Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم مجلد 15.محمد بن إدريس الشافعي

 

15.

كتاب الأم مجلد 15.محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  = أَيْمَانٍ وَخَامِسَةً وهو قَاذِفٌ لِامْرَأَتِهِ وَأَحْلَفْت الْقَاذِفَ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت في الدَّمِ خَمْسِينَ وَأَحْلَفْت في الْحُقُوقِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ اللِّعَانِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت الرَّجُلَ على فِعْلِهِ ولم تُحَلِّفْهُ على غَيْرِ فِعْلِهِ ثُمَّ أَحَلَفْتَهُ في الْقَسَامَةِ على فِعْلِهِ وما عَلِمَ فِعْلَ غَيْرِهِ قال اتَّبَعْنَا في بَعْضِ هذا كِتَابًا وفي بَعْضِهِ أَثَرًا وفي بَعْضِهِ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له وَنَحْنُ اتَّبَعْنَا الْكِتَابَ وَسُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارَ عن أَصْحَابِهِ وَاجْتِمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فَكَيْفَ عِبْت عَلَيْنَا اتِّبَاعَ ما هو أَلْزَمُ من إحْلَافِك في الْقَسَامَةِ ما قَتَلْت وَلَا عَلِمْت قال فإن صَاحِبَنَا قال إنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ عن مَرْوَانَ وَخَالَفُوا زَيْدًا فَذَكَرْت له ما كَتَبْت في كِتَابِي من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فقال لم يذكر صَاحِبُنَا هذا وقال إنَّ زَيْدًا أَنْكَرَ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ فَقُلْت له فَصَاحِبُك إنْ كان عَلِمَ سُنَّةً فَسَكَتَ عنها فلم يُنْصِفْ وَإِنْ كان لم يَعْلَمْهَا فَقَدْ عَجَّلَ قبل أَنْ يَعْلَمَ فَقُلْت له زَيْدٌ من أَكْرَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ على مَرْوَانَ وَأَحْرَاهُمْ أَنْ يَقُولَ له ما أَرَادَ وَيَرْجِعُ مَرْوَانُ إلَى قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ زَيْدًا دخل على مَرْوَانَ فقال أَيَحِلُّ بَيْعُ الرِّبَا فقال مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ قال فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قبل أَنْ يَقْبِضُونَهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسًا يَرُدُّونَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ لم يَعْرِفْ زَيْدٌ أَنَّ الْيَمِينَ عليه لَقَالَ لِمَرْوَانَ ما هذا على وَكَيْفَ تُشْهِرُ يَمِينِي على الْمِنْبَرِ وَلَكَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ لِزَيْدٍ أَنْ لَا يمضى عليه ما ليس عليه لو عَزَمَ على أَنْ يُمْضِيه لَقَالَ زَيْدٌ ليس هذا على قال فَلِمَ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ قُلْنَا أو ما يَحْلِفُ الرَّجُلُ من غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ فإذا شَهَرْت يَمِينَهُ كَرِهَ أَنْ تَصْبِرَ يَمِينُهُ وَتُشْهَرَ قال بَلَى قُلْنَا وَلَوْ لم يَكُنْ على صَاحِبِك حُجَّةٌ إلَّا ما احْتَجَّ بِهِ من حديث زَيْدٍ كانت عليه حُجَّةٌ فَكَيْفَ وَهِيَ بِالسُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَثْبَتُ قال فَكَيْفَ يَحْلِفُ من بِالْأَمْصَارِ على الْعَظِيمِ من الْأَمْرِ قُلْنَا بَعْدَ الْعَصْرِ كما قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ } وَكَمَا أَمَرَ بن عَبَّاسٍ بن أبي مُلَيْكَةَ بِالطَّائِفِ أَنْ يَحْبِسَ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ يَقْرَأَ عليها { إنْ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَفَعَلَ فَاعْتَرَفَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بِذَلِكَ بن مُؤَمَّلٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ - * بَابُ رَدِّ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي لَيْلَى بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن سَهْلٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّهُ أخبره رِجَالٌ من كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرحمن تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قالوا لَا قال فَتَحْلِفُ يَهُودُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وبن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَأَ الْأَنْصَارِيِّينَ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على يَهُودَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي لَيْثِ بن سَعْدٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ أُصْبُعَ رَجُلٍ من جُهَيْنَةَ فَنَزَى فيها فَمَاتَ فقال عُمَرُ لِلَّذِينَ ادَّعَى عليهم تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ما مَاتَ منها فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا من الْأَيْمَانِ فقال للاخرين احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ رأي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينَ على الْأَنْصَارِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فلما لم يَحْلِفُوا حَوَّلَهَا على الْيَهُودِ يَبْرَءُونَ بها وَرَأَى عُمَرُ على اللَّيْثِيِّينَ يَبْرَءُونَ بها فلما أَبَوْا حَوَّلَهَا على الْجُهَنِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فَكُلُّ هذا تَحْوِيلُ يَمِينٍ من مَوْضِعٍ قد رُئِيَتْ فيه إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ فَبِهَذَا وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ قَبْلَنَا قُلْنَا في رَدِّ الْيَمِينِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } وقال اللَّهُ
____________________

(7/37)


عز وجل { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا من الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عليهم الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فبهذا ( ( ( فهذا ) ) ) وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يحكمونه ( ( ( يحكونه ) ) ) عن مُفْتِيهمْ وَحُكَّامِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فإذا كانت الدَّعْوَى دَمًا فَالسُّنَّةُ فيها أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ إذَا كان ما تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعُقُولِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا وَإِنْ أَبَوْا الْأَيْمَانَ قِيلَ يَحْلِفُ لَكُمْ الْمُدَّعَى عليهم فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلَا يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ وَالْقَسَامَةُ في الْعَمْدِ والخطأ سَوَاءٌ يَبْدَأُ فيها الْمُدَّعُونَ وَإِنْ كانت الدَّعْوَى غير دَمٍ وَكَانَتْ الدَّعْوَى ما لا أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ قِيلَ للمدعى ليس النُّكُولُ بِإِقْرَارٍ فَتَأْخُذُ منه حَقَّك كما تَأْخُذُهُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا بَيِّنَةَ فَتَأْخُذُ بها حَقَّك بِغَيْرِ يَمِينٍ فَاحْلِفْ وَخُذْ حَقَّك فَإِنْ أَبَيْت أَنْ تَحْلِفَ سَأَلْنَاك عن إبَائِك فَإِنْ ذَكَرْت أَنَّك تأتى بِبَيِّنَةٍ أو تَذْكُرُ مُعَامَلَةً بَيْنَك وَبَيْنَهُ تَرَكْنَاك فَمَتَى جِئْت بِشَيْءٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لم تَأْتِ بِهِ حَلَفْت فَإِنْ قُلْت لَا أُؤَخِّرُ ذلك لِشَيْءٍ غير أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْت يَمِينَك فَإِنْ طَلَبْتهَا بَعْدُ لم نُعْطِك بها شيئا وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه فَبَرِئَ أو لم يَحْلِفْ فَنَكَلَ المدعى فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جاء بِشَاهِدَيْنِ أَخَذْنَا له بِحَقِّهِ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وقد قِيلَ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لَا يَأْخُذُ له بِالشُّهُودِ إذَا حَلَفَ المدعي عليه وَيَقُولُ قد مَضَى الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْحَقِّ عنه فَلَا آخُذُهُ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ وَلَوْ أَبَى المدعى الْيَمِينَ فَأَبْطَلْت أَنْ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ ثُمَّ جاء بِشَاهِدٍ فقال أَحْلِفُ معه لم أَرَ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنِّي قد حَكَمْت أَنْ لَا يَحْلِفَ في هذا الْحَقِّ وَلَوْ ادَّعَى عليه حَقًّا فَقُلْت لِلْمُدَّعَى عليه احْلِفْ فأبي وَرَدَّ الْيَمِينَ على المدعى فَقُلْت للمدعى احْلِفْ فقال الْمُدَّعَى عليه بَلْ أنا أَحْلِفُ لم أَجْعَلْ ذلك له لِأَنِّي قد أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ أَبْطَلْت حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ من الْمُدَّعَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَدَاعَى رَجُلَانِ شيئا في أَيْدِيهِمَا وكان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يدعى كُلَّهُ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالشَّيْءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كما كان في أَيْدِيهِمَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وأبي الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ قِيلَ لِلْحَالِفِ إنَّمَا أَحَلَفْنَاك على النِّصْفِ الذي في يَدِك فلما حَلَفْت جَعَلْنَاهُ لَك وَقَطَعْنَا دَعْوَى المدعى عَلَيْك وَأَنْتَ تدعى نِصْفًا في يَدِهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَاحْلِفْ أَنَّهُ لَك كما ادَّعَيْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ له وَإِنْ أبي فَهُوَ لِلَّذِي في يَدَيْهِ وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أنها دَارُهُ يَمْلِكُهَا بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ وَسَأَلَ يَمِينَ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أو سَأَلَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ما اشْتَرَيْتهَا وما وَهَبْت لي فَإِنْ أَبَى ذلك الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ كما يَحْلِفُ ما لِهَذَا المدعى يُسَمِّيه بِاسْمِهِ في هذه الدَّارِ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا غَيْرِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا ثُمَّ تَخْرُجُ من يَدَيْهِ وَيَتَصَدَّقُ بها عليه فَتَخْرُجُ أَيْضًا من يَدَيْهِ وَتُوهَبُ له وَلَا يَقْبِضُهَا فإذا أَحَلَفْنَاهُ كما وَصَفْت فَقَدْ احْتَطْنَا له وَعَلَيْهِ في الْيَمِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا في رَدِّ الْيَمِينِ بَعْضُ الناس وقال من أَيْنَ أَخَذْتُمُوهَا فَحَكَيْت له ما كَتَبْت من السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِمَّا كَتَبْت وَقُلْت له كَيْفَ لم تَصِرْ إلَى الْقَوْلِ بها مع ثُبُوتِ الْحُجَجِ عَلَيْك فيها قال فَإِنِّي إنَّمَا رَدَدْتهَا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على من ادَّعَى وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَقَالَهُ عُمَرُ فَقُلْت له وَهَذَا على ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وروى عن عُمَرَ وهو على خَاصٍّ فِيمَا بَيَّنَّاهُ في كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَإِنْ كانت بَيِّنَةٌ أُعْطَى بها المدعى وإذا لم تَكُنْ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَلَيْسَ فِيمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَمِينِ على الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ إنْ لم يَحْلِفْ أُخِذَ منه الْحَقَّ قال فَإِنِّي أَقُولُ هذا عَامٌّ وَلَا أُعْطِي مُدَّعِيًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا أُبَرِّئُ مُدَّعًى عليه ( 1 ) من يَمِينٍ فإذا لم يَحْلِفْ لَزِمَهُ ما ادعى عليه وإذا حَلَفَ بريء فَقُلْت له أَرَأَيْت مَوْلًى لي وَجَدْته قَتِيلًا في مَحَلَّةٍ فَحَضَرْتُك أنا وَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَقَالُوا لَك أيدعى هذا بِبَيِّنَةٍ فَقُلْت لَا بَيِّنَةَ لي فَقُلْت فَاحْلِفُوا وَاغْرَمُوا فَقَالُوا لَك قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/38)


الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَهَذَا لَا يدعى عَلَيْنَا قال كَأَنَّكُمْ مُدَّعًى عَلَيْكُمْ قُلْنَا وَقَالُوا فإذا حَكَمْت بِكَأَنَّ وَكَأَنَّ مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَك هِيَ فِيمَا كَأَنَّ فيه ليس كان أَفَعَلَيْنَا كُلُّنَا أو على بَعْضِنَا قال بَلْ على كُلِّكُمْ قُلْت فَقَالُوا فَأَحْلِفْ كُلَّنَا وَإِلَّا فَأَنْتَ تَظْلِمُهُ إذَا اقْتَصَرْت بِالْأَيْمَانِ على الْخَمْسِينَ وهو يَدَّعِي على مِائَةٍ وَأَكْثَرَ وهو عِنْدَك لو ادَّعَى دِرْهَمًا على مِائَةٍ أَحَلَفْتهمْ كُلَّهُمْ وَظَلَمْتنَا إذْ أَحَلَفْتنَا فلم تُبَرِّئْنَا وَالْيَمِينُ عِنْدَك مَوْضِعُ بَرَاءَةٍ وإذا أَعْطَيْته بِلَا بَيِّنَةٍ فَخَرَجْت من جَمِيعِ ما احْتَجَجْت بِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قال هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ خَاصَّةً قُلْت فَإِنْ كان عن عُمَرَ خَاصًّا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ ونمضى الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في غَيْرِ ما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ عن عُمَرَ قال نعم قُلْنَا وَلَا يَخْتَلِفَانِ عِنْدَك قال لَا قُلْنَا وَيَدُلُّك خُصُوصُهُ حُكْمًا يَخْرُجُ من جُمْلَةِ قَوْلِهِ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ لَيْسَتْ على كل شَيْءٍ قال نعم وَقُلْت له فَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في نَقْلِ الْأَيْمَانِ عن مَوَاضِعِهَا التي اُبْتُدِئَتْ فيها أَثْبَتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَوْلِهِ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن عُمَرَ أَثْبَتُ عنه من قَوْلِك في الْقَسَامَةِ عنه فَكَيْفَ جَعَلْت الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عن عُمَرَ حُجَّةً على ما زَعَمْت من عُمُومِ السُّنَّةِ التي تُخَالِفُهُ وَمِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ الذي يُخَالِفُهُ وَعِبْت على أَنْ قلت بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَدِّ الْيَمِينِ وَاسْتَدْلَلْت بها على أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه خَاصٌّ فَأَمْضَيْت سُنَّتَهُ بِرَدِّ الْيَمِينِ على ما جَاءَتْ فيه وَسُنَّتُهُ في الْبَيِّنَةِ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه ولم يَكُنْ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بَيَانٌ أَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ إذَا لم يَكُنْ مع النُّكُولِ شَيْءٌ يُصَدِّقُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وهو يُخَالِفُ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بِكَثِيرٍ قد كَتَبْنَا ذلك في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَكِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَاكْتَفَيْنَا بِاَلَّذِي حَكَيْنَا في هذا الْكِتَابِ وَقُلْت له فَكَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ ادَّعَيْت حَقًّا على رَجُلٍ كَثِيرًا وَقُلْت فَقَأَ عَيْنَ غُلَامِي أو قَطَعَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فلم يَحْلِفْ قَضَيْت عليه بِالْحَقِّ وَالْجِرَاحِ كُلِّهَا فَإِنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ قَتَلَهُ قُلْت الْقِيَاسُ إذَا لم يَحْلِفْ أَنْ يَقْتُلَ وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ فَأَحْبِسُهُ حتى يُقِرَّ فَيُقْتَلَ أو يَحْلِفَ فَيَبْرَأَ وقال صَاحِبُك بَلْ أَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ وَلَا أَحْبِسُهُ وَأَحَلْتُمَا جميعا في الْعَمْدِ وهو عِنْدَكُمَا لَا دِيَةَ فيه فقال أَحَدُكُمَا هو حُكْمُ الخطأ وقال الْآخَرُ أَحْبِسُهُ وَخَالَفْتُمَا أَصْلَ قَوْلِكُمَا إن النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ إنْ لَاعَنْتُمْ بين زَوْجَيْنِ فَالْتَعَنَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَعِنَ حَبَسْتُمُوهَا ولم تَحُدُّوهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على إيجَابِ الْحَدِّ عليها لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ لَازِمٌ لها إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ وَنَحْنُ نَقُولُ تُحَدُّ إنْ لم تَلْتَعِنْ وَخَالَفْتُمْ أَصْلَ مَذْهَبِكُمْ فيه فقال فَكَيْفَ لم تَجْعَلُوا النُّكُولَ يُحِقُّ الْحَقَّ للمدعى على الْمُدَّعَى عليه وَجَعَلْتُمْ يَمِينَ المدعى يَحِقُّهُ عليه فَقُلْت له حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَةً بِزِنَا أَنْ يأتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أو يُحَدَّ فَجَعَلَ شُهُودَ الزنى أَرْبَعَةً وَحَكَمَ بين الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ ثُمَّ يَبْرَأُ من الْحَدِّ وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَدُّ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا ما نَكَلَتْ عنه وَلَيْسَ بِنُكُولِهَا فَقَطْ لَزِمَهَا وَلَكِنْ بِنُكُولِهَا مع يَمِينِهِ فلما اجْتَمَعَ النُّكُولُ وَيَمِينُ الزَّوْجِ لَزِمَهَا الْحَدُّ وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ بِرَدِّ الْيَمِينَ فَقُلْنَا إذَا لم يَحْلِفْ من عليه مُبْتَدَأُ الْيَمِينِ رَدَدْنَاهَا على الذي يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَاجْتَمَعَ أَنْ نَكَلَ من ادَّعَى عليه وَحَلَفَ هو أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَأْخُذْ حَقَّهُ لِأَنَّ النُّكُولَ ليس بِإِقْرَارٍ ولم نَجِدْ السُّنَّةَ وَلَا الْأَثَرَ بِالنُّكُولِ فَقَطْ إقْرَارًا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الْقُرْآنِ كما وَصَفْت من أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ على الْمَرْأَةِ إذَا نَكَلَتْ وَحَلَفَ الزَّوْجُ لَا إذَا نَكَلَتْ فَقَطْ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا بَلْ وَجَدْتهَا لَا يَخْتَلِفُ الناس في أَنْ لَا حَدَّ عليها إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو اعْتِرَافٍ وَأَنْ لو عُرِضَتْ عليها الْيَمِينُ فلم تَلْتَعِنْ لم تُحَدَّ بِتَرْكِ
____________________

(7/39)


الْيَمِينِ وإذا حَلَفَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا ثُمَّ لم تَحْلِفْ فَاجْتَمَعَتْ يَمِينُ الزَّوْجِ الْمُدَافِعِ عن نَفْسِهِ الْحَدَّ وَالْوَلَدُ الذي هو خَصْمٌ يَلْزَمُهُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَنُكُولُهَا عَمَّا أَلْزَمَهَا الْتِعَانُهُ وهو يَمِينُهُ حُدَّتْ بِالدَّلَالَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ } - * في حُكْمِ الْحَاكِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلى وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَبِهَذَا نَقُولُ وفي هذا الْبَيَانِ الذي لَا إشْكَالَ معه بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ على عَالِمٍ فَنَقُولُ وَلِيُّ السَّرَائِرِ اللَّهُ عز وجل فَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ على ما يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْحُكْمُ على ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَافَقَ ذلك السَّرَائِرَ أو خَالَفَهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّرَ بَيِّنَةً على آخَرَ فَشَهِدُوا أَنَّ له عليه مِائَةَ دِينَارٍ فَقَضَى بها الْقَاضِي لم يَحِلَّ للمقضى له أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا عَلِمَهَا بَاطِلًا وَلَا يُحِيلُ حُكْمُ الْقَاضِي عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له والمقضى عليه وَلَا يَجْعَلُ الْحَلَالَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامًا وَلَا الْحَرَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَالًا فَلَوْ كان حُكْمٌ أَبَدًا يُزِيلُ عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له وَعَلَيْهِ حتى يَكُونَ ما عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا عليه فَأَبَاحَهُ له الْقَاضِي أو عَلِمَهُ حَلَالًا فَحَرَّمَهُ عليه الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ عِنْدَهُ حَائِلًا بِحُكْمِ الْقَاضِي عن عِلْمِ الْخَصْمَيْنِ كان حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَقَدْ أَعْلَمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ لهم ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم فَأَصْلُ هذا ما وَصَفْت لَك من أَنْ تَنْظُرَ ما حَلَّ لَك فَإِنْ حُكِمَ لَك بِهِ أَخَذْته وما حُرِّمَ عَلَيْك فَحُكِمَ لَك بِهِ لم تَأْخُذْهُ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَضَى له بِحَبْسِهَا لم يَحِلَّ له إصَابَتُهَا وَلَا لها أَنْ تَدَعَهُ يُصِيبُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ منه بِأَكْثَرَ ما تَقْدِرُ عليه وَيَسَعُهَا إذَا أَرَادَهَا ضَرَبَهُ وَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لم يَحِلَّ لها أَنْ تَنْكِحَ أَبَدًا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ ما شَهِدَا بِهِ بَاطِلٌ ولم يَحِلَّ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وكان له أَنْ يُصِيبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عليها إلَّا أَنَّا نَكْرَهُ له أَنْ يَفْعَلَ خَوْفًا أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا فَيُحَدَّ ولم يَكُنْ لها أَنْ تَمْتَنِعَ منه وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ أَنْ يَرِثَهُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَدْفَعُوهُ عن حَقِّهِ في مِيرَاثِهِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَيِّتَ فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ منه وَالْبُيُوعُ مُجَامِعَةٌ ما وَصَفْنَا من الطَّلَاقِ في الْأَصْلِ وقد تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ في التَّصْرِيفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِلِاجْتِمَاعِ في الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَفْتَرِقَانِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ جَارِيَةً فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ فَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْيَمِينِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتَ منه فَأَشْهِدْ أَنَّك قد فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أَشْهِدْ أَنَّك قد قَبِلْت الْفَسْخَ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ فَرْجُهَا بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفِيهَا أَقَاوِيلُ أَحَدُهَا لَا يَحِلُّ فَرْجُهَا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قِيَاسُ الطَّلَاقِ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ جَحْدَهُ الْبَيْعَ وَحَلِفَهُ يُحِلُّهَا لِلْبَائِعِ وَيَقْطَعُ عنها مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَقُولَ هذا رَدُّ بَيْعٍ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ حَلَّتْ له بِأَنْ يَقْبَلَ الرَّدَّ كان مَذْهَبًا وَلَوْ ذَهَبَ مَذْهَبًا آخَرَ ثَالِثًا وقال وَجَدْت السُّنَّةَ إذَا أَفْلَسَ بِثَمَنِهَا كان الْبَائِعُ أَحَقَّ بها من الْغُرَمَاءِ فلما كانت الْبُيُوعُ تُمْلَكُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ عن صَاحِبِ الْجَارِيَةِ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ كان مَذْهَبًا أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبُيُوعِ كُلِّهَا يَنْبَغِي بِالِاحْتِيَاطِ لِلْقَاضِي أن أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه الشِّرَاءَ أَنْ يَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّهُ إنْ كان بَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ فَقَدْ فَسَخْته وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أقبل الْفَسْخَ حتى يَعُودَ مِلْكُهُ إلَيْهِ بِحَالِهِ الْأُولَى وَإِنْ لم يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَيَنْبَغِي
____________________

(7/40)


لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فَسْخَ الْبَيْعِ حتى يُفْسَخَ في قَوْلِ من رَأَى الْجُحُودَ لِلشِّرَاءِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَقَوْلِ من لم يَرَهُ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَتْ امْرَأَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا بِشُهُودٍ وَغَابُوا أو مَاتُوا فَجَحَدَ وَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ دَعْوَاهَا وَيَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّك إنْ كُنْت نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كان لم يَدْخُلْ بها وَإِنْ كان دخل بها أَعْطَاهُ شيئا قَلِيلًا على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَلَا يَمْلِكُ رَجَعْتهَا وَإِنْ تَرَكَ ذلك الْقَاضِي ولم يَقْبَلْ ذلك الْمُدَّعَى عليه النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ يَعْلَمَانِ أَنَّ دَعْوَاهَا حَقٌّ فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ له نِكَاحُ أُخْتِهَا حتى يُحْدِثَ لها طَلَاقًا قال وَهُمَا زَوْجَانِ غير أَنَّا نَكْرَهُ له إصَابَتَهَا خَوْفًا من أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا يُقَامُ عليه الْحَدُّ وَلَهَا هِيَ مَنْعُهُ نَفْسَهَا لِتَرْكِهِ إعْطَاءَهَا الصَّدَاقَ وَالنَّفَقَةَ فَإِنْ سَلَّمَ ذلك إلَيْهَا وَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حتى يُقِرَّ لها بِالنِّكَاحِ خَوْفَ الْحَبَلِ وَأَنْ تُعَدَّ زَانِيَةً كان لها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حَالَهَا في ذلك مُخَالِفَةٌ حاله هو إذَا سَتَرَ على أَنْ يُؤْخَذَ في الْحَالِ التي يُصِيبُهَا فيها لم يَخَفْ وَهِيَ تَخَافُ الْحَمْلَ أَنْ تُعَدَّ بِإِصَابَتِهِ أو بِإِصَابَةِ غَيْرِهِ زانيه تُحَدُّ وَحَالُهَا مُخَالِفَةٌ حَالَ الذي يقول لم أُطَلِّقْ وقد شُهِدَ عليه بِزُورٍ وَالْقَوْلُ في الْبَعِيرِ يُبَاعُ فَيَجْحَدُ الْبَيْعَ وَالدَّارِ فَيَجْحَدُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَيَحْلِفُ كَالْقَوْلِ في الْجَارِيَةِ وَأُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ له افْسَخْ الْبَيْعَ وَلِلْبَائِعِ اقْبَلْ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلِلْبَائِعِ في ذلك الْقَوْلِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ولم يَعْمَلْ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ من أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ فَلَهُ إجَارَةُ الدَّارِ حتى يستوفى ثَمَنَهَا ثُمَّ عليه تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ أو إلَى وَارِثِهِ وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِالْبَعِيرِ وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الدَّارِ أو الْبَعِيرِ من مَالِ الْمُشْتَرِي كان له أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ ما بَاعَهُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَ ثَمَنَهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ في النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذلك وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وكان الرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يُصِيبَهَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ كانت تَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ لم يَسَعْهَا الِامْتِنَاعُ منه وَتَسْتَتِرُ بِجَهْدِهَا لِئَلَّا تُعَدَّ زَانِيَةً وَإِنْ كانت تَشُكُّ وَلَا تَدْرِي أَصَدَقَا أَمْ كَذَبَا لم يَسَعْهَا تَرْكُ الزَّوْجِ الذي شَهِدَا عليه أَنْ يُصِيبَهَا وَأَحْبَبْتُ لها الْوُقُوفَ عن النِّكَاحِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُمَا جَازَ لها أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ وَلِيُّهُمَا الْعَالِمُ بِصِدْقِهِمَا وَكَذِبِهِمَا وَلَوْ اخْتَصَمَ رَجُلَانِ في شَيْءٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ لم يَسَعْهُ أَخْذُ ما حَكَمَ بِهِ له بَعْدَ عِلْمِهِ بِخَطَئِهِ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُشْكِلُ ذلك عليه أَحْبَبْتُ أَنْ يَقِفَ حتى يَسْأَلَ فَإِنْ رَآهُ أَصَابَ أَخَذَهُ وَإِنْ كان الْأَمْرُ مُشْكِلًا في قَضَائِهِ فَالْوَرَعُ أَنْ يَقِفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ وهو له خَيْرٌ من أَخْذِهِ وَلَيْسَ له والمقضى عليه بِمَالٍ للمقضى له إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه وَسِعَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَحْبِسَهُ وَلَا يَسَعَهُ حَبْسُهُ حتى يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا توفى وَأَوْصَى له بِأَلْفٍ وَيَجْحَدُ الْوَارِثُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَخْذُهَا وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ وفي مِثْلِ هذا أَنْ يَشْهَدَ له رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له أَنْ يَقِفَ وَحَالُهُ فِيمَا غَابَ عنه من كل ما شَهِدَ له بِهِ هَكَذَا وَلَوْ أَقَرَّ له رَجُلٌ بِحَقٍّ لَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ قال مَزَحْت فَإِنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ مِزَاحٌ لم يَحِلَّ له أَخْذُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وكان صَادِقًا بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أخذ ( ( ( وأخذ ) ) ) ما أَقَرَّ له بِهِ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ فيه - * الْخِلَافُ في قَضَاءِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في قَضَاءِ الْقَاضِي فقال قَضَاؤُهُ يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عليه فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَشْهَدَا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسَعَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَنْكِحَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدْخُلُ عليه أَنْ لو شَهِدَ له رَجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ ابْنَهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَهُ لم يُقْتَلْ أو لم يَكُنْ له بن فَحَكَمَ له الْقَاضِي بِالْقَوَدِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَوْ شَهِدَ له على امْرَأَةٍ أَنَّهُ
____________________

(7/41)


تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْمَهْرَ وَأَشْهَدَ على النِّكَاحِ أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ وَلَدَتْ له جَارِيَتُهُ جَارِيَةً فَجَحَدَهَا فَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِابْنَتِهِ جَارِيَةً له جَازَ له أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ شَهِدَ له على مَالِ رَجُلٍ وَدَمِهِ بِبَاطِلٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَقْتُلَهُ وقد بَلَغَنَا أَنَّهُ سُئِلَ عن أَشْنَعَ من هذا وَأَكْثَرَ فقال فيه بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ حَكَى لنا عنه أَنَّهُ يقول في مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافَ هذا الْقَوْلِ يقول لو عَلِمَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَجَحَدَهَا وَحَلَفَ وقضي الْقَاضِي بِأَنْ تَقَرَّ عِنْدَهُ لم يَسَعْهَا أَنْ يُصِيبَهَا وكان لها إذَا أَرَادَ إصَابَتَهَا قَتْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ خِلَافُ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ من الْمُسْلِمِينَ ( قال ) فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ في الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ الرَّجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فقال لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ ما حَرَّمَ اللَّهُ ( قال ) ثُمَّ عَادَ فقال وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصِيبَهَا فَقِيلَ أَتَكْرَهُ له ذلك لِئَلَّا يُقَامَ عليه الْحَدُّ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ أَمْ لِغَيْرِ ذلك قال لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ قُلْنَا أَيُّ غَيْرٍ قال قد حَكَمَ الْقَاضِي فَهُوَ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجَهَا وإذا حَلَّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا حَرُمَ عليه هو إصَابَتُهَا فَقِيلَ له أو لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ أَرَأَيْت قَوْلَهُ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا يَعْنِي من جَهِلَ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي إنَّمَا كان بِشَهَادَةِ زُورٍ فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُ بِحَقٍّ يُحِلُّ له نِكَاحَهَا فَهُوَ لَا يَحْرُمُ هذا عليه على الظَّاهِرِ وَيَحْرُمُ عليه إنْ عَلِمَ بِمِثْلِ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عليه في الظَّاهِرِ لو نَكَحَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا وقد قالت له لَيْسَتْ على عِدَّةٌ أَمْ يعنى أَنَّهُ لو عَلِمَ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِبَاطِلٍ حَلَّ له أَنْ يَنْكِحَهَا فَهَذَا الذي عِبْت على صَاحِبِك خِلَافُ السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَحْفَظُ عنه في هذا جَوَابًا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي أَحْفَظُ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا بين أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَكْشِفُونَهُمْ عن شَيْءٍ من أَحْكَامِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَدَارَءُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلَا عليه إلَّا مُسْلِمٌ فَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ فيه فإذا نَظَرُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لَا خِلَافَ في شَيْءٍ منه بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لو تَدَارَءُوا هُمْ وَمُسْتَأْمَنٌ لَا يَرْضَى حُكْمَهُمْ أو أَهْلُ مِلَّةٍ وَمِلَّةٌ أُخْرَى لَا تَرْضَى حُكْمَهُمْ وَإِنْ تَدَاعَوْا إلَى حُكَّامِنَا فَجَاءَ الْمُتَنَازِعُونَ مَعًا مُتَرَاضِينَ فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَحْكُمَ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ قال لهم قبل أَنْ يَنْظُرَ فيه إنى إنَّمَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بحكمى بين الْمُسْلِمِينَ وَلَا أُجِيزَ بَيْنَكُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وَأُحَرِّمُ بَيْنَكُمْ ما يَحْرُمُ في الْإِسْلَامِ من الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وإذا حَكَمْت في الْجِنَايَاتِ حَكَمْت بها على عَوَاقِلِكُمْ وإذا كانت جِنَايَةٌ تَكُونُ على الْعَاقِلَةِ لم يَحْكُمْ بها إلَّا بِرِضَا الْعَاقِلَةِ فَإِنْ رَضُوا بهذا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لم يَرْضَوْا لم يَحْكُمْ فَإِنْ رضى بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضٌ من الرِّضَا لم يَحْكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الْحَاكِمُ حتى يَجْتَمِعُوا على الرِّضَا ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ فَقُلْت له قَوْلَ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوك وَجَاءُوك كَأَنَّهَا على الْمُتَنَازِعَيْنِ لَا على بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَجَعَلَ له الْخِيَارَ فقال { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قُلْت له فَاقْرَأْ الْآيَةَ { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَمِعْت من أرضي عِلْمَهُ يقول وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ إنْ حَكَمْت على مَعْنَى قَوْلِهِ { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسَّرَةٌ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وفي قَوْلِهِ { فَإِنْ تَوَلَّوْا } دَلَالَةٌ على
____________________

(7/42)


أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا لم يَكُنْ عليه الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ كان قَوْلُهُ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إلْزَامًا منه لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَوَلَّوْا بَعْدَ الْإِتْيَانِ فَأَمَّا ما لم يَأْتُوا فَلَا يُقَالُ لهم تَوَلَّوْا وَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ إذَا لم يَأْتُوا يَتَحَاكَمُونَ لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم فَيُغَيِّرُ عليهم وَإِنْ كان أَهْلُ الذِّمَّةِ دَخَلُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } في مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَتَفَقَّدَ منهم ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم وَإِنْ تَوَلَّى عنه زَوْجَانِ على حَرَامٍ رَدَّهُمَا حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كما يَرُدُّ زَوْجَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ لو تَوَلَّيَا عنه وَهُمَا على حَرَامٍ حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَالدَّلَالَةُ على ما قال أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا يَهُودُ وَبِخَيْبَرِ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَبِالْيَمَنِ كَانُوا وَكَذَلِكَ في زَمَانِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرًا من خلافه عُمَرَ حتى أَجْلَاهُمْ وَكَانُوا بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وِلَايَة عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ولم يَسْمَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ بِحُكْمٍ إلَّا رَجْمُهُ يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ بَيْنَهُمْ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَهُمْ بَشَرٌ يَتَظَالَمُونَ وَيَتَدَارَءُونَ وَيَخْتَلِفُونَ وَيُحْدِثُونَ فَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لُزُومَ الْحُكْمِ بين الْمُسْلِمِينَ تَفَقَّدَ منهم ما يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ إذَا جاء الطَّالِبُ لَكَانَ الطَّالِبُ إذَا كان له في حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ ما ليس له في حُكْمِ حُكَّامِهِ لَجَأَ وَلَجَأَ الْمَطْلُوبُ إذَا رَجَا الْفَرَجَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ولجأوا ( ( ( ولجئوا ) ) ) في بَعْضِ الْحَالَاتِ مُجْتَمِعِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حَكَمَ فِيهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو وَاحِدٌ من أَئِمَّةِ الْهُدَى بَعْدَهُ لَحُفِظَ بَعْضَ ذلك إنْ لم يُحْفَظْ كُلَّهُ فَالدَّلَالَةُ على أَنْ لم يَحْكُمُوا بِمَا وَصَفْت بَيِّنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له لو كان الْأَمْرُ كما تَقُولُ فَكَانَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى ولم تَكُنْ دَلَالَةً من خَبَرٍ وَلَا في الْآيَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نَاسِخًا لِقَوْلِهِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } وَكَانَتْ عليها دَلَالَةٌ بِمَا وَصَفْنَا في التَّنْزِيلِ قال فما حُجَّتُك في أَنْ لَا تُجِيزَ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وقد قال اللَّهُ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال تَعَالَى { حين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ في الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ إذَا كانت الْمَعَانِي في الْخُصُومَاتِ التي يَتَنَازَعُ فيها الْآدَمِيُّونَ مُعَيَّنَةً وكان فِيمَا تَدَاعَوْا الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ وَغَيْرُ ذلك لم يَنْبَغِ أَنْ يُبَاحَ ذلك إلَّا بِمَنْ شَرَطَ اللَّهُ من الْبَيِّنَةِ وَشَرَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ ( 1 ) أو بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو إجْمَاعٍ من الْمُسْلِمِينَ ولم يَسْتَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِمْنَاهُ وَلَا أَحَدٌ من أَصْحَابِهِ ولم يُجْمِعْ الْمُسْلِمُونَ على إجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ بَيْنَهُمْ وَقُلْت له أَرَأَيْت الْكَذَّابَ من الْمُسْلِمِينَ أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ عليهم قال لَا وَلَا أُجِيزُ عليهم من الْمُسْلِمِينَ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ التي تَجُوزُ على الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت له فَقَدْ أخبرنا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَتَبُوا الْكُتُبَ بِأَيْدِيهِمْ { يقولون ( ( ( وقالوا ) ) ) هذا من عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لهم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْلٌ لهم مِمَّا يَكْسِبُونَ } قال فَالْكَذَّابُ من الْمُسْلِمِينَ على الْآدَمِيِّينَ أَخَفُّ في الْكَذِبِ ذَنْبًا من الْعَاقِدِ الْكَذِبَ على اللَّهِ بِلَا شُبْهَةِ تَأْوِيلٍ وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ من الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ تَرُدُّ عَنْهُمْ شَهَادَةَ من هو خَيْرٌ منهم بِكَذِبٍ وَتَقْبَلُهُمْ وَهُمْ شَرٌّ بِكَذِبٍ أَعْظَمَ منه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/43)


- * الشَّهَادَاتُ - * ( أَخْبَرَ الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّه هُمْ الْكَاذِبُونَ } وقال { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةٍ وَالْكِتَابُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ ( قال ) وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِمَا يَشْهَدُ عليه ( قال ) وَسَوَاءٌ أَيُّ زِنَا ما كان زِنَا حُرَّيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو مُشْرِكَيْنِ لِأَنَّ كُلَّهُ زِنَا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على امْرَأَةٍ بالزنى أو على رَجُلٍ أو عَلَيْهِمَا مَعًا لم يَنْبَغِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ اسْمَ الزنى قد يَقَعُ على ما دُونَ الْجِمَاعِ حتى يَصِفَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ الزنى فإذا قالوا رَأَيْنَا ذلك منه يَدْخُلُ في ذلك منها دُخُولَ الْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ فَأَثْبَتُوهُ حتى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ ما كان الْحَدُّ رَجْمًا أو جَلْدًا وَإِنْ قالوا رَأَيْنَا فَرْجَهُ على فَرْجِهَا ولم يَثْبُتْ أَنَّهُ دخل فيه فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ شَهِدُوا على أَنَّ ذلك دخل في دُبُرِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ كَوُجُوبِهِ في الْقُبُلِ فَإِنْ شَهِدُوا على امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ أنا عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ حَرَائِرُ عُدُولٌ على أنها عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ فَلَا حَدَّ عليها لِأَنَّهَا لم يَزْنِ بها إذَا كانت هَكَذَا الزنى الذي يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا حَدَّ عليهم من قِبَلِ أَنَّا وَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَرَيْنَ على ما يُجَزْنَ عليه فَإِنَّا لَا نَحُدُّهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وقد يَكُونُ الزنى فِيمَا دُونَ هذا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( 1 ) فَقَدْ قال عُمَرُ ذلك فِيمَا بَلَغَنَا وقال ما ذَنْبُهُنَّ إنْ جاء الْعَجْزُ من قِبَلِكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ لم يَكُنْ أَرْخَى سِتْرًا وَيَجِبُ بِإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَسِيسٌ وَذَهَبَ إلَى أنها إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَقَدْ وَجَبَ لها الصَّدَاقُ وَجَعَلَ ذلك كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ الذي يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ وهو لو أَغْلَقَ عليها بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَأَقَامَ مَعَهَا حتى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَتَلْبَثَ سَنَةً ولم يُقِرَّ بِالْإِصَابَةِ ولم يُشْهِدْ عليه بها لم يَكُنْ عليه حَدٌّ عِنْدَ أَحَدٍ وَالْحَدُّ ليس من الصَّدَاقِ بِسَبِيلِ الصَّدَاقُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ فَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ على امْرَأَةٍ عُقْدَةَ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ أو مَاتَتْ كان لها الصَّدَاقُ كَامِلًا وَإِنْ لم يَرَهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الصَّدَاقِ من مَعْنَى الْحُدُودِ بِسَبِيلٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على مُحْصَنٍ أَنَّهُ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ حُدَّ الْمُسْلِمُ وَدُفِعَتْ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا في قَوْلِ من لَا يَحْكُمُ عليهم إلَّا أَنْ يَرْضَوْا فَأَمَّا من قال نَحْكُمُ عليهم رَضُوا أو لم يَرْضَوْا فَيَحُدُّهَا حَدَّهَا إنْ كانت بِكْرًا فَمِائَةٌ ونفى عَامٍ وَإِنْ كانت ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ وطىء هذه الْمَرْأَةَ فقال هِيَ امْرَأَتِي وَقَالَتْ ذلك أو قال هِيَ جَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَلَا يَكْشِفَانِ في ذلك وَلَا يَحْلِفَانِ فيه إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمَا من يَعْلَمُ غير ما قَالَا وَتَثْبُت عليه الشَّهَادَةُ أو يُقِرَّانِ بَعْدُ بِخِلَافِ ما ادَّعَيَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا ما وَصَفْت من قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قد يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِبِلَادِ غُرْبَةٍ وَيَنْتَقِلُ بها إلَى غَيْرِهَا وَيَنْكِحُهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَيَغِيبُونَ وَيَمُوتُونَ ويشترى الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِبَيِّنَةٍ فَيَغِيبُونَ فَتَكُونُ الناس أُمَنَاءَ على هذا لَا يَحُدُّونَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ
____________________

(7/44)


أَنَّهُمْ أَتَوْا ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لهم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُمْ كَاذِبِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ يُحَدُّ كُلُّ من وَجَدْنَاهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً على نِكَاحٍ أو شِرَاءِ وقد يَأْخُذُ الْفَاسِقُ الْفَاسِقَةَ فيقول هذه امْرَأَتِي وَهَذِهِ جَارِيَتِي فَإِنْ كنت أَدْرَأُ عن الْفَاسِقِ بِأَنْ يَقُولَ جِيرَانُهُ رَأَيْنَاهُ يدعى أنها زَوْجَتُهُ وَتُقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَصْلَ نِكَاحٍ دَرَأْت عن الصَّالِحِ الْفَاضِلِ يقول هذه جَارِيَتِي لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَقُولُ هذه امْرَأَتِي على أَحَدِ هذه الْوُجُوهِ ثُمَّ كان أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ من الْفَاسِقِ وَكُلٌّ لَا يُحَدُّ إذَا ادَّعَى ما وَصَفْت وَالنَّاسُ لَا يَحُدُّونَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عليهم بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذلك فَلَا نَحُدُّ ( قال ) وَهَكَذَا لو وَجَدْت حَامِلًا فَادَّعَتْ تَزْوِيجًا أو إكْرَاهًا لم تُحَدَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ في الْحَامِلِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَقُولَ قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ الرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَقٌّ على من زَنَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ فإن مَذْهَبَ عُمَرَ فيه بِالْبَيَانِ عنه بِالْخَبَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحَبَلِ إذَا كان مع الْحَبَلِ إقْرَارٌ بالزنى أو غَيْرُ ادِّعَاءِ نِكَاحٍ أو شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بها الْحَدُّ - * بَابُ إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ في الْقَذْفِ وفي جَمِيعِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا فَأَمَّا من أتى مُحَرَّمًا حُدَّ فيه فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِمُدَّةِ أَشْهُرٍ يُخْتَبَرُ فيها بِالِانْتِقَالِ من الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الْحَالِ الْحَسَنَةِ وَالْعَفَافِ عن الذَّنْبِ الذي أتى وَأَمَّا من قَذَفَ مُحْصَنَةً على مَوْضِعِ الشَّتْمِ وَغَيْرِهِ من غَيْرِ مَوَاضِعِ الشَّهَادَاتِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حتى يُخْتَبَرَ هذه الْمُدَّةَ في الِانْتِقَالِ إلَى أَحْسَنِ الْحَالِ وَالْكَفِّ عن الْقَذْفِ وَأَمَّا من حُدَّ في أَنَّهُ شَهِدَ على رَجُلٍ بالزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَإِنْ كان عَدْلًا يوم شَهِدَ فَسَاعَةَ يقول قد تُبْت وَكَذَّبَ نَفْسَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّا وَإِنْ حَدَدْنَاهُ حَدَّ الْقَاذِفِ فلم يَكُنْ في مَعَانِي الْقَذْفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً لم نَحُدَّهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً شَاتِمِينَ حَدَدْنَاهُمْ وَالْحُجَّةُ في قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى له إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ في سِيَاقِ الْكَلَامِ على أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ في جَمِيعِ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بين ذلك خَبَرٌ وَلَيْسَ عِنْدَ من زَعَمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَنَّ الثُّنْيَا له إنَّمَا هِيَ على طَرْحِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه خَبَرٌ إلَّا عن شُرَيْحٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ شُرَيْحًا لِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وقد كَلَّمَنِي بَعْضُهُمْ فَكَانَ من حُجَّتِهِ أَنْ قال إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت له لو لم تَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هذه كُنْت قد أَحْسَنْت الِاحْتِجَاجَ على نَفْسِك قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أَبَا بَكْرَةَ هل تَابَ من تِلْكَ الشَّهَادَةِ التي حُدَّ بها قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فلم يَطْرَحْ الْمُسْلِمُونَ عنه اسْمَ الْفِسْقِ فَأَيُّ شَيْءٍ اسْتَثْنَى له بِالتَّوْبَةِ قال فَإِنْ قُلْنَا لم يَتُبْ قُلْت فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك في أَنَّ من لم يَتُبْ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ قال فما تَوْبَتُهُ إذَا كان حَسَنَ الْحَالِ قُلْت إكْذَابُهُ لِنَفْسِهِ كما قال صَاحِبُكُمْ الشَّعْبِيُّ قال فَهَلْ في هذا خَبْرٌ قُلْت ما نَحْتَاجُ مع الْقُرْآنِ إلَى خَبْرٍ وَلَا مع الْقِيَاسِ إذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّانِي وَالْقَاتِلِ وَالْمَحْدُودِ في الْخَمْرِ إذَا تَابَ وَشَهَادَةَ الزِّنْدِيقِ إذَا تَابَ وَالْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إذَا تَابَ لَا تَقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ بالزنى فلم تَتِمَّ بِهِ الشهاده فَجُعِلَ قَاذِفًا قال فَهَلْ عِنْدَك أَثَرٌ قُلْت نعم أخبرنا سُفْيَانُ أَنَّهُ سمع الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ وَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ فَذَهَبَ على حِفْظِي الذي سَمَّاهُ الزُّهْرِيُّ فَسَأَلْت من حَضَرَنِي فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَهُوَ سَعِيدٌ قال نعم إلَّا أَنِّي شَكَكْت فيه فلما أخبرني لم أَشُكَّ ولم أُثْبِتْهُ عن الزُّهْرِيِّ حِفْظًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ
____________________

(7/45)


إذَا تَابَ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عن الْقَاذِفِ فقال أَيَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي نَجِيحٍ في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا يَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَاذِفُ قبل أَنْ يُحَدَّ مِثْلُهُ حين يُحَدُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتِهِ حتى يَتُوبَ كما وَصَفْت بَلْ هو قَبْلُ أَنْ يُحَدَّ شَرُّ حَالًا منه حين يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ فَهُوَ بَعْدَ ما يُكَفَّرُ عنه الذَّنْبُ خَيْرٌ منه قبل أَنْ يُكَفَّرَ عنه فَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ في خَيْرِ حَالَيْهِ وَأُجِيزُهَا في شَرِّ حَالَيْهِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا بِإِعْلَانِهِ ما لَا يَحِلُّ له فَلَا أَقْبَلُهَا حتى يَنْتَقِلَ عنها وَهَذَا الْقَاذِفُ فَأَمَّا الشَّاهِدُ بالزنى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَحُدُّهُ الْحَاكِمُ لِمُحَابَاةٍ أو شُبْهَةٍ فإذا كان عَدْلًا يوم شَهِدَ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس في مَعَانِي الْقَذْفَةِ - * بَابُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا رَأَى الرَّجُلُ فَأَثْبَتَ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ شَهِدَ وهو أَعْمَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ وهو بَصِيرٌ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ وهو أَعْمَى عن شَيْءٍ وهو بَصِيرٌ وَلَا عِلَّةَ في رَدِّ شَهَادَتِهِ فإذا شَهِدَ وهو أَعْمَى على شَيْءٍ قال أُثْبِتُهُ كما أُثْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِالصَّوْتِ أو الْحِسِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ يُشْبِهُ الْحِسَّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَأَجَلْ إنَّمَا حَدَّ اللَّهُ في الْقَذْفِ غير الْأَزْوَاجِ إذَا لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذا جاؤوا بِهِمْ خَرَجُوا من الْحَدِّ وَحَدَّ الْأَزْوَاجِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجُوا بِالِالْتِعَانِ فَفَرَّقَ بين الْأَزْوَاجِ وَالْأَجْنَبِيِّينَ في هذا الْمَعْنَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ في أَنْ يُحَدُّوا مَعًا إذَا لم يَأْتِ هَؤُلَاءِ بِبَيِّنَةٍ وَهَؤُلَاءِ بالإلتعان أو بَيِّنَةٍ وَسَوَاءٌ قال الزَّوْجُ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي أو لم يَقُلْهُ كما سَوَاءٌ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّونَ رَأَيْنَاهَا تَزْنِي أو هِيَ زَانِيَةٌ لَا فَرْقَ بين ذلك فَأَمَّا إصَابَةُ الْأَعْمَى أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُشْبِهُ الشَّهَادَاتِ لِأَنَّ الْأَعْمَى وَإِنْ لم يَعْرِفْ امْرَأَتَهُ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ فَقَدْ يَعْرِفُهَا مَعْرِفَةً يَكْتَفِي بها وَتَعْرِفُهُ هِيَ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ وقد يُصِيبُ الْبَصِيرُ امْرَأَتَهُ في الظُّلْمَةِ على مَعْنَى مَعْرِفَةِ مَضْجَعِهَا وَمَجَسَّتِهَا وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَشْهَدَ على أَحَدٍ في الظُّلْمَةِ على مَعْرِفَةِ الْمَجَسَّةِ وَالْمَضْجَعِ وقد يُوجَدُ من شَهَادَةِ الْأَعْمَى بُدٌّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الناس غَيْرُ عمى فإذا أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ في نَفْسِهِ فَنَحْنُ لم نُدْخِلْ عليه ضَرَرًا وَلَيْسَ على أَحَدٍ ضَرُورَةُ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَرُورَةُ نَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الْجِمَاعِ الذي يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يجد ( ( ( يحد ) ) ) أَكْثَرُ من هذا وَلَا يُبْصِرُ أَبَدًا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الشَّهَادَةِ وَلَا غَيْرُهُ مُضْطَرٍّ إلَى شَهَادَتِهِ وهو يَحِلُّ له في ضَرُورَتِهِ لِنَفْسِهِ ما لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ في ضَرُورَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له في ضَرُورَتِهِ الْمَيْتَةُ وَلَوْ صَحِبَهُ من لَا ضَرُورَةَ بِهِ كَضَرُورَتِهِ لم تَحِلَّ له الْمَيْتَةُ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في غَيْرِهِ من أَهْلِ زَمَانِهِ فَأَمَّا عَائِشَةُ وَمَنْ رَوَى عنها الحديث فَالْحَدِيثُ إنَّمَا قُبِلَ على صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَعَلَى الْأَغْلَبِ على الْقَلْبِ وَلَيْسَ من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقْبَلُ في الحديث حدثني فُلَانٌ عن فُلَانِ بن فُلَانٍ وَلَا نَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ حتى يَقُولَ أَشْهَدُ لَسَمِعْت فُلَانًا وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ حتى نُحِلَّ بها وَنُحَرِّمَ وَحْدَهَا وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهَا وَحْدَهَا على شَيْءٍ وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْعَبْدِ الصَّادِقِ وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَنَرُدُّ حَدِيثَ الْعَدْلِ إذَا لم يَضْبِطْ الحديث وَنَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا يَعْرِفُ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ - * شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدِ لِلْوَالِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه اللَّهِ تَعَالَى عليه لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا لِبَنِي بَنِيهِ وَلَا لِبَنِي بَنَاتِهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُ من آبَائِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ لِشَيْءٍ هو منه وَأَنَّ بَنِيهِ منه فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْرِفُ فيه خِلَافًا وَيَجُوزُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِكُلِّ من ليس منه من أَخٍ وَذِي رَحِمٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ في الزَّوْجَةِ وَلَا في الْأَخِ عِلَّةً أَرُدُّ بها شَهَادَتَهُ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا وَإِنِّي لو رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ في حَالٍ رَدَدْت شَهَادَتَهُ
____________________

(7/46)


لِمَوْلَاهُ من أَسْفَلِ إذَا لم يَكُنْ له وَلَدٌ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهُ في حَالٍ وَرَدَدْت شَهَادَتَهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أَبٍ وَلَسْت أَجِدُهُ يَمْلِكُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَلَا تَمْلِكُ مَالَهُ فَيَكُونُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَدْفَعُ عنها وَهَكَذَا أَجِدُهُ في أَخِيهِ وَلَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَخِيهِ بِالْقَرَابَةِ رَدَدْتهَا لِابْنِ عَمِّهِ لِأَنَّهُ بن جَدِّهِ الْأَدْنَى وَرَدَدْتهَا لِابْنِ جَدِّهِ الذي يَلِيه وَرَدَدْتهَا لِأَبِي الْجَدِّ الذي فَوْقَ ذلك حتى أَرُدَّهَا على مِائَةِ أَبٍ أو أَكْثَرَ قال وَلَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ لِأَخٍ بِحَقٍّ أو شَهِدَ عليه أَحَدٌ بِحَقٍّ فَجَرَّحَاهُ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا وَلَوْ رَدَدْتهَا في إحْدَى الْحَالَيْنِ لَرَدَدْتُهَا في الْأُخْرَى ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا له وهو مَمْلُوكٌ أَنَّهُ أُعْتِقَ وَكَذَلِكَ لو جَرَحُوا شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عليه بِحَدٍّ قبلتهم ( ( ( قبلت ) ) ) لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً أو مَرْدُودَةً فإذا كانت مَقْبُولَةً لِلْأَخِ قُبِلَتْ في كل شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إذَا صَارَ حُرًّا قِيلَ له أَفَرَأَيْتَ إنْ كان له وَلَدٌ أَحْرَارٌ أو رَأَيْتَ إنْ كان بن عَمٍّ بَعِيدُ النَّسَبِ قد يَرِثُونَهُ إنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ له أو رأيت إنْ كان رَجُلٌ من أَهْلِ الْعَشِيرَةِ متراخى النَّسَبِ أَتَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ له في الْحَدِّ يَدْفَعُونَهُ بِجُرْحِ من شَهِدُوا على جُرْحِهِ مِمَّنْ شَهِدَ عليه أو بِعِتْقِهِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانُوا حُلَفَاءَ فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ حَلِيفَهُمْ أو كَانُوا أَصْهَارًا فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ صِهْرَهُمْ وَإِنْ بَعُدَ صِهْرُهُ وكان من عَشِيرَةِ صِهْرِهِمْ الْأَدْنَى أو رَأَيْت إنْ كَانُوا أَهْلَ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَابُونَ مَعًا وَيُمْدَحُونَ مَعًا من عِلْمٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لم يَخْلُ الناس من أَنْ يَكُونَ هذا فِيهِمْ وَإِنْ أَجَازَهَا في هذا فَقَدْ أَجَازَهَا وَفِيهَا الْعِلَّةُ التي أَبْطَلَهَا بها ( قال ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ غَيْرِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ - * شَهَادَةُ الْغُلَامِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الْغُلَامُ قبل أَنْ يَبْلُغَ وَالْعَبْدُ قبل أَنْ يُعْتَقَ وَالْكَافِرُ قبل أَنْ يُسْلِمَ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهَا وَلَا عليه أَنْ يَسْمَعَهَا وَسَمَاعُهَا منه تَكَلُّفٌ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانُوا عُدُولًا فَشَهِدُوا بها قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّا لم نَرُدَّهَا في الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ بِعِلَّةِ سَخَطٍ في أَعْمَالِهِمَا وَلَا كَذِبِهِمَا وَلَا بِحَالٍ سَيِّئَةٍ في أَنْفُسِهِمَا لو انْتَقَلَا عنها وَهُمَا بِحَالِهِمَا قَبِلْنَاهُمَا إنَّمَا رَدَدْنَاهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من شَرْطِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَسُكَاتَهُمَا في مَالِهِمَا تِلْكَ سَوَاءٌ وَأَنَّا لَا نَسْأَلُ عن عَدْلِهِمَا وَلَوْ عَرَفْنَا عَدْلَهُمَا كان مِثْلَ جَرْحِهِمَا في أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا في أَنَّ هذا لم يَبْلُغْ وَأَنَّ هذا مَمْلُوكٌ وفي الْكَافِرِ وَإِنْ كان مَأْمُونًا على شَهَادَةِ الزُّورِ في أَنَّهُ ليس من الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ فإذا صَارُوا إلَى الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ قَبِلْنَاهُمْ مَعًا وَكَانُوا كَمَنْ لم يَشْهَدْ إلَّا في تِلْكَ الْحَالِ فَأَمَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ في الشَّيْءِ ثُمَّ تَحْسُنُ حَالُهُ فَيَشْهَدُ بها فَلَا نَقْبَلُهَا لِأَنَّا قد حَكَمْنَا بِإِبْطَالِهَا لِأَنَّهُ كان عِنْدَنَا حين شَهِدَ في مَعَانِي الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِمْ حتى اخْتَبَرْنَا أَنَّهُ مَجْرُوحٌ فيها بِعَمَلِ شَيْءٍ أو كَذِبٍ فَاخْتُبِرَ فَرَدَدْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا نُجِيزُهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْعَبْدُ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْكَافِرُ أُولَئِكَ كَانُوا عُدُولًا أو غير عُدُولٍ فَفِيهِمْ عِلَّةٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا من الشَّرْطِ وَهَذَا من الشَّرْطِ إلَّا بِأَنْ يُخْتَبَرَ عَمَلُهُ أو قَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * شَهَادَةُ النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ في مَالٍ يَجِبُ لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ فَلَا يَجُوزُ من شَهَادَتِهِنَّ شَيْءٌ وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ شَاهِدٌ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من اثْنَتَيْنِ مع الرَّجُلِ فَصَاعِدًا وَلَا نُجِيزُ اثْنَتَيْنِ وَيَحْلِفُ مَعَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل الذي أَجَازَهُمَا فيه مع شَاهِدٍ يَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمَا لِغَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَأَمَّا رَجُلٌ يَحْلِفُ لِنَفْسِهِ فَيَأْخُذُ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ
____________________

(7/47)


الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَرَى الرَّجُلُ من عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُجَزْنَ فيه مُنْفَرِدَاتٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من أَرْبَعٍ إذَا انْفَرَدْنَ قِيَاسًا على حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِنَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ اثْنَتَيْنِ تَقُومَانِ مع رَجُلٍ مَقَامَ رَجُلٍ وَجَعَلَ الشَّهَادَةَ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ انْفَرَدْنَ فَمَقَامُ شَاهِدَيْنِ أَرْبَعٌ وَهَكَذَا كان عَطَاءٌ يقول أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَلَا في شَيْءٍ من الْوَكَالَاتِ وَلَا الْوَصِيَّةِ وَلَا ما عَدَا ما وَصَفْتُ من الْمَالِ وما لَا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ من النِّسَاءِ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ وَلَا يَجُوزُ في الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه في الطَّلَاقِ وَالْحُدُودِ وَالْعَتَاقِ وَكُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ شَاهِدٍ وَبِشَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْتُ الْيَمِينَ على المدعى وَأَخَذْتُ له بِحَقِّهِ وَإِنْ لم يَحْلِفْ المدعى لم آخُذْ له شيئا وَلَا أُفَرِّقُ بين حُكْمِ هذا وَبَيْنَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ - * شَهَادَةُ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْقَاضِي عَدْلًا فَأَقَرَّ رَجُلٌ بين يَدَيْهِ بِشَيْءٍ كان الْإِقْرَارُ عِنْدَهُ أَثْبَتَ من أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كُلُّ من يَشْهَدُ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِزُورٍ وَالْإِقْرَارُ عِنْدَهُ ليس فيه شَكٌّ وَأَمَّا الْقُضَاةُ الْيَوْمَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَكَلَّمَ بهذا كَرَاهِيَةَ أَنْ أَجْعَلَ لهم سَبِيلًا إلَى أَنْ يَجُورُوا على الناس وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * رُؤْيَةُ الْهِلَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُلْزِمُ الْإِمَامُ الناس أَنْ يَصُومُوا إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لَا يُفْطِرُونَ وَأَحَبُّ إلى لو صَامُوا بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ لِأَنَّهُمْ لَا مُؤْنَةَ عليهم في الصِّيَامِ إنْ كان من رَمَضَانَ أَدَّوْهُ وَإِنْ لم يَكُنْ رَجَوْت أَنْ يُؤْجَرُوا بِهِ وَلَا أُحِبُّ لهم هذا في الْفِطْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ بِرٍّ وَالْفِطْرَ تَرْكُ عَمَلٍ أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( ( ( عنها ) ) ) أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه على رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ أَحْسِبُهُ قال وَأَمَرَ الناس بِالصِّيَامِ وقال أَصُومُ يَوْمًا من شَعْبَانَ أَحَبُّ إلى من أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا من رَمَضَانَ أَحْسِبُهُ شَكُّ الشَّافِعِيِّ قال الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فقال لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان عَلِيٌّ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَ الناس بِالصَّوْمِ فَعَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ لَا على مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ في حَالٍ من الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من نَرْضَى وَمَنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ قَبِلْنَاهَا حين يَشْهَدُ بها في الْمَوْقِفِ الذي يَشْهَدُ بها فيه وَبَعْدَهُ وفي كل حَالٍ وَلَا أَعْرِفُ مَكَانَ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ وَيُجَرِّبَ وَيُفَارِقَ مَوْقِفَهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ عَقْلَ الشَّاهِدِ هَكَذَا فَمَنْ أَجَازَ لنا أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من لَا يَدْرِي ما لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ عليه في الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ عليه فَرْضٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن بن الزُّبَيْرِ قَبِلَهَا قِيلَ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُرْضَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عُمَرَ وَعَنْ بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ
____________________

(7/48)


- * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَجُوزُ إلَّا رَجُلَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِسَاءٌ مع رَجُلٍ وَإِنْ كان ذلك في مَالٍ لِأَنَّهُنَّ لَا يَشْهَدْنَ على أَصْلِ الْمَالِ إنَّمَا يَشْهَدْنَ على تَثْبِيتِ شَهَادَةِ رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ وإذا كان أَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ إلَّا في مَالٍ أو فِيمَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ لم يَجُزْ لنا أَنْ نُجِيزَ شهادتهن ( ( ( شهادتين ) ) ) على شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ - * الشَّهَادَةُ على الْجِرَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على جُرْحٍ خَطَأً أو عَمْدًا مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه حَالَ حَلِفَ مع شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وكان له الْأَرْشُ وَإِنْ كان عَمْدًا فيه قِصَاصٌ بِحَالِ لم يَحْلِفْ ولم يُقْبَلْ فيه إلَّا شَاهِدَانِ وَلَوْ أَجَزْنَا الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ في الْقِصَاصِ أَجَزْنَاهَا في الْقَتْلِ وَأَجَزْنَاهَا في الْحُدُودِ وَوَضَعْنَاهَا الْمَوْضِعَ الذي لم تُوضَعْ فيه وَسَوَاءٌ كان ذلك في عَبْدٍ قَتَلَهُ حُرٌّ أو نَصْرَانِيٍّ قَتَلَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أو جَرَحَ قال وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا كان خَطَأً من الْجِرَاحِ وَفِيمَا كان عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيه بِحَالٍ جَائِزَةٌ مع رَجُلٍ وَلَا يُجَزْنَ إذَا انْفَرَدْنَ وَلَا يَمِينَ لِطَالِبِ الْحَقِّ مَعَهُنَّ وَحْدَهُنَّ ( 1 ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ أن الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَاهِدٍ في النَّفْسِ فَيَقْتُلُ وَلِيُّ الدَّمِ فَالْقَسَامَةُ تَجِبُ عِنْدَهُ بِدَعْوَى الْمَقْتُولِ أو الْفَوْتِ من الْبَيِّنَةِ وَلَا يَجُوزُ له إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْجُرْحَ الذي فيه الْقَوَدُ مِثْلُ النَّفْسِ فيقضى فيه بِالْقَسَامَةِ وَيَجْعَلَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَسَامَةِ في النَّفْسِ بِحَالٍ أو يَزْعُمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا في النَّفْسِ فَأَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الشَّهَادَةِ شَاهِدَانِ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ في الْمَالِ وَأَصْلُ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ وَالْقِصَاصُ ليس بِمَالٍ قال فَلَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ لَا يُجَازَ على الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ في الْجِرَاحِ أَنَّ فيها قَسَامَةً مِثْلُ النَّفْسِ فإذا أبي من يقول هذا أَنْ يَقْبَلَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ يَقْتَصَّ كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَأَنْ يَقْبَلَ يَمِينًا وَشَاهِدًا أَشَدَّ إبَاءً - * شَهَادَةُ الْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ وَارِثٌ وهو عَدْلٌ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَجَاءَ آخَرُ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ له أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُقِيمُ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ على الدَّارِ بأنها ( ( ( بأنهما ) ) ) له وَيُقِيمُ الْآخَرُ شَاهِدًا أنها له لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ رَأَى أَنْ يسوي بين شَاهِدٍ وَيَمِينٍ في هذا وَبَيْنَ شَاهِدَيْنِ أَحْلَفَ هذا مع شَاهِدِهِ وَجَعَلَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَنْ لم يَرَ ذلك لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لم تَتِمَّ حتى يَكُونَ الْمَشْهُودُ له مُسْتَغْنِيًا عن أَنْ يَحْلِفَ جَعَلَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ شَهَادَةَ الْوَارِثِ إذَا كان وَحْدَهُ وَلَوْ كان معه وَارِثٌ آخَرُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو أَجْنَبِيٌّ كان الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا قال وَلَوْ أَنَّ الْوَارِثَ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ عن وَصِيَّتِهِ لِلْمَشْهُودِ له وَصَيَّرَهُ إلَى هذا الْآخَرِ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وكان الثُّلُثُ له وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهُمَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْتَلِفَانِ وَهَذَا يُثْبِتُ ما ثَبَتَا وَيُثْبِتُ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ فيه قال وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ بَنِينَ عَدَدًا فَاقْتَسَمُوا أو لم يَقْتَسِمُوا ثُمَّ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمْ جميعا وَإِنْ كان غير عَدْلٍ أَخَذَ ثُلُثَ ما في يَدَيْهِ ولم يَأْخُذْ
____________________

(7/49)


من الْآخَرِينَ شيئا وَأُحْلِفُوا له وَهَكَذَا لو كان الشَّاهِدُ امْرَأَتَيْنِ من الْوَرَثَةِ أو عَشْرًا من الْوَرَثَةِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ أَخَذَ ثُلُثَ ما في أَيْدِيهِنَّ ولم تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ على غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ لم يُقِرَّ ولم يَحْلِفْ الْمَشْهُودُ له مع شَهَادَتِهِنَّ قال وَلَوْ كان الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا نَقْدًا وَأَلْفًا دَيْنًا على أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ فَشَهِدَ الذي عليه الدَّيْنُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا أَعْطَاهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي عليه لِأَنَّهَا من مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي أَخَذَ إذَا حَلَفَ ( 1 ) وَإِنْ كان مُفْلِسًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ على أبيه ثُمَّ أَقَرَّ عليه بِدَيْنٍ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ وَالْإِقْرَارُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ على أبيه يَلْزَمُهُ فِيمَا صَارَ في يَدَيْهِ من مِيرَاثِ أبيه كما يَلْزَمُهُ ما أَقَرَّ بِهِ في مَالِ نَفْسِهِ وهو لو أَقَرَّ الْيَوْمَ لِرَجُلٍ عليه بِدَيْنٍ وَغَدًا لِآخَرَ لَزِمَهُ ذلك كُلُّهُ وَيَتَحَاصَّانِ في مَالِهِ أو يَكُونَ إقْرَارُهُ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ على نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلِمْته بَلْ هُمَا لَازِمَانِ مَعًا وَلَوْ كان معه وَارِثٌ وكان عَدْلًا حَلَفَا مع شَاهِدِهِمَا وَلَوْ لم يَكُنْ عَدْلًا كانت كالمسألة ( ( ( المسألة ) ) ) الْأُولَى وَيَلْزَمُهُ ذلك فِيمَا في يَدَيْهِ دُونَ ما في يَدَيْ غَيْرِهِ قال وإذا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَارِثًا أو وَرَثَةً فَأَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ في عَبْدٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدُ فقال بَلْ هو لِهَذَا الْآخَرِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَيْسَ للاخر فيه شَيْءٌ وَلَا غُرْمَ على الْوَارِثِ قال وَكَذَلِكَ لو وَصَلَ الْكَلَامَ فقال هو لِهَذَا بَلْ هو لِهَذَا كان لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُقِرِّ في مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ على إبْطَالِ إقْرَارٍ قد قَطَعَهُ لِآخَرَ بِأَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آخَرَ وَلَيْسَ في مَعْنَى الشَّاهِدِ الذي شَهِدَ بِمَا لَا يَمْلِكُ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَرْجِعُ قبل الْحُكْمِ فَيَشْهَدُ بِهِ لِآخَرَ قال وإذا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ الدَّيْنَ من رَأْسِ الْمَالِ مِمَّا في يَدَيْ الْوَارِثَيْنِ جميعا إذَا حَلَفَ الْمَشْهُودُ له وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ من يَدَيْ الشَّاهِدِ له من دَيْنِهِ بِقَدْرِ ما كان يَأْخُذُ منه لو جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ مَوْجُودًا في شَهَادَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا له في يَدَيْ الْمُقِرِّ حَقٌّ وفي يَدَيْ الْجَاحِدِ حَقٌّ فَأَعْطَيْتُهُ من الْمُقِرِّ ولم أُعْطِهِ من الْجَاحِدِ شيئا وَلَيْسَ هذا كما هَلَكَ من مَالِ الْمَيِّتِ ذَاكَ كما لم يَتْرُكْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا وَثَبَتَ عليه دَيْنٌ أَلْفٌ أُخِذَتْ الْأَلْفُ وَكَذَلِكَ لو ثَبَتَ لِرَجُلٍ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ أَخَذَ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَكَانَتْ الْهَالِكَةُ كما لم يَتْرُكْ وَلَوْ قَسَّمَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ اتَّبَعَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَأَهْلُ الْوَصِيَّةِ كُلَّ وَارِثٍ بِمَا صَارَ في يَدَيْهِ حتى يَأْخُذُوا من يَدَيْهِ بِقَدْرِ ما صَارَ لهم وَلَوْ أَفْلَسُوا فأعطى أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ من يَدَيْ من لم يُفْلِسْ رَجَعَ بِهِ على من أَفْلَسَ وَهَذَا الشَّاهِدُ لَا يَرْجِعُ أَبَدًا على أَخِيهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا هو أَقَرَّ بِهِ قال وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَارِثًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّ له هذا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدُ لِهَذَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَضْمَنُ للاخر شيئا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ له الْأَوَّلِ أو لم يَدْفَعْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ للاخر ضَمِنَ للاخر قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قد اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْت كَذَلِكَ لو لم يَدْفَعْهُ ( 2 ) من قِبَلِ أنى إذَا أَجَزْت إقْرَارَهُ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَرَدْت أَنْ أُخْرِجَ ذلك من يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ كُنْت أَقْرَرْت في مَالِ غَيْرِي فَلَا أَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ وَسَوَاءٌ كان الْوَارِثُ إذَا كان مُنْفَرِدًا بِالْمِيرَاثِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو لَا تَجُوزُ في هذا الْبَابِ من قِبَلِ أَنْ لَا أَقْبَلَ شَهَادَتَهُ في شَيْءٍ قد أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَخَرَجَ من مِلْكِهِ إلَيْهِ قال وَهَكَذَا لو أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قال بَلْ أَوْصَى بِهِ لِهَذَا لم أَقْبَلْ قَوْلَهُ من قِبَلِ أنى قد أَلْزَمْته أَنْ أُخْرِجَ من يَدَيْهِ ثُلُثَ مَالِ أبيه إلَيْهِ فإذا أَرَادَ إخْرَاجَهُ إلَى غَيْرِهِ جَعَلْته خَصْمًا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ فَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا هو فيه خَصْمٌ له قال وَلَوْ أقتسم الْوَرَثَةُ ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ أو وَصِيَّةٌ بِشَهَادَةِ وَارِثٍ أو غَيْرِ وَارِثٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُؤَدُّوا على هذا دَيْنَهُ وَتَثْبُتُونَ على الْقَسْمِ فَذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ بِعْنَا لِهَذَا في أَحْضَرَ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ ولم نَبِعْ على
____________________

(7/50)


كل وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ دَارًا وَأَرْضًا وَرَقِيقًا وَثِيَابًا وَدَرَاهِمَ وَتَرَكَ دَيْنًا أَعْطَيْنَا صَاحِبَ الدَّيْنِ من الدَّرَاهِمِ الْحَاضِرَةِ ولم نَحْبِسْهُ على غَائِبٍ يُبَاعُ ولم نَبِعْ له مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّهُ وَبِعْنَا له من مَالِ الْمَيِّتِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أو وَصِيَّتِهِ - * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي في كل حَقٍّ للادميين من مَالٍ أو حَدٍّ أو قِصَاصٍ وفي كل حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها تَجُوزُ وَالْآخَرُ لَا تَجُوزُ من قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَمَنْ قال تَجُوزُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بالزنى وَأَرْبَعَةٌ على شَهَادَةِ آخَرَيْنِ بالزنى لم تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حتى يَصِفُوا زِنًا وَاحِدًا وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَثْبُتَ الشَّاهِدَانِ على رُؤْيَةِ الزنى وَتَغَيُّبِ الْفَرْجِ في الْفَرْجِ وَتَثْبُتَ الشُّهُودُ على الشَّاهِدَيْنِ مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُقَامُ عليه الْحَدُّ ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ شَهَادَةِ زِنًا لَا يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ فَيَحُدُّ بها حتى يَشْهَدُوا بها على زِنًا وَاحِدٍ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَبْهَمُوا ولم يَصِفُوا أنها رُؤْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ أو غَابُوا لم يَحْدُدْهُ ولم يَحْدُدْهُمْ من قِبَلِ أَنَّهُمْ لم يُثْبِتُوا عليه ما يُوجِبُ عليه الْحَدَّ ( قال ) وَهَكَذَا لو شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ على أَرْبَعَةٍ في هذا الْقَوْلِ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُومَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ قَامَا بها فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بها لِأَنَّهُ لم يَسْتَرْعِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ إنَّمَا شَهِدَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ وقد يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَدَهُ إيَّاهَا أو من وَجْهٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بها فإذا كان مُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي أو يسترعى من يُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي لم يَكُنْ لِيَفْعَلَ إلَّا وَهِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هذا منه وَإِنْ كان على الصِّحَّةِ حتى يَسْأَلَهُ من أَيْنَ هِيَ له عليه فَإِنْ قال بِإِقْرَارٍ منه أو بِبَيْعٍ حَضَرْته أو سَلَفٍ أَجَازَهُ فَإِنْ قال هذا ولم يَسْأَلْهُ الْقَاضِي كان مُوضِعٌ غبا ( ( ( سغبا ) ) ) وَرَأَيْته جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ بها على الصِّحَّةِ ( قال ) وَإِنْ أُشْهِدَ شَاهِدٌ على شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا حتى يَكُونَ معه غَيْرُهُ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَصَفَ ذلك من غَصْبٍ أو بَيْعٍ أو لم يَصِفْ ولم يَشْهَدْهُ الْمُقِرُّ فَلَازِمٌ له أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ أَصْدَقُ الْأُمُورِ عليه ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ حَقًّا لم يَلْزَمْ فُلَانًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ غَيْرِهِ عليه لَا يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عليه وَالشَّهَادَةُ عليه أَنْ يَقُومَ بها عِنْدَ الْحَاكِمِ أو يَسْتَرْعِيَهَا شَاهِدًا فَأَمَّا أَنْ يَنْطِقَ بها وَهِيَ عِنْدَهُ كَالْمِزَاحِ فَيَسْمَعُ منه وَلَا يَسْتَرْعِيهَا فَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ ما أَقَرَّ بِهِ على غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ إقْرَارُهُ ولم يَكُنْ شَاهِدًا بِهِ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُ شَهَادَتُهُ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قد سَرَقَ مَالًا لِرَجُلٍ فَوَصَفَا الْمَالَ ولم يَصِفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ أو وَصَفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ ولم يَصِفَا الْمَالَ فَلَا قَطْعَ عليه لِأَنَّهُ قد يَكُونُ سَارِقًا لَا قَطْعَ عليه وَذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِسَ أو يَسْرِقَ من غَيْرِ حِرْزٍ أو يَسْرِقَ أَقَلَّ من رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أو غَابَا لم يُقْطَعْ وإذا مَاتَا خلى بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ فإذا غَابَا حُبِسَ حتى يَحْضُرَا وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي هُمَا فيه فَيَقِفُهُمَا ثُمَّ يَقْبَلُ ذلك من قَبِلَ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ وَمَنْ لم يَقْبَلْ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ لم يَكْتُبْ وَإِنْ كَانَا وَصَفَا السَّرِقَةَ ولم يَصِفَا الْحِرْزَ أُغْرِمَهَا السَّارِقُ ولم يُقْطَعْ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودُ الزنى على الزنى لم يُقَمْ الْحَدُّ حتى يَصِفُوا الزنى كما وَصَفْت فَإِنْ فَعَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ لم يَفْعَلُوا
____________________

(7/51)


حتى غَابُوا ( 1 ) أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ حُبِسَ حتى يَصِفَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عليه أَبَدًا حتى يَجْتَمِعَ أَرْبَعَةٌ يَصِفُونَ زِنًا وَاحِدًا فَيَجِبُ بمثله الْحَدُّ أو يُحَلِّفُهُ وَيُخْلِيهِ وَيَكُونُ فِيمَا يَسْأَلُ الْإِمَامُ الشُّهُودَ عليه أَزَنَى بِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُمْ قد يَعُدُّونَ الزنى وَقَعَ على بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَعُدُّوا الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلَا نَحُدُّهُ أَبَدًا حتى يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ وَيُبَيِّنُوهَا له فِيمَا يَجِبُ في مِثْلِهِ الزنى ( قال ) وإذا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ بالزنى فَأَثْبَتُوهُ فقال الرَّابِعُ رَأَيْته نَالَ منها وَلَا أَدْرِي أَغَابَ ذلك منه في ذلك منها فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدَّ الرَّابِعُ وَلَوْ كان الرَّابِعُ قال أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ( 2 ) ثُمَّ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يُحَدَّ في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لم يُثْبِتْ الزنى الذي في مِثْلِهِ الْحَدُّ ولم يُحَدُّوا وَهَكَذَا لو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَقَالُوا رَأَيْنَاهُ على هذه الْمَرْأَةِ فلم يُثْبِتُوا لم يُحَدَّ ولم يُحَدُّوا وَلَوْ قالوا زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ لم يُثْبِتُوا حُدُّوا بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ لم يَخْرُجُوا بِالشَّهَادَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ لم يَكُنْ للامام أَنْ يُلَقِّنَهُ الْحُجَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لو جَحَدَ قُطِعَ وَلَكِنْ لو اُدُّعِيَتْ عليه السَّرِقَةَ ولم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ فَكَانَ من أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِحَضْرَةِ سَرِقَتِهِ جاء من بِلَادِ حَرْبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَافِيًا بِبَادِيَةِ أَهْلِ جَفَاءٍ لم أَرَ بَأْسًا بِأَنْ يُعَرِّضَ له بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لم يَسْرِقْ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ له اجْحَدْ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على سَرِقَةٍ فَاخْتَلَفَا في الشَّهَادَةِ فقال أَحَدُهُمَا سَرَقَ من هذه الدَّارِ كَبْشًا لِفُلَانٍ وقال الْآخَرُ بَلْ سَرَقَهُ من هذه الدَّارِ أو شَهِدَا بِالرُّؤْيَةِ مَعًا وَقَالَا مَعًا سَرَقَهُ من هذا الْبَيْتِ وقال أَحَدُهُمَا بُكْرَةً وقال الْآخَرُ عَشِيَّةً أو قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ الْكَبْشَ وهو أَبْيَضُ وقال الْآخَرُ سَرَقَهُ وهو أَسْوَدُ أو قال أَحَدُهُمَا كان الذي سُرِقَ أَقْرَنَ وقال الْآخَرُ أَجَمَّ غير أَقْرَنَ أو قال أَحَدُهُمَا كان كَبْشًا وقال الْآخَرُ كان نَعْجَةً فَهَذَا اخْتِلَافٌ لَا يُقْطَعُ بِهِ حتى يَجْتَمِعَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ يَجِبُ في مِثْلِهِ الْقَطْعُ وَيُقَالُ لِلْمَسْرُوقِ منه كُلُّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَادَّعِ شَهَادَةَ أَيِّهِمَا شِئْت وَاحْلِفْ مع شَاهِدِك فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ بُكْرَةً وقال الْآخَرُ سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ عَشِيَّةً فلم يَدَّعِ الْمَسْرُوقُ إلَّا كَبْشًا حَلَفَ على أَيِّ الْكَبْشَيْنِ شَاءَ وَأَخَذَهُ أو ثَمَنَهُ إنْ فَاتَ وَإِنْ ادَّعَى كَبْشَيْنِ حَلَفَ مع شَهَادَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخَذَ كَبْشَيْنِ إذَا لم يَكُونَا وَصَفَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَاحِدَةٌ وَاخْتَلَفَا في صِفَتِهِمَا فَهَذِهِ سَرِقَتَانِ يَحْلِفُ مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا الْيَوْمَ وَشَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ لم يُحَدَّ من قِبَلِ أَنَّ أَمْسِ غَيْرُ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بفلانه في بَيْتِ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بها في بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ على الْمَشْهُودِ عليه وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ وإذا شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا الْيَوْمَ وَشَهِدَ آخَرُ عليه أَنَّهُ قَذَفَهُ أَمْسِ فَلَا يُحَدُّ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس ثَمَّ اثْنَانِ يَشْهَدَانِ على قَذْفٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا لو شَهِدَا عليه بِالطَّلَاقِ فقال أَحَدُهُمَا قال لِامْرَأَتِهِ أَمْسِ أَنْتِ طَالِقٌ وقال الْآخَرُ قال لها الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ من قِبَلِ أَنَّ طَلَاقَ أَمْسِ غَيْرُ طَلَاقِ الْيَوْمِ وَشَهَادَتَهُمَا على ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ الذي يَقَعُ بِهِ الْآنَ الْحَدُّ أو الطَّلَاقُ أو الْعِتْقُ كَشَهَادَتِهِمَا على الْفِعْلِ وَلَيْسَ هذا كما يَشْهَدَانِ عليه بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَضَى منه ( قال ) وَيَحْلِفُ في كل شَيْءٍ من هذا إذَا أَبْطَلْت عنه الشَّهَادَةَ اسْتَحْلَفْته ولم يَكُنْ عليه شَيْءٌ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا وقال الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ فَرَكِبَتْهَا لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عليه بِطَلَاقٍ غَيْرِ طَلَاقِ الْآخَرِ ( قال ) وإذا سَرَقَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ فَشَهِدَ عليه أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ثَوْبُ كَذَا
____________________

(7/52)


وَقِيمَتُهُ كَذَا وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ ذلك الثَّوْبُ بِعَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ كَذَا فَكَانَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ فيها الْقَطْعُ وَالْأُخْرَى لَا يَجِبُ بها الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عليه من قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبْهَةِ وَهَذَا أَقْوَى ما يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَنَأْخُذُهُ بِالْأَقَلِّ من الْقِيمَتَيْنِ في الْغُرْمِ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ هذا كَاَلَّذِي يَشْهَدُ عليه رَجُلَانِ رَجُلٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَكُونُ لِذَلِكَ أَلْفٌ من وَجْهٍ وَأَلْفَانِ من وَجْهٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ له إلَّا ثَمَنُ ذلك الثَّوْبِ الذي اجْتَمَعُوا عليه وَلَيْسَ شُهُودُ الزِّيَادَةِ بِأَوْلَى من شُهُودِ النَّقْصِ وَأُحَلِّفُهُ مع الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ على الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا على أَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ ( قال ) وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِغَيْرِ الزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَلَا حَدَّ على الشَّاهِدِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بين الشُّهُودِ إذَا خشى عَبَثَهُمْ أو جَهْلَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ عليه ثُمَّ يُوقِفَهُمْ على ما شَهِدُوا عليه وَعَلَى السَّاعَةِ التي يَشْهَدُونَ فيها وَعَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَيْفَ كان وَعَلَى من حَضَرَ ذلك مَعَهُمْ وَعَلَى ما يُسْتَدَلُّ بِهِ على صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةِ من شَهِدَ مَعَهُمْ ( قال ) وَهَكَذَا إذَا اتَّهَمَهُمْ بِالتَّحَامُلِ أو الْحَيْفِ على الْمَشْهُودِ عليه وَالتَّحَامُلِ لِمَنْ يَشْهَدُونَ له أو الْجَنَفَ له فَإِنْ صَحَّحُوا الشَّهَادَةَ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فيها اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ أَلْغَاهَا ( قال ) وإذا أَثْبَتَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ على أَيِّ حَدٍّ ما كان ثُمَّ غَابُوا أو مَاتُوا قبل أَنْ يُعَدَّلُوا ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَهَكَذَا لو كَانُوا عُدُولًا ثُمَّ غَابُوا قبل أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أُقِيمَ وَهَكَذَا لو خَرِسُوا أو عَمُوا ( قال ) وإذا كان الشُّهُودُ عُدُولًا أو عُدِّلُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَطْرَدَ الْمَشْهُودُ عليه جَرْحَتَهُمْ وَقَبِلَهَا منه على من كان من الناس لَا فَرْقَ بين الناس في ذلك لِأَنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَفْضَلِ الناس بِالْعَدَاوَةِ وَالْجَرِّ إلَى نَفْسِهِ وَالدَّفْعِ عنها وَلَا نقبل ( ( ( تقبل ) ) ) الْجَرْحَ من الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ ما يَجْرَحُ بِهِ الْجَارِحُ الْمَجْرُوحَ فإن الناس قد يَجْرَحُونَ بِالِاخْتِلَافِ وَالْأَهْوَاءِ وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ فَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا بِنَصِّ ما يَرَى هو مثله يَجْرَحُ كان الْجَارِحُ فَقِيهًا أو غير فَقِيهٍ لِمَا وَصَفْت من التَّأْوِيلِ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودٌ على رَجُلٍ بِحَدٍّ ما كان أو حَقٍّ ما كان فقال الْمَشْهُودُ عليه هُمْ عَبِيدٌ أو لم يَقُلْهُ فَحَقٌّ على الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَةَ أَحَدٍ منهم حتى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخِبْرَةٍ منه بِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ فإذا ثَبَتَ هذا عِنْدَهُ أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عليه ثُمَّ أَطْرَدَهُ جَرْحَتَهُمْ فَإِنْ جاء بها قَبِلَهَا منه وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَنْفَذَ عليه ما شَهِدُوا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ من الناس أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يَمْحَضُ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ من مَعْصِيَةٍ وَلَا تَرْكِ مُرُوءَةٍ وَلَا يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ وَيَتْرُكُ الْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ من الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ فإذا كان الْأَغْلَبُ على الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا كان الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُقِيمًا على مَعْصِيَةٍ فيها حَدٌّ وَأُخِذَ فَلَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مُظْهِرَهُ غير مُسْتَتِرٍ بِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من جُرِّبَ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَإِنْ كان غير كَذَّابٍ في الشَّهَادَاتِ وَمَنْ كان إنَّمَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ وَلَهُ مَخْرَجٌ منه لم يَلْزَمْهُ اسْمُ كَذَّابٍ وَكُلُّ من تَأَوَّلَ فَأَتَى شيئا مُسْتَحِلًّا كان فيه حَدٌّ أو لم يَكُنْ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حُمِلَ عنه الدِّينُ وَنُصِبَ عَلَمًا في الْبُلْدَانِ من قد يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ فيفتى بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَيَّامًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من يَسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من قد تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا نَعْلَمُ شيئا أَعْظَمَ من سَفْكِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ من تَأَوَّلَ فَشَرِبَ كُلَّ مُسْكِرٍ غير الْخَمْرِ وَعَابَ على من حَرَّمَهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ بُيُوعًا محرمه عِنْدَ غَيْرِهِ فإذا كان هَؤُلَاءِ مع ما وَصَفْت وما أَشْبَهَهُ أَهْلَ ثِقَةٍ في دِينِهِمْ وَقَنَاعَةٍ عِنْدَ من عَرَفَهُمْ وقد تَرَكَ عليهم
____________________

(7/53)


ما تَأَوَّلُوا فأخطأوا ( ( ( فأخطئوا ) ) ) فيه ولم يُجْرَحُوا بِعَظِيمِ الخطأ إذَا كان منهم على وَجْهِ الِاسْتِحْلَالِ كان جَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ في هذه الْمَنْزِلَةِ فإذا كَانُوا هَكَذَا فَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له وَبِالْحَمَامِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له أَخَفُّ حَالًا من هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يُحْصَى وَلَا يُقَدَّرُ فَأَمَّا إنْ قام رَجُلٌ بِالْحَمَامِ أو بِالشِّطْرَنْجِ رَدَدْنَا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ وَكَذَلِكَ لو قَامَرَ بِغَيْرِهِ فَقَامَرَ على أَنْ يعادى إنْسَانًا أو يُسَابِقَهُ أو يُنَاضِلَهُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا من الناس اسْتَحَلَّ الْقِمَارَ وَلَا تَأَوَّلَهُ وَلَكِنَّهُ لو جَعَلَ فيها سَبْقًا مُتَأَوَّلًا كَالسَّبْقِ في الرَّمْيِ وفي الْخَيْلِ قِيلَ له قد أَخْطَأْت خَطَأً فَاحِشًا وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ حتى يُقِيمَ عليه بعد ما يُبَيَّنُ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ في هذا على أَحَدٍ وَأَنَّ الْعَامَّةَ مُجْتَمِعَةٌ على أَنَّ هذا مُحَرَّمٌ قال وَبَائِعُ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ ( 1 ) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ فَأَمَّا من عَصَرَ عِنَبًا فَبَاعَهُ عَصِيرًا فَهُوَ في الْحَالِ التي بَاعَهُ فيها حَلَالٌ كَالْعِنَبِ يَشْتَرِيهِ كما يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَأَحَبُّ إلى له أَنْ يُحْسِنَ التَّوَقِّيَ فَلَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ من قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا وَنِيَّةُ صَاحِبِهِ في إحْدَاثِ الْمُحَرَّمِ فيه لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْقِدُ رُبًّا وَيَتَّخِذُ خَلًّا فإذا كانت الْحَالُ التي بَاعَهُ فيها حَلَالًا يَحِلُّ فيها بَيْعُهُ وكان قد يُتَّخَذُ حَلَالًا وَحَرَامًا فَلَيْسَ الْحَرَامُ بِأَوْلَى بِهِ من الْحَلَالِ بَلْ الْحَلَالُ أَوْلَى بِهِ من الْحَرَامِ وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ بِشَيْءٍ فلم يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حتى يَحْدُثَ لِلشُّهُودِ حَالٌ تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُمْ لم يَحْكُمْ عليه وَلَا يَحْكُمُ عليه حتى يَكُونُوا عُدُولًا يوم يَحْكُمُ عليه وَلَكِنَّهُ لو حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ لم يَرُدَّ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى عَدْلِهِمْ يوم يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِهِمْ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ فَادَّعَى جَرْحَتَهُمْ أَجَّلَ في جَرْحَتِهِمْ بِالْمِصْرِ الذي هو بِهِ وما يُقَارِبُهُ فَإِنْ جاء بها وَإِلَّا أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ ثُمَّ إنْ جَرَحَهُمْ بَعْدُ لم يَرُدَّ عنه الْحُكْمَ وَإِنْ جاء بِبَعْضِ ما يَجْرَحُهُمْ مِثْلِ أَنْ يأتى بِشَاهِدٍ وَاسْتَأْجَلَ في آخَرَ رَأَيْت أَنْ يَضْرِبَ له أَجَلًا يُوَسِّعُ عليه فيه حتى يَجْرَحَهُمْ أو يُعْوِزَهُ ذلك فَيَحْكُمَ عليه ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَشَكَّ فيها أو قال قد بَانَ لي أَنِّي قد غَلِطْت فيها لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِذَهَا وَلَا يَنَالَهُ بِعُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عن بَنِي آدَمَ فِيمَا هو أَعْظَمُ من هذا وقال له لقد كُنْت أُحِبُّ أَنْ تَتَثَبَّتَ في الشَّهَادَةِ قبل أَنْ تَثْبُتَ عليها فَإِنْ قال قد غَلِطْت على الْمَشْهُودِ عليه الْأَوَّلِ وهو هذا الْآخَرُ طَرَحْتهَا عن الْأَوَّلِ ولم أُجِزْهَا على الْآخَرِ لِأَنَّهُ قد أَطْلَعَنِي على أَنَّهُ قد شَهِدَ فَغَلِطَ وَلَكِنْ لو لم يَرْجِعْ حتى يَمْضِيَ الْحُكْمُ بها ثُمَّ يَرْجِعَ بَعْدَ مضى الْحُكْمِ لم أَرُدَّ الْحُكْمَ وقد مَضَى وَأُغْرِمْهُمَا إنْ كَانَا شَاهِدَيْنِ على قَطْعِ دِيَةِ يَدِ الْمَقْطُوعِ في أَمْوَالِهِمَا حَالَّةً لِأَنَّهُمَا قد أَخْطَآ عليه وَإِنْ قال عَمَدْنَا أَنْ نَشْهَدَ عليه لِيُقْطَعَ وقد عَلِمْنَا أَنَّهُ سَيُقْطَعُ إذَا شَهِدْنَا عليه جَعَلْنَا لِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِمَا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا دِيَةَ يَدِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( قال ) وإذا كان الرَّاجِعُ شَاهِدًا وَاحِدًا بَعْدَ مضى الْحُكْمِ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَوَّلِ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ يَدِهِ وَإِنْ عَمَدَ قُطِعَتْ يَدُهُ هو فَأَمَّا إذَا أَقَرَّا بِعَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ في شَيْءٍ ليس فيه قِصَاصٌ فَإِنِّي أُعَاقِبُهُمَا دُونَ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا على شَيْءٍ بَعْدُ حتى يُخْتَبَرَا وَيُجْعَلَ هذا حَادِثًا مِنْهُمَا يُحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهِمَا بَعْدَهُ إذَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَخْطَآ على من شَهِدَا عليه فَأَمَّا لو شَهِدَا ثُمَّ قَالَا لَا تُنْفِذْ شَهَادَتَنَا فَإِنَّا قد شَكَكْنَا فيها لم يُنْفِذْهَا وكان له أَنْ يُنْفِذَ شَهَادَتَهُمَا في غَيْرِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمَا قد شَكَكْنَا ليس هو قَوْلُهُمَا أَخْطَأْنَا ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلِ بِحَقٍّ في قِصَاصٍ أو قَذْفٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِ فَأَكْذَبَ الشُّهُودَ الْمَشْهُودُ له لم يَكُنْ له بَعْدَ إكْذَابِهِمْ مَرَّةً أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ من ذلك الذي شَهِدُوا له بِهِ وهو أَوْلَى بِحَقِّ نَفْسِهِ وَأَحْرَى أَنْ يُبْطَلَ الْحُكْمُ بِهِ إذَا أَكْذَبَ الشُّهُودَ وَإِنَّمَا له شَهِدُوا وهو على نَفْسِهِ أَصْدَقُ وَلَوْ لم يُكْذِبْ الشُّهُودَ وَلَكِنَّهُمْ رَجَعُوا وقد شَهِدُوا له بِقَذْفٍ
____________________

(7/54)


أو غَيْرِهِ لم يُقْضَ له بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعُ عن الشَّهَادَاتِ ضَرْبَانِ فإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أو الشُّهُودُ على رَجُلٍ بِشَيْءٍ يُتْلَفُ من بَدَنِهِ أو يُنَالُ مِثْلِ قَطْعٍ أو جَلْدٍ أو قِصَاصٍ في قَتْلٍ أو جَرْحٍ وَفُعِلَ ذلك بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا عَمَدْنَا أَنْ يُنَالَ ذلك منه بِشَهَادَتِنَا فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عليه ما كان فيه من ذلك قِصَاصٌ خُيِّرَ بين أَنْ يَقْتَصَّ أو يَأْخُذَ الْعَقْلَ وما لم يَكُنْ فيه من ذلك قِصَاصٌ أَخَذَ فيه الْعَقْلَ وَعُزِّرُوا دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ قالوا عَمَدْنَا الْبَاطِلَ ولم نَعْلَمْ أَنَّ هذا يَجِبُ عليه عُزِّرُوا وَأُخِذَ منهم الْعَقْلُ وكان هذا عَمْدًا يُشْبِهُ الْخَطَأَ فِيمَا يُقْتَصُّ منه وما لَا يُقْتَصُّ منه وَلَوْ قَالَا أَخْطَأْنَا أو شَكَكْنَا لم يَكُنْ في شَيْءٍ من هذا عُقُوبَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وكان عليهم فيه الْأَرْشُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدُوا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعُوا أَغْرَمَهُمْ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ كان دخل بها وَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها غَرَّمَهُمْ نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عليه ولم يَكُنْ لها قِيمَةٌ إلَّا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَعْطَاهَا قَلَّ أو كَثُرَ إنَّمَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَتْلَفُوا عليه فَأَجْعَلُ له قِيمَتَهُ ( قال ) وإذا كَانُوا إنَّمَا شَهِدُوا على الرَّجُلِ بِمَالٍ يَمْلِكُ فَأَخْرَجُوهُ من يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ إلَى غَيْرِهِ عَاقَبْتُهُمْ على عَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ ولم أُعَاقِبْهُمْ على الخطأ ولم أُغْرِمْهُمْ من قِبَلِ أَنِّي لو قَبِلْت قَوْلَهُمْ الْآخَرَ وَكَانُوا شَهِدُوا على دَارٍ قَائِمَةٍ أُخْرِجَتْ فَرَدَدْتهَا إلَيْهِ لم يَجُزْ أَنْ أُغْرِمَهُمْ شيئا قَائِمًا بِعَيْنِهِ قد أَخْرَجْتُهُ من مِلْكِ مَالِكِهِ وقد قال بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ في هذا كُلِّهِ فَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الذي أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ أَوَّلًا ( 1 ) وَإِنَّمَا مَنَعَنَا من هذا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَدْلًا بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِ الْحُكْمَ ولم يَرْجِعْ قبل مُضِيِّهِ أَنَّا إنْ نَقَضْنَاهُ جَعَلْنَا للاخر في غَيْرِ مَوْضِعٍ عَدَالَةً فَنُجِيزُ شَهَادَتَهُ على الرُّجُوعِ ولم يَكُنْ أَتْلَفَ شيئا لَا يُوجَدُ إنَّمَا أَخْرَجَ من يَدَيْ رَجُلٍ شيئا فَكَانَ الْحُكْمُ أَنَّ ذلك حَقٌّ في الظَّاهِرِ فلما رَجَعَ كان كَمُبْتَدِئٍ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وهو لم يَأْخُذْ شيئا لِنَفْسِهِ فأنتزعه من يَدَيْهِ ولم يُفِتْ شيئا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ من أَفَاتَهُ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِشَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ غَيْرُهُ فلم أُغْرِمْهُ ما أَقَرَّ بِيَدَيْ غَيْرِهِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ أو الِاثْنَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أو أَنَّ هذا الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ مَلَكَاهُ أو أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا أو على الْمَالِكِ له مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِلْكُهُ وَلَا أَقْبَلُ منه أَنْ يَقُولَ شَهِدْت أَوَّلًا بِبَاطِلٍ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال لِعَبْدٍ لِأَبِيهِ قد أَعْتَقَهُ أبي في وَصِيَّةٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ ثُمَّ قال كَذَبْت لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ منه شيئا لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ له بِالْحُرِّيَّةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلَانِ على رَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَأَجَازَهَا الْقَاضِي ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أو مُشْرِكَانِ أو أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْحُكْمِ ثُمَّ يَقْضِي بِيَمِينٍ وَشَاهِدَانِ كان أَحَدُهُمَا عَدْلًا وكان مِمَّا يَجُوزُ فيه الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو عَلِمَ أَنَّهُمَا يوم شَهِدَا كَانَا غير عَدْلَيْنِ من جُرْحٍ بَيِّنٍ في أَبْدَانِهِمَا أو في أَدْيَانِهِمَا لَا أَجِدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَرْقًا في أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ في هذه الْحَالِ فإذا كَانُوا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ في أَنْفُسِهِمْ من فِسْقٍ أو عُبُودِيَّةٍ أو كُفْرٍ لَا يَحِلُّ ابْتِدَاءً الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَضَى بها كان الْقَضَاءُ نَفْسُهُ خَطَأً بَيِّنًا عِنْدَ كل أَحَدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي على نَفْسِهِ وَيَرُدَّهُ على غَيْرِهِ بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنُ خَطَأً من الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال مِمَّنْ { تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا من هَذَيْنِ فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هو تَأْوِيلٌ ليس بِبَيِّنٍ وَاتِّبَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَا شَهِدَا على رَجُلٍ بِقِصَاصٍ أو قَطْعٍ فَأَنْفَذَهُ الْقَاضِي ثُمَّ بَانَ له لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ في الظَّاهِرِ وكان على الْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَتَهُمَا فَهَذَا خَطَأٌ من الْقَاضِي تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ فَيَكُونُ للمقضى عليه بِالْقِصَاصِ أو الْقَطْعِ أَرْشُ يَدِهِ إذَا كان جاء ذلك بخطأ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ جاء
____________________

(7/55)


ذلك عَمْدًا وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ ليس ذلك له فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيمَا فيه قِصَاصٌ وهو غَيْرُ مَحْمُودٍ ( قال ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَارِثًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَأَقَرَّ أَنَّ هذه الْأَلْفَ الدِّرْهَمَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ أبيه أو أَكْثَرُ دَفَعْنَا إلَيْهِ - * بَابُ الْحُدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدُّ حَدَّانِ حَدٌّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا أَرَادَ من تَنْكِيلِ من غَشِيَهُ عنه وما أَرَادَ من تَطْهِيرِهِ بِهِ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا هو أَعْلَمُ بِهِ وَلَيْسَ للادميين في هذا حَقٌّ وَحَدٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى على من أَتَاهُ ( 1 ) من الْآدَمِيِّينَ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ وَلَهُمَا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ أَصْلٌ فَأَمَّا أَصْلُ حَدِّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كِتَابِهِ فَقَوْلُهُ عز وجل { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى قَوْلِهِ { رَحِيمٌ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بِمَا عليهم من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عليهم ثُمَّ ذَكَرَ حَدَّ الزنى وَالسَّرِقَةِ ولم يَذْكُرْهُ فِيمَا اسْتَثْنَى فَاحْتَمَلَ ذلك أَنْ لَا يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا حَيْثُ جُعِلَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه كما احْتَمَلَ حين قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَدِّ الزنى في مَاعِزٍ أَلَا تَرَكْتُمُوهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ السَّارِقُ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ وَالشَّارِبُ إذَا اعْتَرَفَ بِالشُّرْبِ ثُمَّ رَجَعَ عنه قبل أَنْ يُقَامَ عليه الْحَدُّ سَقَطَ عنه وَمَنْ قال هذا قال هذا في كل حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الدُّنْيَا وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِالْمُرْتَدِّ يَرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ عنه الْقَتْلُ فَيَبْطُلُ الْقَطْعُ عن السَّارِقِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ قد اعْتَرَفَ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عز وجل وَالْآخَرُ للادميين فَأَخَذْنَاهُ بِمَا للادميين وَأَسْقَطْنَا عنه ما لِلَّهِ عز وجل وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ ليس إلَّا حَيْثُ هو جَعَلَ الْحَدَّ على من أتى حَدَّ اللَّهِ مَتَى قُدِرَ عليه وَإِنْ تَقَادَمَ فَأَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ من الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ فَتُقَامُ أَبَدًا لَا تَسْقُطُ قال الرَّبِيعُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْنَاءُ في التَّوْبَةِ لِلْمُحَارِبِ وَحْدَهُ الذي أَظُنُّ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ قال الرَّبِيعُ وَالْحُجَّةُ عِنْدِي في أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً حَدِيثُ مَاعِزٍ حين أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَرَّ الزنى فَأَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِهِ وَلَا نَشُكُّ أَنَّ مَاعِزًا لم يَأْتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُخْبِرَهُ إلَّا تَائِبًا إلَى اللَّهِ عز وجل قبل أَنْ يَأْتِيَهُ فلما أَقَامَ عليه الْحَدَّ دَلَّ ذلك على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على السَّرِقَةِ وَشَهِدَا أَنَّ هذا سَرَقَ لِهَذَا كَذَا وَكَذَا قُطِعَ السَّارِقُ إذَا ادَّعَى الْمَسْرُوقُ الْمَتَاعَ لِأَنَّهُ قد قام عليه شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ قَالَا هذا سَرَقَ من بَيْتِ هذا كان مِثْلُ هذا سَوَاءً إذَا ادَّعَى أَنَّهُ له قَطَعْت السَّارِقَ لِأَنِّي أَجْعَلُ له ما في يَدَيْهِ وما في بَيْتِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ ( قال ) وَلَوْ ادَّعَى في الْحَالَيْنِ مَعًا أَنَّ الْمَتَاعَ مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عليه هذا أو بَاعَهُ إيَّاهُ أو وَهَبَهُ له وإذن له في أَخْذِهِ لم أَقْطَعْهُ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ خَصْمًا له أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو نَكَلَ عن الْيَمِينِ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عليه بِالسَّرِقَةِ وَدَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً دَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَأَقَامَ الْمَسْرُوقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَتَاعُهُ جَعَلْت الْمَتَاعَ لِلَّذِي الْمَتَاعُ في يَدَيْهِ وَأَبْطَلْت الْحَدَّ عن السَّارِقِ لِأَنَّهُ قد جاء بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ له فَلَا أَقْطَعُهُ فِيمَا قد أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له وَإِنْ لم أَقْضِ بِهِ له وأنا أَدْرَأُ الْحَدَّ بِأَقَلَّ من هذا وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ منه بعد ما قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على السَّارِقِ أَنَّهُ نَقَبَ بَيْتَهُ وَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَنْقُبَ بَيْتَهُ وَيَأْخُذَهُ وَأَنَّهُ مَتَاعٌ له لم أَقْطَعْهُ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ له شُهُودٌ فَأُكَذِّبُ الشُّهُودَ إذَا سَقَطَ أَنْ أُضَمِّنَهُ الْمَتَاعَ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَتَاعِ له لم أَقْطَعْهُ في شَيْءٍ أنا أقضى بِهِ له وَلَا أُخْرِجْهُ من يَدَيْهِ وَالشَّهَادَةُ على اللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ أَرْبَعَةٌ لَا يُقْبَلُ فيها أَقَلُّ منهم لِأَنَّ كُلًّا جِمَاعٌ
____________________

(7/56)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِحَدٍّ أو قِصَاصٍ أو غَيْرِهِ فلم نجز ( ( ( تجز ) ) ) شَهَادَتُهُ بِمَعْنًى من الْمَعَانِي إمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ معه غَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ عَدْلًا فَلَا حَدَّ عليه وَلَا عُقُوبَةَ إلَّا شُهُودَ الزنى الَّذِينَ يَقْذِفُونَ بالزنى فإذا لم يُتِمُّوا فَالْأَثَرُ عن عُمَرَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدُّوا وَالْفَرْقُ بين الشَّهَادَةِ في الْحُدُودِ وَبَيْنَ الْمُشَاتَمَةِ التي يُعَزَّرُ فيها من ادَّعَى الشَّهَادَةَ أو يُحَدُّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بها عِنْدَ الْإِمَامِ الذي يُقِيمُ الْحُدُودَ أو عِنْدَ شُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ على شَهَادَتِهِ أو عِنْدَ مُفْتٍ يَسْأَلُهُ ما تُلْزِمُهُ الشَّهَادَةُ لو حَكَاهَا لَا على مَعْنَى الشَّتْمِ وَلَكِنْ على مَعْنَى الْإِشْهَادِ عليها فَأَمَّا إذَا قَالَهَا على مَعْنَى الشَّتْمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بها لم يُقْبَلْ منه وَأُقِيمَ عليه فيها الْحَدُّ إنْ كان حَدًّا أو التَّعْزِيرُ إنْ كان تَعْزِيرًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي حتى يَشْهَدَ عليه شَاهِدَانِ بِالْكِتَابِ بعد ( ( ( بعدما ) ) ) ما ( ( ( يقرؤه ) ) ) يقرأه الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَيَعْرِفَانِهِ وَكِتَابُهُ إلَيْهِ كَالصُّكُوكِ لِلنَّاسِ على الناس لَا أَقْبَلُهَا مختومه وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ ما فيها حَقٌّ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ لم أَقْبَلْهُ حتى يَقْرَأَ عليهم وهو يَسْمَعُهُ وَيُقِرُّ بِهِ ثُمَّ لَا أُبَالِي كان عليه خَاتَمٌ أو لم يَكُنْ فَأَقْبَلُهُ ( قال ) وقد حَضَرْت قَاضِيًا أَتَاهُ كِتَابٌ من قَاضٍ وَشُهُودٌ عَدَدٌ عُدُولٌ فقال الشُّهُودُ نَشْهَدُ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَفَتَحَهُ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عليه ما فيه وَجَاءَ بِكِتَابٍ معه يُخَالِفُهُ فَوَقَفَ الْقَاضِي عنه وَكَتَبَ إلَيْهِ بِنُسْخَتِهِمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الْآخَرَ وُضِعَ في مَكَانِ كِتَابٍ صَحِيحٍ فَدَفَعَهُ وهو يَرَى أَنَّهُ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْمَشْهُودُ عليه أَنَّ ذلك من قِبَلِ بَعْضِ كُتَّابِهِ أو أَعْوَانِهِ فإذا أَمْكَنَ هذا هَكَذَا لم يَنْبَغِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ على ما فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ إلَّا كِتَابُ قَاضٍ عَدْلٍ وإذا كَتَبَ الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ عليه ثُمَّ مَاتَ أو عُزِلَ انْبَغَى لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ انْبَغَى لِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ خَصْمٍ على خَصْمِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ سِيَّمَا إذَا كان الْخَصْمُ يَطْلُبُهُ بِشَتْمٍ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ رَجُلًا أو جَمَاعَةً فَشَهِدُوا عليه بِزِنًا أو بِحَدٍّ غَيْرِهِ لم أُجِزْ شَهَادَةَ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ له في طَلَبِ الْقَذْفِ وَحَدَدْت الْمَشْهُودَ عليه بِالْقَذْفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ من قَذَفَهُ وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عليه قبل الْقَذْفِ ثُمَّ قَذَفَهُمْ كانت الشَّهَادَةُ ما كانت أَنْفَذْتهَا لِأَنَّهَا كانت قبل أَنْ يَكُونُوا له خُصَمَاءَ وَلَكِنَّهُمْ لو زَادُوا عليه فيها بَعْدَ الْقَذْفِ لم أَقْبَلْ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا كانت بَعْدَ أَنْ كَانُوا له خُصَمَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا وكان الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قبل قَذْفِ هذا بِسَاعَةٍ أو أَكْثَرَ حُدَّ قَاذِفُهُ وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه أو جَنَى هو كانت جِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عليه جِنَايَةَ حُرٍّ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ هو حَدًّا كان حَدُّهُ حَدَّ حُرٍّ وَطَلَاقُهُ طَلَاقَ حُرٍّ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْعِتْقِ يوم يَكُونُ الْكَلَامُ وَلَا أَنْظُرُ إلَيْهِ يوم يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ وَلَوْ جَحَدَهُ سَيِّدُهُ الْعِتْقَ سَنَةً أُعْتِقُهُ يوم أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَحَكَمْت له بِأَحْكَامِ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ وَرَدَدْته على السَّيِّدِ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ بِمَا اسْتَخْدَمَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الطَّلَاقِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الطَّلَاقِ من يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا من يَوْمِ وَقَعَ الْحُكْمُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الْقُرْعَةِ وَقِيَمُ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ يوم يَقَعُ الْعِتْقُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ عَتَقَ من الثُّلُثِ قِيمَتُهُمْ يوم مَاتَ الْمُعْتِقُ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَقَعَ الْعِتْقُ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى وُقُوعِ الْحُكْمِ فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَزْعُمُ مَرَّةً أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ لَا يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ وَمَرَّةً إلَى يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ فَلَوْ شَاءَ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ له بِخِلَافِ قَوْلِهِ ( 1 ) فَيَجْعَلَ ما جُعِلَ يوم كانت الْبَيِّنَةُ أو كان الْعِتْقُ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ
____________________

(7/57)


وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما قُلْنَاهُ من أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ من يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ وَيَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ( قال ) وإذا أَقَامَ شَاهِدًا على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَحْلِفُ مع أَحَدِ شَاهِدَيْهِ وَيَأْخُذُهَا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا أنها له وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا ( قال ) وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلًا جَارِيَةً وقد وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ له أَوْلَادًا فَلَهُ الْجَارِيَةُ وما نَقَصَ ثَمَنُهَا وَمَهْرُهَا وَأَوْلَادُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَوَطِئَهَا حُدَّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَإِنْ زَعَمَ أنها له وَأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عليه بِبَاطِلٍ فَلَا حَدَّ عليه وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُقَوَّمُونَ وَلَيْسَ في شَهَادَةِ الشُّهُودِ عليه في الْجَارِيَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا ( 1 ) مُسْلِمَةً في الْحَدِّ عليه لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا عليه بِزِنًا إنَّمَا شَهِدُوا عليه بِغَصْبٍ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً لَا يَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا وقد هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ لم يُقْضَ عليه بِقِيمَةِ صِفَةٍ حتى يُثْبِتُوا على قِيمَتِهَا وَيُقَالُ لهم اشْهَدُوا إنْ أَثْبَتُّمْ على أَنَّ قِيمَتَهَا دِينَارٌ أو أَكْثَرُ فَلَا تَأْثَمُوا إذَا شَهِدْتُمْ بِمَا أَحَطْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَوَقَفْتُمْ عَمَّا لَا تُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا فَإِنْ مَاتُوا ولم يُثْبِتُوا قِيلَ لِلْغَاصِبِ قُلْ ما شِئْت في قِيمَتِهَا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ شَرِّ ما يَكُونُ من الْجَوَارِي وَأَقَلَّهُ ثَمَنًا وَاحْلِفْ عليه وَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ منه فَإِنْ قال لَا قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ وَاحْلِفْ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ له وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ له ( قال ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَ من يَدِهِ جَارِيَةً ولم يَقُولُوا هِيَ له قَضَيْنَا عليه بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَخَذَ من يَدَيْهِ قضى عليه بِرَدِّهِ عليه لِأَنَّهُ أَوْلَى بِمَا في يَدَيْهِ من غَيْرِهِ ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بِغَصْبٍ بِعَيْنِهِ وَقَامَ عليه الْغُرَمَاءُ حَيًّا وَمَيِّتًا فَالسِّلْعَةُ التي شَهِدُوا بها بِعَيْنِهَا لِلْمَغْصُوبِ له ما كان عَبْدًا أو ثَوْبًا أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ على دَابَّةٍ أنها له زَادُوا وَلَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ أو لا قَضَيْت له بها لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا أنها له إلَّا وهو لم يَبِعْ ولم يَهَبْ ولم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ دَفَعَهُ الْمَشْهُودُ عليه عنها أَحَلَفْتَهُ له أنها لَفِي مِلْكِهِ ما خَرَجَتْ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ هذا الْمَيِّتَ مَوْلًى له أَعْتَقَهُ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ قضى له بِمِيرَاثِهِ وَلَيْسَ على أَحَدٍ قضى له بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ له أَنْ يُؤْخَذَ منه كَفِيلٌ إنَّمَا الْكَفِيلُ في شَيْءٍ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحُكَّامِ يَسْأَلُهُ المقضى له فَيَتَطَوَّعُ بِهِ احْتِيَاطًا لِشَيْءٍ إنْ كان وَإِنْ لم يَأْتِ بِكَفِيلٍ قَضَى له بِهِ ( قال ) ( 2 ) وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَعْدَ هذا بَيِّنَةً على أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ هو وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا هُمَا وَمَنْ هو أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَأَعْدَلُ لِأَنِّي أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ كما أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْجَمَاعَةِ التي هِيَ أَعْدَلُ وَأَكْثَرُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا له في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه عِتْقَ بَتَاتٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كان الشَّاهِدَانِ وَارِثَيْنِ أو غير وَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ ( قال ) وَلَوْ جاء أَجْنَبِيَّانِ فَشَهِدَا لِآخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ سُئِلَا عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَهُ فيه وَالشَّاهِدَانِ الْآخَرَانِ عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فيه فَأَيُّ الْعِتْقَيْنِ كان أَوَّلًا قُدِّمَ وَأُبْطِلَ الْآخَرُ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً أو كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ أَيَّ ذلك كان أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وأن كان أَحَدُهُمَا عِتْقَ بَتَاتٍ وَالْآخَرُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ كان الْبَتَاتُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَا جميعا عِتْقَ وَصِيَّةٍ أو عِتْقَ تَدْبِيرٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وهو الثُّلُثُ في الْوَصِيَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وهو الثُّلُثُ فَسَوَاءٌ الْأَجْنَبِيَّانِ وَالْوَارِثَانِ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ إذَا شَهِدَا على ما يَسْتَوْظِفُ الثُّلُثَ فَلَيْسَ هَا هُنَا في الثُّلُثِ مَوْضِعٌ
____________________

(7/58)


في أَنْ يُوَفِّرَا على أَنْفُسِهِمَا فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ منهم نِصْفُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا في الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ولم يَدْرِ أَيَّهُمَا عَتَقَ أَوَّلًا فَاسْتَوْظَفَ بِهِ الثُّلُثَ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن عِتْقِ الْأَوَّلِ وَأَعْتَقَ الْآخَرَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا إذَا كان الثُّلُثُ وَإِنَّمَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُمَا فِيمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا التَّوْفِيرَ فَأَمَّا إذَا لم يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ أو بِعَبْدٍ هو الثُّلُثُ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ لِهَذَا الْمَشْهُودِ له وَأَوْصَى بها لِغَيْرِهِ وهو غَيْرُ وَارِثٍ أو أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُخْرِجَانِ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمَا فإذا لم يُخْرِجَاهُ لِشَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا منه ما يَمْلِكَانِ مِلْكَ الْأَمْوَالِ لم أَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ وقد لَا يَصِيرُ في أَيْدِيهِمَا من الْوَلَاءِ شَيْءٌ وَلَوْ كنا نُبْطِلُهَا بِأَنَّهُمَا قد يَرِثَانِ الْمَوْلَى يَوْمًا إنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا أَبْطَلْنَاهَا لِذَوِي أَرْحَامِهِمَا وَعَصَبَتِهِمَا وَلَكِنَّهَا لَا تَبْطُلُ في شَيْءٍ من هذا وَالشَّهَادَةُ في الْوَصِيَّةِ مِثْلُهَا في الْعِتْقِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فيها كما تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَرَجَعَ عن الْعِتْقِ الْآخَرِ وَكِلَاهُمَا الثُّلُثُ فَشَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وهو الثُّلُثُ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ وَرَجَعَ في وَصِيَّتِهِ الْأُولَى فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ شَهِدَا له وَكَذَلِكَ لو شَهِدَا بِعَبْدٍ آخَرَ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ كانت أَقَلَّ من قِيمَتِهِ رَدَدْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ ما بين قِيمَةِ من شهدا ( ( ( شهد ) ) ) أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ وَقِيمَةُ من شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ بِهِ فَلَا أَرُدُّ من شَهَادَتِهِمَا إلَّا ما رَدَّ عَلَيْهِمَا الْفَضْلَ وَلَوْ كانت له مع هذا وَصَايَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّ الثُّلُثَ خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَا يَرُدَّانِ على أَنْفُسِهِمَا من فَضْلِ ما بين قِيمَتِهِمَا شيئا لِأَنَّ ذلك الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمَا مَنَّ الموصى ( ( ( الوصي ) ) ) لهم بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ من الثُّلُثِ في وَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في عِتْقِ هذا الْمَشْهُودِ له وَأَعْتَقَ هذا الْآخَرَ وهو سُدُسُ مَالِ الْمَيِّتِ أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا عن الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ قِيمَةِ ما بَيْنَهُمَا وَأَعْتَقْت الْأَوَّلَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَأَبْطَلْت حَقَّهُمَا من هذا الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ له أَنَّهُ حُرٌّ من الثُّلُثِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ على أَنَّهُ أَعْتَقَ هذا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا وَأَقْرَعْت بَيْنَهُمَا حتى أستوظف الثُّلُثَ وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ حَيٍّ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ من عَبِيدِهِ عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ فَعِتْقُ الْبَتَاتِ يُبَدَّأُ على الْوَصِيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثِينَ وَلَيْسَ في هذا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ منهم إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَوْ كان الْعِتْقُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ فَمَنْ بَدَّأَ الْعِتْقَ على الْوَصِيَّةِ بَدَّأَ هذا الْعَبْدَ ثُمَّ إنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ أَعْطَى صَاحِبَ الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَفْضُلْ منه شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له وَمَنْ جَعَلَ الْوَصَايَا وَالْعِتْقَ سَوَاءً أَعْتَقَ من الْعَبْدِ بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَأَعْطَى الْمُوصَى له بالثلث ( ( ( الثلث ) ) ) بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَشَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَشَهَادَةُ غَيْرِهِمْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إذَا كَانُوا عُدُولًا سَوَاءٌ ما لم يَجُرُّوا إلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ أو يَدْفَعُوا عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ من الْوَرَثَةِ لِآخَرَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَشَهَادَتُهُمْ سَوَاءٌ وَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ نِصْفَيْنِ في قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ لِوَاحِدٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِآخَرَ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان حُكْمُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الْمَشْهُودَ له يَأْخُذُ بِهِمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَالشَّاهِدُ
____________________

(7/59)


أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ وَكَانَا حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يعطى صَاحِبَ الشَّاهِدَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا من صَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يعطى بِلَا يَمِينٍ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كما تعطى بِشَاهِدَيْنِ فَاجْعَلْ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَأَمَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَشَاهِدَانِ وَأَكْثَرُ من أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ وَأَعْدَلُ فَسَوَاءٌ من قِبَلِ أَنَّا نعطى بها عَطَاءً وَاحِدًا بِلَا يَمِينٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِآخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَجَعَلَهُ لِفُلَانٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالثُّلُثُ للاخر وَأَصْلُ هذا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ مِثْلُ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِيمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَدْفَعَانِ بِهِ عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَوْصَى بِهِ للاخر وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِمَا جَعَلْت الْأَوَّلَ الْمُنْتَزَعَ منه لَا شَيْءَ له بِشَهَادَةِ الْوَارِثَيْنِ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ انْتَزَعَهُ أَيْضًا من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي أَوْصَى له بِهِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ لِوَاحِدٍ فَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَعْطَاهُ آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ رَجَعَ عن أَحَدِهِمَا وَلَا يَدْرِي من هو فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وهو بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قال وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا قال إنْ قَتَلْت فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَشَهِدَ رَجُلَانِ على قَتْلِهِ وآخران على أَنَّهُ قد مَاتَ مَوْتًا بِغَيْرِ قَتْلٍ فَفِي قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَهَذَا قِيَاسٌ يقول بِهِ أَكْثَرُ الْمُفْتِينَ وَمَنْ قال لَا أَجْعَلُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا له الْقَتْلَ أَوْلَى من الَّذِينَ طَرَحُوا الْقَتْلَ عن الْقَاتِلِ وَلَا آخُذُ الْقَاتِلَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَا هُنَا من يُبَرِّئُهُ من قَتْلِهِ وَأَجْعَلُ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتُرًا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ إنْ مِتُّ في سَفَرِي هذا أو في مَرَضِي هذا أو سَنَتِي هذه أو بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَحَضَرَنِي الْمَوْتُ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ أو في بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ فلم يَمُتْ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا في ذلك الْبَلَدِ وَمَاتَ بَعْدُ قبل أَنْ يُحْدِثَ وَصِيَّةً وَلَا رَجْعَةً في هذا الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ هذا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على شَرْطٍ فلم يَكُنْ الشَّرْطُ فَلَا يَعْتِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ مِتُّ في رَمَضَانَ فَفُلَانٌ حُرٌّ وَإِنْ مِتُّ في شَوَّالٍ فَفُلَانٌ غَيْرُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ في رَمَضَانَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ في شَوَّالٍ ( 1 ) فَيَنْبَغِي في قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ للاخر لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ أَوَّلًا لم يَمُتْ ثَانِيًا وفي قَوْلِ من قال أَجْعَلُهَا تَهَاتُرًا فَنُبْطِلُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى عَبْدَانِ فقال أَحَدُهُمَا قال مَالِكِي إنْ مِتُّ من مرضى هذا فَأَنْتَ حُرٌّ وقال الْآخَرُ قال إنْ بَرِئْت من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَاتَ من مَرَضِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ بُرْئِهِ فَالشَّهَادَةُ مُتَضَادَّةٌ شَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ إنْ كَانُوا عُدُولًا فَإِنْ شَهِدُوا لِوَاحِدٍ بِدَعْوَاهُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ قال وَإِنْ شَهِدَ الْوَرَثَةُ لِوَاحِدٍ وَشَهِدَ الْأَجْنَبِيُّونَ لِوَاحِدٍ فَالْقِيَاسُ على ما وَصَفْت أَوَّلًا إلَّا أَنَّ الذي شَهِدَ له الْوَارِثُ يُعْتَقُ نَصِيبُ من شَهِدَ له بِالْعِتْقِ منهم على كل حَالٍ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنْ لَا رِقَّ له عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِعَبْدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ قال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فقال الْعَبْدُ مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك وقال الْوَارِثُ لم يَمُتْ منه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يأتى الْعَبْدُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ
____________________

(7/60)


- * الْأَيْمَانُ وَالنُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ في الْأَيْمَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال سُئِلَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ إنَّا نَقُولُ إنَّ الْكَفَّارَاتِ من أَمْرَيْنِ وَهُمَا قَوْلُك وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك إنْ كان جَائِزًا فِعْلُهُ وفي أَنْ تُكَفِّرَ وَتَدَعَهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فإنه يُؤْمَرُ بِالْكَفَّارَةِ وَيُنْهَى عن الْبِرِّ وَإِنْ فَعَلَ ( 1 ) ما يَجُوزُ له من ذلك بَرَّ ولم تَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ وَالثَّانِي قَوْلُك وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك وَعَلَيْك الْكَفَّارَةُ إنْ كان مِمَّا يَجُوزُ لَك فِعْلُهُ وَمُخَيَّرًا في الْإِقَامَةِ على تَرْكِ ذلك وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَكُونَ ما حَلَفَ عليه طَاعَةً لِلَّهِ عز وجل فَيُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ وَيُكَفِّرُ عن يَمِينِهِ وَنَقُولُ إن قَوْلَهُ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو قال وَعِزَّةِ اللَّهِ أو وَقُدْرَةِ اللَّهِ أو وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ أَنَّ عليه في ذلك كُلِّهِ كَفَّارَةً مِثْلَ ما عليه في قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَنَقُولُ إنَّهُ إنْ قال أَشْهَدُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو قال اللَّهِ أنه إنْ لم يَكُنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا في ذلك كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه وَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَمِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أو بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَالْكَعْبَةِ وَأَبِي وَكَذَا وَكَذَا ما كان فَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه وَمِثْلُ ذلك قَوْلُهُ لَعَمْرِي لَا كَفَّارَةَ عليه وَكُلُّ يَمِينٍ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عنها من قِبَلِ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَسْكُتْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا الزُّهْرِيُّ قال حدثنا سَالِمٌ عن أبيه قال سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فقال أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قال عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَاَللَّهِ ما حَلَفْت بها بَعْدَ ذلك ( 2 ) ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ من حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَرِهْت له وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ على كل حَالٍ إلَّا فِيمَا كان لِلَّهِ طَاعَةً مِثْلَ الْبَيْعَةِ على الْجِهَادِ وما أَشْبَهَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا منها فَوَاسِعٌ له وَأَخْتَارُ له أَنْ يأتى الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حَلَفَ على يَمِينٍ فرأي غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فقال وَاَللَّهِ لقد كان كَذَا وَكَذَا ولم يَكُنْ أو وَاَللَّهِ ما كان كَذَا وقد كان كَفَّرَ وقد أَثِمَ وَأَسَاءَ حَيْثُ عَمَدَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ بَاطِلًا فَإِنْ قال وما الْحُجَّةُ في أَنْ يُكَفِّرَ وقد عَمَدَ الْبَاطِلَ قِيلَ أَقَرَّ بها قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمِدَ الْحِنْثَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ في رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا فَأَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَنْفَعَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ جَعَلَ فيه الْكَفَّارَةَ وَمَنْ حَلَفَ وهو يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ ثُمَّ وَجَدَهُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الرَّجُلِ أُقْسِمُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قال أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَإِنْ كان يعنى حَلَفْت قَدِيمًا يَمِينًا بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنَّمَا هو خَبَرٌ عن يَمِينٍ مَاضِيَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بها يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ قال أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بها إيقَاعَ يَمِينٍ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بها مَوْعِدًا أَنَّهُ سَيُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَإِنَّمَا ذلك كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ أو سَوْفَ أَحْلِفُ وَإِنْ قال لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ غير الْيَمِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَعَمْرِي إنَّمَا هو لَحَقِّي فَإِنْ قال وَحَقِّ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ يُرِيدُ بهذا كُلِّهِ الْيَمِينَ أو لَا نِيَّةَ له فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم
____________________

(7/61)


يُرِدْ بها الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَحَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ على كل مُسْلِمٍ وَقُدْرَةُ اللَّهِ مَاضِيَةٌ عليه لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ لَا ينوى شيئا أو بِأَنْ ينوى يَمِينًا وإذا قال بِاَللَّهِ أو تَاللَّهِ في يَمِينٍ فَهُوَ كما وَصَفْت إنْ نَوَى يَمِينًا أو لم تَكُنْ له نِيَّةٌ وَإِنْ قال ( 1 ) وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ يَمِينًا إلَّا بِأَنْ ينوى يَمِينًا لِأَنَّ هذا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا يَمِينٌ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ وإذا قال أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يَنْوِ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ يَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وإذا قال أَشْهَدُ لم يَكُنْ يَمِينًا وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ قال أَعْزِمُ بِاَللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ إنَّمَا هِيَ أَعْزِمُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أو أَعْزِمُ بِعَوْنِ اللَّهِ على كَذَا وَكَذَا وَاسْتِحْلَافُهُ لِصَاحِبِهِ لَا يَمِينُهُ هو مِثْلُ قَوْلِك لِلرَّجُلِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ بهذا يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أو أَسْأَلُك بِاَللَّهِ يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ بها وَإِنْ لم يَنْوِ فَلَا شَيْءَ عليه وإذا قال على عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَكَفَالَتُهُ ثُمَّ حَنِثَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ ينوى بها يَمِينًا وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ لو تَكَلَّمَ بها لَا يَنْوِي يَمِينًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّ لِلَّهِ عليه عَهْدًا أَنْ يؤدى فَرَائِضَهُ وَكَذَلِكَ لِلَّهِ عليه مِيثَاقٌ بِذَلِكَ وَأَمَانَةٌ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الذِّمَّةُ وَالْكَفَالَةُ - * الِاسْتِثْنَاءُ في الْيَمِينِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في الذي يقول وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أنه إنْ كان أَرَادَ بِذَلِكَ الثُّنْيَا فَلَا يَمِينَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ إنْ فَعَلَ وَإِنْ لم يُرِدْ بِذَلِكَ الثُّنْيَا وَإِنَّمَا قال ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أو قال ذلك سَهْوًا أو اسْتِهْتَارًا فإنه لَا ثُنْيَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وهو قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وأنه إنْ حَلَفَ فلما فَرَغَ من يَمِينِهِ نَسَقَ الثُّنْيَا بها أو تَدَارَكَ الْيَمِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ يَمِينِهِ ولم يَصِلْ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْيَمِينِ فإنه إنْ كان نَسَقًا بها تِبَاعًا فَذَلِكَ له اسْتِثْنَاءٌ وَإِنْ كان بين ذلك صُمَاتٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من قال وَاَللَّهِ أو حَلَفَ بِيَمِينٍ ما كانت بِطَلَاقٍ أو عَتَاقٍ أو غَيْرِهِ أو أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا ثُمَّ قال إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى ولم يَقَعْ عليه شَيْءٌ من الْيَمِينِ وَإِنْ حَنِثَ وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ نَسَقًا وَإِنْ كان بَيْنَهُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ بين الْكَلَامِ لِلتَّذَكُّرِ أو الْعِيِّ أو النَّفَسِ أو انْقِطَاعِ الصَّوْتِ ثُمَّ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ يَأْخُذَ في كَلَامٍ ليس من الْيَمِينِ من أَمْرٍ أو نَهْيٍ أو غَيْرِهِ أو يَسْكُتَ السُّكَاتَ الذي يَبِينُ أَنَّهُ يَكُونُ قَطْعًا فإذا قَطَعَ ثُمَّ اسْتَثْنَى لم يَكُنْ له الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ أو خَرِسَ أو غَابَ لم يَفْعَلْ وَإِنْ قال لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إلَّا ان يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَعْلَمَ أَنَّ فُلَانًا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ ( 2 ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَحْنَثْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ أو غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ حتى يمضى وَقْتُ يَمِينِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ مَشِيئَةُ فُلَانٍ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا
____________________

(7/62)


إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَفْعَلْ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ فلم نَعْرِفْ شَاءَ أو لم يَشَأْ لم يَفْعَلْ فَإِنْ فَعَلَهُ لم أُحْنِثْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ شَاءَ - * لَغْوُ الْيَمِينِ - * قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ التي لَا كَفَّارَةَ فيها وَإِنْ حَنِثَ فيها صَاحِبُهَا أنها يَمِينٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ لها وَجْهَيْنِ وَجْهٌ يُعْذَرُ فيه صَاحِبُهُ وَيُرْجَى له أَنْ لَا يَكُونَ عليه فيها إثْمٌ لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ فيها على إثْمٍ وَلَا كَذِبٍ وهو أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ على الْأَمْرِ لقد كان ولم يَكُنْ فإذا كان ذلك جُهْدَهُ وَمَبْلَغَ عِلْمِهِ فَذَلِكَ اللَّغْوُ الذي وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فيه الْمُؤْنَةَ عن الْعِبَادِ وقال { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ اسْتِخْفَافًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي الذي لَيْسَتْ فيه كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الذي يَعْرِضُ من ذلك أَعْظَمُ من أَنْ يَكُونَ فيه كَفَّارَةٌ وَإِنَّهُ لَيُقَالُ له تَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْت من خَيْرٍ أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا عَمْرُو بن دِينَارٍ وبن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال ذَهَبْت أنا وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ إلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ في ثَبِيرَ فَسَأَلْنَاهَا عن قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ } قالت هو لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَغْوُ الْيَمِينِ كما قالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وذلك ( ( ( ذلك ) ) ) إذَا كان على اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ لَا يَعْقِدُ على ما حَلَفَ عليه وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا على الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ فَيَفْعَلَهُ أو لَيَفْعَلَنَّهُ فَلَا يَفْعَلْهُ أو لقد كان وما كان فَهَذَا آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ في عَمْدِ الْمَأْثَمِ فقال تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } وقال { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى { بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَمِثْلُ قَوْلِهِ في الظِّهَارِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ أَمَرَ فيه بِالْكَفَّارَةِ وَمِثْلُ ما وَصَفْت من سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ - * الْكَفَّارَةُ قبل الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ حَلَفَ على شَيْءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يُكَفِّرْ حتى يَحْنَثَ وَإِنْ كَفَّرَ قبل الْحِنْثِ بِإِطْعَامٍ رَجَوْت أَنْ يجزئ عنه وَإِنْ كَفَّرَ بِصَوْمٍ قبل الْحِنْثِ لم يُجْزِ عنه وَذَلِكَ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَقًّا على الْعِبَادِ في أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَالْحَقُّ الذي في أَمْوَالِهِمْ إذَا قَدَّمُوهُ قبل مَحَلِّهِ أَجْزَأَهُمْ وَأَصْلُ ذلك أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَلَّفَ من الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ قبل أَنْ يَدْخُلَ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قد قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قبل أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فَجَعَلْنَا الْحُقُوقَ التي في الْأَمْوَالِ قِيَاسًا على هذا فَأَمَّا الْأَعْمَالُ التي على الْأَبْدَانِ فَلَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالصَّلَاةِ التي لَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَالصَّوْمُ لَا يجزئ إلَّا في الْوَقْتِ أو قَضَاءً بَعْدَ الْوَقْتِ الْحَجُّ الذي لَا يجزئ الْعَبْدَ وَلَا الصَّغِيرَ من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا حَجَّا قبل أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا - * من حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عليها - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عليها في الْعِدَّةِ طَلُقَتْ بِالْحِنْثِ وَالطَّلَاقِ الذي أَوْقَعَ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا
____________________

(7/63)


إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَسَمَّى وَقْتًا فَإِنْ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ ولم يَتَزَوَّجْ عليها فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ في عِدَّتِهَا وَقَعَتْ عليها التَّطْلِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَإِنْ لم يُوَقِّتْ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَهَذَا على الْأَبَدِ لَا يَحْنَثُ حتى يَمُوتَ أو تَمُوتَ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَ عليها وما تَزَوَّجَ عليها من امْرَأَةٍ تُشْبِهُهَا أو لَا تُشْبِهُهَا خَرَجَ بها من الْحِنْثِ دخل بها أو لم يَدْخُلْ وَلَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ إلَّا تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ يَثْبُتُ فَأَمَّا تَزْوِيجٌ فَاسِدٌ فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ هو وَرِثَتْهُ ولم تَرِثْهُ في قَوْلِ من يُوَرِّثُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْمَرَضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ وهو قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ ( قال الرَّبِيعُ ) صَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا وَرَّثَ الزَّوْجَاتِ من الْأَزْوَاجِ وَأَنَّهُ إنْ آلَى من الْمَبْتُوتَةِ فَلَا يَكُونُ عليه إيلَاءٌ وَإِنَّ ظَاهَرَ فَلَا ظِهَارَ عليه وَإِنْ قَذَفَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَ ولم يَبْرَأْ من الْحَدِّ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا فلما زَعَمُوا أنها خَارِجَةٌ في هذه الْأَشْيَاءِ من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَاتِ لم نُوَرِّثْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْإِطْعَامُ في الْكَفَّارَاتِ في الْبُلْدَانِ كُلِّهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُجْزِئُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حِنْطَةٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَكُونَ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَإِنْ كان أَهْلُ بَلَدٍ يَقْتَاتُونَ الذُّرَةَ أو الْأُرْزَ أو التَّمْرَ أو الزَّبِيبَ أَجْزَأَ من كل جِنْسٍ وَاحِدٌ من هذا مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا قُلْنَا يُجْزِئُ هذا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى بِعَرَقِ تَمْرٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَالْعَرَقُ فِيمَا يُقَدَّرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أو عِشْرُونَ صَاعًا قِيلَ فَأَكْثَرُ ما قال بن الْمُسَيِّبِ مُدٌّ وَرُبُعٌ أو ثُلُثٌ وَإِنَّمَا هذا شَكٌّ أَدْخَلَهُ بن الْمُسَيِّبِ وَالْعَرَقُ كما وَصَفْت كان يُقَدَّرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَالْكَفَّارَاتُ بِالْمَدِينَةِ وَبِنَجْدٍ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على الْعِبَادِ فَرْضَيْنِ في شَيْءٍ وَاحِدٍ قَطُّ وَلَا يُجْزِئُ في ذلك إلَّا مَكِيلَةُ الطَّعَامِ وما أَرَى أَنْ يَجْزِيَهُمْ دَرَاهِمُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من قِيمَةِ الطَّعَامِ وما يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ من شَيْءٍ أَجْزَأَهُمْ منه مُدٌّ وَيُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُدُّ أَقِطٍ وَإِنْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ بَلَدٍ قُوتٌ من طَعَامٍ سِوَى اللَّحْمِ أَدَّوْا مُدًّا مِمَّا يَقْتَاتُ أَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ويعطى الْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةَ كُلَّ من لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ من قَرَابَتِهِ وَهُمْ من عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ إذَا كَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَهُمْ أَحَقُّ بها من غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان يُنْفِقُ عليهم مُتَطَوِّعًا أَعْطَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ له إذَا كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ من عَشَرَةٍ وَإِنْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا كان عليه أَنْ يُطْعِمَ عَاشِرًا أو يَكْسُوَ تِسْعَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ له أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً أو يَكْسُوَهُمْ وهو لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَكْسُوَ تِسْعَةً وَيُطْعِمَ وَاحِدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أَطْعَمَ عَشَرَةً وَلَا كَسَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كانت عليه ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَنِثَ فيها فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلَا يَنْوِي عن أَيُّهَا الْعِتْقَ وَلَا عن أَيُّهَا الْإِطْعَامَ وَلَا عن أَيُّهَا الْكِسْوَةَ أَجْزَأَهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَأَيَّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أو إطْعَامًا أو كِسْوَةً كان وما لم يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تَجْزِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ وَكَسَا وَأَطْعَمَ ولم يَسْتَكْمِلْ الْإِطْعَامَ أَكْمَلَهُ وَنَوَاهُ عن أَيِّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَسَا وَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ ولم يَنْوِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَةً لم تَكُنْ كَفَّارَةً لَا تُجْزِئُهُ حتى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قبل الْكَفَّارَةِ أو تَكُونَ مَعَهَا وَأَمَّا ما كان عَمِلَهُ قبل النِّيَّةِ فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا يَجْزِيهِ من الْكَفَّارَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ
____________________

(7/64)


الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِ الْمَأْمُورِ أو اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِهِ فَأَذِنَ له أَجْزَأَتْ عنه الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ لِأَنَّ دَفْعَهُ إيَّاهَا إلَى الْمَسَاكِينِ بِأَمْرِهِ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لِهِبَةٍ وَهَبَهَا له وَكَذَلِكَ إنْ قال أَعْتِقْ عَنِّي فَهِيَ هِبَةٌ فَإِعْتَاقُهُ عنه كَقَبْضِهِ ما وَهَبَ له وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ عنه لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ قبل الْعِتْقِ وكان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ كما لو اشْتَرَاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَعْتَقَهُ كان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَطَوَّعَ فَكَفَّرَ عن رَجُلٍ بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ ولم يَتَقَدَّمْ في ذلك أَمْرٌ من الْحَالِفِ لم يَجْزِ عنه وكان الْعِتْقُ عن نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هو الْمُعْتِقُ لِمَا يَمْلِكُ ما لم يَهَبْ لِغَيْرِهِ فَيَقْبَلَهُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عن أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَلَاءُ له إذَا لم يَكُنْ ذلك بِوَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ من أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَامَ عن رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لم يَجْزِهِ الصَّوْمُ عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ عَمَلَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلَا يجزئ عنها أَنْ يَعْمَلَ غَيْرُهَا ليس الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِالْخَبَرِ الذي جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَهُمَا على من وَجَدَ إلَيْهِمَا السَّبِيلَ وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ - * من لَا يُطْعَمُ من الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ إلَّا حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا فَإِنْ أَطْعَمَ منها ذِمِّيًّا مُحْتَاجًا أو حُرًّا مُسْلِمًا غير مُحْتَاجٍ أو عَبْدَ رَجُلٍ مُحْتَاجٍ لم يَجْزِهِ ذلك وكان حُكْمُهُ حُكْمَ من لم يَفْعَلْ شيئا وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ كان عليه أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كان له مَسْكَنٌ لَا يستغنى عنه هو وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أعطى من كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ كان له مَسْكَنٌ يَفْضُلُ عن حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَهْلِهِ الْفَضْلَ الذي يَكُونُ بمثله غَنِيًّا لم يُعْطَ - * ما يجزئ من الْكِسْوَةِ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقَلُّ ما يكفى من الْكِسْوَةِ كُلُّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ من عِمَامَةٍ أو سَرَاوِيلَ أو إزَارٍ أو مِقْنَعَةٍ وَغَيْرِ ذلك لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ يَقَعُ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا تَجُوزُ فيه الصَّلَاةُ من الْكِسْوَةِ على كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ في الشِّتَاءِ أو في الصَّيْفِ أو في السَّفَرِ من الْكِسْوَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عليه بِشَيْءٍ من هذا وإذا أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْسُوَ رِجَالًا وَنِسَاءً وَكَذَلِكَ يَكْسُوَ الصِّبْيَانَ وَإِنْ كَسَا غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ رَأَيْت عليه أَنْ يُعِيدَ الْكِسْوَةَ - * الْعِتْقُ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَعْتَقَ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أو في شَيْءٍ وَجَبَ عليه الْعِتْقُ لم يَجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَيَعْتِقُ فيها الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ وَأَقَلُّ ما يَقَعُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ على الْعَجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيَجْزِي فيه الصَّغِيرُ إذَا كان أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا مُؤْمِنًا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَيَجْزِي في الْكَفَّارَاتِ وَلَدُ الزنى وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا مِثْلِ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَشَلَلِ الْخِنْصَرِ وَالْعُيُوبِ التي لَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَيَجْزِي فيه الْعَرَجُ الْخَفِيفُ وَلَا يجزئ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا أَشَلُّ الرِّجْلِ يَابِسُهَا وَلَا الْيَدَيْنِ يَابِسُهُمَا وَيَجْزِي الْأَصَمُّ والخصى الْمَجْبُوبُ وَغَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَيَجْزِي الْمَرِيضُ الذي ليس بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ
____________________

(7/65)


مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسِّلِّ وما أَشْبَهَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْجَارِيَةُ حَامِلًا من زَوْجِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا فَأَعْتَقَهَا في كَفَّارَةٍ أَجْزَأَتْ عنه وَإِنَّمَا لَا تجزى في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ إيَّاهَا وَوَضْعِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا تَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَّا ما كان قبل ذلك فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ( قال ) وَمَنْ كانت عليه رَقَبَةٌ وَاجِبَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَقَبَةً تُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهَا بِغَيْرِ عِتْقٍ فَلَا تَجْزِي عنه وما كان يَجُوزُ له أَنْ يَمْلِكَهُ بِحَالِ أَجْزَأَ عنه وَلَا يُعْتَقُ عليه إلَّا الْآبَاءُ وَإِنْ بَعُدُوا وَالْبَنُونَ وَإِنْ سَفَلُوا وَالِدُونَ كلهم أو مَوْلُودُونَ وَسَوَاءٌ ذلك من قِبَلِ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ لِأَنَّ كُلَّهُمْ وَلَدٌ وَوَالِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ عِتْقِهَا لم تَجْزِ عنه من رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ عليه ( قال ) وَيَجْزِي الْمُدَبَّرُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَلَا يجزئ عنه الْمُكَاتَبُ حتى يَعْجِزَ فَيَعُودَ رَقِيقًا فَيَعْتِقَهُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَجْزِي الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وهو في أَضْعَفَ من حَالِ الْمُدَبَّرِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وهو مِمَّنْ لَا يجزئ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَيَعُودُ لِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ فَإِنْ كان الذي بَاعَهُ دَلَّسَ له بِعَيْبٍ عَادَ عليه فَأَخَذَ منه قِيمَةَ ما بَيَّنَهُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا من الثَّمَنِ وَإِنْ كان مَعِيبًا عَيْبًا يجزئ مِثْلُهُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَجْزَأَ عنه وَعَادَ على صَاحِبِهِ الذي بَاعَهُ بِقِيمَةِ ما بين الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا أَخَذَهُ من الْبَائِعِ وهو مَالٌ من مَالِهِ - * الصِّيَامُ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ من وَجَبَ عليه صَوْمٌ ليس بِمَشْرُوطٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في قَضَاءِ رَمَضَانَ { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } وَالْعِدَّةُ أَنْ يأتى بِعَدَدِ صَوْمٍ لَا وِلَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ وَالصَّائِمَةُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * من لَا يَجْزِيهِ الصِّيَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَجِبُ عليه من الْكَفَّارَةِ الْإِطْعَامُ أو الْكِسْوَةُ أو الْعِتْقُ من كان غَنِيًّا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ شيئا فَأَمَّا من كان له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا يَعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ كان غَنِيًّا وكان مَالُهُ غَائِبًا عنه لم يَكُنْ له أَنْ يُكَفِّرَ بِصَوْمٍ حتى يَحْضُرَهُ مَالُهُ أو يَذْهَبَ الْمَالُ إلَّا بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ - * من حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ أو حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الرَّجُلُ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لم يَكُنْ له أَنْ يَصُومَ وَلَا أَرَى الصَّوْمَ يجزئ عنه وامرته احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فإذا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في هذا إلَى الْوَقْتِ الذي يَحْنَثُ فيه وَلَوْ أَنَّهُ حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ لم يَصُمْ حتى أَيْسَرَ أَحْبَبْت له أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَصُومَ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُكَفِّرْ حتى أَيْسَرَ وَإِنْ صَامَ ولم يُكَفِّرْ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّ حُكْمَهُ حين حَنِثَ الصِّيَامُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْكَفَّارَةِ يوم يُكَفِّرُ فإذا كان مُعْسِرًا كان له أَنْ يَصُومَ وَإِنْ كان مُوسِرًا كان عليه أَنْ يُعْتِقَ ( قال ) وَلَا يُصَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا في شَيْءٍ وَجَبَ عليه من الصَّوْمِ بِإِيجَابِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ وَلَا يَوْمٍ لَا يَصْلُحُ صَوْمُهُ مُتَطَوِّعًا مِثْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَصِيَامِ ما سِوَاهَا من الْأَيَّامِ
____________________

(7/66)


- * من أَكَلَ أو شَرِبَ سَاهِيًا في صِيَامِ الْكَفَّارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُفْسِدُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ ما أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَلَا خِلَافَ بين ذلك فَمَنْ أَكَلَ فيها أو شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عليه وَمَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِدًا أُفْسِدَ الصَّوْمُ عليه لَا يُخْتَلَفُ إلَّا في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ على من جَامَعَ في رَمَضَانَ وَسُقُوطِهَا عَمَّنْ جَامَعَ في صَوْمٍ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا أو وَاجِبًا فإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ وَالصَّائِمَةُ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * الْوَصِيَّةُ بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَبِالزَّكَاةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِكَفَّارَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ في زَكَاةِ مَالٍ أو لَزِمَهُ حَجٌّ أو لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ من رَأْسِ الْمَالِ يُحَاصُّ بِهِ دُيُونُ الناس وَيُخْرَجُ عنه في ذلك أَقَلُّ ما يَكْفِي في مِثْلِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ في كَفَّارَةٍ ولم يَكُنْ في رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الطَّعَامَ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ الْعِتْقَ أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَحْمِلْهُ أُطْعِمَ عنه من رَأْسِ الْمَالِ وإذا أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ لم يُطْعَمْ عنه من رَأْسِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَفَّرَ الرَّجُلُ بِالطَّعَامِ أو بِالْكِسْوَةِ ثُمَّ اشْتَرَى ذلك فَدَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ منهم فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَوْ تَنَزَّهَ عن ذلك كان أَحَبَّ إلى - * كَفَّارَةُ يَمِينِ الْعَبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَإِنْ كان نِصْفُهُ عَبْدًا وَنِصْفُهُ حُرًّا وكان في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لم يَجْزِهِ الصِّيَامُ وكان عليه أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ مِمَّا يُصِيبُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ صَامَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَتْ عنه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّهُ يوم حَنِثَ كان حُكْمُهُ حُكْمَ الصِّيَامِ - * من نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز وجل - * ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كَمَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا لَا بُدَّ له منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلٌ آخَرُ أنه إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تَجْزِيهِ من ذلك إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك يا أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا هو قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي قال وَمَنْ هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أن كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ
____________________

(7/67)


أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فَرْضِ اللَّهِ عليه أو تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا على غَلْقِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْغَلْقِ وقد قال غَيْرُ عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا من مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تَشْرَعُ فيه قال فَأَتَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ قال وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ذلك فقال يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وظمأن فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حتى انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِيهَا لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال ) وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالِ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ له النِّسَاءُ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجُّ قَابِلٍ إذَا فَاتَهُ هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو نَاذِرًا له أو
____________________

(7/68)


كانت عليه حِجَّةُ الْإِسْلَامِ أو عُمْرَتُهُ أَنْ لَا يُجْزِئَ هذا الْحَجُّ من حَجَّ وَلَا عُمْرَةَ فإذا كان حُكْمُهُ ( 1 ) أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يُجْزِئَ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ ذلك مَاشِيًا فَلَا يَمْشِي لِأَنَّهُمَا جميعا حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مشي حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا أو غير مَاشٍ قال الرَّبِيعُ هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يمشى فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ البر بر ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَذَرَ فقال على الْمَشْيُ إلَى أفريقيه أو الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُرْتَجَى فيه الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلى لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وإلي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ وَالْبِرَّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ للادميين من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يَجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لم يَجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أَشَاءَ أو يَشَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا في يَوْمِي هذا أو يَشَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أمشى نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أو أَنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يأتى مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يأتى الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس بِالْحَرَمِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وَإِنْ قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ ليس على مَعَانِي الْغَلْقِ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا
____________________

(7/69)


نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا على الْبَيْتِ أو يَجْعَلَهُ في طِيبِ الْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يهدى ما لَا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى ثَمَنَهُ وَيَلِي الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ تَعْلِيقَهُ على الْبَيْتِ وَتَطْيِيبَهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك له وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى بَدَنَةً لم يَجْزِهِ فيها إلَّا ثنى من الابل أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّ إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزًى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يهدى مَكَانَهَا من الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما فَوْقَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى هَدْيًا وَنَوَى بِهِ بَهِيمَةً جَدْيًا رَضِيعًا أَهْدَاهُ إنَّمَا مَعْنَى الْهَدْيِ هَدِيَّةٌ وَكُلُّ هذا يَقَعُ عليه اسْمُ هدى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً عَوْرَاءَ أو عَمْيَاءَ أو عَرْجَاءَ أو ما لَا يَجُوزُ أُضْحِيَّةً أَهْدَاهُ وَلَوْ أَهْدَى تَامًّا كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا } فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ وَأَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بمثله أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من الصَّيْدِ فَيَجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ وَلَعَلَّهُ قبضة وقد سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٍ من الْحَرَمِ أهدي وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فإذا سَمَّى مَوْضِعًا من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ فإنه يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وإذا قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَامِي هذا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أو سُلْطَانٌ حَابِسٌ فَلَا قَضَاءَ عليه وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بِالْهَدْيِ وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بِالْهَدْيِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمُ صَبِيحَةِ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدَمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذلك الْيَوْمِ وَهَكَذَا لو قَدِمَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو صَائِمٌ ذلك الْيَوْمِ مُتَطَوِّعًا أو لم يَأْكُلْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أن جَائِزًا أَنْ يُصَامَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدَمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ رَمَضَانَ
____________________

(7/70)


أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِهِ لنذره ( ( ( كنذره ) ) ) وَقَضَائِهِ وَيَعُودَ لِصَوْمِهِ لِمَقْدَمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ وَلَا يَقْضِي ما لَا طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ يوم الِاثْنَيْنِ كان عليه قَضَاءُ الْيَوْمِ الذي قَدِمَ فيه فُلَانٌ وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ أو أَضْحًى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُهُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ من رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وقضي كُلَّ اثْنَيْنِ فِيهِمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أَوْجَبَ عليه صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضَتِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أو أَيَّامَ حَيْضَتِي فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أو صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَّا الْوِتْرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يَجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يروي عن عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةُ صَلَاةٍ وَنَذَرَ أَنْ يصلى صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةَ صَلَاةٍ بِمَا ذَكَرْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيَّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ - * فِيمَنْ حَلَفَ على سُكْنَى دَارٍ لَا يَسْكُنُهَا - * ( سُئِلَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ له فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هذه الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ من سَاعَةِ حَلَفَ وَلَا نَرَى عليه حِنْثًا في أَقَلَّ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ له نِيَّةٌ في تَعْجِيلِ الْخُرُوجِ قبل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنه حَانِثٌ إذَا أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو يقول نَوَيْت أَنْ لَا أَعْجَلَ حتى أَجِدَ مَنْزِلًا فَيَكُونُ ذلك له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَخَذَ في الْخُرُوجِ مَكَانَهُ فَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً وهو يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منها حَنِثَ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ منها بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ على حَمْلِ مَتَاعِهِ منها وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ لِأَنَّ ذلك ليس بِسَكَنٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ في الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وَهُمَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ ليس لها مَقَاصِيرُ كُلُّ بَيْتٍ يَدْخُلُهُ سَاكِنُهُ أو كانت لها مَقَاصِيرُ يَسْكُنُ كُلَّ مَقْصُورَةٍ منها سَاكِنُهَا وكان الْحَالِفُ مع الْمَحْلُوفِ عليه في بَيْتٍ منها أو في مَقْصُورَةٍ من مَقَاصِيرِهَا أو في حُجْرَةِ الْمَقْصُورَةِ دُونَ الْبَيْتِ وصاحبه ( ( ( وصاحب ) ) ) الْمَحْلُوفِ عليه في الْبَيْتِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مَكَانَهُ حين حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُهُ في الْبَيْتِ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ شَاءَ وَلَيْسَ له أَنْ يُسَاكِنَهُ في الْمَقْصُورَةِ التي كانت فيها الْيَمِينُ وَإِنْ كان معه في الْبَيْتِ وَلَيْسَ له مَقْصُورَةٌ أو له مَقْصُورَةٌ أو كان في مَقْصُورَةٍ دُونَ الْبَيْتِ وَالْآخَرُ في الْبَيْتِ دُونَ الْمَقْصُورَةِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ في الْبَيْتِ أو في الْمَقْصُورَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً كان حَانِثًا وَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ من ذلك لِغَيْرِ الْمُسَاكَنَةِ لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ إذَا خَرَجَ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ وَمَقَاصِيرِهَا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وهو سَاكِنٌ معه فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يَخْرُجُ منها مَكَانَهُ أو يَخْرُجُ الرَّجُلُ مَكَانَهُ فَإِنْ أَقَامَا جميعا سَاعَةً بعد ما أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه حَنِثَ وَإِنْ كَانَا في بَيْتَيْنِ فَجُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ أو لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْحُجْرَتَيْنِ بَابٌ فَلَيْسَتْ هذه مُسَاكَنَةٌ وَإِنْ كَانَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُسَاكَنَةُ أَنْ يَكُونَا في بَيْتٍ أو بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ فَأَمَّا إذَا افْتَرَقَ الْبَيْتَانِ وَالْحُجْرَتَانِ فَلَيْسَتْ مُسَاكَنَةً
____________________

(7/71)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ كُلِّهَا إذَا حَلَفَ لَا نِيَّةَ له إنَّمَا خَرَجَتْ الْيَمِينُ منه بِلَا نِيَّةٍ فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قال فَإِنَّا نَقُولُ إذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فَإِنَّا نَسْتَحِبُّ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِجَمِيعِ مَتَاعِهِ وَأَنْ لَا يُخَلِّفَ شيئا من مَتَاعِهِ وَإِنْ خَلَّفَ شيئا منه أو خَلَّفَهُ كُلَّهُ فَلَا حِنْثَ عليه فَإِنْ خَلَّفَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بَعْدُ وَالْمُسَاكَنَةُ التي حَلَفَ عليها هِيَ الْمُسَاكَنَةُ منه وَمِنْ عِيَالِهِ لِمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالنُّقْلَةُ وَالْمُسَاكَنَةُ على الْبَدَنِ دُونَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْمَتَاعِ فإذا حَلَفَ رَجُلٌ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ بِبَدَنِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ قِيلَ أَرَأَيْت إذَا سَافَرَ بِبَدَنِهِ أَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيَكُونُ من أَهْلِ السَّفَرِ أو رَأَيْت إذَا انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ بِبَدَنِهِ أَيَكُونُ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ إنْ تَمَتَّعُوا لم يَكُنْ عليهم دَمٌ فإذا قال نعم قِيلَ فَإِنَّمَا النُّقْلَةُ وَالْحُكْمُ على الْبَدَنِ لَا علي مَالٍ وَلَا على وَلَدٍ وَلَا على مَتَاعٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَتَرَكَهُ عليه بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّا نَرَاهُ حَانِثًا لِأَنَّهُ قد لَبِسَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فيه إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هذه الدَّابَّةَ وهو عليها فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا كان حَانِثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَمِثْلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إنْ لم يَنْزِعْهُ من سَاعَتِهِ إذَا أَمْكَنَهُ نَزْعُهُ حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً وهو رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ من هذا الصِّنْفِ قِيلَ فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ له وهو من أَهْلِ الْحَضَارَةِ فَسَكَنَ بَيْتًا من بُيُوتِ الشَّعْرِ فإنه إنْ كان لِيَمِينِهِ مَعْنًى يُسْتَدَلُّ عليه بِالْأَمْرِ الذي له حَلَفَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سمع بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عليهم بَيْتٌ فَعَمَّهُمْ تُرَابُهُ فَلَا شَيْءَ عليه في سُكْنَاهُ في بَيْتِ شَعْرٍ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حين حَلَفَ وَإِنْ كان إنَّمَا وَجْهُ يَمِينِهِ أَنَّهُ قِيلَ له إنَّ الشَّمْسَ مُحْتَجِبَةٌ وَإِنَّ السُّكْنَى في السُّطُوحِ وَالْخُرُوجَ من الْبُيُوتِ مَصَحَّةٌ وَيَسْرَةٌ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا فَإِنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَ بَيْتَ شَعْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وهو من أَهْلِ الْبَادِيَةِ أو أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلَا نِيَّةَ له فَأَيَّ بَيْتِ شَعْرٍ أو أَدَمٍ أو خَيْمَةٍ أو ما وَقَعَ عليه اسْمُ بَيْتٍ أو حِجَارَةٍ أو مَدَرٍ سَكَنَ حَنِثَ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَسَكَنَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ كانت الدَّارُ كُلُّهَا له فَسَكَنَ منها بَيْتًا حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارًا لِفُلَانٍ ولم يَنْوِ دَارًا بِعَيْنِهَا فَسَكَنَ دَارًا له فيها شِرْكٌ أَكْثَرُهَا كان له أو أَقَلُّهَا لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ حتى تَكُونَ الدَّارُ كُلُّهَا له خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَى فُلَانٌ وَآخَرُ معه طَعَامًا وَلَا نِيَّةَ له لم يَحْنَثْ وَلَا أَقُولُ بِقَوْلِكُمْ أنكم تَقُولُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ معه أنكم تُحْنِثُونَهُ إنْ أَكَلَ منه قبل أَنْ يَقْتَسِمَاهُ وَزَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمَا إنْ اقْتَسَمَاهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِمَّا صَارَ لِلَّذِي لم يَحْلِفْ عليه لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ وَالْقَوْلُ فيها على ما أَجَبْتُك في صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ قال فَإِنَّا نَقُولُ من حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَبَاعَهَا فُلَانٌ أنه إنْ كان عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ لِأَنَّهَا دَارُهُ لَا يَحْنَثُ إنْ سَكَنَهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ وَجَعَلَ تَسْمِيَتَهُ صَاحِبَهَا صِفَةً من صِفَاتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ هذه الدَّارُ الْمُزَوَّقَةُ فَذَهَبَ تَزْوِيقُهَا فَأَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ هذه بِعَيْنِهَا وَبَاعَهَا فُلَانٌ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على الدَّارِ حَنِثَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَكَنَهَا وَإِنْ مَلَكَهَا هو وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ ما كانت لِفُلَانٍ لم يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ من مِلْكِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ إذَا قال دَارُ فُلَانٍ هذه
____________________

(7/72)


- * فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ وَهَذَا الْبَيْتَ فَغُيِّرَ عن حَالِهِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ لو أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَهُدِمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا أو خَرِبَةً يَذْهَبُ الناس فيها ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ أنه إنْ كان في يَمِينِهِ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ وما أَرَادَ في يَمِينِهِ حُمِلَ على ما اسْتَدَلَّ بِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِذَلِكَ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا في دُخُولِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَانْهَدَمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا ثُمَّ دَخَلَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ من بَابِ هذه الدَّارِ فَحُوِّلَ بَابُهَا فَدَخَلَ من بَابِهَا هذا الْمُحْدَثِ إنَّهُ حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ من بَابِ هذه الدَّارِ وَلَا نِيَّةَ له فَحُوِّلَ بَابُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ منه لم يَحْنَثْ وَإِنْ كانت له نِيَّةٌ فَنَوَى من بَابِ هذه الدَّارِ في هذا الْمَوْضِعِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ حَنِثَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو قَمِيصٌ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أو سَرَاوِيلَ أو جُبَّةً إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بها على أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا وهو رِدَاءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أو اتَّزَرَ بِهِ أو ارْتَدَى بِهِ أو قَطَعَهُ قَلَانِسَ أو تَبَابِينَ أو حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ سَرَاوِيلَ فَاتَّزَرَ بها أو قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لُبْسٌ وهو يَحْنَثُ في هذا كُلِّهِ إذَا لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَإِنْ كانت له نِيَّةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا على نِيَّتِهِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْقَمِيصَ كما تُلْبَسُ الْقُمُصُ فَارْتَدَى بِهِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الرِّدَاءَ كما تُلْبَسُ الْأَرْدِيَةُ فَلَبِسَهُ قَمِيصًا لم يَحْنَثْ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبَ امْرَأَتِهِ وقد كانت مَنَّتْ بِالثَّوْبِ عليه أو ثَوْبَ رَجُلٍ مَنَّ عليه فَأَصْلُ ما أَبْنِي عليه أَنْ لَا أَنْظُرَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْنِثُ صَاحِبَهَا أو أُبِرُّهُ على مَخْرَجِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ وَالْأَيْمَانَ مُحْدَثَةٌ بَعْدَهَا فَقَدْ يَحْدُثُ على مِثَالِهَا وَعَلَى خِلَافِ مِثَالِهَا فلما كان هَكَذَا لم أُحْنِثْهُ على سَبَبِ يَمِينِهِ وَأُحْنِثُهُ على مَخْرَجِ يَمِينِهِ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا قال لِرَجُلٍ قد نَحَلْتُك دَارِي أو قد وَهَبْتُك مَالِي فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَمَا يَحْنَثُ إنْ لم يَضْرِبْهُ وَلَيْسَ حَلِفُهُ لَيَضْرِبَنَّهُ يُشْبِهُ سَبَبَ ما قال له فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ لِثَوْبِ امْرَأَتِهِ فَوَهَبَتْهُ له أو بَاعَتْهُ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا أو انْتَفَعَ بِهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا إلَّا بِلُبْسِهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى على ظَهْرِ بَيْتِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا من ظَهْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى فَوْقَهَا فلم يَدْخُلْهَا وَإِنَّمَا دُخُولُهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا منها أو عَرْصَتَهَا ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عليه وَإِنَّمَا فُلَانٌ سَاكِنٌ في ذلك الْبَيْتِ بِكِرَاءٍ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَيْتُهُ ما دَامَ سَاكِنًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ في بَيْتٍ بِكِرَاءٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس بَيْتَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَسْكَنَ فُلَانٍ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَسْكَنَ فُلَانٍ فَدَخَلَ عليه مَسْكَنًا بِكِرَاءٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنًا له يَمْلِكُهُ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَاحْتَمَلَهُ إنْسَانٌ فَأَدْخَلَهُ قَهْرًا فإنه إنْ كان غَلَبَهُ على ذلك ولم يَتَرَاخَ فَلَا حِنْثَ عليه إنْ كان حين قَدَرَ على الْخُرُوجِ خَرَجَ من سَاعَتِهِ فَأَمَّا إنْ أَقَامَ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ خَرَجَ فإن هذا حَانِثٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هو أَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ تَرَاخَى أو لم يَتَرَاخَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال إنَّمَا حَلَفْت أَنْ لَا أَدْخُلَهَا وَنَوَيْت شَهْرًا أنا نَرَى عليه أَنَّهُ إنْ كانت
____________________

(7/73)


عليه في يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ فإنه لَا يُصَدَّقُ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ كان لَا بَيِّنَةَ عليه في يَمِينِهِ قُبِلَ ذلك منه مع يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال نَوَيْت شَهْرًا أو يَوْمًا فَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَمَّا في الْحُكْمِ فَمَتَى دَخَلَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه فُلَانٌ ذلك بَيْتًا إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ أَقَامَ معه في الْبَيْتِ حين دخل عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس يُرَادُ بِالْيَمِينِ في مِثْلِ هذا الدُّخُولُ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ الْمُجَالَسَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه وَأَنَّهُ كان هو في الْبَيْتِ أَوَّلًا ثُمَّ دخل عليه الْآخَرُ فَلَا حِنْثَ عليه وإذا كان هذا هَكَذَا نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا إذَا كان الْمَحْلُوفُ عليه هو الدَّاخِلُ عليه بَعْدَ دُخُولِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْآخَرُ بَيْتَهُ فَأَقَامَ معه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ عليه ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على جَارٍ له بَيْتَهُ فإذا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عليه في بَيْتِ جَارِهِ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عليه وَسَوَاءٌ كان الْبَيْتُ له أو لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ إنْ دخل عليه مَسْجِدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْمَسْجِدَ في يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على رَجُلٍ غَيْرِهِ بَيْتًا فَوَجَدَ ذلك الْمَحْلُوفَ عليه في ذلك الْبَيْتِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس على ذلك دخل ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أنه يَحْنَثُ إذَا دخل عليه لِأَنَّهُ قد دخل عليه بَيْتًا كما حَلَفَ وَإِنْ كان قد قَصَدَ بِالدُّخُولِ على غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ في الْبَيْتِ فَدَخَلَ عليه حَنِثَ في قَوْلِ من يُحْنِثُ على غَيْرِ النِّيَّةِ وَلَا يَرْفَعُ الْخَطَأَ فَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْمَسْجِدَ لم يَحْنَثْ بِحَالٍ - * من حَلَفَ على أَمْرَيْنِ أَنْ يَفْعَلَهُمَا أو لَا يَفْعَلَهُمَا فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا - * ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ فَكَسَاهَا أَحَدَهُمَا أَنَّهُ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى في يَمِينِهِ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا جميعا لِحَاجَتِهِ إلَى أَحَدِهِمَا أو لِأَنَّهَا لَا حَاجَةَ لها فِيهِمَا جميعا فقال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت فَتَكُونَ له نِيَّتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أو هذه الْأَثْوَابَ الثَّلَاثَةَ فَكَسَاهَا أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أو أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أو كَسَاهَا من الثَّلَاثَةِ اثْنَيْنِ وَتَرَكَ وَاحِدًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَيْنِ الْقُرْصَيْنِ فَأَكَلَهُمَا إلَّا قَلِيلًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يأتى على الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ حَلَفَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْوِي أَنْ لَا يَكْسُوَهَا من هذه الْأَثْوَابِ شيئا أو لَا يَأْكُلَ من هذا الطَّعَامِ شيئا فَيَحْنَثَ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هذه الأداوة وَلَا مَاءَ هذا النَّهْرِ وَلَا مَاءَ هذا الْبَحْرِ كُلَّهُ فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ الأداوة كُلَّهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ كُلَّهُ وَلَا مَاءَ الْبَحْرِ كُلَّهُ وَلَكِنَّهُ لو قال لَا أَشْرَبُ من مَاءِ هذه الأداوة وَلَا من مَاءِ هذا النَّهْرِ وَلَا من مَاءِ هذا الْبَحْرِ فَشَرِبَ منه شيئا حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ فَيَحْنَثَ على قَدْرِ نِيَّتِهِ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت خُبْزًا وَزَيْتًا فَأَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ مع الْخُبْزِ سِوَى الزَّيْتِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَكَلَ بِهِ الزَّيْتَ سِوَى الْخُبْزِ فإنه ليس بِحَانِثٍ وَكَذَلِكَ لو قال لَا آكُلُ زَيْتًا وَلَحْمًا فَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَكَلَ مع اللَّحْمِ سِوَى الزَّيْتِ ( قال ) فانا نَقُولُ لِمَنْ قال لِأَمَتِهِ أو امْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ولم تَدْخُلْ الْأُخْرَى أنه حَانِثٌ وَإِنْ قال إنْ لم تَدْخُلِيهِمَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّا لَا نُخْرِجُهُ من يَمِينِهِ إلَّا بِدُخُولِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أو لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ لم يَحْنَثْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِأَنْ تَدْخُلَهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عليها من هذا الْوَجْهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا فَإِنْ شَاءَا جميعا الْحُرِّيَّةَ
____________________

(7/74)


فَهُمَا حُرَّانِ وَإِنْ شَاءَا جميعا الرِّقَّ فَهُمَا رَقِيقَانِ وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا الْحُرِّيَّةَ وَشَاءَ الْآخَرُ الرِّقَّ فَاَلَّذِي شَاءَ الْحُرِّيَّةَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَلَا حُرِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ هذا لِلَّذِي لم يَشَأْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا لم يُعْتَقَا إلَّا بِأَنْ يَشَاءَا مَعًا ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لم يُعْتَقَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ كان قال لَهُمَا أَيُّكُمَا شَاءَ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا شَاءَ فَهُوَ حُرٌّ شَاءَ الْآخَرُ أو لم يَشَأْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَقَضَاهُ بَعْضَ حَقِّهِ أنه لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْصَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ حَقٌّ فَحَلَفَ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَهَبَنَّ لَك عَبْدًا من يَوْمِك فَقَضَاهُ حَقَّهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا أو فَلْسًا في ذلك الْيَوْمِ كُلِّهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ قبل أَنْ يَمُرَّ الْيَوْمُ الذي قَضَاهُ فيه آخِرَ حَقِّهِ وَلَا يَهَبُ له عَبْدًا - * من حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمًا له حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ منه أو أَفْلَسَ أنه حَانِثٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حتى يَأْخُذَ حَقَّهُ منه فَفَرَّ منه غَرِيمُهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُفَارِقْهُ هو وَلَوْ كان قال لَا أَفْتَرِقُ أنا وهو حَنِثَ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس فَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حتى يَأْخُذَ منه حَقَّهُ فَأَفْلَسَ فَيَحْنَثُ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ عن الناس وَالْخَطَأَ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عَنْهُمْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لِغَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ على غَرِيمٍ له آخَرَ أنه إنْ كان فَارَقَهُ بَعْدَ الْحَمَالَةِ فإنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى فَفَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ لِمَا أَحَالَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ بَعْدُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ لم يُفَرِّطْ فيه حتى فَرَّ منه فَهُوَ مُكْرَهٌ فَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الرَّجُلَ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بَعْدُ على رَجُلٍ غَيْرِهِ فَأَبْرَأَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ وَإِنْ كان حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَلَهُ عليه حَقٌّ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ وان لم يَسْتَوْفِ أَوَّلًا بِالْحَمَالَةِ فَقَدْ بريء بِالْحَوَالَةِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ منه فَاسْتَوْفَاهُ فلما افْتَرَقَا أَصَابَ بَعْضَهَا نُحَاسًا أو رَصَاصًا أو نَقْصًا بَيِّنًا نُقْصَانُهُ أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ وأنه إنْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان يسوي ما أَخَذَهُ بِهِ وهو قِيمَتُهُ لو أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ ولم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى واذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَخَذَ منه حَقَّهُ فِيمَا يَرَى ثُمَّ وَجَدَ دَنَانِيرَهُ زُجَاجًا أو نُحَاسًا حَنِثَ في قَوْلِ من لم يَطْرَحْ عن الناس الْخَطَأَ في الْأَيْمَانِ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من يَطْرَحْ عن الناس ما لم يَعْمِدُوا عليه في الْأَيْمَانِ لِأَنَّ هذا لم يَعْمِدْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا وَفَاءَ حَقِّهِ وهو قَوْلُ عَطَاءٍ أنه يُطْرَحُ عن الناس الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَرَوَاهُ عَطَاءٌ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ فَأَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان الْعَرَضُ الذي أَخَذَ قِيمَةَ ما له عليه من الدَّنَانِيرِ لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عليه من الدَّنَانِيرِ حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى آخُذَ حَقِّي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حتى لَا يَبْقَى عَلَيْك من حَقِّي شَيْءٌ فَأَخَذَ منه عَرَضًا يسوي أو لَا يسوي بريء ولم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ شيئا وَرَضِيَهُ من حَقِّهِ وبريء ( ( ( وبرئ ) ) ) الْغَرِيمُ من حَقِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت نِيَّتُهُ حتى أستوفى ما أَرْضَى بِهِ من جَمِيعِ حَقِّي وَكَذَلِكَ إنْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك فَوَهَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ لِلْحَالِفِ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو دَفَعَ بِهِ إلَيْهِ سِلْعَةً
____________________

(7/75)


لم يَحْنَثْ إنْ كانت نِيَّتُهُ حين حَلَفَ أَنْ لَا يَبْقَى على شَيْءٌ من حَقِّك لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ شيئا رَضِيَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَلَا يَبْرَأُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ ما كان إنْ كانت دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ أو دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ لِأَنَّ ذلك حَقُّهُ وَلَوْ أَخَذَ فيه أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لم يَبْرَأْ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ حَقِّهِ وَحَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي كَانَا فيه وَمَجْلِسِهِمَا - * من حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أنه إنْ اسْتَثْنَى في حَمَالَتِهِ أَنْ لَا مَالَ عليه فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ لم يَسْتَثْنِ ذلك فَعَلَيْهِ الْمَالُ وهو حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّفْسَ غَيْرُ الْمَالِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلٍ له بِكَفَالَةٍ عن رَجُلٍ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُ الذي حَلَفَ عليه فإنه إذَا لم يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ولم يَكُنْ ذلك الرَّجُلُ من وُكَلَائِهِ وَحَشَمِهِ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ من سَبَبِهِ فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ كان مِمَّنْ عَلِمَ ذلك منه فإنه حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ يَكُونُ له عليه فيها سَبِيلٌ لِنَفْسِهِ فَإِنْ نَوَى هذا فَكَفَلَ لِوَكِيلٍ له في مَالٍ لِلْمَحْلُوفِ حَنِثَ وَإِنْ كان كَفَلَ في غَيْرِ مَالِ الْمَحْلُوفِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ كَفَلَ لِوَالِدِهِ أو زَوْجَتِهِ أو ابْنِهِ لم يَحْنَثْ - * من حَلَفَ في أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ غَدًا فَفَعَلَهُ الْيَوْمَ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أنه لَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ لم يُرِدْ بِيَمِينِهِ الْغَدَ إنَّمَا أَرَادَ وَجْهَ الْقَضَاءِ فإذا خَرَجَ الْغَدُ عنه وَلَيْسَ عليه فَقَدْ بَرَّ وهو قَوْلُ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَعَجَّلَ له حَقَّهُ الْيَوْمَ فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ من قِبَلِ أَنَّ قَضَاءَ غَدٍ غَيْرُ قَضَائِهِ الْيَوْمَ كما يقول وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّكَ غَدًا فَكَلَّمَهُ الْيَوْمَ لم يَبَرَّ وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حين عَقَدَ الْيَمِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ غَدٌ حتى أَقْضِيَك حَقَّك فَقَضَاهُ الْيَوْمَ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ الْيَوْمَ وَبَعْضَهُ غَدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ لم يَأْكُلْهُ كُلَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبِسَاطُ مُحَالٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ السَّبَبُ بِسَاطُ الْيَمِينِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ من غَزْلِ امْرَأَتِهِ فَبَاعَتْ الْغَزْلَ وَاشْتَرَتْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ حَانِثٌ لِأَنَّ بِسَاطَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ من غَزْلِهَا فإذا أَكَلَ منه فَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ وهو عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحَالٌ ( قال الرَّبِيعُ ) قد خَرَقَ الشَّافِعِيُّ الْبِسَاطَ وَحَرَقَهُ بِالنَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فقال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الطَّعَامَ غَدًا أو لَأَلْبَسَنَّ هذه الثِّيَابَ غَدًا أو لَأَرْكَبَنَّ هذه الدَّوَابَّ غَدًا فَمَاتَتْ الدَّوَابُّ وَسُرِقَ الطَّعَامُ وَالثِّيَابُ قبل الْغَدِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى طَرْحِ الْإِكْرَاهِ عن الناس طَرَحَ هذا قِيَاسًا على الْإِكْرَاهِ فَإِنْ قِيلَ فما يُشْبِهُهُ من الْإِكْرَاهِ قِيلَ لَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عن الناس أَعْظَمَ ما قال أَحَدٌ الْكُفْرَ بِهِ أَنَّهُمْ إذَا أُكْرِهُوا عليه فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ مَغْفُورًا لهم مَرْفُوعًا عَنْهُمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { من كَفَرَ بِاَللَّهِ من بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا من أُكْرِهَ } الْآيَةَ وكان الْمَعْنَى الذي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كما لم يَقُلْ في الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هو أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه فإذا تَلِفَ ما حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فيه شيئا فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه وَهَذَا في أَكْثَرَ من مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَمَنْ أَلْزَمَ الْمُكْرَهَ يَمِينَهُ ولم يَرْفَعْهَا عنه كان حَانِثًا في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَمَاتَ من الْغَدِ بِعِلْمِهِ أو بِغَيْرِ عِلْمِهِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ
____________________

(7/76)


وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عليه لِمَا احْتَجَجْت بِهِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ أنه لَا حِنْثَ عليه وَلَا يَمِينَ عليه لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ من قِبَلِ أَنَّ الْحِنْثَ لم يَكُنْ حتى مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَيَقْضِيَنَّهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ الذي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أن له لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الذي يقول إلَى رَمَضَانَ له لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قال إلَى رَمَضَانَ أو إلَى هِلَالِ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ ذلك الشَّهْرِ فَإِنْ قال له إلَى أَنْ يَهُلَّ الْهِلَالُ فَلَهُ لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أو عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَجَبَ عليه أَنْ يَقْضِيَهُ حين يَهُلُّ الْهِلَالُ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَخَرَجَتْ اللَّيْلَةُ التي يَهُلُّ فيها الْهِلَالُ حَنِثَ كما يَحْنَثُ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ يوم الِاثْنَيْنِ فَغَابَتْ الشَّمْسُ يوم الِاثْنَيْنِ حَنِثَ وَلَيْسَ حُكْمُ اللَّيْلَةِ حُكْمَ الْيَوْمِ وَلَا حُكْمُ الْيَوْمِ حُكْمَ اللَّيْلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى رَمَضَانَ فلم يَقْضِهِ حَقَّهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ رَمَضَانَ حَنِثَ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَّ بِالْهِلَالِ كما تَقُولُ في ذِكْرِ حَقِّ فُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا إلَى هِلَالِ كَذَا وَكَذَا فإذا هَلَّ الْهِلَالُ فَقَدْ حَلَّ الْحَقُّ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ أو إلَى زَمَانٍ أو إلَى دَهْرٍ إنَّ ذلك كُلَّهُ سَوَاءٌ وَإِنَّ ذلك سَنَةً سَنَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ فَلَيْسَ في الْحِينِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ يَبَرُّ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحِينَ يَكُونُ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلِّهَا وما هو أَقَلُّ منها إلَى يوم الْقِيَامَةِ والفتيا ( ( ( الفتيا ) ) ) لِمَنْ قال هذا أَنْ يُقَالَ له إنَّمَا حَلَفْت على ما لَا تَعْلَمْ وَلَا نَعْلَمْ فَنُصَيِّرُك إلَى عِلْمِنَا وَالْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قبل انْقِضَاءِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عليه من حِينِ حَلَفْت وَلَا تَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّهُ ليس لِلْحِينِ غَايَةٌ وَكَذَلِكَ الزَّمَانُ وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ وَكَذَا كُلُّ كَلِمَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ليس لها ظَاهِرٌ يَدُلُّ عليها وَكَذَلِكَ الْأَحْقَابُ - * من حَلَفَ على شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ هو الْمُشْتَرِي إذَا أَمَرَ من يَشْتَرِي له إلَّا أَنْ يَكُونَ له في ذلك نِيَّةٌ أو يَكُونَ يَمِينُهُ على أَمْرٍ قد عَرَفَ وَجْهَهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ هو لِأَنَّهُ قد غُبِنَ غير مَرَّةٍ في اشْتِرَائِهِ فإذا كان كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَانِثٍ وإذا كان إنَّمَا كَرِهَ شِرَاءَ الْعَبْدِ أَصْلًا فَأَرَاهُ حَانِثًا وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَاعَهَا أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ وَلَا يَشْتَرِيَ له لِأَنَّهُ لم يَكُنْ وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ وَاَلَّذِي وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الذي وَلِيَ عَقْدَ شِرَائِهِ لو زَادَ في ثَمَنِهِ على ما يُبَاعُ بِهِ مِثْلُهُ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس فيه أو بريء من عَيْبٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وكان للامر أَنْ لَا يَأْخُذَ لِشِرَاءِ غَيْرِهِ غير شِرَائِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَجَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا وَكَذَلِكَ لو جَعَلَ أَمْرَهَا إلَى غَيْرِهَا فَطَلَّقَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى لَيَضْرِبَنَّ بِأَمْرِهِ وَهَكَذَا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ في مِثْلِ هذا قَوْلٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ فإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَإِنْ كان مِمَّا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَلَا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَهُ
____________________

(7/77)


بيده فَإِنْ كان مِثْلَ الْوَالِي أو مِمَّنْ لَا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُ فإذا أَمَرَ فَضُرِبَ فَقَدْ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَبِيعُ لِرَجُلٍ شيئا فَدَفَعَ الْمَحْلُوفُ عليه سِلْعَةً إلَى رَجُلٍ فَدَفَعَ ذلك الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إلَى الْحَالِفِ فَبَاعَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهَا لِلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا له إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً يَمْلِكُهَا فُلَانٌ فَيَحْنَثَ فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له رَجُلٌ سِلْعَةً فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لِيَبِيعَهَا فَدَفَعَ ذلك الْغَيْرُ إلَى الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له السِّلْعَةَ لم يَحْنَثْ الْحَالِفُ من قِبَلِ أَنَّ بَيْعَ الثَّالِثِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ له فَلَيْسَ له أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ وَلَوْ كان حين وَكَّلَهُ أَجَازَ له أَنْ يُوَكِّلَ من رَآهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَبَاعَهَا فَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ لي بِأَمْرِي لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا بِحَالٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد بَاعَهَا - * من قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قال لها قبل أَنْ تَسْأَلَهُ الْإِذْنَ أو بَعْدَ ما سَأَلَتْهُ إيَّاهُ قد أَذِنْت لَك فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ لها ولم تَعْلَمْ وَأَشْهَدَ على ذلك لم يَحْنَثْ لأنها ( ( ( لأنه ) ) ) قد خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لم تَعْلَمْ فَأَحَبُّ إلى في الْوَرَعِ أَنْ لو حَنَّثَ نَفْسَهُ من قِبَلِ أنها عَاصِيَةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا حين خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كان قد أَذِنَ لها فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تُحَنِّثْهُ وَهِيَ عَاصِيَةٌ وَلَا تَجْعَلْهُ بَارًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا بِعِلْمِهَا بِإِذْنِهِ قِيلَ أَرَأَيْت رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا حَقًّا أو كان له عليه دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ وَالْغَاصِبُ الْمُحَلَّلُ لَا يَعْلَمُ أَمَا يَبْرَأُ من ذلك أَرَأَيْت أَنَّهُ لو مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَا يَبْرَأُ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال لها اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت فَخَرَجَتْ ولم يَعْلَمْ فإنه سَوَاءٌ قال لها في يَمِينِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي أو لم يَقُلْ لها إلَى مَوْضِعٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ إذَا قال إنْ خَرَجْت ولم يَقُلْ إلَى مَوْضِعٍ فَإِنَّمَا هو إلَى مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يَقُلْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك كُلِّهِ أَقُولُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا في عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَأَذِنَ لها في عِيَادَةِ مَرِيضٍ ثُمَّ عَرَضَتْ لها حَاجَةٌ غَيْرُ الْعِيَادَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْمَرِيضِ فَذَهَبَتْ فيها فإنه إذَا أَذِنَ لها إلَى عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِ ذلك لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا حِنْثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك أَقُولُ إنَّهُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا ( 1 ) نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْخُرُوجِ إلَّا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ من غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لها إلَى حَمَّامٍ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو إنْ خَرَجْت إلَى مَكَان أو إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَالْيَمِينُ على مَرَّةٍ فَإِنْ أَذِنَ لها مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد بَرَّ مَرَّةً فَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لها فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَكِنَّهُ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو طَالِقٌ في كل وَقْتٍ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي كان هذا على كل خَرْجَةٍ فَأَيَّ خَرْجَةٍ خَرَجَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ حَانِثٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى خَرَجْت كان هذا على مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له فَمَاتَ الذي حَلَفَ على إذْنِهِ فَدَخَلَهَا حَنِثَ وَلَوْ لم يَمُتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ له ثُمَّ رَجَعَ عن الْإِذْنِ فَدَخَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له مَرَّةً ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ أنه يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على حِنْثٍ حتى يَضْرِبَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَبِيعُهُ إنْ شَاءَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على بِرٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/78)


من حَنِثَ بِعِتْقٍ وَلَهُ مُكَاتَبُونَ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ من عَبِيدٍ يَحْنَثُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا في الْمُكَاتَبِ فَلَا يَحْنَثُ فيه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ في مَمَالِيكِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْحُكْمِ أَنَّ مُكَاتَبَهُ خَارِجٌ عن مِلْكِهِ بِمَعْنًى دَاخِلٍ فيه بِمَعْنَى فَهُوَ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عليه فَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ مَالِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ الْفِطْرِ فيه وَلَيْسَ هَكَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ كُلُّ أُولَئِكَ دَاخِلٌ في مِلْكِهِ له أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَلَهُ أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عليهم وَتَكُونُ عليه الزَّكَاةُ في أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بقى عليه من كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ فَإِنَّمَا يعنى عَبْدًا في حَالٍ دُونَ حَالٍ لِأَنَّهُ لو كان عَبْدًا بِكُلِّ حَالٍ كان مُسَلَّطًا على بَيْعِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ وما وَصَفْت من أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فلما مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لم يَعُدْ ثَانِيَةً وَهَذَا قد وَقَعَ حِنْثُهُ مَرَّةً فَهُوَ لَا يُعْتَقُ عليه وَلَا يَعُودُ عليه الْحِنْثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَأْكُلَ الرُّءُوسَ وَأَكَلَ رؤوس الْحِيتَانِ أو رؤوس الْجَرَادِ أو رؤوس الطَّيْرِ أو رؤوس شَيْءٍ يُخَالِفُ رؤوس الْبَقَرِ أو الْغَنَمِ أو الْإِبِلِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّ الذي يَعْرِفُ الناس إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ أنها الرُّءُوسُ التي تُعْمَلُ مُتَمَيِّزَةً من الْأَجْسَادِ يَكُونُ لها سُوقٌ كما يَكُونُ لِلَّحْمِ سُوقٌ فَإِنْ كانت بِلَادٌ لها صَيْدٌ وَيَكْثُرُ كما يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ وَيُمَيَّزُ لَحْمُهَا من رُءُوسِهَا فَتُعْمَلُ كما تُعْمَلُ رؤوس الْأَنْعَامِ فَيَكُونُ لها سُوقٌ على حِدَةٍ وَلِلَحْمِهَا سُوقٌ على حِدَةٍ فَحَلَفَ حَنِثَ بها وَهَكَذَا إنْ كان ذلك يُصْنَعُ بِالْحِيتَانِ وَالْجَوَابُ في هذا إذَا لم يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ فإذا كان له نِيَّةٌ حَنِثَ وَبَرَّ على نِيَّتِهِ وَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ بِأَيِّ رَأْسٍ ما كان وَالْبَيْضُ كما وَصَفْت هو بَيْضُ الدَّجَاجِ والأوز وَالنَّعَامِ فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِأَنَّ الْبَيْضَ الذي يُعْرَفُ هو الذي يُزَايِلُ بَائِضَهُ فَيَكُونُ مَأْكُولًا وَبَائِضُهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَكُونُ هَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذًا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا ياكل لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَحْمٌ ليس له اسْمٌ دُونَ اللَّحْمِ وَلَا يَحْنَثُ في الْحُكْمِ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَهُ غَيْرُ اسْمِهِ فَالْأَغْلَبُ عليه الْحُوتُ وَإِنْ كان يَدْخُلُ في اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ في الْوَرَعِ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ عنه وإذا نَذَرَ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أو لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَهُ فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْ الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَاللَّبَنُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَشَرِبَهُ أو لَا يَشْرَبَهُ فَأَكَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ السَّمْنَ بِالْخُبْزِ أو بِالْعَصِيدَةِ أو بِالسَّوِيقِ حَنِثَ لِأَنَّ السَّمْنَ هَكَذَا لَا يُؤْكَلُ إنَّمَا يُؤْكَلُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مَأْكُولًا إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ على أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُنْفَرِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذه التَّمْرَةِ فَوَقَعَتْ في التَّمْرِ فَأَكَلَ التَّمْرَ كُلَّهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد أَكَلَهَا وَإِنْ بقى من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ أو هَلَكَتْ من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسْتَيْقِنُ أنها فِيمَا أَكَلَ وَهَذَا في الْحُكْمِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَأْكُلَ منه شيئا إلَّا حَنَّثَ نَفْسَهُ إنْ أَكَلَهُ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذا الدَّقِيقَ وَلَا هذه الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهُ حِنْطَةً أو دَقِيقًا حَنِثَ وإذا خَبَزَ الدَّقِيقَ أو عَصَدَهُ فَأَكَلَهُ أو طَحَنَ الْحِنْطَةَ أو خَبَزَهَا أو قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ هذا لم يَأْكُلْ دَقِيقًا وَلَا حِنْطَةً إنَّمَا أَكَلَ شيئا قد حَالَ عنهما بِصَنْعَةٍ حتى لَا يَقَعَ عليه اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا أو لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا لم يَحْنَثْ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أو لَا يَأْكُلَ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أو لَا يَأْكُلَ بَلَحًا فَأَكَلَ بُسْرًا أو لَا يَأْكُلَ طَلْعًا فَأَكَلَ بَلَحًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كان أَصْلُهُ وَاحِدًا وَهَكَذَا إنْ قال لَا آكُلُ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا أو قال
____________________

(7/79)


لَا آكُلُ خَلًّا فَأَكَلَ مَرَقًا فيه خَلٌّ فَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّ الْخَلَّ مُسْتَهْلَكٌ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ شيئا فَذَاقَهُ وَدَخَلَ بَطْنَهُ لم يَحْنَثْ بِالذَّوْقِ لِأَنَّ الذَّوْقَ غَيْرُ الشُّرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَسَلَّمَ على قَوْمٍ وهو فِيهِمْ لم يَحْنَثْ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ فِيمَنْ سَلَّمَ عليهم قال الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ فِيمَا أَعْلَمُ أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ بِقَلْبِهِ في أَنْ لَا يُسَلِّمَ عليه خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَرَّ عليه فَسَلَّمَ عليه وهو عَامِدٌ لِلسَّلَامِ عليه وهو لَا يَعْرِفُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ فَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَلَا يُحَنِّثُهُ فإنه يَذْهَبُ إلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَضَعَ عن الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وفي قَوْلِ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فإرسل إلَيْهِ رَسُولًا أو كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلَامِ وَإِنْ كان يَكُونُ كَلَامًا في حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وما كان لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أو من وَرَاءِ حِجَابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشَاءُ } الْآيَةَ وقال إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في الْمُنَافِقِينَ { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قد نَبَّأَنَا اللَّهُ من أَخْبَارِكُمْ } وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الذي يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُخْبِرُهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِوَحْيِ اللَّهِ وَمَنْ قال لَا يَحْنَثُ قال إنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ بِالْمُوَاجَهَةِ أَلَا تَرَى لو هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كانت الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عليه فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ أو أَرْسَلَ إلَيْهِ وهو يَقْدِرُ على كَلَامِهِ لم يُخْرِجْهُ هذا من هِجْرَتِهِ التي يَأْثَمُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لِقَاضٍ أَنْ لَا يَرَى كَذَا وَكَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ فَمَاتَ ذلك الْقَاضِي فَرَأَى ذلك الشَّيْءَ بَعْدَ مَوْتِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس ثَمَّ أَحَدٌ يَرْفَعُهُ إلَيْهِ وَلَوْ رَآهُ قبل مَوْتِهِ فلم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حتى مَاتَ حَنِثَ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَعْدَهُ وُلِّيَ فَرَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَبَرَّ لِأَنَّهُ لم يَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي الذي أَحْلَفَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا عُزِلَ ذلك الْقَاضِي لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي الذي خَلَفَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عليه وَلَوْ عُزِلَ ذلك الْقَاضِي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ لَيَرْفَعَنَّهُ إلَيْهِ إنْ كان قَاضِيًا فرأي ذلك الشَّيْءَ وهو غَيْرُ قَاضٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَلَوْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَآهُ فَعَجَّلَ لِيَرْفَعَهُ سَاعَةَ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَمَاتَ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يُمْكِنَهُ رَفْعُهُ فَيُفَرِّطَ حتى يَمُوتَ وَإِنْ عَلِمَاهُ جميعا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَإِنْ كان ذلك مَجْلِسًا وَاحِدًا وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ ما له مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أو دَيْنٌ أو هُمَا حَنِثَ لِأَنَّ هذا مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شيئا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا على نِيَّتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بها فَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أنها لَا تُمَاسُّهُ كُلُّهَا لم يَبَرَّ وَإِنْ كان الْعِلْمُ مُغَيَّبًا قد تُمَاسُّهُ وَلَا تُمَاسُّهُ فَضَرَبَهُ بها ضَرْبَةً لم يَحْنَثْ في الْحُكْمِ وَيَحْنَثْ في الْوَرَعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ مَعْقُولٌ أَنَّهُ إذَا مَاسَّتْهُ أَنَّهُ ضَارِبُهُ بها مَجْمُوعَةً أو غير مَجْمُوعَةٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل وَخُذْ { بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } وَضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا نِضْوًا في الزنى بأثكال النَّخْلِ وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غير أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً ولم يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيَّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ خَفِيفًا أو شَدِيدًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَئِنْ فَعَلَ عَبْدُهُ كَذَا لَيَضْرِبَنَّهُ فَفَعَلَ ذلك الْعَبْدُ وَضَرَبَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ عَادَ فَفَعَلَهُ لم يَحْنَثْ وَلَا يَكُونُ الْحِنْثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَهَبُ رَجُلًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ فَهِيَ هِبَةٌ وهو حَانِثٌ وَكَذَلِكَ لو نَحَلَهُ فَالنَّحْلُ هِبَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ فَلَا يَحْنَثُ إنَّمَا السُّكْنَى عَارِيَّةٌ لم يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فيها وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عليه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُمَلِّكْهُ ما حَبَسَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________

(7/80)


تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ كما يُضَافُ اسْمُهَا إلَى سَائِسِهَا وَإِنْ كان حُرًّا أو يُضَافُ الْغِلْمَانُ إلَى الْمُعَلِّمِ وَهُمْ أَحْرَارٌ فَيُقَالُ غِلْمَانُ فُلَانٍ وَتُضَافُ الدَّارُ إلَى الْقَيِّمِ عليها وَإِنْ كانت لِغَيْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) قُلْت أنا وَيُضَافُ اللِّجَامُ إلَى الدَّابَّةِ وَالسَّرْجُ إلَى الدَّابَّةِ فَيُقَالُ لِجَامُ الْحِمَارِ وَسَرْجُ الْحِمَارِ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الدَّابَّةُ اللِّجَامَ وَلَا السَّرْجَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ فَحَنِثَ أو أَذِنَ له سَيِّدُهُ فَحَجَّ فَأَصَابَ شيئا مِمَّا عليه فيه فِدْيَةٌ أو تَظَاهَرَ أو آلَى فَحَنِثَ فَلَا يَجْزِيهِ في هذا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ وَأَنَّ لِمَالِكِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ من يَدَيْهِ وهو مُخَالِفٌ لِلْحُرِّ يُوهَبُ له الشَّيْءُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ في هذا كُلِّهِ ( 1 ) فَإِنْ كان هذا شَيْءٌ منه بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَهُ منه وَإِنْ كان منه بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنْ كان الصَّوْمُ يَضُرُّ بِعَمَلِ الْمَوْلَى كان له أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ في الْحَالِ التي له أَنْ يَمْنَعَهُ فيها أَجْزَأَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ الناس في الْحُكْمِ على الظَّاهِرِ من أَيْمَانِهِمْ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ عليهم بِمَا ظَهَرَ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ في الدُّنْيَا فَأَمَّا السَّرَائِرُ فَلَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ فَهُوَ يُدِينُ بها وَيَجْزِي وَلَا يَعْلَمُهَا دُونَهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُمْ مُشْرِكِينَ فَأَوْجَبَ عليهم في الْآخِرَةِ جَهَنَّمَ فقال عز وجل { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } وَحَكَمَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِمَا أَظْهَرُوا منه فلم يَسْفِكْ لهم دَمًا ولم يَأْخُذْ لهم مَالًا ولم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يُنَاكِحُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَيَسْمَعُ ذلك منهم وَيَبْلُغُهُ عَنْهُمْ فَيُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِالتَّوْبَةِ وَمِثْلَ ذلك قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَمِيعِ الناس أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ وَكَذَلِكَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحُدُودِ فَأَقَامَ على رَجُلٍ حَدًّا ثُمَّ قام خَطِيبًا فقال أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ وروى عنه أَنَّهُ قال تَوَلَّى اللَّهُ مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَحُفِظَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ وَلَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد كَذَبَ عليها فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وقد روى عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِأَحَدٍ من الْخَلْقِ أَنْ يَحْكُمَ على خِلَافِ الظَّاهِرِ ما كان ذلك لِأَحَدٍ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ الْوَحْيُ وَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيه مِمَّا لم يَجْعَلْ في غَيْرِهِ من التَّوْفِيقِ فإذا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَتَوَلَّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنُ يَأْتِيهِ وهو يَعْرِفُ من الدَّلَائِلِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ ما لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ
____________________

(7/81)


كُلِّهَا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا نِيَّةَ له فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قِيلَ لِلرَّبِيعِ كُلُّ ما كان في هذا الْكِتَابِ فَإِنَّا نَقُولُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قال نعم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كان فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عليهم } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي هذه الْآيَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ وهو ( 1 ) في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ دَلَالَةً لَا حَتْمًا وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } كَالدَّلِيلِ على الْإِرْخَاصِ في تَرْكِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } أَيْ إنْ لم تُشْهِدُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالَهُ وَالْإِشْهَادِ بِهِ عليه يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عليه إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أو يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عليه على الدَّلَالَةِ وقد يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَسْمِيَةُ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةُ الشُّهُودِ في غَيْرِهِمَا وَتِلْكَ التَّسْمِيَةُ تَدُلُّ على ما يَجُوزُ فِيهِمَا وفي غَيْرِهِمَا وَتَدُلُّ مَعَهُمَا السُّنَّةُ ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه وفي ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل الشَّهَادَاتِ دَلَالَةٌ على أَنَّ لِلشَّهَادَاتِ حُكْمًا وَحُكْمُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُقْطَعَ بها بين الْمُتَنَازِعَيْنِ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ إجْمَاعٍ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا } الْآيَةَ فَسَمَّى اللَّهُ في الشَّهَادَةِ في الْفَاحِشَةِ وَالْفَاحِشَةُ هَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الزنى وفي الزنى أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ في الزنى إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الشُّهَدَاءِ الرِّجَالُ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَعَلَى مِثْلِ ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ في الظَّاهِرِ من أَنَّهُمْ رِجَالٌ مُحْصَنُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْفَاحِشَةُ تَحْتَمِلُ الزنى وَغَيْرَهُ فما دَلَّ على أنها في هذا الْمَوْضِعِ الزنى دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ عَالِمًا خَالَفَ فيه في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في { واللاتي ( ( ( اللاتي ) ) ) يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فاستشهدوا ( ( ( يمسكن ) ) ) عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } ثُمَّ نَزَلَتْ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ هذا الْحَدَّ إنَّمَا هو على الزُّنَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ لم أَعْلَمْ في ذلك مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ لَا يُقْطَعَ الْحُكْمُ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قِيلَ له الْآيَتَانِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل يَدُلَّانِ على ذلك قال اللَّهُ عز وجل في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذ ( ( ( فإذا ) ) ) لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } يقول لَوْلَا جاؤوا على من قَذَفُوا بالزنى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ بِمَا قالوا وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَدَلَّ على ذلك مع الِاكْتِفَاءِ بِالتَّنْزِيلِ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ
____________________

(7/82)


أَرَأَيْت لو وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سُئِلَ عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أو قَتَلَهَا فقال إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ وَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ عِنْدَ عُمَرَ بالزنى ولم يَثْبُتْ الرَّابِعُ فَحُدَّ الثَّلَاثَةُ ولم أَعْلَمْ الناس اخْتَلَفُوا في أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ - * بَابُ ما جاء في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ } حتى ما يُفْعَلُ بِهِنَّ من الْحَبْسِ وَالْأَذَى - * قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } فيه دَلَالَةٌ على أُمُورٍ منها أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَمَّاهُنَّ من نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ يَجْمَعُ هذا أن لم يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ بين أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَهُمْ في الزنى وفي هذه الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز اسْمُهُ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أو مُشْرِكٌ } كما قال بن الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْسُوخَةٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال قال بن الْمُسَيِّبِ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَهُنَّ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وقال اللَّهُ عز وجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } يُشْبِهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بالزنى فَالْمُوَارَثَةُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ عليها وَإِنْ زَنَتْ وَيَدُلُّ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بالزنى لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَإِنْ زَنَتْ إن ذلك لو كان يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا قُطِعَتْ الْعِصْمَةُ بين الْمَرْأَةِ تَزْنِي عِنْدَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من النِّسَاءِ بِأَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } في كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ ما وَصَفْت من ذلك قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا أَمَرَ اللَّهُ في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ أَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أَلَيْسَ بَيِّنًا أَنَّ هذا أَوَّلُ ما أُمِرَ بِهِ في الزَّانِيَةِ فَإِنْ قال هذا وَإِنْ كان هَكَذَا عِنْدِي فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي حَدُّ الزنى في الْقُرْآنِ قبل هذا ثُمَّ خُفِّفَ وَجُعِلَ هذا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عليه غَيْرُ هذا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ في هذه الْآيَةِ { حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } قال كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حتى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا أَدْرِي أَسَقَطَ من كِتَابِي حِطَّانُ الرَّقَاشِيُّ أَمْ لَا فإن الْحَسَنَ حدثه عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ وقد حَدَّثَنِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن الثِّقَةِ عن الْحَسَنِ عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا حَدِيثٌ يَقْطَعُ الشَّكَّ وَيُبَيِّنُ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ كان الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى فَكَانَ الْأَذَى بَعْدَ الْحَبْسِ أو قَبْلَهُ وَأَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا بَعْدَ هذا عِنْدَ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالْجَلْدُ على الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ مَنْسُوخٌ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزَ بن مَالِكٍ ولم يَجْلِدْهُ وَرَجَمَ الْمَرْأَةَ التي بَعَثَ إلَيْهَا أُنَيْسًا ولم يَجْلِدْهَا وَكَانَا ثَيِّبَيْنِ ( 1 ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا مَنْسُوخٌ قِيلَ له أَرَأَيْت
____________________

(7/83)


إذَا كان أَوَّلُ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالتَّغْرِيبُ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ أَلَيْسَ في هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّهُمَا اللَّهُ بِهِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا الْحَبْسُ وَالْأَذَى فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فإذا كان هذا أَوَّلًا فَلَا نَجِدُ ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فإذا حَدٌّ ثَانٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَخُفِّفَ من حَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَذَلِكَ دَلَالَةٌ على ما خُفِّفَ الْأَوَّلُ مَنْسُوخٌ عن الزَّانِي - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الطَّلَاقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ وسمي فيها عَدَدَ الشَّهَادَةِ فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ على الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ شَاهِدَانِ فإذا كان ذلك كَمَالَهَا لم يَجُزْ فيها شَهَادَةٌ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ ما كان دُونَ الْكَمَالِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ فَهُوَ غَيْرُ ما أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِ ما أَمَرَنَا بِالْأَخْذِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ على ما دَلَّ عليه ما قَبْلَهُ من نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فيه إلَّا ذلك رِجَالٌ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِالْإِشْهَادِ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ ما احْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ في الْبُيُوعِ وَدَلَّ ما وَصَفْت من أَنِّي لم أَلْقَ مُخَالِفًا حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ على أَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةُ اخْتِيَارٍ لَا فَرْضٍ يعصى بِهِ من تَرَكَهُ وَيَكُونُ عليه أَدَاؤُهُ إنْ فَاتَ في مَوْضِعِهِ وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ على الرَّجْعَةِ من هذا ما احْتَمَلَ الطَّلَاقُ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ في مِثْلِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا على الرَّجْعَةِ في الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا كما إذَا تَصَادَقَا على الطَّلَاقِ يَثْبُتُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ في هذا وفي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فيه بِالشَّهَادَةِ وَاَلَّذِي ليس في النَّفْسِ منه شَيْءٌ الْإِشْهَادُ - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وقال في سِيَاقِهَا { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } الْآيَةَ فذكر اللَّهُ عز وجل شُهُودَ الزنى وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ فلم يذكر مَعَهُمْ امْرَأَةً فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزنى يَشْهَدُونَ على حَدٍّ لَا مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ على تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ له أَنَّهُ وَصَّى ثُمَّ لم أَعْلَمْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ في أَنْ لَا يَجُوزَ في الزنى إلَّا الرِّجَالُ وَعَلِمْت أَكْثَرَهُمْ قال وَلَا في الطَّلَاقِ وَلَا الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ وَقَالُوا ذلك في الْوَصِيَّةِ وكان ما حَكَيْت من أَقَاوِيلِهِمْ دَلَالَةً على مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وكان أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عليه وَذَكَرَ اللَّهُ شُهُودَ الدَّيْنِ فذكر فِيهِمْ النِّسَاءَ وكان الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ من الْمَشْهُودِ عليه وَالْأَمْرُ على ما فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ من الْأَحْكَامِ في الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ على أَحَدٍ فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ منه بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ وكان إنَّمَا يَلْزَمُ بها حَقٌّ غَيْرُ مَالٍ أو شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ وكان لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غير مَالٍ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وما أَشْبَهَهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ فيه امْرَأَةٌ وَيُنْظَرُ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ له من الْمَشْهُودِ عليه مَالًا فَتَجُوزُ فيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فيه فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هذا الْقَوْلُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَنْ خَالَفَ هذا الْأَصْلَ تَرَكَ عِنْدِي ما يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ
____________________

(7/84)


وَلَا أَعْلَمُ لِأَحَدٍ خَالَفَهُ حُجَّةً فيه بِقِيَاسٍ وَلَا خَبَرٍ لَازِمٍ وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } دَلَالَةٌ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ نُجِيزُهُنَّ إلَّا مع رَجُلٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يُسَمِّ مِنْهُنَّ أَقَلَّ من اثْنَتَيْنِ ولم يَأْمُرْ بِهِنَّ اللَّهُ إلَّا مع رَجُلٍ - * بَابُ الْخِلَافِ في هذا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ خَالَفَنَا أَحَدٌ فقال إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ حَلَفَ مَعَهُمَا فَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ عَنْهُمْ ذلك من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا أَجَازَ النِّسَاءَ بِغَيْرِ رَجُلٍ وَيَلْزَمُهُ في أَصْلِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فيعطى بِهِنَّ حَقًّا على مَذْهَبِهِ فَيَكُونَ خِلَافَ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ قال إنِّي إنَّمَا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا أَنَّهُمَا مع يَمِينِ رَجُلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَلِّفَ امْرَأَةً إنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّجُلُ هو الذي تَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَقَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ مُشْرِكٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ عَدْلٍ مع أَنَّهُ خِلَافُ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ فَإِنْ قال إنِّي أعطى بِالْيَمِينِ كما أعطى بِشَاهِدٍ فَذَلِكَ بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَا أنها ( ( ( أنه ) ) ) من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ كانت من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ ما أَحَلَفْنَا الرَّجُلَ وهو شَاهِدٌ وَلَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ جَازَ هذا ما جَازَ لِغَيْرِ عَدْلٍ وَلَا جَازَ أَنْ تَحْلِفَ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما هِيَ قِيلَ يَمِينٌ أَعْطَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَعْطَيْنَا بها كما كانت يَمِينًا في الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ في الْمُدَّعَى عليه فَأَحْلَفْنَا في ذلك الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ وَالْحُرَّ الْعَدْلَ وَغَيْرَ الْعَدْلِ وَالْعَبْدَ وَالْكَافِرَ لَا أنها من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ - * بَابُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ من الشَّهَادَاتِ وكان الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ على أنها يُحْكَمُ بها على ما فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ على من كانت له تِلْكَ الشَّهَادَاتُ وَكَانَتْ على ذلك دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وما لَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ في ذلك مُخَالِفًا قال وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في الزنى أَرْبَعَةً وَذَكَرَ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ كان الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ من الْحُقُوقِ التي لم يذكر فيها عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الزنى وَأَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الطَّلَاقِ وما سَمَّيْنَا معه فلما احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ثُمَّ لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته من أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا في أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزنى شَاهِدَانِ فَكَانَ الذي عليه أَكْثَرُ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لَا أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلَافَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ على الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذلك وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ على الْقَذْفِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } قِيلَ له هذا كما قال اللَّهُ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ في الزنى بِأَرْبَعَةٍ فإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا بالزنى لم يُخْرِجْهُ من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عليه بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلَا يَكُونُ عليه بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ من أَرْبَعَةٍ وما لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عليه الزنى فَيَخْرُجَ من ذلك الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عليه الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزنى لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ على الزنى لَا على الْقَذْفِ فإذا قام على رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا حُدَّ لِأَنَّهُ لم يذكر عَدَدَ شُهُودِ
____________________

(7/85)


الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا على الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلَا يَخْرُجُ من أَنْ يُحَدَّ له إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزنى على الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هذا صَادِقًا في الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَكْثَرُ ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل من الشُّهُودِ في الزنى أَرْبَعَةٌ وفي الدَّيْنِ رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَكَانَ تَفْرِيقُ اللَّهِ عز وجل بين الشَّهَادَاتِ على ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل من أنها مُفْتَرِقَةٌ وَاحْتَمَلَ إذَا كان أَقَلُّ ما ذَكَرَ اللَّهُ من الشَّهَادَاتِ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ما تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى لَا يَكُونُ على الْمَشْهُودِ له يَمِينٌ إذَا أتى بِكَمَالِ الشَّهَادَةِ فَيُعْطَى بِالشَّهَادَةِ دُونَ يَمِينِهِ لَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَتَّمَ أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يُحَرَّمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ من ذلك نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّ عليه دَلَالَةَ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وَبَعْضِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ فَقُلْنَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَسَأَلَنَا سَائِلٌ ما رَوَيْت منها فَقُلْنَا أخبرنا عبد اللَّهِ بن الحرث عن سَيْفِ بن سُلَيْمَانَ عن قَيْسِ بن سَعْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال عَمْرٌو في الْأَمْوَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن رَبِيعَةَ بن عُثْمَانَ عن مُعَاذِ بن عبد الرحمن عن بن عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّاهُ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ قال سَمِعْت الْحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أبي أَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال نعم وَقَضَى بها على رضي اللَّهُ تعالى عنه بين أَظْهُرِكُمْ قال مُسْلِمٌ وقال جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ في الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَكَمْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ دُونَ ما سِوَاهَا وما حَكَمْنَا فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَجَزْنَا فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ وما لم نَحْكُمْ فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم نُجِزْ فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ اسْتِدْلَالًا بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل الذي وَصَفْت في شَهَادَتِهِنَّ قبل هذا - * بَابُ الْخِلَافِ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ خِلَافًا أَسْرَفَ فيه على نَفْسِهِ فقال أَرُدُّ حُكْمَ من حَكَمَ بها لِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَقُلْت لِأَعْلَى من لَقِيت مِمَّنْ خَالَفَنَا فيها عِلْمًا أَمَرَ اللَّهُ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال نعم فَقُلْت فَفِيهِ أَنَّ حَتْمًا من اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال فَإِنْ قُلْته قُلْت له فَقُلْهُ فقال فَقَدْ قُلْته فَقُلْت وَتَجِدُ من الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِهِمَا فقال حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ عَدْلَانِ قُلْت وَمَنْ حَكَمَ بِدُونِ ما قُلْت خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ قال نعم قُلْت له إنْ كان كما زَعَمْت فَقَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ قُلْت إذْ أَجَزْت شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا على الْوِلَادَةِ وَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْطَيْت بِهِمَا من جِهَةِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ أَعْطَيْت بِغَيْرِ شَهَادَةٍ في الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ليس بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل بَلْ بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمْت بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَفَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ فَاتَّبَعْت رَسُولَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت كما قَبِلْت عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من أَنَّ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَرْضٌ وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هذا مُخْتَصَرٌ منه قد قالوا فيه وَقُلْنَا
____________________

(7/86)


وَأَكْثَرْنَا قال أَفَتُوجِدُنِي لها نَظِيرًا في الْقُرْآنِ قُلْت نعم أَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أو مَسْحِهِمَا فَمَسَحْنَا وَمَسَحْت على الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ يُجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا بالسنه قال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ بَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَيُجْلَدُ مِائَةً بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ تَلْزَمُك من حَيْثُ لَزِمَك هذا فَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِاتِّبَاعِ ما وَصَفْنَا من السُّنَّةِ مع الْقُرْآنِ لم تَسْلَمْ من أَنْ تَكُونَ مُخْطِئًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم تَسْلَمْ من أَنْ يَكُونَ عَلَيْك تَرْكُ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ وَتَرْكُ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَقَطْعُ كل سَارِقٍ فَقَدْ خَالَفَك في هذا كُلِّهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَوَافَقَنَا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ عَوَامُّ من أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ من خَالَفَ أَحَادِيثَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هِيَ أَثْبَتُ من الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كانت الْيَمِينُ ثَابِتَةً لِعِلَّةٍ أَضْعَفَ من كل عِلَّةٍ اعْتَلَّ بها من رَدَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ فَإِنْ كانت لنا وَلَهُ بهذا حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا كانت عليه فِيمَا خَالَفَ من الْأَحَادِيثِ - * بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَادُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فيه جَائِزَةٌ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَهَذَا حُجَّةٌ على من زَعَمَ أَنَّ في الْقُرْآنِ دَلَالَةً على أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ على جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُخَالِفُوا اللَّهَ حُكْمًا وَلَا يَجْهَلُوهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ حُكْمٌ لَا يَمِينَ على من جاء بِهِ مع الشَّاهِدِ وَالْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ حُكْمٌ بِالسُّنَّةِ لَا مُخَالِفَ لِلشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا في شَهَادَةِ النِّسَاءِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا يَجُوزُ في شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ في أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ من أَرْبَعِ عُدُولٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَخَذْت بِهِ قُلْت لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل شَهَادَةَ النِّسَاءِ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ في الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فيه وكان أَقَلُّ ما انْتَهَى إلَيْهِ من عَدَدِ الرِّجَالِ رَجُلَيْنِ في الشَّهَادَاتِ التي تُثْبَتُ بها الْحُقُوقُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا الْمَشْهُودُ له شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ في مَوْضِعٍ أَنْ يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ لِأَنَّ ذلك مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عز وجل - * الْخِلَافُ في إجَازَةِ أَقَلَّ من أَرْبَعٍ من النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال بَعْضُ الناس تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَحْدَهَا كما يَجُوزُ في الْخَبَرِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَيْسَ من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا وَإِنْ كان من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا لم أُجِزْ إلَّا ما ذَكَرْت من أَرْبَعٍ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ وَأَيْنَ الْخَبَرُ من الشَّهَادَةِ قال وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ قُلْت تَقْبَلُ في الْخَبَرِ
____________________

(7/87)


كما قُلْت امْرَأَةً وَاحِدَةً وَرَجُلًا وَاحِدًا وَتَقُولُ فيه أخبرنا فُلَانٌ عن فُلَانٍ أَفَتَقْبَلُ هذا في الشَّهَادَاتِ فقال لَا قُلْت وَالْخَبَرُ هو ما اسْتَوَى فيه الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرِ وَالْعَامَّةُ من حَلَالٍ وَحَرَامٍ قال نعم قُلْت وَالشَّهَادَةُ ما كان الشَّاهِدُ منها خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عليه قال نعم قُلْت أَفَتَرَى هذا يُشْبِهُ هذا قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ إذَا قَبِلْت في الْخَبَرِ فُلَانًا عن فُلَانٍ فَاقْبَلْ في أَنْ تُخْبِرَك امْرَأَةٌ عن امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هذا الْوَلَدَ قال وَلَا أَقْبَلُ هذا حتى أَقِفَ التي شَهِدَتْ أو يَشْهَدَ عليها من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَمْرٍ قَاطِعٍ قُلْت وَأَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت فَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ هل عَدَوْت بهذا أَنْ قُلْت هو بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ ولم تَقِسْهُ في شَيْءٍ غَيْرِ الْأَصْلِ الذي قُلْت فَأَسْمَعُك إذًا تَضَعُ الْأُصُولَ لِنَفْسِك قال فَمِنْ أَصْحَابِك من قال لَا يَجُوزُ أَقَلُّ من شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ قُلْت له هل رَأَيْتنِي أَذْكُرُ لَك قَوْلًا لَا تَقُولُ بِهِ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ ذَكَرْت لي ما لَا أَقُولُ بِهِ قال فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ ( 1 ) من ذَهَبَ إلَى ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ وَلَا إلَى ما ذَهَبْت إلَيْهِ من أَنْ تَقُولَ بِهِ على مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وما أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَقُلْت له أَنْ تَنْتَقِلَ عن قَوْلِك الذي يَلْزَمُك فيه عِنْدِي أَنْ تَنْتَقِلَ عنه أَوْلَى بِك من ذِكْرِ قَوْلِ غَيْرِك فَهَذَا أَمْرٌ لم نُكَلَّفْهُ نَحْنُ وَلَا أنت وَلَوْلَا عَرْضُك بِتَرْفِيعِ قَوْلِك وَتَخْطِئَةِ من خَالَفَك كنا شَبِيهًا أَنْ نَدَعَ حِكَايَةَ قَوْلِك قال فَإِنْ شَهِدَ على شَيْءٍ من ذلك رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُلْت أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَتَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدِي من شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ قال وَكَيْفَ لم تَعُدَّهُمْ بِالشَّهَادَةِ فُسَّاقًا وَلَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ قُلْت الشَّهَادَةُ غَيْرُ الْفِسْقِ قال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ حين قال له أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال نعم وَالشُّهُودُ على الزنى نَظَرُوا من الْمَرْأَةِ إلَى مُحَرَّمٍ وَمِنْ الرَّجُلِ إلَى مُحَرَّمٍ فَلَوْ كان النَّظَرُ لِغَيْرِ إقَامَةِ شَهَادَةٍ كان حَرَامًا فلما كان لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمُبَاحٍ لَا بِمُحَرَّمٍ فَكُلُّ من نَظَرَ لِيُثْبِتَ شَهَادَتَهُ لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَمَنْ نَظَرَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ عَامِدًا كان جَرْحًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عنه - * بَابُ شَرْطِ الَّذِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان الذي يَعْرِفُ من خُوطِبَ بهذا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ الْمَرْضِيُّونَ الْمُسْلِمُونَ من قِبَلِ أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَاهُ أَهْلُ دِينِنَا لَا الْمُشْرِكُونَ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا وَاَلَّذِينَ نَرْضَى أَحْرَارُنَا لَا مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ من يَمْلِكُهُمْ على كَثِيرٍ من أُمُورِهِمْ وَأَنَّا لَا نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ على الْعَدْلِ مِنَّا وَلَا يَقَعُ إلَّا على الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ الْبَالِغُونَ دُونَ من لم يَبْلُغْ فإذا كانت الشَّهَادَةُ لِيَقْطَعَ بها لم يَجُزْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِمَنْ لم يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ فإذا لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ في نَفْسِهِ لم يُلْزَمْ غَيْرُهُ فَرْضًا بِشَهَادَتِهِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّهُ أُرِيدَ بها الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ في كل شَهَادَةٍ على مُسْلِمٍ غير أَنَّ من أَصْحَابِنَا من ذَهَبَ إلَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ في الْجِرَاحِ ما لم يَتَفَرَّقُوا فإذا تَفَرَّقُوا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالي { من رِجَالِكُمْ } يَدُلُّ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَجَازَهَا بن الزُّبَيْرِ قِيلَ
____________________

(7/88)


فإن بن عَبَّاسٍ رَدَّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ لَا تَجُوزُ وزاد بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال وَمَعْنَى الْكِتَابِ مع بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً قِيلَ وَكَيْفَ تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ صِبْيَانٍ مُنْفَرِدِينَ إذَا تَفَرَّقُوا لم يُقْبَلُوا إنَّمَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ الْبَالِغِينَ الَّذِينَ يُقْبَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ فَأَشْبَهَ ما وَصَفْت أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا على أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ هو من وَصَفْت مِمَّنْ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ دَلَّتْ على صِفَتِهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَلَا شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ - * بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلُ له شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقُلْنَا يَلْزَمُ أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِينَ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ له شَهَادَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فإذا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَخَرَجَ من أَنْ يَكُونَ في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ قال وَتَوْبَتُهُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تَكُونُ التَّوْبَةُ الْإِكْذَابَ قِيلَ له إنَّمَا كان في حَدِّ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَتَرْكُ الذَّنْبِ هو أَنْ يَقُولَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَتَكُونَ التَّوْبَةُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الذَّنْبُ في الرِّدَّةِ بِالْقَوْلِ بها وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عنها بِالْقَوْلِ فيها بِالْإِيمَانِ الذي تَرَكَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من دَلِيلٍ على هذا فَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ وفي ذلك دَلِيلٌ عن عُمَرَ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ فَإِنْ كان الْقَاذِفُ يوم قَذَفَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَحُدَّ قِيلَ له مَكَانَهُ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم تُقْبَلْ حتى يَفْعَلَ لِأَنَّ الذَّنْبَ الذي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ هو الْقَذْفُ فاذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ وَإِنْ قَذَفَ وهو مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَابَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ رَدَّهَا كان من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سُوءُ حَالِهِ قبل أَنْ يَقْذِفَ وَالْآخَرُ الْقَذْفُ فإذا خَرَجَ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لم يَخْرُجْ من الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَكُونُ خَارِجًا من أَنْ يَكُونَ فيه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَثَبَتَ عليه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِسُوءِ الْحَالِ حتى تُخْتَبَرَ حَالُهُ فإذا ظَهَرَ منه الْحُسْنُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا لو حُدَّ مَمْلُوكٌ حَسَنُ الْحَالِ ثُمَّ عَتَقَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ وَهَكَذَا لو حُدَّ ذِمِّيٌّ حَسَنُ الْحَالِ فَأَسْلَمَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ فقال لي قَائِلٌ أَفَتَذْكُرُ في هذا حَدِيثًا فَقُلْت إنَّ الْآيَةَ لمكتفي بها من الحديث وَإِنَّ فيه لَحَدِيثًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ القاذف ( ( ( القذف ) ) ) لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ شَكَكْت بعد ما سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يسمى الرَّجُلَ فَسَأَلْت فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ شَكَكْت في خَبَرِهِ فقال لَا هو سَعِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ هذا الْمَعْنَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال حدثنا إسْمَاعِيلُ بن إبْرَاهِيمَ عن بن أبي نَجِيحٍ أَنَّهُ قال في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا نَقُولُهُ فَقُلْت من قال عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ
____________________

(7/89)


- * بَابُ الْخِلَافِ في إجَازَةِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْقَاذِفِ فقال إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ لم يُضْرَبْ الْحَدَّ أو ضُرِبَهُ ولم يُوَفَّهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ فَذَكَرْتُ له ما ذَكَرْتُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ فقال فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فَقُلْنَا نَطْرَحُ عَنْهُمْ اسْمَ الْفِسْقِ وَلَا نَقْبَلُ لهم شَهَادَةً فَقُلْت لِقَائِلِ هذا أَوَتَجِدُ الْأَحْكَامَ عِنْدَك فيما يُسْتَثْنَى على ما وَصَفْت فَيَكُونَ مَذْهَبًا ذَهَبْتُمْ في اللَّفْظِ أَمْ الْأَحْكَامُ عِنْدَك في الِاسْتِثْنَاءِ على غَيْرِ ما وَصَفْت فقال أَوْضِحْ هذا لي قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا لو قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلَا أَدْخُلُ لَك بَيْتًا وَلَا آكُلُ لَك طَعَامًا وَلَا أَخْرُجُ مَعَك سَفَرًا وَإِنَّك لَغَيْرُ حَمِيدٍ عِنْدِي وَلَا أَكْسُوك ثَوْبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعًا على ما بَعْدَ قَوْلِهِ أَبَدًا أو على ما بَعْدَ غَيْرِ حَمِيدٍ عِنْدِي أو على الْكَلَامِ كُلِّهِ قال بَلْ على الْكَلَامِ كُلِّهِ قُلْت فَكَيْفَ لم تُوقِعْ الِاسْتِثْنَاءَ في الْآيَةِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ وَأَوْقَعْتهَا في هذا الذي هو أَكْثَرُ في الْيَمِينِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال محمد بن الْحَسَنِ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ اسْتِشْهَادَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي قُلْت فَالرَّجُلُ الذي وَصَفْت امْتَنَعَ من أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَأَقَامَ عليه وَهَكَذَا كُلُّ من امْتَنَعَ أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَلَوْ لم يَكُنْ لنا في هذا إلَّا ما رَوَيْت كان حُجَّةً عَلَيْك قال وَكَيْفَ قُلْت إنْ كان الرَّجُلُ عِنْدَك مِمَّنْ تَابَ من الْقَذْفِ بِالرُّجُوعِ عنه فَقَدْ أَخْبَرَ عن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ فَسَّقُوهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ سَقَطَ عنه اسْمُ الْفِسْقِ وَفِيمَا قال دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُلْزِمُونَهُ اسْمَ الْفِسْقِ إلَّا وَشَهَادَتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ قُلْت وَلَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ إلَّا وقد أَسْقَطُوا عنه اسْمَ الْفِسْقِ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بين إسْقَاطِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه بِالتَّوْبَةِ وَإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ بِسُقُوطِ الِاسْمِ عنه كما تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وإذا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي وَالْمُسْتَتَابِ من الرِّدَّةِ إذَا تَابَ فَكَيْفَ خَصَصْت بها الْقَاذِفَ وهو أَيْسَرُ ذَنْبًا من غَيْرِهِ قال تَأَوَّلْت فيه الْقُرْآنَ قُلْت تَأَوُّلُك خَطَأٌ على لِسَانِك قال قَالَهُ شُرَيْحٌ قُلْت أَفَتَجْعَلُ شُرَيْحًا حُجَّةً على كِتَابِ اللَّهِ وَقَوْلِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وبن عَبَّاسٍ وَمَنْ سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَكَيْفَ زَعَمْت إنْ لم يَطْهُرْ بِالْحَدِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا طَهُرَ بِالْحَدِّ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إذَا كان تَائِبًا في الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ التَّحَفُّظِ في الشَّهَادَةِ - * قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقْفُ ما ليس لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كان عنه مسؤولا ( ( ( مسئولا ) ) ) } وقال اللَّهُ عز وجل { إلَّا من شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وحكى أَنَّ إخوه يُوسُفَ وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كما يَنْبَغِي لهم فحكى أَنَّ كَبِيرَهُمْ قال ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وما شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وما كنا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( قال ) وَلَا يَسَعُ شَاهِدًا أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ وَالْعِلْمُ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ منها ما عَايَنَهُ الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ وَمِنْهَا ما سَمِعَهُ فَيَشْهَدُ ما أَثْبَتَ سَمْعًا من الْمَشْهُودِ عليه وَمِنْهَا ما تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ في أَكْثَرِهِ الْعِيَانُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ في الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عليه بهذا الْوَجْهِ وما شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ أو أَقَرَّ بِهِ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ بِمُعَايَنَةٍ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ سَمْعًا مع إثْبَاتِ بَصَرٍ حين يَكُونُ الْفِعْلُ وَبِهَذَا قُلْت لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شيئا مُعَايَنَةً أو مُعَايَنَةً وَسَمْعًا ثُمَّ عمى فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ يوم يَكُونُ الْفِعْلُ الذي يَرَاهُ الشَّاهِدُ أو الْقَوْلُ الذي أَثْبَتَهُ سَمْعًا وهو يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ فإذا
____________________

(7/90)


كان ذلك قبل يَعْمَى ثُمَّ شَهِدَ عليه حَافِظًا له بَعْدَ الْعَمَى جَازَ وإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو أَعْمَى لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وإذا كان هذا هَكَذَا كان الْكِتَابُ أَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عليه وَالشَّهَادَةُ في مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ أو الثَّوْبَ على تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ الدَّارَ وَعَلَى أَنْ لَا يَرَى مُنَازِعًا له في الدَّارِ وَالثَّوْبِ فَيَثْبُتُ ذلك في الْقَلْبِ فَيَسَعُ الشَّهَادَةَ عليه وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ زَمَانًا أو سمع غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ ولم يَسْمَعْ دَافِعًا ولم يَرَ دَلَالَةً يَرْتَابُ بها وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ على عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ له أَخْبَارُ من يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَيَرَاهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كما وَصَفْت وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ على ما يَعْلَمُ بِأَحَدِ هذه الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مع شَاهِدٍ وفي رَدِّ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْخِلَافِ في شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في شَهَادَةِ الْأَعْمَى فقال لَا تَجُوزُ حتى يَكُونَ بَصِيرًا يوم شَهِدَ وَيَوْمَ رَأَى وَسَمِعَ أو رَأَى وَإِنْ لم يَسْمَعْ إذَا شَهِدَ على رُؤْيَةٍ فَسَأَلْنَاهُمْ فَهَلْ من حُجَّةِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ يَلْزَمُ فلم يَذْكُرُوا من ذلك شيئا لنا وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فيه أَنْ قالوا إنَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم شَهِدَ كما احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم عَايَنَ الْفِعْلَ أو سمع الْقَوْلَ من الْمَشْهُودِ عليه ولم تَكُنْ وَاحِدَةٌ من الْحَالَيْنِ أَوْلَى بِهِ من الْأُخْرَى فَقُلْت له أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ أَلَيْسَتْ بِيَوْمِ يَكُونُ الْقَوْلُ أو الْفِعْلُ وَإِنْ يَقُمْ بها بَعْدَ ذلك بِدَهْرٍ قال بَلَى قُلْت فإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو بَصِيرٌ سَمِيعٌ مُثْبِتٌ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ بَعْدُ عَاقِلًا أَعْمَى لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ قال فَأَقُولُ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرَيْنِ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على فِعْلِ رَجُلٍ حَيٍّ ثُمَّ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ وهو لَا يَرَى الرَّجُلَ وَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ على آخَرَ وهو غَائِبٌ لَا يَرَاهُ قال نعم قُلْت فما عَلِمْتُك تُثْبِتُ لِنَفْسِك حُجَّةً إلَّا خَالَفْتهَا وَلَوْ كُنْت لَا تُجِيزُهَا إذَا أَثْبَتَهَا بَصِيرًا وَشَهِدَ بها أَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ الْمَشْهُودَ عليه لِأَنَّ ذلك حَقٌّ عِنْدَك لَزِمَك أَنْ لَا تُجِيزَهَا بَصِيرًا على مَيِّتٍ وَلَا غَائِبٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يُعَايِنُهُ في الدُّنْيَا وَأَمَّا الْغَائِبُ بِبَلَدٍ فَأَنْتَ تُجِيزُهَا وهو لَا يَرَاهُ قال فَإِنْ رَجَعْت في الْغَائِبِ فَقُلْت لَا أُجِيزُهَا عليه فَقُلْت أَفَتَرْجِعُ في الْمَيِّتِ وهو أَشَدُّ عَلَيْك من الْغَائِبِ قال لَا قال فإن من أَصْحَابِك من يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَعْمَى بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَثْبَتَ كما يُثْبِتُ أَهْلُهُ فَقُلْت إنْ كان هذا صَوَابًا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك من الصَّوَابِ قال فَلِمَ لم تَقُلْ بِهِ قُلْت ليس فيه أَثَرٌ يَلْزَمُ فَأَتَّبِعَهُ وَمَعَنَا الْقُرْآنُ وَالْمَعْقُولُ بِمَا وَصَفْت من أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِعِيَانٍ أو عِيَانٍ وَإِثْبَاتِ سَمْعٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ من لَا يُثْبِتُ بِعِيَانٍ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ قال وَيُخَالِفُونَك في الْكِتَابِ قُلْت وَذَلِكَ أَبْعَدُ من أَنْ تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عليه وَقَوْلُهُمْ فيه مُتَنَاقِضٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لي لو عَرَفْت كِتَابِي ولم أَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ أَشْهَدَ إلَّا وأنا ذَاكِرٌ وَيَزْعُمُونَ أَنِّي إنْ عَرَفْت كِتَابَ مَيِّتٍ حَلَّ لي أَنْ أَشْهَدَ عليه وَكِتَابِي كان أَوْلَى أَنْ أَشْهَدَ عليه من كِتَابِ غَيْرِي وَلَوْ جَازَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا جَازَ أَنْ أَشْهَدَ على كِتَابِي وَلَا أَشْهَدَ على كِتَابِ غَيْرِي وَلَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِمَا وَصَفْت من مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَإِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْك في أَنَّك تُعْطِي بِالْقَسَامَةِ وَتُحَلِّفُ الرَّجُلَ مع شَاهِدِهِ على ما غَابَ بِأَنَّهُمْ قد يَحْلِفُونَ على ما لَا يَعْلَمُونَ قُلْت يَحْلِفُونَ على ما يَعْلَمُونَ من أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ التي وَصَفْت لَك قُلْت فَإِنْ قال لَا يَكُونُ إلَّا من الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ فَقُلْت له أترك هذا الْقَوْلَ إذَا سُئِلْت قال فَاذْكُرْ ذلك قُلْت أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ على النَّسَبِ وَالْمِلْكِ أَتَقْبَلُهُمَا من الْوُجُوهِ التي قَبِلْنَاهَا منها قال نعم قُلْت وقد يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَسِبُ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ لم يَرَ أَبَاهُ يُقِرُّ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ في يَدَيْ الرَّجُلِ وهو لَا يَمْلِكُهَا قد غَصَبَهَا أو أَعَارَهُ إيَّاهَا غَائِبٌ وَيُمْكِنُ ذلك في الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ قال فَقَدْ أَجْمَعَ الناس على إجَازَةِ
____________________

(7/91)


هذا قُلْنَا وَإِنْ كَانُوا أَجْمَعُوا فَفِيهِ دَلَالَةٌ لَك على أَنَّ الْقَوْلَ كما قُلْنَا دُونَ ما قُلْت أَوَرَأَيْت عَبْدًا بن خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ابْتَاعَهُ بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً ثُمَّ بَاعَهُ وَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَخَاصَمَهُ فيه فقال أُحَلِّفُهُ لقد بَاعَهُ إيَّاهُ بَرِيًّا من الْإِبَاقِ فَقُلْت وقال لَك هذا وَلَدٌ بِالْمَشْرِقِ وأنا بِالْمَغْرِبِ وَلَا تُمْكِنُنِي الْمَسْأَلَةُ عنه لِأَنَّهُ ليس هَا هُنَا أَحَدٌ من أَهْلِ بَلَدِهِ أَثِقُ بِهِ قال يَحْلِفُ على الْبَتِّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ في ذلك إلَى عِلْمِهِ قُلْت وَيَسَعُك ذلك وَيَسَعُ الْقَاضِيَ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت قَوْمًا قُتِلَ أَبُوهُمْ فَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا الْقَاتِلَ أو يُعَايِنُوهُ أو يُخْبِرَهُمْ من عَايَنَهُ مِمَّنْ مَاتَ أو غَابَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ عِنْدَهُمْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدِي أَلَيْسُوا أَوْلَى أَنْ يُقْسِمُوا من صَاحِبِ الْعَبْدِ الذي وَصَفَهَا أَنْ يَحْلِفَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَجِبُ على الْمَرْءِ من الْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على ألا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وقال { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله } إلَى آخِرِ الْآيَةِ وقال { وإذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى } وقال { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } وقال عز وجل { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وقال { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن كل من سَمِعْت منه من أَهْلِ الْعِلْمِ في هذه الْآيَاتِ أَنَّهُ في الشَّاهِدِ وقد لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عليه أَنْ يَقُومَ بها على وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلِلْبَغِيضِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يَكْتُمَ عن أَحَدٍ وَلَا يحابى بها وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا قال ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ منها وما لَا يَلْزَمُ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هذا - * بَابُ ما على من دعى يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ قبل أَنْ يُسْأَلَهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كما عَلَّمَهُ اللَّهُ } دَلَالَةٌ على أَنَّ عليه فِيمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ من الْكِتَابِ حَقًّا في مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ ذلك الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا دعى لِحَقٍّ كَتَبَهُ لَا بُدَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه وَعَلَى من هو في مِثْلِ حَالِهِ أَنْ يَقُومَ منهم من يكفى حتى لَا تَكُونَ الْحُقُوقُ مُعَطَّلَةً لَا يُوجَدُ لها في الِابْتِدَاءِ من يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا وَالشَّهَادَةِ عليها فَيَكُونُ فَرْضًا لَازِمًا على الْكِفَايَةِ فإذا قام بها من يَكْفِي خرج ( ( ( أخرج ) ) ) من يَتَخَلَّفُ من الْمَأْثَمِ وَالْفَضْلُ لِلْكَافِي على الْمُتَخَلِّفِ فإذا لم يَقُمْ بِهِ كان حَرَجُ جَمِيعِ من دعى إلَيْهِ فَتَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ كما كان الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ على الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلَامِ فَرْضًا على الْكِفَايَةِ لَا يُحْرَجُ الْمُتَخَلِّفُ إذَا كان فِيمَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ كِفَايَةٌ فلما احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا وكان في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } كان فيها كَالدَّلِيلِ على أَنَّهُ نهى الشُّهَدَاءُ الْمَدْعُوُّونَ كلهم أَنْ يَأْبَوْا قال { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ يُحْرَجُ من تَرَكَ ذلك ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بها في الِابْتِدَاءِ على الْكِفَايَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما وَصَفْت من الْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ وقد حَفِظْت عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَرِيبًا من هذا الْمَعْنَى ولم أَحْفَظْ خِلَافَهُ عن أَحَدٍ أَذْكُرُهُ منهم
____________________

(7/92)


- * الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي - * بَابٌ في الْأَقْضِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بين الناس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّك عن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عن سَبِيلِ اللَّهِ لهم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يوم الْحِسَابِ } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ الْكِتَابِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } إلَى { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بينهم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك } وقال { وإذا حَكَمْتُمْ بين الناس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ فَرْضًا عليه وَعَلَى من قَبْلَهُ وَالنَّاسِ إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَالْعَدْلُ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنَزَّلِ قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بين أَهْلِ الْكِتَابِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَوَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من دِينِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عن كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ وَفَرَضَ طَاعَتَهُ فقال { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الْآيَةَ وقال { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ } الْآيَةَ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ لِمُفْتٍ وَلَا لِحَاكِمٍ أَنْ يفتى وَلَا يَحْكُمَ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِهِمَا وَلَا أَنْ يُخَالِفَهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالٍ فإذا خَالَفَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عز وجل وَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فإذا لم يُوجَدَا مَنْصُوصَيْنِ فَالِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُطْلَبَا كما يُطْلَبُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مُسْتَحْسِنًا على غَيْرِ الِاجْتِهَادِ كما ليس لِأَحَدٍ إذَا غَابَ الْبَيْتُ عنه أَنْ يصلى حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنَّهُ يَجْتَهِدُ في التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِكَمَالِهِ في كِتَابِ جِمَاعِ عِلْمِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ - * بَابٌ في اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فيه غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } قال الْحَسَنُ بن أبي الْحَسَنِ لَوْلَا هذه الْآيَةُ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْحُكَّامَ قد هَلَكُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هذا لِصَوَابِهِ وَأَثْنَى على هذا بِاجْتِهَادِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيدَ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بِشْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ فَحَدَّثْت بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ وَمَنْ أُمِرَ أَنْ يَجْتَهِدَ على مُغَيَّبٍ فَإِنَّمَا كُلِّفَ الِاجْتِهَادَ وَيَسَعُهُ فيه الِاخْتِلَافُ فَيَكُونُ فَرْضًا على الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَبَيِّنٌ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا من أَهْلِ زَمَانِهِ كما لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ له عِلْمٌ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ يَرَى أنها في مَوْضِعٍ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ إنْ رَأَى أنها في غَيْرِ ذلك الْمَوْضِعِ وإذا كُلِّفُوا الِاجْتِهَادَ
____________________

(7/93)


فَبَيِّنٌ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ لَا يَجُوزُ ( 1 ) كُلِّفَ لِأَحَدٍ ( قال ) وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ في مِثْلِ مَعْنَى الْأَصْلِ فَذَلِكَ الذي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ ثُمَّ قِيَاسٌ أَنْ يُشَبِّهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ من الْأَصْلِ وَالشَّيْءُ من الْأَصْلِ غَيْرُهُ فَيُشَبِّهَ هذا بهذا الْأَصْلِ وَيُشَبِّهَ غَيْرَهُ بِالْأَصْلِ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ فيه عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَنْظُرَ فَأَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِشِبْهِهِ صَيَّرَهُ إلَيْهِ إنْ أَشْبَهَ أَحَدَهُمَا في خَصْلَتَيْنِ وَالْآخَرَ في خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي هو أَشْبَهُ في خَصْلَتَيْنِ وَمَنْ اجْتَهَدَ من الْحُكَّامِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ أو قد خَالَفَ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو شيئا في مِثْلِ مَعْنَى هذا رَدَّهُ وَلَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذلك وَإِنْ كان مِمَّا يَحْتَمِلُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لم يَرُدَّهُ من ذلك أَنَّ على من اجْتَهَدَ على مُغَيَّبٍ فَاسْتَيْقَنَ الْخَطَأَ كان عليه الرُّجُوعُ وَلَوْ صلى على جَبَلٍ من جِبَالِ مَكَّةَ لَيْلًا فَتَأَخَّى الْبَيْتَ ثُمَّ أَبْصَرَ فرأي الْبَيْتَ في غَيْرِ الْجِهَةِ التي صلى إلَيْهَا أَعَادَ وَإِنْ كان بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ لم يُعِدْ من قِبَلِ أَنَّهُ رَجَعَ في الْمَرَّةِ الْأُولَى من مُغَيَّبٍ إلَى يَقِينٍ وهو في هذه الْمَرَّةِ يَرْجِعُ من مُغَيَّبٍ إلَى مُغَيَّبٍ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكِتَابُ الْقَضَاءِ وَالْحَقُّ في الناس كُلِّهِمْ وَاحِدٌ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الناس يَحْكُمُونَ بِحُكْمِ بُلْدَانِهِمْ إذَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيمَا فيه كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو شَيْءٌ في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا حتى يَكُونَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا إنَّمَا يَتَفَرَّقُونَ في الِاجْتِهَادِ إذَا احْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم الِاجْتِهَادَ وَأَنْ يَكُونَ له وَجْهٌ - * بَابُ التثبت ( ( ( التثبيت ) ) ) في الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بنبأ فَتَبَيَّنُوا } الْآيَةَ وقال { إذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ من يمضى أَمْرَهُ على أَحَدٍ من عِبَادِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبِينًا قبل أَنْ يُمْضِيَهُ ثُمَّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحُكْمِ خَاصَّةً أَنْ لَا يَحْكُمَ الْحَاكِمُ وهو غَضْبَانُ لِأَنَّ الْغَضْبَانَ مَخُوفٌ على أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا قِلَّةِ التَّثَبُّتِ وَالْآخَرِ أَنَّ الْغَضَبَ قد يَتَغَيَّرُ معه الْعَقْلُ وَيَتَقَدَّمُ بِهِ صَاحِبُهُ على ما لم يَكُنْ يَتَقَدَّمُ عليه لو لم يَكُنْ غَضِبَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ أو لَا يقضى الْقَاضِي بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْقُولٌ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حين يَحْكُمُ في حَالٍ لَا تُغَيِّرُ خُلُقَهُ وَلَا عَقْلَهُ وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عليه تُغَيِّرُ خُلُقَهُ أو عَقْلَهُ انْبَغَى له أَنْ لَا يَقْضِيَ حتى تَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَيَّرَتْ إلَيْهِ سُكُونَ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعَ الْعَقْلِ انْبَغَى له أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فَيَكُونَ حَاكِمًا عِنْدَهَا وقد روى عن الشَّعْبِيِّ وكان قَاضِيًا أَنَّهُ رُئِيَ أَنَّهُ يَأْكُلُ خُبْزًا بِجُبْنٍ فَقِيلَ له فقال آخُذُ حُكْمِي كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الطَّعَامَ يُسَكِّنُ حَرَّ الطَّبِيعَةِ وَأَنَّ الْجُوعَ يُحَرِّكُ حَرَّهَا وَتَتُوقُ النَّفْسُ إلَى الْمَأْكَلِ فَيَشْتَغِلُ عن الْحُكْمِ وإذا كان ( 2 ) مَرِيضًا شَقِيحًا أو تَعِبًا شَقِيحًا فَكُلُّ هذا في حَالِ الْغَضَبِ في بَعْضِ أَمْرِهِ أو أَشَدَّ يَتَوَقَّى الْحُكْمَ وَيَتَوَقَّاهُ على الْمَلَالَةِ فإن الْعَقْلَ يَكِلُّ مع الْمَلَالَةِ وجماعة ما وَصَفْت
____________________

(7/94)


- * بَابُ الْمُشَاوَرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ قال قال أبو هُرَيْرَةَ ما رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال اللَّهُ عز وجل { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } قال الشَّافِعِيُّ قال الْحَسَنُ إنْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَغَنِيًّا عن مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ الْأَمْرُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أو مُشْكِلٌ انْبَغَى له أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غير أَمِينٍ فإنه رُبَّمَا أَضَلَّ من يُشَاوِرُهُ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ من جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ وفي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْحُجَّةُ عليه - * بَابُ أَخْذِ الْوَلِيِّ بِالْوَلِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى ألا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْمَلِكِ بن أَبْجَرَ عن أَبَانَ بن لَقِيطٍ عن أبي رِمْثَةَ قال دَخَلْت مع أبي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا قال ابْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ بِهِ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَا إنَّهُ لَا يجنى عَلَيْك وَلَا تجنى عليه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَمْرِو بن أَوْسٍ قال كان الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حتى جاء إبْرَاهِيمُ فقال اللَّهُ عز وجل { وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى ألا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { ولا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ في بَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَ أو كان حَدًّا لم يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ ولم يُؤْخَذْ ولم يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَ الْعِبَادِ على أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ وَعَاقَبَهُمْ عليها وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ لَا يجنى أَحَدٌ على أَحَدٍ في مَالِهِ إلَّا حَيْثُ خَصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ جِنَايَةَ الخطأ من الْحُرِّ على الْآدَمِيِّينَ على عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا ما سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ من أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ في أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هذا من ضِيَافَةٍ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذلك وَلَيْسَ من وَجْهِ الْجِنَايَةِ - * بَابُ ما يَجِبُ فيه الْيَمِينُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ من ادَّعَى على امْرِئٍ شيئا ما كان من مَالٍ وَقِصَاصٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَسْتَحِقَّ ما ادَّعَى وَلَا يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ في شَيْءِ حتى يَكُونَ مع النُّكُولِ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَحَلَفْت في الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ على الْمُدَّعَى عليه وَتَجْعَلَهَا كُلَّهَا تُرَدُّ على المدعى قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت اسْتِدْلَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد روى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَإِنْ قال وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ من الْكِتَابِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ قال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } فَحَدُّ الرَّامِي بالزنى ثَمَانِينَ وقال في الزَّوْجِ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كان من الصَّادِقِينَ } فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل على الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ ولم يَجْعَلْ له مَخْرَجًا منه إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ من الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ وَيَسْقُطُ عنه الْحَدُّ وَيَلْزَمُهَا إنْ لم تُخْرِجْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَالْتِعَانَهَا وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ
____________________

(7/95)


ينفى الْوَلَدَ ( 1 ) وَالْتِعَانَهُ وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ تَعَالَى عنها الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ مع الْتِعَانِهِ وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ إذَا خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ في شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامِعَةٌ له في غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فيه قد جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عن الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةٍ ونفى وَلَدٍ فَكَانَ الْحَدُّ وَالطَّلَاقُ والنفى مَعًا دَاخِلًا فيها وَلَا يَحِقُّ الْحَدُّ على الْمَرْأَةِ حين يَقْذِفُهَا إلَّا بِيَمِينِ الزَّوْجِ وَتَنْكُلُ عن الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لو لم يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَتَرَكَ الْخُرُوجَ بِالْيَمِينِ منه ولم يَكُنْ على الْمَرْأَةِ حَدٌّ ولم تَلْتَعِنْ أَوَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْأَنْصَارِيِّينَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على الْيَهُودِ لِيَبْرَءُوا بها فلما لم يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ أو لَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بَدَأَ بِالْأَيْمَانِ على الْمُدَّعَى عليهم فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّهَا على الْمُدَّعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * هذا كِتَابُ ما اخْتَلَفَ فيه أبو حَنِيفَةَ وبن أبي لَيْلَى عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - * ( قال ) إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى الْخَيَّاطِ ثَوْبًا فَخَاطَهُ قَبَاءً فقال رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك بِقَمِيصٍ وقال الْخَيَّاطُ أَمَرْتنِي بِقَبَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ وَيَضْمَنُ الْخَيَّاطُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ في ذلك وَلَوْ أَنَّ الثَّوْبَ ضَاعَ من عِنْدِ الْخَيَّاطِ ولم يَخْتَلِفْ رَبُّ الثَّوْبِ وَالْخَيَّاطُ في عَمَلِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ قال لَا ضَمَانَ عليه وَلَا على الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وما أَشْبَهَ ذلك من الْعُمَّالِ إلَّا فِيمَا جَنَتْ أَيْدِيهِمْ وَبَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال لَا ضَمَانَ عليهم وكان بن أبي لَيْلَى يقول هُمْ ضَامِنُونَ لِمَا هَلَكَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لم تَجْنِ أَيْدِيهِمْ فيه قال أبو يُوسُفَ هُمْ ضَامِنُونَ إلَّا أَنْ يَجِيءَ شَيْءٌ غَالِبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا ضَاعَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْخَيَّاطِ أو الْغَسَّالِ أو الصَّبَّاغِ أو أَجِيرٍ أُمِرَ بِبَيْعِهِ أو حَمَّالٍ اُسْتُؤْجِرَ على تَبْلِيغِهِ وَصَاحِبُهُ معه أو تَبْلِيغِهِ وَلَيْسَ صَاحِبُهُ معه من غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سُرِقَ ولم يَجْنِ فيه وَاحِدٌ من الْأُجَرَاءِ شيئا أو غَيْرُ ذلك من وُجُوهِ الضَّيْعَةِ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ من أَخَذَ أَجْرًا على شَيْءٍ ضَمِنَهُ وَمَنْ قال هذا قَاسَهُ على الْعَارِيَّةِ تُضْمَنُ وقال إنَّمَا ضُمِنَتْ الْعَارِيَّةُ لِمَنْفَعَةٍ فيها لِلْمُسْتَعِيرِ فَهُوَ ضَامِنٌ لها حتى يُؤَدِّيَهَا بِالسَّلَامَةِ وَهِيَ كَالسَّلَفِ وقد يَدْخُلُ على قَائِلِ هذا أَنْ يُقَالَ له إنَّ الْعَارِيَّةَ مَأْذُونٌ لَك في الِانْتِفَاعِ بها بِلَا عِوَضٍ أَخَذَهُ مِنْك الْمُعِيرُ وَهِيَ كَالسَّلَفِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَك في الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُك في شَيْءٍ تَعْمَلُهُ فيه فَلَا يُشْبِهُ هذا الْعَارِيَّةَ وقد وَجَدْتُك تُعْطِي الدَّابَّةَ بِكِرَاءٍ فَتَنْتَفِعُ منها بِعِوَضٍ يُؤْخَذُ مِنْك فَلَا تَضْمَنُ إنْ عَطِبَتْ في يَدَيْك وقد ذَهَبَ إلَى تَضْمِينِ الْقَصَّارِ شُرَيْحٌ فَضَمَّنَ قَصَّارًا احْتَرَقَ بَيْتُهُ فقال تُضَمِّنُنِي وقد احْتَرَقَ بَيْتِي فقال شُرَيْحٌ أَرَأَيْت لو احْتَرَقَ بَيْتُهُ كُنْت تَتْرُكُ له أُجْرَتَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عنه بن عُيَيْنَةَ بهذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ إذَا ضَمِنَ الصُّنَّاعُ إلَّا هذا وَأَنْ يَضْمَنَ كُلُّ من أَخَذَ على شَيْءٍ أَجْرًا وَلَا يَخْلُو ما أَخَذَ عليه الْأَجْرَ من أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَالْمَضْمُونُ ضَامِنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ كما لَا تُضْمَنُ الْوَدِيعَةُ بِحَالٍ وقد يُرْوَى من وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ضَمَّنَ الْغَسَّالَ وَالصَّبَّاغَ وقال لَا يُصْلِحُ الناس إلَّا ذلك أخبرنا بِذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بن أبي يحيى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ذلك وَيُرْوَى عن عُمَرَ تَضْمِينُ بَعْضِ الصُّنَّاعِ من وَجْهٍ أَضْعَفَ من هذا
____________________

(7/96)


ولم نَعْلَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَثْبُتُ وقد روى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَنَّهُ كان لَا يُضَمِّنُ أَحَدًا من الْأُجَرَاءِ من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَثَابِتٌ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّهُ قال لَا ضَمَانَ على صَانِعٍ وَلَا على أَجِيرٍ فَأَمَّا ما جَنَتْ أَيْدِي الْأُجَرَاءِ وَالصُّنَّاعِ فَلَا مَسْأَلَةَ فيه وَهُمْ ضَامِنُونَ كما يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ ما جَنَتْ يَدُهُ وَالْجِنَايَةُ لَا تَبْطُلُ عن أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لو تَعَدَّوْا ضَمِنُوا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَأَيْته أَنَّهُ لَا ضَمَانَ على الصُّنَّاعِ إلَّا ما جَنَتْ أَيْدِيهِمْ ولم يَكُنْ يَبُوحُ بِذَلِكَ خَوْفًا من الصُّنَّاعِ - * بَابُ الْغَصْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا وَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ فيها بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ وَأَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عِتْقُهُ جَائِزٌ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْقِيمَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَأَعْتَقَهَا أو بَاعَهَا مِمَّنْ أَعْتَقَهَا أو اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا فَأَعْتَقَهَا أو بَاعَهَا مِمَّنْ أَعْتَقَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وإذا بَطَلَ الْبَيْعُ لم يَجُزْ عِتْقُ الْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الْبَائِعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَوْ تَنَاسَخَهَا ثَلَاثُونَ مُشْتَرِيًا فَأَكْثَرُ وَأَعْتَقَهَا أَيُّهُمْ شَاءَ إذَا لم يُعْتِقْهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَالْبَيْعُ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَيَتَرَادُّونَ لِأَنَّهُ إذَا كان بَيْعُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ الْمِلْكِ فَاسِدًا فَبَاعَهَا الذي لَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فيها بِحَالٍ وَلَا بَيْعُ من بَاعَ بِالْمِلْكِ عنه وَالْبَيْعُ إذَا كان فَاسِدًا لم يَمْلِكْ بِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ لم يَجُزْ عِتْقُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي على عَيْبٍ كان بها دَلَّسَهُ الْبَائِعُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس له أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يقول يَرْجِعُ عليه بِفَضْلِ ما بين الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ من الثَّمَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْمَهْرُ في ( ( ( فيه ) ) ) قَوْلُهُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ من قِيمَتِهَا وَنِصْفَ الْعُشْرِ فَيَجْعَلُ الْمَهْرَ نِصْفَ ذلك وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَطَأْ الْجَارِيَةَ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ بها عَيْبٌ عِنْدَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ ما بين الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ وَبِهِ يَأْخُذُ صَاحِبُهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ ما نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي حَدَثَ عِنْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثَيِّبًا فَأَصَابَهَا ثُمَّ ظَهَرَ منها على عَيْبٍ كان عِنْدَ الْبَائِعِ كان له رَدُّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُنْقِصُهَا شيئا وَإِنَّمَا رَدَّهَا بِمِثْلِ الْحَالِ التي أَخَذَهَا بها وإذا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَرَأَيْنَا الْخِدْمَةَ كَذَلِكَ كان الْوَطْءُ أَقَلَّ ضَرَرًا عليها من خِدْمَةٍ أو خَرَاجٍ لو أَدَّتْهُ بِالضَّمَانِ وَإِنْ كانت بِكْرًا فَأَصَابَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ولم يَفْتَضَّهَا فَكَذَلِكَ وَإِنْ افْتَضَّهَا لم يَكُنْ له رَدُّهَا من قِبَلِ أَنَّهُ قد نَقَصَهَا بِذَهَابِ الْعُذْرَةِ فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً كما لم يَكُنْ يَجُوزُ عليه أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً وَيَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي دَلَّسَ له من أَصْلِ الثَّمَنِ الذي أَعْطَى فيها إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذلك له إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهَا مَعِيبَةً وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ من الْعَيْبِ وَلَا نَعْلَمُهُ ثَبَتَ عن عُمَرَ وَلَا عَلِيٍّ وَلَا خِلَافِهِمَا أَنَّهُ قال خِلَافَ هذا الْقَوْلِ وإذا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَقَضَى له بها الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول على الْوَاطِئِ مَهْرُ مِثْلِهَا على مِثْلِ ما يَتَزَوَّجُ بِهِ الرَّجُلُ مِثْلَهَا يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على الذي بَاعَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول على الْوَاطِئِ الْمَهْرُ على ما ذَكَرْت لَك من قَوْلِهِ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّهُ قد غَرَّهُ منها فَأَدْخَلَ عليه بَعْضُهُمْ فقال وَكَيْفَ يَرْجِعُ عليه في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى بِمَا أَحْدَثَ وهو الذي وطىء أَرَأَيْت لو بَاعَهُ
____________________

(7/97)


ثَوْبًا فَخَرَقَهُ أو أَهْلَكَهُ فَاسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ وَضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كانت الْقِيمَةُ أَكْثَرَ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا من الْوَاطِئِ وَلَا وَقْتَ لِمَهْرِ مِثْلِهَا إلَّا ما يَنْكِحُ بِهِ مِثْلَهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ الذي قَبَضَ منه وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ الذي أَخَذَهُ رَبُّ الْجَارِيَةِ منه لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ هو فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ قُلْت هذا قِيلَ له لِمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا أَنَّ نِكَاحَهَا بَاطِلٌ وَأَنَّ لها إنْ أُصِيبَتْ الْمَهْرَ كانت الْإِصَابَةُ بِشُبْهَةٍ تُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَا يَكُونُ لِلْمُصِيبِ الرُّجُوعُ على من غَرَّهُ لِأَنَّهُ هو الْآخِذُ لِلْإِصَابَةِ وَلَوْ كان يَرْجِعُ بِهِ على من غَرَّهُ لم يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عليه مَهْرٌ لِأَنَّهَا قد تَكُونُ غَارَّةً له فَلَا يَجِبُ لها ما يَرْجِعُ بِهِ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ قد دُلِّسَ له فيها بِعَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أو لم يَعْلَمْهُ فَسَوَاءٌ في الْحُكْمِ وَالْبَائِعُ آثم في التَّدْلِيسِ إنْ كان عَالِمًا فَإِنْ حَدَثَ بها عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ اطَّلَعَ على الْعَيْبِ الذي دُلِّسَ له لم يَكُنْ له رَدُّهَا وَإِنْ كان الْعَيْبُ الذي حَدَثَ بها عِنْدَهُ أَقَلَّ عُيُوبِ الرَّقِيقِ وإذا كان مُشْتَرِيًا فَكَانَ له أَنْ يَرُدَّهَا بِأَقَلِّ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ في مَعِيبٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَكَذَلِكَ عليه لِلْبَائِعِ مِثْلُ ما كان له على الْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّ على الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَيْبِ الذي حَدَثَ في مِلْكِهِ كما لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ وَفِيهِ عَيْبٌ كان في مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّهُ قضي أَنْ يُرَدَّ الْعَبْدُ بِالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي دَلَّسَ له الْبَائِعُ وَرُجُوعُهُ بِهِ كما أَصِفُ لَك أَنْ تُقَوَّمَ الْجَارِيَةُ سَالِمَةً من الْعَيْبِ فَيُقَالَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تُقَوَّمَ وَبِهَا الْعَيْبُ فَيُقَالَ قِيمَتُهَا تِسْعُونَ وَقِيمَتُهَا يوم قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي من الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ تَمَّ الْبَيْعُ ثُمَّ يُقَالُ له ارْجِعْ بِعُشْرِ ثَمَنِهَا على الْبَائِعِ كَائِنًا ما كان قَلَّ أو كَثُرَ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِعِشْرِينَ وَإِنْ كان اشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ رَجَعَ بِخَمْسَةٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ من الْمُشْتَرِي فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْهَا إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْهَا وَلَا تَرْجِعْ بِشَيْءٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ جَارِيَةً فَوَجَدَا بها عَيْبًا فرضى أَحَدُهُمَا بِالْعَيْبِ ولم يَرْضَ الْآخَرُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ حتى يَجْتَمِعَا على الرَّدِّ جميعا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ حِصَّتَهُ وَإِنْ رضى الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ الْجَارِيَةَ صَفْقَةً وَاحِدَةً من رَجُلٍ فَوَجَدَا بها عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ التَّمَسُّكَ فَلِلَّذِي أَرَادَ الرَّدَّ الرَّدُّ وَلِلَّذِي أَرَادَ التَّمَسُّكَ التَّمَسُّكُ لِأَنَّ مَوْجُودًا في بَيْعِ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَالنِّصْفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَالْكُلِّ لو بَاعَهُ كما لو بَاعَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَهَا وللاخر نِصْفَهَا ثُمَّ وَجَدَا بها عَيْبًا كان لِكُلِّ وَاحِدٍ منها رَدُّ النِّصْفِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ الذي أَخَذَ منه وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْسِكَ وَإِنْ رَدَّ صَاحِبُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ وَفِيهِ ثَمَرٌ ولم يَشْتَرِطْ شيئا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يقول من اشْتَرَى نَخْلًا له ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ لِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ من النَّخْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ النَّخْلَ قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كانت لم تُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ ثَمَرَهَا غَيْرُ مُنْكَشِفٍ إلَّا في وَقْتِ الْإِبَارِ وَالْإِبَارُ حين يَبْدُو الِانْكِشَافُ وما لم يَبْدُ الِانْكِشَافُ في الثَّمَرِ فَهُوَ كَالْجَنِينِ في بَطْنِ أُمِّهِ يَمْلِكُهُ من مَلَكَ أُمَّهُ وإذا بَدَا منه الِانْكِشَافُ كان كَالْجَنِينِ قد زَايَلَ أُمَّهُ وَهَذَا كُلُّهُ في مَعْنَى السُّنَّةِ فَإِنْ اشْتَرَى عِنَبًا أو تِينًا
____________________

(7/98)


أو ثَمَرًا أَيَّ ثَمَرٍ ما كان بعد ( ( ( بعدما ) ) ) ما ( ( ( طلع ) ) ) يطلع صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ أنها مُنْكَشِفَةٌ لَا حَائِلَ دُونَهَا في مِثْلِ مَعْنَى النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ وَهَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا له مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا كُلُّهُ مِثْلُ السُّنَّةِ نَصًّا أو شَبِيهٌ بِمَعْنَاهَا لَا يُخَالِفُهُ - * بَابُ الِاخْتِلَافِ في الْعَيْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الدَّابَّةَ أو الثَّوْبَ أو غير ذلك فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا وقال بِعْتنِي وَهَذَا الْعَيْبُ بِهِ فَأَنْكَرَ ذلك الْبَائِعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لقد بَاعَهُ وما هذا الْعَيْبُ بِهِ فَإِنْ قال الْبَائِعُ أنا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه وَلَا يُحَوِّلُهَا عن الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول مِثْلَ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ إذَا اتَّهَمَ المدعى رَدَّ الْيَمِينَ عليه فَيُقَالُ احْلِفْ وَرَدَّهَا فَإِنْ أبي أَنْ يَحْلِفَ لم يَقْبَلْ منه وَقَضَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ أو الثَّوْبَ أو أَيَّ بَيْعٍ ما كان فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فَاخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فقال الْبَائِعُ حَدَثَ عِنْدَك وقال الْمُشْتَرِي بَلْ عِنْدَك فَإِنْ كان عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِحَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ على الْبَتِّ بِاَللَّهِ لقد بَاعَهُ وما هذا الْعَيْبُ بِهِ إلَّا أَنْ يأتى المشترى على دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ فَتَكُونَ الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُشْتَرِي اتَّهَمْنَاهُ أو لم نَتَّهِمْهُ فَإِنْ حَلَفَ رَدَدْنَا عليه السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم نَرْدُدْهَا عليه ولم نُعْطِهِ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ فَقَطْ إنَّمَا نُعْطِيهِ بِالنُّكُولِ إذَا كان مع النُّكُولِ يَمِينُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما ذَكَرْت قِيلَ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْأَنْصَارِيِّينَ بِالْأَيْمَانِ يَسْتَحِقُّونَ بها دَمَ صَاحِبِهِمْ فَنَكَلُوا وَرَدَّ الْأَيْمَانَ على يَهُودَ يَبْرَءُونَ بها ثُمَّ رَأَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه الْأَيْمَانَ على الْمُدَّعَى عليهم الدَّمَ يَبْرَءُونَ بها فَنَكَلُوا فَرَدَّهَا على الْمُدَّعِينَ ولم يُعْطِهِمْ بِالنُّكُولِ شيئا حتى رَدَّ الْأَيْمَانَ وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّصُّ الْمُفَسِّرَةُ تَدُلُّ على سُنَّتِهِ الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه ثُمَّ قَوْلُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه ذلك جُمْلَةٌ دَلَّ عليها نَصُّ حُكْمِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي قال لَا يَعْدُو بِالْيَمِينِ الْمُدَّعَى عليهم يُخَالِفُ هذا فَيَكْثُرُ وَيُحَمِّلُ الحديث ما ليس فيه وقد وَضَعْنَا هذا في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالْيَمِينِ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ على الْبَتِّ فِيمَا تَبَايَعَا فيه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا فَبَرِئَ من كل عَيْبٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالى عنه كان يقول الْبَرَاءَةُ من كل ذلك جَائِزَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ كَائِنًا ما كان أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَبْرَأَهُ من الشِّجَاجِ بريء من كل شَجَّةٍ وَلَوْ أَبْرَأَهُ من الْقُرُوحِ بريء من كل قُرْحَةٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَبْرَأُ من ذلك حتى يسمى الْعُيُوبَ كُلَّهَا بِأَسْمَائِهَا ولم يذكر أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أو شيئا من الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ من الْعُيُوبِ فَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَضَاءَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ بريء من كل عَيْبٍ لم يَعْلَمْهُ ولم يَبْرَأْ من عَيْبٍ عَلِمَهُ ولم يُسَمِّهِ الْبَائِعُ وَيُقْفِهِ عليه وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى هذا تَقْلِيدًا وَأَنَّ فيه مَعْنًى من الْمَعَانِي يُفَارِقُ فيه الْحَيَوَانُ ما سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ ما كانت فيه الْحَيَاةَ فَكَانَ يَتَغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحُولُ طَبَائِعُهُ قَلَّمَا يَبْرَأُ من عَيْبٍ يَخْفَى أو يَظْهَرُ فإذا خَفَى على الْبَائِعِ أُبَرِّئُهُ بِبُرْئِهِ منه فإذا لم يَخَفْ عليه فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْعُيُوبِ على ما نَقَصَهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ يصغر ( ( ( ويصغر ) ) ) وَيَكْبُرُ وَتَقَعُ التَّسْمِيَةُ على ذلك فَلَا يُبَرِّئُهُ منه إلَّا أَنْ يَقِفَهُ عليه وَإِنْ أَصَحَّ في الْقِيَاسِ لَوْلَا التَّقْلِيدُ وما وَصَفْنَا من تَفْرِيقِ الْحَيَوَانِ غَيْرَهُ لَأَنْ لَا يَبْرَأَ من عَيْبٍ كان بِهِ لم يَرَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ وما وَصَفْنَا أَوْلَى بِمَا وَصَفْنَاهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَابَّةً أو خَادِمًا أو دَارًا أو ثَوْبًا أو غير
____________________

(7/99)


ذلك فَادَّعَى فيه رَجُلٌ دَعْوَى ولم يَكُنْ للمدعى على دَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِي الذي في يَدَيْهِ ذلك الْمَتَاعُ على دَعْوَاهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْيَمِينُ عليه أَلْبَتَّةَ بِاَللَّهِ ما لِهَذَا فيه حَقٌّ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما يَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا فيه حَقًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْيَمِينُ عليه بِالْبَتِّ ما لِهَذَا فيه حَقٌّ وَيَسَعُهُ ذلك إذَا لم يَكُنْ يَعْلَمُ لِهَذَا فيه حَقًّا وَهَكَذَا عَامَّةُ الْأَيْمَانِ وَالشَّهَادَاتِ وإذا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي بَيْعًا على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ شَهْرًا أو على أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ شَهْرًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَكُونُ الْخِيَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يقول من اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ فَجَعَلَ الْخِيَارَ كُلَّهُ على قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْخِيَارُ جَائِزٌ شَهْرًا كان أو سَنَةً وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْعَبْدَ أو أَيَّ سِلْعَةٍ ما اشْتَرَى على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ أو الْمُشْتَرِي أو هُمَا مَعًا إلَى مُدَّةٍ يَصِفَانِهَا فَإِنْ كانت الْمُدَّةُ ثَلَاثًا أو أَقَلَّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من ذلك بِطُرْفَةِ عَيْنٍ فَأَكْثَرَ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَازَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا ولم يَجُزْ أَكْثَرُ من ثَلَاثٍ قِيلَ لَوْلَا الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ سَاعَةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إلَى الْبَائِعِ وَيَدْفَعَ الْبَائِعُ جَارِيَتَهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِجَارِيَتِهِ وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَنْتَفِعَا زَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ رَدَّ فإذا كان من أَصْلِ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ الْجَارِيَةَ على أَنْ لَا يَبِيعَهَا صَاحِبُهَا لِأَنِّي إذَا شَرَطْت عليه هذا فَقَدْ نَقَصْته من الْمِلْكِ شيئا وَلَا يَصْلُحُ أَنْ أَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ أخذه منه إلَّا ما مِلْكُهُ عليه تَامٌّ فَقَدْ نَقَصْته بِشَرْطِ الْخِيَارِ كُلَّ الْمِلْكِ حتى حَظَرْته عليه وَأَصْلُ الْبَيْعِ على الْخِيَارِ لَوْلَا الْخَبَرُ كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لِأَنَّا نُفْسِدُ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ منه مِمَّا ذَكَرْت فلما شَرَطَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُصْرَاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وروى عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ جَعَلَ ( 1 ) لِحِبَّانَ بن مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ انْتَهَيْنَا إلَى ما أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْخِيَارِ ولم نُجَاوِزْهُ إذ لم يُجَاوِزْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَك أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَدِّ لِغَايَتِهِ من قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قد تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وفي يَوْمَيْنِ حتى لَا يَشُكَّ فيها فَلَوْ كان الْخِيَارُ إنَّمَا هو لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ له الْخِيَارُ حتى يَعْلَمَ أنها مُصَرَّاةٌ طَالَ ذلك أو قَصُرَ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ في الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ طَالَ ذلك أو قَصُرَ وَلَوْ كان خِيَارُ حِبَّانَ إنَّمَا كان لِاسْتِشَارَةِ غَيْرِهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَشِيرَهُ في مُقَامِهِ وَبَعْدَهُ بِسَاعَةٍ وَأَمْكَنَ فيه أَنْ يَدَعَ الِاسْتِشَارَةَ دَهْرًا فَكَانَ الْخَبَرُ دَلَّ على أَنَّ خِيَارَ ثَلَاثٍ أَقْصَى غَايَةِ الْخِيَارِ فلم يَجُزْ لنا أَنْ نُجَاوِزَهُ وَمَنْ جَاوَزَهُ كان عِنْدَنَا مُشْتَرِطًا بَيْعًا فَاسِدًا ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بَيْعًا على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْمُشْتَرِي ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ على بَيْعٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو أَمِينٌ في ذلك لَا شَيْءَ عليه فيه وَلَوْ أَنَّ الْخِيَارَ كان لِلْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ عليه بِثَمَنِهِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ في قَوْلِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا أو أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيه وَمَنَعْنَا أَنْ نَطْرَحَ الضَّمَانَ عنه أَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ إلَّا على بَيْعٍ يَأْخُذُ من الْمُشْتَرِي بِهِ عِوَضًا فَلَا نَجْعَلُ الْبَيْعَ إلَّا مَضْمُونًا وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ أَمِينًا فيه إنَّمَا يَكُونُ الرَّجُلُ أَمِينًا فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْفَعَةً عَاجِلَةً وَلَا آجِلَةً وَإِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِمَنْفَعَةِ
____________________

(7/100)


رَبِّهِ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ في ذلك كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو للمشتري ( ( ( المشتري ) ) ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيه حتى مَاتَ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا ولم يَبِعْ النِّصْفَ الْآخَرَ ثُمَّ وَجَدَ بها عَيْبًا قد كان الْبَائِعُ دَلَّسَهُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ ما بقى منها وَلَا يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ وَيَقُولَ رُدَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا كما أَخَذْتهَا وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول يَرُدُّ ما في يَدِهِ منها على الْبَائِعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في الثِّيَابِ وفي كل بَيْعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الثَّوْبَ أو السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا من رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ منها على عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ على الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ من نَقْصِ الْعَيْبِ من أَصْلِ الثَّمَنِ وَيُقَالُ له رُدَّهَا كما هِيَ أو احْبِسْ وَإِنَّمَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ أو أُعْتِقَتْ فَصَارَتْ لَا تُرَدُّ بِحَالٍ أو حَدَثَ بها عِنْدَهُ عَيْبٌ فَصَارَ ليس له أَنْ يَرُدَّهَا عليه بِحَالٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا أو بَاعَ بَعْضَهَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّهَا وإذا أَمْكَنَ أَنْ يَرُدَّهَا فَيَلْزَمُ ذلك الْبَائِعَ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يُمْسِكَهَا بيده وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ ( 1 ) ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ فيه شَرْطًا أَنْ يَبِيعَهُ من فُلَانٍ أو يَهَبَهُ لِفُلَانٍ أو على أَنْ يُعْتِقَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْبَيْعُ في هذا فَاسِدٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وقد بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَحْوٌ من ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ على أَنْ لَا يَبِيعَهُ من فُلَانٍ أو على أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أو على أَنْ يُنْفِقَ عليه كَذَا أو على أَنْ يُخَارِجَهُ فَالْبَيْعُ فيه كُلِّهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ غَيْرُ تَمَامِ مِلْكٍ وَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ في هذا إلَّا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وهو الْعِتْقُ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِفِرَاقِ الْعِتْقِ لِمَا سِوَاهُ فَنَقُولُ إنْ اشْتَرَاهُ منه على أَنْ يَعْتِقَهُ فَأَعْتَقَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ قال رَجُلٌ ما فَرْقٌ بين الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ قِيلَ قد يَكُونُ لي نِصْفُ الْعَبْدِ فَأَهَبَهُ وَأَبِيعُهُ وَأَصْنَعُ فيه ما شِئْت غير الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُنِي ضَمَانُ نَصِيبِ شَرِيكِي فيه وَلَا يَخْرُجُ نَصِيبُ شَرِيكِي من يَدِهِ لِأَنَّ كُلًّا مَالِكٌ لِمَا مَلَكَ فَإِنْ أَعْتَقْته وأنا مُوسِرٌ عَتَقَ على نَصِيبِ شَرِيكِي الذي لَا أَمْلِكُ ولم أَعْتِقْ وَضَمِنْت قِيمَتَهُ وَخَرَجَ من يَدَيْ شَرِيكِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَعْتَقَ الْحَمْلَ فَتَلِدُهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَقَعُ عليه الْعِتْقُ وَلَوْ بِعْته لم يَجُزْ الْبَيْعُ مع خِلَافِهِ لِغَيْرِهِ في هذا وفي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وما سِوَاهُمَا ( قال ) وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ من بَيْعٍ فَحَلَّ الْمَالُ فَأَخَّرَهُ عنه إلَى أَجَلٍ آخَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول تَأْخِيرُهُ جَائِزٌ وهو إلَى الْأَجَلِ الْآخَرِ الذي أَخَّرَهُ عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ في ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك على وَجْهِ الصُّلْحِ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ مَالٌ حَالٌّ من سَلَفٍ أو من بَيْعٍ أو أَيِّ وَجْهٍ كان
____________________

(7/101)


فَأَنْظَرَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْمَالِ إلَى مُدَّةٍ من الْمُدَدِ كان له أَنْ يَرْجِعَ في النَّظِرَةِ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أنها لَيْسَتْ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ من مِلْكِهِ إلَى الذي عليه الدَّيْنُ وَلَا شيئا أَخَذَ منه بِهِ عِوَضًا فَنُلْزِمُهُ إيَّاهُ لِلْعِوَضِ الذي يَأْخُذُهُ منه أو نُفْسِدُهُ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ وَلَا فَرْقَ بين السَّلَفِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا في الْبَيْعِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ فَيَجْعَلَانِهِ بَيْعًا غَيْرَهُ بِنَظِرَةٍ أو يَتَدَاعَيَانِ فيه دَعْوَى فَيُصَيَّرَانِهِ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا إلَى أَجَلٍ فَيَلْزَمُهُمَا الْبَيْعُ الذي أَحْدَثَاهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كان له على رَجُلٍ مَالٌ فَتَغَيَّبَ عنه الْمَطْلُوبُ حتى حَطَّ عنه بَعْضَ ذلك الْمَالِ على أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ له بَعْدُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ما حَطَّ عنه من ذلك الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا حَطَّ عنه لِأَنَّهُ تَغَيَّبَ عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ قال إنْ ظَهَرَ لي فَلَهُ مِمَّا عليه كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ قَوْلُهُ هذا يُوجِبُ عليه شيئا في قَوْلِهِمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَغَيَّبَ الرَّجُلُ عليه الدَّيْنُ من الرَّجُلِ فَحَطَّ عنه وهو مُتَغَيِّبٌ شيئا وَأَخَذَ منه الْبَقِيَّةَ ثُمَّ قال إنَّمَا حَطَطْت عنه لِلتَّغَيُّبِ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا حَطَّ عنه وَلَا يَكُونُ هذا من مَعَانِي الْإِكْرَاهِ التي نَطْرَحُهَا عَمَّنْ أُكْرِهَ عليها لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مَوْضُوعٌ عن الْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وفي الْحُكْمِ وَلَيْسَ هذا إكْرَاهًا قد كان يَظْهَرُ له بَعْدَ التَّغَيُّبِ وَيُعَدَّى عليه في التَّغَيُّبِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ غَابَ عنه ولم يَغِبْ وَلَوْ قال الطَّالِبُ إنْ ظَهَرَ لي فَلَهُ وَضْعُ كَذَا فَظَهَرَ له لم يَكُنْ له وَضْعٌ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مُخَاطَرَةٍ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك الْبَيْعِ فَاسِدٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَالُ حَالٌّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في كل مَبِيعٍ إلَى أَجَلٍ لَا يُعْرَفُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ رَدَّهُ وَرَدَّ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَإِنْ كان قَائِمًا بِعَيْنِهِ فقال الْمُشْتَرِي لَا أُرِيدُ الْأَجَلَ وأنا أَنْقُدُ لَك الْمَالَ جَازَ ذلك له في هذا كُلِّهِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَالْمُسَمَّى الْمُوَقَّتُ بِالْأَهِلَّةِ التي سَمَّى اللَّهُ عز وجل فإنه يقول { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وَالْأَهِلَّةُ مَعْرُوفَةٌ الْمَوَاقِيتُ وما كان في مَعْنَاهَا من الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ فإنه يقول في { أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } وَالسِّنِينَ فإنه يقول { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وَكُلُّ هذا الذي لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَالْعَطَاءُ لم يَكُنْ قَطُّ فِيمَا عَلِمْت وَلَا نَرَى أَنْ يَكُونَ أَبَدًا إلَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَلَوْ اجْتَهَدَ الْإِمَامُ غَايَةَ جَهْدِهِ لَدَخَلَهُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْكَرِيمِ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قال لَا تُبَايِعُوا إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ وَلَا إلَى الْعَصِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كُلُّهُ كما قال لِأَنَّ هذا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَكُلُّ بَيْعٍ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَالْبَيْعُ فيه فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ التي اُبْتِيعَتْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْقِيمَةَ وَإِنْ نَقَصَتْ في يَدَيْهِ بِعَيْبٍ رَدَّهَا وما نَقَصَهَا الْعَيْبُ فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي أنا أَرْضَى السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِالْأَجَلِ لم يَكُنْ ذلك له إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُصْلِحَهُ دُونَ الْآخَرِ وَيُقَالُ لِمَنْ قال قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ أَرَأَيْت إذَا زَعَمْت أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَمَتَى صَلَحَ فَإِنْ قال صَلَحَ بِإِبْطَالِ هذا شَرْطَهُ قِيلَ له فَلِهَذَا أَنْ يَكُونَ بَائِعًا مُشْتَرٍ أو إنَّمَا هذا مُشْتَرٍ وَرَبُّ السِّلْعَةِ بَائِعٌ فَإِنْ قال بَلْ رَبُّ السِّلْعَةِ بَائِعٌ قِيلَ له فَهَلْ أَحْدَثَ رَبُّ السِّلْعَةِ بَيْعًا غير الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَقَوْلُك مُتَنَاقِضٌ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْعًا فَاسِدًا حُكْمُهُ كما لم يَصِرْ فيه بَيْعٌ يَصِيرُ بَيْعًا من غَيْرِ أَنْ يَبِيعَهُ مَالِكُهُ
____________________

(7/102)


- * بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَمَرًا قبل أَنْ يَبْلُغَ من أَصْنَافِ الْغَلَّةِ كُلِّهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال إذَا لم يَشْتَرِطْ تَرْكَ ذلك الثَّمَرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فإن الْبَيْعَ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى قَصِيلًا يَقْصِلُهُ على دَوَابِّهِ قبل أَنْ يَبْلُغَ كان ذلك جَائِزًا قال وَلَوْ اشْتَرَى شيئا من الطَّلْعِ حين يَخْرُجُ فَقَطَعَهُ كان جَائِزًا وإذا اشْتَرَاهُ ولم يَشْتَرِطْ تَرْكَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُ فإذا اسْتَأْذَنَ صَاحِبَهُ في تَرْكِهِ فَأَذِنَ له في ذلك فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا خَيْرَ في بَيْعِ شَيْءٍ من ذلك حتى يَبْلُغَ وَلَا بَأْسَ إذَا اشْتَرَى شيئا من ذلك قد بَلَغَ أَنْ يَشْتَرِطَ على الْبَائِعِ تَرْكَهُ إلَى أَجَلٍ وكان أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يقول لَا خَيْرَ في هذا الشَّرْطِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَصْنَافًا من الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ ولم يُسَمِّ قَطْعَهُ وَلَا تَرْكَهُ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ كان الْبَيْعُ فيه فَاسِدًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي ثُمَّ يَتْرُكُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ إبَّانَهُ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ منه شيئا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ على أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ كما لَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ إذَا كان مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ هذا من الْمَعْنَى الذي نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه إنَّمَا نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الثَّمَرَةِ أَنْ تُبَاعَ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وقال أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ من الثَّمَرَةِ ما يَتْرُكُ إلَى مُدَّةٍ يَكُونُ الْمَنْعُ دُونَهَا وَكَذَلِكَ إنَّمَا تأتى الْعَاهَةُ على ما يُتْرَكُ إلَى مُدَّةٍ تَكُونُ الْعَاهَةُ دُونَهَا فَأَمَّا ما يُقْطَعُ مَكَانَهُ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ بِالْأَرْضِ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ فيها حَمْلٌ فلم يذكر النَّخْلَ وَلَا الْحَمْلَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول النَّخْلُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من اشْتَرَى نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ وفي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إذَا كان قد أَبَّرَ وَإِنْ لم يُؤَبِّرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَرْضُ بِالنَّخْلِ لِلْمُشْتَرِي ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِائَةَ ذِرَاعٍ مُكَسَّرَةً من دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ أو عَشْرَةَ أجربة ( ( ( أجرية ) ) ) من أَرْضٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول في ذلك كُلِّهِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ما اشْتَرَى كَمْ هو من الدَّارِ وَكَمْ هو من الْأَرْضِ وَأَيْنَ مَوْضِعُهُ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو جَائِزٌ في الْبَيْعِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَإِنْ كانت الدَّارُ لَا تَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا نَقَصَتْ الدَّارُ على الْبَائِعِ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الدَّارِ ثُلُثًا أو رُبُعًا أو عَشْرَةَ أَسْهُمٍ من مِائَةِ سَهْمٍ من جَمِيعِهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وهو شَرِيكٌ فيها بِقَدْرِ ما اشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ أو نِصْفَ ثَوْبٍ أو نِصْفَ خَشَبَةٍ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ من دَارٍ مَحْدُودَةٍ ولم يُسَمِّ أَذْرُعَ الدَّارِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمِائَةَ قد تَكُونُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو رُبُعًا أو أَقَلَّ فَيَكُونُ قد اشْتَرَى شيئا غير مَحْدُودٍ وَلَا مَحْسُوبٍ مَعْرُوفٍ كَمْ قَدْرُهُ من الدَّارِ فَنُجِيزُهُ وَلَوْ سَمَّى ذَرْعَ جَمِيعِ الدَّارِ ثُمَّ اشْتَرَى منها مِائَةَ ذِرَاعٍ كان جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ هذا منها سَهْمٌ مَعْلُومٌ من جَمِيعِهَا وَهَذَا مِثْلُ شِرَائِهِ سَهْمًا من أَسْهُمٍ منها وَلَوْ قال أشترى مِنْك مِائَةَ ذِرَاعٍ آخُذُهَا من أَيِّ الدَّارِ شِئْت كان الْبَيْعُ فَاسِدًا وَإِنْ كانت الْآجَامُ مَحْظُورَةً وقد حُظِرَ فيها سَمَكٌ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك بَلَغَنَا عن بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ في الْمَاءِ فإنه
____________________

(7/103)


غَرَرٌ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا شِرَاؤُهُ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان السَّمَكُ في بِئْرٍ ( 1 ) أو مَاجِلٍ أو أَجَمَةٍ مَحْظُورَةٍ وكان الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يَرَيَانِهِ فَبَاعَهُ مَالِكُهُ أو شيئا منه يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وهو لَا يُؤْخَذُ حتى يُصَادَ فَالْبَيْعُ فيه بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس بِبَيْعِ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ وَلَا بَيْعِ عَيْنٍ مَقْدُورٍ عليها حين تُبَاعُ فَيُدْفَعُ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فَيَنْتُنَ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَيَكُونُ على مُشْتَرِيهِ في مَوْتِهِ الْمُخَاطَرَةُ في قَبْضِهِ وَلَكِنَّهُ لو كان في عَيْنِ مَاءٍ لَا يَمْتَنِعُ فيه وَيُؤْخَذُ بِالْيَدِ مَكَانَهُ جَازَ بَيْعُهُ كما يَجُوزُ إذَا أُخْرِجَ فَوُضِعَ على الْأَرْضِ وإذا حُبِسَ الرَّجُلُ في الدَّيْنِ وَفَلَّسَهُ الْقَاضِي فَبَاعَ في السِّجْنِ وَاشْتَرَى وَأَعْتَقَ أو تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أو وَهَبَ هِبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ من مَالِهِ في الدَّيْنِ وَلَيْسَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ شَيْءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ قد يُفْلِسُ الْيَوْمَ وَيُصِيبُ غَدًا مَالًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَيَبِيعُ مَالَهُ وَيَقْضِيهِ الْغُرَمَاءَ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِ بن أبي لَيْلَى ما خَلَا الْعَتَاقَةَ في الْحَجْرِ وَلَيْسَ من قَبِيلِ التَّفْلِيسِ وَلَا نُجِيزُ شيئا سِوَى الْعَتَاقَةَ من ذلك أَبَدًا حتى يقضى دَيْنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ وَجَمِيعُ ما أَحْدَثَ في مَالِهِ كان ذَا دَيْنٍ أو غير ذِي دَيْنٍ وَذَا وَفَاءٍ أو غير ذِي وَفَاءٍ حتى يُسْتَعْدَى عليه في الدَّيْنِ فإذا اسْتَعْدَى عليه فَثَبَتَ عليه شَيْءٌ أو أَقَرَّ منه بِشَيْءٍ انْبَغَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عليه مَكَانَهُ وَيَقُولَ قد حَجَرْت عليه حتى أقضى دَيْنَهُ وَفَلَّسْته ثُمَّ يحصى مَالَهُ وَيَأْمُرَهُ بِأَنْ يَجْتَهِدَ في التَّسَوُّمِ وَيَأْمُرَ من يَتَسَوَّمَ بِهِ ثُمَّ يُنْفِذُ الْقَاضِي فيه الْبَيْعَ بِأَغْلَى ما يَقْدِرُ عليه فيقضى دَيْنَهُ فإذا لم يَبْقَ عليه دَيْنٌ أَحْضَرَهُ فَأَطْلَقَ الْحَجْرَ عنه وَعَادَ إلَى أَنْ يَجُوزَ له في مَالِهِ كُلُّ ما صَنَعَ إلَى أَنْ يُسْتَعْدَى عليه في دَيْنِ غَيْرِهِ وما اسْتَهْلَكَ من مَالِهِ في الْحَالَةِ التي حَجَرَ فيها عليه بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ مَرْدُودٌ وإذا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَتَاعًا يَبِيعُهُ ولم يُسَمِّ بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هو جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَأْمُورُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْمَتَاعِ حتى يَدْفَعَهُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ فإذا خَرَجَ الثَّمَنُ من عِنْدِ الْمُشْتَرِي وَفِيهِ فَضْلٌ عن الْقِيمَةِ فإنه يَرُدُّ ذلك الْفَضْلَ على رَبِّ الْمَتَاعِ وَإِنْ كان أَقَلَّ من الْقِيمَةِ لم يَضْمَنْ غير الْقِيمَةِ الْمَاضِيَةِ ولم يَرْجِعْ الْبَائِعُ على رَبِّ الْمَتَاعِ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ سِلْعَةً فقال بِعْهَا ولم يَقُلْ بِنَقْدٍ وَلَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِمَا رَأَيْت من نَقْدٍ أو نَسِيئَةٍ فَالْبَيْعُ على النَّقْدِ فَإِنْ بَاعَهَا بِنَسِيئَةٍ كان له نَقْضُ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما وَكَّلَ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِنَقْدٍ فَإِنْ فَاتَتْ فَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ لم يَرْجِعْ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالْفَضْلِ مِمَّا أَخَذَ رَبُّ السِّلْعَةِ عَمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ لم يُؤْخَذْ منه إلَّا ما لَزِمَهُ من قِيمَةِ السِّلْعَةِ التي أَتْلَفَهَا إذَا كان الْبَيْعُ فيها لم يَتِمَّ ( قال ) وإذا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك وأنا بِالْخِيَارِ وقال الْمُشْتَرِي بِعْتنِي ولم يَكُنْ لَك خِيَارٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْبَائِعُ بِعْتُك على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وقال الْمُشْتَرِي بِعْتنِي ولم تَشْتَرِطْ خِيَارًا تَحَالَفَا وكان الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَاخْتِلَافِهِمَا في الثَّمَنِ نَحْنُ نَنْقُضُ الْبَيْعَ بِاخْتِلَافِهِمَا في الثَّمَنِ وَنَنْقُضُهُ بِادِّعَاءِ هذا أَنْ يَكُونَ له الْخِيَارُ وَأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِالْبَيْعِ إلَّا بِخِيَارٍ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كان الْقَوْلُ
____________________

(7/104)


فيه هَكَذَا ( قال ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِجَارِيَةٍ وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَارِيَةِ التي قَبَضَ عَيْبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ جَارِيَتَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قد انْتَقَضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا صَحِيحَةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في جَمِيعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَايَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَارِيَةِ التي قَبَضَ عَيْبًا رَدَّهَا وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ التي بَاعَ بها وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا جَمِيعُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَهَكَذَا إنْ كانت مع إحْدَاهُمَا دَرَاهِمُ أو عَرَضٌ من الْعُرُوضِ وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ في يَدِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَوَجَدَ الْآخَرُ عَيْبًا بِالْجَارِيَةِ الْحَيَّةِ رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الثَّمَنُ الذي دَفَعَ كما يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ الذي دَفَعَ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بَيْعًا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِي وَلَا نُبَالِي أَحَضَرَ الْآمِرُ أَمْ لَا وَلَا نُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرَ وَلَا نَرَى على الْمُشْتَرِي يَمِينًا إنْ قال الْبَائِعُ الْآمِرُ قد رضى بِالْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ التي بها الْعَيْبُ حتى يَحْضُرَ الْآمِرُ فَيَحْلِفَ ما رضي بِالْعَيْبِ وَلَوْ كان غَائِبًا بِغَيْرِ ذلك الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ معه مَالُ مُضَارَبَةٍ أتى بِلَادًا يَتَّجِرُ فيها بِذَلِكَ الْمَالِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ما اشْتَرَى من ذلك فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يَسْتَحْلِفَ على رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي الْمُضَارِبُ أَنْ يَرُدَّ شيئا من ذلك حتى يَحْضُرَ رَبُّ الْمَالِ فَيَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما رضى بِالْعَيْبِ وَإِنْ لم يَرَ الْمَتَاعَ وَإِنْ كان غَائِبًا أَرَأَيْت رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا فَبَاعَ له مَتَاعًا أو سِلْعَةً فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا أَيُخَاصِمُ الْبَائِعَ في ذلك أو نُكَلِّفُهُ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرُ رَبَّ الْمَتَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَصْمَهُ في هذا الْبَائِعُ وَلَا نُكَلِّفُهُ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرَ وَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ فَاشْتَرَى له فَهُوَ مِثْلُ أَمْرِهِ بِالْبَيْعِ أَرَأَيْت لو اشْتَرَى مَتَاعًا ولم يَرَهُ أَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ أَمْ لَا يَكُونُ له خِيَارٌ حتى يَحْضُرَ الْآمِرُ أَرَأَيْت لو اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ أَعْمَى قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فقال لَا حَاجَةَ لي فيه أَمَا كان له أَنْ يَرُدَّهُ بهذا حتى يُحْضِرَ الأمر بَلَى له أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يُحْضِرَ الْآمِرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تعالي عنه وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا أو مَوْصُوفَةً أو دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ تِجَارَةً فَوَجَدَ بها عَيْبًا كان له أَنْ يَرُدَّ ذلك دُونَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ عليه أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما رضى رَبُّ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ فِيمَا اشْتَرَى لِرَبِّ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لو قال لَا أَرْضَى بِمَا اشْتَرَى لم يَكُنْ له خِيَارٌ فِيمَا ابْتَاعَ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى شيئا فَحَابَى فيه لم يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ وَكَانَتْ التَّبَاعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ على الْوَكِيلِ لَا على الْمُشْتَرِي منه وَكَذَلِكَ تَكُونُ التَّبَاعَةُ لِلْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي رِضَا رَبِّ الْمَالِ حَلَفَ على عِلْمِهِ لَا على الْبَتِّ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا مُرَابَحَةً على شَيْءٍ مُسَمًّى فَبَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعَ قد خَانَهُ في الْمُرَابَحَةِ وزاد عليه في الْمُرَابَحَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قد بَاعَ الثَّوْبَ وَلَوْ كان عِنْدَهُ الثَّوْبُ كان له أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ما نَقَدَ إنْ شَاءَ وَلَا يَحُطَّهُ شيئا وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُحَطُّ عنه تِلْكَ الْخِيَانَةُ وَحِصَّتُهَا من الرِّبْحِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَوْبًا مُرَابَحَةً فَبَاعَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ الذي بَاعَهُ مُرَابَحَةً قد خَانَهُ في الثَّمَنِ فَقَدْ قِيلَ تُحَطُّ عنه الْخِيَانَةُ بِحِصَّتِهَا من الرِّبْحِ وَيَرْجِعُ عليه بِهِ وَلَوْ كان الثَّوْبُ قَائِمًا لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من إفْسَادِ الْبَيْعِ وَأَنْ يَرُدَّهُ إذَا كان قَائِمًا وَيَجْعَلَهُ بِالْقِيمَةِ إذَا كان فَائِتًا أَنَّ الْبَيْعَ لم يَنْعَقِدْ على مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا انْعَقَدَ على مُحَرَّمٍ على الْخَائِنِ مِنْهُمَا فَإِنْ
____________________

(7/105)


قال قَائِلٌ ما يُشْبِهُ هذا مِمَّا يَجُوزُ فيه الْبَيْعُ بِحَالٍ وَالْبَائِعُ فيه غَارٌّ قِيلَ يُدَلِّسُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْعَيْبَ فَيَكُونُ التَّدْلِيسُ مُحَرَّمًا عليه وما أَخَذَ من ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا كما كان ما أَخَذَ من الْخِيَانَةِ مُحَرَّمًا وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا فيه وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ في رَدِّهِ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الذي سَمَّى له أو فَسْخُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ إلَّا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فإذا وَجَدَ غَيْرَهُ فلم يَرْضَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ إلَى ثَمَنٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لم يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سِلْعَةً فَظَهَرَ فيها عَيْبٌ قبل أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول له أَنْ يَرُدَّهَا إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على الْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول لَا أَقْبَلُ شُهُودًا على الْعَيْبِ حتى يَنْقُدَ الثَّمَنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ السِّلْعَةَ وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ ثَمَنَهَا أو لم يَنْقُدْهُ حتى ظَهَرَ منها على عَيْبٍ يُقِرُّ بِهِ الْبَائِعُ أو يَرَى أو يَشْهَدُ عليه فَلَهُ الرَّدُّ قبل النَّقْدِ كما له الرَّدُّ بَعْدَ النَّقْدِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ على ابْنِهِ وهو كَبِيرٌ دَارًا أو مَتَاعًا من غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا عُذْرٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك على ابْنِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بَيْعُهُ عليه جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ يلى مال ( ( ( ماله ) ) ) نَفْسَهُ فَبَاعَ أَبُوهُ عليه شيئا من مَالِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْوَى أَضْعَافًا أو بِغَيْرِ ما يَسْوَى في غَيْرِ حَاجَةٍ أو حَاجَةٍ نَزَلَتْ بِأَبِيهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وهو كَالْأَجْنَبِيِّ في الْبَيْعِ عليه وَلَا حَقَّ له في مَالِهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ فَيُنْفِقَ عليه بِالْمَعْرُوفِ وَكَذَلِكَ ما اسْتَهْلَكَ من مَالِهِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ مَتَاعًا لِرَجُلٍ وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك عليه وَلَيْسَ سُكُوتُهُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول سُكُوتُهُ إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا لِرَجُلٍ أو خَادِمًا وَالرَّجُلُ الْمَبِيعُ ثَوْبُهُ أو خَادِمُهُ حَاضِرُ الْبَيْعِ لم يُوَكِّلْ الْبَائِعَ ولم يَنْهَهُ عن الْبَيْعِ ولم يُسَلِّمْهُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ صَمْتُهُ رِضًا بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَكُونُ الصَّمْتُ رِضَا الْبِكْرِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَا ( قال ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ نَصِيبًا من دَارِهِ ولم يُسَمِّ ثُلُثًا أو رُبُعًا أو نحو ذلك أو كَذَا وَكَذَا سَهْمًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ على هذا الْوَجْهِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى له الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول إذَا كانت الدَّارُ بين اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أَجَزْت بَيْعَ النَّصِيبِ وَإِنْ لم يُسَمِّ وَإِنْ كانت أَسْهُمًا كَثِيرَةً لم يَجُزْ حتى يسمى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ بين ثَلَاثَةٍ فقال أَحَدُهُمْ لِرَجُلٍ بِعْتُك نَصِيبًا من هذه الدَّارِ ولم يَقُلْ نَصِيبِي فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ النَّصِيبَ منها قد يَكُونُ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ وَأَقَلَّ وَيَكُونُ أَكْثَرَ الدَّارِ فَلَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَوْ قال بِعْتُك نَصِيبِي لم يَجُزْ حتى يَتَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا قد عَرَفَا نَصِيبَهُ قبل عَقْدِ الْبَيْعِ وإذا خَتَمَ الرَّجُلُ على شِرَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس ذلك بِتَسْلِيمٍ لِلْبَيْعِ حتى يَقُولَ سَلَّمْت وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول ذلك تَسْلِيمٌ لِلْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا أتى الرَّجُلُ بِكِتَابٍ فيه شِرَاءٌ بِاسْمِهِ وَخَتَمَ عليه ولم يَتَكَلَّمْ ولم يُشْهِدْ ولم يَكْتُبْ فَالْخَتْمُ ليس بِإِقْرَارٍ إنَّمَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْكَلَامِ وإذا بِيعَ الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ في عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ وهو مَتَاعٌ من مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ أو رَقِيقٌ من رَقِيقِهِمْ قد غَلَبُوهُمْ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ وَيُرَدُّ على أَهْلِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَإِنْ كان الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَالرَّقِيقُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَقَتَلَ الْخَوَارِجَ قبل أَنْ يَبِيعُوهُ رُدَّ على أَهْلِهِ في قَوْلِهِمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْخَوَارِجُ على قَوْمٍ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مُسْتَحِلِّينَ فَبَاعُوهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْإِمَامُ على من هِيَ في يَدَيْهِ أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ وَفَسَخَ الْبَيْعَ وَرَدَّهُ بِالثَّمَنِ على من اشْتَرَى منه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الدَّابَّةَ من النَّصْرَانِيِّ فَادَّعَاهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ وَأَقَامَ عليها بَيِّنَةً من النَّصَارَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ من قِبَلِ أَنَّهُ
____________________

(7/106)


يَرْجِعُ بِذَلِكَ على الْمُسْلِمِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ على النَّصْرَانِيِّ وَلَا يَرْجِعُ على الْمُسْلِمِ بِشَيْءٍ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ حتى يَجْمَعَ الشَّاهِدَانِ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بَالِغَيْنِ عَدْلَيْنِ غير ظَنِينَيْنِ فِيمَا يَشْهَدَانِ فيه بين الْمُشْرِكِينَ وَلَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا لِأَحَدٍ وَلَا على أَحَدٍ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا من بَعْضِ وَرَثَتِهِ وهو مَرِيضٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ذلك إذَا مَاتَ من مَرَضِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بَيْعُهُ جَائِزٌ بِالْقِيمَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْمَرِيضُ بَيْعًا من بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أو بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْبَيْعُ لَا هِبَةَ وَلَا وَصِيَّةَ فَيُرَدُّ وإذا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ مَالًا لِوَلَدِهِ وَوَلَدُهُ كَبِيرٌ وَالرَّجُلُ غَنِيٌّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هو دَيْنٌ على الْأَبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَكُونُ له دَيْنٌ على أبيه وما اسْتَهْلَكَ أَبُوهُ من شَيْءٍ لِابْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عليه فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ مَالًا ما كان من غَيْرِ حَاجَةٍ من الْأَبِ رَجَعَ عليه الِابْنُ كما يَرْجِعُ على الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ أَعْتَقَ له عَبْدًا لم يَجُزْ عِتْقُهُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ اسْتِهْلَاكٍ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ عِتْقُ غَيْرِ الْمَالِكِ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وزاد مَعَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا وقد مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يَرُدُّ الْعَبْدَ وَيَأْخُذُ منه مِائَةَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ صَحِيحَةٌ فَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ هِيَ التي وَجَدَ بها الْعَيْبَ وقد مَاتَ الْعَبْدُ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَسَمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ على الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ وَعَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَيَكُونُ له ما أَصَابَ الْمِائَةُ الدِّرْهَمُ وَيَرُدُّ ( 1 ) ما أَصَابَ الْعَبْدَ من قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا إنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ التي هِيَ في يَدَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وزاد مع الْجَارِيَةِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّ الْعَبْدِ وَقَبْضُ الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ التي دَفَعَ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ التي دَفَعَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا قِيمَتَهَا على الْقَابِضِ من قِبَلِ أنها لو كانت قَائِمَةً رَدَدْنَاهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ هِيَ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمُ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَوَجَدَ بِالْجَارِيَةِ الْعَيْبَ رَدَّهَا وَالْمِائَةَ الدِّرْهَمَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ لو كان قَائِمًا لَأَخَذَهُ فإذا فَاتَ فَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ وَكُلُّ من ابْتَاعَ بَيْعًا فَأَصَابَ عَيْبًا رَدَّهُ وَرَجَعَ بِمَا أَعْطَى في ثَمَنِهِ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَوْبَيْنِ من رَجُلٍ وَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ وَاحِدٌ وَوَجَدَ بِالثَّوْبِ الْآخَرِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَاخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْهَالِكِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا في يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَاخْتَلَفَا في ثَمَنِ الثَّوْبِ فقال الْبَائِعُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وقال الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ من قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قد لَزِمَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ رَدَّهُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ أو أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِهِ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ فَلَا نُعْطِيهِ بقوله ( ( ( بقول ) ) ) الزِّيَادَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي من قِبَلِ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه الثَّمَنُ وهو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ أو شَيْئَيْنِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَيْسَ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ له أَنْ يَنْقُضَهَا - * بَابُ الْمُضَارَبَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَوْبًا يَبِيعُهُ على أَنَّ ما كان فيه من رِبْحٍ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو أَعْطَاهُ دَارًا يَبْنِيهَا وَيُؤَاجِرُهَا على أَنَّ أُجْرَتَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول في
____________________

(7/107)


ذلك كُلِّهِ فَاسِدٌ وَلِلَّذِي بَاعَ أَجْرُ مِثْلِهِ على رَبِّ الثَّوْبِ وَلِبَانِي الدَّارِ أَجْرُ مِثْلِهِ على رَبِّ الدَّارِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَالْأَجْرُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وكان بن أبي لَيْلَى يَجْعَلُ هذا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ لِلْمُزَارَعَةِ وَالنَّخْلِ لِلْمُعَامَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ ثَوْبًا أو سِلْعَةً يَبِيعُهَا بِكَذَا فما زَادَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو بُقْعَةً يَبْنِيهَا على أَنْ يُكْرِيَهَا وَالْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ أَدْرَكَ قبل الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ نَقَضَ وَإِنْ لم يُدْرِكْ حتى يَكُونَ الْبَيْعُ وَالْبِنَاءُ كان لِلْبَائِعِ وَالْبَانِي أَجْرُ مِثْلِهِ وكان ثَمَنُ الثَّوْبِ كُلِّهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ وَالدَّارُ لِرَبِّ الدَّارِ وإذا كان مع الرَّجُلِ مَالُ مُضَارَبَةٍ فَأَدَانَهُ ولم يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ ولم يَنْهَهُ يعنى بِقَوْلِهِ فَأَدَانَهُ الْمُشْتَرِي بِهِ وَبَاعَ بِنَسِيئَةٍ ولم يُقْرِضْهُ وَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا ضَمَانَ على الْمُضَارِبِ وما أَدَانَ من ذلك فَهُوَ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُضَارِبُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يأتى بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَذِنَ له في النَّسِيئَةِ وَلَوْ أَقْرَضَهُ قَرْضًا ضَمِنَ في قَوْلِهِمَا جميعا لِأَنَّ الْقَرْضَ ليس من الْمُضَارَبَةِ أبو حَنِيفَةَ عن حُمَيْدِ بن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عن أبيه عن جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً فَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ في الْعِرَاقِ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ قَاطَعَهُ على الرِّبْحِ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن عبد اللَّهِ بن عَلِيٍّ عن الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن بن يَعْقُوبَ عن أبيه أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى مَالًا مُقَارَضَةً يعنى مُضَارَبَةً أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى زَيْدَ بن خُلَيْدَةَ مَالًا مُقَارَضَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً ولم يَأْمُرْهُ ولم يَنْهَهُ عن الدَّيْنِ فَأَدَانَ في بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو سَلَفٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ هو ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ له رَبُّ الْمَالِ أو تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَذِنَ له في ذلك - * بَابُ السَّلَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ طَعَامٌ أَسْلَمَ إلَيْهِ فيه فَأَخَذَ بَعْضَ طَعَامِهِ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول هو جَائِزٌ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ قال ذلك الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا أَخَذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ فَقَدْ فَسَدَ السَّلَمُ وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ في مَكِيلَةِ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ كُلَّهُ كان جَائِزًا وإذا كان هذا جَائِزًا جَازَ أَنْ يَتَفَاسَخَا نِصْفَ الْبَيْعِ وَيُثْبِتَا نِصْفَهُ وقد سُئِلَ عن هذا بن عَبَّاسٍ فلم يَرَ بِهِ بَأْسًا وقال هذا الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ وَقَوْلُ بن عَبَّاسٍ الْقِيَاسُ وَخَالَفَهُ فيه غَيْرُهُ ( قال ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ في اللَّحْمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال إذَا بَيَّنَ مَوَاضِعَ اللَّحْمِ فقال أَفْخَاذٌ وَجَنُوبٌ وَنَحْوَ هذا فَهُوَ جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في لَحْمٍ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ وَمَوْضِعٍ وَمِنْ سِنٍّ مَعْلُومٍ وَسَمَّى ذلك الشَّيْءَ فَالسَّلَفُ جَائِزٌ - * بَابُ الشُّفْعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ على شِقْصٍ من دَارٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا شُفْعَةَ في ذلك لِأَحَدٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ وَتَأْخُذُ الْمَرْأَةُ قِيمَةَ ذلك منه وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كَيْفَ يَكُونُ ذلك وَلَيْسَ هذا شِرَاءً يَكُونُ فيه شُفْعَةٌ إنَّمَا هذا نِكَاحٌ أَرَأَيْت لو طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كَمْ لِلشَّفِيعِ منها وَبِمَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ أو بِالْمَهْرِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَعَتْ بِشِقْصٍ من دَارٍ
____________________

(7/108)


في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِنَصِيبٍ من دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ فَأَرَادَ شَرِيكُ الْمُتَزَوِّجِ الشُّفْعَةَ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كانت الشُّفْعَةُ تَامَّةً وكان لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ ثَمَنِ الشُّفْعَةِ وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَعَتْ بِشِقْصٍ من دَارٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشِقْصٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَحْسُوبًا فَيَتَزَوَّجَهَا بِمَا قد عَلِمَتْ من الصَّدَاقِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا على شِقْصٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ وَلَا مَعْلُومٍ كان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ولم يَكُنْ فيه شُفْعَةٌ لِأَنَّهُ مَهْرٌ مَجْهُولٌ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَيَنْفَسِخُ الْمَهْرُ وَيُرَدُّ إلَى رَبِّهِ وَيَكُونُ لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا وَبَنَى فيها بِنَاءً ثُمَّ جاء الشَّفِيعُ يَطْلُبُهَا بِالشُّفْعَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ النَّقْضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَجْعَلُ الدَّارَ والبناء لِلشَّفِيعِ وَيَجْعَلُ عليه قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَثَمَنَ الدَّارِ الذي اشْتَرَاهَا بِهِ صَاحِبُ الْبِنَاءِ والا فَلَا شُفْعَةَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ نَصِيبًا من دَارٍ ثُمَّ قَاسَمَ فيه وَبَنَى ثُمَّ طَلَبَهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ قِيلَ له إنْ شِئْت فَأَدِّ الثَّمَنَ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ وَقِيمَةَ الْبِنَاءِ الْيَوْمَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ الشُّفْعَةَ لَا يَكُونُ له إلَّا هذا لِأَنَّهُ بَنَى غير مُتَعَدٍّ فَلَا يَكُونُ عليه هَدْمُ ما بَنَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا أو دَارًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ الشُّفْعَةُ حين عَلِمَ فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ له وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ عِلْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بِيعَ شِقْصٌ من الدَّارِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ عَالِمٌ فَطَلَبَ مَكَانَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ فذكر عُذْرًا من مَرَضٍ أو امْتِنَاعٍ من وُصُولٍ إلَى السُّلْطَانِ أو حَبْسَ سُلْطَانٍ أو ما أَشْبَهَهُ من الْعُذْرِ كان على شُفْعَتِهِ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ما تَرَكَ ذلك رضى بِالتَّسْلِيمِ لِلشُّفْعَةِ وَلَا تَرْكًا لِحَقِّهِ فيه فَإِنْ كان غَائِبًا فَالْقَوْلُ فيه كَهُوَ في مَعْنَى الْحَاضِرِ إذَا أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ أو التَّوْكِيلُ ولم يَكُنْ له حَابِسٌ فَإِنْ تَرَكَ ذلك انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ من الْمُشْتَرِي وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْعُهْدَةُ على الْمُشْتَرِي الذي أَخَذَ الْمَالَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْعُهْدَةُ على الْبَائِعِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَقَعَتْ يوم اشْتَرَى الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فإذا أَخَذَ الرَّجُلُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ من الْمُشْتَرِي فَعُهْدَتُهُ على الْمُشْتَرِي الذي أَخَذَ منه وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي على بَائِعِهِ إنَّمَا تَكُونُ الْعُهْدَةُ على من قَبَضَ الْمَالَ وَقَبَضَ منه الْمَبِيعَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ ليس بِمَالِكٍ وَلَوْ أَبْرَأَ الْآخِذَ بِالشُّفْعَةِ من الثَّمَنِ لم يَبْرَأْ وَلَوْ كان تَبَرَّأَ إلَى الْمُشْتَرِي منه من عَيْبٍ لم يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَشْفِعُ فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْتَشْفِعُ بَعْدَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ كان له رَدُّهُ وإذا كانت الشُّفْعَةُ لِلْيَتِيمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول له الشُّفْعَةُ فَإِنْ كان له وَصِيٌّ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَصِيٌّ كان على شُفْعَتِهِ إذَا أَدْرَكَ فَإِنْ لم يَطْلُبْ الْوَصِيُّ الشُّفْعَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَيْسَ لِلْيَتِيمِ شُفْعَةٌ إذَا أَدْرَكَ وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ إذَا كان أَبُوهُ حَيًّا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا شُفْعَةَ لِلصَّغِيرِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ وَهِيَ بَعْدَهُ لِلشَّرِيكِ الذي قَاسَمَ وَالطَّرِيقُ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَعْدَهُ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وإذا اجْتَمَعَ الْجِيرَان وكان الْتِصَاقُهُمْ سَوَاءً فَهُمْ شُرَكَاءُ في الشُّفْعَةِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بِقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ حتى كَتَبَ إلَيْهِ أبو الْعَبَّاسِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ فَأَخَذَ بِذَلِكَ وكان لَا يقضى إلَّا لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيٍّ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا بِيعَ الشِّقْصُ من الدَّارِ وَلِلْيَتِيمِ فيه شُفْعَةٌ أو الْغُلَامُ في حِجْرِ أبيه فلولى الْيَتِيمِ وَالْأَبِ أَنْ يَأْخُذَا لِلَّذِي يَلِيَانِ بِالشُّفْعَةِ إنْ كانت غِبْطَةً فَإِنْ لم يَفْعَلَا فإذا
____________________

(7/109)


بَلَغَا أَنْ يَلِيَا أَمْوَالَهُمَا كان لَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فإذا عَلِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَرَكَا التَّرْكَ الذي لو أَحْدَثَ الْبَيْعَ في تِلْكَ الْحَالِ فَتَرَكَاهُ انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُمَا وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِيمَا لم يَقْسِمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَكَذَلِكَ لو اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَالْأَرْضَ وَتَرَكُوا بَيْنَهُمْ طَرِيقًا أو تَرَكُوا بَيْنَهُمْ مَشْرَبًا لم تَكُنْ شُفْعَةٌ وَلَا نُوجِبُ الشُّفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ بِشِرْكٍ في طَرِيقٍ وَلَا مَاءٍ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إلَى جُمْلَةِ قَوْلِنَا فَقَالُوا لَا شُفْعَةَ إلَّا فِيمَا بين الْقَوْمِ الشُّرَكَاءِ فإذا بَقِيَتْ بين الْقَوْمِ طَرِيقٌ مَمْلُوكَةٌ لهم أو مَشْرَبٌ مَمْلُوكٌ لهم فَإِنْ كانت الدَّارُ وَالْأَرْضُ مَقْسُومَةً فَفِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في شَيْءٍ من الْمِلْكِ وَرَوَوْا حَدِيثًا عن عبد الْمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَبِيهًا بهذا الْمَعْنَى أَحْسِبُهُ يَحْتَمِلُ شَبِيهًا بهذا الْمَعْنَى وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ قال الْجَارُ أَحَقُّ بسقيه ( ( ( بسقبه ) ) ) إذَا كانت الطَّرِيقُ وَاحِدَةً وَإِنَّمَا مَنَعَنَا من الْقَوْلِ بهذا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَأَبَا الزُّبَيْرِ سَمِعَا جَابِرًا وَأَنَّ بَعْضَ حِجَازِيِّينَا يَرْوِي عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الشُّفْعَةِ شيئا ليس فيه هذا وَفِيهِ خِلَافُهُ وكان اثْنَانِ إذَا اجْتَمَعَا على الرِّوَايَةِ عن جَابِرٍ وكان الثَّالِثُ يُوَافِقُهُمَا أَوْلَى بِالتَّثَبُّتِ في الحديث إذَا اخْتَلَفَ عن الثَّالِثِ وكان الْمَعْنَى الذي بِهِ مَنَعْنَا الشُّفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ قَائِمًا في هذا الْمَقْسُومِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ الشُّفْعَةَ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَلَا يَجِدُ أَحَدٌ قال بهذا الْقَوْلِ مَخْرَجًا من أَنْ يَكُونَ قد جَعَلَ الشُّفْعَةَ فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ فَإِنْ قال فَإِنِّي إنَّمَا جَعَلْتهَا فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ لِأَنَّهُ قد بقى من الْمِلْكِ شَيْءٌ لم تَقَعْ فيه الْحُدُودُ قِيلَ فَيَحْتَمِلُ ذلك الْبَاقِي أَنْ يَجْعَلَ فيه الشُّفْعَةَ فَإِنْ احْتَمَلَ فَاجْعَلْهَا فيه وَلَا تَجْعَلْهَا فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ فَتَكُونُ قد اتَّبَعَتْ الْخَبَرَ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْ فَلَا تَجْعَلْ الشُّفْعَةَ في غَيْرِهِ وقال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ وَلِلشَّرِيكِ إذَا كان الْجَارُ مُلَاصِقًا أو كانت بين الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالدَّارِ التي له فيها الشُّفْعَةُ رَحْبَةٌ ما كانت إذَا لم يَكُنْ فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ كان فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ ضَاقَتْ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ قُلْنَا لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ على أَيِّ شَيْءٍ اعْتَمَدْتُمْ قال على الْأَثَرِ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ فَقِيلَ له فَهَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وَلَكِنَّ هذا جُمْلَةٌ وَحَدِيثُنَا مُفَسِّرٌ قال وَكَيْفَ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَكُمْ قُلْنَا الشَّرِيكُ الذي لم يُقَاسِمْ يُسَمَّى جَارًا وَيُسَمَّى الْمُقَاسِمَ وَيُسَمَّى من بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا فلم يَجُزْ في هذا الحديث إلَّا ما قُلْنَا من أَنَّهُ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ فإذا قُلْنَاهُ لم يَجُزْ ذلك لنا على غَيْرِنَا إلَّا بِدَلَالَةٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشُّفْعَةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ دَلَّ هذا على أَنَّ قَوْلَهُ في الْجُمْلَةِ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّهُ الْجَارُ الذي لم يُقَاسِمْ فَإِنْ قال وتسمى الْعَرَبُ الشَّرِيكَ جَارًا قِيلَ نعم كُلُّ من قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ له جَارٌ قال فَادْلُلْنِي على هذا قِيلَ له قال حَمَلُ بن مَالِكِ بن النَّابِغَةِ كُنْت بين جَارَتَيْنِ لي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ( 1 ) بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِغُرَّةٍ وقال الْأَعْشَى لِامْرَأَتِهِ % أَجَارَتَنَا بينى فَإِنَّكِ طالقة
____________________

(7/110)


فَقِيلَ له فَأَنْتَ إذَا قُلْت هو خَاصٌّ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ لم تَأْتِ فيه بِدَلَالَةٍ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَجْعَلْهُ على من لَزِمَهُ اسْمُ الْجِوَارِ وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وقد خَالَفْتهمَا مَعًا ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الدَّارَ تُبَاعُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الرَّجُلِ رَحْبَةٌ فيها أَلْفُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ إذَا لم يَكُنْ فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ فَيَكُونُ فيها الشُّفْعَةُ وَإِنْ كانت بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذَةٌ عَرْضُهَا ذِرَاعٌ لم تَجْعَلْ فيها الشُّفْعَةَ فَجَعَلْت الشُّفْعَةَ لِأَبْعَدِ الْجَارَيْنِ وَمَنَعْتهَا أَقْرَبَهُمَا وَزَعَمْت أَنَّ من أَوْصَى لِجِيرَانِهِ قُسِمَتْ وَصِيَّتُهُ على من كان بين دَارِهِ وَدَارِهِ أَرْبَعُونَ دَارًا فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ الشُّفْعَةَ على ما قُسِمَتْ عليه الْوَصِيَّةُ إذَا خَالَفْت حَدِيثَنَا وَحَدِيثَ إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ الذي احْتَجَجْت بِهِ قال فَهَلْ قال بِقَوْلِكُمْ أَحَدٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا نعم وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدُ إذْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَقُولَ بِهِ أَحَدٌ قال فَمَنْ قال بِهِ قِيلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وقال بَعْضُ من التَّابِعِينَ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عليه وَغَيْرُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَسَمَّى أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهَا بِهِ فَسَلَّمَ ذلك الشَّفِيعُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّهُ أَخَذَهَا بِدُونِ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هو على شُفْعَتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ بِأَكْثَرَ من الثَّمَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول لَا شُفْعَةَ له لِأَنَّهُ قد سَلَّمَ ورضى ( 1 ) أخبرنا الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ عن مُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ الْحَكَمِ عن يحيى عن عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ لم يُقَاسِمْ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبيه قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ ما كان أبو حَنِيفَةَ عن أبي أُمَيَّةَ عن الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ أو عن سَعْدِ بن مَالِكٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ النَّصِيبَ من الدَّارِ فقال أَخَذْته بِمِائَةٍ فَسَلَّمَ ذلك الشَّفِيعُ ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بَعْدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِأَقَلَّ من الْمِائَةِ فَلَهُ حِينَئِذٍ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَ تَسْلِيمُهُ بِقَاطِعٍ شُفْعَتَهُ إنَّمَا سَلَّمَهُ على ثَمَنٍ فلما عَلِمَ ما هو دُونَهُ كان له الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ من الذي سَلَّمَهُ بِهِ لم يَكُنْ له شُفْعَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ بِالْأَقَلِّ كان الْأَكْثَرُ أَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ بِهِ - * بَابُ الْمُزَارَعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أعطي الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أو الثُّلُثِ أو الرُّبُعِ أو أَعْطَى نَخْلًا أو شَجَرًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أو أَقَلَّ من ذلك أو أَكْثَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ يقول أَرَأَيْت لو لم يَخْرُجْ من ذلك شَيْءٌ أَلَيْسَ كان عَمَلُهُ ذلك بِغَيْرِ أَجْرٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ذلك كُلُّهُ جَائِزٌ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى خَيْبَرَ بِالنِّصْفِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حتى قُبِضَ وَخِلَافَةِ أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَامَّةِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَإِنَّمَا قِيَاسُ هذا عِنْدَنَا مع الْأَثَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يعطى الرَّجُلَ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وقد بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَنْ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُمْ أَعْطُوا مَالًا مُضَارَبَةً وَبَلَغَنَا عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَعَنْ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُمَا كَانَا يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ النَّخْلَ أو الْعِنَبَ يَعْمَلُ فيه على أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو ثُلُثَهَا أو ما تَشَارَطَا عليه من جُزْءٍ منها فَهَذِهِ الْمُسَاقَاةُ الْحَلَالُ التي عَامَلَ عليها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا بَيْضَاءَ على أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ فما أَخْرَجَ اللَّهُ منها من شَيْءٍ فَلَهُ منه جُزْءٌ من الْأَجْزَاءِ فَهَذِهِ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُخَابَرَةُ
____________________

(7/111)


وَالْمُزَارَعَةُ التي نهى عنها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَحْلَلْنَا الْمُعَامَلَةَ في النَّخْلِ خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَرَّمْنَا الْمُعَامَلَةَ في الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَكُنْ تَحْرِيمُ ما حَرَّمْنَا بِأَوْجَبَ عَلَيْنَا من إحْلَالِ ما أَحْلَلْنَا ولم يَكُنْ لنا أَنْ نَطْرَحَ بِإِحْدَى سَنَتَيْهِ الْأُخْرَى وَلَا نُحَرِّمَ بِمَا حَرَّمَ ما أَحَلَّ كما لَا نُحِلُّ بِمَا أَحَلَّ ما حَرَّمَ ولم أَرَ بَعْضَ الناس سَلِمَ من خِلَافِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ لَا الذي أَحَلَّهُمَا جميعا وَلَا الذي حَرَّمَهُمَا جميعا فَأَمَّا ما روى عن سَعْدٍ وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا دَفَعَا أَرْضَهُمَا مُزَارَعَةً فما لَا يَثْبُتُ هو مِثْلُهُ وَلَا أَهْلَ الحديث وَلَوْ ثَبَتَ ما كان في أُحُدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُ وما أَجَازَ من النَّخْلِ وَالْأَرْضِ على الْمُضَارَبَةِ فَعَهِدَنَا بِأَهْلِ الْفِقْهِ يَقِيسُونَ ما جاء عَمَّنْ دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا أَنْ يُقَاسَ سُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على خَبَرِ وَاحِدٍ من الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُ يَلْتَمِسُ أَنْ يُثْبِتَهَا بِأَنْ تُوَافِقَ الْخَبَرَ عن أَصْحَابِهِ فَهَذَا جَهْلٌ إنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ عز وجل لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ الْحَاجَةَ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو أَيْضًا يَغْلَطُ في الْقِيَاسِ إنَّمَا أَجَزْنَا نَحْنُ الْمُضَارَبَةَ وقد جَاءَتْ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ أنها كانت قِيَاسًا على الْمُعَامَلَةِ في النَّخْلِ فَكَانَتْ تَبَعًا قِيَاسًا لَا مَتْبُوعَةً مَقِيسًا عليها فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تُشْبِهُ الْمُضَارَبَةُ الْمُسَاقَاةَ قِيلَ النَّخْلُ قَائِمَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ دَفَعَهَا على أَنْ يَعْمَلَ فيها الْمُسَاقِي عَمَلًا يُرْجَى بِهِ صَلَاحُ ثَمَرِهَا على أَنَّ له بَعْضَهَا فلما كان الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لِرَبِّ الْمَالِ في يَدَيْ من دَفَعَ إلَيْهِ يَعْمَلُ فيه عَمَلًا يَرْجُو بِهِ الْفَضْلَ جَازَ له أَنْ يَكُونَ له بَعْضُ ذلك الْفَضْلِ على ما تَشَارَطَا عليه وكان في مِثْلِ معنى الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ قال فَلِمَ لَا يَكُونُ هذا في الْأَرْضِ قِيلَ الْأَرْضُ لَيْسَتْ بِاَلَّتِي تَصْلُحُ فَيُؤْخَذُ منه الْفَضْلُ إنَّمَا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ من غَيْرِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَائِمٍ يُبَاعُ وَيُؤْخَذُ فَضْلُهُ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا شَيْءَ مُثْمِرٌ بَالِغٌ فَيُؤْخَذُ ثَمَرُهُ كَالنَّخْلِ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ يَحْدُثُ فيها ثُمَّ بِتَصَرُّفٍ لَا في مَعْنَى وَاحِدٍ من هَذَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا عليها وهو مُفَارِقٌ لها في المبتدأ وَالْمُتَعَقَّبِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا ما جَازَ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ نهى عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحِلُّ بِهِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ كما جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ رَقَبَةً فلم يَقِسْ عليها الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ بِالْجِمَاعِ وَكُلٌّ أَفْسَدَ فَرْضًا بِالْجِمَاعِ - * بَابُ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ الدَّعْوَى قِبَلَ رَجُلٍ في دَارٍ أو دَيْنٍ أو غَيْرِ ذلك فَأَنْكَرَ ذلك الْمُدَّعَى عليه الدَّعْوَى ثُمَّ صَالَحَهُ من الدَّعْوَى وهو مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول في هذا جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُجِيزُ الصُّلْحَ على الْإِنْكَارِ وكان أبو حَنِيفَةَ يقول كَيْفَ لَا يَجُوزُ هذا وَأَجْوَزُ ما يَكُونُ الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ وإذا وَقَعَ الْإِقْرَارُ لم يَقَعْ الصُّلْحُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دَعْوَى فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه ثُمَّ صَالَحَ المدعى من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ وهو مُنْكِرٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ بَاطِلًا من قِبَلِ أَنَّا لَا نُجِيزُ الصُّلْحَ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْبُيُوعُ من الْأَثْمَانِ الْحَلَالِ الْمَعْرُوفَةِ فإذا كان هذا هَكَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ من أَجَازَ الصُّلْحَ على الْإِنْكَارِ كان هذا عِوَضًا وَالْعِوَضُ كُلُّهُ ثَمَنٌ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ إلَّا بِمَا تَصَادَقَا عليه الْمُعَوَّضُ وَالْمُعَوِّضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في هذا أَثَرٌ يَلْزَمُ فَيَكُونُ الْأَثَرُ أَوْلَى من الْقِيَاسِ وَلَسْت أَعْلَمُ فيه أَثَرًا يَلْزَمُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ أَقُولُ وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ الطَّالِبَ عن الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبُ مُتَغَيِّبٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول الصُّلْحُ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الصُّلْحُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُتَغَيِّبٌ عن الطَّالِبِ وَكَذَلِكَ لو أَخَّرَ عنه دَيْنًا عليه وهو مُتَغَيِّبٌ كان قَوْلُهُمَا جميعا على ما وَصَفْت لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ وَالْمُصَالَحُ عنه غَائِبٌ أو أَنْظَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وهو غَائِبٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أُبْطِلُ بِالتَّغَيُّبِ شيئا
____________________

(7/112)


أُجِيزُهُ في الْحُضُورِ لِأَنَّ هذا ليس من مَعَانِي الْإِكْرَاهِ الذي أَرُدُّهُ وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أو بَاعَ بَيْعًا أو أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ أَكْرَهَهُ على ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ذلك كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أَقْبَلُ منه بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَهَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ على الْإِكْرَاهِ وَأَرُدُّ ذلك عليه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْإِكْرَاهُ في مَوْضِعٍ أُبْطِلَ فيه الدَّمُ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ على الْإِكْرَاهِ وَتَفْسِيرُ ذلك أَنَّ رَجُلًا لو شَهَرَ على رَجُلٍ سَيْفًا فقال لَتَقْرُنَ أو لَأَقْتُلَنك فقال أَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ على الْإِكْرَاهِ وَأُبْطِلُ عنه ذلك الْإِقْرَارَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على بَيْعٍ أو إقْرَارٍ أو صَدَقَةٍ ثُمَّ أَقَامَ الْمُكْرَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ ذلك كُلَّهُ وهو مُكْرَهٌ أَبْطَلْت هذا كُلَّهُ عنه وَالْإِكْرَاهُ مِمَّنْ كان أَقْوَى من الْمُكْرَهِ في الْحَالِ التي يَكْرَهُهُ فيها التي لَا مَانِعَ له فيها من إكْرَاهِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ هو بِنَفْسِهِ سُلْطَانًا كان أو لِصًّا أو خَارِجِيًّا أو رَجُلًا في صَحْرَاءَ أو في بَيْتٍ مُغْلَقٍ على من هو أَقْوَى منه وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِحَقِّ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) بعد ما قَامَا من عِنْدِ الْقَاضِي وَقَامَتْ عليه بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وهو يَجْحَدُ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا إقْرَارَ لِمَنْ خَاصَمَ إلَّا عِنْدِي وَلَا صُلْحَ لَهُمَا إلَّا عِنْدِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي في مَجْلِسِ الْحُكْمِ أو غَيْرِ مَجْلِسِهِ أو عَلِمَ الْقَاضِي فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ حَقٌّ قبل الْحُكْمِ أو بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فيه وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ من قال يقضى الْقَاضِي بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يقضى بِشَاهِدَيْنِ على أَنَّهُ عَالِمٌ في الظَّاهِرِ أَنَّ ما شَهِدَا بِهِ كما شَهِدَا قَضَى بهذا وكان عِلْمُهُ أَوْلَى من شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَشُهُودٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ في عِلْمِهِ وَيَشُكُّ في شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمَنْ قال الْقَاضِي كَرَجُلٍ من الناس قال إنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ شَاهِدًا وَكَلَّفَ الْخَصْمَ شَاهِدَيْنِ غَيْرَهُ وكان حُكْمُهُ كَحُكْمِ من لم يَسْمَعْ شيئا ولم يَعْلَمْهُ وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ قد جَاءَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ له حَقًّا فَسَأَلَهُ أَنْ يقضى له بِهِ فقال ائْتِنِي بِشَاهِدَيْنِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ أقضى لَك قال أنت تَعْلَمُ حَقِّي قال فَاذْهَبْ إلَى الْأَمِيرِ فأشهد لَك وَمَنْ قال هذا قال إنَّ اللَّهَ عز وجل تَعَبَّدَ الْخَلْقَ بِأَنْ تُؤْخَذَ منهم الْحُقُوقُ إذَا تَجَاحَدُوا بِعَدَدِ بَيِّنَةٍ فَلَا تُؤْخَذُ بِأَقَلَّ منها وَلَا تَبْطُلُ إذَا جاؤوا بها وَلَيْسَ الْحَاكِمُ على يَقِينٍ من أَنَّ ما شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ كما شَهِدَتْ وقد يَكُونُ ما هو أَقَلُّ منها عَدَدًا أَزْكَى فَلَا يُقْبَلُ وما تَمَّ الْعَدَدُ أَنْقَصُ من الزَّكَاةِ فَيَقْبَلُونَ إذَا وَقَعَ عليهم أَدْنَى اسْمِ الْعَدْلِ ولم يَجْعَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِهِ كما لم يَجْعَلْ له أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِ وَاحِدٍ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا حَاكِمًا في أَمْرٍ وَاحِدٍ كما لم يَكُنْ له أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ لو عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَكْبَرُ من تَأْدِيَةِ الشَّاهِدَيْنِ الشَّهَادَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إظْهَارَ ذلك لِئَلَّا يَكُونَ الْقَاضِي غير عَدْلٍ فَيَذْهَبَ بِأَمْوَالِ الناس وإذا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ على حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِقَضَاءٍ مُخَالِفٍ لِرَأْيِ الْقَاضِي فَارْتَفَعَا إلَى ذلك الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يَنْبَغِي لِذَلِكَ الْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ على أَنْ يَحْكُمَ الرَّجُلُ بَيْنَهُمَا في شَيْءٍ يَتَنَازَعَانِ فيه فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فارتفعا ( ( ( فارتفعنا ) ) ) إلَى الْقَاضِي فرأي خِلَافَ ما يَرَى الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ في هذا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ إذَا اصْطَلَحَا جميعا على حُكْمِهِ ثَبَتَ الْقَضَاءُ وَافَقَ ذلك قَضَاءَ الْقَاضِي أو خَالَفَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما يَرُدَّ من حُكْمِ الْقَاضِي غَيْرَهُ من خِلَافِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو شَيْءٍ دَاخِلٍ في مَعْنَاهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمَا كَالْفُتْيَا فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ فَيَبْتَدِئُ الْقَاضِي النَّظَرَ بَيْنَهُمَا كما يَبْتَدِئُهُ بين من لم يُحَاكَمْ إلَى أَحَدٍ
____________________

(7/113)


- * بَابُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا هِبَةً أو تَصَدَّقَتْ أو تَرَكَتْ له من مَهْرِهَا ثُمَّ قالت أَكْرَهَنِي وَجَاءَتْ على ذلك بِبَيِّنَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا وأمضى عليها ما فَعَلْت من ذلك وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا على ذلك وَأُبْطِلُ ما صَنَعْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ على زَوْجِهَا بِشَيْءٍ أو وَضَعَتْ له من مَهْرِهَا أو من دَيْنٍ كان لها عليه فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا على ذلك وَالزَّوْجُ في مَوْضِعِ الْقَهْرِ لِلْمَرْأَةِ أَبْطَلْت ذلك عنها كُلَّهُ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ له وَهِيَ دَارٌ فَبَنَاهَا بِنَاءً وَأَعْظَمَ النَّفَقَةَ أو كانت جَارِيَةً صَغِيرَةً فَأَصْلَحَهَا أو صَنَعَهَا حتى شَبَّتْ وَأَدْرَكَتْ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ في شَيْءٍ من ذلك وَلَا في كل هِبَةٍ زَادَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا خَيْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد حَدَثَ فيها في مِلْكِ الْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ لم يَكُنْ في مِلْكِ الْوَاهِبِ أَرَأَيْت إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا كان لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فيه ولم يَهَبْهُ له ولم يَمْلِكْهُ قَطُّ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ في ذلك كُلِّهِ وفي الْوَلَدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ جَارِيَةً أو دَارًا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ في يَدَيْهِ أو بَنَى الدَّارَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الذي ذَكَرَ أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ ولم يَشْتَرِطْ ذلك أَنْ يَرْجِعَ في الْجَارِيَةِ أَيَّ حَالٍ ما كانت زَادَتْ خَيْرًا أو نَقَصَتْ كما لَا يَكُونُ له إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ جَارِيَةً فَزَادَتْ في يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهَا زَائِدَةً فَأَمَّا الدَّارُ فإن الْبَانِيَ إنَّمَا بَنَى ما يَمْلِكُ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يُبْطِلَ بِنَاءَهُ وَلَا يَهْدِمَهُ وَيُقَالُ له إنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَخَذْت نِصْفَ الدَّارِ وَالْبِنَاءِ كما يَكُونُ لَك وَعَلَيْك في الشُّفْعَةِ يبنى فيها صَاحِبُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهَا كما لو أَصْدَقَهَا دَارًا فَبَنَتْهَا لم يَرْجِعْ بِنِصْفِهَا لِأَنَّهُ مَبْنِيًّا أَكْثَرُ قِيمَةً منه غير مبنى وَلَوْ كانت الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ كان الْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبَةِ له لِأَنَّهُ حَادِثٌ في مِلْكِهِ بَائِنٌ منها كَمُبَايَنَةِ الْخَرَاجِ وَالْخِدْمَةِ لها كما لو وَلَدَتْ في يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُصَدَّقَةِ ثُمَّ طَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ كان الْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إنْ أَرَادَ ذلك وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لِابْنِهِ وَابْنُهُ كَبِيرٌ وهو في عِيَالِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان الْوَلَدُ في عِيَالِ أبيه وَإِنْ كان قد أَدْرَكَ فَهَذِهِ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَابْنُهُ في عِيَالِهِ فَإِنْ كان الِابْنُ بَالِغًا لم تَكُنْ الْهِبَةُ تَامَّةً حتى يَقْبِضَهَا الِابْنُ وَسَوَاءٌ كان في عِيَالِهِ أو لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ روى عن أبي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ في الْبَالِغِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ ما كَانُوا صِغَارًا وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لهم إلَّا في حَالِ الصِّغَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا كُلُّ هِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَهِيَ كُلُّهَا من الْعَطَايَا التي لَا يُؤْخَذُ عليها عِوَضٌ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْمُعْطَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا لِرَجُلَيْنِ أو مَتَاعًا وَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُقْسَمُ فَقَبَضَاهُ جميعا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا منها حِصَّتَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وإذا وَهَبَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ وَقَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ وقال أبو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بَعْضَ دَارٍ لَا تُقْسَمُ أو طَعَامًا أو ثِيَابًا أو عَبْدًا لَا يَنْقَسِمُ فَقَبَضَا جميعا الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كما يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا تَنْقَسِمُ أو لَا تَنْقَسِمُ أو عَبْدًا لِرَجُلٍ وَقَبَضَ جَازَتْ الْهِبَةُ وإذا كانت الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِصَاحِبِهِ ولم يَقْسِمْهُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلَةٌ وَلَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّهُ قال لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْسُومَةٌ مَعْلُومَةٌ مَقْبُوضَةٌ بَلَغَنَا عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ نَحَلَ
____________________

(7/114)


عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا من نَخْلٍ له بِالْعَالِيَةِ فلما حَضَرَهُ الْمَوْتُ قال لِعَائِشَةَ إنَّك لم تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَإِنَّمَا هو مَالُ الْوَارِثِ فَصَارَ بين الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ قَبَضَتْهُ وكان إبْرَاهِيمُ يقول لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَهَذَا قَبْضٌ منه لِلْهِبَةِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَائِزَةٌ وإذا وَهَبَ الرَّجُلَانِ دَارًا لِرَجُلٍ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ أنها كانت لِاثْنَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَقَبَضَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالْقَبْضُ أَنْ تَكُونَ كانت في يَدَيْ الْوَاهِبِ فَصَارَتْ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له لَا وَكِيلَ معه فيها أو يُسَلِّمَهَا رَبَّهَا ويخلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى يَكُونَ لَا حَائِلَ دُونَهَا هو وَلَا وَكِيلَ له فإذا كان هذا هَكَذَا كان قَبْضًا وَالْقَبْضُ في الْهِبَاتِ كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ ما كان قَبْضًا في الْبَيْعِ كان قَبْضًا في الْهِبَةِ وما لم يَكُنْ قَبْضًا في الْبَيْعِ لم يَكُنْ قَبْضًا في الْهِبَةِ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا أو أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذلك منها عِوَضًا وَقَبَضَ الْوَاهِبُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ فيه شُفْعَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هذا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شِقْصًا من دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبَةَ له شيئا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِثَوَابٍ كان فيها الشُّفْعَةُ وَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لم يَكُنْ فيها شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ وَهَذَا كُلُّهُ في قَوْلِ من قال لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قال أَرَدْته فَأَمَّا من قال لَا ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لم يَشْتَرِطْهُ في الْهِبَةِ فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وَلَا الثَّوَابُ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا وإذا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِبَةً في مَرَضِهِ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ له حتى مَاتَ الْوَاهِبُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال ) وَلَا تَكُونُ له وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك في ذِكْرِ وَصِيَّتِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ جَائِزَةٌ من الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ الْهِبَةَ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ له حتى مَاتَ لم يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ وَكَانَتْ لِلْوَرَثَةِ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ قال الصَّدَقَةُ إذَا عُلِمَتْ جَازَتْ وَالْهِبَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ في الصَّدَقَةِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ إذا ( ( ( إلا ) ) ) قَبَضَ منها عِوَضًا قَلَّ أو كَثُرَ - * بَابٌ في الْوَدِيعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَدِيعَةً فقال الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ يعنى أَبَا يُوسُفَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا ضَمَانَ عليه وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَتَصَادَقَا عليها ثُمَّ قال الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى رَجُلٍ فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذلك رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَى وإذا اسْتَوْدَعَ
____________________

(7/115)


الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَدِيعَةً فَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهَا معه فقال الْمُسْتَوْدَعُ لَا أَدْرِي أَيُّكُمَا اسْتَوْدَعَنِي هذه الْوَدِيعَةَ وأبي أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُعْطِيهِمَا تِلْكَ الْوَدِيعَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَضْمَنُ لَهُمَا أُخْرَى مِثْلَهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ ما اسْتَوْدَعَ بِجَهَالَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال هذا اسْتَوْدَعَنِيهَا ثُمَّ قال أَخْطَأْت بَلْ هو هذا كان عليه أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الذي أَقَرَّ له بها أَوَّلًا وَيَضْمَنُ للاخر مِثْلَ ذلك لِأَنَّ قَوْلَهُ أَتْلَفَهُ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَتْلَفَهُ هو بِجَهْلِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في الْأَوَّلِ ليس عليه شَيْءٌ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) وَالْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت في يَدَيْ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَزْعُمُ أنها له وَهِيَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِثْلَ الْعَبْدِ وَالْبَعِيرِ وَالدَّارِ فقال هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا هو قِيلَ لَهُمَا هل تَدَّعِيَانِ شيئا غير هذا بِعَيْنِهِ فَإِنْ قَالَا لَا وقال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو لي أَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَا يدرى لِأَيِّهِمَا هو وَوُقِفَ ذلك لَهُمَا جميعا حتى يَصْطَلِحَا فيه أو يُقِيمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على صَاحِبِهِ أَنَّهُ له دُونَهُ أو يَحْلِفَا فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ كان له وَإِنْ نَكَلَا مَعًا فَهُوَ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يُحْتَمَلُ وهو أَنْ يَحْلِفَ الذي في يَدَيْهِ الْوَدِيعَةُ ثُمَّ تَخْرُجُ من يَدَيْهِ وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك فَتُوقَفُ لَهُمَا حتى يَصْطَلِحَا عليه وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال هذا شَيْءٌ ليس في أَيْدِيهِمَا فَأَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا وَاَلَّذِي هو في يَدَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا لَهُمَا وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ وَدِيعَةً فَاسْتَوْدَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول هو ضَامِنٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَاسْتَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ إنْ تَلِفَتْ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ رضي بِأَمَانَتِهِ لَا أَمَانَةِ غَيْرِهِ ولم يُسَلِّطْهُ على أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ وكان مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا إنْ تَلِفَتْ وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ وَقِبَلَهُ وَدِيعَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول جَمِيعُ ما تَرَكَ بين الْغُرَمَاءِ وَصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ شَيْءٌ مَجْهُولٌ ليس بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ فَإِنْ كانت الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ إذَا عَلِمَ ذلك وَكَذَلِكَ قال بن أبي لَيْلَى وأبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُمْ يَتَحَاصُّونَ الْغُرَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْوَدِيعَةِ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن أبي جَعْفَرٍ وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذلك الْحَجَّاجُ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه واذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَمَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ وَأَقَرَّ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) بِعَيْنِهَا أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ كانت الْوَدِيعَةُ لِصَاحِبِهَا فَإِنْ لم تُعْرَفْ الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلَا إقْرَارَ من الْمَيِّتِ وَعُرِفَ لها عَدَدٌ أو قِيمَةٌ كان صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ كَغَرِيمٍ من الْغُرَمَاءِ - * بَابٌ في الرَّهْنِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ارْتَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا فَوَضَعَهُ على يَدَيْ عَدْلٍ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَهَلَكَ من عِنْدِ الْعَدْلِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الرَّهْنُ بِمَا فيه وقد بَطَلَ الدَّيْنُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الدَّيْنُ على الرَّاهِنِ كما هو وَالرَّهْنُ من مَالِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا كان مَوْضُوعًا على يَدَيْ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ فَقَبَضَهُ منه أو قَبَضَهُ عَدْلٌ رَضِيَا بِهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ أو في يَدَيْ الْعَدْلِ فَسَوَاءٌ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنُ كما هو لَا يَنْقُصُ منه شَيْءٌ وقد كَتَبْنَا في هذا كِتَابًا طَوِيلًا وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَالرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول
____________________

(7/116)


الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بهذا الرَّهْنِ من الْغُرَمَاءِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الرَّهْنُ بين الْغُرَمَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْحِصَصِ على قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ وإذا كان الرَّهْنُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ أَحَقُّ بها من الْغُرَمَاءِ وَقَوْلُهُمَا جميعا فيه وَاحِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وقد رَهَنَ رَهْنًا على يَدَيْ صَاحِبِ الدَّيْنِ أو يَدَيْ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِثَمَنِ هذا الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ منه فَإِنْ فَضَلَ فيه فَضْلٌ كان الْغُرَمَاءُ شَرْعًا فيه وَإِنْ نَقَصَ عن الدَّيْنِ حَاصَّ أَهْلَ الدَّيْنِ بِمَا يَبْقَى له في مَالِ الْمَيِّتِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ منها شِقْصٌ وقد قَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ حِفْظِي عنه في كل رَهْنٍ فَاسِدٍ وَقَعَ فَاسِدًا فَصَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ مَالَهُ يُبَاعُ لِدَيْنِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ما بقى من الدَّارِ فَهُوَ رَهْنٌ بِالْحَقِّ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه وَكَيْفَ يَكُونُ ذلك وَإِنَّمَا كان رَهْنُهُ نَصِيبًا غير مَقْسُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ من الدَّارِ شَيْءٌ كان ما يَبْقَى من الدَّارِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الذي كانت الدَّارُ بِهِ رَهْنًا وَلَوْ ابْتَدَأَ نَصِيبَ شِقْصٍ مَعْلُومٍ مُشَاعٍ جَازَ ما جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا جَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَالْقَبْضُ في الرَّهْنِ مِثْلُ الْقَبْضِ في الْبَيْعِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الرَّهْنِ وإذا وَضَعَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ وَسَلَّطَهُ على بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَلَوْ كان مَوْتُ الرَّاهِنِ يُبْطِلُ بَيْعَهُ لَأَبْطَلَ الرَّهْنَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس له أَنْ يَبِيعَ وقد بَطَلَ الرَّهْنُ وَصَارَ بين الْغُرَمَاءِ وَلِلْمُسَلَّطِ أَنْ يَبِيعَهُ في مَرَضِ الرَّاهِنِ وَيَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ خَاصَّةً في قِيَاسِ قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَضَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ وَسَلَّطَهُ على بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ فَهُوَ فيه وَكِيلٌ فإذا حَلَّ الْحَقُّ كان له أَنْ يَبِيعَهُ ما كان الرَّاهِنُ حَيًّا فإذا مَاتَ لم يَكُنْ له الْبَيْعُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أو بِرِضَا الْوَارِثِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَإِنْ رضي بِأَمَانَتِهِ في بَيْعِ الرَّهْنِ فَقَدْ تَحَوَّلَ مِلْكُ الرَّهْنِ لِغَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ الَّذِينَ لم يَرْضَوْا أَمَانَتَهُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يَنْفَسِخُ من قِبَلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إنَّمَا مَلَكُوا من الرَّهْنِ ما كان له الرَّاهِنُ مَالِكًا فإذا كان الرَّاهِنُ ليس له أَنْ يَفْسَخَهُ كان كَذَلِكَ الْوَارِثُ وَالْوَكَالَةُ بِبَيْعِهِ غَيْرُ الرَّهْنِ الْوَكَالَةُ لو بَطَلَتْ لم يَبْطُلْ الرَّهْنُ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا ثُمَّ أَجَّرَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول قد خَرَجَتْ من الرَّهْنِ حين أَذِنَ له أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ رَهْنٌ على حَالِهَا وَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ قَضَاءً من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ أو عَدْلٍ وَأَذِنَ بِكِرَائِهَا فَأُكْرِيَتْ كان الْكِرَاءُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الدَّارِ وَلَا تَخْرُجُ بهذا من الرَّهْنِ وَإِنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكِرَاءَ رَهْنًا أو قِصَاصًا من الدَّيْنِ أَنَّ الْكِرَاءَ سَكَنٌ وَالسَّكَنُ ليس هو الْمَرْهُونُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو بَاعَهُ دَارًا فَسَكَنَهَا أو اسْتَغَلَّهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ كان السَّكَنُ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ أَخَذَ من أَصْلِ الدَّارِ شيئا لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ ما أَخَذَ من الدَّارِ من أَصْلِ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءُ وَالْغَلَّةُ ليس أَصْلَ الْبَيْعِ فلما كان الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنَ رَقَبَةَ الدَّارِ وَكَانَتْ رَقَبَةُ الدَّارِ لِلرَّاهِنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ فيها حَقًّا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ من الْكِرَاءِ وَالسَّكَنِ إلَّا لِلرَّاهِنِ الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ كما كان الْكِرَاءُ وَالسَّكَنُ لِلْمُشْتَرِي الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ في حِينِهِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ ثُلُثَ دَارٍ أو رُبُعَهَا وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ ما جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَقَبْضًا في الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَقَبْضًا في الرَّهْنِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا أو دَابَّةً فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ فَأَذِنَ له رَبُّ الدَّابَّةِ أو الدَّارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ أو الدَّابَّةِ فَانْتَفَعَ بها لم يَكُنْ هذا إخْرَاجًا له من الرَّهْنِ وما لِهَذَا وَإِخْرَاجِهِ من الرَّهْنِ وَإِنَّمَا هذا مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ لَيْسَتْ في أَصْلِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ
____________________

(7/117)


وإذا كان شَيْءٌ لم يَدْخُلْ في الرَّهْنِ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْأَصْلَ ثُمَّ أَذِنَ له في الِانْتِفَاعِ بِمَا لم يَرْهَنْ لم يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ أَلَا تَرَى أَنَّ كِرَاءَ الدَّارِ وَخَرَاجَ الْعَبْدِ لِلرَّاهِنِ - * بَابُ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ علي رَجُلٍ دَيْنٌ فَكَفَلَ له بِهِ عنه رَجُلٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ كانت حَوَالَةً لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ الذي أَحَالَهُ لِأَنَّهُ قد أَبْرَأَهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس له أَنْ يَأْخُذَ الذي عليه الْأَصْلُ فِيهِمَا جميعا لِأَنَّهُ حَيْثُ قَبِلَ منه الْكَفِيلَ فَقَدْ أَبْرَأَهُ من الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قد تَوَى قِبَلَ الْكَفِيلِ فَيَرْجِعَ بِهِ على الذي عليه الْأَصْلُ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عن صَاحِبِهِ كان له أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْمَالُ وَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَ ماله ( ( ( مالا ) ) ) إذَا كانت الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً فَإِنْ كانت الْكَفَالَةُ بِشَرْطٍ كان لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ علي ما شَرَطَ له دُونَ ما لم يَشْرِطْ له وَلَوْ كانت حَوَالَةً فَالْحَوَالَةُ مَعْقُولٌ فيها أنها تَحَوُّلُ حَقٍّ على رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ فإذا تَحَوَّلَتْ عن رَجُلٍ لم يَجُزْ أَنْ يَعُودَ عليه ما تَحَوَّلَ عنه إلَّا بِتَجْدِيدِ عَوْدَتِهِ عليه وَيَأْخُذَ الْمُحَالُ عليه دُونَ الْمُحِيلِ بِكُلِّ حَالٍ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه بَعْدَ ذلك آخَرَ بِنَفْسِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هُمَا كَفِيلَانِ جميعا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول قد بريء الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ حين أَخَذَ الْكَفِيلَ الْآخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ ولم يبريء ( ( ( يبرئ ) ) ) الْأَوَّلَ فَكِلَاهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ وإذا كَفَلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسَمًّى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول هو له ضَامِنٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ عليه الضَّمَانُ في ذلك لِأَنَّهُ ضَمِنَ شيئا مَجْهُولًا غير مُسَمًّى وهو أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَضْمَنُ ما قضي لَك بِهِ الْقَاضِي عليه من شَيْءٍ وما كان لَك عليه من حَقٍّ وما شَهِدَ لك بِهِ الشُّهُودُ وما أَشْبَهَ هذا فَهُوَ مَجْهُولٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ما قَضَى لَك بِهِ الْقَاضِي على فُلَانٍ أو شَهِدَ لَك بِهِ عليه شُهُودٌ أو ما أَشْبَهَ هذا فَأَنَا له ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُقْضَى له وَلَا يُقْضَى له وَيَشْهَدُ له وَلَا يَشْهَدُ له فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا شَهِدَ له بِوُجُوهٍ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ هذا ضَمَانًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانَ بِمَا عَرَفَهُ الضَّامِنُ فَأَمَّا ما لم يَعْرِفْهُ فَهُوَ من الْمُخَاطَرَةِ وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَمَّاهُ ولم يَتْرُكْ الْمَيِّتُ وَفَاءً وَلَا شيئا وَلَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا ضَمَانَ على الْكَفِيلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ قد تَوَى وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْكَفِيلُ ضَامِنٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَرَكَ شيئا ضَمِنَ الْكَفِيلُ بِقَدْرِ ما تَرَكَ وَإِنْ كان تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ ما تَكَفَّلَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بعد ما يَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُ لِمَنْ هو فَالضَّمَانُ له لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شيئا أو لم يَتْرُكْ وإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول كَفَالَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَلَيْسَ يَجُوزُ له الْمَعْرُوفُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول كَفَالَتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا من التِّجَارَةِ وإذا أَفْلَسَ الْمُحْتَالُ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَا يَرْجِعُ على الذي أَحَالَهُ حتى يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عليه وَلَا يَتْرُكَ مَالًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ إذَا أَفْلَسَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَوَالَةُ تَحْوِيلُ حَقٍّ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ بِكَفَالَةٍ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ لَا كَسْبُ مَالٍ وإذا كنا نَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَكَذَلِكَ نَمْنَعُهُ
____________________

(7/118)


أَنْ يَتَكَفَّلَ فَيَغْرَمَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا في شَيْءٍ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ غَيْرَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ليس له ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ أَمَرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ غَيْرَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيبَ أو مَرِضَ فَأَمَّا إذَا كان صَحِيحًا حَاضِرًا فَلَا قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَيْفَ يَكُونُ له أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ولم يَرْضَ صَاحِبُهُ بِخُصُومَةِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا رضي بِخُصُومَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَرِضَ الْوَكِيلُ أو أَرَادَ الْغَيْبَةَ أو لم يُرِدْهَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ له رضى بِوَكَالَتِهِ ولم يَرْضَ بِوَكَالَةِ غَيْرِهِ فَإِنْ قال وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ من رأي كان ذلك له بِرِضَا الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِخُصُومَةٍ وَأَثْبَتَ الْوَكَالَةَ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَرَّ على صَاحِبِهِ الذي وَكَّلَهُ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ حَقٌّ لِصَاحِبِهِ الذي يُخَاصِمُهُ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول إقْرَارُهُ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ قال وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَشَهِدَ عليه الشُّهُودُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَيَخْرُجُ من الْخُصُومَةِ وقال أبو يُوسُفَ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ عليه وكان بن أبي لَيْلَى يقول إقْرَارُهُ بَاطِلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ ولم يَقُلْ في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُقِرَّ عليه وَلَا يُصَالِحَ وَلَا يُبَرِّئَ وَلَا يَهَبَ فَلَيْسَ له أَنْ يُقِرَّ وَلَا يُبَرِّئَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُصَالِحَ فَإِنْ فَعَلَ فما فَعَلَ من ذلك كُلِّهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا لم يُوَكِّلْهُ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا في قِصَاصٍ أو حَدٍّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تُقْبَلُ في ذلك وَكَالَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَرَوَى أبو يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قال أَقْبَلُ من الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةَ في الدَّعْوَى في الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَلَا أُقِيمُ الْحَدَّ وَلَا الْقِصَاصَ حتى يَحْضُرَ المدعى وقال أبو يُوسُفَ لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إلَّا من المدعى وَلَا أَقْبَلُ في ذلك وَكِيلًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُقْبَلُ في ذلك الْوَكَالَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِطَلَبِ حَدٍّ له أو قِصَاصٍ له على رَجُلٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ على تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ وإذا حَضَرَ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لم أَحُدَّهُ ولم أَقْتَصَّ حتى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ له وَالْمُقْتَصُّ له من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُقِرُّ له فَيُبْطِلُ الْحَقَّ وَيُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ فَيُبْطِلُ الْقِصَاصَ وَيَعْفُو وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ دَارٌ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فقال الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَكَّلَنِي بها فُلَانٌ لِرَجُلٍ غَائِبٍ أَقُومُ له عليها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أُصَدِّقُهُ إلَّا أَنْ يأتى على ذلك بِبَيِّنَةٍ وَأَجْعَلُهُ خَصْمًا وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ كان مُتَّهَمًا أَيْضًا لم أَقْبَلْ منه بَيِّنَةً وَجَعَلْته خَصْمًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُهُودٍ أَعْرِفُهُمْ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ منه وَأُصَدِّقُهُ وَلَا نَجْعَلُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةً وكان بن أبي لَيْلَى بَعْدَ ذلك يقول إذَا اتَّهَمْته سَأَلْته الْبَيِّنَةَ على الْوَكَالَةِ فَإِنْ لم يُقِمْ الْبَيِّنَةَ جَعَلْته خَصْمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فقال الذي هِيَ في يَدَيْهِ لَيْسَتْ لي هِيَ في يَدِي وَدِيعَةٌ أو هِيَ على بِكِرَاءٍ أو أنا فيها وَكِيلٌ فَمَنْ قَضَى على الْغَائِبِ سمع من الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَحْضَرَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَإِنْ أَثْبَتَ وَكَالَتَهُ قَضَى عليه وَإِنْ لم يُثْبِتْهَا قَضَى بها لِلَّذِي أَقَامَ عليها الْبَيِّنَةَ وَكَتَبَ في الْقَضَاءِ إنِّي قَضَيْت بها ولم يَحْضُرْنِي فيها خَصْمٌ وَزَعَمَ فُلَانٌ أنها لَيْسَتْ له وَمَنْ لم يَقْضِ على الْغَائِبِ سَأَلَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ على ما يقول فَإِنْ جاء بها على أنها في يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ لم يَجْعَلْهُ خَصْمًا فَإِنْ جاء بِالْبَيِّنَةِ على الْوَكَالَةِ جَعَلْته خَصْمًا ( قال الرَّبِيعُ ) وحفظى عن الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يقضى على الْغَائِبِ قال وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُل مَالٌ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال قد وَكَّلَنِي بِقَبْضِهِ مِنْك فُلَانٌ فقال الذي عليه الْمَالُ صَدَقْت فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول أُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أُجْبِرُهُ على ذلك إلَّا أَنْ يُقِيمَ بينه عليه وَأَقُولُ أنت أَعْلَمُ فَإِنْ شِئْت فَأَعْطِهِ وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ مَالٌ وهو عِنْدَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فذكر أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَكَّلَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ لم أُجْبِرْهُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنْ
____________________

(7/119)


دَفَعَهُ لم يَبْرَأْ من الْمَالِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ رَبُّ الْمَالِ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أو تَقُومَ عليه بينه بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى هذا الذي ادَّعَى الْوَكَالَةَ دَيْنًا على رَبِّ الْمَالِ لم يُجْبَرْ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ على أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ إيَّاهُ بِهِ إقْرَارٌ منه على غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على غَيْرِهِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا في شَيْءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يأتى معه بِخَصْمٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَنُثْبِتُهَا له وَلَيْسَ معه خَصْمٌ وقد كان أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ قد عَرَفَهُ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فقال هذا وَكِيلِي في كل حَقٍّ لي يُخَاصِمُ فيه قَبِلَ ذلك وَأَثْبَتَ وَكَالَتَهُ وإذا تَغَيَّبَ الْخَصْمُ وَكَّلَ له وَكِيلًا وَقَضَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ أَثْبَتَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا حَضَرَ معه خَصْمٌ أو لم يَحْضُرْ وَلَيْسَ الْخَصْمُ من هذا بِسَبِيلٍ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ له الْوَكَالَةَ على الْمُوَكِّلِ وقد تَثْبُتُ له الْوَكَالَةُ وَلَا يَلْزَمُ الْخَصْمَ شَيْءٌ وقد يقضى لِلْخَصْمِ على الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ لِلْخَصْمِ تُثْبِتُ له حَقًّا على الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ ما صَنَعْت من شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا وَكَّلَهُ في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَبَاعَ دَارًا أو غير ذلك كان جَائِزًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ له لم يَزِدْ على هذا فَالْوَكَالَةُ على هذا غَيْرُ جَائِزَةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُوَكِّلُهُ بِبَيْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُوَكِّلُهُ بِحِفْظِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ وَيُوَكِّلُهُ بِدَفْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ فلما كان يَحْتَمِلُ هذه الْمَعَانِيَ وَغَيْرَهَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا حتى يُبَيِّنَ الْوَكَالَاتِ من بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ أو خُصُومَةٍ أو عِمَارَةٍ أو غَيْرِ ذلك وإذا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا أَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نَقْبَلُ ذلك وَنُجِيزُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْبَلُ الْوَكَالَةَ من الْحَاضِرِ من النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ في الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وقد كان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَكَّلَ عِنْدَ عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ حَاضِرٌ فَقَبِلَ ذلك عُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه وكان يُوَكِّلُ قبل عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ عُقَيْلَ بن أبي طَالِبٍ وَلَا أَحْسِبُهُ أَنَّهُ كان يُوَكِّلُهُ إلَّا عِنْدَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَلَعَلَّ عِنْدَ أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه يقول إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا - * بَابٌ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان على الرَّجُلِ دَيْنٌ وكان عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ما تَرَكَ الرَّجُلُ فَهُوَ بين الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ لَا أَنْ يَعْرِفَ وَدِيعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَتَكُونَ له خَاصَّةً وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ دَيْنٌ في مَالِهِ ما لم يَقُلْ قبل الْمَوْتِ قد هَلَكَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لم يُعْلَمْ لها سَبِيلٌ ذَهَبَتْ فيه وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان عِنْدَ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا وَكَانَتْ عليه دُيُونٌ فَالْوَدِيعَةُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ لَا تَدْخُلُ عليه الْغُرَمَاءُ فيها وَلَوْ كانت بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وما لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمَيِّتُ قبل أَنْ يَمُوتَ قد هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قوله ( ( ( قولك ) ) ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه بِدَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِشُهُودٍ في صِحَّتِهِ وَلَيْسَ له وَفَاءٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الْمَعْرُوفِ الذي في صِحَّتِهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ كان لِلَّذِينَ أَقَرَّ لهم في الْمَرَضِ بِالْحِصَصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ حين مَرِضَ أَنَّهُ ليس يَمْلِكُ من مَالِهِ شيئا وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فيه لِمَا عليه من الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ له وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول
____________________

(7/120)


هو مُصَدَّقٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَاَلَّذِي أَقَرَّ له في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت على الرَّجُلِ دُيُونٌ مَعْرُوفَةٌ من بُيُوعٍ أو جِنَايَاتٍ أو شَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ أو شَيْءٍ أَقَرَّ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ في الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَقَرَّ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ ويتحاصون مَعًا لَا يُقَدَّمُ وَاحِدٌ على الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فيه إلَّا هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أو أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ إذَا مَرِضَ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ كَإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ عليه فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ ثُمَّ لَا يُحَاصَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ فَهَذَا تَحَكُّمٌ وَذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِ الصِّحَّةِ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ في الْمَرَضِ بِبَيِّنَةٍ حَاصَّ وَإِنْ لم يَكُنْ بِبَيِّنَةٍ لم يُحَاصَّ وإذا فَرَّعَ الرَّجُلُ أَهْلَ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ بِالْبَيِّنَةِ لم تَجُزْ له وَصِيَّةٌ ولم يُورَثْ حتى يَأْخُذَ هذا حَقَّهُ فَهَذَا دَيْنٌ مَرَّةً يَبْدَأُ على الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرُ دَيْنٍ إذَا صَارَ لَا يُحَاصَّ بِهِ وإذا اسْتَدَانَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول أَفْرِضُ لها على زَوْجِهَا نَفَقَةَ مِثْلِهَا في غَيْبَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عن ذلك فقال لَا شَيْءَ لها وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ فِيمَا أَنْفَقَتْ وَالدَّيْنُ عليها خَاصَّةً وكان بن أبي لَيْلَى لَا يَفْرِضُ لها نَفَقَةً إلَّا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا غَابَ الرَّجُلُ عن امْرَأَتِهِ فلم يُنْفِقْ عليها فُرِضَتْ عليه النَّفَقَةُ لِمَا مَضَى مُنْذُ تَرَكَ النَّفَقَةَ عليها إلَى أَنْ أَنْفَقَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لو كان حَاضِرًا أَلْزَمْنَاهُ نَفَقَتَهَا وَبِعْنَا لها في مَالِهِ ثُمَّ يَغِيبُ عنها أو يَمْنَعُهَا النَّفَقَةَ وَلَا نَجْعَلُ لها عليه دَيْنًا لِأَنَّ الظُّلْمَ إذًا يَقْطَعُ الْحَقَّ الثَّابِتَ وَالظُّلْمُ لَا يَقْطَعُ حَقًّا وَاَلَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَفْرِضُ عليه نَفَقَتَهَا في الْغَيْبَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي على غَائِبٍ إلَّا زَوْجَهَا فإنه يَفْرِضُ عليه نَفَقَتَهَا وهو غَائِبٌ فَيُخْرِجُهَا من مَالِهِ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهَا فَيَجْعَلُهَا أَوْكَدَ من حُقُوقِ الناس مَرَّةً في هذا ثُمَّ يَطْرَحُهَا بِغَيْبَتِهِ إنْ لم تَقُمْ عليه وهو لَا يَطْرَحُ حَقًّا بِتَرْكِ صَاحِبِهِ الْقِيَامَ عليه وَيَعْجَبُ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا في الْحِيَازَةِ وَيَقُولُ الْحَقُّ جَدِيدٌ وَالتَّرْكُ غَيْرُ خُرُوجٍ من الْحَقِّ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحِيَازَةَ في النَّفَقَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ في رِجَالٍ غَابُوا عن نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ ما حَبَسُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَ الْوَاحِدَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفُوا حُكْمَ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ من أَحَدٍ تَرْكَ الْقِيَاسِ وقد تَرَكُوهُ وَقَالُوا فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عليه مِثْلُهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو قِصَاصٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَكُونُ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا على صَاحِبِهِ مَالٌ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ لم يَكُنْ ذلك قِصَاصًا في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عليه مِثْلُهُ لَا يَخْتَلِفَانِ في وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ وَكَانَا حَالَّيْنِ مَعًا فَهُوَ قِصَاصٌ فَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ لم يَكُنْ قِصَاصٌ إلَّا بِتَرَاضٍ ولم يَكُنْ التَّرَاضِي جَائِزًا إلَّا بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْبُيُوعُ وإذا أَقَرَّ وَارِثٌ بِدَيْنٍ وفي نَصِيبِهِ وَفَاءٌ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يستوفى الْغَرِيمُ من ذلك الْوَارِثِ الْمُقِرِّ جَمِيعَ مَالِهِ من نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ له حتى يقضى الدَّيْنَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنَّمَا يَدْخُلُ عليه من الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ من الْمِيرَاثِ فَإِنْ كان هو وَأَخٌ له دخل عليه النِّصْفُ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً دخل عليه الثُّلُثُ وَالشَّاهِدُ عِنْدَهُ منهم وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا في جَمِيعِ الْمِيرَاثِ في قَوْلِهِمَا جميعا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فَإِنْ لم يَكُونَا عَدْلَيْنِ كان ذلك في أَنْصِبَائِهِمَا على ما فَسَّرْنَا من قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وبن أبي لَيْلَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ غير عَدْلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا على أبيه بِدَيْنٍ فَقَدْ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْغَرِيمِ الْمُقَرِّ له أَنْ يَأْخُذَ من الْمُقِرِّ مِثْلَ الذي كان يُصِيبُهُ مِمَّا في يَدَيْهِ لو أَقَرَّ بِهِ
____________________

(7/121)


الْآخَرُ وَذَلِكَ النِّصْفُ من دَيْنِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ وقال غَيْرُهُمْ يَأْخُذُ جَمِيعَ مَالِهِ من هذا فَمَتَى أَقَرَّ له الْآخَرُ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ من يَدَيْهِ على الْوَارِثِ معه فَيُقَاسِمُهُ حتى يَكُونَا في الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ وإذا كَتَبَ الرَّجُلُ بِقَرْضٍ في ذِكْرِ حَقٍّ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَصْلَهُ كان مُضَارَبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول آخُذُهُ بِهِ وَإِقْرَارُهُ على نَفْسِهِ بِالْقَرْضِ أَصْدَقُ من دَعْوَاهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أُبْطِلُهُ عنه وَأَجْعَلُهُ عليه مُضَارَبَةً وهو فيه أَمِينٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ لِلرَّجُلِ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ سَلَفًا ثُمَّ جاء بِالْبَيِّنَةِ أنها مُقَارَضَةٌ سُئِلَ الذي له السَّلَفُ فَإِنْ قال نعم هِيَ مُقَارَضَةٌ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ له ضَامِنًا أَبْطَلْنَا عنه السَّلَفَ وَجَعَلْنَاهَا مُقَارَضَةً وَإِنْ لم يُقِرَّ بهذا رَبُّ الْمَالِ وَادَّعَاهُ الْمَشْهُودُ له أَحَلَفْنَاهُ فَإِنْ حَلَفَ كانت له عليه دَيْنًا وكان إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ أَوْلَى من شُهُودٍ شَهِدُوا له بِأَمْرٍ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا صَدَقُوا فيه وَيَكُونُ أَصْلُهَا مُقَارَضَةً تَعَدَّى فيها فَضَمِنَ أو يَكُونُوا كَذَبُوا وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْبَيِّنَةَ بِمَالٍ في ذِكْرِ حَقٍّ من شَيْءٍ جَائِزٍ فَأَقَامَ الذي عليه الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ من رِبًا وَأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ قد كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ من شَيْءٍ جَائِزٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ منه الْمُخْرَجَ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ثَمَنُ شَيْءٍ جَائِزٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ على ذلك وَيَرُدُّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْبَيِّنَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ الذي عليه الْأَلْفُ الْبَيِّنَةَ أنها من رِبًا فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ على أَصْلِ بَيْعِ رِبَا سُئِلَ الذي له الْأَلْفُ هل كان ما قالوا من الْبَيْعِ ( 1 ) فَإِنْ قالوا لم يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَيْعُ رِبًا قَطُّ وَلَا له حَقٌّ عليه من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ إلَّا هذه الْأَلْفُ وَهِيَ من بَيْعٍ صَحِيحٍ قَبِلْتُ الْبَيِّنَةَ عليه وَأَبْطَلْتُ الرِّبَا كَائِنًا ما كان وَرَدَدْته إلَّا رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ من أَنْ يُقِرَّ بها أَحَلَفْتَهُ له فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْغَرِيمَ الْأَلْفُ وَهِيَ في مِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَى عليه في الْأَلْفِ وَيَكُونَ له أَلْفٌ غَيْرُهَا وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ في ذِكْرِ حَقٍّ من بَيْعٍ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك لم أَقْبِضْ الْمَبِيعَ ولم ( ( ( وتشهد ) ) ) تشهد عليه بَيِّنَةٌ بِقَبْضِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْمَالُ له لَازِمٌ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من الْمَالِ حتي يأتى الطَّالِبُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ قد قَبَضَ الْمَتَاعَ الذي بِهِ عليه ذِكْرُ الْحَقِّ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَسْأَلُ الذي له الْحَقُّ أَبِعْت هذا فَإِنْ قال نعم قُلْت فَأَقِمْ الْبَيِّنَةَ على أَنَّك قد وَفَّيْته مَتَاعَهُ فَإِنْ قال الطَّالِبُ لم أَبِعْهُ شيئا لَزِمَهُ الْمَالُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جاء بِذِكْرِ حَقٍّ وَبَيِّنَةٍ على رَجُلٍ أَنَّ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ أو ما كان فقال الذي عليه الْبَيِّنَةُ إنَّهُ بَاعَنِي هذا الْمَتَاعَ ولم أَقْبِضْهُ كَلَّفْت الذي له الْحَقُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ قد قَبَضَهُ أو أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْت الذي عليه الْحَقُّ ما قَبَضْت الْمَتَاعَ الذي هذه الْأَلْفُ ثَمَنُهُ ثُمَّ أَبْرَأْته من هذه الْأَلْفِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ الشَّيْءَ فَيَجِبُ عليه ثَمَنُهُ بِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ ما اشْتَرَى منه وَيَسْقُطُ عنه الثَّمَنُ بِهَلَاكِ الشَّيْءِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِلثَّمَنِ إلَّا بِأَنْ يَدْفَعَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ وَلَوْ كان الذي له الْأَلْفُ أتى بِذِكْرِ حَقٍّ وَبِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ منه ثُمَّ قال الْمَشْهُودُ عليه لم أَقْبِضْهُ سُئِلَ الْمَشْهُودُ له بِالْأَلْفِ فَإِنْ قال هذه الْأَلْفُ من ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْته إيَّاهُ وَقَبَضَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ قَبَضَهُ وكان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَإِنْ قال قد أَقَرَّ لي بِالْأَلْفِ فَخُذْهُ لي بِإِقْرَارِهِ أَخَذْته له بِهِ وَأَحْلَفْتُهُ على دَعْوَى الْمَشْهُودِ عليه وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِالْبَيِّنَةِ فَشَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْهِ بِالْأَلْفِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا شَهَادَةَ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا قد اخْتَلَفَا وكان بن أبي لَيْلَى يُجِيزُ من ذلك أَلْفَ دِرْهَمٍ ويقضى بها لِلطَّالِبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ كانت الْأَلْفُ جَائِزَةً في قَوْلِهِمَا جميعا وَإِنَّمَا أَجَازَ هذا أبو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كان
____________________

(7/122)


يقول قد سَمَّى الشَّاهِدَانِ جميعا أَلْفًا وقال الْآخَرُ خَمْسَمِائَةٍ فَصَارَتْ هذه مَفْصُولَةً من الْأَلْفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَ له أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ سَأَلْتهمَا فَإِنْ زَعَمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا بها عليه بِإِقْرَارِهِ أو زَعَمَ الذي شَهِدَ بِأَلْفٍ أَنَّهُ شَكَّ في الْأَلْفَيْنِ وَأَثْبَتَ الْأَلْفَ فَقَدْ ثَبَتَ عليه الْأَلْفُ بِشَاهِدَيْنِ إنْ أَرَادَ أَخَذَهَا بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ الْأَلْفَ الْأُخْرَى التي له عليها شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَخَذَهَا بِيَمِينٍ مع شَاهِدٍ وَإِنْ كَانَا اخْتَلَفَا فقال الذي شَهِدَ بِالْأَلْفَيْنِ شَهِدْت بِهِمَا عليه من ثَمَنِ عَبْدٍ قَبَضَهُ وقال الذي شَهِدَ عليه بِأَلْفٍ شَهِدْت بها عليه من ثَمَنِ ثِيَابٍ قَبَضَهَا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفٌ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ أَحَبَّ حَلَفَ مَعَهُمَا وَإِنْ أَحَبَّ حَلَفَ مع أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ إذَا ادَّعَى ما قَالَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ أَلْفَيْنِ أو أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ على شَهَادَةِ رَجُلٍ وَشَهِدَ آخَرُ على شَهَادَةِ نَفْسِهِ في دَيْنٍ أو شِرَاءٍ أو بَيْعٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ على شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَلَا يُقْبَلُ عليه إلَّا شَاهِدَانِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدٍ على شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لم أَقْبَلْ على كل شَاهِدٍ إلَّا شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ مَعًا ( قال الرَّبِيعُ ) من قِبَلِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لو شَهِدَا على شَهَادَةِ شَاهِدٍ لم يَحْكُمْ بها الْحَاكِمُ إلَّا بِشَاهِدٍ آخَرَ فلما شَهِدَا على شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ كَانَا إنَّمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا إجَازَةَ شَهَادَتِهِمَا الْأُولَى التي أَبْطَلَهَا الْحَاكِمُ فلم نُجِزْ إلَّا شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ على كل شَاهِدٍ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على دَارٍ أنها لِفُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بين فُلَانٍ وَفُلَانٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول إنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غير هَؤُلَاءِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا قالوا لَا نَعْلَمُ له وَارِثًا غير هَؤُلَاءِ حتي يُثْبِتُوا ذلك فَيَقُولُوا لَا وَارِثَ له غَيْرَهُمْ وإذا وَارِثٌ غَيْرُهُمْ بِبَيِّنَةٍ أَدْخَلَهُ مَعَهُمْ في الْمِيرَاثِ ولم تَبْطُلْ شَهَادَةُ الْأَوَّلَيْنِ في قَوْلِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هذه الدَّارَ دَارُ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا إلَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ فَإِنْ كان الشَّاهِدَانِ من أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ قضى لَهُمَا بِالْمِيرَاثِ وَإِنْ جاء وَرَثَةٌ غَيْرُهُمْ أَدْخَلْتهمْ عليهم وَكَذَلِكَ لو جاء أَهْلُ وَصِيَّةٍ أو دَيْنٍ فَإِنْ كَانُوا من غَيْرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِالْمَيِّتِ احْتَاطَ الْقَاضِي فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فقال هل تَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ فَإِنْ قالوا نعم قد بَلَغَنَا فَإِنَّا لَا نَقْسِمُ الْمِيرَاثَ حتى نَعْلَمَ كَمْ هُمْ فَنَقْسِمَهُ عليهم فَإِنْ تَطَاوَلَ أَنْ يَثْبُتَ ذلك دَعَا الْقَاضِي الْوَارِثَ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ولم يُجْبِرْهُ إنْ لم يَأْتِ بِكَفِيلٍ وَلَوْ قال الشُّهُودُ لَا وَارِثَ له غَيْرَهُمْ قَبِلْته على مَعْنَى لَا نَعْلَمُ وَلَوْ قالوا ذلك على الْإِحَاطَةِ لم يَكُنْ هذا صَوَابًا منهم ولم يَكُنْ فيه ما رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ على الْبَتِّ تُؤَوَّلُ إلَى الْعِلْمِ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على زِنًا قَدِيمٍ أو سَرِقَةٍ قَدِيمَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَدْرَأُ الْحَدَّ في ذلك ويقضى بِالْمَالِ وَيَنْظُرُ في الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قد وطىء فإذا لم يُقِمْ الْحَدَّ بِالْوَطْءِ فَلَا بُدَّ من مَهْرٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ قال أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا على حَدٍّ لم يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَةِ ذلك فَإِنَّمَا شَهِدُوا على ضِغْنٍ فَلَا شَهَادَةَ لهم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ وَأُمْضِي الْحَدَّ فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِنْ أتى بِهِ وهو غَيْرُ سَكْرَانَ فَلَا حَدَّ عليه وَإِنْ كان أُخِذَ وهو سَكْرَانُ فلم يَرْتَفِعْ إلَى الْوَالِي حتى ذَهَبَ السُّكْرُ عنه إلَّا أَنَّهُ في يَدَيْ الشَّرْطِ أو عَامِلِ الْوَالِي فإنه يُحَدُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على حَدٍّ لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ أو حَدٍّ فيه شَيْءٌ لِلَّهِ عز وجل وَلِلنَّاسِ مِثْلُ الزنى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ على الْمَشْهُودِ عليه أنها بَعْدَ بُلُوغِهِ في حَالٍ يَعْقِلُ فيها أُقِيمُ عليه الْحَدُّ ذلك الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَهُ تَوْبَةً فَيَلْزَمُهُ ما لِلنَّاسِ وَيَسْقُطُ عنه ما لِلَّهِ قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْمُحَارَبِينَ
____________________

(7/123)


{ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم } الْآيَةَ فما كان من حَدٍّ لِلَّهِ تَابَ صَاحِبه من قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عليه سَقَطَ عنه وَالتَّوْبَةُ مِمَّا كان ذَنْبًا بِالْكَلَامِ مِثْلُ الْقَذْفِ وما أَشْبَهَهُ الْكَلَامُ بِالرُّجُوعِ عن ذلك وَالنُّزُوعِ عنه وَالتَّوْبَةُ مِمَّا كان ذَنْبًا بِالْفِعْلِ مِثْلَ الزنى وما أَشْبَهَهُ فَبِتَرْكِ الْفِعْلِ مُدَّةً يُخْتَبَرُ فيها حتى يَكُونَ ذلك مَعْرُوفًا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ من الشَّيْءِ بِتَرْكِ الذي دخل بِهِ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ فيها قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُقَامُ عليه الْحَدُّ وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ الذي جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَرَّ بِالْحَدِّ لم يَأْتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا تَائِبًا وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِهِ وَلَيْسَ طَرْحُ الْحُدُودِ التي لِلَّهِ عز وجل إلَّا في الْمُحَارَبِينَ خَاصَّةً فَأَمَّا ما كان للادميين فَإِنَّهُمْ إنْ كَانُوا قَتَلُوا فَأَوْلِيَاءُ الدَّمِ مُخَيَّرُونَ في قَتْلِهِمْ أو أَخْذِ الدِّيَةِ أو أَنْ يَعْفُوَا وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ أُخِذَ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ فَادَّعَى الْمَشْهُودُ عليه أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ وقال أنا أَجْرَحُهُمْ وَأُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ اُسْتُؤْجِرُوا وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ فُسَّاقٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ الْجَرْحَ على مِثْلِ هذا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَقْبَلُهُ فَأَمَّا غَيْرُ ذلك من مَحْدُودٍ في قَذْفٍ أو شَرِيكٍ أو عَبْدٍ فَهُمَا يَقْبَلَانِ في هذا الْجَرْحِ جميعا وحفظى عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال بَعْدُ يُقْبَلُ الْجُرْحُ إذَا شَهِدَ من أَعْرِفُهُ وَأَثِقُ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على الرَّجُلِ بِشَهَادَةٍ فَعَدَلُوا انْبَغَى لِلْقَاضِي أَنْ يُسَمِّيَهُمْ وما شَهِدُوا بِهِ على الْمَشْهُودِ عليه وَيُمَكِّنَهُ من جَرْحِهِمْ فَإِنْ جاء بِجَرْحَتِهِمْ قَبِلَهَا وَإِنْ لم يَأْتِ بها أمضي عليه الْحَقَّ وَيَقْبَلُ في جَرْحَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا له مُهَاجِرِينَ في الْحَالِ التي شَهِدُوا فيها عليه وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا وَيَقْبَلُ جَرْحَتَهُمْ بِمَا تُجْرَحُ بِهِ الشُّهُودُ من الْفِسْقِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ الشُّهُودُ على جَرْحَتِهِمْ وَلَا يَقْبَلُ منهم الْجَرْحَةَ إلَّا بِأَنْ يُبَيِّنُوا ما يُجْرَحُونَ بِهِ مِمَّا يَرَاهُ هو جَرْحًا فإن من الشُّهُودِ من يُجْرَحُ بِالتَّأْوِيلِ وَبِالْأَمْرِ الذي لَا جَرْحَ في مِثْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ حتى يُثْبِتُوا ما يَرَاهُ هو جَرْحًا كان الْجَارِحُ من شَاءَ أَنْ يَكُونَ في فِقْهٍ أو فَضْلٍ وإذا شَهِدَ الْوَصِيُّ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ على الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أو صَدَقَةٍ في دَارٍ أو هِبَةٍ أو شِرَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ من وَارِثٍ كَبِيرٍ رَشِيدٍ أو أَجْنَبِيٍّ أو وَارِثٍ يَلِيهِ غَيْرُ الْوَصِيِّ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ فيها شَيْءٌ تُرَدُّ له وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ على أَجْنَبِيٍّ وإذا شَهِدَ الْوَصِيُّ على غَيْرِ الْمَيِّتِ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ بِشَيْءٍ له خَاصَّةً فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ على أَجْنَبِيٍّ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا على مَيِّتٍ فَشَهِدَ له شَاهِدَانِ على حَقِّهِ وَشَهِدَ هو وَآخَرُ على وَصِيَّةٍ وَدَيْنٍ لِرَجُلٍ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَضُرُّ نَفْسَهُ بِشَهَادَتِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وإذا شَهِدَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لم تَجُزْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وقال أبو يُوسُفَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْغُرَمَاءُ سَوَاءٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا كان لِرَجُلٍ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ على مَيِّتٍ ثُمَّ شَهِدَ هو وَآخَرُ معه لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَلَا شَيْءَ فيها مِمَّا تُرَدُّ له إنَّمَا تُرَدُّ بِأَنْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بها وَهَذَانِ لم يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لها وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُ لها جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه تُرَدُّ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِوَالِدَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ بعدوا ( ( ( يعدوا ) ) ) من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ وَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا تُرَدُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُمْ زَوْجَةٌ وَلَا أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا خَالٌ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ على شَهَادَةٍ وهو صَحِيحُ الْبَصَرِ ثُمَّ عمى فَذَهَبَ بَصَرُهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ
____________________

(7/124)


رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ تِلْكَ إذَا شَهِدَ بها بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه رَدُّ شَهَادَةَ أَعْمَى شَهِدَ عِنْدَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ إذَا كان شَيْءٌ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقِفَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّى الشَّهَادَةَ وهو أَعْمَى جَازَتْ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ أَكْثَرَ ما في الشَّهَادَةِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَكِلَاهُمَا كان فيه يوم شَهِدَ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَيْسَا فيه يوم يَشْهَدُ قِيلَ إنَّمَا احْتَجْنَا إلَى الشَّهَادَةِ يوم كانت فَأَمَّا يوم تُقَامُ فَإِنَّمَا هِيَ تُعَادُ بِحُكْمِ شَيْءٍ قد أَثْبَتَهُ بَصِيرًا وَلَوْ رَدَدْنَاهَا إذَا لم يَكُنْ بَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَشْهُودَ عليه حين يَشْهَدُ لَزَمَنَا أَنْ لَا نُجِيزَ شَهَادَةَ بَصِيرٍ على مَيِّتٍ وَلَا على غَائِبٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَرَى الْمَيِّتَ وَلَا الْغَائِبَ وَاَلَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُ بَعْدَ الْعَمَى وقد أَثْبَتَهَا بَصِيرًا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ على الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هذا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا حَدَّ عليه في هذا وَبِهِ يَأْخُذُ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ مَاعِزَ بن مَالِكٍ أَتَاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بالزنى فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَسَأَلَ قَوْمَهُ هل تُنْكِرُونَ من عَقْلِهِ شيئا قالوا لَا فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى وَوَصَفَهُ الصِّفَةَ التي تُوجِبُ الْحَدَّ في مَجْلِسٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَسَوَاءٌ هو وَاَلَّذِي أَقَرَّ بِهِ في مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ كنا إنَّمَا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قِيَاسًا على أَرْبَعَةِ شُهُودٍ فَاَلَّذِي لم يَقُمْ عليه في أَرْبَعِ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ وَأَقَامَهَا عليه في أَرْبَعِ مَرَّاتٍ في مَقَامَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الشُّهُودَ الْأَرْبَعَةَ لَا يُقْبَلُونَ إلَّا في مُقَامٍ وَاحِدٍ ( قال ) وَلَوْ تَفَرَّقُوا حَدَّهُمْ فَكَانَ يَنْبَغِي له أَنْ يَقُولَ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ أَثْبَتَ منه في أَرْبَعَةِ مَقَامَاتٍ فَإِنْ قال إنَّمَا أَخَذْت بِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَلَيْسَ حَدِيثُ مَاعِزٍ كما وَصَفَ وَلَوْ كان كما وَصَفَ أَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ في أَرْبَعَةِ أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ما كان قَبُولُ إقْرَارِهِ في مَجْلِسٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ خِلَافًا لِهَذَا لِأَنَّا لم نَنْظُرْ إلَى الْمَجَالِسِ إنَّمَا نَظَرْنَا إلَى اللَّفْظِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كما قَالَا جميعا وَإِقْرَارُهُ مَرَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا ثَبَتَ عليه حتى يُرْجَمَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اُغْدُ يا أُنَيْسُ إلَى إمرأة هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَحَدِيثُ مَاعِزٍ يَدُلُّ حين سَأَلَ أَبِهِ جُنَّةٌ أَنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِإِنْكَارِ عَقْلِهِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان لَا يَرَى ذلك شيئا وَلَا يَحُدُّهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا قَامَتْ عليه الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَحُدُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ بالزنى فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَرْجُمَهُ حتى يُقِرَّ عِنْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقِرَّ عِنْدَهُ ويقضى بِرَجْمِهِ فَيَرْجِعُ فَيَقْبَلُ رُجُوعَهُ فإذا كان أَصْلُ الْقَوْلِ في الْإِقْرَارِ هَكَذَا لم يَنْبَغِ أَنْ يَرْجُمَهُ حتى يُقِرَّ عِنْدَهُ وَيَنْبَغِي إذَا بَعَثَ بِهِ لِيُرْجَمَ أَنْ يَقُولَ لهم مَتَى رَجَعَ فَاتْرُكُوهُ بَعْدَ وُقُوعِ الْحِجَارَةِ وَقَبْلَهَا وما قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَاعِزٍ فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْحِجَارَةِ وإذا رَجَعَ الرَّجُلُ عن شَهَادَتِهِ بالزنى وقد رُجِمَ صَاحِبُهُ بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يُضْرَبُ الْحَدُّ وَيَغْرَمُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْتُلُهُ فَإِنْ رَجَعُوا أَرْبَعَتُهُمْ قَتَلْتهمْ وَلَا نُغَرِّمُهُمْ الدِّيَةَ فَإِنْ رَجَعَ ثَلَاثَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ضُرِبُوا الْحَدَّ وَغَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم رُبُعَ الدِّيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على رَجُلٍ بالزنى فَرُجِمَ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ عن شَهَادَتِهِ سَأَلَهُ الْقَاضِي عن رُجُوعِهِ فَإِنْ قال عَمَدْت أَنْ أَشْهَدَ بِزُورٍ قال له الْقَاضِي عَلِمْت أَنَّك إذَا شَهِدْت مع غَيْرِك قُتِلَ فَإِنْ قال نعم دَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا وَإِنْ شاؤوا عَفَوْا فَإِنْ قالوا نَتْرُكُ الْقَتْلَ وَنَأْخُذُ الدِّيَةَ كان لهم عليه رُبُعُ الدِّيَةِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ في هذا كُلِّهِ وَإِنْ قال شَهِدْت وَلَا أَعْلَمُ ما يَكُونُ عليه الْقَتْلُ أو غَيْرُهُ
____________________

(7/125)


أُحْلِفَ ما عَمَدَ الْقَتْلَ وكان عليه رُبُعُ الدِّيَةِ وَالْحَدُّ وَهَكَذَا الشُّهُودُ معه كلهم إذَا رَجَعُوا وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي على عَبْدٍ وَحَلُّوهُ وَوَصَفُوهُ وهو في بَلْدَةٍ أُخْرَى فَكَتَبَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ على ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ ذلك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْهِ الْعَبْدَ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ قد تُوَافِقُ الْحِلْيَةَ وهو يَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ حتى يأتى بِهِ إلَى الْقَاضِي الذي كَتَبَ له أَرَأَيْت لو كانت جَارِيَةً جَمِيلَةً وَالرَّجُلُ غَيْرُ أَمِينٍ أَكُنْت أَبْعَثُ بها معه وكان بن أبي لَيْلَى يَخْتِمُ في عُنُقِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ من الذي جاء بِالْكِتَابِ كَفِيلًا ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ إلي الْقَاضِي فإذا جَاءَهُ الْعَبْدُ وَالْكِتَابُ الثَّانِي دَعَا الشُّهُودَ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ عَبْدُهُ أَبْرَأَ كَفِيلَهُ وَقَضَى بِالْعَبْدِ أَنَّهُ له وَكَتَبَ له بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى الْقَاضِي الذي أَخَذَ منه الْكَفِيلَ حتي يبريء ( ( ( يبرئ ) ) ) كَفِيلَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلٍ على دَابَّةٍ غَائِبَةٍ فَوَصَفُوهَا وَحَلُّوهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكَلِّفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَنْ يَدْفَعَهَا من قِبَلِ أَنَّ الْحِلْيَةَ قد تُشْبِهُ الْحِلْيَةَ وإذا خَتَمَ الْقَاضِي الذي هو بِبَلَدِهِ في عُنُقِهَا وَبَعَثَ بها إلَى الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ضَمَانَهَا من الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَقَدْ أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ ولم يُبَرِّئْهُ من ضَمَانِهَا وَيَقْطَعْ عنه مَنْفَعَتَهَا إلَى الْبَلَدِ الذي تَصِيرُ إلَيْهِ فَإِنْ لم يُثْبِتْ عليه الشُّهُودَ أو مَاتُوا قبل أَنْ تَصِلَ إلَى ذلك الْبَلَدِ فَرُدَّتْ إلَيْهِ كان قد انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا عنه ولم يُعْطِ لها إجَارَةً عَوَّضَتْ تَلَفًا غير مَضْمُونٍ له وَلَوْ جَعَلَ ضَمَانَهَا من الْمَدْفُوعَةِ له وَجَعَلَ عليه كِرَاءَهَا في مَغِيبِهَا إنْ رُدَّتْ كان قد أُلْزِمَ ضَمَانَهَا وَإِنَّمَا يَضْمَنُ المتعدى وَهَذَا لم يَتَعَدَّ وَإِنَّمَا ذَهَبَ بن أبي لَيْلَى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ إلي أَنْ قال لَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِ هذه الدَّابَّةِ إلَّا بِأَنْ يُؤْتَى بها إلَى الشُّهُودِ أو يَذْهَبَ بِالشُّهُودِ إلَيْهَا وَلَيْسَ على الشُّهُودِ أَنْ يُكَلَّفُوا الذَّهَابَ من بُلْدَانِهِمْ وَالْإِتْيَانُ بِالدَّابَّةِ أَخَفُّ وَلِرَبِّ الدَّابَّةِ في الدَّابَّةِ مِثْلُ ما لِلشُّهُودِ في أَنْفُسِهِمْ من أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ لم يَسْتَحِقَّ عليه وَهَكَذَا الْعَبْدُ مِثْلُ الدَّابَّةِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانِ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ من أَهْلِ الْكُوفَةِ شَهَادَةً فعدل ( ( ( بعدل ) ) ) بِمَكَّةَ وَكَتَبَ بها قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ في مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِهِ بِالشَّهَادَةِ وزكي هُنَاكَ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ فَشَهِدَ قَوْمٌ من أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ هذا الشَّاهِدَ فَاسِقٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول شَهَادَتُهُمْ لَا تُقْبَلُ عليه أَنَّهُ فَاسِقٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذلك لِأَنَّهُ قد غَابَ عن الْكُوفَةِ سِنِينَ فَلَا يدرى ما أَحْدَثَ وَلَعَلَّهُ قد تَابَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الرَّجُلَانِ من أَهْلِ مِصْرَ بِشَهَادَةٍ فَعَدَلَا بِمَكَّةَ وَكَتَبَ قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرَ فَسَأَلَ الْمَشْهُودُ عليه قَاضِي مِصْرَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِشُهُودٍ على جَرْحِهِمَا فَإِنْ كان جَرَحَهُمَا بِعَدَاوَةٍ أو ظِنَّةٍ أو ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ قَبِلَ ذلك منه وَرَدَّهُمَا عنه وَإِنْ جَرَحَهُمَا بِسُوءِ حَالٍ في أَنْفُسِهِمَا نَظَرَ إلَى الْمُدَّةِ التي قد زَايَلَا فيها مِصْرَ وَصَارَا بها إلَى مَكَّةَ فَإِنْ كانت مُدَّةٌ تَتَغَيَّرُ الْحَالُ في مِثْلِهَا التَّغَيُّرُ الذي لو كَانَا بِمِصْرِهِمَا مَجْرُوحَيْنِ فَتَغَيَّرَا إلَيْهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا ولم يَلْتَفِتْ إلَى الْجُرْحِ لِأَنَّ الْجُرْحَ مُتَقَدِّمٌ وقد حَدَثَتْ لَهُمَا حَالٌ بَعْدَ الْجُرْحِ صَارَا بها غير مَجْرُوحَيْنِ وَإِنْ لم تَكُنْ أَتَتْ عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ تُقْبَلُ فيها شَهَادَتُهُمَا إذَا تَغَيَّرَا قَبِلَ عَلَيْهِمَا الْجَرْحَ وكان أَهْلُ بَلَدِهِمَا أَعْلَمَ بِهِمَا مِمَّنْ عَدَلَهُمَا غَرِيبًا أو من أَهْلِ بَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْجُرْحَ أولي من التَّعْدِيلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى قال اللَّهُ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قال عَدْلَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ ثُمَّ لم أَعْلَمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّ هذا مَعْنَى الْآيَةِ وإذا لم يَخْتَلِفُوا فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعٍ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ بَالِغَيْنِ وَأَنَّ عَبْدًا لو كان مُسْلِمًا عَدْلًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فإذا زَعَمُوا هذا فَنَقْصُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ معه الشَّهَادَةُ من نَقْصِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ هذه الْآيَةَ التي جَمَعَتْ هذه الْأَرْبَعَ الْخِصَالَ حَتْمٌ أَنْ لَا يَجُوزَ من الشُّهُودِ
____________________

(7/126)


إلَّا من كانت فيه هذه الْخِصَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ فَقَدْ خَالَفُوا ما زَعَمُوا من معني كِتَابِ اللَّهِ حين أَجَازُوا شَهَادَةَ كَافِرٍ بِحَالٍ وَإِنْ زَعَمُوا أنها دَلَالَةٌ وَأَنَّهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ أَنْ يَجُوزَ غَيْرُ من جَمَعَ هذه الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ فَقَدْ ظَلَمُوا من أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وقد سَأَلْتهمْ فَكَانَ أَعْلَى من زَعَمُوا أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ شُرَيْحٍ وقد أَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ العبد ( ( ( العبيد ) ) ) فقال له الْمَشْهُودُ عليه أَتُجِيزُ على شَهَادَةَ عَبْدٍ فقال قُمْ فَكُلُّكُمْ سَوَاءٌ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخَالِفُ شُرَيْحًا لِقَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ في الْآيَةِ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ فَلَيْسَ في الْآيَةِ بِعَيْنِهَا بَيَانُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لها وفي الْآيَةِ بَيَانُ شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلِمَ وَافَقَ شُرَيْحًا مَرَّةً وَخَالَفَهُ أُخْرَى وقد كَتَبْنَا هذا في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذَكَرٍ وَلَا أنثي في شَيْءٍ من الدُّنْيَا لِأَحَدٍ وَلَا على أَحَدٍ حتى يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِمِّيٍّ وَلَا من خَالَفَ ما وَصَفْنَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ من الْيَهُودِ على رَجُلٍ من النَّصَارَى وَشَهِدَ شَاهِدَانِ من النَّصَارَى على رَجُلٍ من الْيَهُودِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُجِيزُ ذلك وَيَقُولُ لِأَنَّهُمَا مِلَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وكان أبو حَنِيفَةَ يُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ من النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيَّ من الْيَهُودِيِّ وَيَقُولُ أَهْلُ الْكُفْرِ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْمِلَلِ إلَيْنَا فَحَكَمْنَا بَيْنَهُمْ لم يُوَرِّثْ مُسْلِمًا من كَافِرٍ وَلَا كَافِرًا من مُسْلِمٍ وَوَرَّثْنَا الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ فَنُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ النَّصْرَانِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ الْيَهُودِيَّ وَنَجْعَلُ الْكُفْرَ مِلَّةً وَاحِدَةً كما جَعَلْنَا الْإِسْلَامَ مِلَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هو إيمَانٌ أو كُفْرٌ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ على عَبْدٍ وَحَلُّوهُ وَوَصَفُوهُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ فان أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لَا أَكْتُبُ له وقال بن أبي لَيْلَى أَكْتُبُ شَهَادَتَهُمْ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي فيه الْعَبْدُ فَيَجْمَعُ الْقَاضِي الذي الْعَبْدُ في بَلَدِهِ بين الذي جاء بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ الذي عِنْدَهُ الْعَبْدُ فَإِنْ كان لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَبْدُ حُجَّةٌ وَإِلَّا بَعَثَ بِالْعَبْدِ مع الرَّجُلِ الذي جاء بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا في عُنُقِهِ وَأَخَذَ منه كَفِيلًا بِقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي بِجَوَابِ كِتَابِهِ بِذَلِكَ فَيَجْمَعُ قَاضِي الْكُوفَةِ بين الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ حتى يَشْهَدُوا عليه بِعَيْنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ مع الذي جاء بِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي كان فيه الْعَبْدُ حتى يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ ثُمَّ يمضى عليه الْقَضَاءَ وَيَبْرَأَ كَفِيلُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما لم تجيء ( ( ( تجئ ) ) ) تُهْمَةٌ أو أَمْرٌ يَسْتَرِيبُهُ من الْغُلَامِ وإذا سَافَرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَشْهَدَ على وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ من أَهْلِ الْكِتَابِ فان أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وكان بن أبي لَيْلَى يَقُول ذلك جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَافَرَ الْمُسْلِمُ فَأَشْهَدَ على وَصِيَّتِهِ ذِمِّيَّيْنِ لم نَقْبَلْهُمَا لِمَا وَصَفْنَا من شَرْطِ اللَّهِ عز وجل في الشُّهُودِ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى على شَاهِدٍ الزُّورَ تَعْزِيرًا غير أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهِ إلَى سُوقِهِ إنْ كان سُوقِيًّا وَإِلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ إنْ كان من الْعَرَبِ فيقول الْقَاضِي يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هذا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذَّرُوهُ الناس وَذَكَرَ ذلك أبو حَنِيفَةَ عن الْقَاسِمِ عن شُرَيْحٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه التَّعْزِيرُ وَلَا يَبْعَثُ بِهِ وَيَضْرِبُهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أُعَزِّرُهُ وَلَا أَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَيُطَافُ بِهِ وقال أبو يُوسُفَ بَعْدَ ذلك أَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنْ قد شَهِدَ بِزُورٍ أو عَلِمَ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّهُ قد شَهِدَ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ وَيُشَهِّرُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَّفَهُ في الْمَسْجِدِ وَإِنْ كان من أَهْلِ الْقَبِيلَةِ وَقَّفَهُ في قَبِيلَتِهِ وَإِنْ كان سُوقِيًّا وَقَّفَهُ في سُوقِهِ وقال إنَّا وَجَدْنَا هذا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ وَاحْذَرُوهُ وإذا أَمْكَنَ بِحَالٍ أَنْ لَا يَكُونَ شَاهِدَ زُورٍ أو شُبِّهَ عليه بِمَا يَغْلَطُ بِهِ
____________________

(7/127)


مِثْلُهُ قِيلَ له لَا تُقْدِمْنَ على شَهَادَةٍ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتٍ ولم يُعَزِّرْهُ وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ على رَجُلٍ بِحَقٍّ فَأَكْذَبَهُمَا الْمَشْهُودُ له رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ في شَهَادَتِهِمَا ولم يُعَزَّرَا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ فَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ وَاَلَّذِي أَكْذَبَهُمَا كَاذِبٌ فإذا أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ أَحَدُهُمَا وَيَكْذِبَ الْآخَرُ لم يُعَزَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا من قِبَلِ أَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادعي لم يُعَزَّرَا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يكونا ( ( ( يكون ) ) ) صَادِقَيْنِ وإذا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ في الْمَوْطِنِ الذي شَهِدَا فيه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا نُعَزِّرُهُمَا وَيَقُولُ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا الصَّادِقُ من الْكَاذِبِ إذَا كَانَا شَهِدَا على فِعْلٍ فَإِنْ كَانَا شَهِدَا على إقْرَارٍ فإنه كان يقول لَا أَدْرِي لَعَلَّهُمَا صَادِقَانِ جميعا وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْإِقْرَارِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَرُدُّ الشَّاهِدَيْنِ وَرُبَّمَا ضَرَبَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا وَكَذَلِكَ لو خَالَفَ المدعى الشَّاهِدَيْنِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَشَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا نَضْرِبُهُمَا وَنَتَّهِمُ المدعى عَلَيْهِمَا وكان بن أبي لَيْلَى رُبَّمَا عَزَّرَهُمَا وَضَرَبَهُمَا وَرُبَّمَا لم يَفْعَلْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه لَا نُعَزِّرُهُمَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا وإذا لم يَطْعَنْ الْخَصْمُ في الشَّاهِدِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا يُسْأَلُ عن الشَّاهِدِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُسْأَلُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَان بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَةَ شَاهِدٍ حتي يَعْرِفَ عَدْلَهُ طَعَنَ فيه الْخَصْمُ أو لم يَطْعَنْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْجِرَاحِ وَلَا غَيْرِهَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَلَا بَعْدَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من شَرْطِ اللَّهِ الذي شَرَطَهُ في قَوْلِهِ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَهَذَا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وَخَالَفَهُ بن الزُّبَيْرِ وقال نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ إذَا لم يَتَفَرَّقُوا وَقَوْلُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ لَا أَعْرِفُ شَاهِدًا يَكُونُ مَقْبُولًا على صَبِيٍّ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا على بَالِغٍ وَيَكُونُ مَقْبُولًا في مُقَامِهِ وَمَرْدُودًا بَعْدَ مُقَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابٌ في الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دعوي وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا نَرَى عليه يَمِينًا مع شُهُودِهِ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّهُ قال بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْيَمِينُ على المدعي عليه وَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي فَلَا نَجْعَلُ على المدعى ما لم يَجْعَلْ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُحَوَّلُ الْيَمِينُ عن الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول على المدعى الْيَمِينُ مع شُهُودِهِ وإذا لم يَكُنْ له شُهُودٌ لم يَسْتَحْلِفْهُ وَجَعَلَ الْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ قال الْمُدَّعَى عليه أنا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه فإنه لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عليه إلَّا أَنْ يَتَّهِمَهُ فَيَرُدَّ الْيَمِينَ عليه إذَا كان كَذَلِكَ وَهَذَا في الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جاء الرَّجُلُ بِشَاهِدَيْنِ على رَجُلٍ بِحَقٍّ فَلَا يَمِينَ عليه مع شَاهِدَيْهِ وَلَوْ جَعَلْنَا عليه الْيَمِينَ مع شَاهِدَيْهِ لم يَكُنْ لِإِحْلَافِنَا مع الشَّاهِدِ مَعْنًى وكان خِلَافًا لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَةَ له أَحْلَفْنَا المدعي عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لِصَاحِبِ الدَّعْوَى لَسْنَا نُعْطِيك ينكوله ( ( ( بنكوله ) ) ) شيئا إلَّا أَنْ تَحْلِفَ مع نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك وَإِنْ امْتَنَعَتْ لم نُعْطِك وَلِهَذَا كِتَابٌ في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وإذا وَرِثَ الرَّجُلُ مِيرَاثًا دَارًا أو أَرْضًا أو غير ذلك فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى ولم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الذي ذلك في يَدَيْهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْيَمِينُ على عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِهَذَا فيه حَقًّا وَكَذَلِكَ كان بن أبي لَيْلَى يقول أَيْضًا
____________________

(7/128)


وَإِنَّمَا جَعَلَ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه على هذا الْيَمِينَ على عِلْمِهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَزِمَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى وَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَبُولٍ وإذا كان الشَّيْءُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَقَبُولٍ منه مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَالْيَمِينُ في ذلك أَلْبَتَّةَ وَالْمِيرَاثُ لو قال لَا أَقْبَلُهُ كان قَوْلُهُ ذلك بَاطِلًا وكان الْمِيرَاثُ له لَازِمًا فَلِذَلِكَ كانت الْيَمِينُ على عِلْمِهِ في الْمِيرَاثِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْيَمِينُ عليه على عِلْمِهِ في جَمِيعِ ما ذَكَرْت لَك من بَيْعٍ وَغَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا وَرِثَ الرَّجُلُ دَارًا أو غَيْرَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى سَأَلْنَاهُ عن دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى شيئا كان في يَدَيْ الْمَيِّتِ أَحْلَفْنَا الْوَارِثَ علي عِلْمِهِ ما يَعْلَمُ له فيها حَقًّا ثُمَّ أَبْرَأْنَاهُ وَإِنْ ادَّعَى فيها شيئا كان في يَدَيْ الْوَارِثِ أَحَلَفْنَاهُ على الْبَتِّ نُحَلِّفُهُ في كل ما كان في يَدَيْهِ على الْبَتِّ وما كان في يَدَيْ غَيْرِهِ فَوَرِثَهُ على الْعِلْمِ وإذا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه على دَعْوَاهُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي على ذلك ثُمَّ أتى بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذلك على تِلْكَ الدَّعْوَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يَقْبَلُ منه ذلك لِأَنَّهُ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ من الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَبَعْدَ فَصْلِ الْقَضَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الدَّعْوَى ولم يَأْتِ عليه بِبَيِّنَةٍ وَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ جاء المدعى بِبَيِّنَةٍ قَبِلْتُهَا وَقَضَيْت له بها ولم أَمْنَعْ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ التي حَكَمَ الْمُسْلِمُونَ بِالْإِعْطَاءِ بها بِالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ - * بَابُ الْوَصَايَا - * وإذا أوصي الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِسُكْنَى دَارٍ أو بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أو بِغَلَّةِ بُسْتَانٍ أو أَرْضٍ وَذَلِكَ ثُلُثُهُ أو أَقَلُّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ ذلك وَالْوَقْتُ في ذلك وَغَيْرُ الْوَقْتِ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِغَلَّةِ دَارِهِ أو ثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وإذا أَوْصَى له بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ الْعَبْدَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لم يَحْمِلْ الثُّلُثُ الْعَبْدَ جَازَ له منه ما حَمَلَ الثُّلُثَ وَرَدَّ ما لم يَحْمِلْ وإذا أوصي الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِهِ فَأَجَازَ ذلك الْوَرَثَةُ في حَيَاتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ ثُمَّ رَدُّوا ذلك بَعْدَ مَوْتِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ عليهم تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهَا لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْإِجَازَةَ وَلَا يَمْلِكُونَ الْمَالَ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وَشُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إجَازَتُهُمْ جَائِزَةٌ عليهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى شَيْءٍ منها وَلَوْ أَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا فيها قبل أَنْ تَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لم يَكُنْ ذلك لهم وَكَانَتْ إجَازَتُهُمْ جَائِزَةً في هذا الْمَوْضِعِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَ ذلك الْوَرَثَةُ وهو حَيٌّ ثُمَّ أَرَادُوا الرُّجُوعَ فيه بَعْدَ أَنْ مَاتَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لهم لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا ما لم يَمْلِكُوا وَلَوْ مَاتَ فَأَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَرَادُوا الرُّجُوعَ قبل الْقَسَمِ لم يَكُنْ ذلك لهم من قِبَلِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا ما مَلَكُوا فإذا أَجَازُوا ذلك قبل مَوْتِهِ كانت الْوَصِيَّةُ وَصَاحِبُهُمْ مَرِيضٌ أو صَحِيحٌ كان لهم الرُّجُوعُ لِأَنَّهُمْ في الْحَالَيْنِ جميعا غَيْرُ مَالِكَيْنِ أَجَازُوا ما لم يَمْلِكُوا ( قال ) وإذا أَوْصَى رَجُلٌ بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِمَالِهِ كُلِّهِ لِآخَرَ فَرَدَّ ذلك الْوَرَثَةُ كُلَّهُ إلَى الثُّلُثِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَضْرِبُ صَاحِبُ الْجَمِيعِ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ من الْمَالِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا على أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْمَالِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِمَالِهِ كُلِّهِ ولم يُجِزْ ذلك الْوَرَثَةُ أُقْسِمُ الْوَصِيَّةَ على أَرْبَعَةِ
____________________

(7/129)


أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ قِيَاسًا على عَوْلِ الْفَرَائِضِ وَمَعْقُولٌ في الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ هذا بِثَلَاثَةٍ وَهَذَا بِوَاحِدٍ - * بَابُ الْمَوَارِيثِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ وهو بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ في كل مِيرَاثٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا لم يَكُنْ له أَبٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في الْجَدِّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه لِلْأَخِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ النِّصْفُ وَكَذَلِكَ قال زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ في هذه الْمَنْزِلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهَكَذَا قال زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وروى عن عُثْمَان رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَخَالَفَهُمْ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي اللَّهُ عنه فَجَعَلَ الْمَالَ لِلْجَدِّ وَقَالَتْهُ معه عَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وهو مَذْهَبُ أَهْلِ الْكَلَامِ في الْفَرَائِضِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْقَوْلَيْنِ بِقِيَاسٍ غير أَنَّ طَرْحَ الْأَخِ بِالْجَدِّ أَبْعَدُ من الْقِيَاسِ من إثْبَاتِ الْأَخِ معه وقد قال بَعْضُ من يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ إنَّمَا طَرَحْنَا الْأَخَ بِالْجَدِّ لِثَلَاثِ خِصَالٍ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ مَعَنَا عليها إنَّكُمْ تَحْجُبُونَ بِهِ بَنِي الْأُمِّ وَكَذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْأَبِ وَلَا تُنْقِصُونَهُ من السُّدُسِ وَكَذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْأَبِ وَأَنَّكُمْ تُسَمُّونَهُ أَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت إنَّمَا حَجَبْنَا بِهِ بَنِي الْأُمِّ خَبَرًا لَا قِيَاسًا على الْأَبِ قال وَكَيْفَ ذلك قُلْت نَحْنُ نَحْجُبُ بَنِي الْأُمِّ بِبِنْتِ بن ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ وَهَذِهِ وَإِنْ وَافَقَتْ مَنْزِلَةَ الْأَبِ في هذا الْمَوْضِعِ فلم نَحْكُمْ لها نَحْنُ وَأَنْتَ بِأَنْ تَكُونَ تَقُومَ مَقَامَ الْأَبِ في غَيْرِهِ وإذا وَافَقَهُ في مَعْنَى وَإِنْ خَالَفَهُ في غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ لَا نُنْقِصَهُ من السُّدُسِ فَإِنَّا لم نُنْقِصْهُ خَبَرًا وَنَحْنُ لَا نُنْقِصُ الْجَدَّةَ من السُّدُسِ أَفَرَأَيْتنَا وَإِيَّاكَ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْأَبِ أن وَافَقَتْهُ في مَعْنَى وَأَمَّا اسْمُ الْأُبُوَّةِ فَنَحْنُ وَأَنْتَ نُلْزِمُ من بَيْنَنَا وَبَيْنَ آدَمَ اسْمَ الْأُبُوَّةِ وإذا كان ذلك وَدُونَ أَحَدِهِمْ أَبٌ أَقْرَبُ منه لم يَرِثْ وَكَذَلِكَ لو كان كَافِرًا وَالْمَوْرُوثُ مُسْلِمًا أو قَاتِلًا وَالْمَوْرُوثُ مَقْتُولًا أو كان الْمَوْرُوثُ حُرًّا وَالْأَبُ مَمْلُوكًا فَلَوْ كان إنَّمَا وَرَّثْنَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ فَقَطْ وَرَّثْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَمْنَاهُمْ كُلَّهُمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا وَرَّثْنَاهُمْ خَبَرًا لَا بِالِاسْمِ قال فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ قُلْت ما فِيهِمَا قِيَاسٌ وَالْقَوْلُ الذي اخْتَرْتَ أَبْعَدُ من الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ قال فَأَيْنَ ذلك قُلْت أَرَأَيْتَ الْجَدَّ وَالْأَخَ إذَا طَلَبَا مِيرَاثَ الْمَيِّتِ أَيُدْلِيَانِ بِقَرَابَةِ أَنْفُسِهِمَا أَمْ بِقَرَابَةِ غَيْرِهِمَا قال وما ذلك قُلْت أَلَيْسَ إنَّمَا يقول الْجَدُّ أنا أبو أبي الْمَيِّتِ وَيَقُولُ الْأَخُ أنا بن أبي الْمَيِّتِ قال بَلَى قُلْت فَبِقَرَابَةِ أبي الْمَيِّتِ يُدْلِيَانِ مَعًا إلَى الْمَيِّتِ قُلْت فَاجْعَلْ أَبَا الْمَيِّتِ هو الْمَيِّتُ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ أبنه أو أَبُوهُ قال بَلْ ابْنُهُ لِأَنَّ له خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ وَلِأَبِيهِ السُّدُسَ قُلْت فَكَيْفَ حَجَبْت الْأَخَ بِالْجَدِّ وَالْأَخُ إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ من الْجَدِّ لو كُنْتَ حَاجِبًا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ انْبَغَى أَنْ تَحْجُبَ الْجَدَّ بِالْأَخِ قال وَكَيْفَ يَكُونُ الْقِيَاسُ فيه قُلْت لَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ فِيهِمَا مَعًا يَجُوزُ وَلَوْ كان له مَعْنَى انْبَغَى أَنْ نَجْعَلَ لِلْأَخِ أَبَدًا حَيْثُ كان مع الْجَدِّ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ وَقُلْت أَرَأَيْت الْإِخْوَةَ أَمُثْبِتِي الْفَرْضَ في كِتَابِ اللَّهِ قال نعم قُلْت فَهَلْ لِلْجَدِّ في كِتَابِ اللَّهِ فَرْضٌ قال لَا قُلْت وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ هُمْ مُثْبَتُونَ فيها وَلَا أَعْلَمُ لِلْجَدِّ في السُّنَّةِ فَرْضًا إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث كُلَّ التَّثْبِيتِ فَلَا أَعْلَمُك إلَّا طَرَحْت الْأَقْوَى من كل وَجْهٍ بِالْأَضْعَفِ وإذا أَقَرَّتْ الْأُخْتُ وَهِيَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وقد وَرِثَ مَعَهَا الْعَصَبَةُ بِأَخٍ لِأَبٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول نُعْطِيهِ نِصْفَ ما في يَدِهَا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فما كان في يَدِهَا منه فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ
____________________

(7/130)


وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا نُعْطِيهِ مِمَّا في يَدِهَا شيئا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِمَا في يَدَيْ الْعَصَبَةِ ( 1 ) وهو سَوَاءٌ في الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ ما قَالَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ فَأَقَرَّتْ الْأُخْتُ بِأَخٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شيئا وَهَكَذَا كُلُّ من أَقَرَّ بِهِ وهو وَارِثٌ فَكَانَ إقْرَارُهُ لَا يَثْبُتُ نسبه فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ له بِحَقٍّ عليه في ذلك الْحَقِّ مِثْلَ الذي أَقَرَّ له بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان وَارِثًا بِالنَّسَبِ كان مَوْرُوثًا بِهِ وإذا لم يَثْبُتْ النَّسَبُ حتى يَكُونَ مَوْرُوثًا بِهِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُقِرُّ أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ من رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَجَحَدَهُ الْمُقَرُّ له بِالْبَيْعِ لم نُعْطِهِ الدَّارَ وَإِنْ كان بَائِعُهَا قد كان أَقَرَّ بِأَنَّهَا قد صَارَتْ مِلْكًا له وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يُقِرَّ أنها كانت مِلْكًا له إلَّا وهو مَمْلُوكٌ عليه بها شَيْءٌ فلما سَقَطَ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً عليه سَقَطَ الْإِقْرَارُ له وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يَتَبَايَعَانِ الْعَبْدَ فَيَخْتَلِفَانِ في ثَمَنِهِ وقد تَصَادَقَا على أَنَّهُ قد خَرَجَ من مِلْكِ الْمَالِكِ إلي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فلما لم يُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي ما زَعَمَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِهِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُقَرِّ له بِالنَّسَبِ حَقٌّ وقد أَحَطْنَا أَنَّهُ لم يُقَرَّ له بِهِ من دَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا حَقٍّ على الْمُقِرِّ له إلَّا الْمِيرَاثُ الذي إذَا ثَبَتَ له ثَبَتَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بِهِ وإذا لم يَثْبُتْ له أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بِالنَّسَبِ لم يَثْبُتْ له أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِهِ وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَوَلَدَهَا ولم يُقِرَّ بِحَبَلِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجَاءَتْ بِامْرَأَةٍ تَشْهَدُ على الْوِلَادَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أَقْبَلُ هذا وَلَا أُثْبِتُ نَسَبَهُ وَلَا أُوَرِّثُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أُثْبِتُ نَسَبَهُ وَأُوَرِّثُهُ بِشَهَادَتِهَا وَحْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ وَلَدًا وَزَوْجَةً فَوَلَدَتْ فَأَنْكَرَ ابْنُهُ وَلَدَهَا فَجَاءَتْ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ كان نَسَبُهُ ثَابِتًا وكان وَارِثًا وَلَا أَقْبَلُ فيه أَقَلَّ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قِيَاسًا على الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَأَقَامَ امْرَأَتَيْنِ حَيْثُ أَجَازَهُمَا مَقَامَ رَجُلٍ فلما أَجَزْنَا النِّسَاءَ فِيمَا يَغِيبُ عنه الرِّجَالُ لم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعًا قِيَاسًا على ما وَصَفْت وَجُمْلَةُ هذا الْقَوْلِ قَوْلُ عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ وإذا كان لِلرَّجُلِ عَبْدَانِ وُلِدَا في مِلْكِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من أمه فَأَقَرَّ في صِحَّتِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ ولم يُبَيِّنْ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُعْتَقُ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُثْبِتُ نَسَبَ أَحَدِهِمَا وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ بن ويسعي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ أَمَتَانِ لَا زَوْجَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَلَدَتَا وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ وَمَاتَ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّا نُرِيهِمَا الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوا بِهِ أَحَدَهُمَا جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ وَوَرَّثْنَاهُ منه وَجَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَأَرْقَقْنَا الْآخَرَ وَإِنْ لم تَكُنْ قَافَةً أو كانت فَأَشْكَلَ عليهم لم نَجْعَلْ ابْنَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ وَأُمَّهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَأَرْقَقْنَا الْآخَرَ وَأُمَّهُ وَأَصْلُ هذا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعِتْقِ وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ بن عَمٍّ له الْبَيِّنَةَ أنها دَارُ جَدِّهِمَا وَاَلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أقضى بِشَهَادَتِهِمْ حتى يَشْهَدُوا أَنَّ الْجَدَّ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لابيه وَلِأَبِي صَاحِبِهِ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمَا ثُمَّ توفى أبو هذا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ منها مِيرَاثًا لِهَذَا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أقضى له بِشَهَادَتِهِمْ وَأُسَكِّنُهُ في الدَّارِ مع الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَلَا يَقْتَسِمَانِ حتى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ على الْمَوَارِيثِ كما وَصَفْت لَك في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَلَا يَقُولَانِ لَا نَعْلَمُ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى لَكِنْ يَقُولَانِ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال أبو يُوسُفَ أُسَكِّنُهُ وَلَا يَقْتَسِمَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ الرَّجُلِ فَأَقَامَ بن عَمِّهِ الْبَيِّنَةَ أنها دَارُ جَدِّهِمَا أبي أَبِيهِمَا
____________________

(7/131)


ولم تَقُلْ الْبَيِّنَةُ أَكْثَرَ من ذلك وَاَلَّذِي في يَدَيْهِ الدَّارُ يُنْكِرُ قَضَيْت بها دَارًا لِجَدِّهِمَا ولم أَقْسِمْهَا بَيْنَهُمَا حتى تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ على من وَرِثَ جَدَّهُمَا وَمَنْ وَرِثَ أَبَاهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ مَعَهُمَا وَرَثَةً أو أَصْحَابَ دَيْنٍ أو وَصَايَا وَأَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إذَا قالوا مَاتَ جَدُّهُمَا وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا وَلَا يَكُونُونَ بهذا شُهُودًا على ما لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّهُمْ في هذا كُلِّهِ إنَّمَا يَشْهَدُونَ على الظَّاهِرِ كَشَهَادَتِهِمْ على النَّسَبِ وَكَشَهَادَتِهِمْ على الْمِلْكِ وَكَشَهَادَتِهِمْ على الْعَدْلِ وَلَا أَقْبَلُهُمْ إذَا قالوا لَا نَعْلَمُ وَارِثًا غير فُلَانٍ وَفُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا من أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْمَشْهُودِ عليه الَّذِينَ يَكُونُ الْأَغْلَبُ منهم أَنَّهُ لَا يَخْفَى عليهم وَارِثٌ لو كان له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا ذَوِي قَرَابَةٍ أو مَوَدَّةٍ أو خُلْطَةٍ أو خِبْرَةٍ بِجِوَارٍ أو غَيْرِهِ فإذا كَانُوا هَكَذَا قَبِلْتهمْ على الْعِلْمِ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَتِّ مَعْنَى الْعِلْمِ وَمَعْنَى الْعِلْمِ مَعْنَى الْبَتِّ وإذا توفى الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَتَرَكَ في بَيْتِهِ مَتَاعًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يحدث عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال ما كان لِلرِّجَالِ من الْمَتَاعِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وما كان لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وما كان لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا الْمَرْأَةُ كانت أو الرَّجُلُ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ وَالْبَاقِي الزَّوْجُ في الطَّلَاقِ وَبِهِ كان يَأْخُذُ أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا ما يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا في ذلك كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَجُلٌ تَاجِرٌ عِنْدَهُ مَتَاعُ النِّسَاءِ من تِجَارَتِهِ أو صَانِعٌ أو تَكُونُ رُهُونًا عِنْدَ رَجُلٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أو طَلَّقَ فَمَتَاعُ الْبَيْتِ كُلِّهِ مَتَاعُ الرَّجُلِ إلَّا الدِّرْعَ وَالْخِمَارَ وَشِبْهَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ على دَعْوَاهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا في دَارِهَا كان أَمْرُهُمَا على ما وَصَفْت في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ في مَتَاعِ الْبَيْتِ يَسْكُنَانِهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا أو بَعْدَ ما تَفَرَّقَا كان الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ أو الرَّجُلِ أو بعد ما يَمُوتَانِ وَاخْتَلَفَتْ في ذلك وَرَثَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا أو وَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي كان الْبَاقِي الزَّوْجَ أو الزَّوْجَةَ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على شَيْءٍ من ذلك فَهُوَ له وَمَنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً فَالْقِيَاسُ الذي لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ عِنْدِي بِالْغَفْلَةِ عنه على الْإِجْمَاعِ أَنَّ هذا الْمَتَاعَ في أَيْدِيهِمَا مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كما يَخْتَلِفُ الرَّجُلَانِ في الْمَتَاعِ بِأَيْدِيهِمَا جميعا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ الأيمان فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ النُّضُوحُ وَالْخَلُوقُ والدرع ( ( ( والدروع ) ) ) وَالْخُمُرُ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ السَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالدِّرْعُ قِيلَ قد يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَتَاعَ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مَتَاعَ الرِّجَالِ أَرَأَيْت لو أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على مَتَاعِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ على مَتَاعِ الرِّجَالِ أَلَيْسَ يقضي لِكُلٍّ بِمَا أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ فإذا قال بَلَى قِيلَ أَفَلَيْسَ قد زَعَمْت وَزَعَمَ الناس أَنَّ كَيْنُونَةَ الشَّيْءِ في يَدَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ تُثْبِتُ لِكُلٍّ النِّصْفَ فَإِنْ قال بلي قِيلَ كما تَثْبُتُ له الْبَيِّنَةُ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فَلِمَ لم تَجْعَلْ الزَّوْجَيْنِ هَكَذَا وَهِيَ في أَيْدِيهِمَا فَإِنْ اسْتَعْمَلْتَ عليهم الظُّنُونَ وَتَرَكْت الظَّاهِرَ قِيلَ لك فما تَقُولُ في عَطَّارٍ وَدَبَّاغٍ في أَيْدِيهِمَا عِطْرٌ وَمَتَاعُ الدَّبَّاغِ تَدَاعَيَاهُ مَعًا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّك تُعْطِي الدَّبَّاغَ مَتَاعَ الدَّبَّاغِينَ وَالْعَطَّارَ مَتَاعَ الْعَطَّارِينَ قِيلَ فما تَقُولُ في رَجُلٍ غَيْرِ مُوسِرٍ وَرَجُلٍ مُوسِرٍ تَدَاعَيَا يَاقُوتًا وَلُؤْلُؤًا فان زَعَمْت أَنَّك تَجْعَلُهُ لِلْمُوسِرِ وهو بِأَيْدِيهِمَا مَعًا خَالَفْت مَذْهَبَ الْعَامَّةِ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَسْتَعْمِلُ عَلَيْهِمَا الظَّنَّ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في مَتَاعِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ( قال ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ الرَّجُلِ وَوَالَاهُ وَعَاقَدَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول مِيرَاثُهُ له بَلَغَنَا ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَعَنْ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُوَرِّثُهُ شيئا مُطَرِّفٌ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قال لَا وَلَاءَ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ اللَّيْثُ بن أبي سُلَيْمٍ عن أبي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عن عَمَّنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ سُئِلَ عن الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَالًا فَهُوَ له وَإِنْ أبي فَلِبَيْتِ الْمَالِ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن مَسْرُوقٍ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْأَرْضِ وَالَى بن عَمٍّ له فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَسَأَلُوا بن مَسْعُودٍ عن ذلك
____________________

(7/132)


فقال مَالُهُ له ( قال الشافعي ( ( ( فالشافعي ) ) ) ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ مَاتَ لم يَكُنْ له مِيرَاثُهُ من قِبَلِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ عَمَّنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْوَلَاءِ - * بَابٌ في الْأَوْصِيَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى إلَيْهِ فَأَوْصَى إلَى آخَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا الْآخَرُ وَصِيُّ الرَّجُلَيْنِ جميعا وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هذا الْآخَرُ وَصِيُّ الذي أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أوصي إلَيْهِ بِوَصِيَّةِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ وَصِيُّهُمَا جميعا وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الثَّانِي قد أَوْصَيْتُ إلَيْكَ في كل شَيْءٍ أو يَذْكُرُ وَصِيَّةَ الْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أوصي الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ حَضَرَتْ الوصى الْوَفَاةُ فَأَوْصَى بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَوَصِيَّةِ الذي أَوْصَى إلَيْهِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْآخَرُ بِوَصِيَّةِ الْأَوْسَطِ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ وَيَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوْسَطِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ رضى بِأَمَانَةِ الْأَوْسَطِ ولم يَرْضَ أَمَانَةَ الذي بَعْدَهُ وَالْوَصِيُّ أَضْعَفُ حَالًا في أَكْثَرِ أَمْرِهِ من الْوَكِيلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِشَيْءٍ لم يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِاَلَّذِي وَكَّلَهُ بِهِ لِيَسْتَوْجِبَ الْحَقَّ وَلَوْ كان الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ أَوْصَى إلي الْوَصِيِّ أَنَّ لَك أَنْ توصى بِمَا أَوْصَيْتُ بِهِ إلَيْك إلَى من رَأَيْتَ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَرِكَةِ نَفْسِهِ لم يَكُنْ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ حتى يَقُولَ قد أَوْصَيْتُ إلَيْك بِتَرِكَةِ فُلَانٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ وَصِيًّا له وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا لِأَيْتَامٍ تَجَرَ لهم بِأَمْوَالِهِمْ أو دَفَعَهَا مُضَارَبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو جَائِزٌ عليهم وَلَهُمْ بَلَغَنَا ذلك عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ عليهم وَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِذَلِكَ وقال بن أبي لَيْلَى أَيْضًا على الْيَتَامَى الزَّكَاةُ في أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ أَدَّاهَا الْوَصِيُّ عَنْهُمْ فَهُوَ ضَامِنٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه ليس على يَتِيمٍ زَكَاةٌ حتى يَبْلُغَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ عليه وَلَا فَرِيضَةَ عليه وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا كان الرَّجُلُ وَصِيًّا بِتَرِكَةِ مَيِّتٍ يَلِي أَمْوَالَهُمْ كان أَحَبَّ إلى أَنْ يَتَّجِرَ لهم بها لم تَكُنْ التِّجَارَةُ بها عِنْدِي تَعَدِّيًا وإذا لم تَكُنْ تَعَدِّيًا لم يَكُنْ ضَامِنًا إنْ تَلِفَتْ وقد اتَّجَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه بِمَالِ يَتِيمٍ كان يَلِيهِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تعالى عنها تُبْضِعُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرٍ في الْبَحْرِ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَتَلِيهِمْ وَتُؤَدِّي منها الزَّكَاةَ وَعَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عنه في جَمِيعِ مَالِهِ كما يُؤَدِّيَهَا عن نَفْسِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَبِيرِ الْبَالِغِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا كما على وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يعطى من مَالِ الْيَتِيمِ ما لَزِمَهُ من جِنَايَةٍ لو جَنَاهَا أو نَفَقَةٍ له من صَلَاحِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عبد الْمَجِيدِ بن عبد الْعَزِيزِ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِرَجُلٍ إنَّ عِنْدَنَا مَالًا لِيَتِيمٍ قد أَسْرَعَتْ فيه الزَّكَاةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ يَتَّجِرُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إمَّا قال مُضَارَبَةً وَإِمَّا قال بِضَاعَةً وقال بَعْضُ الناس لَا زَكَاةَ في مَالِ الْيَتِيمِ النَّاضِّ وفي زَرْعِهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ تؤدي عنه وَجِنَايَاتُهُ التي تَلْزَمُ من مَالِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ عليه وَأَنَّهُ لو كان سُقُوطُ الصَّلَاةِ عنه يُسْقِطُ عنه الزَّكَاةَ كان قد فَارَقَ قَوْلَهُ إذْ زَعَمَ أَنَّ عليه زَكَاةَ الْفِطْرِ وَزَكَاةَ الزَّرْعِ وقد كَتَبَ هذا في كِتَابِ الزَّكَاةِ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ وصى مَيِّتٍ وَرَثَتُهُ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَلَا دَيْنَ على الْمَيِّتِ ولم يُوصِ بِشَيْءٍ بَاعَ عَقَارًا من عَقَارِ الْمَيِّتِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك بَيْعُهُ جَائِزٌ على الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَجُوزُ على الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ إذَا كان ذلك مِمَّا لَا بُدَّ منه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي بَيْعُهُ على الصِّغَارِ جَائِزٌ
____________________

(7/133)


في كل شَيْءٍ كان منه بَدَأَ ولم يَكُنْ وَلَا يَجُوزُ على الْكِبَارِ في شَيْءٍ من بَيْعِ الْعَقَارِ إذَا لم يَكُنْ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُبَاعُ فيه أو يَكُونُ عليه دَيْنٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَتَرَكَ ورثه بَالِغِينَ أَهْلَ رُشْدٍ وَصِغَارًا ولم يُوصِ بِوَصِيَّةٍ ولم يَكُنْ عليه دَيْنٌ فَبَاعَ الْوَصِيُّ عَقَارًا مِمَّا تَرَكَ الْمَيِّتُ كان بَيْعُهُ على الْكِبَارِ بَاطِلًا وَنُظِرَ في بَيْعِهِ على الصِّغَارِ فَإِنْ كان بَاعَ عليهم فِيمَا لَا صَلَاحَ لِمَعَاشِهِمْ إلَّا بِهِ أو بَاعَ عليهم نَظَرًا لهم بَيْعَ غِبْطَةٍ كان بَيْعًا جَائِزًا وَإِنْ لم يَبِعْ في وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ وَلَا أَمْرٍ لَزِمَهُمْ كان بَيْعُهُ مَرْدُودًا وإذا أَمَرْنَاهُ إذَا كان في يَدِهِ النَّاضُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لهم بِهِ الْعَقَارَ الذي هو خَيْرٌ لهم من النَّاضِّ لم نُجِزْ له أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَّا بِبَعْضِ ما وَصَفْت من الْعُذْرِ - * بَابٌ في الشَّرِكَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَلِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وللاخر أَكْثَرُ من ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَيْسَتْ هذه بِمُفَاوَضَةٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذه مُفَاوَضَةٌ جَائِزَةٌ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ وَلَا أَعْرِفُ شيئا من الدُّنْيَا يَكُونُ بَاطِلًا إنْ لم تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً إلَّا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ يَعُدَّانِ الْمُفَاوَضَةَ خَلْطَ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْعَمَلَ فيه وَاقْتِسَامَ الرِّبْحِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ التي يقول بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ لها شَرِكَةَ عِنَانً فإذا اشْتَرَكَا مُفَاوَضَةً وَتَشَارَطَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا هذا الْمَعْنَى فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وما رُزِقَ أَحَدُهُمَا من غَيْرِ هذا الْمَالِ الذي اشْتَرَكَا فيه مَعًا من تِجَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو كَنْزٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ له دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ زَعَمَا بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا بِأَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ في كل ما أَفَادَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ بِسَبَبِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَالشَّرِكَةُ فيه فَاسِدَةٌ وَلَا أَعْرِفُ الْقِمَارَ إلَّا في هذا أو أَقَلَّ منه أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِدَ أَحَدُهُمَا كَنْزًا فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لو تَشَارَطَا على هذا من غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَطَا بِمَالٍ كان يَجُوزُ فَإِنْ قال لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَطِيَّةُ ما لم يَكُنْ لِلْمُعْطَى وَلَا للمعطى وما لم يَعْلَمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَفَتُجِيزُهُ على مِائَتَيْ دِرْهَمٍ اشْتَرَكَا بها فَإِنْ عَدُّوهُ بَيْعًا فَبَيْعٌ ما لم يَكُنْ لَا يَجُوزُ أَرَأَيْت رَجُلًا وَهَبَ له هِبَةً أو أَجَّرَ نَفْسَهُ في عَمَلٍ فَأَفَادَ مَالًا من عَمَلٍ أو هِبَةٍ أَيَكُونُ الْآخَرُ فيها شَرِيكًا لقد أَنْكَرُوا أَقَلّ من هذا ( قال ) وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وهو مُوسِرٌ كان الْخِيَارُ للاخر في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ كما أَعْتَقَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ بِمَا ضَمِنَ من ذلك على الْعَبْدِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلشَّرِيكِ كُلُّهُ وهو عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه من السِّعَايَةِ شَيْءٌ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو حُرٌّ كُلُّهُ يوم أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بها على الْعَبْدِ وَلَهُ الْوَلَاءُ وَلَا يُخَيَّرُ صَاحِبُهُ في أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ أو يَسْتَسْعِيَهُ وَلَوْ كان الذي أَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كان الْخِيَارُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَبْدَ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَسْعَى فيها وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ كما أَعْتَقَ صَاحِبُهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ لِلشَّرِيكِ الذي لم يُعْتِقْ في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الْعَبْدُ على الذي أَعْتَقَهُ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَلَيْسَ للاخر أَنْ يُعْتِقَ منه شيئا وكان يقول إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا في مَمْلُوكٍ فَقَدْ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ رَقِيقًا وَبَعْضُهُ حُرًّا وَبِهِ يَأْخُذُ أَرَأَيْت ما أَعْتَقَ منه أَيَكُونُ رَقِيقًا فَإِنْ كان ما أَعْتَقَ منه يَكُونُ رَقِيقًا فَقَدْ عَتَقَ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ في مُعْتَقٍ وَاحِدٍ عِتْقٌ وَرِقٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ في امْرَأَةٍ بَعْضُهَا طَالِقٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ وَبَعْضُهَا امْرَأَةٌ لِلزَّوْجِ علي حَالِهَا وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ إلَّا خَصْلَةً لَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى فيه على الذي أَعْتَقَهُ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَقُ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ وَهَذَا كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ما دَامَ
____________________

(7/134)


منه شَيْءٌ رَقِيقٌ أو يَسْعَى في قِيمَتِهِ أَرَأَيْت لو أَنَّ الشَّرِيكَ قال نَصِيبُ شَرِيكِي منه حُرٌّ وَأَمَّا نَصِيبِي فَلَا هل كان يَعْتِقُ منه ما لَا يَمْلِكُ وإذا أَعْتَقَ منه ما يَمْلِكُ فَكَيْفَ يَعْتِقُ منه ما لَا يَمْلِكُ وَهَلْ يَقَعُ عِتْقٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الرَّجُلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين الرَّجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ منه فَإِنْ كان مُوسِرًا بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ كُلُّهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ وَلَا خِيَارَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ حُرٌّ وَالنِّصْفُ الثَّانِي لِمَالِكِهِ وَلَا سِعَايَةَ عليه وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعِتْقِ بِحُجَجِهِ إلَّا أَنَّا وَجَدْنَا في هذا الْكِتَابِ زِيَادَةَ حَرْفٍ لم نَسْمَعْ بِهِ في حُجَجِهِمْ كان مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ في هذا الْكِتَابِ أَنْ قال قَائِلُهُمْ كَيْفَ تَكُونُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا مَمْلُوكٌ لَا يَكُونُ كما لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ بَعْضُهَا طَالِقٍ وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ فيه الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ قِيَاسًا على الْمَرْأَةِ قِيلَ له أَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بَعْضَ امْرَأَةٍ فَإِنْ قال لَا لَا تَكُونُ إلَّا مَنْكُوحَةً كُلَّهَا أو غير مَنْكُوحَةٍ قِيلَ له أَفَيَجُوز أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ عَبْدٍ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له فَأَيْنَ الْعَبْدُ من الْمَرْأَةِ وَقِيلَ له أَيَجُوزُ له أَنْ يُكَاتِبَ الْمَرْأَةَ على الطَّلَاقِ وَيَكُونَ مَمْنُوعًا حتي تؤدى الْكِتَابَةَ أو تَعْجِزَ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَيَجُوز هذا له في الْعَبْدِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَلِمَ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال لَا يَجْتَمِعَانِ قِيلَ وَكَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ حَيْثُ جَمَعْت بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ له أَيْضًا أَتَكُونُ الْمَرْأَةُ لِاثْنَيْنِ كما يَكُونُ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لِاثْنَيْنِ وَيَكُونُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَهَبَهَا لِلرَّجُلِ فَتَكُونَ زَوْجَةً له كما يَكُونُ الْعَبْدُ إذَا وَهَبَهُ صَارَ عَبْدًا لِمَنْ وَهَبَهُ له فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما بَالُ الْمَرْأَةِ تُقَاسُ على الْمَمْلُوكِ وَيُقَالُ له أَرَأَيْت الْعَبْدَ إذَا عَتَقَ مَرَّةً أَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ كما يَكُونُ له إذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ مَرَّةً أَنْ يَكُونَ له رَجْعَتُهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما نَعْلَمُ شيئا أَبْعَدَ مِمَّا قَاسَهُ بِهِ منه ( قال ) وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ فَأَنْكَرَ ذلك صَاحِبُهُ قبل أَنْ يؤدى الْمُكَاتَبُ شيئا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تَصِلُ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذلك له دُونَ صَاحِبِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ كان الْعِتْقُ بَاطِلًا في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى حتى يَنْظُرَ ما يَصْنَعُ في الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا إلَى صَاحِبِهَا عَتَقَ وكان الذي كَاتَبَ ضَامِنًا لِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ له وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول عِتْقُ ذلك جَائِزٌ وَيُخَيَّرُ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ شَاءَ ألغي الْكِتَابَةَ وَعَجَزَ عنها وَإِنْ شَاءَ سَعَى فيها فَإِنْ عَجَزَ عنها كان الشَّرِيكُ الذي كَاتَبَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الذي أَعْتَقَ إنْ كان مُوسِرًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَإِنْ ضَمَّنَ الذي أَعْتَقَ كان له أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالْكِتَابَةُ مَفْسُوخَةٌ وما أُخِذَ منه بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ما لم يُؤَدِّ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نِصْفُ الْمُكَاتَبِ وكان كَمَنْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ في عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ إنْ كان مُوسِرًا عَتَقَ عليه كُلِّهِ وَإِنْ مُعْسِرًا عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَلَوْ رُدَّتْ الْكِتَابَةُ قبل الْأَدَاءِ كان مَمْلُوكًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَهُ مَالُك النِّصْفِ الذي لم يُكَاتِبْهُ قبل الْأَدَاءِ كان نِصْفُهُ منه حُرًّا فَإِنْ كان مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَهُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كانت فيه بَاطِلَةٌ وَلَا أُخَيِّرُ الْعَبْدَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ كان فَاسِدًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَيْنَهُمَا بَاطِلَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالُك الْعَبْدِ أَنْ يُجَدِّدَهَا ( قال ) وَلَوْ أَنَّ مَمْلُوكًا بين اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول ليس للاخر أَنْ يَبِيعَهُ لِمَا دخل فيه من الْعِتْقِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ وإذا وَرِثَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِيرَاثًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هو له خَاصَّةً وَبِهَذَا يَأْخُذُ قال وَتُنْتَقَضُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا قَبَضَ ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ
____________________

(7/135)


فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فللاخر بَيْعُ نَصِيبِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدِي وَصِيَّةٌ وَكَذَلِكَ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْمُدَبَّرِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ليس لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَبِيعَ الْمُدَبَّرَ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ على السَّيِّدِ الْمُدَبِّرِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِشَرِيكِهِ إنْ كان مُوسِرًا وَيَكُونُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ كما يَلْزَمُهُ هذا في الْعِتْقِ إذَا جَعَلَ هذا عِتْقًا يَكُونُ له بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ قال فَالْعِتْقُ الذي أَلْزَمْتُهُ فيه نِصْفَ الْقِيمَةِ عِتْقٌ وَاقِعٌ مَكَانَهُ قِيلَ فَأَنْتَ تَزْعُمُ في الْجَارِيَةِ بين الرَّجُلَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا فَتَلِدُ أنها أُمُّ وَلَدٍ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَهَذَا عِتْقٌ ليس بِوَاقِعٍ مَكَانَهُ إنَّمَا هو وَاقِعٌ بَعْدَ مُدَّةٍ كَعِتْقِ الْمُدَبَّرِ يَقَعُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِنْ كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ البتة فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الذي دَبَّرَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إنْ كان مُوسِرًا وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُعْتِقُ على الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول التَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْمُعْتِقُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كان مُوسِرًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا سَعَى فيه الْعَبْدُ ثُمَّ يَرْجِعُ على الْمُعْتِقِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ وقال أبو يُوسُفَ إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُدَبَّرٌ كُلُّهُ وهو ضَامِنٌ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ بَتَاتًا فَإِنْ كان مُوسِرًا فَالْعَبْدُ حُرٌّ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَنَصِيبُهُ منه حُرٌّ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبْطِلَ الْعِتْقَ الْآخَرَ وَيَجْعَلَهُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ إذَا كان الْمُدَبِّرُ الْأَوَّلُ مُوسِرًا لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْأَوَّلِ عِتْقٌ وَالْعِتْقُ الْأَوَّلُ أَوْلَى من الْآخَرِ قال وَهَكَذَا قال أَهْلُ الْقِيَاسِ الَّذِينَ لم يَبِيعُوا الْمُدَبَّرَ - * بَابٌ في الْمُكَاتَبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَاتَبَ الرَّجُلُ الْمُكَاتَبَ على نَفْسِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول مَالُهُ لمولاة إذَا لم يَشْتَرِطْ الْمُكَاتَبُ ذلك وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُكَاتَبُ له الْمَالُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَبِيَدِ الْعَبْدِ مَالٌ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لِلْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُكَاتَبُ على السَّيِّدِ مَالَهُ فَيَكُونُ له بِالشَّرْطِ وَهَذَا مَعْنَى السُّنَّةِ نَصًّا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَلَا يَعْدُو الْمُكَاتَبُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَرَبُّ الْمُكَاتَبِ بَائِعٌ وقد جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَالَ أو يَكُونُ غير خَارِجٍ من مِلْكِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ معه كَالْمُعَلَّقِ فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يَمْلِكَ على مَوْلَاهُ مَالًا كان لِمَوْلَاهُ قبل الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرِي الذي أَعْطَى مَالَهُ في الْعَبْدِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَالِ الْعَبْدِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لو مَاتَ مَكَانَهُ مَاتَ من مَالِهِ من الْمُكَاتَبِ الذي لو مَاتَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وإذا قال الْمُكَاتَبُ قد عَجَزْت وَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ وَرَدَّهُ مَوْلَاهُ في الرِّقِّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وقد بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا له حين عَجَزَ وَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ ذلك إلَّا عِنْدَ قَاضٍ وَكَذَلِكَ لو أتى الْقَاضِيَ فقال قد عَجَزْت فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يَرُدُّهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَرُدُّهُ حتى يَجْتَمِعَ عليه نَجْمَانِ قد حَلَّا عليه في يَوْمٍ خَاصَمَ إلَيْهِ ثُمَّ قال أبو يُوسُفَ بَعْدُ لَا أَرُدُّهُ حتى أَنْظُرَ فَإِنْ كان نَجْمُهُ قَرِيبًا وكان يُرْجَى لم يُعَجِّلْ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الْمُكَاتَبُ قد عَجَزْت عِنْدَ مَحَلِّ نَجْمٍ من نُجُومِهِ فَهُوَ كما قال وهو كَمَنْ لم يُكَاتِبْ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَ كان ذلك عِنْدَ قَاضٍ أو لم يَكُنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ وبن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا له عَجَزَ في الرِّقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن شَبِيبِ بن غَرْقَدَةَ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا رَدَّ مُكَاتَبًا عَجَزَ في الرِّقِّ وإذا تَزَوَّجَ
____________________

(7/136)


الْمُكَاتَبُ أو وَهَبَ هِبَةً أو أَعْتَقَ عَبْدًا أو كَفَلَ بِكَفَالَةٍ أو كَفَلَ عنه رَجُلٌ لِمَوْلَاهُ بِاَلَّذِي عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هذا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نِكَاحُهُ وَكَفَالَتُهُ بَاطِلٌ وما تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ عنه لِمَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَمَّا عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ أَمْضَى ذلك وَإِنْ رَجَعَ مَمْلُوكًا فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَكَيْفَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عنه لِمَوْلَاهُ أَرَأَيْت رَجُلًا كَفَلَ لِرَجُلٍ عن عَبْدِهِ كَفَالَةً أَلَيْسَتْ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ مكاتبه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْفُلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِمُكَاتَبَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنَّمَا كَفَلَ له بِمَالِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كان له مَالٌ حَاضِرٌ فقال أُؤَدِّيهِ الْيَوْمَ أو غَدًا فإنه كان يقول يُؤَجِّلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أو وَهَبَ أو أَعْتَقَ أو كَفَلَ عن أَحَدٍ بِكَفَالَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ في هذا إتْلَافًا لِمَالِهِ وهو غَيْرُ مُسَلَّطِ على الْمَالِ أَمَّا التَّزَوُّجُ فَأَبْطَلْنَاهُ بِالْعُبُودِيَّةِ التي فيه أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ الْمُكَاتَبِ بِالْكِتَابَةِ كانت الْكَفَالَةُ بَاطِلَةً من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَفَّلَ له بِمَالِهِ عن مَالِهِ - * بَابٌ في الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ عليه بَعْدَ الْبَيْعِ وبعد ما خَرَجَ من مِلْكِهِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ الْعِتْقُ من مَالِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ على الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَلَفَ يوم حَلَفَ وهو في مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ لو قال الْبَائِعُ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يُعْتَقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد خَرَجَ من مِلْكِ الْبَائِعِ الْحَالِفِ أَرَأَيْت لو أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَيَرْجِعُ إلي الْحَالِفِ وقد صَارَ مَوْلًى لِلْمُشْتَرِي أَرَأَيْت لو أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَاهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ وهو رَجُلٌ من الْعَرَبِ وَجَعَلَهُ ابْنَهُ ثُمَّ كَلَّمَ الْبَائِعُ ذلك الرَّجُلَ الذي حَلَفَ عليه أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبْطَلَ دَعْوَى هذا وَنَسَبَهُ وَيَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَيَبْطُلُ النَّسَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا ليس بِبَيْعِ خِيَارٍ بِشَرْطٍ فَهُوَ حُرٌّ حين عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْتُ أَنَّهُ يُعْتَقُ من قِبَلِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَفَرُّقُهُمَا تَفَرُّقُهُمَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فلما كان لِمَالِك الْعَبْدِ الْحَالِفِ بِعِتْقِهِ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ كان لم يَنْقَطِعْ مِلْكُهُ عنه الِانْقِطَاعَ كُلَّهُ وَلَوْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ في هذه الْحَالِ لِعَبْدِهِ الذي بَاعَهُ عَتَقَ فَعَتَقَ بِالْحِنْثِ وَلَوْ كان بَاعَهُ بَيْعَ خِيَارٍ كان هَكَذَا عِنْدِي لِأَنِّي أَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هو بَعْدَ الْبَيْعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجُوزُ مع عَقْدِ الْبَيْعِ لم يُعْتَقْ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ أَخْرَجَتْهُ من مِلْكِ الْحَالِفِ خُرُوجًا لَا خِيَارَ له فيه فَوَقَعَ الْعِتْقُ عليه وهو خَارِجٌ من مِلْكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ لِغُلَامِهِ أنت حُرٌّ لو كَلَّمْتُ فُلَانًا أو دَخَلْت الدَّارَ فَبَاعَهُ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا أو دخل الدَّارَ لم يُعْتَقْ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَقَعَ وهو خَارِجٌ من مِلْكِهِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أو وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ الذي حَلَفَ بِهِ لِأَنَّهَا قد خَرَجَتْ من مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أنها لو تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ كَلَّمَ الْأَوَّلُ فُلَانًا وَهِيَ عِنْدَ هذا الرَّجُلِ لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ وَهِيَ تَحْتَ غَيْرِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِذَلِكَ وَهِيَ في مِلْكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ كَلَّمَتْ
____________________

(7/137)


فُلَانًا لم يَقَعْ عليها طَلَاقٌ من قِبَلِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ وَهَكَذَا لو طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا لم يَقَعْ عليه الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا على زَوْجَةٍ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَوْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لم يَحْنَثْ بهذا الطَّلَاقِ وَإِنْ كَلَّمَهُ كَلَامًا جَدِيدًا لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَقَعُ إلَّا مَرَّةً وقد وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول يَقَعُ الْعِتْقُ على الْمَمْلُوكِ وَالطَّلَاقُ على الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ طَلَّقَ بعد ما مَلَكَ وَأَعْتَقَ بعد ما مَلَكَ وقد بَلَغَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يقول لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ فَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْمِلْكِ كُلِّهِ أَلَا تري أَنَّهُ لو قال إذَا تَزَوَّجْتهَا أو مَلَكْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ صَارَتْ طَالِقًا وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قال لِأَمَتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كان حُرًّا فَهَذَا عِتْقُ ما لم يَمْلِكْ أَلَا تري أَنَّ رَجُلًا لو كانت عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فقال لها إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا في الْعِدَّةِ أو بَعْدَهَا أَنَّ ذلك وَاقِعٌ عليها لِأَنَّهُ حَلَفَ وهو يَمْلِكُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وهو يَمْلِكُهَا أَرَأَيْتَ لو قال لِعَبْدٍ له إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَمَا كان يُعْتَقُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَقَعُ في ذلك عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ وَقْتًا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا في سِنِينَ مَعْلُومَةٍ أو قال ما عَاشَ فُلَانٌ أو فُلَانَةُ أو وَقَّتَ مِصْرًا من الْأَمْصَارِ أو مَدِينَةً أو قَبِيلَةً لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَشْتَرِي منها مَمْلُوكًا فإن بن أبي لَيْلَى يُوقِعُ على هذا الطَّلَاقَ وَأَمَّا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي فإنه يُوقِعُ في الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ وقد بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تعالي عنه أَنَّهُ قال إذَا وَقَّتَ وَقْتًا أو قَبِيلَةً أو ما عَاشَتْ فُلَانَةُ وَقَعَ وإذا قال الرَّجُلُ إنْ وَطِئْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تُعْتَقُ من قِبَلِ أَنَّهُ حَلَفَ وهو لَا يَمْلِكُهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول تُعْتَقُ فَإِنْ قال إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَوَطِئْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَا هُنَا جَوَابٌ - * بَابٌ في الْعَارِيَّةُ وَأَكْلِ الْغَلَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا يبنى فيها ولم يُوَقِّتْ وَقْتًا ثُمَّ بَدَا له أَنْ يُخْرِجَهُ بعد ما بَنَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول نُخْرِجُهُ وَيُقَالُ لِلَّذِي بَنَى اُنْقُضْ بِنَاءَك وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الذي أَعَارَهُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبُنْيَانِ وَالْبِنَاءُ لِلْمُعِيرِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ فَإِنْ وَقَّتَ له وَقْتًا فَأَخْرَجَهُ قبل أَنْ يَبْلُغَ ذلك الْوَقْتَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبِنَاءِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بُقْعَةً من الْأَرْضِ يبنى فيها بِنَاءً فَبَنَاهُ لم يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ من بِنَائِهِ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا يوم يُخْرِجُهُ وَلَوْ وَقَّتَ له وَقْتًا وقال أَعَرْتُكَهَا عَشْرَ سِنِينَ وَأَذِنْتُ لَك في الْبِنَاءِ مُطْلَقًا كان هَكَذَا وَلَكِنَّهُ لو قال فَإِنْ انْقَضَتْ الْعَشْرُ السِّنِينَ كان عَلَيْك أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَك كان ذلك عليه لِأَنَّهُ لم يُغَرَّ إنَّمَا هو غَرَّ نَفْسَهُ ( قال ) وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على أَرْضٍ وَنَخْلٍ أنها له وقد أَصَابَ الذي هو في يَدَيْهِ من غَلَّةِ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الذي كانت في يَدَيْهِ ضَامِنٌ لِمَا أَخَذَ من الثَّمَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه في ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت النَّخْلُ وَالْأَرْضُ في يَدَيْ الرَّجُلِ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وقد أَصَابَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ ثَمَرَهَا مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ أُخْرِجَتْ من يَدَيْهِ وَضَمِنَ ثَمَرَهَا وما أَصَابَ منها من شَيْءٍ فَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ كانت الْأَرْضُ تُزْرَعُ فَزَرْعُهَا لِلزَّارِعِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَإِنْ كان لم يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ ( قال ) وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الزَّرْعُ لِلَّذِي كانت في يَدَيْهِ وهو ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عليه
____________________

(7/138)


ضَمَانٌ ( قال ) وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ إجَارَةً سَنَةً وَعَمِلَهَا وَأَقَامَ فيها سَنَتَيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هو ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ويعطى أَجْرَ السَّنَةِ الْأُولَى وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه أَجْرُ مِثْلِهَا في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا الذي تَشَارَطَا عليه في السَّنَةِ الْأُولَى وَكِرَاءُ مِثْلِهَا في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَوْ حَدَثَ عليها في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ حَدَثٌ يُنْقِصُهَا كان ضَامِنًا وَهَكَذَا الدُّورُ وَالْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ وَكُلُّ شَيْءٍ اُسْتُؤْجِرَ ( قال ) وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا قَدِيمًا في أَرْضِ رَجُلٍ أو دَارِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو لِرَبِّ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ لِلَّذِي وَجَدَهُ منه شَيْءٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو لِلَّذِي وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فيه وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا جَاهِلِيًّا في دَارِ رَجُلٍ فَالْكَنْزُ لِرَبِّ الدَّارِ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَنْزُ لِمَنْ وَجَدَهُ إذَا وَجَدَهُ في مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وإذا كان الْكَنْزُ إسْلَامِيًّا ولم يُوجَدْ في مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ سَنَةً ثُمَّ هو له - * بَابٌ في الْأَجِيرِ وَالْإِجَارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ في الْأُجْرَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مع يَمِينِهِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْرِ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذي ادَّعَى أَقَلَّ فَيُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَمِلَ الْعَمَلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال أبو يُوسُفَ بَعْدُ إذَا كان شَيْءٌ مُتَقَارِبٌ قَبِلْتُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَحْلَفْتُهُ وإذا تَفَاوَتَ لم أَقْبَلْ وَأَجْعَلُ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ إذَا حَلَفَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا فَتَصَادَقَا على الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا كَمْ هِيَ فَإِنْ كان لم يَعْمَلْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْإِجَارَةَ وَإِنْ كان عَمِلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا أَجْرَ مِثْلِهِ كان أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى أو أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا أَبْطَلْتُ الْعُقْدَةَ وَزَعَمْتُ أنها مَفْسُوخَةٌ لم يَجُزْ أَنْ أَسْتَدِلَّ بِالْمَفْسُوخِ على شَيْءٍ وَلَوْ اسْتَدْلَلْتُ بِهِ كُنْت لم أُعْمِلْ الْمَفْسُوخَ وَلَا الصَّحِيحَ على شَيْءٍ ( قال ) وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ بَيْتًا شَهْرًا يَسْكُنُهُ فَسَكَنَهُ شَهْرَيْنِ أو اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذلك الْمَكَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَلَا أَجْرَ له فِيمَا لم يُسَمِّ لِأَنَّهُ قد خَالَفَ وهو ضَامِنٌ حين خَالَفَ وَلَا يَجْتَمِعُ عليه الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا خَالَفَ إنْ سَلَّمَ وَإِنْ لم يُسَلِّمْ ذلك ضَمِنَ وَلَا نَجْعَلُ عليه أَجْرًا في الْخِلَافِ إذَا ضَمِنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمَوْضِعِ الذي تَكَارَاهَا إلَيْهِ الْكِرَاءَ الذي تَكَارَاهَا بِهِ وَعَلَيْهِ من حِينِ تَعَدَّى إلَى أَنْ رَدَّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا من ذلك الْمَوْضِعِ وإذا عَطِبَتْ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ إلَى الْمَوْضِعِ الذي عَطِبَتْ فيه وَقِيمَتُهَا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْإِجَارَاتِ ( قال ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عليها أَكْثَرَ من ذلك فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو ضَامِنٌ قِيمَةَ الدَّابَّةِ بِحِسَابِ ما زَادَ عليها وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا إذَا كانت قد بَلَغَتْ الْمَكَانَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه قِيمَتُهَا تَامَّةً وَلَا أَجْرَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ على أَنْ يَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَكَايِيلَ مُسَمَّاةً فَحَمَلَ عليها أَحَدَ عَشَرَ مِكْيَالًا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ كُلِّهَا وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ عليه الضَّمَانَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ تَكَارَاهَا على أَنْ يَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَكَايِيلَ فَحَمَلَ عليها أَحَدَ عَشَرَ فَيُضَمِّنُهُ سَهْمًا من أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَيَجْعَلُ الْأَحَدَ عَشَرَ كُلَّهَا
____________________

(7/139)


قَتَلَتْهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَكَارَاهَا مِائَةَ مِيلٍ فَتَعَدَّى بها على الْمِائَةِ مِيلًا أو بَعْضَ مِيلٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ الدَّابَّةَ كُلَّهَا وكان يَنْبَغِي في أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمِائَةَ وَالزِّيَادَةَ على الْمِائَةِ قَتَلَتْهَا فَيُضَمِّنُهُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلدَّابَّةِ حين تَعَدَّى بها حتى يَرُدَّهَا وَلَوْ كان الْكِرَاءُ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا فَمَاتَتْ في الْمِائَةِ مِيلٍ وإذا غَرِقَتْ سَفِينَةُ الْمَلَّاحِ فَغَرِقَ الذي فيها وقد حَمَلَهُ بِأَجْرٍ فَغَرِقَتْ من مَدِّهِ أو مُعَالَجَتِهِ السَّفِينَةَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو ضَامِنٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه في الْمَدِّ خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا فَعَلَ من ذلك الْفِعْلِ الذي يُفْعَلُ بِمِثْلِهَا في ذلك الْوَقْتِ الذي فَعَلَ لم يَضْمَنْ وإذا تَعَدَّى ذلك ضَمِنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْقِسْمَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ صَغِيرَةً بين اثْنَيْنِ أو شِقْصٌ قَلِيلٌ في دَارٍ لَا يَكُونُ بَيْتًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ وأبي صَاحِبُهُ قُسِمَتْ له أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُقْسَمُ شَيْءٌ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الدَّارُ أو الْبَيْتُ بين شُرَكَاءَ فَسَأَلَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ ولم يَسْأَلْ ذلك من بقى فَإِنْ كان يَصِلُ إلَيْهِ بِالْقَسْمِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ قُسِمَ له وَإِنْ كُرْهٌ أَصَابَهُ وَإِنْ كان لَا يَصِلُ إلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا إلَى أَحَدٍ لم يُقْسَمْ له - * بَابُ الصَّلَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أتى الرَّجُلُ إلَى الْإِمَامِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وقد سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَقُومُ الرَّجُلُ فيقضى وَلَا يُكَبِّرُ معه لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ليس من الصَّلَاةِ إنَّمَا هو بَعْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فيقضى ( قال ) وإذا صلى الرَّجُلُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحْدَهُ أو الْمَرْأَةُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا تَكْبِيرَ عليه وَلَا تَكْبِيرَ على من صلى في جَمَاعَةٍ في غَيْرِ مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَا تَكْبِيرَ على الْمُسَافِرِينَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليهم التَّكْبِيرُ أبو يُوسُفَ عن عُبَيْدَةَ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال التَّكْبِيرُ على الْمُسَافِرِينَ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ وَعَلَى الذي يصلى وَحْدَهُ وفي جَمَاعَةٍ وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مُجَالِدٌ عن عَامِرٍ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ بِشَيْءٍ من الصَّلَاةِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ لم يُكَبِّرْ الْمَسْبُوقُ بِشَيْءٍ من الصَّلَاةِ وَقَضَى الذي عليه فإذا سَلَّمَ كَبَّرَ وَذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ليس من الصَّلَاةِ إنَّمَا هو ذِكْرٌ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِيمَا كان من الصَّلَاةِ وَهَذَا ليس من الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَغَيْرَ مُنْفَرِدٍ وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَعَلَى كل حَالٍ وإذا أَدْرَكَ الْإِمَامَ وهو رَاكِعٌ فَكَبَّرَ معه ثُمَّ لم يَرْكَعْ حتي رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَسْجُدُ معه وَلَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أخبرنا بِذَلِكَ عن الْحَسَنِ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَحْتَسِبُ بِذَلِكَ من صَلَاتِهِ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي ينهي عن الْقُنُوتِ في الْفَجْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَيُحَدِّثُ بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَقْنُتْ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا حَارَبَ حَيًّا من الْمُشْرِكِينَ فَقَنَتَ يَدْعُو عليهم وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ حتى لَحِقَ بِاَللَّهِ عز وجل وَأَنَّ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ في سَفَرٍ وَلَا في حَضَرٍ وَأَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لم يَقْنُتْ وَأَنَّ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما لم يَقْنُتْ وقال يا أَهْلَ الْعِرَاقِ أُنْبِئْت أَنَّ إمَامَكُمْ يَقُومُ لَا قَارِئَ قُرْآنٍ وَلَا رَاكِعَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْقُنُوتَ وَأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ في حَرْبٍ يَدْعُو على مُعَاوِيَةَ فَأَخَذَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عنه ذلك وَقَنَتَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ يَدْعُو على عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَأَخَذَ أَهْلُ الشَّامِ عنه ذلك
____________________

(7/140)


وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرَى الْقُنُوتَ في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ في الْفَجْرِ ويروي ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَنَتَ بِهَاتَيْنِ ( 3 ) السُّورَتَيْنِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ من يَفْجُرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ وكان يحدث عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه بهذا الحديث وَيُحَدِّثُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَنَتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ ولم يَرْكَعْ حتي يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَجَدَ مع الْإِمَامِ ولم يَعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ رُكُوعَهُ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ لم يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْهَا مع الْإِمَامِ ولم يَقْرَأْ لها فَيَكُونُ صلى لِنَفْسِهِ فَقَرَأَ وَلَا صلى مع الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ وَيَقْنُتُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَنَتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَتْرُكْ عَلِمْنَاهُ الْقُنُوتَ في الصُّبْحِ قَطُّ وَإِنَّمَا قَنَتَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين جَاءَهُ قَتْلُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ خَمْسَ عَشَرَ لَيْلَةً يَدْعُو على قَوْمٍ من الْمُشْرِكِينَ في الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ في الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَأَمَّا في صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَلْ نَعْلَمُ أَنَّهُ قَنَتَ في الصُّبْحِ قبل قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدُ وقد قَنَتَ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ كلهم بَعْدَ الرُّكُوعِ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه في بَعْضِ إمَارَتِهِ ثُمَّ قُدِّمَ الْقُنُوتُ على الرُّكُوعِ وقال لِيُدْرِكَ من سُبِقَ بِالصَّلَاةِ الرَّكْعَةَ - * بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ - * ( قال ) وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يقول في صَلَاةِ الْخَوْفِ يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ معه طَائِفَةٌ فَيُكَبِّرُونَ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَسْجُدُونَ معه فَيَنْفَلِتُونَ من غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا حتي يَقِفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ التي كانت بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيَسْتَقْبِلُونَ التَّكْبِيرَ ثُمَّ يصلى بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً أُخْرَى وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ فَيَنْفَلِتُونَ هُمْ من غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَلَا يَتَكَلَّمُوا فَيَقُومُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً وُحْدَانًا ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلِتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك } وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقُومُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَتَانِ جميعا إذَا كان الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جميعا وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ وَيَقُومُ الصَّفُّ الْآخَرُ في وُجُوهِ الْعَدُوِّ فإذا رَفَعَ الْإِمَامُ رَفَعَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ رؤوسهم ( ( ( رءوسهم ) ) ) وَقَامُوا وَسَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فإذا فَرَغُوا من سُجُودِهِمْ قَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَيَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فيصلى بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَيُحَدِّثُ بِذَلِكَ بن أبي لَيْلَى عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان الْعَدُوُّ في دُبُرِ الْقِبْلَةِ قام الْإِمَامُ وَصَفٌّ معه مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالصَّفُّ الْآخَرُ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ وَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ جميعا وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جميعا ثُمَّ يَسْجُدُ الصَّفُّ الذي مع الْإِمَامِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْفَتِلُونَ فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْكَعُونَ جميعا وَيَسْجُدُ معه الصَّفُّ الذي معه ثُمَّ يَنْفَتِلُونَ فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ وَيَفْرُغُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَهُمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صلى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخَوْفِ مُسَافِرًا جَعَلَ طَائِفَةً من أَصْحَابِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا يَقْرَأُ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ عليهم وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ التي كانت بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَكَبَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ التي كانت بَقِيَتْ عليه فإذا جَلَسَ في التَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ عليهم ثُمَّ جَلَسُوا فَتَشَهَّدُوا فإذا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ قد قَضَوْا تَشَهُّدَهُمْ سَلَّمَ بِهِمْ وَبِهَذَا الْمَعْنَى صلى النبي
____________________

(7/141)


صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ يوم ذَاتِ الرِّقَاعِ وقد روى عنه في صَلَاةِ الْخَوْفِ خِلَافُ هذا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ لَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَلَا سُتْرَةَ وَحَيْثُ لَا يَنَالُهُ النَّبْلُ وكان الْعَدُوُّ قَلِيلًا مَأْمُونِينَ وَأَصْحَابُهُ كَثِيرًا وَكَانُوا بَعِيدًا منه لَا يَقْدِرُونَ في السُّجُودِ على الْغَارَةِ عليه قبل أَنْ يَصِيرُوا إلَى الرُّكُوبِ وَالِامْتِنَاعِ صلى بِأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ فإذا رَكَعَ رَكَعُوا كلهم وإذا رَفَعَ رَفَعُوا كلهم وإذا سَجَدَ سَجَدُوا كلهم إلَّا صَفًّا يَكُونُونَ على رَأْسِهِ قِيَامًا فإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من السَّجْدَتَيْنِ فَاسْتَوَى قَائِمًا أو قَاعِدًا في مَثْنًى اتَّبَعُوهُ فَسَجَدُوا ثُمَّ قَامُوا بِقِيَامِهِ وَقَعَدُوا بِقُعُودِهِ وَهَكَذَا صلى رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِعُسْفَانَ وَخَالِدُ بن الْوَلِيدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وكان خَالِدٌ في مِائَتَيْ فَارِسٍ مُنْتَبِذًا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَحْرَاءَ مَلْسَاءَ ليس فيها جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ولم يَكُنْ خَالِدٌ فِيمَا نري يَطْمَعُ بِقِتَالِهِمْ وَإِنَّمَا كان طَلِيعَةً يأتى بِخَبَرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَهَرَ الْإِمَامُ في صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فيها بِالْقِرَاءَةِ عَمْدًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول قد أَسَاءَ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَهَرَ الْإِمَامُ في الظُّهْرِ أو الْعَصْرِ أو خَافَتْ في الْمَغْرِبِ أو الْعِشَاءِ فَلَيْسَ عليه إعَادَةٌ وقد أَسَاءَ إنْ كان عَمْدًا وإذا صلي الرَّجُلُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِاللَّيْلِ ولم يُسَلِّمْ فيها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وكان بن أبي ليلي يقول أَكْرَهُ ذلك له حتى يُسَلِّمَ في كل رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ من النَّافِلَةِ سَوَاءٌ يُسَلِّمُ في كل رَكْعَتَيْنِ وَهَكَذَا جاء الْخَبَرُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ اللَّيْلِ وقد يروي عنه خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله في صَلَاةِ النَّهَارِ وَلَوْ لم يُثْبِتْ كان إذْ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ من كل رَكْعَتَيْنِ كان مَعْقُولًا في الْخَبَرِ عنه أَنَّهُ أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْفَرْقَ بين الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَلَا تَخْتَلِفُ النَّافِلَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كما لَا تَخْتَلِفُ الْمَكْتُوبَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ كُلُّهَا ( قال ) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّكْبِيرُ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعٌ وما عَلِمْت أَحَدًا حَفِظَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ كَبَّرَ إلَّا أَرْبَعًا وكان أبو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وكان بن أبي لَيْلَى يُكَبِّرُ خَمْسًا على الْجَنَائِزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجْهَرُ في الصَّلَاةِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قبل أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَبْلَ السُّورَةِ التي بَعْدَهَا فَإِنْ جَمَعَ في رَكْعَةٍ سُوَرًا جَهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قبل كل سُورَةٍ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي يَكْرَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا جَهَرْت فَحَسَنٌ وإذا أَخْفَيْت فَحَسَنٌ ( قال ) وَذُكِرَ عن بن أبي لَيْلَى عن رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على خُفَّيْهِ من حَدَثٍ ثُمَّ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ قال يُصَلِّي كما هو وَحَدَّثَ بِذَلِكَ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ وَذَكَرَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا يُصَلِّي حتى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَبِهِ يَأْخُذُ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا صلى الرَّجُلُ وقد مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا أَحْبَبْت له أَنْ لَا يصلى حتى يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا اُنْتُقِضَتْ عن عُضْوٍ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ على الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا فإذا لم يَزِدْ على غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ وقد روى عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إلي السُّوقِ ثُمَّ دعى لِجِنَازَةٍ فَمَسَحَ على خُفَّيْهِ وصلي وَذَكَرَ عن الْحَكَمِ أَيْضًا عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بَعْدَ الْآيِ في الصَّلَاةِ ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ عَدَّ الْآيِ في الصَّلَاةِ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ كان إنَّمَا يَعُدُّهَا عَقْدًا وَلَا يَلْفِظُ بِعَدَدِهَا لَفْظًا لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَإِنْ لَفَظَ بِشَيْءٍ من ذلك لَفْظًا فقال وَاحِدَةٌ وَثِنْتَانِ وهو ذَاكِرٌ لِصَلَاتِهِ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ وكان عليه الِاسْتِئْنَافُ قال وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ بَعْضَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لم يُتِمَّهُ حتى جَفَّ ما قد غَسَلَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يُتِمُّ ما قد بقى وَلَا يُعِيدُ على ما مَضَى وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنْ كان في طَلَبِ
____________________

(7/142)


الْمَاءِ أو في الْوُضُوءِ فإنه يُتِمُّ ما بقى وَإِنْ كان قد أَخَذَ في عَمَلِ غَيْرِ ذلك أَعَادَهُ على ما جَفَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ جاؤوا بِالْوُضُوءِ مُتَتَابِعًا نَسَقًا على مِثْلِ ما تَوَضَّأَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ جاء بِهِ كَذَلِكَ ولم يَقْطَعْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ من انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَطَلَبِهِ بَنَى على وُضُوئِهِ وَمَنْ قَطَعَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ حتى يَتَطَاوَلَ ذلك فَيَكُونُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ أَخَذَ في عَمَلِ غَيْرِهِ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ أَتَمَّ ما بقى أَجْزَأَهُ أخبرنا بن أبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ من التُّرَابِ في الصَّلَاةِ حتي يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَبِهِ يَأْخُذُ أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كان يَمْسَحُ التُّرَابَ عن وَجْهِهِ في الصَّلَاةِ قبل أَنْ يُسَلِّمَ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ المصلى مَسْحَ وَجْهِهِ من التُّرَابِ حتي يُسَلِّمَ كان أَحَبَّ إلى فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عليه - * بَابُ الزَّكَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان علي رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ على الناس دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وفي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول ليس عليه زَكَاةٌ فِيمَا في يَدَيْهِ حتى يُخْرِجَ دَيْنَهُ فَيُزَكِّيهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه فِيمَا في يَدَيْهِ الزَّكَاةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلَا زَكَاةَ عليه وَإِنْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَهُ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ كان أَحَبُّ إلى وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حتى يَقْبِضَ مَالَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّى مِمَّا في يَدَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ لم يَكُنْ عليه فيه زَكَاةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا كانت في يَدَيْهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ قال الرَّبِيعُ من قِبَلِ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ إنْ تَلِفَ كان منه وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بها فلما كانت في جَمِيعِ أَحْكَامِهَا مَالًا من مَالِهِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } كانت عليه فيها الزَّكَاةُ قال وكان بن أبي لَيْلَى يقول زَكَاةُ الدَّيْنِ على الذي هو عليه فقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هِيَ على صَاحِبِهِ الذي هو له إذَا خَرَجَ كَذَلِكَ بَلَغْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ دَيْنٌ على الناس فَإِنْ كان حَالًّا وقد حَالَ عليه الْحَوْلُ في يَدَيْ الذي هو عليه أو أَكْثَرَ من حَوْلٍ فَإِنْ كان يَقْدِرُ على أَخْذِهِ منه فَتَرَكَهُ فَعَلَيْهِ فيه الزَّكَاةُ وهو كَمَالٍ له وَدِيعَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ عليه أَنْ يُزَكِّيَهُ إذَا كان قَادِرًا عليه وَإِنْ كان لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ سَيُفْلِسُ له بِهِ أو كان مُتَغَيِّبًا عنه فَعَلَيْهِ إذَا كان حَاضِرًا طَلَبَهُ منه بِأَلَحِّ ما يَقْدِرُ عليه فإذا نَضَّ في يَدَيْهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى في يَدَيْهِ من السِّنِينَ فَإِنْ تَلِفَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا زَكَاةَ عليه فيه وَهَكَذَا إذَا كان صَاحِبُ الدَّيْنِ مُتَغَيِّبًا عنه قال وإذا كانت أَرْضٌ من أَرْضِ الْخَرَاجِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ليس فيها عُشْرٌ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه فيها الْعُشْرُ مع الْخَرَاجِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا من أَرْضِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ في زَرْعِهَا الْعُشْرُ كما يَكُونُ عليه في زَرْعِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ تَكَارَاهَا منه وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أو هِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ قال وإذا كانت الْأَرْضُ من أَرْضِ الْعُشْرِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُخْرِجَتْ من الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالذُّرَةِ وَغَيْرِ ذلك من أَصْنَافِ الْغَلَّةِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ في ذلك سَوَاءٌ وَإِنْ كانت حُزْمَةً من بَقْلٍ وَكَذَلِكَ حدثنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس في شَيْءٍ من ذلك عُشْرٌ إلَّا في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ والتمر ( ( ( والثمر ) ) ) وَالزَّبِيبِ وَلَا يَكُونُ فيه الْعُشْرُ حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ مَخْتُومٌ بِالْحَجَّاجِي وهو رُبْعٌ بِالْهَاشِمِيِّ الْكَبِيرِ وهو ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ليس في الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ عُشْرٌ وَلَا أَرَى في شَيْءٍ من ذلك عُشْرًا إلَّا الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالْحُبُوبَ وَلَيْسَ فيه شَيْءٌ حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/143)


وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا من أَرْضِ الْعُشْرِ فَلَا زَكَاةَ عليه حتى يُخْرِجَ منها خَمْسَةَ أَوْسُقٍ من كل صِنْفٍ مِمَّا أَخْرَجَتْ مِمَّا فيه الزَّكَاةُ وَذَلِكَ ثلاثمائة صَاعٍ بِصَاعِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْخُضَرِ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ فِيمَا اُقْتِيتَ وَيَبِسَ وَادُّخِرَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ التي في هذا الْمَعْنَى التي يُنْبِتُ الناس قال وإذا كان لِرَجُلٍ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَقَرَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إذَا حَالَ عليها الْحَوْلُ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِ ذلك إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَأَظُنُّهُ حدثه أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِينَ حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا شَيْءَ في الْأَوْقَاصِ وَالْأَوْقَاصُ عِنْدَنَا ما بين الْفَرِيضَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْبَقَرِ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فإذا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ثُمَّ ليس في الزِّيَادَةِ على الثَّلَاثِينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ ليس في زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ فإذا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ ليس في الْفَضْلِ على السِّتِّينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فإذا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ ثُمَّ ليس في الْفَضْلِ على السَّبْعِينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ ثَمَانِينَ فإذا بَلَغَتْ الثَّمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَتُهَا وَكُلُّ صَدَقَةٍ من الْمَاشِيَةِ فَلَا شَيْءَ فيها فِيمَا بين الْفَرِيضَتَيْنِ وَكُلُّ ما كان فَوْقَ الْفَرْضِ الْأَسْفَلِ لم يَبْلُغْ الْفَرْضَ الْأَعْلَى فَالْفَضْلُ فيه عَفْوَ صَدَقَتِهِ صَدَقَةَ الْأَسْفَلِ قال وإذا كان لِلرَّجُلِ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول في الزَّكَاةِ يُضَيِّفُ أَقَلَّ الصِّنْفَيْنِ إلَى أَكْثَرِهِمَا ثُمَّ يُزَكِّيه إنْ كانت الدَّنَانِيرُ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَجْمَعُهَا جميعا فَتَكُونُ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مِثْقَالًا من الذَّهَبِ فَيُزَكِّيهَا في كل عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ فما زَادَ فَلَيْسَ فيه شَيْءٌ من الزَّكَاةِ حتى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فيها عُشْرُ مِثْقَالٍ وإذا كانت الدَّنَانِيرُ أَكْثَرَ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ دَرَاهِمَ وَأَضَافَهَا إلَى الدَّرَاهِمِ فَتَكُونُ أَكْثَرَ من مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِي كل مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ على الْمِائَتَيْنِ حتى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فإذا بَلَغَتْ فَفِي كل أَرْبَعِينَ زَادَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا زَكَاةَ في شَيْءٍ من ذلك حتى يَبْلُغَ الذَّهَبُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَتَبْلُغُ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَا يُضِيفُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَقُولُ هذا مَالٌ مُخْتَلِفٌ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ له ثَلَاثُونَ شَاةً وَعِشْرُونَ بَقَرَةً وَأَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ فَلَا يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وقال بن أبي لَيْلَى ما زَادَ على الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ وَالْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ من شَيْءٍ فَبِحِسَابِ ذلك ما كان من قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ في الزِّيَادَةِ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ليس فِيمَا زَادَ على الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ حتي يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقَوَّمُ الذَّهَبُ وَلَا الْفِضَّةُ إنَّمَا الزَّكَاةُ علي وَزْنِهِ جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ إنْ كان له منها خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا ذَهَبًا لم يَكُنْ عليه فيها زَكَاةٌ وَلَوْ كان قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الحديث إنَّمَا جاء في عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَوْ كان له مع ذلك أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا لم يُزَكِّهِ حتى يَكُونَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فإذا كَمُلَ من الْأُخْرَى أَوْجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ لو كان نِصْفٌ من هذا وَنِصْفٌ من هذا فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُخْرِجُهُ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَإِنْ شَاءَ زكي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحِصَّتِهِمَا أَيُّ ذلك فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَلَوْ كان له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ زكي الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَزَكَّى الْعَشَرَةَ مَثَاقِيلَ بِرُبْعِ مِثْقَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت لِرَجُلٍ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فيها وَلَا يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْوَرِقَ وهو صِنْفٌ غَيْرُهَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ كما لَا يَضُمُّ التَّمْرَ إلَى الزَّبِيبِ وَلَلتَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَشْبَهُ من الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَأَقْرَبُ ثَمَنًا بَعْضُهُ من بَعْضٍ وَكَمَا لَا تَضُمُّ الْإِبِلَ إلَى الْبَقَرِ وَلَا الْبَقَرَ إلَى الْغَنَمِ قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول إذَا حَالَ عليها الْحَوْلُ يُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّيه كُلَّهُ وقال بن أبي لَيْلَى هَذَانِ مَالَانِ
____________________

(7/144)


مُخْتَلِفَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ على الدَّرَاهِمِ وَلَا تَجِبُ على الذَّهَبِ وقال أبو يُوسُفَ فيه الزَّكَاةُ كُلِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ يَكُونُ له الْمَتَاعُ لِلتِّجَارَةِ وهو مُخْتَلِفٌ فَيُقَوِّمُهُ وَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزْكِيه وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وقد بَلَغْنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا تَاجِرًا أَنْ يُقَوِّمَ تِجَارَتَهُ عِنْدَ الْحَوْلِ فَيُزَكِّيهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا زكي الْمِائَتَيْنِ ولم يُزْكِ التسعة عُشْرَ مِثْقَالًا كما يَكُونُ له خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَبِيبًا إلَّا صَاعًا فيزكى التَّمْرَ وَلَا يزكى الزَّبِيبَ - * بَابُ الصِّيَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اكْتَحَلَ الرَّجُلُ في شَهْرِ رَمَضَانَ أو غَيْرِ رَمَضَانَ وهو صَائِمٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَكْرَهُ ذلك وَيَكْرَهُ أَنْ يَدْهُنَ شَارِبَهُ بِدُهْنٍ يَجِدُ طَعْمَهُ وهو صَائِمٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ وَيَدْهُنَ شَارِبَهُ وَرَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَدَمَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ غَالِيَةً أو غير غَالِيَةٍ وإذا صَامَ الرَّجُلُ يَوْمًا من شَهْرِ رَمَضَانَ فَشَكَّ أَنَّهُ من شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّهُ من رَمَضَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال يُجْزِيه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُجْزِيهِ ذلك وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصْبَحَ الرَّجُلُ يوم الشَّكِّ من رَمَضَانَ وقد بَيَّتَ الصَّوْمَ من اللَّيْلِ على أَنَّهُ من رَمَضَانَ فَهَذِهِ نِيَّةٌ كَامِلَةٌ تؤدى عنه ذلك الْيَوْمَ إنْ كان من شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ لم يَكُنْ من شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْطَرَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال الشَّافِعِيُّ في موضع ( ( ( موضح ) ) ) آخَرَ لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ صَامَ على الشَّكِّ وإذا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ يَوْمًا من رَمَضَانَ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ حَاضَتْ من آخِرِ النَّهَارِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول ليس عليها كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليها الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ في شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ مَرِضَ الرَّجُلُ في آخَرِ يَوْمِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أو حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَقَدْ قِيلَ على الرَّجُلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقِيلَ لَا شَيْءَ عليه فَأَمَّا إذَا سَافَرَ فإن عليه عِتْقَ رَقَبَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ فَلَا يَسْقُطُ عنه ما وَجَبَ عليه بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ ( قال ) وإذا وَجَبَ علي الرَّجُلِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ من كَفَّارَةِ إفْطَارٍ من رَمَضَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول ذَانِكَ الشَّهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ ليس له أَنْ يَصُومَهُمَا إلَّا مُتَتَابِعَيْنِ وَذَكَرَ أبو حَنِيفَةَ نَحْوًا من ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَيْسَا بِمُتَتَابِعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم يَجِدْ الْمُجَامِعُ في شَهْرِ رَمَضَانَ عِتْقًا فَصَامَ لم يَجُزْ عنه إلَّا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يجزئ عنه الصَّوْمُ وَلَا الصَّدَقَةُ وهو يَجِدُ عِتْقًا ( قال ) وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ وهو صَائِمٌ في رَمَضَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول إنْ كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ حين تَوَضَّأَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كان نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَلَا قَضَاءَ عليه وَذَكَرَ ذلك أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا قَضَاءَ عليه إذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَإِنْ كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ وقد ذُكِرَ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال إذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وهو صَائِمٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلَاةِ وهو صَائِمٌ فَتَمَضْمَضَ وَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ وهو نَاسٍ لِصَوْمِهِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ شَرِبَ وهو نَاسٍ لم يَنْقُضْ ذلك صَوْمَهُ وإذا كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الذي يَلْزَمُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ حتى يَكُونَ أَحْدَثَ شيئا من ازْدِرَادٍ أو فَعَلَ فِعْلًا ليس له دخل بِهِ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَمَّا إذَا كان إنَّمَا أَرَادَ الْمَضْمَضَةَ فَسَبَقَهُ شَيْءٌ في حَلْقِهِ بِلَا إحْدَاثِ ازْدِرَادٍ تَعَمَّدَ بِهِ الْمَاءُ إلَّا إدْخَالَ النَّفَسِ وَإِخْرَاجَهُ فَلَا يَجِبُ عليه أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ وَهَذَا خَطَأٌ في مَعْنَى النِّسْيَانِ أو أَخَفُّ منه
____________________

(7/145)


- * بَابٌ في الْحَجِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي يقول لَا تُشْعِرُ الْبُدُنَ وَيَقُولُ الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْإِشْعَارُ في السَّنَامِ من الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُشْعَرُ الْبُدُنُ في أَسْنِمَتِهَا وَالْبَقَرُ في أَسْنِمَتِهَا أو مَوَاضِعِ الْأَسْنِمَةِ وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ وَالْإِشْعَارُ في الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ أَشْعَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وروى عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تعالي عنهما عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَشْعَرَ في الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَبِذَلِكَ تَرَكْنَا قَوْلَ من قال لَا يُشْعَرُ إلَّا في الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وقد روى أَنَّ بن عُمَرَ أَشْعَرَ في الشِّقِّ الْأَيْسَرِ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما كان لَا يُبَالِي في أَيِّ الشِّقَّيْنِ أَشْعَرَ في الْأَيْمَنِ أو الْأَيْسَرِ قال وإذا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَضَاهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا من التَّنْعِيمِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا من مِيقَاتِ بِلَادِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ من مِيقَاتٍ فَأَفْسَدَهَا فَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا من الْمِيقَاتِ الذي ابتدأ منه الْعُمْرَةَ التي أَفْسَدَهَا وَلَا نَعْلَمُ الْقَضَاءَ في شَيْءٍ من الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلٍ مِثْلِهِ فَأَمَّا عَمَلٌ أَقَلُّ منه فَهَذَا قَضَاءٌ لِبَعْضٍ دُونَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا يجزئ قَضَاءُ الْكُلِّ لَا الْبَعْضِ وَمَنْ قال له أَنْ يَقْضِيَهَا خَارِجًا من الْحَرَمِ دخل عليه خِلَافُ ما وَصَفْنَا من الْقِيَاسِ وَخِلَافُ الْآثَارِ وقد ظَنَنْت أَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها إنَّمَا كانت مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ وَأَنَّهَا رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ تَقْضِيَهَا من التَّنْعِيمِ وَهَذَا ليس كما روى إنَّمَا أَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ قَارِنَةً وَإِنَّمَا كانت عُمْرَتُهَا شيئا اسْتَحَبَّتْهُ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بها فَاعْتَمَرَتْ لَا أَنَّ عُمْرَتَهَا كانت قَضَاءً وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ من صَيْدِ الْبَحْرِ شيئا سِوَى السَّمَكِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا خَيْرَ في شَيْءٍ من صَيْدِ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِيدَ الْمُحْرِمُ جَمِيعَ ما كان مَعَاشُهُ في الْمَاءِ من السَّمَكِ وَغَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبِرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ طَعَامُهُ كُلُّ ما كان فيه وهو يشبه ( ( ( شبه ) ) ) ما قال وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه عن حَشِيشِ الْحَرَمِ فقال أَكْرَهُ أَنْ يُرْعَى من حَشِيشِ الْحَرَمِ شيئا أو يُحْتَشَّ منه قال وَسَأَلْت بن أبي لَيْلَى عن ذلك فقال لَا بَأْسَ أَنْ يُحْتَشَّ من الْحَرَمِ وَيُرْعَى منه قال وَسَأَلْت الْحَجَّاجَ بن أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءَ بن أبي رَبَاحٍ فقال لَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى وَكَرِهَ أَنْ يُحْتَشَّ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى نَبَاتُ الْحَرَمِ شَجَرُهُ وَمَرْعَاهُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُحْتَشَّ منه شَيْءٌ لِأَنَّ الذي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من مَكَّةَ أَنْ يختلي خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ وَالِاخْتِلَاءُ الِاحْتِشَاشُ نَتْفًا وَقَطْعًا وَحَرَّمَ أَنْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا ولم يُحَرِّمْ أَنْ يُرْعَى قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه قال لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ من تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ وَبِهِ يَأْخُذُ قال وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يحدث عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ تعالي عَنْهُمْ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَخْرُجَ من تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ شيئا وَحَدَّثَنَا شَيْخٌ عن رَزِينٍ مولى على بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بن عبد اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ بِقِطْعَةٍ من الْمَرْوَةِ يَتَّخِذُهَا مُصَلًّى يَسْجُدُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا خَيْرَ في أَنْ يَخْرُجَ من حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَلَا تُرَابِهِ شَيْءٌ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ له حُرْمَةً ثَبَتَتْ بَايَنَ بها ما سِوَاهَا من الْبُلْدَانِ وَلَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يُزِيلَهُ
____________________

(7/146)


من الْمَوْضِعِ الذي بَايَنَ بِهِ الْبُلْدَانَ إلَى أَنْ يَصِيرَ كَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا عبد الرحمن بن الْحَسَنِ بن الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِ عن أبيه عن عبد الْأَعْلَى بن عبد اللَّهِ بن عَامِرٍ قال قَدِمْت مع أُمِّي أو قال جَدَّتِي مَكَّةَ فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلْت بها فقالت صَفِيَّةُ ما أدري ما أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ من الرُّكْنِ فَخَرَجَتْ بها فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذُكِرَ من مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ جميعا قال فقالت أُمِّي أو جَدَّتِي ما أَرَانَا أَتَيْنَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هذه الْقِطْعَةَ من الْحَرَمِ فقالت لي وَكُنْت أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرَدَّهَا وَقُلْ لها إنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا وَضَعَ في حَرَمِهِ شيئا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ منه قال عبد الْأَعْلَى فَقَالُوا لي فما هو إلَّا أَنْ تحينا ( ( ( تجينا ) ) ) دُخُولُك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا من عَقْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ من الْحَرَمِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَمَامًا من حَمَامِ الْحَرَمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول عليه قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه شَاةٌ وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يقول في حَمَامِ الْحَرَمِ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ شَاةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَمَامًا من حَمَامِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وبن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَنَافِعِ بن عبد الْحَارِثِ وَعَاصِمِ بن عُمَرَ وَعَطَاءٍ وبن الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليهم أَجْمَعِينَ وقد زَعَمَ الذي قال فيه قِيمَةٌ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ وَاحِدًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفَ أَرْبَعَةٌ في حَمَامِ مَكَّةَ وَسُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عليه فيه عَنَاقٌ أو جَفْرَةٌ أو شِبْهُ ذلك فقال لَا يجزئ في هَدْيِ الصَّيْدِ إلَّا ما يجزئ في هَدْيِ الْمُتْعَةِ الْجَذَعُ من ( ( ( بن ) ) ) الضَّأْنِ إذَا كان عَظِيمًا أو الثَّنِيُّ من الْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فما فَوْقَ ذلك لَا يجزئ ما دُونَ ذلك أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في كِتَابِهِ في جَزَاءِ الصَّيْدِ { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَسَأَلْت بن أبي لَيْلَى عن ذلك فقال يُبْعَثُ بِهِ وَإِنْ كان عَنَاقًا أو حَمَلًا قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذَ بِالْأَثَرِ في الْعَنَاقِ وَالْجَفْرَةِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك كُلِّهِ قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ صَيْدًا صَغِيرًا فَدَاهُ بِشَاةٍ صَغِيرَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول مِثْلُ وَالْمِثْلُ مِثْلُ الذي يُفْدَى فإذا كان كَبِيرًا كان كَبِيرًا وإذا كان الذي يُفْدَى صَغِيرًا كان صَغِيرًا وَلَا أَعْلَمُ من قال لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْدَى الصَّيْدُ الصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ مِثْلِهِ من الْغَنَمِ إلَّا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْآثَارَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وإذا كان يَزْعُمُ أَنَّ الصَّيْدَ مُحَرَّمٌ كُلُّهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ تُفْدَى الْجَرَادَةُ بِتَمْرَةٍ أو أَقَلَّ من تَمْرَةٍ لِصِغَرِهَا وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَتُفْدَى بَقَرَةُ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ لِكِبَرِهَا فَكَيْفَ لم يَزْعُمْ أَنَّهُ يُفْدَى الصَّغِيرُ بِالصَّغِيرِ وقد فَدَى الصَّغِيرَ بِصَغِيرٍ وَالْكَبِيرَ بِكَبِيرٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَجَزَاءُ مِثْلَ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَإِنَّمَا رَفَعَ وَخَفَضَ بِالْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يفدى بِتَمْرَةٍ وَلَا يفدى بِعَنَاقٍ وما لِلضَّحَايَا وهدى الْمُتْعَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ هل رَآهُ قِيَاسَ جَزَاءِ الصَّيْدِ حين أَصَابَ الْمُحْرِمُ الْبَقَرَةَ بِأَنْ قال يَكْفِيه شَاةٌ كما يكفى الْمُتَمَتِّعَ أو الْمُضَحِّيَ أو قَاسَهُ حين أَصَابَ الْمُحْرِمُ جَرَادَةً بِأَنْ قال لَا يجزئ الْمُحْرِمَ إلَّا شَاةٌ كما لَا يجزئ الْمُضَحِّي وَالْمُتَمَتِّعَ إلَّا شَاةٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَلِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ وَإِنَّمَا الْمِثْلُ صَغِيرًا أو كَبِيرًا على قَدْرِ الْمُصَابِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فما أَضَلُّك عن الْجَفْرَةِ إذَا كانت مِثْلَ ما أُصِيبَ وَإِنْ كُنْت تُقَلِّدُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَحْدَهُ في أَقْضِيَةٍ لَا حُجَّةَ لَك في شَيْءٍ منها إلَّا تَقْلِيدَهُ فَكَيْفَ خَالَفْتَهُ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَغَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد قَضَى عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه في الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَقَضَى في الضَّبِّ بِجَدْيٍ قد جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ وَقَضَى بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أو جَفْرٍ وقضي عُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه في أُمِّ حَبِينٍ بِحِلَّانِ من الْغَنَمِ يَعْنِي حَمَلًا وَذُكِرَ عن خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال في بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ وَأَخْبَرَنَا دَاوُد بن أبي هِنْدَ عن عَامِرٍ مثله وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يقول عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ في الْبَيْضَةِ
____________________

(7/147)


دِرْهَمٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيمَتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ نَعَامٍ أو بَيْضَ حَمَامٍ أو بَيْضًا من الصَّيْدِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ قِيَاسًا على الْجَرَادَةِ وَعَلَى ما لم يَكُنْ له مِثْلٌ من النَّعَمِ - * بَابُ الدِّيَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا صَاحِبَهُمْ إنْ شاؤوا وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس لهم أَنْ يَقْتُلُوا حتى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَبِهِ يَأْخُذُ حدثنا أبو يُوسُفَ عن رَجُلٍ عن أبي جَعْفَرٍ أَنَّ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما قَتَلَ بن مُلْجَمٍ بِعَلِيٍّ وقال أبو يُوسُفَ وكان لِعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَوْلَادٌ صِغَارٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أو كِبَارٌ غُيَّبٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ منهم أَنْ يَقْتُلَ حتى تَبْلُغَ الصِّغَارُ وَتَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَجْتَمِعُ من له سَهْمٌ في مِيرَاثِهِ من زَوْجَةٍ أو أُمٍّ أو جَدَّةٍ على الْقَتْلِ فإذا اجْتَمَعُوا كان لهم أَنْ يَقْتُلُوا فإذا لم يَجْتَمِعُوا لم يَكُنْ لهم أَنْ يَقْتُلُوا وإذا كان هذا هَكَذَا فَلِأَيِّهِمْ شَاءَ من الْبَالِغِينَ الْحُضُورَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ من مَالِ الْجَانِي بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ من الْمَقْتُولِ وإذا فَعَلَ كان لِأَوْلِيَاءِ الْغُيَّبِ وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّغَارِ أَنْ يَأْخُذُوا لهم حِصَصَهُمْ من الدِّيَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ قد حَالَ وَصَارَ مَالًا فَلَا يَكُونُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَدَعَهُ وقد أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ ذَهَبْت إلَى هذا دُونَ غَيْرِهِ من الْأَقَاوِيلِ وقد قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيُّ وُلَاةِ الدَّمِ قام بِهِ قَتَلَ وَإِنْ عَفَا الْآخَرُونَ فَأَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ وقال غَيْرُهُ من أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْتُلُ الْبَالِغُونَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الصِّغَارَ وقال غَيْرُهُ يَقْتُلُ الْوَلَدُ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الزَّوْجَةَ قِيلَ ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ السُّنَّةُ التي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُخَالَفَ أو في مِثْلِ مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ على الْإِجْمَاعِ فَإِنْ قال فَأَيْنَ السُّنَّةُ فيه قِيلَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قُتِلَ له قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالدِّيَةُ فلما كان من حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلُوا وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وكان إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ لم يَحِلَّ لِوَارِثٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمِيرَاثَ من وَرِثَ معه حتى يَكُونَ الْوَارِثُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ من الْمِيرَاثِ وَهَذَا مَعْنَى الْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الدِّيَاتِ وَوَجَدْنَا ما خَالَفَهُ من الْأَقَاوِيلِ لَا حُجَّةَ فيه لِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ بِخِلَافِهِمْ وَوَجَدَتْ مع ذلك قَوْلُهُمْ مُتَنَاقِضًا إذْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا من أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ من الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عليه دَمٌ لَا مَالٌ فَلَوْ زَعَمُوا أَنَّ وَاحِدًا من الْوَرَثَةِ لو عَفَا حَالَ الدَّمُ مَالًا ما لَزِمُوا قَوْلَهُمْ وَلَقَدْ نَقَضُوهُ فَأَمَّا الَّذِينَ قالوا هو كَالْحَدِّ يَقُومُ بِهِ أَيُّ الْوَرَثَةِ شَاءَ وَإِنْ عَفَا غَيْرُهُ فَقَدْ خَالَفُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِّ من أَجْلِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عن الْقَتْلِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا عَفْوَ لهم عن الْحَدِّ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لو اصْطَلَحُوا في الْقَتْلِ على الدِّيَةِ جَازَ ذلك وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لو اصْطَلَحُوا على مَالٍ في الْحَدِّ لم يَجْزِ وإذا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عن قَتِيلٍ لم يَدْرِ أَيُّهُمْ أَصَابَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول هو على عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ التي وُجِدَ فيها إذَا لم يَدَّعِ ذلك أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ على غَيْرِهِمْ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو على عَاقِلَةُ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا جميعا إلَّا أَنْ يدعى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ على غَيْرِ أُولَئِكَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عن قَتِيلٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ على أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أو على طَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا أو قالوا قد قَتَلَتْهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا يدري أَيَّتُهُمَا قَتَلَتْهُ قِيلَ لهم إنْ جِئْتُمْ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ على إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أو بَعْضِهِمْ أو وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أو أَكْثَرَ قِيلَ لَكُمْ أَقْسِمُوا على وَاحِدٍ فَإِنْ لم تَأْتُوا مَالَك فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَمَنْ شِئْتُمْ أَنْ نُحَلِّفَهُ لَكُمْ على قَتْلِهِ أَحَلَفْنَاهُ وَمَنْ أَحَلَفْنَاهُ أَبْرَأْنَاهُ وَهَكَذَا إنْ كان جَرِيحًا ثُمَّ مَاتَ ادَّعَى على أَحَدٍ أو لم يَدَّعِ عليه إذَا لم أَقْبَلْ دَعْوَاهُ فِيمَا هو أَقَلُّ من الدَّمِ لم أَقْبَلْهَا في الدَّمِ وما أَعْرِفُ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا لِقَوْلِ==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...