Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب 6. الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204-

 

6.

كتاب 6. الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204-

* السَّلَفُ في اللَّبَنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ السَّلَفُ في اللَّبَنِ كما يَجُوزُ في الزُّبْدِ وَيَفْسُدُ كما يَفْسُدُ في الزُّبْدِ بِتَرَكَ أَنْ يَقُولَ مَاعِزٌ أو ضَأْنٌ أو بَقَرٌ وَإِنْ كان إبِلًا أَنْ يَقُولَ لَبَنُ غَوَادٍ أو أَوْرَاكٍ أو خَمِيصَةٍ وَيَقُولَ في هذا كُلِّهِ لَبَنُ الرَّاعِيَةِ وَالْمُعْلَفَةِ لإختلاف البان الرَّوَاعِي وَالْمُعْلَفَةِ وَتَفَاضُلِهَا في الطَّعْمِ والصحه وَالثَّمَنِ فَأَيُّ هذا سَكَتَ عنه لم يَجُزْ معه السَّلَمُ ولم يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ حَلِيبًا أو يَقُولَ لَبَنَ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ في غَدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَلِيبُ ما يُحْلَبُ من سَاعَتِهِ وكان مُنْتَهَى حَدِّ صِفَةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلَاوَتُهُ فَذَلِكَ حين يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ من اسْمِ الْحَلِيبِ ( قال ) وإذا اسلف فيه بِكَيْلٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَكِيلَهُ بِرَغْوَتِهِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ في كَيْلِهِ وَلَيْسَتْ بِلَبَنٍ تَبْقَى بَقَاءَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ إذَا سَلَّفَ فيه وَزْنًا فَلَا بَأْسَ عِنْدِي أَنْ يَزِنَهُ بِرَغْوَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ في وَزْنِهِ فَإِنْ زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ أنها تَزِيدُ في وَزْنِهِ فَلَا يَزِنُهُ حتى تَسْكُنَ كما لَا يَكِيلُهُ حتى تَسْكُنَ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في لَبَنٍ مَخِيضٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فيه من الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ في اللَّبَنِ وقد يَجْهَلُ ذلك الْبَائِعُ لِأَنَّهُ يَصُبُّ فيه بِغَيْرِ كَيْلٍ وَيَزِيدُهُ مره بَعْدَ مره وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ فَلَا يَكُونُ على احد أَنْ يُسَلِّفَ في مُدِّ لَبَنٍ فيعطى تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُدِّ لَبَنًا وَعُشْرَهُ مَاءً لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بين مَائِهِ حِينَئِذٍ وَلَبَنِهِ وإذا كان الْمَاءُ مَجْهُولًا كان افسد له لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ أَعْطَى من لَبَنٍ وَمَاءٍ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في لَبَنٍ وَيَقُولَ حَامِضٌ لِأَنَّهُ قد يُسَمَّى حَامِضًا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ وَزِيَادَةُ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ فيه ليس كَالْحُلْوِ الذي يُقَالُ له حُلْوٌ فَيَأْخُذُ له أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَلَاوَةِ مع صِفَةِ غَيْرِهَا وما زَادَ على أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَلَاوَةِ زِيَادَةَ خَيْرٍ لِلْمُشْتَرِي وَتَطَوُّعٍ من الْبَائِعِ وَزِيَادَةُ حُمُوضَةِ اللَّبَنِ كما وَصَفْت نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي وإذا شَرَطَ لَبَنَ يَوْمٍ أو لَبَنَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّمَا يَعْنِي ما حُلِبَ من يَوْمِهِ وما حُلِبَ من يَوْمَيْنِ فَيَشْتَرِطُ غير حَامِضٍ وفي لَبَنِ الْإِبِلِ غَيْرُ قَارِصٍ فأن كان بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ فيه إلَّا أَنْ يَحْمُضَ في تِلْكَ المده فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيه بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الْحُمُوضَةِ وَلَا حَدِّ قَارِصٍ فَيُقَالُ هذا أَوَّلُ وَقْتٍ حَمُضَ فيه أو قَرَصَ فَيَلْزَمُهُ إيَّاهُ وَزِيَادَةُ الْحُمُوضَةِ فيه نَقْصٌ لِلْمُشْتَرِي كما وَصَفْنَا في المسأله قَبْلَهُ وَلَا خَيْرَ في بَيْعِ اللَّبَنِ في ضُرُوعِ الْغَنَمِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فيها حَلْبَةً واحده لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى كَمْ هو وَلَا كَيْفَ هو وَلَا هو بَيْعُ عَيْنٍ تَرَى وَلَا شَيْءٌ مَضْمُونٌ على صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَهَذَا خَارِجٌ مِمَّا يَجُوزُ في بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن مُوسَى عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ على ظُهُورِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ في ضُرُوعِ الْغَنَمِ إلَّا بِكَيْلٍ - * السَّلَفُ في الْجُبْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالسَّلَفُ في الْجُبْنِ رَطْبًا طَرِيًّا كَالسَّلَفِ في اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَشْرِطَ صِفَةَ جُبْنِ يَوْمِهِ أو يَقُولَ جُبْنًا رَطْبًا طَرِيًّا لِأَنَّ الطَّرَاءَ منه مَعْرُوفٌ وَالْغَابَّ منه مُفَارِقٌ للطرى فالطراءة ( ( ( فالطراء ) ) ) فيه صِفَةٌ يُحَاطُ بها وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ غَابٌّ لِأَنَّهُ إذَا زَايَلَ الطَّرَاءَ كان غَابًّا وإذا مَرَّتْ له أَيَّامٌ كان غَابًّا وَمُرُورُ الْأَيَّامِ نَقْصٌ له كما كَثْرَةُ الْحُمُوضَةِ نَقْصٌ في اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غَابٌّ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ أَوَّلَ ما يَدْخُلُ في الْغُبُوبِ من المنزله التي بَعْدَهَا فَيَكُونُ مَضْبُوطًا بِصِفَةٍ وَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ في حُمُوضَةِ اللَّبَنِ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيه إلَّا بِوَزْنٍ فَأَمَّا بِعَدَدٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فَلَا يَقِفُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي منه على حَدٍّ مَعْرُوفٍ وَيُشْتَرَطُ فيه جُبْنُ مَاعِزٍ أو جُبْنُ ضَائِنٍ أو جُبْنُ بَقَرٍ كما وَصَفْنَا في اللَّبَنِ وَهُمَا سَوَاءٌ في هذا الْمَعْنَى ( قال ) وَالْجُبْنُ الرَّطْبُ لَبَنٌ يُطْرَحُ فيه الْأَنَافِحُ فَيَتَمَيَّزُ مَاؤُهُ وَيُعْزَلُ خَاثِرُ لَبَنِهِ
____________________

(3/108)


فَيُعْصَرُ فإذا سَلَّفَ فيه رَطْبًا فَلَا أُبَالِي اسمي صِغَارًا ام كِبَارًا وَيَجُوزُ اذا وَقَعَ عليه اسْمُ الْجُبْنِ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْجُبْنِ الْيَابِسِ وَزْنًا وَعَلَى ما وَصَفْت من جُبْنِ ضَائِنٍ او بَقَرٍ فَأَمَّا الْإِبِلُ فَلَا احسبها يَكُونُ لها جُبْنٌ وَيُسَمِّيهِ جُبْنَ بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ لِأَنَّ جُبْنَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُ وهو أَحَبُّ إلى لو قال ما جَبُنَ مُنْذُ شَهْرٍ أو مُنْذُ كَذَا أو جَبُنَ عَامَهُ إذَا كان هذا يُعْرَفُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ إذَا دخل في حَدِّ الْيُبْسِ أَثْقَلَ منه إذَا تَطَاوَلَ جُفُوفُهُ ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ هذا لم يُفْسِدْهُ لِأَنَّا نُجِيزُ مِثْلَ هذا في اللَّحْمِ وَاللَّحْمُ حين يُسْلَخُ أَثْقَلُ منه بَعْدَ سَاعَةٍ من جُفُوفِهِ وَالثَّمَرُ في أَوَّلِ ما يَيْبَسُ يَكَادُ يَكُونُ أَقَلَّ نُقْصَانًا منه بَعْدَ شَهْرٍ أو أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جُبْنٌ غَيْرُ قَدِيمٍ فَكُلُّ ما أَتَاهُ بِهِ فقال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ ليس يَقَعُ على هذا اسْمُ قَدِيمٍ أَخَذَهُ وَإِنْ كان بَعْضُهُ أَطْرَى من بَعْضٍ لِأَنَّ السَّلَفَ أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الطَّرَاءَةِ وَالْمُسَلِّفُ مُتَطَوِّعٌ بِمَا هو أَكْثَرُ منه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ جُبْنٌ عَتِيقٌ وَلَا قَدِيمٌ لِأَنَّ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعَتِيقِ وَالْقَدِيمِ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكَذَلِكَ أخره غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكُلُّ ما تَقَدَّمَ في اسْمِ الْعَتِيقِ فَازْدَادَتْ اللَّيَالِي مُرُورًا عليه كان نَقْصًا له كما وَصَفْنَا قَبْلَهُ في حُمُوضَةِ اللَّبَنِ وَكُلُّ ما كان عَيْبًا في الْجُبْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ من افراط مِلْحٍ أو حُمُوضَةِ طَعْمٍ أو غَيْرِهِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي - * السَّلَفُ في اللبا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في اللبا بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا خَيْرَ فيه إلَّا مَوْزُونًا وَلَا يَجُوزُ مَكِيلًا من قَبْلِ تَكَبُّسِهِ وَتَجَافِيهِ في الْمِكْيَالِ وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ يَصِفُ مَاعِزًا أو ضَائِنًا أو بَقَرًا أو طَرِيًّا فَيَكُونُ له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الطَّرَاءَةِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ مُتَطَوِّعًا بِمَا هو خَيْرٌ من ذلك وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ غير الطَّرِيِّ لِأَنَّ ذلك كما وَصَفْت غَيْرُ مَحْدُودِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَالتَّزَيُّدُ في الْبُعْدِ من الطَّرَاءَةِ نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي - * الصُّوفُ وَالشَّعْرُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في صُوفِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَلَا شَعْرِهَا إذَا كان ذلك إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد تَأْتِي الْآفَةُ عليه فَتُذْهِبُهُ أو تُنْقِصُهُ قبل الْيَوْمِ وقد يَفْسُدُ من وَجْهٍ غَيْرِ هذا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في أَلْبَانِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَلَا زُبْدِهَا وَلَا سَمْنِهَا وَلَا لِبَئِهَا وَلَا جُبْنِهَا وَإِنْ كان ذلك بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ من قِبَلِ أَنَّ الآفه تَأْتِي عليها فَتُهْلِكُهَا فَيَنْقَطِعُ ما اسلف فيه منها وَتَأْتِي عليها بِغَيْرِ هَلَاكِهَا فَتَقْطَعُ ما يَكُونُ منه ما اسلم فيه منها أو تُنْقِصُهُ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فيه وَلَوْ حُلِبَتْ لَك حين تَشْتَرِيهَا لِأَنَّ الآفه تَأْتِي عليها قبل الِاسْتِيفَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ أَنَّا لو أَجَزْنَا هذا فَجَاءَتْ الآفه عليها بِأَمْرٍ يَقْطَعُ ما أَسْلَمَ فيه منها أو بَعْضَهُ فَرَدَدْنَاهُ على الْبَائِعِ بِمِثْلِ الصفه التي اسلفه فيها كنا ظَلَمْنَاهُ لِأَنَّهُ بَائِعُ صفه من غَنَمٍ بِعَيْنِهَا فَحَوَّلْنَاهَا إلَى غَنَمٍ غَيْرِهَا وهو لو بَاعَهُ عَيْنًا فَهَلَكَتْ لم نُحَوِّلْهُ إلَى غَيْرِهَا وَلَوْ لم نُحَوِّلْهُ إلَى غَيْرِهَا كنا اجزنا أَنْ يَشْتَرِيَ غير عَيْنٍ بِعَيْنِهَا وَغَيْرَ مَضْمُونٍ عليه بصفه يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِهِ مَتَى حَلَّ عليه فَأَجَزْنَا في بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ ما ليس منها إنَّمَا بُيُوعُ الْمُسْلِمِينَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنِهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ أو صفه بِعَيْنِهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ وَيَضْمَنُهَا حتى يُؤَدِّيَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ( قال ) وإذا لم يَجُزْ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا في حِنْطَةِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا لِمَا وَصَفْت من الْآفَاتِ التي تَقَعُ في الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ كان لَبَنُ الْمَاشِيَةِ وَنَسْلُهَا كُلُّهُ في هذا الْمَعْنَى تُصِيبُهَا الْآفَاتُ كما تُصِيبُ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ وَكَانَتْ الْآفَاتُ إلَيْهِ في كَثِيرٍ من الْحَالَاتِ أَسْرَعَ
____________________

(3/109)


( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ ما كان من سِلْكٍ في عَيْنٍ بِعَيْنِهَا تنقطع ( ( ( تقطع ) ) ) من ايدي الناس وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ حتى يَكُونَ في الْوَقْتِ الذي يُشْتَرَطُ فيه مَحَلُّهُ مَوْجُودًا في الْبَلَدِ الذي يُشْتَرَطُ فيه لَا يَخْتَلِفُ فيه بِحَالٍ فَإِنْ كان يَخْتَلِفُ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَوْصُولٍ إلَى أَدَائِهِ فَعَلَى هذا كُلُّ ما سَلَّفَ وَقِيَاسُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُسَلِّفَ في شَيْءٍ ليس في أَيْدِي الناس حين تُسَلِّفُ فيه إذَا شَرَطْت مَحِلَّهُ في وَقْتٍ يَكُونُ مَوْجُودًا فيه بِأَيْدِي الناس - * السَّلَفُ في اللَّحْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ لَحْمٍ مَوْجُودٍ بِبَلَدٍ من الْبُلْدَانِ لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه فَالسَّلَفُ فيه جَائِزٌ وما كان في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه يَخْتَلِفُ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ كان يَكُونُ لَا يَخْتَلِفُ في حِينِهِ الذي يَحِلُّ فيه في بَلَدٍ وَيَخْتَلِفُ في بَلَدٍ آخَرَ جَازَ السَّلَفُ فيه في الْبَلَدِ الذي لَا يَخْتَلِفُ وَفَسَدَ السَّلَفُ في الْبَلَدِ الذي يَخْتَلِفُ فيه إلَّا ان يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ في الْحِمْلِ فَيُحْمَلُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مِثْلُ الثِّيَابِ وما أَشْبَهَهَا فَأَمَّا ما كان رَطْبًا من الْمَأْكُولِ وكان إذَا حُمِلَ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ تَغَيَّرَ لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ في الْبَلَدِ الذي يَخْتَلِفُ فيه وَهَكَذَا كُلُّ سلعه من السِّلَعِ إذَا لم تَخْتَلِفْ في وَقْتِهَا في بَلَدٍ جَازَ فيه السَّلَفُ وإذا اخْتَلَفَتْ بِبَلَدٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه في الْحِينِ الذي تَخْتَلِفُ فيه إذَا كانت من الرَّطْبِ من الْمَأْكُولِ - * صِفَةُ اللَّحْمِ وما يَجُوزُ فيه وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من أَسْلَفَ في لَحْمٍ فَلَا يَجُوزُ فيه حتى يَصِفَهُ يقول لَحْمُ مَاعِزِ ذَكَرٍ خصى أو ذَكَرٍ ثنى فَصَاعِدًا أو جَدْيٍ رَضِيعٍ أو فَطِيمٍ وَسَمِينٍ أو مُنْقٍ وَمِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَيَشْتَرِطُ الْوَزْنَ أو يقول لَحْمُ مَاعِزَةٍ ثَنِيَّةٍ فَصَاعِدًا أو صَغِيرَةٍ يَصِفُ لَحْمَهَا وَمَوْضِعَهَا وَيَقُولُ لَحْمُ ضَائِنٍ وَيَصِفُهُ هَكَذَا وَيَقُولُ في الْبَعِيرِ خَاصَّةً بَعِيرُ رَاعٍ من قِبَلِ اخْتِلَافِ الرَّاعِي وَالْمَعْلُوفِ وَذَلِكَ أَنَّ لُحْمَان ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا وَصِغَارِهَا وَكِبَارِهَا وَخُصْيَانِهَا وَفُحُولِهَا تَخْتَلِفُ وَمَوَاضِعُ لَحْمِهَا تَخْتَلِفُ وَيَخْتَلِفُ لَحْمُهَا فإذا حَدَّ بِسَمَانَةٍ كان لِلْمُشْتَرِي أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ السَّمَانَةِ وكان الْبَائِعُ مُتَطَوِّعًا بِأَعْلَى منه إنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وإذا حَدَّهُ مُنْقِيًا كان له أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْإِنْقَاءِ وَالْبَائِعُ مُتَطَوِّعٌ بِاَلَّذِي هو أَكْثَرُ منه وَأَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ أَعْجَفَ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْجَفَ يَتَبَايَنُ وَالزِّيَادَةُ في الْعَجَفِ نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي وَالْعَجَفُ في اللَّحْمِ كما وَصَفْت من الْحُمُوضَةِ في اللَّبَنِ لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةِ الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى وإذا زَادَتْ كان نَقْصًا غير مَوْقُوفٍ عليه والزيادة ( ( ( الزيادة ) ) ) في السمانه شَيْءٌ يَتَطَوَّعُ بِهِ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِيَ ( قال ) فَإِنْ شَرَطَ مَوْضِعًا من اللَّحْمِ وَزَنَ ذلك الْمَوْضِعَ بِمَا فيه من عَظْمٍ لِأَنَّ الْعَظْمَ لَا يَتَمَيَّزُ من اللَّحْمِ كما يَتَمَيَّزُ التِّبْنُ وَالْمَدَرُ وَالْحِجَارَةُ من الْحِنْطَةِ وَلَوْ ذَهَبَ يميزه ( ( ( بميزه ) ) ) أَفْسَدَ اللَّحْمَ على آخِذِهِ وَبَقِيَ منه على الْعِظَامِ ما يَكُونُ فَسَادًا وَاللَّحْمُ أَوْلَى أَنْ لَا يُمَيَّزَ وَأَنْ يَجُوزَ بَيْعُ عِظَامِهِ معه لِاخْتِلَاطِ اللَّحْمِ بِالْعَظْمِ من النَّوَى في التَّمْرِ إذَا اشْتَرَى وَزْنًا لِأَنَّ النَّوَاةَ تُمَيَّزُ من التمره غير أَنَّ التَّمْرَةَ إذَا اخرجت نَوَاتُهَا لم تَبْقَ بَقَاءَهَا إذَا كانت نَوَاتُهَا فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) تَبَايَعَ الناس على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم التَّمْرَ كَيْلًا وَفِيهِ نَوَاهُ ولم نَعْلَمْهُمْ تَبَايَعُوا اللَّحْمَ قَطُّ إلَّا فيه عِظَامُهُ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ إذَا جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالنَّوَى على أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْعِظَامِ في مَعْنَاهَا أو أَجْوَزُ فَكَانَتْ قِيَاسًا وَخَبَرًا وَأَثَرًا لم اعلم الناس اخْتَلَفُوا فيه ( قال ) وإذا اسلف في شَحْمِ الْبَطْنِ أو الْكُلَى وَوَصَفَهُ وَزْنًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قال شَحْمٌ لم يَجُزْ لِاخْتِلَافِ شَحْمِ الْبَطْنِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفَ في الْأَلْيَاتِ فَتُوزَنُ وإذا سَلَّفَ في شَحْمٍ سُمِّيَ شَحْمًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا وَمَاعِزًا أو ضَائِنًا
____________________

(3/110)


- * لَحْمُ الْوَحْشِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَحْمُ الْوَحْشِ كُلُّهُ كما وَصَفْت من لَحْمِ الْأَنِيسِ إذَا كان بِبَلَدٍ يَكُونُ بها مَوْجُودًا لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه بِحَالٍ جَازَ السَّلَفُ فيه وإذا كان يَخْتَلِفُ في حَالٍ وَيُوجَدُ في اخرى لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه إلَّا في الْحَالِ التي لَا يَخْتَلِفُ فيها قال وَلَا أَحْسِبُهُ يَكُونُ مَوْجُودًا بِبَلَدٍ أَبَدًا إلَّا هَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّ من الْبُلْدَانِ ما لَا وَحْشَ فيه وَإِنْ كان بِهِ منها وَحْشٌ فَقَدْ يُخْطِئُ صَائِدُهُ وَيُصِيبُهُ وَالْبُلْدَانُ وَإِنْ كان منها ما يُخْطِئُهُ لَحْمٌ يَجُوزُ فيه في كل يَوْمٍ أو بها بَعْضُ اللَّحْمِ دُونَ بَعْضٍ فإن الْغَنَمَ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فيؤخذ ( ( ( فيأخذ ) ) ) الْمُسَلَّفَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَذْبَحَ فَيُوَفِّيَ صَاحِبَهُ حَقَّهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ له مُمْكِنٌ بِالشِّرَاءِ وَلَا يَكُونُ الصَّيْدُ له مُمْكِنًا بِالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ كما يُمْكِنُهُ الْأَنِيسُ فَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَتَعَذَّرُ بِهِ لَحْمُ الْأَنِيسِ أو شَيْءٌ منه في الْوَقْتِ الذي يُسَلِّفُ فيه لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه في الْوَقْتِ الذي يَتَعَذَّرُ فيه وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في لَحْمِ الْوَحْشِ إذَا كان مَوْجُودًا بِبَلَدٍ إلَّا على ما وَصَفْت من لَحْمِ الْأَنِيسِ أَنْ يَقُولَ لَحْمُ ظَبْيٍ أو أَرْنَبٍ أو تيتل ( ( ( ثيتل ) ) ) أو بَقَرِ وَحْشٍ أو حُمُرِ وَحْشٍ أو صِنْفٍ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّيهِ صَغِيرًا أو كَبِيرًا وَيُوصَفُ اللَّحْمُ كما وَصَفْت وَسَمِينًا أو مُنْقِيًا كما وَصَفْت في اللَّحْمِ لَا يُخَالِفُهُ في شَيْءٍ إلَّا أَنْ تَدْخُلَهُ خَصْلَةٌ لَا تَدْخُلُ لَحْمَ الْأَنِيسِ إنْ كان منه شَيْءٌ يُصَادُ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَحْمُهُ معه طَيِّبًا وَآخَرُ يُصَادُ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَحْمُهُ معه غير طَيِّبٍ شَرَطَ صَيْدَ كَذَا دُونَ صَيْدِ كَذَا فَإِنْ لم يَشْرِطْ سئل ( ( ( مثل ) ) ) أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كَانُوا يُبَيِّنُونَ في بَعْضِ اللَّحْمِ الْفَسَادَ فَالْفَسَادُ عَيْبٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ ليس بِفَسَادٍ وَلَكِنْ صَيْدُ كَذَا أَطْيَبُ فَلَيْسَ هذا بِفَسَادٍ وَلَا يُرَدُّ على الْبَائِعِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَهَذَا يُدْخِلُ الْغَنَمَ فَيَكُونُ بَعْضُهَا أَطْيَبَ لَحْمًا من بَعْضٍ وَلَا يُرَدُّ من لَحْمِهِ شيء إلَّا من فَسَادٍ ( قال ) وَمَتَى أَمْكَنَ السَّلَفُ في الْوَحْشِ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَنِيسِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَجِنْسٍ وَيَجُوزُ السَّلَفُ في لَحْمِ الطَّيْرِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ وَسَمَانَةٍ وَإِنْقَاءٍ وَوَزْنٍ غير أَنَّهُ لَا سِنَّ له وَإِنَّمَا يُبَاعُ بِصِفَةٍ مَكَانَ السِّنِّ بِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وما احْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ مُبَعَّضًا بِصِفَةٍ مَوْصُوفَةٍ وما لم يَحْتَمِلْ أَنْ يُبَعَّضَ لِصِغَرِهِ وُصِفَ طَائِرُهُ وَسَمَانَتُهُ وَأَسْلَمَ فيه بِوَزْنٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فيه بِعَدَدٍ وهو لَحْمٌ إنَّمَا يَجُوزُ الْعَدَدُ في الْحَيِّ دُونَ الْمَذْبُوحِ وَالْمَذْبُوحُ طَعَامٌ لَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا وإذا أَسْلَمَ في لَحْمِ طَيْرٍ وَزْنًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ في الْوَزْنِ رَأْسَهُ وَلَا رِجْلَيْهِ من دُونِ الْفَخِذَيْنِ لِأَنَّ رِجْلَيْهِ لَا لَحْمَ فِيهِمَا وَأَنَّ رَأْسَهُ إذَا قَصَدَ اللَّحْمَ كان مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عليه اسْمُ اللَّحْمِ الْمَقْصُودِ قَصْدُهُ - * الْحِيتَانُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحِيتَانُ إذَا كان السَّلَفُ يَحِلُّ فيها في وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ ما أُسْلِفَ فيه من أَيْدِي الناس بِذَلِكَ الْبَلَدِ جَازَ السَّلَفُ فيها وإذا كان الْوَقْتُ الذي يَحِلُّ فيه في بَلَدٍ يَنْقَطِعُ وَلَا يُوجَدُ فيه فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها كما قُلْنَا في لَحْمِ الْوَحْشِ وَالْأَنِيسِ ( قال ) وإذا اسلم فيها اسلم في مَلِيحٍ بِوَزْنٍ أو طرى بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه حتى يُسَمَّى كُلُّ حُوتٍ منه بِجِنْسِهِ فأنه يَخْتَلِفُ إختلاف اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ من الْحِيتَانِ إلَّا بِوَزْنٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تُجِيزُ السَّلَفَ في الْحَيَوَانِ عَدَدًا مَوْصُوفًا فما فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِيتَانِ قِيلَ الْحَيَوَانُ يُشْتَرَى بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا المنفعه بِهِ في الْحَيَاةِ وَهِيَ المنفعه الْعُظْمَى فيه الجامعه وَالثَّانِيَةُ لِيُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ فَأَجَزْت شِرَاءَهُ حَيًّا للمنفعه الْعُظْمَى وَلَسْت أُجِيزُ شِرَاءَهُ مَذْبُوحًا بِعَدَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ قال أَبِيعُك لَحْمَ شَاةٍ ثنيه ماعزه ولم يَشْتَرِطْ وَزْنًا لم أُجِزْهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ اللَّحْمِ بالصفه وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ بِالْوَزْنِ وَلِأَنَّ الناس إنَّمَا اشْتَرَوْا من كل ما يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ
____________________

(3/111)


الْجُزَافَ مِمَّا يُعَايِنُونَ فَأَمَّا ما يُضْمَنُ فَلَيْسَ يَشْتَرُونَهُ جُزَافًا ( قال ) وَالْقِيَاسُ في السَّلَفِ في لَحْمِ الْحِيتَانِ يُوزَنُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ان يُوزَنَ عليه الذَّنَبُ من حَيْثُ يَكُونُ لَا لَحْمَ فيه وَيَلْزَمُهُ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ذَنَبٍ مِمَّا عليه لَحْمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوزَن عليه فيه الرَّأْسِ وَيَلْزَمُهُ ما بين ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ من حُوتٍ كَبِيرٍ فيسمى وَزْنًا من الْحُوتِ مِمَّا أَسْلَفَ فيه مَوْضِعًا منه لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا في مَوْضِعٍ إذَا احْتَمَلَ ما تَحْتَمِلُ الْغَنَمُ من أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ في مَوْضِعٍ منه ما سَلَّفَ فيه وَيَصِفُ لِمَوْضِعِ الذي سَلَّفَ فيه وإذا لم يَحْتَمِلْ كان كما وَصَفْت في الطَّيْرِ - * الرؤس ( ( ( الرءوس ) ) ) وَالْأَكَارِعُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي السَّلَفُ في شَيْءٍ من الرُّءُوسِ من صِغَارِهَا وَلَا كِبَارِهَا وَلَا الْأَكَارِعُ لِأَنَّا لَا نُجِيزُ السَّلَفَ في شَيْءٍ سِوَى الْحَيَوَانِ حتى نَجِدَهُ بِذَرْعٍ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ فَأَمَّا عَدَدٌ مُنْفَرِدٌ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ يَشْتَبِهُ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصَّغِيرِ وهو مُتَبَايِنٌ وما يَقَعُ عليه اسْمُ الْكَبِيرِ وهو مُتَبَايِنٌ فإذا لم نَجِدْ فيه كما حَدَّدْنَا في مِثْلِهِ من الْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْكَيْلِ أَجَزْنَاهُ غير مَحْدُودٍ وَإِنَّمَا نَرَى الناس تَرَكُوا وَزْنَ الرُّءُوسِ لِمَا فيها من سَقَطِهَا الذي يُطْرَحُ وَلَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ عليه وَمِثْلُ أَطْرَافِ مَشَافِرِهِ وَمَنَاخِرِهِ وَجُلُودِ خَدَّيْهِ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ منه غير أَنَّهُ فيه غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَوْ وَزَنُوهُ وَزَنُوا معه غير ما يُؤْكَلُ من صُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يُشْبِهُ النَّوَى في التَّمْرِ لِأَنَّهُ قد يُنْتَفَعُ بِالنَّوَى وَلَا الْقِشْرَ في الْجَوْزِ لِأَنَّهُ قد يُنْتَفَعُ بِقِشْرِ الْجَوْزِ وَهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ في شَيْءٍ ( قال ) وَلَوْ تَحَامَلَ رَجُلٌ فَأَجَازَهُ لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُؤْمَرَ أَحَدٌ بِأَنْ يُجِيزَهُ إلَّا مَوْزُونًا وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم وَلِإِجَازَتِهِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ بَعْضُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْفِقْهِ ما هو أَبْعَدُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْت في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْبُيُوعَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ قائمه فَلَا بَأْسَ أَنْ تُبَاعَ بِنَقْدٍ وَدَيْنٍ إذَا قُبِضَتْ الْعَيْنُ أو بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ مَضْمُونٍ على بَائِعِهِ يَأْتِي بِهِ لَا بُدَّ عَاجِلًا أو إلَى أَجَلٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ حتى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَهَذَانِ مُسْتَوِيَانِ إذَا شُرِطَ فيه أَجَلٌ أو ضَمَانٌ أو يَكُونُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ نَقْدًا وَالْآخَرُ دَيْنًا أو مَضْمُونًا قال وَذَلِكَ أَنِّي إذَا بِعْتُك سلعه وَدَفَعْتهَا إلَيْك وكان ثَمَنُهَا إلَى أَجَلٍ فَالسِّلْعَةُ نَقْدٌ وَالثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ وإذا دَفَعْت إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ فَالْمِائَةُ نَقْدٌ وَالسِّلْعَةُ مَضْمُونَةٌ يَأْتِي بها صَاحِبُهَا لَا بُدَّ وَلَا خَيْرَ في دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ أشترى رَجُلٌ ثَلَاثِينَ رَطْلًا لَحْمًا بِدِينَارٍ وَدَفَعَهُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ رَطْلًا فَكَانَ أَوَّلُ مَحَلِّهَا حين دَفَعَ وَآخِرُهُ إلَى شَهْرٍ وَكَانَتْ صفقه واحده كانت فاسده وَرَدَّ مِثْلَ اللَّحْمِ الذي أَخَذَ أو قِيمَتَهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَذَلِكَ أَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَوْ اشْتَرَى رِطْلًا مُنْفَرِدًا وَتِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَعْدَهُ في صفقه غَيْرِ صَفْقَتِهِ كان الرِّطْلُ جَائِزًا وَالتِّسْعَةُ وَالْعِشْرُونَ منتقضه وَلَيْسَ أَخْذُهُ أَوَّلَهَا إذَا لم يَأْخُذْهَا في مَقَامٍ وَاحِدٍ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُ من أَنْ يَكُونَ دَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ ليس له أَنَّهُ أَنْ يَأْخُذَ رِطْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَّا بمده تَأْتِي عليه وَلَا يُشْبِهُ هذا الرَّجُلَ يَشْتَرِي الطَّعَامَ بِدَيْنٍ وَيَأْخُذُ في إكتياله لِأَنَّ مَحِلَّهُ وَاحِدٌ وَلَهُ أَخْذُهُ كُلِّهِ في مَقَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَخْذِهِ إلَّا هَكَذَا لَا أَجَلَ له وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدِينَارٍ ثَلَاثِينَ صَاعًا حِنْطَةً يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا ( قال ) وَهَذَا هَكَذَا في الرُّطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا كُلُّ شَيْءٍ لم يَكُنْ له قَبْضُهُ سَاعَةَ يَتَبَايَعَانِهِ مَعًا ولم يَكُنْ لِبَائِعِهِ دَفْعُهُ عن شَيْءٍ منه حين يَشْرَعُ في قَبْضِهِ كُلِّهِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ( قال ) وَلَوْ جَازَ هذا في اللَّحْمِ جَازَ في كل شَيْءٍ من ثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ هذا في اللَّحْمِ جَائِزٌ وقال هذا مِثْلُ الدَّارِ يَتَكَارَاهَا الرَّجُلُ إلَى أَجَلٍ فَيَجِبُ عليه من كِرَائِهَا بِقَدْرِ ما سَكَنَ ( قال ) وَهَذَا في الدَّارِ وَلَيْسَ كما قال وَلَوْ كان
____________________

(3/112)


كما قال كان أَنْ يَقِيسَ اللَّحْمَ بِالطَّعَامِ اولى بِهِ من أَنْ يَقِيسَهُ بِالسَّكَنِ لِبُعْدِ السَّكَنِ من الطَّعَامِ في الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِنْ قال فما فَرْقُ بَيْنِهِمَا في الْفَرْعِ قِيلَ أَرَأَيْتُك إذَا أَكْرَيْتُك دَارًا شَهْرًا وَدَفَعْتهَا إلَيْك فلم تَسْكُنْهَا أَيَجِبُ عَلَيْك الْكِرَاءُ قال نعم قُلْت وَدَفَعْتهَا إلَيْك طَرْفَةَ عَيْنٍ إذَا مَرَّتْ المده التي اكْتَرَيْتهَا إلَيْهَا أَيَجِبُ عَلَيْك كِرَاؤُهَا قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا بِعْتُك ثَلَاثِينَ رِطْلًا لَحْمًا إلَى أَجَلٍ وَدَفَعْت إلَيْك رِطْلًا ثُمَّ مَرَّتْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ولم تَقْبِضْ غير الرِّطْلِ الْأَوَّلِ أَبْرَأُ من ثَلَاثِينَ رِطْلًا كما بَرِئْت من سَكَنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فأن قال لَا قِيلَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ في كل يَوْمٍ إلَى أَنْ يَبْرَأَ من رِطْلِ لَحْمٍ يَدْفَعُهُ إلَيْك لَا يُبْرِئُهُ ما قَبْلَهُ وَلَا الْمُدَّةُ منه إلَّا بِدَفْعِهِ قال نعم وَيُقَالُ له ليس هَكَذَا الدَّارُ فإذا قال لَا قِيلَ أَفَمَا تَرَاهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ في الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالِاسْمِ فَكَيْفَ تَرَكْت أَنْ تَقِيسَ اللَّحْمَ بِالْمَأْكُولِ الذي هو في مِثْلِ مَعْنَاهُ من الرِّبَا وَالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَقِسْته بِمَا لَا يُشْبِهُهُ أو رَأَيْت إذَا أَكْرَيْتُك تِلْكَ الدَّارَ بِعَيْنِهَا فَانْهَدَمَتْ أَيَلْزَمُنِي أَنْ أُعْطِيَك دَارًا بِصِفَتِهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ فإذا بَاعَك لَحْمًا بِصِفَةٍ وَلَهُ ماشيه فَمَاتَتْ مَاشِيَتُهُ أَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَك لَحْمًا بِالصِّفَةِ فإذا قال نعم قِيلَ أَفْتَرَاهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ في كل أَمْرِهِمَا فَكَيْفَ تَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وإذا اسلف من مَوْضِعٍ في اللَّحْمِ الْمَاعِزَ بِعَيْنِهِ بِوَزْنٍ أعطى من ذلك الْمَوْضِعِ من شَاةٍ واحده فَإِنْ عَجَزَ ذلك الْمَوْضِعُ عن مَبْلَغِ صِفَةِ السَّلَمِ أَعْطَاهُ من شَاةٍ غَيْرِهَا مِثْلِ صِفَتِهَا وَلَوْ أَسْلَفَهُ في طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَعْطَاهُ بَعْضَ طَعَامِهِ أَجْوَدَ من شَرْطِهِ لم يَكُنْ له عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ما بَقِيَ منه أَجْوَدَ من شَرْطِهِ إذَا أَوْفَاهُ شَرْطَهُ وَلَيْسَ عليه أَكْثَرُ منه - * بَابُ السَّلَفِ في الْعِطْرِ وَزْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ ما لَا يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس من الْعِطْرِ وَكَانَتْ له صِفَةٌ يُعْرَفُ بها وَوَزْنٌ جَازَ السَّلَفُ فيه فإذا كان الِاسْمُ منه يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةَ الجوده لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَ ما أَسْلَفَ فيه منها كما يَجْمَعُ التَّمْرَ اسْمُ التَّمْرِ وَيُفَرَّقُ بها اسماء تَتَبَايَنُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها إلَّا بِأَنْ يسمى الصِّنْفَ الذي أَسْلَمَ فيه ويسمى جَيِّدًا منه وَرَدِيئًا فَعَلَى هذا أَصْلُ السَّلَفِ في الْعِطْرِ وَقِيَاسُهُ فَالْعَنْبَرُ منه الْأَشْهَبُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَبْيَضُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه حتى يُسَمَّى أَشْهَبَ أو أَخْضَرَ جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَقِطَعًا صِحَاحًا وَزْنَ كَذَا وَإِنْ كُنْت تُرِيدُهُ أَبْيَضَ سَمَّيْت أَبْيَضَ وَإِنْ كُنْت تُرِيدُهُ قِطْعَةً واحده سَمَّيْته قِطْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لم تُسَمِّ هَكَذَا أو سَمَّيْت قِطَعًا صِحَاحًا لم يَكُنْ لَك ذلك مُفَتَّتًا وَذَلِكَ أَنَّهُ مُتَبَايِنٌ في الثَّمَنِ وَيَخْرُجُ من أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَةِ التي سُلِّفَ وَإِنْ سَمَّيْت عَنْبَرًا وَوَصَفْت لَوْنَهُ وَجَوْدَتَهُ كان لَك عَنْبَرٌ في ذلك اللَّوْنِ والجوده صِغَارًا أَعْطَاهُ أو كِبَارًا وَإِنْ كان في الْعَنْبَرِ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ بِالْبُلْدَانِ وَيُعْرَفُ بِبُلْدَانِهِ أَنَّهُ لم يَجُزْ حتى يُسَمَّى عَنْبَرَ بَلَدِ كَذَا كما لَا يَجُوزُ في الثِّيَابِ حتى يَقُولَ مَرْوِيًّا أو هَرَوِيًّا ( قال ) وقد زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِسْكِ أَنَّهُ سُرَّةُ دَابَّةٍ كَالظَّبْيِ تُلْقِيهِ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ دَمٌ يُجْمَعُ فَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ التَّطَيُّبُ بِهِ لِمَا وَصَفْت قال كَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُجِيزَ التَّطَيُّبَ بِشَيْءٍ وقد أَخْبَرَك أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ أُلْقِيَ من حَيٍّ وما ألقى من حَيٍّ كان عِنْدَك في مَعْنَى الْمَيْتَةِ فَلِمَ تَأْكُلُهُ ( قال ) فَقُلْت له قُلْت بِهِ خَبَرًا وَإِجْمَاعًا وَقِيَاسًا قال فَاذْكُرْ فيه الْقِيَاسَ قُلْت الْخَبَرُ أَوْلَى بِك قال سَأَسْأَلُك عنه فأذكر فيه الْقِيَاسَ قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنَّ لَكُمْ في الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ من بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } فَأَحَلَّ شيئا يَخْرُجُ من حَيٍّ إذَا كان من حَيٍّ يَجْمَعُ معنيين ( ( ( معنيي ) ) ) الطِّيبِ وَأَنْ ليس بِعُضْوٍ منه يَنْقُصُهُ خُرُوجُهُ منه حتى لَا يَعُودَ مَكَانَهُ مِثْلُهُ وَحُرِّمَ الدَّمُ من مَذْبُوحٍ وَحَيٍّ فلم يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ دَمًا مَسْفُوحًا من ذَبْحٍ أو غَيْرِهِ فَلَوْ كنا حَرَّمْنَا الدَّمَ لِأَنَّهُ
____________________

(3/113)


يَخْرُجُ من حَيٍّ أَحْلَلْنَاهُ من الْمَذْبُوحِ وَلَكِنَّا حَرَّمْنَاهُ لِنَجَاسَتِهِ وَنَصِّ الْكِتَابِ بِهِ مِثْلُ الْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس من الطَّيِّبَاتِ قِيَاسًا على ما وَجَبَ غَسْلُهُ مِمَّا يَخْرُجُ من الْحَيِّ من الدَّمِ وكان في الْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ يَدْخُلُ بِهِ طَيِّبًا وَيَخْرُجُ خَبِيثًا وَوَجَدْت الْوَلَدَ يَخْرُجُ من حَيٍّ حَلَالًا وَوَجَدْت البيضه تَخْرُجُ من بَائِضَتِهَا حيه فَتَكُونُ حَلَالًا بِأَنَّ هذا من الطَّيِّبَاتِ فَكَيْفَ أَنْكَرْت في الْمِسْكِ الذي هو غَايَةٌ من الطَّيِّبَاتِ إذَا خَرَجَ من حَيٍّ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَذَهَبْت إلَى أَنْ تُشَبِّهَهُ بِعُضْوٍ قُطِعَ من حَيٍّ وَالْعُضْوُ الذي قُطِعَ من حَيٍّ لَا يَعُودُ فيه أَبَدًا وَيُبَيِّنُ فيه نَقْصًا وَهَذَا يَعُودُ زَعَمْت بِحَالِهِ قبل أَنْ يَسْقُطَ منه أَفَهُوَ بِاللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ أَشْبَهُ أَمْ هو بِالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ أَشْبَهُ فقال بَلْ بِاللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ أَشْبَهُ إذَا كانت تَعُودُ بِحَالِهَا أَشْبَهَ منه بِالْعُضْوِ يُقْطَعُ منها وَإِنْ كان أَطْيَبَ من اللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ يَحِلُّ وما دُونَهُ في الطَّيِّبِ من اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ كان هو أَحَلُّ لِأَنَّهُ أَعْلَى في الطَّيِّبِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّجِيعُ الْخَبِيثَ ( قال ) فما الْخَبَرُ قُلْت ( أخبرنا ) الزَّنْجِيُّ عن مُوسَى بن عقبه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى لِلنَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَ مِسْكٍ فقال لِأُمِّ سلمه إنِّي قد أَهْدَيْت لِلنَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَ مِسْكٍ وَلَا أَرَاهُ إلَّا قد مَاتَ قبل أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فأن جَاءَتْنَا وَهَبْت لَك كَذَا فَجَاءَتْهُ فَوَهَبَ لها وَلِغَيْرِهَا منه ( قال ) وَسُئِلَ بن عُمَرَ عن الْمِسْكِ أَحَنُوطٌ هو فقال أو ليس من أَطْيَبِ طِيبِكُمْ وَتَطَيَّبَ سَعْدٌ بِالْمِسْكِ وَالذَّرِيرَةِ وَفِيهِ الْمِسْكُ وبن عَبَّاسٍ بِالْغَالِيَةِ قبل يُحْرِمَ وَفِيهَا الْمِسْكُ ولم أَرَ الناس عِنْدَنَا أختلفوا في إبَاحَتِهِ ( قال ) فقال لي قَائِلٌ خُبِّرْت أَنَّ الْعَنْبَرَ شَيْءٌ يَنْبِذُهُ حُوتٌ من جَوْفِهِ فَكَيْفَ أَحْلَلْت ثَمَنَهُ قُلْت أخبرني عَدَدٌ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْعَنْبَرَ نَبَاتٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى في حِشَافٍ في الْبَحْرِ فقال لي منهم نَفَرٌ حَجَبَتْنَا الرِّيحُ إلَى جزيره فَأَقَمْنَا بها وَنَحْنُ نَنْظُرُ من فَوْقِهَا إلَى حَشَفَةٍ خَارِجَةٍ من الْمَاءِ منها عليها عنبره أَصْلُهَا مُسْتَطِيلٌ كَعُنُقِ الشَّاةِ وَالْعَنْبَرَةُ مَمْدُودَةٌ في فَرْعِهَا ثُمَّ كنا نَتَعَاهَدُهَا فَنَرَاهَا تَعْظُمُ فَأَخَّرْنَا أَخْذَهَا رَجَاءَ أَنْ تَزِيدَ عِظَمًا فَهَبَّتْ رِيحٌ فَحَرَّكَتْ الْبَحْرَ فَقَطَعَتْهَا فَخَرَجَتْ مع الْمَوْجِ ولم يَخْتَلِفْ على أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كما وَصَفُوا وَإِنَّمَا غَلِطَ من قال إنَّهُ يَجِدُهُ حُوتٌ أو طَيْرٌ فَيَأْكُلُهُ لِلِينِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وقد زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا تَأْكُلُهُ دابه إلَّا قَتَلَهَا فَيَمُوتُ الْحُوتُ الذي يَأْكُلُهُ فَيَنْبِذُهُ الْبَحْرُ فَيُؤْخَذُ فَيُشَقُّ بَطْنُهُ فَيُسْتَخْرَجُ منه قال فما تَقُولُ فِيمَا أستخرج من بَطْنِهِ قُلْت يُغْسَلُ عنه شَيْءٌ أَصَابَهُ من أَذَاهُ وَيَكُونُ حَلَالًا أَنْ يُبَاعَ وَيُتَطَيَّبَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ مُسْتَجْسَدٌ غَلِيظٌ غَيْرُ مُنَفِّرٍ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ أَصَابَهُ فَيَذْهَبُ فيه كُلِّهِ إنَّمَا يُصِيبُ ما ظَهَرَ منه كما يُصِيبُ ما ظَهَرَ من الْجِلْدِ فَيُغْسَلُ فَيَطْهُرُ وَيُصِيبُ الشَّيْءَ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ فَيُغْسَلُ فَيَطْهُرُ وَالْأَدِيمُ ( قال ) فَهَلْ في الْعَنْبَرِ خَبَرٌ قُلْت لَا أَعْلَمُ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ في أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَنْبَرِ وَلَا أَحَدَ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَنْبَرِ قال في الْعَنْبَرِ إلَّا ما قُلْت لَك من أَنَّهُ نَبَاتٌ وَالنَّبَاتُ لَا يَحْرُمُ منه شَيْءٌ ( قال ) فَهَلْ فيه أَثَرٌ قُلْت نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عن الْعَنْبَرِ فقال إنْ كان فيه شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عيينه عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أذينه أَنَّ بن عَبَّاسٍ قال ليس في الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هو شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ وَزْنًا في فَارَةٍ لِأَنَّ الْمِسْكَ مَغِيبٌ وَلَا يُدْرَى كَمْ وَزْنُهُ من وَزْنِ جُلُودِهِ
____________________

(3/114)


وَالْعُودُ يَتَفَاضَلُ تَفَاضُلًا كَثِيرًا فَلَا يَجُوزُ حتى يُوصَفَ كُلُّ صِنْفٍ منه وَبَلَدُهُ وَسَمْتُهُ الذي يُمَيِّزُهُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كما لَا يَجُوزُ في الثِّيَابِ إلَّا ما وَصَفْت من تَسْمِيَةِ أَجْنَاسِهِ وهو أَشَدُّ تَبَايُنًا من التَّمْرِ وَرُبَّمَا رَأَيْت المنامنة بِمِائَتَيْ دِينَارٍ والمنامن صِنْفٍ غَيْرِهِ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَكِلَاهُمَا يُنْسَبُ إلَى الجوده من صِنْفِهِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في كل مَتَاعِ الْعَطَّارِينَ مِمَّا يَتَبَايَنُ منه بِبَلَدٍ أو لَوْنٍ أو عِظَمٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه حتى يسمي ذلك وما لَا يَتَبَايَنُ بِشَيْءٍ من هذا وُصِفَ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَجِمَاعِ الِاسْمِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في شَيْءٍ منه يَخْلِطُهُ عَنْبَرًا لَا خَلِيًّا من الْعَنْبَرِ أو الْغِشِّ الشَّكُّ من الرَّبِيعِ فَإِنْ شَرَطَ شيئا بِتُرَابِهِ أو شيئا بِقُشُورِهِ وَزْنًا إنْ كانت قُشُورُهُ لَيْسَتْ مِمَّا تَنْفَعُهُ أو شيئا يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ منه لَا يُعْرَفُ قَدْرُ هذا من قَدْرِ هذا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه ( قال ) وفي الْفَأْرِ إنْ كان من صَيْدِ الْبَحْرِ مِمَّا يَعِيشُ في الْبَحْرِ فَلَا بَأْسَ بها وَإِنْ كانت تَعِيشُ في الْبَرِّ وَكَانَتْ فَأْرًا لم يَجُزْ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا إذَا لم تُدْبَغْ وَإِنْ دُبِغَتْ فَالدِّبَاغُ لها طَهُورٌ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وقال في كل جِلْدٍ على عِطْرٍ وَكُلِّ ما خَفِيَ عليه من عِطْرِ وَدَوَاءِ الصَّيَادِلَةِ وَغَيْرِهِ مِثْلُ هذا الْقَوْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدٍ من كَلْبٍ وَلَا خِنْزِيرٍ وَإِنْ دُبِغَ وَلَا غير مَدْبُوغٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا وَلَا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا - * بَابُ مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَتَاعُ الصَّيَادِلَةِ كُلُّهُ من الْأَدْوِيَةِ كَمَتَاعِ الْعَطَّارِينَ لَا يَخْتَلِفُ فما يَتَبَايَنُ بِجِنْسٍ أو لَوْنٍ أو غَيْرِ ذلك يُسَمَّى ذلك الْجِنْسُ وما تباين ( ( ( يتباين ) ) ) وَيُسَمَّى وَزْنًا وَجَدِيدًا وَعَتِيقًا فإنه إذَا تَغَيَّرَ لم يَعْمَلْ عَمَلَهُ جَدِيدًا وما اخْتَلَطَ منه بِغَيْرِهِ لم يَجُزْ كما قُلْت في مَتَاعِ الْعَطَّارِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ منه إلَّا وَحْدَهُ أو معه غَيْرُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفُ الْوَزْنِ وَيَأْخُذُهُمَا مُتَمَيِّزَيْنِ فَأَمَّا أَنْ يُسَلَّفَ منه في صِنْفَيْنِ مَخْلُوطَيْنِ أو أَصْنَافٍ مِثْلُ الأدويه الْمُحَبَّبَةِ أو الْمَجْمُوعَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ عَجْنٍ وَلَا تَحْبِيبٍ فَلَا يَجُوزُ ذلك لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُ كل وَاحِدٍ منه وَلَا جَوْدَتُهُ وَلَا رَدَاءَتُهُ إذَا اخْتَلَطَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ إذَا كان هَكَذَا قِيَاسًا على ما وَصَفْت لَا يَخْتَلِفُ وإذا اخْتَلَفَ سُمِّيَ أَجْنَاسُهُ وإذا اخْتَلَفَ في الوانه سُمِّيَ الوانه وإذا تَقَارَبَ سُمِّيَ وَزْنُهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ وقياسة ( قال ) وما خَفِيَتْ مَعْرِفَتُهُ من مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَخْلُصُ من الْجِنْسِ الذي يُخَالِفُهُ وما لم يَكُنْ منها إذَا رىء عَمَّتْ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعُدُولِ من الْمُسْلِمِينَ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَلَوْ كانت مَعْرِفَتُهُ عامه عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّيَادِلَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أو عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ عُدُولٍ لم أُجِزْ السَّلَفَ فيه وَإِنَّمَا أُجِيزُهُ فِيمَا أَجِدُ مَعْرِفَتَهُ عَامَّةً عِنْدَ عُدُولٍ من الْمُسْلِمِينَ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ أَجِدَ عليه عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ على تَمْيِيزِهِ وما كان من مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ من شَيْءٍ مُحَرَّمٍ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وما لم يَحِلَّ شِرَاؤُهُ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه لِأَنَّ السَّلَفَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ وما كان منها مِثْلُ الشَّجَرِ الذي ليس فيه تَحْرِيمٌ إلَّا من جِهَةِ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا فَكَانَ سُمًّا لم يَحِلَّ شِرَاءُ السُّمِّ لِيُؤْكَلَ وَلَا يُشْرَبْ فَإِنْ كان يُعَالَجُ بِهِ من ظَاهِرِ شَيْءٍ لَا يَصِلُ إلَى جَوْفٍ وَيَكُونُ إذَا كان طَاهِرًا مَأْمُونًا لَا ضَرَرَ فيه على أَحَدٍ مَوْجُودِ المنفعه في دَاءٍ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ شَيْءٍ يُخَالِطُهُ لُحُومُ الْحَيَّاتِ التِّرْيَاقُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ مُحَرَّمَاتٌ لِأَنَّهُنَّ من غَيْرِ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ مُخَالِطُهُ مَيْتَةٌ وَلَا لَبَنُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ من غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا بَوْلُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا غَيْرُهُ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا نجسه لَا تَحِلُّ إلَّا في ضروره فَعَلَى ما وَصَفْت هذا الْبَابُ كُلُّهُ وقياسة ( قال ) وَجِمَاعُ ما يُحَرَّمُ أَكْلُهُ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً إلَّا ما حُرِّمَ من الْمُسْكِرِ وَلَا في شَيْءٍ من الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ حَرَامٌ إلَّا من جِهَةِ
____________________

(3/115)


أَنْ يَضُرَّ كَالسُّمِّ وما أَشْبَهَهُ فما دخل في الدَّوَاءِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَكَانَ مُحَرَّمَ الْمَأْكُولِ فَلَا يَحِلُّ وما لم يَكُنْ مُحَرَّمَ الْمَأْكُولِ فَلَا بَأْسَ - * بَابُ السَّلَفِ في اللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ من مَتَاعِ أَصْحَابِ الْجَوْهَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي السَّلَفُ في اللُّؤْلُؤِ وَلَا في الزَّبَرْجَدِ وَلَا في الْيَاقُوتِ وَلَا في شَيْءٍ من الحجاره التي تَكُونُ حُلِيًّا من قِبَلِ أَنِّي لو قُلْت سَلَّفْت في لُؤْلُؤَةٍ مدحرجه صافيه وَزْنُهَا كَذَا وَكَذَا وَصِفَتُهَا مُسْتَطِيلَةٌ وَوَزْنُهَا كَذَا كان الْوَزْنُ في اللُّؤْلُؤَةِ مع هذه الصِّفَةِ تَسْتَوِي صِفَاتُهُ وَتَتَبَايَنُ لِأَنَّ منه ما يَكُونُ أَثْقَلَ من غَيْرِهِ فَيَتَفَاضَلُ بِالثِّقَلِ وَالْجَوْدَةِ وَكَذَلِكَ الْيَاقُوتُ وَغَيْرُهُ فإذا كان هَكَذَا فِيمَا يُوزَنُ كان اخْتِلَافُهُ لو لم يُوزَنْ في اسْمِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَشَدَّ اخْتِلَافًا وَلَوْ لم افسده من قَبْلُ الصفاء ( ( ( للصفاء ) ) ) وَإِنْ تَبَايَنَ وَأَعْطَيْته أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصَّفَاءِ أُفْسِدَ من حَيْثُ وَصَفْت لِأَنَّ بَعْضَهُ أَثْقَلُ من بَعْضٍ فَتَكُونُ الثَّقِيلَةُ الْوَزْنِ بَيِّنًا وَهِيَ صغيره وَأُخْرَى أَخَفُّ منها وَزْنًا بِمِثْلِ وَزْنِهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَيَتَبَايَنَانِ في الثَّمَنِ تَبَايُنًا مُتَفَاوِتًا وَلَا أَضْبِطُ أَنْ أَصِفَهَا بِالْعِظَمِ أَبَدًا إذَا لم تُوزَنْ لِأَنَّ اسْمَ الْعِظَمِ لَا يَضْبِطُ إذَا لم يَكُنْ معه وَزْنٌ فلما تَبَايَنَ اخْتِلَافُهُمَا بِالْوَزْنِ كان اخْتِلَافُهُمَا غَيْرُ مَوْزُونَيْنِ أَشَدَّ تَبَايُنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ السَّلَفِ في التِّبْرِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ ذَهَبًا أو فِضَّةً أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ ما كان في تِبْرِ نُحَاسٍ أو حَدِيدٍ أو آنُكَ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَالْقَوْلُ فيه كُلِّهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْت من الْإِسْلَافِ فيه إنْ كان في الْجِنْسِ منه شَيْءٌ يَتَبَايَنُ في أَلْوَانِهِ فَيَكُونُ صِنْفٌ أَبْيَضُ وَآخَرُ أَحْمَرُ وَصَفَ اللَّوْنَ الذي سَلَّفَ فيه وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في اللَّوْنِ في أَجْنَاسِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في لِينِهِ وَقَسْوَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في خَلَاصِهِ وَغَيْرِ خَلَاصِهِ لم يَجُزْ أَنْ يَتْرُكَ من هذه الصِّفَةِ شيئا إلَّا وَصَفَهُ فَإِنْ تَرَكَ منه شيئا وَاحِدًا فَسَدَ السَّلَفُ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا أو رَدِيئًا فَسَدَ السَّلَفُ وَهَكَذَا هذا في الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالزَّاوُوقِ فإن الزَّاوُوقَ يَخْتَلِفُ مع هذا في رِقَّتِهِ وَثَخَانَتِهِ يُوصَفُ ذلك وَكُلُّ صِنْفٍ منه اخْتَلَفَ في شَيْءٍ في غَيْرِهِ وُصِفَ حَيْثُ يَخْتَلِفُ كما قُلْنَا في الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا هذا في الزِّرْنِيخِ وَغَيْرِهِ وَجَمِيعِ ما يُوزَنُ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّنْفِ من الشَّبِّ وَالْكِبْرِيتِ وَحِجَارَةِ الْأَكْحَالِ وَغَيْرِهَا الْقَوْلُ فيها قَوْلٌ وَاحِدٌ كَالْقَوْلِ في السَّلَفِ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا - * بَابُ السَّلَفِ في صَمْغِ الشَّجَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا السَّلَفُ في اللُّبَانِ وَالْمُصْطَكَى وَالْغِرَاءِ وَصَمْغِ الشَّجَرِ كُلِّهِ ما كان منه من شجره واحده كَاللُّبَانِ وُصِفَ بِالْبَيَاضِ وَأَنَّهُ غَيْرُ ذَكَرٍ فَإِنْ كان منه شَيْءٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ يَقُولُونَ له ذَكَرٌ إذَا مُضِغَ فَسَدَ وما كان منه من شَجَرٍ شَتَّى مِثْلُ الْغِرَاءِ وُصِفَ شَجَرُهُ وما تَبَايَنَ منه وَإِنْ كان من شجره واحده وُصِفَ كما وَصَفْت في اللُّبَانِ وَلَيْسَ في صَغِيرِ هذا وَكَبِيرِهِ تَبَايُنٌ يُوصَفُ بِالْوَزْنِ وَلَيْسَ على صَاحِبِهِ أَنْ يُوزَنَ له فيه قرفه أو في شَجَرَةٍ مَقْلُوعَةٍ مع الصمغه لَا تُوزَنُ له الصمغه إلَّا مَحْضَةً
____________________

(3/116)


- * بَابُ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَطِينِ الْبُحَيْرَةِ وَالْمَخْتُومِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد رَأَيْت طِينًا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ طِينٌ أَرْمَنِيٌّ وَمِنْ مَوْضِعٍ منها مَعْرُوفٍ وَطِينٌ يُقَالُ له طِينُ الْبُحَيْرَةِ وَالْمَخْتُومِ وَيَدْخُلَانِ مَعًا في الْأَدْوِيَةِ وَسَمِعْت من يَدَّعِي الْعِلْمَ بِهِمَا يَزْعُمُ أَنَّهُمَا يُغَشَّانِ بِطِينِ غَيْرِهِمَا لَا يَنْفَعُ مَنْفَعَتَهُمَا وَلَا يَقَعُ مَوْقِعَهُمَا وَلَا يسوى مِائَةُ رِطْلٍ منه رِطْلًا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا ورأيت طِينًا عِنْدَنَا بِالْحِجَازِ من طِينِ الْحِجَازِ يُشْبِهُ الطِّينَ الذي رَأَيْتهمْ يَقُولُونَ إنَّهُ إرمني ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان مِمَّا رَأَيْت ما يَخْتَلِطُ على الْمُخَلِّصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما سَمِعْت مِمَّنْ يَدَّعِي من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَخْلُصُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه بِحَالٍ وَإِنْ كان يُوجَدُ عَدْلَانِ من الْمُسْلِمِينَ يَخْلُصَانِ مَعْرِفَتَهُ بِشَيْءٍ يُبَيِّنُ لَهُمَا جَازَ السَّلَفُ فيه وكان كما وَصَفْنَا قبله مِمَّا يُسَلَّفُ فيه من الأدويه وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في غَيْرِهِ إنْ تَبَايَنَ بِلَوْنٍ أو جِنْسٍ أو بَلَدٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه حتى يُوصَفَ لَوْنُهُ وَجِنْسُهُ وَيُوصَفَ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ - * بَابُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَفِ فيه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن ابي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَسْلَفَ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ ابل من الصَّدَقَةِ فقال ابو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بِكْرَهُ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لم أَجِدْ في الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إعطه إيَّاهُ فإن خِيَارَ الناس أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن سلمه بن كَهْلٍ عن أبي سلمه عن أبي هريره عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ آخُذُ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَمِنَ بَعِيرًا بِصِفَةٍ وفي هذا ما دَلَّ على أَنَّهُ يَجُوزُ أن ( ( ( أنه ) ) ) يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ كُلَّهُ بِصِفَةٍ في السَّلَفِ وفي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَكُلُّ أَمْرٍ لَزِمَ فيه الْحَيَوَانُ بصفه وَجِنْسٍ وَسِنٍّ فَكَالدَّنَانِيرِ بصفه وَضَرْبٍ وَوَزْنٍ وَكَالطَّعَامِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْضَلَ مِمَّا عليه مُتَطَوِّعًا من غَيْرِ شَرْطٍ وَفِيهِ أَحَادِيثُ سِوَى هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثقه يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ قال جاء عَبْدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْهِجْرَةِ ولم يَسْمَعْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعْهُ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لم يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدَهُ حتى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هو أَمْ حُرٌّ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو إجَازَةُ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَإِجَازَةُ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَ شَيْءٍ في يَدِهِ فَيَكُونُ كَقَبْضِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيَّ أخبره أَنَّ زِيَادَ بن أبي مَرْيَمَ مولى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أخبره أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ مُصَدِّقًا له فَجَاءَهُ بِظَهْرٍ مَسَانَّ فلما رَآهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلَكْت وَأَهْلَكْت فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَبِيعُ الْبِكْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِالْبَعِيرِ الْمُسِنِّ يَدًا بِيَدٍ وَعَلِمْت من حَاجَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى الظَّهْرِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَاكَ إذَنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُ أَنَّ الثقه أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ أو أَخْبَرَنِيهِ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كان قال هَلَكْت وَأَهْلَكْت أَثِمْت وَأَهْلَكْت أَمْوَالَ الناس يَعْنِي أَخَذْت منهم ما ليس عليهم وَقَوْلُهُ عَرَفْت حَاجَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى الظَّهْرِ يَعْنِي ما يُعْطِيهِ أَهْلُ
____________________

(3/117)


الصدقه في سَبِيلِ اللَّهِ ويعطي بن السَّبِيلِ منهم وَغَيْرُهُمْ من أَهْلِ السُّهْمَانِ عِنْدَ نُزُولِ الْحَاجَةِ بِهِمْ إلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ فقال قد يَكُونُ بَعِيرٌ خَيْرًا من بَعِيرَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا له يُدْعَى عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ انه اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه يُوَفِّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ بن شِهَابٍ عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن ثَلَاثٍ عن الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمَضَامِينُ ما في ظُهُورِ الْجِمَالِ وَالْمَلَاقِيحُ ما في بُطُونِ الْإِنَاثِ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ بَيْعٌ كان أَهْلُ الجاهليه يَتَبَايَعُونَهُ كان الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ الناقه ثُمَّ يُنْتَجُ ما في بَطْنِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما نهى عنه من هذا كما نهى عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ وَلَا صِفَةٍ وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ وَلَا يَحِلُّ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ حَبَلِ الحبله وهو مَوْضُوعٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال وَلْيَبْتَعْ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَعَلَى أَحَدِهِمَا زِيَادَةُ وَرِقٍ وَالْوَرِقُ نسيئه قال وَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في الْإِبِلِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانِ بِسِنٍّ وَصِفَةٍ وَأَجَلٍ كما يُسَلِّفُ في الطَّعَامِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ مثله أو أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَإِلَى أَجَلٍ وَبَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ وَزِيَادَةُ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ ونسيئه إذَا كانت إحْدَى الْبَيْعَتَيْنِ كُلُّهَا نَقْدًا أو كُلُّهَا نسيئه وَلَا يَكُونُ في الصفقه نَقْدٌ وَنَسِيئَةٌ لَا أُبَالِي أَيَّ ذلك كان نَقْدًا وَلَا أَنَّهُ كان نَسِيئَةً وَلَا يُقَارِبُ الْبَعِيرَ وَلَا يُبَاعِدُهُ لِأَنَّهُ لاربا ( ( ( ربا ) ) ) في حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ من الْبُيُوعِ ولم يُحَرِّمْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما حُرِّمَ مَخْصُوصٌ فيه بِالتَّحْلِيلِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَسَكَتْنَا عن ذِكْرِهِ ( قال ) وَإِنَّمَا كَرِهْت في التَّسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْبَيْعَتَيْنِ مُبَعَّضَةً بَعْضُهَا نَقْدٌ وَبَعْضُهَا نَسِيئَةٌ لِأَنِّي لو أَسْلَفْت بَعِيرَيْنِ أَحَدًا لِلَّذِينَ أَسْلَفْت نَقْدًا وَالْآخَرُ نَسِيئَةً في بَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً كان في الْبَيْعَةِ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَوْ أَسْلَفْت بَعِيرَيْنِ نَقْدًا في بَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً إلَى أَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كانت قِيمَةُ الْبَعِيرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَى الْأَجَلِ مَجْهُولَةً من قِيمَةِ الْبَعِيرَيْنِ النَّقْدِ لِأَنَّهُمَا لو كَانَا على صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كان الْمُسْتَأْخَرُ مِنْهُمَا أَقَلَّ قِيمَةً من الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَهُ فَوَقَعَتْ الْبَيْعَةُ الْمُؤَخَّرَةُ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْبَعِيرَيْنِ مِنْهُمَا وَهَكَذَا لَا يُسْلَمُ دَنَانِيرُ في شَيْءٍ إلَى أَجَلَيْنِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ بَعِيرٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَ الْحَيَوَانَ وَيُصَالِحَ عليه وَيُكَاتِبَ عليه وَالْحَيَوَانُ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ لَا يُخَالِفُهُ كُلُّ ما جَازَ ثَمَنًا من هذا بِصِفَةٍ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ جَازَ الْحَيَوَانُ فيه بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَيُسَلَّفُ الْحَيَوَانُ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا من الْحَيَوَانِ من صِنْفِهِ وَغَيْرِ صِنْفِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَيُبَاعُ بها يَدًا بِيَدٍ لَا رِبَا فيها كُلِّهَا وَلَا يَنْهَى من بَيْعِهِ عن شَيْءٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ إلَّا بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ اتِّبَاعًا دُونَ ما سِوَاهُ ( قال ) وَكُلُّ ما لم يَكُنْ في التَّبَايُعِ بِهِ رِبَا في زِيَادَتِهِ في عَاجِلٍ أو آجِلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعْضُهُ في بَعْضٍ من جِنْسٍ وَأَجْنَاسٍ وفي غَيْرِهِ مِمَّا تَحِلُّ فيه الزياده وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(3/118)


- * بَابُ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ إذَا كانت دَيْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سَلَّفَ رَجُلٌ في بَعِيرٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه إلَّا بِأَنْ يَقُولَ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ كما يقول ثَوْبٌ مروى وَتَمْرٌ بردى وَحِنْطَةٌ مِصْرِيَّةٌ لإختلاف أَجْنَاسِ الْبِلَادِ وَاخْتِلَافِ الثِّيَابِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَيَقُولُ رُبَاعِيٌّ أو سُدَاسِيٌّ أو بَازِلٌ أو أَيُّ سِنٍّ أَسْلَفَ فيها فَيَكُونُ السِّنُّ إذَا كان من حَيَوَانٍ مَعْرُوفًا فِيمَا يُسَمَّى من الْحَيَوَانِ كَالذَّرْعِ فِيمَا يُذْرَعُ من الثِّيَابِ وَالْكَيْلُ فِيمَا يُكَالُ من الطَّعَامِ لِأَنَّ هذا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ من أَنْ يُحَاطَ بِهِ فيه كما الْكَيْلُ وَالذَّرْعُ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ في الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ من أَنْ يُحَاطَ بِهِ فيه وَيَقُولُ لَوْنُهُ كَذَا لِأَنَّهَا تَتَفَاضَلُ في الْأَلْوَانِ وَصِفَةُ الْأَلْوَانِ في الْحَيَوَانِ كَصِفَةِ وَشْيِ الثَّوْبِ وَلَوْنِ الْخَزِّ وَالْقَزِّ وَالْحَرِيرِ وَكُلٌّ يُوصَفُ بِمَا أَمْكَنَ فيه من أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِحَاطَةِ بِهِ فيه وَيَقُولُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى لأختلاف الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ تَرَكَ وَاحِدًا من هذا فَسَدَ السَّلَفُ في الْحَيَوَانِ ( قال ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُولَ نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ وَإِنْ لم يَقُلْهُ لم يَكُنْ له عَيْبٌ وَأَنْ يَقُولَ جَسِيمًا فَيَكُونُ له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ صِفَةِ الْجَسِيمِ وَإِنْ لم يَقُلْهُ لم يَكُنْ له مُوَدَّنٌ لِأَنَّ الْإِيدَانَ عَيْبٌ وَلَيْسَ له مَرَضٌ وَلَا عَيْبٌ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْهُ ( قال ) وَإِنْ اخْتَلَفَ نَعَمُ بَنِي فُلَانٍ كان له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه صِفَةً من أَيِّ نَعَمِهِمْ شَاءَ فَإِنْ زَادُوهُ فَهُمْ مُتَطَوِّعُونَ بِالْفَضْلِ وقد قِيلَ إذَا تَبَايَنَ نَعَمُهُمْ فَسَدَ السَّلَفُ إلَّا بِأَنْ يُوصَفَ جِنْسٌ من نَعَمِهِمْ ( قال ) وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ مِثْلُ الْإِبِلِ لَا يُجْزِئُ في شَيْءٍ منه إلَّا ما أَجْزَأَ في الْإِبِلِ ( قال ) وان كان السَّلَفُ في خَيْلٍ أَجْزَأَ فيها ما أَجْزَأَ في الْإِبِلِ واحب ان كان السَّلَفُ في الْفَرَسِ ان يَصِفَ شِيَتَهُ مع لَوْنِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَهُ اللَّوْنُ بَهِيمًا وان كان له شِيَةٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في اخذها وَتَرْكِهَا وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في تَسْلِيمِهَا واعطائه اللَّوْنَ بَهِيمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا هذا في أَلْوَانِ الْغَنَمِ ان وَصَفَ لَوْنَهَا وَصِفَتَهَا غُرًّا او كَدْرًا وَبِمَا يُعْرَفُ بِهِ اللَّوْنُ الذي يُرِيدُ من الْغَنَمِ وان تَرَكَهُ فَلَهُ اللَّوْنُ الذي يَصِفُ جُمْلَتَهُ بَهِيمًا وَهَكَذَا جَمِيعُ الْمَاشِيَةِ حُمُرِهَا وَبِغَالِهَا وَبَرَاذِينِهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا يُبَاعُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَكَذَا هذا في الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ يَصِفُ أَسْنَانَهُنَّ بِالسِّنِينَ وَأَلْوَانَهُنَّ واجناسهن وَتَحْلِيَتَهُنَّ بالجعوده والسبوطه ( قال ) وَإِنْ اتى على السِّنِّ وَاللَّوْنِ وَالْجِنْسِ اجزأه وَإِنْ تَرَكَ وَاحِدًا من هذا فَسَدَ السَّلَفُ وَالْقَوْلُ في هذا وفي الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ كَالْقَوْلِ فِيمَا قَبْلَهُ وَالتَّحْلِيَةُ احب الي وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَيْسَ له عَيْبٌ كما لَا يَكُونُ له في الْبَيْعِ عَيْبٌ الا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في خَصْلَةٍ إنْ جُعِّدَتْ له وقد اشْتَرَاهَا نَقْدًا بِغَيْرِ صِفَةٍ كان بِالْخِيَارِ في رَدِّهَا اذا عَلِمَ انها سَبْطَةٌ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا على انه يَرَى أنها جَعْدَةٌ والجعده اكثر ثَمَنًا من السَّبْطَةِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَبْطَةً ثُمَّ جَعُدَتْ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَى الْمُسَلِّفِ لم يَكُنْ له رَدُّهَا لِأَنَّهَا تَلْزَمُهُ سَبْطَةً لإن السُّبُوطَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ تُرَدُّ منه انما هي تَقْصِيرٍ عن حُسْنٍ اقل من تَقْصِيرِهَا بِخِلَافِ الْحُسْنِ عن الْحُسْنِ وَالْحَلَاوَةِ عن الْحَلَاوَةِ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في ان يُسْلِمَ في جَارِيَةٍ بِصِفَةٍ على ان يُوَفَّاهَا وَهِيَ حُبْلَى وَلَا في ذَاتِ رَحِمٍ من الْحَيَوَانِ على ذلك من قِبَلِ ان الْحَمْلَ ما لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ فيها ليس فيها وهو شِرَاءُ ما لَا يُعْرَفُ وَشِرَاؤُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَا يدرى أَيَكُونُ أَمْ لَا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في نَاقَةٍ بِصِفَةٍ وَمَعَهَا وَلَدُهَا مَوْصُوفًا وَلَا في وَلِيدَةٍ وَلَا في ذَاتِ رَحِمٍ من حَيَوَانٍ كَذَلِكَ ( قال ) وَلَكِنْ إنْ اسلف في وَلِيدَةٍ أو نَاقَةٍ
____________________

(3/119)


أو ذَاتِ رَحِمٍ من الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَوَصَفَ بِصِفَةٍ ولم يَقُلْ ابْنُهَا أو وَلَدُ نَاقَةٍ أو شَاةٍ ولم يَقُلْ وَلَدُ الشَّاةِ التي أَعْطَاهَا جَازَ وَسَوَاءٌ أَسْلَفْت في صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ مَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ تَجْمَعُهُمَا أو كَبِيرَيْنِ كَذَلِكَ ( قال ) وَإِنَّمَا أَجَزْته في أَمَةٍ وَوَصِيفٍ يصفة لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ يُسْلِمُ في إثنين وَكَرِهْت أَنْ يُقَالَ إبنها وَإِنْ كان مَوْصُوفًا لِأَنَّهَا قد تَلِدُ وَلَا تَلِدُ وَتَأْتِي على تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا تَأْتِي وَكَرِهْته لو قال مَعَهَا إبنها وَإِنْ لم يُوصَفْ لِأَنَّهُ شِرَاءُ عَيْنٍ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَشَيْءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أُجِيزُ أَنْ أُسَلِّفَ في أَوْلَادِهَا سَنَةً لِأَنَّهَا قد تَلِدُ وَلَا تَلِدُ وَيَقِلُّ وَلَدُهَا وَيَكْثُرُ وَالسَّلَفُ في هذا الْمَوْضِعِ يُخَالِفُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في نَاقَةٍ مَوْصُوفَةٍ أو مَاشِيَةٍ او عَبْدٍ مَوْصُوفٍ على أَنَّهُ خَبَّازٌ أو جَارِيَةٍ مَوْصُوفَةٍ على أنها ماشطه كان السَّلَفُ صَحِيحًا وكان له أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَشْطِ وَأَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْخَبْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما وصف ( ( ( وصفت ) ) ) غَيْرُ مَوْجُودٍ بِالْبَلَدِ الذي يُسَلِّفُ فيه بِحَالٍ فَلَا يَجُوزُ ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في ذَاتِ دَرٍّ على أنها لَبُونٍ كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وإذا وَقَعَ عليها انها لَبُونٌ كانت له كما قُلْنَا في الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا وَإِنْ تَفَاضَلَ اللَّبَنُ كما يَتَفَاضَلُ الْمَشْيُ وَالْعَمَلُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ من قِبَلِ أنها شَاةٌ بِلَبَنٍ لِأَنَّ شَرْطَهُ ابْتِيَاعٌ له وَاللَّبَنُ يَتَمَيَّزُ منها وَلَا يَكُونُ بِتَصَرُّفِهَا إنَّمَا هو شَيْءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ عز وجل فيها كما يَحْدُثُ فيها الْبَعْرُ وَغَيْرُهُ فإذا وَقَعَتْ على هذا صِفَةُ الْمُسَلِّفِ كان فَاسِدًا كما يَفْسُدُ أَنْ يَقُولَ أُسَلِّفُك في نَاقَةٍ يَصِفُهَا وَلَبَنٍ مَعَهَا غَيْرِ مَكِيلٍ وَلَا مَوْصُوفٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ أُسَلِّفَك في وَلِيدَةٍ حُبْلَى وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَالسَّلَفُ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَبَيْعُهُ بِغَيْرِهِ وَبَعْضُهُ بِبَعْضٍ هَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ مُرْتَفِعُهُمْ وَغَيْرُ مُرْتَفِعِهِمْ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْخَيْلُ وَالدَّوَابُّ كُلُّهَا وما كان مَوْجُودًا من الْوَحْشِ منها في أَيْدِي الناس مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ سَوَاءٌ كُلُّهُ وَيُسَلَّفُ كُلُّهُ بِصِفَةٍ إلَّا الْإِنَاثَ من النِّسَاءِ فَإِنَّا نَكْرَهُ سَلَفَهُنَّ دُونَ ما سِوَاهُنَّ من الْحَيَوَانِ وَلَا نَكْرَهُ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِنَّ إنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ يُسَلَّفْنَ وَإِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فأنهما لَا يُبَاعَانِ بِدَيْنٍ وَلَا عَيْنٍ ( قال ) وما لم يَنْفَعْ من السِّبَاعِ فَهُوَ مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَكُلُّ ما لم يَحِلَّ بَيْعُهُ لَا يَحِلُّ السَّلَفُ فيه وَالسَّلَفُ بَيْعٌ ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَفْت من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَشَرَطْت معه غَيْرَهُ فَإِنْ كان الْمَشْرُوطُ معه مَوْصُوفًا يَحِلُّ فيه السَّلَفُ على الإنفراد جَازَ فَكُنْت إنَّمَا اسلفت فيه وفي الْمَوْصُوفِ معه وَإِنْ لم يَكُنْ يَجُوزُ السَّلَفُ فيه على الإنفراد فَسَدَ السَّلَفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في حَيَوَانٍ مَوْصُوفٍ من حَيَوَانِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أو بَلَدٍ بِعَيْنِهِ ولا نتاج مَاشِيَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ من ايدي الناس كما قُلْنَا في الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ أُقْرِضَك جاريه وَيَجُوزُ أَنْ أُقْرِضَك كُلَّ شَيْءٍ سِوَاهَا من دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِأَنَّ الْفُرُوجَ تُحَاطُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُحَاطُ بِهِ غَيْرُهَا فلما كُنْت إذَا أَسْلَفْتُك جَارِيَةً كان لي نَزْعُهَا مِنْك لِأَنِّي لم آخُذْ مِنْك فيها عِوَضًا لم يَكُنْ لَك أَنْ تَطَأَ جَارِيَةً لي نَزْعُهَا مِنْك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الإختلاف في أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً أو يَصْلُحَ منه إثنان بِوَاحِدٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْحَيَوَانِ فقال لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً أَبَدًا قال وَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَنْ جَعَلْتُمْ الْحَيَوَانَ دَيْنًا وهو غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَالصِّفَةُ تَقَعُ على الْعَبْدَيْنِ وَبَيْنَهُمَا دَنَانِيرُ وَعَلَى الْبَعِيرَيْنِ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ في الثَّمَنِ قال نَقَلْنَاهُ قُلْنَا بِأَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في إستسلافه بَعِيرًا وَقَضَائِهِ إيَّاهُ وَالْقِيَاسُ على ما سِوَاهَا من سُنَّتِهِ ولم يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فيه ( قال ) فَاذْكُرْ ذلك قُلْت أَمَّا السُّنَّةُ النَّصُّ فإنه اسْتَسْلَفَ بَعِيرًا وَأَمَّا السنه التي اسْتَدْلَلْنَا بها فإنه قَضَى بِالدِّيَةِ مِائَةً من الْإِبِلِ ولم أَعْلَمْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا أنها بِأَسْنَانٍ مَعْرُوفَةٍ وفي مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم افْتَدَى كُلَّ من لم يَطِبْ عنه نَفْسًا من قَسَمَ له من سَبْيِ هَوَازِنَ بِإِبِلٍ سَمَّاهَا سِتٌّ أو خَمْسٌ إلَى أَجَلٍ ( قال ) أَمَّا هذا فَلَا أعرفة قُلْنَا فما أَكْثَرَ ما لَا تَعْرِفُهُ من الْعِلْمِ قال
____________________

(3/120)


أَفَثَابِتٌ قُلْت نعم ولم يَحْضُرْنِي إسْنَادُهُ قال ولم أَعْرِفْ الدِّيَةَ من السُّنَّةِ قُلْت وَتَعْرِفُ مِمَّا لَا تُخَالِفُنَا فيه أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ على الْوُصَفَاءِ بِصِفَةٍ وَأَنْ يُصْدِقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْعَبِيدَ وَالْإِبِلَ بِصِفَةٍ قال نعم وقال وَلَكِنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا قُلْت وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ من الذَّهَبِ تَلْزَمُ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَلَكِنْ نَقْدُ الْبِلَادِ وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ فَكَذَلِكَ تَلْزَمُ الْإِبِلُ إبِلُ الْعَاقِلَةِ وَسِنٌّ مَعْلُومَةٌ وَغَيْرُ معيبه وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُصَ من أَسْنَانِهَا سِنًّا لم تَجُزْ فَلَا أَرَاك إلَّا حَكَمْت بها مُؤَقَّتَةً وَأَجَزْت فيها أَنْ تَكُونَ دَيْنًا وَكَذَلِكَ أَجَزْت في صَدَاقِ النِّسَاءِ لِوَقْتٍ وَصِفَةٍ وفي الْكِتَابَةِ لِوَقْتٍ وَصِفَةٍ وَلَوْ لم يَكُنْ رَوَيْنَا فيه شيئا إلَّا ما جَامَعْتنَا عليه من أَنَّ الْحَيَوَانَ يَكُونُ دَيْنًا في هذه الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِك لَا يَكُونُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا وَكَانَتْ عِلَّتُك فيه زائله ( قال ) وَإِنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَهْرٍ قُلْت له فلم تَجْعَلْ فيه مَهْرَ مِثْلِ الْمَرْأَةِ إذَا أُصِيبَتْ وَتَجْعَلُ الْإِصَابَةَ كالإستهلاك في السِّلْعَةِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَجْعَلُ فيه قِيمَتَهُ قال فَإِنَّمَا كَرِهْنَا السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ لِأَنَّ بن مَسْعُودٍ كَرِهَهُ قُلْنَا فيخالف ( ( ( يخالف ) ) ) السَّلَمُ سَلَفَهُ أو الْبَيْعَ بِهِ أَمْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ قال بَلْ كُلُّ ذلك وَاحِدٌ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا في حَالٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا في كل حَالٍ قُلْت قد جَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَيْنًا في السَّلَفِ وَالدِّيَةِ ولم تُخَالِفْنَا في أَنَّهُ يَكُونُ في مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ دَيْنًا في الصَّدَاقِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنْ قُلْت ليس بين الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ رِبًا قُلْت أَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ على حُكْمِ السَّيِّدِ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ابْنَهُ الْمَوْلُودَ معه في كِتَابَتِهِ كما يَجُوزُ لو كان عَبْدًا له وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ يَأْخُذُ مَالَهُ قال ما حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ قُلْنَا فَقَلَّمَا نَرَاك تَحْتَجُّ بِشَيْءٍ إلَّا تَرَكْته وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وما نَرَاك أَجَزْت في الكتابه إلَّا ما أَجَزْت في الْبُيُوعِ فَكَيْفَ أَجَزْت في الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً ولم تُجِزْهُ في السَّلَفِ فيه أَرَأَيْت لو كان ثَابِتًا عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ غير مُخْتَلِفٍ عنه فيه وَالسَّلَمُ عِنْدَك إذَا كان دَيْنًا كما وَصَفْنَا من أسلافه وَغَيْرِ ذلك أَكَانَ يَكُونُ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِجْمَاعِ الناس حُجَّةٌ قال لَا قُلْت فَقَدْ جَعَلْته حُجَّةً على ذلك مُتَظَاهِرًا مُتَأَكِّدًا في غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأَنْتَ تَزْعُمُ في أَصْلِ قَوْلِك أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ عنه قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت وهو مُنْقَطِعٌ عنه وَيَزْعُمُ الشعبى الذي هو أَكْبَرُ من الذي روى عنه كَرَاهَتَهُ أَنَّهُ أنما اسلف له في لِقَاحِ فَحْلِ إبِلٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ كل أَحَدٍ هذا بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ أو هُمَا وَقُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ أنت أَخْبَرْتنِي عن ابي يُوسُفَ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن أبي الْبُحْتُرِيِّ أَنَّ بَنِي عَمٍّ لِعُثْمَانَ أَتَوْا وَادِيًا فَصَنَعُوا شيئا في إبِلِ رَجُلٍ قَطَعُوا بِهِ لَبَنَ إبِلِهِ وَقَتَلُوا فِصَالَهَا فَأَتَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ بن مَسْعُودٍ فَرَضِيَ بِحُكْمِ بن مَسْعُودٍ فَحَكَمَ أَنْ يُعْطِيَ بِوَادِيهِ إبِلًا مِثْلَ إبِلِهِ وَفِصَالًا مِثْلَ فِصَالِهِ فَأَنْفَذَ ذلك عُثْمَانُ فيروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَقْضِي في حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ مِثْلِهِ دَيْنًا لِأَنَّهُ إذَا قضى بِهِ بِالْمَدِينَةِ وَأُعْطِيَهُ بِوَادِيهِ كان دَيْنًا وَيَزِيدُ أَنْ يروى عن عُثْمَانَ أَنَّهُ يقول بِقَوْلِهِ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عن الْمَسْعُودِيِّ عن الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن قال أَسْلَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ في وُصَفَاءَ أَحَدُهُمْ أبو زَائِدَةَ مَوْلَانَا فَلَوْ اخْتَلَفَ قَوْلُ بن مَسْعُودٍ فيه عِنْدَك فَأَخَذَ رَجُلٌ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ أَلَمْ يَكُنْ له قال بَلَى قُلْت وَلَوْ لم يَكُنْ فيه غَيْرُ اخْتِلَافِ قَوْلِ بن مَسْعُودٍ قال نعم قُلْت فَلِمَ خَالَفْت بن مَسْعُودٍ وَمَعَهُ عُثْمَانُ وَمَعْنَى السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قال فقال منهم قَائِلٌ فَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه وَيَجُوزُ إسْلَامُهُ وَأَنْ يَكُونَ دِيَةً وَكِتَابَةً وَمَهْرًا وَبَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً قُلْت فَقُلْهُ إنْ شِئْت قال فَإِنْ قُلْته قُلْت يَكُونُ أَصْلُ قَوْلِك لَا يَكُونُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا خَطَأً بِحَالِهِ قال فَإِنْ انْتَقَلْت عنه قُلْت فَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّا لَنَرْوِيهِ قُلْت فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى قَوْلِهِمَا أو قَوْلِ أَحَدِهِمَا دُونَ قَوْلِ بن مَسْعُودٍ أَيَجُوزُ له قال نعم قُلْت فَإِنْ كان مع قَوْلِهِمَا أو قَوْلِ أَحَدِهِمَا الْقِيَاسُ على السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قال فَذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ قُلْت أَفَتَجِدُ مع من أَجَازَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ الْقِيَاسَ فِيمَا وَصَفْت قال نعم وما رديت ( ( ( دريت ) ) ) لِأَيِّ مَعْنًى تَرَكَهُ
____________________

(3/121)


أَصْحَابُنَا قُلْت أَفَتَرْجِعُ إلَى إجَازَتِهِ قال أَقِفُ فيه قُلْت فَيُعْذَرُ غَيْرُك في الْوَقْفِ عَمَّا بَانَ له ( قال ) وَرَجَعَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ كان يقول قَوْلَهُمْ من أَهْلِ الْآثَارِ إلَى إجَازَتِهِ وقد كان يُبْطِلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال محمد بن الْحَسَنِ فإن صَاحِبَنَا قال إنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْكُمْ خصله تَتْرُكُونَ فيها أَصْلَ قَوْلِكُمْ إنَّكُمْ لم تُجِيزُوا إستسلاف الْوَلَائِدِ خَاصَّةً وَأَجَزْتُمْ بَيْعَهُنَّ بِدَيْنٍ وَالسَّلَفَ فِيهِنَّ قال قُلْت أَرَأَيْت لو تَرَكْنَا قَوْلَنَا في خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَزِمْنَاهُ في كل شَيْءٍ أَكُنَّا مَعْذُورِينَ قال لَا قُلْت لِأَنَّ ذلك خَطَأٌ قال نعم قُلْت فَمَنْ أَخْطَأَ قَلِيلًا أَمْثَلُ حَالًا أَمْ من أَخْطَأَ كَثِيرًا قال بَلْ من أَخْطَأَ قَلِيلًا وَلَا عُذْرَ له قُلْت فَأَنْتَ تُقِرُّ بِخَطَأٍ كَثِيرٍ وَتَأْبَى أَنْ تَنْتَقِلَ عنه وَنَحْنُ لم نخطىء ( ( ( نخطئ ) ) ) أَصْلَ قَوْلِنَا إنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُ بِمَا تَتَفَرَّقُ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك بِأَقَلَّ منه قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أَرَأَيْت إذَا اشْتَرَيْت مِنْك جَارِيَةً مَوْصُوفَةً بِدَيْنٍ أَمَلَكْت عَلَيْك إلَّا الصِّفَةَ وَلَوْ كانت عِنْدَك مِائَةٌ من تِلْكَ الصِّفَةِ لم تَكُنْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا وكان لَك أَنْ تُعْطِيَ أَيَّتَهنَّ شِئْت فإذا فَعَلْت فَقَدْ مَلَكْتهَا حِينَئِذٍ قال نعم قُلْت وَلَا يَكُونُ لَك أَخْذُهَا مِنِّي كما لَا يَكُونُ لَك أَخْذُهَا لو بِعْتهَا مَكَانَك وَانْتَقَدْت ثَمَنَهَا قال نعم قلت وَكُلُّ بَيْعٍ بِيعَ بِثَمَنٍ مِلْكٌ هَكَذَا قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا اسلفتك جَارِيَةً إلَى أَخْذِهَا مِنْك بعد ما قَبَضْتهَا من سَاعَتِي وفي كل سَاعَةٍ قال نعم قُلْت فَلَكَ أَنْ تَطَأَ جَارِيَةً مَتَى شِئْت أَخَذْتهَا أو اسْتَبْرَأْتهَا وَوَطِئْتهَا قال فما فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا قُلْت الْوَطْءُ قال فإن فيها لَمَعْنًى في الْوَطْءِ ما هو في رَجُلٍ وَلَا في شَيْءٍ من الْبَهَائِمِ قُلْت فَبِذَلِكَ الْمَعْنَى فَرَّقْت بَيْنَهُمَا قال فَلِمَ لم يَجُزْ له أَنْ يُسَلِّفَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا لم يَرُدَّهَا وَرَدَّ مِثْلَهَا قُلْت أَيَجُوزُ أَنْ أُسَلِّفَك شيئا ثُمَّ يَكُونُ لَك أَنْ تَمْنَعَنِي منه ولم يَفُتْ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ تُجِيزُ إنْ وَطِئَهَا أَنْ لَا يَكُونَ لي عليها سَبِيلٌ وَهِيَ غَيْرُ فَائِتَةٍ وَلَوْ جَازَ لم يَصِحَّ فيه قَوْلٌ قال وَكَيْفَ إنْ أَجَزْته لَا يَصِحُّ فيه قَوْلٌ قُلْت لِأَنِّي إذَا سَلَّطْته على إسْلَافِهَا فَقَدْ أَبَحْت فَرْجَهَا لِلَّذِي سُلِّفَهَا فَإِنْ لم يَطَأْهَا حتى يَأْخُذَهَا السَّيِّدُ أَبَحْته لِلسَّيِّدِ فَكَانَ الْفَرْجُ حَلَالًا لِرَجُلٍ ثُمَّ حُرِّمَ عليه بِلَا إخْرَاجٍ له من مِلْكِهِ وَلَا تَمْلِيكِهِ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ غَيْرَهُ وَلَا طَلَاقَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ فَرْجٍ حَلَّ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِطَلَاقٍ أو إخْرَاجِ ما ملكه من مَلَكَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ أو أُمُورٍ ليس الْمُسْتَسْلِفُ في وَاحِدٍ منها قال أَفَتُوَضِّحُهُ بِغَيْرِ هذا مِمَّا نَعْرِفُهُ قُلْت نعم قِيَاسًا على أَنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ نُهِيَتْ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مع ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَنُهِيَتْ أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ وَلَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَنُهِيَتْ عن الْحَلَالِ لها من التَّزْوِيجِ إلَّا بِوَلِيٍّ قال نعم قُلْت أَفَتَعْرِفُ في هذا مَعْنَى نُهِيَتْ له إلَّا ما خُلِقَ في الْآدَمِيِّينَ من الشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ وفي الْآدَمِيَّاتِ من الشَّهْوَةِ لِلرِّجَالِ فَحِيطَ في ذلك لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الْمُحَرَّمِ منه ثُمَّ حِيطَ في الْحَلَالِ منه لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى تَرْكِ الْحَظِّ فيه أو الدُّلْسَةِ قال ما فيه مَعْنَى إلَّا هذا أو في مَعْنَاهُ قُلْت أَفَتَجِدُ إنَاثَ الْبَهَائِمِ في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي أو ذُكُورَ الرِّجَالِ أو الْبَهَائِمِ من الْحَيَوَانِ قال لَا قُلْت فَبَانَ لَك فَرْقُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَيْنَهُنَّ وَأَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عنه لِلْحِيَاطَةِ لِمَا خُلِقَ فِيهِنَّ من الشَّهْوَةِ لَهُنَّ قال نعم قُلْت فَبِهَذَا فَرَّقْنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا في هذا كفايه منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال أَفَتَقُولُ بِالذَّرِيعَةِ قُلْت لَا وَلَا مَعْنَى في الذريعه إنَّمَا الْمَعْنَى في الإستدلال بِالْخَبَرِ اللَّازِمِ أو الْقِيَاسِ عليه أو الْمَعْقُولِ - * بَابُ السَّلَفِ في الثِّيَابِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سُئِلَ بن شِهَابٍ عن ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ نَسِيئَةً فقال لَا بَأْسَ بِهِ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا يُكَرِّهُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما حَكَيْت من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ على أَهْلِ نَجْرَانَ ثِيَابًا مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَكَّةَ وَنَجْرَانَ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّهُ يَحِلُّ أَنْ يُسْلِمَ في الثِّيَابِ بِصِفَةٍ قال وَالصِّفَاتُ في الثِّيَابِ التي لَا يُسْتَغْنَى عنها وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ حتى تُجْمَعَ أَنْ يَقُولَ لَك الرَّجُلُ أُسْلِمُ إلَيْك في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ أو هَرَوِيٍّ أو رَازِيٍّ أو بَلْخِيٍّ أو بَغْدَادِيٍّ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا صَفِيقًا دَقِيقًا أو رَقِيقًا فإذا جاء بِهِ على
____________________

(3/122)


أَدْنَى ما تَلْزَمُهُ هذه الصِّفَةُ لَزِمَهُ وهو مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ في الْجَوْدَةِ إذَا لَزِمَتْهَا الصِّفَةُ وَإِنَّمَا قُلْت دَقِيقًا لِأَنَّ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الدِّقَّةِ غَيْرُ مُتَبَايِنِ الْخِلَافِ في أَدَقَّ منه وَأَدَقُّ منه زِيَادَةٌ في فَضْلِ الثَّوْبِ ولم أَقُلْ صَفِيقًا مُرْسَلَةً لِأَنَّ اسْمَ الصَّفَاقَةِ قد يَقَعُ على الثَّوْبِ الدَّقِيقِ وَالْغَلِيظِ فَيَكُونُ إنْ أَعْطَاهُ غَلِيظًا أَعْطَاهُ شَرًّا من دَقِيقٍ وَإِنْ أَعْطَاهُ دَقِيقًا أَعْطَاهُ شَرًّا من غَلِيظٍ وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّفَاقَةِ قال وهو كما وَصَفْت في الْأَبْوَابِ قَبْلَهُ إذَا أُلْزِمَ أَدْنَى ما يَقَعُ عليه الإسم من الشَّرْطِ شيئا وكان يَقَعُ الإسم على شَيْءٍ مُخَالِفٍ له هو خَيْرٌ منه لَزِمَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْخَيْرَ زِيَادَةٌ يَتَطَوَّعُ بها الْبَائِعُ وإذا كان يَقَعُ على ما هو شَرٌّ منه لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الشَّرَّ نَقْصٌ لَا يَرْضَى بِهِ الْمُشْتَرِي ( قال ) فَإِنْ شَرَطَهُ صَفِيقًا ثَخِينًا لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ دَقِيقًا وَإِنْ كان خَيْرًا منه لإن في الثِّيَابِ عله أَنَّ الصَّفِيقَ الثَّخِينَ يَكُونُ أَدْفَأَ في الْبَرْدِ وَأَكَنَّ في الْحَرِّ وَرُبَّمَا كان أَبْقَى فَهَذِهِ عِلَّةٌ تَنْقُصُهُ وَإِنْ كان ثَمَنُ الْأَدَقِّ أَكْثَرَ فَهُوَ غَيْرُ الذي اسلف فيه وَشَرَطَ لِحَاجَتِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَسْلَمَ في ثِيَابِ بَلَدٍ بها ثِيَابٌ مُخْتَلِفَةُ الْغَزْلِ وَالْعَمَلِ يُعْرَفُ كُلُّهَا بِاسْمٍ سِوَى اسْمِ صَاحِبِهِ لم يَجُزْ السَّلَفُ حتى يَصِفَ فيه ما وَصَفْت قَبْلُ وَيَقُولَ ثَوْبٌ كَذَا وَكَذَا من ثِيَابِ بَلَدِ كَذَا وَمَتَى تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مُغِيبٍ غَيْرُ مَوْصُوفٍ كما لَا يَجُوزُ في التَّمْرِ حتى يُسَمَّى جنسة ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه من أَجْنَاسِ الثِّيَابِ هَكَذَا كُلُّهُ إنْ كان وَشْيًا نَسَبَهُ يُوسُفِيًّا أو نَجْرَانِيًّا أو فَارِعًا أو بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ كان غير وَشْيٍ من الْعَصْبِ وَالْحَبَرَاتِ وما أَشْبَهُهُ وَصْفُهُ ثَوْبٌ حَبَرَةٌ من عَمَلِ بَلَدِ كَذَا دَقِيقُ الْبُيُوتِ أو مُتَرَّكًا مُسَلْسَلًا أو صِفَتُهُ أو جِنْسُهُ الذي هو جِنْسُهُ وَبَلَدُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ عَمَلُ ذلك الْبَلَدِ قال من عَمَلِ كَذَا لِلْعَمَلِ الذي يُعْرَفُ بِهِ لَا يُجْزِئُ في السَّلَمِ دُونَهُ وَكَذَلِكَ في ثِيَابِ الْقُطْنِ كما وَصَفْت في الْعَصْبِ قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ الْبَيَاضُ وَالْحَرِيرُ وَالطَّيَالِسَةُ وَالصُّوفُ كُلُّهُ وَالْإِبْرَيْسَمُ وإذا عُمِلَ الثَّوْبُ من قَزٍّ أو من كَتَّانٍ أو من قُطْنٍ وَصَفَهُ وَإِنْ لم يَصِفْ غَزْلَهُ إذَا عُمِلَ من غُزُولٍ مختلفه أو من كُرْسُفٍ مَرْوِيٍّ أو من كُرْسُفٍ خَشِنٍ لم يَصِحَّ وَإِنْ كان إنَّمَا يُعْمَلُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ بِبَلَدِهِ الذي سَلَّفَ فيه لم يَضُرَّهُ أَنْ لَا يَصِفَ غَزْلَهُ إذَا وَصَفَ الدِّقَّةَ وَالْعَمَلَ وَالذَّرْعَ وقال في كل ما يُسْلِمُ فيه جَيِّدٌ أو رَدِيءٌ وَلَزِمَهُ كُلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ أو الرَّدَاءَةِ أو الصِّفَةِ التي يَشْتَرِطُ قال وَإِنْ سَلَّفَ في وَشْيٍ لم يَجُزْ حتى يَكُونَ لِلْوَشْيِ صِفَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُرِيَهُ خِرْقَةً وَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدِ عَدْلٍ يُوَفِّيهِ الْوَشْيَ عليها إذَا لم يَكُنْ الْوَشْيُ مَعْرُوفًا كما وَصَفْت لِأَنَّ الْخِرْقَةَ قد تَهْلِكُ فَلَا يُعْرَفُ الْوَشْيُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْأُهُبِ وَالْجُلُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في جُلُودِ الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا أُهُبِ الْغَنَمِ وَلَا جِلْدٍ وَلَا إهَابٍ من رَقٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا مَنْظُورًا إلَيْهِ قال وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَجُزْ لنا أَنْ نَقِيسَهُ على الثِّيَابِ لِأَنَّا لو قِسْنَاهُ عليها لم يَحِلَّ إلَّا مَذْرُوعًا مع صِفَتِهِ وَلَيْسَ يُمْكِنُ فيه الذَّرْعُ لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ عن أَنْ يُضْبَطَ بِذَرْعٍ بِحَالٍ وَلَوْ ذَهَبْنَا نَقِيسُهُ على ما أَجَزْنَا من الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ لم يَصِحَّ لنا وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا نُجِيزُ السَّلَفَ في بَعِيرٍ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ ثَنِيٍّ أو جَذَعٍ مَوْصُوفٍ فَيَكُونُ هذا فيه كَالذَّرْعِ في الثَّوْبِ وَيَقُولُ رِبَاعٌ وَبَازِلٌ وهو في كل سِنٍّ من هذه الْأَسْنَانِ أَعْظَمُ منه في السِّنِّ قَبْلَهُ حتى يَتَنَاهَى عِظَمُهُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مَضْبُوطٌ كما يَضْبِطُ الذَّرْعُ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ في الْجُلُودِ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُقَالَ جِلْدُ بَقَرَةٍ ثَنِيَّةٍ أو رِبَاعٍ وَلَا شَاةٍ كَذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُقَالُ بَقَرَةٌ من نِتَاجِ بَلَدِ كَذَا لِأَنَّ النِّتَاجَ يَخْتَلِفُ في الْعِظَمِ فلما لم يَكُنْ الْجِلْدُ يُوقِعُ على مَعْرِفَتِهِ كما يُوقِعُ على مَعْرِفَةِ ما كان قَائِمًا من الْحَيَوَانِ فَيُعْرَفُ بِصِفَةِ نِتَاجِ بَلَدِهِ عِظَمُهُ من صِغَرِهِ خَالَفَتْ الْجُلُودُ الْحَيَوَانَ في هذا وفي أَنَّ من الْحَيَوَانِ ما يَكُونُ السِّنُّ منه أَصْغَرَ من السِّنِّ مِثْلِهِ وَالْأَصْغَرُ خَيْرٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَيَكُونُ امشى وَأَحْمَلَ ما كانت فيه الْحَيَاةُ فيشترى
____________________

(3/123)


الْبَعِيرَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا أو أَكْثَرَ كُلُّهَا أَعْظَمُ منه لِفَضْلِ التُّجَّارِ للمشى وَيُدْرِكُ بِذَلِكَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ وَلَيْسَ هذا في الْجُلُودِ هَكَذَا الْجُلُودُ لَا حَيَاةَ فيها وَإِنَّمَا تَفَاضُلُهَا في ثَخَانَتِهَا وَسَعَتِهَا وَصَلَابَتِهَا وَمَوَاضِعَ منها فلما لم نَجِدْ خَبَرًا نَتَّبِعُهُ وَلَا قِيَاسًا على شَيْءٍ مِمَّا أَجَزْنَا السَّلَفَ فيه لم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ السَّلَفَ فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَرَأَيْنَاهُ لَمَّا لم يُوقَفْ على حَدِّهِ فيها رَدَدْنَا السَّلَمَ فيه ولم نُجِزْهُ نَسِيئَةً وَذَلِكَ أَنَّ ما بِيعَ نَسِيئَةً لم يَجُزْ إلَّا مَعْلُومًا وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بِصِفَةٍ بِحَالٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَرَاطِيسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كانت الْقَرَاطِيسُ تُعْرَفُ بِصِفَةٍ كما تُعْرَفُ الثِّيَابُ بِصِفَةٍ وَذَرْعٍ وَطُولٍ وَعَرْضٍ وَجَوْدَةٍ وَرِقَّةٍ وَغِلَظٍ وَاسْتِوَاءِ صَنْعَةٍ أَسْلَفَ فيها على هذه الصفه وَلَا يَجُوزُ حتى تُسْتَجْمَعَ هذه الصِّفَاتُ كُلُّهَا وَإِنْ كانت تَخْتَلِفُ في قُرًى أو رَسَاتِيقَ لم يَجُزْ حتى يُقَالَ صَنْعَةُ قَرْيَةِ كَذَا أو كُورَةِ كَذَا أو رُسْتَاقِ كَذَا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ فِيمَا أَجَزْنَا فيه السَّلَفَ غَيْرُهَا وَإِنْ كانت لَا تُضْبَطُ بهذا فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها وَلَا أَحْسِبُهَا بهذا إلَّا مَضْبُوطَةً أو ضَبْطُهَا أَصَحُّ من ضَبْطِ الثِّيَابِ أو مِثْلُهُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْخَشَبِ ذَرْعًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من سَلَّفَ في خَشَبِ السَّاجِ فقال سَاجٌ سَمْحٌ طُولُ الْخَشَبَةِ منه كَذَا وَغِلَظُهَا كَذَا وَكَذَا وَلَوْنُهَا كَذَا فَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا هذا لإستواء نَبْتَتِهِ وَأَنَّ طَرَفَيْهِ لَا يَقْرَبَانِ وَسَطَهُ وَلَا جَمِيعَ ما بين طَرَفَيْهِ من نَبْتَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ طَرَفَاهُ تَقَارُبًا وإذا شَرَطَ له غِلَظًا فَجَاءَهُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ على الْغِلَظِ وَالْآخَرُ أَكْثَرُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي أَخْذُهُ فَإِنْ جاء بِهِ نَاقِصًا من طُولٍ أو نَاقِصَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ من غِلَظٍ لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ هذا نَقْصٌ من حَقِّهِ ( قال ) وَكُلُّ ما اسْتَوَتْ نَبْتَتُهُ حتى يَكُونَ ما بين طَرَفَيْهِ منه ليس بِأَدَقَّ من طَرَفَيْهِ وَأَحَدُهُمَا من السَّمْحِ أو تَرَبَّعَ رَأْسُهُ فَأَمْكَنَ الذَّرْعُ فيه أو تَدَوَّرَ تَدَوُّرًا مُسْتَوِيًا فَأَمْكَنَ الذَّرْعُ فيه وَشَرَطَ فيه ما وَصَفْت في السَّاجِ جَازَ السَّلَفُ فيه وَسَمَّى جِنْسَهُ فَإِنْ كان منه جِنْسٌ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ خَيْرًا من بَعْضٍ مِثْلُ الدَّوْمِ فإن الْخَشَبَةَ منه تَكُونُ خَيْرًا من الْخَشَبِ مِثْلِهَا لِلْحُسْنِ لم يُسْتَغْنَ عن أَنْ يُسَمَّى جِنْسُهُ كما لَا يُسْتَغْنَى أَنْ يُسَمَّى جِنْسُ الثِّيَابِ فَإِنْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ جنسة فَسَدَ السَّلَفُ فيه وما لم يَخْتَلِفْ أَجَزْنَا السَّلَفَ فيه بِالصِّفَةِ وَالذَّرْعِ على نَحْوِ ما وَصَفْت قال وما كان منه طَرَفَاهُ أو أَحَدُهُمَا أَجَلَّ من الْآخَرِ وَنَقَصَ ما بين طَرَفَيْهِ أو مِمَّا بَيْنَهُمَا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَوْصُوفِ الْعَرْضِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في ثَوْبٍ مَوْصُوفِ الطُّولِ غَيْرِ مَوْصُوفِ الْعَرْضِ قال فَعَلَى هذا السَّلَفُ في الْخَشَبِ الذي يُبَاعُ ذَرْعًا كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا يَجُوزُ حتى تَكُونَ كُلُّ خَشَبَةٍ منه مَوْصُوفَةً محدوده كما وَصَفْت وَهَكَذَا خَشَبُ الْمَوَائِدِ يُوصَفُ طُولُهَا وَعَرْضُهَا وَجِنْسُهَا وَلَوْنُهَا ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِإِسْلَامِ الْخَشَبِ في الْخَشَبِ وَلَا رِبَا فِيمَا عَدَا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ كُلِّهِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وما عَدَا هذا فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَلَمًا وَغَيْرَ سَلَمٍ كَيْفَ كان إذَا كان مَعْلُومًا - * بَابُ السَّلَمِ في الْخَشَبِ وَزْنًا - * ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما صَغُرَ من الْخَشَبِ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه عَدَدًا وَلَا حُزَمًا وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمَّى الْجِنْسُ منه فيقول سَاسِمًا أَسْوَدَ أو أبنوس ( ( ( آبنوسا ) ) ) يَصِفُ لَوْنَهُ بِنِسْبَتِهِ إلَى الْغِلَظِ من ذلك الصِّنْفِ أو إلَى أَنْ يَكُونَ منه دَقِيقًا أَمَّا إذَا اشْتَرَيْت جُمْلَةً قُلْت دِقَاقًا أو أَوْسَاطًا أو غِلَاظًا وَزْنَ كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا إذَا اشْتَرَيْته مُخْتَلِفًا قُلْت كَذَا وَكَذَا رِطْلًا غَلِيظًا وَكَذَا وَكَذَا وَسَطًا وَكَذَا وَكَذَا رَقِيقًا لَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ هذا فَإِنْ تَرَكْت من هذا شيئا فَسَدَ السَّلَفُ وَأُحِبُّ لو قُلْت سَمْحًا فَإِنْ لم تَقُلْهُ فَلَيْسَ لَك فيه عَقْدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمْنَعُهُ السَّمَاحُ وَهِيَ عَيْبٌ فيه تَنْقُصُهُ وَكُلُّ ما كان فيه عَيْبٌ يَنْقُصُهُ لِمَا يُرَادُ له لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي وَهَكَذَا
____________________

(3/124)


كُلُّ ما اشترى لِلتِّجَارَةِ على ما وَصَفْت لَك لَا يَجُوزُ إلَّا مَذْرُوعًا مَعْلُومًا أو مَوْزُونًا مَعْلُومًا بِمَا وَصَفْت ( قال ) وما اشترى منه حَطَبًا يُوقَدُ بِهِ وُصِفَ حَطَبٌ سُمْرٌ أو سَلَمٌ أو حَمْضٌ أو أَرَاكٌ أو قَرَظٌ أو عَرْعَرٌ وَوُصِفَ بِالْغِلَظِ وَالْوَسَطِ وَالدِّقَّةِ وَمَوْزُونًا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ عَدَدًا وَلَا حُزَمًا وَلَا غير مَوْصُوفٍ مَوْزُونٍ بِحَالٍ وَلَا مَوْزُونٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِغِلَظِهِ وَدِقَّتِهِ وَجِنْسِهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا فَسَدَ السَّلَفُ ( قال ) فَأَمَّا عِيدَانُ الْقِسِيِّ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها إلَّا بِأَمْرٍ قَلَّمَا يَكُونُ فيها مَوْجُودًا فإذا كان فيها مَوْجُودًا جَازَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عُودُ شَوْحَطَةٍ جِذْلٌ من نَبَاتِ أَرْضِ كَذَا السَّهْلِ منها أو الْجَبَلِ أو دَقِيقٌ أو وَسَطٌ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا وَعَرْضُ رَأْسِهِ كَذَا وَيَكُونُ مُسْتَوَى النبته وما بين الطَّرَفَيْنِ من الْغِلَظِ فَكُلُّ ما أَمْكَنَتْ فيه هذه الصِّفَةُ منه جَازَ وما لم يُمْكِنْ لم يَجُزْ وَذَلِكَ أَنَّ عِيدَانَ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ فَتَبَايَنَ وَالسَّهْلُ وَالْجَبَلُ منها يَتَبَايَنُ وَالْوَسَطُ وَالدَّقِيقُ يَتَبَايَنُ وَكُلُّ ما فيه هذه الصِّفَةُ من شِرْيَانٍ أو نَبْعٍ أو غَيْرِهِ من أَصْنَافِ عِيدَانِ القسى جَازَ وقال فيه خُوطًا أو فلقه والفلقه أَقْدَمُ نَبَاتًا من الْخُوطِ وَالْخُوطُ الشَّابُّ وَلَا خَيْرَ في السُّلْفَةِ في قِدَاحِ النَّبْلِ شَوْحَطًا كانت أو قَنَا أو غير ذلك لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَقَعُ عليها وَإِنَّمَا تَفَاضُلٌ في الثَّخَانَةِ وَتَبَايُنٌ فيها فَلَا يَقْدِرُ على ذَرْعِ ثَخَانَتِهَا وَلَا يَتَقَارَبُ فَنُجِيزُ أَقَلَّ ما تَقَعُ عليه الثَّخَانَةُ كما نُجِيزُهُ في الثِّيَابِ - * بَابُ السَّلَفِ في الصُّوفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الصُّوفِ حتى يُسَمَّى صُوفُ ضَأْنِ بَلَدِ كَذَا لإختلاف أَصْوَافِ الضَّأْنِ بِالْبُلْدَانِ وَيُسَمَّى لَوْنُ الصُّوفِ لإختلاف أَلْوَانِ الْأَصْوَافِ وَيُسَمَّى جَيِّدًا وَنَقِيًّا وَمَغْسُولًا لِمَا يَعْلَقُ بِهِ مِمَّا يُثْقِلُ وَزْنَهُ وَيُسَمَّى طِوَالًا أو قِصَارًا من الصُّوفِ لإختلاف قِصَارِهِ وَطِوَالِهِ وَيَكُونُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا وَاحِدًا فَسَدَ السَّلَفُ فيه وإذا جاء بِأَقَلَّ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ الطُّولِ من الصُّوفِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْبَيَاضِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ النَّقَاءِ وَجَاءَ بِهِ من صُوفِ ضَأْنِ الْبَلَدِ الذي سمي لَزِمَ الْمُشْتَرِي قال وَلَوْ اخْتَلَفَ صُوفُ الْإِنَاثِ وَالْكِبَاشِ ثُمَّ كان يُعْرَفُ بَعْدَ الْجِزَازِ لم يَجُزْ حتى يُسَمَّى صُوفَ فُحُولٍ أو إنَاثٍ وَإِنْ لم يَتَبَايَنْ ولم يَكُنْ يَتَمَيَّزُ فَيُعْرَفُ بَعْدَ الْجِزَازِ فَوَصَفَهُ بِالطُّولِ وما وَصَفْت جَازَ السَّلَفُ فيه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في صُوفِ غَنَمِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ وَتَأْتِي الْآفَةُ على صُوفِهَا وَلَا يُسَلِّفُ إلَّا في شَيْءٍ مَوْصُوفٍ مَضْمُونٍ مَوْجُودٍ في وَقْتِهِ لَا يُخْطِئُ وَلَا يَجُوزُ في صُوفِ غَنَمِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ يُخْطِئُ وَيَأْتِي على غَيْرِ الصِّفَةِ وَلَوْ كان الْأَجَلُ فيها سَاعَةً من النَّهَارِ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تَأْتِي عليها أو على بَعْضِهَا في تِلْكَ السَّاعَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَلَفٍ مَضْمُونٍ لَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُخْطِئُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَهُ في صُوفٍ بِلَا صِفَةٍ وَيُرِيهِ صُوفًا فيقول أَسْتَوْفِيهِ مِنْك على بَيَاضِ هذا وَنَقَائِهِ وَطُولِهِ لِأَنَّ هذا قد يَهْلِكُ فَلَا يدرى كَيْفَ صِفَتُهُ فَيَصِيرُ السَّلَفُ في شَيْءٍ مَجْهُولٍ قال وَإِنْ أَسْلَمَ في وَبَرِ الْإِبِلِ أو شَعْرِ الْمِعْزَى لم يَجُزْ إلَّا كما وَصَفْت في الصُّوفِ وَيَبْطُلُ منه ما يَبْطُلُ منه في الصُّوفِ لَا يَخْتَلِفُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْكُرْسُفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا خَيْرَ في السَّلَفِ في كُرْسُفٍ بِجَوْزِهِ لِأَنَّهُ ليس مِمَّا صَلَاحُهُ في أَنْ يَكُونَ مع جَوْزِهِ إنَّمَا جَوْزُهُ قِشْرَةٌ تُطْرَحُ عنه سَاعَةَ يَصْلُحُ وَلَا خَيْرَ فيه حتى يُسَمَّى كُرْسُفَ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا وَيُسَمَّى جَيِّدًا أو رَدِيئًا وَيُسَمَّى أَبْيَضَ نَقِيًّا أو أَسْمَرَ وَبِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا وَاحِدًا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَذَلِكَ أَنَّ كُرْسُفَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُ فَيَلِينَ وَيَخْشُنُ وَيَطُولُ شَعْرُهُ وَيَقْصُرُ ويسمي أَلْوَانُهَا وَلَا خَيْرَ في السَّلَمِ في كُرْسُفِ أَرْضِ رَجُلٍ
____________________

(3/125)


بِعَيْنِهَا كما وَصَفْنَا قَبْلَهُ وَلَكِنْ يُسْلِمُ في صِفَةٍ مَأْمُونَةٍ في أَيْدِي الناس وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدِيمُ الْكُرْسُفِ وَجَدِيدُهُ سَمَّاهُ قَدِيمًا أو جَدِيدًا من كُرْسُفِ سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ وَإِنْ كان يَكُونُ نَدِيًّا سَمَّاهُ جَافًّا لَا يُجْزِئُ فيه غَيْرُ ذلك وَلَوْ أَسْلَمَ فيه مُنَقًّى من حَبِّهِ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُسْلِمَ فيه بِحَبِّهِ وهو كَالنَّوَى في التَّمْرِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَزِّ وَالْكَتَّانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ضَبَطَ الْقَزَّ بِأَنْ يُقَالَ قَزُّ بَلَدِ كَذَا وَيُوصَفَ لَوْنُهُ وَصَفَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَسَلَامَتُهُ من الْعَيْبِ وَوَزْنُهُ فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتْرُكَ من هذا شيئا وَاحِدًا فَإِنْ ترك لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ وَإِنْ كان لَا يُضْبَطُ هذا فيه لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ وَهَكَذَا الْكَتَّانُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ منه في شَيْءٍ على عَيْنٍ يَأْخُذُهَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَهْلِكُ وَتَتَغَيَّرُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا وما كان في مَعْنَاهُ إلَّا بِصِفَةٍ تُضْبَطُ وَإِنْ اخْتَلَفَ طُولُ الْقَزِّ وَالْكَتَّانِ فَتَبَايَنَ طُولُهُ سُمِّيَ طُولُهُ وَإِنْ لم يَخْتَلِفْ جاء الْوَزْنُ عليه وَأَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وما سَلَّفَ فيه كَيْلًا لم يَسْتَوْفِ وَزْنًا لإختلاف الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَكَذَلِكَ ما سَلَّفَ فيه وَزْنًا لم يَسْتَوْفِ كَيْلًا - * بَابُ السَّلَفِ في الْحِجَارَةِ وَالْأَرْحِيَةِ وَغَيْرِهَا من الْحِجَارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في حِجَارَةِ الْبُنْيَانِ وَالْحِجَارَةُ تُفَاضَلُ بِالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ وَالْعِظَمِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها حتى يُسَمَّى منها أَخْضَرَ أو أَبْيَضَ أو زَنْبَرِيًّا أو سَبَلَانِيًّا بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَيَنْسُبُهُ إلَى الصَّلَابَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فيه عِرْقٌ وَلَا كَلَا وَالْكَلَا حِجَارَةٌ مَحْلُوقَةٌ مُدَوَّرَةٌ صِلَابٌ لَا تُجِيبُ الْحَدِيدَ إذَا ضُرِبَتْ تَكَسَّرَتْ من حَيْثُ لَا يُرِيدُ الضَّارِبُ وَلَا تَكُونُ في الْبُنْيَانِ إلَّا غِشًّا ( قال ) وَيَصِفُ كِبَرَهَا بِأَنْ يَقُولَ ما يَحْمِلُ الْبَعِيرُ منها حَجَرَيْنِ أو ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً أو سِتَّةً بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحْمَالَ تَخْتَلِفُ وَأَنَّ الْحَجَرَيْنِ يَكُونَانِ على بَعِيرٍ فَلَا يَعْتَدِلَانِ حتى يُجْعَلَ مع أَحَدِهِمَا حَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَذَلِكَ ما هو أَكْثَرُ من حَجَرَيْنِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا إلَّا بِوَزْنٍ أو أَنْ يَشْتَرِيَ وهو يَرَى فَيَكُونُ من بُيُوعِ الْجُزَافِ التي تُرَى قال وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في النَّقَلِ وَالنَّقَلُ حِجَارَةٌ صِغَارٌ إلَّا بِأَنْ يَصِفَ صِغَارًا من النَّقْل أو حَشْوًا أو دَوَاخِلَ فَيُعْرَفُ هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا لِأَنَّهُ لَا يُكَالُ لِتَجَافِيهِ وَلَا تُحِيطُ بِهِ صِفَةٌ كما تُحِيطُ بِالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا وَلَا يَجُوزُ حتى يُقَالَ صِلَابٌ وإذا قال صِلَابٌ فَلَيْسَ له رَخْوٌ وَلَا كَذَّانٌ وَلَا مُتَفَتِّتٌ قال وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الرُّخَامِ وَيَصِفُ كُلَّ رخامه منه بِطُولٍ وَعَرْضٍ وَثَخَانَةٍ وَصَفَاءٍ وَجَوْدَةٍ وَإِنْ كانت تَكُونُ لها تَسَارِيعُ مُخْتَلِفَةٌ يَتَبَايَنُ فَضْلُهَا منها وَصَفَ تَسَارِيعَ وَإِنْ لم يَكُنْ اكْتَفَى بِمَا وَصَفْت فَإِنْ جَاءَهُ بها فَاخْتَلَفَ فيها أُرِيَهَا اهل الْبَصَرِ فَإِنْ قالوا يَقَعُ عليها اسْمُ الْجَوْدَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَتْ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالثَّخَانَةِ التي شَرَطَ لَزِمَتْهُ وَإِنْ نَقَصَ وَاحِدٌ من هذه لم تَلْزَمْهُ قال وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في حِجَارَةِ الْمَرْمَرِ بِعِظَمٍ وَوَزْنٍ كما وَصَفْت في الْحِجَارَةِ قَبْلَهُ وَبِصَفَاءٍ فَإِنْ كانت له أَجْنَاسٌ تَخْتَلِفُ وَأَلْوَانٌ وَصَفَهُ بِأَجْنَاسِهِ وَأَلْوَانِهِ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ آنِيَةً من مَرْمَرٍ بِصِفَةِ طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ وَثَخَانَةٍ وَصَنْعَةٍ إنْ كانت تَخْتَلِفُ فيه الصَّنْعَةُ وَصَفَ صَنْعَتَهَا وَلَوْ وَزَنَ
____________________

(3/126)


مع هذا كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ تَرَكَ وَزْنَهُ لم يُفْسِدْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كان من الْأَرْحَاءِ شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بَلَدُهُ فَتَكُونُ حِجَارَةُ بَلَدٍ خَيْرًا من حِجَارَةِ بَلَدٍ لم يَجُزْ حتى يسمى حِجَارَةَ بَلَدٍ وَيَصِفَهَا وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَتْ حِجَارَةُ بَلَدٍ وَصَفَ جِنْسَ الْحِجَارَةِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَصَّةِ وَالنُّورَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْقَصَّةِ وَالنُّورَةِ وَمَتَاعِ الْبُنْيَانِ فَإِنْ كانت تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها حتى يُسَمَّى نُورَةَ أَرْضِ كَذَا أو قَصَّةَ أَرْضِ كَذَا وَيَشْتَرِطُ جَوْدَةً أو رَدَاءَةً أو يَشْتَرِطُ بَيَاضًا أو سُمْرَةً أو أَيَّ لَوْنٍ كان إذَا تَفَاضَلَتْ في أَلْوَانٍ وَيَشْتَرِطُهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها أَحْمَالًا وَلَا مَكَايِل لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحْمَالًا وَمَكَايِل وَجُزَافًا في غَيْرِ أَحْمَالٍ وَلَا مَكَايِل إذَا كان الْمُبْتَاعُ حَاضِرًا وَالْمُتَبَايِعَانِ حَاضِرَيْنِ قال وَهَكَذَا الْمَدَرُ لَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه كَيْلًا مَعْلُومًا وَلَا خَيْرَ فيه أَحْمَالًا وَلَا مُكَايِلَ وَلَا جُزَافًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِكَيْلٍ وَصِفَةٍ جَيِّدٍ أو رَدِيءٍ وَمَدَرِ مَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُ الْمَدَرِ في ذلك الْمَوْضِعِ وكان لِبَعْضِهَا على بَعْضٍ فَضْلٌ وَصَفَ الْمَدَرَ أَخْضَرَ أو أَشْهَبَ أو أَسْوَدَ قال وإذا وَصَفَهُ جَيِّدًا أَتَتْ الْجَوْدَةُ على الْبَرَاءَةِ من كل ما خَالَفَهَا فَإِنْ كان فيه سَبَخٌ أو كذان أو حِجَارَةٌ أو بَطْحَاءُ لم يَكُنْ له لِأَنَّ هذا مُخَالِفٌ لِلْجَوْدَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت النُّورَةُ أو الْقَصَّةُ هِيَ الْمُسَلَّفُ فيها لم يَصْلُحْ إلَّا كما وُصِفَتْ بِصِفَةٍ قال وَإِنْ كانت الْقَصَّةُ وَالنُّورَةُ مُطَيَّرَتَيْنِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُطَيَّرَ عَيْبٌ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ إنْ قَدِمَتَا قِدَمًا يَضُرُّ بِهِمَا لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هذا عَيْبٌ وَالْمَطَرُ لَا يَكُونُ فَسَادًا لِلْمَدَرِ إذَا عَادَ جَافًّا بِحَالِهِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْعَدَدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في شَيْءٍ عَدَدًا إلَّا ما وَصَفْت من الْحَيَوَانِ الذي يُضْبَطُ سِنُّهُ وَصِفَتُهُ وَجِنْسُهُ وَالثِّيَابِ التي تُضْبَطُ بِجِنْسِهَا وَحِلْيَتِهَا وَذَرْعِهَا وَالْخَشَبِ الذي يُضْبَطُ بِجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَذَرْعِهِ وما كان في مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الْبِطِّيخِ وَلَا الْقِثَّاءِ وَلَا الْخِيَارِ وَلَا الرُّمَّانِ وَلَا السَّفَرْجَلِ وَلَا الْفِرْسِكِ وَلَا الْمَوْزِ وَلَا الْجَوْزِ وَلَا الْبَيْضِ أَيِّ بَيْضٍ كان دَجَاجٍ أو حَمَامٍ أو غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُ مِمَّا يَتَبَايَعُهُ الناس عَدَدًا غير ما اسْتَثْنَيْت وما كان في مَعْنَاهُ لِاخْتِلَافِ الْعَدَدِ وَلَا شَيْءَ يُضْبَطُ من صِفَةٍ أو بَيْعِ عَدَدٍ فَيَكُونُ مَجْهُولًا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ على أَنْ يُكَالَ أو يُوزَنَ فَيُضْبَطُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ - * بَابُ السَّلَمِ في الْمَأْكُولِ كَيْلًا أو وَزْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ السَّلَفِ فِيمَا يَتَبَايَعُهُ الناس أَصْلَانِ فما كان منه يَصْغُرُ وتستوى خِلْقَتُهُ فَيَحْتَمِلُهُ الْمِكْيَالُ وَلَا يَكُونُ إذَا كِيلَ تَجَافَى في الْمِكْيَالِ فَتَكُونُ الواحده منه بَائِنَةً في الْمِكْيَالِ عَرِيضَةَ الْأَسْفَلِ دَقِيقَةَ الرَّأْسِ أو عَرِيضَةَ الْأَسْفَلِ وَالرَّأْسِ دَقِيقَةَ الْوَسَطِ فإذا وَقَعَ شَيْءٌ إلَى جَنْبِهَا مَنَعَهُ عَرْضُ أَسْفَلِهَا من أَنْ يُلْصَقَ بها وَوَقَعَ في الْمِكْيَالِ وما بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مُتَجَافٍ ثُمَّ كانت الطَّبَقَةُ التي فَوْقَهُ منه هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُكَالَ
____________________

(3/127)


وَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الناس إنَّمَا تَرَكُوا كَيْلَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه كَيْلًا وفي نِسْبَتِهِ بهذا الْمَعْنَى ما عَظُمَ وَاشْتَدَّ فَصَارَ يَقَعُ في الْمِكْيَالِ منه الشَّيْءُ ثُمَّ يَقَعُ فَوْقَهُ منه شَيْءٌ مُعْتَرِضًا وما بين الْقَائِمِ تَحْتَهُ مُتَجَافٍ فَيَسُدُّ الْمُعْتَرِضُ الذي فوقة الفرجه التي تَحْتَهُ وَيَقَعُ عليه فَوْقَهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ من الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ بَيِّنُ الْفَرَاغِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وما أَشْبَهَهُ مِمَّا كان في الْمَعْنَى الذي وَصَفْت وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا كَيْلًا وَلَوْ تَرَاضَى عليه الْمُتَبَايِعَانِ سَلَفًا وما صَغُرَ وكان يَكُونُ في الْمِكْيَالِ فيمتلىء ( ( ( فيمتلئ ) ) ) بِهِ الْمِكْيَالُ وَلَا يَتَجَافَى التَّجَافِي الْبَيِّنَ مِثْلُ التَّمْرِ وَأَصْغَرُ منه مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا مِثْلُ السِّمْسِمِ وما أَشْبَهَهُ أَسْلَمَ فيه كَيْلًا ( قال ) وَكُلُّ ما وَصَفْت لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فيه وَزْنًا وَأَنْ يُسَمَّى كُلُّ صِنْفٍ منه اخْتَلَفَ بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ فيه عَظِيمًا أو صَغِيرًا فإذا أتى بِهِ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعِظَمِ وَوَزْنُهُ جَازَ على الْمُشْتَرِي فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَأَصْغَرُهُ يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّغَرِ وَلَا أَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ عنه ( قال ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُسْلِمُ إلَيْك في خِرْبِزٍ خُرَاسَانِيٍّ أو بِطِّيخٍ شَامِيٍّ أو رُمَّانٍ أمليسي أو رُمَّانٍ حَرَّانِي وَلَا يُسْتَغْنَى في الرُّمَّانِ عن أَنْ يَصِفَ طَعْمَهُ حُلْوًا أو مُرًّا أو حَامِضًا فَأَمَّا الْبِطِّيخُ فَلَيْسَ في طَعْمِهِ أَلْوَانٌ وَيَقُولُ عِظَامٌ أو صِغَارٌ وَيَقُولُ في الْقِثَّاءِ هَكَذَا فيقول قِثَّاءٌ طِوَالٌ وَقِثَّاءٌ مُدَحْرَجٌ وَخِيَارٌ يصفة بِالْعِظَمِ وَالصِّغَرِ وَالْوَزْنِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ قِثَّاءٌ عِظَامٌ أو صِغَارٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ الْعِظَامُ وَالصِّغَارُ منه إلَّا أَنْ يَقُولَ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا منه صِغَارًا وَكَذَا وَكَذَا رِطْلًا منه كِبَارًا وَهَكَذَا الدُّبَّاءُ وما أَشْبَهَهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْبُقُولِ كُلِّهَا إذَا سمى كُلُّ جِنْسٍ منها وقال هِنْدِبًا أو جِرْجِيرًا أو كُرَّاثًا أو خَسًّا وَأَيَّ صِنْفٍ ما اسلف فيه منها وَزْنًا مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا فَإِنْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ الصِّنْفِ منه أو الْوَزْنِ لم يَجُزْ السَّلَفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان منه شَيْءٌ يَخْتَلِفُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُسَمَّى صَغِيرًا أو كَبِيرًا كَالْقُنَّبِيطِ تَخْتَلِفُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ وَكَالْفُجْلِ وَكَالْجَزَرِ وما اخْتَلَفَ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ في الطَّعْمِ وَالثَّمَنِ ( قال ) وَيُسَلِّفُ في الْجَوْزِ وَزْنًا وَإِنْ كان لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ كما وَصَفْت اسلم فيه كَيْلًا وَالْوَزْنُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَصَحُّ فيه قال وَقَصَبُ السُّكَّرِ إذَا شَرَطَ مَحِلَّهُ في وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس في ذلك الْبَلَدِ فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه وَزْنًا حتى يَشْتَرِطَ صِفَةَ الْقَصَبِ إنْ كان يَتَبَايَنُ وَإِنْ كان أَعْلَاهُ مِمَّا لَا حَلَاوَةَ فيه وَلَا مَنْفَعَةَ فَلَا يُتَبَايَعُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يُقْطَعَ أَعْلَاهُ الذي هو بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَإِنْ كان يُتَبَايَعُ وَيُطْرَحُ ما عليه من الْقِشْرِ وَيُقْطَعُ مَجَامِعُ عُرُوقِهِ من أَسْفَلِهِ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه حُزَمًا وَلَا عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ بِذَلِكَ وقد رَآهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ قال وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ قَصَبًا وَلَا بَقْلًا وَلَا غَيْرَهُ مِمَّا يُشْبِهُهُ بِأَنْ يَقُولَ أَشَتَرِي مِنْك زَرْعَ كَذَا وَكَذَا فَدَّانًا وَلَا كَذَا وَكَذَا حُزَمًا من بَقْلٍ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا لِأَنَّ زَرْعَ ذلك يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَحْسُنُ وَيَقْبُحُ وَأَفْسَدْنَاهُ لإختلافه في الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْرُوفِ الْقِلَّةِ والكثره وَلَا يَجُوزُ أَنْ يشترى هذا إلَّا مَنْظُورًا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ وَالْقِرْطُ وَكُلُّ ما أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه إلَّا وَزْنًا أو كَيْلًا بِصِفَةٍ مضمونه لَا من أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَإِنْ اسلف فيه من أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَالسَّلَفُ فيه مُنْتَقَضٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ في قَصَبٍ وَلَا قُرْطٍ وَلَا قَصِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ بِحُزَمٍ وَلَا أَحْمَالٍ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا مَوْزُونًا مَوْصُوفًا وَكَذَلِكَ التِّينُ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَكِيلًا أو مَوْزُونًا وَمِنْ جِنْسٍ مَعْرُوفٍ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(3/128)


- * بَابُ بَيْعِ الْقَصَبِ وَالْقِرْطِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْقَصَبِ لَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً أو قال صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقُرْطُ إلَّا جِزَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ وَيَأْخُذَ صَاحِبُهُ في جِزَازِهِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ مُدَّةً أَكْثَرَ من قَدْرِ ما يُمْكِنُهُ جِزَازُهُ فيه من يَوْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ اشْتَرَاهُ ثَابِتًا على أَنْ يَدَعَهُ أَيَّامًا لِيَطُولَ أو يَغْلُظَ أو غَيْرِ ذلك فَكَانَ يَزِيدُ في تِلْكَ الْأَيَّامِ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلْبَائِعِ وَفَرْعَهُ الظَّاهِرُ لِلْمُشْتَرِي فإذا كان يَطُولُ فَيَخْرُجُ من مَالِ الْبَائِعِ إلَى مَالِ الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَيَمْلِكُهُ كُنْت قد أَعْطَيْت الْمُشْتَرِي ما لم يَشْتَرِ وَأَخَذْت من الْبَائِعِ ما لم يَبِعْ ثُمَّ أَعْطَيْته منه شيئا مَجْهُولًا لَا يُرَى بِعَيْنٍ وَلَا يُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُعْرَفُ ما لِلْبَائِعِ فيه مِمَّا لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ من وُجُوهٍ ( قال ) وَلَوْ أشتراه لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ له مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا كان الْبَيْعُ فيه مَفْسُوخًا إذَا كان على ما شَرَطَ في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَدَعَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا اخْتَلَطَ بِهِ من مَالِ الْبَائِعِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ كما لو اشْتَرَى حِنْطَةً جُزَافًا وَشَرَطَ له أنها إنْ انْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَهِيَ دَاخِلَةٌ في الْبَيْعِ فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ لِلْبَائِعِ لم يَبْتَعْهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فيها لِأَنَّ ما اشْتَرَى لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ مِمَّا لم يَشْتَرِ فَيُعْطَى ما أشترى وَيُمْنَعُ ما لم يَشْتَرِ وهو في هذا كُلِّهِ بَائِعُ شَيْءٍ قد كان وَشَيْءٍ لم يَكُنْ غير مَضْمُونٍ على أَنَّهُ إنْ كان دخل في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَدْخُلْ معه وَهَذَا الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في فَسَادِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ نَبَتَ في أَرْضِي بِكَذَا فَإِنْ لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ قَلِيلًا لَزِمَك الثَّمَنُ كان مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ جَاءَنِي من تِجَارَتِي بِكَذَا وَإِنْ لم يَأْتِ لَزِمَك الثَّمَنُ قال وَلَكِنَّهُ لو أشتراه كما وَصَفْت وَتَرَكَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ يُمْكِنُهُ في أَقَلَّ منها كان المشترى منه بِالْخِيَارِ في أَنْ يَدَعَ له الْفَضْلَ الذي له بِلَا ثَمَنٍ أو يَنْقُضَ الْبَيْعَ قال كما يَكُونُ إذَا بَاعَهُ حِنْطَةً جُزَافًا فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُسْلِمَ ما بَاعَهُ وما زَادَ في حِنْطَتِهِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِاخْتِلَاطِ ما بَاعَ بِمَا لم يَبِعْ قال وما أَفْسَدْت فيه الْبَيْعَ فَأَصَابَ الْقَصَبَ فيه آفَةٌ تُتْلِفُهُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ وما أَصَابَتْهُ آفَةٌ تَنْقُصُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ ما نقصة وَالزَّرْعُ لبائعة وَعَلَى كل مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا أَنْ يَرُدَّهُ كما أَخَذَهُ أو خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ وَضَمَانُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ في كل شَيْءٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الشَّيْءِ الْمُصْلِحِ لِغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى كُلُّ صِنْفٍ حَلَّ السَّلَفُ فيه وَحْدَهُ فَخُلِطَ منه شَيْءٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ جِنْسِهِ مِمَّا يَبْقَى فيه فَلَا يُزَايِلُهُ بِحَالٍ سِوَى الْمَاءِ وكان الذي يَخْتَلِطُ بِهِ قَائِمًا فيه وكان مِمَّا يَصْلُحُ فيه السَّلَفُ وَكَانَا مُخْتَلِطَيْنِ لَا يَتَمَيَّزَانِ فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فِيهِمَا من قِبَلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَطَا فلم يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ لم أَدْرِ كَمْ قَبَضْت من هذا وَهَذَا فَكُنْت قد أَسْلَفْت في شَيْءٍ مَجْهُولٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ أُسْلِمَ في عَشْرَةِ ارطال سَوِيقِ لَوْزٍ فَلَيْسَ يَتَمَيَّزُ السُّكَّرُ من دُهْنِ اللَّوْزِ وَلَا اللَّوْزُ إذَا خُلِطَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَيَعْرِفُ الْقَابِضُ الْمُبْتَاعَ كَمْ قَبَضَ من السُّكَّرِ وَدُهْنِ اللَّوْزِ وَاللَّوْزِ فلما كان هَكَذَا كان بَيْعًا مَجْهُولًا وَهَكَذَا إنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في سَوِيقٍ مَلْتُوتٍ مَكِيلٍ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ قَدْرَ السَّوِيقِ من الزَّيْتِ وَالسَّوِيقُ يَزِيدُ
____________________

(3/129)


كَيْلُهُ بِاللُّتَاتِ وَلَوْ كان لَا يَزِيدُ كان فَاسِدًا من قِبَلِ أَنِّي ابْتَعْت سَوِيقًا وَزَيْتًا وَالزَّيْتُ مَجْهُولٌ وَإِنْ كان السَّوِيقُ مَعْرُوفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في أَكْثَرَ من هذا الْمَعْنَى الأولي أَنْ لَا يَجُوزَ أن أَسْلَمَ إلَيْك في فَالُوذَجَ وَلَوْ قُلْت ظَاهِرُ الْحَلَاوَةِ أو ظَاهِرُ الدَّسَمِ لم يَجُزْ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ قَدْرَ النشاسنق ( ( ( النشاستج ) ) ) من الْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالدُّهْنِ الذي فيه سَمْنٌ او غَيْرُهُ وَلَا أَعْرِفُ حَلَاوَتَهُ أَمِنْ عَسَلِ نَحْلٍ كان أو غَيْرِهِ وَلَا من أَيِّ عَسَلٍ وَكَذَلِكَ دَسَمُهُ فَهُوَ لو كان يَعْرِفُ وَيَعْرِفُ السَّوِيقَ الْكَثِيرَ اللُّتَاتِ كان كما يُخَالِطُ صَاحِبَهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ غير مَعْرُوفٍ وفي هذا الْمَعْنَى لو أَسْلَمَ إلَيْهِ في أَرْطَالِ حَيْسٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ التَّمْرِ من الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ ( قال ) وفي مِثْلِ هذا الْمَعْنَى اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْأَبْزَارِ وَالْمِلْحِ وَالْخَلِّ وفي مِثْلِهِ الدَّجَاجُ الْمَحْشُوُّ بِالدَّقِيقِ وَالْأَبْزَارِ أو الدَّقِيقِ وَحْدِهِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَدْخُلُ من الْأَبْزَارِ وَلَا الدَّجَاجِ من الْحَشْوِ لِاخْتِلَافِ أَجْوَافِهَا وَالْحَشْوِ فيها وَلَوْ كان يَضْبِطُ ذلك بِوَزْنٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ إنْ ضَبَطَ وَزْنَ الْجُمْلَةِ لم يَضْبِطْ وَزْنَ ما يَدْخُلُهُ وَلَا كَيْلَهُ ( قال ) وَفِيهِ مَعْنًى يُفْسِدُهُ سِوَى هذا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ نشاستقا ( ( ( نشاستجا ) ) ) جَيِّدًا أو عَسَلًا جَيِّدًا لم يَعْرِفْ جَوْدَةَ النشاستق ( ( ( النشاستج ) ) ) مَعْمُولًا وَلَا الْعَسَلِ مَعْمُولًا لِقَلْبِ النَّارِ له وَاخْتِلَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّهِ أَنَّهُ من شَرْطِهِ هو أَمْ لَا ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في لَحْمٍ مَشْوِيٍّ بِوَزْنٍ أو مَطْبُوخٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في اللَّحْمِ إلَّا مَوْصُوفًا بسمانه وقد تَخْفَى مَشْوِيًّا إذَا لم تَكُنْ سَمَانَةً فَاخِرَةً وقد يَكُونُ أَعْجَفَ فَلَا يَخْلُصُ أَعْجَفُهُ من سَمِينِهِ وَلَا مُنْقِيهِ من سَمِينِهِ إذَا تَقَارَبَ وإذا كان مَطْبُوخًا فَهُوَ أَبْعَدُ أَنْ يَعْرِفَ أَبَدًا سَمِينَهُ لِأَنَّهُ قد يَطْرَحُ أَعْجَفَهُ مع سَمِينِهِ وَيَكُونُ مَوَاضِعُ من سَمِينِهِ لَا يَكُونُ فيها شَحْمٌ وإذا كان مَوْضِعٌ مَقْطُوعٌ من اللَّحْمِ كانت في بَعْضِهِ دلاله على سَمِينِهِ وَمُنْقِيهِ وَأَعْجَفِهِ فَكُلُّ ما أتصل بِهِ منه مِثْلُهُ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في عَيْنٍ على أنها تُدْفَعُ إلَيْهِ مُغَيِّرَةً بِحَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدِلُّ على أنها تِلْكَ الْعَيْنُ اخْتَلَفَ كَيْلُهَا أو لم يَخْتَلِفْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ في صَاعِ حِنْطَةٍ على أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا دَقِيقًا اشْتَرَطَ كَيْلَ الدَّقِيقِ أو لم يَشْتَرِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ جِنْسًا من حِنْطَةٍ وَجَوْدَةٍ فَصَارَتْ دَقِيقًا أَشْكَلَ الدَّقِيقُ من مَعْنَيَيْنِ احدهما أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ المشروطه مائيه فَتُطْحَنُ حِنْطَةٌ تُقَارِبُهَا من حِنْطَةِ الشَّامِ وهو غَيْرُ الْمَائِيِّ وَلَا يُخَلِّصُ هذا وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَكِيلَةَ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ قد يَكْثُرُ إذَا طُحِنَ وَيَقِلُّ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَسْتَوْفِ كَيْلَ الْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فيه قَوْلُ الْبَائِعِ ( قال ) وقد يفسدة غَيْرُنَا من وَجْهٍ آخَرَ من أَنْ يَقُولَ لِطَحْنِهِ إجَارَةٌ لها قِيمَةٌ لم تُسَمَّ في أَصْلِ السَّلَفِ فإذا كانت له إجارة ( ( ( إجازة ) ) ) فَلَيْسَ يَعْرِفُ ثَمَنَ الْحِنْطَةِ من قِيمَةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ سَلَفًا مَجْهُولًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ يَجِدُهُ من أَفْسَدَهُ فيه مَذْهَبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَلَيْسَ هذا كما يُسَلِّفُهُ في دَقِيقٍ مَوْصُوفٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ له حِنْطَةً مَوْصُوفَةً وَشَرَطَ عليه فيها عَمَلًا بِحَالٍ إنَّمَا ضَمِنَ له دَقِيقًا مَوْصُوفًا وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ بِذَرْعٍ يُوصَفْ بِهِ الثِّيَابُ جَازَ وَإِنْ اسلفه في غَزْلٍ مَوْصُوفٍ على أَنْ يَعْمَلَهُ له ثَوْبًا لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ صِفَةَ الْغَزْلِ لَا تُعْرَفُ في الثَّوْبِ وَلَا تُعْرَفُ حِصَّةُ الْغَزْلِ من حِصَّةِ الْعَمَلِ وإذا كان الثَّوْبُ مَوْصُوفًا عُرِفَتْ صِفَتُهُ ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه وكان يَصْلُحُ بِشَيْءٍ منه لَا بِغَيْرِهِ فَشَرَطَهُ مُصْلِحًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كما يُسْلِمُ إلَيْهِ في ثَوْبٍ وُشِيَ أو مُسَيَّرٍ أو غَيْرِهِمَا من صِبْغِ الْغَزْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الصِّبْغَ فيه كَأَصْلِ لَوْنِ الثَّوْبِ في السُّمْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَأَنَّ الصِّبْغَ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الثَّوْبِ في دِقَّةٍ وَلَا صَفَاقَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا كما يَتَغَيَّرُ السَّوِيقُ وَالدَّقِيقُ بِاللُّتَاتِ وَلَا يُعْرَفُ لَوْنُهُمَا وقد يُشْتَرَيَانِ عليه وَلَا طَعْمُهُمَا وَأَكْثَرُ ما يُشْتَرَيَانِ عليه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ على أَنْ يَصْبُغَهُ مُضَرَّجًا من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ التَّضْرِيجِ وَأَنَّ
____________________

(3/130)


من الثِّيَابِ ما يَأْخُذُ من التَّضْرِيجِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ مِثْلُهُ في الذَّرْعِ وَأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على شَيْئَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَوْبٌ وَالْآخَرُ صِبْغٌ فَكَانَ الثَّوْبُ وَإِنْ عُرِفَ مَصْبُوغًا بِجِنْسِهِ قد عَرَفَهُ فَالصِّبْغُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ قَدْرُهُ وهو مُشْتَرًى وَلَا خَيْرَ في مُشْتَرًى إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَلَيْسَ هذا كما يُسْلِمُ في ثَوْبِ عَصْبٍ لِأَنَّ الصِّبْغَ زِينَةٌ له وَأَنَّهُ لم يَشْتَرِ الثَّوْبَ إلَّا وَهَذَا الصِّبْغُ قَائِمٌ فيه قِيَامَ الْعَمَلِ من النَّسْجِ وَلَوْنُ الْغَزْلِ فيه قَائِمٌ لَا يُغَيِّرُهُ عن صِفَتِهِ فإذا كان هَكَذَا جَازَ وإذا كان الثَّوْبُ مُشْتَرًى بِلَا صِبْغٍ ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْغُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّوْبَ وَيَعْرِفَ الصِّبْغَ لم يَجُزْ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ غَزْلَ الثَّوْبِ وَلَا قَدْرَ الصِّبْغِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَهُ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ مَقْصُورًا قِصَارَةً مَعْرُوفَةً أو مَغْسُولًا غَسْلًا نَقِيًّا من دَقِيقِهِ الذي يُنْسَجُ بِهِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ في ثَوْبٍ قد لُبِسَ أو غُسِلَ غَسْلَةً من قِبَلِ أَنَّهُ يَغْسِلُهُ غَسْلَةً بعد ما يُنْهِكُهُ وَقَبْلُ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّ هذا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في حِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ لِأَنَّ الإبتلال لَا يُوقَفُ على حَدِّ ما يُرِيدُ في الْحِنْطَةِ وقد تُغَيَّرُ الْحِنْطَةُ حتى لَا يُوقَفُ على حَدِّ صِفَتِهَا كما يُوقَفُ عليها يَابِسَةً وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في مُجَمَّرٍ مُطَرًّى وَلَوْ وُصِفَ وَزْنٌ التطرية ( ( ( للتطرية ) ) ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَزِنَ التَّطْرِيَةَ فَيَخْلُصُ وَزْنُهَا من وَزْنِ الْعُودِ وَلَا يُضْبَطُ لِأَنَّهُ قد يَدْخُلُهُ الْغَيْرُ بِمَا يَمْنَعُ له الدَّلَالَةَ بالتطرية ( ( ( التطرية ) ) ) له على جَوْدَةِ الْعُودِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الْغَالِيَةِ وَلَا شَيْءٍ من الْأَدْهَانِ التي فيها الْأَثْقَالُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على صِفَتِهِ وَلَا قَدْرِ ما يَدْخُلُ فيه وَلَا يَتَمَيَّزُ ما يَدْخُلُ فيه ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في دُهْنِ حَبِّ الْبَانِ قبل أَنْ يَنُشَّ بِشَيْءٍ وَزْنًا وَأَكْرَهُهُ مَنْشُوشًا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ النَّشِّ منه وَلَوْ وَصَفَهُ بِرِيحٍ كَرِهْته من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الرِّيحِ قال وَأَكْرَهُهُ في كل دُهْنٍ طَيِّبٍ قبل أَنْ يُسْتَوْفَى وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في دُهْنٍ مُطَيِّبٍ أو ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الطِّيبِ كما لَا يُوقَفُ على الْأَلْوَانِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْت فيه أَنَّ أَدْهَانَ الْبُلْدَانِ تَتَفَاضَلُ في بَقَاءِ طَيْفِ الرِّيحِ على الْمَاءِ وَالْعَرَقِ وَالْقَدَمِ في الْحُنُوِّ وَغَيْرِهِ وَلَوْ شَرَطَ دُهْنَ بَلَدٍ كان قد نَسَبَهُ فَلَا يَخْلُصُ كما تَخْلُصُ الثِّيَابُ فَتُعْرَفُ بِبُلْدَانِهَا المجسية وَاللَّوْنُ وَغَيْرُ ذلك قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَهُ في طَسْتٍ أو تَوْرٍ من نُحَاسٍ أَحْمَرَ أو أَبْيَضَ أو شَبَهٍ أو رَصَاصٍ أو حَدِيدٍ وَيَشْتَرِطُهُ بِسَعَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَمَضْرُوبًا أو مُفَرَّغًا وَبِصَنْعَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَيَصِفُهُ بِالثَّخَانَةِ أو الرِّقَّةِ وَيَضْرِبُ له أَجَلًا كَهُوَ في الثِّيَابِ وإذا جاء بِهِ على ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ لَزِمَهُ ولم يَكُنْ له رَدُّهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ من جِنْسٍ وَاحِدٍ ضُبِطَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ كَالطَّسْتِ وَالْقُمْقُمِ قال وَلَوْ كان يَضْبِطُ أَنْ يَكُونَ مع شَرْطِ السَّعَةِ وَزْنٌ كان أَصَحَّ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ وَزْنًا صَحَّ إذَا اشْتَرَطَ سَعَةً كما يَصِحُّ أَنْ يَبْتَاعَ ثَوْبًا بِصَنْعَةٍ وَشَيْءٍ وَغَيْرِهِ بِصِفَةٍ وَسَعَةٍ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ وَهَذَا شِرَاءُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا وَتَكُونَ على ما وَصَفْت ( قال ) وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ له طَسْتًا من نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ أو نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُصَانِ فَيَعْرِفُ قَدْرَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ هذا كَالصِّبْغِ في الثَّوْبِ لِأَنَّ الصِّبْغَ في ثَوْبِهِ زِينَةٌ لَا يُغَيِّرُهُ أَنْ تُضْبَطَ صِفَتُهُ وَهَذَا زِيَادَةٌ في نَفْسِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ قال وَهَكَذَا كُلُّ ما اُسْتُصْنِعَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في قَلَنْسُوَةٍ مَحْشُوَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضْبِطُ وَزْنَ حَشْوِهَا وَلَا صِفَتَهُ وَلَا يُوقَفُ على حَدِّ بِطَانَتِهَا وَلَا تُشْتَرَى هذه إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَهُ في خُفَّيْنِ وَلَا نَعْلَيْنِ مَخْرُوزَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يُوصَفَانِ بِطُولٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا تُضْبَطُ جُلُودُهُمَا وَلَا ما يَدْخُلُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ في هذا أَنْ يَبْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ وَيَسْتَأْجِرَ على الْحَذْوِ وَعَلَى خَرَّازِ الْخُفَّيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ منه صِحَافًا أو قِدَاحًا من نَحْوٍ مَعْرُوفٍ وَبِصِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَقَدْرٍ مَعْرُوفٍ من الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْعُمْقِ وَالضِّيقِ وَيَشْتَرِطَ أَيَّ عَمَلٍ وَلَا بَأْسَ إنْ كانت من قَوَارِيرَ وَيَشْتَرِطَ جِنْسَ قَوَارِيرِهَا وَرِقَّتَهُ وَثَخَانَتَهُ وَلَوْ كانت الْقَوَارِيرُ بِوَزْنٍ مع الصِّفَةِ كان أَحَبَّ
____________________

(3/131)


إلى وَأَصَحَّ لِلسَّلَفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما عَمِلَ فلم يُخْلَطْ بِغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُخْلَطُ بِغَيْرِهِ النَّبْلُ فيها رِيشٌ وَنِصَالٌ وَعَقْبٌ وَرُومَةٌ وَالنِّصَالُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ فَأَكْرَهُ السَّلَفَ فيه وَلَا أُجِيزُهُ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ آجُرًّا بِطُولٍ وَعَرْضٍ وَثَخَانَةٍ وَيَشْتَرِطُ من طِينٍ مَعْرُوفٍ وَثَخَانَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَلَوْ شَرَطَ مَوْزُونًا كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا هو بَيْعُ صِفَةٍ وَلَيْسَ يُخْلَطُ بِالطِّينِ غَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ الطِّينُ غير مَعْرُوفِ الْقَدْرَ منه إنَّمَا هو يَخْلِطُهُ الْمَاءَ وَالْمَاءُ مُسْتَهْلَكٌ فيه وَالنَّارُ شَيْءٌ ليس منه وَلَا قَائِمٌ فيه إنَّمَا لها فيه أَثَرُ صَلَاحٍ وَإِنَّمَا بَاعَهُ بِصِفَةٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبْتَاعَ منه لَبِنًا على أَنْ يَطْبُخَهُ فَيُوَفِّيهِ إيَّاهُ آجُرًّا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَذْهَبُ في طَبْخِهِ من الْحَطَبِ وَأَنَّهُ قد يَتَلَهْوَجُ وَيَفْسُدُ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ على الْمُشْتَرِي كنا قد أَبْطَلْنَا شيئا أستوجبه وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ أَلْزَمْنَاهُ بِغَيْرِ ما شَرَطَ لِنَفْسِهِ - * بَابُ السَّلَفِ يَحِلُّ فَيَأْخُذُ الْمُسَلِّفُ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْضَ سَلَفِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من سَلَّفَ ذَهَبًا في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فَحَلَّ السَّلَفُ فإنما ( ( ( قائما ) ) ) له طَعَامٌ في ذِمَّةِ بَائِعِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِهِ كُلِّهِ حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كما يَتْرُكُ سَائِرَ حُقُوقِهِ إذَا شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بَعْضَهُ وَأَنْظَرَهُ بِبَعْضٍ وَإِنْ شَاءَ أَقَالَهُ منه كُلِّهِ وإذا كان له أَنْ يُقِيلَهُ من كُلِّهِ إذَا اجْتَمَعَا على الإقاله كان له إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يُقِيلَهُ من بَعْضِهِ فَيَكُونُ ما أَقَالَهُ منه كما لم يَتَبَايَعَا فيه وما لم يُقِلْهُ منه كما كان لَازِمًا له بِصِفَتِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا فَرْقَ بين السَّلَفِ في هذا وَبَيْنَ طَعَامٍ له عليه من وَجْهٍ غَيْرِ السَّلَفِ وقال وَلَكِنْ إنْ حَلَّ له طَعَامٌ فقال أُعْطِيك مَكَانَ مالك من الطَّعَامِ على طَعَامًا غَيْرَهُ أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ لم يَجُزْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَإِنَّمَا لِهَذَا الْمُسَلِّفِ طَعَامٌ فإذا أَخَذَ غَيْرَهُ بِهِ فَقَدْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وإذا أَقَالَهُ منه أو من بَعْضِهِ فالإقاله لَيْسَتْ بِبَيْعٍ إنَّمَا هِيَ نَقْضُ بَيْعٍ تَرَاضَيَا بِنَقْضِ الْعُقْدَةِ الْأُولَى التي وَجَبَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في هذا فَالْقِيَاسُ والمعقول ( ( ( لمعقول ) ) ) مكتفي بِهِ فيه فَإِنْ قال فَهَلْ فيه أَثَرٌ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بن دِينَارٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقْبَلَ رَأْسَ مَالِهِ منه أو يُنْظِرَهُ أو يَأْخُذَ بَعْضَ السِّلْعَةِ وَيُنْظِرَهُ بِمَا بَقِيَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَسْلَفْت دِينَارًا في عَشْرَةِ أَفْرَاقٍ فَحَلَّتْ أَفَأَقْبِضُ منه إنْ شِئْت خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ وَأَكْتُبُ نِصْفَ الدِّينَارِ عليه دَيْنًا فقال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِأَنَّهُ إذَا أَقَالَهُ منه فَلَهُ عليه رَأْسُ مَالِ ما أَقَالَهُ منه وَسَوَاءٌ أنتقده أو تَرَكَهُ لِأَنَّهُ لو كان عليه مَالٌ حَالٌّ جَازَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَنْ يُنْظِرَهُ بِهِ مَتَى شَاءَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْضًا طَعَامًا أو يَأْخُذَ بَعْضًا طَعَامًا وَيَكْتُبَ ما بَقِيَ من رَأْسِ الْمَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن سَلَمَةَ بن مُوسَى عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال ذلك الْمَعْرُوفُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ طَعَامًا وَبَعْضَهُ دَنَانِيرَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ رَجُلٌ أَسْلَفَ بَزًّا في طَعَامٍ فَدَعَا إلَى ثَمَنِ الْبَزِّ يَوْمَئِذٍ فقال لَا إلَّا رَأْسَ مَالِهِ أو بَزَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ عَطَاءٍ في الْبَزِّ أَنْ لَا يُبَاعَ الْبَزُّ أَيْضًا حتى يُسْتَوْفَى فَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ مَذْهَبَ الطَّعَامِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ طَعَامٌ أَسْلَفْت فيه فَحَلَّ فَدَعَانِي إلَى طَعَامٍ غَيْرِهِ فَرَّقَ بِفَرْقٍ ليس لِلَّذِي يُعْطِينِي على الذي كان لي عليه فَضْلٌ قال
____________________

(3/132)


لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ليس ذلك بِبَيْعٍ إنَّمَا ذلك قَضَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّفَهُ في صِفَةٍ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فإذا جَاءَهُ بِصِفَتِهِ فَإِنَّمَا قَضَاهُ حَقَّهُ قال سَعِيدُ بن سَالِمٍ وَلَوْ أَسْلَفَهُ في بُرِّ الشَّامِ فَأَخَذَ منه بُرًّا غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا كَتَجَاوُزِهِ في ذَهَبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كما قال سَعِيدٌ قال وَلَكِنْ لو حَلَّتْ له مِائَةٌ فَرْقٍ اشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ بها أَلْفَ دِرْهَمٍ لم يَجُزْ ولم يَجُزْ فيه إلَّا إقَالَتُهُ فإذا أَقَالَهُ صَارَ له عليه رَأْسُ مَالِهِ فإذا بريء من الطَّعَامِ وَصَارَتْ له عليه ذَهَبٌ تَبَايَعَا بَعْدُ بِالذَّهَبِ ماشاءا وتقابضا ( ( ( شاء ) ) ) قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من غرض ( ( ( عرض ) ) ) أو غَيْرِهِ - * بَابُ صَرْفِ السَّلَفِ إلَى غَيْرِهِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال رُوِيَ عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا قَالَا من سَلَّفَ في بَيْعٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ قال وَهَذَا كما رُوِيَ عنهما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ اُبْتِيعَ حتى يُقْبَضَ وهو مُوَافِقٌ قَوْلَنَا في كل بَيْعٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حتى يُسْتَوْفَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً وَنَقَدَ ثَمَنَهَا فلما رَآهَا لم يَرْضَهَا فَأَرَادَا أَنْ يُحَوِّلَا بَيْعَهُمَا في سِلْعَةٍ غَيْرِهَا قبل أَنْ يَقْبِضَ منه الثَّمَنَ قال لَا يَصْلُحُ قال كَأَنَّهُ جَاءَهُ بها على غَيْرِ الصِّفَةِ وَتَحْوِيلُهُمَا بَيْعَهُمَا في سِلْعَةٍ غَيْرِهَا بَيْعٌ لِلسِّلْعَةِ قبل أَنْ تُقْبَضَ قال وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا دَرَاهِمَ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَأَسْلَفَهُ صَاحِبُهُ دَرَاهِمَ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَصِفَةُ الْحِنْطَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَمَحِلُّهُمَا وَاحِدٌ أو مُخْتَلِفٌ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ مِائَةُ صَاعٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَى ذلك الْأَجَلِ وَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قِصَاصًا من الْآخَرِ من قِبَلِ أَنِّي لو جَعَلْت الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ قِصَاصًا كان بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّ دَفْعَهُمَا في يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَسِيئَةٌ وَمَنْ أَسْلَفَ في طَعَامٍ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ فَحَلَّ السَّلَفُ فقال الذي له السَّلَفُ كُلُّ طَعَامِي أوزنه ( ( ( زنه ) ) ) وأعزله عِنْدَك حتى آتِيَك فَأَنْقُلُهُ فَفَعَلَ فَسُرِقَ الطَّعَامُ فَهُوَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ هذا قَبْضًا من رَبِّ الطَّعَامِ وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ حتى يَقْبِضَ أو يَقْبِضَهُ وَكِيلٌ له فَيَبْرَأُ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ حِينَئِذٍ - * بَابُ الْخِيَارِ في السَّلَفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ في السَّلَفِ لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَبْتَاعُ مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْقُدُكَهَا مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا إلَى شَهْرٍ على أَنِّي بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَفَرُّقِنَا من مَقَامِنَا الذي تَبَايَعْنَا فيه أو أنت بِالْخِيَارِ أو كِلَانَا بِالْخِيَارِ لم يَجُزْ فيه الْبَيْعُ كما يَجُوزُ أَنْ يَتَشَارَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا في بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَكَذَلِكَ لو قال ابتاع مِنْك مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا بِمِائَةِ دِينَارٍ على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا إنْ رَضِيتَ أَعْطَيْتُك الدَّنَانِيرَ وَإِنْ لم أَرْضَ فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَك مَفْسُوخٌ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ مَوْصُوفٌ وَالْبَيْعُ الْمَوْصُوفُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ ثَمَنَهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا لِأَنَّ قَبْضَهُ ما سَلَّفَ فيه قَبْضُ مِلْكٍ وهو لو قَبَضَ مَالَ الرَّجُلِ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لم يَكُنْ قَبْضُهُ قَبْضَ مِلْكٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنْ كان لِلْمُشْتَرِي فلم يَمْلِكْ الْبَائِعُ ما دَفَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كان لِلْبَائِعِ فلم يُمَلِّكْهُ الْبَائِعُ ما بَاعَهُ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه إلَّا مَقْطُوعًا بِلَا خِيَارٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ صَاعٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فإذا حَلَّ الْأَجَلُ فَاَلَّذِي عليه الطَّعَامُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يعطيه ( ( ( يعطه ) ) ) ما أَسْلَفَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ حتى يَكُونَ الْبَيْعُ مَقْطُوعًا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ حَبَسْتَنِي عن رَأْسِ مَالِي فَلِي زِيَادَةُ كَذَا فَلَا يَجُوزُ شَرْطَانِ حتى يَكُونَ الشَّرْطُ فِيهِمَا وَاحِدًا مَعْرُوفًا
____________________

(3/133)


- * بَابُ ما يَجِبُ لِلْمُسَلِّفِ على الْمُسَلَّفِ من شَرْطِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَحْضَرَ الْمُسَلِّفُ السِّلْعَةَ التي أَسْلَفَ فَكَانَتْ طَعَامًا فَاخْتَلَفَا فيه دعى ( ( ( دعا ) ) ) له أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كان شَرَطَ الْمُشْتَرِي طَعَامًا جَيِّدًا جَدِيدًا قِيلَ هذا جَيِّدٌ جَدِيدٌ فَإِنْ قالوا نعم قِيلَ وَيَقَعُ عليه اسْمُ الجوده فَإِنْ قالوا نعم لَزِمَ الْمُسَلَّفَ أَخْذُ أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ من الجوده وَغَيْرِهَا وَيَبْرَأُ الْمُسَلِّفُ وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ أَخْذُهُ وَهَكَذَا هذا في الثِّيَابِ يُقَالُ هذا ثَوْبٌ من وَشْيِ صَنْعَاءَ وَالْوَشْيُ الذي يُقَالُ له يُوسُفِيٌّ وَبِطُولِ كَذَا وَبِعَرْضِ كَذَا وَدَقِيقٌ أو صَفِيقٌ أو جَيِّدٌ أو هُمَا وَيَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ فإذا قالوا نعم فَأَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ يَبْرَأُ منه الذي سَلَّفَ فيه وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ وَيُقَالُ في الدَّقِيقِ من الثِّيَابِ وَكُلُّ شَيْءٍ هَكَذَا إذَا أَلْزَمَهُ في كل صِنْفٍ منه صِفَةً وَجَوْدَةً فَأَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ من دِقَّةٍ وَغَيْرِهَا وَاسْمُ الْجَوْدَةِ يُبْرِئُهُ منه وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَهُ رَدِيئًا فَالرَّدِيءُ يَلْزَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال إذَا أَسْلَفْت فَإِيَّاكَ إذَا حَلَّ حَقُّك بِاَلَّذِي سَلَّفْت فيه كما اشْتَرَطْت وَنَقَدْت فَلَيْسَ لَك خِيَارٌ إذَا أَوْفَيْت شَرْطَك وَبَيْعَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأن جاء بِهِ على غَايَةٍ من الْجَوْدَةِ أَكْثَرَ من أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيمَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ خَيْرٌ له إلَّا في مَوْضِعٍ سَأَصِفُ لَك منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * بَابُ إختلاف الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالسَّلَفِ إذَا رَآهُ الْمُسَلَّفُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لو أَنَّ رَجُلًا سَلَّفَ رَجُلًا ذَهَبًا في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ حِنْطَةٍ أو زَبِيبٍ أو تَمْرٍ أو شَعِيرٍ أو غَيْرِهِ فَكَانَ أَسْلَفَهُ في صِنْفٍ من التَّمْرِ رَدِيءٍ فَأَتَاهُ بِخَيْرٍ من الرَّدِيءِ أو جَيِّدٍ فَأَتَاهُ بِخَيْرٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْجَيِّدِ بَعْدَ أَنْ لَا يَخْرُجَ من جِنْسِ ما سَلَّفَهُ فيه إنْ كان عَجْوَةً أو صَيْحَانِيًّا أو غَيْرَهُ لَزِمَ الْمُسَلَّفَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ الرَّدِيءَ لَا يُغْنِي غَنَاءً إلَّا أَغْنَاهُ الْجَيِّدُ وكان فيه فَضْلٌ عنه وَكَذَلِكَ إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الجوده فَأَعْطَاهُ أَعْلَى منها فَالْأَعْلَى يُغْنِي أَكْثَرَ من غَنَاءِ الْأَسْفَلِ فَقَدْ أعطى خَيْرًا مِمَّا لَزِمَهُ ولم يَخْرُجْ له مِمَّا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْجَيِّدِ فَيَكُونُ أَخْرَجَهُ من شَرْطِهِ إلَى غَيْرِ شَرْطِهِ فإذا فَارَقَ الِاسْمَ أو الْجِنْسَ لم يُجْبَرْ عليه وكان مُخَيَّرًا في تَرْكِهِ وَقَبْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا الْقَوْلُ في كل صِنْفٍ من الزَّبِيبِ وَالطَّعَامِ الْمَعْرُوفِ كَيْلُهُ قال وَبَيَانُ هذا الْقَوْلِ أَنَّهُ لو أَسْلَفَهُ في عَجْوَةٍ فأعطاة بَرْدِيًّا وهو خَيْرٌ منها أَضْعَافًا لم أُجْبِرْهُ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْجِنْسِ الذي اسلفه فيه قد يُرِيدُ الْعَجْوَةَ لِأَمْرٍ لَا يَصْلُحُ له الْبَرْدِيُّ وَهَكَذَا الطَّعَامُ كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ أجناسة لِأَنَّ هذا أَعْطَاهُ غير شَرْطِهِ وَلَوْ كان خَيْرًا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا الْعَسَلُ وَلَا يُسْتَغْنَى في الْعَسَلِ عن أَنْ يَصِفَهُ بِبَيَاضٍ أو صُفْرَةٍ أو خُضْرَةٍ لِأَنَّهُ يَتَبَايَنُ في أَلْوَانِهِ في الْقِيمَةِ وَهَكَذَا كُلُّ ما له لَوْنٌ يَتَبَايَنُ بِهِ ما خَالَفَ لَوْنَهُ من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ قال وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا عَرَضًا في فِضَّةٍ بَيْضَاءَ جَيِّدَةٍ فَجَاءَ بِفِضَّةٍ بَيْضَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ عليه أَدْنَى اسْمِ الْجَوْدَةِ أو سَلَّفَهُ عَرَضًا في ذَهَبٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ فَجَاءَ بِذَهَبٍ أَحْمَرَ أَكْثَرَ من أَدْنَى ما يَقَعُ عليه أَدْنَى اسْمِ الْجَوْدَةِ لَزِمَهُ وَكَذَا لو سَلَّفَهُ في صُفْرٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ فَجَاءَهُ بِأَحْمَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ عليه أَقَلُّ اسْمِ الْجَوْدَةِ لَزِمَهُ وَلَكِنْ لو سَلَّفَهُ في صُفْرٍ أَحْمَرَ فَأَعْطَاهُ أَبْيَضَ وَالْأَبْيَضُ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له الْأَحْمَرُ لم يَلْزَمْهُ إذَا اخْتَلَفَ اللَّوْنَانِ فِيمَا يَصْلُحُ له أَحَدُ اللَّوْنَيْنِ وَلَا يَصْلُحُ له الْآخَرُ لم يَلْزَمْهُ المشتري إلَّا ما يَلْزَمُهُ اسْمُ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا تَتَبَايَنُ فيه الْأَثْمَانُ بِالْأَلْوَانِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ إلَّا ما يَلْزَمُهُ بِصِفَةِ
____________________

(3/134)


ما سَلَّفَ فيه فَأَمَّا ما لَا تَتَبَايَنُ فيه بِالْأَلْوَانِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ له المشتري فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَغْنَى فيه من الْآخَرِ وَلَا أَكْثَرَ ثَمَنًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ لِاسْمِهِ فَلَا أَنْظُرُ فيه إلَى الْأَلْوَانِ - * بَابُ ما يَلْزَمُ في السَّلَفِ مِمَّا يُخَالِفُ الصِّفَةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَلَّفَهُ في ثَوْبٍ مروى ثَخِينٍ فَجَاءَ بِرَقِيقٍ أَكْثَرَ ثَمَنًا من ثَخِينٍ لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِأَنَّ الثَّخِينَ يُدَفِّئُ أَكْثَرَ مِمَّا يُدَفِّئُ الرَّقِيقُ وَرُبَّمَا كان أَكْثَرَ بَقَاءً من الرَّقِيقِ وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِصِفَتِهِ خَارِجٌ منها قال وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في عَبْدٍ بِصِفَةٍ وقال وَضِيءٌ فَجَاءَهُ بِأَكْثَرَ من صِفَتِهِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ وَضِيءٍ لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِمُبَايَنَتِهِ من أَنَّهُ ليس بِوَضِيءٍ وَخُرُوجُهُ من الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في عَبْدٍ بِصِفَةٍ فقال غَلِيظٌ شَدِيدُ الْخَلْقِ فَجَاءَ بِوَضِيءٍ ليس بِشَدِيدِ الْخَلْقِ أَكْثَرَ منه ثَمَنًا لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الشَّدِيدَ يُغْنِي غير غَنَاءِ الْوَضِيءِ وَلِلْوَضِيءِ ثَمَنٌ أَكْثَرُ منه وَلَا أُلْزِمُهُ أَبَدًا خَيْرًا من شَرْطِهِ حتى يَكُونَ مُنْتَظِمًا لِصِفَتِهِ زَائِدًا عليها فَأَمَّا إذَا زَادَ عليها في الْقِيمَةِ وَقَصُرَ عنها في بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ أو كان هذا خَارِجًا منها بِالصِّفَةِ فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ما شَرَطَ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في حِنْطَةِ أَرْضِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا بِصِفَةٍ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تُصِيبُهَا في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه السَّلَفُ فَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يُعْطِيَهُ صِفَتَهُ من غَيْرِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عليها وَيَكُونُ قد انْتَفَعَ بِمَالِهِ في أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَالْبَيْعُ ضَرْبَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَبَيْعُ صِفَةٍ إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِ أَجَلٍ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً على الْبَائِعِ فإذا بَاعَهُ صِفَةً من عَرَضٍ بِحَالٍّ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ منها من حَيْثُ شَاءَ قال وإذا كان خَارِجًا من الْبُيُوعِ التي أَجَزْت كان بَيْعُ ما لَا يَعْرِفُ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا ثَمَرُ حَائِطِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَنِتَاجُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقَرْيَةٌ بِعَيْنِهَا غَيْرِ مَأْمُونَةٍ وَنَسْلُ مَاشِيَةٍ بِعَيْنِهَا فإذا شَرَطَ الْمُسَلِّفُ من ذلك ما يَكُونُ مَأْمُونًا أَنْ يَنْقَطِعَ أَصْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه جَازَ وإذا شَرَطَ الشَّيْءَ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنْ لَا يُؤْمَنَ إنقطاع أَصْلِهِ لم يَجُزْ قال وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ في لَبَنِ مَاشِيَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَبِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ لم يَجُزْ وَإِنْ أَخَذَ في كَيْلِهِ وَحَلْبِهِ من سَاعَتِهِ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تَأْتِي عليه قبل أَنْ يَفْرُغَ من جَمِيعِ ما أَسْلَفَ فيه وَلَا نُجِيزُ في شَيْءٍ من هذا إلَّا كما وَصَفْت لَك في أَنْ يَكُونَ بَيْعَ عَيْنٍ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا شيئا غَيْرَهَا إنْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ أو بَيْعُ صِفَةٍ مَأْمُونَةٍ أَنْ تَنْقَطِعَ من أَيْدِي الناس في حِينِ مَحِلِّهِ فَأَمَّا ما كان قد يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس فَالسَّلَفُ فيه فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ رَدَّهُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ مثله إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتَهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَرَجَعَ بِرَأْسِ مَالِهِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ إختلاف الْمُسَلِّفِ وَالْمُسَلَّفِ في السَّلَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُسَلِّفُ وَالْمُسَلَّفُ في السَّلَمِ فقال الْمُشْتَرِي أَسْلَفْتُك مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ وقال الْبَائِعُ أَسْلَفْتَنِي مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ أُحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ ما بَاعَهُ بِالْمِائَةِ التي قَبَضَ منه إلَّا مِائَةَ صَاعٍ فإذا حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْت فَلَكَ عليه المئة ( ( ( المائة ) ) ) الصَّاعِ التي أَقَرَّ بها وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ
____________________

(3/135)


ما ابْتَعْت منه مِائَةَ صَاعٍ وقد كان بَيْعُك مِائَتَيْ صَاعٍ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَيْك أَنَّهُ مَلَكَ عَلَيْك الْمِائَةَ الدِّينَارِ بِالْمِائَةِ الصَّاعِ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ فَإِنْ حَلَفَ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَفَا فِيمَا اشْتَرَى منه فقال اسلفتك مِائَتَيْ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعٍ تَمْرًا وقال بَلْ اسلفتني في مِائَةِ صَاعٍ ذُرَةً أو قال اسلفتك في مِائَةِ صَاعٍ بردى ( ( ( برديا ) ) ) وقال بَلْ اسلفتني في مِائَةِ صَاعٍ عَجْوَةً أو قال اسلفتك في سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ وقال الْآخَرُ بَلْ اسلفتني في سِلْعَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ كان الْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت لَك يَحْلِفُ الْبَائِعُ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ بين أَنْ يَأْخُذَ بِمَا أَقَرَّ له الْبَائِعُ بِلَا يَمِينٍ أو يَحْلِفَ فَيَبْرَأُ من دَعْوَى الْبَائِعِ وَيَتَفَاسَخَانِ ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ أَخَذَهُ الْمُبْتَاعُ وقد نَاكَرَهُ الْبَائِعُ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ قال الْبَائِعُ حَلَّ له أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ له إذَا أَنْكَرَهُ وَالسَّلَفُ يَنْفَسِخُ بَعْدَ أَنْ يَتَصَالَحَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو تَصَادَقَا في السِّلْعَةِ وَاخْتَلَفَا في الْأَجَلِ فقال الْمُسَلَّفُ هو إلَى سَنَةٍ وقال الْبَائِعُ هو إلَى سَنَتَيْنِ حَلَفَ الْبَائِعُ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ رضي وَإِلَّا حَلَفَ وَتَفَاسَخَا فَإِنْ كان الثَّمَنُ في هذا كُلِّهِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ رَدَّ مِثْلَهَا أو طَعَامًا رَدَّ مثله فَإِنْ لم يُوجَدْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَكَذَلِكَ لو كان سَلَّفَهُ سِلْعَةً غير مَكِيلَةٍ وَلَا مَوْزُونَةٍ فَفَاتَتْ رَدَّ قِيمَتَهَا قال وَهَكَذَا الْقَوْلُ في بُيُوعِ الْأَعْيَانِ إذَا اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ أو في الْأَجَلِ أو اخْتَلَفَا في السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفٍ وَاسْتَهْلَكْت الْعَبْدَ وقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته مِنْك بِخَمْسِمِائَةٍ وقد هَلَكَ الْعَبْدُ تَحَالَفَا وَرَدَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ كانت أَقَلَّ من الْخَمْسِمِائَةِ أو أَكْثَرَ من أَلْفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَفَا فيه من كَيْلٍ وَجَوْدَةٍ وَأَجَلٍ قال وَلَوْ تَصَادَقَا على الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ فقال الْبَائِعُ لم يَمْضِ من الْأَجَلِ شَيْءٌ أو قال مَضَى منه شَيْءٌ يَسِيرٌ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ قد مَضَى كُلُّهُ أو لم يَبْقَ منه إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَنْفَسِخُ بَيْعُهُمَا في هذا من قِبَلِ تَصَادُقِهِمَا على الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرَى وَالْأَجَلِ فَأَمَّا ما يَخْتَلِفَانِ فيه في أَصْلِ الْعَقْدِ فيقول الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت إلَى شَهْرٍ وَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ من قِبَلِ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَفْسَخُ الْعُقْدَةَ وَالْأَوَّلَانِ لم يَخْتَلِفَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فقال الْأَجِيرُ قد مَضَتْ وقال الْمُسْتَأْجِرُ لم تَمْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى الْأَجِيرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِشَيْءٍ يدعى الْمَخْرَجَ منه - * بَابُ السَّلَفِ في السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً أو غَائِبَةً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ في سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا على أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ بَعْدَ يَوْمٍ أو أَكْثَرَ كان السَّلَفُ فَاسِدًا وَلَا تَجُوزُ بُيُوعُ الْأَعْيَانِ على أنها مضمونه على بَائِعِهَا بِكُلِّ حَالٍّ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ من فَوْتِهَا وَلَا بِأَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِهَا السَّبِيلُ على أَخْذِهَا مَتَى شَاءَ هو لَا يَحُولُ بَائِعُهَا دُونَهَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهَا وكان إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ في ذلك الْوَقْتِ وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قد اشْتَرَى غير مَضْمُونٍ على الْبَائِعِ بِصِفَةٍ مَوْجُودَةٍ بِكُلِّ حَالٍ يُكَلِّفُهَا بَائِعُهَا وَلَا مَلَّكَهُ الْبَائِعُ شيئا بِعَيْنِهِ يَتَسَلَّطُ على قَبْضِهِ حين وَجَبَ له وَقَدَرَ على قَبْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يَتَكَارَى منه رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا مُعَجَّلَةَ الْكِرَاءِ على أَنْ يَرْكَبَهَا بَعْدَ يَوْمٍ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ وَيُصِيبُهَا ما لَا يَكُونُ فيها رُكُوبٌ معه وَلَكِنْ يُسَلِّفُهُ على أَنْ يَضْمَنَ له حُمُولَةً مَعْرُوفَةً وَبُيُوعُ الْأَعْيَانِ لَا تَصْلُحُ إلَى أَجَلٍ إنَّمَا الْمُؤَجَّلُ ما ضَمِنَ من الْبُيُوعِ بِصِفَةٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك جَارِيَتِي هذه بِعَبْدِك هذا على أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ عَبْدَك بَعْدَ شَهْرٍ لِأَنَّهُ قد يَهْرُبُ وَيَتْلَفُ وَيَنْقُصُ إلَى شَهْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفَسَادُ هذا خُرُوجُهُ من بَيْعِ الْمُسْلِمِينَ وما وَصَفْت وَأَنَّ الثَّمَنَ فيه غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّ
____________________

(3/136)


الْمَعْلُومَ ما قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أو تَرَكَ قَبْضَهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحُولَ دُونَهُ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ أَبِيعَك عَبْدِي هذا أو أَدْفَعَهُ إلَيْك بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ أو عَبْدَيْنِ أو بَعِيرٍ أو بَعِيرَيْنِ أو خَشَبَةٍ أو خَشَبَتَيْنِ إذَا كان ذلك مَوْصُوفًا مَضْمُونًا لِأَنَّ حَقِّي في صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على الْمُشْتَرِي لَا في عَيْنٍ تَتْلَفُ أو تَنْقُصُ أو تَفُوتُ فَلَا تَكُونُ مضمونه عليه - * بَابُ إمتناع ذِي الْحَقِّ من أَخْذِ حَقِّهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَّ حَقُّ الْمُسَلِّمِ وَحَقُّهُ حَالٌّ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَدَعَا الذي عليه الْحَقُّ الذي له الْحَقُّ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ فَامْتَنَعَ الذي له الْحَقُّ فَعَلَى الْوَالِي جَبْرُهُ على أَخْذِ حَقِّهِ لِيَبْرَأَ ذُو الدَّيْنِ من دَيْنِهِ وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ ما له عليه غير مُنْتَقَصٍ له بِالْأَدَاءِ شيئا وَلَا مُدْخِلَ عليه ضَرَرًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْحَقِّ أَنْ يُبْرِئَهُ من حَقِّهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَيَبْرَأُ بِإِبْرَائِهِ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ دَعَاهُ إلَى أَخْذِهِ قبل مَحِلِّهِ وكان حَقُّهُ ذَهَبًا أو فِضَّةً أو نُحَاسًا أو تِبْرًا أو عَرَضًا غير مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ وَلَا ذِي رُوحٍ يَحْتَاجُ إلَى الْعَلَفِ أو النَّفَقَةِ جَبَرْتُهُ على أَخْذِ حَقِّهِ منه إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ لِأَنَّهُ قد جَاءَهُ بِحَقِّهِ وَزِيَادَةِ تَعْجِيلِهِ قبل مَحِلِّهِ وَلَسْتُ أَنْظُرُ في هذا إلَى تَغَيُّرِ قِيمَتِهِ فَإِنْ كان يَكُونُ في وَقْتِهِ أَكْثَرَ قِيمَةً أو أَقَلَّ قُلْت لِلَّذِي له الْحَقُّ إنْ شِئْت حَبَسْته وقد يَكُونُ في وَقْتِ أَجَلِهِ أَكْثَرَ قيمة منه حين يَدْفَعُهُ وَأَقَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قُلْت أُخْبِرْنَا أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ كَاتَبَ غُلَامًا له على نُجُومٍ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الْمُكَاتَبُ تَعْجِيلَهَا لِيُعْتَقَ فَامْتَنَعَ أَنَسٌ من قَبُولِهَا وقال لَا آخُذُهَا إلَّا عِنْدَ مَحِلِّهَا فَأَتَى الْمُكَاتَبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فذكر ذلك له فقال عُمَرُ إنَّ أَنَسًا يُرِيدُ الْمِيرَاثَ فَكَانَ في الحديث فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِأَخْذِهَا منه وَأَعْتَقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يُشْبِهُ الْقِيَاسَ ( قال ) وَإِنْ كان ما سَلَّفَ فيه مَأْكُولًا أو مَشْرُوبًا لَا يُجْبَرُ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ جَدِيدًا في وَقْتِهِ الذي سَلَّفَ إلَيْهِ فَإِنْ عَجَّلَهُ تَرَكَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ متغيرا ( ( ( متغير ) ) ) بِالْقِدَمِ في غَيْرِ الْوَقْتِ الذي أَرَادَ أَكْلَهُ او شُرْبَهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان حَيَوَانًا لَا غَنَاءَ بِهِ عن الْعَلَفِ أو الرَّعْيِ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ قبل مَحِلِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فيه مُؤْنَةُ الْعَلَفِ أو الرَّعْيِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى وَقْتِهِ فَدَخَلَ عليه بَعْضُ مُؤْنَةٍ وَأَمَّا ما سِوَى هذا من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتِّبْرِ كُلِّهِ وَالثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذلك فإذا دَفَعَهُ بريء منه وَجُبِرَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ على أَخْذِهِ من الذي هو له عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا أَعْلَمُهُ يَجُوزُ فيه غَيْرُ ما وَصَفْت أو أَنْ يُقَالَ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ على أَخْذِ شَيْءٍ هو له حتى يَحِلَّ له فَلَا يُجْبَرُ على دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ حتى يَحِلَّ له وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ لَا حِرْزَ له وَيَكُونُ مُتْلِفًا لِمَا صَارَ في يَدَيْهِ فَيَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا على مَلِيءٍ من أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ فَيَتْلَفُ من يَدَيْهِ بِوُجُوهٍ منها ما ذَكَرْتُ وَمِنْهَا أَنْ يَتَقَاضَاهُ ذُو دَيْنٍ أو يَسْأَلَهُ ذُو رَحِمٍ لو لم يَعْلَمْ ما صَارَ إلَيْهِ لم يَتَقَاضَاهُ ولم يَسْأَلْهُ فَإِنَّمَا مَنَعَنَا من هذا أَنَّا لم نَرَ أَحَدًا خَالَفَ في أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ له الدَّيْنُ على الرَّجُلِ فَيَمُوتُ الذي عليه الدَّيْنُ فَيَدْفَعُونَ مَالَهُ إلَى غُرَمَائِهِ وَإِنْ لم يُرِيدُوهُ لِئَلَّا يَحْبِسُوا مِيرَاثَ الْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةَ الْمُوصِي لهم وَيَجْبُرُونَهُمْ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لهم وَالسَّلَفُ يُخَالِفُ دَيْنَ الْمَيِّتِ في بَعْضِ هذا - * بَابُ السَّلَفِ في الرُّطَبِ فَيَنْفَدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا في رُطَبٍ أو عِنَبٍ إلَى أَجَلٍ يَطِيبَانِ له فَهُوَ جَائِزٌ فأن نَفِدَ الرُّطَبُ أو الْعِنَبُ حتى لَا يَبْقَى منه شَيْءٌ بِالْبَلَدِ الذي سَلَّفَهُ فيه فَقَدْ قِيلَ الْمُسَلِّفُ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا بَقِيَ من سَلَفِهِ
____________________

(3/137)


كَأَنْ سَلَّفَ مِائَةَ دِرْهَمٍ في مِائَةِ مُدٍّ فَأَخَذَ خَمْسِينَ فَيَرْجِعُ بِخَمْسِينَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذلك إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ ثُمَّ أَخَذَ بَيْعَهُ بِمِثْلِ صِفَةِ رُطَبِهِ وَكَيْلِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَكُلُّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ تَنْفَدُ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَهَذَا وَجْهٌ قال وقد قِيلَ إنْ سَلَّفَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ في عَشْرَةِ آصُعَ من رُطَبٍ فَأَخَذَ خَمْسَةَ آصُعَ ثُمَّ نَفَذَ الرُّطَبُ كانت له الْخَمْسَةُ آصُعَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهَا حِصَّتُهَا من الثَّمَنِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيمَا بَقِيَ من الرُّطَبِ فَرَدَّ إلَيْهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ سَلَّفَهُ في رُطَبٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ فيه بُسْرًا وَلَا مُخْتَلِفًا وكان له أَنْ يَأْخُذَ رُطَبًا كُلَّهُ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا صِحَاحًا غير مُنْشَدِخٍ وَلَا مَعِيبٍ بِعَفَنٍ وَلَا عَطَشٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا نَضِيجًا غير مَعِيبٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ من الفاكهه الرَّطْبَةِ يُسَلِّفُ فيها فَلَا يَأْخُذُ إلَّا صِفَتَهُ غير مَعِيبَةٍ قال وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَسْلَفَهُ فيه لم يَأْخُذْهُ مَعِيبًا إنْ أَسْلَفَ في لَبَنٍ مَخِيضٍ لم يَأْخُذْهُ رَائِبًا وَلَا مَخِيضًا وفي الْمَخِيضِ مَاءٌ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَفَهُ في شَيْءٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ مَعِيبًا وَالْعَيْبُ مِمَّا قد يَخْفَى فَأَكَلَ نِصْفَهُ أو أَتْلَفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ كَأَنْ كان رُطَبًا فَأَكَلَ نِصْفَهُ أو أَتْلَفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ عليه بِنُقْصَانِ ما بين الرُّطَبِ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْعَيْبِ وَالْمُشْتَرَى قَائِمٌ في يَدِ الْمُشْتَرِي ولم يَسْتَهْلِكْهُ فقال دَفَعْته إلَيْك بَرِيئًا من الْعَيْبِ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ دَفَعْته مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما قال عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كان أَتْلَفَهُ فقال الْبَائِعُ ما أَتْلَفْت منه غير مَعِيبٍ وما بَقِيَ مَعِيبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شيئا وَاحِدًا لَا يَفْسُدُ منه شَيْءٌ إلَّا بِفَسَادِهِ كُلِّهِ كَبِطِّيخَةٍ وَاحِدَةٍ أو دُبَّاءَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّ ما قُلْت الْقَوْلُ فيه قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ فيه الْيَمِينُ (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } وقال عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فَكَانَ بَيِّنًا في الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمَهُ الرَّهْنَ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ ولم يَجِدُوا كَاتِبًا فَكَانَ مَعْقُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فيها أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكُ عليه بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ لَا أَنَّهُ فَرْضٌ عليهم أَنْ يَكْتُبُوا وَلَا أَنْ يَأْخُذُوا رَهْنًا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَثِيقَةَ في الْحَقِّ في السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في
____________________
1- * كِتَابُ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ إبَاحَةُ الرَّهْنِ

(3/138)


الْحَضَرِ وَغَيْرِ الْإِعْوَازِ وَلَا بَأْسَ بِالرَّهْنِ في الْحَقِّ الْحَالِّ وَالدَّيْنِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وما قُلْت من هذا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ في الْحَضَرِ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَقِيلَ في سَلَفٍ وَالسَّلَفُ حَالٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قال رَهَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ عن الْأَسْوَدِ عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَذِنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ في الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَكُلُّ حَقٍّ مِمَّا يَمْلِكُ أو لَزِمَ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ جَازَ الرَّهْنُ فيه وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ وَرَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ وَلَوْ قال أَرْهَنُك دَارِي على شَيْءٍ إذَا دَايَنْتَنِي بِهِ أو بَايَعْتَنِي ثُمَّ دَايَنَهُ أو بَايَعَهُ لم يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ الرَّهْنَ كان ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ وَإِذْنُ اللَّهِ عز وجل بِهِ فِيمَا كان لِلْمُرْتَهِنِ من الْحَقِّ دلاله على أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْحَقِّ أو معه فَأَمَّا قَبْلَهُ فإذا لم يَكُنْ حَقٌّ فَلَا رَهْنَ - * بَابُ ما يَتِمُّ بِهِ الرَّهْنُ من الْقَبْضِ - * قال اللَّهُ عز وجل { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فلما كان مَعْقُولًا أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْبَيْعِ وَلَا مَمْلُوكِ الْمَنْفَعَةِ له مِلْكَ الْإِجَارَةِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِمَا أَجَازَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ من أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وإذا لم يَجُزْ فَلِلرَّاهِنِ ما لم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ منه مَنْعُهُ منه وَكَذَلِكَ لو أَذِنَ له في قَبْضِهِ فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ كان ذلك له لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ كُلُّ ما لم يَتِمَّ إلَّا بِأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مِثْلَ الْهِبَاتِ التي لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً وما في مَعْنَاهَا وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ وكان هو وَالْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً سَوَاءً وَلَوْ لم يَمُتْ الرَّاهِنُ وَلَكِنَّهُ أَفْلَسَ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ كأن الْمُرْتَهِنُ وَالْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ له وَلَوْ خَرِسَ الرَّاهِنُ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَا سَلَّطَهُ على قَبْضِهِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ وَلَوْ أَقْبَضَهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ في حَالِ ذَهَابِ عَقْلِهِ لم يَكُنْ له قَبْضُهُ وَلَا يَكُونُ له قَبْضٌ حتى يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ في مَالِهِ يوم رَهَنَهُ وَيَوْمَ يُقَبِّضُهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو مَحْجُورٌ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وقد فُكَّ الْحَجْرُ عنه فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ لم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ له رَهْنًا وَيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ يُفَكَّ الْحَجْرُ عنه وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إياه وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ فلم يَقْبِضْهُ حتى حُجِرَ عليه لم يَكُنْ له قَبْضُهُ منه وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فلم يَقْبِضْهُ حتى هَرَبَ الْعَبْدُ وَسَلَّطَهُ على قَبْضِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه حتى يَمُوتَ الرَّاهِنُ أو يُفْلِسَ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على قَبْضِهِ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ له قَبْضُهُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَارْتَدَّ الْعَبْدُ عن الْإِسْلَامِ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ مُرْتَدًّا أو أَقْبَضَهُ إيَّاهُ غير مُرْتَدٍّ فَارْتَدَّ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ إنْ تَابَ فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ قُتِلَ على الرِّدَّةِ قُتِلَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَخَرَجَ من مِلْكِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا ولم يَقْبِضْهُ حتى رَهَنَهُ من غَيْرِهِ وإقبضه إيَّاهُ كان الرَّهْنُ لِلثَّانِي الذي أَقْبَضَهُ صَحِيحًا وَالرَّهْنُ الذي لم يُقْبَضْ كما لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَعْتَقَهُ كان حُرًّا خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى كَاتَبَهُ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَهُ أو أَصْدَقَهُ امْرَأَةً أو أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ أو دَبَّرَهُ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ في هذا كُلِّهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لو رَهَنَهُ فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى دَبَّرَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَارِجًا من الرَّهْنِ بِالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لو رَهَنَهُ بعد ما دَبَّرَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا لِأَنَّ له أَنْ يَبِيعَهُ بعد ما دَبَّرَهُ فلما كان له بَيْعُهُ كان له أَنْ يَرْهَنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَمَاتَ الْمُرْتَهِنُ قبل أَنْ
____________________

(3/139)


يَقْبِضَهُ كان لِرَبِّ الرَّهْنِ مَنْعُهُ من وَرَثَتِهِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لهم رَهْنًا وَلَوْ لم يَمُتْ الْمُرْتَهِنُ وَلَكِنَّهُ غُلِبَ على عَقْلِهِ فَوَلَّى الْحَاكِمُ مَالَهُ رَجُلًا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ مَنَعَهُ الرَّجُلَ الْمُوَلَّى لِأَنَّهُ كان له مَنْعُهُ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ له بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ كما كان له أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَمْنَعَهُ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا جاريه فلم يُقْبِضْهُ إيَّاهَا حتى وَطِئَهَا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَظَهَرَ بها حَمْلٌ أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّهَا لم تُقْبَضْ حتى حَبِلَتْ فلم يَكُنْ له أَنْ يَرْهَنَهَا حُبْلَى منه وَهَكَذَا لو وَطِئَهَا قبل الرَّهْنِ ثُمَّ ظَهَرَ بها حَمْلٌ فَأَقَرَّ بِهِ خَرَجَتْ من الرَّهْنِ وَإِنْ كانت قُبِضَتْ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا حَامِلًا وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا غير ذَاتِ زَوْجٍ فلم يَقْبِضْهَا حتى زَوَّجَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَالتَّزْوِيجُ جَائِزٌ وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا من وَطْئِهَا بِحَالٍ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ ذلك يُنْقِصُ ثَمَنَهَا وَيَمْنَعُ إذَا كانت حَامِلًا وَحَلَّ الْحَقُّ بَيْعَهَا وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَأَيُّهُمَا زُوِّجَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ حتى يَجْتَمِعَا عليه وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَسَلَّطَهُ على قَبْضِهِ فَآجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ من الرَّاهِنِ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ مَقْبُوضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت عَبْدًا فَآجَرْته قبل أَنْ أَقْبِضَهُ قال ليس بِمَقْبُوضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ليس الْإِجَارَةُ بِقَبْضٍ وَلَيْسَ بِرَهْنٍ حتى يُقْبَضَ وإذا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِنَفْسِهِ أو قَبَضَهُ له أَحَدٌ بِأَمْرِهِ فَهُوَ قَبْضٌ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ قال إذَا ارْتَهَنْت عَبْدًا فَوَضَعْته على يَدِ غَيْرِك فَهُوَ قَبْضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ارْتَهَنَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ له أو الْحَاكِمُ لِلْمَحْجُورِ فَقَبْضُ الْحَاكِمِ وَقَبْضُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لِلْمَحْجُورِ كَقَبْضِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الْحَاكِمِ له وَكَذَلِكَ إنْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ من يقبض ( ( ( قبض ) ) ) لِلْمَحْجُورِ أو وَكَّلَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ من يَقْبِضُ له فَقَبْضُهُ له كَقَبْضِ الرَّجُلِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَلِلرَّاهِنِ مَنْعُ الْحَاكِمِ وَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ من الرَّهْنِ ما لم يَقْبِضَاهُ وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عليه له وَرَهْنُهُمَا عليه في النَّظَرِ له وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ لَهُمَا فَيَفْضُلُ وَيَرْتَهِنَ فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمَا وَيَرْتَهِنَ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا وهو ضَامِنٌ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُمَا في السَّلَفِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كان نَظَرًا له كما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كان نَظَرًا له - * قَبْضُ الرَّهْنِ وما يَكُونُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِمَّا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ وما لَا يُخْرِجُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ تَمَّ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ من غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ ولم يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ حتى يَبْرَأَ مِمَّا في الرَّهْنِ من الْحَقِّ كما يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا من الْبَائِعِ فإذا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَرَّةً صَارَ في ضَمَانِهِ فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْبَائِعِ بِإِجَارَةٍ أو وَدِيعَةٍ فَهُوَ من مَالِ الْمُبْتَاعِ وَلَا يَنْفَسِخُ ضَمَانُهُ بِالْبَيْعِ وَكَمَا تَكُونُ الْهِبَاتُ وما في مَعْنَاهَا غير تَامَّةٍ فإذا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ له مَرَّةً ثُمَّ أَعَارَهَا إلَى الْوَاهِبِ أو أَكْرَاهَا منه أو من غَيْرِهِ لم يُخْرِجْهَا من الْهِبَةِ وَسَوَاءٌ إذًا قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مَرَّةً وَرَدُّهُ على الرَّاهِنِ بإجاره أو عَارِيَّةٍ أو غَيْرِ ذلك ما لم يَفْسَخْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ أو كان في يَدِهِ لِمَا وَصَفْتُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت رَهْنًا فَقَبَضْته ثُمَّ آجَرْته منه قال نعم هو عِنْدَك إلَّا أَنَّك آجَرْتَهُ منه قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ فَأَفْلَسَ فَوَجَدْته عِنْدَهُ قال أنت أَحَقُّ بِهِ من غُرَمَائِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي لِمَا وَصَفْت من أَنَّك إذَا قَبَضْته مَرَّةً ثُمَّ آجَرْته من رَاهِنِهِ فَهُوَ كَعَبْدٍ لَك آجَرْته منه لِأَنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ قال وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ مَقْبُوضًا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ أو أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاهِنِ بِأَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ وَكِيلُهُ في قَبْضِهِ فَإِنْ أرتهن رَجُلٌ من رَجُلٍ رَهْنًا وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَقَبَضَهُ
____________________

(3/140)


له من نَفْسِهِ لم يَكُنْ قَبْضًا وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا على نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ في قَبْضٍ كما لو كان له عليه حَقٌّ فَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَفَعَلَ فَهَلَكَ لم يَكُنْ بَرِيئًا من الْحَقِّ كما يَبْرَأُ منه لو قَبَضَهُ وَكِيلٌ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا على نَفْسِهِ في حَالٍ إلَّا الْحَالَ التي يَكُونُ فيها وَلِيًّا لِمَنْ قَبَضَ له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ له بن صَغِيرٌ فيشترى له من نَفْسِهِ وَيَقْبِضُ له أو يَهَبُ له شيئا وَيَقْبِضُهُ فَيَكُونُ قَبْضُهُ من نَفْسِهِ قَبْضًا لإبنه لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ ابْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ ابْنَهُ رَهْنًا فَقَبَضَهُ له من نَفْسِهِ فَإِنْ كان ابْنُهُ بَالِغًا غير مَحْجُورٍ لم يَجُزْ من هذا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ ابْنُهُ لِنَفْسِهِ أو وَكِيلٍ لإبنه غَيْرِ أبيه وإذا كان لِلرَّجُلِ عَبْدٌ في يَدِ رَجُلٍ وَدِيعَةً أو دَارٌ أو مَتَاعٌ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ له بِقَبْضِهِ فَجَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَقْبِضَهُ وهو في يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ فإذا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ فَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ أو أدعى قَبْضَهُ فَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ وَإِنْ لم يَرَهُ الشُّهُودُ وَسَوَاءٌ كان الرَّهْنُ غَائِبًا أو حَاضِرًا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ قد يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَلَدِ الذي هو بِهِ فَيَكُونُ ذلك قَبْضًا إلَّا في خَصْلَةِ أَنْ يَتَصَادَقَا على أَمْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَقْبُوضًا في ذلك الْوَقْتِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا أَنِّي قد رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي التي بِمِصْرَ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَقَبَضَهَا فَيَعْلَمُ أَنَّ الرَّهْنَ إنْ كان الْيَوْمَ لم يُمْكِنْ أَنْ يُقْبَضَ له بِمَكَّةَ من يَوْمِهِ هذا وما في هذا الْمَعْنَى وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدِهِ بِكِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ كانت كهى لو لم تَكُنْ في يَدِهِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حتى تأتى عليها مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ في يَدِهِ بِالرَّهْنِ دُونَ الْكِرَاءِ أو الْوَدِيعَةِ أو الرَّهْنِ مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا وَكَيْنُونَتُهَا في يَدِهِ بِغَيْرِ الرَّهْنِ غَيْرُ كَيْنُونَتِهَا في يَدِهِ بِالرَّهْنِ فَأَمَّا إذَا لم يُؤَقِّتْ وَقْتًا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ دَارِهِ بِمَكَّةَ وَقَبَضَهَا ثُمَّ قال الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ رهنتنيها في وَقْتٍ يُمْكِنُ في مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَعَلِمَ الْقَبْضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَبَدًا حتى يُصَدِّقَ الرَّاهِنُ بِمَا وَصَفْتُ من أَنَّهُ لم يَكُنْ مَقْبُوضًا وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ أُحَلِّفَ له الْمُرْتَهِنَ على دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ له بِالْقَبْضِ ولم يَقْبِضْ منه فَعَلْتُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حتى يَقْبِضَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * ما يَكُونُ قَبْضًا في الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ وما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ ما كان قَبْضًا في الْبُيُوعِ كان قَبْضًا في الرَّهْنِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك فَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْأَرْضِينَ وَغَيْرِ ذلك وَيَجُوزُ رَهْنُ الشِّقْصِ من الدَّارِ وَالشِّقْصِ من الْعَبْدِ وَمِنْ السَّيْفِ وَمِنْ اللُّؤْلُؤَةِ وَمِنْ الثَّوْبِ كما يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ هذا كُلُّهُ وَالْقَبْضُ فيه أَنْ يُسَلَّمَ إلَى مُرْتَهِنِهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ كما يَكُونُ الْقَبْضُ في الْبَيْعِ وقبض ( ( ( قبض ) ) ) الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وما يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ من يَدِ رَاهِنِهِ وَقَبْضُ ما لَا يَحُولُ من أَرْضٍ وَدَارٍ وَغِرَاسٍ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا لَا يَحُولُ كَقَبْضِ الْكُلِّ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا يَحُولُ مِثْلُ السَّيْفِ وَاللُّؤْلُؤَةِ وما أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ فيها حَقُّهُ حتى يَضَعَهَا الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ على يَدِ عَدْلٍ أو في يَدِ الشَّرِيكِ فيها الذي ليس بِرَاهِنٍ أو يَدِ الْمُرْتَهِنِ فإذا كان بَعْضُ هذا فَهُوَ قَبْضٌ وَإِنْ صَيَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ أو إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لها من الرَّهْنِ كما وَصَفْت لَا يُخْرِجُهَا إلَّا فَسْخُ الرَّهْنِ أو الْبَرَاءَةُ من الْحَقِّ الذي بِهِ الرَّهْنُ وإذا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ حُكِمَ له بِأَنَّ الرَّهْنَ تَامٌّ بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ وَدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ كان الرَّهْنُ في الشِّقْصِ غَائِبًا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أَجَزْتُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ قد يُقَبِّضُ له وهو غَائِبٌ عنه فَيَكُونُ قد قَبَضَهُ بِقَبْضِ من أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ له وَلَوْ كان لِرَجُلٍ عَبْدٌ في يَدَيْ رَجُلٍ بِإِجَارَةٍ أو وَدِيعَةٍ
____________________

(3/141)


فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ كان هذا رَهْنًا إذَا جَاءَتْ عليه سَاعَةٌ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إيَّاهُ وهو في يَدِهِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ في يَدِهِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الرَّهْنُ غَائِبًا عن الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يُحْضِرَهُ فإذا أَحْضَرَهُ بعد ما أُذِنَ له بِقَبْضِهِ فَهُوَ مَقْبُوضٌ كما يَبِيعُهُ إيَّاهُ وهو في يَدَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِقَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ بِأَنَّهُ في يَدَيْهِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ تَامًّا وَلَوْ مَاتَ مَاتَ من مَالِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كان غَائِبًا لم يَكُنْ مَقْبُوضًا حتى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَقْبُوضًا بَعْدَ حُضُورِهِ وهو في يَدَيْهِ وَلَوْ كانت له عِنْدَهُ ثِيَابٌ أو شَيْءٌ مِمَّا لَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ وديعه أو عَارِيَّةٌ أو بِإِجَارَةٍ فَرَهَنَهُ إيَّاهَا وَأَذِنَ له في قَبْضِهَا قبل الْقَبْضِ وَهِيَ غَيْرُ غَائِبَةٍ عن مَنْزِلِهِ كان هذا قَبْضًا وَإِنْ كانت غَائِبَةً عن مَنْزِلِهِ لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يَحْدُثَ لها قَبْضًا وَإِنْ كان رَهَنَهُ إيَّاهَا في سُوقٍ أو مَسْجِدٍ وَهِيَ في مَنْزِلِهِ وَأَذِنَ له في قَبْضِهَا لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يَصِيرَ إلَى مَنْزِلِهِ وَهِيَ فيه فَيَكُونُ لها حِينَئِذٍ قَابِضًا لِأَنَّهَا قد تَخْرُجُ من مَنْزِلِهِ بِخِلَافِهِ إلَى سَيِّدِهَا وَغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا ما حَضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا حَائِلَ دُونَهُ أو حَضَرَهُ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ كان الرَّهْنُ أَرْضًا أو دَارًا غَائِبَةً عن الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ وَدِيعَةٌ في يَدَيْهِ وقد وُكِّلَ بها فَأَذِنَ له في قَبْضِهَا لم يَكُنْ مَقْبُوضًا حتى يُحْضِرَهَا الْمُرْتَهِنُ أو وَكِيلُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ مُسَلَّمَةً لَا حَائِلَ دُونَهَا لِأَنَّهَا إذَا كانت غَائِبَةً عنه فَقَدْ يَحْدُثُ لها مَانِعٌ منه فَلَا تَكُونُ مَقْبُوضَةً أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُحْضِرَهَا الْمُرْتَهِنُ أو وَكِيلُهُ لَا حَائِلَ دُونَهَا وَلَوْ جَاءَتْ عليه في هذه الْمَسَائِلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا إلَى الرَّهْنِ حَيْثُ كان يَقْبِضُهُ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ قَبَضَهُ كان مَقْبُوضًا لِأَنَّهُ يَقْبِضُ له وهو غَائِبٌ عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا وَتَرَاضَى الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِعَدْلٍ يَضَعَانِهِ على يَدَيْهِ فقال الْعَدْلُ قد قَبَضْته لَك ثُمَّ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ لم يُقْبِضْهُ لَك الْعَدْلُ وقال الْمُرْتَهِنُ قد قَبَضَهُ لي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَدْلَ قد قَبَضَهُ له لِأَنَّهُ وَكِيلٌ له فيه وَلَا أَقْبَلُ فيه شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ بِغَرُورِهِ الْمُرْتَهِنِ شيئا من حَقِّهِ وَكَذَا لو أَفْلَسَ غَرِيمُهُ أو هَلَكَ الرَّهْنُ الذي ارْتَهَنَهُ فقال قَبَضْته ولم يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ لم يَضْمَنْ له شيئا وقد أَسَاءَ في كَذِبِهِ وَلَوْ كان كُلُّ ما ذَكَرْت من الرَّهْنِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِغَصْبِ الرَّاهِنِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ قبل أَنْ يَقْبِضُهُ منه وَأَذِنَ له في قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ كان رَهْنًا وكان مَضْمُونًا على الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ حتى يَدْفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ فَيَبْرَأُ أو يُبْرِئُهُ الْمَغْصُوبُ من ضَمَانِ الْغَصْبِ وَلَا يَكُونُ أَمْرُهُ له بِالْقَبْضِ لِنَفْسِهِ بَرَاءَةً من ضَمَانِ الْغَصْبِ وَكَذَلِكَ لو كان في يَدَيْهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِرَبِّ الْمَالِ في شَيْءٍ على نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ من نَفْسِهِ حَقًّا فَقَبَضَهُ وَهَلَكَ لم يَبْرَأْ منه وَلَكِنَّهُ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ وَتَوَاضَعَاهُ على يَدَيْ عَدْلٍ كان الْغَاصِبُ والمشترى شِرَاءً فَاسِدًا بَرِيئَيْنِ من الضَّمَانِ بِإِقْرَارِ وَكِيلِ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ قد قَبَضَهُ بِأَمْرِ رَبِّ الْعَبْدِ وكان كَإِقْرَارِ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ قد قَبَضَهُ وكان رَهْنًا مَقْبُوضًا وَلَوْ قال الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ بَعْدَ قَوْلِهِ قد قَبَضْته لم أَقْبِضْهُ لم يُصَدَّقْ على الْغَاصِبِ وَلَا المشترى شِرَاءً فَاسِدًا وكان بَرِيئًا من الضَّمَانِ كما يَبْرَأُ لو قال رَبُّ الْعَبْدِ قد قَبَضْته منه وكان مَقْبُوضًا بِإِقْرَارِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدَيْنِ أو عَبْدًا وَطَعَامًا أو عَبْدًا وَدَارًا أو دَارَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا ولم يَقْبِضْ الْآخَرُ كان الذي قَبَضَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ وكان الذي لم يُقْبَضْ خَارِجًا من الرَّهْنِ حتى يُقَبِّضَهُ إيَّاهُ الرَّاهِنُ وَلَا يَفْسُدُ الذي قَبَضَ بِأَنْ لم يَقْبِضْ الذي معه في عُقْدَةِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ كَالْبُيُوعِ في هذا وَكَذَلِكَ لو قَبَضَ أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ أو قَبَضَ أَحَدُهُمَا
____________________

(3/142)


وَمَنَعَهُ الْآخَرُ كان الذي قَبَضَ رَهْنًا وَاَلَّذِي لم يَقْبِضْ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ له دَارَيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو دَارًا وَعَبْدًا فَأَقْبَضَهُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَهُ الْآخَرَ كان له الذي قَبَضَ ولم يَكُنْ له الذي مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو لم يَمْنَعْهُ وَلَكِنَّهُ غَابَ عنه أَحَدُهُمَا لم تَكُنْ الْهِبَةُ في الْغَائِبِ تَامَّةً حتى يُسَلِّطَهُ على قَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ بِأَمْرِهِ وإذا رَهَنَهُ رَهْنًا فَأَصَابَ الرَّهْنَ عَيْبٌ إمَّا كان عَبْدًا فَاعْوَرَّ أو قُطِعَ أو أَيُّ عَيْبٍ أَصَابَهُ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ ذلك الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا لو كانت دَارًا فَانْهَدَمَتْ أو حَائِطًا فَتَقَعَّرَ نَخْلُهُ وَشَجَرُهُ وَانْهَدَمَتْ عَيْنُهُ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وكان لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّاهِنِ من بَيْعِ خَشَبِ نَخْلِهِ وَبَيْعِ بِنَاءِ الدَّارِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ارْتَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَلَا يَكُونُ له مَنْعُ ما لم يَدْخُلْ في رَهْنِهِ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضَ الدَّارِ ولم يُسَمِّ له الْبِنَاءَ في الرَّهْنِ أو حَائِطًا ولم يُسَمِّ له الْغِرَاسَ في الرَّهْنِ كانت الْأَرْضُ له رَهْنًا دُونَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ إلَّا ما سُمِّيَ دَاخِلًا فيه وَلَوْ قال رَهَنْتُك بِنَاءَ الدَّارِ كانت الدَّارُ له رَهْنًا دُونَ أَرْضِهَا وَلَا يَكُونُ له الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ حتى يَقُولَ رَهَنْتُك أَرْضَ الدَّارِ وَبِنَاءَهَا وَجَمِيعَ عِمَارَتِهَا وَلَوْ قال رَهَنْتُك نَخْلِي كانت النَّخْلُ رَهْنًا ولم يَكُنْ ما سِوَاهَا من الْأَرْضِ وَلَا الْبِنَاءِ عليها رَهْنًا حتى يَكْتُبَ رَهَنْتُك حَائِطِي بِحُدُودِهِ أَرْضِهِ وَغِرَاسِهِ وبناءه ( ( ( وبنائه ) ) ) وَكُلِّ حَقٍّ له فَيَكُونُ جَمِيعُ ذلك رَهْنًا وَلَوْ قال رَهَنْتُك بَعْضَ دَارِي أو رَهَنْتُك شِقْصًا أو جُزْءًا من دَارِي لم يَكُنْ هذا رَهْنًا وَلَوْ أَقْبَضَهُ جَمِيعَ الدَّارِ حتى يسمى كَمْ ذلك الْبَعْضُ أو الشِّقْصُ أو الْجُزْءُ رُبْعًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ منه كما لَا يَكُونُ بَيْعًا وَكَذَلِكَ لو أَقْبَضَهُ الدَّارَ وَلَوْ قال رَهَنْتُكَهَا إلَّا ما شِئْت أنا وَأَنْتَ منها أو إلَّا جُزْءًا منها لم يَكُنْ رَهْنًا - * ما يَكُونُ إخْرَاجًا لِلرَّهْنِ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وما لَا يَكُونُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَجِمَاعُ ما يُخْرِجُ الرَّهْنَ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبْرَأَ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ الذي عليه الرَّهْنُ بِدَفْعٍ أو إبْرَاءٍ من الْمُرْتَهِنِ له أو يَسْقُطُ الْحَقُّ الذي بِهِ الرَّهْنُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَيَكُونُ الرَّهْنُ خَارِجًا من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ عَائِدًا إلَى مِلْكِ رَاهِنِهِ كما كان قبل أَنْ يُرْهَنَ أو بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ قد فَسَخْت الرَّهْنَ أو أَبْطَلْته أو أَبْطَلْت حَقِّي فيه وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَشْيَاءَ مِثْلَ دَقِيقٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَعُرُوضٍ وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ أو أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِينَارٍ أو بَعِيرًا وَطَعَامًا فَدَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ جَمِيعَ مَالِهِ في الرُّهُونِ كُلِّهَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا أو أَقَلَّ منه أو وَيْبَةَ حِنْطَةً أو أَقَلَّ منها كانت الرُّهُونُ كُلُّهَا بِالْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ لَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ على شَيْءٍ منها وَلَا لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لو مَاتَ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ مَالِهِ فيها لِأَنَّ الرُّهُونَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُفَكُّ بَعْضُهَا قبل بَعْضٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا جَارِيَةً فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في عِتْقِهَا فلم يُعْتِقْهَا أو أَذِنَ له في وَطْئِهَا فلم يَطَأْهَا أو وَطِئَهَا فلم تَحْمَلْ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا لَا يُخْرِجُهَا من الرَّهْنِ إلَّا بِأَنْ يَأْذَنَ له فِيمَا وَصَفْت كما لو أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ وَإِنْ لم يُعْتِقْهُ فَهُوَ على مِلْكِهِ بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ لو رَدَّهَا الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهَا بِالرَّهْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً فقال اسْتَمْتِعْ من وَطْئِهَا وَخِدْمَتِهَا كانت مَرْهُونَةً بِحَالِهَا لَا تَخْرُجُ من الرَّهْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ الْجَارِيَةُ من الْوَطْءِ فَوَلَدَتْ أو أَسْقَطَتْ سِقْطًا قد بَانَ من خَلْقِهِ شَيْءٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِسَيِّدِهَا الرَّاهِنِ وخارجه من الرَّهْنِ وَلَيْسَ على الرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَهْنٍ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ في الْوَطْءِ وَهَكَذَا لو أَذِنَ له في
____________________

(3/143)


أَنْ يَضْرِبَهَا فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ لم يَكُنْ له عليه أَنْ يَأْتِيَهُ بِبَدَلٍ منها يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ عليه في الضَّرْبِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَمَةً فَآجَرَهُ إيَّاهَا فَوَطِئَهَا الرَّاهِنُ أو اغْتَصَبَهَا الرَّاهِنُ نَفْسَهَا فَوَطِئَهَا فَإِنْ لم تَلِدْ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا عُقْرَ لِلْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ لِأَنَّهَا أَمَةُ الرَّاهِنِ وَلَوْ كانت بِكْرًا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ كان لِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ الرَّاهِنِ بِمَا نَقَصَهَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا أو قِصَاصًا من الْحَقِّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ كما تَكُونُ جِنَايَتُهُ عليها وَهَكَذَا لو كانت ثَيِّبًا فَأَفْضَاهَا أو نَقَصَهَا نَقْصًا له قِيمَةٌ وَإِنْ لم يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ في الْوَطْءِ وَهِيَ رَهْنٌ كما هِيَ وَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ ولم يَأْذَنْ له في الْوَطْءِ وَلَا مَالَ له غَيْرُهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها لَا تُبَاعُ ما كانت حُبْلَى فإذا وَلَدَتْ بِيعَتْ ولم يَبِعْ وَلَدَهَا وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ شيء ( ( ( شيئا ) ) ) فَعَلَى الرَّاهِنِ ما نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَإِنْ مَاتَتْ من الْوِلَادَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِقِيمَتِهَا صَحِيحَةً تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا أو قِصَاصًا مَتَى قَدَرَ عليها وَلَا يَكُونُ إحْبَالُهُ إيَّاهَا أَكْبَرَ من أَنْ يَكُونَ رَهَنَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَلَا مَالَ له غَيْرُهَا فَأُبْطِلَ الْعِتْقُ وَتُبَاعُ بِالْحَقِّ وَإِنْ كانت تَسْوَى أَلْفًا وَإِنَّمَا هِيَ مرهونه بِمِائَةٍ بِيعَ منها بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَبَقِيَ ما بَقِيَ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا ليس له أَنْ يَطَأَهَا وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ في قَوْلِ من اعتق أُمَّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَا تُعْتَقُ قبل مَوْتِهِ وَلَوْ كان رَهَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ولم تَلِدْ وَلَا مَالَ له بِيعَ منها بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ ما بَقِيَ مَكَانَهُ وَإِنْ كانت عليه دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَا له عَتَقَ ما بَقِيَ ولم يَبِعْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا اعتقها فَهِيَ حره أو أَوْلَدَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له لَا تُبَاعُ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وقد ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا يَسْعَى في شَيْءٍ من قِيمَتِهَا وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رَهَنَ من الرَّقِيقِ كُلِّهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وإذا بِيعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ في الرَّهْنِ بِمَا وَصَفْت فَمَلَكَهَا السَّيِّدُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَوَطْؤُهُ إيَّاهَا وَعِتْقُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مُخَالِفٌ له بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ فقال الرَّاهِنُ وَطِئْتُهَا أو اعتقتها بِإِذْنِكَ وقال الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنْتُ لك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مع يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ حَلَفَ الرَّاهِنُ لقد أَذِنَ له ثُمَّ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يَحْلِفْ الرَّاهِنُ أُحْلِفَتْ الْجَارِيَةُ فَقَدْ أَذِنَ له بِعِتْقِهَا أو وَطْئِهَا وَكَانَتْ حره أو أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لم تَحْلِفْ هِيَ وَلَا السَّيِّدُ كانت رَهْنًا بِحَالِهَا وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى الرَّاهِنُ عليه أَنَّهُ أَذِنَ له في عِتْقِهَا أو وَطْئِهَا وقد وَلَدَتْ منه أو أَعْتَقَهَا كانت عليه الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم يُقِمْ بينه فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ له وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أُحْلِفُوا ما عَلِمُوا أَبَاهُمْ أَذِنَ له لم يُزَادُوا على ذلك في الْيَمِينِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَادَّعَى وَرَثَةُ هذا احلف لهم الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ كما وَصَفْتُ أَوَّلًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان مُفْلِسًا فَأَمَّا إذَا كان الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ منه في الْعِتْقِ وَالْإِيلَادِ ثُمَّ يُخَيَّرُ بين أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا رَهْنًا مَكَانَهَا وَإِنْ كان أَكْثَرَ من الْحَقِّ أو قِصَاصًا من الْحَقِّ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من الْحَقِّ وكان فيه فَضْلٌ عن الْحَقِّ رُدَّ ما فَضَلَ عن الْحَقِّ عليه وإذا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في وَطْءِ أَمَتِهِ ثُمَّ قال هذا الْحَبَلُ ليس مِنْك هو من زَوْجٍ زَوَّجْتُهَا إيَّاهُ أو من عَبْدٍ فَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ ابْنُهُ وَلَا يَمِينَ عليه لِأَنَّ النَّسَبَ لَاحِقٌ بِهِ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ على نَفْيِ الْوَلَدِ عنه وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من احلافة أَنَّهُ لو أَقَرَّ بَعْدَ دَعْوَتِهِ الْوَلَدَ أَنَّهُ ليس منه أَلْحَقْتُ الْوَلَدَ بِهِ وَجَعَلْتُ الْجَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ إذَا حَكَمْتُ بِإِخْرَاجِ ام الْوَلَدِ من الرَّهْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ أَذِنْتَ لي في وَطْئِهَا فَوَلَدَتْ لي وقال الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنْتُ لك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كان الرَّاهِنُ مُعْسِرًا وَالْجَارِيَةُ حُبْلَى لم تُبَعْ حتى تَلِدَ ثُمَّ تُبَاعُ وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهَا وَلَوْ قَامَتْ بينه أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ مُنْذُ مُدَّةٍ ذَكَرُوهَا في وَطْءِ أَمَتِهِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من السَّيِّدِ في مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ من السَّيِّدِ بِحَالٍ وقال الْمُرْتَهِنُ هو من غَيْرِهِ بِيعَتْ الْأَمَةُ وَلَا يُبَاعُ الْوَلَدُ بِحَالٍ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ رَهْنًا مع الْأَمَةِ وإذا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ أو زَوَّجَهَا
____________________

(3/144)


بَعْدَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لم يُمْنَعْ زَوْجُهَا من وَطْئِهَا وَالْبِنَاءِ بها فَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَإِنْ حَبِلَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تُبَاعُ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ تَكُونَ الْجَارِيَةُ رَهْنًا وَالْوَلَدُ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا يَمْنَعُنِي من بَيْعِهَا حُبْلَى وَوَلَدُهَا مَمْلُوكٌ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأُمُّ إذَا بِيعَتْ في الرَّهْنِ فَإِنْ سَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ تُبَاعَ وَيُسَلَّمَ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَذَلِكَ له وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنها تُبَاعُ حُبْلَى وَحُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ حتى يُفَارِقَهَا فإذا فَارَقَهَا فَهُوَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ ذلك يُنْقِصُ ثَمَنَهَا وَيَمْنَعُ إذَا كانت حَامِلًا وَحَلَّ الْحَقُّ من بَيْعِهَا وَكَذَلِكَ ليس لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَأَيُّهُمَا زُوِّجَ الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ حتى يَجْتَمِعَا على التَّزْوِيجِ قبل عُقْدَةِ النِّكَاحِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَهْنًا إلَى أَجَلٍ فَاسْتَأْذَنَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ في بَيْعِ الرَّهْنِ فَأَذِنَ له فيه فَبَاعَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ من ثَمَنِهِ شيئا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنَ بِرَهْنٍ مَكَانَهُ وَلَهُ ما لم يَبِعْهُ أَنْ يَرْجِعَ في إذْنِهِ له بِالْبَيْعِ فَإِنْ رَجَعَ فَبَاعَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ في الْإِذْنِ له فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ لم يَرْجِعْ وقال إنَّمَا أَذِنْتُ له في أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وَإِنْ كنت لم أَقُلْ له أَنَفَذْت الْبَيْعَ ولم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ من ثَمَنِهِ شيئا وَلَا أَنْ يَجْعَلَ له رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ أختلفا فقال أَذِنْتُ له وَشَرَطْتُ أَنْ يُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وقال الرَّاهِنُ أَذِنَ لي ولم يَشْتَرِطْ على أن أعطيه ثمنه كان القول قول المرتهن مع يمينه والبيع مفسوخ فإن مات العبد أخذ الراهن المشترى بقيمته حتى يَجْعَلَهَا رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ أَذِنَ له بِبَيْعِهِ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ له في بَيْعِهِ إلَّا على أَنْ يُعَجِّلَ له حَقَّهُ قبل مَحِلِّهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ على أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ وَيُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ فَبَاعَهُ على ذلك فَسَخْتُ الْبَيْعَ من قِبَلِ فَسَادِ الشَّرْطِ في دَفْعِهِ حَقَّهُ قبل مَحِلِّهِ بِأَخْذِ الرَّهْنِ فَإِنْ مات ( ( ( فات ) ) ) الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي بِمَوْتٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فيه كان مَرْدُودًا وَتُوضَعُ قِيمَتُهُ رَهْنًا إلَى الْأَجَلِ الذي إلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الذي عليه الْحَقُّ بِتَعْجِيلِهِ قبل مَحِلِّهِ تَطَوُّعًا مُسْتَأْنَفًا لَا على الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يَكُونَ الْمَالُ رَهْنًا لم يَجُزْ الْبَيْعُ وكان كالمسأله قَبْلَهَا التي أَذِنَ له فيها أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يُقْبِضَهُ ثَمَنَهُ في رَدِّ الْبَيْعِ فَكَانَ فيه غَيْرُ ما في المسأله الْأُولَى أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يَرْهَنَهُ ثَمَنَهُ وَثَمَنُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَوْ كان الرَّهْنُ بِحَقٍّ حَالٍّ فَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ على أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَ الرَّهْنِ وَلَا يَحْبِسَ عنه منه شيئا فَإِنْ هَلَكَ في يَدِهِ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ في مَالِهِ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من ثَمَنِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ هَا هُنَا لِأَنَّهُ كان عليه ما شَرَطَ عليه من بَيْعِهِ وَإِيفَائِهِ حَقَّهُ قبل شَرْطِ ذلك عليه وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ له في بَيْعِ الرَّهْنِ ولم يَشْتَرِطْ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ أَقَلَّ من ثَمَنِهِ فَيُعْطِيهِ الْحَقَّ وَلَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ في بَيْعِ الرَّهْنِ ولم يَحِلَّ كان له الرُّجُوعُ في إذْنِهِ له ما لم يَبِعْهُ فإذا بَاعَهُ وَتَمَّ الْبَيْعُ ولم يَقْبِضْ ثَمَنَهُ أو قَبَضَهُ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ ثَمَنِهِ منه على أَصْلِ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ أَذِنَ له في الْبَيْعِ وَلَيْسَ له الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ لِنَفْسِهِ فَبَاعَ فَكَانَ كَمَنْ أعطى عَطَاءً وَقَبَضَهُ أو كَمَنْ أَذِنَ له في فَسْخِ الرَّهْنِ فَفَسَخَهُ وكان ثَمَنُ الْعَبْدِ مَالًا من مَالِ الرَّاهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فيه وَغَيْرُهُ من غُرَمَائِهِ أُسْوَةً وَلَوْ أَذِنَ له في بَيْعِهِ فلم يبعه فَهُوَ على الرَّاهِنِ وَلَهُ الرُّجُوعُ في الْإِذْنِ له إلَّا أَنْ يَكُونَ قال قد فَسَخْت فيه الرَّهْنَ أو أَبْطَلْته فإذا قَالَهُ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ في الرَّهْنِ وكان في الرَّهْنِ كَغَرِيمٍ غَيْرِهِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ فَإِنْ وَلَدَتْ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمْ وَإِنْ كان أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَإِنْ لم يكرهها ( ( ( يكرها ) ) ) فَلَا مَهْرَ عليه وَإِنْ ادَّعَى جَهَالَةً لم يُعْذَرْ بها إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَسْلَمَ حَدِيثًا أو كان بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ أو ما أَشْبَهَهُ وَلَوْ كان رَبُّ الْجَارِيَةِ أَذِنَ له وكان يَجْهَلُ دُرِئَ عنه الْحَدُّ وَلَحِقَ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يوم سَقَطُوا وَهُمْ أَحْرَارٌ وفي الْمَهْرِ
____________________

(3/145)


قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْآخَرُ لَا مَهْرَ عليه لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا وَمَتَى مَلَكَهَا لم تَكُنْ له أُمَّ وَلَدٍ وَتُبَاعُ الْجَارِيَةُ وَيُؤَدَّبُ هو وَالسَّيِّدُ لِلْإِذْنِ ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ مَلَكَهَا يَوْمًا ما كانت أُمَّ وَلَدٍ له بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا وهو يَمْلِكُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الرَّاهِنَ الْمَالِكَ وَهَبَهَا له قبل الْوَطْءِ أو بَاعَهُ إيَّاهَا أو أَعْمَرَهُ إيَّاهَا أو تَصَدَّقَ بها عليه أو اقْتَصَّهُ كانت أُمَّ وَلَدٍ له وخارجه من الرَّهْنِ إذَا صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أو قَامَتْ عليه بينه بِذَلِكَ كان الرَّاهِنُ حَيًّا أو مَيِّتًا وَإِنْ لم تَقُمْ له بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ فَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا رَقِيقٌ إذَا عُرِفَ مِلْكُهَا لِلرَّاهِنِ لم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه وإذا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ له وَرَثَةُ الرَّاهِنِ على عِلْمِهِمْ فِيمَا ادَّعَى من خُرُوجِهَا من مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَهُ في وَلَدِهِ قَوْلٌ آخَرُ أنه حُرٌّ بِالْقِيمَةِ وَيُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَيَغْرَمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا - * جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الرَّهْنِ مع الدَّيْنِ وكان الدَّيْنُ يَكُونُ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَغَيْرِهِ من وُجُوهِ الْحُقُوقِ وكان الرَّهْنُ جَائِزًا مع كل الْحُقُوقِ شُرِطَ في عُقْدَةِ الْحُقُوقِ أو اُرْتُهِنَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُقُوقِ وكان مَعْقُولًا أَنَّ الرَّهْنَ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ من الْحَقِّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مع الْحَقِّ مَأْذُونٌ فيها حَلَالٌ وَأَنَّهُ ليس بِالْحَقِّ نَفْسِهِ وَلَا جُزْءٍ من عَدَدِهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ رَجُلًا شيئا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ شيئا من مَالِهِ يَعْرِفُهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ كان الْبَيْعُ جَائِزًا ولم يَكُنْ الرَّهْنُ تَامًّا حتى يُقْبِضَهُ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أو من يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مَعًا وَمَتَى ما اقبضاه إيَّاهُ قبل أَنْ يَرْفَعَا إلَى الْحَاكِمِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ له وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَهُ لِيَقْبِضَهُ فَتَرَكَهُ الْبَائِعُ كان الْبَيْعُ تَامًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ارْتَفَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ من أَنْ يُقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنَ لم يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً فلم يَدْفَعْهَا إلَيْهِ لم يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ على دَفْعِهَا إلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ له إلَّا بِالْقَبْضِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا فلم يَدْفَعْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْبَائِعِ الْمُشْتَرِطِ له فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ في إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ أو رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي دُونَ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ رُهُونًا فَأَقْبَضَهُ بَعْضَهَا وَمَنَعَهُ بَعْضَهَا وَهَكَذَا لو بَاعَهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فلم يَحْمِلْ له بها الرَّجُلُ الذي اشْتَرَطَ حِمَالَتَهُ حتى مَاتَ كان له الْخِيَارُ في إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا حَمِيلٍ أو فَسْخِهِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِذِمَّتِهِ دُونَ الْحَمِيلِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَمَنَعَهُ الرَّهْنُ أو الْحَمِيلُ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ عليه هو نَقْصٌ يَكُونُ له بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان في ذِمَّتِهِ وَزِيَادَةَ رَهْنِ أو ذِمَّةِ غَيْرِهِ فسقط ( ( ( فيسقط ) ) ) ذلك عنه فلم يَزِدْ عليه في ذِمَّتِهِ شَيْءٌ لم يَكُنْ عليه ولم يَكُنْ في هذا فَسَادٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يُنْتَقَصْ من الثَّمَنِ شَيْءٌ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ إنَّمَا انْتَقَصَ شَيْءٌ غَيْرُ الثَّمَنِ وثيقه لِلْمُرْتَهِنِ لَا مِلْكٌ ولم يَشْتَرِطْ شيئا فَاسِدًا فَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ وَهَكَذَا هذا في كل حَقٍّ كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ فَشَرَطَ له فيه رَهْنًا أو حَمِيلًا فَإِنْ كان الْحَقُّ بِعِوَضٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ الْعِوَضِ كما كان له في الْبَيْعِ وَإِنْ كان الرَّهْنُ في أَنْ أَسْلَفَهُ سَلَفًا بِلَا بَيْعٍ أو كان له عليه حَقٌّ قبل أَنْ يَرْهَنَهُ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شيئا فلم يُقَبِّضْهُ إيَّاهُ فَالْحَقُّ بِحَالِهِ وَلَهُ في السَّلَفِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ بِهِ وفي حَقِّهِ غَيْرُ السَّلَفِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ به وإن كان حَالًّا وَلَوْ بَاعَهُ شيئا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا يُرْضِيهِ أو يعطيه حَمِيلًا ثِقَةً أو يُعْطِيهِ رِضَاهُ من رَهْنٍ وَحَمِيلٍ أو ما شَاءَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ أو ما شَاءَ أَحَدُهُمَا من رَهْنٍ وَحَمِيلٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كان الْبَيْعُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أو أَحَدِهِمَا بِمَا تَشَارَطَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو جَاءَهُ بِحَمِيلٍ أو رَهْنٍ فقال لَا أَرْضَاهُ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ بِأَنَّهُ رضى رَهْنًا بِعَيْنِهِ أو حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فأعطيه ( ( ( فأعطاه ) ) ) وَلَوْ كان بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ على أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدًا له يَعْرِفَانِهِ رَهْنًا له فَأَعْطَاهُ
____________________

(3/146)


إيَّاهُ رَهْنًا فلم يَقْبَلْهُ لم يَكُنْ له نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَنْقُصْهُ شيئا من شَرْطِهِ الذي عَرَفَا مَعًا وَهَكَذَا لو بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ ما أَفَادَ في يَوْمِهِ أو من قَدِمَ عليه من غَيْبَتِهِ من رَقِيقِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا بِمِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أو اكثر وإذا اشْتَرَى منه شيئا على أَنْ يَرْهَنَهُ شيئا بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قبل أَنْ يَدْفَعَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ الرَّهْنُ رَهْنًا ولم يَكُنْ على وَرَثَتِهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنْ تَطَوَّعُوا وَلَا وَارِثَ مَعَهُمْ وَلَا صَاحِبَ وَصِيَّةٍ فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَهُ بَيْعُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّ دَيْنَهُ قد حَلَّ وَإِنْ لم يَفْعَلُوا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في نَقْضِ الْبَيْعِ أو إتْمَامِهِ وَلَوْ كان الْبَائِعُ الْمُشْتَرِطُ الرَّهْنَ هو الْمَيِّتَ كان دَيْنُهُ إلَى أَجَلِهِ إنْ كان مُؤَجَّلًا أو حَالًّا إنْ كان حَالًّا وَقَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِمْ الرَّهْنَ فَالْبَيْعُ تَامٌّ وَإِنْ لم يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ فَلَهُمْ الْخِيَارُ في نَقْضِ الْبَيْعِ كما كان لِأَبِيهِمْ فيه أو إتْمَامُهُ إذَا كان الرَّهْنُ فَائِتًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان الرَّهْنُ فَائِتًا أو السِّلْعَةُ المشتراه فائته جَعَلْتُ له الْخِيَارَ بين أَنْ يُتِمَّهُ فَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ أو يَنْقُضَهُ فَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ كما أَجْعَلُهُ له لو بَاعَهُ عَبْدًا فَمَاتَ فقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ وقال الْبَائِعُ بِعْته بِأَلْفٍ وَجَعَلْتُ له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ ما أَقَرَّ له بِهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ على ما ادَّعَى الْمُشْتَرِي وَلَا أُحَلِّفُهُ هَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عليه الْمُشْتَرِي بَرَاءَةً من شَيْءٍ كما ادَّعَى هُنَاكَ الْمُشْتَرِي بَرَاءَةً مِمَّا زَادَ على خَمْسِمِائَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا بَيْعًا بِثَمَنٍ حَالٍّ أو إلَى أَجَلٍ أو كان له عليه حَقٌّ فلم يَكُنْ له رَهْنٌ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَرَطَ الرَّهْنَ عِنْدَ عَقْدِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا ثُمَّ تَطَوَّعَ له الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَرْهَنَهُ شيئا بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَرَادَ الرَّاهِنُ إخْرَاجَ الرَّهْنِ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ كان مُتَطَوِّعًا بِهِ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُرْتَهِنُ كما لَا يَكُونُ له لو كان الرَّهْنُ بِشَرْطٍ وَكَذَا لو كان رَهَنَهُ رهنا بِشَرْطٍ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ معه أو رُهُونًا فاقبضه إيَّاهَا ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهَا أو اخراج بَعْضِهَا لم يَكُنْ ذلك له وَلَوْ كانت الرُّهُونُ تَسْوَى أَضْعَافَ ما هِيَ مَرْهُونَةٌ بِهِ وَلَوْ زَادَهُ رُهُونًا أو رَهَنَهُ رُهُونًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَقْبَضَهُ بَعْضَهَا ولم يُقْبِضْهُ بَعْضَهَا كان ما أَقْبَضَهُ رَهْنًا وما لم يُقْبِضْهُ غَيْرُ رَهْنٍ ولم يُنْتَقَضْ ما أَقْبَضَهُ بِمَا لم يُقْبِضْهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ على أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ رَهْنًا لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُمَلِّكْهُ السِّلْعَةَ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ مُحْتَبَسَةً عن الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ هذا كَالسِّلْعَةِ لِنَفْسِهِ يرهنه ( ( ( برهنه ) ) ) إيَّاهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو وَهَبَ له سِلْعَةً لِنَفْسِهِ جَازَ وهو لو اشْتَرَى منه شيئا على أَنْ يَهَبَهُ له لم يَجُزْ وَسَوَاءٌ تَشَارَطَا وَضْعَ الرَّهْنِ على يَدَيْ الْبَائِعِ أو عَدْلٍ غَيْرِهِ وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ فَلِوَرَثَتِهِ فيه ما كان له وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَوْتِهِ وَلَا مَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال وَلِوَرَثَةِ الرَّاهِنِ إذَا مَاتَ فيه ما لِلرَّاهِنِ من أَنْ يُؤَدُّوا ما فيه وَيَخْرُجُ من الرَّهْنِ أو يُبَاعُ عليهم بِأَنَّ دَيْنَ أَبِيهِمْ قد حَلَّ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِهِ وَيَمْنَعُوهُ من حَبْسِهِ عن الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قد يَتَغَيَّرُ في حَبْسِهِ وَيَتْلَفُ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وقد يَكُونُ فيه الْفَضْلُ عَمَّا رَهَنَ بِهِ فَيَكُونُ ذلك لهم وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ غَائِبًا أَقَامَ الْحَاكِمُ من يَبِيعُ الرَّهْنَ وَيَجْعَلُ حَقَّهُ على يَدَيْ عَدْلٍ إنْ لم يَكُنْ له وَكِيلٌ يَقُومُ بِذَلِكَ وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْحَقُّ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ رَهْنًا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ كان الْحَقُّ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فقال الرَّاهِنُ ارهنك على أَنْ تَزِيدَنِي في الْأَجَلِ فَفَعَلَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْحَالُّ حال كما كان وَالْمُؤَجَّلُ إلَى أَجَلِهِ الْأَوَّلِ بِحَالِهِ وَالْأَجَلُ الْآخَرُ بَاطِلٌ وَغُرَمَاءُ الرَّاهِنِ في الرَّهْنِ الْفَاسِدِ أُسْوَةُ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ لو لم يَشْتَرِطْ عليه تَأْخِيرَ الْأَجَلِ وَشَرَطَ عليه أَنْ يَبِيعَهُ شيئا أو يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ أو يَعْمَلَهُ له بِثَمَنٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ ولم يَرْهَنْهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ في حَقٍّ وَاجِبٍ قِبَلَهُ حتى يَتَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ بِلَا زِيَادَةِ شَيْءٍ على الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قال له بِعْنِي عَبْدَك بِمِائَةٍ على أَنْ
____________________

(3/147)


أَرْهَنَك بِالْمِائَةِ وَحَقِّك الذي قِبَلَهَا رَهْنًا كان الرَّهْنُ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخًا كُلُّهُ وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَوْضُوعَ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ قَبَضَهُ جَعَلْته رَهْنًا ولم أَقْبَلْ قَوْلَ الْعَدْلِ لم اقبضه إذَا قال الْمُرْتَهِنُ قد قَبَضَهُ الْعَدْلُ - * إختلاف الْمَرْهُونِ وَالْحَقِّ الذي يَكُونُ بِهِ الرَّهْنُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كانت الدَّارُ أو الْعَبْدُ أو الْعَرَضُ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رَهَنِّيهِ فُلَانٌ على كَذَا وقال فُلَانٌ ما رَهَنْتُكَهُ وَلَكِنِّي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أو وَكَّلْتُك بِهِ أو غَصَبْتَنِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَالْعَرَضِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّ الذي في يَدِهِ يُقِرُّ له بِمِلْكِهِ وَيَدَّعِي عليه فيه حَقًّا فَلَا يَكُونُ فيه بِدَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ لو قال الذي هو في يَدَيْهِ رَهَنْتَنِيهِ بِأَلْفٍ وقال الْمُدَّعَى عليه لَك عَلَيَّ أَلْفٌ ولم أَرْهَنْك بِهِ ما زَعَمْت كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ بِلَا رَهْنٍ كما أَقَرَّ وَلَوْ كانت في يَدَيْ رَجُلٍ دَارَانِ فقال رَهَنَنِيهِمَا فُلَانٌ بِأَلْفٍ وقال فُلَانٌ رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا وَسَمَّاهَا بِعَيْنِهَا بالف كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ الذي زَعَمَ أنها لَيْسَتْ بِرَهْنٍ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَذَلِكَ لو قال له رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ لم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا بِمِائَةٍ وَلَوْ قال الذي هُمَا في يَدَيْهِ رَهَنْتَنِيهِمَا بِأَلْفٍ وقال رَبُّ الدَّارَيْنِ بَلْ رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِأَلْفٍ لم تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا رَهْنًا وَكَانَتْ عليه أَلْفٌ بِإِقْرَارِهِ بِلَا رَهْنٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الْأَصْلِ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَرْهَنُك إحْدَى دَارَيَّ هَاتَيْنِ وَلَا يُسَمِّيهَا وَلَا أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ وَلَا أَحَدَ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَكُونَ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رهننيها ( ( ( رهنيها ) ) ) فُلَانٌ بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيَّ وقال فُلَانٌ رَهَنْتُهُ إيَّاهَا بِأَلْفٍ ولم أَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَعَدَا عليها فَغَصَبَهَا أو تَكَارَاهَا مِنِّي رَجُلٌ فَأَنْزَلَهُ فيها أو تَكَارَاهَا مِنِّي هو فَنَزَلَهَا ولم أَدْفَعْهَا إلَيْهِ قَبْضًا بِالرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَلَا تَكُونُ رَهْنًا إذَا كان يقول لَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وهو إذَا أَقَرَّ بِالرَّهْنِ ولم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رهننيها ( ( ( رهنيها ) ) ) فُلَانٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَقْبَضَنِيهَا وقال فُلَانٌ رَهَنْتُهُ إيَّاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَلْفِ فَلْسٍ وَأَقْبَضْته إيَّاهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ وَلَوْ كان في يَدَيْ رَجُلٍ عَبْدٌ فقال رهننيه ( ( ( رهنيه ) ) ) فُلَانٌ بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ وقال رَبُّ الْعَبْدِ ما رَهَنْتُهُ إيَّاهُ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْعَبْدِ وَلَا قَوْلَ لِلْعَبْدِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال ما رَهَنْتُكَهُ بِمِائَةٍ وَلَكِنِّي بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ لم يَكُنْ الْعَبْدُ رَهْنًا وَلَا بَيْعًا إذَا اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على دَعْوَى صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ فقال رَجُلٌ رَهَنْتُمَانِيهِ بِمِائَةٍ وَقَبَضْتُهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وقال الْآخَرُ ما رَهَنْتُكَهُ بِشَيْءٍ كان نِصْفُهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَنِصْفُهُ خَارِجًا من الرَّهْنِ فَإِنْ شَهِدَ شَرِيكُ صَاحِبِ الْعَبْدِ عليه بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وكان عَدْلًا عليه أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ معه وكان نَصِيبُهُ منه رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَلَا شَيْءَ في شَهَادَةِ صَاحِبِ الرَّهْنِ يَجُرُّ بها إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ بها عنه فَأَرُدُّ بها شَهَادَتَهُ وَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِرَجُلٍ له عليه شَيْءٌ لو شَهِدَ له على غَيْرِهِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ وكان في يَدَيْ اثْنَيْنِ وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا بِمِائَةٍ فَأَقَرَّ الرَّجُلَانِ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ رُهِنَ له وَحْدَهُ بِخَمْسِينَ وَأَنْكَرَا دَعْوَى الْآخَرِ لَزِمَهُمَا ما أَقَرَّا بِهِ ولم يَلْزَمْهُمَا ما أَنْكَرَا من دَعْوَى الْآخَرِ وَلَوْ أَقَرَّا لَهُمَا مَعًا بِأَنَّهُ لَهُمَا رُهِنَ وَقَالَا هو رَهْنٌ بِخَمْسِينَ وَادَّعَيَا مِائَةً لم يَلْزَمْهُمَا إلَّا ما أَقَرَّا بِهِ وَلَوْ قال أَحَدُ الرَّاهِنَيْنِ لِأَحَدِ الْمُرْتَهِنَيْنِ رَهَنَّاكَهُ أنت بِخَمْسِينَ وقال الْآخَرُ لِلْآخَرِ الْمُرْتَهِنِ رَهَنَّاكَهُ أنت بِخَمْسِينَ كان نِصْفُ حَقِّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الْعَبْدِ وهو رُبُعُ الْعَبْدِ رَهْنًا لِلَّذِي أَقَرَّ له بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ وَلَا نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) إقْرَارَهُ على غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَا مِمَّنْ
____________________

(3/148)


تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ وَنَفْسِهِ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْتُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا بِإِقْرَارِهِ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ أُخْرَى بِشَهَادَةِ صَاحِبِهِ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مع شَاهِدِهِ وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ أَلْفُ دِينَارٍ فقال رهننيهما ( ( ( رهنيها ) ) ) فلان بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهَا بِدِينَارٍ وَاحِدٍ أو بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُقِرٌّ له بِمِلْكِ الْأَلْفِ دِينَارٍ وَمُدَّعٍ عليه حَقًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا ادَّعَى عليه من الدَّنَانِيرِ إذَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الرَّهْنِ الْمُدَّعَى عليه الْحَقُّ في أَنَّهُ ليس بِرَهْنٍ بِشَيْءٍ كان إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِشَيْءٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فيه وإذا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِي عَبْدَك سَالِمًا بِمِائَةٍ وقال الرَّاهِنُ بَلْ رَهَنْتُك عَبْدِي مُوَفَّقًا بِعَشَرَةٍ حَلَفَ الرَّاهِنُ ولم يَكُنْ سَالِمٌ رَهْنًا بِشَيْءٍ وكان لِصَاحِبِ الْحَقِّ عليه عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّ مُوَفَّقًا رُهِنَ بها فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ وقال بَلْ سَالِمٌ رُهِنَ بها لم يَكُنْ مُوَفَّقٌ وَلَا سَالِمٌ رَهْنًا لِأَنَّهُ يُبْرِئُهُ من أَنْ يَكُونَ مُوَفَّقٌ رَهْنًا وَلَوْ قال رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ وقال الذي يُخَالِفُهُ بَلْ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِأَلْفٍ وَتَصَادَقَا على قَبْضِ الْأَلْفِ تَحَالُفًا وَكَانَتْ الْأَلْفُ على الذي أَخَذَهَا بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ وَهَكَذَا لو قال لو رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ أَخَذْتهَا مِنْك وقال الْمُقَرُّ له بِالرَّهْنِ بَلْ اشْتَرَيْت مِنْك عَبْدَك بِهَذِهِ الْأَلْفِ تَحَالَفَا ولم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا وَلَا الْعَبْدُ بَيْعًا وَكَانَتْ له عليه أَلْفٌ بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَوْ قال رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الدَّارَ ولم أَقْبِضْ الْأَلْفَ مِنْك وقال الْمُقَرُّ له بِالرَّهْنِ وهو الْمُرْتَهِنُ بَلْ قَبَضْت الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِأَنَّ عليه أَلْفًا فَتَلْزَمُهُ وَيَحْلِفُ ما أَخَذَ الْأَلْفَ ثُمَّ تَكُونُ الدَّارُ خارجه من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ ما يَكُونُ بِهِ رَهْنًا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بها دَارًا فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك هذه الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ بألف ( ( ( ألف ) ) ) دِرْهَمٍ حَالَّةً كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ البينه وَكَذَلِكَ لو قال رَهَنْتُكَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَكُلُّ ما لم أَثْبَتَهُ عليه إلَّا بِقَوْلِهِ جَعَلْتُ الْقَوْلَ فيه قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لو قال لم أَرْهَنْكَهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفَانِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْقَاضِي قبضتك ( ( ( قضيتك ) ) ) الْأَلْفَ التي بِالرَّهْنِ وقال الْمُقْتَضِي بَلْ الْأَلْفُ التي بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ الْقَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو جَاءَهُ بِأَلْفٍ فقال هذه الْأَلْفُ التي رَهَنْتُك بها فَقَبَضَهَا كان عليه اسْتِلَامُ رَهْنِهِ ولم يَكُنْ له حَبْسُهُ عنه بِأَنْ يَقُولَ لي عَلَيْك أَلْفٌ أُخْرَى وَلَوْ حَبَسَهُ عنه بَعْدَ قَبْضِهِ كان مُتَعَدِّيًا بِالْحَبْسِ وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ إلَّا قَوْلَ دَافِعِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ رَهْنُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ من جَازَ بَيْعُهُ من بَالِغٍ حُرٍّ غَيْرِ مَحْجُورٍ عليه جَازَ رَهْنُهُ وَمَنْ جَازَ له أَنْ يَرْهَنَ أو يَرْتَهِنَ من الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عليهم جَازَ له أَنْ يَرْتَهِنَ على النَّظَرِ وَغَيْرِ النَّظَرِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ له بَيْعُ مَالِهِ وَهِبَتُهُ بِكُلِّ حَالٍّ فإذا جَازَتْ هِبَتُهُ في مَالِهِ كان له رَهْنُهُ بِلَا نَظَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الْأَبُ لِابْنِهِ وَلَا وَلِيُّ الْيَتِيمِ له إلَّا بِمَا فيه فَضْلٌ لَهُمَا فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمَا بِرَهْنٍ فَلَا يَجُوزُ له وَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَسْلَفَ من مَالِهِ وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ له في التِّجَارَةِ أَنْ يَرْتَهِنَا إذَا كان ذلك صَلَاحًا لِمَالِهِمَا وَازْدِيَادًا فيه فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَا وَيَرْتَهِنَا فَلَا يَجُوزُ ذلك لَهُمَا وَلَكِنْ يَبِيعَانِ فَيَفْضُلَانِ وَيَرْتَهِنَانِ وَمَنْ قلت لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا فِيمَا يَفْضُلُ لِنَفْسِهِ أو يَتِيمِهِ أو ابْنِهِ من أبي ( ( ( أب ) ) ) وَلَدٍ وَوَلِيِّ يَتِيمٍ وَمُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ مَأْذُونٍ له فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ شيئا لِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنَ لَازِمٌ
____________________

(3/149)


فَالرَّهْنُ بِكُلِّ حَالٍ نَقْصٌ عليهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنُوا إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُودِعُوا أَمْوَالَهُمْ من الضروره بِالْخَوْفِ إلَى تَحْوِيلِ أَمْوَالِهِمْ وما أَشْبَهَ ذلك وَلَا نُجِيزُ رَهْنَ من سَمَّيْتُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا في قَوْلِ من زَعَمَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ كُلُّهُ فَأَمَّا ما لَا يَضْمَنُ منه فَرَهْنُهُ غَيْرُ نَظَرٍ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَلَا يَبْرَأُ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ من جَمِيعِ ما وَصَفْنَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا أَكْرَهُ من ذلك شيئا إلَّا أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ مُصْحَفًا فَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْهُ وَوَضَعْنَاهُ له على يَدَيْ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَجَبَرْتُ على ذلك الْكَافِرَ إنْ امْتَنَعَ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْهَنَ من الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ صَغِيرًا أو كَبِيرًا لِئَلَّا يُذَلَّ الْمُسْلِمُ بِكَيْنُونَتِهِ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ يَتَسَلَّطُ عليه الْكَافِرُ وَلِئَلَّا يُطْعِمَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ خِنْزِيرًا أو يَسْقِيَهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ فَرَهَنَهُ منه لم أَفْسَخْ الرَّهْنَ قال وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ أو الْمُقَارِبَةِ الْبُلُوغَ التي يُشْتَهَى مِثْلُهَا من مُسْلِمٍ إلَّا على أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُرْتَهِنُ وَيُقِرَّهَا في يَدَيْ مَالِكِهَا أو يَضَعَهَا على يَدَيْ امْرَأَةٍ أو مَحْرَمٍ لِلْجَارِيَةِ فَإِنْ رَهَنَهَا مَالِكُهَا من رَجُلٍ وَأَقْبَضَهَا إيَّاهُ لم أَفْسَخْ الرَّهْنَ وَهَكَذَا لو رَهَنَهَا من كَافِرٍ غير أَنِّي أُجْبِرُ الْكَافِرَ على أَنْ يَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَتَكُونُ امْرَأَةً أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ لم تَكُنْ امْرَأَةً وُضِعَتْ على يَدَيْ رَجُلٍ عَدْلٍ معه امْرَأَةُ عَدْلٍ وَإِنْ رضي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يَضَعَا الْجَارِيَةَ على يَدَيْ رَجُلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ عليها جَبَرْتُهُمَا أَنْ يَرْضَيَا بِعَدْلٍ تُوضَعُ على يَدَيْهِ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَرْتُ لَهُمَا عَدْلًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ على يَدَيْ مَالِكِهَا أو الْمُرْتَهِنِ فَأَمَّا ما سِوَى بَنِي آدَمَ فَلَا أَكْرَهُ رَهْنَهُ من مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ حَيَوَانٍ وَلَا غَيْرِهِ وقد رَهَنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ بَالِغَةً رَشِيدَةً بِكْرًا أو ثَيِّبًا جَازَ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَإِنْ كانت ذَاتَ زَوْجٍ جَازَ رَهْنُهَا وَبَيْعُهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهِبَتُهَا له وَلَهَا من مَالِهَا إذَا كانت رَشِيدَةً ما لِزَوْجِهَا من مَالِهِ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ أو رَجُلٌ مُسْلِمٌ أو كَافِرٌ حُرٌّ أو عَبْدٌ مَحْجُورَيْنِ لم يَجُزْ رَهْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وإذا رُهِنَ من لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ فَرَهْنُهُ مَفْسُوخٌ وما عليه وما رُهِنَ كما لم يُرْهَنْ من مَالُهُ لَا سَبِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ عليه وإذا رَهَنَ الْمَحْجُورُ عليه رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ هو وَلَا وَلِيُّهُ من الْمُرْتَهِنِ ولم يَرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ فَيَفْسَخُهُ حتى يَفُكَّ عنه الْحَجْرَ فَرَضِيَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يَكُنْ رَهْنًا حتى يَبْتَدِئَ رَهْنًا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وَيَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فإذا فَعَلَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ ثُمَّ حُجِرَ عليه فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وَصَاحِبُ الرَّهْنِ أَحَقُّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ الرَّجُلِ الْكَثِيرِ الدَّيْنَ حتى يَقِفَ السُّلْطَانُ مَالَهُ كما يَجُوزُ بَيْعُهُ حتى يَقِفَ السُّلْطَانُ مَالَهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عليه الرَّجُلَ الْمَحْجُورَ عليه الرَّهْنَ فَإِنْ كان من بَيْعٍ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَعَلَى الرَّاهِنِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ وُجِدَ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يُوجَدْ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ إذَا انْفَسَخَ الْحَقُّ الذي بِهِ الرَّهْنُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا إنْ أَكْرَاهُ دَارًا أو أَرْضًا أو دَابَّةً وَرَهَنَ المكترى الْمُكْرَى الْمَحْجُورَ عليه بِذَلِكَ رَهْنًا فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ سَكَنَ أو رَكِبَ أو عَمِلَ له فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكِرَاءُ مِثْلِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ بَالِغًا ما بَلَغَ وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ الْمَحْجُورُ مَالًا وَرَهَنَهُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ رَهْنًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ السَّلَفَ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ رَدُّ السَّلَفِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ له إنْفَاقُ شَيْءٍ منه فَإِنْ أَنْفَقَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَأَيُّ رَهْنٍ فَسَخْته من جِهَةِ الشَّرْطِ في الرَّهْنِ أو فَسَادِ الرَّهْنِ أو فَسَادِ الْبَيْعِ الذي وَقَعَ بِهِ الرَّهْنُ لم أُكَلِّفْ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ غَيْرِهِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ كان الشَّرْطُ في الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ صَحِيحًا وَاسْتَحَقَّ الرَّهْنُ لم أُكَلِّفْ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ غَيْرِهِ قال وإذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ غَيْرُ الْمَحْجُورَيْنِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَرَهَنَ أَحَدُهُمَا بِهِ صَاحِبَهُ رَهْنًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَالرَّهْنُ
____________________

(3/150)


مَفْسُوخٌ وَجِمَاعُ عِلْمِ هذا أَنْ يَنْظُرَ كُلَّ حَقٍّ كان صَحِيحَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ بِهِ الرَّهْنُ وَكُلَّ بَيْعٍ كان غير ثَابِتٍ فَيَفْسُدُ فيه الرَّهْنُ إذَا لم يَمْلِكْ المشترى وَلَا الْمُكْتَرِي ما بِيعَ أو أَكْرَى لم يَمْلِكْ الْمُرْتَهِنُ الْحَقَّ في الرَّهْنِ إنَّمَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ عليه ما أَعْطَاهُ بِهِ فإذا بَطَلَ ما أَعْطَاهُ بِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ وإذا بَادَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا بِعَبْدٍ أو دَارًا بِدَارٍ أو عَرَضًا ما كان بِعَرَضٍ ما كان وزاد أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دَنَانِيرَ آجِلَةً على أَنْ يَرْهَنَهُ الزَّائِدُ بِالدَّنَانِيرِ رَهْنًا مَعْلُومًا فَالْبَيْعُ وَالرَّهْنُ جَائِزٌ إذَا قُبِضَ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الرَّهْنَ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ أو قَبَضَهُ له غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَأَمْرِ صَاحِبِ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَإِنْ كان الْقَابِضُ بن الرَّاهِنِ أو امْرَأَتَهُ أو أَبَاهُ أو من كان من قَرَابَتِهِ وَكَذَلِكَ لو كان بن الْمُرْتَهِنِ أو وَاحِدًا مِمَّنْ سَمَّيْتُ أو عَبْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ فَأَمَّا عبد الرَّاهِنِ فَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ قَبْضَ عَبْدِهِ عنه كَقَبْضِهِ عن نَفْسِهِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا فَأَنْفَقَ عليه الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ كان مُتَطَوِّعًا وَإِنْ رَهَنَهُ أَرْضًا من أَرْضِ الْخَرَاجِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كان فيها غِرَاسٌ أو بِنَاءٌ لِلرَّاهِنِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ رَهْنٌ وَإِنْ أَدَّى عنها الْخَرَاجَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ عنها لَا يَرْجِعُ بِهِ على الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عليه وَمِثْلُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ من الرَّجُلِ قد تَكَارَاهَا فَيَدْفَعُ الْمُكْتَرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا عن الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ دَفَعَهُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ عليه وَإِنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عليه وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِكُلِّ حَقٍّ لَزِمَ صَدَاقٌ أو غَيْرُهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ كما يَجُوزُ بين الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُ وإذا كان الرَّهْنُ بِصَدَاقٍ فَطَلَّقَ قبل الدُّخُولِ بَطَلَ نِصْفُ الْحَقِّ وَالرَّهْنِ بِحَالِهِ كما يَبْطُلُ الْحَقُّ الذي في الرَّهْنِ إلَّا قَلِيلًا وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ رَهْنًا بِتَمْرٍ أو حِنْطَةٍ فَحَلَّ الْحَقُّ فَبَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ بِتَمْرٍ أو حِنْطَةٍ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ ولايجوز ( ( ( فلا ) ) ) بَيْعُهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُشْتَرَى بها قَمْحٌ أو تَمْرٌ فيقضاه صَاحِبُ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُقَارِضِ لِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُقَارِضِ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ له مَعْرُوفٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ بِالدَّيْنِ فإذا بَاعَ بِالدَّيْنِ فَالرَّهْنُ ازْدِيَادٌ له وَلَا يَجُوزُ إرتهانه إلَّا في مَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنْ رَهَنَ عن غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ - * الْعَيْبُ في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرَّهْنُ رَهْنَانِ فَرَهْنٌ في أَصْلِ الْحَقِّ لَا يَجِبُ الْحَقُّ إلَّا بِشَرْطِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ على أَنْ يَرْهَنَهُ الرَّهْنَ يُسَمِّيَانِهِ فإذا كان هَكَذَا فَكَانَ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ في بَدَنِهِ أو عَيْبٌ في فِعْلِهِ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ وَعَلِمَ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْبَ قبل الِارْتِهَانِ فَلَا خِيَارَ له وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ ثَابِتَانِ وَإِنْ لم يَعْلَمْهُ الْمُرْتَهِنُ فَعَلِمَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بين فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِثْبَاتِهِ وَإِثْبَاتِ الرَّهْنِ لِلنَّقْصِ عليه في الرَّهْنِ كما يَكُونُ هذا في الْبُيُوعِ وَالْعَيْبُ الذي يَكُونُ له بِهِ الْخِيَارُ كُلُّ ما نَقَصَ ثَمَنُهُ من شَيْءٍ قَلَّ أو كَثُرَ حتى الْأَثَرِ الذي لَا يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَالْفِعْلِ فإذا كان قد عَلِمَهُ فَلَا خِيَارَ له وَلَوْ كان قَتَلَ أو ارْتَدَّ وَعَلِمَ ذلك الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ ارْتَهَنَهُ كان الرَّهْنُ ثَابِتًا فَإِنْ قُتِلَ في يَدَيْهِ فَالْبَيْعُ ثَابِتٌ وقد خَرَجَ الرَّهْنُ من يَدَيْهِ وَإِنْ لم يُقْتَلُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ فَقُطِعَ في يَدَيْهِ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ لم يَعْلَمْ بِارْتِدَادِهِ وَلَا قَتْلِهِ وَلَا سَرِقَتِهِ فَارْتَهَنَهُ ثُمَّ قُتِلَ في يَدِهِ أو قُطِعَ كان له فَسْخُ الْبَيْعِ وَلَوْ لم يَكُنْ الرَّاهِنُ دَلَّسَ لِلْمُرْتَهِنِ فيه بِعَيْبٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَالِمًا فَجَنَى في يَدَيْهِ جِنَايَةً أو أَصَابَهُ عَيْبٌ في يَدَيْهِ كان على الرَّهْنِ بِحَالِهِ وَلَوْ أَنَّهُ دَلَّسَ له فيه بِعَيْبٍ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ في يَدَيْهِ مَوْتًا قبل أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لم يَكُنْ له أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَهُ
____________________

(3/151)


لِمَا فَاتَ من الرَّهْنِ وَلَيْسَ هذا كما يُقْتَلُ بِحَقٍّ في يَدَيْهِ أو يُقْطَعُ في يَدَيْهِ وَهَكَذَا كُلُّ عَيْبٍ في رَهْنٍ ما كان حَيَوَانٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في الْعَيْبِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك الرَّهْنَ وهو بَرِيءٌ من الْعَيْبِ وقال الْمُرْتَهِنُ ما رَهَنْتَنِيهِ إلَّا مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِهِ إذَا كان الْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ البينه فَإِنْ أَقَامَهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ كما وَصَفْتُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ أو غَيْرَهُ على أَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا فَوَجَدَ بِالرَّهْنِ عَيْبًا أو لم يَجِدْهُ فَسَوَاءٌ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ سَلَفِهِ حَالًّا وَإِنْ كان سَمَّاهُ مُؤَجَّلًا وَلَيْسَ السَّلَفُ كَالْبَيْعِ وَرَهْنٍ يَتَطَوَّعُ بِهِ الرَّاهِنُ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بِغَيْرِ شَرْطِ رَهْنٍ فإذا وَجَبَ بَيْنَهُمَا الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ رَهَنَهُ الرَّجُلُ فَالرَّجُلُ مُتَطَوِّعٌ بِالرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ كان بِالرَّهْنِ عَيْبٌ ما كان أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان تَامًّا بِلَا رَهْنٍ وَلَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَلِكَ له إنْ شَاءَ لو كان في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَهُ لِأَنَّهُ كان حَقًّا له فَتَرَكَهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ وَالْمُصِيبِ لِلْحَدِّ لِأَنَّ ذلك لَا يُزِيلُ عنه الرِّقَّ فإذا قُتِلَ فَقَدْ خَرَجَ من الرَّهْنِ فإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَهَنَ عَبْدًا له فَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمُرْتَدِّ أَجَازَ رَهْنَهُ وَمَنْ رَدَّ بَيْعَهُ رَدَّ رَهْنَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) كان الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ رَهْنَ الْمُرْتَدِّ كما يُجَوِّزُ بَيْعَهُ - * الرَّهْنُ يَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ من ثِيَابٍ وَأَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضَهُ ولم يَقُلْ بِبِنَائِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ أَرْضَهُ ولم يَقُلْ بِشَجَرِهَا فَكَانَ فيها شَجَرٌ مُبَدَّدٌ أو غَيْرُ مُبَدَّدٍ فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الشَّجَرِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ إلَّا ما سُمِّيَ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرًا قد خَرَجَ من نخله قبل يَحِلَّ بَيْعُهُ وَنَخْلُهُ معه فَقَدْ رَهَنَهُ نَخْلًا وَثَمَرًا مَعَهَا فَهُمَا رَهْنٌ جَائِزٌ من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ له لو مَاتَ الرَّاهِنُ أو كان الْحَقُّ حَالًّا أَنْ يَبِيعَهُمَا من سَاعَتِهِ وَكَذَلِكَ لو كان إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِهِ قبل يَحِلَّ أو يَمُوتَ فَيَحِلُّ الْحَقُّ وإذا كان الْحَقُّ في هذا الرَّهْنِ جَائِزًا إلَى أَجَلٍ فَبَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ أو مَرْهُونًا مع النَّخْلِ حتى يَحِلَّ الْحَقُّ وَلَوْ حَلَّ الْحَقُّ فَأَرَادَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا دُونَ النَّخْلِ لم يَكُنْ له وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا لم يَكُنْ له إذَا لم يَأْذَنْ له الرَّاهِنُ في ذلك وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَةَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أو مُؤَبَّرَةً أو في أَيِّ حَالٍ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لم يَجُزْ الرَّهْنُ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو مُؤَجَّلًا إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا أو بَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ من الثَّمَرَةِ أنها تُتْرَكُ إلَى أَنْ تَصْلُحَ أَلَا تَرَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ لِمَعْرِفَةِ الناس أَنَّهُ يُتْرَكُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَأَنَّ حَلَالًا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ على أَنْ تُقْطَعَ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لِأَنَّهُ ليس الْمَعْنَى الذي نهى عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ رُهِنَ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ما لم يَجُزْ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا على أَنْ يُقْطَعَ إذَا حَلَّ الْحَقُّ فَيُبَاعُ مَقْطُوعًا بِحَالِهِ وإذا حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَلَّ رَهْنُهُ إلَى أَجَلٍ كان الْحَقُّ أو حَالًّا وإذا بَلَغَ ولم يَحِلَّ الْحَقُّ لم يَكُنْ لِلرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا كان يَبِسَ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ فإذا رضي قِيمَتَهُ رُهِنَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ فَيَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَلَا أَجْعَلُ دَيْنًا إلَى أَجَلٍ حَالًّا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَزِيَادَتُهَا في عِظَمِهَا وَطِيبِهَا رَهْنٌ له كما أَنَّ زِيَادَةَ الرَّهْنِ في يَدَيْهِ رَهْنٌ له فَإِنْ كان من الثَّمَنِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وكان يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ منه فَلَا يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ عن الْأَوَّلِ الْمَرْهُونِ لم يَجُزْ الرَّهْنُ في الْأَوَّلِ وَلَا في الْخَارِجِ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِينَئِذٍ ليس بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيه حتى يَقْطَعَ مَكَانَهُ أو يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يُقْطَعُ في مُدَّةٍ قبل أَنْ تَخْرُجَ الثَّمَرَةُ
____________________

(3/152)


التي تَخْرُجُ بَعْدَهُ أو بعد ما تَخْرُجُ قبل أَنْ يُشْكِلَ أَهِيَ من الرَّهْنِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا فإذا كان هذا جَازَ وَإِنْ تَرَكَ حتى تَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لَا يَتَمَيَّزُ حتى تُعْرَفَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كما يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّهْنَ من غَيْرِ الرَّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَفْسُدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ في قَدْرِ الثَّمَرَةِ المرهونه من الْمُخْتَلِطَةِ بها كما لو رَهَنَهُ حِنْطَةً أو تَمْرًا فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ أو تَمْرٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ في قَدْرِ الْحِنْطَةِ التي رَهَنَ مع يَمِينِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في الْبَيْعِ أنه إذَا بَاعَهُ ثَمَرًا فلم يَقْبِضْهُ حتى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى في شَجَرِهَا لَا تَتَمَيَّزُ الْحَادِثَةُ من الْمَبِيعِ قَبْلَهَا كان الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُسَلِّمَ له الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ مع الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ قد زَادَهُ خَيْرًا أو يَنْقُضَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ بَاعَ مِمَّا حَدَثَ من الثَّمَرَةِ وَالرَّهْنُ عِنْدِي مِثْلُهُ فَإِنْ رضي أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ مع الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يُفْسَخْ الرَّهْنُ وإذا رَهَنَهُ زَرْعًا على أَنْ يَحْصُدَهُ إذَا حَلَّ الْحَقُّ بِأَيِّ حَالٍ ما كان فَيَبِيعُهُ فَإِنْ كان الزَّرْعُ يَزِيدُ بِأَنْ يَنْبُتَ منه ما لم يَكُنْ نَابِتًا في يَدِهِ إذَا تَرَكَهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الرَّهْنَ منه الْخَارِجَ دُونَ ما يَخْرُجُ بَعْدَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الثَّمَرَةِ تَكُونُ طَلْعًا وَبَلَحًا صِغَارًا ثُمَّ تَصِيرُ رُطَبًا عِظَامًا وَبَيْنَ الزَّرْعِ قِيلَ الثَّمَرَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أنها تَعْظُمُ كما يَكْبُرُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بَعْدَ الصِّغَرِ وَيَسْمَنُ بَعْدَ الْهُزَالِ وإذا قُطِعَتْ لم يَبْقَ منها شَيْءٌ يُسْتَخْلَفُ وَالزَّرْعُ يُقْطَعُ أَعْلَاهُ وَيُسْتَخْلَفُ أَسْفَلُهُ وَيُبَاعُ منه شَيْءٌ قَصْلَةً بَعْدَ قَصْلَةٍ فَالْخَارِجُ منه غَيْرُ الرَّهْنِ وَالزَّائِدُ في الثَّمَرَةِ من الثَّمَرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه ما يُقْصَلُ إلَّا أَنْ يُقْصَلَ مَكَانَهُ قَصْلَةً ثُمَّ تُبَاعُ الْقَصْلَةُ الْأُخْرَى بَيْعَةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا كما يَجُوزُ بَيْعُهُ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلَاحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كما يَكُونُ عليه نَفَقَةُ الْعَبْدِ وإذا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَقْطَعَهَا قبل أَوَانِ قَطْعِهَا أو أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ ذلك مُنِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذلك حتى يَجْتَمِعَا عليه وإذا بَلَغَتْ إبَّانَهَا جُبِرَ الرَّاهِنُ على قَطْعِهَا لِأَنَّ ذلك من صَلَاحِهَا وَكَذَلِكَ لو أبي الْمُرْتَهِنُ جُبِرَ فإذا صَارَتْ تَمْرًا وُضِعَتْ على يَدَيْ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أو غَيْرِهِ فَإِنْ أَبَى الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ أَنْ يَضَعَهَا في مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لها مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فيه لِأَنَّ ذلك من صَلَاحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ وَإِلَّا يكترى عَلَيْك منها وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ شيئا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حين يَرْهَنُهُ إيَّاهُ وَإِنْ كان يَأْتِي عليه مُدَّةٌ يَحِلُّ بَعْدَهَا وهو مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ جَنِينَ الْأَمَةِ قبل أَنْ يُولَدَ على أنها إذَا وَلَدَتْهُ كان رَهْنًا وَمِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ما وَلَدَتْ أَمَتُهُ أو مَاشِيَتُهُ أو ما أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ ما ليس مِلْكُهُ له بِتَامٍّ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَمَرَةً قد بَدَا صَلَاحُهَا لَا يَمْلِكُهَا بِشِرَاءٍ وَلَا أُصُولِ نَخْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليه وَعَلَى قَوْمٍ بِصِفَاتِهِمْ بِثَمَرَةِ نَخْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَحْدُثُ في الصَّدَقَةِ معه من يُنْقِصُ حَقَّهُ وَلَا يَدْرِي كَمْ رَهَنَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جُلُودَ ميته لم تُدْبَغْ لِأَنَّ ثَمَنَهَا لَا يَحِلُّ ما لم تُدْبَغْ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا إذَا دُبِغَتْ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَعْدَ دِبَاغِهَا يَحِلُّ وَلَا يَرْهَنُهُ إيَّاهَا قبل الدِّبَاغِ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا قبل الدِّبَاغِ ثُمَّ دَبَغَهَا الرَّاهِنُ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّ عُقْدَةَ رَهْنِهَا كان وَبَيْعُهَا لَا يَحِلُّ وإذا وَهَبَ لِلرَّجُلِ هِبَةً أو تَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَرَهَنَهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا فَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا قبل يَتِمَّ له مِلْكُهَا فإذا أَحْدَثَ فيها رَهْنًا بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَتْ قال وإذا أوصي له بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الموصى فَرَهَنَهُ قبل أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ فَإِنْ كان يَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ ليس لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ إيَّاهُ إذَا خَرَجَ من الثُّلُثِ وَالْقَبْضُ وَغَيْرُ الْقَبْضِ فيه سَوَاءٌ وَلِلْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَنْعُهُ من الصَّدَقَةِ ما لم يَقْبِضْ وإذا وَرِثَ من رَجُلٍ عَبْدًا وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ بِالْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ لو أشتراه فَنَقَدَ ثَمَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ مُكَاتَبًا له فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ قبل الْحُكْمِ بِفَسْخِ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنِّي إنَّمَا انظر إلَى عَقْدِ الرَّهْنِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو قَطْعٌ لِخِيَارِهِ
____________________

(3/153)


وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ في الْعَبْدِ وإذا كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قبل مُضِيِّ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ إنفاد ( ( ( إنفاذ ) ) ) الْبَيْعِ ثُمَّ مَضَتْ الثَّلَاثُ أو اخْتَارَ الْمُشْتَرِي انفاذ الْبَيْعِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ على الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا رَجُلًا ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فلم يَقْتَسِمَاهُمْ حتى رَهَنَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا من الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ أو عَبْدَيْنِ ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ وَاسْتَخْلَصَ منه الْعَبْدَ الذي رَهَنَ أو الْعَبْدَيْنِ كانت أَنْصَافُهُمَا مرهونه له لِأَنَّ ذلك الذي كان يَمْلِكُ مِنْهُمَا وَأَنْصَافُهُمَا التي مَلَكَ بَعْدَ الرَّهْنِ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ فِيهِمَا رَهْنًا وَلَوْ أستحق صَاحِبُ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا شيئا خَرَجَ ما اسْتَحَقَّ مِنْهُمَا من الرَّهْنِ وَبَقِيَ ما لم يَسْتَحِقَّ من أَنْصَافِهِمَا مَرْهُونًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنه إذَا رَهَنَ شيئا له بَعْضُهُ وَلِغَيْرِهِ بَعْضُهُ فَالرَّهْنُ كُلُّهُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ صَفْقَةَ الرَّهْنِ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ ما يَمْلِكُ وما لَا يَمْلِكُ فلما جَمَعَتْهُمَا الصَّفْقَةُ بَطَلَتْ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ في الْبَيْعِ ( قال ) وَهَذَا أَشْبَهُ بِجُمْلَةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له أَخٌ هو وَارِثُهُ فَمَاتَ أَخُوهُ فَرَهَنَ دَارِهِ وهو لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ كان مَيِّتًا قبل رَهْنِ الدَّارِ كان الرَّهْنُ بَاطِلًا وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَرْهَنَهُ وهو مَالِكٌ له وَيَعْلَمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لو قال قد وُكِّلْتُ بِشِرَاءِ هذا الْعَبْدِ فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ إنْ كان اشترى لي فَوَجَدَ قد اشترى له لم يَكُنْ رَهْنًا قال فَإِنْ قال ( ( ( ارتهن ) ) ) المرتهن قد عَلِمَ أَنَّهُ قد صَارَ له بِمِيرَاثٍ أو شِرَاءٍ قبل أَنْ يَرْهَنَهُ احلف الرَّاهِنُ فَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الرَّهْنُ وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ على ما ادَّعَى ثَبَتَ الرَّهْنُ وَكَذَلِكَ لو رَأَى شَخْصًا لَا يَثْبُتُهُ فقال إنْ كان هذا فُلَانًا فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ لم يَكُنْ رَهْنًا وَإِنْ قَبَضَهُ حتى يُجَدِّدَ له مع الْقَبْضِ أو قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ رَهْنًا وَهَكَذَا إنْ رَأَى صُنْدُوقًا فقال قد كانت فيه ثِيَابُ كَذَا الثِّيَابُ يَعْرِفُهَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كانت فيه فَهِيَ لَك رَهْنٌ فَلَا تَكُونُ رَهْنًا وَإِنْ كانت فيه وَكَذَلِكَ لو كان الصُّنْدُوقُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَدِيعَةً وَفِيهِ ثِيَابٌ فقال قد كُنْت جَعَلْتُ ثِيَابِي التي كَذَا في هذا الصُّنْدُوقِ فَهِيَ رَهْنٌ وَإِنْ كانت فيه ثِيَابٌ غَيْرُهَا أو ثِيَابٌ مَعَهَا فَلَيْسَ بِرَهْنٍ فَكَانَتْ فيه الثِّيَابُ التي قال إنَّهَا رَهْنٌ لَا غَيْرَهَا فَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَهَكَذَا لو قال قد رَهَنْتُك ما في جِرَابِي وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَالرَّاهِنُ لَا يَعْرِفُهُ لم يَكُنْ رَهْنًا وَهَكَذَا إنْ كان الرَّاهِنُ يَعْرِفُهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ أَبَدًا إلَّا ما عَرَفَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَعَلِمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مِلْكٌ له يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ ذِكْرَ حَقٍّ له على رَجُلٍ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ ليس بِشَيْءٍ يُمْلَكُ إنَّمَا هو شَهَادَةٌ على رَجُلٍ بِشَيْءٍ في ذِمَّتِهِ وَالشَّيْءُ الذي في ذِمَّتِهِ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ يَجُوزُ رَهْنُهَا إنَّمَا تُرْهَنُ الْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ ثُمَّ لَا يَجُوزُ حتى تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مَقْبُوضَةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَتْهُ بِضَاعَةٌ أو مِيرَاثٌ كان غَائِبًا عنه لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ فَقَبَضَهُ له رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أو بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمَالِكُ الْقَابِضَ وَالْمَالِكُ لَا يَعْرِفُ قدرة لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا رَهَنَهُ عِلْمَ الْمُرْتَهِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الزِّيَادَةُ في الرَّهْنِ وَالشَّرْطُ فيه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ ذلك الرَّهْنَ من غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أو فَضْلَ ذلك الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ فَعَلَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ صَارَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْنَعَ رَقَبَتَهُ حتى تُبَاعَ فيستوفى حَقَّهُ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ سَأَلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بها مع الْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ وكان مَرْهُونًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَغَيْرَ مَرْهُونٍ بِالْأَلْفِ الآخره لِأَنَّهُ كان رَهْنًا بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فلم يَسْتَحِقَّ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ من مَنْعِ رَقَبَتِهِ على سَيِّدِهِ وَلَا غُرَمَائِهِ إلَّا ما اسْتَحَقَّ أَوَّلًا وَلَا يُشْبِهُ هذا الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْمَنْزِلَ سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهُ السَّنَةَ التي تَلِيهَا بِعِشْرِينَ لِأَنَّ السَّنَةَ الْأُولَى
____________________

(3/154)


غَيْرُ السَّنَةِ الْآخِرَةِ وَلَوْ أنهدم بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى رَجَعَ بِالْعِشْرِينِ التي هِيَ حَظُّ السَّنَةِ الْآخِرَةِ وَهَذَا رَهْنٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنَانِ فيه إلَّا مَعًا لَا مُفْتَرِقَيْنِ وَلَا أَنْ يَرْهَنَ مَرَّتَيْنِ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قبل أَنْ يُفْسَخَ كما لَا يَجُوزُ مَرَّتَيْنِ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَبْتَاعَهَا بِمِائَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِمِائَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيُجَدِّدَ بَيْعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ له الرَّهْنُ الْآخَرُ مع الْأَوَّلِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ وَجَعَلَ الرَّهْنَ بِأَلْفَيْنِ وَلَوْ لم يَفْسَخْ الرَّهْنَ وَأَشْهَدَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّ هذا الرَّهْنَ بيده بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وكان الرَّهْنُ بِأَلْفَيْنِ إذَا لم يَعْرِفْ كَيْفَ كان ذلك فإذا تَصَادَقَا بِأَنَّ هذا رَهْنٌ ثَانٍ بَعْدَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يُفْسَخْ لِمَا وَصَفْتُ وكان رَهْنًا بِالْأَلْفِ وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بها بَعْدُ شيئا جَازَ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا كانت غير واجبه عليه وَكَذَلِكَ لو زَادَهُ أَلْفًا أُخْرَى وَرَهَنَهُ بِهِمَا رَهْنًا كان الرَّهْنُ جَائِزًا وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بها ثُمَّ قال له بَعْدَ الرَّهْنِ اجْعَلْ لي الْأَلْفَ التي قبل هذا رَهْنًا مَعَهَا فَفَعَلَ لم يَجُزْ إلَّا بِمَا وَصَفْتُ من فَسْخِ الرَّهْنِ وَتَجْدِيدِ رَهْنٍ بِهِمَا مَعًا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ قال له زِدْنِي أَلْفًا على أَنْ ارهنك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ فَفَعَلَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الأخرة على زِيَادَةِ رَهْنٍ في الْأُولَى وَلَوْ كان قال بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ على أَنْ أُعْطِيَك بها وَبِالْأَلْفِ التي لَك عَلَيَّ بِلَا رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا وإذا شَرَطَ في الرَّهْنِ هذا الشَّرْطَ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ في سَلَفٍ أو حِصَّةٌ من بَيْعٍ مَجْهُولَةٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ من رَجُلٍ رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ مع رَهْنِهِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ كان الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ جَائِزًا لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ وَالرَّهْنَ الْآخَرَ زِيَادَةٌ معه لم تَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حتى جَعَلَهَا له الرَّاهِنُ فَكَانَ جَائِزًا كما جَازَ أَنْ يَكُونَ له حَقٌّ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ يرهنه ( ( ( برهنه ) ) ) بِهِ شيئا فَيَجُوزُ - * بَابُ ما يُفْسِدُ الرَّهْنَ من الشَّرْطِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرْوَى عن أبي هريره رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ لِمَالِكِهِ الرَّاهِنِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّكُوبَ وَالْحَلْبَ من مَلَكَ الرَّقَبَةَ وَالرَّقَبَةُ غَيْرُ الْمَنْفَعَةِ التي هِيَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا أو دَارًا أو غير ذلك فَسُكْنَى الدَّارِ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ وَخِدْمَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ ليس لِلْمُرْتَهِنِ منها شَيْءٌ فَإِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ أَنَّ له سُكْنَى الدَّارِ أو خِدْمَةَ الْعَبْدِ أو مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ أو شيئا من مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ ما كانت أو من أَيِّ الرَّهْنِ كانت دَارًا أو حَيَوَانًا أو غَيْرِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان أسلفة أَلْفًا على أَنْ يَرْهَنَهُ بها رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ذلك زِيَادَةٌ في السَّلَفِ وَإِنْ كان بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ وَشَرَطَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَلْفِهِ رَهْنًا وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ حِصَّةً من الثَّمَنِ غير مَعْرُوفَةٍ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يُعْرَفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو رَهَنَهُ دَارًا على أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ سُكْنَاهَا حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كان له أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ من الْغَدِ وَبَعْدَ سِنِينَ وَلَا يَعْرِفُ كَمْ ثَمَنُ السَّكَنِ وَحِصَّتُهُ من الْبَيْعِ وَحِصَّةُ الْبَيْعِ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْرُوفَةً مع فَسَادِهِ من أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَلَوْ جَعَلَ ذلك مَعْرُوفًا فقال ارهنك دَارِي سَنَةً على أَنَّ لَك سُكْنَاهَا في تِلْكَ السَّنَةِ كان الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَاسِدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ لَا أَعْرِفُ حِصَّةَ الآجارة أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لو انْتَقَضَتْ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَسْكَنَ أو يَنْهَدِمَ فَلَوْ قُلْت تَقُومُ السُّكْنَى وَتَقُومُ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ بِالْأَلْفِ فَتُطْرَحُ عنه حِصَّةُ السُّكْنَى من الْأَلْفِ وَأَجْعَلُ الْأَلْفَ بَيْعًا بِهِمَا وَلَا أَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا دخل عَلَيْك أَنَّ شَيْئَيْنِ مُلِكَا بِأَلْفٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فلم تَجْعَلْ لِلْمُشْتَرِي
____________________

(3/155)


خِيَارًا في هذا الْبَاقِي وهو لم يَشْتَرِهِ إلَّا مع غَيْرِهِ أَوَلَا تَرَى أَنَّك لو قُلْت بَلْ أَجْعَلُ له الْخِيَارَ دخل عَلَيْك أَنْ يَنْقُصَ بَيْعُ الرَّقَبَةِ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ مَعَهَا كِرَاءٌ ليس هو مِلْكُ رَقَبَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْكَنَ إذَا انْهَدَمَ في أَوَّلِ السَّنَةِ فَإِنْ قَوَّمْت كِرَاءَ السَّنَةِ في أَوَّلِهَا لم يُعْرَفْ قِيمَةُ كِرَاءِ آخِرِهَا لِأَنَّهُ قد يَغْلُو وَيَرْخُصُ وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ كُلُّ شَيْءٍ بِسُوقِ يَوْمِهِ وَلَا يُقَوَّمُ ما لم يَكُنْ له سُوقٌ مَعْلُومٌ فَإِنْ قُلْت بَلْ أُقَوِّمُ كُلَّ وَقْتٍ مَضَى وَأَتْرُكُ ما بَقِيَ حتى يَحْضُرَ فَأُقَوِّمُهُ قِيلَ لَك أَفَتَجْعَلُ مَالَ هذا مُحْتَبَسًا في يَدِ هذا إلَى أَجَلٍ وهو لم يُؤَجِّلْهُ قال فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قد تُجِيزُ هذا في الْكِرَاءِ إذَا كان مُنْفَرِدًا فيكترى منه الْمَنْزِلَ سَنَةً ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَرُدُّهُ عليه بِمَا بَقِيَ قِيلَ نعم وَلَكِنَّ حِصَّةَ الشَّهْرِ الذي أَخَذَهُ مَعْرُوفَةٌ لِأَنَّا لَا نُقَوِّمُهُ إلَّا بَعْدَ ما يُعْرَفُ بِأَنْ يمضى وَلَيْسَ مَعَهَا بَيْعٌ وَهِيَ إجَارَةٌ كُلُّهَا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا على أَنَّهُ ليس لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِكَذَا أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ ان يَبْلُغَ كَذَا أو يَزِيدَ عليه أو ليس له بَيْعُهُ إنْ كان رَبُّ الرَّهْنِ غَائِبًا أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له فُلَانٌ أو يَقْدُمَ فُلَانٌ أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا بِمَا رضي الرَّاهِنُ أو ليس له بَيْعُهُ إنْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قبل الْأَجَلِ أو ليس له بَيْعُهُ بَعْدَ ما يَحِلُّ الْحَقُّ إلَّا بِشَهْرٍ كان هذا الرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ حتى لَا يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا على أَنَّ الْحَقَّ إنْ حَلَّ وَالرَّهْنُ مَرِيضٌ لم يَبِعْهُ حتى يَصِحَّ أو أَعْجَفُ لم يَبِعْهُ حتى يَسْمَنَ أو ما أَشْبَهَ هذا كان الرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخًا وَلَوْ رَهَنَهُ حَائِطًا على أَنَّ ما أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو أَرْضًا على أَنَّ ما زُرِعَ في الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو مَاشِيَةً على أَنَّ ما نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ كان الرَّهْنُ الْمَعْرُوفُ بِعَيْنِهِ من الْحَائِطِ وَالْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا ولم يَدْخُلْ معه ثَمَرُ الْحَائِطِ وَلَا زَرْعُ الْأَرْضِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كان الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قبل الرَّهْنِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا رَهَنَهُ حَائِطًا على أَنَّ ما أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو أَرْضًا على أَنَّ ما زُرِعَ في الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ من قِبَلِ أَنَّهُ رَهَنَهُ ما يَعْرِفُ وما لَا يَعْرِفُ وما يَكُونُ وما لَا يَكُونُ وَلَا إذَا كان يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَكُونُ فلما كان هَكَذَا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا ( قال الرَّبِيعُ ) الْفَسْخُ أَوْلَى بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ دَارًا على أَنْ يَزِيدَهُ مَعَهَا دَارًا مِثْلَهَا أو عَبْدًا قِيمَتُهُ كَذَا غير أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ على شَرْطِ هذا الرَّهْنِ فُسِخَ الرَّهْنُ وكان لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لم يَتِمَّ له ما أشترط وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً على أَنَّ لِرَبِّهَا لَبَنَهَا وَنِتَاجَهَا أو حَائِطًا على أَنَّ لِرَبِّهِ ثَمَرَهُ أو عَبْدًا على أَنَّ لِسَيِّدِهِ خَرَاجَهُ أو دَارًا على أَنَّ لِمَالِكِهَا كِرَاءَهَا كان الرَّهْنُ جَائِزًا لِأَنَّ هذا لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ هو لِلْمُشْتَرِي لو لم يَشْتَرِطْهُ كان الشَّرْطُ جَائِزًا كَهَذَا الشَّرْطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ له لو لم يَشْتَرِطْهُ - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ مِمَّنْ يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَنْ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ ثَلَاثُ أَصْنَافٍ صَحِيحٌ وَآخَرُ مَعْلُولٌ وَآخَرُ فَاسِدٌ فَأَمَّا الصَّحِيحُ منه فَكُلُّ ما كان مِلْكُهُ تَامًّا لِرَاهِنِهِ ولم يَكُنْ الرَّهْنُ جَنَى في عُنُقِ نَفْسِهِ جِنَايَةً وَيَكُونُ الْمَجْنِيُّ عليه أَحَقَّ بِرَقَبَتِهِ من مَالِكِهِ حتى يستوفى ولم يَكُنْ الْمِلْكُ أَوْجَبَ فيه حَقًّا لِغَيْرِ مَالِكِهِ من رَهْنٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا كِتَابَةٍ وَلَا جَارِيَةٍ أَوْلَدَهَا أو دَبَّرَهَا وَلَا حَقًّا لِغَيْرِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ من سَيِّدِهِ حتى تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ فإذا رَهَنَ الْمَالِكُ هذا رَجُلًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَذَا الرَّهْنُ الصَّحِيحُ الذي لَا عِلَّةَ فيه وَأَمَّا الْمَعْلُولُ فَالرَّجُلُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ أو الْأَمَةَ أو الدَّارَ فَيَجْنِي الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ على آدَمِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً أو يَجْنِيَانِ على مَالِ آدَمِيٍّ فَلَا يَقُومُ الْمَجْنِيُّ عليه وَلَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا حتى يَرْهَنَهُمَا مَالِكَيْهِمَا وَيَقْبِضَهَا الْمُرْتَهِنُ فإذا ثَبَتَتْ الْبَيِّنَةُ على الْجِنَايَةِ
____________________

(3/156)


قبل الرَّهْنِ أو أَقَرَّ بها الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ لو أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ الْجِنَايَةَ عن الْعَبْدِ أو الْأَمَةِ أو صَالَحَهُ سَيِّدُهُمَا مِنْهُمَا على شَيْءٍ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ كان أَوْلَى بِحَقٍّ في رِقَابِهِمَا من مَالِكِهِمَا حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ في رِقَابِهِمَا أَرْشُ جِنَايَتِهِ أو قِيمَةُ مَالِهِ فإذا كان أَوْلَى بِثَمَنِ رِقَابِهِمَا من مَالِكِهِمَا حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ في رِقَابِهِمَا لم يَجُزْ لِمَالِكِهِمَا رَهْنُهُمَا وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ تَسْوَى دِينَارًا وَهُمَا يَسْوَيَانِ أُلُوفًا لم يَكُنْ ما فَضَلَ مِنْهُمَا رَهْنًا وَهَذَا أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُمَا رَهَنَهُمَا بِشَيْءٍ ثُمَّ رَهَنَهُمَا بَعْدَ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَحُولُ دُونَ بَيْعِهِمَا وَإِدْخَالُ حَقٍّ على حَقِّ صَاحِبِهِمَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ الذي هو أَحَقُّ بِهِ من مَالِكِهِمَا وَسَوَاءٌ ارْتَهَنَهُمَا الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ أو قبل عِلْمِهِ بها أو قال ارتهن مِنْك ما يَفْضُلُ عن الْجِنَايَةِ أو لم يَقُلْهُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ وفي رِقَابِهِمَا جِنَايَةٌ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُمَا وفي رِقَابِهِمَا رَهْنٌ بِحَالٍ وَلَا فَضْلٌ من رَهْنٍ بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو دَارًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ إيَّاهَا إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ رَهَنَهَا غَيْرَهُ لم تَكُنْ رَهْنًا لِلْآخَرِ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ قد يَنْقُصُ وَلَا يدرى كَمْ انْتِقَاصُهُ يَقِلُّ أو يَكْثُرُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو أَمَةً فَقَبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُمَا جَنَيَا قبل الرَّهْنِ جِنَايَةً وَادَّعَى ذلك وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ في عُنُقِ عَبْدِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ من دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ ما عَلِمَ الْجِنَايَةَ قبل رَهْنِهِ فإذا حَلَفَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أو لم يُقِرَّ بِالْجِنَايَةِ قبل رَهْنِهِ كان الْقَوْلُ في إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قبل أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ وَلَا يُؤْخَذُ من مَالِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ في شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا من قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ من قِبَلِ الرَّهْنِ وإذا فُكَّ من الرَّهْنِ وهو له فَالْجِنَايَةُ في رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كانت خَطَأً أو عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها وَإِنْ كانت عَمْدًا فيها قِصَاصٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ على الْعَبْدِ إذَا لم يُقِرَّ بها وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه إنْ كان مُوسِرًا أَخَذَ من السَّيِّدِ الْأَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ أو الْجِنَايَةِ فَدَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ في عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ على الْمَجْنِيِّ عليه بِرَهْنِهِ إيَّاهُ وكان كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وقد جَنَى وهو مُوسِرٌ وَقِيلَ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةِ وهو رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ من الرَّهْنِ وهو غَيْرُ مُصَدَّقٍ على الْمُرْتَهِنِ وَإِنَّمَا أَتْلَفَ على الْمَجْنِيِّ عليه لَا على الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَمَتَى خَرَجَ من الرَّهْنِ وهو في مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ في عُنُقِهِ وَإِنْ خَرَجَ من الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ على جِنَايَتِهِمَا قبل الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ عَبْدَانِ حَلَفَ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عليه مع شَاهِدِهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِمَا من الرَّهْنِ حتى يستوفى الْمَجْنِيُّ عليه جِنَايَتَهُ ثُمَّ يَكُونُ ما فَضَلَ من ثَمَنِهِمَا رَهْنًا مَكَانَهُمَا وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ لقد جَنَيَا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْحَقَّ بِالْجِنَايَةِ في رِقَابِهِمَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَحْلِفُ على حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا فلم يَقْبِضْهُ حتى أَقَرَّ بِعِتْقِهِ أو بِجِنَايَةٍ لِرَجُلٍ أو بِرَهْنٍ فيه قبل الرَّهْنِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ لم يَكُنْ مَرْهُونًا تَامَّ الرَّهْنِ إنَّمَا يَتِمُّ الرَّهْنُ فيه إذَا قَبَضَ وَلَوْ رَهَنَهُ العبد وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ كان أَكْثَرَ من إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً فَإِنْ كان مُوسِرًا أُخِذَتْ منه قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ بِيعَ له منه بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ الْفَضْلُ منه وَإِنْ بريء الْعَبْدُ من الرَّهْنِ في مِلْكِ الْمُقِرِّ بِالْعِتْقِ عَتَقَ وَإِنْ بِيعَ فَمَلَكَهُ سَيِّدُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ عَتَقَ عليه لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قبل الرَّهْنِ فَإِنْ لم تَأْتِ بِوَلَدٍ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ على وَطْئِهِ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ لم تَخْرُجْ من الرَّهْنِ حتى تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فإذا جَاءَتْ بِوَلَدٍ وقد قَامَتْ بَيِّنَةٌ على إقْرَارِهِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ خَرَجَتْ من الرَّهْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قبل الرَّهْنِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ كان الرَّهْنُ فَهُوَ إبنه وَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ
____________________

(3/157)


( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَكَذَلِكَ عِنْدِي إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ وَذَلِكَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَإِنْ كان إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ قبل الرَّهْنِ قال الرَّبِيعُ وهو قَوْلِي أَيْضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ كان الرَّهْنُ أو أَكْثَرَ فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْوَطْءِ كان كَإِقْرَارِ سَيِّدِهَا بِعِتْقِهَا أو أَضْعَفَ وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا تُبَاعُ حتى تَلِدَ وَوَلَدُهَا وَلَدُ حُرٍّ بِإِقْرَارِهِ وَمَتَى مَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له وَلَوْ لم يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ في جَمِيعِ الْمَسَائِلِ ولم يُنْكِرْ قِيلَ أن أَنْكَرْت وَحَلَفْت جَعَلْنَا الرَّهْنَ رَهْنَك وَإِنْ لم تَحْلِفْ أَحَلَفْنَا الرَّاهِنَ لَكَانَ ما قال قِبَلَ رَهْنِك وَأَخْرَجْنَا الرَّهْنَ من الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ له وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ فيها بِجِنَايَةٍ فلم يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ على عِلْمِهِ كان الْمَجْنِيُّ عليه أَوْلَى بها منه إذَا حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عليه أو وَلِيُّهُ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَرَهَنَهَا وَقُبِضَتْ ثُمَّ قال هو أو الْبَائِعُ إنَّك اشْتَرَيْتهَا مِنِّي على شَرْطٍ فذكر أَنَّهُ كان الشِّرَاءُ على ذلك الشَّرْطِ فَاسِدًا كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَا يَرْهَنُ إلَّا ما يَمْلِكُ وهو لم يَمْلِكْ ما رَهَنَ وَهَكَذَا لو رَهَنَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا من رَجُلٍ أو بَاعَهُ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ وَعَلَى الرَّاهِنِ الْيَمِينُ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ على الْمُقَرِّ له يَمِينٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ بِحَالِهِ وَلَا يُصَدَّقُ على إفْسَادِ الرَّهْنِ وَفِيمَا أَقَرَّ بِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَغْرَمَ لِلَّذِي أَقَرَّ له بِأَنَّهُ غَصَبَهَا منه قِيمَتَهَا فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الذي أَقَرَّ له بها إنْ شَاءَ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَكَانَتْ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَيْعًا لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا إيَّاهُ وَمَرْدُودَةٌ على الذي أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا منه شِرَاءً فَاسِدًا قال الرَّبِيعُ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو أَمَةً قد ارْتَدَّا عن الْإِسْلَامِ وَأَقْبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنَ كان الرَّهْنُ فِيهِمَا صَحِيحًا وَيُسْتَتَابَانِ فَإِنْ تَابَا وَإِلَّا قُتِلَا على الرِّدَّةِ وَهَكَذَا لو كَانَا قَطَعَا الطَّرِيقَ قُتِلَا إنْ قَتَلَا وَهَكَذَا لو كَانَا سَرَقَا قُطِعَا وَهَكَذَا لو كان عَلَيْهِمَا حَدٌّ أُقِيمَ وَهُمَا على الرَّهْنِ في هذا كُلِّهِ لَا يَخْتَلِفَانِ سَقَطَ عنهما الْحَدُّ أو عُطِّلَ بِحَالٍ لِأَنَّ هذا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا ليس بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ في رِقَابِهِمْ وَهَكَذَا لو أَتَيَا شيئا مِمَّا ذَكَرْت بَعْدَ الرَّهْنِ لم يَخْرُجَا من الرَّهْنِ بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَهُمَا وقد جَنَيَا جِنَايَةً كان صَاحِبُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِهِمَا من السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ أَعْفَاهُمَا أو فَدَاهُمَا سَيِّدُهُمَا أو كانت الْجِنَايَةُ قَلِيلَةً فَبِيعَ فيها أَحَدُهُمَا فليسا ( ( ( فليس ) ) ) بِرَهْنٍ من قِبَلِ أَنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ كان أَحَقَّ بِهِمَا من الْمُرْتَهِنِ حين كان الرَّهْنُ وَلَوْ كَانَا رَهَنَا وَقَبَضَا ثُمَّ جَنَيَا بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَا من الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ من الْمَجْنِيِّ عليه أو وَلِيِّهِ أو صُلْحٍ أو أَيِّ وَجْهٍ بَرِئَا من الْبَيْعِ فِيهِمَا كَانَا على الرَّهْنِ بِحَالِهِمَا لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كان صَحِيحًا وَأَنَّ الْحَقَّ في رِقَابِهِمَا قد سَقَطَ عنهما وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ قد أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ عِتْقًا قد يَقَعُ بِحَالٍ قبل حُلُولِ الرَّهْنِ فَلَا يَسْقُطُ الْعِتْقُ وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ قال قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ أو أَبْطَلْت التَّدْبِيرَ ثُمَّ رَهَنَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ لو قال بَعْدَ الرَّهْنِ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ قبل أَنْ أَرْهَنَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا وَلَوْ قال بَعْدَ الرَّهْنِ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ وَأَثْبَتَ الرَّهْنَ لم يَثْبُتْ إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ رَهْنًا بَعْدَ الرُّجُوعِ في التَّدْبِيرِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ في التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ من مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ وَإِنْ مَلَكَهُ ثَانِيَةً فَرَهَنَهُ جَازَ رَهْنُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ هذا كَعِتْقٍ إلَى غَايَةٍ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ من مِلْكِهِ قبل أَنْ يَقَعَ وَهَكَذَا الْمُعْتَقُ إلَى وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قال إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كان هَكَذَا وَلَوْ كان رَهْنُهُ عَبْدًا ثُمَّ دَبَّرَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ كان التَّدْبِيرُ مَوْقُوفًا حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يُقَالُ إنْ أَرَدْت إثْبَاتَ التَّدْبِيرِ فَاقْضِ الرَّجُلَ حَقَّهُ أو أَعْطِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ قَضَاءً من حَقِّهِ وَإِنْ لم تُرِدْهُ فَارْجِعْ في التَّدْبِيرِ بِأَنْ تَبِيعَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ الرُّجُوعَ في التَّدْبِيرِ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ أَخَذْنَا مِنْك قِيمَتَهُ فَدَفَعْنَاهَا إلَيْهِ فَإِنْ لم نَجِدْهَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ حتى يَقْضِيَ الرَّجُلُ حَقَّهُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُنِي أَنْ آخُذَ الْقِيمَةَ منه
____________________

(3/158)


قبل مَحِلِّ الْحَقِّ أَنَّ الْحَقَّ كان إلَى اجل لو كان الْعَبْدُ سَالِمًا من التَّدْبِيرِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ ولم يَكُنْ التَّدْبِيرُ عِتْقًا وَاقِعًا سَاعَتَهُ تِلْكَ وكان يُمْكِنُ أَنْ يَبْطُلَ فَتَرَكْت أَخْذَ الْقِيمَةِ منه حتى يَحِلَّ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عَبْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ كان له وَفَاءٌ يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ منه عَتَقَ الْمُدَبَّرُ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَكُنْ له ما يقضى حَقَّهُ منه ولم يَدَعْ مَالًا إلَّا الْمُدَبَّرَ بِيعَ من الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ الْحَقِّ فَإِنْ فَضَلَ منه فَضْلٌ عَتَقَ ثُلُثُ ما بَقِيَ من الْمُدَبَّرِ بَعْدَ قَضَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ وَإِنْ كان له ما يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ بَعْضَ حَقِّهِ قَضَيْته وَبِيعَ له من الْعَبْدِ الرَّهْنِ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ ما يَبْقَى من دَيْنِهِ وَعَتَقَ ما يَبْقَى منه في الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا له قد أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أو أَكْثَرَ من سَنَةٍ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِلْعِتْقِ الذي فيه وَهَذَا في حَالِ الْمُدَبَّرِ أو أَكْثَرَ حَالًا منه لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيه بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أو أَكْثَرَ من سَنَةٍ كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ ثُمَّ يُدَبِّرُهُ وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْ ما رَهَنَهُ وَلَوْ لم يَرْفَعْ الرَّاهِنُ الْحُكْمَ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَمْلِكَ الْعَبْدَ بَعْدُ فَأَرَادَ إقْرَارَهُ على الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا حتى يُجَدِّدَا فيه رَهْنًا مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا لِرَجُلٍ غَائِبٍ حَيٍّ أو لِرَجُلٍ مَيِّتٍ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهِ لِلرَّاهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ قَبِلَهُ الرَّاهِنُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لَا يَجُوزُ حتى يَرْهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ وَلَوْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو يَمْلِكُهُ كان رَهْنًا وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْيَمِينُ ما رَهَنَهُ منه إلَّا وهو يَمْلِكُهُ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الرَّاهِنُ ما رَهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ ثُمَّ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَصِيرًا حُلْوًا كان الرَّهْنُ جَائِزًا ما بَقِيَ عَصِيرًا بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَكُونَ خَلًّا أو مُزًّا أو شيئا لَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وَهَذَا كَعَبْدٍ رَهَنَهُ ثُمَّ دَخَلَهُ عَيْبٌ أو رَهَنَهُ مَعِيبًا فَذَهَبَ عنه الْعَيْبُ أو مَرِيضًا فَصَحَّ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ لِأَنَّ بَدَنَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ حَالٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ حَرَامًا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَهُوَ لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَصَبَّ فيه الرَّاهِنُ خَلًّا أو مِلْحًا أو مَاءً فَصَارَ خَلًّا كان رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ صَارَ خَمْرًا ثُمَّ صَبَّ فيه الرَّاهِنُ خَلًّا أو مِلْحًا أو مَاءً فَصَارَ خَلًّا خَرَجَ من الرَّهْنِ حين صَارَ خَمْرًا ولم يَحِلَّ لِمَالِكِهِ تملكه وَلَا تَحِلُّ الْخَمْرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَبَدًا إذَا فَسَدَتْ بِعَمَلِ آدَمِيٍّ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا من غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا أَحْسَبُهُ يَعُودُ خَمْرًا ثُمَّ يَعُودُ خَلًّا بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ في الْأَصْلِ خَلًّا فَلَا يُنْظَرُ إلَى تَصَرُّفِهِ فِيمَا بين أَنْ كان عَصِيرًا إلَى أَنْ كان خَلًّا وَيَكُونُ إنقلابه عن الْحَلَاوَةِ وَالْحُمُوضَةِ مَنْزِلَةً انْقَلَبَ عنها كما انْقَلَبَ عن الْحَلَاوَةِ الْأُولَى إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَصِيرِهِ إذَا كان بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ وَلَوْ تَبَايَعَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يَرْهَنَهُ عَصِيرًا بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ صَارَ في يَدَيْهِ خَمْرًا خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَسَادِ الرَّهْنِ كما لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَلَوْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ هذا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فإذا هو من سَاعَتِهِ خَمْرٌ كان له الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لم يَتِمَّ له الرَّهْنُ وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْعَصِيرِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ عَادَ في يَدَيْك خَمْرًا وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ هذا يَحْدُثُ كما لو بَاعَهُ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فقال الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ وَبِهِ الْعَيْبُ وقال الْبَائِعُ حَدَثَ عِنْدَك كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال يُهْرَاقُ الْخَمْرُ وَلَا رَهْنَ له وَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له أَنَّهُ قَبَضَ منه شيئا يَحِلُّ إرتهانه بِحَالٍ لِأَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هذا كَالْعَيْبِ الذي يَحِلُّ مِلْكُ الْعَبْدِ وهو بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ ثَابِتًا بِلَا رَهْنٍ
____________________

(3/159)


أو يَفْسَخَ الْبَيْعَ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الرَّهْنَ على أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ إنْ كانت دَارًا سَكَنَهَا أو دَابَّةً رَكِبَهَا فَالشَّرْطُ في الرَّهْنِ بَاطِلٌ وَلَوْ كان اشْتَرَى منه على هذا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إقْرَارِهِ بِالرَّهْنِ وَلَا شَرْطَ له فيه وَلَا يَفْسُدُ هذا الرَّهْنُ إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مع الرَّهْنِ بَطَلَتْ لَا الرَّهْنُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ ان الْبَيْعَ إذَا كان على هذا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بِكُلِّ حَالٍ وهو أَصَحُّهُمَا قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَمَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هذا ليس بِتَفْرِقَةٍ منه - * الرَّهْنُ الْفَاسِدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ مُكَاتَبَهُ قبل أَنْ يَعْجِزَ وَلَوْ عَجَزَ لم يَكُنْ على الرَّهْنِ حتى يُجَدِّدَ له رَهْنًا يَقْبِضُهُ بَعْدَ عَجْزِهِ وَلَوْ ارْتَهَنَ منه أُمَّ وَلَدِهِ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ أو يَرْتَهِنُ من الرَّجُلِ ما لَا يَحِلُّ له بَيْعُهُ مِثْلَ الْخَمْرِ والميته وَالْخِنْزِيرِ أو يَرْتَهِنُ منه ما لَا يَمْلِكُ فيقول أَرْهَنُك هذه الدَّارَ التي أنا فيها سَاكِنٌ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا أو هذا الْعَبْدَ الذي هو في يَدَيَّ عَارِيَّةً أو بِإِجَارَةٍ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهُ على أَنِّي اشْتَرَيْته ثُمَّ يَشْتَرِيهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ رَهْنًا حتى يَنْعَقِدَ الرَّهْنُ وَالْقَبْضُ فيه معا وَالرَّاهِنُ مَالِكٌ له يَجُوزُ بَيْعُهُ قبل الرَّهْنِ ومعه ( ( ( وبيعه ) ) ) وَلَوْ عَقَدَ الرَّهْنَ وهو لَا يَجُوزُ له رَهْنُهُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وهو يَجُوزُ رَهْنُهُ لم يَكُنْ رَهْنًا حتى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ مَعًا وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ الدَّارَ وَهِيَ رَهْنٌ ثُمَّ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ فيها فَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا وَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيها حتى يَحْدُثَ له رَهْنًا يَقْبِضُهَا بِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ من أَنْ تَكُونَ رَهْنًا لِرَجُلٍ أو مِلْكًا لِغَيْرِ الرَّاهِنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا ذِكْرَ حَقٍّ له على رَجُلٍ قبل ذلك الذي عليه ذِكْرُ الْحَقِّ أو لم يَقْبَلْهُ لِأَنَّ إذْكَارَ الْحُقُوقِ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ لِلرَّاهِنِ فَيَرْهَنُهَا الْمُرْتَهِنُ وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ في ذِمَّةِ الذي عليه الْحَقُّ فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ مِلْكًا وَالذِّمَّةُ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِلْكًا فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ فيها في قَوْلِ من اجاز بَيْعَ الدَّيْنِ وَمَنْ لم يُجِزْهُ أَرَأَيْت إنْ قَضَى الذي عليه ذِكْرُ الْحَقِّ الْمَرْهُونَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ أَمَا يَبْرَأُ من الدَّيْنِ فإذا بريء منه انْفَسَخَ رهن الْمُرْتَهِنُ لِلدَّيْنِ بِغَيْرِ فَسْخِهِ له وَلَا اقْتِضَائِهِ لِحَقِّهِ وَلَا إبْرَائِهِ منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنٌ إلَى الرَّاهِنِ فَسْخُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قِيلَ فَيَتَحَوَّلُ رَهْنُهُ فِيمَا اقْتَضَى منه قِيلَ فَهُوَ إذَا رَهَنَهُ مَرَّةً كِتَابًا ومرة ( ( ( ومالا ) ) ) مالا وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا وهو إذَا كان له مَالٌ غَائِبٌ فقال أَرْهَنُك مَالِي الْغَائِبَ لم يَجُزْ حتى يُقْبَضَ وَالْمَالُ كان غير مَقْبُوضٍ حين رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو فَاسِدٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَلَوْ أرتهن رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ رَهَنَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا الْعَبْدَ الذي ارْتَهَنَ أو قال حَقِّي في الْعَبْدِ الذي ارْتَهَنْت لَك رَهْنٌ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ فيه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ الذي ارْتَهَنَ وَإِنَّمَا له شَيْءٌ في ذِمَّةِ مَالِكِهِ جَعَلَ هذا الرَّهْنَ وَثِيقَةً منه إذَا أَدَّاهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَ من عُنُقِ هذا أو رَأَيْت إنْ أَدَّى الرَّاهِنُ الْأَوَّلُ الْحَقَّ أو أَبْرَأَهُ منه الْمُرْتَهِنُ أَمَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَيَكُونُ الْحَقُّ الذي كان فيه رَهْنًا إذَا قَبَضَهُ مَكَانَهُ قِيلَ فَهَذَا إذًا مع أَنَّهُ رَهَنَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُهُ رَهَنَ مَرَّةً في عَبْدٍ وَأُخْرَى في دَنَانِيرَ بِلَا رِضَا الْمُرْتَهِنِ الْآخَرِ أَرَأَيْت لو رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ مَكَانَ الْعَبْدِ خَيْرًا منه وَأَكْثَرَ ثَمَنًا أَكَانَ ذلك له فَإِنْ قال ليس هذا له فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان رَهْنًا له لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَاهُ ما فيه خَرَجَ من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يُقْبِضْ مرتهنه ( ( ( ارتهنه ) ) ) ماله فيه وَإِنْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ قد رَهَنْتُك أَوَّلَ عَبْدٍ لي يَطْلُعُ عَلَيَّ أو أي عَبْدٍ وَجَدْته في دَارِي فَطَلَعَ عليه عَبْدٌ له أو وَجَدَ عَبْدًا في داره ( ( ( دار ) ) ) فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَنْعَقِدَ على شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ ما خَرَجَ من صَدَفِي من اللُّؤْلُؤِ وَكَذَلِكَ ما خَرَجَ من حَائِطِي من الثَّمَرِ وهو لَا ثَمَرَ فيه فَالرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ حتى يُجَدِّدَ له رَهْنًا بعد ما يَكُونُ
____________________

(3/160)


عَيْنًا تُقْبَضُ وَلَوْ قال رَهَنْتُك أَيَّ دُورِي شِئْت أو أَيَّ عَبِيدِي شِئْت فَشَاءَ بَعْضَهُمْ وَأَقْبَضَهُ إياه ( ( ( إياها ) ) ) لم يَكُنْ رَهْنًا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حتى يُجَدِّدَ فيه رَهْنًا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا سُكْنَى دَارٍ له مَعْرُوفَةٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا لم يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ السُّكْنَى لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ مُحْتَبَسَةٍ وَأَنَّهُ لو حَبَسَ الْمَسْكَنَ لم يَكُنْ فيه مَنْفَعَةٌ لِلْحَابِسِ وكان فيه ضَرَرٌ على الرَّهْنِ وَلَوْ قال رَهَنْتُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يُكْرِيهِ وَيَأْخُذُ كِرَاءَهُ كان إنَّمَا رَهَنَهُ شيئا لَا يَعْرِفُهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَلَوْ قال أَرْهَنُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يَسْكُنُهُ لم يَكُنْ هذا كِرَاءً جَائِزًا وَلَا رَهْنًا لِأَنَّ الرَّهْنَ ما لم يَنْتَفِعْ الْمُرْتَهِنُ منه إلَّا بِثَمَنِهِ فَإِنْ سَكَنَ على هذا الشَّرْطِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ السُّكْنَى الذي سَكَنَ وَلَوْ كان لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَرَهَنَهُ من رَجُلٍ ثُمَّ قال لِرَجُلٍ آخَرَ قد رَهَنْتُك من عَبْدِي الذي رَهَنْت فُلَانًا ما فَضَلَ عن حَقِّهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ وسلم الْعَبْدُ فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ أو لم يَرْضَ وقد قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ الرَّهْنَ أو لم يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مُنْتَقَضٌ لِأَنَّهُ لم يَرْهَنْهُ ثُلُثًا وَلَا رُبُعًا وَلَا جُزْءًا مَعْلُومًا من عَبْدٍ وَإِنَّمَا رَهَنَهُ ما لَا يَدْرِي كَمْ هو من الْعَبْدِ وَلَا كَمْ هو من الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ على هذا وهو رَهْنٌ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ مِائَةً وقال إجعل لي الْفَضْلَ عن الْمِائَةِ الْأُولَى رَهْنًا بِالْمِائَةِ الْآخِرَةِ فَفَعَلَ كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ اُرْتُهِنَ بِالْمِائَتَيْنِ مَعًا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أو أَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا بِحَقَّيْهِمَا وَسَمَّيَاهُ وَادَّعَيَا ذلك مَعًا أَجَزْت ذلك فإذا أَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ رَهْنًا بَعْدَ رَهْنٍ لم يُقْبَلْ ولم يَجُزْ الرَّهْنُ قال وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مِائَةٌ فَرَهَنَهُ بها دَارًا ثُمَّ سألة أَنْ يزيدة رَهْنًا فَزَادَهُ رَهْنًا غير الدَّارِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَهَذَا كَرَجُلٍ كان له على رَجُلٍ حق ( ( ( حتى ) ) ) بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو خِلَافُ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا دَارًا بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّ هذا الدَّارَ رَهْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِأَلْفَيْنِ هذه الْأَلْفُ وَأَلْفٌ سِوَاهَا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَلْفٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي الرَّهْنَ الْمُقَرَّ له الْمُرْتَهِنُ بِلَا رَهْنٍ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الرَّهْنِ وَالْأَلْفُ التي لم يُقِرَّ فيها بِالرَّهْنِ عليه بِلَا رَهْنٍ في هذا الرَّهْنِ وَالْأُولَى بِالرَّهْنِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ أَقَرَّ أَنَّ هذه الدَّارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَنَسَبَ ذلك إلَى أَنَّ الْأَلْفَ التي بإسمه بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذي أَقَرَّ له لَزِمَهُ إقْرَارُهُ وَكَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وهو كَرَجُلٍ له على رَجُلٍ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّ ذلك الْحَقَّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ على ما أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ حَقًّا فقال قد رَهَنْتُكَهُ بِمَا فيه وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كان الرَّهْنُ بِمَا فيه إنْ كان فيه شَيْءٌ مُنْفَسِخًا من قِبَلِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْرِي ما فيه أَرَأَيْت لو لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ أو كان فيه شَيْءٌ لَا قِيمَةَ له فقال الْمُرْتَهِنُ قَبِلْته وأنا أَرَى أَنَّ فيه شيئا ذَا ثَمَنٍ أَلَمْ يَكُنْ ارْتَهَنَ ما لم يَعْلَمْ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ جِرَابٌ بِمَا فيه وَخَرِيطَةٌ بِمَا فيها وَبَيْتٌ بِمَا فيه من الْمَتَاعِ وَلَوْ رَهَنَهُ في هذا كُلِّهِ الْحَقَّ دُونَ ما فيه أو قال الْحَقُّ ولم يُسَمِّ شيئا كان الْحَقُّ رَهْنًا وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ دُونَ ما فيه وَكَذَلِكَ كُلُّ ما سُمِّيَ دُونَ ما فيه وكان الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إنْ كان عليه أو إرتهان الْحَقِّ دُونَ ما فيه وَهَذَا في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ إنْ كان عليه مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيها إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ ما فيها لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْحَقِّ وَالْبَيْتِ أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً وَالظَّاهِرُ من الْخَرِيطَةِ أَنْ لَا قِيمَةَ لها وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالرَّهْنِ ما فيها قال وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ من رَجُلٍ نَخْلًا مُثْمِرًا ولم يُسَمِّ الثَّمَرَ فَالثَّمَرُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ كان طَلْعًا أو بُسْرًا أو كَيْفَ كان فَإِنْ كان قد خَرَجَ طَلْعًا كان أو غَيْرَهُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُرْتَهِنُ مع النَّخْلِ فَهُوَ جَائِزٌ وهو رَهْنٌ مع النَّخْلِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى وَكَذَلِكَ لو ارْتَهَنَ الثَّمَرَ بعد ما خَرَجَ ورؤى ( ( ( ورئي ) ) ) جَازَ الرَّهْنُ وَلَهُ تَرْكُهُ في نَخْلِهِ حتى يَبْلُغَ وَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا لَا بُدَّ له منه مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَيَصْلُحُ في شَجَرِهِ إلَّا بِهِ كما يَكُونُ عليه نَفَقَةُ عَبْدِهِ إذَا رَهَنَهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا نَخْلًا لَا ثَمَرَةَ
____________________

(3/161)


فيها على ان ما خَرَجَ من ثَمَرِهَا رَهْنٌ أو مَاشِيَةٌ لَا نِتَاجَ مَعَهَا على أَنَّ ما نَتَجَتْ رَهْنٌ كان الرَّهْنُ في الثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ ارْتَهَنَ شيئا مَعْلُومًا وَشَيْئًا مَجْهُولًا وَمَنْ أَجَازَ هذا في الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ما أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ الْعَامَ وما نَتَجَتْ مَاشِيَتُهُ الْعَامَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ أَرْهَنُك ما حَدَثَ لي من نَخْلٍ أو مَاشِيَةٍ أو ثَمَرَةِ نَخْلٍ أو أَوْلَادِ مَاشِيَةٍ وَكُلُّ هذا لَا يَجُوزُ فَإِنْ ارْتَهَنَهُ على هذا فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَإِنْ اخذ من الثَّمَرَةِ شيئا فَهُوَ مَضْمُونٌ عليه حتى يَرُدَّ مثله وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ في النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ التي هِيَ بِأَعْيَانِهَا بِفَسَادِ ما شُرِطَ مَعَهَا في قَوْلِ من أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيَجِدُ أَحَدَهُمَا حُرًّا أو عَبْدًا أو زِقَّ خَمْرٍ فَيُجِيزُ الْجَائِزَ وَيَرُدُّ الْمَرْدُودَ معه وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أن الرَّهْنَ كُلَّهُ يَفْسُدُ في هذا كما يَفْسُدُ في الْبُيُوعِ لَا يَخْتَلِفُ فإذا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الرَّهْنِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ جَائِزٍ فَسَدَا مَعًا وَبِهِ أَخَذَ الرَّبِيعُ وقال هو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ رَجُلًا كَلْبًا لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له وَكَذَلِكَ كُلُّ ما لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَوْ رَهَنَهُ جُلُودَ ميته لم تُدْبَغْ لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَوْ دُبِغَتْ بَعْدُ لم يَجُزْ فَإِنْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بعد ما دُبِغَتْ جَازَ الرَّهْنُ لِأَنَّ بَيْعَهَا في تِلْكَ الْحَالِ يَحِلُّ وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ مع وَرَثَةِ غَيْبٍ دَارًا فَرَهَنَ حَقَّهُ فيها لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَهُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو سَهْمًا من أَسْهُمٍ فإذا سَمَّى ذلك وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ جَازَ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا على أَنَّهُ إنْ لم يَأْتِ بِالْحَقِّ عِنْدَ مَحِلِّهِ فَالرَّهْنُ بَيْعٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْمُرْتَهِنُ فيه اسوة الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ بَيْعًا له بِمَا قال لِأَنَّ هذا لَا رَهْنٌ وَلَا بَيْعٌ كما يَجُوزُ الرَّهْنُ أو الْبَيْعُ وَلَوْ هَلَكَ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قبل مَحِلِّ الْأَجَلِ لم يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ وكان حَقُّهُ بِحَالِهِ كما لَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ وَلَا الْفَاسِدَ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ في يَدَيْهِ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِصَصًا بين أَهْلِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ في يَدَيْهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَلَوْ كان هذا الرَّهْنُ الذي فيه هذا الشَّرْطُ أَرْضًا فبني فيها قبل مَحِلِّ الْحَقِّ قَلَعَ بِنَاءَهُ منها لِأَنَّهُ بَنَى قبل أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْعًا فَكَانَ بَانِيًا قبل أَنْ يُؤْذَنَ له بِالْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ قَلَعَهُ وَلَوْ بَنَاهَا بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبُقْعَةُ لِرَاهِنِهَا وَالْعِمَارَةُ لِلَّذِي عَمَّرَ مَتَى أَعْطَى صَاحِبُ الْبُقْعَةِ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ قَائِمَةً أَخْرَجَهُ منها وَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ بِغَيْرِ قِيمَةِ الْعِمَارَةِ لِأَنَّ بِنَاءَهُ كان بِإِذْنِهِ على الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَخْرُجُ من بِنَائِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْبُقْعَةِ إلَّا بِقِيمَتِهِ قَائِمًا وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ الْمَتَاعَ ثُمَّ قال كُلُّ ما اشْتَرَيْت مِنْك أو اشْتَرَى مِنْك فُلَانٌ في يَوْمَيْنِ أو سَنَتَيْنِ أو أَكْثَرَ أو على الْأَبَدِ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَكُونَ مَعْلُومًا بِحَقٍّ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لو دَفَعَهُ إلَيْهِ رَهْنًا بِعَشَرَةٍ عن نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ ثُمَّ قال كُلُّ ما كان لَك عَلَيَّ من حَقٍّ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ مع الْعَشَرَةِ أو كُلُّ ما صَارَ لَك عَلَيَّ من حَقٍّ فَهَذَا مَرْهُونٌ لَك بِهِ كان رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْمَعْلُومَةِ التي قَبَضَ عليها ولم يَكُنْ مَرْهُونًا بِمَا صَارَ له عليه وَعَلَى فُلَانٍ لِأَنَّهُ كان غير مَعْلُومٍ حين دَفَعَ الرَّهْنَ بِهِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَتَاعُ في يَدَيْ الْمَدْفُوعِ في يَدَيْهِ قبل أَنْ يشترى منه شيئا أو يَكُونَ له على فُلَانٍ شَيْءٌ أو بَعْدُ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عليه كما لَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ وَلَا الْفَاسِدَ إذَا هَلَكَ وَلَوْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ دَارًا رَهَنَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ ازْدَادَ منه أَلْفًا فَجَعَلَ الدَّارَ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ كانت الدَّارُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى ولم تَكُنْ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ وَإِنْ كان عليه دَيْنٌ بِيعَتْ الدَّارُ فبدى الْمُرْتَهِنُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى من ثَمَنِ الدَّارِ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ في ثَمَنِ الدَّارِ وفي مَالٍ إنْ كان لِلْغَرِيمِ سِوَاهَا فإذا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ له أَنْ تَكُونَ الدَّارُ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَنْ تَكُونَ مَرْهُونَةً بِأَلْفَيْنِ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بالف ثُمَّ تَقَارَّا على أنها رَهْنٌ بِأَلْفَيْنِ أَلْزَمَتْهُمَا إقْرَارَهُمَا لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ مَفْسُوخٌ وَتَجَدَّدَ فيها رَهْنٌ صَحِيحٌ بِأَلْفَيْنِ وإذا
____________________

(3/162)


كان الْإِقْرَارُ أَلْزَمْته صَاحِبَهُ قال وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ما يَفْسُدُ من يَوْمِهِ أو غَدِهِ أو بَعْدَ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أو مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ يَابِسًا مِثْلَ الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ وما أَشْبَهَهُ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا فَلَا بَأْسَ بِارْتِهَانِهِ وَيُبَاعُ على الرَّاهِنِ وَإِنْ كان الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ يتباقى إلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ يَفْسُدُ إلَيْهِ الرَّهْنُ كَرِهْتُهُ ولم أَفْسَخْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من فَسْخِهِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ بَيْعَهُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ على أَنْ يعطى صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِنَّ الرَّاهِنَ قد يَمُوتُ من سَاعَتِهِ فَيُبَاعُ فَإِنْ تَشَارَطَا في الرَّهْنِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ أو أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَاتَ لم يَبِعْهُ إلَى يَوْمِ كَذَا وهو يَفْسُدُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ رَهَنَهُ ما يَصْلُحُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِثْلَ اللَّحْمِ الرَّطْبِ يَيْبَسُ وَالرُّطَبُ يَيْبَسُ وما أَشْبَهَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا لَا أَكْرَهُهُ بِحَالٍ ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ تَيْبِيسُهُ حتى يَأْذَنَ بِذَلِكَ الرَّاهِنُ فَإِنْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ في الْمَسَائِلِ كُلِّهَا بَيْعَ الرَّهْنِ خَوْفَ فَسَادِهِ إذَا لم يَأْذَنْ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَيْبِيسِ ما يَصْلُحُ لِلتَّيْبِيسِ منه لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ وَكَذَلِكَ كَرِهْت رَهْنَهُ وَإِنْ لم أَفْسَخْهُ - * زِيَادَةُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ أو غير حُبْلَى فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ في رَقَبَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ ما يَحْدُثُ منها وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْمَاشِيَةَ مَخَاضًا فَنَتَجَتْ أو غير مَخَاضٍ فَمَخَضَتْ وَنَتَجَتْ فَالنِّتَاجُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ شَاةً فيها لَبَنٌ فَاللَّبَنُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ الشَّاةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قِيلَ اللَّبَنُ إذَا كان فيها حين رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا كما يَكُونُ إذَا بَاعَهَا كان اللَّبَنُ لِمُشْتَرِيهَا وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كانت مَخَاضًا وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ إذَا كانت حُبْلَى يوم يَرْهَنُهَا فما حَدَثَ بَعْدَ ذلك من اللَّبَنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً عليها حُلِيٌّ كان الْحُلِيُّ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ نَخْلًا أو شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ كانت الثَّمَرَةُ خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ الشَّجَرَةِ قال وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هذا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا في رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ وما يَحْدُثُ منه مِمَّا قد يَتَمَيَّزُ منه غَيْرُهُ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كان الْكَسْبُ خَارِجًا من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْوِلَادُ وَالنِّتَاجُ وَاللَّبَنُ وَكَسْبُ الرَّهْنِ كُلُّهُ لِلرَّاهِنِ ليس لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ شيئا عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ على يَدَيْهِ رَهْنٌ وَلَا يُمْنَعُ سَيِّدُهُ من أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِمَّنْ شَاءَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَحْضُرَ إجَارَتَهُ حَضَرَهَا وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَنْ يَخْدُمَهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فإذا كان اللَّيْلُ أَوَى إلَى الذي هو على يَدَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ إخْرَاجَهُ من الْبَلَدِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ إخْرَاجَهُ من الْبَلَدِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ منه وإذا مَرِضَ الْعَبْدُ أُخِذَ الرَّاهِنُ بِنَفَقَتِهِ وإذا مَاتَ أُخِذَ بِكَفَنِهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ على يَدَيْ إمرأة ثِقَةٍ لِئَلَّا يُغِبَّ عليها رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا وَلَا أَفْسَخُ رَهْنَهَا إنْ رَهَنَهَا فَإِنْ كان لِلرَّجُلِ الموضوعه على يَدَيْهِ أَهْلٌ أَقْرَرْتهَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ نِسَاءٌ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ لَا يَخْلُوَ الذي هِيَ على يَدَيْهِ بها أَقْرَرْتهَا رَهْنًا وَمَنَعْت الرَّجُلَ غير سَيِّدِهَا الْمُغِبِّ عليها لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بإمرأة وَقُلْتُ تَرَاضَيَا بِامْرَأَةٍ تُغُيِّبَ عليها وَإِنْ أَرَادَ
____________________

(3/163)


سَيِّدُهَا أَخْذَهَا لِتَخْدُمَهُ لم يَكُنْ له ذلك لِئَلَّا يَخْلُوَ بها خَوْفَ أَنْ يُحْبِلَهَا فَإِنْ لم يُرِدْ ذلك الرَّاهِنُ فَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدَيْ إمرأة بِحَالٍ وَإِنْ لم يَفْعَلَا جُبِرَا على ذلك وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ تَكُونَ على يَدَيْهِ أو يَدِ رَجُلٍ غَيْرِهِ وَلَا أَهْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ سَأَلَ إخْرَاجَهَا أَخْرَجْتهَا إلَى إمرأة ثِقَةٍ ولم أُجِزْ أَبَدًا أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ نَفَقَتُهَا حَيَّةً وَكَفَنُهَا ميته وَهَكَذَا إنْ رَهَنَهُ دَابَّةً تُعْلَفُ فَعَلَيْهِ عَلَفُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أو إلَى الذي وُضِعَتْ على يَدَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مَالِكُ الدَّابَّةِ من كِرَائِهَا وَرُكُوبِهَا وإذا كان في الرَّهْنِ دَرٌّ وَمَرْكَبٌ فَلِلرَّاهِنِ حَلْبُ الرَّهْنِ وَرُكُوبِهِ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن الْأَعْمَشِ عن أبي صَالِحٍ عن أبي هريره قال الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُشْبِهُ قَوْلَ أبي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ من رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لم يُمْنَعْ الرَّاهِنُ دَرَّهَا وَظَهْرَهَا لِأَنَّ له رَقَبَتَهَا وَهِيَ محلوبه وَمَرْكُوبَةٌ كما كانت قبل الرَّهْنِ وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ بِرَهْنِهِ إيَّاهَا من الدَّرِّ وَالظَّهْرِ الذي ليس هو الرَّهْنُ بِالرَّهْنِ الذي هو غَيْرُ الدَّرِّ وَالظَّهْرِ وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً رَاعِيَةً فَعَلَى رَبِّهَا رَعْيُهَا وَلَهُ حَلْبُهَا وَنِتَاجُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أو الْمَوْضُوعَةِ على يَدَيْهِ وإذا رَهَنَهُ مَاشِيَةً وهو في بَادِيَةٍ فَأَجْدَبَ مَوْضِعُهَا وَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَهَا فَلَيْسَ ذلك له وَيُقَالُ له إنْ رَضِيت أَنْ يَنْتَجِعَ بها رَبُّهَا وَإِلَّا جُبِرْت أَنْ تَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ يَنْتَجِعُ بها إذَا طَلَبَ ذلك رَبُّهَا وإذا أَرَادَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ النُّجْعَةَ من غَيْرِ جَدْبٍ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُقَامَ قِيلَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ ليس لَك إخْرَاجُهَا من الْبَلَدِ الذي رَهَنْتهَا بِهِ إلَّا من ضَرَرٍ عليها وَلَا ضَرَرَ عليها فَوَكِّلْ بِرِسْلِهَا من شِئْت وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ النُّجْعَةَ من غَيْرِ جَدْبٍ قِيلَ له ليس لَك تَحْوِيلُهَا من الْبَلَدِ الذي ارْتَهَنْتهَا بِهِ وَبِحَضْرَةِ مَالِكِهَا إلَّا من ضَرُورَةٍ فَتَرَاضَيَا من شِئْتُمَا مِمَّنْ يُقِيمُ في الدَّارِ ما كانت غير مُجْدِبَةٍ فَإِنْ لم يَفْعَلَا جُبِرَا على رَجُلٍ تَأْوِي إلَيْهِ وَإِنْ كانت الْأَرْضُ التي رَهَنَهَا بها غير مُجْدِبَةٍ وَغَيْرُهَا أَخْصَبُ منها لم يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على نَقْلِهَا منها فَإِنْ أَجْدَبَتْ فَاخْتَلَفَتْ نُجْعَتُهُمَا إلَى بَلَدَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ في الْخِصْبِ فَسَأَلَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ تَكُونَ معه وَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ معه قِيلَ إنْ اجْتَمَعْتُمَا مَعًا بِبَلَدٍ فَهِيَ مع الْمُرْتَهِنِ أو الْمَوْضُوعَةِ على يَدَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُكُمَا فَاخْتَلَفْتُمَا جُبِرْتُمَا على عَدْلٍ تَكُونُ على يَدَيْهِ في الْبَلَدِ الذي يَنْتَجِعُ إلَيْهِ رَبُّ الْمَاشِيَةِ لِيَنْتَفِعَ بِرِسْلِهَا وَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى بَلَدٍ فيه عليها ضَرَرٌ لم يَجِبْ عليه الْحَقُّ الرَّاهِنُ في رِقَابِهَا وَرِسْلِهَا وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ في رِقَابِهَا وإذا رَهَنَهُ مَاشِيَةً عليها صُوفٌ أو شَعْرٌ أو وَبَرٌ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجُزَّهُ فَذَلِكَ له لِأَنَّ صُوفَهَا وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا غَيْرُهَا كَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ وَسَوَاءٌ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو لم يَكُنْ أو قام الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ أو لم يَقُمْ كما يَكُونُ ذلك سَوَاءً في اللَّبَنِ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قِيلَ إنَّ صُوفَهَا إذَا كان عليها يوم رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا وَيُجَزُّ وَيَكُونُ مَعَهَا مَرْهُونًا لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِهِ ما يَحْدُثُ من الصُّوفِ لِأَنَّ ما يَحْدُثُ لِلرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَهُ دَابَّةً أو مَاشِيَةً فَأَرَادَ أَنْ ينزى عليها وَأَبَى ذلك الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ ذلك لِلْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كان رَهَنَهُ منها ذُكْرَانًا فَأَرَادَ أَنْ يُنْزِيَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِيَهَا لِأَنَّ إنْزَاءَهَا من مَنْفَعَتِهَا وَلَا نَقَصَ فيه عليها وهو يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وإذا كان فيها ما يُرْكَبُ وَيُكْرَى لم يُمْنَعْ أَنْ يُكْرِيَهُ وَيَعْلِفَهُ وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أو أَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ ذلك له لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ أو الْأَمَةِ يَنْتَقِصُ بِالتَّزْوِيجِ وَيَكُونُ مَفْسَدَةً لها بَيِّنَةٌ وَعُهْدَةٌ فيها وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا أو أَمَةً صَغِيرَيْنِ لم يُمْنَعْ أَنْ يُعَذِّرَهُمَا لِأَنَّ ذلك سُنَّةٌ فِيهِمَا وهو صَلَاحُهُمَا وَزِيَادَةٌ في أَثْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ لَهُمَا ما يَحْتَاجَانِ فيه إلَى فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الدَّوَاءِ أو عَرَضَ لِلدَّوَابِّ ما تَحْتَاجُ بِهِ إلَى عِلَاجِ الْبَيَاطِرَةِ من تَوْدِيجٍ وَتَبْزِيغٍ وَتَعْرِيبٍ وما أَشْبَهَهُ لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعَالِجَهَا بِدَوَاءٍ أو غَيْرِهِ لم يُجْبَرْ عليه فَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ أنا أُعَالِجُهَا وَأَحْسِبُهُ على الرَّاهِنِ فَلَيْسَ ذلك له وَهَكَذَا إنْ كانت مَاشِيَةً فَجَرِبَتْ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّاهِنَ من عِلَاجِهَا ولم يُجْبَرْ الرَّاهِنُ على عِلَاجِهَا وما كان من عِلَاجِهَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ مِثْلَ أَنْ يُمَلِّحَهَا أو يَدْهُنَهَا في غَيْرِ الْحَرِّ بِالزَّيْتِ أو يَمْسَحَهَا بِالْقَطْرَانِ مَسْحًا خَفِيفًا أو يَسْعَطَ الْجَارِيَةَ
____________________

(3/164)


أو الْغُلَامَ أو يَمْرَخَ قَدَمَيْهِ أو يُطْعِمَهُ سَوِيقًا قِفَارًا أو ما أَشْبَهَ هذا فَتَطَوَّعَ الْمُرْتَهِنُ بِعِلَاجِهَا بِهِ لم يُمْنَعْ منه ولم يَرْجِعْ على الرَّاهِنِ بِهِ وما كان من عِلَاجِهَا يَنْفَعُ أو يَضُرُّ مِثْلَ فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْكِبَارِ التي قد تَقْتُلُ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ عِلَاجُ الْعَبْدِ وَلَا الدَّابَّةِ وَإِنْ فَعَلَ وَعَطِبَتْ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ له بِهِ وإذا كان الرَّهْنُ أَرْضًا لم يُمْنَعْ الرَّاهِنُ من أَنْ يَزْرَعَهَا الزَّرْعَ الذي يُقْلَعُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ أو معه وَفِيمَا لَا يَنْبُتُ من الزَّرْعِ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُمْنَعَ الرَّاهِنُ في قَوْلِ من لَا يُجِيزُ بَيْعَ الْأَرْضِ منزرعه ( ( ( منزوعة ) ) ) دُونَ الزَّرْعِ من زَرْعِهَا ما يَنْبُتُ فيها بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ وإذا تَعَدَّى فَزَرَعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ما يَنْبُتُ فيها بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ لم يُقْلَعْ زَرْعُهُ حتى يَأْتِيَ مَحِلُّ الْحَقِّ فَإِنْ قَضَاهُ تَرَكَ زَرْعَهُ وَإِنْ بِيعَتْ الْأَرْضُ مزروعه فَبَلَغَتْ وَفَاءَ حَقِّهِ لم يَكُنْ له قَلْعُ زَرْعِهِ وَإِنْ لم تَبْلُغْ وَفَاءَ حَقِّهِ إلَّا بِأَنْ يُقْلَعَ الزَّرْعُ أَمَرَ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ من يَشْتَرِيهَا منه بِحَقِّهِ على أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ ثُمَّ يَدَعَهُ إنْ شَاءَ مُتَطَوِّعًا وَهَذَا في قَوْلِ من أَجَازَ بَيْعَ الْأَرْضِ مزروعه وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُمْنَعُ من زَرْعِهَا بِحَالٍ وَيُمْنَعُ من غِرَاسِهَا وَبِنَائِهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أنا أَقْلَعُ ما أَحْدَثْت إذَا جاء الْأَجَلُ فَلَا يَمْنَعُهُ وإذا رَهَنَهُ الْأَرْضَ فَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فيها عَيْنًا أو بِئْرًا فَإِنْ كانت الْعَيْنُ أو الْبِئْرُ تَزِيدُ فيها أو لَا تَنْقُصُ ثَمَنَهَا لم يَمْنَعْ ذلك وَإِنْ كانت تَنْقُصُ ثَمَنَهَا وَلَا يَكُونُ فِيمَا يَبْقَى منها عِوَضٌ من نَقْصِ مَوْضِعِ الْبِئْرِ أو الْعَيْنِ بِأَنْ يَصِيرَ إذَا كَانَا فيه أَقَلَّ ثَمَنًا منه قبل يَكُونَانِ فيه مَنَعَهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِعَمَلِهِ فَهُوَ كما قُلْت في الزَّرْعِ لَا يَدْفِنُ عليه حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فيه الْقَوْلَ في الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَهَكَذَا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ في الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ إنْ كان لَا يَنْقُصُهَا لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ كان يَنْقُصُهَا مَنَعَهُ ما يَبْقَى وَلَا يَكُونُ ما أَحْدَثَ فيها دَاخِلًا في الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الرَّاهِنُ فَكَانَ إذَا أَدْخَلَهُ لم يَنْقُصْ الرَّهْنُ لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ كان يَنْقُصُهُ مَنَعَهُ وإذا رَهَنَهُ نَخْلًا لم يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْبُرَهَا وَيَصْرِمَهَا يَعْنِي يَقْطَعُ جَرِيدَهَا وَكَرَانِيفَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ أنتفع بِهِ منها لَا يَقْتُلُ النَّخْلَ وَلَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ نَقْصًا بَيِّنًا وَيَمْنَعُ ما قَتَلَ النَّخْلَ وَأَضَرَّ بِهِ من ذلك وَإِنْ رَهَنَهُ نَخْلًا في الشِّرْبَةِ منه نَخَلَاتٌ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُنَّ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّخْلِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ لِثَمَنِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُتْرَكْنَ لم يَكُنْ له تَحْوِيلُهُنَّ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ لثمن ( ( ( بثمن ) ) ) الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُحَوَّلَ بَعْضُهُنَّ وَلَوْ تُرِكَ مَاتَ لِأَنَّهُنَّ إذَا كان بَعْضُهُنَّ مع بَعْضٍ قَتْلَهُ أو مَنْعَ مَنْفَعَتِهِ حَوَّلَ من الشِّرْبَةِ حتى يَبْقَى فيها ما لَا يَضُرُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَإِنْ زَعَمُوا أَنْ لو حُوِّلَ كُلُّهُ كان خَيْرًا لِلْأَرْضِ في الْعَاقِبَةِ وَأَنَّهُ قد لَا يَثْبُتُ لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُحَوِّلَهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ قد لَا يَثْبُتُ وَإِنَّمَا له أَنْ يُحَوِّلَ منه ما لَا نَقْصَ في تَحْوِيلِهِ على الْأَرْضِ لو هَلَكَ كُلُّهُ وَهَكَذَا لو أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ مَسَاقِيَهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في ذلك نَقْصُ النَّخْلِ أو الْأَرْضِ تُرِكَ وَإِنْ كان فيه نَقْصُ الْأَرْضِ أو النَّخْلِ أو هُمَا لم يُتْرَكْ فَإِنْ كانت في الشِّرْبَةِ نَخَلَاتٌ فَقِيلَ الْأَكْثَرُ لِثَمَنِ الْأَرْضِ أَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُنَّ تُرِكَ الرَّاهِنُ وَقَطْعُهُ وكان جَمِيعُ النَّخْلَةِ الْمَقْطُوعَةِ جِذْعُهَا وَجِمَارُهَا رَهْنًا بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ قُلُوبُهَا وما كان من جَرِيدِهَا لو كانت قَائِمَةً لم يَكُنْ لِرَبِّ النَّخْلَةِ قَطْعُهَا وكان ما سِوَى ذلك من ثَمَرِهَا وَجَرِيدِهَا الذي لو كانت قَائِمَةً كان لِرَبِّ النَّخْلَةِ نَزْعُهُ من كَرَانِيفَ وَلِيفٍ لِرَبِّ النَّخْلَةِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وإذا قَلَعَ منها شيئا فَثَبَّتَهُ في الْأَرْضِ التي هِيَ رَهْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ فيها لِأَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ عليه وإذا أَخْرَجَهُ إلَى أَرْضٍ غَيْرِهَا لم يَكُنْ ذلك له إنْ كان له ثَمَنٌ وكان عليه أَنْ يَبِيعَهُ فَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ رَهْنًا أو يَدَعَهُ بِحَالِهِ وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ في هذا كُلِّهِ لِلرَّاهِنِ اقلع الضَّرَرَ من نَخْلِك لم يَكُنْ ذلك عليه لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ بِالْمِلْكِ أَكْثَرُ من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَهُ أَرْضًا لَا نَخْلَ فيها فَأَخْرَجَتْ نَخْلًا فَالنَّخْلُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ ما نَبَتَ فيها وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ له اقْلَعْ النَّخْلَ وما خَرَجَ قِيلَ إنْ أَدْخَلَهُ في الرَّهْنِ مُتَطَوِّعًا لم يَكُنْ عليه قَلْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا تَزِيدُ الْأَرْضَ خَيْرًا فَإِنْ قال لَا أُدْخِلُهَا في الرَّهْنِ لم يَكُنْ عليه قَلْعُهَا حتى يَحِلَّ الْحَقُّ فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَرْضُ دُونَ النَّخْلِ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لم يَقْلَعْ النَّخْلَ وَإِنْ لم
____________________

(3/165)


تَبْلُغْهُ قِيلَ لِرَبِّ النَّخْلِ إمَّا أَنْ تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ بِمَا شِئْت من أَنْ تُدْخِلَ مَعِي الْأَرْضَ النَّخْلَ أو بَعْضَهُ وَإِمَّا أن تَقْلَعَ عنه النَّخْلَ وَإِنْ فَلَّسَ بِدُيُونِ الناس وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِالنَّخْلِ ثُمَّ قَسَمَ الثَّمَنَ على أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِلَا نَخْلٍ وَعَلَى ما بَلَغَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ فَأَعْطَى مُرْتَهِنَ الْأَرْضِ ما أَصَابَ الْأَرْضَ وَلِلْغُرَمَاءِ ما أَصَابَ النَّخْلَ وَهَكَذَا لو كان هو غَرَسَ النَّخْلَ أو أَحْدَثَ بِنَاءً في الْأَرْضِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الرَّاهِنُ قد نَبَتَ في هذه الْأَرْضِ نَخْلٌ لم أَكُنْ رَهَنْتُكَهُ وقال الْمُرْتَهِنُ ما نَبَتَ فيه إلَّا ما كان في الرَّهْنِ أُرِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا قد يَنْبُتُ مِثْلُ هذا النَّخْلِ بَعْدَ الرَّهْنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مع يَمِينِهِ وما نَبَتَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَلَا يُنْزَعُ حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت فَإِنْ قالوا لَا يَنْبُتُ مِثْلُ هذا في هذا الْوَقْتِ لم يُصَدَّقْ وكان دَاخِلًا في الرَّهْنِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا على ما يَكُونُ مِثْلُهُ وإذا ادَّعَى أَنَّهُ غِرَاسٌ لَا بِوَاسِطَةِ مَنْبَتٍ سُئِلُوا أَيْضًا فَإِنْ كان يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من الْغِرَاسِ ما قال فَهُوَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يَكُنْ يُمْكِنُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ وَلَوْ كان ما اخْتَلَفَا فيه بُنْيَانًا فَإِنْ كانت جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يُبْنَى في مِثْلِهَا بِحَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَإِنْ كانت لم تَأْتِ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يبنى في مِثْلِهَا بِحَالٍ فَالْبِنَاءُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ وَإِنْ كانت جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبِنَاءِ فيها وَبَعْضٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها كان الْبِنَاءُ الذي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها دَاخِلًا في الرَّهْنِ وَالْبِنَاءُ الذي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها خَارِجًا من الرَّهْنِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ جِدَارٌ طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسَاسَهُ وَقَدْرُ ذِرَاعٍ منه كان قبل الرَّهْنِ وما فَوْقَ ذلك يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الرَّهْنِ وإذا رَهَنَهُ شَجَرًا صِغَارًا فَكَبِرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ ثَمَرًا صِغَارًا فَبَلَغَ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وإذا رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا فَانْقَطَعَتْ عَيْنُهَا أو انْهَدَمَتْ وَدُثِّرَ مَشْرَبُهَا لم يُجْبَرْ الرَّاهِنُ أَنْ يُصْلِحَ من ذلك شيئا ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُصْلِحَهُ على أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الرَّاهِنِ كان الرَّاهِنُ غَائِبًا أو حَاضِرًا وَإِنْ أَصْلَحَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِإِصْلَاحِهِ وَإِنْ أَرَادَ إصْلَاحَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ صَلَاحًا مَرَّةً وَفَسَادًا أُخْرَى فَلَيْسَ له أَنْ يُصْلِحَ بِهِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ فَسَدَ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِمَا صَنَعَ منه وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا أو أَمَةً فَغَابَ الرَّاهِنُ أو مَرِضَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا تَكُونُ له النَّفَقَةُ حتى يَقْضِيَ بها الْحَاكِمُ على الْغَائِبِ وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا عليه لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ تُمَاتَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا حَرَجَ في إمَاتَةِ ما لَا رُوحَ فيه من أَرْضٍ وَنَبَاتٍ وَالدَّوَابُّ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ كُلُّهَا كَالْعَبِيدِ إذَا كانت مِمَّا تُعْلَفُ فَإِنْ كانت سَوَائِمَ رُعِيَتْ ولم يُؤْمَرْ بِعَلْفِهَا لِأَنَّ السَّوَائِمَ هَكَذَا تُتَّخَذُ وَلَوْ تَسَاوَكَتْ هَزْلًا وكان الْحَقُّ حَالًّا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ الرَّاهِنِ بِبَيْعِهَا وَإِنْ كان الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فقال الْمُرْتَهِنُ مُرُوا الرَّاهِنَ بِذَبْحِهَا فَيَبِيعُ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا لم يَكُنْ ذلك على الرَّاهِنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد يُحْدِثُ لها الْغَيْثَ فَيَحْسُنُ حَالُهَا بِهِ وَلَوْ أَصَابَهَا مَرَضٌ جَرَبٌ أو غَيْرُهُ لم يُكَلَّفْ عِلَاجَهَا لِأَنَّ ذلك قد يَذْهَبُ بِغَيْرِ الْعِلَاجِ وَلَوْ أَجْدَبَ مَكَانُهَا حتى تَبَيَّنَ ضررة عليها كُلِّفَ رَبُّهَا النُّجْعَةَ بها إذَا كانت النُّجْعَةُ مَوْجُودَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا تُتَّخَذُ على النُّجْعَةِ وَلَوْ كان بِمَكَانِهَا عُصُمٌ من عِضَاهِ تَمَاسَكَ بها وَإِنْ كانت النُّجْعَةُ خَيْرًا لها لم يُكَلَّفْ صَاحِبُهَا النُّجْعَةَ بها لِأَنَّهَا لَا تَهْلِكُ على الْعُصُمِ وَلَوْ كانت الْمَاشِيَةُ أَوَارِكَ أو خَمِيصَةً أو غَوَادِيَ فَاسْتُؤْنِيَتْ مَكَانَهَا فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَنْتَجِعَ بها إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لم يَكُنْ ذلك له على الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْمَرَضَ قد يَكُونُ من غَيْرِ الْمَرْعَى فإذا كان الرَّعْيُ مَوْجُودًا لم يَكُنْ عليه إبْدَالُهَا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَإِنْ كان غير مَوْجُودٍ كُلِّفَ النُّجْعَةَ إذَا قَدَرَ عليها إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَعْلِفَهَا فإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَشَرَطَ مَالَهُ رَهْنًا كان الْعَبْدُ رَهْنًا وما قَبَضَ من مَالِهِ رَهْنٌ وما لم يَقْبِضْ خَارِجٌ من الرَّهْنِ
____________________

(3/166)


- * ضَمَانُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَغْلُقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله أو مِثْلَ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلِيلٌ على أَنَّ جَمِيعَ ما كان رَهْنًا غَيْرُ مَضْمُونٍ على الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ قال الرَّهْنُ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ فَمَنْ كان منه شَيْءٌ فَضَمَانُهُ منه لَا من غَيْرِهِ ثُمَّ زَادَ فَأَكَّدَ له فقال له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ ضمانه من مَالِكِهِ لَا من مُرْتَهِنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو ارْتَهَنَ من رَجُلٍ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قال يَذْهَبُ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ كان قد زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ على الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ بِهِ وكان الرَّاهِنُ بَرِيئًا من غُرْمِهِ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ ثَمَنَهُ من الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ لم يَغْرَمْ له شيئا وَأَحَالَ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا يَغْلُقُ الرَّهْنُ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مُرْتَهِنُهُ خِدْمَتَهُ وَلَا مَنْفَعَةً فيه بإرتهانه إيَّاهُ وَمَنْفَعَتُهُ لِرَاهِنِهِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هو من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَمَنَافِعُهُ من غُنْمِهِ وإذا لم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هو من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَمَنَافِعُهُ من غُنْمِهِ وإذا لم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَمِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً أو في حُكْمِهَا فما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ من الآمانة سَوَاءٌ أو مضمونه فما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ من الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ وَلَوْ لم يَكُنْ في الرَّهْنِ خَبَرٌ يُتْبَعُ ما جَازَ في الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غير مَضْمُونٍ لِأَنَّ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ غير مَغْلُوبٍ عليه وَسَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على حَبْسِهِ ولم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من يَدَيْهِ حتى يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ فيه فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَضْمَنَ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ ما تَعَدَّى الْحَابِسُ بِحَبْسِهِ من غَصْبٍ أو بَيْعٍ عليه تَسْلِيمُهُ فَلَا يُسَلِّمُهُ أو عَارِيَّةٍ مَلَكَ الإنتفاع بها دُونَ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُهَا كما يَضْمَنُ السَّلَفَ وَالرَّهْنَ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي فإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْ الْقَابِضِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَالْحَقُّ ثَابِتٌ كما كان قبل الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ من الرَّهْنِ شيئا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فيه الْوَدِيعَةَ وَالْأَمَانَاتِ من التعدى فَإِنْ تَعَدَّيَا فيه فَهُمَا ضَامِنَانِ وما لم يَتَعَدَّيَا فَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانَةِ فإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ لم يَضْمَنْ شيئا لِأَنَّ ذلك كان له وإذا قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ الْحَقَّ أو أَحَالَهُ بِهِ على غَيْرِهِ وَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِالْحَوَالَةِ أو أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ منه بِأَيِّ وَجْهٍ كان من البراءه ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّهْنَ فَحَبَسَهُ عنه وهو يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الرَّهْنِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ كَيْلًا أو وَزْنًا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَيَضْمَنُ مِثْلَ ما هَلَكَ في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَبْسِ وَإِنْ كان رَبُّ الرَّهْنِ آجَرَهُ فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنَ أَخْذَهُ من عِنْدِ من آجَرَهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ فلم يُمْكِنْهُ ذلك أو كان الرَّهْنُ غَائِبًا عنه بِعِلْمِ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ في الْغَيْبَةِ بَعْدَ بَرَاءَةِ الرَّاهِنِ من الْحَقِّ وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ لو كان عَبْدًا فَأَبَقَ أو جَمَلًا فَشَرَدَ ثُمَّ بريء الرَّاهِنُ من الْحَقِّ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ لم يَحْبِسْهُ وَرَدُّهُ يُمْكِنُهُ وَالصَّحِيحُ
____________________

(3/167)


من الرَّهْنِ وَالْفَاسِدُ في أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ سَوَاءٌ كما تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ في أنها غَيْرُ مضمونه سَوَاءٌ وَلَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ على الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ إنْ هَلَكَ كان الشَّرْطُ بَاطِلًا كما لو قَارَضَهُ أو أَوْدَعَهُ فَشَرَطَ أَنَّهُ ضَامِنٌ كان الشَّرْطُ بَاطِلًا وإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ على أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ضَامِنٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وهو غَيْرُ مَضْمُونٍ إنْ هَلَكَ وَكَذَلِكَ إذَا ضَارَبَهُ على أَنَّ الْمُضَارِبَ ضَامِنٌ فالمضاربه فَاسِدَةٌ غَيْرُ مضمونه وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ وَشَرَطَ له إنْ لم يَأْتِهِ بِالْحَقِّ إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ له بَيْعٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَالرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ دَارًا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ أَجْنَبِيٌّ دَارِهِ إنْ عَجَزَتْ دَارُ فُلَانٍ عن حَقِّهِ أو حَدَثَ فيها حَدَثٌ يُنْقِصُ حَقَّهُ لِأَنَّ الدَّارَ الآخره مَرَّةً رَهْنٌ وَمَرَّةً غَيْرُ رَهْنٍ ومرهونه بِمَا لَا يُعْرَفُ وَيَفْسُدُ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ معه شَيْءٌ فَاسِدٌ وَلَوْ كان رَهَنَهُ دَارِهِ بِأَلْفٍ على أَنْ يَضْمَنَ له الْمُرْتَهِنُ دَارِهِ إنْ حَدَثَ فيها حَدَثٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ بِالرَّهْنِ إلَّا على أَنْ يَكُونَ له مَضْمُونًا وَإِنْ هَلَكَتْ الدَّارُ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ شيئا - * التَّعَدِّي في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا له رَهْنًا فَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ من الْبَلَدِ الذي ارْتَهَنَهُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِ الْمَتَاعِ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يوم أَخْرَجَهُ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ تَعَدَّى فيه فإذا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ منه خُيِّرَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنْ تَكُونَ قِصَاصًا من حَقِّهِ عليه أو تَكُونَ مَرْهُونَةً حتى يَحِلَّ حَقُّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَوْ أَخْرَجَهُ من الْبَلَدِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ ولم يُفْسَخْ الرَّهْنُ فيه بريء من الضَّمَانِ وكان له قَبْضُهُ بِالرَّهْنِ فَإِنْ قال صَاحِبُ الْمَتَاعِ دَفَعْته إلَيْك وَأَنْتَ عِنْدِي أَمِينٌ فَتَغَيَّرَتْ أَمَانَتُك بِتَعَدِّيك بِإِخْرَاجِك إيَّاهُ فَأَنَا مُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ وَقِيلَ إنْ شِئْت أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى عَدْلٍ تَجْتَمِعُ أنت وهو على الرِّضَا بِهِ أَخْرَجْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُقِرَّهُ في يَدَيْهِ وَهَكَذَا لو لم يَتَعَدَّ بِإِخْرَاجِهِ فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ عَمَّا كان عليه إذْ دَفَعَ الرَّهْنَ إلَيْهِ إمَّا بِسُوءِ حَالٍ في دِينِهِ أو إفْلَاسٍ ظَهَرَ منه وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ في هذه الْحَالَاتِ من أَنْ يَرْضَى بِعَدْلٍ يَقُومُ على يَدَيْهِ جُبِرَ على ذلك لِتَغَيُّرِهِ عن حَالِهِ حين دُفِعَ إلَيْهِ إذَا أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُقِرَّهُ في يَدَيْهِ وَلَوْ لم يَتَغَيَّرْ الْمُرْتَهِنُ عن حَالِهِ بِالتَّعَدِّي وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ الأمانه وَسَأَلَ الرَّاهِنَ أَنْ يُخْرِجَ من يَدَيْهِ الرَّهْنَ لم يَكُنْ ذلك له وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُوضَعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَيَتَغَيَّرُ حَالُهُ عن الْأَمَانَةِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى إخْرَاجِ الرَّهْنِ من يَدَيْهِ كان له الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ مَالُهُ أو الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِمَالِهِ وَلَوْ لم يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عليه وَلَوْ اجْتَمَعَا على اخراجه من يَدَيْهِ فَأَخْرَجَاهُ ثُمَّ أَرَادَ رَبُّ الرَّهْنِ فَسْخَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ له فَسْخُهُ أو أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ لم يَكُنْ له وَإِنْ كان أَمِينًا لِأَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ أَمَانَتَهُ وإذا دَعَوْا إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَيَا بِهِ أو اثْنَيْنِ او أمرأة فَلَهُمَا وَضْعُهُ على يَدَيْ من تَرَاضَيَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَدْعُوَانِ إلَيْهِ قِيلَ لَهُمَا اجْتَمِعَا فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَارَ الْحَاكِمُ الْأَفْضَلَ من كل من دَعَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَيْهِ إنْ كان ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّنْ دَعَوْا إلَيْهِ ثِقَةً قِيلَ اُدْعُوَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَارَ الْحَاكِمُ له ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وإذا أَرَادَ الْعَدْلُ الذي على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الذي هو غَيْرُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ رَدَّهُ بِلَا عله أو لِعِلَّةٍ وَالْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ حَاضِرَانِ فَلَهُ ذلك وَلَا يُجْبَرُ على حَبْسِهِ وَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ أو أَحَدُهُمَا لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من يَدَيْ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهَلَكَ ضَمِنَ وَإِنْ جاء الْحَاكِمُ فَإِنْ كان له عُذْرٌ أَخْرَجَهُ من يَدَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَبْدُوَ له سَفَرٌ أو يَحْدُثَ له وَإِنْ كان مُقِيمًا شُغْلٌ أو عِلَّةٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له عُذْرٌ أَمَرَهُ بِحَبْسِهِ إنْ كَانَا قَرِيبًا حتى يَقْدُمَا أو يُوَكِّلَا فَإِنْ كَانَا بَعِيدًا لم أَرَ عليه أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى حَبْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ وكاله وُكِّلَ بها بِلَا مَنْفَعَةٍ له فيها وَيَسْأَلُهُ ذلك فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِحَبْسِهِ
____________________

(3/168)


وَإِلَّا أَخْرَجَهُ إلَى عَدْلٍ وَغَيْرِهِ وتعدى الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ في الرَّهْنِ وتعدى الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ يَضْمَنُ مِمَّا يَضْمَنُ منه الْمُرْتَهِنُ إذَا تَعَدَّى فإذا تَعَدَّى فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ وَالرَّهْنُ مَوْضُوعٌ على يَدَيْ الْعَدْلِ فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ ضَمِنَ حتى يَرُدَّهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ فإذا رَدَّهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ بريء من الضَّمَانِ كما يَبْرَأُ منه لو رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ وإذا أَعَارَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَالْقَوْلُ في قِيمَتِهِ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال كان الرَّهْنُ لُؤْلُؤَةً صَافِيَةً وَزْنُهَا كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا قُوِّمَتْ بِأَقَلِّ ما تَقَعُ عليه تِلْكَ الصِّفَةُ ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ فَإِنْ كان ما ادَّعَى مثله أو أَكْثَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى ما لَا يَكُونُ مِثْلُهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَقُوِّمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ على أَقَلِّ ما تَقَعُ عليه ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ يَغْرَمُهُ مع يَمِينِهِ وَهَكَذَا إنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالرَّهْنِ إلَى غَيْرِهِ كان لِأَيِّهِمَا شَاءَ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا أَمَانَتَهُ ولم يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان من أَسْنَدَ ذلك إلَيْهِ إذَا غَابَ أو عِنْدَ مَوْتِهِ ثِقَةً وَيَجْتَمِعَانِ على من تَرَاضَيَا أو يَنْصِبَ لَهُمَا الْحَاكِمُ ثِقَةً كما وَصَفْت وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كان وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ قَامُوا مَقَامَهُ وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ قام الْوَصِيُّ مَقَامَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ وَصِيٌّ ثِقَةٌ قام الْحَاكِمُ مَقَامَهُ في أَنْ يَصِيرَ الرَّهْنُ على يَدَيْ ثِقَةٍ - * بَيْعُ الرَّهْنِ وَمَنْ يَكُونُ الرَّهْنُ على يَدَيْهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَشَرَطَ عليه أَنَّ له إذَا حَلَّ حَقُّهُ أَنْ يَبِيعَهُ لم يَجُزْ له بَيْعُهُ إلَّا بِأَنْ يَحْضُرَ رَبُّ الْعَبْدِ أو يُوَكَّلَ معه وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ بَاعَ لِنَفْسِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَيَأْتِي الْحَاكِمُ حتى يَأْمُرَ من يَبِيعُ وَيُحْضِرُهُ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أَنْ يَأْمُرَ رَبَّ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَ فَإِنْ إمتنع أَمَرَ من يَبِيعُ عليه وإذا كان الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَتَعَدَّى الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ فَبَاعَهُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وهو ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ إنْ فَاتَ وَلَا يَكُونُ الدَّيْنُ حَالًّا كان الْبَائِعُ الْمُرْتَهِنَ أو عدل ( ( ( عدلا ) ) ) الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَلَا يَحِلُّ الْحَقُّ الْمُؤَجَّلُ بِتَعَدِّي بَائِعٍ له وَكَذَلِكَ لو تَعَدَّى بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَلَوْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ لَا حَقَّ له في الْمَالِ وَوَكَّلَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ كان له أَنْ يَبِيعَهُ ما لم يَفْسَخَا وَكَالَتَهُ وَأَيُّهُمَا فَسَخَ وَكَالَتَهُ لم يَكُنْ له الْبَيْعُ بَعْدَ فَسْخِ الْوَكَالَةِ وَبِبَيْعِ الْحَاكِمِ على الرَّاهِنِ إذَا سَأَلَ ذلك الْمُرْتَهِنَ وإذا بَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ وإذا بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ فلم يُفَارِقْ بَيْعَهُ حتى يَأْتِيَهُ من يَزِيدُهُ قبل الزِّيَادَةِ وَرَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قد بَاعَ له بِشَيْءٍ قد وَجَدَ أَكْثَرَ منه وَلَهُ الرَّدُّ وإذا حَلَّ الْحَقُّ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَأَبَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أو الْمُرْتَهِنُ وَأَبَى الرَّاهِنُ أَمَرَهُمَا الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ امْتَنَعَا أَمَرَ عَدْلًا فَبَاعَ وإذا أَمَرَ الْقَاضِي عَدْلًا فَبَاعَ أو كان الرَّهْنُ على يَدَيْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاعَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ لم يَضْمَنْ الْبَائِعُ شيئا من الثَّمَنِ الذي هَلَكَ في يَدَيْهِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الْبَائِعَ أَجْرَ مِثْلِهِ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ كان مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ كان مِمَّنْ يَتَطَوَّعُ مِثْلُهُ أو لَا يَتَطَوَّعُ وَلَا يَكُونُ له أَجْرٌ إلَّا بِشَرْطٍ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إنْ كان يَجِدُ عَدْلًا يَبِيعُ إذَا أَمَرَهُ مُتَطَوِّعًا أَنْ يَجْعَلَ لِغَيْرِهِ أَجْرًا وَإِنْ كان عَدْلًا في بَيْعِهِ وَيَدْعُو الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ بِعَدْلٍ وَأَيُّهُمَا جَاءَهُ بِعَدْلٍ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَطَرَحَ المؤنه وَإِنْ لم يَجِدْهُ اسْتَأْجَرَ على الرَّهْنِ من يَبِيعُهُ وَجَعَلَ أَجْرَهُ في ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ من صَلَاحِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ أو الْمُرْتَهِنُ وإذا تَعَدَّى الْبَائِعُ بِحَبْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهُ أو بَاعَهُ بِدَيْنٍ فَهَرَبَ الْمُشْتَرِي أو ما أَشْبَهَ هذا ضَمِنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ قال
____________________

(3/169)


أبو يَعْقُوبَ وأبو مُحَمَّدٍ عليه في حَبْسِ الثَّمَنِ مِثْلُهُ وفي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بِيعَ الرَّهْنُ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِهِ حتى يستوفى حَقَّهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه وَفَاءُ حَقِّهِ حَاصَّ غُرَمَاءَ الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ من مَالِهِ غير مَرْهُونٍ وإذا أَرَادَ أَنْ يُحَاصُّهُمْ قبل أَنْ يُبَاعَ رَهْنُهُ لم يَكُنْ له ذلك وَوَقَفَ مَالُ غَرِيمِهِ حتى يُبَاعَ رَهْنُهُ ثُمَّ يُحَاصُّهُمْ بِمَا فَضَلَ عن رَهْنِهِ وَإِنْ هَلَكَ رَهْنُهُ قبل أَنْ يُبَاعَ أو ثَمَنُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ حَاصَّهُمْ بِجَمِيعِ رَهْنِهِ وإذا بِيعَ الرَّهْنُ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ ثَمَنُهُ فَثَمَنُهُ من الرَّاهِنِ حتى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَهَكَذَا لو بِيعَ ما لِغُرَمَائِهِ بِطَلَبِهِمْ بَيْعَهُ فَوَقَفَ لِيَحْسِبَ بَيْنَهُمْ فَهَلَكَ هَلَكَ من مَالِ الْمَبِيعِ عليه دُونَ غُرَمَائِهِ وهو من مَالِ الْمَبِيعِ عليه حتى يستوفى غُرَمَاؤُهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا بِأَلْفٍ فَمَاتَ الرَّاهِنُ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهَا فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ من رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ في يَدَيْ الْعَدْلِ الذي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ على الْمَيِّتِ لَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ وَلَا الْعَدْلُ من الْأَلْفِ التي قَبَضَ الْعَدْلُ شيئا بِهَلَاكِهَا في يَدِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّارَ وَكَانَتْ أَلْفُ الْمُرْتَهِنِ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مَتَى وَجَدَ مَالًا أَخَذَهَا وَكَذَلِكَ أَلْفُ الْمُشْتَرِي في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِثَمَنِ مَالٍ له فلم يَسْلَمْ له الْمَالَ فَمَتَى وَجَدَ له مَالًا أَخَذَهَا وَعُهْدَتُهُ على الْمَيِّتِ الذي بِيعَتْ عليه الدَّارُ وَسَوَاءٌ كان الْمَبِيعَةُ عليه الدَّارُ لَا يَجِدُ شيئا غير الدَّارِ أو مُوسِرًا في أَنَّ الْعُهْدَةَ عليه كَهِيَ عليه لو بَاعَ على نَفْسِهِ وَلَيْسَ الذي بِيعَ له الرَّهْنُ بِأَمْرِهِ من الْعُهْدَةِ بِسَبِيلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيْعُ الرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا من الرُّهُونِ سَوَاءٌ إذَا سَلَّطَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْعَدْلَ الذي لَا حَقَّ له في الرَّهْنِ على بَيْعِهَا بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَتَأَنَّى بِالرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ لِلزِّيَادَةِ أَكْثَرَ من تَأَنِّيهِ بِغَيْرِهَا فَإِنْ لم يَتَأَنَّ وَبَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَجُزْ وَكَذَلِكَ لو تَأَنَّى فَبَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ لِأَنَّهُ قد تُمْكِنُهُ الْفُرْصَةُ في عَجَلَتِهِ الْبَيْعَ وقد يَتَأَنَّى فيحابى في الْبَيْعِ وَالتَّأَنِّي بِكُلِّ حَالٍ أَحَبُّ إلَيَّ في كل شَيْءٍ بِيعَ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ما يَفْسُدُ فَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَرُطَبُ الطَّعَامِ فَلَا يَتَأَنَّى بِهِ وإذا بَاعَ الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الرَّهْنَ وقال قد دَفَعْت ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ ذلك الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْبَائِعِ البينه بِالدَّفْعِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قال هَلَكَ الثَّمَنُ من يَدَيْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا لَا يُدَّعَى فيه الدَّفْعُ وَلَوْ قِيلَ له بِعْ ولم يَقُلْ له بِعْ بِدَيْنٍ فَبَاعَ بِدَيْنٍ فَهَلَكَ الدَّيْنُ كان ضَامِنًا لِأَنَّهُ تَعَدَّى في الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لو قال له بِعْ بِدَرَاهِمَ وَالْحَقُّ دَرَاهِمُ فَبَاعَ بِدَنَانِيرَ أو كان الْحَقُّ دَنَانِيرَ فَقِيلَ له بِعْ بِدَنَانِيرَ فَبَاعَ بِدَرَاهِمَ فَهَلَكَ الثَّمَنُ كان له ضَامِنًا وَإِنْ لم يَهْلِكْ فَالْبَيْعُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ تَعَدٍّ وَلَا يُمْلَكُ مَالُ رَجُلٍ بِخِلَافِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ عليه الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ بِعْ بِدَنَانِيرَ وقال الْمُرْتَهِنُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ في ثَمَنِ الرَّهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ في رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حتى يَأْمُرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفَهُ فِيمَا الرَّهْنُ فيه إنْ كان دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَلَوْ بَاعَ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِمَا الرَّهْنُ بِهِ كان ضَامِنًا وكان الْبَيْعُ مَرْدُودًا لِأَنَّ لِكِلَيْهِمَا حَقًّا في الرَّهْنِ وَلَوْ بَاعَ على الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ولم يَخْتَلِفَا بَعْدُ عليه بِمَا الْحَقُّ بِهِ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَوْ بَعَثَ بِالرَّهْنِ إلَى بَلَدٍ فَبِيعَ فيه وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وكان ضَامِنًا إنْ هَلَكَ ثَمَنُهُ وَإِنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ في الْبَيْعِ إنَّمَا تَعَدَّى في اخراج الْمَبِيعِ فَكَانَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ بِإِخْرَاجِهِ بِلَا أَمْرِ سَيِّدِهِ
____________________

(3/170)


- * رَهْنُ الرَّجُلَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلَانِ الْعَبْدَ رَجُلًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُمَا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ فَإِنْ رَهَنَاهُ مَعًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَحَدُهُمَا الْعَبْدَ ولم يُقْبِضْهُ الْآخَرُ فَالنِّصْفُ الْمَقْبُوضُ مَرْهُونٌ وَالنِّصْفُ غَيْرُ الْمَقْبُوضِ غَيْرُ مَرْهُونٍ حتى يُقْبَضَ فإذا قُبِضَ كان مَرْهُونًا وإذا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ أحد ( ( ( أخذ ) ) ) الرَّاهِنَيْنِ من حَقِّهِ أو أقتضاه منه فَالنِّصْفُ الذي يَمْلِكُهُ الْبَرِيءُ من الْحَقِّ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مَرْهُونٌ حتى يَبْرَأَ رَاهِنُهُ من الْحَقِّ الذي فيه وَهَكَذَا كُلُّ ما رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا كان أو عَبِيدًا أو مَتَاعًا أو غَيْرَهُ وإذا رَهَنَاهُ عَبْدَيْنِ رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَرَاضَى الرَّاهِنَانِ بِأَنْ يَصِيرَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَأَلَ أَنْ يَفُكَّ له الْعَبْدَ الذي صَارَ إلَيْهِ لم يَكُنْ ذلك له وَنِصْفُ كل وَاحِدٍ من الْعَبْدَيْنِ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ في الرَّهْنِ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا الرَّهْنَ صَفْقَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ من الرَّهْنَيْنِ مَرْهُونُ النِّصْفِ عن كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عليه وَلَا يُخْرِجَانِ حَقَّهُ من نِصْفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِهِ وَحَظُّ الْقَاضِي مِنْهُمَا الرَّهْنَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ فَلَوْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهَنَهُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ على الِانْفِرَادِ ثُمَّ تَقَارَّا في الْعَبْدَيْنِ فَصَارَ الذي رَهَنَهُ عبد اللَّهِ مِلْكًا لِزَيْدٍ وَاَلَّذِي رَهَنَهُ زَيْدٌ مِلْكًا لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَضَاهُ عبد اللَّهِ وَسَأَلَهُ فَكَّ عَبْدِهِ الذي رَهَنَهُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ صَارَ له لم يَكُنْ ذلك له وَعَبْدُ عبد اللَّهِ الذي رَهَنَهُ فَصَارَ لِزَيْدٍ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَعَبْدُ زَيْدٍ الذي صَارَ له مَرْهُونٌ بِحَالِهِ حتى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ لِأَنَّ زَيْدًا رَهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ فَلَا يَخْرُجُ من رَهْنِ زَيْدٍ حتى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ أو يَبْرَأَ زَيْدٌ من الْحَقِّ الذي فيه وَلَوْ كان عَبْدَانِ بين رَجُلَيْنِ فَرَهَنَاهُمَا رَجُلًا فَقَالَا مُبَارَكٌ رَهْنٌ عن مُحَمَّدٍ وَمَيْمُونٌ رَهْنٌ عن عبد اللَّهِ كَانَا كما قالا ( ( ( قال ) ) ) وَأَيُّهُمَا أَدَّى فُكَّ له الْعَبْدُ الذي رَهَنَ بِعَيْنِهِ ولم يُفَكَّ له شَيْءٌ من غَيْرِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وزادا ( ( ( وزاد ) ) ) فيها شَرْطًا أَنَّ أَيَّنَا أَدَّى إلَيْك قبل صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَفُكَّ نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ أو له أَنْ يَفُكَّ أَيَّ الْعَبْدَيْنِ شَاءَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لم يَجْعَلْ الْحَقَّ مَحْضًا في رَهْنِهِ دُونَ رَهْنِ صَاحِبِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في شَرْطِ صَاحِبِهِ مَرْهُونٌ مَرَّةً على الْكَمَالِ وَخَارِجٌ من الرَّهْنِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ من رَاهِنِهِ من جَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَشَرَطَ له الرَّاهِنَانِ أَنَّهُ إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا ما عليه فَلَا يُفَكُّ له رَهْنُهُ حتى يَقْضِيَ الْآخَرُ ما عليه كان الشَّرْطُ فيه بَاطِلًا لِأَنَّ الْحَقَّ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا من الرَّهْنِ إذَا لم يَكُنْ فيه رَهْنٌ غَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ لَا أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَشَرَطَ فيه مَرَّةً أَنَّهُ رَهْنٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ على الْمُخَاطَرَةِ فَيَكُونُ مَرَّةً خَارِجًا من الرَّهْنِ إذَا قَضَيَا مَعًا وَغَيْرَ خَارِجٍ من الرَّهْنِ إذَا لم يَقْضِ أَحَدُهُمَا وَلَا يدرى ما يَبْقَى على الْآخَرِ وقد كَانَا رَهْنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَشَارَطُوا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى ما عليه دُونَ ما على صَاحِبِهِ خَرَجَ الرَّهْنَانِ مَعًا وكان ما يَبْقَى من الْمَالِ بِغَيْرِ رَهْنٍ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا لِأَنَّهُمَا في هذا الشَّرْطِ رَهْنٌ مَرَّةً واحدهما خَارِجٌ من الرَّهْنِ أُخْرَى بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤَدِّي وَعَلَى أَيِّهِمَا يَبْقَى الدَّيْنُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا إلَى سَنَةٍ على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ إلَى سَنَةٍ وَإِلَّا فَالْعَبْدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ عَبْدًا على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَإِلَّا خَرَجَ الْعَبْدُ من الرَّهْنِ وَصَارَتْ دَارُهُ رَهْنًا لم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا وكان الرَّهْنُ في الْعَبْدِ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ مَرَّةً وَخَارِجٌ منه أُخْرَى بِغَيْرِ براءه من الْحَقِّ الذي فيه وَلَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ له بَيْعٌ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنَّهُ رَهْنٌ في حَالٍ وَبَيْعٌ في أُخْرَى
____________________

(3/171)


- * رَهْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ من رَجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ من رَجُلَيْنِ بماءة ( ( ( بمائة ) ) ) فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فإذا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا خَمْسِينَ فَهِيَ له دُونَ الْمُرْتَهِنِ معه وَنِصْفُ الْعَبْدِ الذي كان مَرْهُونًا عن الْقَاضِي مِنْهُمَا خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو أَبْرَأَ الرَّاهِنُ من حَقِّهِ كانت الْبَرَاءَةُ له تَامَّةً دُونَ صَاحِبِهِ وكان نِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَنِصْفُهُ مَرْهُونًا وإذا دَفَعَ إلَيْهِمَا مَعًا خَمْسِينَ أو تِسْعِينَ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَرْهُونٌ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا لَا يَخْرُجُ منه شَيْءٌ من الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَقِّهِ فيه فَيَخْرُجُ حَقُّهُ من الرَّهْنِ أو يَسْتَوْفِيَا مَعًا فَتَخْرُجُ حُقُوقُهُمَا مَعًا والأثنان الرَّاهِنَانِ وَالْمُرْتَهِنَانِ يُخَالِفَانِ الْوَاحِدَ كما يَكُونُ الرَّجُلَانِ يَشْتَرِيَانِ الْعَبْدَ فَيَجِدَانِ بِهِ عَيْبًا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْآخَرُ التَّمَسُّكَ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ ذلك لَهُمَا وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَأَرَادَ رَدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ وَإِمْسَاكَ نِصْفِهِ لم يَكُنْ له ذلك - * رَهْنُ الْعَبْدِ بين الرَّجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين الرَّجُلَيْنِ فَأَذِنَا لِرَجُلٍ أَنْ يَرْهَنَهُ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ فَرَهَنَهُ بها وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَانِ رَجُلًا يَقْبِضُ حَقَّهُمَا فَأَعْطَاهُ الرَّاهِنُ خَمْسِينَ على أنها حَقُّ فُلَانٍ عليه فَهِيَ من حَقِّ فُلَانٍ وَنِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرْتَهِنٌ نِصْفُهُ فَسَوَاءٌ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا أو احدهما نِصْفَهُ ثُمَّ الْآخَرُ نِصْفَهُ بَعْدَهُ وَهَكَذَا لو دَفَعَهَا إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِمَا ولم يُسَمِّ لِمَنْ هِيَ ثُمَّ قال هِيَ لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ قال هذه قَضَاءٌ مِمَّا عَلَيَّ ولم يَدْفَعْهَا الْوَكِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قال ادْفَعْهَا إلَى أَحَدِهِمَا كانت لِلَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهَا الْوَكِيلُ إلَيْهِمَا مَعًا فَأَخَذَاهَا ثُمَّ قال هِيَ لِفُلَانٍ لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ من الْآخَرِ ما قَبَضَ من مَالِ غَرِيمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو وَجَدَ لِغَرِيمِهِ مَالًا فَأَخَذَهُ لم يَكُنْ لِغَرِيمِهِ إخْرَاجُهُ من يَدَيْهِ وإذا كان الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِأَنَّ الْعَبْدَ لِرَجُلَيْنِ وكان الرَّهْنُ على بَيْعٍ لم يَكُنْ له خِيَارٌ في نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِنْ افْتَكَّ الْمُرْتَهِنُ حَقَّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كما لو رَهَنَهُ رَجُلَانِ عَبْدًا كان لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْتَكَّ دُونَ الْآخَرِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كان الْمُرْتَهِنُ جَاهِلًا أَنَّ الْعَبْدَ لإثنين فَقَضَاهُ الْغَرِيمُ ما قَضَاهُ مُجْتَمِعًا فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ قَضَاهُ عن أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له الْخِيَارَ في نَقْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لم يُفَكَّ إلَّا مَعًا كان خَيْرًا لِلْمُرْتَهِنِ وَالْآخَرُ لَا خِيَارَ له لِأَنَّ الْعَبْدَ مَرْهُونٌ كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * رَهْنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ الشَّيْئَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدَيْنِ أو عَبْدًا وَدَارًا أو عَبْدًا وَمَتَاعًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ خَمْسِينَ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ من الرَّهْنِ شيئا قِيمَتُهُ من الرَّهْنِ أَقَلُّ من نِصْفِ الرَّهْنِ أو نِصْفُهُ لم يَكُنْ ذلك له وَلَا يُخْرِجُ منه شيئا حتى يُوَفِّيَهُ آخِرَ حَقِّهِ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو طَعَامًا وَاحِدًا فَقَضَاهُ نِصْفَ حَقِّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ الطَّعَامِ أو الدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ أو أَقَلَّ من الدَّرَاهِمِ لم يَكُنْ ذلك له وَلَا يَفُكُّ من الرَّهْنِ شيئا إلَّا مَعًا لِأَنَّهُ قد يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ الْتِمَاسَ فَكِّ جَمِيعِ الرَّهْنِ أو مَوْضِعِ حَاجَتِهِ منه وَلَوْ كان رَجُلَانِ رَهَنَا مَعًا شيئا من الْعُرُوضِ كُلِّهَا الْعَبِيدِ أو الدُّورِ أو الْأَرْضِينَ أو الْمَتَاعِ بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا ما عليه فَأَرَادَ الْقَاضِي وَالرَّاهِنُ
____________________

(3/172)


معه الذي لم يَقْضِ أَنْ يُخْرِجَ عَبْدًا من أُولَئِكَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُ أَقَلُّ من نِصْفِ الرَّهْنِ لم يَكُنْ له ذلك وكان عليه أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ رَهْنًا حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ آخِرَ حَقِّهِ وَنَصِيبُ كل وَاحِدٍ مِمَّا رَهَنَا خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَذَلِكَ نَصِيبُ الذي قَضَى حَقَّهُ وَلَوْ كان ما رَهَنَا دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو طَعَامًا سَوَاءً فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا ما عليه فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الرَّهْنِ وقال الذي أَدَعُ في يَدَيْك مِثْلُ ما آخُذُ مِنْك بِلَا قِيمَةٍ فَذَلِكَ له وَلَا يُشْبِهُ الإثنان في الرَّهْنِ في هذا الْمَعْنَى الْوَاحِدَ فإذا رَهَنَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالطَّعَامَ الْوَاحِدَ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ شَرِيكُهُ مُقَاسَمَتَهُ كان على الْمُرْتَهِنِ دَفْعُ ذلك إلَيْهِ لِأَنَّهُ قد بَرِئَتْ حِصَّتُهُ كُلُّهَا من الرَّهْنِ وَأَنْ ليس في حِصَّتِهِ إشْكَالٌ إذْ ما أَخَذَ منها كما بَقِيَ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُومَ بِغَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا وقد قضى ما فيه بِرَهْنِ آخَرَ لم يَقْضِ ما فيه - * إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ في أَنْ يَرْهَنَ عنه ما لِلْآذِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عنه عَبْدًا للإذن فَإِنْ لم يُسَمِّ بِكَمْ يَرْهَنُهُ أو سَمَّى شيئا يَرْهَنُهُ فَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كان أَقَلَّ قِيمَةً منه لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمِّيَ مَالِكُ الْعَبْدِ ما يَرْهَنُهُ بِهِ وَيَرْهَنُهُ الرَّاهِنُ بِمَا سَمَّى أو بِأَقَلَّ منه مِمَّا أَذِنَ له بِهِ كان أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِخَمْسِينَ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له بِالْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ وَلَوْ رَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ لم يَجُزْ من الرَّهْنِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو أَبْطَلَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ من الرَّهْنِ فِيمَا زَادَ على الْمِائَةِ لم يَجُزْ وَكَذَلِكَ لو أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بمائه دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لم يَجُزْ الرَّهْنُ كما لو أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِمِائَةِ شَاةٍ لم يَجُزْ الْبَيْعُ لِلْخِلَافِ وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ قد أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وقال مَالِكُ الْعَبْدِ ما أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَّا بِخَمْسِينَ دِينَارًا أو مِائَةِ دِرْهَمٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بها إلَى أَجَلٍ وقال مَالِكُ الْعَبْدِ لم آذَنْ له إلَّا على أَنْ يَرْهَنَهُ بها نَقْدًا كان الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ لو قال أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى شَهْرٍ فَرَهَنَهُ إلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ قال أرهنه بِمَا شِئْت فَرَهَنَهُ بِقِيمَتِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ أَشْبَهُ منه بِالْبُيُوعِ لِأَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا في عُنُقِ عَبْدِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ عن غَيْرِهِ إلَّا ما عَلِمَ قبل ضَمَانِهِ وَلَوْ قال أرهنه بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بها إلَى سَنَةٍ فقال أَرَدْت أَنْ يَرْهَنَهُ نَقْدًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كان الْحَقُّ في الرَّهْنِ نَقْدًا بِافْتِدَاءِ الرَّهْنِ مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ بِالْمِائَةِ نَقْدًا فقال أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ بِالْمِائَةِ إلَى وَقْتٍ يُسَمِّيهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي الْمِائَةَ على الرَّهْنِ بَعْدَ سَنَةٍ فَيَكُونُ أَيْسَرَ عليه من أَنْ تَكُونَ حَالَّةً وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ بِأَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ حتى يُسَمِّيَ ما يَرْهَنُهُ بِهِ وَالْأَجَلُ فِيمَا يَرْهَنُهُ بِهِ وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ ما كان لَك على فُلَانٍ من حَقٍّ فَقَدْ رَهَنْتُك بِهِ عَبْدِي هذا أو دَارِي فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ حتى يَكُونَ عَلِمَ ما كان له على فُلَانٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَبَدًا وَكُلُّ ما جَعَلْت الْقَوْلَ فيه قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فيه وَلَوْ عَلِمَ مَالَهُ على فُلَانٍ فقال لَك أَيُّ مَالِي شِئْت رَهْنٌ وَسَلَّطَهُ على قَبْضِ ما شَاءَ منه فَقَبَضَهُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا حتى يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَقْبُوضًا بَعْدَ الْعِلْمِ لَا أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ لو قال الرَّاهِنُ قد رَهَنْتُك أَيَّ مَالِي شِئْت فَقَبَضَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لو قال أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي وقال الْمُرْتَهِنُ أَرَدْت أَنْ أَرْتَهِنَ عَبْدَك أو قال الرَّاهِنُ إخترت أَنْ أَرْهَنَك عَبْدِي وقال الْمُرْتَهِنُ اخْتَرْت أَنْ تَرْهَنَنِي دَارَك لم يَكُنْ الرَّهْنُ وَقَعَ على شَيْءٍ يَعْرِفَانِهِ مَعًا وَلَوْ قال أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي فقال الْمُرْتَهِنُ فَأَنَا أَقْبَلُ ما أَرَدْت لم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا حتى يُجَدِّدَ له بَعْدَ
____________________

(3/173)


ما يَعْلَمَانِهَا مَعًا فيها رَهْنًا وَيُقْبِضَهُ إيَّاهُ وإذا أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ لم يكن ( ( ( يجز ) ) ) له أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَإِنْ فَعَلَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَذِنَ له فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَرَادَ فَسْخَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ أَرَادَ الْآذِنُ أَخْذَ الرَّاهِنِ بِافْتِكَاكِهِ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا كان له أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ عليه وَيَبِيعَ في مَالِهِ حتى يُوَفِّيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ وَإِنْ لم يُرِدْ ذلك الْغَرِيمُ أَنْ يُسْلِمَ ما عِنْدَهُ من الرَّهْنِ وَإِنْ كان أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى أَجَلٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَقُومَ عليه إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ فإذا حَلَّ الْأَجَلُ فَذَلِكَ له كما كان في الْحَالِ الْأَوَّلِ - * الْإِذْنُ بِالْأَدَاءِ عن الرَّاهِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ الْحَالَّ أو الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ الْآذِنُ في الرَّهْنِ على الرَّاهِنِ حَالًّا وَلَوْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَالًّا كان الدَّيْنُ أو مُؤَجَّلًا كان مُتَطَوِّعًا بِالْأَدَاءِ ولم يَكُنْ له الرُّجُوعُ بِهِ على الرَّاهِنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الرَّاهِنُ الذي عليه الْحَقُّ أَدَّيْت عَنِّي بِغَيْرِ أَمْرِي وقال الْآذِنُ له في الرَّهْنِ قد أَدَّيْت عَنْك بِأَمْرِك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ المؤدي عنه لِأَنَّهُ الذي عليه الْحَقُّ وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى عنه يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَهُ ما لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ عليه وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنُ الذي أَدَّى إلَيْهِ الْحَقَّ على الرَّاهِنِ الذي عليه الْحَقُّ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ الْآذِنَ له في الرَّهْنِ أَدَّى عنه بِأَمْرِهِ كانت شَهَادَتُهُ جائزه وَيَحْلِفُ مع شَهَادَتِهِ إذَا لم يَبْقَ من الْحَقِّ شَيْءٌ وَلَيْسَ هَا هُنَا شَيْءٌ يَجُرُّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ عنها فَأَرُدُّ شَهَادَتَهُ له وَكَذَلِكَ لو كان بَقِيَ من الْحَقِّ شَيْءٌ فَشَهِدَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِلْمُؤَدَّى إلَيْهِ أَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الذي عليه الْحَقُّ جَازَتْ شَهَادَتُهُ له وكان في الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا له بِعَيْنِهِ فَرَهَنَ عَبْدًا له آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال مَالِكُ الْعَبْدِ أَذِنْت لَك أَنْ تَرْهَنَ سَالِمًا فَرَهَنْت مُبَارَكًا وقال الرَّاهِنُ ما رَهَنْت إلَّا مُبَارَكًا وهو الذي أَذِنْت لي بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ وَمُبَارَكٌ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَلَوْ اجْتَمَعَا على أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَ سَالِمًا بِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَرَهَنَهُ بها وقال مَالِكُ الْعَبْدِ أَمَرْتُك أَنْ تَرْهَنَهُ من فُلَانٍ فَرَهَنْته من غَيْرِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ قد يَأْذَنُ في الرَّجُلِ الثِّقَةِ بِحُسْنِ مُطَالَبَتِهِ وَلَا يَأْذَنُ في غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لو قال له بِعْهُ من فُلَانٍ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من غَيْرِهِ بِمِائَةٍ أو أَكْثَرَ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَذِنَ له في بَيْعِ فُلَانٍ ولم يَأْذَنْ له في بَيْعِ غَيْرِهِ وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَأَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يَرْهَنَ ذلك الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ وَعَلِمَ أَيَّهُمَا رَهَنَهُ أَوَّلًا فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ تَدَاعَيَا الْمُرْتَهِنَانِ في الرَّهْنِ فقال أَحَدُهُمَا رَهْنِي أَوَّلٌ وقال الْآخَرُ رَهْنِي أَوَّلٌ وَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الذي رَهَنَهُ أو كَذَّبَهُ أو صَدَّقَ الرَّاهِنَانِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا بِالرَّهْنِ أَحَدَهُمَا وَكَذَّبَا الْآخَرَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنَيْنِ وَلَا شَهَادَتُهُمَا بِحَالٍ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَيَدْفَعَانِ عنها أَمَّا ما يَجُرَّانِ إلَيْهَا فَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ جَوَازَ الْبَيْعِ على الرَّاهِنِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْبَيْعِ في الرَّهْنِ ما كان الرَّهْنُ قَائِمًا دُونَ مَالِهِ سِوَاهُ وَأَمَّا الذي يَدْفَعُ أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ فَأَنْ يَقُولَ رَهْنِي آخِرٌ فَيَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّهْنِ الْآذِنِ له في الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ وَإِنْ تَرَكَهُ الْغَرِيمُ وَإِنْ صَدَّقَ مَالِكُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَالُهُ وفي ارْتِهَانِهِ نَقْصٌ عليه لَا مَنْفَعَةَ له وَإِنْ لم يَعْلَمْ ذلك مَالِكُ الْعَبْدِ ولم يَدْرِ أَيَّ الرَّهْنَيْنِ أَوَّلًا فَلَا رَهْنَ في الْعَبْدِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ حين تَنَازَعَا في أَيْدِيهِمَا مَعًا أو أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كان في يَدِهِ ولم تُوَقِّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان رَهْنًا في يَدِ أَحَدِهِمَا قبل الْآخَرِ فَلَا رَهْنَ وَإِنْ وَقَّتَتْ وَقْتًا يَدُلُّ على أَنَّهُ
____________________

(3/174)


كان رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا قبل الْآخَرِ كان رَهْنًا لِلَّذِي كان في يَدَيْهِ أَوَّلًا وَأَيُّ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَرَادَ أَنْ احلف له الْآخَرَ على دَعْوَاهُ احلفته له وَإِنْ اراد أَنْ احلف لَهُمَا الْمَالِكَ أَحَلَفْته على عِلْمِهِ وَإِنْ أراد ( ( ( أرادا ) ) ) أو احدهما أَنْ احلف له رَاهِنَهُ لم احلفه لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ أو ادَّعَاهُ لم أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ ولم آخُذْ له بِدَعْوَاهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَقَبْضَهُ كان قبل رَهْنِ صَاحِبِهِ وَقَبْضِهِ ولم يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ على دَعْوَاهُ وَلَيْسَ الرَّهْنُ في يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا بِدَعْوَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلَا يَمِينَ عليه لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلَّذِي زَعَمَ الرَّاهِنُ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا بِأَنَّ رَهْنَهُ كان أَوَّلًا كانت الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من قَوْلِ الرَّاهِنِ ولم يَكُنْ على الرَّاهِنِ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا غَيْرَهُ وَلَا قِيمَةَ رَهْنٍ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ أَيِّهِمَا كان أَوَّلًا وَسَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَهُ وَادَّعَى عِلْمَهُ أَنَّهُ كان أَوَّلًا أُحْلِفَ بِاَللَّهِ ما يَعْلَمُ أَيَّهُمَا كان أَوَّلًا وكان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو كان في أَيْدِيهِمَا مَعًا وَلَوْ كان في يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَصَدَّقَ الرَّاهِنُ الذي ليس الرَّهْنُ في يَدَيْهِ كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ كان الْحَقُّ الذي أَقَرَّ له الرَّاهِنُ في الْعَبْدِ أَقَلَّ من حَقِّ الذي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا أو أَكْثَرَ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ من حَقِّ الذي أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ آخِرًا وَلَا تَصْنَعُ كَيْنُونَةُ الرَّهْنِ هَا هُنَا في يَدِهِ شيئا لِأَنَّ الرَّهْنَ ليس يُمْلَكُ بِكَيْنُونَتِهِ في يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الذي في يَدَيْهِ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ ما يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ - * الرِّسَالَةُ في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا فقال له ارْهَنْهُ عِنْدَ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَهُ فقال الدَّافِعُ إنَّمَا أَمَرْته أَنْ يَرْهَنَهُ عِنْدَك بِعَشَرَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ جَاءَنِي بِرِسَالَتِك في أَنْ أُسَلِّفَك عِشْرِينَ فَأَعْطَيْته إيَّاهَا فَكَذَّبَهُ الرَّسُولُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ وَالْمُرْسِلِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَلَوْ صَدَّقَهُ الرَّسُولُ فقال قد قَبَضْت مِنْك عِشْرِينَ وَدَفَعْتهَا إلَى الْمُرْسِلِ وَكَذَّبَهُ الْمُرْسِلُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْسِلِ مع يَمِينِهِ ما أَمَرَهُ إلَّا بعشره وَلَا دَفَعَ إلَيْهِ إلَّا هِيَ وكان الرَّهْنُ بِعَشَرَةٍ وكان الرَّسُولُ ضَامِنًا لِلْعَشَرَةِ التي أَقَرَّ بِقَبْضِهَا مع الْعَشَرَةِ التي أَقَرَّ الْمُرْسِلُ بِقَبْضِهَا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَرَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وقال الرَّسُولُ أَمَرْتنِي بِرَهْنِ الثَّوْبِ عِنْدَ فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ فَرَهَنْته وقال الْمُرْسِلُ أَمَرْتُك أَنْ تَسْتَسْلِفَ من فُلَانٍ عَشَرَةً بِغَيْرِ رَهْنٍ ولم آذَنْ لَك في رَهْنِ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ وَالْعَشَرَةُ حَالَّةٌ عليه وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال أَمَرْتُك بِأَخْذِ عَشَرَةٍ سَلَفًا في عَبْدِي فُلَانٍ وقال الرَّسُولُ بَلْ في ثَوْبِك هذا أو عَبْدِك هذا الْعَبْدُ غَيْرُ الذي أَقَرَّ بِهِ الْآمِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَالْعَشَرَةُ حَالَّةٌ عليه وَلَا رَهْنَ فِيمَا رَهَنَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لم يَرْهَنْ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا فيه رَهْنًا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ الثَّوْبَ أو الْعَبْدَ الذي أَقَرَّ الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِرَهْنِهِ كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا وَالثَّوْبُ الذي أَنْكَرَ الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِرَهْنِهِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الأمر أَمَرَ بِرَهْنِ الثَّوْبِ وَأَقَامَ الْآمِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِرَهْنِ الْعَبْدِ دُونَ الثَّوْبِ ولم يَرْهَنْ الْمَأْمُورُ الْعَبْدَ أو أَنَّهُ نهى عن رَهْنِ الثَّوْبِ كانت الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ وَأَجَزْتُ له ما أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ رَهْنًا لِأَنِّي إذَا جَعَلْتُ بينتهما ( ( ( بينهما ) ) ) صَادِقَةً مَعًا لم تُكَذِّبْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ أمره ( ( ( أكره ) ) ) بِرَهْنِهِ قد تَكُونُ صَادِقَةً بِلَا تَكْذِيبٍ لِبَيِّنَةِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ نهى عن رَهْنِهِ وَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِرَهْنِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قد يُنْهَى عن رَهْنِهِ بَعْدَ ما يَأْذَنُ فيه وَيَرْهَنُ فَلَا يَنْفَسِخُ ذلك الرَّهْنُ وَيُنْهَى عن رَهْنِهِ قبل يَرْهَنَ ثُمَّ
____________________

(3/175)


يَأْذَنُ فيه فإذا رَهَنَهُ فَلَا يُفْسَخُ ذلك الرَّهْنُ فإذا كَانَتَا صَادِقَتَيْنِ بِحَالٍ لم يُحْكَمْ لَهُمَا حُكْمُ الْمُتَضَادَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا تَكُونَانِ أَبَدًا إلَّا وَإِحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ - * شَرْطُ ضَمَانِ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَوَضَعَ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ على أَنَّهُ إنْ حَدَثَ في الرَّهْنِ حَدَثٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ من الْمِائَةِ أو فَاتَ الرَّهْنُ أو تَلِفَ فَالْمِائَةُ مَضْمُونَةٌ على أَجْنَبِيٍّ أو ما نَقَصَ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ على أَجْنَبِيٍّ أو على الذي على يَدَيْهِ الرَّهْنُ حتى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَهْنَهُ أو يَضْمَنَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أو أَجْنَبِيٌّ ما نَقَصَ الرَّهْنُ كان الضَّمَانُ في ذلك كُلِّهِ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْنَ إنْ وَفَّى لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ في شَرْطِهِ فَيَضْمَنُ مَرَّةً دِينَارًا وَمَرَّةً مِائَتَيْ دِينَارٍ وَمَرَّةً مِائَةً وَهَذَا ضَمَانٌ مَرَّةً وَلَا ضَمَانُ أُخْرَى وَضَمَانٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَجُوزُ الضَّمَانُ حتى يَكُونَ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا بِمِائَةٍ وَضَمِنَ له رَجُلٌ الْمِائَةَ عن الرَّاهِنِ كان الضَّمَانُ له لَازِمًا وكان لِلْمَضْمُونِ له أَنْ يَأْخُذَهُ بِضَمَانِهِ دُونَ الذي عليه الْحَقُّ وَقِيلَ يُبَاعُ الرَّهْنُ وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ حَقٌّ إلَى أَجَلٍ فَزَادَهُ في الْأَجَلِ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ الْأَوَّلِ - * تَدَاعِي الرَّاهِنِ وَوَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ وَادَّعَى وَرَثَتُهُ في الرَّهْنِ شيئا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لو كان الْمُرْتَهِنُ حَيًّا فَاخْتَلَفَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى الرَّاهِنُ أو وَرَثَتُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ أقتضى حَقَّهُ أو أبرأه ( ( ( برأه ) ) ) منه فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الذي له الْحَقُّ إذَا عَرَفَ لِرَجُلٍ حَقًّا أَبَدًا فَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ كان عليه لَا يَبْرَأُ منه إلَّا بِإِبْرَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ له أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه بِشَيْءٍ يُثْبِتُونَهُ بِعَيْنِهِ فَيَلْزَمُهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ فَأَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ قَضَاهُ من حَقِّهِ الذي بِهِ الرَّهْنُ عَشَرَةٌ وَبَقِيَتْ عليه تِسْعُونَ فإذا أَدَّاهَا فُكَّ له الرَّهْنُ وَإِلَّا بِيعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَاقْتُضِيَتْ منه التِّسْعُونَ وَلَوْ قالت الْبَيِّنَةُ قَضَاهُ شيئا ما نُثْبِتُهُ أو قالت الْبَيِّنَةُ أَقَرَّ عِنْدَنَا الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أقتضى منه شيئا ما نُثْبِتُهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا قبل ( ( ( قيل ) ) ) أَقَرُّوا فيها بِشَيْءٍ ما كان وَاحْلِفُوا ما تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَكْثَرُ منه وَخُذُوا ما بَقِيَ من حَقِّكُمْ وَلَوْ كان الرَّاهِنُ الْمَيِّتَ وَالْمُرْتَهِنُ الْحَيَّ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ قد قَضَانِي شيئا من الْحَقِّ ما أَعْرِفُهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ كان حَيًّا وَوَرَثَتُهُ إنْ كان مَيِّتًا إن ادَّعَيْتُمْ شيئا تُسَمُّونَهُ أَحَلَفْنَاهُ لَكُمْ فَإِنْ حَلَفَ بريء منه وَقُلْنَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ما كان فما أَقَرَّ بِهِ وَحَلَفَ ما هو أَكْثَرُ منه قَبِلْنَا قَوْلَهُ فيه - * جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على سَيِّدِهِ وَمِلْكِ سَيِّدِهِ عَمْدًا أو خَطَأً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ على سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهِ فولى سَيِّدِهِ بِالْخِيَارِ بين الْقِصَاصِ منه وَبَيْنَ الْعَفْوِ بِلَا شَيْءٍ في رَقَبَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَّ منه فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ فيه وَإِنْ عَفَا عنه بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ عَفَا عنه بِأَخْذِ دِيَتِهِ من رَقَبَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ على سَيِّدِهِ إذَا أَتَتْ على نَفْسِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ على الْأَجْنَبِيِّ لَا تَخْتَلِفُ في شَيْءٍ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا مَنَعَنِي إذَا تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقَوَدَ على أَخْذِ
____________________

(3/176)


الْمَالِ أَنْ أُبْطِلَ الْجِنَايَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ التي لَزِمَتْ الْعَبْدَ مَالٌ لِلْوَارِثِ وَالْوَارِثُ ليس بِمَالِكٍ لِلْعَبْدِ يوم جَنَى فَيَبْطُلُ حَقُّهُ في رَقَبَتِهِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ له وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ هَدَرٌ من قِبَلِ أَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَمْلِكُهَا بعد ما يَمْلِكُهَا الْمَجْنِيُّ عليه وَمَنْ قال هذا قال لَوْلَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَالِكٌ ما قَضَى بها دَيْنَهُ وَلَوْ كان لِلسَّيِّدِ وَارِثَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عن الْجِنَايَةِ بِلَا مَالٍ كان الْعَفْوُ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَائِزًا وكان الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِحَالِهِ وَإِنْ عَفَا الْآخَرُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ بِيعَ نِصْفُهُ في الْجِنَايَةِ وكان لِلَّذِي لم يَعْفُ ثَمَنُ نِصْفِهِ إنْ كان مِثْلَ الْجِنَايَةِ أو أَقَلَّ وكان نِصْفُهُ مَرْهُونًا وَسَوَاءٌ الذي عَفَا عن الْمَالِ وَاَلَّذِي عَفَا عن غَيْرِ شَيْءٍ فِيمَا وَصَفْت وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِلسَّيِّدِ الْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَبَالِغُونَ وَأَرَادَ الْبَالِغُونَ قَتْلَهُ لم يَكُنْ لهم قَتْلُهُ حتى يَبْلُغَ الصِّغَارُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ قبل أَنْ يَعْفُوَ أَحَدٌ من الْوَرَثَةِ لم يَكُنْ ذلك له وكان له أَنْ يَقُومَ في مَالِ الْمَيِّتِ بِمَالِهِ قِيَامَ من لَا رَهْنَ له فَإِنْ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَبَقِيَ من حَقِّهِ شَيْءٌ ثُمَّ عَفَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْبَالِغِينَ بِلَا مَالٍ يَأْخُذُهُ كان حَقُّ الْعَافِينَ من الْعَبْدِ رَهْنًا له يُبَاعُ له دُونَ الْغُرَمَاءِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وإذا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ عن الْقَوَدِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَيُبَاعُ نَصِيبُ من لم يَبْلُغْ من الْوَرَثَةِ ولم يَعْفُ إنْ كان الْبَيْعُ نَظَرًا له في قَوْلِ من قال إنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ يُمْلَكُ بِالْجِنَايَةِ على مَالِكِهِ حتى يَسْتَوْفُوا مَوَارِيثَهُمْ من الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ثَمَنِهِ فَضْلٌ عنها فَيُرَدَّ رَهْنًا وَلَوْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على سَيِّدِهِ الرَّاهِنِ عَمْدًا فيها قِصَاصٌ لم يَأْتِ على النَّفْسِ كان لِلسَّيِّدِ الرَّاهِنِ الْخِيَارُ في الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ فَإِنْ عَفَا على غَيْرِ شَيْءٍ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ قال أعفو ( ( ( أعفوا ) ) ) على أَنْ آخُذَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ من رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ له ذلك وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ له على عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِنْ كانت جِنَايَتُهُ على سَيِّدِهِ عَمْدًا لَا قَوَدَ فيها أو خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِجِنَايَتِهِ عليه من الْعَبْدِ إلَّا ما كان له قبل جِنَايَتِهِ وَلَا يَكُونُ له دَيْنٌ عليه لِأَنَّهُ مَالٌ له وَلَا يَكُونُ له على مَالِهِ دَيْنٌ وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على عَبْدٍ لِلسَّيِّدِ جِنَايَةً في نَفْسٍ أو ما دُونَهَا فَالْخِيَارُ إلَى السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ منه في الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فيه الْقِصَاصُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَبِأَيِّ الْوَجْهَيْنِ عَفَا فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ إنْ عَفَا على غَيْرِ شَيْءٍ أو عَفَا على مَالٍ يَأْخُذُهُ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا مَالَ له في رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَلَوْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على عَبْدٍ لِلرَّاهِنِ مَرْهُونٌ عِنْدَ آخَرَ كان لِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ في الْقَوَدِ أو في الْعَفْوِ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ فَذَلِكَ له ليس لِمُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه أَنْ يَمْنَعَهُ من ذلك وَإِنْ اخْتَارَ الْعَفْوَ على مَالٍ يَأْخُذُهُ فَالْمَالُ مَرْهُونٌ في يَدَيْ مُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَفْوَ الْمَالِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ إيَّاهُ لم يَكُنْ ذلك له لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَجَزْت لِلسَّيِّدِ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْخُذَ جِنَايَةَ الْمُرْتَهِنِ على عَبْدِهِ من عِتْقِ عَبْدِهِ الْجَانِي وَلَا يَمْنَعُ الْمُرْتَهِنُ السَّيِّدَ الْعَفْوَ على غَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ على الْجَانِي عَمْدًا حتى يَخْتَارَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على أُمِّ وَلَدٍ لِلرَّاهِنِ أو مُدَبَّرٍ أو مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ فَهِيَ كَجِنَايَتِهِ على مَمْلُوكِهِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ فَإِنْ جَنَى على مُكَاتَبِ السَّيِّدِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَلِلسَّيِّدِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ فَإِنْ تَرَكَ الْقَوَدَ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ على الْمُكَاتَبِ جُرْحًا فَلِلْمَكَاتِبِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ على مَالٍ يَأْخُذُهُ وإذا عَفَاهُ عنه على مَالٍ بِيعَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَدُفِعَ إلَى الْمُكَاتَبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عليه وإذا حُكِمَ لِلْمُكَاتِبِ بِأَنْ يُبَاعَ له الْعَبْدُ في الْجِنَايَةِ عليه ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قبل بَيْعِهِ أو عَجَزَ فَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ في الْجِنَايَةِ حتى يَسْتَوْفِيَهَا فَيَكُونَ ما فَضَلَ من ثَمَنِهِ أو رَقَبَتِهِ رَهْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ عن مُكَاتَبِهِ بِمِلْكٍ غَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِيعَ وَالْمُكَاتَبُ حَيٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ السَّيِّدُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على بن لِلرَّاهِنِ أو أَخٍ أو مَوْلًى جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهِ وَالرَّاهِنُ وَارِثُ الْمَجْنِيِّ عليه فَلِلرَّاهِنِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ على الدِّيَةِ أو غَيْرِ الدِّيَةِ فإذا عَفَا على
____________________

(3/177)


الدِّيَةِ بِيعَ الْعَبْدُ وَخَرَجَ من الرَّهْنِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ له لَا يُجْبَرُ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ أنا اسلم الْعَبْدَ وَأَفْسَخُ الرَّهْنَ فيه وَحَقِّي في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قِيلَ إنْ تَطَوَّعْت بِذَلِكَ وَإِلَّا لم ( ( ( لما ) ) ) تُكْرَهُ عليه وَبَلَغْنَا الْجَهْدُ في بَيْعِهِ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ فَضْلٌ فَهُوَ رَهْنٌ لَك وَإِنْ لم يَفْضُلْ فَالْحَقُّ أتى على رَهْنِهِ وَإِنْ مَلَكَهُ الرَّاهِنُ بِشِرَاءٍ او تَرَكَ منه لِلرَّهْنِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَبَطَلَ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ بِفَسْخِك الرَّهْنَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا فَاسْتَحَقَّهُ عليه رَجُلٌ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ وَإِنْ مَلَكَهُ الرَّاهِنُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كان رَهَنَهُ وَلَيْسَ له فلم يَكُنْ رَهْنًا كما لو رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا لم يَكُنْ رَهْنًا وَالْآخَرُ أَنَّ هذا الْمِلْكَ غَيْرُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْطَلَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى على بن سَيِّدِهِ أو على أَحَدٍ السَّيِّدُ وَارِثُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْمَجْنِيِّ عليه وَالْمَجْنِيُّ عليه غَيْرُ سَيِّدِ الْجَانِي وَلَا رَاهِنِهِ وَإِنَّمَا مَلَكَهَا سَيِّدُهُ الرَّاهِنُ عن الْمَجْنِيِّ عليه بِمَوْتِ الْمَجْنِيِّ عليه وَهَذَا مِلْكٌ غَيْرُ مِلْكِ السَّيِّدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ عَدَا الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على بن لِنَفْسِهِ مَمْلُوكُ الرَّاهِنِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً أو جَرَحَهُ جُرْحًا عَمْدًا أو خَطَأً فَلَا قَوَدَ بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِهِ وَالْجِنَايَةُ مَالٌ في عُنُقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ بها وَلَا إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ له في عُنُقِ عَبْدِهِ دَيْنٌ وَهَكَذَا لو كانت أَمَةً فَقَتَلَتْ ابْنَهَا وَلَوْ كان الأبن الْمَقْتُولُ رَهْنًا لِرَجُلٍ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ لِلْأَبِ بِيعَ الْعَبْدُ الْأَبُ الْقَاتِلُ فَجُعِلَ ثَمَنُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَقْتُولِ رَهْنًا في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ مَكَانَهُ وَلَوْ كان الأبن مَرْهُونًا لِرَجُلٍ غَيْرِ مُرْتَهِنِ الْأَبِ بِيعَ الْأَبُ فَجُعِلَ ثَمَنُ الأبن رَهْنًا مَكَانَهُ ولم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ عَفْوُهُ لِأَنَّ هذا لم يَجِبْ عليه قَوَدٌ قَطُّ إنَّمَا وَجَبَ في عِتْقِهِ مَالٌ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَعْفُوَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَلَوْ كان الْأَبُ والأبن مَمْلُوكَيْنِ لِرَجُلٍ وَرَهَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا على حِدَةٍ فَقَتَلَ الأبن الْأَبَ كان لِسَيِّدِ الْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ الأبن أو يَعْفُوَ عن الْقَتْلِ بِلَا مَالٍ وَكَذَلِكَ لو كان جَرَحَهُ جُرْحًا فيه قَوَدٌ كان له الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ بِلَا مَالٍ فَإِنْ إختار الْعَفْوَ بِالْمَالِ بِيعَ الأبن وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ ما لَزِمَهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وإذا كان هذا الْقَتْلُ خَطَأً وَالْعَبْدَانِ مَرْهُونَانِ لِرَجُلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ من الْعَفْوِ وَيُبَاعُ الْجَانِي فَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا لِمُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ لم يَكُنْ في أَعْنَاقِهِمَا حُكْمٌ إلَّا الْمَالُ لَا خِيَارَ فيه لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَجْنَبِيًّا كان أو سَيِّدًا وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على نَفْسِهِ جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على أمرأته أو أُمِّ وَلَدِهِ جِنَايَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنْ كانت الْأَمَةُ لِرَجُلٍ فَنَكَحَهَا الْعَبْدُ فَالْجِنَايَةُ لِمَالِكِ الْجَارِيَةِ يُبَاعُ فيها الرَّهْنُ فَيُعْطَى قِيمَةَ الْجَنِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في الْعَبْدِ الرَّهْنِ فَضْلٌ عن قِيمَةِ الْجَنِينِ فَيُبَاعُ منه بِقَدْرِ قيمة الْجَنِينِ وَجِنَايَتُهُ على الْجَنِينِ كَجِنَايَتِهِ على غَيْرِهِ خَطَأً ليس لِلسَّيِّدِ عَفْوُهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيها وَيَكُونُ ما بَقِيَ منه رَهْنًا وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على حُرٍّ جِنَايَةً عَمْدًا فَاخْتَارَ الْمَجْنِيُّ عليه أو أَوْلِيَاؤُهُ الْعَقْلَ بيع ( ( ( ببيع ) ) ) الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ إبل ( ( ( إبلا ) ) ) فَدُفِعَتْ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه إنْ كان حَيًّا أو أَوْلِيَائِهِ إنْ كان مَيِّتًا وَكَذَلِكَ إذَا جَنَاهَا خَطَأً وَإِنْ اخْتَارَ أَوْلِيَاؤُهُ الْعَفْوَ عن الْجِنَايَةِ على غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ - * إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِالْجِنَايَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا وَأَقْبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ فَادَّعَى عليه الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ جَنَى عليه أو على رَجُلٍ هو وَلِيُّهُ جِنَايَةً عَمْدًا في مِثْلِهَا قَوَدٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ ذلك أو لم يُقِرَّ بِهِ ولم
____________________

(3/178)


يُنْكِرْهُ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لَازِمٌ له وهو كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عليه وَلَا يَكُونُ قَبُولُهُ أَنْ يَرْتَهِنَهُ وهو جَانٍ عليه إبْطَالًا لِدَعْوَاهُ لِجِنَايَةٍ كانت قبل الرَّهْنِ أو بَعْدَهُ أو معه وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ بِلَا مَالٍ أو الْعَفْوُ بِمَالٍ فَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ فَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْعَفْوَ بِلَا مَالٍ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ بِيعَ الْعَبْدُ في الْجِنَايَةِ فما فَضَلَ من ثَمَنِهِ كان رَهْنًا وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أو عَمْدًا لَا قَوَدَ فيها بِحَالٍ أو كان الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَالْمُرْتَهِنُ كَافِرًا فَأَقَرَّ عليه بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أو أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ على بن نَفْسِهِ وَكَّلَ من لَا يُقَادُ منه بِحَالٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ في عُبُودِيَّتِهِ بِمَالٍ في عُنُقِهِ وَإِقْرَارُهُ بِمَالٍ في عُنُقِهِ كَإِقْرَارِهِ بِمَالٍ على سَيِّدِهِ لِأَنَّ عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) وما بِيعَتْ بِهِ عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) مَالٌ لِسَيِّدِهِ ما كان مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ وَسَوَاءٌ كان ما وَصَفْت من الْإِقْرَارِ على الْمُرْتَهِنِ أو أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ كان مَكَانَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُرْتَهِنِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ على سَيِّدِهِ قبل الرَّهْنِ أو بَعْدَهُ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا فيه قِصَاصٌ جَازَتْ على الْعَبْدِ فَإِنْ اُقْتُصَّ فَذَلِكَ وَإِنْ لم يُقْتَصَّ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا على بن الرَّاهِنِ أو من الرَّاهِنِ وَلِيَّهُ فَأَتَتْ على نَفْسِهِ فَأَقَرَّ بها الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ وَلِسَيِّدِهِ الرَّاهِنِ قَتْلُهُ أو الْعَفْوُ على مَالٍ يَأْخُذُهُ في عُنُقِهِ كما يَكُونُ ذلك له في الْأَجْنَبِيِّ وَالْعَفْوُ على غَيْرِ مَالٍ فَإِنْ عَفَا على غَيْرِ مَالٍ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ وَلَا غَيْرِ الرَّهْنِ على نَفْسِهِ حتى يَكُونَ مِمَّنْ تَقُومُ عليه الْحُدُودُ فإذا كان مِمَّنْ تَقُومُ عليه الْحُدُودُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ إلَّا فِيمَا فيه الْقَوَدُ وإذا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً على غَيْرِ سَيِّدِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَكَذَّبَهُ مَالِكُ الْعَبْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وإذا بِيعَ بِالرَّهْنِ لم يُحْكَمْ على الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ يعطى ثَمَنَهُ وَلَا شيئا منه لِلْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ كان في إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الْعَبْدِ منه لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ في مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ في مَالِ غَيْرِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لِلْمَجْنِيِّ عليه بِشَيْءٍ إذَا ثَبَتَ له فَمَالُهُ ليس في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ فلما سَقَطَ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْعَبْدِ سَقَطَ عنه الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ ثَمَنِ الْعَبْدِ من يَدَيْهِ وَالْوَرَعُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَ من ثَمَنِهِ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه قَدْرَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ جَحَدَهُ حَلَّ له أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ ذلك من ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يَأْخُذُهُ إنْ قَدَرَ من مَالِ الرَّاهِنِ غير ثَمَنِ الْعَبْدِ وَهَكَذَا لو أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْجِنَايَةَ وَسَيِّدُهُ وَأَقَرَّ بها الْمُرْتَهِنُ وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ في يَدَيْهِ جَنَى عليه جِنَايَةً خَطَأً وَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ ولم يَخْرُجْ الْعَبْدُ من الرَّهْنِ وَحَلَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ حَقِّهِ في الرَّهْنِ من وَجْهَيْنِ من أَصْلِ الْحَقِّ وَالْجِنَايَةِ إنْ كان يَعْلَمُهُ صَادِقًا وَلَوْ ادَّعَى الْجِنَايَةَ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ خَطَأً لأبن له هو وَلِيُّهُ وَحْدَهُ أو معه فيه وَلِيُّ غَيْرِهِ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ فيه قَوْلُ السَّيِّدِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ في دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ على الْعَبْدِ الْجِنَايَةَ خَطَأً وَإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَالْمُرْتَهِنِ بها وَتَكْذِيبِ الْمَالِكِ له - * جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على الْأَجْنَبِيَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أو جُنِيَ عليه فَجِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عليه كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَالْجِنَايَةُ عليه وَمَالِكُهُ الرَّاهِنُ الْخَصْمُ فيه فَيُقَالُ له إنْ فَدَيْته بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ لم تَفْعَلْ لم تُجْبَرْ على أَنْ تَفْدِيَهُ وَبِيعَ الْعَبْدُ في جِنَايَتِهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِ من الرَّهْنِ كما تَكُونُ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِ من مِلْكِك فَالرَّهْنُ أَضْعَفُ من مِلْكِك لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ فيه شَيْءٌ بِالرَّهْنِ بِمِلْكِك فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ولم يَتَطَوَّعْ مَالِكُهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ لم يُجْبَرْ سَيِّدُهُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ على أَنْ يُبَاعَ
____________________

(3/179)


منه إلَّا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ ما بَقِيَ منه مَرْهُونًا وَلَا يُبَاعُ كُلُّهُ إذَا لم تَكُنْ الْجِنَايَةُ تُحِيطُ بِقِيمَتِهِ إلَّا بإجتماع الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ على بَيْعِهِ فإذا اجْتَمَعَا على بَيْعِهِ بِيعَ فَأُدِّيَتْ الْجِنَايَةُ وَخُيِّرَ مَالِكُهُ بين أَنْ يَجْعَلَ ما بَقِيَ من ثَمَنِهِ قِصَاصًا من الْحَقِّ عليه أو يَدَعَهُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ الْمُرْتَهِنِ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي كُلِّهِ وَإِنْ كان فيه فَضْلٌ كَبِيرٌ عن الْجِنَايَةِ فَسْخًا منه لِرَهْنِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ فيه الرَّهْنُ إلَّا بِأَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُ فيه أو يَبْرَأَ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ الذي بِهِ الرَّهْنُ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ عَبْدِهِ رَهْنًا غير مَضْمُونٍ على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من دَيْنِهِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِمَّا قَبَضَ منه وإذا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ الإنتفاع بِثَمَنِهِ وَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ قَبْضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ لم يَكُنْ ذلك له وَلَيْسَ المنفعه بِالثَّمَنِ الذي هو دَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ كالمنفعه بِالْعَبْدِ الذي هو عَيْنٌ لو بَاعَهُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَرُدَّ بِحَالِهِ وإذا بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ في الْجِنَايَةِ أو بَعْضُهُ لم يُكَلَّفْ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ بِيعَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ لَا إتْلَافٍ منه هو له وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْجِنَايَةِ قِيلَ له إنْ فَعَلْت فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ وَلَيْسَ لَك الرُّجُوعُ بها على مَالِكِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ فَدَاهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ وَضَمِنَ له ما فَدَاهُ بِهِ رَجَعَ بِمَا فَدَاهُ بِهِ على سَيِّدِهِ ولم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ له رَهْنًا بِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِهِ مع الْحَقِّ الْأَوَّلِ ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْفَسِخَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فَيَجْعَلَهُ رَهْنًا بِمَا كان مَرْهُونًا وَبِمَا فَدَاهُ بِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ عَمْدًا فَأَرَادَ الْمَجْنِيُّ عليه أو وَلِيُّهُ أَنْ يَقْتَصَّ منه فَذَلِكَ له وَلَا يَمْنَعُ الرَّهْنُ حَقًّا عليه في عُنُقِهِ وَلَا في بَدَنِهِ وَلَوْ كان جَنَى قبل أَنْ يَرْهَنَ ثُمَّ قام عليه الْمَجْنِيُّ عليه كان ذلك له كما يَكُونُ له لو جَنَى بَعْدَ أَنْ كان رَهْنًا لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَلَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ أَنْ يَجْنِيَ قبل أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ثُمَّ يَرْهَنُ وَلَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا إذَا لم يُبَعْ في الْجِنَايَةِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَلَهُ مَالٌ أو اكْتَسَبَ بَعْدَ الجنايه مَالًا أو وُهِبَ له فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَجِنَايَتُهُ في عُنُقِهِ كَهِيَ في عُنُقِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فلم يَتَفَرَّقْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حتى جَنَى كان لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ حَدَثَ بِهِ وَلَهُ رَدُّهُ بِلَا عَيْبٍ وَلَوْ جَنَى ثُمَّ بِيعَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ بِجِنَايَتِهِ كان له رَدُّهُ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ دُلِّسَ له وَلَوْ بِيعَ وَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ أو خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَنَى كان من المشتري ولم يُرَدَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ هذا حَادِثٌ في مِلْكِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ له وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ الرَّهْنُ جِنَايَةً عَمْدًا كان لِلْمَجْنِيِّ عليه أو وَلِيِّهِ الْخِيَارُ بين الْأَرْشِ وَالْقِصَاصِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ كان في عُنُقِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فيه كما يُبَاعُ في الْجِنَايَةِ خَطَأً وَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ كان له وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فلم يفده ( ( ( يقده ) ) ) سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ فَبِيعَ فيها لم يُكَلَّفْ سَيِّدُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ سِوَاهُ لِأَنَّهُ بِيعَ عليه بِحَقٍّ لَا جِنَايَةٍ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ كان السَّيِّدُ أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ وكان بَالِغًا يَعْقِلُ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا يُكَلَّفُ السَّيِّدُ إذَا بِيعَ فيها أو قُتِلَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ صَبِيًّا أو أَعْجَمِيًّا فَبِيعَ في الْجِنَايَةِ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثَمَنًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ وإذا تَمَّ الرَّهْنُ بِالْقَبْضِ كان الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ من غُرَمَاءِ السَّيِّدِ وَوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حقه فيه ثُمَّ يَكُونَ لهم الْفَضْلُ عن حَقِّهِ وإذا اذن الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ان يَرْهَنَ عَبْدًا لِلْإِذْنِ فَرَهَنَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ جِنَايَةً فَجِنَايَتُهُ في عُنُقِهِ وَالْقَوْلُ في هل يَرْجِعُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْآذِنُ على الرَّاهِنِ الْمَأْذُونِ له بِمَا لَزِمَ عَبْدَهُ من جِنَايَتِهِ وَبِتَلَفٍ ان اصابه في يَدَيْهِ قبل ان يَفْدِيَهُ كما يَرْجِعُ عليه لو ان الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ عَارِيَّةٌ في يَدَيْهِ لَا رَهْنٌ أو لَا يَرْجِعُ قَوْلَانِ احدهما انه عاريه فَهُوَ ضَامِنٌ له كما تُضْمَنُ العاريه وَالْآخَرُ انه لَا يَضْمَنُ شيئا مِمَّا اصابه وَمَنْ قال هذا قال فَلَيْسَ كالعاريه لِأَنَّ خِدْمَتَهُ
____________________

(3/180)


لِسَيِّدِهِ وَالرَّهْنَ في عُنُقِهِ كَضَمَانِ سَيِّدِهِ لو ضَمِنَ عن الرَّاهِنِ وَالْعَارِيَّةُ ما كانت مَنْفَعَتُهَا مَشْغُولَةً عن مُعِيرِهَا وَمَنْفَعَةُ هذا له قَائِمَةٌ وَمَنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ ضَمَّنَ رَجُلًا لو رَهَنَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ مَتَاعًا له بِأَمْرِ الْمَرْهُونِ وكان هذا عِنْدِي أَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فِيمَا فيه قِصَاصٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَجَنَى على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ أو لِلْمُرْتَهِنِ أو لِغَيْرِهِمَا جِنَايَةً أَتَتْ على نَفْسِهِ فَالْخَصْمُ في الْجِنَايَةِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ وَلَا وَكِيلَهُ لِيَحْضُرَ السَّيِّدُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إلَى السَّيِّدِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا ثَبَتَ ما فيه الْقِصَاصُ أَنْ يُخَيَّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ بين الْقِصَاصِ وَأَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ دُفِعَ إلَيْهِ قَاتِلُ عَبْدِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلَهُ بِحَقِّهِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُبْدِلَ الْمُرْتَهِنَ شيئا مَكَانَهُ كما لَا يَكُونُ عليه لو مَاتَ أَنْ يُبْدِلَهُ مَكَانَهُ وَلَوْ عَفَا عنه بِلَا مَالٍ يَأْخُذُهُ منه كان ذلك له لِأَنَّهُ دَمٌ مَلَكَهُ فَعَفَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ أَخَذَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ أو من على يَدَيْهِ الرَّهْنُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عليه وَإِنْ اخْتَارَ تَرْكَ الْقَوَدِ على أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَفْوًا بِلَا أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ لم يَكُنْ ذلك له وَأُخِذَتْ قِيمَةُ عَبْدِهِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا وَكَذَلِكَ لو اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ ثُمَّ قال أنا أَقْتُلُ قَاتِلَ عَبْدِي فَلَيْسَ ذلك له وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ بَطَلَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ وَتَرَكَ الْآخَرَ وَإِنْ عَفَا الْمَالَ الذي وَجَبَ له بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أو أَخَذَهُ وهو أَكْثَرُ من قِيمَةِ عَبْدِهِ أو مِثْلُهُ أو أَقَلُّ لم يَجُزْ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ وَهَبَ شيئا قد وَجَبَ رَهْنًا لِغَيْرِهِ وإذا بريء من الْمَالِ بِأَنْ يَدْفَعَ الْحَقَّ إلَى الْمُرْتَهِنِ من مَالٍ له غَيْرِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ أو أَبْرَأَهُ منه الْمُرْتَهِنُ رَدَّ الْمَالَ الذي عَفَاهُ عن الْعَبْدِ الْجَانِي على سَيِّدِ الْجَانِي لِأَنَّ الْعَفْوَ بَرَاءَةٌ من شَيْءٍ بِيَدِ الْمَعْفُوِّ عنه فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ الْمَقْبُوضَةِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا لِعِلَّةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيها فإذا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فَهِيَ تَامَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي بِالْعَفْوِ الْمُتَقَدِّمِ وإذا قَضَى الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِمَّا أَخَذَ من قِيمَةِ عَبْدِهِ لم يَغْرَمْ من الْمَالِ الذي قَضَاهُ شيئا لِلْمَعْفُوِّ عنه وَإِنْ فَضَلَ في يَدَيْهِ فَضْلٌ عن حَقِّهِ رَدَّهُ على سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَعْفُوِّ عنه الْجِنَايَةُ وَالْمَالُ وَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَ لِلْمُرْتَهِنِ ما فَضَلَ عن حَقِّهِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ قضى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ الْمَرْهُونِ دَرَاهِمُ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ دَنَانِيرُ وَأَخَذَهَا الرَّاهِنُ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَدَعَهَا لِلْمُرْتَهِنِ بِحَقِّهِ ولم يُرِدْ ذلك الْمُرْتَهِنُ لم يَكُنْ ذلك له وَبِيعَتْ فأعطى صَاحِبُ الْحَقِّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَعْفُوِّ عنه ما فَضَلَ من أَثْمَانِهَا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي لو كان الرَّاهِنُ مُوسِرًا أَنْ أُسَلِّمَ عَفْوَهُ عن الْمَالِ بَعْدَ أَنْ اخْتَارَهُ وَأَصْنَعُ فيه ما أَصْنَعُ في الْعَبْدِ لو أَعْتَقَهُ وهو مُوسِرٌ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ مُخَالِفٌ جَمِيعَ ما سِوَاهُ أنا إذَا وَجَدْت السَّبِيلَ إلَى الْعِتْقِ بِبَدَلٍ منه أَمْضَيْته وَعَفْوُ الْمَالِ مُخَالِفٌ له فإذا عَفَا ما غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ حتى يستوفي حَقُّهُ كان عَفْوُهُ في حَقِّ غَيْرِهِ بَاطِلًا كما لو وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ لِرَجُلٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ كان ما صَنَعَ من ذلك مَرْدُودًا حتى يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ من ثَمَنِ رَهْنِهِ وَالْبَدَلُ من رَهْنِهِ يَقُومُ مَقَامَ رَهْنِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَلَوْ جَنَى على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ كان على الْحَاكِمِ أَنْ يُخَيِّرَ سَيِّدَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بين الْقِصَاصِ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ أو الْعَفْوِ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فِيهِمْ فَذَلِكَ له في قَوْلِ من قَتَلَ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَقْتَصَّ من
____________________

(3/181)


أَحَدِهِمْ وَيَأْخُذَ ما لَزِمَ الأثنين من قِيمَةِ عَبْدِهِ كان له وَيُبَاعَانِ فيها كما وَصَفْت وَيَكُونُ ثَمَنُ عَبْدِهِ من ثَمَنِهِمَا رَهْنًا كما ذَكَرْت وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ عَبْدِهِ مِنْهُمَا ثُمَّ أَرَادَ عَفْوًا عنهما أو عن أَحَدِهِمَا كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا في الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ من رَقَبَتِهِ ثُمَّ عَفَاهَا وَأُحِبُّ أَنْ يُحْضِرَ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ أو وَكِيلَهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَخْتَارَ الرَّاهِنُ أَخْذَ الْمَالِ ثُمَّ يَدَعُهُ أو يُفَرِّطُ فيه فَيَهْرُبُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَإِنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ أَخْذَ الْمَالِ من الْجَانِي على عَبْدِهِ ثُمَّ فَرَّطَ فيه حتى يَهْرُبَ الْجَانِي لم يَغْرَمْ الرَّاهِنُ شيئا بِتَفْرِيطِهِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَضَعَ رَهْنًا مَكَانَهُ وكان كَعَبْدِهِ لو رَهَنَهُ رَجُلًا فَهَرَبَ وَلَا أَجْعَلُ الْحَقَّ حَالًا بِحَالٍ وهو إلَى أَجَلٍ وَلَوْ تَعَدَّى فيه الرَّاهِنُ وَلَوْ جَنَى حُرٌّ وَعَبْدٌ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ جِنَايَةً عَمْدًا كان نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على الْحُرِّ في مَالِهِ حَالَّةً تُؤْخَذُ منه فَتَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ بِأَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا إذَا كانت دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَخُيِّرَ في الْعَبْدِ كما وَصَفْت بين قَتْلِهِ أو الْعَفْوِ عنه أو أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ من عُنُقِهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَقَدْ بَطَلَ ما عليه من الْجِنَايَةِ وَإِنْ مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ في مَالِهِ وَإِنْ أَفْلَسَ الْحُرُّ فَهُوَ غَرِيمٌ وَكُلُّ ما أُخِذَ منه كان مَرْهُونًا وَالْحَقُّ كُلُّهُ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لَا يَبْرَأُ منه بِتَلَفِ الرَّهْنِ وَتَلَفِ الْعِوَضِ منه بِحَالٍ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً دُونَ النَّفْسِ مِمَّا فيه الْقِصَاصِ كان الْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْجِنَايَةِ في النَّفْسِ لَا يَخْتَلِفُ بِتَخْيِيرِ السَّيِّدِ الرَّاهِنَ بين أَخْذِ الْقِصَاصِ لِعَبْدِهِ أو الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ بِلَا شَيْءٍ أو أَخْذِ الْعَقْلِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْعَقْلِ كان كما وَصَفْت وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ المجنى عليه إنَّمَا الْخِيَارُ لِمَالِكِهِ لَا له لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْجِنَايَةِ مَالًا وَالْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ وَلَوْ كان الْجَانِي على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَبْدًا لِلرَّاهِنِ أو عَبْدًا له وَعَبْدًا لِغَيْرِهِ بن أو غَيْرُهُ كان الْقَوْلُ في عبد غَيْرِهِ ابْنَهُ كان أو غَيْرَهُ كَالْقَوْلِ في الْمَسَائِلِ التي قَبْلَهُ وَخُيِّرَ في عَبْدِهِ الْجَانِي على عَبْدِهِ كما يُخَيَّرُ في عَبِيدِ غَيْرِهِ بين الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ عن الْقَوَدِ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يدع ( ( ( يدعي ) ) ) قَوَدًا جُعِلَ إلَيْهِ تَرْكُهُ وَإِنْ لم يُعْفَ الْقَوَدُ إلَّا على اخْتِيَارِ الْعِوَضِ من الْمَالِ كان عليه أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ الْجَانِيَ إنْ كان مُنْفَرِدًا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فإذا فَعَلَ خُيِّرَ بين أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا أو يُسَلِّمَهَا رَهْنًا فَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ ذَهَبًا أو وَرِقًا كَالْحَقِّ عليه فَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَعَلَ وَإِنْ كانت إبِلًا أو شيئا غير الْحَقِّ فَشَاءَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَقْضِيَ الْمُرْتَهِنَ منها حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ أو لَا يُبْقِي من ثَمَنِهَا شيئا فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَجْعَلَ ثَمَنَهَا رَهْنًا لم يَكُنْ له ذلك لِأَنَّ الْبَدَلَ من الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ الْبَدَلَ منه كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَهُ وَيَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا وَلَا يُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ قَضَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ دَرَاهِمُ كانت الدَّنَانِيرُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ في الْجِنَايَةِ دَرَاهِمَ كَالْحَقِّ ثُمَّ يَجْعَلُهَا رَهْنًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا رَهْنًا كما بِيعَ عَبْدُهُ بها ( ( ( بهما ) ) ) فإذا كانت جِنَايَةُ عبد الرَّاهِنِ غير الْمَرْهُونِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ في شَيْءٍ فيه قِصَاصٌ دُونَ النَّفْسِ فَهَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا وَرَهَنَ آخَرَ عَبْدًا فَعَدَا أَحَدُ عَبْدَيْهِ على الْآخَرِ فَقَتَلَهُ أو جَنَى عليه جِنَايَةً دُونَ النَّفْسِ فيها قَوَدٌ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في عَبْدٍ غَيْرِ مَرْهُونٍ وَعَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ يَجْنِي على عَبْدِهِ يُخَيَّرُ بين قَتْلِهِ أو الْقِصَاصِ من جِرَاحِهِ أو الْعَفْوِ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ فَإِنْ عَفَا فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ ثُمَّ جُعِلَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَقْتُولِ رَهْنًا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا وَإِنْ كانت جُرْحًا جَعَلَ أَرْشَ جُرْحِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ رَهْنًا مع الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ كَشَيْءٍ من أَصْلِ الرَّهْنِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ جُرْحًا لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْجَانِي جُبِرَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يُبَاعَ منه بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ولم يُجْبَرَا على بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَا ذلك وكان ما يَبْقَى من الْعَبْدِ رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ رضي صَاحِبُ الْحَقِّ الْمَجْنِيِّ على رَهْنِهِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْجَانِي وَمُرْتَهِنُهُ بِأَنْ يَكُونَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه شَرِيكًا لِلْمُرْتَهِنِ في الْعَبْدِ الْجَانِي بِقَدْرِ قِيمَةِ الْجِنَايَةِ لم يَجُزْ ذلك لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عليه مُلِكَ لِلرَّاهِنِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَجُبِرَ على بَيْعِ قَدْرِ
____________________

(3/182)


الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا فيها الْقَوَدُ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَجْنِيُّ عليه بِالْخِيَارِ في الْقِصَاصِ أو أَخْذِ الْمَالِ وَإِنْ كانت عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها أو خَطَأً فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ سَاقِطٌ عنه في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أو غَيْرِ الْمَرْهُونِ على عَبْدِهِ أَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً فَإِنْ كانت مِمَّا فيه قِصَاصٌ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عن عَبْدِهِ إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ وَإِنْ كانت مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ لِعَبْدِهِ لِأَنَّهَا مَالٌ وَإِنَّمَا أَقَرَّ في مَالِهِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ أَنَّ عَبْدَهُ قد لَزِمَهُ جِنَايَةٌ لَا قِصَاصَ فيها لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ في عبد الْمُرْتَهِنِ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فإذا اسْتَوْفَى حَقَّهُ كان لِلَّذِي أَقَرَّ له السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْعَبْدِ حتى يَسْتَوْفِيَ جِنَايَتَهُ - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فِيمَا فيه الْعَقْلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى أَجْنَبِيٌّ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ جِنَايَةً لَا قَوَدَ فيها على الْجَانِي بِحَالٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي حُرًّا فَلَا يُقَادُ منه مملوك ( ( ( لمملوك ) ) ) أو يَكُونَ الْجَانِي أَبَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه أو جَدَّهُ أو أُمَّهُ أو جَدَّتَهُ أو يَكُونَ الْجَانِي لم يَبْلُغْ أو مَعْتُوهًا أو تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِمَّا لَا قَوَدَ فيه بِحَالٍ مِثْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ أو تَكُونُ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَمَالِكُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْخَصْمُ في الْجِنَايَةِ وَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حَضَرَ الْخُصُومَةَ وإذا قضى على الْجَانِي بِالْأَرْشِ في الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لم يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ عَفْوُهَا وَلَا أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَخُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ قِصَاصًا من الدَّيْنِ الذي في عُنُقِ الْعَبْدِ أو يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلْمُرْتَهِنِ على يَدَيْ من كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مَوْضُوعًا غير مَضْمُونٍ على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا وَسَوَاءٌ أَتَتْ الْجِنَايَةُ على نَفْسِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أو لم تَأْتِ عليها إذَا كانت جِنَايَةً لها أَرْشٌ لَا قَوَدَ فيها وَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ ذَهَبًا أو فِضَّةً فَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَالِانْتِفَاعَ بها كما يَتْرُكُ خِدْمَةَ الْعَبْدِ وَرُكُوبَ الدَّابَّةِ المرهونه وَسُكْنَى الدَّارِ وَكِرَاءَهَا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالدَّابَّةَ وَالدَّارَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ يَنْفَعَانِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا وَيُرَدَّانِ ألى مُرْتَهِنِهِمَا وَالدَّارُ لَا تَحَوُّلَ وَلَا ضَرَرَ في سَكْنِهَا على مُرْتَهِنِهَا وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ لَا مُؤْنَةَ فيها على رَاهِنِهَا وَلَا مَنْفَعَةَ لها إلَّا بِأَنْ تُصْرَفَ في غَيْرِهَا وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ صَرْفُ الرَّهْنِ في غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك إبْدَالُهُ وَلَا سَبِيلَ له إلَى إبْدَالِهَا وَهِيَ تَخْتَلِطُ وَتُسْبَكُ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا وَإِنْ كان صُلْحًا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ من ( ( ( كن ) ) ) أَرْشَ جِنَايَتِهِ على إبِلٍ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ على يَدَيْ من الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ عَلْفُهَا وَصَلَاحُهَا وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا وَيَنْتَفِعَ بها كما يَكُونُ ذلك له في إبِلٍ له لو رَهَنَهَا وَإِنْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تُبَاعَ الْإِبِلُ فَتُجْعَلَ ذَهَبًا أو وَرِقًا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ ذلك كَعَيْنِ رَهْنِهِ إذْ رضى بِهِ كما لو سَأَلَ الرَّاهِنُ إبْدَالَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ مُصَالَحَةَ الْجَانِي على عَبْدِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ ما وَجَبَ له لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ ما وَجَبَ له يَقُومُ مَقَامَهُ وَمُصَالَحَتُهُ بِغَيْرِهِ إبْدَالٌ له كَأَنْ وَجَبَ له دَنَانِيرُ فَأَرَادَ مُصَالَحَتَهُ بِدَرَاهِمَ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فإذا رضي بِهِ فما أَخَذَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ على رَهْنِهِ فَهُوَ رَهْنٌ له وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْعَفْوَ عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يُبَرِّئَهُ الْمُرْتَهِنُ أو يُوَفِّيَهُ الرَّاهِنُ حَقَّهُ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ أَكْثَرَ من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِرَارًا لم يَكُنْ ذلك له أَنْ يَضَعَ شيئا من الْجِنَايَةِ كما لو زَادَ الْعَبْدُ في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ زِيَادَتِهِ من رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ مَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ جَمِيعَ حَقِّهِ في الْعَبْدِ حَالًا فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ له فَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ تَرْكَ الرَّهْنِ وَأَنْ لَا يَأْخُذَ حَقَّهُ حَالًّا لم يَكُنْ ذلك له وَجُبِرَ على أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ إبْطَالَ حَقِّهِ فَيَبْطُلَ إذَا أَبْطَلَهُ ( قال ) وَالْجِنَايَةُ على الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ كَالْجِنَايَةِ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لَا تَخْتَلِفُ في شَيْءٍ إلَّا في الْجِنَايَةِ عليها بِمَا يَقَعُ على غَيْرِهَا فإن ذلك في الْأَمَةِ وَلَيْسَ في الْعَبْدِ بِحَالٍ
____________________

(3/183)


وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَ بَطْنَهَا فَتُلْقِيَ جَنِينًا فَيُؤْخَذَ أَرْشُ الْجَنِينِ وَيَكُونَ لِمَالِكِهِ لَا يَكُونُ مَرْهُونًا مَعَهَا وَإِنْ نَقَصَهَا نَقْصًا له قِيمَةٌ بِلَا جُرْحٍ له أَرْشٌ يَبْقَى أَثَرُهُ لم يَكُنْ على الْجَانِي شَيْءٌ سِوَى أَرْشُ الْجَنِينِ لِأَنَّ الْجَنِينَ الْمَحْكُومَ فيه وَإِنْ جَنَى على الْأَمَةِ جِنَايَةً لها جُرْحٌ له عَقْلٌ مَعْلُومٌ أو فيه حُكُومَةٌ وَأَلْقَتْ جَنِينًا أُخِذَ من الْجَانِي أَرْشُ الْجُرْحِ أو حُكُومَتُهُ فَكَانَ رَهْنًا مع الْجَارِيَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بها دُونَ الْجَنِينِ وكان عَقْلُ الْجَنِينِ لِمَالِكِهَا الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ في الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ على كل رَهْنٍ من الدَّوَابِّ كَهِيَ على كل رَهْنٍ من الرَّقِيقِ لَا يَخْتَلِفُ في شَيْءٍ إلَّا أَنَّ في الدَّوَابِّ ما نَقَصَهَا وَجِرَاحُ الرَّقِيقِ في أَثْمَانِهِمْ كَجِرَاحِ الْأَحْرَارِ في دِيَاتِهِمْ وفي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ من جَنَى على أُنْثَى من الْبَهَائِمِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْجَانِي عليها ما نَقَصَتْهَا الْجِنَايَةُ عن قِيمَتِهَا تُقَوَّمُ يوم جنى عليها وَحِينَ أَلْقَتْ الْجَنِينَ فَنَقَصَتْ ثُمَّ يَغْرَمُ الْجَانِي ما نَقَصَهَا فَيَكُونُ مَرْهُونًا مَعَهَا وَإِنْ جَنَى عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه قِيمَةَ الْجَنِينِ حين سَقَطَ لِأَنَّهُ جَانٍ عليه وَلَا يَضْمَنُ إنْ كان إلْقَاؤُهُ نَقَصَ أُمَّهُ شيئا أَكْثَرَ من قِيمَةِ الْجَنِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُرْحًا يَلْزَمُ عَيْبُهُ فَيَضْمَنُهُ مع قِيمَةِ الْجَنِينِ كما قِيلَ في الْأَمَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالثَّانِي أَنَّ عليه الْأَكْثَرَ من قِيمَةِ الْجَنِينِ وما نَقَصَ أُمَّهُ وَيُخَالِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ يَجْنِي عليها فَيَخْتَلِفَانِ في أَنَّهُ لَا قَوَدَ بين الْبَهَائِمِ بِحَالٍ على جَانٍ عليها وَلِلْآدَمِيِّينَ قَوَدٌ على بَعْضِ من يجني عليهم وَكُلُّ جِنَايَةٍ على رَهْنِ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَلَا حَيَوَانٍ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءٌ فِيمَا جَنَى على الرَّهْنِ ما نَقَصَهُ لَا يَخْتَلِفُ وَيَكُونُ رَهْنًا مع ما بَقِيَ من الْمَجْنِيِّ عليه إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَقِيمَةُ ما جَنَى على الرَّهْنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ إلَّا ان يَكُونَ كَيْلٌ أو وَزْنٌ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَيَتْلَفُ منه شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ بمثله وَذَلِكَ مِثْلُ حِنْطَةِ رَهْنٍ يَسْتَهْلِكُهَا رَجُلٌ فَيَضْمَنُ مِثْلَهَا وَمِثْلُ ما في مَعْنَاهَا وَإِنْ جَنَى على الْحِنْطَةِ الْمَرْهُونَةِ جِنَايَةً تَضُرُّ عَيْنَهَا بِأَنْ تَعَفْنَ أو تَحْمَرَّ أو تَسْوَدَّ ضَمِنَ ما نَقَصَ الْحِنْطَةَ تُقَوَّمُ صَحِيحَةً غير مَعِيبَةٍ كما كانت قبل الْجِنَايَةِ وَبِالْحَالِ التي صَارَتْ إلَيْهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَغْرَمُ الْجَانِي ما نَقَصَهَا من الدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ وَأَيُّ نَقْدٍ كان الْأَغْلَبَ بِالْبَلَدِ الذي جَنَى بِهِ جُبِرَ عليه ولم يَكُنْ له الإمتناع منه إنْ كان الْأَغْلَبُ بِالْبَلَدِ الذي جَنَى بِهِ دَنَانِيرَ فدنانير ( ( ( بدنانير ) ) ) وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمَ وَكُلُّ قِيمَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ بِدَنَانِيرَ أو بِدَرَاهِمَ وَالْجِنَايَةُ على الْعَبِيدِ كُلِّهَا دَنَانِيرُ أو دَرَاهِمُ لَا إبِلَ وَلَا غير الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْجَانِي وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَخْذَ إبِلٍ وَغَيْرِهَا بِمَا يَصِحُّ فَيَكُونُ ما أَخَذَ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه إنْ تَلِفَ أو معه إنْ نَقَصَ وَيَكُونُ ما غَرِمَ رَهْنًا مع أَصْلِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا كما وَصَفْت وإذا جَنَى الرَّاهِنُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ كانت جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا تَبْطُلُ عنه بِأَنَّهُ مَالِكٌ له لِأَنَّ فيه حَقًّا لِغَيْرِهِ وَلَا تُتْرَكُ بِنَقْصِ حَقِّ غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ كما يُؤْخَذُ بها الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ بَطَلَ عن الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهَكَذَا لو جَنَى بن الرَّاهِنِ أو أَبُوهُ أو امْرَأَتُهُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ غَيْرُ مَرْهُونٍ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ مُتَطَوِّعًا أو يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ أو يُبَاعُ عَبْدُهُ فيؤدي أَرْشَ الجنايه على الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ رَهْنًا معه وَلَا تَبْطُلُ الْجِنَايَةُ على عَبْدِهِ عن عَبْدِهِ لِأَنَّ في ذلك نَقْصًا لِلرَّهْنِ على الْمُرْتَهِنِ إلَّا في أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ الْعَبْدَيْنِ فَيَجْنِيَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ أو عَمْدٌ لَا قَوَدَ فيه لِأَنَّ الرَّاهِنَ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّ من مِلْكِ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ إلَّا ما كان له قبل الْجِنَايَةِ وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي الْمَرْهُونِ بِالرَّهْنِ إلَّا ما كان له قبل الْجِنَايَةِ فَبِهَذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا وَهَكَذَا لو أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدًا له بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرَهَنَهُ أَيْضًا عَبْدًا له آخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِحِنْطَةٍ مَكِيلَةٍ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ كانت الْجِنَايَةُ هَدَرًا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُسْتَحِقٌّ لَهُمَا
____________________

(3/184)


مَعًا بِالرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ مَالِكٌ لَهُمَا مَعًا فَحَالُهُمَا قبل الْجِنَايَةِ وَبَعْدَهَا في الرَّهْنِ وَالْمِلْكِ سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدًا له رَجُلًا وَرَهَنَ عَبْدًا له آخَرَ رَجُلًا غَيْرَهُ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ كانت جِنَايَتُهُ عليه كَجِنَايَةِ عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَرْهُونٍ وَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بين أَنْ يَفْدِيَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِجَمِيعِ أرش ( ( ( رأس ) ) ) جِنَايَةِ الْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ فَعَلَ فَالْعَبْدُ الْجَانِي رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ بِيعَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَأُدِّيَتْ الْجِنَايَةُ وَكَانَتْ رَهْنًا فَإِنْ فَضَلَ منها فَضْلٌ كان رَهْنًا لِمُرْتَهِنِ الْجَانِي وَإِنْ كان في الْجَانِي فَضْلٌ عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَشَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بَيْعَهُ مَعًا بِيعَ وَرُدَّ فَضْلُهُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَإِنْ دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى بَيْعِهِ كله وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ على بَيْعِهِ كُلِّهِ إذَا كان في ثَمَنِ بَعْضِهِ ما يُؤَدِّي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ وَأَبِ الْمُرْتَهِنِ وَابْنِهِ من كان منه بِسَبِيلٍ وَعَبْدِهِ على الرَّهْنِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ قِصَاصًا كانت وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَعَلَ وَإِنْ لم يَشَأْ الرَّاهِنُ أَخْرَجَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ جِنَايَتِهِ فَكَانَتْ مَوْضُوعَةً على يَدَيْ الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ وَإِنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّهْنَ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ من يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَذَلِكَ له لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدًا تُغَيِّرُ من حَالِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ وَإِنْ كانت خَطَأً لم يَكُنْ له إخْرَاجُهَا من يَدَيْهِ إلَّا بأن يَتَغَيَّرَ حَالُهُ عن حَالَةِ الْأَمَانَةِ إلَى حَالٍ تُخَالِفُهَا وإذا كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا فجنى عليه فَسَوَاءٌ بريء الرَّاهِنُ مِمَّا في الْعَبْدِ من الرَّهْنِ إلَّا دِرْهَمًا أو أَقَلَّ وكان في الْعَبْدِ فَضْلٌ أو لم يَبْرَأْ من شَيْءٍ منه ولم يَكُنْ في الْعَبْدِ فَضْلٌ لِأَنَّهُ إذَا كان مَرْهُونًا بِكُلِّهِ فَلَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى فيه شَيْءٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لَا يُخْرِجُ شيئا من أَرْشِ الْجِنَايَةِ عليه لِأَنَّهَا كَهُوَ وَكَذَلِكَ لو كَانُوا عَبِيدًا مَرْهُونِينَ مَعًا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ من الرَّهْنِ إلَّا بِالْبَرَاءَةِ من آخِرِ الْحَقِّ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ جَنَى عليه الرَّاهِنُ ضَمِنَ نِصْفَ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ كما وَصَفْت وَبَطَلَ عنه نِصْفُ جِنَايَتِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ على نِصْفَيْنِ نِصْفٌ له لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فيه فَلَا يَلْزَمُهُ لِنَفْسِهِ غُرْمٌ وَنِصْفٌ لِلْمُرْتَهِنِ فيه حَقٌّ فَلَا يَبْطُلُ عنه وَإِنْ كان مَالِكُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَلَوْ جَنَى عليه أَجْنَبِيٌّ جِنَايَةً كان نِصْفُهَا رَهْنًا وَنِصْفُهَا مُسَلَّمًا لِمَالِكِ الْعَبْدِ وَلَوْ عَفَا مَالِكُ الْعَبْدِ الْجِنَايَةَ كُلَّهَا كان عَفْوُهُ في نِصْفِهَا جَائِزًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنِصْفِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ معه فيه وَعَفْوُهُ في النِّصْفِ الذي للمرتهن ( ( ( المرتهن ) ) ) فيه حَقٌّ مَرْدُودٌ وَلَوْ عَفَا الْمُرْتَهِنُ الْجِنَايَةِ دُونَ الرَّاهِنِ كان عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْجِنَايَةَ إنَّمَا مَلَكَهَا لِلرَّاهِنِ وَإِنَّمَا يملك ( ( ( ملك ) ) ) احْتِبَاسَهَا بِحَقِّهِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَسَوَاءٌ كان حَقُّ الْمُرْتَهِنِ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فقال أنا أَجْعَلُ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّي لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَالٍّ وَإِنْ كان حَالًّا كان ذلك له إنْ كان حَقُّهُ دَنَانِيرَ وقضى بِالْجِنَايَةِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فقضى بالجنايه دَرَاهِمَ لِأَنَّ ما وَجَبَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مِثْلُ ما لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ قضى بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ دَرَاهِمُ وَالْحَقُّ على الْغَرِيمِ دَنَانِيرُ فقال أَجْعَلُ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّي لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْجِنَايَةَ غَيْرُ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لو قضى بِالْجِنَايَةِ دَرَاهِمُ وَحَقُّهُ دَنَانِيرُ أو دَنَانِيرُ وَلَهُ دَرَاهِمُ لم يَكُنْ له أَنْ يَجْعَلَ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّهِ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ غَيْرُ حَقِّهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ قِصَاصًا ما كان مِثْلًا فَأَمَّا ما لم يَكُنْ مِثْلًا فَلَا يَكُونُ قِصَاصًا وَلَوْ كان حَقُّهُ أَكْثَرَ من قِيمَةِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إذَا لم أُكْرِهْ أَحَدًا على أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ لم أُكْرِهْ رَبَّ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَنَانِيرَ طَعَامًا وَلَا بِطَعَامٍ دَنَانِيرَ وإذا جَنَى عَبْدٌ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ فَأَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنْ يُسَلِّمَهُ مُسْتَرِقًّا بِالْجِنَايَةِ لم يَكُنْ ذلك على الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِنْ شاء ( ( ( يشاء ) ) ) الرَّاهِنُ ذلك ولم يَشَأْهُ الْمُرْتَهِنُ لم يُجْبَرْ على ذلك الْمُرْتَهِنُ وَكَذَلِكَ لو شَاءَ ذلك الْمُرْتَهِنُ ولم يَشَأْهُ الرَّاهِنُ لم يُجْبَرْ عليه لِأَنَّ حَقَّهُمْ في رَقَبَتِهِ أَرْشٌ لَا رَقَبَةُ عَبْدٍ وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ عَرْضٌ وَكَذَلِكَ لو شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِالْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ
____________________

(3/185)


مِثْلُ قِيمَةِ الْعَبْدِ أو أَكْثَرُ أَضْعَافًا وَأَبَى ذلك رَبُّ الْعَبْدِ الْجَانِي لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا لِأَنَّ الْحَقَّ في الْجِنَايَةِ شَيْءٌ غَيْرُ رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فَيَصِيرُ الْحَقُّ فيها كما يُبَاعُ الرَّهْنُ فَيَصِيرُ ثَمَنًا يَقْضِي منه الْغَرِيمُ حَقَّهُ - * الرَّهْنُ الصَّغِيرُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أَصْلُ إجَازَةِ الرَّهْنِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على إجَازَةِ الرَّهْنِ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا في إجَازَتِهِ أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْحَدِيثُ جُمْلَةٌ على الرَّهْنِ ولم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغْنَا رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ وَاسْمُ الرَّهْنِ يَقَعُ على ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ وَمَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ بِشَيْءٍ أَيْ إنْ ذَهَبَ لم يَذْهَبْ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ إفتكاكه وَلَا يَغْلَقُ في يَدَيْ الذي هو في يَدَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ قد أَوْصَلْته إلَيَّ فَهُوَ لي بِمَا أَعْطَيْتُك فيه وَلَا يُغَيِّرُ ذلك من شَرْطٍ تَشَارَطَا فيه وَلَا غَيْرِهِ وَالرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ أَبَدًا حتى يُخْرِجَهُ من مِلْكِهِ بِوَجْهٍ يَصِحُّ إخْرَاجُهُ له وَالدَّلِيلُ على هذا قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّهْنُ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ وَأَكَّدَهُ فقال له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ ( قال ) وَلَوْ كان إذَا رَهَنَ رَهْنًا بِدِرْهَمٍ وهو يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ ذَهَبُ الدِّرْهَمِ فلم يَلْزَمْ الرَّاهِنَ كان إنَّمَا هَلَكَ من مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا مَالِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قد أَخَذَ دِرْهَمًا وَذَلِكَ ثَمَنُ رَهْنِهِ فإذا هَلَكَ رَهْنُهُ فلم يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ فلم يَغْرَمْ شيئا إنَّمَا ذَهَبَ له مِثْلُ الذي أَخَذَ من مَالِ غَيْرِهِ فَغُرْمُهُ حِينَئِذٍ على الْمُرْتَهِنِ لَا على الرَّاهِنِ قال وإذا كان غُرْمُهُ على الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ من الْمُرْتَهِنِ لَا من الرَّاهِنِ وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافُ ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا في أَنَّ الرَّهْنَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّهُ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ ذلك له بِمَا شُرِطَ فيه وَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِنَفَقَتِهِ ما كان حَيًّا وهو مُقِرُّهُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَمَأْخُوذٌ بِكَفَنِهِ إنْ مَاتَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الرَّهْنُ في السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ فَكَانَ الرَّاهِنُ دَفَعَهُ لَا مَغْصُوبًا عليه وَلَا بَائِعًا له وكان الرَّاهِنُ إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ لم يَكُنْ له وَحُكِمَ عليه بِإِقْرَارِهِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِالشَّرْطِ فَأَيُّ وَجْهٍ لِضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمُ يَحْكُمُ له بِحَبْسِهِ لِلْحَقِّ الذي شَرَطَ له مَالِكُهُ فيه وَعَلَى مَالِكِهِ نَفَقَتُهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ من تَعَدَّى فَأَخَذَ ما ليس له أو مَنَعَ شيئا في يَدَيْهِ مَلَّكَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا مَلَّكَهُ الْمَالِكُ غَيْرَهُ مِمَّا عليه تَسْلِيمُهُ وَلَيْسَ له حَبْسُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ من الرَّجُلِ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ وَيَمْنَعَهُ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فَهَذَا يُشْبِهُ الْغَصْبَ وَالْمُرْتَهِنُ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي لَا هو مَالِكٌ لِلرَّهْنِ فَأَوْجَبَ عليه فيه بَيْعًا فَمَنَعَهُ من مِلْكِهِ إيَّاهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَلَكَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَلَا هو مُتَعَدٍّ بِأَخْذِ الرَّهْنِ من الرَّاهِنِ وَلَا بِمَنْعِهِ إيَّاهُ فَلَا مَوْضِعَ لِلضَّمَانِ عليه في شَيْءٍ من حَالَاتِهِ إنَّمَا هو رَجُلٌ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ على مَالِكِ الرَّهْنِ في الرَّهْنِ شَرْطًا حَلَالًا لَازِمًا اسْتَوْثَقَ فيه من حَقِّهِ طَلَبُ المنفعه لِنَفْسِهِ وَالِاحْتِيَاطُ على غَرِيمِهِ لَا مُخَاطِرًا بِالِارْتِهَانِ لِأَنَّهُ لو كان الرَّهْنُ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّهُ كان ارْتِهَانُهُ مُخَاطَرَةً إنْ سَلَّمَ الرَّهْنَ فَحَقُّهُ فيه وَإِنْ تَلِفَ تَلِفَ حَقُّهُ وَلَوْ كان هَكَذَا كان شَرًّا لِلْمُرْتَهِنِ في بَعْضِ حَالَاتِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ إذَا كان في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وفي جَمِيعِ مَالِهِ لَازِمًا أَبَدًا كان خَيْرًا له من أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ من مَالِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ هَلَكَ ذلك الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ هَلَكَ من الْمُرْتَهِنِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الرَّاهِنِ قال ولم نَرَ ذِمَّةَ رَجُلٍ تَبْرَأُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى غَرِيمِهِ ماله عليه أو عِوَضًا منه يَتَرَاضَيَانِ عليه فَيَمْلِكُ الْغَرِيمُ الْعِوَضَ وَيَبْرَأُ بِهِ غَرِيمُهُ وَيَنْقَطِعُ مَالِكُهُ عنه أو يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِأَنْ يُبْرِئَ منه صَاحِبَهُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ لَيْسَا
____________________

(3/186)


في وَاحِدٍ من مَعَانِي الْبَرَاءَةِ وَلَا الْبَوَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَخْذَ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ كَالِاسْتِيفَاءِ لِحَقِّهِ قلت لو كان اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وكان الرَّهْنُ جَارِيَةً كان قد مَلَكَهَا وَحَلَّ له وَطْؤُهَا ولم يَكُنْ له رَدُّهَا على الرَّاهِنِ وَلَا عليه وَلَوْ أَعْطَاهُ ما فيه إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَنْ يَتَبَايَعَا فيها بَيْعًا جَدِيدًا ولم يَكُنْ مع هذا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ إلَى سَنَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْيَوْمَ بِلَا رِضَا من الذي عليه الْحَقُّ قال ما هو بِاسْتِيفَاءٍ وَلَكِنْ كَيْفَ قُلْتَ إنَّهُ مُحْتَبَسٌ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِحَقٍّ له وَلَا ضَمَانَ عليه فيه فَقِيلَ له بِالْخَبَرِ وَكَمَا يَكُونُ الْمَنْزِلُ مُحْتَبَسًا بِإِجَارَةٍ فيه ثُمَّ يَتْلَفُ الْمَنْزِلُ بِهَدْمٍ أو غَيْرِهِ من وُجُوهِ التَّلَفِ فَلَا ضَمَانَ على المكترى فيه وَإِنْ كان المكترى سَلَّفَ الْكِرَاءَ رَجَعَ بِهِ على صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَكَمَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤَجَّرًا أو الْبَعِيرُ مُكْرًى فَيَكُونُ مُحْتَبَسًا بِالشَّرْطِ وَلَا ضَمَانَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا في حُرٍّ لو كان مُؤَجَّرًا فَهَلَكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنَّمَا الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ كَالْحَمَالَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كانت له على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ له بها جَمَاعَةٌ عِنْدَ وُجُوبِهَا أو بَعْدَهُ كان الْحَقُّ على الذي عليه الْحَقُّ وكان الْحُمَلَاءُ ضَامِنِينَ له كلهم فَإِنْ لم يُؤَدِّ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحُمَلَاءَ كما شَرَطَ عليهم وَلَا يَبْرَأُ ذلك الذي عليه الْحَقُّ حتى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ وَلَوْ هَلَكَ الْحُمَلَاءُ أو غَابُوا لم يُنْقِصْ ذلك حَقَّهُ وَرَجَعَ بِهِ على من عليه أَصْلُ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ لَا يُنْقِصُ هَلَاكُهُ وَلَا نُقْصَانُهُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُبَيِّنَةَ بِأَنْ لَا يُضْمَنَ الرَّهْنُ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ كان ( ( ( كأنا ) ) ) أنا لم نَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا وَصَفْنَا من أَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ لَا مُتَعَدِّيًا بِحَبْسِهِ دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّ الرَّهْنَ ليس بِمَضْمُونٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُنَا في الرَّهْنِ إذَا كان مِمَّا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ مِثْلُ الدَّارِ وَالنَّخْلِ وَالْعَبِيدِ وَخَالَفْنَا بَعْضَهُمْ فِيمَا يَخْفَى هَلَاكُهُ من الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ وَيَخْفَى وَإِنَّمَا جاء الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وما كان جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ على ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَمَّنْ جاء عنه أو يَقُولَ الْعَامَّةُ على أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ ولم نَعْلَمْ دَلَالَةً جَاءَتْ بهذا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَصِيرُ إلَيْهَا وَلَوْ جَازَ هذا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّهْنُ الذي يَذْهَبُ بِهِ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّ صَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنِ الظَّاهِرُ الْهَلَاكِ لِأَنَّ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ فَلَيْسَ في مَوْضِعِ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالرِّضَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ بِمَا فيه أو مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ وَأَمَّا ما خَفِيَ هَلَاكُهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وقد يَعْلَمُ أَنَّ هَلَاكَهُ خَافٍ فَقَدْ رضي فيه أَمَانَتَهُ فَهُوَ أَمِينُهُ فَإِنْ هَلَكَ لم يَهْلَكْ من مَالِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ في هذا قَوْلٌ أَبَدًا على هذا الْوَجْهِ إذَا جَازَ أَنْ يَصِيرَ خَاصًّا بِلَا دَلَالَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ فيه عِنْدَنَا ما قُلْنَا من أَنَّهُ أَمَانَةٌ كُلُّهُ لِمَا وَصَفْنَا من دَفْعِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ بِرِضَاهُ وَحَقٍّ أَوْجَبَهُ فيه كَالْكَفَالَةِ وَلَا يَعْدُو الرَّهْنُ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً فَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ أَنَّ ما ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكَهُ من الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ أو أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ أَنَّ ما كان مَضْمُونًا فما ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكُهُ من الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ أو يُفَرِّقُ بين ذلك سُنَّةٌ أو أَثَرٌ لَازِمٌ لَا مُعَارِضَ له مِثْلُهُ وَلَيْسَ نَعْرِفُهُ مع من قال هذا الْقَوْلَ من أَصْحَابِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال هذا الْقَوْلَ مَعَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ في أَحَدٍ مع قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفْنَا بَعْضَ الناس في الرَّهْنِ فقال فيه إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا بِحَقٍّ له فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ أَقَلَّ من الدَّيْنِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كانت قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أو أَكْثَرَ لم يَرْجِعْ على الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ولم يَرْجِعْ الرَّاهِنُ عليه بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَأَنَّهُ في قَوْلِهِمْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وهو في التِّسْعمِائَةِ أَمِينٌ أو رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا مِائَةً بِمِائَةٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْمِائَةُ فَالرَّهْنُ بِمَا فيه لِأَنَّ مِائَةً ذَهَبَتْ بِمِائَةٍ أو رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْخَمْسُونَ ذَهَبَتْ بِخَمْسِينَ ثُمَّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ بِخَمْسِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ في قَوْلِهِمْ عَرَضٌ
____________________

(3/187)


يسوي ما وَصَفْنَا بِمِثْلِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ هذا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ بهذا الْمَوْضِعِ عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ فقال من جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ رَهْنًا وَاحِدًا مَضْمُونًا مَرَّةً كُلَّهُ وَمَضْمُونًا مَرَّةً بَعْضَهُ وَمَرَّةً بَعْضَهُ بِمَا فيه وَمَرَّةً يَرْجِعُ بِالْفَضْلِ فيه فَهُوَ في قَوْلِكُمْ لَا مَضْمُونًا بِمَا يُضْمَنُ بِهِ ما ضُمِنَ لِأَنَّ ما ضُمِنَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَاتَ فَقِيمَتُهُ وَلَا بِمَا فيه من الْحَقِّ فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ الناس الْأَخْذُ بِهِ وَلَا يَكُونُ لهم إلَّا تَسْلِيمُهُ قالوا رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قُلْنَا فَهُوَ إذًا قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَكُمْ وَزَعَمَ أَنَّهُ ليس منه شَيْءٌ بِأَمَانَةٍ وَقَوْلُ عَلِيٍّ أنه مَضْمُونٌ كُلُّهُ كان فيه فَضْلٌ أو لم يَكُنْ مِثْلُ جَمِيعِ ما يُضْمَنُ مِمَّا إذَا فَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْنَا قد رَوَيْتُمْ ذلك عن عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وهو ثَابِتٌ عِنْدَنَا بِرِوَايَةِ أَصْحَابِنَا فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ قال ( ( ( وقال ) ) ) فَأَيْنَ قُلْنَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَأَنْتَ تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ أَلْفًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وهو في التِّسْعِمِائَةِ أَمِينٌ وَاَلَّذِي رَوَيْت عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فيه أَنَّ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ على الْمُرْتَهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ قال فَقَدْ رَوَيْنَا عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال الرَّهْنُ بِمَا فيه وَإِنْ كان خَاتَمًا من حَدِيدٍ قُلْنَا فَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُهُ قال وَأَيْنَ قُلْنَا أنت تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ مِائَةً بِأَلْفٍ أو خَاتَمًا يسوي دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ من رَأْسِ مَالِهِ وَبِتِسْعَةٍ في الْخَاتَمِ من رَأْسِ مَالِهِ وَشُرَيْحٌ لَا يَرُدُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِحَالٍ فقال قد ( ( ( فقد ) ) ) رَوَى مُصْعَبُ بن ثَابِتٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا فَرَسًا فَهَلَكَ الْفَرَسُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ حَقُّك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن مُصْعَبِ بن ثَابِتٍ عن عَطَاءٍ قال زَعَمَ الْحَسَنُ كَذَا ثُمَّ حَكَى هذا الْقَوْلَ قال إبْرَاهِيمُ كان عَطَاءٌ يَتَعَجَّبُ مِمَّا رَوَى الْحَسَنُ وَأَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عن مُصْعَبٍ عن عَطَاءٍ عن الْحَسَنِ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ من أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَاهُ عن مُصْعَبٍ عن عَطَاءٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَكَتَ عن الْحَسَنِ فَقِيلَ له أَصْحَابُ مُصْعَبٍ يَرْوُونَهُ عن عَطَاءٍ عن الْحَسَنِ فقال نعم وَكَذَلِكَ حدثنا وَلَكِنَّ عَطَاءً مُرْسَلٌ اتَّفَقَ من الْحَسَنِ مُرْسَلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِمَّا يَدُلُّ على وَهْنُ هذا عِنْدَ عَطَاءٍ إنْ كان رَوَاهُ أَنَّ عَطَاءً يُفْتِي بِخِلَافِهِ وَيَقُولُ فيه بِخِلَافِ هذا كُلِّهِ وَيَقُولُ فِيمَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ أَمَانَةٌ وَفِيمَا خَفِيَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَهَذَا أَثْبَتَ الرِّوَايَةَ عنه وقد روى عنه يَتَرَادَّانِ مُطْلَقُهُ وما شَكَكْنَا فيه فَلَا نَشُكُّ أَنَّ عَطَاءً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا مُثْبَتًا عِنْدَهُ وَيَقُولُ بِخِلَافِهِ مع أَنِّي لم أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى هذا عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ إلَّا مُصْعَبٌ وَاَلَّذِي رَوَى هذا عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ يُوَافِقُ قَوْلَ شُرَيْحٍ إنَّ الرَّهْنَ بِمَا فيه قال وَكَيْفَ يُوَافِقُهُ قُلْنَا قد يَكُونُ الْفَرَسُ أَكْثَرَ مِمَّا فيه من الْحَقِّ وَمِثْلَهُ وَأَقَلَّ ولم يُرْوَ أَنَّهُ سَأَلَ عن قِيمَةِ الْفَرَسِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ إنْ كان قَالَهُ رَأَى أَنَّ الرَّهْنَ بِمَا فيه قال فَكَيْفَ لم تَأْخُذْ بِهِ قُلْنَا لو كان مُنْفَرِدًا لم يَكُنْ من الرِّوَايَةِ التي تَقُومُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ فَكَيْفَ وقد رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلًا بَيِّنًا مُفَسَّرًا مع ما فيه من الْحُجَّةِ التي ذَكَرْنَا وَصَمَتْنَا عنها قال فَكَيْفَ قَبِلْتُمْ عن بن الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا ولم تَقْبَلُوهُ عن غَيْرِهِ قُلْنَا لَا نَحْفَظُ أَنَّ بن الْمُسَيِّبِ رَوَى مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا ما يَدُلُّ على تَسْدِيدِهِ وَلَا أَثَرُهُ عن أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عنه إلآ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كان بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يسمى الْمَجْهُولَ ويسمى من يُرْغَبُ عن الرِّوَايَةِ عنه وَيُرْسِلُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ بَعْضِ من لم يَلْحَقْ من أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الذي لَا يُوجَدُ له شَيْءٌ يُسَدِّدُهُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ لِافْتِرَاقِ أَحَادِيثِهِمْ ولم نُحَابِ أَحَدًا وَلَكِنَّا قُلْنَا في ذلك بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ على ما وَصَفْنَاهُ من صِحَّةِ رِوَايَتِهِ وقد اخبرني غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ حديث بن ابي ذِئْبٍ قال فَكَيْفَ لم تَأْخُذُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ فيه قُلْنَا إذَا
____________________

(3/188)


ثَبَتَ عِنْدَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لم يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَعِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ لنا أَنْ نَتْرُكَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى ما جاء عن غَيْرِهِ قال فَقَدْ رَوَى عبد الْأَعْلَى التَّغْلِبِيُّ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا الرِّوَايَةُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه بِأَنْ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ أَصَحُّ عنه من رِوَايَةِ عبد الْأَعْلَى وقد رَأَيْنَا أَصْحَابَكُمْ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ عبد الْأَعْلَى التي لَا يُعَارِضُهَا مُعَارِضٌ تَضْعِيفًا شَدِيدًا فَكَيْفَ بِمَا عَارَضَهُ فيه من هو أَقْرَبُ من الصِّحَّةِ وَأَوْلَى بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ لِقَائِلِ هذا الْقَوْلِ قد خَرَّجْت فيه مِمَّا رَوَيْت عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ وَمِنْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَعَنْ شُرَيْحٍ وما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى قَوْلٍ رَوَيْته عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وقد روى عن إبْرَاهِيمَ خِلَافُهُ وَإِبْرَاهِيمُ لو لم تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عنه فيه ( ( ( فيما ) ) ) زَعَمْت لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَقُلْتَ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا خَارِجًا عن أَقَاوِيلِ الناس وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فيه قَوْلٌ إلَّا وَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ ضَعُفَ إلَّا قَوْلُكُمْ فإنه لَا وَجْهَ له يَقْوَى وَلَا يَضْعُفُ ثُمَّ لَا تَمْتَنِعُونَ من تَضْعِيفِ من خَالَفَ قَوْلَ من قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ أَنْ يَقُولَ لم يَدْفَعْهُ أَمَانَةً وَلَا بَيْعًا وَإِنَّمَا دَفَعَهُ مُحْتَبِسًا بِشَيْءٍ فَإِنْ هَلَكَ تَرَادَّا فَضْلَهُ وَهَكَذَا كُلُّ مَضْمُونٍ بِعَيْنِهِ إذَا هَلَكَ ضَمِنَ من ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا ضَعِيفٌ إذْ كَيْفَ يَتَرَادَّانِ فَضْلَهُ وهو إنْ كان كَالْبَيْعِ فَهُوَ بِمَا فيه وَإِنْ كان مُحْتَبَسًا بِحَقٍّ فما مَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ وهو لَا غَصْبَ من الْمُرْتَهِنِ وَلَا عُدْوَانَ عليه في حَبْسِهِ وهو يُبِيحُ له حَبْسَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجْهُ قَوْلِ من قال الرَّهْنُ بِمَا فيه أَنْ يَقُولَ قد رضي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ في الرَّهْنِ فإذا هَلَكَ هَلَكَ بِمَا فيه لِأَنَّهُ كَالْبَدَلِ من الْحَقِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وما لم يَتَرَاضَيَا تَبَيَّنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ على الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَوْ مَلَكَهُ لم يَرْجِعْ إلَى الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسُّنَّةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بها قُلْنَا وَلَيْسَ مع السُّنَّةِ حُجَّةٌ وَلَا فيها إلَّا إتباعها مع أنها أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ مُبْتَدَأً وَمَخْرَجًا ( قال ) وَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ الذي حَكَيْنَا أنت أَخْطَأَتْ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَأَخْطَأَتْ بِخِلَافِك ما قُلْت قال وَأَيْنَ خَالَفْتُ ما قلت قُلْت عِبْتَ عَلَيْنَا أَنْ زَعَمْنَا أَنَّهُ أَمَانَةٌ وَحُجَّتُنَا فيه ما ذَكَرْنَا وَغَيْرُهَا مِمَّا فِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ منه فَكَيْفَ عِبْتَ قَوْلًا قُلْتَ بِبَعْضِهِ قال لي وَأَيْنَ قلت زَعَمْتَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ قال نعم قُلْنَا فَهَلْ رَأَيْت مَضْمُونًا قَطُّ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ إلَّا أَدَّى الذي ضَمَنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ قال لَا غير الرَّهْنِ قُلْنَا فَالرَّهْنُ إذًا كان عِنْدَك مَضْمُونًا لم لم يَكُنْ هَكَذَا إذَا كان يسوي أَلْفًا وهو رَهْنٌ بِمِائَةٍ لِمَ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ تِسْعَمِائَةٍ لو كان مَضْمُونًا كما ذَكَرْتَ قال هو في الْفَضْلِ أَمِينٌ قُلْنَا وَمَعْنَى الْفَضْلِ غَيْرُ مَعْنَى غَيْرِهِ قال نعم قلنا لِأَنَّ الْفَضْلَ ليس بِرَهْنٍ قال إنْ قلت ليس بِرَهْنٍ قلت أَفَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قال فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ حتى يؤدي ما فيه قُلْنَا لِمَ قال لِأَنَّهُ رَهْنٌ قُلْنَا فَهُوَ رَهْنٌ وَاحِدٌ مُحْتَبَسٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ وَبَعْضُهُ أَمَانَةٌ قال نعم قُلْنَا أَفَتَقْبَلُ مِثْلَ هذا الْقَوْلِ مِمَّنْ يُخَالِفُك فَلَوْ قال هذا غَيْرُك ضَعَّفْته تَضْعِيفًا شَدِيدًا فِيمَا تَرَى وَقُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَدْفُوعًا بِالْأَمْرِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْنَا أَرَأَيْت جَارِيَةً تسوي أَلْفًا رُهِنَتْ بِمِائَةٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ رُهِنَتْ بِمِائَةٍ أَلَيْسَتْ الْجَارِيَةُ بِكَمَالِهَا رَهْنًا بِمِائَةٍ وَالْأَلْفُ الدِّرْهَمُ رَهْنٌ بِكَمَالِهَا بِمِائَةٍ قال بَلَى قُلْنَا الْكُلُّ مَرْهُونٌ مِنْهُمَا ليس له أَخْذُهُ وَلَا إدْخَالُ أَحَدٍ بِرَهْنٍ معه فيه من قِبَلِ أَنَّ الْكُلَّ مَرْهُونٌ بِالْمِائَةِ مَدْفُوعٌ دَفْعًا وَاحِدًا بِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ قال نعم قُلْنَا وَعُشْرُ الْجَارِيَةِ مَضْمُونٌ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِهَا أَمَانَةٌ وَمِائَةٌ مَضْمُونٌ وَتِسْعُمِائَةٍ أَمَانَةٌ قال نعم قُلْنَا فَأَيَّ شئت ( ( ( شيء ) ) ) عِبْتَ من قَوْلِنَا ليس بِمَضْمُونٍ وَهَذَا أنت تَقُولُ في أَكْثَرِهِ ليس بِمَضْمُونٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ له إذَا كانت الْجَارِيَةُ دُفِعَتْ خَارِجًا تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا من الضَّمَانِ وَالْأَلْفُ كَذَلِكَ فما
____________________

(3/189)


تَقُولُ إنْ نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ في ثَمَنِهَا حتى تَصِيرَ تَسْوَى مِائَةً قال الْجَارِيَةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ قِيلَ فَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ النُّقْصَانِ حتى صَارَتْ تَسْوَى أَلْفَيْنِ قال تُخْرَجُ الزِّيَادَةُ من الضَّمَانِ وَيَصِيرُ نِصْفُ عُشْرِهَا مَضْمُونًا وَتِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا من عِشْرِينَ سَهْمًا غير مَضْمُونٍ قُلْنَا ثُمَّ هَكَذَا إنْ نَقَصَتْ أَيْضًا حتى صَارَتْ تَسْوَى مِائَةً قال نعم تَعُودُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً قال وَهَكَذَا جَوَارٍ لو ( ( ( ولو ) ) ) رُهِنَّ يَسْوِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ كانت تِسْعَةُ أَعْشَارِهِنَّ خَارِجَةً من الرَّهْنِ بِضَمَانٍ وَعُشْرٌ مَضْمُونٌ عِنْدَهُ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ لو قال هذا غَيْرُكُمْ كُنْتُمْ شَبِيهًا أَنْ تَقُولُوا ما يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ في الْفُتْيَا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي ما تَقُولُ كَيْفَ يَكُونُ رَهْنٌ وَاحِدٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ ثُمَّ يَزِيدُ فَيَخْرُجُ ما كان مَضْمُونًا منه من الضَّمَانِ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ عِنْدَكُمْ بِمِائَةٍ وهو يَسْوَى مِائَةً كان مَضْمُونًا كُلَّهُ وَإِنْ زَادَ خَرَجَ بَعْضُهُ من الضَّمَانِ ثُمَّ إنْ نَقَصَ عَادَ إلَى الضَّمَانِ وَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ دَفَعَ جَارِيَةً رَهْنًا بِأَلْفٍ وَهِيَ تَسْوَى أَلْفًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا يُسَاوُونَ آلَافًا فَالْجَارِيَةُ مضمونه كُلُّهَا وَالْأَوْلَادُ رَهْنٌ كلهم غَيْرُ مَضْمُونِينَ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُمْ على أَخْذِهِمْ لِأَنَّهُمْ رَهْنٌ وَلَيْسُوا بِمَضْمُونِينَ ثُمَّ إنْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ صَارُوا مَضْمُونِينَ بِحِسَابٍ فَهُمْ كلهم مَرَّةً رَهْنٌ خَارِجُونَ من الضَّمَانِ وَمَرَّةً دَاخِلٌ بَعْضُهُمْ في الضَّمَانِ خَارِجٌ بَعْضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِمَنْ قال هذا الْقَوْلَ ما يَدْخُلُ على أَحَدٍ أَقْبَحُ من قَوْلِكُمْ أَعْلَمُهُ وَأَشَدُّ تَنَاقُضًا أخبرني من أَثِقُ بِهِ عن بَعْضٍ من نُسِبَ إلَى الْعِلْمِ منهم أَنَّهُ يقول لو رَهَنَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَدَّى الْأَلْفَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَقَبَضَهَا منه ثُمَّ دَعَاهُ بِالْجَارِيَةِ فَهَلَكَتْ قبل أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ هَلَكَتْ من مَالِ الرَّاهِنِ وَكَانَتْ الْأَلْفُ مُسَلَّمَةً لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَإِنْ كان هذا فَقَدْ صَارُوا فيه إلَى قَوْلِنَا وَتَرَكُوا جَمِيعَ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ هذا بِأَنْكَرَ مِمَّا وَصَفْنَا وما يُشْبِهُهُ مِمَّا سَكَتْنَا عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي قَائِلٌ من غَيْرِهِمْ نَقُولُ الرَّهْنُ بِمَا فيه أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ الرَّهْنَ يَعْنِي بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَفِي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ قد رضى الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ في الرَّهْنِ قُلْنَا ليس في ذلك دَلَالَةٌ على ما قُلْت قال وَكَيْفَ قُلْنَا إنَّمَا تَعَامَلَا على أَنَّ الْحَقَّ على مَالِكِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ وَثِيقَةٌ مع الْحَقِّ كما تَكُونُ الْحَمَالَةُ قال كَأَنَّهُ بِأَنْ يَكُونَ رِضًا أَشْبَهُ قُلْنَا إنَّمَا الرِّضَا بِأَنْ يَتَبَايَعَانِهِ فَيَكُونَ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ رِضًا مِنْهُمَا بِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ منه وَهَذَا في قَوْلِنَا وَقَوْلِكُمْ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَأَيُّ رِضًا مِنْهُمَا وهو مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ بِأَنْ يَخْرُجَ من مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَكُونُ الرِّضَا إذَا هَلَكَ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرِّضَا عِنْدَ الْعُقْدَةِ وَالدَّفْعِ فَالْعُقْدَةُ وَالدَّفْعُ كان وهو مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَلَا يَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ عَمَّا دَفَعَ بِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَعِنْدَك في كل أَمْرٍ فيه عُقْدَةٌ إنَّمَا هو على الْعُقْدَةِ - * رَهْنُ الْمَشَاعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ نِصْفَ أَرْضِهِ وَنِصْفَ دَارِهِ وَسَهْمًا من أَسْهُمٍ من ذلك مَشَاعًا غير مَقْسُومٍ إذَا كان الْكُلُّ مَعْلُومًا وكان ما رَهَنَ منه مَعْلُومًا وَلَا فَرْقَ بين ذلك وَبَيْنَ الْبُيُوعِ وقال بَعْضُ الناس لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا لَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ واحتج بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ قُلْنَا فَلِمَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا وقد يَكُونُ مَقْبُوضًا وهو مَشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي أَيُّ النَّاحِيَتَيْنِ هو وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا في الْعَبْدِ وهو لَا يَتَبَعَّضُ فَقُلْت كان الْقَبْضُ إذَا كان اسْمًا وَاحِدًا لَا يَقَعُ عِنْدَك إلَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وقد يَقَعُ على مَعَانٍ مختلفه قال بَلْ هو بِمَعْنًى وَاحِدٍ قُلْت أو ما تُقْبَضُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وما صَغَرَ بِالْيَدِ وَتُقْبَضُ الدُّورُ بِدَفْعِ الْمَفَاتِيحِ وَالْأَرْضُ بِالتَّسْلِيمِ قال بَلَى فَقُلْت فَهَذَا مُخْتَلِفٌ قال
____________________

(3/190)


يَجْمَعُهُ كُلَّهُ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَقُلْت آخَرَ وَسَتَتْرُكُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت فَكَأَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَك لَا يَقَعُ أَبَدًا إلَّا على مُنْفَصِلٍ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قال نعم قُلْت فما تَقُولُ في نِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ أَرْضٍ وَنِصْفِ عَبْدٍ وَنِصْفِ سَيْفٍ اشْتَرَيْته مِنْك بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قال جَائِزٌ قُلْت وَلَيْسَ عَلَيَّ دَفْعُ الثَّمَنِ حتى تَدْفَعَ إلي ما اشْتَرَيْت فَأَقْبِضُهُ قال نعم قُلْت فَإِنِّي لَمَّا اشْتَرَيْت أَرَدْت نَقْضَ الْبَيْعِ فَقُلْت بَاعَنِي نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا لَا أَدْرِي أَشَرْقِيَّ الدَّارِ يَقَعُ أَمْ غَرْبِيَّهَا وَنِصْفُ عَبْدٍ لَا يَنْفَصِلُ أَبَدًا وَلَا يَنْقَسِمُ وَأَنْتَ لَا تُجِيزُنِي على قَسْمِهِ لِأَنَّ فيه ضَرَرًا فَأَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك قال ليس ذلك لَك وَقَبْضُ نِصْفِ الدَّارِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ السَّيْفِ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَا يَكُونُ دُونَهُ حَائِلٌ قُلْت أنت لَا تُجِيزُ الْبَيْعَ إلَّا مَعْلُومًا وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ قال هو وَإِنْ لم يَكُنْ مَعْلُومًا بِعَيْنِهِ مُنْفَصِلًا فَالْكُلُّ مَعْلُومٌ وَنَصِيبُك من الْكُلِّ مَحْسُوبٌ قُلْت وَإِنْ كان مَحْسُوبًا فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ قال أنت شَرِيكٌ في الْكُلِّ قُلْت فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ لِأَنَّهُ ليس بِمُنْفَصِلٍ وَأَنْتَ تَقُولُ فِيمَا ليس بِمُنْفَصِلٍ لَا يَكُونُ مَقْبُوضًا فَيَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ وَتَقُولُ الْقَبْضُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا قال قد يَكُونُ مُنْفَصِلًا وَغَيْرَ مُنْفَصِلٍ قُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وهو غَيْرُ مُنْفَصِلٍ قال لِأَنَّ الْكُلَّ مَعْلُومٌ وإذا كان الْكُلُّ مَعْلُومًا فَالْبَعْضُ بِالْحِسَابِ مَعْلُومٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت قَوْلَك الْأَوَّلَ وَتَرَكْت قَوْلَك الثَّانِيَ فَلِمَ إذَا كان هذا كما وَصَفْت يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا فَجَعَلْته مَعْلُومًا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَك لَا يَتِمُّ حتى يقضى على صَاحِبِهِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَّا مَقْبُوضًا فَكَانَ هذا عِنْدَك قَبْضًا زَعَمْت أَنَّهُ في الرَّهْنِ غَيْرُ قَبْضٍ فَلَا يَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت بِقَوْلِك لَا يَكُونُ في الرَّهْنِ قَبْضًا أو بِقَوْلِك يَكُونُ في الْبَيْعِ قَبْضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْقَبْضُ اسْمٌ جَامِعٌ وهو يَقَعُ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَيْفَ ما كان الشَّيْءُ مَعْلُومًا أو كان الْكُلُّ مَعْلُومًا وَالشَّيْءُ من الْكُلِّ جُزْءٌ مَعْلُومٌ من أَجْزَاءٍ وَسُلِّمَ حتى لَا يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهُوَ قَبْضٌ فَقَبْضُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالثِّيَابِ في مَجْلِسِ الرَّجُلِ وَالْأَرْضِ أَنْ يُؤْتَى في مَكَانِهَا فَتُسَلَّمُ لَا تَحْوِيهَا يَدٌ وَلَا يُحِيطُ بها جِدَارٌ وَالْقَبْضُ في كَثِيرٍ من الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إسْلَافُهَا بِأَعْلَافِهَا وَالْعَبِيدُ تَسْلِيمُهُمْ بِحَضْرَةِ الْقَابِضِ وَالْمَشَاعُ من كل أَرْضٍ وَغَيْرِهَا أَنْ لَا يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهَذَا كُلُّهُ قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ يَجْمَعُهُ اسْمُ الْقَبْضِ وَإِنْ تَفَرَّقَ الْفِعْلُ فيه غير أَنَّهُ يَجْمَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ الْعَيْنِ وَالْكُلُّ جُزْءٌ من الْكُلِّ مَعْرُوفٌ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ فإذا كان هَكَذَا فَهُوَ مَقْبُوضٌ وَاَلَّذِي يَكُونُ في الْبَيْعِ قَبْضًا يَكُونُ في الرَّهْنِ قَبْضًا لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَسْمَعْ أَحَدًا عِنْدَنَا مُخَالِفًا فِيمَا قُلْت من أَنَّهُ يَجُوزُ فيه الرَّهْنُ وَاَلَّذِي يخالف ( ( ( يختلف ) ) ) لَا يَحْتَجُّ فيه بِمُتَقَدِّمٍ من أَثَرٍ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ فَيَغِيبُونَ في الِاتِّبَاعِ الذي يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بين الشَّيْئَيْنِ إذَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الْآثَارُ حتى يُفَارِقُوا الْآثَارَ في بَعْضِ ذلك لَأَنْ يُجَزِّئُوا الْأَشْيَاءَ زَعَمُوا على مِثَالٍ ثُمَّ تَأْتِي أَشْيَاءُ ليس فيها أَثَرٌ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بِآرَائِهِمْ وَنَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ في الْآثَارِ تُتَّبَعُ كما جَاءَتْ وَفِيمَا قُلْت وَقُلْنَا بِالرَّأْيِ لَا نَقْبَلُ إلَّا قِيَاسًا صَحِيحًا على أَثَرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ تَبَايَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على شَرْطِ الرَّهْنِ وهو أَنْ يُوضَعَ على يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَجَائِزٌ وَإِنْ وَضَعَاهُ على يَدَيْ عَدْلٍ فَجَائِزٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إخْرَاجُهُ من حَيْثُ يَضَعَانِهِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا على الرِّضَا بِأَنْ يُخْرِجَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ خِيفَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إنْ كانت تَغَيَّرَتْ حَالُهُ عَمَّا كان عليه من الْأَمَانَةِ حتى يَصِيرَ غير أَمِينٍ أَنْ يُخْرِجَهُ ثُمَّ يَأْمُرَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا فَإِنْ فَعَلَا وَإِلَّا رضي لَهُمَا كما يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا فِيمَا لم يَتَرَاضَيَا فيه بِمَا لَزِمَهُمَا قال وَإِنْ مَاتَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَكَذَلِكَ يَتَرَاضَيَانِ أو يَرْضَى لَهُمَا الْقَاضِي إنْ أَبَيَا التَّرَاضِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّهْنُ على يَدَيْهِ ولم يَرْضَ الرَّاهِنُ وَصِيَّةً وَلَا وارثة قِيلَ لِوَارِثِهِ إنْ كان بَالِغًا أو لِوَصِيِّهِ إنْ لم يَكُنْ بَالِغًا تَرَاضَ أنت وَصَاحِبَ الرَّهْنِ فَإِنْ فَعَلَا وَإِلَّا صَيَّرَهُ الْحَاكِمُ إلَى عَدْلٍ
____________________

(3/191)


وَذَلِكَ أَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ بِأَمَانَةِ الْوَارِثِ وَلَا الْوَصِيُّ وَلَمَّا كان لِلْوَارِثِ حَقٌّ في احْتِبَاسِ الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كان له ما وَصَفْنَا من الرِّضَا فيه إذَا كان له أَمْرٌ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَالدَّيْنُ حَالٌّ وَيُبَاعُ الرَّهْنُ فَإِنْ أَدَّى ما فيه فَذَلِكَ وَإِنْ كان في ثَمَنِهِ فَضْلٌ رُدَّ على وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ نَقَصَ الرَّهْنُ من الدَّيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِمَا بَقِيَ من حَقِّهِ في تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وكان أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَبْقَى من دَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ من الْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْخُلَ معه في ثَمَنِ رَهْنِهِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مع الْغُرَمَاءِ بِشَيْءٍ إنْ بَقِيَ له في مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرُ الْمَرْهُونِ إذَا بَاعَ رَهْنَهُ فلم يَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَا وَضَعَاهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ على أَنْ يَبِيعَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا مَعًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ فَلِلرَّاهِنِ ما بَاعَ بِهِ الرَّهْنَ قَلَّ أو كَثُرَ ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ على يَدَيْهِ إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ وَإِلَّا تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ على يَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِلرَّهْنِ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ خِلَافُ الْأَمَانَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله رَدَّ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ فَإِنْ فَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ما بَلَغَتْ فيه فَيُؤَدِّي إلَى ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ وَيَكُونُ لِمَالِكِ الرَّهْنِ فَضْلُهَا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَضْمَنُ ما حَطَّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لِأَنَّهُ لو بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ ما كان لَا يَجُوزُ له بِحَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدُّ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا شَدِيدًا فِيمَا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ وَيَخُصُّ وَيَعُمُّ فَيُدْعَى رَجُلَانِ عَدْلَانِ من أَهْلِ الْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ المبيعه فيقال ( ( ( فقال ) ) ) أَيَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْبَيْعِ في الْبَيْعِ بِمِثْلِ هذا فَإِنْ قالوا نعم جَازَ وَإِنْ قالوا لَا رَدَّ إنْ قَدَرَ عليه وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه فَالْقَوْلُ فيه ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ما يَتَغَابَنُ بِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْبَصَرِ وَإِلَى تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِيمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله رَجَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ وكان صَاحِبُهُ يقول حَدُّ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله الْعَشَرَةُ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةً لم يَتَغَابَنْ أَهْلُ الْبَصَرِ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الْبَصَرِ بِالْجَوْهَرِ وَالْوَشْيِ وَعَلَيْهِ الرَّقِيقُ يَتَغَابَنُونَ بِالدِّرْهَمِ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ وَلَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ في كل خَمْسِينَ بِدِرْهَمٍ وَذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَعُمُومِ الْبَصَرِ بِهِ مع اخْتِلَافِ ما يَدِقُّ وَظُهُورِ ما يَجِلُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ بَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ الثَّمَنُ منه فَهُوَ أَمِينٌ وَالدَّيْنُ على الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُؤْتَمَنِ وَالْبَائِعُ فقال بِعْت بِمِائَةٍ وقال بِعْت بِخَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ أَرَادَ الذي يُحَالِفُهُ يَمِينَهُ قال وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في الرَّهْنِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ بِمِائَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ بِمِئَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا في الرَّهْنِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِي عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال مَالِكُ الْعَبْدِ رَهَنْتُك عَبْدِي بِمِائَةٍ أو هو في يَدَيْك وَدِيعَةً وقال الذي هو في يَدَيْهِ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ بِأَلْفٍ في الْحَالَيْنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ في ذلك لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ على مِلْكِهِ ويدعى الذي هو في يَدَيْهِ فَضْلًا على ما كان يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ فيه أو حَقًّا في الرَّهْنِ لَا يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ في كَيْنُونَةِ الْعَبْدِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ دَلَالَةٌ على ما يدعى من فَضْلِ الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَهَنْتُكَهُ بِأَلْفٍ وَدَفَعْتهَا إلَيْك وقال الْمُرْتَهِنُ لم تَدْفَعْهَا إلي كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَلْفٍ يَدَّعِي منها الْبَرَاءَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَهَنْتُك عَبْدًا فَأَتْلَفْته وقال الْمُرْتَهِنُ مَاتَ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ على تَضْمِينِهِ وَلَوْ قال رَهَنْتُك عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَتْلَفْته وَلَيْسَ بهذا وقال الْمُرْتَهِنُ هو هذا فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ على تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ الْعَبْدَ الذي ادَّعَى وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ الذي ادَّعَى فيه الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ رَهْنًا لِأَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ
____________________

(3/192)


لم يُقِرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ وَيَتَحَالَفَانِ مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو تَصَادَقَا على أَنَّ له عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ وقال صَاحِبُ الْأَلْفِ رَهَنْتَنِي بها دَارَك وقال صَاحِبُ الدَّارِ لم أَرْهَنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ كان الرَّهْنُ مِثْلًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الْحَقِّ وَلَيْسَ هذا بِبَيْعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَعَارَ رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا يَرْهَنُهُ فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ إذَا تَصَادَقَا على ذلك أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كما يَجُوزُ لو رَهَنَهُ مَالِكُ الْعَبْدِ فَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْعَبْدِ أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ فَلَيْسَ له ذلك إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الرَّاهِنُ أو مَالِكُ الْعَبْدِ مُتَطَوِّعًا الْحَقَّ كُلَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِمَالِكِ الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنَ بِافْتِكَاكِهِ له مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ أَعَارَهُ له بِلَا مُدَّةٍ كان ذلك مَحِلَّ الدَّيْنِ أو بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ فقال أرهنه إلَى سَنَةٍ فَفَعَلَ وقال أفتكه قبل السَّنَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ بِبَيْعِ ما له عليه في مَالِهِ حتى يُعِيدَهُ إلَيْهِ كما أَخَذَهُ منه وَمِنْ حُجَّةِ من قال هذا أَنْ يَقُولَ لو أَعَرْتُك عَبْدِي يَخْدُمُك سَنَةً كان لي أَخْذُهُ السَّاعَةَ وَلَوْ أَسْلَفْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كان لي أَخْذُهَا مِنْك السَّاعَةَ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ ليس له أَخْذُهُ إلَى السَّنَةِ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له أَنْ يُصَيِّرَ فيه حَقًّا لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ كَالضَّامِنِ عنه مَالًا وَلَا يُشَبَّهُ إذْنُهُ بِرَهْنِهِ إلَى مُدَّةِ عَارِيَّتِهِ إيَّاهُ وَلَا سَلَفِهِ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهُ يَرْهَنُهُ وقال أَذِنْت لَك في رَهْنِهِ بِأَلْفٍ وقال الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَذِنْت لي بِأَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ في أَنَّهُ بِأَلْفٍ وَالْأَلْفُ الثَّانِيَةُ على الرَّاهِنِ في مَالِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ استعاره ( ( ( استعار ) ) ) رَجُلَانِ عَبْدًا من رَجُلٍ فَرَهْنَاهُ من رَجُلٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ أتى أَحَدُهُمَا بِخَمْسِينَ فقال هذا ما يَلْزَمُنِي من الْحَقِّ لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ضَامِنًا عن صَاحِبِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَا في الرَّهْنِ فإن نِصْفَهُ مَفْكُوكٌ وَنِصْفَهُ مَرْهُونٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَعَارَ رَجُلٌ من رَجُلَيْنِ عَبْدًا فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ جاء بِخَمْسِينَ فقال هذه فِكَاكُ حَقِّ فُلَانٍ من الْعَبْدِ وَحَقُّ فُلَانٍ مَرْهُونٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُفَكُّ إلَّا مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو رَهَنَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ جاء بِتِسْعِينَ فقال فُكَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ وَاتْرُكْ الْعُشْرَ مَرْهُونًا لم يَكُنْ منه شَيْءٌ مَفْكُوكًا وَذَلِكَ أَنَّهُ رَهْنٌ وَاحِدٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُفَكُّ إلَّا مَعًا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على نِصْفِهِ جَازَ أَنْ يَفُكَّ نِصْفَ أَحَدِهِمَا دُونَ نِصْفِ الْآخَرِ كما لو اسْتَعَارَ من رَجُلٍ عَبْدًا وَمِنْ آخَرَ عَبْدًا فَرَهَنَهُمَا جَازَ أَنْ يَفُكَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَالرَّجُلَانِ وَإِنْ كان ملكها ( ( ( ملكهما ) ) ) في وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَحْكَامُهُمَا في الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ حُكْمُ مَالِكَيْ الْعَبْدَيْنِ الْمُفْتَرِقَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أو وَصِيِّهِ أَنْ يَرْهَنَا عنه كما يَبِيعَانِ عليه فِيمَا لَا بُدَّ له منه وَلِلْمَأْذُونِ له في التِّجَارَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَنْ يَرْهَنَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ كُلَّ شَيْءٍ ما خَلَا الْمُصْحَفَ وَالرَّقِيقَ من الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَصِيرَ الْمُسْلِمُ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْرِكِ بِسَبَبٍ يُشْبِهُ الرِّقَّ وَالرَّهْنُ وَإِنْ لم يَكُنْ رِقًّا فإن الرَّقِيقَ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا قَلِيلًا من الذُّلِّ لِمَنْ صَارَ تَحْتَ يَدَيْهِ بِتَصْيِيرِ مَالِكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ الْعَبْدَ لم نَفْسَخْهُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُهُ لِمَا وَصَفْنَا وَلَوْ قال قَائِلٌ آخُذُ الرَّاهِنَ بِافْتِكَاكِهِ حتى يوفي الْمُرْتَهِنُ الْمُشْرِكُ حَقَّهُ مُتَطَوِّعًا أو يَصِيرَ في يَدَيْهِ بِمَا يَجُوزُ له ارْتِهَانُهُ فَإِنْ لم يَتَرَاضَيَا فَسَخْت الْبَيْعَ كان مَذْهَبًا فَأَمَّا ما سِوَاهُمْ فَلَا بَأْسَ بِرَهْنِهِ من الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ رَهَنَ الْمُصْحَفَ قُلْنَا إنْ رَضِيت أَنْ تَرُدَّ الْمُصْحَفَ وَيَكُونَ حَقُّك عليه فَذَلِكَ لَك أو تَتَرَاضَيَانِ على ما سِوَى الْمُصْحَفِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في يَدَيْك وَإِنْ لم تَتَرَاضَيَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَكُمَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَعْظَمُ من أَنْ يُتْرَكَ في يَدَيْ مُشْرِكٍ يَقْدِرُ على إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَمَسَّهُ من الْمُسْلِمِينَ إلَّا طَاهِرٌ وَنَهَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ( أخبرنا ) إبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُ عن جَعْفَرٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُوقَفُ على الْمُرْتَدِّ مَالُهُ فَإِنْ رَهَنَ منه شيئا بَعْدَ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ
____________________

(3/193)


في قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا على حَالٍ وفي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَمْلِكَ مَالَهُ فَيَجُوزُ الرَّهْنُ وَإِنْ رَهَنَهُ قبل وَقْفِ مَالِهِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ كما يَجُوزُ لِلْمُشْرِكِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ ما صَنَعَ في مَالِهِ قبل أَنْ يُؤْخَذَ عنه وَكَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ ما صَنَعَ في مَالِهِ قبل أَنْ يَقُومَ عليه غُرَمَاؤُهُ فإذا قَامُوا عليه لم يَجُزْ ما صَنَعَ في مَالِهِ حتى يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ أو يُبْرِئُوهُ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَرْهَنَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِصَاحِبِ الْمَالِ كان في الْمُقَارَضَةِ فَضْلٌ عن رَأْسِ الْمَالِ أو لم يَكُنْ وَإِنَّمَا مِلْكُ الْمُقَارِضِ الرَّاهِنِ شيئا من الْفَضْلِ شَرْطُهُ له إنْ سَلِمَ حتى يَصِيرَ رَأْسُ مَالِ الْمُقَارَضِ إلَيْهِ أَخَذَ شَرْطَهُ وَإِنْ لم يَسْلَمْ لم يَكُنْ له شَيْءٌ قال وَإِنْ كان عَبْدٌ بين رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَرْهَنَ الْعَبْدَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو كُلُّهُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ لَا يُفَكُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ فَكَّ نَصِيبَهُ منه فَهُوَ مَفْكُوكٌ وَيُجْبَرُ على فَكِّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ في الْعَبْدِ إنْ شَاءَ ذلك شَرِيكُهُ فيه وَإِنْ فَكَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ منه فَهُوَ مَفْكُوكُ وصاحب ( ( ( صاحب ) ) ) الْحَقِّ على حَقِّهِ في نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي وَإِنْ لم يَأْذَنْ شَرِيكُ الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ في أَنْ يَرْهَنَ نَصِيبَهُ من الْعَبْدِ فَرَهَنَ الْعَبْدَ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ وَنِصْفُ شَرِيكِهِ الذي لم يَأْذَنْ له في رَهْنِهِ من الْعَبْدِ غَيْرُ مَرْهُونٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو تَعَدَّى فَرَهَنَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ لم يَكُنْ له رَهْنًا وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ في النِّصْفِ الذي لَا يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجُوزُ رَهْنُ الِاثْنَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَمَةً فَوَلَدَتْ أو حَائِطًا فَأَثْمَرَ أو مَاشِيَةً فَتَنَاتَجَتْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في هذا فقال بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ وَلَدُ الْجَارِيَةِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَلَا ثَمَرَةُ الْحَائِطِ رَهْنًا وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ شَيْءٌ لم يَرْهَنْهُ مَالِكُهُ قَطُّ ولم يُوجِبْ فيه حَقًّا لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَلَدُ تَبَعًا في الْبُيُوعِ إذَا كان الْوَلَدُ لم يَحْدُثْ قَطُّ إلَّا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كان الْحَمْلُ كان في مِلْكِ الْبَائِعِ وَتَبَعًا في الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كان ولم يُولَدْ الْمَمْلُوكُ فلم يَصِرْ إلَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَنَّهُ لم يَصِرْ إلَى حُكْمِ الْحَيَاةِ الظَّاهِرِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأُمِّهِ وهو تَبَعٌ لِأُمِّهِ وَثَمَرُ الْحَائِطِ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا في الْبَيْعِ ما لم يُؤَبَّرْ وإذا أُبِّرَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعِتْقُ وَالْبَيْعُ مُخَالِفٌ لِلرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ فَقَدْ حَوَّلَ رَقَبَةَ الْأَمَةِ وَالْحَائِطَ وَالْمَاشِيَةَ من مِلْكِهِ وَحَوَّلَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ لِشَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ وَمَلَكَتْ نَفْسَهَا وَالرَّهْنُ لم يُخْرِجْهُ من مِلْكِهِ قَطُّ هو في مِلْكِهِ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ بِحَقٍّ حَبَسَهُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ كما كان الْعَبْدُ له وقد أَجَّرَهُ من غَيْرِهِ وكان الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِمَنْفَعَتِهِ إلَى الْمُدَّةِ التي شُرِطَتْ له من مَالِكِ الْعَبْدِ وَالْمِلْكُ له وَكَمَا لو آجَرَ الْأَمَةَ فَتَكُونُ مُحْتَبَسَةً عنه بِحَقٍّ فيها وَإِنْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا لم تَدْخُلْ الْأَوْلَادُ في الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ لاتدخل ( ( ( لم ) ) ) الْأَوْلَادُ في الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الرَّجُلِ عن الرَّجُلِ وَلَا يَدْخُلُ في الضَّمَانِ إلَّا من أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيه وَوَلَدُ الأمه وَنِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَثَمَرُ الْحَائِطِ مِمَّا لم يَدْخُلُ في الرَّهْنِ قَطُّ وقد أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرٍ عن بن طَاوُسٍ عن ابيه أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ قَضَى فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخْلًا مُثْمِرًا فَلْيَحْسِبْ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَهَا من رَأْسِ الْمَالِ وَذَكَرَ سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ شَبِيهًا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحْسَبُ مُطَرِّفًا قَالَهُ في الحديث من عَامِ حَجِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا أو يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيَكُونَ الرَّاهِنُ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَاقْتِضَائِهَا من رَأْسِ مَالِهِ أو أَذِنَ له بِذَلِكَ وَإِنْ كان الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هذا الْمَعْنَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا تَرَاضَيَا أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَأَدَّاهَا على ذلك فقال هِيَ من رَأْسِ الْمَالِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَنَعُوا هذا مُتَقَدِّمًا فَأَعْلَمَهُمْ أنها لَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُشْبِهُ هذا لِقَوْلِهِ من عَامِ حَجِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ قبل حَجِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَظُهُورِ حُكْمِهِ فَرَدَّهُمْ إلَى أَنْ لَا تَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ فلما لم يَكُنْ له ظَاهِرٌ مُقْتَصَرًا عليه وَصَارَ إلَى التَّأْوِيلِ لم يَجُزْ لِأَحَدٍ
____________________

(3/194)


فيه شَيْءٌ إلَّا جَازَ عليه وَكُلٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنًى لَا يُخَالِفُ مَعْنَى قَوْلِ من قال لَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ رَهْنًا مع الْحَائِطِ إذَا لم تشترط ( ( ( يشترط ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ له ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ يَحْكُمُ بِهِ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا حَائِطًا فَأَثْمَرَ الْحَائِطُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَحِسَابُهَا من رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ بَائِعًا لِنَفْسِهِ بِلَا تَسْلِيطٍ من الرَّاهِنِ وَلَيْسَ في الحديث أَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على بَيْعِ الثَّمَرَةِ أو يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْبِضَهَا من رَأْسِ مَالِهِ إنْ كان الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ قبل مَحِلِّ الدَّيْنِ وَلَا يُجِيزُ هذا أَحَدٌ عَلِمْته فَلَيْسَ وَجْهُ الحديث في هذا إلَّا بِالتَّأْوِيلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان هذا الْحَدِيثُ هَكَذَا كان أَنْ لَا تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا وَلَا الْوَلَدُ وَلَا النِّتَاجُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا عِنْدَ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَالنِّتَاجُ وَالثَّمَرُ رَهْنًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدِي وَإِنَّمَا أَجْزَتْهُ على ما لم يَكُنْ أَنَّهُ ليس بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مالا يَكُونُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَعْنَى حديث مُعَاذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ لم يَكُنْ بِالْبَيِّنِ جِدًّا كان مَذْهَبًا وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ ما رَأَيْته يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدٍ جَائِزًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً أو نَخْلًا على أَنَّ ما حَدَثَ من النِّتَاجِ أو الثَّمَرَةِ رَهْنٌ كان الرَّهْنُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ رَهَنَهُ ما لَا يَعْرِفُ وَلَا يُضْبَطُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَلَا إذَا كان كَيْفَ يَكُونُ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ على مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الثَّمَرَةُ وَالنِّتَاجُ وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ رَهْنٌ مع الْجَارِيَةِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَائِطِ لِأَنَّهُ منه وما كَسَبَ الرَّهْنُ من كَسْبٍ أو وُهِبَ له من شَيْءٍ فَهُوَ لِمَالِكِهِ وَلَا يُشْبِهُ كَسْبُهُ الْجِنَايَةَ عليه لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ثَمَنٌ له أو لِبَعْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أو إلَى الْعَدْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ من يَدَيْهِ لِخِدْمَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَيْسَ له ذلك فَإِنْ أَعْتَقَهُ فإن مُسْلِمَ بن خَالِدٍ أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في الْعَبْدِ يَكُونُ رَهْنًا فَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ فإن الْعِتْقَ بَاطِلٌ أو مَرْدُودٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا له وَجْهٌ وَوَجْهُهُ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُ إذَا كان الْعَبْدُ بِالْحَقِّ الذي جَعَلَهُ فيه مَحُولًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ سَاعَةً يَخْدُمُهُ فَهُوَ من أَنْ يُعْتِقَهُ أَبْعَدُ فإذا كان في حَالٍ لَا يَجُوزُ له فيها عِتْقُهُ وَأَبْطَلَ الْحَاكِمُ فيها عِتْقَهُ ثُمَّ فَكَّهُ بَعْدُ لم يُعْتَقْ بِعِتْقٍ قد أَبْطَلَهُ الْحَاكِمُ ( وقال ) بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ نَظَرْت فَإِنْ كان له مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَخَذْت قِيمَتَهُ منه فَجَعَلْتهَا رَهْنًا وَأَنْفَذْت عِتْقَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ قال وَكَذَلِكَ إنْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ أو قَضَاهُ فَرَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مَالِكِهِ وَانْفَسَخَ الدَّيْنُ الذي في عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) أنقذت ( ( ( أنفذت ) ) ) عليه الْعِتْقَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ التي مَنَعْت بها عِتْقَهُ حَقُّ غَيْرِهِ في عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) فلما انْفَسَخَ ذلك أَنْفَذْت فيه الْعِتْقَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال بَعْضُ الناس هو حُرٌّ وَيَسْعَى في قِيمَتِهِ وَاَلَّذِي يقول هو حُرٌّ يقول ليس لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَهُ وهو مَالِكٌ له وَلَا يَرْهَنُهُ وَلَا يَقْبِضُهُ ساعه وإذا قِيلَ له لِمَ وهو مَالِكٌ قد بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا قال فيه حَقٌّ لِغَيْرِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ فَقِيلَ له فإذا مَنَعْته أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ أو يُعْطِيَهُ إيَّاهُ رَهْنًا مَكَانَهُ أو قال ابيعه لَا يَتْلَفُ ثُمَّ أَدْفَعُ الثَّمَنَ رَهْنًا فَقُلْت لَا إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ وَمَنَعْته وهو مَالِكٌ أَنْ يَرْهَنَهُ من غَيْرِهِ فَأَبْطَلْت الرَّهْنَ إنْ فَعَلَ وَمَنَعْته وهو مَالِكٌ أَنْ يَخْدُمَهُ سَاعَةً وَكَانَتْ حُجَّتُك فيه أَنَّهُ قد أَوْجَبَ فيه شيئا لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ أَجَزْتَ له أَنْ يُعْتِقَهُ فَيُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ الْإِخْرَاجَ الذي لَا يَعُودُ فيه أَبَدًا لقد مَنَعْته من الْأَقَلِّ وَأَعْطَيْته الْأَكْثَرَ فَإِنْ قال اسْتَسْعِيهِ فَالِاسْتِسْعَاءُ أَيْضًا ظُلْمٌ لِلْعَبْدِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَرَأَيْت إنْ كانت أَمَةً تُسَاوِي أُلُوفًا وَيَعْلَمُ أنها عَاجِزَةٌ عن اكْتِسَابِ نَفَقَتِهَا في أَيِّ شَيْءٍ تَسْعَى أو رَأَيْت إنْ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو إلَى أَيِّ يَوْمٍ فَأَعْتَقَهُ وَلَعَلَّ الْعَبْدَ يَهْلَكُ وَلَا مَالَ له وَالْأَمَةَ فَيَبْطُلُ حَقُّ هذا أو يَسْعَى فيه مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ لَعَلَّهُ لَا يُؤَدِّي منه كَبِيرَ شَيْءٍ وَلَعَلَّ الرَّاهِنَ مُفْلِسٌ لَا يَجِدُ دِرْهَمًا فَقَدْ
____________________

(3/195)


أَتْلَفْت حَقَّ صَاحِبِ الرَّهْنِ ولم يَنْتَفِعْ بِرَهْنِهِ فَمَرَّةً تَجْعَلُ الدَّيْنَ يَهْلَكُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ فيه زَعِيمٌ وَمَرَّةً تَنْظُرُ إلَى الذي فيه الدَّيْنُ فَتُجِيزُ فيه عِتْقَ صَاحِبِهِ وَتُتْلِفُ فيه حَقَّ الْغَرِيمِ وَهَذَا قَوْلٌ مُتَبَايِنٌ وَإِنَّمَا يَرْتَهِنُ الرَّجُلُ بِحَقِّهِ فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِمَّنْ لم يَرْتَهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في أَكْثَرِ قَوْلِ من قال هذا أَسْوَأُ حَالًا من الذي لم يَرْتَهِنْ وما شَيْءٌ أَيْسَرُ على من يَسْتَخِفُّ بِذِمَّتِهِ من أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّهْنِ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ إمَّا يَخْدُمُهُ أو يَرْهَنُهُ فإذا أَبَى قال لَأُخْرِجَنَّهُ من يَدِك فَأُعْتِقَهُ فَتَلِفَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ولم يَجِدْ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَفَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَدْرِي أَيَرَاهُ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ على الْغَرِيمِ الْمُعْتَقِ أَمْ لَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَجَزْت الْعِتْقَ فيه إذَا كان له مَالٌ ولم تَقُلْ ما قال فيه عَطَاءٌ قِيلَ له كُلُّ مَالِك يَجُوزُ عِتْقُهُ إلَّا لِعِلَّةِ حَقِّ غَيْرِهِ فإذا كان عِتْقُهُ إيَّاهُ يُتْلِفُ حَقَّ غَيْرِهِ لم أُجِزْهُ وإذا لم يَكُنْ يُتْلِفُ لِغَيْرِهِ حَقًّا وَكُنْت آخُذُ الْعِوَضَ منه وَأُصَيِّرُهُ رَهْنًا كَهُوَ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ التي بها كُنْت مُبْطِلًا لِلْعِتْقِ وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْحَقَّ الذي فيه اسْتِيفَاءٌ من الْمُرْتَهِنِ أو إبْرَاءٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا وَإِنْ رَهَنَهُ رَهْنًا فما قَبَضَهُ هو وَلَا عَدْلٌ يَضَعُهُ على يَدَيْهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْقَبْضُ ما وَصَفْت في صَدْرِ الْكِتَابِ مُخْتَلِفٌ قال وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَارَهُ إيَّاهُ أو آجَرَهُ إيَّاهُ هو أو الْعَدْلُ فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُخْرِجُهُ هذا من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهُ فَمَتَى شَاءَ أَخَذَهُ وإذا آجَرَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ يُؤَاجِرُ الرَّهْنَ إذَا أَذِنَ له سَيِّدُهُ وَالْإِجَارَةُ لِلْمَالِكِ فإذا كانت لِلْمَالِكِ فَلِصَاحِبِ الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُنْفَسِخَةٌ وَهَكَذَا نقول ( ( ( تقول ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ وَقَبَضَ أو رَهَنَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكُلُّ ذلك جَائِزٌ وإذا رَهَنَهُ فَلَيْسَ له إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ فَهُوَ كَالضَّمَانِ يَجُوزُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَعِنْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدًا فإذا هو حُرٌّ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إنباته ( ( ( إثباته ) ) ) لِأَنَّهُ قد بَايَعَهُ على وَثِيقَةٍ فلم تَتِمَّ له وَإِنْ تَبَايَعَا على رَهْنِهِ فلم يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضًا - * جِنَايَةُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الْأَجْنَبِيُّ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً تُتْلِفُهُ أو تُتْلِفُ بَعْضَهُ أو تُنْقِصُهُ فَكَانَ لها أَرْشٌ فَمَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ الْخَصْمُ فيها وَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حُضُورَهُ أَحْضَرَهُ فإذا قضى له بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ دَفَعَ الْأَرْشَ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ أو إلَى الْعَدْلِ الذي على يَدَيْهِ وَقِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ أَحْبَبْت فَسَلِّمْهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ قِصَاصًا من حَقِّهِ عَلَيْك وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَوْقُوفٌ في يَدَيْهِ رَهْنًا أو في يَدَيْ من على يَدَيْهِ الرَّهْنُ إلَى مَحِلِّ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ من مَالِهِ شَيْءٌ يَقِفُ لَا يَقْبِضُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ إلَى مَحِلِّ الدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ له بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ مَوْقُوفًا غير مَضْمُونٍ إنْ تَلِفَ بِلَا ضَمَانٍ على الذي هو في يَدَيْهِ وكان أَصْلُ الْحَقِّ ثَابِتًا كما كان عليه على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من دَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال الرَّاهِنُ أنا آخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ لي فَلَيْسَ ذلك له من قِبَلِ أَنَّ ما كان من أَرْشِ الْعَبْدِ فَهُوَ يُنْقِصُ من ثَمَنِهِ وما أَخَذَ من أَرْشِهِ فَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ من بَدَنِهِ وَالْعِوَضُ من الْبَدَنِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنِ إذَا لم يَكُنْ لِمَالِكِهِ أَخْذُ بَدَنِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ له أَخْذُ أَرْشِ بَدَنِهِ وَلَا أَرْشِ شَيْءٍ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عليه بن الْمُرْتَهِنِ فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ جَنَى عليه الْمُرْتَهِنُ فَجِنَايَتُهُ أَيْضًا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَجْعَلَ ما يَلْزَمُهُ من ثَمَنِ عَقْلِ الْعَبْدِ قِصَاصًا من دَيْنِهِ أو يُقِرُّهُ رَهْنًا في يَدَيْهِ
____________________

(3/196)


إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَإِنْ كان مَوْضُوعًا على يَدَيْ عَدْلٍ أُخِذَ ما لَزِمَهُ من عَقْلِهِ فَدُفِعَ إلَى الْعَدْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى عليه عبد للمرتهن ( ( ( المرتهن ) ) ) قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ افْدِ عَبْدَك بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ أو أَسْلِمْهُ يُبَاعُ فَإِنْ فَدَاهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَكُونَ الْفِدَاءُ قِصَاصًا من الدَّيْنِ أو يَكُونَ رَهْنًا كما كان الْعَبْدُ وَإِنْ اسلم الْعَبْدَ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ كان ثَمَنُهُ رَهْنًا كما كان الْعَبْدُ الْمَجْنِيُّ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عبد الْمُرْتَهِنِ على عبد الرَّاهِنِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً لَا تَبْلُغُ النَّفْسَ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْجِنَايَةِ في النَّفْسِ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أو يُسْلِمَهُ يُبَاعُ فَإِنْ اسلمه بِيعَ ثُمَّ كان ثَمَنُهُ كما وَصَفْت لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان في الرَّهْنِ عَبْدَانِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ في عُنُقِ الْعَبْدِ لَا في مَالِ سَيِّدِهِ فإذا جَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَكَأَنَّمَا جَنَى على نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ما هو له رَهْنٌ لِغَيْرِهِ فَالسَّيِّدُ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي إلَّا مَالَهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي إلَّا ما هو مِلْكٌ لِمَنْ رَهَنَهُ وما هو رَهَنٌ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الرَّهْنُ أَمَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَجَنَى عليها وَلَدُهَا فولدها كَعَبْدٍ لِلسَّيِّدِ لو جَنَى عليها لِأَنَّهُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ قِيلَ له قد أَتْلَفَ عَبْدُك عَبْدَك وَعَبْدُك الْمُتْلِفُ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ مَرْهُونٌ بِحَقٍّ لِغَيْرِك فيه فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ في أَنْ تَفْدِيَ عَبْدَك بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلْت فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من الدَّيْنِ أو رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لِأَنَّ الْبَدَلَ من الرَّهْنِ يَقُومُ مَقَامَهُ أو تُسَلِّمَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ فَيُبَاعَ ثُمَّ يَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَجْنِيِّ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى الرَّاهِنُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ فَقَدْ جَنَى على عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فيه حَقٌّ بِرَهْنِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ منه سَيِّدَهُ وَيَبِيعُهُ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ من سَيِّدِهِ وَمِنْ غُرَمَائِهِ فَيُقَالُ أنت وَإِنْ كُنْت جَنَيْت على عَبْدِك فَجِنَايَتُك عليه إخْرَاجٌ له من الرَّهْنِ أو نَقْصٌ له فَإِنْ شِئْت فَأَرْشُ جِنَايَتِك عليه ما بَلَغَتْ قِصَاصًا من دَيْنِك وَإِنْ شِئْت فَسَلِّمْهُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ قال وَذَلِكَ إذَا كان الدَّيْنُ حَالًّا فَأَمَّا إذَا كان إلَى أَجَلٍ فَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فَيَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا الْجَانِي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَكُونَ قِصَاصًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ من أَجْنَبِيٍّ عَمْدًا فَلِمَالِكِ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ له من الْجَانِي إنْ كان بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَإِنْ عَرَضَ عليه الصُّلْحَ من الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَوَدَ وَلَا يُبَدِّلَ مَكَانَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ له الْقِصَاصُ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ في أَخْذِهِ الْقِصَاصَ وقال بَعْضُ الناس ليس له أَنْ يَقْتَصَّ وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَحَبَّ أو كَرِهَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ من قِيَاسِ قَوْلِهِ هو يُجِيزُ عِتْقَ الرَّاهِنِ إذَا اعتق الْعَبْدَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ وَاَلَّذِي يقول هذا الْقَوْلَ يَقْتَصُّ لِلْعَبْدِ من الْحُرِّ وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ بِالْقِصَاصِ في الْقَتْلَى وَسَاوَى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَيَزْعُمُ أَنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ لو أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ في الْقَتْلِ الْعَمْدِ الدِّيَةَ لم يَكُنْ ذلك له من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ له الْقِصَاصَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَيَصْطَلِحَا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا زَعَمَ أَنَّ الْقَتْلَ يَجِبُ فيه بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الْقَتْلِ وكان وَلِيُّهُ يُرِيدُ القتل ( ( ( للقتل ) ) ) فَمَنَعَهُ إيَّاهُ فَقَدْ أَبْطَلَ ما زَعَمَ أَنَّ فيه حُكْمًا وَمَنَعَ السَّيِّدَ من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فإن الْقَتْلَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ قد أَبْطَلَ حَقَّ الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَ نَفْسَهُ أو مَاتَ بَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ في كل حَالٍ على مَالِكِ الْعَبْدِ فَإِنْ كان إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ هذا أَصْلَحُ لَهُمَا مَعًا فَقَدْ بَدَأَ بِظُلْمِ الْقَاتِلِ على نَفْسِهِ فَأَخَذَ منه مَالًا وَإِنَّمَا عليه عِنْدَهُ قِصَاصٌ وَمَنَعَ السَّيِّدَ مِمَّا زَعَمَ أنه أَوْجَبَ له وقد يَكُونُ الْعَبْدُ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ إلَى سَنَةٍ فَيُعْطِيهِ بِهِ رَجُلٌ لِرَغْبَتِهِ فيه أَلْفَ دِينَارٍ فَيُقَالُ لِمَالِكِ الْعَبْدِ هذا فَضْلٌ كَثِيرٌ تَأْخُذُهُ فَتَقْضِي دَيْنَك وَيَقُولُ ذلك له الْغَرِيمُ وَمَالِكُ الْعَبْدِ مُحْتَاجٌ فَيَزْعُمُ قَائِلُ هذا الْقَوْلِ الذي أَبْطَلَ الْقِصَاصَ لِلنَّظَرِ لِلْمَالِكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَا يُكْرِهُ مَالِكَ الْعَبْدِ على بَيْعِهِ وَإِنْ كان ذلك نَظَرًا لَهُمَا مَعًا وَلَا يُكْرِهُ الناس في أَمْوَالِهِمْ على إخْرَاجِهَا من أَيْدِيهِمْ بِمَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُمْ حُقُوقٌ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ في بَيْعِهِ
____________________

(3/197)


حَقٌّ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الرَّهْنُ جِنَايَةً فَسَيِّدُهُ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ أو يُسَلِّمُهُ يُبَاعُ فَإِنْ اسلمه لم يُكَلَّفْ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْلَمَهُ بِحَقٍّ وَجَبَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُسَلَّمِ فَأَسْلَمَهُ فَبِيعَ دَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه أَرْشَ جِنَايَتِهِ وَرَدَّ ما بَقِيَ من ثَمَنِ الْعَبْدِ رَهْنًا
____________________

(3/198)


- * التَّفْلِيسُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حزم ( ( ( حزام ) ) ) عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ عن أبي هريره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَّهُ سمع يحيى بن سَعِيدٍ يقول أخبرني أبو بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ حدثه أَنَّ أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ حدثه أَنَّهُ سمع أَبَا هريره رضي اللَّهُ عنه يقول قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من ادرك مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قد أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ( أخبرنا ) محمد بن إسْمَاعِيلَ بن ابي فُدَيْكٍ عن بن ابي ذِئْبٍ قال حدثني أبو الْمُعْتَمِرِ بن عَمْرِو بن رَافِعٍ عن بن خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ وكان قَاضِيًا بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قال جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه في صَاحِبٍ لنا قد أَفْلَسَ فقال هذا الذي قَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أو أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَدِيثِ مَالِكِ بن انس وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عن يحيى بن سَعِيدٍ وَحَدِيثِ بن ابي ذِئْبٍ عن ابي الْمُعْتَمِرِ في التَّفْلِيسِ نَأْخُذُ وفي حديث بن أبي ذِئْبٍ ما في حديث مَالِكٍ وَالثَّقَفِيِّ من جُمْلَةِ التَّفْلِيسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذلك في الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ سَوَاءٌ وَحَدِيثَاهُمَا ثَابِتَانِ مُتَّصِلَانِ وفي قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بَيَانٌ على أَنَّهُ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إذَا كانت سِلْعَتُهُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا نَقْضُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فيها إنْ شَاءَ كما جَعَلَ لِلْمُسْتَشْفِعِ الشُّفْعَةَ إنْ شَاءَ لِأَنَّ كُلَّ من جُعِلَ له شَيْءٌ فَهُوَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ أَصَابَ السِّلْعَةَ نَقْصٌ في بَدَنِهَا عَوَارٌ أو قَطْعٌ أو غَيْرُهُ أو زَادَتْ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُقَالُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ أنت أَحَقُّ بِسِلْعَتِك من الْغُرَمَاءِ إنْ شِئْت لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ ذلك إنْ اخْتَارَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ نَقْضًا لِلْعُقْدَةِ الْأُولَى بِحَالِ السِّلْعَةِ الْآنَ قال وإذا لم أَجْعَلْ لِوَرَثَةِ الْمُفْلِسِ وَلَا له في حَيَاتِهِ دَفْعَهُ عن سِلْعَتِهِ إذَا لم يَكُنْ هو بَرِيءُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهِ عن نَفْسِهِ لم أَجْعَلْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَدْفَعُوا
____________________

(3/199)


عن السِّلْعَةِ إنْ شاؤوا وما لِغُرَمَائِهِ يَدْفَعُونَ عنه وما يَعْدُو غُرَمَاؤُهُ أَنْ يَكُونُوا مُتَطَوِّعِينَ لِلْغَرِيمِ بِمَا يَدْفَعُونَ عنه فَلَيْسَ على الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ من غَيْرِ صَاحِبِ دَيْنِهِ كما لو كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ دَيْنٌ فقال له رَجُلٌ أَقْضِيك عنه لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْتَضِيَ ذلك منه وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ صَاحِبِهِ أو يَكُونُ هذا لهم لَازِمًا فَيَأْخُذُهُ منهم وَإِنْ لم يُرِيدُوهُ فَهَذَا ليس لهم بِلَازِمٍ وَمَنْ قَضَى عليه أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ منهم خَرَجَ من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوَّلًا لِأَنَّهُ قد وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ فإذا مَنَعَهُ إيَّاهُ فَقَدْ مَنَعَهُ ما جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَعْطَاهُ شيئا مُحَالًا ظَلَمَ فيه الْمُعْطَى والمعطى وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْطِيَ لو أَعْطَى ذلك الْغَرِيمَ حتى يَجْعَلَهُ مَالًا من مَالِهِ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْلِسٍ بحقه ( ( ( يحقه ) ) ) وَجَبَرَهُ على قَبْضِهِ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ رَجَعُوا بِهِ عليه فَكَانَ قد مَنَعَهُ سِلْعَتَهُ التي جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَعْطَاهُ الْعِوَضَ منها وَالْعِوَضُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا فَاتَ وَالسِّلْعَةُ لم تَفُتْ فَقَضَى هَا هُنَا قَضَاءً مُحَالًا إذْ جَعَلَ الْعِوَضَ من شَيْءٍ قَائِمٍ ثُمَّ زَادَ أَنْ قَضَى بِأَنْ أَعْطَاهُ ما لَا يُسَلَّمُ له لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا جاؤوا وَدَخَلُوا معه فيه وَكَانُوا أُسْوَتَهُ وَسِلْعَتُهُ قد كانت له منفرده دُونَهُمْ عن المعطى فَجَعَلَهُ يُعْطِي على أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ السِّلْعَةِ ثُمَّ جاء غُرَمَاءُ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عليه في تِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَدْخَلَ ذلك عليه وهو تَطَوَّعَ بِهِ قِيلَ له فإذا كان تَطَوَّعَ بِهِ فَلِمَ جَعَلْت له فِيمَا تَطَوَّعَ به عِوَضَ السِّلْعَةِ وَالْمُتَطَوِّعُ من لَا يَأْخُذُ عِوَضًا ما زِدْت على أَنْ جَعَلْته له بَيْعًا لَا يَجُوزُ وَغَرَرًا لَا يُفْعَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ نَخْلًا فيه ثَمَرٌ أو طَلْعٌ قد أُبِّرَ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَأَكَلَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي كان لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ حَائِطَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ في حِصَّةِ الثَّمَرِ الذي وَقَعَ عليه الْبَيْعُ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي من أَصْلِ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ على الْحَائِطِ وَالثَّمَرِ فَيَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ الثَّمَرِ من أَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنْ كان الرُّبُعَ أَخَذَ الْحَائِطَ بِحِصَّتِهِ وهو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وهو الرُّبُعُ وَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يوم قَبْضِهِ لَا يوم أَكْلِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كانت في مَالِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ سَالِمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهَا أَصَابَتْهُ في مِلْكِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ كان بَاعَهُ الْحَائِطَ وَالثَّمَرَ قد أَخْضَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أو تمر ( ( ( ثمر ) ) ) قائم ( ( ( قاتم ) ) ) أو بُسْرٌ زَائِدٌ عن الْأَخْضَرِ كان له أَنْ يَأْخُذَهُ وَالنَّخْلَ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِنْ زَادَ كما يَبِيعُهُ الْجَارِيَةَ الصغيره فَيَأْخُذُهَا كَبِيرَةً زَائِدَةً وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَأَدْرَكَ بَعْضَهُ زَائِدًا بِعَيْنِهِ أَخَذَ الْمُدْرَكَ وَتَبِعَهُ بِحِصَّةِ ما بَاعَ من الثَّمَرِ يوم بَاعَهُ إيَّاهُ مع الْغُرَمَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو بَاعَهُ وُدْيًا صِغَارًا أو نَوًى قد خَرَجَ أو زَرْعًا قد خَرَجَ أو لم يَخْرُجْ مع أَرْضٍ فَأَفْلَسَ وَذَلِكَ كُلُّهُ زَائِدٌ مُدْرَكٌ أَخَذَ الْأَرْضَ وَجَمِيعَ ما بَاعَهُ زَائِدًا مُدْرَكًا وإذا فَاتَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ يوم وَقَعَ الْبَيْعُ كما يَكُونُ لو اشْتَرَى منه جَارِيَةً أو عَبْدًا بِحَالِ صِغَرٍ أو مَرَضٍ فَمَاتَ في يَدَيْهِ أو أَعْتَقَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ منه وَلَوْ كَبُرَ الْعَبْدُ أو صَحَّ وقد اشْتَرَاهُ سَقِيمًا صَغِيرًا كان لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ صَحِيحًا كَبِيرًا لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالزِّيَادَةُ فيه منه لَا من صَنْعَةِ الْآدَمِيِّينَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ فَعَلَّمَهُ أَخَذَهُ مُعَلَّمًا وَلَوْ كسى ( ( ( كسا ) ) ) الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أو وَهَبَ له مَالًا أَخَذَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهَا غَيْرُهُ وَمَالٌ من مَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِيعَ وَلَهُ مَالٌ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ أو هَلَكَ في يَدِ الْعَبْدِ فَسَوَاءٌ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ فَيَأْخُذُهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَبِقِيمَةِ الْمَالِ من الْبَيْعِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لَا ثَمَرَ فيه فَأَثْمَرَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كان الثَّمَرُ يوم فَلِسَ الْمُشْتَرِي مَأْبُورًا أو غير مَأْبُورٍ فَسَوَاءٌ وَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يُقَالُ لِرَبِّ النَّخْلِ إنْ شِئْت فَالنَّخْلُ لَك على أَنْ تقر ( ( ( نقر ) ) ) الثَّمَرَ فيها إلَى الْجِدَادِ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ النَّخْلَ وَكُنَّ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ
____________________

(3/200)


وَهَكَذَا لو بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ فَلِسَ كانت له الْأَمَةُ ولم يَكُنْ له الْوَلَدُ وَلَوْ فَلِسَ وَالْأَمَةُ حَامِلٌ كانت له الْأَمَةُ وَالْحَمْلُ تَبَعٌ يَمْلِكُهَا كما يَمْلِكُ بِهِ الْأَمَةَ وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ له أَوْلَادًا قبل إفْلَاسِ الْغَرِيمِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ رَجَعَ بِالْأُمِّ ولم يَرْجِعْ بِالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا في مِلْكِ الْغَرِيمِ وَإِنَّمَا نَقَضْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بِالْإِفْلَاسِ الْحَادِثِ وَاخْتِيَارِ الْبَيْعِ نَقْضُهُ لَا بِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان مَفْسُوخًا من الْأَصْلِ وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ دَارًا فَبُنِيَتْ أو بُقْعَةً فَغُرِسَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ وَالْغَرِيمُ رَدَدْت الْبَائِعَ بِالدَّارِ كما كانت وَالْبُقْعَةُ كما كانت حين بَاعَهَا ولم أَجْعَلْ له الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ في صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ مُتَمَيِّزٌ من الْأَرْضِ من مَالِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ خَيَّرْته بين أَنْ يُعْطَى قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَالْغِرَاسِ وَيَكُونُ ذلك له أو يَكُونُ له ما كان من الْأَرْضِ لَا عِمَارَةَ فيها وَتَكُونُ الْعِمَارَةُ الْحَادِثَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ سَوَاءً بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ وَالْغَرِيمُ أَنْ يَقْلَعُوا الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ وَيَضْمَنُوا لِرَبِّ الْأَرْضِ ما نَقَصَ الْأَرْضَ الْقَلْعُ فَيَكُونُ ذلك لهم وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ شيئا مُتَفَرِّقًا مِثْلَ عَبِيدٍ أو إبِلٍ أو غَنَمٍ أو ثِيَابٍ أو طَعَامٍ فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ بَعْضَهُ كان له الْبَعْضُ الذي وَجَدَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ إنْ كان نِصْفًا قَبَضَ النِّصْفَ وكان غَرِيمًا من الْغُرَمَاءِ في النِّصْفِ الْبَاقِي وَهَكَذَا إنْ كان أَكْثَرَ أو أَقَلَّ قال وإذا جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْكُلَّ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وهو أَقَلُّ من الْكُلِّ وَمَنْ مَلَكَ الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ من مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ أَرْضًا فَغَرَسَهَا ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ فَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِقِيمَةِ الْغِرَاسِ وَأَبَى الْغَرِيمُ والغرماء أَنْ يَقْلَعُوا الْغِرَاسَ وَيُسَلِّمُوا الْأَرْضَ إلَى رَبِّهَا لم يَكُنْ لِرَبِّ الأرض إلا الثمن الذي باع به الأرض يحاص به الغرماء ولو باعه حائطا غير مثمر فأثمر ثم فلس كان رب الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ وَيُبْقِيَ الثَّمَرَ فيها إلَى الْجِدَادِ إنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يُبْقُوهُ فيها إلَى الْجِدَادِ فَذَلِكَ له وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدَعَهَا وَيَضْرِبَ مع الْغُرَمَاءِ بِمَا كان له فَعَلَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَزَرَعَهَا ثُمَّ فَلِسَ كان مِثْلَ الْحَائِطِ يَبِيعُهُ ثُمَّ يُثْمِرُ النَّخْلُ فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أو رَبُّ النَّخْلِ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيُبْقِيَ فيها الزَّرْعَ إلَى الْحَصَادِ وَالثِّمَارَ إلَى الْجِدَادِ ثُمَّ عَطِبَتْ النَّخْلُ قبل ذلك بِأَيِّ وَجْهٍ ما عَطِبَتْ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّينَ أو بِأَمْرٍ من السَّمَاءِ أو جاء سَيْلٌ فَخَرَقَ الْأَرْضَ وَأَبْطَلَهَا فَضَمَانُ ذلك من رَبِّهَا الذي قَبِلَهَا لَا من الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا قَبِلَهَا صَارَ مَالِكًا لها إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ بَاعَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ وَهَبَ فَإِنْ قِيلَ وَمِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شيئا لَا يَتِمُّ له جَمِيعُ مِلْكِهِ فيه لِأَنَّ هذا لم يَمْلِكْهُ الذي جَعَلْت له أَخَذَهُ مِلْكًا تَامًّا لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِمَارِ النَّخْلِ وَالْجَرِيدِ وَكُلِّ ما أَضَرَّ بِثَمَرِ الْمُفْلِسِ وَمَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُحْدِثَ في الْأَرْضِ بِئْرًا أو شيئا مِمَّا يَضُرُّ ذلك بِزَرْعِ الْمُفْلِسِ قِيلَ له بِدَلَالَةِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَمْلِكَ الْمُبْتَاعُ النَّخْلَ وَيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ إلَى الْجِدَادِ قال وَلَوْ سَلَّمَ رَبُّ الْأَرْضِ الْأَرْضَ لِلْمُفْلِسِ فقال الْغُرَمَاءُ أحصد الزَّرْعَ وَبِعْهُ بَقْلًا وَأَعْطِنَا ثَمَنَهُ وقال الْمُفْلِسُ لَسْتُ أَفْعَلُ وانا أَدَعُهُ إلَى أَنْ يُحْصَدَ لِأَنَّ ذلك أَنْمَى لي وَالزَّرْعُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَاءِ وَلَا الْمُؤْنَةِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْغُرَمَاءِ في أَنْ يُبَاعَ لهم وَلَوْ كان يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ فَتَطَوَّعَ رَجُلٌ لِلْغَرِيمِ بِالْإِنْفَاقِ عليه فَأَخْرَجَ نَفَقَةَ ذلك وَأَسْلَمَهَا إلَى من يَلِي الْإِنْفَاقَ عليه وزاد حتى ظَنَّ أَنَّ ذلك إنْ سُلِّمَ سيكفي لم يَكُنْ لِلْغَرِيمِ إبْقَاءُ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ وكان لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ وإذا جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْكُلَّ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وهو أَقَلُّ من الْكُلِّ وَمَنْ مَلَك الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ من مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ قال وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ عَبْدًا فَأَخَذَ نِصْفَ
____________________

(3/201)


ثَمَنِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ كان له نِصْفُ الْعَبْدِ شَرِيكًا بِهِ لِلْغَرِيمِ وَيُبَاعُ النِّصْفُ الذي كان لِلْغَرِيمِ لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ على الْمِثَالِ الذي ذَكَرْت وَلَا يَرُدُّ مِمَّا أَخَذَ شيئا لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِمَا أَخَذَهُ وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ يَرُدُّ شيئا مِمَّا أَخَذَ جَعَلْت له لو أَخَذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَمَنْ قال هذا فَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ عليها وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أو ثَوْبَيْنِ فَبَاعَهُمَا بِعِشْرِينَ فَقَبَضَ عَشَرَةً وَبَقِيَ من ثَمَنِهِمَا عَشَرَةٌ كان شَرِيكًا فِيهِمَا بِالنِّصْفِ يَكُونُ نِصْفُهُمَا له وَالنِّصْفُ لِلْغُرَمَاءِ يُبَاعُ في دَيْنِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَضَى نِصْفَ الثَّمَنِ وَهَلَكَ نِصْفُ الْمَبِيعِ وَبَقِيَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أو أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَقِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ كان أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ من قِبَلِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ وَاَلَّذِي قَبَضَ من الثَّمَنِ إنَّمَا هو بَدَلٌ فَكَمَا كان لو كَانَا قَائِمَيْنِ أَخَذَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بَعْضَ الْبَدَلِ وَبَقِيَ بَعْضُ السِّلْعَةِ كان ذلك كَقِيَامِهِمَا مَعًا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْبَدَلُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدْ أَخَذَ نِصْفَ ثَمَنِ ذَا وَنِصْفَ ثَمَنِ ذَا فَهَلْ من شَيْءٍ يُبَيِّنُ ما قُلْت غير ما ذَكَرْت قِيلَ نعم أَنْ يَكُونَا جميعا ثَمَنَ ذَا مِثْلَ ثَمَنِ ذَا مستويى الْقِيمَةِ فَيُبَاعَانِ صَفْقَةً واحده وَيُقْبَضَانِ وَيَقْبِضُ الْبَائِعُ من ثَمَنِهِمَا خَمْسِينَ وَيَهْلَكُ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَيَجِدُ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَيَرُدُّهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّ شيئا مِمَّا أَخَذَ وَيَكُونُ ما أَخَذَ ثَمَنَ الْهَالِكِ مِنْهُمَا وَلَوْ لم يَكُونَا بَيْعًا وَكَانَا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَخَذَ تِسْعِينَ وَفَاتَ أَحَدُهُمَا كان الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ لو كَانَا قَائِمَيْنِ وَلَا يُبَعَّضُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ يُجْعَلُ الْكُلُّ في كِلَيْهِمَا وَالْبَاقِي في كِلَيْهِمَا وَكَمَا يَكُونُ ذلك في الرَّهْنِ لو كَانُوا عَبِيدًا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَدَّى تِسْعِينَ كَانُوا مَعًا رَهْنًا بِعَشَرَةٍ لَا يَخْرُجُ منهم أَحَدٌ من الرَّهْنِ وَلَا شَيْءَ منه حتى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ فلما كان الْبَيْعُ في دَلَالَةِ حُكْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَوْقُوفًا فَإِنْ أَخَذَ ثَمَنَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بَيْعُهُ فَأَخَذَهُ فَكَانَ كَالْمُرْتَهِنِ قِيمَتَهُ وفي أَكْثَرَ من حَالِ الْمُرْتَهِنِ في أَنَّهُ أَخَذَهُ كُلَّهُ لَا يُبَاعُ عليه كما يُبَاعُ الرَّهْنُ فيستوفى حَقَّهُ وَيَرُدُّ فَضْلَ الثَّمَنِ على مَالِكِهِ فَكَانَ في مَعْنَى السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الشَّرِيكَيْنِ يُفْلِسُ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ من الدَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ أَدَانَهُ له بِإِذْنِهِ أو هُمَا مَعًا فَيَكُونُ كَدَيْنٍ أَدَانَهُ له بِإِذْنِهِ بِلَا شَرِكَةٍ كانت وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ لَا شَرِكَةَ إلَّا وَاحِدَةً قال اللَّهُ تَبَارَكَ وتعالي { وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَطْلُ الغنى ظُلْمٌ فلم يَجْعَلْ على ذِي دَيْنٍ سَبِيلًا في الْعُسْرَةِ حتى تَكُونَ الْمَيْسَرَةُ ولم يَجْعَلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَطْلَهُ ظُلْمًا إلَّا بِالْغِنَى فإذا كان مُعْسِرًا فَهُوَ ليس مِمَّنْ عليه سَبِيلٌ إلَّا أَنْ يُوسِرَ وإذا لم يَكُنْ عليه سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ على إجَارَتِهِ لِأَنَّ إجَارَتَهُ عَمَلُ بَدَنِهِ وإذا لم يَكُنْ على بَدَنِهِ سَبِيلٌ وَإِنَّمَا السَّبِيلُ على مَالِهِ لم يَكُنْ إلَى اسْتِعْمَالِهِ سَبِيلٌ وَكَذَلِكَ لَا يُحْبَسُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ عليه في حَالِهِ هذه وإذا قام الْغُرَمَاءُ على رَجُلٍ فَأَرَادُوا أَخْذَ جَمِيعِ مَالِهِ تُرِكَ له من مَالِهِ قَدْرُ ما لَا غَنَاءَ بِهِ عنه وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ يَوْمَهُ من الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وقد قِيلَ إنْ كان لِقَسْمِهِ حَبْسٌ أُنْفِقَ عليه وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلُّ ما يَكْفِيهِمْ حتى يَفْرُغَ من قَسْمِ مَالِهِ وَيَتْرُكُ لهم نَفَقَتَهُمْ يوم يَقْسِمُ آخِرَ مَالِهِ وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ من كِسْوَتِهِ في شِتَاءٍ كان ذلك أو صَيْفٍ فَإِنْ كان له من الْكِسْوَةِ ما يَبْلُغُ ثَمَنًا كَثِيرًا بِيعَ عليه وَتُرِكَ له ما وَصَفْتُ لَك من أَقَلِّ ما يَكْفِيهِ منها فَإِنْ كانت ثِيَابُهُ كُلُّهَا غَوَالِيَ مُجَاوِزَةَ الْقَدْرِ اشترى له من ثَمَنِهَا أَقَلَّ ما يَكْفِيهِ مِمَّا يَلْبَسُ أَقْصِدُ من هو في مِثْلِ حَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ في وَقْتِهِ ذلك شِتَاءً كان أو صَيْفًا وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ من مَالِهِ قبل الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ وقبر بِأَقَلَّ ما يَكْفِيهِ ثُمَّ اُقْتُسِمَ فَضْلُ مَالِهِ وَيُبَاعُ عليه مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ لِأَنَّ له من الْخَادِمِ بُدًّا وقد يَجِدُ الْمَسْكَنَ قال وإذا جُنِيَتْ عليه جِنَايَةٌ قبل التَّفْلِيسِ فلم يَأْخُذْ أَرْشَهَا إلَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بها منه إذَا قَبَضَهَا لِأَنَّهَا مَالٌ من مَالِهِ لَا ثَمَنَ لِبَعْضِهِ وَلَوْ وُهِبَ له بَعْدَ التَّفْلِيسِ هِبَةٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْبَلَهَا فَلَوْ قَبِلَهَا كانت لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَعْطَاهُ أَحَدٌ من الْآدَمِيِّينَ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَلَيْسَ عليه قَبُولُهُ وَلَا يَدْخُلُ مَالَهُ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهِ إلَّا الْمِيرَاثَ فإنه لو وَرِثَ كان مَالِكًا ولم يَكُنْ له دَفْعُ الْمِيرَاثِ وكان لِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ من يَدِهِ
____________________

(3/202)


وَلَوْ جُنِيَتْ عليه جِنَايَةٌ عَمْدًا فَكَانَ له الْخِيَارُ بين أَخْذِ الْأَرْشِ أو الْقِصَاصِ كان له أَنْ يَقْتَصَّ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ عليه من جَنَى عليه الْمَالَ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ له شيئا قبل التَّفْلِيسِ ثُمَّ صَالَحَ منه على شَيْءٍ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَإِنْ كان ما صَالَحَ قِيمَةَ ما اسْتَهْلَكَ له بِشَيْءٍ مَعْرُوفِ الْقِيمَةِ فَأَرَادَ مُسْتَهْلِكُهُ أَنْ يَزِيدَهُ على قِيمَتِهِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ في مَوْضِعِ الْهِبَةِ فَإِنْ فَلِسَ الْغَرِيمُ وقد شَهِدَ له شَاهِدٌ بِحَقٍّ على آخَرَ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ إذَا أَحَلَفْنَا الْمَشْهُودَ عليه ولم نَجْعَلْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ فلما لم يَكُنْ مَالِكًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَحْلِفَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى عليه فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ فَامْتَنَعَ الْمُفْلِسُ من الْيَمِينِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ في حَالٍ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَالِكِينَ إلَّا ما مَلَكَ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ جَنَى هو بَعْدَ التَّفْلِيسِ جِنَايَةً عَمْدًا أو اسْتَهْلَكَ مَالًا كان الْمَجْنِيُّ عليه وَالْمُسْتَهْلِكُ له أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ في مَالِهِ الْمَوْقُوفِ لهم بِيعَ أو لم يُبَعْ ما لم يَقْتَسِمُوهُ فإذا اقْتَسَمُوهُ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ قبل الْقَسْمِ دخل مَعَهُمْ فِيمَا اقْتَسَمُوا لِأَنَّ حَقَّهُ لَزِمَهُ قبل أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْقَسْمِ لم يَدْخُلْ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ قد مَلَكُوا ما قُسِمَ لهم وَخَرَجَ عن مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَالْجِنَايَةُ وَالِاسْتِهْلَاكُ دَيْنٌ عليه سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَجَرَ عليه وَأَمَرَ بِوَقْفِ مَالِهِ لِيُبَاعَ فَجَنَى عَبْدٌ له جِنَايَةً لم يَكُنْ له أَنْ يَفْدِيَهُ وَأَمَرَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْجَانِي في الْجِنَايَةِ حتى يُوَفِّيَ الْمَجْنِيَّ عليه أَرْشَهَا فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ في مَالِهِ حتى يُعْطِيَهُ غُرَمَاءَهُ وَإِنْ لم يَفْضُلْ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ ولم يَسْتَوْفِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ بَطَلَتْ جِنَايَتُهُ لِأَنَّهَا كانت في رَقَبَةِ الْعَبْدِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كان عبد الْمُفْلِسِ مَجْنِيًّا عليه كان سَيِّدُهُ الْخَصْمَ له فإذا ثَبَتَ الْحَقُّ عليه وكان الْجَانِي عليه عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إنْ كانت الْجِنَايَةُ فيها قِصَاصٌ وَأَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ من رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَرْكَ الْقِصَاصِ وَأَخْذَ الْمَالِ فَلَيْسَ ذلك لهم لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ لهم وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه إنَّمَا فيه الْأَرْشُ لم يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ عَفْوُ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهِ وَجَبَ له بِكُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ له هِبَتُهُ وهو مَرْدُودٌ في مَالِهِ يَقْضِي بِهِ عن دَيْنِهِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْحِنْطَةَ أو الزَّيْتَ أو السَّمْنَ أو شيئا مِمَّا يُكَالُ أو يُوزَنُ فَخَلَطَهُ بمثله أو خَلَطَهُ بِأَرْدَأَ منه من جِنْسِهِ ثُمَّ فَلِسَ غَرِيمُهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ كما كان وَيُقَاسِمُ الْغُرَمَاءَ بِكَيْلِ مَالِهِ أو وَزْنِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان خَلَطَهُ فِيمَا دُونَهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ فَضْلًا إنَّمَا يَأْخُذُ نَقْصًا فَإِنْ كان خَلَطَهُ بِمَا هو خَيْرٌ منه فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا سَبِيلَ له لِأَنَّا لَا نَصِلُ إلَى دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ وَلَيْسَ لنا أَنْ نُعْطِيَهُ الزِّيَادَةَ وكان هذا أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ قال وَلَا يُشْبِهُ هذا الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا السَّوِيقَ يُلَتُّ الثَّوْبُ يُصْبَغُ وَالسَّوِيقُ يُلَتُّ مَتَاعُهُ بِعَيْنِهِ فيه زِيَادَةٌ مُخْتَلِطَةٌ فيه وَهَذَا إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حتى لَا تُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ إلَّا غير مَعْرُوفَةٍ من عَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ذَائِبٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ عَسَلِهِ وَقِيمَةِ الْعَسَلِ الْمَخْلُوطِ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ عَسَلِهِ من عَسَلِ الْبَائِعِ وَيَتْرُكَ فَضْلَ كَيْلِ عَسَلِهِ أو يَدَعَ وَيَكُونَ غَرِيمًا كَأَنَّ عَسَلَهُ كان صَاعًا يَسْوَى دِينَارَيْنِ وَعَسَلَ شَرِيكِهِ كان صَاعًا يَسْوَى أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِثُلُثَيْ صَاعٍ من عَسَلِهِ وَعَسَلِ شَرِيكِهِ كان له وكان تَارِكًا لِفَضْلِ صَاعٍ وَمَنْ قال هذا قال ليس هذا بِبَيْعٍ إنَّمَا هذا وَضِيعَةٌ من مَكِيلَةٍ كانت له وَلَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا كان فيها قَوْلَانِ هذا أَشْبَهُهُمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ اقول وهو أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَ الدَّقِيقَ وَيُعْطِيَ الْغُرَمَاءَ قِيمَةَ الطَّحْنِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ على مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ كان له ثَوْبُهُ وَلِلْغُرَمَاءِ صَبْغُهُ يَكُونُونَ شُرَكَاءَ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ في قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ ما زَادَتْ الْخِيَاطَةُ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَصَّرَهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ بعد ما زَادَتْ الْقِصَارَةُ فيه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَأْخُذُ في الْقِصَارَةِ شيئا لِأَنَّهَا أَثَرٌ قُلْنَا الْمُفْلِسُ مُخَالِفٌ لِلْغَاصِبِ من قِبَلِ أَنَّ الْمُفْلِسَ إنَّمَا
____________________

(3/203)


عَمِلَ فِيمَا يَمْلِكُ وَيَحِلُّ له الْعَمَلُ فيه وَالْغَاصِبَ عَمِلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَحِلُّ له الْعَمَلُ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفْلِسَ يَشْتَرِي الْبُقْعَةَ فَيَبْنِيهَا وَلَا يُهْدَمُ بِنَاؤُهُ وَيُهْدَمُ بِنَاءُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيَبِيعُهُ فَلَا يُرَدُّ بَيْعُهُ وَيُرَدُّ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الْعَبْدُ فَيُعْتِقُهُ فَنُجِيزُ عِتْقَهُ وَلَا نُجِيزُ عِتْقَ الْغَاصِبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَفْلَسَ الرَّجُلُ وقد قَصَّرَ الثَّوْبَ قَصَّارٌ أو خَاطَهُ خَيَّاطٌ أو صَبَغَهُ صَبَّاغٌ بِأُجْرَةٍ فَاخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ أَخَذَهُ فَإِنْ زَادَ عَمَلُ الْقَصَّارِ فيه خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَانَتْ إجَارَتُهُ فيه دِرْهَمًا أَخَذَ الدِّرْهَمَ وكان شَرِيكًا بِهِ في الثَّوْبِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وكان صَاحِبُ الثَّوْبِ أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ وَكَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الدَّرَاهِمُ لِلْغُرَمَاءِ شُرَكَاءَ بها لِلْقَصَّارِ وَصَاحِبِ الثَّوْبِ وَإِنْ كان عَمَلُهُ زَادَ في الثَّوْبِ دِرْهَمًا وَإِجَارَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كان شَرِيكًا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ بِالدِّرْهَمِ وَضَرَبَ مع الْغُرَمَاءِ في مَالِ الْمُفْلِسِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كانت تَزِيدُ في الثَّوْبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَالْإِجَارَةُ دِرْهَمٌ أَعْطَيْنَا الْقَصَّارَ دِرْهَمًا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا في الثَّوْبِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَرْبَعَةٌ يَكُونُونَ بها في الثَّوْبِ شُرَكَاءَ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ جَعَلْتَهُ أَحَقَّ بِإِجَارَتِهِ من الْغُرَمَاءِ في الثَّوْبِ فَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بها إذَا كانت زَائِدَةً في الثَّوْبِ فَمَنَعَهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ لم يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا ما زَادَ عَمَلُ هذا في الثَّوْبِ دُونَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَإِنْ قالوا فما بَالُهَا إذَا كانت أَزْيَدَ من إجَارَتِهِ لم تَدْفَعْهَا إلَيْهِ كُلَّهَا وإذا كانت أَنْقَصَ من إجَارَتِهِ لم تَقْتَصِرْ بِهِ عليها كما تَجْعَلُهَا في الْبُيُوعِ قُلْنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنِ بَيْعٍ يَقَعُ فَاجْعَلْهَا هَكَذَا وَإِنَّمَا كانت إجَارَةً من الْإِجَارَاتِ لَزِمَتْ الْغَرِيمَ الْمُسْتَأْجِرَ فلما وَجَدْتُ تِلْكَ الْإِجَارَةَ قَائِمَةً جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بها لِأَنَّهَا من إجَارَتِهِ كَالرَّهْنِ له أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان له رَهْنٌ يَسْوَى عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ أَعْطَيْته منها دِرْهَمًا وَالْغُرَمَاءَ تِسْعَةً وَلَوْ كان رَهْنٌ يَسْوَى دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَعْطَيْته منها دِرْهَمًا وَجَعَلْته يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِتِسْعَةٍ فَإِنْ قال فما بَالُهُ يَكُونُ في هذا الْمَوْضِعِ أَوْلَى بِالرَّهْنِ منه بِالْبَيْعِ قُلْت كَذَلِكَ تَزْعُمُ أنت في الثَّوْبِ يَخِيطُهُ الرَّجُلُ أو يَغْسِلُهُ له أَنْ يَحْبِسَهُ عن صَاحِبِهِ حتى يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ كما يَكُونُ له أَنْ يَحْبِسَهُ في الرَّهْنِ حتى يُعْطِيَهُ ما فيه لِأَنَّ له فيه عَمَلًا قَائِمًا فَلَا يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حتى يُوَفِّيَهُ الْعَمَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما تَقُولُ أنت قلت لَا أَجْعَلُ له حَبْسَهُ وَلَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَخْذَهُ وَآمُرُ بِبَيْعِ الثَّوْبِ فأعطى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ إذَا أَفْلَسَ فَإِنْ أَفْلَسَ صَاحِبُ الثَّوْبِ كان الْخَيَّاطُ أَحَقَّ بِمَا زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ فَإِنْ كانت إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ أَخَذَ ما زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَكَانَتْ بَقِيَّةُ الْإِجَارَةِ دَيْنًا على الْغَرِيمِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وَإِنْ لم يُفْلِسْ وقد عُمِلَ له ثَوْبٌ فلم يَرْضَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِكَيْنُونَةِ الثَّوْبِ في يَدِ الْخَيَّاطِ أَخَذَ مَكَانَهُ مِنْهُمَا حتى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا وَصَفْتُ أو يُبَاعُ عليه الثَّوْبُ فيعطي الخياط إجَارَتُهُ من ثَمَنِهِ وَبِهِ أَقُولُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه غَرِيمٌ في اجارته لِأَنَّ ما عُمِلَ في الثَّوْبِ ليس بِعَيْنٍ وَلَا شَيْءَ من مَالِهِ زَائِدٌ في الثَّوْبِ إنَّمَا هو أَثَرٌ في الثَّوْبِ وَهَذَا يَتَوَجَّهُ قال وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا في حَانُوتٍ أو زَرْعٍ أو شَجَرٍ بِإِجَارَةٍ مَعْلُومَةٍ لَيْسَتْ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ عليه إمَّا بِمَكِيلَةِ طَعَامٍ مَضْمُونٍ وَإِمَّا بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَبِيعُ فيه بَزًّا أو اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يُعَلِّمُ له عَبْدًا أو يَرْعَى له غَنَمًا أو يُرَوِّضُ له بَعِيرًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ الْأُجَرَاءِ شَيْءٌ من مَالِهِ مُخْتَلِطٌ بهذا زَائِدٌ فيه كَزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ في الثَّوْبِ وهو من مَالِ الصَّبَّاغِ وَزِيَادَةُ الْخِيَاطَةِ في الثَّوْبِ من مَالِ الْخَيَّاطِ وَعَمَلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ من هذا غَيْرُ ما اُسْتُؤْجِرَ عليه وَغَيْرُ شَيْءٍ قَائِمٍ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عليه أَلَا تَرَى أَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ غير مَصْبُوغٍ وَقِيمَتَهُ مَصْبُوغًا وَقِيمَتَهُ غير مَخِيطٍ وَغَيْرَ مَقْصُورٍ وَقِيمَتَهُ مَخِيطًا وَمَقْصُورًا مَعْرُوفَةٌ حِصَّةُ زِيَادَةِ الْعَامِلِ فيه وَلَيْسَ في الثِّيَابِ التي في الْحَانُوتِ وَلَا في الْمَاشِيَةِ التي تُرْعَى وَلَا في الْعَبْدِ الذي يُعَلِّمُهُ شَيْءٌ قَائِمٌ من صَنْعَةِ غَيْرِهِ فيعطى ذلك صَنْعَتَهُ أو مَالَهُ وَإِنَّمَا هو غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ أو لا تَرَى أَنَّهُ لو تَوَلَّى الزَّرْعَ كان الزَّرْعُ وَالْمَاءُ وَالْأَرْضُ من مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ فيه إنَّمَا هِيَ إلْقَاءٌ في الْأَرْضِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ زَائِدٍ فيه وَالزِّيَادَةُ فيه بَعْدَ شَيْءٍ من قَدَرِ اللَّهِ عز وجل وَمِنْ مَالِ
____________________

(3/204)


الْمُسْتَأْجِرِ لَا صَنْعَةَ فيها لِلْأَجِيرِ أو لا تَرَى أَنَّ الزَّرْعَ لو هَلَكَ كانت له إجَارَتُهُ وَالثَّوْبَ لو هَلَكَ في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى من اسْتَأْجَرَهُ وَلَوْ تَكَارَى رَجُلٌ من رَجُلٍ أَرْضًا وَاشْتَرَى من آخَرَ مَاءً ثُمَّ زَرَعَ الْأَرْضَ بِبَذْرِهِ ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ بَعْدَ الْحَصَادِ كان رَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْمَاءِ شَرِيكَيْنِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَيْسَا بِأَحَقَّ بِمَا يَخْرُجُ من الْأَرْضِ وَلَا بِالْمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس لَهُمَا فيه عَيْنُ مَالِ الْحَبِّ الذي نَمَا من مَالِ الْغَرِيمِ لَا من مَالِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ نَمَا بِمَاءِ هذا وفي أَرْضِ هذا قُلْنَا عَيْنُ الْمَالِ لِلْغَرِيمِ لَا لَهُمَا وَالْمَاءُ مُسْتَهْلَكٌ في الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ وَالْأَرْضُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ في الزَّرْعِ وَتَصَرُّفُهُ فيها ليس بِكَيْنُونَةٍ منها فيه فَنُعْطِيهِ عَيْنَ مَالِهِ وَلَوْ عَنَى رَجُلٌ فقال أَجْعَلُهُمَا أَحَقَّ بِالطَّعَامِ من الْغُرَمَاءِ دخل عليه أَنَّهُ أَعْطَاهُمَا غير عَيْنِ مَالِهِمَا ثُمَّ أَعْطَاهُمَا عَطَاءً مُحَالًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْمُحَالُ فيه قُلْنَا إنْ زَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَصَاحِبَ الْأَرْضِ وَصَاحِبَ الْمَاءِ شُرَكَاءُ فَكَمْ يُعْطَى صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الْمَاءِ وَصَاحِبُ الطَّعَامِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ حِصَّةَ الْغُرَمَاءِ من مَالِ الزَّارِعِ وهو لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ من الْغُرَمَاءِ إلَّا بَعْدَ ما يُفْلِسُ الْغَرِيمُ فَالْغَرِيمُ فَلِسَ وَهَذِهِ حِنْطَتُهُ لَيْسَتْ فيها أَرْضٌ وَلَا مَاءٌ وَلَوْ أَفْلَسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ في أَرْضِهِ كان لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ ما أَقَامَتْ الْأَرْضُ في يَدَيْ الزَّارِعِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ ليس لَك وَلَا لهم أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِأَرْضِهِ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ الْآنَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعُوا فَتَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ فَإِنْ لم تَفْعَلُوا فَاقْلَعُوا عنه الزَّرْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِتَرْكِهِ لَكُمْ وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ التَّفْلِيسَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَفَسْخًا لِلْإِجَارَةِ فَمَتَى فَسَخْنَا الْإِجَارَةَ كان صَاحِبُ الْأَرْضِ أَحَقَّ بها إلَّا أَنْ يعطى إجَارَةَ مِثْلِهَا لِأَنَّ الزَّارِعَ كان غير مُتَعَدٍّ قال وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ فَلِسَ كان الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ يُبَاعُ له منه بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ بَقِيَ من الْعَبْدِ بَقِيَّةٌ كان الْبَائِعُ أَحَقَّ بها فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا جَعَلْتَ هذا في الرَّهْنِ فَكَيْفَ لم تَجْعَلْهُ في الْقِصَارَةِ وَالْغُسَالَةِ كَالرَّهْنِ فَتَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِهِ من رَبِّ الثَّوْبِ قِيلَ له لِافْتِرَاقِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ قُلْنَا الْقِصَارَةُ وَالْغُسَالَةُ شَيْءُ يَزِيدُهُ الْقَصَّارُ وَالْغَسَّالُ في الثَّوْبِ فإذا أَعْطَيْنَاهُ إجَارَتَهُ وَالزِّيَادَةَ في الثَّوْبِ فَقَدْ أَوْفَيْنَاهُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَلَا نُعْطِيهِ أَكْثَرَ منه في الثَّوْبِ وَنَجْعَلُ ما بَقِيَ من مَالِهِ في مَالِ غَرِيمِهِ قال وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أو الْخَيَّاطِ لم نَجْعَلْ له على الْمُسْتَأْجِرِ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا هو زِيَادَةٌ يُحْدِثُهَا فَمَتَى لم يُوَفِّهَا رَبَّ الثَّوْبِ لم يَكُنْ له وَالرَّهْنُ مُخَالِفٌ لِهَذَا ليس بِزِيَادَةٍ في الْعَبْدِ وَلَكِنَّهُ إيجَابُ شَيْءٍ في رَقَبَتِهِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ كان ذلك في ذِمَّةِ مَوْلَاهُ الرَّاهِنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كما تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِهَلَاكِ الثَّوْبِ فَإِنْ قال فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ في مَوْضِعٍ وَيَفْتَرِقَانِ في آخَرَ قِيلَ نعم فَنَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَنُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ الْعَبْدَ فَجَعَلْنَا الْمُرْتَهِنَ أَحَقَّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ من الْبَائِعِ وَالْغُرَمَاءِ فَقَدْ حَكَمْنَا له فيه بِبَعْضِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ رَدَدْنَا الْمُرْتَهِنَ بِحَقِّهِ وَلَوْ كان هذا حُكْمَ الْبَيْعِ بِكَمَالِهِ لم يَرُدَّ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ اشْتَبَهَا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا فَقَبَضَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إجَارَتَهَا كُلَّهَا وَبَقِيَ الزَّرْعُ فيها لَا يَسْتَغْنِي عن السَّقْيِ وَالْقِيَامِ عليه وَفَلِسَ الزَّارِعُ وهو الرَّجُلُ قِيلَ لِغُرَمَائِهِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا على الزَّرْعِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثُمَّ تَبِيعُوهُ وَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مع مَالِكُمْ فَذَلِكَ لَكُمْ وَلَا يَكُونُ ذلك لَكُمْ إلَّا بِأَنْ يَرْضَاهُ رَبُّ الزَّرْعِ الْمُفْلِسُ فَإِنْ لم يَرْضَهُ فَشِئْتُمْ أَنْ تَطَوَّعُوا بِالْقِيَامِ عليه وَالنَّفَقَةِ وَلَا تَرْجِعُوا بِشَيْءٍ فَعَلْتُمْ وَإِنْ لم تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ تِلْكَ لَا تُجْبَرُونَ على أَنْ تُنْفِقُوا على ما لَا تُرِيدُونَ قال وَهَكَذَا لو كان عَبْدٌ فَمَرِضَ بِيعَ مَرِيضًا بِحَالِهِ وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ قال وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا أو دَارًا أو مَتَاعًا أو شيئا ما كان بِعَيْنِهِ فلم يَقْبِضْهُ حتى فَلِسَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِمَا بَاعَهُ يَلْزَمُهُ ذلك وَيَلْزَمُ له كَرِهَ أو كَرِهَ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ اشْتَرَى منه شيئا مَوْصُوفًا من ضَرْبِ السَّلَفِ من رَقِيقٍ
____________________

(3/205)


مَوْصُوفِينَ أو إبِلٍ مَوْصُوفَةٍ أو طَعَامٍ أو غَيْرِهِ من بُيُوعِ الصِّفَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ كان أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا له وَعَلَيْهِ وَلَوْ كان الثَّمَنُ لِبَعْضِ ما اشْتَرَى من هذا عَبْدًا بِعَيْنِهِ أو دَارًا بِعَيْنِهَا أو ثِيَابًا بِعَيْنِهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِهِ كان الْبَائِعُ لِلدَّارِ الْمُشْتَرَى بها الطَّعَامُ أَحَقَّ بِدَارِهِ لِأَنَّهُ بَائِعٌ مُشْتَرٍ ليس بِخَارِجٍ من بَيْعِهِ وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَ في الطَّعَامِ فِضَّةً مَصُوغَةً مَعْرُوفَةً أو ذَهَبًا أو دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَوَجَدَهَا قَائِمَةً يُقِرُّ بها الْغُرَمَاءُ أو الْبَائِعُ كان أَحَقَّ بها فَإِنْ كانت مِمَّا لَا يُعْرَفُ أو اُسْتُهْلِكَتْ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّارَ ثُمَّ فَلِسَ المكرى فَالْكِرَاءُ ثَابِتٌ إلَى مُدَّتِهِ ثُبُوتَ الْبَيْعِ مَاتَ الْمُفْلِسُ أو عَاشَ وَهَكَذَا قال بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا في الْكِرَاءِ وَزَعَمَ في الشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فَإِنَّمَا هو أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وقد خَالَفَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ من الناس في الْكِرَاءِ فَفَسَخَهُ إذَا مَاتَ الْمُكْتَرِي أو الْمُكْرِي لِأَنَّ مِلْكَ الدَّارِ قد تَحَوَّلَ لِغَيْرِ الْمُكْرِي وَالْمَنْفَعَةَ قد تَحَوَّلَتْ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي وقال ليس الْكِرَاءُ كَالْبُيُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الدَّارَ فَتَنْهَدِمُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَرْجِعُ الْمُكْتَرِي بِمَا بَقِيَ من حِصَّةِ الْكِرَاءِ وَلَوْ كان هذا بَيْعًا لم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَيُثْبِتُ صَاحِبُنَا وَاَللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ الْكِرَاءَ الْأَضْعَفَ لِأَنَّا نَنْفَرِدُ بِهِ دُونَ غَيْرِنَا في مَالِ الْمُفْلِسِ وَإِنْ مَاتَ يَجْعَلُهُ لِلْمُكْتَرِي وَأَبْطَلَ الْبَيْعَ فلم يَجْعَلْهُ لِلْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ الْبَيْعُ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ من الْكِرَاءِ لِلْمُكْتَرِي لِأَنَّهُ ليس بِمِلْكٍ تَامٍّ وإذا جَمَعْنَا نَحْنُ بَيْنَهُمَا لم يَنْبَغِ له أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ حَمْلَ طَعَامٍ إلَى بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُكْتَرِي أو مَاتَ فَكُلُّ ذلك سَوَاءٌ يَكُونُ الْمُكْرِي أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ ليس له في الطَّعَامِ صَنْعَةٌ وَلَوْ كان أَفْلَسَ قبل أَنْ يَحْمِلَ الطَّعَامَ كان له أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ لِأَنَّهُ ليس لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ من مَالِهِ شيئا دُونَ غُرَمَائِهِ وَلَا أُجْبِرُ الْمُكْرِي أَنْ يَأْخُذَ شيئا من غَرِيمِ الْمُفْلِسِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ غُرَمَاؤُهُ وَلَوْ حَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ ثُمَّ أَفْلَسَ كان له بِقَدْرِ ما حَمَلَهُ من الْكِرَاءِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وكان له أَنْ يَفْسَخَ الْحُمُولَةَ في مَوْضِعِهِ ذلك إنْ شَاءَ إنْ كان مَوْضِعٌ لَا يَهْلِكُ فيه الطَّعَامُ مِثْلُ الصَّحْرَاءِ أو ما أَشْبَهَهَا وإذا تَكَارَى النَّفَرُ الْإِبِلَ بِأَعْيَانِهَا من الرَّجُلِ فَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لم يَكُنْ على الْمُكْرِي أَنْ يَأْتِيَهُ بِإِبِلٍ بَدَلَهَا فإذا كان هذا هَكَذَا فَلَوْ أَفْلَسَ الْمُكْرِي وَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لم يَرْجِعْ على أَصْحَابِهِ وَلَا في مَالِ الْمُكْرِي بِشَيْءٍ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِ من كِرَائِهِ يَكُونُ فيه أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْإِبِلُ التي اكتريت على الْكِرَاءِ فإذا انْقَضَى كانت مَالًا من مَالِ الْمُكْرِي الْمُفْلِسِ وَلَوْ كَانُوا تَكَارَوْا منه حُمُولَةً مَضْمُونَةً على غَيْرِ إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا يَدْفَعُ إلَى كل رَجُلٍ منهم إبِلًا بِأَعْيَانِهَا كان له نَزْعُهَا من أَيْدِيهِمْ وَإِبْدَالُهُمْ غَيْرَهَا فإذا كان هذا هَكَذَا فَحَقُّهُمْ في ذِمَّتِهِ مَضْمُونٌ عليه فَلَوْ مَاتَتْ إبِلٌ كان يَحْمِلُ عليها وَاحِدٌ منهم فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ كَانُوا جميعا أُسْوَةً فِيمَا بَقِيَ من الْإِبِلِ بِقَدْرِ حُمُولَتِهِمْ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ في مَالِهِ لَا في إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا فَيَكُونُ إذَا هَلَكَتْ لم يَرْجِعْ وَإِنْ كان مَعَهُمْ غُرَمَاءُ غَيْرُهُمْ من غُرَمَائِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كان لهم الدَّيْنُ عليه ضَرَبَ هَؤُلَاءِ بِالْحُمُولَةِ وَهَؤُلَاءِ بِدُيُونِهِمْ وَحَاصُّوهُمْ وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْإِبِلَ ثُمَّ هَرَبَ منه فَأَتَى الْمُتَكَارِي السُّلْطَانَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ على ذلك فَإِنْ كان السُّلْطَانُ مِمَّنْ يقضى على الْغَائِبِ أَحْلَفَ الْمُتَكَارِيَ أَنَّ حَقَّهُ عليه لَثَابِتٌ في الْكِرَاءِ ما يَبْرَأُ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وسمي الْكِرَاءَ وَالْحُمُولَةَ ثُمَّ تَكَارَى له على الرَّجُلِ كما يَبِيعُ له في مَالِ الرَّجُلِ إذَا كانت الْحُمُولَةُ مَضْمُونَةً عليه وَإِنْ كانت الْحُمُولَةُ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا لم يَتَكَارَ له عليه وقال الْقَاضِي لِلْمُكْتَرِي أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تَكْتَرِيَ من غَيْرِهِ وَأَرُدَّك بِالْكِرَاءِ عليه لِفِرَارِهِ مِنْك أو آمُرُ عَدْلًا فَيَعْلِفُ الْإِبِلَ أَقَلَّ ما يَكْفِيهَا وَيُخْرِجُ ذلك مُتَطَوِّعًا بِهِ غير مَجْبُورٍ عليه وَأَرُدُّك بِهِ على صَاحِبِ الْإِبِلِ دَيْنًا عليه وما أَعْلَفَ الْإِبِلَ قبل قَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَإِنْ كان لِلْجَمَّالِ فَضْلٌ من إبِلٍ بَاعَ عليه وَأَعْلَفَ إبِلَهُ إذَا كان مِمَّنْ يَقْضِي على
____________________

(3/206)


الْغَائِبِ ولم يَأْمُرْ أَحَدًا يُنْفِقُ عليها ولم يَفْسَخْ الْكِرَاءَ إنَّمَا يَفْعَلُ هذا إذَا لم يَكُنْ له فَضْلُ إبِلٍ قال وإذا بَاعَ عليه فَضْلًا من إبِلِهِ أو ( ( ( ومالا ) ) ) مالا له سِوَى الْإِبِلِ ثُمَّ جاء الْجَمَّالُ لم يَرُدَّ بَيْعَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَأَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ على إبِلِهِ قال وَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ تَكَارَى من جَمَّالٍ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا ثِقَةً وَيُجِيزَ أَمْرَهُ في بَيْعِ ما رَأَى من إبِلِهِ وَمَتَاعِهِ فَيَعْلِفُ إبِلَهُ من مَالِهِ وَيَجْعَلُهُ مُصَدَّقًا فِيمَا أَدَانَ على إبِلِهِ وَعَلَفِهَا بِهِ لَازِمًا له ذلك وَيُحَلِّفُهُ لَا يَفْسَخُ وَكَالَتَهُ فَإِنْ غَابَ قام بِذَلِكَ الْوَكِيلُ قال وإذا تَكَارَى الْقَوْمُ من الْجَمَّالِ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم أَنْ يَرْكَبَ إبِلَهُ بِأَعْيَانِهَا وَلَا تُبَاعُ حتى يَسْتَوْفُوا الْحُمُولَةَ وَإِنْ كانت بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَدَفَعَ إلَى كل إنْسَانٍ بَعِيرًا دخل بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إذَا ضَاقَتْ الحموله كما يَدْخُلْ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في سَائِرِ مَالِهِ حتى يَتَسَاوَوْا في الْحُمُولَةِ وَدَخَلَ عليهم غُرَمَاؤُهُ الَّذِينَ لَا حُمُولَةَ لهم حتى يَأْخُذُوا من إبِلِهِ بِقَدْرِ ما لهم وَأَهْلُ الْحُمُولَةِ بِقِيمَةِ حُمُولَتِهِمْ وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أو لم تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ لها وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ أو أَقَرَّ أَنَّهُ له فإن وَهْبَهُ لِرَجُلٍ أو نَحَلَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً غير مُحَرَّمَةٍ فلم يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ له حتى فَلِسَ فَلَيْسَ له دفعة إلَيْهِ وَلَا لِلْمَوْهُوبِ له قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ كان مَرْدُودًا لِأَنَّ مِلْكَ هذا لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ من الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحَلِ وإذا أَفْلَسَ الْغَرِيمُ بِمَالٍ لِقَوْمٍ قد عَرَفَهُ الْغَرِيمُ كُلَّهُ وَعَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْغُرَمَاءِ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم فَدَفَعَ إلَى غُرَمَائِهِ ما كان له قَلَّ أو كَثُرَ فَإِنْ كَانُوا ابْتَاعُوا ما دَفَعَ إلَيْهِمْ من مَالِهِ بِمَا لهم عليه أو أَبْرَءُوهُ مِمَّا لهم عليه حين قَبَضُوهُ منه فَهُوَ بريء بَلَغَ ذلك من حُقُوقِهِمْ ما بَلَغَ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم من ذلك الْمَالِ بِقَدْرِ ما له على الْغَرِيمِ فَلِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ سَهْمٌ وَإِنْ كان دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ولم يَتَبَايَعُوهُ ولم يُبْرِئُوهُ وَبَقِيَ عليه مَالًا يُبَلِّغُهُ ثَمَنَ مَالِهِ فَهَذَا لَا بَيْعَ لهم وَلَا رَهْنَ فَإِنْ لم يَكُنْ بِيعَ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ دَخَلُوا مَعَهُمْ فيه وَكَذَلِكَ لو كان إنَّمَا أَفْلَسَ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَالْمَالُ مَالُهُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ له بِقَبُولِهِمْ إيَّاهُ على الِاسْتِيفَاءِ له فَإِنْ لم يَفُتْ اُسْتُؤْنِفَ فيه الْبَيْعُ وَدَخَلَ من حَدَثَ من غُرَمَائِهِ مَعَهُمْ فيه وَإِنْ كان بِيعَ فَالْمُفْلِسُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَكُونَ له جَمِيعُ ما بِيعَ بِهِ يَقْبِضُونَهُ وَمَنْ حَدَثَ من غُرَمَائِهِ دَاخِلٌ عليهم فيه أو يُضَمِّنُهُمْ قِيمَةَ الْمَالِ إنْ كان فَاتَ يُقَاصُّهُمْ بِهِ من دَيْنِهِ وما كان قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُمْ بِبَيْعِهِ فَيَجُوزُ عليه الْبَيْعُ كما يَجُوزُ على من وَكَّلَ بَيْعُ وَكِيلِهِ وإذا بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ لِغُرَمَاءَ أَقَامُوا عليه بَيِّنَةً ثُمَّ أَفَادَ بَعْدُ مَالًا وَاسْتَحْدَثَ دَيْنًا فَقَامَ عليه أَهْلُ الدَّيْنِ الْآخَرِ واهل الدَّيْنِ الْأَوَّلِ بِبَقَايَا حُقُوقِهِمْ فَكُلُّهُمْ فِيمَا أَفَادَ من مَالٍ سَوَاءٌ قَدِيمُهُمْ وَحَدِيثُهُمْ وَكُلُّ دَيْنٍ ادانه قبل يَحْجُرُ عليه الْقَاضِي لَزِمَهُ يَضْرِبُ فيه كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ ما له عليه وَهَكَذَا لو حَجَرَ عليه الْقَاضِي ثُمَّ بَاعَ مَالَهُ وَقَضَى غُرَمَاءَهُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا وادان دَيْنًا كان الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ من غُرَمَائِهِ سَوَاءً في مَالِهِ وَلَيْسَ بِمَحْجُورٍ عليه بَعْدَ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَبِيعَ الْمَالُ لِأَنَّهُ لم يَحْجُرْ عليه لِسَفَهٍ إنَّمَا حَجَرَ في وَقْتٍ لِبَيْعِ مَالِهِ فإذا مَضَى فَهُوَ على غَيْرِ الْحَجْرِ قال وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَحَضَرَ له غُرَمَاءُ كَانُوا غُيَّبًا دَايَنُوهُ قبل تَفْلِيسِهِ الْأَوَّلِ أَدْخَلْنَا الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ دَايَنُوهُ قبل تَفْلِيسِهِ الْأَوَّلِ في مَالِهِ الْأَوَّلِ على الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا مَالَهُ بِقَدْرِ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ عليه ثُمَّ أَدْخَلْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا وَالْآخَرِينَ الْمُدْخَلَ هَؤُلَاءِ عليهم وَالْغُرَمَاءَ الْآخَرِينَ مَعًا في الْمَالِ الْمُسْتَحْدَثِ الذي فَلَّسْنَاهُ فيه الثَّانِيَةَ بِقَدْرِ ما بَقِيَ لِأُولَئِكَ وما لِهَؤُلَاءِ عليه سَوَاءٌ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي على أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَفَلِسَ الْبَائِعُ أو الْمُشْتَرِي أو هُمَا قبل الثَّلَاثِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ رَدَّهُ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ لَهُمَا إجَازَةَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ليس بِبَيْعٍ حَادِثٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو لم يَتَكَلَّمَا في الْبَيْعِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حتى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ جَازَ وَلَوْ لم يَخْتَارَا ولم يَرُدَّا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ كان الْبَيْعُ لَازِمًا كَالْبَيْعِ بِلَا خِيَارٍ قال وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ
____________________

(3/207)


مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ كان أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ وَسَوَاءٌ كان مُفْلِسًا فَتَرَكَهُ أو أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهُ أو غير مُفْلِسٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَلَا أُجْبِرُهُ على مِلْكِ ما لَا يَشَاءُ إلَّا الْمِيرَاثَ فإنه لو وَرِثَ شيئا فَرَدَّهُ لم يَكُنْ له وكان لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ كما يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ في أَيَّامِ الْخِيَارِ أَحَبَّ ذلك الْغُرَمَاءُ أو كَرِهُوا لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ على عَيْنٍ فيها خِيَارٌ قال وَلَوْ أَسْلَفَ رَجُلٌ في طَعَامٍ أو غَيْرِهِ بِصِفَةٍ فَحَلَّتْ وَفَلِسَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ دُونَ الصِّفَةِ لم يَكُنْ له إذَا لم يَرْضَ ذلك الْغُرَمَاءُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ ما لم يَشْتَرِ قال وَلَوْ أَعْطَى خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ عليه فَإِنْ كان من غَيْرِ جِنْسِ ما سَلَّفَ عليه لم يَكُنْ عليه أَخْذُهُ وَإِنْ أَرَادَ ذلك الْغُرَمَاءُ لِأَنَّ الْفَضْلَ هِبَةٌ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَتَّهِبَ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا من الْغَرِيمِ ما عليه بِعَيْنِهِ وَإِنْ كان من جِنْسِ ما سَلَّفَ عليه لَزِمَهُ أَخْذُهُ إذَا رضي ذلك الْغُرَمَاءُ وَإِنْ كَرِهَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه في الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ في الْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُخَالِفَةً غير الزِّيَادَةِ خِلَافًا لَا تَصْلُحُ الزِّيَادَةُ لِمَا يَصْلُحُ له النَّقْصُ - * بَابٌ كَيْفَ ما يُبَاعُ من مَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ على الْمُفْلِسِ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا يَبِيعُ عليه وَيَأْمُرَ الْمُفْلِسَ بِحُضُورِ الْبَيْعِ أو التَّوْكِيلِ بِحُضُورِهِ إنْ شَاءَ وَيَأْمُرَ بِذَلِكَ من حَضَرَ من الْغُرَمَاءِ فَإِنْ تَرَكَ ذلك الْمَبِيعُ عليه وَالْمَبِيعُ له أو بَعْضُهُمْ بَاعَ الْأَمِينُ وما يُبَاعُ من مَالِ ذِي الدَّيْنِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَرْهُونٌ قبل أَنْ يُقَامَ عليه وَالْآخَرُ غَيْرُ مَرْهُونٍ فإذا بَاعَ الْمَرْهُونَ من مَالِهِ دَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَاعَةَ يَبِيعُهُ إذَا كان قد أَثْبَتَ رَهْنَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَلَفَ على ثُبُوتِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عن رَهْنِهِ شَيْءٌ وَقَفَهُ وَجَمِيعُ ما بَاعَ مِمَّا ليس بِرَهْنٍ حتى يَجْتَمِعَ مَالُهُ وَغُرَمَاؤُهُ فَيُفَرَّقَ عليهم قال وإذا بَاعَ لرجل ( ( ( الرجل ) ) ) رَهْنَهُ فَعَجَزَ عن مَبْلَغِ حَقِّهِ دَفَعَ إلَيْهِ ما نَقَصَ من ثَمَنِ رَهْنِهِ وكان فِيمَا بَقِيَ من حَقِّهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كان ذُو الدَّيْنِ رَهَنَ غَرِيمَهُ رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى قام عليه الْغُرَمَاءُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وكان الْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ رَهْنًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ فَسَخَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أو رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ لم يَكُنْ رَهْنًا وكان فيه أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلَيْنِ مَعًا كَانَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَعْطَى الْأَوَّلَ جَمِيعَ حَقِّهِ وَبَقِيَتْ من ثَمَنِ الرَّهْنِ بَقِيَّةٌ لم يَكُنْ لِلْآخَرِ فيها إلَّا ما لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَرْهَنَ الْآخَرَ شيئا قد رَهَنَهُ فَصَارَ غير جَائِزٍ لِأَمْرٍ فيه قال وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَأَفْلَسَ الرَّجُلُ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ رَهْنٍ مَفْسُوخٍ بِوَجْهٍ فَهُوَ مَالٌ من مَالِ الْمُفْلِسِ ليس أَحَدٌ من غُرَمَائِهِ أَحَقَّ بِهِ من أَحَدِهِمْ فيه مَعًا أُسْوَةٌ قال وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الثَّمَرِ في رؤوس النَّخْلِ وَلَا الزَّرْعِ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُقْبَضُ وَلَا يُعْرَفُ وَيَجُوزُ بَعْدَ ما يُجَدُّ وَيُحْصَدُ فَيُقْبَضُ - * بَابُ ما جاء فِيمَا يُجْمَعُ مِمَّا يُبَاعُ من مَالِ صَاحِبِ الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ من يَبِيعُ مَالَ الْغَرِيمِ حتى يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ من حَضَرَ من غُرَمَائِهِ فَيَسْأَلُهُمْ فيقول ارْتَضُوا بِمَنْ أَضَعُ ثَمَنَ ما بِعْتُ على غَرِيمِكُمْ لَكُمْ حتى أُفَرِّقَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَرِيمٍ إنْ كان له حَقٌّ مَعَكُمْ فَإِنْ اجْتَمَعُوا على ثِقَةٍ لم يَعْدُهُ وَإِنْ اجْتَمَعُوا على غَيْرِ ثِقَةٍ لم يَقْبَلْهُ لِأَنَّ عليه أَنْ لَا يُوَلِّيَ إلَّا ثِقَةً لِأَنَّ ذلك مَالُ الْغَرِيمِ حتى يَقْضِيَ عنه وَلَوْ فَضَلَ منه فَضْلٌ كان له وَلَوْ كان فيه نَقْصٌ كان عليه وَلَعَلَّهُ يَطْرَأُ عليه دَيْنٌ لِغَيْرِهِمْ كَبَعْضِ من لم يَرْضَ بهذا الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَدَعَوْا إلَى ثِقَتَيْنِ ضَمَّهُمَا قال وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ إذَا قَبِلُوا ولم يَكُنْ منهم أَحَدٌ
____________________

(3/208)


يَطْلُبُ على ذلك جُعْلًا وَإِنْ طَلَبُوا جُعْلًا جَعَلَهُ إلَى وَاحِدٍ لِيَكُونَ أَقَلَّ في الْجُعْلِ وكان عليه أَنْ يَخْتَارَ خَيْرَهُمْ لهم وَلِغَائِبٍ إنْ كان مَعَهُمْ وَيَقُولُ لِلْغُرَمَاءِ أَحْضِرُوهُ فَأَحْصُوا أو وَكِّلُوا من شِئْتُمْ وَيَقُولُ ذلك لِلَّذِي عليه الدَّيْنُ وَيَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الْمَالُ ضَامِنًا بِأَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا حَالًّا فَإِنْ فَعَلَ لم يَجْعَلْهُ أَمَانَةً وهو يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَإِنْ وَجَدَ ثِقَةً مَلِيًّا يُضَمِّنُهُ وَوَجَدَ أَوْثَقَ منه لَا يُضَمِّنُهُ دَفَعَهُ إلَى الذي ضَمِنَهُ وَإِنْ لم يَدْعُوا إلَى أَحَدٍ أو دَعَوْا إلَى غَيْرِ ثِقَةٍ اخْتَارَ لهم قال وَأَحَبُّ إلَيَّ فِيمَنْ وَلِيَ هذا أَنْ يُرْزَقَ من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لم يَكُنْ لم يَجْعَلْ له شيئا حتى يُشَارِطُوهُ هُمْ فَإِنْ لم يَتَّفِقُوا اجْتَهَدَ لهم فلم يُعْطِهِ شيئا وهو يَجِدُ ثِقَةً يَقْبَلُ أَقَلَّ منه وَهَكَذَا يقول لهم فِيمَنْ يَصِيحُ على ما يُبَاعُ عليه بِمَنْ يَزِيدُ وفي أَحَدٍ إنْ كَالَ منه طَعَامًا أو نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بِسُوقٍ وَكُلُّ ما فيه صَلَاحُ الْمَبِيعِ إنْ جاء رَبُّ الْمَالِ أو هُمْ بِمَنْ يَكْفِي ذلك لم يَدْخُلْ عليهم غَيْرُهُمْ وَإِنْ لم يَأْتُوا اسْتَأْجَرَ عليه من يَكْفِيهِ بِأَقَلَّ ما يَجِدُ وإذا بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ لِغَرِيمٍ بِعَيْنِهِ أو غُرَمَاءَ بِأَعْيَانِهِمْ فَسَوَاءٌ هُمْ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُمْ حَقًّا عليه قبل أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ من مَالِهِ شيئا إلَى من اشْتَرَاهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ منه الثَّمَنَ وَإِنْ وَقَفَ على يَدَيْ عَدْلٍ أو يَدَيْ الْبَائِعِ حتى يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي حتى يَقْبِضَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَكَانَهُ ولم يَعْلَمْ الْبَائِعُ ثُمَّ هَرَبَ أو اسْتَهْلَكَهُ فَأَفْلَسَ فَذَلِكَ من مَالِ الْمُفْلِسِ لَا من مَالِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ الْعَدْلُ ثَمَنَ ما اشْتَرَى أو بَعْضَهُ فلم يَدْفَعْهُ إلَى الْغُرَمَاءِ حتى هَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَا يَكُونُ من مَالِ الْغُرَمَاءِ حتى يَقْبِضُوهُ وَالْعُهْدَةُ فِيمَا بَاعَ على الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ بِيعَ له مِلْكُهُ في حَقٍّ لَزِمَهُ فَهُوَ بَيْعٌ له وَعَلَيْهِ وَأَحَقُّ الناس بِأَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عليه مَالِكُ الْمَالِ الْمَبِيعِ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ شيئا وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا وَلَا على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ بِيعَ لِلْغَرِيمِ من مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجَعَ بِهِ في مَالِ الْمُفْلِسِ - * بَابُ ما جاء في الْعُهْدَةِ في مَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من بِيعَ عليه مَالٌ من مَالِهِ في دَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أو قَبْلَهُ أو في تَفْلِيسِهِ أو بَاعَهُ هو فَكُلُّهُ سَوَاءٌ لَا نَرَاهُ لِمَنْ بَاعَ لِلْمَيِّتِ إلا كهى لِمَنْ بَاعَ لِحَيٍّ وَالْعُهْدَةُ في مَالِ الْمَيِّتِ كهى في مَالِ الْحَيِّ لَا اخْتِلَافَ في ذلك عِنْدِي وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ أو أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ دَارًا فَبِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَمِينُ الْقَاضِي الْأَلْفَ فَهَلَكَتْ من يَدِهِ وَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلَا عُهْدَةَ على الْغَرِيمِ الذي بَاعَهَا له وَالْعُهْدَةُ على الْمَيِّتِ الْمَبِيعِ عليه أو الْمُفْلِسِ فَإِنْ وُجِدَ لِلْمَيِّتِ أو الْمُفْلِسِ مَالٌ بِيعَ ثُمَّ رُدَّ على الْمُشْتَرِي الْمُعْطِي الْأَلْفَ أَلْفُهُ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ منه بِبَيْعٍ لم يُسَلَّمْ له وَأَعْطَى الْغُرَمَاءَ حُقُوقَهُمْ وَإِنْ لم يُوجَدْ له شَيْءٌ فَلَا ضَمَانَ على الْقَاضِي وَلَا أَمِينِهِ وَتَرْجِعُ الدَّارُ إلَى الذي اسْتَحَقَّهَا وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ قد هَلَكَتْ أَلْفُك فَأَنْتَ غَرِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ مَتَى ما وَجَدْتُ له مَالًا أَخَذْتهَا وَيُقَالُ لِلْغَرِيمِ لم تَسْتَوْفِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْك فَمَتَى وَجَدْتُ لِلْمَيِّتِ مَالًا أَعْطَيْنَاك منه وإذا وَجَدْتُمَاهُ تَحَاصَصْتُمَا فيه لَا يُقَدَّمُ مِنْكُمَا وَاحِدٌ على صَاحِبِهِ - * بَابُ ما جاء في التَّأَنِّي بِمَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَيَوَانُ أَوْلَى مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ عليه الدَّيْنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ وَيُعَجِّلَ بِبَيْعِهِ وَإِنْ كان بِبِلَادٍ جَامِعَةٍ لم يَتَأَنَّ بِهِ أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَنَاةَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعِلْمِ قد يَرَوْنَ أَنَّهُ إنْ تُؤَنَّى بِهِ ثَلَاثٌ بَلَغَ أَكْثَرَ مِمَّا يَبْلُغُ في يَوْمٍ أو اثْنَيْنِ وَإِنْ كان ذلك في بَعْضِ الْحَيَوَانِ دُونَ بَعْضٍ تُؤَنَّى بِمَا كان ذلك فيه ثَلَاثٌ دُونَ
____________________

(3/209)


ما ليس ذلك فيه وَيُنْفِقُ عليه من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ له كما يعطي في الْقِيَامِ عليه من مَالِ الْمَيِّتِ قال وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ ما يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بها أَنْ قد بَلَغَتْ أَثْمَانَهَا أو قَارَبَتْهَا أو تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا على قَدْرِ مَوَاضِعِ الْمَسَاكِنِ وَارْتِفَاعِهَا وَيَتَأَنَّى بِالْأَرْضِينَ وَالْعُيُونِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ ما وَصَفْتُ مِمَّا يَرَى أَهْلُ الرَّأْيِ أَنَّهُ قد اسْتَوْفَى بها أو قُورِبَ أو تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا وما ارْتَفَعَ منها تُؤَنَّى بِهِ أَكْثَرَ وَإِنْ كان أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ إذَا عَلِمُوا زَادُوا فيه تُؤَنَّى بِهِ إلَى عِلْمِ أَهْلِ ذلك الْبَلَدِ وإذا بَاعَ الْقَاضِي على الْمَيِّتِ أو الْمُفْلِسِ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه ثُمَّ زِيدَ لم يَكُنْ له رَدُّ ذلك الْبَيْعِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِ الْمُشْتَرِي وَأُحِبُّ لِلْمُشْتَرِي لو رَدَّهُ أو زَادَ وَلَيْسَ ذلك بِوَاجِبٍ عليه وَلِلْقَاضِي طَلَبُ ذلك إلَيْهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ لم يَظْلِمْهُ وَأَنْفَذَهُ له وَالْبَيْعُ على الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ في شَرْطِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ وفى الْعُهْدَةِ كَبَيْعِ الرَّجُلِ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَفْتَرِقُ - * بَابُ ما جاء في شِرَاءِ الرَّجُلِ وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ وَإِقْرَارِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ شِرَاءُ الرَّجُلِ وَبَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَإِقْرَارُهُ وَقَضَاؤُهُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ كُلُّهُ عليه مُفْلِسًا كان أو غير مُفْلِسٍ وَذَا دَيْنٍ كان أو غير ذِي دَيْنٍ في إجَازَةِ عِتْقِهِ وَبَيْعِهِ لَا يُرَدُّ من ذلك شَيْءٌ وَلَا مِمَّا فَضَلَ منه وَلَا إذَا قام الْغُرَمَاءُ عليه حتى يُصَيِّرُوهُ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي إذَا صَيَّرُوهُ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ على أَنَّهُ قد أَوْقَفَ مَالَهُ عنه فإذا فَعَلَ لم يَجُزْ له حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ من مَالِهِ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُتْلِفَ وما فَعَلَ من هذا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ وَفَضَلَ له فَضْلٌ أَجَازَ ما صَنَعَ من ذلك الْفَضْلِ لِأَنَّ وَقْفَهُ ليس بِوَقْفِ حَجْرٍ إنَّمَا هو وَقْفٌ كَوَقْفِ مَالِ الْمَرِيضِ فإذا صَحَّ ذَهَبَ الْوَقْفُ عنه فَكَذَلِكَ هذا إذَا قَضَى دَيْنَهُ ذَهَبَ الْوَقْفُ عنه وَالثَّانِي أَنَّ ما صَنَعَ من هذا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد مَنَعَ مَالَهُ وَالْحُكْمَ فيه قال وَلَا يَمْنَعُهُ حتى يَقْسِمَ مَالَهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ وإذا بَاعَ تَرَكَ له وَلِأَهْلِهِ قُوتَ يَوْمِهِمْ وَيُكَفَّنُ هو وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ إنْ مَاتَ أو مَاتُوا من رَأْسِ مَالِهِ بِمَا يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ قال وَيَجُوزُ له ما صَنَعَ في مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حتى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ أو حَقٍّ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَزِمَهُ في مَرَضِهِ فَيَدْخُلُ الْمُقَرُّ له مع أَهْلِ الدَّيْنِ الَّذِينَ أَقَرَّ لهم في الصِّحَّةِ وَكَانَتْ لهم بَيِّنَةٌ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ وَيَدْخُلُهُ أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا عَرَفَ له أَنَّهُ لِأَجْنَبِيٍّ غَصَبَهُ إيَّاهُ أو أَوْدَعَهُ أو كان له بِوَجْهٍ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَمَنْ قال هذا قَالَهُ في كل من وُقِفَ مَالُهُ وَأَجَازَ عليه ما أَقَرَّ بِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ وَغَيْرِ ذلك في حَالِهِ تِلْكَ كما يُجِيزُهُ في الْحَالِ قَبْلَهَا وَبِهِ أَقُولُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ في شَيْءٍ في ذِمَّتِهِ أو في شَيْءٍ مِمَّا في يَدَيْهِ جَعَلَ إقْرَارَهُ لَازِمًا له في مَالٍ إنْ حَدَثَ له بَعْدَ هذا وَأَحْسَنُ ما يُحْتَجُّ بِهِ من قال هذا أَنْ يَقُولَ وَقْفِي ما له هذا في حَالِهِ هذه لِغُرَمَائِهِ كَرَهْنِهِ مَالَهُ لهم فَيَبْدَءُونَ فَيُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كان لِمَنْ أَقَرَّ له وَإِنْ لم يَفْضُلْ فَضْلٌ كان مَالُهُمْ في ذِمَّتِهِ وَيَدْخُلُ هذا الْقَوْلَ أَمْرٌ يَتَفَاحَشُ من أَنَّهُ ليس بِقِيَاسٍ على الْمَرِيضِ يُوقَفُ مَالُهُ وَلَا على الْمَحْجُورِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَيَدْخُلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْرُوفًا بِمَعْرُوفٍ وَيَدْخُلُ هذا أَنَّهُ مَجْهُولٌ لِأَنَّ من جَاءَهُ من غُرَمَائِهِ أَدْخَلَهُ في مَالِهِ وما وَجَدَ له من مَالٍ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا غُرَمَاؤُهُ أَعْطَاهُ غُرَمَاءَهُ وَيَدْخُلُهُ أَنَّ رَجُلًا لو كان مَشْهُودًا عليه بِالْفَقْرِ وكان صَائِغًا أو غَسَّالًا مُفْلِسًا وفي يَدِهِ حُلِيٌّ ثَمَنُ مَالٍ وَثِيَابٌ ثَمَنُ مَالٍ جَعَلْتُ الثِّيَابَ وَالْحُلِيَّ له حتى يوفى غُرَمَاءَهُ حُقُوقَهُمْ وَيَدْخُلُ على من قال هذا أَنْ يَزْعُمَ هذا في دَلَّالَةٍ يُوضَعُ على يَدَيْهَا الْجَوَارِي ثَمَنُ أُلُوفٍ دَنَانِيرَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ أنها لَا تَمْلِكُ كَبِيرَ شَيْءٍ فَتُفْلِسُ يَجْعَلُ لها الْجَوَارِيَ وَيَبِيعُهُنَّ عليها وَيَدْخُلُ عليه أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ ما في يَدَيْهِ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هذا أَحَدٌ
____________________

(3/210)


فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ هذا تَرَكَ الْقِيَاسَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَعَلَّهُ يَلْزَمُهُ لو بِيعَ عليه عَبْدٌ فذكر أَنَّهُ أَبَقَ فقال الْغُرَمَاءُ أَرَادَ كَسْرَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَيُبَاعُ مَالُهُ وَعَلَيْهِ عُهْدَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ في قَوْلِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَدْخُولٌ كَثِيرُ الدَّخْلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل التَّوْفِيقَ وَالْخِيَرَةَ بِرَحْمَتِهِ - * بَابُ ما جاء في هِبَةِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً لِرَجُلٍ على أَنْ يُثِيبَهُ فَقَبِلَ الْمَوْهُوبُ له وَقَبَضَ ثُمَّ أَفْلَسَ بَعْدَ الْهِبَةِ قبل أَنْ يُثِيبَهُ فَمَنْ أَجَازَ الْهِبَةَ على الثَّوَابِ خَيَّرَ الْمَوْهُوبَ له بين أَنْ يُثِيبَهُ أو يَرُدَّ عليه هِبَتَهُ إنْ كانت قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لم تُنْتَقَصْ ثُمَّ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ في الثَّوَابِ فَإِنْ أَثَابَهُ قِيمَتَهَا أو أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فلم يَرْضَ جَعَلَ له أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ وَتَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ أَثَابَهُ أَقَلَّ من قِيمَتِهَا فَرَضِيَ أَجَازَ رِضَاهُ وَإِنْ كَرِهَ ذلك الْغُرَمَاءُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ فلما كان الْعِوَضُ مَجْهُولًا كانت الْهِبَةُ بَاطِلَةً كما لو بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ كان الْبَيْعُ بَاطِلًا فَهَذَا مَلَكَهُ بِعِوَضٍ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَكَانَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهَ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ بِعِوَضٍ وَهَذَا بِعِوَضٍ فلما كان مَجْهُولًا بَطَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ فَاتَتْ الْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فما أَثَابَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَجَائِزٌ وَإِنْ لم يَرْضَ فَلَهُ قِيمَةُ هِبَتِهِ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً لِيُثِيبَهُ الْمَوْهُوبَةَ له ثُمَّ أَفْلَسَ الْوَاهِبُ وَالْهِبَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَمَنْ جَعَلَهُ على هِبَتِهِ أو يُثَابُ منها كان الثَّوَابُ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ رضي بِقَلِيلٍ وَكَرِهَ ذلك غُرَمَاؤُهُ جَازَ عليهم وَكَذَلِكَ لو رضي تَرْكَ الثَّوَابَ وقال لم أَهَبْهَا لِلثَّوَابِ وَإِنْ لم يَرْضَ بِقِيمَتِهَا كان على هِبَتِهِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ الْهِبَةُ أو زَادَتْ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ ليس له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَإِنْ فَاتَتْ بِمَوْتٍ أو بَيْعٍ أو عِتْقٍ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا ولم يَشْتَرِطْ عليه شيئا وإذا كان على هِبَتِهِ فَفَاتَتْ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّ الذي قد كان له قد فَاتَ وَلَا يُضْمَنُ له شَيْءٌ بِعَيْنِهِ كما يَكُونُ على شُفْعَتِهِ فَتَتْلَفُ الشُّفْعَةُ فَلَا يَكُونُ له شَيْءٌ
____________________

(3/211)


- * بَابُ حُلُولِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ على الناس دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَهِيَ إلَى أَجَلِهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَوْ كانت الدُّيُونُ على الْمَيِّتِ إلَى أَجَلٍ فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا حفظت عنه مِمَّنْ لَقِيتُ بِأَنَّهَا حَالَّةٌ يَتَحَاصُّ فيها الْغُرَمَاءُ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كان لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ ووصايا ( ( ( ووصاياه ) ) ) إنْ كانت له قال وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ من حُجَّةِ من قال هذا الْقَوْلَ مع تَتَابُعِهِمْ عليه أَنْ يَقُولُوا لَمَّا كان غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ أَحَقَّ بِمَالِهِ في حَيَاتِهِ منه كَانُوا أَحَقَّ بِمَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ من وَرَثَتِهِ فَلَوْ تَرَكْنَا دُيُونَهُمْ إلَى حُلُولِهَا كما يَدَعُهَا في الْحَيَاةِ كنا مَنَعْنَا الْمَيِّتَ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَمَنَعْنَا الْوَارِثَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ عن دَيْنِ غَرِيمِ أبيه وَلَعَلَّ من حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه دَيْنُهُ ( أخبرنا ) إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن أبيه عن عُمَرَ بن أبي سَلَمَةَ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه دَيْنُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان كَفَنُهُ من رَأْسِ مَالِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ وَنَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ وكان الْمَالُ مِلْكًا له أَشْبَهَ أَنْ يُجْعَلَ قَضَاءَ دَيْنِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ ولم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمَيِّتِ زَائِلًا عنه فَلَا يَصِيرُ إلَى غُرَمَائِهِ وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَرَثَتُهُ دُونَ غُرَمَائِهِ وَلَوْ وَقَفَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ عَلَّقَ رُوحَهُ بِدَيْنِهِ وكان مَالُهُ مُعَرَّضًا أَنْ يَهْلِكَ فَلَا يُؤَدِّي عن ذِمَّتِهِ وَلَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فلم يَكُنْ فيه مَنْزِلَةٌ أَوْلَى من أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ ثُمَّ يعطي ما بَقِيَ وَرَثَتُهُ - * بَابُ ما حَلَّ من دَيْنِ الْمُفْلِسِ وما لم يَحِلَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ من الْمُفْتِينَ مِمَّنْ حَفِظْتُ عنه إلَى أَنَّ دُيُونَهُ التي إلَى أَجَلٍ حَالَّةً حُلُولَ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلٌ يَتَوَجَّهُ من أَنَّ مَالَهُ وُقِفَ وَقْفَ مَالِ الْمَيِّتِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ من شَاءَ وَيَدْخُلُ في هذا أَنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا له حُكْمَ الْمَيِّتِ انْبَغَى أَنْ يُدْخِلُوا من أَقَرَّ له بِشَيْءٍ مع غُرَمَائِهِ وَكَذَلِكَ يُخْرِجُونَ من يَدَيْهِ ما أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ كما يَصْنَعُونَ ذلك بِالْمَرِيضِ يُقِرُّ ثُمَّ يَمُوتُ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيُؤَخِّرَ الَّذِينَ دُيُونُهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ فإنه قد يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال وما كان لِلْمَيِّتِ من دَيْنٍ على الناس فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ لَا يَحِلُّ مَالُهُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ - * بَابُ ما جاء في حَبْسِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ مَالٌ يُرَى في يَدَيْهِ وَيَظْهَرُ منه شَيْءٌ ثُمَّ قام أَهْلُ الدَّيْنِ عليه فَأَثْبَتُوا حُقُوقَهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا أو وُجِدَ له ظَاهِرٌ يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ أُعْطُوا حُقُوقَهُمْ ولم يُحْبَسْ وَإِنْ لم يَظْهَرْ له مَالٌ ولم يُوجَدْ له ما يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ حُبِسَ وَبِيعَ في مَالِهِ ما قُدِرَ عليه من شَيْءٍ فَإِنْ ذَكَرَ حَاجَةً دعى ( ( ( دعا ) ) ) بِالْبَيِّنَةِ عليها واقبل منه الْبَيِّنَةَ على الْحَاجَةِ وَأَنْ لَا شَيْءَ له إذَا كَانُوا عُدُولًا خَابِرِينَ بِهِ قبل الْحَبْسِ وَلَا أَحْبِسُهُ وَيَوْمَ أَحْبِسُهُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ اقامها في الْحَبْسِ وَأُحَلِّفُهُ مع ذلك كُلِّهِ بِاَللَّهِ ما يَمْلِكُ وَلَا يَجِدُ لِغُرَمَائِهِ قَضَاءً في نَقْدٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ثُمَّ أُخَلِّيهِ وَأَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ من لُزُومِهِ إذَا خَلَّيْتُهُ ثُمَّ لَا أُعِيدُهُ لهم إلَى حَبْسٍ حتى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قد أَفَادَ مَالًا فَإِنْ جاؤوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قد ريء في يَدَيْهِ مَالٌ سَأَلْتُهُ فَإِنْ قال مَالُ مُضَارَبَةٍ لم أَعْمَلْ فيه أو عَمِلْتُ فيه فلم يَنِضَّ أو لم يَكُنْ لي فيه فَضْلٌ قَبِلْت ذلك منه وَأَحْلَفْتُهُ إنْ شاؤوا وَإِنْ جَحَدَ حَبَسْتُهُ أَيْضًا حتى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ كما جاء بها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَحْلَفْتُهُ كما أَحَلَفْته فيها وَلَا أُحَلِّفُهُ في وَاحِدَةٍ من الْحَبْسَتَيْنِ حتى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَأَسْأَلُ عنه أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ فَيُخْبِرُونِي بِحَاجَتِهِ وَلَا غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ من الْكَشْفِ عنه فَمَتَى
____________________

(3/212)


اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ ما وَصَفْتُ لم يَكُنْ له حَبْسُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ المسالة عنه قال وَجَمِيعُ ما لَزِمَهُ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ سَوَاءٌ من جِنَايَةٍ أو وَدِيعَةٍ أو تَعَدٍّ أو مُضَارَبَةٍ أو غَيْرِ ذلك يُحَاصُّونَ في مَالِهِ ما لم يَكُنْ لِرَجُلٍ منهم مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذُهُ منه وَلَا يُشْرِكُهُ فيه غَيْرُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْحُرُّ في دَيْنٍ عليه إذَا لم يُوجَدْ له شَيْءٌ وَلَا يُحْبَسُ إذَا عُرِفَ أَنْ لَا شَيْءَ له لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وإذا حُبِسَ الْغَرِيمُ وَفَلِسَ وَأُحْلِفَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لم يَحْدُثْ له حَبْسٌ وَلَا يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ له يُسْرٌ بَعْدَ الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ وإذا حُبِسَ وَأُحْلِفَ وَفَلِسَ وخلى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا جَازَ له فِيمَا أَفَادَ ما صَنَعَ من عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِ حتى يُحْدِثَ له السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لم يَكُنْ وَقْفًا لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ وَإِنَّمَا وَقَفَ لِيَمْنَعَهُ مَالَهُ وَيَقْسِمَهُ بين غُرَمَائِهِ فما أَفَادَ آخَرَ فَلَا وَقْفَ عليه وإذا فَلِسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ مَوْصُوفَةٌ وَعَيْنٌ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَجِنَايَةٍ وَمَهْرِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا لَزِمَهُ بِوَجْهٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُحَاصُّ أَهْلَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهَا يوم يُفْلِسُ فما أَصَابَهُمْ اشْتَرَى لهم بِهِ عرض ( ( ( عرضا ) ) ) من شَرْطِهِمْ فَإِنْ اسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ فَذَاكَ وَإِنْ لم يَسْتَوْفُوا أو اسْتَوْفُوا أَنْصَافَهَا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ثُمَّ حَدَثَ له مَالٌ آخَرُ فَلِأَهْلِ الْعُرُوضِ أَنْ يُقَوَّمَ لهم ما بَقِيَ من عُرُوضِهِمْ عِنْدَ التَّفْلِيسَةِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِي لهم لِأَنَّ لهم أَنْ ياخذوا عُرُوضَهُمْ إذَا وَجَدُوا له مَالًا وَبَعْضَهَا إذَا لم يَجِدُوا كُلَّهَا إذَا وَجَدُوهُ - * بَابُ ما جاء في الْخِلَافِ في التَّفْلِيسِ - * قُلْت لِأَبِي عبد اللَّهِ هل خَالَفَك أَحَدٌ في التَّفْلِيسِ فقال نعم خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في التَّفْلِيسِ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ من الرَّجُلِ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مَالٌ من مَالِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ الْبَائِعُ فيها وَغَيْرُهُ من غُرَمَائِهِ سَوَاءً فقلت لِأَبِي عبد اللَّهِ وما احْتَجَّ بِهِ فقال قال لي قَائِلٌ منهم أرايت إذَا بَاعَ الرَّجُلُ أَمَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا قلت بَلَى قال أَفَرَأَيْتَ لو وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ له أو بَاعَهَا أو أَعْتَقَهَا أو تَصَدَّقَ بها ثُمَّ أَفْلَسَ أَتَرُدُّ من هذا شيئا وَتَجْعَلُهَا رَقِيقًا قلت لَا فقال لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا صَحِيحًا قلت نعم قال فَكَيْفَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ فَقُلْت نَقَضْته بِمَا لَا يَنْبَغِي لي وَلَا لَك وَلَا لِمُسْلِمٍ عَلِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُضَهُ به قال وما هو قلت سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَفَرَأَيْتَ إنْ لم أُثْبِتْ لَك الْخَبَرَ قُلْت إذًا تَصِيرُ إلَى مَوْضِعِ الْجَهْلِ أو الْمُعَانَدَةِ قال إنَّمَا رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ فَقُلْت ما نَعْرِفُ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رِوَايَةً إلَّا عن أبي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَإِنَّ في ذلك لَكِفَايَةً تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا السُّنَّةُ قال أَفَتُوجِدُنَا أَنَّ الناس يُثْبِتُونَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً لم يَرْوِهَا غَيْرُهُ أو لِغَيْرِهِ قُلْت نعم قال واين هِيَ قُلْت قال أبو هُرَيْرَةَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا على خَالَتِهَا فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ ولم يَرْوِهِ أَحَدٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غَيْرُهُ قال أَجَلْ وَلَكِنَّ الناس أَجْمَعُوا عليها فَقُلْت فَذَلِكَ أَوْجَبُ لِلْحُجَّةِ عَلَيْك أَنْ يَجْتَمِعَ الناس على حديث أبي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَلَا يَذْهَبُونَ فيه إلَى تَوْهِينِهِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } الْآيَةَ وقال { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَقُلْت له وَرَوَى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ وَأَخَذْت بِجُمْلَتِهِ فَقُلْت الْكَلْبُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَلَغَ فيه ولم تُوهِنْهُ بِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْهِرَّةِ أنها لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ لَا تُؤْكَلُ الْهِرَّةُ فَتَجْعَلُ الْكَلْبَ قِيَاسًا عليها فَلَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ ولم يَرْوِهِ إلَّا أبو هُرَيْرَةَ فقال قَبِلْنَا هذا لِأَنَّ الناس قَبِلُوهُ قُلْت فإذا قَبِلُوهُ في مَوْضِعٍ وَمَوَاضِعَ وَجَبَ عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ قَبُولُ خَبَرِهِ في مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَأَنْتَ تَحْكُمُ فَتَقْبَلُ ما شِئْت وَتَرُدُّ ما شِئْت قال فقال قد عَرَفْنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى اشياء لم يَرْوِهَا غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرْت وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثُ الْأَجِيرِ وَغَيْرِهِ أَفَتَعْلَمُ غَيْرَهُ انْفَرَدَ بِرِوَايَةٍ قُلْت نعم أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
____________________

(3/213)


صَدَقَةٌ فَصِرْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ إلَيْهِ وَتَرَكْتَ قَوْلَ صَاحِبِك وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الصَّدَقَةُ في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ وقد يَجِدَانِ تَأْوِيلًا من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ } ولم يذكر قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَمِنْ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّالِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ قال أَجَلْ قُلْنَا وَحَدِيثُ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا يُرْوَى عن غَيْرِهِ عَلِمْته إلَّا من وَجْهٍ عن أبي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ الرِّجَالِ فَقَبِلْنَاهُ نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفَنَا الْمَكِّيُّونَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلي مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَعُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ فَزَعَمْنَا أَنَّ الرِّوَايَةَ الْوَاحِدَةَ تَثْبُتُ بها الْحُجَّةُ وَلَا حُجَّةَ في تَأْوِيلٍ وَلَا حَدِيثٍ عن غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَمَّا ما وَصَفْتَ فَكَمَا وَصَفْتُ قُلْت فإذا جاء مِثْلُ هذا فَلِمَ لم تَجْعَلْهُ حُجَّةً قال ما كانت حُجَّتُنَا في أَنْ لَا نَقُولَ قَوْلَكُمْ في التَّفْلِيسِ إلَّا هذا قُلْنَا وَلَا حُجَّةَ لَك فيه لِأَنِّي قد وَجَدْتُك تَقُولُ وَغَيْرُك وَتَأْخُذُ بمثله فيه قال آخَرُ إنَّا قد رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا وَهَذَا مِمَّا لَا حُجَّةَ فيه عِنْدَنَا وَعِنْدَك لِأَنَّ مَذْهَبَنَا مَعًا إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ أَنْ لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ معه قال فَإِنَّا قُلْنَا لم نَعْلَمْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَوْا بِمَا رَوَيْتُمْ في التَّفْلِيسِ قُلْنَا وَلَا رَوَيْتُمْ أَنَّهُمْ وَلَا وَاحِدٌ منهم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا وَلَا تَحْرِيمَ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ قال فَاكْتَفَيْنَا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا قُلْنَا فَفِيهِ الْكِفَايَةُ الْمُغْنِيَةُ عَمَّا سِوَاهَا وما سِوَاهَا تَبَعٌ لها لَا يَصْنَعُ مَعَهَا شيئا إنْ وَافَقَهَا تَبَعُهَا وَكَانَتْ بِهِ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَإِنْ خَالَفَهَا تُرِكَ وَأُخِذَتْ السُّنَّةُ قال وَهَكَذَا نَقُولُ قُلْنَا نعم في الْجُمْلَةِ وَلَا تَفِي بِذَلِكَ في التَّفْرِيعِ قال فَإِنِّي لم أَنْفَرِدْ بِمَا عِبْتَ على قد شَرِكَنِي فيه غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ نَاحِيَتِك وَغَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بِأَحَادِيثَ وَرَدُّوا أُخْرَى قُلْت فَإِنْ كُنْتَ حَمِدْتَهُمْ على هذا فاشركهم فيه قال إذَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَكُونَ بِالْخِيَارِ في الْعِلْمِ قُلْت فَقُلْ ما شِئْتَ فَإِنَّك ذَمَمْتَ ذلك مِمَّنْ فَعَلَهُ فَانْتَقِلْ عن مِثْلِ ما ذَمَمْتَ وَلَا تَجْعَلْ الْمَذْمُومَ حُجَّةً قال فَإِنِّي أَسْأَلُك عن شَيْءٍ قُلْت فَسَلْ قال كَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قُلْت أَوَتَرَى لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا فِيمَا رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِي هل تَجِدُ مِثْلَ هذا غير هذا قُلْت نعم أَرَأَيْتَ دَارًا بِعْتهَا لَك فيها شُفْعَةٌ أَلَيْسَ الْمُشْتَرِي مَالِكًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَاقُهُ وَصَدَقَتُهُ فِيمَا ابْتَاعَ وَيَجُوزُ له هَدْمُهُ وَبِنَاؤُهُ قال نعم قُلْت فإذا جاء الذي له الشُّفْعَةُ أَخَذَ ذلك مِمَّنْ هو في يَدَيْهِ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاك نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قال نعم وَلَكِنِّي نَقَضْته بِالسُّنَّةِ وَقُلْت أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُصْدِقُ الْمَرْأَةَ الْأَمَةَ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهَا وَالْغَنَمَ فَتَلِدُ الْأَمَةُ وَالْغَنَمُ أَلَيْسَ إنْ مَاتَ الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ قبل أَنْ يَدْخُلَ عليها كان ما أَصْدَقهَا لها قبل مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لها عِتْقُ الْأَمَةِ وَبَيْعُهَا وَبَيْعُ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْمِلْكِ في ذلك كُلِّهِ قال بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَهَا قبل تَفُوتُ في الْجَارِيَةِ وَلَا الْغَنَمِ شيئا وهو في يَدَيْهَا بِحَالِهِ قال يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ وَيَصِيرُ له نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغَنَمِ إنْ لم يَكُنْ أَوْلَادٌ أو نِصْفُ قِيمَتِهَا إنْ كان لها أَوْلَادٌ لِأَنَّهُمْ حَدَثُوا في مِلْكِهَا قُلْنَا فَكَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قال بِالْكِتَابِ قُلْنَا فما نَرَاك عِبْتَ في مَالِ الْمُفْلِسِ شيئا إلَّا دخل عَلَيْك في الشُّفْعَةِ وَالصَّدَاقِ مِثْلُهُ أو أَكْثَرُ قال حُجَّتِي فيه كِتَابٌ أو سُنَّةٌ قُلْنَا وَكَذَلِكَ حُجَّتُنَا في مَالِ الْمُفْلِسِ سُنَّةٌ فَكَيْفَ خَالَفْتهَا قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُوَافِقُك في مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا كان حَيًّا وَنُخَالِفُك فيه إذَا مَاتَ وَحُجَّتُنَا فيه حَدِيثُ بن شِهَابٍ الذي قد سَمِعْتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد كان فِيمَا قَرَأْنَا على مَالِكٍ أَنَّ بن شِهَابٍ أخبره عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الذي ابْتَاعَهُ ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ من ثَمَنِهِ شيئا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فقال لي فَلِمَ لم
____________________

(3/214)


تَأْخُذْ بهذا قُلْت لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمَنْ خَالَفَنَا مِمَّنْ حَكَيْت قَوْلَهُ وَإِنْ كان ذلك ليس عِنْدِي له بِهِ عُذْرٌ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ رَدَّ الحديث وقال فيه قَوْلًا وَاحِدًا وَأَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ الحديث فلما صِرْتُمْ إلَى تَفْرِيعِهِ فَارَقْتُمُوهُ في بَعْضٍ وَوَافَقْتُمُوهُ في بَعْضٍ فقال فَلِمَ لم تَأْخُذْ بِحَدِيثِ بن شِهَابٍ فَقُلْت الذي أَخَذْتُ بِهِ أَوْلَى بِي من قِبَلِ أَنَّ ما أَخَذْتُ بِهِ مَوْصُولٌ يَجْمَعُ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمَوْتِ والافلاس وَحَدِيثُ بن شِهَابٍ مُنْقَطِعٌ لو لم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لم يَكُنْ مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث فَلَوْ لم يَكُنْ في تَرْكِهِ حُجَّةٌ إلَّا هذا انْبَغَى لِمَنْ عَرَفَ الحديث تَرْكُهُ من الْوَجْهَيْنِ مع أَنَّ أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن يَرْوِي عن أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا ليس فيه ما رَوَى بن شِهَابٍ عنه مُرْسَلًا إنْ كان روي كُلَّهُ فَلَا أَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهُ وَلَعَلَّهُ رَوَى أَوَّلَ الحديث وقال بِرَأْيِهِ آخِرَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَوْجُودٌ في حديث أبي بَكْرٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ انْتَهَى بِالْقَوْلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ما زَادَ على هذا قَوْلًا من أبي بَكْرٍ لَا رِوَايَةً وَإِنْ كان مَوْجُودًا في سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرَّجُلَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ من الرَّجُلِ فَيَكُونُ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ يَجُوزُ له فيها ما يَجُوزُ لِذِي الْمَالِ في الْمَالِ من وَطْءِ أَمَةٍ وَبَيْعِهَا وَعِتْقِهَا وَإِنْ لم يَدْفَعْ ثَمَنَهَا فإذا أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا في يَدَيْ الْمُشْتَرِي كان لِلْبَائِعِ التَّسْلِيطُ على نَقْضِ عُقْدَةِ الْبَيْعِ كما يَكُونُ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ وقد كان الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَكَانَ الْمُشْتَرِي لِمَا فيه الشُّفْعَةُ لو مَاتَ كان لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ من وَرَثَتِهِ كما له أَخْذُهَا من يَدَيْهِ فَكَيْفَ لم يَكُنْ هذا في الذي يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ وَإِنْ مَاتَ كما كان لِبَائِعِهِ ذلك في حَيَاةِ مَالِكِهِ وَكَمَا قُلْنَا في الشُّفْعَةِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَرَثَةُ يَمْلِكُونَ عن الْمَيِّتِ مَنْعَ السِّلْعَةِ وَإِنَّمَا عنه وَرِثُوهَا ولم يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْعُهَا من أَنْ يَنْقُضَ بَائِعُهَا الْبَيْعَ إذَا لم يُعْطِ ثَمَنَهَا كَامِلًا فَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ في حَالِ ما وَرِثُوا عن الْمَيِّتِ إلَّا ما كان لِلْمَيِّتِ أو أَقَلَّ منه وقد جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُورِثِ الذي عنه مَلَكُوهَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كان الْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَيْنَ مَالِهِ منه لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يُفِيدُ شيئا أَبَدًا وَالْحَيُّ يُفْلِسُ فَتُرْجَى إفَادَتُهُ وَأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَضَعَّفْتُمْ الْأَقْوَى وَقَوَّيْتُمْ الْأَضْعَفَ وَتَرَكْتُمْ بَعْضَ حديث أبي هُرَيْرَةَ وَأَخَذْتُمْ بِبَعْضِهِ قال فَلَيْسَ هذا مِمَّا رَوَيْنَا قُلْنَا وَإِنْ لم تَرْوُوهُ فَقَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ عن ثِقَةٍ فَلَا يُوهِنُهُ أَنْ لَا تَرْوُوهُ وَكَثِيرٌ من الْأَحَادِيثِ لم تَرْوُوهُ فلم يُوهِنْهُ ذلك - * بُلُوغُ الرُّشْدِ وهو الْحَجْرُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَالُ التي يَبْلُغُ فيها الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ رُشْدَهُمَا حتى يَكُونَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا } قال الشَّافِعِيُّ فَدَلَّتْ هذه الْآيَةُ على أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ على الْيَتَامَى حتى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ فَالْبُلُوغُ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى في ذلك سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ أو تَحِيضَ الْمَرْأَةُ قبل خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونَ ذلك الْبُلُوغَ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } على أَنَّهُمْ إذَا جَمَعُوا الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عليهم أَمْوَالَهُمْ وَكَانُوا أَوْلَى بِوِلَايَةِ أَمْوَالِهِمْ من غَيْرِهِمْ وَجَازَ لهم في أَمْوَالِهِمْ ما يَجُوزُ لِمَنْ خَرَجَ من الْوِلَايَةِ مِمَّنْ وُلِّيَ فَخَرَجَ منها أو لم يُوَلَّ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِمَا سَوَاءٌ وَالرُّشْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلَاحُ في الدِّينِ حتى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبَرِ فَإِنْ كان من الرِّجَالِ مِمَّنْ يَتَبَذَّلُ فيخالط ( ( ( فيختلط ) ) ) الناس اسْتَدَلَّ بِمُخَالَطَتِهِ الناس في الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قبل الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ حتى يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ تَوْفِيرَ مَالِهِ وَالزِّيَادَةَ فيه وَأَنْ لَا يُتْلِفَهُ فِيمَا لَا يَعُودُ عليه نَفْعُهُ كان اخْتِبَارُ هذا قَرِيبًا وَإِنْ كان مِمَّنْ يُصَانُ
____________________

(3/215)


عن الْأَسْوَاقِ كان اخْتِبَارُهُ أَبْعَدَ قَلِيلًا من اخْتِبَارِ الذي قَبْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عليه نَفَقَةَ شَهْرٍ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا على نَفْسِهِ وَأَحْسَنَ شِرَاءَ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ منها مع النَّفَقَةِ اُخْتُبِرَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ فإذا أُونِسَ منه تَوْفِيرٌ له وَعَقْلٌ يَعْرِفُ بِهِ حُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ في إبْقَاءِ مَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مع عِلْمِ صَلَاحِهَا بِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ابعد من هذا قَلِيلًا فَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بها بِمِثْلِ ما وَصَفْنَا من دَفْعِ النَّفَقَةِ وما يُشْتَرَى لها من الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ فإذا آنَسُوا منها صَلَاحًا لِمَا تُعْطَى من نَفَقَتِهَا كما وَصَفْت في الْغُلَامِ الْبَالِغِ فإذا عُرِفَ منها صَلَاحٌ دُفِعَ إلَيْهَا الْيَسِيرُ منه فَإِنْ هِيَ أَصْلَحَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا نُكِحَتْ أو لم تُنْكَحْ لَا يَزِيدُ في رُشْدِهَا وَلَا يَنْقُصُ منه النِّكَاحُ وَلَا تَرْكُهُ كما لَا يَزِيدُ في رُشْدِ الْغُلَامِ وَلَا يَنْقُصُ منه وَأَيُّهُمَا نَكَحَ وهو غَيْرُ رَشِيدٍ وَوُلِدَ له وُلِّيَ عليه مَالُهُ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا جَمَعَ الرُّشْدَ مع الْبُلُوغِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا صَارَ إلَى وِلَايَةِ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ في مَالِهِ ما يَفْعَلُ غَيْرُهُ من أَهْلِ الْأَمْوَالِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَذَاتُ زَوْجٍ كانت أو غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَيْسَ الزَّوْجُ من وِلَايَةِ مَالِ الْمَرْأَةِ بِسَبِيلٍ وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَجْمَعَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ سَوَاءٌ في دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا من الْيَتَامَى فإذا صَارَا إلَى أَنْ يَخْرُجَا من الْوِلَايَةِ فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ ما يَجُوزُ لِكُلِّ من لَا يُوَلَّى عليه غَيْرُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ مُفَارِقَةٌ لِلرَّجُلِ لَا تعطى الْمَرْأَةُ من مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ له كِتَابُ اللَّهِ عز وجل في أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى إذَا بَلَغُوا الرُّشْدَ يَدُلُّ على خِلَافِ ما قُلْت لِأَنَّ من أَخْرَجَ اللَّهُ عز وجل من الْوِلَايَةِ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عليه إلَّا بِحَالٍ يَحْدُثُ له من سَفَهٍ وَفَسَادٍ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أو حَقٌّ يَلْزَمُهُ لِمُسْلِمٍ في مَالِهِ فَأَمَّا ما لم يَكُنْ هَكَذَا فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ على فَرْقِك بين الْمُجْتَمَعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ روى أَنْ ليس لِلْمَرْأَةِ أَنْ تعطى من مَالِهَا شيئا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ قد سَمِعْنَاهُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على خِلَافِهِ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْمَعْقُولُ فَإِنْ قال فَاذْكُرْ الْقُرْآنَ قُلْنَا الْآيَةَ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ وَسَوَّى فيها بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ لَازِمٍ فَإِنْ قال أَفَتَجِدُ في الْقُرْآنِ دَلَالَةً على ما وَصَفْت سِوَى هذا قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فَدَلَّتْ هذه الْآيَةُ على أَنَّ على الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا كما كان عليه أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ من الرِّجَالِ ما وَجَبَ لهم وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَلَّطَةٌ على أَنْ تَعْفُوَ من مَالِهَا وَنَدَبَ اللَّهُ عز وجل إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَسَوَّى بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِيمَا يَجُوزُ من عَفْوِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما وَجَبَ له يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا دَفَعَ الْمَهْرَ كُلَّهُ وكان له أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ فَعَفَاهُ جَازَ وإذا لم يَدْفَعْهُ فَكَانَ لها أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ فَعَفَتْهُ جَازَ لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا في ذلك وقال عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عن شَيْءٍ منه نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَجَعَلَ في إيتَائِهِنَّ ما فَرَضَ لَهُنَّ من فَرِيضَةٍ على أَزْوَاجِهِنَّ يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِنَّ دَفْعَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ من الرِّجَالِ مِمَّنْ وَجَبَ له عليهم حَقٌّ بِوَجْهٍ وَحَلَّ لِلرِّجَالِ أَكْلُ ما طَابَ نِسَاؤُهُمْ عنه نَفْسًا كما حَلَّ لهم ما طَابَ الْأَجْنَبِيُّونَ من أَمْوَالِهِمْ عنه نَفْسًا وما طَابُوا هُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ عنه نَفْسًا لم يُفَرِّقْ بين حُكْمِهِمْ وَحُكْمِ أَزْوَاجِهِمْ وَالْأَجْنَبِيِّينَ غيرهم وَغَيْرِ أَزْوَاجِهِمْ فِيمَا أَوْجَبَهُ من دَفْعِ حُقُوقِهِنَّ وَأَحَلَّ ما طِبْنَ عنه نَفْسًا من أَمْوَالِهِنَّ وَحَرَّمَ
____________________

(3/216)


من أَمْوَالِهِنَّ ما حَرَّمَ من أَمْوَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ فِيمَا ذَكَرْت وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا منه شيئا } الْآيَةَ وقال عز وجل { فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فَأَحَلَّهُ إذَا كان من قِبَلِ الْمَرْأَةِ كما حَلَّ لِلرَّجُلِ من مَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِغَيْرِ تَوْقِيتِ شَيْءٍ فيه ثُلُثٌ وَلَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ وَحَرَّمَهُ إذَا كان من قِبَلِ الرَّجُلِ كما حَرَّمَ أَمْوَالَ الْأَجْنَبِيِّينَ أَنْ يَغْتَصِبُوهَا قال اللَّهُ عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } الْآيَةَ فلم يُفَرِّقْ بين الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ في أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يوصى في مَالِهِ وفي أَنَّ دَيْنَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ له في مَالِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا كان لها أَنْ تُعْطِيَ من مَالِهَا من شَاءَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وكان لها أَنْ تَحْبِسَ مَهْرَهَا وَتَهَبَهُ وَلَا تَضَعَ منه شيئا وكان لها إذَا طَلَّقَهَا أَخْذُ نِصْفِ ما أَعْطَاهَا لَا نِصْفِ ما اشْتَرَتْ لها دُونَهُ إذَا كان لها الْمَهْرُ كان لها حَبْسُهُ وما أَشْبَهَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ في هذا قُلْت ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ كانت تَحْتَ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ في الْغَلَسِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه فقالت أنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال ما شَأْنُك فقالت لَا أنا وَلَا ثَابِتُ بن قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فلما جاء ثَابِتُ بن قَيْسٍ قال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هذه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قد ذَكَرَتْ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فقالت حَبِيبَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ ما أَعْطَانِي عِنْدِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ منها فَأَخَذَ منها وَجَلَسَتْ في أَهْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن مولاه لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ أنها اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لها فلم يُنْكِرْ ذلك عبد اللَّهِ بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ من أنها إذَا اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَخْذُ منها وَلَوْ كانت لَا يَجُوزُ لها في مَالِهَا ما يَجُوزُ لِمَنْ لَا حَجْرَ عليه من الرِّجَالِ ما حَلَّ له خَلْعُهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَأَيْنَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ قُلْت إذَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِزَوْجِهَا ما أَعْطَتْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ له مَالُهُ وإذا كان مَالُهَا يُورَثُ عنها وَكَانَتْ تَمْنَعُهُ زَوْجَهَا فَيَكُونُ لها فَهِيَ كَغَيْرِهَا من ذَوِي الْأَمْوَالِ قال وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى الحديث الذي لَا يَثْبُتُ أَنْ ليس لها أَنْ تُعْطِيَ من دُونِ زَوْجِهَا إلَّا ما أَذِنَ زَوْجُهَا لم يَكُنْ له وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وَلَوْ كان رَجُلٌ وَلِيًّا لِرَجُلٍ أو امْرَأَةٍ فَوَهَبَتْ له شيئا لم يَحِلَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ هِبَتَهَا له كَهِبَتِهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَا تُعْطِي من مَالِهَا دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ لها أَنْ تَبِيعَ فيه وَلَا تَبْتَاعَ وَيُحْكَمُ لها وَعَلَيْهَا حُكْمُ الْمَحْجُورِ عليه وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَهَا شَرِيكٌ لها في مَالِهَا سُئِلَ أبا لنصف فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَتَصْنَعُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ ما شَاءَتْ وَيَصْنَعُ بِالنِّصْفِ ما شَاءَ فَإِنْ قال ما قَلَّ أو كَثُرَ قُلْت فَاجْعَلْ لها من مَالِهَا شيئا فَإِنْ قال مَالُهَا مَرْهُونٌ له قِيلَ له فَبِكَمْ هو مَرْهُونٌ حتى تَفْتَدِيَهُ فَإِنْ قال ليس بِمَرْهُونٍ قِيلَ له فَقُلْ فيه ما أَحْبَبْت فَهُوَ لَا شَرِيكَ لها في مَالِهَا وَلَيْسَ له عِنْدَك وَعِنْدَنَا أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهَا دِرْهَمًا وَلَيْسَ مَالُهَا مَرْهُونًا فَتَفْتَكُّهُ وَلَيْسَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وَلَوْ كان زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وكان سَفِيهًا أَخْرَجْنَا وِلَايَتَهَا من يَدَيْهِ وَوَلَّيْنَا غَيْرَهُ عليها وَمَنْ خَرَجَ من هذه الْأَقَاوِيلِ لم يَخْرُجْ إلَى أَثَرٍ يُتَّبَعُ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ وإذا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ من مَالِهَا الثُّلُثَ لَا تَزِيدُ عليه فَلِمَ يَجْعَلُهَا مُوَلًّى عليها ولم يَجْعَلْ زَوْجَهَا شَرِيكًا وَلَا مَالَهَا مَرْهُونًا في يَدَيْهِ وَلَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ من مَالِهَا وَلَا مُخَلًّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُجِيزُ لها بَعْدَ زَمَانٍ إخْرَاجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثِ بَعْدَ زَمَانٍ حتى يَنْفَدَ مَالُهَا فما مَنَعَهَا مَالَهَا وَلَا خَلَّاهَا وَإِيَّاهُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قال هو نَكَحَهَا على الْيُسْرِ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ نُكِحَتْ مُفْلِسَةً ثُمَّ أَيْسَرَتْ بَعْدُ عِنْدَهُ أَيَدَعُهَا وَمَالَهَا فَإِنْ قال نعم فَقَدْ أَخْرَجَهَا من الْحَجْرِ وَإِنْ قال لَا فَقَدْ مَنَعَهَا ما لم تَغُرَّهُ بِهِ أَوَرَأَيْت إذَا قال غَرَّتْهُ فَلَا أَتْرُكُهَا تُخْرِجُ مَالَهَا ضِرَارًا قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا غير جَمِيلَةٍ أو غُرَّ فَقِيلَ هِيَ مُوسِرَةٌ فَوَجَدَهَا مُفْلِسَةً أَيَنْقُصُ عنه
____________________

(3/217)


من صَدَاقِهَا أو يَرُدُّهُ عليها بِشَيْءٍ أو رَأَيْت إذَا قال هذا في الْمَرْأَةِ فإذا كان الرَّجُلُ دَيِّنًا مُوسِرًا فَنَكَحَ شَرِيفَةً وَأَعْلَمَتْنَا أنها لم تَنْكِحْهُ إلَّا بِيُسْرِهِ ثُمَّ خَدَعَهَا فَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فإذا جَازَ ذلك له فَقَدْ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا من مَالِهَا ما أَبَاحَ له وَإِنْ قال أَجْبُرُهَا بِأَنْ تَبْتَاعَ له ما يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا لِأَنَّ هذا مِمَّا يَتَعَامَلُ بِهِ الناس عِنْدَنَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُصْدَقُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتُجَهَّزُ بِأَكْثَرَ من عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَكُونُ مُفْلِسَةً لَا تُجَهَّزُ إلَّا بِثِيَابِهَا وَبِسَاطِهَا وَمِمَّا يَتَعَامَلُ الناس بِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُفْلِسَ ذَا الْمُرُوءَةِ يَنْكِحُ الْمُوسِرَةَ فَتَقُولُ يَكُونُ قَيِّمًا على مَالِي على هذا تَنَاكَحَا وَيَسْتَنْفِقُ من مَالِهَا وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا وَصَفْت وَيَحْسُنُ مِمَّا يَتَعَامَلُ الناس وَلِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ على ما يَجِبُ ليس على ما يَجْمُلُ وَيَتَعَامَلُ الناس عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ على من خَالَفَنَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت وفي أَقَلَّ مِمَّا وَصَفْت حُجَّةٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ فيها قَوْلٌ إلَّا مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ من أَنَّ صَدَاقَهَا مَالٌ من مَالِهَا وَأَنَّ لها إذَا بَلَغَتْ الرُّشْدَ أَنْ تَفْعَلَ في مَالِهَا ما يَفْعَلُ الرَّجُلُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ - * بَابُ الْحَجْرِ على الْبَالِغِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجْرُ على الْبَالِغِينَ في آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الذي عليه الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ منه شيئا فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } قال الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عز وجل بِفَرَائِضِهِ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجَعَلَ الْإِقْرَارَ له فَكَانَ مَوْجُودًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الذي عليه الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ هو وَأَنَّ إمْلَاءَهُ إقْرَارُهُ وَهَذَا يَدُلُّ على جَوَازِ الْإِقْرَارِ على من أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَأْمُرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْ يُمِلَّ لِيُقِرَّ إلَّا الْبَالِغُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ الْبَالِغِ وَصَمْتَهُ وَإِنْكَارَهُ سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا حَفِظْت عَنْهُمْ وَلَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فيه ثُمَّ قال في الْمَرْءِ الذي عليه الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ على السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عليه لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ بِهِ عنه من مَالِهِ مَقَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد قِيلَ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ وهو أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فَأَمَرَ عز وجل أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إذَا جَمَعُوا بُلُوغًا وَرُشْدًا قال وإذا أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ إذَا جَمَعُوا أَمْرَيْنِ كان في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُمْ إنْ كان فِيهِمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وإذا لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ الْحَجْرُ عليهم كما كَانُوا لو أُونِسَ منهم رُشْدٌ قبل الْبُلُوغِ لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ فَكَذَلِكَ لو بَلَغُوا ولم يُؤْنَسْ منهم رُشْدٌ لم تُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَيَثْبُتُ عليهم الْحَجْرُ كما كان قبل الْبُلُوغِ وَهَكَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ في كل أَمْرٍ يَكْمُلُ بِأَمْرَيْنِ أو أُمُورٍ فإذا نَقَصَ وَاحِدٌ لم يُقْبَلْ فَزَعَمْنَا أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ عَدْلَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ فَلَوْ كان الرَّجُلَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ غير عَدْلَيْنِ أو عَدْلَيْنِ غير حُرَّيْنِ أو عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ غير مُسْلِمَيْنِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا حتى يَسْتَكْمِلَانِ الثَّلَاثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّ التَّنْزِيلَ في الْحَجْرِ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُكْتَفًى بِهِ عن تَفْسِيرِهِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ لَيَدُلُّ على الْحَجْرِ أرايت إذَا كان مَعْقُولًا أَنَّ من لم يَبْلُغْ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَعَقَلَ مَحْجُورًا عليه فَكَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَشَدَّ تَقْصِيرًا في عَقْلِهِ وَأَكْثَرَ إفْسَادًا لِمَالِهِ أَلَا يُحْجَرُ عليه وَالْمَعْنَى الذي أَمَرَ بالحجر ( ( ( بالمحجور ) ) ) عليه له فيه وَلَوْ
____________________

(3/218)


أُونِسَ منه رُشْدٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عُلِمَ منه غَيْرُ الرُّشْدِ أُعِيدَ عليه الْحَجْرُ لِأَنَّ حاله انْتَقَلَتْ إلَى الْحَالِ التي يَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عليه فيها كما يُؤْنَسُ منه الْعَدْلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَتَغَيَّرُ فَتُرَدُّ ثُمَّ إنْ تَغَيَّرَ فَأُونِسَ منه عَدْلٌ أُجِيزَتْ وَكَذَلِكَ إنْ أُونِسَ منه إصْلَاحٌ بَعْدَ إفْسَادٍ أعطى مَالُهُ وَالنِّسَاءُ وَالرِّجَالُ في هذا سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْيَتَامَى يَجْمَعُهُمْ وَاسْمَ الِابْتِلَاءِ يَجْمَعُهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يُفَرِّقْ بين النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ في أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ خَرَجَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ من أَنْ يَكُونَا مَوْلَيَيْنِ جَازَ لِلْمَرْأَةِ في مَالِهَا ما جَازَ لِلرَّجُلِ في مَالِهِ ذَاتَ زَوْجٍ كانت أو غير ذَاتٍ زَوْجٍ سُلْطَانُهَا على مَالِهَا سُلْطَانُ الرَّجُلِ على مَالِهِ لَا يَفْتَرِقَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } إنَّمَا هو اخْتَبِرُوا الْيَتَامَى قال فَيَخْتَبِرُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِقَدْرِ ما يُمْكِنُ فِيهِمْ وَالرَّجُلُ الْمُلَازِمُ لِلسُّوقِ وَالْمُخَالِطُ لِلنَّاسِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ قبل الْبُلُوغِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا يَغِيبُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ بِمَا مَضَى قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ فَيُعْرَفُ كَيْفَ هو في عَقْلِهِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَكَيْفَ هو في دَيْنِهِ وَالرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّاسِ يَكُونُ اخْتِبَارُهُ أَبْطَأَ من اخْتِبَارِ هذا الذي وَصَفْت فإذا عَرَفَهُ خَاصَّتُهُ في مُدَّةٍ وَإِنْ كانت أَطْوَلَ من هذه الْمُدَّةِ فَعَدَّلُوهُ وَحَمِدُوا نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَشَهِدُوا له أَنَّهُ صَالِحٌ في دِينِهِ حَسَنُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ في مَالِهِ فَقَدْ صَارَ هَذَانِ إلَى الرُّشْدِ في الدِّينِ وَالْمَعَاشِ وَيُؤْمَرُ وَلِيُّهُمَا بِدَفْعِ مَالِهِمَا إلَيْهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَبَرَ النِّسَاءَ أَهْلُ الْعَدْلِ من أَهْلِهَا وَمِنْ يَعْرِفُ حَالَهَا بِالصَّلَاحِ في دِينِهَا وَحُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ صَارَتْ في حَالِ الرَّجُلَيْنِ وَإِنْ كان ذلك منها أَبْطَأَ منه من الرَّجُلَيْنِ لِقِلَّةِ خِلْطَتِهَا بِالْعَامَّةِ وهو من الْمُخَالَطَةِ من النِّسَاءِ الْخَارِجَةِ إلَى الْأَسْوَاقِ الْمُمْتَهِنَةِ لِنَفْسِهَا أَعْجَلُ منه من الصَّائِنَةِ لِنَفْسِهَا كما يَكُونُ من أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَبْعَدَ فإذا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الرُّشْدَ وَالرُّشْدُ كما وَصَفْت في الرَّجُلِ أُمِرَ وَلِيُّهَا بِدَفْعِ مَالِهَا إلَيْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رَأَيْت من الْحُكَّامِ من أَمَرَ باختبار ( ( ( باختيار ) ) ) من لَا يُوثَقُ بِحَالِهِ تِلْكَ الثِّقَةُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقَلِيلَ من مَالِهِ فَإِنْ أَصْلَحَ فيه دَفَعَ إلَيْهِ ما بَقِيَ وَإِنْ أَفْسَدَ فيه كان الْفَسَادُ في الْقَلِيلِ أَيْسَرَ منه في الْكُلِّ وَرَأَيْنَا هذا وَجْهًا من الِاخْتِبَارِ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وإذا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ مَالَهَا وَالرَّجُلِ فَسَوَاءٌ كانت الْمَرْأَةُ بِكْرًا أو مُتَزَوِّجَةً عِنْدَ زَوْجٍ أو ثَيِّبًا كما يَكُونُ الرَّجُلُ سَوَاءٌ في حَالَاتِهِ وَهِيَ تَمْلِكُ من مَالِهَا ما يَمْلِكُ من مَالِهِ وَيَجُوزُ لها في مَالِهَا ما يَجُوزُ له في ذلك عِنْدَ زَوْجٍ كانت أو غير زَوْجٍ لَا فَرْقَ في ذلك بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ في شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل فيها وَفِيهِ وَدَلَالَةُ السُّنَّةِ وإذا نُكِحَتْ فَصَدَاقُهَا مَالٌ من مَالِهَا تَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَتْ كما تَصْنَعُ بِمَا سِوَاهُ من مَالِهَا - * بَابُ الْخِلَافِ في الْحَجْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْحَجْرِ فقال لَا يُحْجَرُ على حُرٍّ بَالِغٍ وَلَا على حُرَّةٍ بَالِغَةٍ وَإِنْ كَانَا سَفِيهَيْنِ وقال لي بَعْضُ من يَذُبُّ عن قَوْلِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَسْأَلُك من أَيْنَ أَخَذْت الْحَجْرَ على الْحُرَّيْنِ وَهُمَا مَالِكَانِ لِأَمْوَالِهِمَا فَذَكَرْتُ له ما ذَكَرْت في كِتَابِي أو مَعْنَاهُ أو بَعْضَهُ فقال فإنه يَدْخُلُ عَلَيْك فيه شَيْءٌ فَقُلْت وما هو قال أَرَأَيْت إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ عليه عَبْدَهُ فَقُلْت لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ قال وَلِمَ قُلْت كما يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ وَلَا لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْتِقَا قال لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ قُلْت نعم قال أَفَلَيْسَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَعِبُهُمَا وَجَدُّهُمَا وَاحِدٌ قُلْت مِمَّنْ ذلك له وَكَذَلِكَ لو بَاعَ رَجُلٌ فقالت لَعِبْت أو اقر لِرَجُلٍ بِحَقٍّ فقال لَعِبْت لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ وَقِيلَ له لَعِبُك لِنَفْسِك وَعَلَيْهَا قال أَفَيَفْتَرِقُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ قُلْت نعم عِنْدَنَا وَعِنْدَك قال وَكَيْفَ وَكِلَاهُمَا إتْلَافٌ لِلْمَالِ قُلْت له إنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كان فيه إتْلَافُ الْمَالِ فإن الزَّوْجَ مُبَاحٌ له بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كان غير مُبَاحٍ له
____________________

(3/219)


قَبْلَهُ وَمَجْعُولٌ إلَيْهِ تَحْرِيمُ ذلك الْمُبَاحِ ليس تَحْرِيمُهُ لِمَالٍ يَلِيهِ عليه غَيْرُهُ إنَّمَا هو تَحْرِيمٌ بِقَوْلٍ من قَوْلِهِ أو فِعْلٍ من فِعْلِهِ وَكَمَا كان مُسَلَّطًا على الْفَرْجِ دُونَ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ كان مُسَلَّطًا على تَحْرِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلَا تُوَرَّثُ عنه امْرَأَتُهُ وَيَهَبُهَا وَيَبِيعُهَا فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ وَلَا بَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عنه عَبْدُهُ وَيُبَاعُ عليه فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَيَلِي نَفْسَهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَالٍ بِحَالٍ إنَّمَا هِيَ مُتْعَةٌ لَا مَالٌ مَمْلُوكٌ نُنْفِقُهُ عليه وَنَمْنَعُ إتْلَافَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ له في النِّكَاحِ وَالتِّجَارَةِ فَيَكُونُ له الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَيَكُونُ إلَى سَيِّدِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكٌ وَالْفَرْجَ بِالنِّكَاحِ مُتْعَةٌ لَا مِلْكٌ كَالْمَالِ وَقُلْت له تَأَوَّلْت الْقُرْآنَ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فلم تُصِبْ عِنْدَنَا تَأْوِيلَهُ فَأَبْطَلْت فيه سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَجَدْت الْقُرْآنَ يَدُلُّ على الْحَجْرِ على البالغين ( ( ( بالغين ) ) ) فَتَرَكْته وَقُلْت له أنت تَقُولُ في الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قال قَوْلًا وكان في الْقُرْآنِ تَنْزِيلٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ قَوْلِهِ في الظَّاهِرِ قُلْنَا بِقَوْلِهِ وَقُلْنَا هو أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ وَجَدْنَا صَاحِبَكُمْ يَرْوِي الْحَجْرَ عن ثَلَاثَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَخَالَفَهُمْ وَمَعَهُمْ الْقُرْآنُ قال وَأَيُّ صَاحِبٍ قُلْت أخبرنا محمد بن الْحَسَنِ أو غَيْرُهُ من أَهْلِ الصِّدْقِ في الحديث أو هُمَا عن يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال ابْتَاعَ عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ بَيْعًا فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلَأَحْجُرَنَّ عَلَيْك فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ بن جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ قال الزُّبَيْرُ أنا شَرِيكُك في بَيْعِك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فقال اُحْجُرْ على هذا فقال الزُّبَيْرُ أنا شَرِيكُهُ فقال عُثْمَانُ أَحْجُرُ على رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرِ فَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لَا يَطْلُبُ الْحَجْرَ إلَّا وهو يَرَاهُ وَالزُّبَيْرُ لو كان الْحَجْرُ بَاطِلًا قال لَا يُحْجَرُ على حُرٍّ بَالِغٍ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بَلْ كلهم يَعْرِفُ الْحَجْرَ في حديث صَاحِبِك قال فإن صَاحِبَنَا أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ إلَى الْحَجْرِ قُلْت ما زَادَهُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ قُوَّةً وَلَا وَهَنَهُ تَرْكُهُ إيَّاهُ إنْ تَرَكَهُ وقد رَجَعَ إلَيْهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كان مَذْهَبُهُ فيه فقال وما أَنْكَرْت قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا وَلِيَ مَالَهُ بِرُشْدٍ يُؤْنَسُ منه فَاشْتَرَى وَبَاعَ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ رُشْدٍ أَحْدَثَ عليه الْحَجْرَ وَكَذَلِكَ قُلْنَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عليه الْحَجْرَ أَبْطَلَ كُلَّ بَيْعٍ بَاعَهُ قَبْلَهُ وَشِرَاءٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ يَعْدِلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ أَيَنْقُضُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ أو يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُتَغَيِّرًا من يَوْمِ تَغَيَّرَ قال قد قال ذلك فَأَنْكَرْنَاهُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَهَلْ خَالَفَ شيئا مِمَّا تَقُولُ في الْحَجْرِ وَالْيَتَامَى من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَحَدٌ من أَصْحَابِك قُلْت أَمَّا أَحَدٌ من مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِي فلم أَحْفَظْ عن وَاحِدٍ منهم خِلَافًا لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْت وقد بَلَغَنِي عن بَعْضِهِمْ مِثْلُ ما قُلْت قال فَهَلْ ادركت أَحَدًا من أَهْلِ نَاحِيَتِك يقول بِخِلَافِ قَوْلِك هذا قُلْت قد روى لي عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ من نَاحِيَتِنَا أَنَّهُ خَالَفَ ما قُلْت وَقُلْت وقال غَيْرُنَا في مَالِ الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا قال فقال فيه مَاذَا قُلْت ما لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَسْمَعَهُ ثُمَّ حَكَيْت له شيئا كُنْت أَحْفَظُهُ وكان يَحْفَظُهُ فقال ما يَشْكُلُ الْخَطَأُ في هذا على سَامِعٍ يَعْقِلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَزَعَمَ لي زَاعِمٌ عن قَائِلِ هذا الْقَوْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ رَجُلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ جُبِرَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بها ما يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَكَذَلِكَ لو نُكِحَتْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رُجِعَ عليها بِنِصْفِ ما اشْتَرَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاسِمَهَا نَوْرَةً وَزَرْنِيخًا وَنُضُوحًا قال فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يَدْخُلُ على من قال هذا الْقَوْلَ قِيلَ له يَدْخُلُ عليه أَكْثَرُ ما يَدْخُلُ على أَحَدٍ أو على غَيْرِهِ فَإِنْ قال ما هو قِيلَ له قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } وما فَرَضَ وَدَفَعَ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَعَمَ قَائِلُ هذا الْقَوْلَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِنِصْفِ مَتَاعٍ ليس فيه دَنَانِيرُ وَهَذَا
____________________

(3/220)


خِلَافُ ما جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا قُلْنَا هذا لِأَنَّا نَرَى أَنَّ وَاجِبًا عليها ( قال الرَّبِيعُ ) يَعْنِي أَنَّ وَاجِبًا عليها أَنْ تُجَهِّزَ بِمَا أَعْطَاهَا وكان عليه أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ ما تَجَهَّزَتْ بِهِ في قَوْلِهِمْ وفي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِنِصْفِ ما أَعْطَاهَا دَنَانِيرَ كانت أو غَيْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ عليها أَنْ تُجَهِّزَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وهو مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } - * الصُّلْحُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أَصْلُ الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فما جَازَ في الْبَيْعِ جَازَ في الصُّلْحِ وما لم يَجُزْ في الْبَيْعِ لم يَجُزْ في الصُّلْحِ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ وَيَقَعُ الصُّلْحُ على ما يَكُونُ له ثَمَنٌ من الْجِرَاحِ التي لها أَرْشٌ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا التي لها عليه صَدَاقٌ وَكُلُّ هذا يَقُومُ مَقَامَ الْأَثْمَانِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إلَّا على أَمْرٍ مَعْرُوفٍ كما لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا على أَمْرٍ مَعْرُوفٍ وقد روى عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الصُّلْحُ جَائِزٌ بين الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أو حَرَّمَ حَلَالًا وَمِنْ الْحَرَامِ الذي يَقَعُ في الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي على الْمَجْهُولِ الذي لو كان بَيْعًا كان حَرَامًا وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَوَرِثَتْهُ امْرَأَةٌ أو وَلَدٌ أو كَلَالَةٌ فَصَالَحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْضًا فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ على مَعْرِفَةٍ من الْمَصَالِحِ وَالْمُصَالَحِ بِحُقُوقِهِمْ أو إقْرَارٍ بِمَعْرِفَتِهِمْ بِحُقُوقِهِمْ وَتَقَابَضَ الْمُتَصَالِحَانِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ وَقَعَ على غَيْرِهِ مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا بِمَبْلَغِ حَقِّهِمَا أو حَقِّ الْمُصَالِحِ مِنْهُمَا لم يَجُزْ الصُّلْحُ كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ امْرِئٍ لَا يَعْرِفُهُ وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الدَّعْوَى في الْعَبْدِ أو غَيْرِهِ أو ادَّعَى عليه جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً فصالحه مما ادعى من هذا كله أو من بعضه على شيء قبضه منه فإن كان الصلح والمدعى عليه يقر فالصلح جائز بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ كان الصُّلْحُ نَقْدًا أو نَسِيئَةً وإذا كان الْمُدَّعَى عليه يُنْكِرُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا على أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ وَالْمُعْطِي بِمَا أَعْطَى وَسَوَاءٌ إذَا أَفْسَدْت الصُّلْحَ قال الْمُدَّعِي قد أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْتُ عَلَيْك أو لم يَقُلْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ على أَنْ يُتِمَّ له ما أَخَذَ منه وَلَيْسَ هذا بِأَكْثَرَ من أَنْ يَبِيعَهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فإذا لم يَتِمَّ له الْفَسَادَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على أَصْلِ مِلْكِهِ كما كَانَا قبل أَنْ يَتَبَايَعَا فإذا اراد الرَّجُلَانِ الصُّلْحَ وَكَرِهَ الْمُدَّعَى عليه الْإِقْرَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ على الْمُدَّعَى عليه بِمَا ادَّعَى عليه من جِنَايَةٍ أو مَالٍ ثُمَّ يُؤَدِّيَ ذلك عنه صُلْحًا فَيَكُونُ صَحِيحًا وَلَيْسَ لِلَّذِي أَعْطَى عن الرَّجُلِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُصَالِحِ الْمُدَّعَى عليه وَلَا لِلْمُصَالَحِ المدعى أَنْ يَرْجِعَ على الْمُدَّعَى عليه لِأَنَّهُ قد اخذ الْعِوَضَ من حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَعْقِدَا صُلْحَهُمَا على فَسَادٍ فَيَكُونُونَ كما كَانُوا في أَوَّلِ ما تَدَاعَوْا قبل الصُّلْحِ قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا في دَارٍ فَأَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ وَصَالَحَهُ من ذلك على إبِلٍ أو بَقَرٍ أو غَنَمٍ أو رَقِيقٍ أو بَزٍّ مَوْصُوفٍ أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أو طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى كان الصُّلْحُ جَائِزًا كما يَجُوزُ لو بِيعَ ذلك إلَى ذلك الْأَجَلِ وَلَوْ ادَّعَى عليه شِقْصًا من دَارٍ فاقر له بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ على أَنْ أَعْطَاهُ بِذَلِكَ بَيْتًا مَعْرُوفًا من الدَّارِ مِلْكًا له أو سُكْنَى له عَدَدَ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ كما يَجُوزُ لو اقْتَسَمَاهُ أو تَكَارَى شِقْصًا له في دَارٍ وَلَكِنَّهُ لو قال أُصَالِحُك على سُكْنَى هذا الْمَسْكَنِ ولم يُسَمِّ وَقْتًا كان الصُّلْحُ فَاسِدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا لَا يَجُوزُ كما لو ابْتَدَأَهُ حتى يَكُونَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على أَنْ يُكْرِيَهُ هذه الْأَرْضَ سِنِينَ يَزْرَعُهَا أو على شِقْصٍ من دَارٍ أُخْرَى سَمَّى ذلك وَعَرَفَ جَازَ كما يَجُوزُ في البيوع ( ( ( البيع ) ) ) وَالْكِرَاءِ وإذا لم يُسَمِّهِ لم يَجُزْ كما لَا يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وَالْكِرَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَشْرَعَ ظُلَّةً أو جَنَاحًا على طَرِيقٍ نَافِذَةٍ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ لِيَمْنَعَهُ منه فَصَالَحَهُ على شَيْءٍ على أَنْ يَدَعَهُ كان الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَخَذَ منه على ما لَا يَمْلِكُ وَنُظِرَ فَإِنْ كان إشْرَاعُهُ غير
____________________

(3/221)


مُضِرٍّ خلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنْ كان مُضِرًّا مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ إشْرَاعَهُ على طَرِيقٍ لِرَجُلٍ خَاصَّةً ليس بِنَافِذٍ أو لِقَوْمٍ فَصَالَحَهُ أو صَالَحُوهُ على شَيْءٍ أَخَذُوهُ منه على أَنْ يَدَعُوهُ يَشْرَعُهُ كان الصُّلْحُ في هذا بَاطِلًا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَشْرَعَ في جِدَارِ نَفْسِهِ وَعَلَى هَوَاءٍ لَا يَمْلِكُ ما تَحْتَهُ وَلَا ما فَوْقَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَ خَشَبَةً وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الشَّرْطُ فَلْيَجْعَلْ ذلك في خَشَبٍ يَحْمِلُهُ على جُدْرَانِهِمْ وَجِدَارِهِ فَيَكُونُ ذلك شِرَاءَ مَحْمَلِ الْخَشَبِ وَيَكُونُ الْخَشَبُ بِأَعْيَانِهِ مَوْصُوفًا أو مَوْصُوفَ الْمَوْضِعِ أو يُعْطِيهِمْ شيئا على أَنْ يُقِرُّوا له بِخَشَبٍ يَشْرَعُهُ وَيُشْهِدُونَ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا له بِمَحْمَلِ هذا الْخَشَبِ وَمَبْلَغِ شُرُوعِهِ بِحَقٍّ عَرَفُوهُ له فَلَا يَكُونُ لهم بَعْدَهُ أَنْ يَنْزِعُوهُ قال وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ أو أَرْضٍ فَأَقَرَّ له المدعي عليه وَصَالَحَهُ من دَعْوَاهُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ أو رُكُوبِ دَابَّةٍ أو زِرَاعَةِ أَرْضٍ أو سُكْنَى دَارٍ أو شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ فيه الْإِجَارَاتُ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه أو أَحَدُهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلِوَرَثَةِ الْمُدَّعِي السُّكْنَى وَالرُّكُوبُ وَالزِّرَاعَةُ وَالْخِدْمَةُ وما صَالَحَهُمْ عليه الْمُصَالِحُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الذي تَلِفَ الدَّابَّةَ التي صَالَحَ على رُكُوبِهَا أو الْمَسْكَنَ الذي صَالَحَ على سَكْنِهِ أو الْأَرْضَ التي صُولِحَ على زِرَاعَتِهَا فَإِنْ كان ذلك قبل أَنْ يَأْخُذَ منه الْمُصَالِحُ شيئا فَهُوَ على حَقِّهِ في الدَّارِ وقد انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ كان بعد ما أَخَذَ منه شيئا تَمَّ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما أَخَذَ إنْ كان نِصْفًا أو ثُلُثًا أو رُبْعًا وَانْتَقَضَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما بَقِيَ يَرْجِعُ بِهِ في أَصْلِ السَّكَنِ الذي صُولِحَ عليه قال وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أو دَارٍ بِعَيْنِهَا فلم يَقْبِضْهُ حتى هَلَكَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَرَجَعَ على أَصْلِ ما أَقَرَّ له بِهِ وَلَوْ كان صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِصِفَةٍ أو غَيْرِ صِفَةٍ أو ثَوْبٍ بِصِفَةٍ أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ بِصِفَةٍ تَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا وكان عليه مِثْلُ الصِّفَةِ التي صَالَحَهُ عليها وَلَوْ صَالَحَهُ على رُبُعِ أَرْضٍ مَشَاعٍ من دَارٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَذْرُعٍ من دَارٍ مُسَمَّاةٍ وهو يَعْرِفُ أَذْرُعَ الدَّارِ وَيَعْرِفُهُ الْمُصَالَحُ جَازَ وَهَذَا كَجُزْءٍ من أَجْزَاءٍ وَإِنْ كان صَالَحَهُ على أَذْرُعٍ وهو لَا يَعْرِفُ الذَّرْعَ كُلَّهُ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ قَدْرُ الذَّرْعِ فيها ثُلُثًا أو رُبُعًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَلَوْ صَالَحَهُ على طَعَامٍ جُزَافٍ أو دَرَاهِمَ جُزَافٍ أو عَبْدٍ فَجَائِزٌ فَإِنْ اسْتَحَقَّ ذلك قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ بَطَلَ الصُّلْحُ وَإِنْ هَلَكَ قبل الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَوْ كان صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ولم يَرُدَّ الْعَبْدَ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ رَدَّ الصُّلْحَ ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ له خِيَارُ رُؤْيَتِهِ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَعْدُو بَيْعَ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونٌ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ يَكُونُ على صَاحِبِهَا أَنْ يَأْتِيَ بها من جَمِيعِ الْأَرْضِ وَهَذَا الْعَبْدُ الذي بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ أن تَلِفَ بَطَلَ الْبَيْعُ فَهَذَا مَرَّةً يَتِمُّ فيه الْبَيْعُ وَمَرَّةً يَبْطُلُ فيه الْبَيْعُ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ في كل حَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما صَالَحَهُ عليه بِعَيْنِهِ مِمَّا كان غَائِبًا عنه فَلَهُ فيه خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن خِيَارِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ وَبِهِ عَيْبٌ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَلَوْ لم يَجِدْ عَيْبًا وَلَكِنَّهُ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهُ أو سَهْمٌ من أَلْفِ سَهْمٍ منه كان لِقَابِضِ الْعَبْدِ الْخِيَارُ في أَنْ يُجِيزَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما في يَدَيْهِ من الْعَبْدِ وَيَرْجِعَ بِقَدْرِ ما اسْتَحَقَّ منه أو يُنْقَضُ الصُّلْحُ كُلُّهُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الشَّيْءُ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَ كُلُّهُ وَالصُّلْحُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ فَأَقَرَّ له رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ على الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أو اسْتَحَقَّ لم يَكُنْ له على الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ وَرَجَعَ ==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...