِ مؤنه من طَعَامٍ وَغَيْرِهِ لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يَدَعَ شَرْطَ الْمَوْضِعِ الذي يُوَفِّيهِ إيَّاهُ فيه كما قُلْت في الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ لِمَا وَصَفْت وإذا سَلَّفَ في حِنْطَةٍ
____________________

(3/102)


بِكَيْلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا نقيه من التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالْمَدَرِ وَالْحَصَى وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ وما خَالَطَهَا من غَيْرِهَا لِأَنَّا لو قَضَيْنَا عليه أَنْ يَأْخُذَهَا وَفِيهَا من هذا شَيْءٌ كنا لم نُوَفِّهِ مَكِيلَهُ قِسْطَهُ حين خَلَطَهَا بِشَيْءٍ من هذا لِأَنَّ له مَوْقِعًا من مِكْيَالٍ فَكَانَ لو أُجْبِرَ على أَخْذِ هذا أُجْبِرَ على أَخْذِ أَقَلَّ من طَعَامِهِ بِأَمْرٍ لَا يَعْرِفُهُ ومكيله لم يُسَلَّفْ فيها من هذا لَا يَعْرِفُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَأْخُذُ شيئا مِمَّا أَسْلَفَ فيه مُتَعَيَّبًا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ سوس ( ( ( كسوس ) ) ) وَلَا ما أَصَابَهُ وَلَا غَيَّرَهُ وَلَا مِمَّا إذَا رَآهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ قالوا هذا عَيْبٌ فيه - * بَابُ السَّلَفِ في الذُّرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ والذره كَالْحِنْطَةِ تُوصَفُ بِجِنْسِهَا وَلَوْنِهَا وَجَوْدَتِهَا وَرَدَاءَتِهَا وَجِدَّتِهَا وَعِتْقِهَا وَصِرَامِ عَامِ كَذَا أو عَامِ كَذَا وَمَكِيلَتِهَا وَأَجَلِهَا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد تُدْفَنُ الذُّرَةُ وَبَعْضُ الدَّفْنِ عَيْبٌ لها فما كان منه لها عَيْبًا لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ لها وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذُرَةً بريه ( ( ( بريئة ) ) ) نقيه من حَشَرِهَا إذَا كان الْحَشَرُ عليها كما كِمَامُ الْحِنْطَةِ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان منها إلَى الْحُمْرَةِ ما هو بِالْحُمْرَةِ لَوْنٌ لِأَعْلَاهُ كَلَوْنِ أَعْلَى التُّفَّاحِ وَالْأَرُزِّ وَلَيْسَ بِقِشْرَةٍ عليه تُطْرَحُ عنه لَا كما تُطْرَحُ نُخَالَةُ الْحِنْطَةِ بَعْدَ الطَّحْنِ فَأَمَّا قبل الطَّحْنِ وَالْهَرْسِ فَلَا يَقْدِرُ على طَرْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا وما كان من الذُّرَةِ في حَشَرِهَا لِأَنَّ الْحَشَرَ وَالْأَكْمَامَ غِلَافَانِ فَوْقَ الْقِشْرَةِ التي هِيَ من نَفْسِ الْحَبَّةِ التي هِيَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَبَّةِ كما هِيَ من خِلْقَتِهَا لَا تَتَمَيَّزُ ما كانت الْحَبَّةُ قَائِمَةً إلَّا بِطَحْنٍ أو هَرْسٍ فإذا طُرِحَتْ بِهَرْسٍ لم يَكُنْ لِلْحَبَّةِ بَقَاءٌ لِأَنَّهَا كَمَالُ خِلْقَتِهَا كَالْجِلْدِ تَكْمُلُ بِهِ الْخِلْقَةُ لَا يَتَمَيَّزُ منها وَالْأَكْمَامُ وَالْحَشَرُ يَتَمَيَّزُ وَيَبْقَى الْحَبُّ بِحَالِهِ لَا يَضُرُّ بِهِ طَرْحُ ذلك عنه ( قال ) فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ في الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ يَكُونُ عليه الْقِشْرُ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ مِمَّا له قِشْرٌ لَا صَلَاحَ له إذَا رُفِعَ إلَّا بِقِشْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا طُرِحَ عنه قِشْرُهُ ثُمَّ تُرِكَ عُجِّلَ فَسَادُهُ وَالْحَبُّ يُطْرَحُ قِشْرُهُ الذي هو غَيْرُ خِلْقَتِهِ فَيَبْقَى لَا يَفْسُدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في الشَّعِيرِ كَهُوَ في الذُّرَةِ تُطْرَحُ عنه أكمامة وما بَقِيَ فَهُوَ كَقِشْرِ حَبَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَطْرُوحِ عنها أَكْمَامُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِقِشْرِهِ اللَّازِمِ لِخِلْقَتِهِ كما يَجُوزُ في الْحِنْطَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُوصَفُ الشَّعِيرُ كما تُوصَفُ الذُّرَةُ وَالْحِنْطَةُ إذَا إختلف أَجْنَاسُهُ وَيُوصَفُ كُلُّ جِنْسٍ من الْحَبِّ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كان حَبُّهُ مُخْتَلِفًا في جِنْسٍ وَاحِدٍ وُصِفَ بالدقه وَالْحَدَارَةِ لإختلاف الدقه وَالْحَدَارَةِ حتى يَكُونَ صِفَةً من صِفَاتِهِ إنْ تُرِكَتْ أَفْسَدَتْ السَّلَفَ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عليه وهو دَقِيقٌ وَيَقَعُ عليه وهو حَادِرٌ وَيَخْتَلِفُ في حَالَيْهِ فَيَكُونُ الدَّقِيقُ أَقَلَّ ثَمَنًا من الْحَادِرِ - * بَابُ الْعَلَسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَلَسُ صِنْفٌ من الْحِنْطَةِ يَكُونُ فيه حَبَّتَانِ في كِمَامٍ فَيُتْرَكُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْقَى له حتى يُرَادَ إستعماله لِيُؤْكَلَ فَيُلْقَى في رَحًى خفيفه فَيُلْقَى عنه كِمَامُهُ وَيَصِيرُ حَبًّا صَحِيحًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه إلَّا مُلْقًى عنه كِمَامُهُ بِخَصْلَتَيْنِ إختلاف الْكِمَامِ وَتَغَيُّبِ الْحَبِّ فَلَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ وَالْقَوْلُ في صِفَاتِهِ وأجناسة إنْ كانت له وحدارته وَدِقَّتُهُ كَالْقَوْلِ في الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ فيها وَيُرَدُّ منه ما يُرَدُّ منها
____________________

(3/103)


- * بَابُ الْقُطْنِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في شَيْءٍ من الْقُطْنِيَّةِ كَيْلٌ في أكمامة حتى تُطْرَحَ عنه فَيُرَى وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمَّى حِمَّصًا أو عَدَسًا أو جُلُبَّانًا أو مَاشًا وَكُلُّ صِنْفٍ منها على حِدَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ ذلك وُصِفَ كُلُّ صِنْفٍ منه بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ جِنْسُهُ كما قُلْنَا في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَيَجُوزُ فيه ما جَازَ فيها وَيُرَدُّ منه ما رُدَّ منها وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من الْحُبُوبِ أَرُزٍّ أو دُخْنٍ أو سُلْتٍ أو غَيْرِهِ يُوصَفُ كما تُوصَفُ الْحِنْطَةُ وَيُطْرَحُ عنه كمامة وما جَازَ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ فيها وما أنتقض فيها أنتقض فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ الْحُبُوبِ صِنْفٌ بِمَا يَدْخُلُهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا أو يَجْبُرُهَا وَقُشُورُهُ عليه كَقُشُورِ الْحِنْطَةِ عليها يُبَاعُ بها لِأَنَّ الْقُشُورَ لَيْسَتْ بِأَكْمَامٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَوْلُ في التَّمْرِ كَالْقَوْلِ في الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في تَمْرٍ حتى يَصِفَهُ بَرْنِيًّا أو عَجْوَةً أو صَيْحَانِيًّا أو بُرْدِيًّا فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الْأَجْنَاسُ في الْبُلْدَانِ فَتَبَايَنَتْ لم يَجُزْ أَنْ يُسَلِّفَ فيها حتى يَقُولَ من بردى بِلَادِ كَذَا أو من عَجْوَةِ بِلَادِ كَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يسمى بَلَدًا إلَّا بَلَدًا من الدُّنْيَا ضَخْمًا وَاسِعًا كَثِيرَ النَّبَاتِ الذي يَسْلَمُ فيه يُؤْمَنُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تأتى الآفه عليه كُلِّهِ فَتَنْقَطِعُ ثَمَرَتُهُ في الْجَدِيدِ إنْ اُشْتُرِطَ جَدِيدُهُ أو رُطَبُهُ إذَا سُلِّفَ في رُطَبِهِ ( قال ) وَيُوصَفُ فيه حَادِرًا أو عَبْلًا وَدَقِيقًا وَجَيِّدًا وَرَدِيئًا لِأَنَّهُ قد يَقَعُ إسم الْجَوْدَةِ على ما فيه الدِّقَّةُ وَعَلَى ما هو أَجْوَدُ منه وَيَقَعُ إسم الرَّدَاءَةِ على الْحَادِرِ فَمَعْنَى رَدَاءَتِهِ غَيْرُ الدِّقَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَلَّفَ في تَمْرٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا جَافًّا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْرًا حتى يَجِفَّ وَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا مَعِيبًا وَعَلَامَةُ الْعَيْبِ أَنْ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَيَقُولُونَ هذا عَيْبٌ فيه وَلَا عليه أَنْ يَأْخُذَ فيه حَشَفَةً واحده لِأَنَّهَا معيبه وَهِيَ نَقْصٌ من مَالِهِ وَلَا غير ذلك من مستحشفة وما عَطِشَ وَأَضَرَّ بِهِ الْعَطَشُ منه لِأَنَّ هذا كُلَّهُ عَيْبٌ فيه وَلَوْ سَلَّفَ فيه رُطَبًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ في الرُّطَبِ بسرا ( ( ( يسرا ) ) ) وَلَا مُذَنِّبًا وَلَا يَأْخُذُ إلَّا ما ارطب كُلُّهُ وَلَا يَأْخُذُ مِمَّا أَرْطَبَ كُلُّهُ مُشَدَّخًا وَلَا قَدِيمًا قد قَارَبَ أَنْ يتمر ( ( ( يثمر ) ) ) أو يَتَغَيَّرَ لِأَنَّ هذا إمَّا غَيَّرَ الرُّطَبَ وَإِمَّا عَيَّبَ الرُّطَبَ وَهَكَذَا أَصْنَافُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ كُلِّهِ وَأَصْنَافُ الْعِنَبِ وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه رُطَبًا أو يَابِسًا من الْفَاكِهَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَفُ في الطَّعَامِ إلَّا في كَيْلٍ أو وَزْنٍ فَأَمَّا في عَدَدٍ فَلَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في التِّينِ يَابِسًا وفي الْفِرْسِكِ يَابِسًا وفي جَمِيعِ ما يَيْبَسُ من الْفَاكِهَةِ يَابِسًا بِكَيْلٍ كما يُسَلِّفُ في التَّمْرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيمَا كِيلَ منه رُطَبًا كما يُسْلِمُ في الرُّطَبِ وَالْقَوْلُ في صِفَاتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَأَجْنَاسِهِ كَالْقَوْلِ في الرُّطَبِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ فَإِنْ كان فيه شَيْءٌ بَعْضُ لَوْنِهِ خَيْرٌ من بَعْضٍ لم يَجُزْ حتى يُوصَفَ اللَّوْنُ كما لَا يَجُوزُ في الرَّقِيقِ إلَّا صِفَةُ الْأَلْوَانِ ( قال ) وَكُلُّ شَيْءٍ إختلف فيه جِنْسٌ من الْأَجْنَاسِ المأكوله فَتَفَاضَلَ بِالْأَلْوَانِ أو بِالْعِظَمِ لم يَجُزْ فيه إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِلَوْنِهِ وَعِظَمِهِ فَإِنْ تُرِكَ شَيْءٌ من ذلك لم يَجُزْ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ على ما يَدُقُّ وَيَعْظُمُ منه وَيَقَعُ على أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ وَرُبَّمَا كان أَسْوَدُهُ خَيْرًا من أَبْيَضِهِ وَأَبْيَضُهُ خَيْرٌ من أَسْوَدِهِ وَكُلُّ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَجْتَمِعُ في أَكْثَرِ مَعَانِيهِ وَقَلِيلٌ ما يُبَايِنُ بِهِ جُمْلَتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ في جِنْسٍ من التَّمْرِ فأعطى أَجْوَدَ منه أو أَرْدَأَ بِطِيبِ نَفْسٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا إبْطَالَ لِلشَّرْطِ بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَذَلِكَ أَنَّ هذا قَضَاءٌ لَا بَيْعٌ وَلَكِنْ لو أعطى مَكَانَ التَّمْرِ حِنْطَةً أو غير التَّمْرِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ من غَيْرِ الصِّنْفِ الذي له فَهَذَا بَيْعُ ما لم يَقْبِضْ
____________________

(3/104)


بَيْعُ التَّمْرِ بِالْحِنْطَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في شَيْءٍ من الْمَأْكُولِ عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ فيه بصفه كما يُحَاطُ في الْحَيَوَانِ بِسِنٍّ وصفه وَكَمَا يُحَاطُ في الثِّيَابِ بِذَرْعٍ وَصِفَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ فيه كُلِّهِ بِصِفَةٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الْوَزْنُ فيه يَأْتِي على ما يَأْتِي عليه الذَّرْعُ في الثَّوْبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في صِنْفٍ من الْخِرْبِزِ بِعَيْنِهِ ويسمى منه عِظَامًا أو صِغَارًا أو خِرْبِزَ بَلَدٍ وَزْنَ كَذَا وَكَذَا فما دخل الْمِيزَانُ فيه من عَدَدِ ذلك لم يُنْظَرْ فيه إلَى الْعَدَدِ إذَا وَقَعَتْ على ما يَدْخُلُ الْمِيزَانَ أَقَلُّ الصِّفَةِ وَنُظِرَ إلَى الْوَزْنِ كما لَا يُنْظَرُ في مَوْزُونٍ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَى عَدَدٍ وإذا اخْتَلَفَا في عِظَامِهِ وَصِغَارِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعِظَمِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ اسْمُ صِفَتِهِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ منه مَوْزُونًا وَهَكَذَا السَّفَرْجَلُ وَالْقِثَّاءُ وَالْفِرْسِكُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَبِيعُهُ الناس عَدَدًا وَجُزَافًا في اوعيته لَا يَصْلُحُ السَّلَفُ فيه إلَّا مَوْزُونًا لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ في الْمِكْيَالِ وما اخْتَلَفَ في الْمِكْيَالِ حتى يَبْقَى من الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ ليس فيه شَيْءٌ لم يُسَلِّفْ فيه كَيْلًا قال وَإِنْ اخْتَلَفَ فيه أَصْنَافُ ما سَلَّفَ من قِثَّاءٍ وَخِرْبِزٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُكَالُ سمى كُلُّ صِنْفٍ منها على حِدَتِهِ وَبِصِفَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك فَإِنْ تَرَكَ ذلك فَالسَّلَفُ فَاسِدٌ وَالْقَوْلُ في افساده وَإِجَازَتِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ اجناسه كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ من الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا - * بَابُ جِمَاعِ السَّلَفِ في الْوَزْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمِيزَانُ مُخَالِفٌ لِلْمِكْيَالِ في بَعْضِ مَعَانِيهِ وَالْمِيزَانُ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ وَأَبْعَدُ من أَنْ يَخْتَلِفَ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ من الْمِكْيَالِ لِأَنَّ ما يَتَجَافَى ولم يَتَجَافَ في الْمِيزَانِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ فيه كُلِّهِ إلَى ان يُوجَدَ بِوَزْنِهِ والمتجافى في الْمِكْيَالِ يَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فَلَيْسَ في شَيْءٍ مِمَّا وُزِنَ اخْتِلَافٌ في الْوَزْنِ يُرَدُّ بِهِ السَّلَفُ من قِبَلِ اخْتِلَافِهِ في الْوَزْنِ كما يَكُونُ فِيمَا وَصَفْنَا من الْكَيْلِ وَلَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِمَّا سَلَّفَ فيه وَزْنًا مَعْلُومًا إلَّا من قِبَلِ غَيْرِ الْوَزْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في شَيْءٍ وَزْنًا وَإِنْ كان يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا في شَيْءٍ كَيْلًا وَإِنْ كان يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان مِمَّا لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ مِثْلُ الزَّيْتِ الذي هو ذَائِبٌ إنْ كان يُبَاعُ بالمدينه في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْ بَعْدِهِ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ ان يُسَلَّفَ فيه كَيْلًا وَإِنْ كان يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فيه وَزْنًا وَمِثْلَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وما أَشْبَهَهُ من الْإِدَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ كان يُبَاعُ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الذي أَدْرَكْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ بِهِ عليه فَأَمَّا ما قَلَّ منه فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ على مِثْلِ ما أَدْرَكْنَا الناس عليه قال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه لَا آكُلُ سَمْنًا ما دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا وَلَا يَفْسُدُ السَّلَفُ الصَّحِيحُ الْعَقْدَ في الْوَزْنِ إلَّا من قِبَلِ الصِّفَةِ فَإِنْ كانت الصِّفَةُ لَا تَقَعُ عليه وكان إذَا اخْتَلَفَ صِفَاتُهُ تَبَايَنَتْ جَوْدَتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وما كان مَجْهُولًا عِنْدَهُمْ لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ في وَزْنٍ ثُمَّ أَرَادَ إعْطَاءَهُ كَيْلًا لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ خَفِيفًا وَيَكُونُ غَيْرُهُ من جِنْسِهِ أَثْقَلَ منه فإذا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِالْمِكْيَالِ أَقَلَّ أو اكثر مِمَّا سَلَّفَهُ فيه فَكَانَ أَعْطَاهُ الطَّعَامَ الْوَاجِبَ من الطَّعَامِ الْوَاجِبِ مُتَفَاضِلًا أو مَجْهُولًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَعْلُومًا فَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ فَذَلِكَ الذي لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ تَطَوُّعًا منه على غَيْرِ شَيْءٍ كان في الْعَقْدِ فَهَذَا نَائِلٌ من قِبَلِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ من حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي مِمَّا بَقِيَ عليه فَهَذَا شَيْءٌ تَطَوَّعَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا أَنْ لَا يَعْمِدَا تَفَضُّلًا وَيَتَجَازَفَا مَكَانَ الْكَيْلِ يَتَجَازَفَانِ وَزْنًا فإذا جَازَ هذا جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَيْضًا جُزَافًا وَفَاءً من كَيْلٍ لَا عن طِيبِ أَنْفُسٍ مِنْهُمَا عن فَضْلٍ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا قبل صَاحِبِهِ
____________________

(3/105)


- * تفريع الْوَزْنُ من الْعَسَلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَقَلُّ ما يَجُوزُ بِهِ السَّلَفُ في الْعَسَلِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُسَلِّفُ في كَيْلٍ أو وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ معلومه جَدِيدًا وَيَقُولُ عَسَلُ وَقْتِ كَذَا لِلْوَقْتِ الذي يَكُونُ فيه فَيَكُونُ يَعْرِفُ يوم يَقْبِضُهُ جِدَّتَهُ من قِدَمِهِ وَجِنْسَ كَذَا وَكَذَا منه ( قال ) والصفه أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ صَافٍ أَبْيَضُ من عَسَلِ بَلَدِ كَذَا جبدا أو رديئا ( ( ( رديء ) ) ) ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ في الْعَسَلِ صَافِيًا جَازَ عِنْدِي من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان له عَسَلٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ شَمْعًا في الْعَسَلِ وكان له أَنْ يَأْخُذَ عَسَلًا وَالْعَسَلَ الصَّافِيَ وَالصَّافِي وَجْهَانِ صَافٍ من الشَّمْعِ وَصَافٍ في اللَّوْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ في عَسَلٍ صَافٍ فَأَتَى بِعَسَلٍ قد صُفِّيَ بِالنَّارِ لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ النَّارَ تُغَيِّرُ طَعْمَهُ فَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَلَكِنْ يُصَفِّيهِ له بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ جَاءَهُ بِعَسَلٍ غَيْرِ صَافِي اللَّوْنِ فَذَلِكَ عَيْبٌ فيه فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا كان عَيْبًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ سَلَّفَ في عَسَلٍ فَجَاءَهُ بِعَسَلٍ رَقِيقٍ أُرِيَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَسَلِ فَإِنْ قالوا هذه الرقه في هذا الْجِنْسِ من هذا الْعَسَلِ عَيْبٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ قالوا هَكَذَا يَكُونُ هذا الْعَسَلُ وَقَالُوا رَقَّ لِحَرِّ الْبِلَادِ أو لعله غَيْرِ عَيْبٍ في نَفْسِ الْعَسَلِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ ( قال ) وَلَوْ قال عَسَلُ بُرٍّ أو قال عَسَلُ صَعْتَرٍ أو عَسَلُ صَرْوٍ أو عَسَلُ عُشْرٍ وَوَصَفَ لَوْنَهُ وَبَلَدَهُ فَأَتَاهُ بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَبِغَيْرِ الصِّنْفِ الذي شَرَطَ له أَدْنَى أو أَرْفَعَ لم يَكُنْ عليه أَخْذُهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا نُقْصَانٌ عَمَّا سَلَّفَ فيه وَالْآخَرُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ من هذه قد يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له غَيْرُهُ أو يُجْزِئُ فِيمَا لَا يُجْزِئُ فيه غَيْرُهُ أو يَجْمَعُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ غير ما شَرَطَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُمَا ( قال ) وما وَصَفْتُ من عَسَلِ بُرٍّ وَصَعْتَرٍ وَغَيْرِهِ من كل جِنْسٍ من الْعَسَلِ في الْعَسَلِ كَالْأَجْنَاسِ المختلفه في السَّمْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا صِفَتُهُ في السَّلَفِ وَإِلَّا فَسَدَ السَّلَفُ أَلَا تَرَى أَنِّي لو أَسْلَمْت في سَمْنٍ وَوَصَفْته ولم أَصِفْ جِنْسَهُ فَسَدَ من قِبَلِ أَنَّ سَمْنَ الْمِعْزَى مُخَالِفٌ سَمْنَ الضَّأْنِ وَأَنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ كُلِّهَا مُخَالِفٌ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ فإذا لم تَقَعْ الصفه على الْجِنْسِ مِمَّا يَخْتَلِفُ فَسَدَ السَّلَفُ كما يَفْسُدُ لو سَلَّفْته في حِنْطَةٍ ولم أُسَمِّ جِنْسَهَا فَأَقُولُ مصريه أو يمانيه أو شاميه وَهَكَذَا لو تَرَكَ أَنْ يصف ( ( ( يصفه ) ) ) الْعَسَلَ بِلَوْنِهِ فَسَدَ من قِبَلِ أَنَّ أَثْمَانَهَا تَتَفَاضَلُ على جَوْدَةِ الْأَلْوَانِ وَمَوْقِعِهَا من الْأَعْمَالِ يَتَبَايَنُ بها وَهَكَذَا لو تَرَكَ صِفَةَ بَلَدِهِ فَسَدَ لِاخْتِلَافِ أعسال ( ( ( أعمال ) ) ) الْبُلْدَانِ كَاخْتِلَافِ طَعَامِ الْبُلْدَانِ وَكَاخْتِلَافِ ثِيَابِ الْبُلْدَانِ من مروى وَهَرَوِيٍّ وَرَازِيٍّ وَبَغْدَادِيٍّ وَهَكَذَا لو تَرَكَ أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ حَدِيثٌ من عَسَلِ وَقْتِ كَذَا من قِبَلِ اخْتِلَافِ ما قَدُمَ من الْعَسَلِ وَحَدُثَ وإذا قال عَسَلُ وَقْتِ كَذَا فَكَانَ ذلك الْعَسَلُ يَكُونُ في رَجَبٍ وَسُمِّيَ أَجَلُهُ رَمَضَانَ فَقَدْ عَرَفَ كَمْ مَرَّ عليه وَهَذَا هَكَذَا في كل ما يَخْتَلِفُ فيه قَدِيمُهُ وَجَدِيدُهُ من سَمْنٍ أو حِنْطَةٍ أو غَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما كان عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبٌ في جِنْسِ ما سُلِّفَ فيه لم يَلْزَمْهُ السَّلَفُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما خَالَفَ الصِّفَةَ الْمَشْرُوطَةَ منه فَلَوْ شَرَطَ عَسَلًا من عَسَلِ الصَّرْو وَعَسَلِ بَلَدِ كَذَا فَأَتَى بِالصِّفَةِ في اللَّوْنِ وَعَسَلِ الْبَلَدِ فَقِيلَ ليس هذا صَرْوًا خَالِصًا وَهَذَا صَرْوٌ وَغَيْرُهُ لم يَلْزَمْهُ كما يَكُونُ سَمْنُ بَقَرٍ لو خَلَطَهُ بِسَمْنِ الْغَنَمِ لم يَلْزَمْ من سَلَّفَ وَاحِدًا من السَّمْنَيْنِ وَلَوْ قال أَسْلَمْت إلَيْك في كَذَا وَكَذَا رَطْلًا من عَسَلٍ أو في مِكْيَالِ عَسَلٍ بِشَمْعِهِ كان فَاسِدًا لِكَثْرَةِ الشَّمْعِ وَقِلَّتِهِ وَثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ وَكَذَا لو قال أُسْلِمُ إليك بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال أسلمت إلَيْك في شَهْدٍ بِوَزْنٍ أو عَدَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ما فيه من الْعَسَلِ وَالشَّمْعِ
____________________

(3/106)


- * بَابُ السَّلَفِ في السَّمْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالسَّمْنُ كما وَصَفْت من الْعَسَلِ وَكُلُّ مَأْكُولٍ كان في مَعْنَاهُ كما وَصَفْت منه وَيَقُولُ في السَّمْنِ سَمْنُ مَاعِزٍ أو سَمْنُ ضَأْنٍ أو سَمْنُ بَقَرٍ وَإِنْ كان سَمْنُ الْجَوَامِيسِ يُخَالِفُهَا قال سَمْنُ جَوَامِيسَ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذلك وَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَخْتَلِفُ سَمْنُ الْجِنْسِ منه قال سَمْنُ غَنَمٍ كَذَا وَكَذَا كما يُقَالُ بِمَكَّةَ سَمْنُ ضَأْنٍ نَجْدِيَّةٍ وَسَمْنُ ضَأْنٍ تِهَامِيَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ في اللَّوْنِ وَالصِّفَةِ وَالطَّعْمِ وَالثَّمَنِ ( قال ) وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْعَسَلِ قَبْلَهُ فما كان عَيْبًا وَخَارِجًا من صِفَةِ السَّلَفِ لم يَلْزَمْ السَّلَفُ وَالْقَدِيمُ من السَّمْنِ يَتَبَيَّنُ من الْقَدِيمِ من الْعَسَلِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ تَغَيُّرًا منه وَالسَّمْنُ منه ما يُدَخِّنُ وَمِنْهُ ما لَا يُدَخِّنُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُدَخِّنُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فيه - * السَّلَفُ في الزَّيْتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالزَّيْتُ إذَا اخْتَلَفَ لم يَجُزْ فيه إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِصِفَتِهِ وَجِنْسِهِ وَإِنْ كان قِدَمُهُ يُغَيِّرُهُ وَصَفَهُ بالجده أو سُمِّيَ عَصِيرَ عَامِ كَذَا حتى يَكُونَ قد أتى عليه ما يَعْرِفُهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالْقَوْلُ في عُيُوبِهِ وإختلافه كَالْقَوْلِ في عُيُوبِ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ ( قال ) وَالْآدَامُ كُلُّهَا التي هِيَ أَوْدَاكُ السَّلِيطِ وَغَيْرِهِ إنْ اخْتَلَفَ نَسَبُ كل وَاحِدٍ منها إلَى جِنْسِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ عَتِيقُهَا وَحَدِيثُهَا نُسِبَ إلَى الْحَدَاثَةِ وَالْعِتْقِ فأن بَايَنَتْ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ في هذا فَكَانَتْ لَا يُقَلِّبُهَا الزَّمَانُ وَلَا تُغَيَّرُ قُلْت عَصِيرُ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك وَالْقَوْلُ في عُيُوبِهَا كَالْقَوْلِ في عُيُوبِ ما قَبْلَهَا كُلُّ ما نَسَبَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى الْعَيْبِ في جِنْسٍ منها لم يَلْزَمْ مُشْتَرِيَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ هو مُتَطَوِّعًا ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ في شَيْءٍ من الْأَشْيَاءِ أُسْلِمُ إلَيْك في أَجْوَدِ ما يَكُونُ منه لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ أَجْوَدِ ما يَكُونُ منه أَبَدًا فَأَمَّا أَرْدَأُ ما يَكُونُ منه فاكرهه وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى خَيْرًا من أَرْدَأِ ما يَكُونُ منه كان مُتَطَوِّعًا بِالْفَضْلِ وَغَيْرُ خَارِجٍ من صِفَةِ الرَّدَاءَةِ كُلُّهُ ( قال ) وما اشترى من الْآدَامِ كَيْلًا اُكْتِيلَ وما اشترى وَزْنًا بِظُرُوفِهِ لم يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِالْوَزْنِ في الظُّرُوفِ لإختلاف الظُّرُوفِ وَأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ وَزْنِهَا فَلَوْ اشْتَرَى جُزَافًا وقد شَرَطَ وَزْنًا فلم يَأْخُذْ ما عَرَفَ من الْوَزْنِ الْمُشْتَرَى إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ وَزْنِ الزَّيْتِ في الظُّرُوفِ بِأَنْ يَدَعَ ما يَبْقَى له من الزَّيْتِ وَإِنْ لم يَتَرَاضَيَا وَأَرَادَ اللَّازِمَ لَهُمَا وُزِنَتْ الظُّرُوفُ قبل أَنْ يُصَبَّ فيها الْإِدَامُ ثُمَّ وُزِنَتْ بِمَا يُصَبُّ فيها ثُمَّ يُطْرَحُ وَزْنُ الظُّرُوفِ وَإِنْ كان فيها زَيْتٌ وُزِنَ فُرِّغَتْ ثم وُزِنَتْ الظُّرُوفُ ثُمَّ أُلْقِيَ وزنها من الزَّيْتِ وما أُسْلِفَ فيه من الْإِدَامِ فَهُوَ له صَافٍ من الرُّبِّ وَالْعَكَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا خَالَفَ الصَّفَاءَ - * السَّلَفُ في الزُّبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ السَّلَفُ في الزُّبْدِ كَهُوَ في السَّمْنِ يُسَمَّى زُبْدَ مَاعِزٍ أو زُبْدَ ضَأْنٍ أو زُبْدَ بَقَرٍ وَيَقُولُ نَجْدِيٌّ أو تِهَامِيٌّ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَيَشْرِطُهُ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا وَيَشْرِطُهُ زُبْدَ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ في غَدِهِ بِتِهَامَةَ حتى يَحْمُضَ وَيَتَغَيَّرُ في الْحَرِّ وَيَتَغَيَّرُ في الْبَرْدِ تَغَيُّرًا دُونَ ذلك وَبِنَجْدٍ يُؤْكَلُ غير أَنَّهُ لَا يَكُونُ زُبْدَ يَوْمِهِ كَزُبْدِ غَدِهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَلَيْسَ لِلْمُسَلِّفِ أَنْ يُعْطِيَهُ زُبْدًا نَجِيخًا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ ليس بِزُبْدِ يَوْمِهِ إنَّمَا هو زُبْدٌ تَغَيَّرَ فَأُعِيدَ في سِقَاءٍ فيه لَبَنٌ مُخِضَ لِيَذْهَبَ تَغَيُّرُهُ فَيَكُونُ عَيْبًا في الزُّبْدِ لِأَنَّهُ جَدَّدَهُ وهو غَيْرُ جَدِيدٍ وَمِنْ أَنَّ الزُّبْدَ يَرِقُّ عن أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَيَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ وَالْقَوْلُ فِيمَا عَرَفَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبًا أَنَّهُ يُرَدُّ بِهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ
____________________

(3/107)


=

=

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...