Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

مجلد 8.الأم محمد بن إدريس الشافعي

 

8.

مجلد 8.الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة  204 .

  وكان الرَّجُلُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ أَحَجُّوا رَجُلًا عن امْرَأَةٍ أَجْزَأَ عنها ( قال ) وَإِحْصَارُ الرَّجُلِ عن الْحَجِّ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْحَجِّ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحِجُّوا عنه رَجُلًا فَمَاتَ الرَّجُلُ قبل أَنْ يَحُجَّ عنه أَحَجَّ عنه غَيْرَهُ كما لو أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ عنه رَقَبَةً فَابْتِيعَتْ فلم تُعْتَقْ حتى مَاتَتْ أَعْتَقَ عنه أُخْرَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ قد حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فقال أَحِجُّوا عَنِّي فُلَانًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْطُوا ما بَقِيَ من ثُلُثِي فُلَانًا وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلِلْمُوصَى له بِالثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ قد أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَلِلْحَاجِّ وَلِلْمُوصَى له بِمَا بَقِيَ من الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَيَحُجُّ عنه رَجُلٌ بِمِائَةِ - * بَابُ الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ في الْمَرَضِ - * أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ مَوْتِهِ ليس له مَالٌ غَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعِتْقُ الْبَتَاتِ في الْمَرَضِ إذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ من الثُّلُثِ وَهَكَذَا الْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ في الْمَرَضِ لِأَنَّ كُلَّهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ من مِلْكِهِ بِلَا عِوَضِ مَالٍ أَخَذَهُ فإذا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عِتْقَ بَتَاتٍ وَعِتْقَ تَدْبِيرٍ ووصية ( ( ( لوصية ) ) ) بُدِئَ بِعِتْقِ الْبَتَاتِ قبل عِتْقِ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَجَمِيعِ الْوَصَايَا فَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ فَضْلٌ عَتَقَ منه التَّدْبِيرُ وَالْوَصَايَا وَأُنْفِذَتْ الْوَصَايَا لِأَهْلِهَا وَإِنْ لم يَفْضُلُ منه فَضْلٌ لم تَكُنْ وَصِيَّةً وكان كَمَنْ مَاتَ لَا مَالَ له وَهَكَذَا كُلُّ ما وَهَبَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ له أو تَصَدَّقَ بِهِ فَقَبَضَهُ لِأَنَّ مَخْرَجَ ذلك في حَيَاتِهِ وَأَنَّهُ مَمْلُوكٌ عليه إنْ عَاشَ بِكُلِّ حَالٍ لَا يَرْجِعُ فيه فَهِيَ كما لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ في ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وفي جَمِيعِ مَالِهِ إنْ كانت له صِحَّةٌ وَالْوَصَايَا بَعْدَ الْمَوْتِ لم تَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَانَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها في حَيَاتِهِ فإذا أَعْتَقَ رَقِيقًا له لَا مَالَ له غَيْرَهُمْ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ تَحْدُثُ له صِحَّةٌ فَإِنْ كان عِتْقُهُ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ أَحْرَارٌ أو يَقُولَ رَقِيقِي أو كُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ ثُلُثُهُ وَأَرَقَّ الثُّلُثَانِ وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا أو اثْنَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَ من بَقِيَ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ مِمَّنْ أُعْتِقَ فَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لم يَخْرُجْ عَتَقَ ما خَرَجَ من الثُّلُثِ وَرُقَّ ما بَقِيَ وَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ الذي يَلِيه ثُمَّ هَكَذَا ابدا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ حتى يُعْتَقَ الذي بَدَأَ بِعِتْقِهِ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ الذي يَلِيه لِأَنَّهُ لَزِمَهُ عِتْقُ الْأَوَّلِ قبل الثَّانِي وَأَحْدَثَ عِتْقُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ خَارِجٌ من مِلْكِهِ بِكُلِّ حَالٍ إنْ صَحَّ وَكُلُّ حَالٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ من الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنَّمَا أُعْتِقَ وَلَا ثُلُثَ له ( قال ) وَهَكَذَا لو قال لِثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ له أَنْتُمْ أَحْرَارٌ ثُمَّ قال ما بَقِيَ من رَقِيقِي حُرٌّ بُدِئَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ خَرَجُوا من الثُّلُثِ أُعْتِقُوا مَعًا وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ عَتَقُوا مَعًا وَفَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ أَقْرَعَ بين من بَقِيَ من رَقِيقِهِ إنْ لم يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ وَلَوْ كان مع هَؤُلَاءِ مُدَبَّرُونَ وَعَبِيدٌ وقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي فَهُمْ أَحْرَارٌ بُدِئَ بِاَلَّذِينَ أَعْتَقَ عِتْقَ الْبَتَاتِ فَإِنْ خَرَجُوا من الثُّلُثِ ولم يَفْضُلْ شَيْءٌ لم يُعْتَقْ مُدَبَّرٌ وَلَا مُوصًى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَلَا صِفَتِهِ وَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ والموصى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ عن أَنْ يُعْتِقُوا منه كَانُوا في الْعِتْقِ سَوَاءً لَا يَبْدَأُ الْمُدَبَّرُ على عِتْقِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ كُلًّا وَصِيَّةٌ وَلَا يُعْتَقُ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في كُلٍّ في حَيَاتِهِ وَلَوْ كان في الْمُعْتَقِينَ في الْمَرَضِ عِتْقُ بَتَاتِ إمَاءٍ فَوَلَدْنَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ فَخَرَجُوا من الثُّلُثِ ولم يَخْرُجْ الْوَلَدُ عَتَقُوا وَالْإِمَاءُ من الثُّلُثِ وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ من غَيْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حَرَائِرَ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان الثُّلُثُ ضَيِّقًا عن أَنْ يَخْرُجَ جَمِيعُ من أَعْتَقَ من الرَّقِيقِ عِتْقَ بَتَاتِ قَوْمِنَا الإماء ( ( ( والإماء ) ) ) كُلُّ أَمَةٍ مِنْهُنَّ مَعَهَا وَلَدُهَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ أَقْرَعْنَا بينهن ( ( ( بينهم ) ) ) فَأَيَّ أَمَةٍ خَرَجَتْ في سَهْمِ الْعِتْقِ عَتَقَتْ من الثُّلُثِ وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا من غَيْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّا قد عَلِمْنَا أَنَّهُ وَلَدُ حُرَّةٍ لَا يَرِقُّ وإذا أَلْغَيْنَا قِيَمَ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ عَتَقُوا بِعِتْقِ أُمِّهِمْ فَزَادَ الثُّلُثُ أَعَدْنَا الْقُرْعَةَ بين من بَقِيَ فَإِنْ خَرَجَتْ أَمَةٌ مَعَهَا وَلَدُهَا أُعْتِقَتْ من الثُّلُثِ وَعَتَقَ
____________________

(4/95)


وَلَدُهَا لِأَنَّهُ بن حُرَّةٍ من غَيْرِ الثُّلُثِ فَإِنْ بَقِيَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ أَعَدْنَاهُ هَكَذَا أَبَدًا حتى نستوظفه كُلَّهُ ( قال ) وَإِنْ ضَاقَ ما يبقي من الثُّلُثِ فَعَتَقَ ثُلُثُ أُمِّ وَلَدٍ مِنْهُنَّ عِتْقُ ثُلُثِ وَلَدِهَا مَعَهَا وَرُقَّ ثُلُثَاهُ كما رُقَّ ثُلُثَاهَا وَيَكُونُ حُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمَهَا فما عَتَقَ منها قبل وِلَادِهِ عَتَقَ منه وإذا وَقَعَتْ عليها قُرْعَةُ الْعِتْقِ فَإِنَّمَا أَعْتَقْنَاهَا قبل الْوِلَادَةِ وَهَكَذَا لو وَلَدَتْهُمْ بَعْدَ الْعِتْقِ الْبَتَاتِ وَمَوْتِ الْمُعْتِقِ لِأَقَلِّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ بِعِتْقِ أَمَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ من مَرَضِهِ أو سَفَرِهِ فَوَلَدَتْ قبل أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي فَوَلَدُهَا مَمَالِيكُ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا قبل أَنْ يَعْتِقَ في الْحِينِ الذي لو شَاءَ أَرَقَّهَا وَبَاعَهَا وفي الْحِينِ الذي لو صَحَّ بَطُلَتْ وَصِيَّتُهَا وَلَوْ كان عِتْقُهَا تَدْبِيرًا كان فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هذا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ في التَّدْبِيرِ وَالْآخَرُ أَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ وَاقِعٌ بِكُلِّ حَالٍ ما لم يَرْجِعْ فيه وقد اُخْتُلِفَ في الرَّجُلِ يُوصِي بِالْعِتْقِ وَوَصَايَا غَيْرُهُ فقال غَيْرُ وَاحِدٍ من الْمُفْتِينَ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ ثُمَّ يُجْعَلُ ما بَقِيَ من الثُّلُثِ في الْوَصَايَا فَإِنْ لم يَكُنْ في الثُّلُثِ فَضْلٌ عن الْعِتْقِ فَهُوَ رَجُلٌ أَوْصَى فِيمَا ليس له ( قال ) وَلَسْت أَعْرِفُ في هذا أَمْرًا يَلْزَمُ من أَثَرٍ ثَابِتٍ وَلَا إجْمَاعٍ لَا اخْتِلَافَ فيه ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ من قال هذا في الْعِتْقِ مع الْوَصَايَا فقال مَرَّةً بهذا وَفَارَقَهُ أُخْرَى فَزَعَمَ أَنَّ من قال لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَوْقَع له عِتْقًا بِمَوْتِهِ بِلَا وَقْتٍ بُدِئَ بهذا على الْوَصَايَا فلم يَصِلْ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا وَصِيَّةٌ إلَّا فَضْلًا عن هذا وقال إذَا قال اعْتِقُوا عَبْدِي هذا بَعْدَ مَوْتِي أو قال عَبْدِي هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أو بِشَهْرٍ أو وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ لم يُبْدَأْ بهذا على الْوَصَايَا وَحَاصَّ هذا أَهْلُ الْوَصَايَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قِيلَ يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ قبل الْوَصِيَّةِ وما أَعْلَمُهُ قال يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ قبل الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَلَا يُحَاصُّ الْعِتْقُ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقًا بَلْ فَرَّقَ الْقَوْلَ فيه بِغَيْرِ حُجَّةٍ فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ في الْعِتْقِ في الْوَصِيَّةِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ إذَا وَقَعَ بِأَيِّ حَالٍ ما كان بُدِئَ على جَمِيعِ الْوَصَايَا فلم يَخْرُجْ منها شَيْءٌ حتى يَكْمُلَ الْعِتْقُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ وَصِيَّةً من الْوَصَايَا يُحَاصُّ بها الْمُعْتِقُ أَهْلَ الْوَصَايَا فَيُصِيبُهُ من الْعِتْقِ ما أَصَابَ أَهْلَ الْوَصَايَا من وَصَايَاهُمْ وَيَكُونُ كُلُّ عِتْقٍ كان وَصِيَّةً بَعْدَ الْمَوْتِ بِوَقْتٍ أو بِغَيْرِ وَقْتٍ سَوَاءً أو يُفَرِّقُ بين ذلك خَبَرٌ لَازِمٌ أو إجْمَاعٌ وَلَا أَعْلَمُ فيه وَاحِدًا مِنْهُمَا فَمَنْ قال عَبْدِي مُدَبَّرٌ أو عَبْدِي هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أو مَتَى مِتُّ أو إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا أو اعتقوه بَعْدَ مَوْتِي أو هو مُدَبِّرٌ في حَيَاتِي فإذا مِتُّ فَهُوَ حُرٌّ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَمَنْ جَعَلَ الْمُعْتِقَ يُحَاصُّ أَهْلَ الْوَصَايَا فَأَوْصَى معه بِوَصِيَّةٍ حَاصَّ الْعَبْدُ في نَفْسِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا في وَصَايَاهُمْ فَأَصَابَهُ من الْعِتْقِ ما اصابهم وَرَقَّ منه لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَبْدِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَةُ ما يَبْقَى من ثُلُثِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ خَمْسِينَ دِينَارًا فَيُوصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ ويوصى لِرَجُلٍ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلَآخِرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ ثُلُثُهُ مِائَةً وَوَصِيَّتُهُ مِائَتَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ من الْمُوصَى لهم نِصْفُ وَصِيَّتِهِ فَيَعْتِقُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَيَرِقُّ نِصْفَهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْمُوصَى له بِالْمِائَةِ خَمْسُونَ - * بَابُ التَّكْمِلَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ من مَالِهِ أو بِدَارٍ مَوْصُوفَةٍ بِعَيْنٍ أو بِصِفَةٍ أو بِعَبْدٍ كَذَلِكَ أو مَتَاعٍ أو غَيْرِهِ وقال ثُمَّ ما فَضَلَ من ثُلُثِي فَلِفُلَانٍ كان ذلك كما قال يُعْطَى الْمُوصَى له بِالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أو صِفَتِهِ ما أَوْصَى له بِهِ فَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ كان لِلْمُوصَى له بِمَا فَضَلَ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُوصَى له بِهِ عَبْدًا أو شيئا يُعْرَفُ بِعَيْنٍ أو صِفَةٍ مِثْلُ عَبْدٍ أو دَارٍ أو عَرَضٍ من الْعُرُوضِ فَهَلَكَ ذلك الشَّيْءُ هَلَكَ من مَالِ الْمُوصَى له وَقَوْمٍ من الثُّلُثِ ثُمَّ أَعْطَى الذي أَوْصَى له بِتَكْمِلَةِ الثُّلُثِ ما فَضَلَ عن
____________________

(4/96)


قِيمَةِ الْهَالِكِ كما يُعْطَاهُ لو سَلَّمَ الْهَالِكَ فَدَفَعَ إلَى الْمُوصَى له بِهِ ( قال ) وَلَوْ كان الْمُوصَى بِهِ عَبْدًا فَمَاتَ الْمُوصِي وهو صَحِيحٌ ثُمَّ اعْوَرَّ قُوِّمَ صَحِيحًا بِحَالِهِ يوم مَاتَ الموصى وَبِقِيمَةِ مِثْلِهِ يَوْمَئِذٍ فَأَخْرَجَ من الثُّلُثِ وَدَفَعَ إلَى الْمُوصَى له بِهِ كَهَيْئَتِهِ نَاقِصًا أو تَامًّا وَأَعْطَى الْمُوصَى له بِمَا فَضَلَ عنه ما فَضَلَ عن الثُّلُثِ وَإِنَّمَا الْقِيمَةُ في جَمِيعِ ما أَوْصَى بِهِ بِعَيْنِهِ يوم يَمُوتُ الْمَيِّتُ وَذَلِكَ يوم تَجِبُ الْوَصِيَّةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ ثُلُثُ مَالِي إلَى فُلَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شيئا كما لَا يَكُونُ له لو أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ له شيئا أَنْ يَبِيعَهُ من نَفْسِهِ لِأَنَّ مَعْنَى يَبِيعُهُ أَنْ يَكُونَ مُبَايَعًا بِهِ وهو لَا يَكُونُ مُبَايَعًا إلَّا لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ مَعْنَى يَضَعُهُ يُعْطِيهِ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يُعْطِيَهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ له ما كان يَجُوزُ لِلْمَيِّتِ فلما لم يَكُنْ يجوز لِلْمَيِّتِ أَنْ يُعْطِيَهُ لم يَجُزْ لِمَنْ صَيَّرَهُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ منه من لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ ( قال ) وَلَيْسَ له أَنْ يَضَعَهُ فِيمَا ليس لِلْمَيِّتِ فيه نَظَرٌ كما ليس له لو وَكَّلَهُ بِشَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَ فيه ما ليس له فيه نَظَرٌ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَا يُودِعَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ في هذا وَإِنَّمَا الْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ في أَنْ يَسْلُكَ في سَبِيلِ الْخَيْرِ التي يُرْجَى أَنْ تُقَرِّبَهُ إلَى اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْتَارُ لِلْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ من قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حتى يعطى كُلَّ رَجُلٍ منهم دُونَ غَيْرِهِمْ فإن إعطاءهموه أَفْضَلُ من إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ من صِلَةِ قَرَابَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ وَيُشْرِكُونَ بِهِ أَهْلَ الْحَاجَةِ في حَاجَاتِهِمْ ( قال ) وَقَرَابَتُهُ ما وَصَفْت من الْقَرَابَةِ من قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعًا وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً ( قال ) وَأُحِبُّ له إنْ كان له رُضَعَاءُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دُونَ جِيرَانِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ تُقَابِلُ حُرْمَةَ النَّسَبِ ثُمَّ أُحِبُّ له أَنْ يُعْطِيَ جِيرَانَهُ الْأَقْرَبَ منهم فَالْأَقْرَبَ وَأَقْصَى الْجِوَارِ فيها أَرْبَعُونَ دَارًا من كل نَاحِيَةٍ ثُمَّ أُحِبُّ له أَنْ يُعْطِيَهُ أَفْقَرَ من يَجِدُهُ واشده تَعَفُّفًا وَاسْتِتَارًا وَلَا يبقى منه في يَدِهِ شيئا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَهُ سَاعَةً من نَهَارٍ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلرَّجُلِ وَقَبُولِهِ وَرَدِّهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ ما كانت ثُمَّ مَاتَ فَلِلْمُوصَى له قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا لَا يُجْبَرُ أَنْ يَمْلِكَ شيئا لَا يُرِيدُ مِلْكَهُ بِوَجْهٍ أَبَدًا الا بِأَنْ يَرِثَ شيئا فإنه إذَا وَرِثَ لم يَكُنْ له دَفْعُ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمًا من اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ نَقْلُ مِلْكِ الْمَوْتَى إلَى وَرَثَتِهِمْ من الْأَحْيَاءِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَجَمِيعُ وُجُوهِ الْمِلْكِ غَيْرِ الْمِيرَاثِ فَالْمُمَلَّكُ لها بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَلَوْ أَنَّا أَجْبَرْنَا رَجُلًا على قَبُولِ الْوَصِيَّةِ جبرناه ( ( ( أجبرناه ) ) ) إنْ أَوْصَى له بِعَبِيدٍ زَمْنَى أَنْ يُنْفِقَ عليهم فَأَدْخَلْنَا الضَّرَرَ عليه وهو لم يُحِبَّهُ ولم يُدْخِلْهُ على نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ في وَصِيَّةِ حَيَاةِ الموصى فَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى له قبل مَوْتِ الموصى كان له الرَّدُّ إذَا مَاتَ وَلَوْ رَدَّ في حَيَاةِ الموصى كان له أَنْ يَقْبَلَ إذَا مَاتَ وَيُجْبَرُ الْوَرَثَةُ على ذلك لِأَنَّ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ لم تَجِبْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الموصى فَأَمَّا في حَيَاتِهِ فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ وَصَمْتُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ ذلك فِيمَا لم يَمْلِكْ ( قال ) وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ كَانُوا كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ إنْ قَبِلَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الموصى عَتَقُوا وَإِنْ رَدَّهُمْ فَهُمْ مَمَالِيكُ تَرَكَهُمْ الْمَيِّتُ لَا وَصِيَّةَ فِيهِمْ فَهُمْ لِوَرَثَتِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ قَبِلَ بَعْضَهُمْ وَرَدَّ بَعْضًا كان ذلك له وَعَتَقَ عليه من قَبِلَ وكان من لم يَقْبَلْ مَمْلُوكًا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ مَاتَ الموصى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى له قبل أَنْ يَقْبَلَ أو يَرُدَّ كان لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْبَلُوا أو يَرُدُّوا فَمَنْ قَبِلَ منهم فَلَهُ نَصِيبُهُ بِمِيرَاثِهِ مِمَّا قَبِلَ وَمَنْ رَدَّ كان ما رَدَّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ له ثُمَّ أَوْصَى له بها وَمَاتَ فلم يَعْلَمْ الْمُوصَى له بِالْوَصِيَّةِ حتى وَلَدَتْ له بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلَادًا كَثِيرًا فَإِنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَمَنْ وَلَدَتْ له بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ له تَمْلِكُهُمْ بِمَا مَلَكَ بِهِ أُمَّهُمْ وإذا مَلَكَ وَلَدَهُ عَتَقُوا عليه ولم تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ له حتى تَلِدَ بَعْدَ قَبُولِهَا منه لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَتَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ الذي كان قبل الْقَبُولِ إنَّمَا كان وَطْءَ نِكَاحٍ وَالْوَطْءُ بَعْدَ
____________________

(4/97)


الْقَبُولِ وَطْءَ مِلْكٍ وَالنِّكَاحُ مُنْفَسِخٌ وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يَرُدَّ أو يَقْبَلَ قام وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ فَإِنَّمَا مَلَكُوا لِأَبِيهِمْ فَأَوْلَادُ أَبِيهِمْ الَّذِينَ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا الْمُوصِي أَحْرَارٌ وَأُمُّهُمْ مَمْلُوكَةٌ وَإِنْ رَدُّوهَا كَانُوا مَمَالِيكَ كُلَّهُمْ وَأَكْرَهُ لهم رَدَّهَا وإذا قَبِلَ الْمُوصَى له الْوَصِيَّةَ بَعْدَ أَنْ تَجِبَ له بِمَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهَا فَهِيَ مَالٌ من مَالِ الْمَيِّتِ مَوْرُوثَةٌ عنه كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ رَدِّهَا أَخْذَهَا بِأَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَعْطَيْتُكُمْ ما لم تَقْبِضُوا جَازَ أَنْ يَقُولُوا له لم تَمْلِكْهَا بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْقَبُولِ فلما كُنْت إذَا قَبِلْت مَلِكَتَهَا وَإِنْ لم تَقْبِضْهَا لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ هِبَاتِ الْأَحْيَاءِ التي لَا يَتِمُّ مِلْكُهَا إلَّا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبَةِ له لها جَازَ عَلَيْك ما تُرِكَتْ من ذلك كما جَازَ لَك ما أَعْطَيْت بِلَا قَبْضٍ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَازَ لهم أَنْ يَقُولُوا ردكها إبْطَالٌ لِحَقِّك فِيمَا أَوْصَى لَك بِهِ الْمَيِّتُ وَرَدٌّ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مَوْرُوثًا عنه ( قال ) وَلَوْ قَبِلَهَا ثُمَّ قال قد تَرَكْتُهَا لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ أو كان له على الْمَيِّتِ دَيْنٌ فقال قد ( ( ( فقد ) ) ) تَرَكْته لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ قِيلَ قَوْلُك تَرَكْته لِفُلَانٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا تَرَكْته تَشْفِيعًا لِفُلَانٍ أو تَقَرُّبًا إلَى فُلَانٍ فَإِنْ كُنْت هذا أَرَدْت فَهَذَا مَتْرُوكٌ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ بين وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَدَيْنِهِ كما تَرَكَ وَإِنْ مِتَّ قبل أَنْ تَسْأَلَ فَهُوَ هَكَذَا لِأَنَّ هذا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ كما تَقُولُ عَفَوْت عن دَيْنِي على فُلَانٍ لِفُلَانٍ وَوَضَعْت عن فُلَانٍ حَقِّي لِفُلَانٍ أَيْ بِشَفَاعَةِ فُلَانٍ أو حِفْظِ فُلَانٍ أو التَّقَرُّبِ إلَى فُلَانٍ وَإِنْ لم تَمُتْ فَسَأَلْنَاك فَقُلْت تَرَكْت وَصِيَّتِي أو تَرَكْت دَيْنِي لِفُلَانٍ وَهَبْته لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ فَذَلِكَ لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ وَهَبَ له شيئا يَمْلِكُهُ وإذا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِعَبْدٍ أو غَيْرَهُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ فَلِلْقَابِلِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَنِصْفُ الْوَصِيَّةِ مَرْدُودٌ في مَالِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَمَاتَ الْمُوصِي ولم يَقْبَلْ الْمُوصَى له ولم يَرُدَّ حتى وَهَبَ إنْسَانٌ لِلْجَارِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَالْجَارِيَةُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْجَارِيَةُ له لَا يَجُوزُ فِيمَا وَهَبَ لها وفي وَلَدٍ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ ما وَهَبَ لِلْجَارِيَةِ أو وَلَدِهَا مِلْكًا لِلْمُوصَى له بها لِأَنَّهَا كانت خَارِجَةً من مَالِ الْمَيِّتِ إلَى مَالِهِ إلَّا أَنَّ له إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا وَمَنْ قال هذا قال هو وَإِنْ كان له رَدُّهَا فَإِنَّمَا رَدُّهَا إخْرَاجٌ لها من مَالِهِ كما له أَنْ يُخْرِجَ من مَالِهِ ما شَاءَ فإذا كانت هِيَ وَمِلْكُ ما وَهَبَ لِلْأَمَةِ وَوَلَدِهَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا فَالْمُوصَى له بها الْمَالِكُ لها وَمَنْ قال هذا قال فَإِنْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ من الْوَرَثَةِ شيئا مِمَّا وَهَبَ لها أو وَلَدَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ له لِلْمُوصَى له بها وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى أَجْنَبِيٌّ على مَالِهَا او نَفْسِهَا أو وَلَدِهَا فَالْمُوصَى له بها إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْخَصْمُ في ذلك لِأَنَّهُ له وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى له بها قبل الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ في ذلك كُلِّهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ ذلك كُلَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وأن الْمُوصَى له إنَّمَا يَمْلِكُ إذَا اخْتَارَ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَا نَقُولُ بِهِ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هو على شَيْءٍ مُلِّكَ مُتَقَدَّمًا ليس بِمُلْكٍ حَادِثٍ وقد قال بَعْضُ الناس تَكُونُ له الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ أَوْلَادِهَا وَثُلُثُ ما وَهَبَ لها وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ لَا تَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَوَهَبَ لها مَالًا لم يَكُنْ في كِتَابِ الشَّافِعِيُّ من هذه الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ هذا بَقِيَ في الْمَسْأَلَةِ الْجَوَابُ - * بَابُ ما نُسِخَ من الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا على الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بعد ما سَمِعَهُ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان فَرْضًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى على من تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ ثُمَّ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ وَاخْتَلَفُوا في الْأَقْرَبِينَ غَيْرِ الْوَارِثِينَ فَأَكْثَرُ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ حَفِظْت عنه قال الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بها إذَا كانت إنَّمَا يُورَثُ بها فلما قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ الْمَوَارِيثَ
____________________

(4/98)


كانت تَطَوُّعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ كما قالوا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وما وَصَفْت من أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مِمَّا لَا أَعْرِفُ فيه عن أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيت خِلَافًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الْوَصَايَا لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ مَنْسُوخَةً بآى الْمَوَارِيث وَكَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ على أنها لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَتَدُلُّ على أنها تَجُوزُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ دَلَّ ذلك على نَسْخِ الْوَصَايَا لِلْوَرَثَةِ وَأَشْبَهُ أَنْ يَدُلَّ على نَسْخِ الْوَصَايَا لِغَيْرِهِمْ ( قال ) وَدَلَّ على أَنَّ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كان في مَعْنًى غَيْرِ وَارِثٍ فَالْوَصِيَّةُ له جَائِزَةٌ وَمِنْ قِبَلِ أنها إنَّمَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذَا كان وَارِثًا فإذا لم يَكُنْ وَارِثًا فَلَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْوَصِيَّةِ وإذا كان الْمُوصِي يَتَنَاوَلُ من شَاءَ بِوَصِيَّتِهِ كان وَالِدُهُ دُونَ قَرَابَتِهِ إذَا كَانُوا غير وَرَثَةٍ في مَعْنَى من لَا يَرِثُ وَلَهُمْ حَقُّ الْقَرَابَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ على أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ جَائِزَةٌ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ ستة مَمْلُوكِينَ له ليس له مَالٌ غيرهم ( ( ( فيهم ) ) ) فَجَزَّأَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كانت الْعَرَبُ تَمْلِكُ من لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَلَوْ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لم تَجُزْ للمملوكين ( ( ( للملوكين ) ) ) وقد أَجَازَهَا لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ الْخِلَافِ في الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن طَاوُسٍ عن ابيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُجَّةُ في ذلك ما وَصَفْنَا من الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِينَا فَحَفِظْنَا عنه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلزَّوْجَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ } الْآيَةُ وكان فَرْضُ الزَّوْجَةِ أَنْ يُوصِي لها الزَّوْجُ بِمَتَاعٍ إلَى الْحَوْلِ ولم أَحْفَظْ عن أَحَدٍ خِلَافًا أَنَّ الْمَتَاعَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ إلَى الْحَوْلِ وَثَبَتَ لها السُّكْنَى فقال { غَيْرُ إخْرَاجٍ } ثُمَّ قال { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ في ( ( ( فيما ) ) ) ما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ من مَعْرُوفٍ } فَدَلَّ الْقُرْآنُ على انهن إنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ على الْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُنَّ تَرَكْنَ ما فُرِضَ لَهُنَّ وَدَلَّ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ إذَا كان السُّكْنَى لها فَرْضًا فَتَرَكَتْ حَقَّهَا فيه ولم يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى على الزَّوْجِ حَرَجًا أَنَّ من تَرَكَ حَقَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ له لم يَخْرُجْ من الْحَقِّ عليه ثُمَّ حَفِظْت عَمَّنْ أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَكِسْوَتَهَا حَوْلًا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ قال اللَّهُ عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } قال الشَّافِعِيُّ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِيمَا وَصَفْت من نَسْخِ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عنها وَكِسْوَتُهَا سَنَةً وَأَقَلُّ من سَنَةٍ ثُمَّ احْتَمَلَ سُكْنَاهَا إذْ كان مَذْكُورًا مع نَفَقَتِهَا بِأَنَّهُ يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَتَاعِ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا في السُّنَّةِ وَأَقَلُّ منها كما كانت النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مَنْسُوخَتَيْنِ في السُّنَّةِ وَأَقَلُّ منها وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ نُسِخَتْ في السُّنَّةِ وَأُثْبِتَتْ في عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِأَصْلِ هذه الْآيَةِ وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً في جُمْلَةِ الْمُعْتَدَّاتِ
____________________

(4/99)


فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في الْمُطَلَّقَاتِ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } فلما فَرَضَ اللَّهُ في الْمُعْتَدَّةِ من الطَّلَاقِ السُّكْنَى وَكَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ من الْوَفَاةِ في مَعْنَاهَا احْتَمَلَتْ أَنْ يَجْعَلَ لها السُّكْنَى لِأَنَّهَا في مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَالسُّكْنَى لها في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَنْصُوصٌ أو في مَعْنَى من نَصَّ لها السُّكْنَى في فَرْضِ الْكِتَابِ وَإِنْ لم يَكُنْ هَكَذَا فَالْفَرْضُ في السُّكْنَى لها في السُّنَّةِ ثَمَّ فيما أَحْفَظُ عَمَّنْ حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عنها السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ في سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا قِيلَ أخبرنا مَالِكٌ عن سَعْدِ بن إِسْحَاقَ عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما وَصَفْت في مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عنها هو الْأَمْرُ الذي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقد قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَهَذَا ثَابِتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا نَزَلَ فَرْضُ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ بَعْدُ وَإِنْ كان كما قال فَقَدْ اثبت لها الْمِيرَاثَ كما أَثْبَتَهُ لِأَهْلِ الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ في أَنْ يَكُونَ ذلك بِآخِرِ ما أَبْطَلَ حَقَّهَا وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ عِدَّتَهَا في الْوَفَاةِ كانت ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَقَدْ بَطُلَتْ عنها الإقراء وَثَبَتَتْ عليها الْعِدَّةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ مَنْصُوصَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ في السُّنَّةِ قِيلَ أخبرنا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ عن حُمَيْدِ بن نَافِعٍ قال اللَّهُ عز وجل في عِدَّةِ الطَّلَاقِ { وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ في الْمُطَلَّقَةِ لَا تَحِيضُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا سِيَاقُهَا وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ في الْمُطَلَّقَةِ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مُطَلَّقَةٍ تَحِيضُ وَمُتَوَفًّى عنها لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ على الْمُعْتَدَّاتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيُّ مَعَانِيهَا أَوْلَى بها قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فأما ( ( ( فأنا ) ) ) الذي يُشَبِّهُ فأن ( ( ( فإنها ) ) ) تَكُونُ في كل مُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ قال الشَّافِعِيُّ لَمَّا كانت الْعِدَّةُ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وكان وَضْعُ الْحَمْلِ بَرَاءَةً من عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَادِمًا لِلْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ كان هَكَذَا في جَمِيعِ الْعَدَدِ والإستبراء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مع أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ حتى لَا يَكُونَ في النَّفْسِ منه شَيْءٌ فَقَدْ يَكُونُ في النَّفْسِ شَيْءٌ في جَمِيعِ الْعَدَدِ والإستبراء وَإِنْ كان ذلك بَرَاءَةً في الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ اسْتِحْدَاثِ الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في غَيْرِ آيَةٍ في قِسْمِ الْمِيرَاثِ { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } وَ { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ } قال الشَّافِعِيُّ فَنَقَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِلْكَ من مَاتَ من الْأَحْيَاءِ إلَى من بَقِيَ من وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيمَا مَلَّكَهُمْ من مِلْكِهِ وقال اللَّهُ عز وجل { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } قال فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَعْقُولُ فيها { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } إنْ كان عليهم دَيْنٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وَلَا أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ فيه مُخَالِفًا وقد تَحْتَمِلُ الْآيَةُ مَعْنًى غير هذا أَظْهَرَ منه وَأَوْلَى بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَخْتَلِفُ فيه فِيمَا عَلِمْت وَإِجْمَاعُهُمْ لَا يَكُونُ عن جَهَالَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } مَعَانٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فلما لم يَكُنْ بين أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافٍ عَلِمْته في أَنَّ ذَا الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ الرَّجُلِ في حَيَاتِهِ منه حتى يستوفى دَيْنَهُ وكان أَهْلُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَمْلِكُونَ عن الْمَيِّتِ ما كان الْمَيِّتُ أَمْلَكُ بِهِ كان بَيِّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ أَهْلُ الْعِلْمِ اختلفوا ( ( ( فاختلفوا ) ) ) فيه أَنَّ الدَّيْنَ مَبْدَأٌ على الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ فَكَانَ حُكْمُ الدَّيْنَ كما وَصَفْت مُنْفَرِدًا مُقَدَّمًا وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أو دَيْنٍ } ثُمَّ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا وَصِيَّةَ وَلَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ
____________________

(4/100)


الدَّيْنِ دَلِيلٌ على أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ في صِحَّةٍ كان أو في مَرَضٍ بِإِقْرَارٍ أو بَيِّنَةٍ أو أَيَّ وَجْهٍ ما كان سَوَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَخُصَّ دَيْنًا دُونَ دَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد روى في تَبْدِئَةِ الدَّيْنِ قبل الْوَصِيَّةِ حَدِيثٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله أخبرنا سُفْيَانُ عن ابي إِسْحَاقَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالى عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قبل الْوَصِيَّةِ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن حُجَيْرٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ له كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى يقول { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فقال كَيْفَ تقرؤون ( ( ( تقرءون ) ) ) الدَّيْنَ قبل الْوَصِيَّةِ أو الْوَصِيَّةَ قبل الدَّيْنِ فَقَالُوا الْوَصِيَّةُ قبل الدَّيْنِ قال فَبِأَيِّهِمَا تَبْدَءُونَ قالوا بِالدَّيْنِ قال فَهُوَ ذَاكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ وإذا قضى الدَّيْنُ كان لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ فَعَلَ كان لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَانِ وَإِنْ لم يُوصِ أو أَوْصَى بِأَقَلِّ من ثُلُثِ مَالِهِ كان ذلك مَالًا من ماله تَرَكَهُ قال فَكَانَ لِلْوَرَثَةِ ما فَضَلَ عن الْوَصِيَّةِ من الْمَالِ إنْ أَوْصَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ لِلْوَرَثَةِ الْفَضْلَ عن الْوَصَايَا وَالدَّيْنِ فَكَانَ الدَّيْنُ كما وَصَفْت وَكَانَتْ الْوَصَايَا مُحْتَمَلَةً أَنْ تَكُونَ مُبْدَأَةً على الْوَرَثَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كما وَصَفْت لَك من الْفَضْلِ عن الْوَصِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْوَصِيَّةِ غَايَةٌ يَنْتَهِي بها إلَيْهَا كَالْمِيرَاثِ لكل ( ( ( بكل ) ) ) وَارِثٍ غَايَةٌ كانت الْوَصَايَا مِمَّا أَحْكَمَ اللَّهُ عز وجل فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ على لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ غَايَةُ مُنْتَهَى الْوَصَايَا التي لو جَاوَزَهَا الْمُوصِي كان لِلْوَرَثَةِ رَدُّ ما جَاوَزَ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي قال وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ يَدُلُّ على أَنَّ من جَاوَزَ الثُّلُثَ من الْمُوصِينَ رُدَّتْ وَصِيَّتُهُ إلَى الثُّلُثِ وَيَدُلُّ على أَنَّ الْوَصَايَا تَجُوزُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين رَدَّ عِتْقَ الْمَمْلُوكِينَ إلَى الثُّلُثِ دَلَّ على أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ حُكْمَ الْوَصَايَا وَالْمُعْتَقِ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كانت الْعَرَبُ تَمْلِكُ من لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَأَقَلِّ من الثُّلُثِ وَتَرْكِ الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ فَوَاسِعٌ له أَنْ يَبْلُغَ الثُّلُثَ وقال في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ إنَّك أن تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ من أَنْ تَذَرْهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) غَيًّا كما قال من بَعْدَهُ في الْوَصَايَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ في كَلَامِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ اخْتِيَارِ أَنْ يَتْرُكَ الْمُوصِي وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ فإذا تَرَكَهُمْ أَغْنِيَاءَ اخْتَرْت له أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ وإذا لم يَدَعْهُمْ أَغْنِيَاءَ كَرِهْت له أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ وَأَنْ يُوصِيَ بِالشَّيْءِ حتى يَكُونَ يَأْخُذُ بِالْحَظِّ من الْوَصِيَّةِ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا ما وَقَعَ عليه اسْمُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لم يَدَعْ كَثِيرَ مَالٍ وَمَنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِمَّا يُغْنِي وَرَثَتَهُ وَأَكْثَرَ من التَّافِهِ زَادَ شيئا في وَصِيَّتِهِ وَلَا أُحِبُّ بُلُوغَ الثُّلُثِ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ يَحْتَمِلُ الثُّلُثَ غير قَلِيلٍ وهو أَوْلَى مَعَانِيهِ لِأَنَّهُ لو كَرِهَهُ لِسَعْدٍ لَقَالَ له غُضَّ منه وقد كان يَحْتَمِلُ أَنَّ له بُلُوغَهُ وَيَجِبُ له الْغَضُّ منه وَقَلَّ كَلَامٌ إلَّا وهو مُحْتَمِلٌ وَأَوْلَى مَعَانِي الْكَلَامِ بِهِ ما دَلَّ عليه الْخَبَرُ وَالدَّلَالَةُ ما وَصَفْت من أَنَّهُ لو كَرِهَهُ لِسَعْدٍ أَمَرَهُ أَنْ يَغُضَّ منه قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ اخْتَلَفَ الناس في هذا قال لم أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ جَائِزًا لِكُلِّ مُوصٍ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ قَلَّ ما تَرَكَ أو كَثُرَ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ له أَنْ يُجَاوِزَهُ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ وَهَلْ اخْتَلَفُوا في اخْتِيَارِ النَّقْصِ عن الثُّلُثِ أو بُلُوغِهِ قال نعم وَفِيمَا وَصَفْت لَك من الدَّلَالَةِ عن رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَغْنَى عَمَّا سِوَاهُ فَقُلْت فَاذْكُرْ اخْتِلَافَهُمْ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ
____________________

(4/101)


- * بَابُ عَطَايَا الْمَرِيضِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْتَقَ الرَّجُلُ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له لَا مَالَ له غَيْرُهُمْ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ فَأَعْتَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً دَلَّ ذلك على أَنَّ كُلَّ ما أَتْلَفَ الْمَرْءُ من مَالِهِ في مَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِمَّا يَتَعَوَّضُ الناس مِلْكًا في الدُّنْيَا فَمَاتَ من مَرَضِهِ ذلك فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَلَمَّا كان إنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فما أَتْلَفَ الْمَرْءُ من مَالِهِ في مَرَضِهِ ذلك فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصَايَا فَإِنْ صَحَّ تَمَّ عليه ما يَتِمُّ بِهِ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ وَإِنْ مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك كان حُكْمُهُ حُكْمَ وَصِيَّتِهِ وَمَتَى حَدَثَتْ له صِحَّةٌ بَعْدَ ما أَتْلَفَ منه ثُمَّ عَاوَدَهُ مَرَضٌ فَمَاتَ تَمَّتْ عَطِيَّتُهُ إذَا كانت الصِّحَّةُ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ فَحُكْمُ الْعَطِيَّةِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ ذلك ما وَصَفْت من أَنْ يُخْرِجَ من مِلْكِهِ شيئا بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ الناس من أَمْوَالِهِمْ في الدُّنْيَا فَالْهِبَاتُ كُلُّهَا وَالصَّدَقَاتُ وَالْعَتَاقُ وَمَعَانِي هذه كُلُّهَا هَكَذَا فما كان من هِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو ما في مَعْنَاهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ من الثُّلُثِ فَإِنْ كان مَعَهَا وَصَايَا فَهِيَ مَبْدَأَةٌ عليها لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ بَتَاتٍ قد مُلِّكَتْ عليه مِلْكًا يَتِمُّ بِصِحَّتِهِ من جَمِيعِ مَالِهِ وَيَتِمُّ بِمَوْتِهِ من ثُلُثِهِ إنْ حَمَلَهُ وَالْوَصَايَا مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْوَصَايَا لم تُمَلَّكْ عليه وَلَهُ الرُّجُوعُ فيها وَلَا تُمَلَّكُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان من عَطِيَّةِ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ لم يَأْخُذْ بها عِوَضًا أَعْطَاهُ إيَّاهَا وهو يوم أَعْطَاهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ لو مَاتَ اولا يَرِثُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ فإذا مَاتَ فَإِنْ كان الْمُعْطَى وَارِثًا له حين مَاتَ أُبْطِلَتْ الْعَطِيَّةُ لِأَنِّي إذَا جَعَلْتُهَا من الثُّلُثِ لم أَجْعَلْ لِوَارِثٍ في الثُّلُثِ شيئا من جِهَةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كان الْمُعْطَى حين مَاتَ المعطى غير وَارِثٍ أَجَزْتهَا له لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان من عَطَايَا الْمَرِيضِ على عِوَضٍ أَخَذَهُ مِمَّا يَأْخُذُ الناس من الْأَمْوَالِ في الدُّنْيَا فَأَخَذَ بِهِ عِوَضًا يَتَغَابَنُ الناس بمثله ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ بِهِ عِوَضًا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله فَالزِّيَادَةُ عَطِيَّةٌ بِلَا عِوَضٍ فَهِيَ من الثُّلُثِ فَمَنْ جَازَتْ له وَصِيَّةٌ جَازَتْ له وَمَنْ لم تَجُزْ له وَصِيَّةٌ لم تَجُزْ له الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أو يَبِيعُهُ أو الْأَمَةَ أو الدَّارَ أو غير ذلك مِمَّا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ فإذا بَاعَ الْمَرِيضُ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ أو لم يَدْفَعْ حتى مَاتَ فقال وَرَثَتُهُ حَابَاك فيه أو غَبَنْته فيه نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الْمُشْتَرَى يوم وَقَعَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِنْ كان اشْتَرَاهُ بِمَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بمثله كان الشِّرَاءُ جَائِزًا من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كان اشْتَرَاهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله كان ما يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بمثله جَائِزًا من رَأْسِ الْمَالِ وما جَاوَزَهُ جَائِزًا من الثُّلُثِ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ جَازَ له الْبَيْعُ وَإِنْ لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ إنْ كان قَائِمًا وَتَأْخُذُ ثَمَنَهُ الذي أُخِذَ مِنْك أو تُعْطِي الْوَرَثَةَ الْفَضْلَ عَمَّا يَتَغَابَنُ الناس بمثله مِمَّا لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنْ كان الْبَيْعُ فَائِتًا رَدَّ ما بين قِيمَةِ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله مِمَّا لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْبَيْعُ قَائِمًا قد دَخَلَهُ عَيْبٌ رَدَّ قِيمَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان الْمَرِيضُ المشترى فَهُوَ في هذا الْمَعْنَى وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِيمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله من رَأْسِ الْمَالِ وَبِمَا جَاوَزَ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله من الثُّلُثِ فَإِنْ لم يَكُنْ له ثُلُثٌ أو كان فلم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ قِيلَ له إنْ شِئْت سَلَّمْته بِمَا سُلِّمَ لَك من رَأْسِ الْمَالِ وَالثُّلُثِ وَتَرَكْت الْفَضْلَ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ شِئْت رَدَدْت ما أَخَذْت وَنَقَضْت الْبَيْعَ إنْ كان الْبَيْعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان مُسْتَهْلَكًا ولم تَطِبْ نَفْسُ الْبَائِعِ عن الْفَضْلِ فَلِلْبَائِعِ من مَالِ الْمَيِّتِ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله في سِلْعَتِهِ وما حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله وَيَرُدُّ الْفَضْلُ عن ذلك على الْوَرَثَةِ وَإِنْ كان السِّلْعَةُ قَائِمَةً قد دَخَلَهَا عَيْبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْمَبِيعُ عَبْدًا أو غَيْرَهُ فَاشْتَرَاهُ
____________________

(4/102)


الْمَرِيضُ فَظَهَرَ منه على عَيْبٍ فَأَبْرَأَ الْبَائِعَ من الْعَيْبِ فَكَانَ في ذلك غَبْنٌ كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ فِيمَا انْعَقَدَ عليه الْبَيْعُ وَفِيهِ غَبْنٌ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهُ صَحِيحًا ثُمَّ ظَهَرَ منه على عَيْبٍ وهو مَرِيضٌ فَأَبْرَأَهُ منه أو اشْتَرَاهُ وَلَهُ فيه خِيَارُ رُؤْيَةٍ أو خِيَارُ شَرْطٍ أو خِيَارُ صَفْقَةٍ فلم يَسْقُطْ خِيَارُ الصَّفْقَةِ بِالتَّفَرُّقِ وَلَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِانْقِضَاءِ الشَّرْطِ حتى مَرِضَ فَفَارَقَ الْبَائِعَ أو رَأَى السِّلْعَةَ فلم يَرُدَّهَا أو مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وهو مَرِيضٌ فلم يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ في هذا كُلِّهِ وهو مَرِيضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ كان الْبَائِعُ الصَّحِيحَ وَالْمُشْتَرِي الْمَرِيضَ أو الْمُشْتَرِي الصَّحِيحَ وَالْبَائِعُ الْمَرِيضَ على أَصْلِ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّ الْغَبْنَ يَكُونُ في الثُّلُثِ وَهَكَذَا لو بَاعَ مَرِيضٌ من مَرِيضٍ أو صَحِيحٌ من صَحِيحٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْمَرِيضِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الصَّحِيحِ في قِيمَةِ ما بَاعَ الْمَرِيضُ فقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا منه وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وقال الْوَرَثَةُ بَلْ بَاعَكَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي في هذا كُلِّهِ وَارِثًا أو غير وَارِثٍ فلم يَمُتْ الْمَيِّتُ حتى صَارَ وَارِثًا كان بِمَنْزِلَةِ من لم يَزَلْ وَارِثًا له إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ فإذا بَاعَهُ الْمَيِّتُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ منه ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِثْلُ الْأَجْنَبِيِّ في جَمِيعِ حَالِهِ الا فِيمَا زَادَ على ما يَتَغَابَنُ الناس بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله قِيلَ لِلْوَارِثِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ على ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَأَنْتَ فَلَا وَصِيَّةَ لَك فَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ الْبَيْعَ إذَا لم يُسَلِّمْ لَك ما بَاعَك وَإِنْ شِئْت فَأَعْطِ الْوَرَثَةَ من ثَمَنِ السِّلْعَةِ ما زَادَ على ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله ثُمَّ هو في فَوْتِ السِّلْعَةِ وَغَبْنِهَا مِثْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ وَارِثٌ من مَرِيضٍ وَارِثٍ - * بَابُ نِكَاحِ الْمَرِيضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ جَمِيعَ ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعًا وما دُونَهُنَّ كما يَجُوزُ له أَنْ يَشْتَرِيَ فإذا أَصْدَقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَدَاقَ مِثْلِهَا جَازَ لها من جَمِيعِ الْمَالِ وَأَيَّتُهُنَّ زَادَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا فَالزِّيَادَةُ مُحَابَاةٌ فَإِنْ صَحَّ قبل أَنْ يَمُوتَ جَازَ لها من جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَصِحَّ بَطَلَتْ عنها الزِّيَادَةُ على صَدَاقِ مِثْلِهَا وَثَبَتَ النِّكَاحُ وكان لها الْمِيرَاثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ مولى بن عُمَرَ أَنَّهُ قال كانت ابْنَةُ حَفْصِ بن الْمُغِيرَةِ عِنْدَ عبد اللَّهِ بن أبي رَبِيعَةَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ إنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ فَحُدِّثَ أنها عَاقِرٌ لَا تَلِدُ فَطَلَّقَهَا قبل أَنْ يُجَامِعَهَا فَمَكَثَتْ حَيَاةَ عُمَرَ وَبَعْضَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عبد اللَّهِ بن أبي رَبِيعَةَ وهو مَرِيضٌ لِتُشْرِكَ نِسَاءَهُ في الْمِيرَاثِ وكان بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ اخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ يقول أَرَادَ عبد الرحمن بن أُمِّ الْحَكَمِ في شَكَوَاهُ أَنْ يُخْرِجَ امْرَأَتَهُ من مِيرَاثِهَا منه فَأَبَتْ فَنَكَحَ عليها ثَلَاثَ نِسْوَةٍ واصدقهن أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَأَجَازَ ذلك عبد الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ وَشَرَكَ بَيْنَهُنَّ في الثُّمُنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَى ذلك صَدَاقَ مِثْلِهِنَّ وَلَوْ كان أَكْثَرَ من صَدَاقِ مِثْلِهِنَّ لَجَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ ما زَادَهُنَّ على صَدَاقِ مِثْلِهِنَّ إذَا مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ قال في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه زَوِّجُونِي لَا أَلْقَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وأنا عَزَبٌ ( قال ) وَأَخْبَرَنِي
____________________

(4/103)


سَعِيدُ بن سَالِمٍ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى في نِكَاحِ رَجُلٍ نَكَحَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَعَلَ الميراث ( ( ( الوارث ) ) ) وَالصَّدَاقَ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَكَحَ الْمَرِيضُ فَزَادَ الْمَنْكُوحَةَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ لها الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ قد صَحَّ قبل أَنْ يَمُوتَ فَكَانَ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحًا وهو صَحِيحٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ لم يَصِحَّ حتى مَاتَتْ الْمَنْكُوحَةُ فَصَارَتْ غير وَارِثٍ كان لها جَمِيعُ ما أَصْدَقَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا من رَأْسِ الْمَالِ وَالزِّيَادُ من الثُّلُثِ كما يَكُونُ ما وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةِ فَقَبَضَتْهُ من الثُّلُثِ فما زَادَ من صَدَاقِ الْمَرْأَةِ على الثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ مِثْلُ الْمَوْهُوبِ الْمَقْبُوضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْمُتَزَوِّجَةُ مِمَّنْ لَا تَرِثُ بِأَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ عِنْدَهُ جَازَ لها جَمِيعُ الصَّدَاقِ صَدَاقُ مِثْلِهَا من جَمِيعِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ على صَدَاقِ مِثْلِهَا من الثُّلُثِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثٍ وَلَوْ أَسْلَمَتْ فَصَارَتْ وَارِثًا بَطَلَ عنها ما زَادَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَكَحَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ مَاتَ لم تَرِثْهُ ولم يَكُنْ لها مَهْرٌ إنْ لم يَكُنْ أَصَابَهَا فَإِنْ كان أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ مِمَّا سمى لها أو أَكْثَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَأَعْتَقَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا وَأَصْدَقَهَا صَدَاقًا وَأَصَابَهَا بَقِيَ الْجَوَابُ ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أُجِيبُ فيها وَأَقُولُ يُنْظَرُ فَإِنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ كان الْعِتْقُ جَائِزًا وكان النِّكَاحُ جَائِزًا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الذي سمى لها من الصَّدَاقِ أَقَلَّ من صَدَاقِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لها إلَّا ما سَمَّاهُ لها فَإِنْ كان أَكْثَرَ من صَدَاقِ مِثْلِهَا رُدَّتْ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ وَارِثَةً وَإِنْ لم تَخْرُجْ من الثُّلُثِ عَتَقَ منها ما احْتَمَلَ الثُّلُثُ وكان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا بِحِسَابِ ما عَتَقَ منها ولم تَكُنْ وَارِثَةً لِأَنَّ بَعْضَهَا رَقِيقٌ - * هِبَاتُ الْمَرِيضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ هِبَةً في مَرَضِهِ لِوَارِثٍ أو غَيْرِ وَارِثٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ ما وَهَبَ له فَإِنْ كان وَارِثًا ولم يَصِحَّ الْمَرِيضُ حتى مَاتَ من مَرَضِهِ الذي وَهَبَ فيه فَالْهِبَةُ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ له وهو غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا فَإِنْ اسْتَغَلَّ ما وُهِبَ له ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ قبل أَنْ يَصِحَّ رَدَّ الْغَلَّةَ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ مِلْكَ ما وُهِبَ له كان في مِلْكِ الْوَاهِبِ وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثٍ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْهِبَةَ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه كانت الْهِبَةُ مَرْدُودَةً لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُهُ إيَّاهَا كان وهو مَرِيضٌ وَلَوْ كانت الْهِبَةُ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ كان الدَّفْعُ وهو صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ كانت الْهِبَةُ تَامَّةً من قِبَلِ أنها تَمَّتْ بِالْقَبْضِ وقد كان لِلْوَاهِبِ حَبْسُهَا وكان دَفْعُهُ إيَّاهَا كَهِبَتِهِ إيَّاهَا وَدَفْعِهِ وهو صَحِيحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْهِبَةُ لِمَنْ يَرَاهُ يَرِثُهُ فَحَدَثَ دُونَهُ وَارِثٌ فَحَجَبَهُ فَمَاتَ وهو غَيْرُ وَارِثٍ أو لِأَجْنَبِيٍّ كانت سَوَاءً لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ وَارِثٍ فإذا كانت هِبَتُهُ لَهُمَا صَحِيحًا أو مَرِيضًا وَقَبَّضَهُمَا الْهِبَةَ وهو صَحِيحٌ فَالْهِبَةُ لَهُمَا جَائِزَةٌ من رَأْسِ مَالِهِ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ لو كانت هِبَتُهُ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ كان ذلك كَقَبْضِهِمَا وهو صَحِيحٌ وَلَوْ كان قَبَّضَهُمَا الْهِبَةَ وهو مَرِيضٌ فلم يَصِحَّ كانت الْهِبَةُ وهو صَحِيحٌ أو مَرِيضٌ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ من الثُّلُثِ مُبْدَأَةٌ على الْوَصَايَا لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ بَتَاتٍ وما حَمَلَ الثُّلُثُ منها جَازَ وما لم يَحْمِلْ رُدَّ وكان الْمَوْهُوبُ له شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِمَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا وُهِبَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما نَحَلَ أو ما تَصَدَّقَ بِهِ على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْهِبَاتِ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ من هذا شَيْءٌ إلَّا بِالْقَبْضِ وَكُلُّ ما لَا يُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ وَالنَّاحِلَ وَالْمُتَصَدِّقَ لو مَاتَ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ له وَالْمَنْحُولُ وَالْمُتَصَدَّقُ عليه ما صُيِّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم بَطَلَ ما صَنَعَ وكان مَالًا من مَالِ الْوَاهِبِ النَّاحِلِ الْمُتَصَدِّقِ لِوَرَثَتِهِ أو لا تَرَى أَنَّ جَائِزًا لِمَنْ أَعْطَى هذا أَنْ يَرُدَّهُ على مُعْطِيهِ فَيَحِلَّ لِمُعْطِيهِ مِلْكُهُ وَيَحِلَّ لِمُعْطِيهِ شِرَاؤُهُ منه وَارْتِهَانُهُ
____________________

(4/104)


منه وَيَرِثُهُ إيَّاهُ فَيَمْلِكُهُ كما كان يَمْلِكُهُ قبل خُرُوجِهِ من يَدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت دَارُ رَجُلٍ أو عَبْدُهُ في يَدَيْ رَجُلٍ بِسُكْنَى أو إجَارَةٍ أو عَارِيَّةٍ فقال قد وَهَبْت لَك الدَّارَ التي في يَدَيْك وَكُنْت قد أَذِنْت لَك في قَبْضِهِ لِنَفْسِك كانت هذه هِبَةً مَقْبُوضَةً لِلدَّارِ وَالْعَبْدِ الذي في يَدَيْهِ ثُمَّ لم يُحْدِثْ له مَنْعًا لِمَا وَهَبَ له حتى مَاتَ عُلِمَ أَنَّهُ لها قَابِضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان يَجُوزُ بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ مُخَالِفٌ لِهَذَا وَذَلِكَ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ فإذا تَكَلَّمَ بها الْمُتَصَدِّقُ وَشُهِدَ بها عليه فَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ تَامَّةٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ بها عليه لَا يَزِيدُهَا الْقَبْضُ تَمَامًا وَلَا يَنْقُصُ منها تَرْكُ ذلك وَذَلِكَ أَنَّ الْمُخْرِجَ لها من مِلْكِهِ أَخْرَجَهَا بِأَمْرٍ مَنَعَهَا بِهِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ منها مُتَصَرِّفًا فِيمَا يُصْرَفُ فيه الْمَالُ من بَيْعٍ وَمِيرَاثٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَأَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ خُرُوجًا لَا يَحِلُّ له أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ بِحَالٍ فَأَشْبَهَتْ الْعِتْقَ في كَثِيرٍ من أَحْكَامِهَا ولم تُخَالِفْهُ إلَّا في أن الْمُعْتَقِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَكَسْبَهَا وَأَنَّ مَنْفَعَةَ هذه مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ جُعِلَتْ له وَذَلِكَ أنها لَا تَكُونُ مَالِكَةً وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من كِتَابِ الْآثَارِ في هذا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ في غَيْرِهِ فإذا تَكَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ أو مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ فَهِيَ جَائِزَةٌ خَارِجَةٌ من مَالِهِ وإذا كان تَكَلَّمَ بها مَرِيضًا فلم يَصِحَّ فَهِيَ من ثُلُثِهِ جَائِزَةٌ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ لِمَنْ جَازَتْ له الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَمَرْدُودَةٌ عَمَّنْ تُرَدُّ عنه الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ - * وَفِيهِ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ على الثُّلُثِ وَشَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِجَارَةِ ولم يذكر الرَّبِيعُ تَرْجَمَةً تَدُلُّ على الزَّائِدِ على الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ وَصِيَّةٌ إذَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِمَّا تَرَكَ فَمَنْ أَوْصَى فَجَاوَزَ الثُّلُثَ رُدَّتْ وَصَايَاهُ كُلُّهَا إلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْوَرَثَةُ فَيُجِيزُونَ له ذلك فَيَجُوزُ بِإِعْطَائِهِمْ وإذا تَطَوَّعَ له الْوَرَثَةُ فَأَجَازُوا ذلك له فَإِنَّمَا أَعْطَوْهُ من أَمْوَالِهِمْ فَلَا يَجُوزُ في الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتِمُّ للمعطي بِمَا يَتِمُّ بِهِ له ما ابْتَدَءُوا بِهِ عَطِيَّتَهُ من أَمْوَالِهِمْ من قبضه ذلك وَيُرَدُّ بِمَا رُدَّ بِهِ ما ابْتَدَءُوا من أَمْوَالِهِمْ إنْ مَاتَ الْوَرَثَةُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُوصَى له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ فلم ( ( ( ولم ) ) ) تُجِزْ ذلك الْوَرَثَةُ اقْتَسَمَ أَهْلُ الْوَصَايَا الثُّلُثَ على قَدْرِ ما أوصى لهم بِهِ يُجَزَّأُ الثُّلُثُ
____________________

(4/105)


ثَلَاثَةَ عَشْرَ جُزْءًا فَيَأْخُذُ منه صَاحِبُ النِّصْفِ سِتَّةً وَصَاحِبُ الثُّلُثِ أَرْبَعَةً وَصَاحِبُ الرُّبُعِ ثَلَاثَةً وَلَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ اقْتَسَمُوا جَمِيعَ الْمَالِ على أَنَّهُ دخل عليهم عَوْلُ نِصْفِ السُّدُسِ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم من الْعَوْلِ نِصْفَ سُدُسِ وَصِيَّتِهِ وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ كُلَّهُ كما اقْتَسَمُوا الثُّلُثَ حتى يَكُونُوا سَوَاءً في الْعَوْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال لِفُلَانٍ غُلَامِي فُلَانٌ وَلِفُلَانٍ دَارِي وَوَصَفَهَا وَلِفُلَانٍ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فلم يَبْلُغْ هذا الثُّلُثَ ولم تُجِزْهُ لهم الْوَرَثَةُ وكان الثُّلُثُ أَلْفًا وَالْوَصِيَّةُ أَلْفَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ دَارِهِ أَلْفًا وَالْوَصِيَّةُ خَمْسُمِائَةٍ دخل على كل وَاحِدٍ منهم في وَصِيَّتِهِ عَوْلُ النِّصْفِ وَأَخَذَ نِصْفَ وَصِيَّتِهِ فَكَانَ لِلْمُوصَى له بِالْغُلَامِ نِصْفُ الْغُلَامِ وَلِلْمُوصَى له بِالدَّارِ نِصْفُ الدَّارِ وَلِلْمُوصَى له بِالْخَمْسِمِائَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا لَا تُجْعَلُ وَصِيَّةُ أَحَدٍ منهم أوصى له في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَّا فِيمَا أوصى له بِهِ وَلَا يَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا ما سَلَّمَهَا الْوَرَثَةُ فَإِنْ قال الْوَرَثَةُ لَا نُسَلِّمُ له من الدَّارِ إلَّا ما لَزِمَنَا قِيلَ له ثُلُثُ الدَّارِ شَرِيكٌ لَكُمْ بها إنْ شَاءَ وَشِئْتُمْ اقْتَسَمْتُمْ وَيُضْرَبُ بِقِيمَةِ سُدُسِ الدَّارِ الذي جَازَ له من وَصِيَّتِهِ في مَالِ الْمَيِّتِ يَكُونُ شَرِيكًا لَكُمْ بِهِ وَهَكَذَا الْعَبْدُ وَكُلُّ ما أوصى له بِهِ بِعَيْنِهِ فلم تُسَلِّمْهُ له الْوَرَثَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الدَّارِ وَالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِدَارٍ فقال دَارِي التي كَذَا وَوَصَفَهَا وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ فَالدَّارُ له بِجَمِيعِ بِنَائِهَا وما ثَبَتَ فيها من بَابٍ وَخَشَبٍ وَلَيْسَ له مَتَاعٌ فيها وَلَا خَشَبٌ وَلَا أَبْوَابٌ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ في الْبِنَاءِ وَلَا لَبِنٌ وَلَا حِجَارَةٌ وَلَا آجُرٌّ لم يُبْنَ بِهِ لِأَنَّ هذا لَا يَكُونُ من الدَّارِ حتى يُبْنَى بِهِ فَيَكُونَ عِمَارَةً لِلدَّارِ ثَابِتَةً فيها وَلَوْ أَوْصَى له بِالدَّارِ فَانْهَدَمَتْ في حَيَاةِ الْمُوصِي لم يَكُنْ له ما انْهَدَمَ من الدَّارِ وكان له ما بَقِيَ لم يَنْهَدِمْ من الدَّارِ وما ثَبَتَ فيها لم يَنْهَدِمْ منها من خَشَبٍ وَأَبْوَابٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ جاء عليها سَيْلٌ فَذَهَبَ بها أو بِبَعْضِهَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ أو بَطَلَ منها ما ذَهَبَ من الدَّارِ وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِعَبْدٍ فَمَاتَ أو اعَوَرَّ أو نَقَصَ منه شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَذَهَبَ لم يَكُنْ له فِيمَا بَقِيَ من الثُّلُثِ سِوَى ما أَوْصَى له بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ما أَوْصَى له بِهِ قد ذَهَبَ وَهَكَذَا كُلُّ ما أَوْصَى له بِهِ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ أو نَقَصَ وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِشَيْءٍ فَاسْتَحَقَّ على الموصى بِشَيْءٍ بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ أو غَصْبٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ اوصى له بِمَا لَا يَمْلِكُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ بِصِفَتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اوصى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فقال له غُلَامِي الْبَرْبَرِيُّ او غُلَامِي الْحَبَشِيُّ أو نَسَبَهُ إلَى جِنْسٍ من الْأَجْنَاسِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ ولم يَكُنْ له عَبْدٌ من ذلك الْجِنْسِ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كان غير جَائِزٍ وَلَوْ زَادَ فَوَصَفَهُ وكان له عَبْدٌ من ذلك الْجِنْسِ يُسَمَّى بِاسْمِهِ وَتُخَالِفُ صِفَتُهُ صِفَتَهُ كان جَائِزًا له ( قال الرَّبِيعُ ) أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هذا غَلَطًا من الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ لم يُقْرَأْ على الشَّافِعِيِّ ولم يُسْمَعْ منه وَالْجَوَابُ فيها عِنْدِي أَنَّهُ إنْ وَافَقَ اسْمُهُ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى له بِغُلَامٍ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصَفَهُ فَوَجَدْنَا له غُلَامًا بِذَلِكَ الِاسْمِ وَالْجِنْسِ غير أَنَّهُ
____________________

(4/106)


مُخَالِفٌ لِصِفَتِهِ كَأَنَّهُ قال في صِفَتِهِ أَبْيَضُ طِوَالٌ حَسَنُ الْوَجْهِ فَأَصَبْنَا ذلك الِاسْمَ وَالْجِنْسَ أَسْوَدَ قصير ( ( ( قصيرا ) ) ) أَسْمَجَ الْوَجْهِ لم نَجْعَلْهُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبَهُ إلَى جِنْسِهِ فَكَانَ له عَبْدَانِ أو أَكْثَرُ من ذلك الْجِنْسِ فَاتَّفَقَ اسْمَاهُمَا وَأَجْنَاسُهُمَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَةٌ ولم تُثْبِتْ الشُّهُودُ أَيَّهُمَا أَرَادَ ( قال الرَّبِيعُ ) فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ إذَا لم يُثْبِتُوا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ كما لو شَهِدُوا لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَنَّ له هذا الْعَبْدَ أو هذه الْجَارِيَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لم يُثْبِتُوا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ في أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا مَوْقُوفَانِ بين الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى له حتى يَصْطَلِحُوا لِأَنَّا قد عَرَفْنَا أَنَّ له أَحَدَهُمَا وَإِنْ كان بِغَيْرِ عَيْنِهِ - * بَابُ الْمَرَضِ الذي تَكُونُ عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه جَائِزَةً أو غير جَائِزَةٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَرَضُ مَرَضَانِ فَكُلُّ مَرَضٍ كان الْأَغْلَبُ منه أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ منه فَعَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه إنْ مَاتَ في حُكْمِ الْوَصَايَا وَكُلُّ مَرَضٍ كان الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ فَعَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وَإِنْ مَاتَ منه فَأَمَّا الْمَرَضُ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ منه فَكُلُّ حُمَّى بَدَأَتْ بِصَاحِبِهَا حتى جَهِدَته أَيَّ حُمَّى كانت ثُمَّ إذَا تَطَاوَلَتْ فَكُلُّهَا مَخُوفٌ إلَّا الرِّبْعَ فَإِنَّهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ بِصَاحِبِهَا رِبْعًا كان الْأَغْلَبُ فيها أنها غَيْرُ مَخُوفَةٍ فما أَعْطَى الذي اسْتَمَرَّتْ بِهِ حُمَّى الرِّبْعِ وهو في حُمَّاهُ فَهُوَ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وما أَعْطَى من بِهِ حُمَّى غَيْرُ رِبْعٍ فَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ فَإِنْ كان مع الرِّبْعِ غَيْرُهَا من الْأَوْجَاعِ وكان ذلك الْوَجَعُ مَخُوفًا فَعَطِيَّتُهُ كَعَطِيَّةِ الْمَرِيضِ ما لم يَبْرَأْ من ذلك الْوَجَعِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِرْسَامِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالْخَاصِرَةِ وَالْقُولَنْجِ وما أَشْبَهَ هذا وَكُلُّ وَاحِدٍ من هذا انْفَرَدَ فَهُوَ مَرَضٌ مَخُوفٌ وإذا ابْتَدَأَ الْبَطْنُ بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ لَا يَأْتِي فيه دَمٌ وَلَا شَيْءٌ غَيْرُ ما يَخْرُجُ من الْخَلَاءِ لم يَكُنْ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ حتى يُعَجِّلَهُ أو يَمْنَعَهُ نَوْمًا أو يَكُونَ مُنْخَرِقًا فَهُوَ مَخُوفٌ وَإِنْ لم يَكُنْ الْبَطْنُ مُنْخَرِقًا وكان معه زَحِيرٌ أو تَقْطِيعٌ فَهُوَ مَخُوفٌ ( قال ) وما أَشْكَلَ من هذا أَنْ يُخَلَّصَ بين مخوفة وَغَيْرِ مخوفة سُئِلَ عنه أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا هو مَخُوفٌ لم تَجُزْ عَطِيَّتُهُ إذَا مَاتَ إلَّا من ثُلُثِهِ وَإِنْ قالوا لَا يَكُونُ مَخُوفًا جَازَتْ عَطِيَّتُهُ جَوَازَ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وَمَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حتى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ أو تَغَلَّبَهُ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ عَقْلُهُ أو المرار ( ( ( المزار ) ) ) فَهُوَ في حَالِهِ تِلْكَ مَخُوفٌ عليه وَإِنْ تَطَاوَلَ بِهِ كان كَذَلِكَ وَمَنْ سَاوَرَهُ الْبَلْغَمُ كان مَخُوفًا عليه في حَالِ مُسَاوَرَتِهِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ فَالِجٌ فَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْفَالِجَ يَتَطَاوَلُ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفِ الْمُعَاجَلَةِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ سُلٌّ فَالْأَغْلَبُ أَنَّ السُّلَّ يَتَطَاوَلُ وهو غَيْرُ مَخُوفِ الْمُعَاجَلَةِ وَلَوْ أَصَابَهُ طَاعُونٌ فَهَذَا مَخُوفٌ عليه حتى يَذْهَبَ عنه الطَّاعُونُ وَمَنْ أَنْفَذَتْهُ الْجِرَاحُ حتى تَصِلَ منه إلَى جَوْفٍ فَهُوَ مَخُوفٌ عليه وَمَنْ أَصَابَهُ من الْجِرَاحِ ما لَا يَصِلُ منه إلَى مَقْتَلٍ فَإِنْ كان لَا يُحَمُّ عليها وَلَا يَجْلِسُ لها وَلَا يَغْلِبُهُ لها وَجَعٌ وَلَا يُصِيبُهُ فيها ضَرَبَانٌ وَلَا أَذًى ولم يَأْكُلْ وَيَرْمِ فَهَذَا غَيْرُ مَخُوفٍ وَإِنْ اصابه بَعْضُ هذا فَهُوَ مَخُوفٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ جَمِيعُ الْأَوْجَاعِ التي لم تُسَمَّ على ما وَصَفْت يُسْأَلُ عنها أَهْلُ الْعِلْمِ بها فَإِنْ
____________________

(4/107)


قالوا مَخُوفَةٌ فَعَطِيَّةُ المعطى عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وَإِنْ قالوا غَيْرُ مَخُوفَةٍ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ صَحِيحٍ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ في الْمَسْأَلَةِ عن ذلك وَالشَّهَادَةِ بِهِ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ - * بَابُ عَطِيَّةِ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يُخَافُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ عَطِيَّةُ الْحَامِلِ حتى يَضْرِبَهَا الطَّلْقُ لِوِلَادٍ أو إسْقَاطٍ فَتَكُونَ تِلْكَ حَالَ خَوْفٍ عليها إلَّا أَنْ يَكُونَ بها مَرَضٌ غير الْحَمْلِ مِمَّا لو أَصَابَ غير الْحَامِلِ كانت عَطِيَّتُهَا عَطِيَّةَ مَرِيضٍ وإذا وَلَدَتْ الْحَامِلُ فَإِنْ كان بها وَجَعٌ من جُرْحٍ أو وَرَمٍ أو بَقِيَّةِ طَلْقٍ أو أَمْرٍ مَخُوفٍ فَعَطِيَّتُهَا عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وَإِنْ لم يَكُنْ بها من ذلك شَيْءٌ فَعَطِيَّتُهَا عَطِيَّةُ صَحِيحٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ ضُرِبَتْ الْمَرْأَةُ أو الرَّجُلُ بِسِيَاطٍ أو خَشَبٍ أو حِجَارَةٍ فَثَقَبَ الضَّرْبُ جَوْفًا أو وَرَّمَ بَدَنًا أو حَمَلَ قَيْحًا فَهَذَا كُلُّهُ مَخُوفٌ وهو قبل أَنْ يَبْلُغَ هذا في أَوَّلِ ما يَكُونُ الضَّرْبُ إنْ كان مِمَّا يَصْنَعُ مِثْلُهُ مِثْلَ هذا مَخُوفٌ فَإِنْ أَتَتْ عليه أَيَّامٌ يُؤْمَنُ فيها أَنْ يَبْقَى بَعْدَهَا وكان مُقَتِّلًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ - * بَابُ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ في الْحَرْبِ وَالْبَحْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ عَطِيَّةُ الرَّجُلِ في الْحَرْبِ حتى يَلْتَحِمَ فيها فإذا الْتَحَمَ كانت عَطِيَّتُهُ كَعَطِيَّةِ الْمَرِيضِ كان مُحَارِبًا مُسْلِمِينَ أو عَدُوًّا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ حتى يُجْرَحَ ( قال ) وقد قال لو قُدِّمَ في قِصَاصٍ لِضَرْبِ عُنُقِهِ إنَّ عَطِيَّتَهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قد يُعْفَى عنه فإذا أُسِرَ فَإِنْ كان في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ عَطِيَّتُهُ في مَالِهِ وَإِنْ كان في أَيْدِي مُشْرِكِينَ لَا يَقْتُلُونَ أَسِيرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كان في أَيْدِي مُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى وَيَدَعُونَهُمْ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ منهم أَنْ يَقْتُلُوا وَلَيْسَ يَخْلُو الْمَرْءُ في حَالٍ أَبَدًا من رَجَاءِ الْحَيَاةِ وَخَوْفِ الْمَوْتِ لَكِنْ إذَا كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ الْخَوْفَ عليه فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وإذا كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ الْأَمَانَ عليه مِمَّا نَزَلَ بِهِ من وَجَعٍ أو إسَارٍ أو حَالٍ كانت عَطِيَّتُهُ عَطِيَّةَ الصَّحِيحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان في مُشْرِكِينَ يَفُونَ بِالْعَهْدِ فَأَعْطَوْهُ أَمَانًا على شَيْءٍ يُعْطِيهُمُوهُ أو على غَيْرِ شَيْءٍ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ يَعْنِي في حديث لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَأَيْت مُتَظَاهِرًا عِنْدَ عَامَّةِ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ولم أَرَ بين الناس في ذلك اخْتِلَافًا وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ فَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ حُكْمُ ما لم يَكُنْ فَمَتَى أَوْصَى رَجُلٌ لِوَارِثٍ وَقَفْنَا الْوَصِيَّةَ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمُوصَى له وَارِثٌ فَلَا وَصِيَّةَ له وَإِنْ حَدَثَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ يَحْجُبُهُ أو خَرَجَ الْمُوصَى له من أَنْ يَكُونَ يوم يَمُوتُ وَارِثًا له بِأَنْ يَكُونَ أَوْصَى صَحِيحًا لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فلم تَرِثْهُ فَالْوَصِيَّةُ لها جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثَةٍ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ وَتَجُوزُ إذَا كان لها حُكْمٌ وَلَا يَكُونُ لها حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي حتى تَجِبَ أو تَبْطُلَ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ وَلَهُ دُونَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُهُ فَمَاتَ الْوَارِثُ قبل الْمُوصِي فَصَارَ الْمُوصَى له وَارِثًا أو لِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ وَهِيَ
____________________

(4/108)


زَوْجَتُهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا مَعًا لِأَنَّهَا صَارَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ بِعَبْدٍ أو أَعْبُدٍ أو دَارٍ أو ثَوْبٍ أو مَالٍ مُسَمًّى ما كان بَطَلَ نَصِيبُ الْوَارِثِ وَجَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ ما يُصِيبُهُ وهو النِّصْفُ من جَمِيعِ ما أَوْصَى بِهِ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ لو قال أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِنْ كان سمي لِلْوَارِثِ ثُلُثًا وَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَيْ ما أَوْصَى بِهِ جَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ ما سمى له وَرُدَّ عن الْوَارِثِ ما سمى له وَلَوْ كان له بن يَرِثُهُ وَلِابْنِهِ أُمٌّ وَلَدَتْهُ أو حَضَنَتْهُ أو أَرْضَعَتْهُ أو أَبٌ أَرْضَعَهُ أو زَوْجَةٌ أو وَلَدٌ لَا يَرِثُهُ أو خَادِمٌ أو غَيْرُهُ فَأَوْصَى لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أو لِبَعْضِهِمْ جَازَتْ لهم الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ وَارِثٍ وَكُلَّ هَؤُلَاءِ مَالِكٌ لِمَا أَوْصَى له بِهِ لِمِلْكِهِ مَالَهُ إنْ شَاءَ مَنَعَهُ ابْنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وما أَحَدٌ أَوْلَى بِوَصِيَّتِهِ من ذَوِي قَرَابَتِهِ وَمَنْ عَطَفَ على وَلَدِهِ وَلَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَصِيَّةَ فقال { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } وَأَنَّ الْأَغْلَبَ من الْأَقْرَبِينَ لِأَنَّهُمْ يَبْتَلُونَ أَوْلَادَ الْمُوصِي بِالْقَرَابَةِ ثُمَّ الْأَغْلَبُ أَنْ يَزِيدُوا وَأَنْ يَبْتَلُوهُمْ بِصِلَةِ أَبِيهِمْ لهم بِالْوَصِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ مَنَعَ أَحَدًا مَخَافَةَ أَنْ يَرُدَّ على وَارِثٍ أو يَنْفَعَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَوِي الْقَرَابَةِ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبِيدَ الَّذِينَ قد عُرِفُوا بِالْعَطْفِ على الْوَرَثَةِ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ وَصِيَّةَ غَيْرِ الْوَارِثِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لَا يَخْتَلِفُ فيه من أَحْفَظُ عنه مِمَّنْ لَقِيَتْ - * بَابُ ما يَجُوزُ من إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ فقال لِلْوَرَثَةِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ بِثُلُثِي لِفُلَانٍ وَارِثِي فَإِنْ أَجَزْتُمْ ذلك فَعَلْت وَإِنْ لم تُجِيزُوا أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِمَنْ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ له فَأَشْهَدُوا له على أَنْفُسِهِمْ بِأَنْ قد أَجَازُوا له جَمِيعَ ما أَوْصَى له وَعَلِمُوهُ ثُمَّ مَاتَ فَخَيْرٌ لهم فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُجِيزُوهُ لِأَنَّ في ذلك صِدْقًا وَوَفَاءً بِوَعْدٍ وَبُعْدًا من غَدْرٍ وَطَاعَةً لِلْمَيِّتِ وَبِرًّا لِلْحَيِّ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا لم يُجْبِرْهُمْ الْحَاكِمُ على إجَازَتِهِ ولم يَخْرُجْ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ في شَيْءٍ إذَا لم يُخْرِجْهُ هو فيه وَذَلِكَ أَنَّ إجازتهموه قبل أَنْ يَمُوتَ الْمَيِّتُ لَا يَلْزَمُهُمْ بها حُكْمٌ من قِبَلِ انهم أَجَازُوا ما ليس لهم أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قد يَكُونُونَ ثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فَتَحْدُثُ له أَوْلَادٌ أَكْثَرُ منهم فَيَكُونُونَ أَجَازُوا كُلَّ الثُّلُثِ وإنما ( ( ( إنما ) ) ) لهم بَعْضُهُ وَيَحْدُثُ له وَارِثٌ غَيْرُهُمْ يَحْجُبُهُمْ وَيَمُوتُونَ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُونَ أَجَازُوا في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ في شَيْءٍ يَمْلِكُونَهُ بِحَالٍ وَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِمْ فيه أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا إلَّا بعد ما يَمُوتُ أو لا تَرَى أَنَّهُمْ لو أَجَازُوهَا لِوَارِثٍ كان الذي أُجِيزَتْ له الْوَصِيَّةُ قد يَمُوتُ قبل الْمُوصِي فَلَوْ كان مِلْكُ الْوَصِيَّةِ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَإِجَازَتُهُمْ مِلْكَهَا كان لم يُمَلَّكْهَا وَلَا شَيْءٌ من مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَقَائِهِ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَجَازُوا له الْوَصِيَّةَ أَجَازُوهَا فِيمَا لَا يَمْلِكُونَ وَفِيمَا قد لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا ( قال ) وَهَكَذَا لو اسْتَأْذَنَهُمْ فِيمَا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ من وَصِيَّتِهِ فَأَذِنُوا له بِهِ وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ منهم مِيرَاثِي مِنْك لِأَخِي فُلَانٍ أو لِبَنِي فُلَانٍ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ اعطاه ما لم يَمْلِكْ وَهَكَذَا لو اسْتَأْذَنَهُمْ في عِتْقِ عَبِيدٍ له فأعتقهم ( ( ( أعتقهم ) ) ) بَعْدَ مَوْتِهِ فلم يَخْرُجُوا من الثُّلُثِ كان لهم رَدُّ من لَا يَخْرُجُ من الثُّلُثِ منهم وَخَيْرٌ في هذا كُلِّهِ أَنْ يُجِيزُوهُ وَلَكِنَّهُ لو أَوْصَى لِوَارِثٍ بِوَصِيَّةٍ فقال فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلَّا فَهِيَ لِفُلَانٍ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أو في سَبِيلِ اللَّهِ أو في شَيْءٍ مِمَّا تَجُوزُ له الْوَصِيَّةُ بِهِ مَضَى ذلك على ما قال إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ جَازَتْ وَإِنْ رَدُّوهَا فَذَلِكَ لهم وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُنَفِّذُوهَا لِمَنْ أَوْصَى له بها إنْ لم تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِرَجُلٍ فقال فَإِنْ مَاتَ قَبْلِي فما أَوْصَيْت له بِهِ لِفُلَانٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ كانت الْوَصِيَّةُ لِفُلَانٍ وَكَذَلِكَ لو قال لِفُلَانٍ ثُلُثِي إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فإن ( ( ( فقدم ) ) ) قدم فُلَانٌ هذا الْبَلَدَ فَهُوَ له جَازَ ذلك على ما قال
____________________

(4/109)


- * بَابُ ما يَجُوزُ من إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ وما لَا يَجُوزُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الْمَيِّتُ لِمَنْ لَا تَجُوزُ له وَصِيَّتُهُ من وَارِثٍ أو غَيْرِهِ أو بِمَا لَا تَجُوزُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَمَاتَ وقد عَلِمُوا ما أَوْصَى بِهِ وَتَرَكَ فَقَالُوا قد أَجَزْنَا ما صَنَعَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَقَصِّهِمْ مِيرَاثَهُ لهم قد أَجَزْنَا ما صَنَعَ جَائِزٌ لِمَنْ أَجَازُوهُ له كَهِبَتِهِ لو دَفَعُوهُ إلَيْهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَا سَبِيلَ لهم في الرُّجُوعِ فيه وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال إنَّ الوصايا ( ( ( الوصاية ) ) ) بَعْدَ الْمَوْتِ مُخَالِفَةٌ عَطَايَا الْأَحْيَاءِ التي لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبْضٍ من قِبَلِ أَنَّ مُعْطِيَهَا قد مَاتَ وَلَا يَكُونُ مَالِكًا قَابِضًا لِشَيْءٍ يُخْرِجُهُ من يَدَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ إدْخَالٌ منه لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ على الْوَرَثَةِ فَقَوْلُهُ في وَصِيَّتِهِ يُثْبِتُ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ لهم يُثْبِتُ لهم ما يَثْبُتُ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ واذا كان هَكَذَا فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَمِلْكِهِمْ فَإِنَّمَا قَطَعُوا حُقُوقَهُمْ من مَوَارِيثِهِمْ عَمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ مَضَى على ما فَعَلَ منه جَائِزٌ له جَوَازَ ما فَعَلَ مِمَّا لم يَرُدُّوهُ وَلَيْسَ ما أَجَازُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا بِشَيْءٍ في أَيْدِيهِمْ فَيُخْرِجُونَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا هو شَيْءٌ لم يَصِرْ إلَيْهِمْ إلَّا بِسَبَبِ الْمَيِّتِ وإذا سَلَّمُوا حُقُوقَهُمْ سُلِّمَ ذلك لِمَنْ سَلَّمُوهُ له كما يَبْرَءُونَ من الدَّيْنِ وَالدَّعْوَى فَيَبْرَأُ منها من أَبْرَءُوهُ وَيَبْرَءُونَ من حُقُوقِهِمْ من الشُّفْعَةِ فَتَنْقَطِعُ حُقُوقُهُمْ فيها وَلِهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ مِمَّا لَا تَجُوزُ له الْوَصِيَّةُ بِهِ فَهُوَ مِلْكٌ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ فَكَيْنُونَتُهُ في أَيْدِيهِمْ وَغَيْرُ كَيْنُونَتِهِ سَوَاءٌ وَإِجَازَتُهُمْ ما صَنَعَ الْمَيِّتُ هِبَةٌ منهم لِمَنْ وَهَبُوهُ له فَمَنْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ جَازَ له وَلَهُمْ الرُّجُوعُ ما لم يَدْفَعُوهُ كما تَكُونُ لهم أَمْوَالٌ وَدَائِعُ في أَيْدِي غَيْرِهِمْ فَيَهَبُونَ منها الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمْ فَلَا تَتِمُّ له الْهِبَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ قالوا أَجَزْنَا ما صَنَعَ وَلَا نَعْلَمُهُ وَكُنَّا نَرَاهُ يَسِيرًا انْبَغَى في الْوَجْهَيْنِ جميعا أَنْ يُقَالَ أَجِيزُوا يَسِيرًا وَاحْلِفُوا ما أَجَزْتُمُوهُ إلَّا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ هَكَذَا ثُمَّ لهم الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا غُيَّبًا وَإِنْ أُقِيمَتْ عليهم الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ عَلِمُوهُ جَازَتْ عليهم في قَوْلِ من أَجَازَ إجَازَتَهُمْ بِغَيْرِ قَبْضٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ عليهم إذَا أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ أو بِمَالِهِ كُلِّهِ أو بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ منه إنْ عَلِمُوا كَمْ تَرَكَ كَأَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فقال لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلِفُلَانٍ عَبْدِي فُلَانٌ وَلِفُلَانٍ من إبِلِي كَذَا وَكَذَا فَقَالُوا قد أَجَزْنَا له ذلك ثُمَّ قالوا إنَّمَا أَجَزْنَا ذلك وَنَحْنُ نَرَاهُ يُجَاوِزُ الثُّلُثَ بِيَسِيرٍ لِأَنَّا قد عَهِدْنَا له مَالًا فلم نَجِدْهُ أو عَهِدْنَاهُ غير ذِي دَيْنٍ فَوَجَدْنَا عليه دَيْنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ هذا يَلْزَمُهُمْ في قَوْلِ من أَجَازَ إجَازَتَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا ما يَعْرِفُونَ وما لَا يُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِمْ وَالْآخَرُ أَنَّ لهم أَنْ يَحْلِفُوا وَيَرُدُّوا الْآنَ هذا إنَّمَا يَجُوزُ من مَالِ الْمَيِّتِ وَيُقَالُ لهم إذًا حلفوا ( ( ( احلفوا ) ) ) أَجِيزُوا منه ما كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ يُجَاوِزُ الثُّلُثَ سُدُسًا كان أو رُبُعًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ - * بَابُ اخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِيمَا تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ فيه ولم يُجِزْ بَعْضُهُمْ جَازَ في حِصَّةِ من أَجَازَ ما أَجَازَ كَأَنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا اثْنَيْنِ فَيَجِبُ لِلْمُوصَى له نِصْفُ ما أَوْصَى له بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان في الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ او بَالِغٌ مَحْجُورٌ عليه أو مَعْتُوهٌ لم يَجُزْ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يُجِيزَ في نَصِيبِهِ بِشَيْءٍ جَاوَزَ الثُّلُثَ من الْوَصِيَّةِ ولم يَكُنْ لِوَلِيٍّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يُجِيزَ ذلك في نَصِيبِهِ وَلَوْ أَجَازَ ذلك في مَالِهِ كان ضَامِنًا له في مَالِهِ وَإِنْ وُجِدَ في يَدَيْ من أُجِيزَ له أُخِذَ من يَدَيْهِ وكان لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتْبَعَ من أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِمَا أَعْطَى منه لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ما لَا يَمْلِكُ
____________________

(4/110)


- * الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ فقال ثُلُثُ مَالِي لِقَرَابَتِي أو لِذَوِي قَرَابَتِي أو لِرَحِمِي أو لِذَوِي رَحِمِي أو لِأَرْحَامِي أو لِأَقْرِبَائِي أو قَرَابَاتِي فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْقَرَابَةُ من قِبَل الْأُمِّ وَالْأَبِ في الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ قَرَابَتِهِ وَأَبْعَدُهُمْ منه في الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ والذكر ( ( ( الذكر ) ) ) وَالْأُنْثَى وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَاسْمُ الْقَرَابَةِ يَلْزَمُهُمْ مَعًا كما أعطى من شَهِدَ الْقِتَالَ بِاسْمِ الْحُضُورِ وإذا كان الرَّجُلُ من قَبِيلَةٍ من قُرَيْشٍ فَأَوْصَى في قَرَابَتِهِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كان كُلُّ من يُعْرَفُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من يَلْقَاهُ إلَى أَبٍ وَإِنْ بَعُدَ قَرَابَةً فإذا كان الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ من قال من قُرَيْشٍ لِقَرَابَتِي لَا يُرِيدُ جَمِيعَ قُرَيْشٍ وَلَا من هو أَبْعَدُ منهم وَمَنْ قال لِقَرَابَتِي لَا يُرِيدُ أَقْرَبَ الناس أو ذَوِي قَرَابَةٍ أَبْعَدَ منه بِأَبٍ وَإِنْ كان قَرِيبًا صِيرَ إلَى الْمَعْرُوفِ من قَوْلِ الْعَامَّةِ ذَوِي قَرَابَتِي فَيُنْظَرُ إلَى الْقَبِيلَةِ التي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيُقَالُ من بَنِي عبد مَنَافٍ ثُمَّ يُقَالُ قد يَتَفَرَّقُ بَنُو عبد مَنَافٍ فَمِنْ أَيِّهِمْ فَيُقَالُ من بَنِي الْمُطَّلِبِ فَيُقَالُ أَيَتَمَيَّزُ بَنُو الْمُطَّلِبِ قِيلَ نعم هُمْ قَبَائِلُ فَمِنْ أَيِّهِمْ قِيلَ من بَنِي عبد يَزِيدَ بن هَاشِمِ بن الْمُطَّلِبِ فَيُقَالُ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم هُمْ قَبَائِلُ قِيلَ فَمِنْ أَيِّهِمْ قِيلَ من بَنِي عُبَيْدِ بن عبد يَزِيدَ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم هُمْ بَنُو السَّائِبِ بن عُبَيْدِ بن عبد يَزِيدَ قِيلَ وَبَنُو شَافِعٍ وَبَنُو عَلِيٍّ وَبَنُو عَبَّاسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ من بَنِي السَّائِبِ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم كُلُّ بَطْنٍ من هَؤُلَاءِ يَتَمَيَّزُ عن صَاحِبِهِ فإذا كان من آلِ شَافِعٍ فقال لِقَرَابَتِهِ فَهُوَ لِآلِ شَافِعٍ دُونَ آلِ عَلِيٍّ وَآلِ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ يَتَمَيَّزُونَ ظَاهِرَ التَّمْيِيزِ من الْبَطْنِ الْآخَرِ يَعْرِفُ ذلك منهم إذَا قَصَدُوا آبَاءَهُمْ دُونَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ في آبَائِهِمْ وفي تَنَاصُرِهِمْ وَتَنَاكُحِهِمْ وَيَحُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ على هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَهُمْ وَلَوْ قال ثُلُثُ مَالِي لِأَقْرَبِ قَرَابَتِي أو لِأَدْنَى قَرَابَتِي أو لِأَلْصَقِ قَرَابَتِي كان هذا كُلُّهُ سَوَاءً وَنَظَرْنَا إلَى أَقْرَبِ الناس منه رَحِمًا من قِبَلِ ابيه وَأُمِّهِ فَأَعْطَيْنَاهُ إيَّاهُ ولم نُعْطِهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ هو أَبْعَدُ منه كَأَنَّا وَجَدْنَا له عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ وَبَنِي عَمٍّ وَبَنِي خَالٍ وَأَعْطَيْنَا الْمَالَ عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ دُونَ بَنِي الْعَمِّ وَالْخَالِ لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أبيه وَأُمِّهِ قبل بَنِي عَمِّهِ وَخَالِهِ وَهَكَذَا لو وَجَدْنَا له إخْوَةً لِأَبٍ وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ أَعْطَيْنَا الْمَالَ إخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ دُونَ عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أبيه وَأُمِّهِ الأدنين ( ( ( الأدنيين ) ) ) قبل عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ والأخوة لِلْأُمِّ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كان الْمَالُ لهم دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّا إذَا عَدَدْنَا الْقَرَابَةَ من قِبَل الْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءً فَجَمْعُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَانُوا أَقْرَبَ بِالْمَيِّتِ وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَدُ وَلَدٍ مُتَسَفِّلٍ لَا يَرِثُ كان الْمَالُ له دُونَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ بن نَفْسِهِ وبن نَفْسِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ من بن أبيه وَلَوْ كان مع وَلَدِ الْوَلَدِ المتسفل ( ( ( المستفل ) ) ) جَدٌّ كان الْوَلَدُ أَوْلَى منه وَإِنْ كان جَدًّا أَدْنَى ( قال ) وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ أو الْأُمِّ جَدٌّ كان الْإِخْوَةُ أَوْلَى من الْجَدِّ في قَوْلِ من قال الْإِخْوَةُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ منه وَأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ الْمَيِّتَ قبل أَنْ يَصِيرَ الْمَيِّتُ إلَى الْجَدِّ وَلَوْ قال في هذا كُلِّهِ ثُلُثُ مَالِي لِجَمَاعَةٍ من قَرَابَتِي فَإِنْ كان أَقْرَبَ الناس بِهِ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا فَهُوَ لهم وَسَوَاءٌ كَانُوا رِجَالًا أو نِسَاءً وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَاحِدٌ أو أَكْثَرُ كان لِلِاثْنَيْنِ الثُّلُثَانِ من الثُّلُثِ وَلِلْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ ما بَقِيَ من الثُّلُثِ وَإِنْ كَانُوا وَاحِدًا فَلَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَلِمَنْ يَلِيهِ من قَرَابَتِهِ إنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ثُلُثَا الثُّلُثِ وَلَوْ كان أَقْرَبَ الناس وَاحِدًا وَاَلَّذِي يَلِيهِ في الْقَرَابَةِ وَاحِدٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الثُّلُثِ وَأَخَذَ الَّذِينَ يَلُونَهُمَا في الْقَرَابَةِ وَاحِدَ أو أَكْثَرَ الثُّلُثِ الْبَاقِي سَوَاءً بَيْنَهُمْ
____________________

(4/111)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِمَا في الْبَطْنِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا في الْبَطْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا في الْبَطْنِ وَلِمَا في الْبَطْنِ إذَا كان مَخْلُوقًا يوم وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ ثُمَّ يَخْرُجُ حَيًّا فَلَوْ قال رَجُلٌ ما في بَطْنِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ لِفُلَانٍ ثُمَّ توفى فَوَلَدَتْ جَارِيَتُهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ كان لِمَنْ أَوْصَى له بِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ قد يَحْدُثُ الْحَمْلُ فَيَكُونُ الْحَمْلُ الْحَادِثُ غير الذي أوصى بِهِ وَلَوْ قال وَلَدُ جَارِيَتِي أو جَارِيَتِي أو عَبْدٌ بِعَيْنِهِ وَصِيَّةٌ لِمَا في بَطْنِ فُلَانَةَ امْرَأَةٍ يُسَمِّيهَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرَ فَالْوَصِيَّةُ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهُ قد يَحْدُث حَمْلٌ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ غير ما أَوْصَى له وَإِنْ كان الْحَمْلُ الذي أَوْصَى بِهِ غُلَامًا أو جَارِيَةً أو غُلَامًا وَجَارِيَةً أو أَكْثَرَ كانت الْوَصِيَّةُ بِهِمْ كُلِّهِمْ جَائِزَةً لِمَنْ أَوْصَى له بِهِمْ وَإِنْ كان الْحَمْلُ الذي أَوْصَى له غُلَامًا أو ( ( ( وجارية ) ) ) جارية أو أَكْثَرَ كانت الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً على الْعَدَدِ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قبل أَنْ تَلِدَ التي أَوْصَى لِحَمْلِهَا وَقَفَتْ الْوَصِيَّةُ حتى تَلِدَ فإذا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ كانت الْوَصِيَّةُ له - * بَابُ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ على الشَّيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَوْصَى فقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَفُلَانٌ لِعَبْدٍ له حُرٌّ وَلِفُلَانٍ كَذَا وَصِيَّةً وَيَتَصَدَّقُ عَنِّي بِكَذَا ثُمَّ صَحَّ من مَرَضِهِ الذي أَوْصَى فيه ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ فَجْأَةً أو من مَرَضٍ غَيْرِ ذلك الْمَرَضِ بَطَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ أَوْصَى إلَى أَجَلٍ وَمَنْ أَوْصَى له وَأَعْتَقَ على شَرْطٍ لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا حَدَّ في وَصِيَّتِهِ حَدًّا فقال إنْ مِتُّ في عَامِي هذا أو في مَرَضِي هذا فَمَاتَ من مَرَضٍ سِوَاهُ بَطَلَ فَإِنْ أَبْهَمَ هذا كُلَّهُ وقال هذه وَصِيَّتِي ما لم أُغَيِّرْهَا فَهُوَ كما قال وَهِيَ وَصِيَّتُهُ ما لم يُغَيِّرْهَا وَلَكِنَّهُ لو قال هذا وَأَشْهَدَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هذه ثَابِتَةٌ ما لم يُغَيِّرْهَا كانت وَصِيَّتُهُ نَافِذَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَوْصَى فقال إنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ وَصِيَّةً مُرْسَلَةً ولم يُحَدِّدْ لها حَدًّا أو قال مَتَى حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ أو مَتَى مِتُّ فَوَصِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ يَنْفُذُ جَمِيعُ ما فيها مِمَّا جَازَ له مَتَى مَاتَ ما لم يُغَيِّرْهَا - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } الْآيَةَ إلَى { الْمُتَّقِينَ } وقال عز وجل في آيِ الْمَوَارِيثِ { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } وَذَكَرَ من وَرِثَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ في آيٍ من كِتَابِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاحْتَمَلَ إجْمَاعُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ معنين ( ( ( معنيين ) ) ) أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْأَمْرَانِ مَعًا فَيَكُونَ على الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لهم فَيَأْخُذُونَ بِالْوَصِيَّةِ وَيَكُونَ لهم الْمِيرَاثُ فَيَأْخُذُونَ بِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ نَزَلَ نَاسِخًا لَأَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لهم ثَابِتَةً فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ على أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَخْبَارٌ لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جِهَةِ الْحِجَازِيِّينَ منها أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وصية لِوَارِثٍ وَغَيْرُهُ يُثْبِتُهُ بهذا الْوَجْهِ وَوَجَدْنَا غَيْرَهُ قد يَصِلُ فيه حَدِيثًا
____________________

(4/112)


عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ هذا الْمَعْنَى ثُمَّ لم نَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ في الْبُلْدَانِ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَاحْتَمَلَ إذَا كانت مَنْسُوخَةً أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ سَاقِطَةً حتى لو أَوْصَى لَهُمَا لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ وَبِهَذَا نَقُولُ وما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لم نَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه يَدُلُّ على هذا وَإِنْ كان يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا مَنْسُوخًا وإذا أَوْصَى لهم جَازَ وإذا أَوْصَى لِلْوَالِدَيْنِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَيْسَ بِالْوَصِيَّةِ أَخَذُوا وَإِنَّمَا أَخَذُوا بِإِعْطَاءِ الْوَرَثَةِ لهم ما لهم لِأَنَّا قد أَبْطَلْنَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ لهم فَكَانَ نَصُّ الْمَنْسُوخِ في وَصِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وسمي مَعَهُمْ الْأَقْرَبِينَ جُمْلَةً فلما كان الْوَالِدَانِ وَارِثَيْنِ قِسْنَا عليهم كُلَّ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما كان الْأَقْرَبُونَ وَرَثَةً وَغَيْرَ وَرَثَةٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ من الْأَقْرَبِينَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَأَجَزْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبَيْنِ وَلِغَيْرِ الْوَرَثَةِ من كان فَالْأَصْلُ في الْوَصَايَا لِمَنْ أَوْصَى في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لم أَعْلَمْ من مَضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه في أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْوَصَايَا فإذا كانت لِمَنْ يَرِثُ الْمَيِّتَ أَبْطَلْتهَا وَإِنْ كانت لِمَنْ لَا يَرِثُهُ أَجَزْتهَا على الْوَجْهِ الذي تَجُوزُ بِهِ وَمَوْجُودٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِيمَا وَصَفْت من الْكِتَابِ وما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَيْثُ إنَّ ما لم نَعْلَمْ من مَضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا لِئَلَّا يَأْخُذُوا مَالَ الْمَيِّتِ من وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ ما تَرَكَ الْمُتَوَفَّى يُؤْخَذُ بِمِيرَاثٍ أو وَصِيَّةٍ فلما كان حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ لم يَجُزْ أَنْ يُجْمَعَ لِوَاحِدٍ الْحُكْمَانِ الْمُخْتَلِفَانِ في حُكْمٍ وَاحِدٍ وَحَالٍ وَاحِدَةٍ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يعطي بِالشَّيْءِ وَضِدِّ الشَّيْءِ ولم يَحْتَمِلْ مَعْنًى غَيْرَهُ بحال فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ إنَّمَا لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ من قِبَلِ تُهْمَةِ الْمُوصِي لَأَنْ يَكُونَ يُحَابِي وَارِثَهُ بِبَعْضِ مَالِهِ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَنَاءَ مُسْتَعْلٍ على بَعْضِ من يَتَعَاطَى الْفِقْهَ ما كان فِيمَنْ ذَهَبَ إلَى هذا الْمَذْهَب عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْجَوَابِ مَوْضِعٌ لِأَنَّ من خَفِيَ عليه هذا حتى لَا يَتَبَيَّنَ له الْخَطَأُ فيه كان شَبِيهًا أَنْ لَا يُفَرِّقَ بين الشَّيْءِ وَضِدِّ الشَّيْءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هذا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت امْرَأً من الْعَرَبِ عَصَبَتُهُ يَلْقَوْنَهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَبًا قد قَتَلَ آبَاءَ عَصَبَتِهِ آبَاءَهُ وَقَتَلَهُمْ آبَاؤُهُ وَبَلَغُوا غَايَةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ بتسافك الدِّمَاءِ وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَالْقَطِيعَةِ وَالنَّفْيِ من الْأَنْسَابِ في الْأَشْعَارِ وَغَيْرِهَا وما كان هو يَصْطَفِي ما صُنِعَ بِآبَائِهِ وَيُعَادِي عَصَبَتُهُ عليه غَايَةَ الْعَدَاوَةِ وَيَبْذُلُ مَالَهُ في أَنْ يَسْفِكَ دِمَاءَهُمْ وكان من عَصَبَتِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ من قَتَلَ أَبَوَيْهِ فَأَوْصَى من مَرَضِهِ لِهَؤُلَاءِ الْقَتَلَةِ وَهُمْ وَرَثَتُهُ مع غَيْرِهِمْ من عَصَبَتِهِ كان الْوَارِثُ مَعَهُمْ في حَالِ عَدَاوَتِهِمْ أو كان له سِلْمًا بِهِ بَرًّا وَلَهُ وَاصِلًا وَكَذَلِكَ كان آبَاؤُهُمَا اتجوز الْوَصِيَّةُ لِأَعْدَائِهِ وهو لَا يُتَّهَمُ فِيهِمْ فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَكَذَلِكَ لو كان من الْمَوَالِي فَكَانَ مَوَالِيهِ قد بَلَغُوا بِآبَائِهِ ما بَلَغَ بِهِمْ وَبِأَبِيهِمْ ما وَصَفْت من حَالِ الْقُرْبَى فَأَوْصَى لِوَرَثَتِهِ من مَوَالِيهِ وَمَعَهُمْ ابْنَتُهُ أَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لهم وهو لَا يُتَّهَمُ فِيهِمْ فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَهَكَذَا زَوْجَتُهُ لو كانت نَاشِزَةً منه عَاصِيَةً له عَظِيمَةَ الْبُهْتَانِ وَتَرْمِيه بِالْقَذْفِ قد سَقَتْهُ سُمًّا لِتَقْتُلَهُ وَضَرَبَتْهُ بِالْحَدِيدِ لِتَقْتُلَهُ فَأَفْلَتَ من ذلك وَبَقِيَتْ مُمْتَنِعَةً منه وَامْتَنَعَ من فِرَاقِهَا إضْرَارًا لها ثُمَّ مَاتَ فَأَوْصَى لها لم تَجُزْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّهَا وَارِثٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا مَاتَ ليس له وَارِثٌ أَعْظَمَ النِّعْمَةَ عليه صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَتَتَابَعَ إحْسَانُهُ عليه وكان مَعْرُوفًا بِمَوَدَّتِهِ فَأَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ أَيَجُوزُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَهَكَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ له وَإِنْ كان وَرَثَتُهُ أَعْدَاءً له فَإِنْ قال نعم تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ في ثُلُثِهِ كان وَرَثَتُهُ أَعْدَاءً له أو غير أَعْدَاءٍ قِيلَ له أَرَأَيْت لو لم يَكُنْ في أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهُ إذَا خَصَّ بِإِبْطَالِ وَصِيَّتِهِ الْوَارِثَ لم يَكُنْ فيها مَعْنًى إلَّا ما قُلْنَا ثُمَّ كان الْأَصْلُ
____________________

(4/113)


الذي وَصَفْت لم يَسْبِقْك إلَيْهِ أَحَدٌ يَعْقِلُ من أَهْلِ الْعِلْمِ شيئا عَلِمْنَاهُ أَمَا كُنْت تَرَكْته أو ما كان يَلْزَمُك أَنْ تَزْعُمَ انك تَنْظُرُ إلَى وَصِيَّتِهِ أَبَدًا فَإِنْ كانت وَصِيَّتُهُ لِرَجُلٍ عَدُوٍّ له أو بَغِيضٍ إلَيْهِ أو غَيْرِ صِدِّيقٍ أَجَزْتهَا وَإِنْ كان وَارِثًا وَإِنْ كانت لَصَدِيقٍ له أو لِذِي يَدٍ عِنْدَهُ أو غَيْرِ عَدُوٍّ فَأَبْطَلْتهَا وإذا فَعَلْت هذا خَرَجْت مِمَّا رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِمَّا يَدْخُلُ فِيمَا لم يَخْتَلِفْ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ أو رأيت لو كان له عَبْدٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ أَحَبُّ الناس إلَيْهِ وَأَوْثَقُهُ في نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يُعْرَفُ بِتَوْلِيجِ مَالِهِ إلَيْهِ في الْحَيَاةِ وله ( ( ( ولد ) ) ) وَلَدٍ دُونَ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ فَصَارَ وَارِثُهُ عَدُوًّا له فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ في وَصِيَّتِهِ أَلَيْسَ يَلْزَمُك أَنْ لَا تُجِيزَ الْعِتْقَ لِشَأْنِ تُهْمَتِهِ فيه حَيًّا إذْ كان يُؤْثِرُهُ بِمَالِهِ على وَلَدِ نَفْسِهِ وَمَيِّتًا إذْ كان عِنْدَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ وكان الْوَارِثُ له عَدُوًّا أو رَأَيْت لو كان وَارِثُهُ له عَدُوًّا فقال وَاَللَّهِ ما يَمْنَعُنِي أَنْ أَدَعَ الْوَصِيَّةَ فَيَكُونَ الْمِيرَاثُ وَافِرًا عَلَيْك إلَّا حُبَّ أَنْ يُفْقِرَك اللَّهُ وَلَا يُغْنِيَك وَلَكِنِّي أُوصِي بِثُلُثِ مَالِي لِغَيْرِك فَأَوْصَى لِغَيْرِهِ أَلَيْسَ إنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ ما يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ وَرَدَّ ما كان يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ من الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ عَدُوٍّ في اصل قَوْلِهِ أَوَرَأَيْت إذَا كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُحْظَرُ عليه منه شَيْءٌ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا لِوَارِثٍ إذَا دخل عليه أَحَدٌ أَنْ يُحْظَرَ عليه الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِحَالٍ أَلَيْسَ قد خَالَفْنَا السُّنَّةَ أو رَأَيْت إذَا كان حُكْمُ الثُّلُثِ إلَيْهِ يُنَفِّذُهُ لِمَنْ رَأَى غير وَارِثٍ لو كان وَارِثُهُ في الْعَدَاوَةِ له على ما وَصَفْت من الْعَدَاوَةِ وكان بَعِيدَ النَّسَبِ أو كان مَوْلًى له فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ آخَرَ بِمَالٍ قد كان يَجْحَدُهُ إيَّاهُ أو كان لَا يُعْرَفُ بِالْإِقْرَارِ له بِهِ وَلَا الْآخَرُ بِدَعْوَاهُ أَلَيْسَ إنْ أَجَازَهُ له مِمَّا يُخْرِجُ الْوَارِثُ من جَمِيعِ الْمِيرَاثِ أجاز ( ( ( أجابه ) ) ) له أَكْثَرَ من الثُّلُثِ وهو مُتَّهَمٌ على أَنْ يَكُونَ صَارَ الْوَارِثَ وَإِنْ أَبْطَلَهُ أَبْطَلَ إقْرَارًا بِدَيْنٍ أَحَقَّ من الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْأَحْكَامُ على الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُغَيَّبِ وَمَنْ حَكَمَ على الناس بِالْإِزْكَانِ جَعَلَ لِنَفْسِهِ ما حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عليه وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا يُوَلِّي الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ على الْمُغَيَّبِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هو جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَكَلَّفَ الْعِبَادَ أَنْ يَأْخُذُوا من الْعِبَادِ بِالظَّاهِرِ وَلَوْ كان لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِبَاطِنٍ عليه دَلَالَةٌ كان ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما وَصَفْت من هذا يَدْخُلُ في جَمِيعِ الْعِلْمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْبَاطِنِ قِيلَ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُنَافِقِينَ فقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ أنك لَرَسُولُ اللَّهِ قَرَأَ إلَى فَصُدُّوا عن سَبِيلِ اللَّهِ فَأَقَرَّهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَتَنَاكَحُونَ وَيَتَوَارَثُونَ وَيُسْهَمُ لهم إذَا حَضَرُوا الْقِسْمَةَ وَيُحْكَمُ لهم أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وقد اخبر اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عن كُفْرِهِمْ وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنهم اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً من الْقَتْلِ بِإِظْهَارِ الْأَيْمَانِ على الْإِيمَانِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ اخيه فَلَا يَأْخُذْ بِهِ فَإِنَّمَا اقطع له بِقِطْعَةٍ من النَّارِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عِنْدَ اللَّهِ على الْبَاطِنِ وَأَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ له ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُهُمْ عَمَّا لَا يُبْدُونَ من أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ إذَا ابدوا ما فيه الْحَقُّ عليهم أُخِذُوا بِذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فقال { وَلَا تَجَسَّسُوا } وَبِذَلِكَ أَوْصَى صلى اللَّهُ عليه وسلم ولا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ ثُمَّ قال اُنْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي
____________________

(4/114)


يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الذي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ بِهِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ولم يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِمَا الدَّلَالَةَ الْبَيِّنَةَ التي لَا تَكُونُ دَلَالَةٌ أَبْيَنَ منها وَذَلِكَ خَبَرُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثُمَّ جاء الْوَلَدُ على ما قال مع أشباه ( ( ( أشياء ) ) ) لِهَذَا كُلِّهَا تَبْطُلُ حُكْمُ الْإِزْكَانِ من الذَّرَائِعِ في الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا من حُكْم الْإِزْكَانِ فَأَعْظَمُ ما فِيمَا وَصَفْت من الْحُكْمِ بِالْإِزْكَانِ خِلَافُ ما امر اللَّهُ عز وجل بِهِ أَنْ يُحْكَمَ بين عِبَادِهِ من الظَّاهِرِ وما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ لم يَمْتَنِعْ من حَكَمَ بِالْإِزْكَانِ أن اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُهُ فيه حتى لو لم يَكُنْ آثِمًا بِخِلَافِهِ ما وَصَفْت من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كان يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَكْثَرُ أَقَاوِيلِهِ مَتْرُوكَةً عليه لِضَعْفِ مَذْهَبِهِ فيها وَذَلِكَ أَنَّهُ يُزْكَنُ في الشَّيْءِ الْحَلَالِ فَيُحَرِّمُهُ ثُمَّ يَأْتِي ما هو أَوْلَى أَنْ يُحَرِّمَهُ منه إنْ كان له التَّحْرِيمُ بِالْإِزْكَانِ فَلَا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَمِثْلُ مَاذَا من الْبُيُوعِ قِيلَ أَرَأَيْت رَجُلًا اشْتَرَى فَرَسًا على أنها عَقُوقٌ فَإِنْ قال لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا مُغَيَّبٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ عليه قِيلَ له وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهَا وما في بَطْنِهَا بِدِينَارٍ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَرَأَيْت إذَا كان الْمُتَبَايِعَانِ بَصِيرَيْنِ فَقَالَا هذه الْفَرَسُ تَسْوَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ إنْ كانت غير عَقُوقٍ وعشرة ( ( ( عشرة ) ) ) إنْ كانت عَقُوقًا فَأَنَا آخُذُهَا مِنْك بِعَشْرَةٍ وَلَوْلَا أنها عِنْدِي عَقُوقٌ لم أَزِدْك على خَمْسَةٍ وَلَكِنَّا لَا نَشْتَرِطُ مَعَهَا عُقُوقًا لِإِفْسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ قال هذا الْبَيْعُ يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على الْفَرَسِ دُونَ ما في بَطْنِهَا وَنِيَّتُهُمَا مَعًا وَإِظْهَارُهُمَا الزِّيَادَةَ لِمَا في الْبَطْنِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا لم تُعْقَدْ الصَّفْقَةُ على ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَا أُفْسِدَ الْبَيْعُ هَا هُنَا بِالنِّيَّةِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَيُفْسَخُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَإِنْ كان أَعْزَبَ أو آهِلًا فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَنَوَى أَنْ لَا يَحْبِسَهَا إلَّا يَوْمًا أو عَشْرًا إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ منها وَطَرًا وَكَذَلِكَ نَوَتْ هِيَ منه غير أَنَّهُمَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا على غَيْرِ شَرْطٍ فإن ( ( ( وإن ) ) ) قال هذا يَحِلُّ قِيلَ له وَلِمَ تُفْسِدُهُ بِالنِّيَّةِ إذَا كان الْعَقْدُ صَحِيحًا فَإِنْ قال نعم قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ تَجِدُ في الْبُيُوعِ شيئا من الذَّرَائِعِ أو في النِّكَاحِ شيئا من الذَّرَائِعِ تُفْسِدُ بِهِ بَيْعًا أو نِكَاحًا أَوْلَى أَنْ تُفْسِدَ بِهِ الْبَيْعَ من شِرَاءِ الْفَرَسِ الْعَقُوقِ على ما وصفت ( ( ( وصف ) ) ) وَكُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ سِوَاهَا وَالنِّكَاحُ على ما وَصَفْت فإذا لم تُفْسِدْ بَيْعًا وَلَا نِكَاحًا بِنِيَّةٍ يَتَصَادَقُ عليها الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُتَنَاكِحَانِ أَيَّمَا كانت نِيَّتُهُمَا ظَاهِرَةً قبل الْعَقْدِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَقُلْت لَا أُفْسِدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَعَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ على صِحَّةٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَصْنَعُ شيئا وَلَيْسَ مَعَهَا كَلَامٌ فَالنِّيَّةُ اذا لم يَكُنْ مَعَهَا كَلَامٌ أَوْلَى أَنْ لَا تَصْنَعَ شيئا يَفْسُدُ بِهِ بَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم يَفْسُدْ على الْمُتَبَايِعَيْنِ نِيَّتُهُمَا أو كَلَامُهُمَا فَكَيْفَ أَفْسَدْت عَلَيْهِمَا بِأَنْ أزكنت عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا نَوَيَا أو أَحَدُهُمَا شيئا وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَأَفْسَدْت الْعَقْدَ الصَّحِيحَ بِإِزْكَانِك أَنَّهُ نَوَى فيه ما لو شَرَطَ في الْبَيْعِ أو النِّكَاحِ فَسَدَ فَإِنْ قال وَمِثْلُ مَاذَا قال قِيلَ له مِثْلُ قَوْلِك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ تفريع ( ( ( تفريغ ) ) ) الْوَصَايَا لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ ما أَوْصَى بِهِ الْمَرِيضُ في مَرَضِهِ الذي يَمُوتُ فيه لِوَارِثٍ من مِلْكِ مَالٍ وَمَنْفَعَةٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ بِأَيِّ هذا كان - * الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ - * قال الرَّبِيعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ أَنْ يوصى لِوَارِثٍ في صِحَّةٍ منه أو مَرَضٍ فَأَذِنُوا له أو لم يَأْذَنُوا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ وَفَّوْا له كان خَيْرًا لهم وَأَتْقَى لِلَّهِ عز ذِكْرُهُ وَأَحْسَنَ في الْأُحْدُوثَةِ أَنْ يُجِيزُوهُ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ
____________________

(4/115)


أَنْ يُجْبِرَهُمْ على شَيْءٍ منه وَذَلِكَ بِمَا نُقِلَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمِيرَاثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ سمي الزُّهْرِيُّ الذي أخبره فَحَفِظْته ثُمَّ نَسِيته وَشَكَكْت فيه فلما قُمْنَا سَأَلْت من حَضَرَ فقال لي عَمْرُو بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَقُلْت هل شَكَكْت فِيمَا قال فقال لَا هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ غير شَكٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَثِيرًا ما سَمِعْته يُحَدِّثُهُ فَيُسَمِّي سَعِيدًا وَكَثِيرٌ ما سَمِعْته يقول عن سَعِيدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقد رَوَى غَيْرُهُ من أَهْلِ الْحِفْظِ عن سَعِيدٍ ليس فيه شَكٌّ وزاد فيه أَنَّ عُمَرَ اسْتَتَابَ الثَّلَاثَةَ فَتَابَ اثْنَانِ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أبو بَكْرٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ - * مَسْأَلَةٌ في الْعِتْقِ - * ( قال ) وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَأَجَازَ له بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَأَبَى بَعْضٌ أَنْ يُجِيزَ عَتَقَ منه ما حَمَلَ الثُّلُثُ وَحِصَّةُ من أَجَازَ وكان الْوَلَاءُ لِلَّذِي أَعْتَقَ لَا لِلَّذِي أَجَازَ إنْ قال أَجَزْت لَا أَرُدُّ ما فَعَلَ الْمَيِّتُ وَلَا أُبْطِلُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَزِمَهُ عِتْقُهُ في حَيَاتِهِ أو وَجْهُ ذِكْرِهِ مِثْلُ هذا وَمَنْ أَوْصَى له بِثُلُثِ رَقِيقٍ وَفِيهِمْ من يُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَقْبَلَ أو يَرُدَّ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ قِبَلَ عَتَقَ عليه من يُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهُ وَقُوِّمَ عليه ما بَقِيَ منه إنْ كان مُوسِرًا وكان له وَلَاؤُهُ وَيُعْتَقُ على الرَّجُلِ كُلُّ من وَلَدَ الرَّجُلَ من أَبٍ وَجَدِّ اب وَجَدِّ أُمٍّ إذَا كان له وَالِدًا من جِهَةٍ من الْجِهَاتِ وَإِنْ بَعُدَ وَكَذَلِكَ كُلُّ من كان وَلَدٌ بِأَيِّ جِهَةٍ من الْجِهَاتِ وَإِنْ بَعُدَ وَلَا يُعْتَقُ عليه أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا ذُو قَرَابَةٍ غَيْرُهُمْ وَمَنْ أَوْصَى لِصَبِيٍّ لم يَبْلُغْ بِأَبِيهِ أو جَدِّهِ كان لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه في أَنْ يُعْتَقَ على الصَّبِيِّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ أَوْصَى له بِبَعْضِهِ لم يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ على الصَّبِيِّ وَإِنْ قَبِلَ لم يُقَوَّمْ على الصَّبِيِّ وَعَتَقَ منه ما مَلَكَ الصَّبِيُّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ له أَمْرُ الْوَلِيِّ فِيمَا زَادَ الصَّبِيُّ أو لم يَنْقُصْ أو فِيمَا لَا بُدَّ له منه فَأَمَّا ما يَنْقُصُهُ مِمَّا له منه بُدٌّ فَلَا يَجُوزُ عليه وَهَذَا نَقْصٌ له منه بُدٌّ وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَأَعْطَى أَحَدَهُمَا خَمْسِينَ دِينَارًا على أَنْ يُعْتِقَهُ أو يُعْتِقَ نَصِيبَهُ منه فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ عليه وَرَجَعَ شَرِيكُهُ عليه بِنِصْفِ الْخَمْسِينَ وَأَخَذَهَا وَنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وكان له وَلَاؤُهُ وَرَجَعَ السَّيِّدُ على الْعَبْدِ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ التي قَبَضَهَا منه السَّيِّدُ وَلَوْ كان السَّيِّدُ قال إنْ سَلِمَتْ لي هذه الْخَمْسُونَ فَأَنْتَ حُرٌّ لم يَكُنْ حُرًّا وكان لَلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ منه نِصْفَ الْخَمْسِينَ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَبْدِ وَمَالُهُ بَيْنَهُمَا وَمَنْ قال إذَا مِتُّ فَنِصْفُ غُلَامِي حُرٌّ فَنِصْفُ غُلَامِهِ حُرٌّ وَلَا يُعْتَقُ عليه النِّصْفُ الثَّانِي وَإِنْ حَمَلَ ذلك ثُلُثُهُ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ مِلْكُهُ عن مَالِهِ وَإِنَّمَا كان له أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهِ ما كان حَيًّا فلما أَوْقَعَ الْعِتْقَ في حَالٍ ليس هو فيها مَالِكٌ لم يَقَعْ منه إلَّا ما أَوْقَعَ وإذا كنا في حَيَاتِهِ لو أَعْتَقَ نِصْفَ مَمْلُوكٍ وَنِصْفُهُ لِغَيْرِهِ وهو مُعْسِرٌ لم نَعْتِقْهُ عليه فَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ في حَالِهِ التي أَعْتَقَ فيها وَلَا يُفِيدُ مِلْكًا بَعْدَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ في مَرَضِهِ عَتَقَ عليه كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ وهو مَالِكٌ لِلْكُلِّ أو الثُّلُثُ وإذا مَاتَ فَحَمَلَ الثُّلُثُ عِتْقَ كُلِّهِ وَبُدِئَ على التَّدْبِيرِ وَالْوَصَايَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ أو أَكْثَرَ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ وهو مُوسِرٌ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ عَتَقَ كُلَّهُ وَقُوِّمَ فَدَفَعَ إلَى وُكَلَاءِ شُرَكَائِهِ نَصِيبَهُمْ من الْعَبْدِ وكان حُرًّا وَلَهُ وَلَاؤُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لهم وُكَلَاءُ وُقِفَ ذلك لهم على أَيْدِي من يَضْمَنُهُ بِالنَّظَرِ من الْقَاضِي لهم أو أَقَرَّهُ على الْمُعْتِقِ إنْ كان مَلِيئًا وَلَا يُخْرِجُهُ من يَدَيْهِ إذَا كان مَلِيئًا مَأْمُونًا إنَّمَا يُخْرِجُهُ إذَا كان غير مَأْمُونٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ على أَنَّ عَلَيْك مِائَةَ دِينَارٍ أو خِدْمَةَ سَنَةٍ أو عَمَلَ كَذَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ الْعِتْقَ على هذا لَزِمَهُ ذلك وكان دَيْنًا عليه فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَخْدُمَ رَجَعَ عليه الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ في مَالِهِ إنْ كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال في هذا أَقْبَلُ الْعِتْقَ
____________________

(4/116)


وَلَا أَقْبَلُ ما جَعَلْت عَلَيَّ لم يَكُنْ حُرًّا وهو كَقَوْلِك أنت حُرٌّ إنْ ضَمِنْت مِائَةَ دِينَارٍ أو ضَمِنْت لي كَذَا وَكَذَا وَلَوْ قال أنت حُرٌّ وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ وَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ او خِدْمَةٌ فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ أو لم يُلْزِمْهُ نَفْسَهُ عَتَقَ في الْحَالَيْنِ مَعًا ولم يَلْزَمْهُ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَنْ جَعَلَ عليه شيئا فَجَعَلَهُ على رَجُلٍ لَا يَمْلِكُهُ ولم يَعْقِدْ بِهِ شَرْطًا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضْمَنَهُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَعْتَقَ الرَّجُلُ شِرْكًا له في عَبْدٍ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي أَعْتَقَ فيها فَإِنْ كان مُوسِرًا سَاعَةَ أَعْتَقَهُ أَعْتَقْته وَجَعَلْت له وَلَاءَهُ وَضَمَّنْته نَصِيبَ شُرَكَائِهِ وَقَوَّمْته بِقِيمَتِهِ حين وَقَعَ الْعِتْقُ وَجَعَلْته حين وَقَعَ الْعِتْقُ حُرًّا جنايتة وَالْجِنَايَةَ عليه وَشَهَادَتَهُ وَحُدُودَهُ وَجَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَحْكَامَ حُرٍّ وَإِنْ لم يَدْفَعْ الْقِيمَةَ ولم يَرْتَفِعْ إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ أو أَكْثَرَ وَإِنْ كانت قِيمَتُهُ يوم أَعْتَقَهُ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ لم يُرَافِعْهُ إلَى الْحَاكِمِ حتى تَصِيرَ عَشْرَةً أو زَادَتْ حتى تَصِيرَ أَلْفًا فَسَوَاءٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَإِنْ كانت الْمُعْتَقَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقِيمَةُ قِيمَةُ الْأُمِّ يوم وَقَعَ الْعِتْقُ حَامِلًا كانت أو غير حَامِلٍ وَلَا قِيمَةَ لِمَا حَدَثَ من الْحَمْلِ وَلَا من الْوِلَادَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ وَلَوْ كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كان الْأَوَّلُ مُوسِرًا فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَعِتْقُ الثَّانِي جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَاهُ جميعا مَعًا لم يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ في الْعِتْقِ كان حُرًّا وَلَهُمَا وَلَاؤُهُ وَهَكَذَا إنْ وَلَّيَا رَجُلًا عِتْقَهُ فَأَعْتَقَهُ كان حُرًّا وكان وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إذَا أعتقته ( ( ( أعتقت ) ) ) فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُهُ كان حُرًّا حين قال الْمُعْتِقُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا لو قال إذَا أَعْتَقْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَوَّلِ وكان كَمَنْ قال إذَا أَعْتَقْته فَهُوَ حُرٌّ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وإذا كان الْعَبْدُ بين شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وهو مُعْسِرٌ فَنَصِيبُهُ حُرٌّ وَلِلْمُعْتِقِ نِصْفُ مَالِهِ وَلِلَّذِي لم يَعْتِقْ نِصْفُهُ وَلَوْ كان مُوسِرًا كان حُرًّا وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وكان مَالُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ إنَّمَا مَالُهُ لِمَالِكِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَخَذَهُ وَعِتْقُهُ غَيْرُ هِبَةِ مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو غَيْرُ مَالِهِ وهو يَقَعُ عليه الْعِتْقُ وَلَا يَقَعُ على مَالِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِغُلَامِهِ أنت حُرٌّ وَلِمَالِهِ أنت حُرٌّ كان الْغُلَامُ حُرًّا ولم يَكُنْ الْمَالُ حُرًّا ما كان الْمَالُ من حَيَوَانٍ أو غَيْرِهِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ إلَّا على بني آدَمَ وإذا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَلَهُ من الْمَالِ ما يَعْتِقُ عليه ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ إلَّا أَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْرُجُ عَتَقَ عليه ما احْتَمَلَ مَالُهُ منه وكان له من وَلَائِهِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه وَيَرِقُّ منه ما بَقِيَ وَسَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْت الْعَبْدُ بين الْمُسْلِمِينَ أو الْمُسْلِمُ وَالنَّصْرَانِيُّ وَسَوَاءٌ أَيَّهُمَا أَعْتَقَهُ وَسَوَاءٌ كان الْعَبْدُ مُسْلِمًا أو نَصْرَانِيًّا فإذا أَعْتَقَهُ النَّصْرَانِيُّ وهو مُوسِرٌ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وهو فيه مِثْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ كما لَا يَرِثُ إبنه فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ وَلَا يَبْعُدُ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مُعْتِقًا فَعِتْقُ الْمَالِكِ جَائِزٌ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَوْ أَعْتَقَهُ لم يَجُزْ عِتْقُهُ فَأَمَّا مَالِكُ مُعْتِقٍ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا يَكُونُ له وَلَاؤُهُ فلم اسمع بهذا وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ اباه أو أُمَّهُ بِمِيرَاثٍ عَتَقَا عليه وإذا مَلَكَ بَعْضَهُمَا عَتَقَ مِنْهُمَا ما مَلَكَ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُقَوَّمَا عليه لِأَنَّ الْمِلْكَ لَزِمَهُ وَلَيْسَ له دَفْعُهُ لِأَنَّهُ ليس له دَفْعُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ نَقَلَ مِيرَاثَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ الْوَارِثِينَ وَلَكِنَّهُ لو أَوْصَى له أو وَهَبَ له او تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو مَلَكَهُ بِأَيِّ مِلْكٍ ما شَاءَ غَيْرِ الْمِيرَاثِ عَتَقَ عليه وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُمَا بِغَيْرِ مِيرَاثٍ كان عليه أَنْ يُقَوَّمَا عليه وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَهُمَا لِأَنَّهُ قد كان له دَفْعُ هذا الْمِلْكِ كُلِّهِ ولم يَكُنْ عليه قَبُولُهُ ولم يَكُنْ مَالِكًا له إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ فَكَانَ اخْتِيَارُهُ الْمِلْكَ مِلْكَ ما له قِيمَةٌ وَالْعِتْقُ يَلْزَمُ الْعَبْدَ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ شِقْصًا له في عَبْدٍ قُوِّمَ عليه فقال عِنْدَ الْقِيمَةِ إنَّهُ آبِقٌ أو سَارِقٌ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها قُوِّمَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّ له شَرِيكُهُ قُوِّمَ كَذَلِكَ وَإِنْ لم يُقِرَّ له شَرِيكُهُ أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ قَوْمٌ بَرِيَا من الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُعْتَقِ فَإِنْ حَلَفَ قَوَّمْنَاهُ آبِقًا سَارِقًا وَإِنْ نَكَلَ قَوَّمْنَاهُ صَحِيحًا
____________________

(4/117)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَهَا بِوَصِيَّةٍ أُخْرَى أُنْفِذَتْ الْوَصِيَّتَانِ مَعًا وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِالْأُولَى فَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى رَجُلٍ وَبِالْأُخْرَى فَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى رَجُلٍ كانت كُلُّ وَاحِدَةٍ من الْوَصِيَّتَيْنِ إلَى من جَعَلَهَا إلَيْهِ وَإِنْ كان قال في الْأُولَى وَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ وَقَضَاءَ دَيْنِهِ وَتَرِكَتَهُ إلَى فُلَانٍ وقال في الْأُخْرَى مِثْلَ ذلك كان كُلُّ ما قال في وَاحِدَةٍ من الْوَصِيَّتَيْنِ ليس في الْأُخْرَى إلَى الْوَصِيِّ في تِلْكَ الْوَصِيَّةِ دُونَ صَاحِبِهِ وكان قَضَاءُ دَيْنِهِ وَوِلَايَةُ تَرِكَتِهِ إلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ قال في إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ أوصي بِمَا في هذه الْوَصِيَّةِ إلَى فُلَانٍ وقال في الْأُخْرَى أوصي بِمَا في هذه الْوَصِيَّةِ وَوِلَايَةِ من خَلَفَ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ إلَى فُلَانٍ فَهَذَا مُفْرَدٌ بِمَا افرده بِهِ من قَضَاءِ دَيْنِهِ وَوِلَايَةِ تَرِكَتِهِ وما في وَصِيَّتِهِ لَيْسَتْ في الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى وَشَرِيكٌ مع الْآخَرِ فِيمَا في الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى - * بَابُ الرُّجُوعِ في الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلرَّجُلِ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ تَطَوَّعَ بها أَنْ يَنْقُضَهَا كُلَّهَا او يُبَدِّلَ منها ما شَاءَ التَّدْبِيرَ أو غَيْرَهُ ما لم يَمُتْ وَإِنْ كان في وَصِيَّتِهِ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ أو غَيْرِهِ أو عِتْقٍ بَتَاتٍ فَذَلِكَ شَيْءٌ وَاجِبٌ عليه أَوْجَبَهُ على نَفْسِهِ في حَيَاتِهِ لَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ من ذلك في شَيْءٍ - * بَابُ ما يَكُونُ رُجُوعًا في الْوَصِيَّةِ وَتَغْيِيرًا لها وما لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَلَا تَغْيِيرًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى رَجُلٌ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَوْ قال الْعَبْد الذي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ أو قد أَوْصَيْت بِالْعَبْدِ الذي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ كان هذا رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ذلك الْعَبْدُ كان هذا دَلِيلًا على ( ( ( ثم ) ) ) إبْطَالُ وَصِيَّتِهِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْوَصِيَّةَ لَا يَجْتَمِعَانِ في عَبْدٍ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ أو أَخْذِ مَالٍ منه وَعِتْقِهِ كان هذا كُلُّهُ إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ أو كَاتَبَهُ أو دَبَّرَهُ أو وَهَبَهُ كان هذا كُلُّهُ إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ أو بَعَثَهُ تَاجِرًا إلَى بَلَدٍ أو أَجَّرَهُ أو عَلَّمَهُ كِتَابًا أو قُرْآنًا أو عِلْمًا أو صِنَاعَةً أو كَسَاهُ أو وَهَبَ له مَالًا أو زَوَّجَهُ لم يَكُنْ شَيْءٌ من هذا رُجُوعًا في الْوَصِيَّةِ وَلَوْ كان الموصى بِهِ طَعَامًا فَبَاعَهُ أو وَهَبَهُ أو أَكَلَهُ أو كان حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أو دَقِيقًا فَعَجَنَهُ أو خَبَزَهُ أو حنطة فَجَعَلَهَا سَوِيقًا كان هذا كُلُّهُ كَنَقْضِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَوْصَى له بِمَا في هذا الْبَيْتِ من الْحِنْطَةِ ثُمَّ خَلَطَهَا بِحِنْطَةِ غَيْرِهَا كان هذا إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَوْصَى له مِمَّا في الْبَيْتِ بِمَكِيلَةِ حِنْطَةٍ ثُمَّ خَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا لم يَكُنْ هذا إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَكَانَتْ له الْمَكِيلَة التي أَوْصَى بها له - * تَغْيِيرُ وَصِيَّةِ الْعِتْقِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وَلِلْمُوصِي أَنْ يُغَيِّرَ من وَصِيَّتِهِ ما شَاءَ من تَدْبِيرٍ وَغَيْرِ تَدْبِيرٍ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطَاءٌ يُعْطِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيه ما لم يَتِمَّ لِصَاحِبِهِ بِمَوْتِهِ قال وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ كل من عَقَلَ الْوَصِيَّةَ من بَالِغٍ مَحْجُورٍ عليه وَغَيْرِ بَالِغٍ لِأَنَّا إنَّمَا نَحْبِسُ عليه مَالَهُ ما لم يَبْلُغْ رُشْدَهُ فإذا صَارَ إلَى أَنْ يُحَوِّلَ مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ لم نَمْنَعْهُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى في مَالِهِ بِمَا أَجَازَتْ له السُّنَّةُ من الثُّلُثِ قال وَنَقْتَصِرُ في الْوَصَايَا على الثُّلُثِ وَالْحُجَّةُ
____________________

(4/118)


في أَنْ يُقْتَصَرَ بها على الثُّلُثِ وفي أَنْ تَجُوزَ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنْ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ الْمَوْتِ فَأَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَاقْتَصَرَ بِوَصِيَّتِهِ على الثُّلُثِ وَجَعَلَ عِتْقَهُ في الْمَرَضِ إذَا مَاتَ وَصِيَّةً وَأَجَازَهَا لِلْعَبِيدِ وَهُمْ غَيْرُ قَرَابَةٍ وَأُحِبُّ إلَيْنَا أَنْ يُوصِيَ لِلْقَرَابَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ أو شَيْءٍ مُسَمًّى من دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو عَرْضٍ من الْعُرُوضِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لا يَحْتَمِلُ ما أَوْصَى بِهِ وَمَالٌ غَائِبٌ فيه فَضْلٌ عَمَّا أَوْصَى بِهِ أَعْطَيْنَا الموصى له ما أَوْصَى له بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثُلُثَ الْمَالِ الْحَاضِرِ وَبَقَّيْنَا ما بَقِيَ له وَكُلَّمَا حَضَرَ من الْمَالِ شَيْءٌ دَفَعْنَا إلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْهِ والى الموصى له ثُلُثَهُ حتى يَسْتَوْفُوا وَصَايَاهُمْ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ الْغَائِبُ هَلَكَ منهم وَمِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أبطا عليهم أَبْطَأَ عليهم مَعًا وَأَحْسَنُ حَالِ الموصى له أَبَدًا أَنْ يَكُونَ كَالْوَارِثِ ما احْتَمَلَتْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ فإذا عَجَزَ الثُّلُثُ عنها سَقَطَ معه فَأَمَّا أَنْ يزاد ( ( ( يزيد ) ) ) أَحَدٌ بِحَالٍ أَبَدًا على ما أَوْصَى له بِهِ قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَلَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ له الْوَرَثَةُ فَيَهَبُونَ له من أَمْوَالِهِمْ أَرَأَيْت من زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَعَرَضًا غَائِبًا يُسَاوِي ألف ( ( ( ألفا ) ) ) ألف فقال أُخَيِّرُ الْوَرَثَةَ بين أَنْ يُعْطُوا الموصى له هذه الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ كُلَّهَا وَيُسْلَمَ لهم ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ أو أُجْبِرُهُمْ على دِرْهَمٍ من الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ ثُلُثُ ما حَضَرَ وَأَجْعَلُ للموصى له ثُلُثَيْ الثُّلُثِ فِيمَا غَابَ من مَالِهِ أَلَيْسَ كان أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ وَأَبْعَدَ من الْفُحْشِ في الظُّلْمِ لو جَبْرَهُمْ على أَنْ يُعْطُوهُ من الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا فإذا لم يجز ( ( ( يحز ) ) ) عِنْدَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمْ على دِرْهَمَيْنِ يَدْفَعُونَهُمَا من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ له أَنْ تَسْلَمَ إلَيْهِ وَصِيَّتُهُ ولم تَأْخُذْ الْوَرَثَةُ مِيرَاثَهُمْ كان أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ أُلُوفٍ أَحْرَمَ عليه وَأُفْحِشَ في الظُّلْمِ وَإِنَّمَا أَحْسَنُ حَالَاتِ الْمُوصَى له أَنْ يستوفى ما أوصى له بِهِ لَا يُزَادَ عليه بِشَيْءٍ وَلَا يَدْخُلَ عليه النَّقْصُ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَحِلُّ وَلَكِنْ كُلَّمَا حَضَرَ من مَالِ الْمَيِّتِ أَعْطَيْنَا الْوَرَثَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلَهُ الثُّلُثَ حتى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى له بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ولم يَتْرُكْ الْمَيِّتُ غَيْرَهُ إلَّا مَالًا غَائِبًا سَلَّمْنَا له ثُلُثَهُ وَلِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ وَكُلَّمَا حَضَرَ من الْمَالِ الْغَائِبِ شَيْءٌ له ثُلُثٌ زِدْنَا الْمُوصَى له في الْعَبْدِ أَبَدًا حتى يستوفى رَقَبَتَهُ أو يعجز ( ( ( سقط ) ) ) الثُّلُثُ فَيَكُونُ له ما حَمَلَ الثُّلُثُ وَلَا أُبَالِي تَرَكَ الْمَيِّتُ دَارًا أو أَرْضًا أو غير ذلك لِأَنَّهُ لَا مَأْمُونَ في الدُّنْيَا قد تَنْهَدِمُ الدَّارُ وَتَحْتَرِقُ وَيَأْتِي السَّيْلُ عليها فَيَنْسِفُ أَرْضَهَا وَعِمَارَتَهَا وَلَيْسَ من الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَانِ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وللموصى له ثُلُثٌ تَطَوَّعَا من الْمَيِّتِ فَيُعْطَى بِالثُّلُثِ ما لَا تُعْطَى الْوَرَثَةُ بِالثُّلُثَيْنِ - * بَابُ وَصِيَّةِ الْحَامِلِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْحَامِلِ ما لم يَحْدُثْ لها مَرَضٌ غَيْرُ الْحَمْلِ كَالْأَمْرَاضِ التي يَكُونُ فيها صَاحِبُهَا مُضْنِيًا أو تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ فَيَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فَلَوْ أَجَزْت أَنْ تُوصِيَ حَامِلٌ مَرَّةً وَلَا تُوصِي اخرى كان لِغَيْرِي أَنْ يَقُولَ إذَا ابْتَدَأَ الْحَمْلُ تَغْثَى نَفْسُهَا وَتُغَيِّر عن حَالِ الصِّحَّةِ وَتَكْرَهُ الطَّعَامَ فَلَا أُجِيزُ وَصِيَّتَهَا في هذه الْحَالِ وَأَجَزْت وَصِيَّتَهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ في الْحَمْلِ وَذَهَبَ عنها الْغَثَيَانُ وَالنُّعَاسُ وَإِقْهَامُ الطَّعَامِ ثُمَّ يَكُونُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِمَّنْ فَرَّقَ بين حَالِهَا قبل الطَّلْقِ وَلَيْسَ في هذا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ إلَّا ما قُلْنَا لِأَنَّ الطَّلْقَ حَادِثٌ كَالتَّلَفِ أو كَأَشَدِّ وَجَعِ في الْأَرْضِ مُضْنٍ وَأَخْوَفُهُ أو لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهَا إذَا حَمَلَتْ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حَامِلًا مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غير حَامِلٍ وقد قال في الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ تَجُوزُ هِبَتُهُ وَجَمِيعُ ما صَنَعَ في مَالِهِ في كُلٍّ ما لم يُجْرَحْ فإذا جُرِحَ جُرْحًا مَخُوفًا فَهَذَا كَالْمَرَضِ الْمُضْنِي أو أَشَدُّ خَوْفًا فَلَا يَجُوزُ مِمَّا صَنَعَ في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ يَجُوزُ له ما صَنَعَ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ من حَلَّ عليه الْقِصَاصُ ما لم يُقْتَلْ أو يُجْرَحْ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا
____________________

(4/119)


- * صَدَقَةُ الْحَيِّ عن الْمَيِّتِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال يَلْحَقُ الْمَيِّتَ من فِعْلِ غَيْرِهِ وَعَمَلِهِ ثَلَاثٌ حَجٌّ يُؤَدَّى عنه وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عنه أو يُقْضَى وَدُعَاءٌ فَأَمَّا ما سِوَى ذلك من صَلَاةٍ أو صِيَامٍ فَهُوَ لِفَاعِلِهِ دُونَ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بهذا دُونَ ما سِوَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ في الْحَجِّ خَاصَّةً وَالْعُمْرَةُ مِثْلُهُ قِيَاسًا وَذَلِكَ الْوَاجِبُ دُونَ التَّطَوُّعِ وَلَا يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ عَمَلٌ على الْبَدَنِ فَأَمَّا الْمَالُ فإن الرَّجُلَ يَجِبُ عليه فِيمَا له الْحَقُّ من الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَيُجْزِيه أَنْ يُؤَدِّي عنه بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْفَرْضِ فيه تَأْدِيَتُهُ إلَى أَهْلِهِ لَا عَمَلٌ على الْبَدَنِ فإذا عَمِلَ امْرُؤٌ عَنِّي على ما فُرِضَ في مَالِي فَقَدْ أَدَّى الْفَرْضَ عَنِّي وَأَمَّا الدُّعَاءُ فإن اللَّهَ عز وجل نَدَبَ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ فإذا جَازَ أَنْ يُدْعَى لِلْأَخِ حَيًّا جَازَ أَنْ يُدْعَى له مَيِّتًا وَلَحِقَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بركة ذلك مع أَنَّ اللَّهَ عز ذِكْرُهُ وَاسِعٌ لَأَنْ يُوَفِّي الْحَيَّ أَجْرَهُ وَيُدْخِلَ على الْمَيِّتِ مَنْفَعَتَهُ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا تَطَوَّعَ رَجُلٌ عن رَجُلٍ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ - * بَابُ الْأَوْصِيَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إلَى بَالِغٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ أو امْرَأَةٍ كَذَلِكَ وَلَا تَجُوزُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا عبد الْمُوصِي وَلَا عبد الْمُوصَى له وَلَا إلَى أَحَدٍ لم تَتِمَّ فيه الْحُرِّيَّةُ من مُكَاتَبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَى مُشْرِكٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تُجِزْ الْوَصِيَّةَ إلَى من ذَكَرْت أنها لَا تَجُوزُ إلَيْهِ قِيلَ لَا تَعْدُو الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ كَوِكَالَةِ الرَّجُلِ في الْحَقِّ له فَلَسْنَا نَرُدُّ على رَجُلٍ وَكَّلَ عَبْدًا كَافِرًا خَائِنًا لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِمَالِهِ وَنُجِيزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا يَجُوزُ له في مَالِهِ وَلَا نُخْرِجُ من يَدَيْهِ ما دَفَعَ إلَيْهِ منه وَلَا نَجْعَلُ عليه فيه أَمِينًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ في الْوَصِيَّةِ ما يُجِيزُ في الْوَكَالَةِ من هذا وما أَشْبَهَهُ فإذا صَارُوا إلَى أَنْ لَا يُجِيزُوا هذا في الْوَصِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِلْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ نَظَرَ لِمَنْ أَوْصَى له بِدَيْنٍ وَتَطَوُّعٍ من وِلَايَةِ وَلَدِهِ فَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فلما خَرَجَ من مِلْكِ الْمَيِّتِ فَصَارَ يَمْلِكُهُ وَارِثٌ أو ذُو دَيْنٍ أو مُوصًى له لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ فإذا قَضَى عليهم فِيمَا كان لهم بِسَبَبِهِ قَضَاءٌ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَاكِمُ الْقَضَاءَ لهم بِهِ لِأَنَّهُ نَظَرَ لهم أَجَزْته وكان فيه مَعْنَى أَنْ يَكُونَ من أَسْنَدَ ذلك إلَيْهِ يَعْطِفُ عليهم من الثِّقَةِ بِمَوَدَّةٍ لِلْمَيِّتِ أو لِلْمُوصَى لهم فإذا ولي حُرًّا أو حُرَّةً عَدْلَيْنِ أَجَزْنَا ذلك لَهُمَا بِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك يَصْلُح على الِابْتِدَاءِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّي أَحَدَهُمَا فإذا لم يُوَلِّ من هو في هذه الصِّفَةِ بأن لنا ان قد أَخْطَأَ عَامِدًا أو مُجْتَهِدًا على غَيْرِهِ وَلَا نُجِيزُ خَطَأَهُ على غَيْرِهِ إذَا بَانَ ذلك لنا كما نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) أَمْرَ الْحَاكِمِ فِيمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا وَلَا نُجِيزُهُ فِيمَا بَانَ خَطَؤُهُ وَنُجِيزُ أَمْرَ الْوَالِي فِيمَا صَنَعَ نَظَرًا وَنَرُدُّهُ فِيمَا صَنَعَ من مَالِ من يَلِي غير نَظَرٍ وَنُجِيزُ قَوْلَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في نَفْسِهِ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا وَلَا نُجِيزُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا وَهَكَذَا كُلُّ من شَرَطْنَا عليه في نَظَرِهِ أَنْ يَجُوزَ بِحَالٍ لم يَجُزْ في الْحَالِ التي يُخَالِفُهَا وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى من تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ ثُمَّ حَدَثَ لِلْمُوصَى إلَيْهِ حَالٌ تُخْرِجُهُ من حَدِّ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا لِمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ أو أَمِينًا عليه أَخْرَجْت الْوَصِيَّةَ من يَدَيْهِ إذَا لم يَكُنْ أَمِينًا وَأَضُمُّ إلَيْهِ إذَا كان أَمِينًا ضَعِيفًا عن الْكِفَايَةِ قَوِيًّا على الْأَمَانَةِ فَإِنْ ضَعُفَ عن الْأَمَانَةِ أُخْرِجَ بِكُلِّ حَالٍ وَكُلَّمَا صَارَ من أُبْدِلَ مَكَانَ وَصِيٍّ إلَى تَغَيُّرٍ في أَمَانَةٍ أو ضَعْفٍ كان مِثْلَ الْوَصِيِّ يُبْدَلُ مَكَانُهُ كما يُبْدَلُ مَكَانُ الْوَصِيِّ إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وإذا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أو تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أُبْدِلَ مَكَانَ الْمَيِّتِ أو الْمُتَغَيِّرِ رَجُلٌ آخَرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لم يَرْضَ قِيَامَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فَمَاتَ
____________________

(4/120)


الْمُوصَى إلَيْهِ وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ لم يَكُنْ وصى الْوَصِيِّ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ لم يَرْضَ الْمُوصَى الْآخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى من أوصي إلَيْهِ لم يَجُزْ ذلك لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمَالِ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ الْمَيِّتُ فَإِنْ كان كَافِيًا أَمِينًا ولم يَجِدْ آمَنَ منه أو مثله في الْأَمَانَةِ مِمَّنْ يَرَاهُ أَمْثَلَ لِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ من ذِي قَرَابَةِ الْمَيِّتِ أو مَوَدَّةً له أو قَرَابَةً لِتَرِكَتِهِ أو مَوَدَّةً لهم ابْتَدَأَ توليته ( ( ( لتوليته ) ) ) بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْفَأَ وَأَمْلَأَ بِبَعْضِ هذه الْأُمُورِ منه وَلَّى الذي يَرَاهُ أَنْفَعَ لِمَنْ يُوَلِّيهِ أَمْرَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ أو الْمَوْلَيَانِ أو الْوَصِيُّ والمولى معه في الْمَالِ قَسَمَ ما كان منه يُقْسَمُ فَجَعَلَ في أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وآمر بِالِاحْتِفَاظِ بِمَا لَا يُقْسَمُ منه مَعًا وإذا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِإِنْكَاحِ بَنَاتِهِ إلَى رَجُلٍ فَإِنْ كان وَلِيَّهُنَّ الذي لَا أَوْلَى منه زَوَّجَهُنَّ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ أو الْوَلَاءِ دُونَ الْوَصِيَّةِ جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلِيَّهُنَّ لم يَكُنْ له أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ وفي إجَازَةِ تَزْوِيجِ الْوَصِيِّ إبْطَالٌ لِلْأَوْلِيَاءِ إذَا كان الْأَوْلِيَاءُ أَهْلَ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ غَيْرُ ذِي نَسَبٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ يَجُوزُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ أَنْ يَلِيَ ما كان يَلِي الْمَيِّتُ فَالْمَيِّتُ لَا وِلَايَةَ له على حَيٍّ فَيَكُونُ يَلِي أَحَدٌ بِوِلَايَةِ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ لِأَقْرَبِ الناس بِالْمُزَوَّجَةِ من قِبَل أَبِيهَا بَعْدَهُ أَحَبَّتْ ذلك أو كَرِهَتْهُ وَلَوْ جَازَ هذا لِوَصِيِّ الْأَبِ جَازَ لِوَصِيِّ الْأَخِ وَالْمَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِوَصِيٍّ فَإِنْ قِيلَ قد يُوَكِّلُ أَبُوهَا الرَّجُلَ فَيُزَوِّجَهَا فَيَجُوزُ قِيلَ نعم وَوَلِيُّهَا من كان وَالْوِلَايَةُ حِينَئِذٍ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قال الرَّجُلُ قد أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ بِتَرِكَتِي أو قال قد اوصيت إلَيْهِ بِمَالِي أو قال بِمَا خَلَّفْت ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أُجِيبُ فيها أَقُولُ يَكُونُ وَصِيًّا بِالْمَالِ وَلَا يَكُونُ إلَيْهِ من النِّكَاحِ شَيْءٌ إنَّمَا النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ من الْمُزَوِّجَةِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ في أَمْوَالِ الْيَتَامَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخْرِجُ الْوَصِيُّ من مَالِ الْيَتِيمِ كُلَّ ما لَزِمَ الْيَتِيمَ من زَكَاةِ مَالِهِ وَجِنَايَتِهِ وما لَا غِنَى بِهِ عنه من كِسْوَتِهِ وَنَفَقَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ وإذا بَلَغَ الْحُلُمَ ولم يَبْلُغْ رُشْدَهُ زَوَّجَهُ وإذا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ وَمِثْلُهُ يُخْدَمُ اشْتَرَى له خادم ( ( ( خادما ) ) ) وإذا ابْتَاعَ له نَفَقَةً وَكِسْوَةً فَسُرِقَ ذلك أَخْلَفَ له مَكَانَهَا وَإِنْ أَتْلَفَ ذلك فائته ( ( ( فأته ) ) ) يَوْمًا يَوْمًا وَأْمُرْهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِكِسْوَتِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا رَفَعَ ذلك إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهُ في إتْلَافِهَا وَيُخِيفَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ أَنْ يُكْسَى أَقَلَّ ما يَكْفِيهِ في الْبَيْتِ مِمَّا لَا يَخْرُجُ فيه فإذا رَأَى أَنْ قد أَدَّبَهُ أَمَرَ بِكِسْوَتِهِ ما يَخْرُجُ فيه وَيُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ إنْ زَوَّجَهُ وَخَادِمٍ إنْ كانت لها بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْسُوهَا وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ على جَارِيَتِهِ إنْ اشْتَرَاهَا له لِيَطَأَهَا وَلَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ له امْرَأَتَيْنِ وَلَا جَارِيَتَيْنِ لِلْوَطْءِ وَإِنْ اتَّسَعَ مَالُهُ لِأَنَّا إنَّمَا نُعْطِيهِ منه ما فيه الْكِفَايَةُ مِمَّا يُخْرِجُ من حَدِّ الضِّيقِ وَلَيْسَ بِامْرَأَةٍ وَلَا جَارِيَةٍ لِوَطْءٍ ضِيقٌ إلَّا أَنْ تَسْقَمَ أَيَّتُهُمَا كانت عِنْدَهُ حتى لَا يَكُونَ فيها مَوْضِعٌ لِلْوَطْءِ فَيَنْكِحَ أو يَتَسَرَّى إذَا كان مَالُهُ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ وَهَذَا ما لَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ إنْ كان يَأْتِي النِّسَاءَ فَإِنْ كان مَجْبُوبًا أو حَصُورًا فَأَرَادَ جَارِيَةً يَتَلَذَّذُ بها لم تُشْتَرَ له وَإِنْ أَرَادَ جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ اُشْتُرِيَتْ له فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَذَّذَ بها تَلَذَّذَ بها وَإِنْ أَرَادَ امْرَأَةً لم يُزَوَّجْهَا لِأَنَّ هذا مِمَّا له منه بُدٌّ وإذا زُوِّجَ الْمَوْلَى عليه فَأَكْثَرَ طَلَاقَهَا أَحْبَبْت أَنْ يَتَسَرَّى فَإِنْ أَعْتَقَ فَالْعِتْقُ مَرْدُودٌ عليه
____________________

(4/121)


- * الْوَصِيَّةُ التي صَدَرَتْ من الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه - * قال الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ محمد بن إدْرِيسَ بن الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ في شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ واشهد اللَّهَ عَالَمَ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ وَكَفَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَهِيدًا ثُمَّ من سَمِعَهُ أَنَّهُ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لم يَزَلْ يَدِينُ بِذَلِكَ وَبِهِ يَدِينُ حتى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَيَبْعَثُهُ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنَّهُ يُوصِي نَفْسَهُ وَجَمَاعَةَ من سمع وَصِيَّتَهُ بِإِحْلَالِ ما أَحِلَّ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ ثُمَّ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَحْرِيمِ ما حَرَّمَ اللَّهُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ من ذلك إلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ تَرْكُ رِضَا اللَّهِ وَتَرْكَ ما خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُمَا من الْمُحَدِّثَاتِ وَالْمُحَافَظَةِ على أَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عز وجل في الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْكَفِّ عن مَحَارِمِهِ خَوْفًا لِلَّهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ الْوُقُوفِ بين يَدَيْهِ { يوم تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَرًا وما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لو أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } وَأَنْ تُنْزِلَ الدُّنْيَا حَيْثُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فإنه لم يَجْعَلْهَا دَارَ مَقَامٍ إلَّا مَقَامَ مُدَّةٍ عَاجِلَةِ الِانْقِطَاعِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا دَارَ عَمَلٍ وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ قَرَارٍ وَجَزَاءٍ فيها بِمَا عَمِلَ في الدُّنْيَا من خَيْرٍ أو شَرٍّ إنْ لم يَعْفُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وإن لَا يُخَالَّ أَحَدًا إلَّا احدا خَالَّهُ لِلَّهِ ممن ( ( ( فمن ) ) ) يَفْعَلْ الْخُلَّةَ في اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيُرْجَى منه إفَادَةَ عِلْمٍ في دِينٍ وَحُسْنِ أَدَبٍ في الدُّنْيَا وَأَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ زَمَانَهُ وَيَرْغَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ في الْخَلَاصِ من شَرِّ نَفْسِهِ فيه وَيُمْسِكَ عن الْإِسْرَافِ من قَوْلٍ أو فِعْلٍ في أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ عز وجل فِيمَا قال وَعَمِلَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْفِيهِ مِمَّا سِوَاهُ وَلَا يَكْفِي منه شَيْءٌ غَيْرُهُ وَأَوْصَى مَتَى حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ الذي كَتَبَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ على خَلْقِهِ الذي أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ عليه وَعَلَى ما بَعْدَهُ وَكِفَايَةَ كل هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ ولم يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ هذه أَنْ يَلِيَ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ النَّظَرَ في أَمْرِ ثَابِتٍ الخصى الْأَقْرَعِ الذي خَلَفَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كان غير مُفْسِدٍ فِيمَا خَلَّفَهُ محمد بن إدْرِيسَ فيه أَعْتَقَهُ عن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَإِنْ حَدَثَ بِأَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ حَدَثٌ قبل أَنْ يَنْظُرَ في أَمْرِهِ نَظَرَ في أَمْرِهِ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بَعْدَ أَحْمَدَ فَأَنْفَذَ فيه ما جُعِلَ إلَى أَحْمَدَ وَأَوْصَى أَنَّ جَارِيَتَهُ الْأَنْدَلُسِيَّةَ التي تُدْعَى فَوْزُ التي تُرْضِعُ ابْنَهُ أَبَا الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ إذَا اسْتَكْمَلَ ابو الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ سَنَتَيْنِ وَاسْتَغْنَى عن رَضَاعِهَا أو مَاتَ قبل ذلك فَهِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وإذا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ ورؤى ( ( ( ورئي ) ) ) أَنَّ الرَّضَاعَ خَيْرٌ له أَرْضَعَتْهُ سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُرَى أَنَّ تَرْكَ الرَّضَاعِ خَيْرٌ له أو يَمُوتَ فَتُعْتَقُ بِأَيِّهِمَا كان وَمَتَى أُخْرِجَ إلَى مَكَّةَ أُخْرِجَتْ معه حتى يُكْمِلَ ما وَصَفْت من رَضَاعِهِ ثُمَّ هِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ عَتَقَتْ قبل أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ لم تُكْرَهْ في الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ وَأَوْصَى أَنْ تُحْمَلَ أُمُّ ابى الْحَسَنِ أُمُّ وَلَدِهِ دَنَانِيرَ وَأَنْ تعطى جَارِيَتَهُ سِكَّةَ السَّوْدَاءَ وَصِيَّةً لها أو أَنْ يشتري لها جَارِيَةٌ أو خصى بِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا أو يُدْفَعَ إلَيْهَا عِشْرُونَ دِينَارًا وَصِيَّةً لها فَأَيَّ وَاحِدٍ من هذا اخْتَارَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا وَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا أبو ( ( ( أبا ) ) ) الْحَسَنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لها إنْ شَاءَتْهَا وَإِنْ فوز لم تُعْتِقْ حتى تَخْرُجَ بِأَبِي الْحَسَنِ إلَى مَكَّةَ حُمِلَتْ وَابْنُهَا مَعَهَا مع أبي الْحَسَنِ وَإِنْ مَاتَ أبو الْحَسَنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى مَكَّةَ عَتَقَتْ فَوْزُ وَأَعْطَيْت ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَوْصَى أَنْ يُقْسَمَ ثُلُثُ مَالِهِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فيوقف على دَنَانِيرَ سَهْمَانِ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ ما عَاشَ ابْنُهَا وَأَقَامَتْ معه يُنْفَقُ عليها منه وَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا أبو الْحَسَنِ وَأَقَامَتْ مع وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَذَلِكَ لها وَمَتَى فَارَقَتْ ابْنَهَا وَوَلَدَهُ قُطِعَ عنها ما أَوْصَى لها بِهِ وَإِنْ أَقَامَتْ فَوْزُ مع دَنَانِيرَ بعد ما تُعْتَقُ فَوْزُ وَدَنَانِيرُ مُقِيمَةٌ مع ابْنِهَا مُحَمَّدٍ أو وَلَدِ
____________________

(4/122)


مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وُقِفَ على فَوْزَ سَهْمٌ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ يُنْفَقُ عليها منه ما أَقَامَتْ مَعَهَا وَمَعَ وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَإِنْ لم تُقِمْ فَوْزُ قُطِعَ عنها وَرُدَّ على دَنَانِيرَ أُمِّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَأَوْصَى لِفُقَرَاءِ آلِ شَافِعِ بن السَّائِبِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يُدْفَع إلَيْهِمْ سَوَاءٌ فيه صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَذَكَرُهُمْ وأناثهم وَأَوْصَى لِأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ بِسِتَّةِ أَسْهُمٍ مع أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عنه رِقَابٌ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ وَيُتَحَرَّى أَفْضَلَ ما يُقْدَرُ عليه وَأَحْمَدَهُ ويشتري منهم مَسْعَدَة الْخَيَّاطُ إنْ بَاعَهُ من هو له فَيُعْتَقُ وَأَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّق على جِيرَانِ دَارِهِ التي كان يَسْكُنُ بِذِي طُوًى من مَكَّةَ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يَدْخُلُ فِيهِمْ كُلُّ من يَحْوِي إدْرِيسَ وَلَاءَهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ ذَكَرُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فيعطى كُلَّ وَاحِدِ منهم ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ ما يعطى وَاحِدًا من جِيرَانِهِ وَأَوْصَى لِعُبَادَةَ السِّنْدِيَّةِ وَسَهْلٍ وَوَلَدِهِمَا مَوَالِيَهُ وَسَلِيمَة مَوْلَاةِ أُمِّهِ وَمَنْ أَعْتَقَ في وَصِيَّتِهِ بِسَهْمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يَجْعَلُ لِعِبَادَةِ ضَعْفَ ما يَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ويسوى بين الْبَاقِينَ وَلَا يعطى من مَوَالِيهِ إلَّا من كان بِمَكَّةَ وَكُلُّ ما أَوْصَى بِهِ من السَّهْمَانِ من ثُلُثِهِ بعد ما أَوْصَى بِهِ من الْحَمُولَةِ وَالْوَصَايَا يَمْضِي بِحَسَبِ ما أَوْصَى بِهِ بِمِصْرَ فَيَكُونُ مَبْدَأَ ثُمَّ يَحْسِبُ بَاقِيَ ثُلُثِهِ فَيُخْرِجَ الْأَجْزَاءَ التي وَصَفْت في كِتَابِهِ وَجَعَلَ محمد بن إدْرِيسَ إنْفَاذَ ما كان من وَصَايَاهُ بِمِصْرَ وَوِلَايَةَ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ بها إلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إلَى عبد اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ الْقُرَشِيِّ وَيُوسُفُ بن عَمْرِو بن يَزِيدَ الْفَقِيهِ وَسَعِيدُ بن الْجَهْمِ الْأَصْبَحِيُّ فَأَيُّهُمْ مَاتَ أو غَابَ أو تَرَكَ الْقِيَامَ بِالْوَصِيَّةِ قام الْحَاضِرُ الْقَائِمُ بِوَصِيَّتِهِ مَقَامًا يُغْنِيهِ عَمَّنْ غَابَ عن وَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ أو تَرَكَهَا وَأَوْصَى يُوسُفَ بن يَزِيدَ وَسَعِيدَ بن الْجَهْمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ أَنْ يُلْحِقُوا ابْنَهُ ابا الْحَسَنِ مَتَى أَمْكَنَهُمْ إلْحَاقُهُ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يُحْمَلَ بَحْرًا والى الْبِرِّ سَبِيلٌ بِوَجْهٍ وَيَضُمُّوهُ وَأُمَّهُ إلَى ثِقَةٍ وَيُنَفِّذُوا ما أَوْصَاهُمْ بِهِ بِمِصْرَ وَيَجْمَعُوا مَالَهُ وَمَالَ أبي الْحَسَنِ ابْنِهِ بها وَيُلْحِقُوا ذلك كُلَّهُ وَرَقِيقَ أبي الْحَسَنِ معه بِمَكَّةَ حتى يُدْفَعَ إلَى وَصِيِّ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بها وما يَخْلُفُ لِمُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ أو ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ من شَيْءٍ فَسَعِيدُ بن الْجَهْمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ وَيُوسُفُ بن عَمْرٍو أَوْصِيَاءَهُ فيه وَوُلَاةُ وَلَدِهِ وما كان له وَلَهُمْ بِمِصْرَ على ما شَرَطَ أَنْ يَقُومَ الْحَاضِرُ منهم في كل ما أُسْنِدَ إلَيْهِ مَقَامَ كُلِّهِمْ وما أَوْصَلُوا إلَى أَوْصِيَاءِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِمَكَّةَ وَوُلَاةِ وَلَدِهِ مِمَّا يَقْدِرُ على إيصَالِهِ فَقَدْ خَرَجُوا منه وَهُمْ قَائِمُونَ بِدَيْنِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ قَبَضَا وَقَضَاءَ دَيْنٍ إنْ كان عليه ( ( ( عليها ) ) ) بها وَبَيْعَ ما رَأَوْا بَيْعَهُ من تَرِكَتِهِ وَغَيْرَ ذلك من جَمِيعِ مَالِهِ وَعَلَيْهِ بِمِصْرَ وَوِلَايَةُ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ ما كان بِمِصْرَ وَجَمِيعُ تَرِكَةِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِمِصْرَ من أَرْضٍ وَغَيْرِهَا وَجَعَلَ محمد بن إدْرِيسَ وَلَاءَ وَلَدِهِ بِمَكَّةَ وَحَيْثُ كَانُوا إلَى عُثْمَانَ وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بَنِي مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَوَلَاءَ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ من دَنَانِيرَ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا فَارَقَ مِصْرَ وَالْقِيَامَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِ وَلَدِهِ الَّذِينَ سَمَّى وَوَلَدَانِ حَدَثٌ لِمُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ حتى يَصِيرُوا إلَى الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ مَعًا وَأَمْوَالَهُمْ حَيْثُ كانت إلَّا ما يَلِي أَوْصِيَاؤُهُ بمصر فإن ذلك إلَيْهِمْ ما قام بِهِ قَائِمٌ منهم فإذا تَرَكَهُ فَهُوَ إلَى وصيه ( ( ( وصييه ) ) ) بِمَكَّةَ وَهُمَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بن إسْمَاعِيلَ بن مُقَرِّظ الصَّرَّافُ فَإِنْ عُبَيْدَ اللَّهِ توفى أو لم يَقْبَلْ وَصِيَّةَ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَأَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ الْقَائِمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَمُحَمَّدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الْقَادِرَ على ما يَشَاءُ أَنْ يُصَلِّيَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْ يَرْحَمُهُ فإنه فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِهِ وَأَنْ يُجِيرَهُ من النَّارِ فإن اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عن عَذَابِهِ وَأَنْ يَخْلُفَهُ في جَمِيعِ ما يُخْلَفُ بِأَفْضَلَ ما خَلَفَ بِهِ أَحَدًا من الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يَكْفِيَهُمْ فَقْدَهُ ويجير ( ( ( ويجبر ) ) ) مُصِيبَتَهُمْ من بَعْدِهِ وَأَنْ يَقِيَهُمْ مَعَاصِيَهُ وَإِتْيَانَ ما يَقْبُحُ بِهِمْ وَالْحَاجَةَ إلَى أَحَدٍ من خَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَشْهَدَ مُحَمَّدَ بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ على نَفْسِهِ في مَرَضِهِ أَنَّ سُلَيْمًا الْحَجَّامَ ليس له إنَّمَا هو لِبَعْضِ وَلَدِهِ وهو
____________________

(4/123)


مَشْهُودٌ عَلَيَّ فَإِنْ بِيعَ فَإِنَّمَا ذلك على وَجْهِ النَّظَرِ له فَلَيْسَ في مَالِي منه شَيْءٌ وقد أَوْصَيْت بِثُلُثِي وَلَا يَدْخُلُ في ثُلُثِي ما لَا قَدْرَ له من فُخَّارٍ وَصِحَافٍ وَحُصْر من سَقْطِ الْبَيْتِ وَبَقَايَا طَعَامِ الْبَيْتِ وما لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا لَا خَطَرَ له شَهِدَ على ذلك
____________________

(4/124)


- * بَابُ الْوَلَاءِ وَالْحَلِفِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُنْسَبَ من كان له نَسَبٌ من الناس نَسَبَيْنِ من كان له أَبٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أبيه وَمَنْ لم يَكُنْ له أَبٌ فَلْيُنْسَبْ إلَى مَوَالِيهِ وقد يَكُونُ ذَا أَبٍ وَلَهُ مَوَالٍ فَيُنْسَبُ إلَى أبيه وَمَوَالِيهِ وَأُولَى نَسَبَيْهِ أَنْ يُبْدَأَ بِهِ أَبُوهُ وَأَمَرَ أَنْ يُنْسَبُوا إلَى الإخوة في الدِّينِ مع الْوَلَاءِ وَكَذَلِكَ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا مع النَّسَبِ وَالْإِخْوَةُ في الدِّينِ لَيْسَتْ بِنَسَبٍ إنَّمَا هو صِفَةٌ تَقَعُ على الْمَرْءِ بِدُخُولِهِ في الدِّينِ وَيَخْرُجُ منها بِخُرُوجِهِ منه وَالنَّسَبُ إلَى الْوَلَاءِ وَالْآبَاءِ إذَا ثَبَتَ لم يُزِلْهُ الْمَوْلَى من فَوْقٍ وَلَا من أَسْفَلَ وَلَا الْأَبُ وَلَا الْوَلَدُ وَالنَّسَبُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُنْسَبُ الرَّجُلُ إلَى الْعِلْمِ وَإِلَى الْجَهْلِ وَإِلَى الصِّنَاعَةِ وَإِلَى التِّجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ نَسَبٌ مُسْتَحْدَثٌ من فِعْلِ صَاحِبِهِ وَتَرْكِهِ الْفِعْلَ وكان منهم صِنْفٌ ثَالِثٌ لَا آبَاءَ لهم يُعْرَفُونَ وَلَا وَلَاءَ فَنُسِبُوا إلَى عُبُودِيَّةِ اللَّهِ وَإِلَى أَدْيَانِهِمْ وَصِنَاعَاتِهِمْ وَأَصْلُ ما قُلْت من هذا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما أَجْمَعَ عليه عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ قال اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } وقال عز وجل { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْت عليه أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وكان في مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مع الْكَافِرِينَ قال سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي من الْمَاءِ قال لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ من أَمْرِ اللَّهِ إلَّا من رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ من الْمُغْرِقِينَ } وقال عز وجل { وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كان صِدِّيقًا نَبِيًّا إذْ قال لِأَبِيهِ يا أَبَتْ لم تَعْبُدُ ما لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْك شيئا } وقال تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ من حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أَبْنَاءَهُمْ أو إخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ } فَمَيَّزَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمْ بِالدِّينِ ولم يَقْطَعْ الْأَنْسَابَ بَيْنُهُمْ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الْأَنْسَابَ لَيْسَتْ من الدِّينِ في شَيْءٍ الانساب ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ وَالدِّينُ شَيْءٌ يَدْخُلُونَ فيه أو يَخْرُجُونَ منه وَنَسَبَ بن نُوحٍ إلَى أبيه وَابْنُهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلَهُ إلَى أبيه وَأَبُوهُ كَافِرٌ وقال عز وجل ذِكْرُهُ { يا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنكُمْ الشَّيْطَانُ } فَنَسَبَ إلَى آدَمَ الْمُؤْمِنَ من وَلَدِهِ وَالْكَافِرَ وَنَسَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل إلَى آبَائِهِمْ كُفَّارًا كَانُوا أو مُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَوَالِي إلَى وَلَائِهِمْ وَإِنْ كان الْمَوَالِي مُؤْمِنِينَ وَالْمُعْتِقُونَ مُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا محمد بن الْحُسَيْنِ عن يَعْقُوبَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الحلف ( ( ( الخلف ) ) ) أَقِرَّهُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن عَائِشَةَ أنها أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا
____________________

(4/125)


فقال أَهْلُهَا بيعكها ( ( ( نبيعكها ) ) ) على أَنَّ وَلَاءَهَا لنا فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( لَا يَمْنَعُك ذلك فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضى اللَّهُ تَعَالَى عنها أنها قالت جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالت إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي على تِسْعِ أَوَاقٍ في كل عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فقالت لها عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِدَّهَا لهم وَيَكُونَ وَلَاؤُك لي فَعَلْت فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَالِسٌ فقالت إنِّي قد عَرَضْت عليهم ذلك فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لهم فَسَمِعَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فقال رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم ( خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لهم الْوَلَاءَ فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ) فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قام رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه فقال ( أَمَّا بَعْدُ فما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وأن كان مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ( قال الشافعى ) في حديث هِشَامٍ بن عُرْوَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ قد غَلِطَ في بَعْضِهَا من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ فقال لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍّ وَلَا أَرَاهُ إلَّا قد غَلِطَ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ فإذا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ فقال لي قَائِلٌ بَرِيرَةُ كانت مكاتبه وَبِيعَتْ وَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيْعَ فَقُلْت له أَلَا تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ في كِتَابَتِهَا وَتَذْهَبُ مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا وَتَرْجِعُ بِخَبَرِ أَهْلِهَا فقال بَلَى وَلَكِنْ ما قُلْت في هذا قُلْت إنَّ هذا رِضًا منها بِأَنْ تُبَاعَ قال أَجَلْ قُلْت وَدَلَالَةٌ على عَجْزِهَا أو رِضَاهَا بِالْعَجْزِ قال أَمَّا رِضَاهَا بِالْعَجْزِ فإذا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ دَلَّ ذلك على رِضَاهَا بِالْعَجْزِ وَأَمَّا على عَجْزِهَا فَقَدْ تَكُونُ غير عَاجِزَةٍ وَتَرْضَى بِالْعَجْزِ رَجَاءَ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ فَقُلْت له وَالْمُكَاتَبُ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ فقال قد عَجَزْت لم يُسْأَلْ عنه غَيْرُهُ وَرَدَدْنَاهُ رَقِيقًا وَجَعَلْنَا لِلَّذِي كَاتِبَهُ بَيْعَهُ وَيُعْتِقُ وَيُرِقُّ قال أَمَّا هذا فَلَا يَخْتَلِفُ فيه أَحَدٌ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا قُلْت وَلَا يُعْلَمُ عَجْزُهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ قد عَجَزْت أو تَحِلَّ نُجُومُهُ فَلَا يُؤَدِّي وَلَا يُعْلَمُ له مَالٌ قال أَجَلْ وَلَكِنْ ما دَلَّ على أَنَّ بَرِيرَةَ لم تَكُنْ ذَاتَ مَالٍ قُلْت مَسْأَلَتُهَا في أُوقِيَّةٍ وقد بَقِيَتْ عليها أَوَاقٍ وَرِضَاهَا بِأَنْ تُبَاعَ دَلِيلٌ على أَنَّ هذا عَجْزٌ منها على لِسَانِهَا قال إنَّ هذا الحديث لَيَحْتَمِلُ ما وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قُلْت أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَلَى ما وَصَفْت وَالْحَدِيثُ على ظَاهِرِهِ وَلَوْ احْتَمَلَ ما وَصَفْت وَوَصَفْت كان أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ ما لَا يَخْتَلِفُ فيه أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ من أَنَّ الْمُكَاتَب لَا يُبَاعُ حتى يَعْجَزَ ولم يُنْسَبْ إلَى الْعَامَّةِ أَنْ يَجْهَلَ مَعْنَى حديث ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيِّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا تَمْتَنِعُ منه الْعُقُولُ من أَنَّ الْمَرْءَ إذَا كان مَالِكًا لِرَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ فأنتقل حُكْمُهُ من الْعُبُودِيَّةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَرِثَ وَأَخَذَ سَهْمَهُ في الْمُسْلِمِينَ وَحُدَّ حُدُودَهُمْ وَحُدَّ له فَكَانَتْ هذه الْحُرِّيَّةُ إنَّمَا تُثْبِتْ الْعِتْقَ لِلْمَالِكِ وكان الْمَالِكُ الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ مُسْلِمًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُ عليه فلم يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْمُعْتِقِ أَنْ يَرُدَّ وَلَاءَهُ فَيَرُدَّهُ رَقِيقًا وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَا لِلْمُعْتَقِ وَلَا لَهُمَا لو اجْتَمَعَا على ذلك فَهَذَا مِثْلُ النَّسَبِ الذي لَا يُحَوَّلُ وَبَيِّنٌ في السُّنَّةِ وما وَصَفْنَا في الْوَلَاءِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ بِحَالٍ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غير ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ إنها لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ وإن في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إنها لِمَنْ سُمِّيَتْ له وَالْآخَرُ أنها لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَا وَلَاءَ له وَالَى رَجُلًا أو أَسْلَمَ على يَدَيْهِ لم يَكُنْ مَوْلًى له بِالْإِسْلَامِ وَلَا الْمُوَالَاةِ وَلَوْ اجْتَمَعَا على ذلك وَكَذَلِكَ
____________________

(4/126)


لو وَجَدَهُ مولودا ( ( ( معبودا ) ) ) فَالْتَقَطَهُ وَمَنْ لم يَثْبُتْ له وَلَاءٌ بِنِعْمَةٍ تجرى عليه لِلْمُعْتِقِ فَلَا يُقَالُ لِهَذَا مولا ( ( ( مولى ) ) ) أَحَدٍ وَلَا يُقَالُ له مولى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما بَالُهُ إذَا مَاتَ كان مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيلَ له ليس بِالْوَلَاءِ وَرِثُوهُ وَلَكِنْ وَرِثُوهُ بِأَنَّ اللَّه عز وجل مَنَّ عليهم بِأَنْ خَوَّلَهُمْ ما لَا مَالَك له دُونَهُ فلما لم يَكُنْ لِمِيرَاثِ هذا مَالِكٌ بِوَلَاءٍ وَلَا بِنَسَبٍ وَلَا له مَالِكٌ مَعْرُوفٌ كان مِمَّا خُوِّلُوهُ فَإِنْ قال وما يُشْبِهُ هذا قِيلَ الْأَرْضُ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَالَك لها يُعْرَفُ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا من الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ له يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَتِهِمْ لَا أَنَّهُمْ مَوَالِيه وَلَوْ كَانُوا أَعْتَقُوهُ لم يَرِثْهُ من اعتقه منهم وهو كَافِرٌ وَلَكِنَّهُمْ خُوِّلُوا مَالَهُ بِأَنْ لَا مَالِكَ له وَلَوْ كان حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ في الذي لَا وَلَاءَ له إذَا مَاتَ أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بِالْوَلَاءِ حتى كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْنَا فيه أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْحَالِ التي كان فيها مَوْلُودًا لَا رِقَّ عليه وَمُسْلِمًا فَيُجْعَلُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءَ يَوْمئِذٍ من الْمُسْلِمِينَ دُونَ من حَدَثَ منهم فَإِنْ مَاتُوا وَرَّثْنَا وَرَثَةَ الْأَحْيَاءِ يَوْمئِذٍ من الرِّجَالِ مَالَهُ أو جَعَلْنَا من كان حَيًّا من الْمُسْلِمِينَ يوم يَمُوتُ وَرَثَتَهُ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ قَسْمَ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا نَجْعَلُ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ مَالَهُ لِأَهْلِ بَلَدٍ دُونَ أَهْلِ بَلَدٍ وَأَحْصَيْنَا من في الْأَرْضِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ منهم حَظَّهُ من مِيرَاثِهِ كما يُصْنَعُ بِجَمَاعَةٍ لو أَعْتَقَتْ وَاحِدًا فَتَفَرَّقُوا في الْأَرْضِ وَنَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُعْطُونَ مِيرَاثَهُ أَهْلَ الْبَلَدِ الذي يَمُوتُ فيه دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ من الْوَجْهِ الذي وَصَفْت لَا من إنه مَوْلًى لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْلًى لِأَحَدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول ( فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ اعتق ) وفي قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ تَثْبِيتُ أَمْرَيْنِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ بِأَكِيدٍ ونفى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتِقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا له سَائِبَةً فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَلَا يُخَالِفُ الْمُعْتَقُ سَائِبَةً في ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عليه وَالْمِيرَاثُ منه غَيْرُ السَّائِبَةِ لِأَنَّ هذا مُعْتَقٌ وقد جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَكَذَا الْمُسْلِمُ يُعْتِقُ مُشْرِكًا فَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ لم يَرِثْهُ مَوْلَاهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُشْرِكِ الْمُعْتِقِ وَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ لم يَرِثْهُ الْمُشْرِكُ الذي أَعْتَقَهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى أَنْ لَا يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَانَ هذا في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخُصَّ وَاحِدًا منهم دُونَ الْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ عن فُلَانٍ ولم يَأْمُرْهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَبِلَ الْمُعْتَقُ عنه ذلك بَعْدَ الْعِتْقِ أو لم يَقْبَلْهُ فَسَوَاءٌ وهو حُرٌّ عن نَفْسِهِ لَا عن الذي أَعْتَقَهُ عنه وَوَلَاؤُهُ له لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَكَانَتْ له قَرَابَةٌ من قِبَلِ أبيه تَرِثُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ أو عَصَبَةٍ أو إخْوَةٌ لِأُمٍّ يَرِثُونَهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ أو زَوْجَةٌ أو كانت امْرَأَةً وكان لها زَوْجٌ وَرِثَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَالْعَصَبَةُ شيئا إنْ بَقِيَ عَنْهُمْ فَإِنْ لم يَكُنْ عَصَبَةٌ قام الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فَيَأْخُذُ الْفَضْلَ عن أَهْلِ الْفَرَائِضِ فإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَا وَارِثَ له غير مَوَالِيهِ أو له وَارِثٌ لَا يَحُوزُ مِيرَاثَهُ كُلَّهُ خَالَفَ مِيرَاثُ الْوَلَاءِ مِيرَاثَ النَّسَبِ كما سَأَصِفُهُ لَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فأنظر فَإِنْ كان لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ أَحْيَاءُ يَوْم يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ فأقسم مَالَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ أو ما فَضَلَ عن أَهْلِ الْفَرَائِضِ منه بين بَنِي الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَلَا تُوَرَّثُ بَنَاتُهُ منه شيئا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَلَا بَنِينَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ مستفلون ( ( ( متسفلون ) ) ) أو قَرَابَةُ نَسَبٍ من قِبَلِ الْأَبِ فأنظر الأحباء ( ( ( الأحياء ) ) ) يوم مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ من وَلَدِ وَلَدِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ كان وَاحِدٌ منهم أَقْعُدَ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ باب وَاحِدٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ له دُونَ من بَقِيَ من وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ اسْتَوَوْا في القعدد ( ( ( القعود ) ) ) فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ شَرْعًا فَإِنْ كان الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ مَاتَ وَلَا وَلَدَ له وَلَا وَالِدَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَهُ إخْوَةٌ
____________________

(4/127)


لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَةٌ لِأَبِيهِ وَإِخْوَةٌ لِأُمِّهِ فَلَا حَقَّ لِلْإِخْوَةِ من الْأُمِّ في وَلَاءِ مَوَالِيهِ ولم يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمِيرَاثُ لِلْإِخْوَةِ من الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الأخوة لِلْأَبِ وَلَوْ كان الأخوة لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحِدًا وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ أَبْنَاءِ الأخوة ما كَانُوا مُسْتَوِينَ فإذا كان بَعْضُهُمْ أَقْعُدَ من بَعْضٍ فأنظر فَإِنْ كان الْقُعْدَدُ لِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أو لِوَاحِدٍ منهم فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ له وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا مثله في الْقُعْدَدِ لِمُسَاوَاتِهِ في الْقُعْدَدِ وَلِانْفِرَادِهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ دُونَهُمْ وَمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُمْ في قَرَابَةِ الْأَبِ فَإِنْ كان الْقُعْدَدِ لِابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ دُونَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ فأجعله لِأَهْلِ الْقُعْدَدِ بِالْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ عَصَبَتِهِمْ كُلِّهِمْ بَعُدُوا أو قَرُبُوا في مِيرَاثِ الْوَلَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كانت الْمُعْتِقَةُ امْرَأَةً وَرِثَتْ من أَعْتَقَتْ وَكَذَلِكَ من أَعْتَقَ من أَعْتَقَتْ وَلَا تَرِثُ من أَعْتَقَ أَبُوهَا وَلَا أُمُّهَا وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهَا وَغَيْرُ من أَعْتَقَ من أَعْتَقَتْ وَإِنْ سَفُلُوا وَيَرِثُ وَلَدُ الْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَةِ من أَعْتَقَتْ كما يَرِثُ وَلَدُ الرَّجُلِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنْ انْقَرَضَ وَلَدُهَا وَوَلَدُ وَلَدِهَا الذُّكُورُ وَإِنْ سَفُلُوا ثُمَّ مَاتَ مَوْلًى لها أَعْتَقَتْهُ وَرِثَهُ أَقْرَبُ الناس بها من رِجَالِ عَصَبَتِهَا لَا عَصَبَةِ وَلَدِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرَّحْمَن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبيه أَنَّهُ أخبره أَنَّ الْعَاصِ بن هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ له ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ فَهَلَكَ أَحَدُ الَّذِينَ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ الذي لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الذي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فقال ابْنُهُ قد أَحْرَزْت ما كان أبي أَحْرَزَ من الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي وقال أَخُوهُ ليس كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ فَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا أَرَأَيْت لو هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْت أَرِثُهُ أنا فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أخبره أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بن عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ نَفَرٌ من جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ من بَنِي الحرث بن الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ من جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ من بَنِي الحرث بن الْخَزْرَجِ يُقَالُ له إبْرَاهِيمُ بن كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فقالت وَرَثَتُهُ لنا وَلَاءُ الْمَوَالِي قد كان ابْنُهَا أَحْرَزَهُ وقال الجهنيون ليس كَذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فإذا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بن عُثْمَانَ للجهنيين بِوَلَاءِ الْمَوَالِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَعْتَقَ عَبْدًا له نَصْرَانِيًّا فتوفى الْعَبْدُ بعد ما عَتَقَ قال إسْمَاعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ أَنْ آخُذَ مَالَهُ فَأَجْعَلَهُ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ - * مِيرَاثُ الْوَلَدِ الْوَلَاءَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ وَمَوَالِيَ هو أَعْتَقَهُمْ فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَرِثَهُ آبناه ولم يَرِثْهُ أَحَدٌ من بَنَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الإبنين وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ وَرِثَهُ بن الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ دُونَ بَنِي أَخِيهِ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لو مَاتَ يوم يَمُوتُ الْمَوْلَى كان مِيرَاثُهُ لِابْنِهِ لِصُلْبِهِ دُونَ بن ابْنِهِ ثُمَّ هَكَذَا مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ أَبَدًا وَإِنْ تَسَفَّلُوا في الْمَوَالِي أنسب وَلَدَ الْوَلَدِ أَبَدًا إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ يوم يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَأَيُّهُمْ كان أَقْرَبَ إلَيْهِ بِأَبٍ وَاحِدٍ فَاجْعَلْ له جَمِيعَ مِيرَاثِ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلَامًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ الثَّلَاثَةُ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ وَالْآخَرُ خَمْسَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ اقْتَسَمُوا مِيرَاثَ الْمَوْلَى على عَشْرَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمٌ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخَمْسَةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كما يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ الْجَدِّ لو مَاتَ يَوْمئِذٍ وَهُمْ وَرَثَتُهُ لِاخْتِلَافِ
____________________

(4/128)


حَالِ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَالْمَالِ وَلَوْ كان الْجَدُّ الْمَيِّتَ فَوَرِثَهُ ثَلَاثَةٌ بَنُونَ ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ لِلْجَدِّ مَالٌ اقْتَسَمَ بَنُو الْبَنِينَ على أَنَّهُ ورثة ثَلَاثَةُ بَنِينَ ثُمَّ وَرِثَ الثَّلَاثَةَ الْبَنِينَ أَبْنَاؤُهُمْ فللإبن الْمُنْفَرِدِ بِمِيرَاثِ أبيه ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ وَذَلِكَ حِصَّةُ أبيه من مِيرَاثِ الْجَدِّ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَرْبَاعًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ حِصَّةُ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَلِلْخَمْسَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَخْمَاسًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ حِصَّةُ أَبِيهِمْ من مِيرَاثِ جَدِّهِمْ وَلَوْ كان مَعَهُمْ في الْمَالِ بَنَاتٌ دَخَلْنَ وَلَا يَدْخُلْنَ في مِيرَاثِ الْوَلَاءِ فإذا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَأَوْلَادًا ذُكُورًا فَمِيرَاثُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ لِذُكُورِ وَلَدِهِ دُونَ بَنَاتِهِ وَجَدِّهِ لَا يَرِثُ الْجَدُّ مع وَلَدِ الْمُعْتِقِ شيئا ما كان فِيهِمْ ذَكَرٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلُوا فإن ( ( ( فإذا ) ) ) مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمَّهُ أو لِأَبِيهِ فَالْمَالُ لِلْأَبِ دُونَ الأخوة لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَلْقَوْنَ الْمَيِّتَ عِنْدَ أبيه فَأَبُوهُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى إذَا كَانُوا إنَّمَا يُدْلُونَ بِقَرَابَتِهِ فإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أو لِأَبِيهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في مِيرَاثِ الْجَدِّ وَالْأَخِ فَمِنْهُمْ من قال الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ أَبٌ قبل الْجَدِّ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال وَكَذَلِكَ بن الْأَخِ وبن ابْنِهِ وَإِنْ سَفُلُوا لِأَنَّ الْأَبَ يَجْمَعُهُمْ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ قبل الْجَدِّ وَبِهَذَا أَقُولُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال الْجَدُّ وَالْأَخُ في وَلَاءِ الموالى بِمَنْزِلَةٍ لِأَنَّ الْجَدَّ يَلْقَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَوَّلِ أَبٍ يُنْتَسَبُ إلَيْهِ فَيَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ أَبٌ يَكُونَانِ فيه سَوَاءً وَأَوَّلُ من يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ أبو الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ ابْنُهُ وَالْجَدُّ أَبُوهُ فَذَهَبَ إلَى أَنْ يُشْرِكَ الْجَدَّ وَالْمَيِّتَ الْمُعْتِقَ أَبٌ هُمَا شَرَعَ فيه الْجَدُّ بِالْأُبُوَّةِ وَالِابْنُ بِوِلَادَتِهِ وَيَذْهَبُ إلَى انهما سَوَاءٌ وَمَنْ قال هذا قال الْجَدُّ أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى من بني الْأَخِ إذَا سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخِ جَعَلَ الْمَالَ لِلْجَدِّ بِالْقُرْبِ من الْمَيِّتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الأخوة أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ وَبَنُو الْإِخْوَةِ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَعَمَّهُ وَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ الْعَمَّ لَا يُدْلِي بِقَرَابَةٍ إلَّا بِأُبُوَّةِ الْجَدِّ فَلَا شَيْءَ له مع من يُدْلِي بِقَرَابَتِهِ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ عَمَّهُ وَجَدَّ أبيه كان الْقَوْلُ فيها على قِيَاسِ من قال الأخوة أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى من الْجَدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ يَلْقَى الْمَيِّتَ عِنْدَ جَدٍّ يَجْمَعُهُمَا قبل الذي يُنَازِعُهُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْعَمِّ وَإِنْ تَسَفَّلُوا لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أَبٍ لهم وُلِدَ قبل جَدِّ أبيه وَمَنْ قال الْأَخُ وَالْجَدُّ سَوَاءٌ فَجَدُّ الْأَبِ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْعَمَّ يَلْقَاهُ عِنْدَ جَدِّهِ وَجَدُّ أبيه أبو جَدِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان الْمُنَازِعُ لِجَدِّ الْأَبِ بن الْعَمِّ فَجَدُّ الْأَبِ أَوْلَى كما يَكُونُ الْجَدُّ أَوْلَى من بن الْأَخِ لِلْقُرْبِ من الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَا وَارِثَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وبن عَمٍّ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ فَالْمَالُ لِابْنِ الْعَمِّ الْقَرِيبِ أو الْبَعِيدِ لِأَنَّ الْأَخَ من الْأُمِّ لَا يَكُونُ عَصَبَةً فَإِنْ كان الْأَخُ من الْأُمِّ من عَصَبَتِهِ وكان في عَصَبَتِهِ من هو أُقْعَدُ منه من أَخِيهِ لِأُمِّهِ الذي هو من عَصَبَتِهِ كان لِلَّذِي هو أُقْعَدُ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ اسْتَوَى أَخُوهُ لِأُمِّهِ الذي هو من عَصَبَتِهِ وَعُصْبَتُهُ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْأَخِ من الْأُمِّ لِأَنَّهُ سَاوَى عَصَبَتَهُ في النَّسَبِ وَانْفَرَدَ منهم بِوِلَادَةِ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ في عَصَبَتِهِ بَعُدُوا أو قَرُبُوا لَا اخْتِلَافَ في ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْخِلَافُ في الْوَلَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال لي بَعْضُ الناس الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَالْأَثَرُ على أَكْثَرِ ما قُلْت في أَصْلِ وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَغَيْرِهِ وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك منه إلَّا في مَوْضِعٍ ثُمَّ نَقِيسُ عليه غَيْرَهُ فَيَكُونُ مَوَاضِعَ قُلْت وما ذَاكَ قال الرَّجُلُ إذَا أَسْلَمَ على يَدَيْ الرَّجُلِ كان له وَلَاؤُهُ كما يَكُونُ لِلْمُعْتَقِ قُلْت أَتَدْفَعُ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ يَدُلُّ على ما وَصَفْنَا من أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالْعِتْقِ يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ كَثُبُوتِ النَّسَبِ قال لَا قُلْت وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ فَإِنَّمَا
____________________

(4/129)


الْحُكْمُ فيه أَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ من الْوَالِدِ قال نعم قُلْت فَلَوْ أَرَادَ الْوَالِدُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمَوْلُودَ منه نَفْيَهُ وَأَرَادَ ذلك الْوَلَدُ لم يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذلك قال نعم قُلْت فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَا أَبَ له رضي أَنْ يُنْتَسَبَ إلَى رَجُلٍ وَرَضِيَ ذلك الرَّجُلُ وَتَصَادَقَا مع التَّرَاضِي بِأَنْ يُنْتَسَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَعُلِمَ أَنَّ أُمَّ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ لم تَكُنْ لِلْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ زَوْجَةً وَلَا أمه وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قال نعم قُلْت لِأَنَّا إنَّمَا نَنْسِبُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفِرَاشُ وفي مِثْلِ مَعْنَاهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالشُّبْهَةِ بِالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ بَعْدَ الْفِرَاشِ قال نعم قُلْت وَلَا نَنْسِبُ بِالتَّرَاضِي إذَا تَصَادَقَا إذَا لم يَكُنْ ما يُنْسَبُ بِهِ قال نعم قُلْت وَثَبَتَ له حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَنْتَقِلُ عن أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ قال نعم قُلْت وَالْوَلَاءُ هو إخْرَاجُك مَمْلُوكَك من الرِّقِّ بِعِتْقِك وَالْعِتْقُ فِعْلٌ مِنْك لم يَكُنْ لِمَمْلُوكِك رَدُّهُ عَلَيْك قال نعم قُلْت وَلَوْ رَضِيَتْ أَنْ تَهَبَ وَلَاءَهُ أو تَبِيعَهُ لم يَكُنْ ذلك لَك قال نعم قُلْت فإذا كان هذا ثَبَتَ فَلَا يَزُولُ بِمَا وَصَفْت من مُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ وَالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ وما وَصَفْت من ثُبُوتِ الْحُقُوقِ في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ أَفَتَعْرِفُ أَنَّ الْمَعْنَى الذي اجْتَمَعْنَا عليه في تَثْبِيتِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لَا يَنْتَقِلُ وَإِنْ رضي الْمُنْتَسِبُ وَالْمُنْتَسَبُ إلَيْهِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ لم يَجُزْ له وَلَا لَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا قال نعم هَكَذَا السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَإِجْمَاعُ الناس فَهَلْ تَعْرِفُ السَّبَبَ الذي كان ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له في وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْت وَوَصَفْنَا كِفَايَةٌ وَالْمَعْنَى الذي حَكَمَ بِذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال فما هو قُلْت إنَّ اللَّهَ عز وجل أَثْبَتَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ حُقُوقًا في الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَكَانَتْ الْحُقُوقُ التي تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ تَثْبُتُ لِلْوَالِدِ على وَلَدِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ من الْأُمِّ على وَالِدَيْ الْوَالِدِ حُقُوقًا في الْمَوَارِيثِ وَوَلَاءَ الموالى وَعَقْلَ الْجِنَايَاتِ وَوِلَايَةَ النِّكَاحِ وَغَيْرَ ذلك فَلَوْ تَرَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ حَقَّهُمَا من ذلك ومما ( ( ( وما ) ) ) يَثْبُتُ لِأَنْفُسِهِمَا لم يَكُنْ لَهُمَا تركة لِآبَائِهِمَا أو أَبْنَائِهِمَا أو عَصَبَتِهِمَا وَلَوْ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ عن الْأَبِ في وِلَايَةِ الصَّلَاةِ عليه لو مَاتَ وَالْقِيَامِ بِدَمِهِ لو قُتِلَ وَالْعَقْلِ عنه لو جَنَى لم يَجُزْ له أَنْ يُبْطِلَ ذلك لِآبَائِهِ وَلَا أَبْنَائِهِ وَلَا لِإِخْوَتِهِ وَلَا عَصَبَتِهِ لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ لِآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ حُقُوقٌ على الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِلْوَالِدِ إزَالَتُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَمِثْلُ هذه الْحَالِ الْوَلَدُ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُثْبِتَ رَجُلٌ على آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ نَسَبَ من قد عَلِمَ أَنَّهُ لم يَلِدْهُ فَيُدْخِلَ عليهم ما ليس له وَلَا من قِبَلِ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ من نُسِبَ إلَيْهِ إلى من نُسِبَ له وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ كَالْمَوْلُودِ فِيمَا يَثْبُتُ له من عَقْلِ جِنَايَتِهِ وَيَثْبُتُ عليه من أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرِ ذلك فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى وَلَاءِ رَجُلٍ لم يُعْتِقْهُ لِأَنَّ الذي يُثْبِتُ الْمَرْءُ على نَفْسِهِ يُثْبِتُ على وَلَدِهِ وَآبَائِهِ وَعَصَبَتِهِ وِلَايَتَهُمْ فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُثْبِتَ عليهم ما لَا يَلْزَمُهُمْ من عَقْلٍ وَغَيْرِهِ بِأَمْرٍ لَا يَثْبُتُ وَلَا لهم بِأَمْرٍ لم يَثْبُتْ فقال هذا كما وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت فَلِمَ جَازَ لَك أَنْ تُوَافِقَهُ في مَعْنًى وَتُخَالِفَهُ في مَعْنًى وما وَصَفْت في تَثْبِيتِ الْحُقُوقِ في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ قال أَمَّا الْقِيَاسُ على الْأَحَادِيثِ التي ذَكَرْت وما يَعْرِفُ الناس فَكَمَا قُلْت لَوْلَا شَيْءٌ أَرَاك أَغْفَلْته وَالْحُجَّةُ عَلَيْك فيه قَائِمَةٌ قُلْت وما ذَاكَ قال حَدِيثُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قُلْت له ليس يَثْبُتُ مِثْلُ هذا الحديث عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قال لِأَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ من حَدِيثِك الذي هو أَثْبَتُ منه قُلْت لو خَالَفَك ما هو أَثْبُتُ منه لم نُثْبِتْهُ وكان عَلَيْنَا أَنْ نُثْبِتَ الثَّابِتَ وَنَرُدَّ الْأَضْعَفَ قال أَفَرَأَيْت لو كان ثَابِتًا أَيُخَالِفُ حَدِيثُنَا حَدِيثَك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْوَلَاءِ فَقُلْت لو ثَبَتَ لَاحْتَمَلَ خِلَافَهَا وَأَنْ لَا يُخَالِفَهَا لِأَنَّا نَجِدُ تَوْجِيهَ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لو ثَبَتَ وما وَجَدْنَا له من الْأَحَادِيثِ تَوْجِيهًا اسْتَعْمَلْنَاهُ مع غَيْرِهِ قال فَكَيْفَ كان يَكُونُ الْقَوْلُ فيه لو كان ثَابِتًا قُلْت يُقَالُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يَنْتَقِلُ عنه أَبَدًا وَلَوْ نَقَلَهُ عن نَفْسِهِ ويوجه ( ( ( وبوجه ) ) ) قَوْلِ
____________________

(4/130)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) على الْإِخْبَارِ عن شَرْطِ الْوَلَاءِ فِيمَنْ بَاعَ فَأَعْتَقَهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِي أَعْتَقَ إذَا كان مُعْتِقًا لَا على الْعَامِّ إن الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ إذْ جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَاءً لِغَيْرِ مُعْتِقٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ على يَدَيْهِ قال هذا الْقَوْلُ الْمُنْصِفُ غَايَةَ النَّصَفَةِ فَلِمَ لم تُثْبِتْ هذا الحديث فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) بهذا قُلْت لِأَنَّهُ عن رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَمُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِينَ وَلَا الْمُنْقَطِعَ من الحديث قال فَهَلْ يَبِينُ لَك أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ إذَا لم يَتَقَدَّمْ عِتْقٌ قُلْت نعم وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفْنَا من تَثْبِيتِ الْحَقِّ له وَعَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ وإنه إذَا كان يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ لم يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِخِلَافِهِ قال فَإِنْ قُلْت يَثْبُتُ على المولى ( ( ( الموالي ) ) ) بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ من الْعِتْقِ فإذا أَسْلَمَ على يَدَيْهِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَهُ قُلْت فما تَقُولُ في مَمْلُوكٍ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِك أَسْلَمَ على يَدَيْك أَيَكُونُ إسْلَامُهُ ثَابِتًا قال نعم قُلْت أَفَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَك أَمْ يُبَاعُ على سَيِّدِهِ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ قال بَلْ يُبَاعُ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ قُلْت فَلَسْت أَرَاك جَعَلَتْ الْإِسْلَامَ عِتْقًا وَلَوْ كان الْإِسْلَامُ يَكُونُ عِتْقًا كان لِلْعَبْدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ وَلَوْ كان كَذَلِكَ كان الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الذي قُلْت هذا فيه حُرًّا وكان إسْلَامُهُ غير إعْتَاقِ من أَسْلَمَ على يَدَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كان مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ وَلَا يَخْرُجُ بِالْإِسْلَامِ من أَيْدِيهِمْ وَإِنْ قُلْت كان مَمْلُوكًا لِلذِّمِّيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ وَيُدْفَعَ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ قال ليس بِمَمْلُوكٍ لِلذِّمِّيِّينَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لهم وهو يوارثهم وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ هو حُرٌّ قُلْت وَكَيْفَ كان الْإِسْلَامُ كَالْعِتْقِ قال بِالْخَبَرِ قُلْت لو ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ مَعَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له وَكَيْفَ قُلْت في الذي لَا وَلَاءَ له ولم يُسْلِمْ على يَدَيْ رَجُلٍ يُوَالِي من شَاءَ قال قِيَاسًا أَنَّ عُمَرَ قال في الْمَنْبُوذِ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَنْبُوذَ إذَا بَلَغَ أَيَكُونُ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قال فَإِنْ قُلْت لَا لِأَنَّ الْوَالِيَ عَقَدَ الْوَلَاءَ عليه قُلْت أَفَيَكُونُ لِلْوَالِي أَنْ يَعْقِدَ عليه ما لم يَسْبِقْ بِهِ حُرِّيَّةٌ ولم يَعْقِدْ على نَفْسِهِ قال فَإِنْ قُلْت هذا حُكْمٌ من الْوَالِي قُلْت أو يَحْكُمُ الْوَالِي على غَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يَكُونُ بِهِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ على الْآخَرِ حَقٌّ أو يَكُونُ صَغِيرًا يَبِيعُ عليه الْحَاكِمُ فِيمَا لَا بُدَّ له منه وما يُصْلِحُهُ وَإِنْ كان كما وَصَفْت أَفَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِحُكْمِ الْوَالِي لِلْمُلْتَقَطِ فَقِسْت الْمَوَالِيَ عليه قُلْت فإذا والي فَأَثْبَت عليه الْوَلَاءَ وَلَا تَجْعَلْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يُعْقَلْ عنه فَأَنْتَ تَقُولُ يَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ قال فَإِنْ قُلْت ذلك في اللَّقِيطِ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ لِلْمَحْكُومِ عليه أَنْ يَفْسَخَ الْحُكْمَ قال فَإِنْ قُلْت ليس لِلَّقِيطِ وَلَا للموالي أَنْ يَنْتَقِلَ وَإِنْ لم يُعْقَلْ عنه قُلْت فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ قال وَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا قُلْت اللَّقِيطُ لم يَرْضَ شيئا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِلَا رِضًا منه قال وَلَكِنْ بِنِعْمَةٍ من الْمُلْتَقِطِ عليه قُلْت فَإِنْ أَنْعَمَ على غَيْرِ لَقِيطٍ أَكْثَرَ من النِّعْمَةِ على اللَّقِيطِ فَأَنْقَذَ من قَتْلٍ وَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَسَجْنٍ وَأَعْطَاهُ مَالًا أَيَكُونُ لِأَحَدٍ بهذا وَلَاؤُهُ قال لَا قُلْت فإذا كان الْمُوَالَى لَا يَثْبُتُ عليه الْوَلَاءُ إلَّا بِرِضَاهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلَّقِيطِ الذي يَثْبُتُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَيْفَ قِسْته عليه قال وَلِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ عُمَرَ قُلْنَا وَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ هو عن رَجُلٍ ليس بِالْمَعْرُوفِ وَعِنْدَنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَبَتْ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ أَجَازَتْ مَيْمُونَةُ وبن عَبَّاسٍ هِبَةَ الْوَلَاءِ فَكَيْفَ تَرَكْته قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ قُلْنَا أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ على غَيْرِ التَّحْرِيمِ قال هو على التَّحْرِيمِ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ لَا يَجْهَلُ بن عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ كَيْفَ وَجْهُ نَهْيِهِ قال قد يَذْهَبُ عنهما الْحَدِيثُ رَأْسًا فنقول ( ( ( فتقول ) ) ) ليس في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قُلْت فَكَيْفَ أَغْفَلْت هذه الْحُجَّةَ في اللَّقِيطِ فلم تَرَهَا تَلْزَمُ غَيْرَك كما لَزِمَتْك حُجَّتُك في أَنَّ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد يَعْزُبُ عن بَعْضِ أَصْحَابِهِ وإنه على ظَاهِرِهِ وَلَا يُحَالُ إلَى بَاطِنٍ وَلَا خَاصٍّ إلَّا بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه
____________________

(4/131)


وسلم لَا عن غَيْرِهِ قال فَهَكَذَا نَقُولُ قُلْت نعم في الْجُمْلَةِ وفي بَعْضِ الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ قال قد شَرَكَنَا في هذا بَعْضُ أَصْحَابِك قُلْت أَفَحَمِدْت ذلك منهم قال لَا قُلْت فَلَا أَشْرُكُهُمْ فِيمَا لم تَحْمَدْ وَفِيمَا نَرَى الْحُجَّةَ في غَيْرِهِ فقال لِمَنْ حَضَرْنَا من الْحِجَازِيِّينَ أَكَمَا قال صَاحِبُكُمْ في أَنْ لَا وَلَاءَ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ فَقَالُوا نعم وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ قال فإن مِنْكُمْ من يُخَالِفُ في السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ قالوا نعم قال فَيُكَلِّمُهُ بَعْضُكُمْ أو أَتَوَلَّى كَلَامَهُ لَكُمْ قالوا افْعَلْ فَإِنْ قَصُرْت تَكَلَّمْنَا قال فأنا ( ( ( فأما ) ) ) أَتَكَلَّمُ عن أَصْحَابِك في وَلَاءِ السَّائِبَةِ ما تَقُولُ في وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَمِيرَاثِهِ إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ إلَّا من سَيَّبَهُ فَقُلْت وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ وَمِيرَاثُهُ له قال فما الْحُجَّةُ في ذلك قُلْت الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ أَمُعْتَقُ الْمُسَيَّبِ لِلْمُسَيِّبِ قال نعم قُلْت فَقَدْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ إذَا لم يَكُنْ دُونَهُ من يَحْجُبُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ غَيْرِ هذه قُلْت ما أَحْسَبُ أَحَدًا سَلَكَ طَرِيقَ النَّصَفَةِ يُرِيدُ وَرَاءَهَا حُجَّةً قال بَلَى وَقُلْت له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } قال وما مَعْنَى هذا قُلْت سَمِعْت من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ كان يُعْتِقُ عَبْدَهُ في الْجَاهِلِيَّةِ سَائِبَةً فيقول لَا أَرِثُهُ وَيَفْعَلُ في الوصية ( ( ( الوصيلة ) ) ) من الْإِبِلِ وَالَحَّامِ أَنْ لَا يُرْكَبَ فقال اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } على مَعْنَى ما جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ شُرُوطَهُمْ فيها وَقَضَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّ الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالَحَّامَ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كان الْعِتْقُ في حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَقَعَ على الْبَهَائِمِ قال فَهَلْ تَأَوَّلَ أَحَدٌ السَّائِبَةَ على بَعْضِ الْبَهَائِمِ قُلْت نعم وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ قال أَفَرَأَيْت قَوْلَك قد أَعْتَقْتُك سَائِبَةً أَلَيْسَ خِلَافَ قَوْلِك قد أَعْتَقْتُك قُلْت أَمَّا في قَوْلِك أَعْتَقْتُك فَلَا وَأَمَّا في زِيَادَةِ سَائِبَةً فَنَعَمْ قال فَهُمَا كَلِمَتَانِ خَرَجَتَا مَعًا فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُ على شَرْطٍ قُلْت أو ما أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ على شَرْطِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْبَائِعِينَ فَأَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشَّرْطَ فقال ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) قال بَلَى قُلْت فإذا أَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرْطَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ الْمُعْتِقِ وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عليه لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّهُ إلَى الْمُعْتِقِ فَكَيْفَ لَا يَبْطُلُ شَرْطُ الْمُعْتِقِ ولم يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِ من الْآدَمِيِّينَ قال فَإِنْ قُلْت فَلَهُ الْوَلَاءُ وَلَا يَرِثُهُ قُلْت فَقُلْ إذًا الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْمُشْتَرَطِ عليه أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِثُهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ أُثْبِتَ له الْوَلَاءَ وَأَمْنَعَهُ الْمِيرَاثَ وَدِينَاهُمَا وَاحِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمْلِكُ أَبَاهُ وَيَتَسَرَّى الْجَارِيَةَ وَيَمُوتُ لِمَنْ وَلَاءُ هَذَيْنِ قال لِمَنْ عَتَقَا بِمِلْكِهِ وَفِعْلِهِ قُلْت أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) ولم يَعْتِقْ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ هذا وَرِثَ أَبَاهُ فَيُعْتِقُهُ وَإِنْ كُرِهَ وَهَذَا وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ ولم يُعْتِقْهَا بِالْوَلَدِ وهو حَيٌّ فَأَعْتَقَهَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ من هَذَيْنِ وَلَاءٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ مُعْتَقٍ هل حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك عليه إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ عنه الرِّقُّ بِسَبَبِ من يَحْكُمُ له بِالْمِلْكِ كان له وَلَاؤُهُ قال لَا وَكَفَى بهذا حُجَّةً مِنْك وَهَذَا في مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ قُلْت فَالْمُعْتَقُ سَائِبَةً هو الْمُعْتَقُ وَهَذَا أَكْثَرُ من الذي في مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ قال فإن الْقَوْمَ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ قُلْت فَاذْكُرْهَا قال ذَكَرُوا أَنَّ حَاطِبَ بن أبي بَلْتَعَةَ أَعْتَقَ سَائِبَةً قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ له قال فَيَذْكُرُونَ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ ما يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَيَذْكُرُ سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ رَجُلٌ من الْحَاجِّ فَأَصَابَهُ غُلَامٌ من بَنِي مَخْزُومٍ فَقَضَى عُمَرُ عليهم بِعَقْلِهِ فقال أبو الْمَقْضِيِّ عليه لو أَصَابَ ابْنِي قال إذًا لَا يَكُونُ له شَيْءٌ قال فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ قال عُمَرُ فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ فَقُلْت له هذا إذَا ثَبَتَ بِقَوْلِنَا أَشْبَهُ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت لِأَنَّهُ لو رَأَى وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ رَأَى عليهم عَقْلَهُ وَلَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَقْلَهُ على مَوَالِيهِ فلما كَانُوا لَا يُعْرَفُونَ لم يَرَ فيه عَقْلًا حتى يَعْرِفَ مَوَالِيَهُ وَلَوْ كان على ما تَأَوَّلُوا وكان الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ ما قالوا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ قال وَأَيْنَ قُلْت هُمْ يَزْعُمُونَ
____________________

(4/132)


أَنَّ السَّائِبَةَ لو قُتِلَ كان عَقْلُهُ على الْمُسْلِمِينَ وَنَحْنُ نَرْوِي عن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِنَا قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّ طَارِقَ بن الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ بَيْتٍ سَوَائِبَ فَأَتَى بِمِيرَاثِهِمْ فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَعْطُوهُ وَرَثَةَ طَارِقٍ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا فقال عُمَرُ فَاجْعَلُوهُ في مِثْلِهِمْ من الناس قال فَحَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ قُلْت يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ من آلِ طَارِقٍ وَإِنْ لم يَسْمَعْهُ منهم ( ( ( عنهم ) ) ) فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ مُرْسَلٌ قال فَهَلْ غَيْرُهُ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ بن مِهْرَانَ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سَائِبَةً فَمَاتَ فقال عبد اللَّهِ هو لَك قال لَا أُرِيدُ قال فَضَعْهُ إذًا في بَيْتِ الْمَالِ فإن له وَارِثًا كَثِيرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرني أبو طُوَالَةَ عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن عن مَعْمَرٍ قال كان سَالِمٌ مولى أبي حُذَيْفَةَ لِامْرَأَةٍ من الْأَنْصَارِ يُقَالُ لها عَمْرَةُ بِنْتُ يعار أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً فَقُتِلَ يوم الْيَمَامَةِ فَأَتَى أبو بَكْرٍ بِمِيرَاثِهِ فقال أَعْطُوهُ عَمْرَةَ فَأَبَتْ تَقَبُّلَهُ قال قد اخْتَلَفَتْ فيه الْأَحَادِيثُ قُلْت فما كنا نَحْتَاجُ إلَيْهَا مع قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وإذا اخْتَلَفَتْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَقْرَبِهَا من السُّنَّةِ وما قُلْنَا مَعْنَى السُّنَّةِ مع ما ذَكَرْنَا من الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ قال فَإِنْ قالوا إنَّمَا أَعْتَقَ السَّائِبَةَ عن الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا فَإِنْ قال قد أَعْتَقْتُك عن نَفْسِي سَائِبَةً لَا عن غَيْرِي وَأَشْهَدُ بهذا الْقَوْلِ قبل الْعِتْقِ وَمَعَهُ فقال أَرَدْت أَنْ يَكْمُلَ أَجْرِي بِأَنْ لَا يَرْجِعَ إلى وَلَاؤُهُ قال فَإِنْ قالوا فإذا قال هذا فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عن الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا هذا الْجَوَابُ مُحَالٌ يقول أَعْتَقْتُك عن نَفْسِي وَيَقُولُ أَعْتَقَهُ عن الْمُسْلِمِينَ فقال هذا قَوْلٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قُلْت أَرَأَيْت لو كان أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَكَانَ له أَنْ يُعْتِقَهُ ولم يَأْمُرُوهُ بِعِتْقِهِ وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا إذَا أَعْتَقَ ما أَخْرَجَ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنْ قال إنَّمَا أَجَزْته لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ فَقَدْ قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ قال فما حُجَّتُك عليهم في الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ قُلْت مِثْلُ أَوَّلِ حُجَّتِي في السَّائِبَةِ أَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ أو يَكُونُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فَيَكُونُ عِتْقُهُ بَاطِلًا قال بَلْ هو مُعْتَقٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت فما أَعْلَمُك بَقَّيْت لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا قال بَلَى لو مَاتَ الْعَبْدُ لم يَرِثْهُ الْمُعْتِقُ قُلْت وما مَنَعَ الْمِيرَاثَ إنَّمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ الذي مَنَعَهُ الْوَرَثَةُ أَيْضًا غَيْرُ الْمُعْتِقِ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُ وَارِثُهُ بِالنَّسَبِ بِاخْتِلَافِ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ قال أَفَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ له عليه وَلَاءً وهو لَا يَرِثُهُ قُلْت نعم كما يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ له على أبيه أُبُوَّةً وهو لَا يَرِثُهُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ أو يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ الذِّمِّيَّ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَلِلذِّمِّيِّ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كان الْوَلَاءُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ لَئِنْ لم يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ فَالْمُعْتَقُ لهم من بَنِيهِ أَبْعَدُ أَنْ يَجُوزَ قال وَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هذا قُلْت وَأَيْنَ قال تَزْعُمُ أَنَّ رَجُلًا لو كان له وَلَدٌ مُسْلِمُونَ وهو كَافِرٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَرِثَتْهُ إخْوَتُهُ الْمُسْلِمُونَ ولم يَرِثْهُ أَبُوهُ وَبِهِ وَرِثُوهُ قُلْت أَجَلْ فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أُبُوَّتَهُ زَالَتْ عن الْمَيِّتِ بِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا قال لَا هو أَبُوهُ بِحَالِهِ قُلْت وَإِنْ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ وَرَّثْته قال نعم قُلْت وَإِنَّمَا حَرُمَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ قال نعم قُلْت فَلِمَ لم تَقُلْ في المولى ( ( ( الموالي ) ) ) هذا الْقَوْلَ فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) مَوْلَاهُ من أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُهُ ما اخْتَلَفَ دِينَاهُمَا فإذا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إسْلَامِهِ قال فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ قُلْت وَكَيْفَ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرُهُمْ أَعْتَقَهُ قال فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرِثُونَهُ قُلْت لَيْسُوا يَرِثُونَهُ وَلَكِنَّ مِيرَاثَهُ لهم لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ له بِعَيْنِهِ قال وما دَلَّك على ما تَقُولُ فإن الذي يُعْرَفُ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إلَّا مِيرَاثًا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَرِثُوا كَافِرًا قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت الذِّمِّيَّ لو مَاتَ وَلَا وَارِثَ له من أَهْلِ دِينِهِ لِمَنْ مِيرَاثُهُ قال لِلْمُسْلِمِينَ قُلْت لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ له لَا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قال نعم قُلْت وَكَذَلِكَ من
____________________

(4/133)


لَا وَلَاءَ له من لَقِيطٍ وَمُسْلِمٍ لَا وَلَاءَ له أو وَلَاؤُهُ لِكَافِرٍ لَا قَرَابَةَ له من الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرْت ما ذَكَرْت في أَوَّلِ الْكِتَابِ من أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ على الْمِيرَاثِ قال فإن من أَصْحَابِنَا من خَالَفَك في مَعْنًى آخَرَ فقال لو أَنَّ مُسْلِمًا أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَرِثَهُ وإنما ( ( ( إنما ) ) ) قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ في النَّسَبِ ) فَقُلْت أَمَوْجُودٌ ذلك في الحديث قال فَيَقُولُونَ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاهُمْ غَيْرُنَا فقال فَإِنَّمَا مَعْنَى الحديث في الْوَلَاءِ قال ليس ذلك له قُلْت وَلِمَ أَلِأَنَّ الحديث لَا يَحْتَمِلُهُ قال بَلْ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّهُ ليس في الحديث وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ هذا في النَّسَبِ قُلْت ليس كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَهُ في النَّسَبِ فَمِنْهُمْ من يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ الْكَافِرَ كما يُجِيزُ له النِّكَاحَ إلَيْهِ وَلَا يُوَرِّثُ الْكَافِرَ الْمُسْلِمَ قال فَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً قُلْت أَجَلْ في جَمِيعِ الْكُفَّارِ وَالْحُجَّةُ على من قال هذا في بَعْضِ الْكَافِرِينَ في النَّسَبِ كَالْحَجَّةِ على من قاله ( ( ( قال ) ) ) في الْوَلَاءِ قُلْت فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قَضَى بِهِ فَقُلْت قد أَخْبَرْتُك أَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فانهبه ( ( ( فأتهيبه ) ) ) وَقُلْت إذَا جاء الْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً فَهُوَ على جُمْلِهِ ولم نُحَمِّلْهُ ما احْتَمَلَ إلَّا بِدَلَالَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَكَذَلِكَ أَقُولُ قُلْت فَلِمَ لم تَقُلْ هذا في الْمُسْلِمِ يُعْتِقُ النَّصْرَانِيَّ مع أَنَّ الذي رَوَيْنَا عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَضَعَ مِيرَاثَ مَوْلًى له نَصْرَانِيٍّ في بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عنه وَأَوْلَاهُمَا بِهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحُجَّةُ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ) وقد روى عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ خِلَافُ هذا قال فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هذا من عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ تَرْكَ شَيْءٍ وَإِنْ كان له قُلْت نعم وَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ ليس له أَنْ يَرِثَ كَافِرًا وَأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ بِالْكُفْرِ كان مِيرَاثُ الْمَوْلَى أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَبْعَدُ من ذِي النَّسَبِ قال فما حُجَّتُك على أَحَدٍ إنْ خَالَفَك في الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ عن الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فقال الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عنه دُونَ الْمُعْتِقِ لِعَبْدِهِ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْعِتْقَ عنه قُلْت أَصْلُ حُجَّتِي عَلَيْك ما وَصَفْت من ان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وَهَذَا مُعْتِقٌ قال فَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عنه بِأَمْرِهِ كان الْوَلَاءُ للأمر الْمُعْتَقِ عنه عَبْدُهُ وَهَذَا مُعْتَقٌ عنه قُلْت نعم من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ عنه بِأَمْرِهِ فَإِنَّمَا مَلَّكَهُ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عنه بعد ما مَلِكَهُ قال أَفَقَبَضَهُ الْمَالِكُ الْمُعْتَقُ عنه قُلْت إذَا أَعْتَقَهُ عنه بِأَمْرِهِ فَعِتْقُهُ أَكْثَرُ من قَبْضِهِ هو لو قَبَضَهُ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إذَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ فَجَازَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ له مَاضِي الْأَمْرِ فيه ما لم يَرْجِعْ في وَكَالَتِهِ وَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ من الرَّجُلِ فَيُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا عن الْمَقَامِ الذي تَبَايَعَا فيه وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ جَازَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَبْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عليه عِتْقَهُ وَعِتْقَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قال وَالْوَلَاءُ للأمر قُلْت نعم لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ قال وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ مُعْتِقًا وَإِنَّمَا أَعْتَقَ عنه غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ قُلْت إذَا أَمَرَ بِالْعِتْقِ رَجُلًا فَأَعْتَقَ عنه فَهُوَ وَكِيلٌ له جَائِزُ الْعِتْقِ وهو الْمُعْتِقُ إذَا وَكَّلَ وَنَفَذَ الْعِتْقُ بِأَمْرِهِ قال فَكَيْفَ قُلْت في الرَّجُلِ يُعْتِقُ عن غَيْرِهِ عَبْدَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ الْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت نعم لِأَنَّهُ أَعْتَقَ ما يَمْلِكُ قال أَرَأَيْت قَوْلَهُ هو حُرٌّ عن فُلَانٍ أَلِهَذَا مَعْنًى قُلْت أَمَّا مَعْنَى له حُكْمٌ يَرُدُّ بِهِ الْعِتْقَ أو يَنْتَقِلُ بِهِ الْوَلَاءُ فَلَا قال فما الْحُجَّةُ في هذا سِوَى ما ذَكَرْت أَرَأَيْت لو قال إذَا أَعْتَقَهُ عنه بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَبِلَ الْعِتْقَ كان له الْوَلَاءُ قُلْت إذًا يَلْزَمُهُ فيه الْعِلَّةُ التي لَا نَرْضَى أَنْ نَقُولَهُ قال وما هو قُلْت يُقَالُ له هل يَكُونُ الْعِتْقُ إلَّا لِمَالِكٍ قال يقول لَا قُلْنَا فَمَتَى مَلَكَ قال حين قَبِلَ قُلْت أَفَرَأَيْت حين قَبِلَ أَقَبِلَ حُرًّا أو مَمْلُوكًا قال فَأَقُولُ بَلْ قَبِلَ حُرًّا قُلْنَا أَفَيُعْتَقُ حُرًّا أو يَمْلِكُهُ قال فَأَقُولُ بَلْ حين فَعَلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ كان مَالِكًا حِين وَهَبَهُ له قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قال لَك قد قَبِلْت وَأَبْطَلْت عِتْقَك أَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ مَمْلُوكًا له قال وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا له قُلْت تَجْعَلُهُ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ عنه مَمْلُوكًا له قبل الْعِتْقِ وإذا مَلَّكْتنِي عَبْدَك ثُمَّ اعتقته أنت جَازَ تَمْلِيكُك إيَّايَ
____________________

(4/134)


وَبَطَلَ عنه عِتْقُك إذَا لم أُحْدِثْ له عِتْقًا ولم آمُرَك تُحْدِثُهُ لي قال هذا يَلْزَمُ من قال هذا وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ ما يَمْلِكُهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ من الرِّقِّ وما أَخْرَجَهُ من الرِّقِّ غَيْرُهُ فَالْوَلَاءُ له كما قُلْت وَهَذَا قَوْلٌ قد قَالَهُ غَيْرُك من أَصْحَابِنَا أَفَتُوَضِّحُهُ لي بِشَيْءٍ قُلْت نعم أَرَأَيْت لو أَعْتَقْت عَبْدًا لي ثُمَّ قُلْت بَعْدَ عِتْقِهِ قد جَعَلْت أَجْرَهُ وَوَلَاءَهُ الْآنَ لَك قال فَلَا يَكُونُ لي أَجْرُهُ وَلَا وَلَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْأَجْرُ وَالْوَلَاءُ يوم أَعْتَقْت فلما أَعْتَقْت عن نَفْسِك لم يَنْتَقِلْ إلي أَجْرِك كما لَا يَنْتَقِلُ أَجْرُ عَمَلِك غَيْرِ هذا إلَيَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له الْوَلَاءُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا من أَعْتَقَ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَ إخْرَاجُهُ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ وهو غَيْرُ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ التي يُحَوِّلُهَا الناس من أَمْوَالِهِمْ إلَى أَمْوَالِ من شاؤوا قال نعم قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا في هذا - * الْوَدِيعَةُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ وَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ سَفَرًا فلم يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بها بِرًّا أو بَحْرًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ سَفَرًا فَجَعَلَ الْوَدِيعَةَ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا ولم يُعْلِمْ بها أَحَدًا يَأْمَنُهُ على مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا ولم يَخْلُفْ في مَنْزِلِهِ أَحَدًا يَحْفَظُهُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا أُودَعَ الرَّجُلُ الْوَدِيعَةَ فَتَعَدَّى فيها فلم تَهْلِك حتى أَخَذَهَا وَرَدَّهَا في مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد خَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ إلَى أَنْ كان مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لِلْمَالِ بِكُلِّ حَالٍّ حتى يُحْدِثَ له الْمُسْتَوْدِعُ أَمَانَةً مُسْتَقْبَلَةً وَكَذَلِكَ لو تكاري دَابَّةً إلَى بَلَدٍ فَتَعَدَّى بها ذَاهِبًا أو جَائِيًا ثُمَّ رَدَّهَا سَالِمَةً إلَى الْمَوْضِعِ الذي له في الْكِرَاءِ فَهَلَكَتْ من قَبْلِ أَنْ يَدْفَعَهَا كان لها ضَامِنًا من قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَمَنْ صَارَ مُتَعَدِّيًا لم يَبْرَأْ حتى يَدْفَعَ إلَى من تَعَدَّى عليه مَالَهُ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ دَابَّةً لِرَجُلٍ من حِرْزِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَا يَبْرَأُ من ضَمِنَ إلَّا بِدَفْعِ ما ضَمِنَ إلَى مَالِكِهِ وَلَوْ أَوْدَعَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَتَعَدَّى منها في دِرْهَمٍ فَأَخْرَجَهُ فَأَنْفَقَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ وَلَا يَضْمَنُ التِّسْعَةَ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالدِّرْهَمِ ولم يَتَعَدَّ بِالتِّسْعَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كان ثَوْبًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ ضَمِنَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنْ كان الدِّرْهَمُ الذي أَخَذَهُ ثُمَّ وَضَعَ غَيْرَهُ مَعْرُوفًا من الدَّرَاهِمِ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ ولم يَضْمَنْ التِّسْعَةَ وَإِنْ كان لَا يَتَمَيَّزُ ضَمِنَ الْعَشَرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فَأَمَرَهُ بِسَقْيِهَا وَعَلَفِهَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ من يَسْقِي دَوَابَّهُ وَيَعْلِفُهَا فَتَلِفَتْ من غَيْرِ جِنَايَةٍ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان سَقَى دَوَابَّهُ في دَارِهِ فَبَعَثَ بها خَارِجًا من دَارِهِ ضَمِنَ قال وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فلم يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا وَلَا عَلَفِهَا ولم يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا الْمُسْتَوْدَعُ مُدَّةً إذَا أَتَتْ على مِثْلِهَا ولم تَأْكُلْ ولم تَشْرَبْ تَلِفَتْ فَتَلِفَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ كانت تَلِفَتْ في مُدَّةٍ قد تُقِيمُ الدَّوَابُّ في مِثْلِهَا وَلَا تَتْلَفُ فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ من تَرَكَهَا وإذا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها تِبْنًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها حَدِيدًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها حَدِيدًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها تِبْنًا بِوَزْنِهِ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ يَفْتَرِشُ عليها من التِّبْنِ ما يَعُمُّ فَيَقْتُلُ وَيَجْمَعُ عليها من الْحَدِيدِ ما يَلْهَدُ فيتلعى وَيَرْمِ فَيَقْتُلُ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا
____________________

(4/135)


مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِلَا سَرْجٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ السَّرْجَ أُوقَى لها وَإِنْ كان يُعْرَفُ أَنَّهُ ليس بِأَوْقَى لها لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ زَادَهَا خِفَّةً وَلَوْ كانت دَابَّةً ضَئِيلَةً فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أنها لَا تُطِيقُ حَمْلَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّطَهُ على أَنْ يُكْرِيَهَا فَإِنَّمَا يُسَلِّطُهُ على ان يُكْرِيَهَا مِمَّنْ تَحْمِلُهُ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُهُ ضَمِنَ وإذا أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِإِكَافٍ فَكَانَ الْإِكَافُ أَعُمَّ أو أَضُرُّ في حَالٍ ضَمِنَ وَإِنْ كان أَخَفَّ أو مِثْلَ السَّرْجِ لم يَضْمَنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ السَّفَرَ فَإِنْ كان الْمُسْتَوْدَعُ حَاضِرًا أو وَكِيلٌ له لم يَكُنْ له ان يُسَافِرَ حتى يَرُدّهَا إلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ أو يَأْذَنَا له أَنْ يُودَعَهَا من رَأَى فَإِنْ فَعَلَ فَأُودَعَهَا من شَاءَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ إذَا لم يَأْذَنَا له وَإِنْ كان غَائِبًا فَأُودَعَهَا من يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ يَكُونُ أُمَّيْنَا على ذلك فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ فَإِنْ أُودَعَهَا مِمَّنْ يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ لَيْسَتْ له أَمَانَةٌ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَسَوَاءٌ كان الْمُودِعُ من أَهْلِهَا أو من غَيْرِهِمْ أو حُرًّا أو عَبْدًا أو ذَكَرًا أو أُنْثَى لِأَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَهُ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِمَالِهِ غير أَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِأَمَانَتِهِ غير أَمِينٍ وَهَكَذَا لو مَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِمَالِهِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) أو الْوَدِيعَةِ دُونَ مَالِهِ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كان الموصي إلَيْهِ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) أَمِينًا لم يَضْمَنْ الْمَيِّتُ وَإِنْ كان غير أَمِينٍ ضَمِنَ وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا في قَرْيَةٍ آهِلَةٍ فَانْتَقَلَ إلَى قَرْيَةٍ غَيْرِ آهِلَةٍ أو في عُمْرَانٍ من الْقَرْيَةِ فَانْتَقَلَ إلَى خَرَابٍ من الْقَرْيَةِ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ في الْحَالَيْنِ وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا في خَرَابٍ فَانْتَقَلَ إلَى عِمَارَةٍ أو في خَوْفٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ آمِنٍ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَلَوْ كان شَرَطَ عليه أَنْ لَا يُخْرِجَهَا من هذا الْمَوْضِعِ فَتَعَدَّى فَأَخْرَجَهَا من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ فَإِنْ كانت ضَرُورَةٌ فَأَخْرَجَهَا إلَى مَوْضِعٍ أَحْرَزَ من الْمَوْضِعِ الذي كانت فيه لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّارِ تَغْشَاهُ وَالسَّيْلِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في السَّيْلِ أو النَّارِ فقال الْمُسْتَوْدِعُ لم يَكُنْ سَيْلٌ وَلَا نَارٌ وقال الْمُسْتَوْدَعُ قد كان فَإِنْ كان يُعْلَمُ أَنَّهُ قد كان في تِلْكَ النَّاحِيَةِ ذلك بِعَيْنٍ تُرَى أو أَثَرٍ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِنْ لم يَكُنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ وَمَتَى ما قُلْت لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينَ إنْ شَاءَ الذي يُخَالِفُهُ أَحْلَفَهُ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَاخْتَلَفَا فقال الْمُسْتَوْدِعُ دَفَعْتهَا إلَيْك وقال الْمُسْتَوْدَعُ لم تَدْفَعْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ قال أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا وقال الْمُسْتَوْدِعُ لم آمُرْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ وَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } فَالْأَوَّلُ إنَّمَا ادعي دَفْعَهَا إلَى من ائْتَمَنَهُ وَالثَّانِي إنَّمَا ادعي دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَمْرِهِ فلما أَنْكَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أُغْرِمَ له لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الدَّافِعِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وقال عز اسْمُهُ { فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأُشْهِدُوا عليهم } وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هو وَصِيُّ أبيه أو وَصِيٌّ وَصَّاهُ الْحَاكِمُ ليس أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ فلما بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْ يَكُونَ له أَمْرٌ في نَفْسِهِ وقال لم أَرْضَ أَمَانَةَ هذا ولم أَسْتَوْدِعْهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدِعِ كان على الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُشْهِدَ عليه إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فإذا أَقَرَّ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَنَّهُ قد قَبَضَ بِأَمْرِ الْمُسْتَوْدِع فَإِنْ كانت الْوَدِيعَةُ قَائِمَةً رَدَّهَا وَإِنْ كان اسْتَهْلَكَهَا رَدَّ قِيمَتَهَا فَإِنْ قال هَلَكَتْ بِغَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ وَلَا تَعَدٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ من قِبَلِ أَنَّ الدَّافِعَ إلَيْهِ بَعْدُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ بِقَوْلِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ قال وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْمَالَ في خَرِيطَةٍ فَحَوَّلَهَا إلَى غَيْرِهَا فَإِنْ كانت التي حَوَّلَهَا إلَيْهَا حِرْزًا كَاَلَّتِي حَوَّلَهَا منها لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كانت لَا تَكُونُ حِرْزًا ضَمِنَ إنْ هَلَكَتْ وَإِنْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا على أَنْ يَجْعَلَهَا في صُنْدُوقٍ على أَنْ لَا يَرْقُدَ عليه أو على أَنْ لَا يُقْفِلَهُ أو على أَنْ لَا يَضَعَ عليه مَتَاعًا فَرَقَدَ عليه أو أَقْفَلَهُ أو وَضَعَ عليه مَتَاعًا فَسُرِقَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ
____________________

(4/136)


زَادَهُ خَيْرًا وَكَذَلِكَ لو اسْتَوْدَعَهُ على أَنْ يَدْفِنَهَا في مَوْضِعٍ من الْبَيْتِ وَلَا يَبْنِيَ عليه فَوَضَعَهَا في ذلك الْمَوْضِعِ وَبَنَى عليه بُنْيَانًا بِلَا أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لها من الْبَيْتِ فَسُرِقَتْ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ زَادَهَا بِالْبِنَاءِ حِرْزًا وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ على أَنْ يَجْعَلَهَا في بَيْتٍ وَلَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ فَأَدْخَلَهُ قَوْمًا فَسَرَقَهَا بَعْضُ الَّذِينَ دَخَلُوا أو غَيْرُهُمْ فَإِنْ كان الذي سَرَقَهَا مِمَّنْ أدخله ( ( ( أدخلها ) ) ) فَعَلَيْهِ غُرْمُهَا وَإِنْ كان الذي سَرَقَ لم يَدْخُلْهُ فَلَا غُرْمَ عليه ( قال ) وإذا سَأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فقال ما اسْتَوْدَعْتنِي شيئا ثُمَّ قال قد كُنْت اسْتَوْدَعْتنِي فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لها من قِبَلِ أَنَّهُ قد أَخْرُجَ نَفْسَهُ من الْأَمَانَةِ وَكَذَلِكَ لو سَأَلَهُ إيَّاهَا فقال قد دَفَعْتهَا إلَيْك ثُمَّ قال بَعْدَ قد ضَاعَتْ في يَدِي فلم أَدْفَعْهَا إلَيْك كان ضَامِنًا وَلَوْ قال ما لَك عِنْدِي شَيْءٌ ثُمَّ قال كان لَك عِنْدِي شَيْءٌ فَهَلَكَ كان الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ أَنَّهُ ليس له عِنْدَهُ شَيْءٌ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَهَا في مَوْضِعٍ من دَارِهِ يُحْرَزُ فيه ماله وَيَرَى الناس مثله حِرْزًا وَإِنْ كان غَيْرُهُ من دَارِهِ أَحْرَزَ منه فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ وَإِنْ وَضَعَهَا في مَوْضِعٍ من دَارِهِ لَا يَرَاهُ الناس حِرْزًا وَلَا يُحْرَزُ فيه مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ ذَهَبَا أو فِضَّةً في مَنْزِلِهِ على أَنْ لَا يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ أو بَعْضِ ثَوْبِهِ فَرَبَطَهَا فَخَرَجَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَوْ كان رَبَطَهَا في مَكَانِهِ لِيُحْرِزَهَا فَإِنْ كان إحْرَازُهَا يُمْكِنُهُ فَتَرَكَهَا حتى طَرَّتْ ضَمِنَ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنهُ بِغَلْقٍ لم يَنْفَتِحُ أو ما أَشْبَهَ ذلك لم يَضْمَنْ ( قال ) وَإِذْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا خَارِجًا من مَنْزِلِهِ على أَنْ يُحْرِزَهَا في مَنْزِلِهِ وَعَلَى أَنْ لَا يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ فَرَبَطَهَا فَضَاعَتْ فَإِنْ كان رَبَطَهَا من كُمِّهِ فِيمَا بين عَضُدِهِ وَجَنْبِهِ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان رَبَطَهَا ظَاهِرَةً على عَضُدِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ من ثِيَابِهِ شيئا أَحْرَزَ من ذلك الْمَوْضِعِ وقد يَجِدُ من ثِيَابِهِ ما هو أَحَرَزُ من إظْهَارِهَا على عَضُدِهِ وإذا اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا على أَنْ يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا في يَدِهِ فَانْفَلَتَتْ من يَدِهِ ضَمِنَ وَلَوْ أكرهه ( ( ( كرهه ) ) ) رَجُلٌ على أَخْذِهَا لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ أَنْ يَدَهُ أَحَرَزُ من كُمِّهِ ما لم يَجْنِ هو في يَدِهِ شيئا هَلَكَ بِهِ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا من الْحَيَوَانِ ولم يَأْمُرْهُ بِالنَّفَقَةِ عليه انْبَغَى له أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ عليه وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا على الْمُسْتَوْدِعِ وَيُوَكِّلُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ من يَقْبِضُهَا منه وَيُنْفِقُهَا غَيْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ أو يَبِيعُهَا وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَأَنْفَقَ عليها فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُرْجَع عليه بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ له دَابَّةً ضَالَّةً أو عَبْدًا آبِقًا فَأَنْفَقَ عليه فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُرْجَعُ عليه بِشَيْءٍ وإذا خَافَ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ فَحَمَلَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَرْجِعُ بِالْكِرَاءِ على رَبِّ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِهِ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الذَّهَبَ فَخَلَطَهَا مع وَرِقٍ له فَإِنْ كان خَلْطُهَا يُنْقِصُهَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَلَا يَضْمَنُهَا لو هَلَكَتْ وَإِنْ كان لَا يُنْقِصُهَا لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ لو خَلَطَهَا مع ذَهَبٍ يَتَمَيَّزُ منها فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان لَا يَتَمَيَّزُ منها تَمَيُّزًا بَيِّنًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَأَخَذَ منها دِينَارًا أو دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهُ بَدَلَهُ فَإِنْ كان الذي رَدَّ مَكَانَهُ يَتَمَيَّزُ من دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا ضَمِنَ ما تَسَلَّفَ فَقَطْ وَإِنْ كان الذي وَضَعَ بَدَلًا مِمَّا أَخَذَ لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ فَتَلِفَتْ الدَّنَانِيرُ ضَمِنَهَا كُلَّهَا
____________________

(4/137)


- * قَسْمُ الْفَيْءِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ قَسْمِ ما يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ من جمل ( ( ( جملة ) ) ) الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا ما جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طُهُورًا لِأَهْلِ دِينِهِ قال اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } الْآيَةَ فَكُلُّ ما أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل على مُسْلِمٍ في ماله بِلَا جِنَايَةٍ جَنَاهَا هو وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ عنه وَلَا شَيْءٍ لَزِمَهُ من كَفَّارَةٍ وَلَا شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ لِأَحَدٍ وَلَا نَفَقَةٍ لَزِمَتْهُ لِوَالِدٍ أو وَلَدٍ أو مَمْلُوكٍ أو زوجة ( ( ( زوجته ) ) ) أو ما كان في مَعْنَى هذا فَهُوَ صَدَقَةٌ طُهُور له وَذَلِكَ مِثْلُ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا عَيْنِيِّهَا وَحَوْلِيِّهَا وَمَاشِيَتِهَا وما وَجَبَ في مَالِ مُسْلِمٍ من زَكَاةٍ أو وَجْهٍ من وُجُوهِ الصَّدَقَةِ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ أَجْمَعَ عليه الْمُسْلِمُونَ وَقَسْمُ هذا كُلِّهِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ في كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ) الْآيَةَ وَعَلَى الْمُسْلِمِ في مَالِهِ إيتَاءُ وَاجِبَةٍ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ لَيْسَتْ من هذا الْوَجْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ نَفَقَةِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالضِّيَافَةِ وَغَيْرِهَا وما لَزِمَ بِالْجِنَايَاتِ وَالْإِقْرَارِ وَالْبُيُوعِ وَكُلُّ هذا خُرُوجٌ
____________________

(4/138)


من دَيْنٍ أو تَأْدِيَةُ وَاجِبٍ أو نَافِلَةٍ يُوصَلُ فيها الْأَجْرُ كُلُّ هذا مَوْضُوعٌ على وَجْهِهِ في كِتَابِ الصَّدَقَاتِ في كل صِنْفٍ منه في صِنْفِهِ الذي هو أَمْلِكُ بِهِ - * قَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أُخِذَ من مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ غَيْرِ ضِيَافَةِ من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ على وَجْهَيْنِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلَاهُمَا مُبَيَّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي فِعْلِهِ فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قال اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ الْأَنْفَالِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْفَيْءُ وهو مَقْسُومٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ في سُورَةِ الْحَشْرِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } إلَى قَوْلِهِ { رؤوف ( ( ( رءوف ) ) ) رَحِيمٌ } فَهَذَانِ الْمَالَانِ اللَّذَانِ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى من جَعَلَهُمَا له من أَهْلِ دِينِهِ وَهَذِهِ أَمْوَالٌ يَقُومُ بها الْوُلَاةُ لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهَا وَعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةٌ وَهَذَا صُلْحٌ صُولِحُوا عليه غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَهُوَ لِمَنْ مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ خَاصٌّ دُون الْعَامِّ من الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ من الْمَالَيْنِ وَعَلَى الْإِمَامِ إنْ امْتَنَعَ من صُولِحَ على الضِّيَافَةِ من الضِّيَافَةِ أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا - * جِمَاعُ سُنَنِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ تَعَالَى { ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ من أَهْلِ الْقُرَى } الْآيَةَ وقال عز وجل { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ في أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ من جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى له وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل له في الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ قال ثُمَّ يُتَعَرَّفُ الْحُكْمُ في الْأَرْبَعَةِ الأخماس ( ( ( الأخمس ) ) ) بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي فِعْلِهِ فإنه قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ الْمُوجَفُ عليها بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ من غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَالْفَيْءُ وهو ما لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سَنَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في قُرَى عُرَيْنَةَ التي أَفَاءَهَا اللَّهُ عليه أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ قال سَمِعْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ رَحْمَةُ اللَّهِ عليهم يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ في أَمْوَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال عُمَرُ كانت أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولَهُ مِمَّا لم يُوجِفْ عليها الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُنْفِقُ منها على أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فما فَضَلَ جَعَلَهُ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ تُوُفِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَلِيَهَا أبو بَكْرٍ بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُوَلِّيكُمَاهَا فَوَلَّيْتكُمَاهَا على أَنْ تَعْمَلَا فيها بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَلِيَهَا بِهِ أبو بَكْرٍ ثُمَّ وَلِيتهَا بِهِ فَجِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غير ما قَضَيْت بِهِ بَيْنَكُمَا أَوَّلًا فَلَا وَاَللَّهِ الذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غير ذلك فَإِنْ عَجَزْتُمَا عنها فَادْفَعَاهَا إلَيَّ أَكْفِكُمَاهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي سُفْيَانُ لم أَسْمَعْهُ من الزُّهْرِيِّ وَلَكِنْ أَخْبَرَنِيهِ عَمْرُو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ قُلْت كما قَصَصْت قال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ التي أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التي يَذْكُرُ عُمَرُ فيها ما بَقِيَ في يَدَيْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الْخُمُسِ وَبَعْدَ أَشْيَاءَ قد فَرَّقَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منها بين رِجَالٍ من الْمُهَاجِرِينَ
____________________

(4/139)


لم يُعْطِ منها أَنْصَارِيًّا إلَّا رَجُلَيْنِ ذَكَرَا فَقْرًا وَهَذَا مُبَيَّنٌ في مَوْضِعِهِ وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وهو أَمْضَيَا ما بَقِيَ من هذه الْأَمْوَالِ التي كانت بِيَدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على وَجْهِ ما رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ فيها وَأَنَّهُمَا لم يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لم يُوجِفْ عليه الْمُسْلِمُونَ من الْفَيْءِ ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُمَا إنما كَانَا فيه أُسْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ من بَعْدَهُمَا وَالْأَمْرُ الذي لم يَخْتَلِفْ فيه أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا عَلِمْته ولم يَزَلْ يُحْفَظُ من قَوْلِهِمْ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفِيِّ الْغَنِيمَةِ وَلَا من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ ما لم يُوجَفْ عليه منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد مَضَى من كان يُنْفِقُ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لو كان مَعَهُنَّ فلم أَعْلَمْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ قال لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ التي كانت لهم وَلَا خِلَافَ في أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فيه صَلَاحٌ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فما صَارَ في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ من فَيْءٍ لم يُوجَف عليه فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ على ما سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وقد سَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما فيه الدَّلَالَةُ على ما وَصَفْت أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا ما تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا هِيَ جَارِيَةٌ بِقُوتٍ منه على أَعْيَانِ أَهْلِهِ وَأَنَّ ما فَضَلَ من نَفَقَتِهِمْ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَنْ وُقِفَتْ له نَفَقَةٌ لم تَكُنْ مَوْرُوثَةً عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجِزْيَةُ من الْفَيْءِ وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ جَمِيعِ ما أُخِذَ مِمَّا أُوجِفَ من مَالِ مُشْرِكٍ أَنْ يُخَمَّسَ فَيَكُونَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عز وجل الْخُمُسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ على ما سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أُخِذَ من مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَذَلِكَ مِثْلُ ما أُخِذَ منه إذَا اخْتَلَفَ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلُ ما أُخِذَ منه إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ له وَغَيْرُ ذلك مِمَّا أُخِذَ من مَالِهِ وقد كان في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فُتُوحٌ في غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ التي وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلَّهَا لِمَنْ هِيَ له ولم يَحْبِسْ منها ما حَبَسَ من الْقُرَى التي كانت له وَذَلِكَ مِثْلُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَهَجَرُ وَغَيْرِ ذلك وقد كان في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيْءٌ من غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ وَذَلِكَ مِثْلُ جزية أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ فَكَانَ له أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا يُمْضِيهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل كما يُمْضِي مَالَهُ وَأَوْفَى خُمُسَهُ من جَعَلَهُ اللَّهُ له فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الحديث ( قال الرَّبِيعُ ) قال غَيْرُ الشَّافِعِيِّ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِجَابِرٍ ( لو جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَأَعْطَيْتُك هَكَذَا وَهَكَذَا ) فتوفى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَأْتِهِ فَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي - * تَفْرِيقُ الْقَسْمِ فِيمَا أَوْجَفَ عليه الْخَيْلُ وَالرِّكَابُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَغَنِمُوا أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ أو بَعْضَ ذلك دُونَ بَعْضٍ فَالسُّنَّةُ في قَسْمِهِ أَنْ يَقْسِمَهُ الْإِمَامُ مُعَجَّلًا على وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ كان معه كثيرا ( ( ( كثير ) ) ) في ذلك الْمَوْضِعِ آمِنِينَ لَا يَكُرُّ عليهم الْعَدُوُّ فَلَا يُؤَخِّرْ قَسْمَهُ إذَا أَمْكَنَهُ في مَوْضِعِهِ الذي غَنِمَهُ فيه وَإِنْ كانت بِلَادَ حَرْبٍ أو كان يَخَافُ كَرَّةَ الْعَدُوِّ عليهم أو كان مَنْزِلُهُ غير رَافِقٍ بِالْمُسْلِمِينَ تَحَوَّلَ عنه إلَى أَرْفَقَ بِهِمْ منه وَآمَنَ لهم من عَدُوِّهِمْ ثُمَّ قَسَمَهُ وَإِنْ كانت بِلَادَ شِرْكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَسَمَ اموال بَنِي الْمُصْطَلِقِ
____________________

(4/140)


وَسَبْيَهُمْ في الْمَوْضِعِ الذي غَنِمَهُ فيه قبل أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه وما حَوْلَهُ كُلُّهُ بِلَادُ شِرْكٍ وَقَسَمَ أَمْوَالَ أَهْلِ بَدْرٍ بِسَيْر على أَمْيَالٍ من بَدْرٍ وَمَنْ حَوْلَ سِيَرَ وَأَهْلُهُ مُشْرِكُونَ وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بِسَيْر لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَكْثَرَ من الْمُسْلِمِينَ فَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَعَلَّ الْعَدُوَّ لَا يَأْتُونَهُ فيه وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِيَرُ أَوَصَفَ بِهِمْ في الْمَنْزِلِ من بَدْر ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَكْثَرُ ما قَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ ما غَنِمُوا بِبِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما وَصَفْت من قَسْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَرَايَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فيه فقال لي بَعْضُ الناس لَا تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ إلَّا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَالَفَهُ وقال فيه قَوْلَنَا وَالْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا فيه ما وَصَفْنَا من الْمَعْرُوفِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْقَسْمِ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وإذا حَوَّلَهُ الْإِمَامُ عن مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كانت معه حَمُولَةٌ حَمَلَهُ عليها وَإِنْ لم تَكُنْ معه فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلُوهُ له إنْ كان مَعَهُمْ حُمُولَة بِلَا كِرَاءٍ وَإِنْ امْتَنَعُوا فَوَجَدَ كِرَاءً كَارَى على الْغَنَائِمِ وَاسْتَأْجَرَ عليها ثُمَّ أَخْرَجَ الْكِرَاءَ وَالْإِجَارَةَ من جَمِيعِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبَرُ من معه فَضْلُ مَحْمَلٍ كان مَذْهَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَجِدْ حَمُولَةً ولم يَحْمِلْ الْجَيْشُ قَسَمَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ من شَاءَ أَخَذَ مَالَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبَرُونَ على حَمْلِهِ بِكِرَاءِ مِثْلِهِمْ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ كان مَذْهَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ من عَسْكَرٍ فَغَنِمَتْ غَنِيمَةً فَالْأَمْرُ فيها كما وَصَفْت في الْجَيْشِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ سَاقَ صَاحِبُ الْجَيْشِ أو السَّرِيَّةِ سَبْيًا أو خُرْثِيًّا أو غير ذلك فَأَدْرَكَهُ الْعَدُوُّ فَخَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ منه أو أَبْطَأَ عليه بَعْضُ ذلك فَالْأَمْرُ الذي لَا أَشُكُّ فيه أَنَّهُ إنْ أَرَادَ قَتَلَ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ قَتَلَهُمْ وَلَيْسَ له قَتْلُ من لم يَبْلُغْ وَلَا قَتْلُ النِّسَاءِ منهم وَلَا عَقْرُ الدَّوَابِّ وَلَا ذَبْحُهَا وَذَلِكَ أَنِّي إنَّمَا وَجَدْت الدَّلَالَةَ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثم ما لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فيه عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّ ما أُبِيحَ قَتْلُهُ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْبَهَائِمِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ أَنْ يُذْبَحَ إذَا قُدِرَ على ذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ وَلَا يَقْتُلُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ الذي هو مِثْلُ الذَّبْحِ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ تصبر ( ( ( تصير ) ) ) الْبَهَائِمُ وَهِيَ أَنْ تُرْمَى بعد ما تُؤْخَذُ وَأُبِيحَ ما امْتَنَعَ منها بِمَا نِيلَ بِهِ من سِلَاحٍ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ لِيُؤْكَلَ وَتِلْكَ ذَكَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ من ذَكَاتِهِ على أَكْثَرَ من ذلك أَمَّا قَتْلُ ما لَا يُؤْكَلُ لِضَرَرِهِ وَأَذَاهُ لِأَنَّهُ في مَعَانِي الْأَعْدَاءِ أو الْحُوتِ أو الْجَرَادِ فَإِنْ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ وهو يُؤْكَلُ بِلَا ذَكَاةٍ وَأَمَّا ما سِوَى ذلك فَلَا أَجِدُهُ أُبِيحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ تُذْبَحُ خَيْلُهُمْ وَتُعْقَرُ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ جَعْفَرًا عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ وَلَا أَعْلَمُ ما رُوِيَ عن جَعْفَرٍ من ذلك ثَابِتًا لهم مَوْجُودًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْمَغَازِي وَلَا ثَابِتًا بِالْإِسْنَادِ الْمَعْرُوفِ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) فَإِنْ كان من قال هذا إنَّمَا أَرَادَ غَيْظَ الْمُشْرِكِينَ لِمَا في غَيْظِهِمْ من أَنْ يُكْتَبَ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ فَذَلِكَ فِيمَا أُغِيظُوا بِهِ مِمَّا أُبِيحَ لنا وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ تُوهِينَهُمْ وَذَلِكَ أنا نَجِدُ مِمَّا يُغِيظُهُمْ وَيُوهِنُهُمْ ما هو مَحْظُورٌ عَلَيْنَا غَيْرُ مُبَاحٍ لنا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما ذلك قُلْنَا قَتْلُ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا كان أَغِيظَ وَأَهْوَنَ لهم وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك وَقَتْلُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ وَجْهِهِ عَذَابٌ فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي لِغَيْرِ مَعْنَى ما أُبِيحَ من أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ أو قَتْلِ ما كان عَدُوًّا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا ما لَا رُوحَ فيه من أَمْوَالِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِهِ وَإِتْلَافِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَعَقَرَ النَّخْلَ بِخَيْبَرَ وَالْعِنَبَ بِالطَّائِفِ وَإِنَّ تَحْرِيقَ هذا ليس بِتَعْذِيبٍ له لِأَنَّهُ لَا يَأْلَمُ بِالتَّحْرِيقِ والعذاب إلَّا ذُو رُوحٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان رَجُلٌ في
____________________

(4/141)


الْحَرْبِ فَعَقَرَ رَجُلٌ فَرَسَهُ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ به بَأْسٌ لِأَنَّ ذلك ضَرُورَةٌ وقد يُبَاحُ في الضَّرُورَاتِ ما لَا يُبَاحُ في غَيْرِ الضَّرُورَاتِ - * الْأَنْفَالُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَخْرُجُ من رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قبل الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أَفْلَحَ عن أبي مُحَمَّدٍ مولى أبي قَتَادَةَ عن أبي قَتَادَةَ قال خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ فلما الْتَقَيْنَا كانت لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ قد عَلَا رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قال فَاسْتَدَرْت له حتى أَتَيْته من وَرَائِهِ قال فَضَرَبْته على حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت منها رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَقُلْت له ما بَالُ الناس فقال أَمَرَ اللَّهُ ثُمَّ إنَّ الناس رَجَعُوا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْت فَقُلْت من يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( ما لَك يا أَبَا قَتَادَةَ ) فَقَصَصْت عليه الْقِصَّةَ فقال رَجُلٌ من الْقَوْمِ صَدَقَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذلك الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ منه فقال أبو بَكْرٍ لَاهَا اللَّهِ إذَا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ من أُسْدِ اللَّهِ عز وجل يُقَاتِلُ عن اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( صَدَقَ فَأُعْطِهِ إيَّاهُ ) فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا في بَنِي سَلِمَةَ فإنه لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْته في الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فيه أَنْ يعطى السَّلْبَ من قَتَلَ وَالْمُشْرِكُ مُقْبِلٌ يُقَاتِلُ من أَيْ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا أو غير مُبَارِزٍ وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَلَبَ مَرْحَبٍ من قَتَلَهُ مُبَارِزًا وأبو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولَيْنِ جميعا مُقْبِلَانِ ولم يُحْفَظْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى أَحَدًا قَتَلَ مُوَلِّيًا سَلَبَ من قَتَلَهُ وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فيه أَنَّ له سَلَبَ من قُتِلَ الذي يَقْتُلُ الْمُشْرِكَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْمُشْرِكُونَ يُقَاتِلُونَ وَلِقَتْلِهِمْ هَكَذَا مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لهم إذَا انْهَزَمُوا أو انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ وَلَا أَرَى أَنْ يُعْطَى السَّلْبَ إلَّا من قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلًا ولم يَنْهَزِمْ جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى هذا أَنَّهُ لم يُحْفَظْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطُّ أَنَّهُ أَعْطَى السَّلَبَ قاتلا إلا قَاتِلًا قَتَلَ مُقْبِلًا وفي حديث أبي قَتَادَةَ ما دَلَّ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ قَتِيلًا له سَلَبُهُ ) يوم حُنَيْنٍ بعد ما قَتَلَ أبو قَتَادَةَ الرَّجُلَ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ بَعْضَ الناس خَالَفَ السُّنَّةَ في هذا فقال لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ السَّلَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ قبل الْقِتَالِ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هذا من الْإِمَامِ على وَجْهِ الإجتهاد وَهَذَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا حُكْمٌ وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اشْتَرَكَ نَفَرٌ في قَتْلِ رَجُلٍ كان السَّلَبُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا ضَرْبَةً لَا يُعَاشُ من مِثْلِهَا أو ضَرْبَةً يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا من مِثْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَقْتُلُهُ آخَرُ كان السَّلَب لِقَاطِعِ الْيَدَيْنِ أو الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ قد صَيَّرَهُ في حَالٍ لَا يَمْنَعُ فيها سَلَبَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ من أَنْ يَذْفِفْ عليه وَإِنْ ضَرَبَهُ وَبَقِيَ فيه ما يَمْنَعُ نَفْسَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِلْآخَرِ إنَّمَا يَكُونُ السَّلَبُ لِمَنْ صَيَّرَهُ بِحَالٍ لَا يَمْتَنِعُ فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَبُ الذي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ عليه وَكُلُّ سِلَاحٍ عليه وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كان رَاكِبَهُ أو مُمْسِكُهُ فَإِنْ كان مُنْفَلِتًا منه أو مع غَيْرِهِ فَلَيْسَ له وَإِنَّمَا سَلَبُهُ ما أُخِذَ من يَدَيْهِ أو مِمَّا على بَدَنِهِ أو تَحْتَ بَدَنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان في سَلَبِهِ سِوَارُ ذَهَبٍ أو خَاتَمٌ أو تَاجٌ أو مِنْطَقَةٌ فيها نَفَقَةٌ فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هذا
____________________

(4/142)


مِمَّا عليه من سَلَبِهِ كان مَذْهَبًا وَلَوْ قال ليس هذا من عِدَّةِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا له سَلَبُ الْمَقْتُولِ الذي هو له سِلَاحٌ كان وَجْهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُخَمَّس السَّلْبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَارَضَنَا مُعَارِضٌ فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال إنَّا كنا لَا نُخَمِّس السَّلَب وَأَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قد بَلَغَ شيئا كَثِيرًا وَلَا أَرَى أَنِّي إلَّا خَامِسُهُ قال فَخَمَّسَهُ وَذُكِرَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال السَّلَبُ من الْغَنِيمَةِ وَفِيهِ الْخُمُسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَآخُذُ خُمُسَ السَّلَبِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَا كُلُّهُ وإذا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لم يَجُزْ تَرْكُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى السَّلَبَ أَنَّهُ لم يَكُنْ ذَا خَطَرٍ وَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُ لم يَكُنْ يُخَمِّسُهُ وَإِنَّمَا خَمَّسَهُ حين بَلَغَ مَالًا كَثِيرًا فَالسَّلَبُ إذَا كان غنيمه فَأَخْرَجْنَاهُ من أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا وَقُلْنَا قد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } على أَكْثَرِ الْغَنِيمَةِ لَا على كُلِّهَا فَيَكُونُ السَّلَبُ مِمَّا لم يُرَدَّ من الْغَنِيمَةِ وَصَفِيُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما غَنِمَ مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ من غَنِمَهُ وَيَكُونُ هذا بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وما بَقِيَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ وإذا كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى السَّلَبَ من قَتَلَ لم يَجُزْ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُخَمَّسَ وَيُقْسَمَ إذْ كان اسْمُ السَّلَبِ يَكُونُ كَثِيرًا وَقَلِيلًا ولم يَسْتَثْنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَلِيلَ السَّلَبِ وَلَا كَثِيرَهُ أَنْ يَقُولَ يعطي الْقَلِيلُ من السَّلْبِ دُونَ الْكَثِيرِ وَنَقُولُ دَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِمَا يُخَمَّس ما سِوَى السَّلَبِ من الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ من خُمْسِ السَّلَبِ عن عُمَرَ لَيْسَتْ من رِوَايَتِنَا وَلَهُ رِوَايَةٌ عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ في زَمَانِ عُمَرَ تُخَالِفُهَا أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الْأَسْوَدِ بن قَيْسٍ عن رَجُلٍ من قَوْمِهِ يُسَمَّى سِيَرَ بن عَلْقَمَةَ قال بَارَزْت رَجُلًا يوم الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْته فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا كَثِيرٌ - * الْوَجْهُ الثَّانِي من النَّفْلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فيها عبد اللَّهِ بن عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فكانت ( ( ( كانت ) ) ) سُهْمَانُهُمْ إثني عَشْرَ بَعِيرًا أو أَحَدَ عَشْرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سمع سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ يقول كان الناس يُعْطَوْنَ النَّفَلَ من الْخُمُسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ بن عُمَرَ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا مَالَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا على أَنَّهُمْ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَالنَّفَلُ هو شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرُ الذي كان لهم وَقَوْلُ بن الْمُسَيِّبِ يُعْطُونَ النَّفَلَ من الْخُمُسِ كما قال إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ من خُمُسِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن له خمس ( ( ( خمسا ) ) ) الخمس من كل غَنِيمَةٍ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ كما يَضَعُ سَائِرَ مَالِهِ فَكَانَ الذي يُرِيهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما فيه صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما سِوَى سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل له فَلَا يَتَوَهَّمْ عَالَمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَضَرُوا فَأَخَذُوا مَالَهُمْ وَأُعْطُوا مِمَّا لِغَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ عليهم غَيْرُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالنَّفَلُ في هذا الْوَجْهِ من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فإذا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ الشَّوْكَةُ وَقَلَّ من بِإِزَائِهِ من الْمُسْلِمِينَ نَفَل منه اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا لم يَكُنْ ذلك لم يُنَفِّلْ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَغَازِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَرَايَاهُ لم يَكُنْ فيها أَنْفَالٌ من هذا الْوَجْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالنَّفَلُ في أَوَّلِ مَغْزًى وَالثَّانِي وَغَيْرِ ذلك سَوَاءٌ على ما وَصَفْت من الِاجْتِهَادِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يَخْتَارُ من أَرْضَى من أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يُزَادَ أَحَدٌ على مَالِهِ لَا يُعْطَى غير الْأَخْمَاسِ أو السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَيَقُولُونَ لم نَعْلَمْ أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ زَادَ أَحَدًا على حَظِّهِ من سَلَبٍ أو سَهْمًا من مَغْنَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما وَصَفْت من كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُنْفَلُونَ وقد رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ في النَّفَلِ في الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ
____________________

(4/143)


في وَاحِدَةٍ وَالرُّبْعُ في الْأُخْرَى وَرِوَايَةُ بن عُمَرَ أَنَّهُ نُفِلَ نِصْفَ السُّدُسِ فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ليس لِلنَّفَلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ مَغَازِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ فيها أنفال فإذا كان لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَنْفُلَ فَنَفَلَ فَيَنْبَغِي لِتَنْفِيلِهِ أَنْ يَكُونَ على الِاجْتِهَادِ غير مَحْدُودٍ - * الْوَجْهُ الثَّالِثُ من النَّفَلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أو جَيْشًا فقال لهم قبل اللِّقَاءِ من غَنِمَ شيئا فَهُوَ له بَعْدَ الْخُمُسِ فَذَلِكَ لهم على ما شَرَطَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُمْ على ذلك غَزَوَا وَبِهِ رَضُوا وَقَالُوا يُخَمَّسُ جَمِيعُ ما أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ السَّلَبِ في إقْبَالِ الْحَرْبِ وَذَهَبُوا في هذا إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم بَدْرٍ قال ( من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له ) وَذَلِكَ قبل نُزُولِ الْخُمُسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ولم أَعْلَمْ شيئا يَثْبُتُ عِنْدَنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا ما وَصَفْنَا من قِسْمَةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بين من حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخَمْسِ على أَهْلِهِ وَوَضْعِهِ سَهْمَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل وهو خُمُسُ الْخَمْسِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا مَذْهَبٌ وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَاتَلَ هَؤُلَاءِ على هذا الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * كَيْفَ تَفْرِيقُ الْقَسْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما حُصِّلَ مِمَّا غُنِمَ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ من شَيْءٍ قَلَّ أو كَثُرَ من دَارٍ أو أَرْضٍ وَغَيْرِ ذلك من الْمَالِ أو سَبْيٍ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَمُنَّ على من رَأَى منهم أو يَقْتُلَ أو يفادى أو يَسْبِيَ وَإِنْ مَنَّ أو قَتَلَ فَذَلِكَ له وَإِنْ سَبَى أو فَادَى فَسَبِيلُ ما سَبَى وما أَخَذَ مِمَّا فَادَى سَبِيلُ ما سِوَاهُ من الْغَنِيمَةِ قال وَذَلِكَ إذَا أَخَذَ منهم شيئا على إطْلَاقِهِمْ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ أَسِيرٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيُفَادِيه بِأَسِيرَيْنِ أو أَكْثَرَ فَذَلِكَ له وَلَا شَيْءَ لِلْمُسْلِمِينَ على من فَادَى من الْمُسْلِمِينَ بِأَسَارَى الْمُشْرِكِينَ وإذا جَازَ له أَنْ يَمُنَّ عليهم فَلَا يَعُودَ على الْمُسْلِمِينَ منه مَنْفَعَةٌ يَقْبِضُونَهَا كان أَنْ يَسْتَخْرِجَ أَسِيرًا من الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعَ وَأُولَى أَنْ يَجُوزَ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَادَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الرَّجُلِ يَأْسِرُهُ الرَّجُلُ فَيُسْتَرَقُّ أو تُؤْخَذُ منه الْفِدْيَةُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ما أُخِذَ منه كَالْمَالِ يُغْنَم وَأَنَّهُ إنْ اُسْتُرِقَّ فَهُوَ كَالذُّرِّيَّةِ وَذَلِكَ يُخَمَّس وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بين جَمَاعَةِ من حَضَرَ فَلَا يَكُونُ ذلك لِمَنْ أَسَرَهُ وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يُخَالِفُهُ وقد قِيلَ الرَّجُلُ مُخَالِفٌ لِلسَّبْيِ وَالْمَالِ لِأَنَّ عليه الْقَتْلَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وما أُخِذَ منه فَلِمَنْ أَخَذَهُ كما يَكُونُ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ لِأَنَّ أَخْذَهُ أَشَدُّ من قَتْلِهِ وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ ما حُصِّلَ بعد ما وَصَفْنَا كَامِلًا وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَيَحْسِبَ من حَضَرَ الْقِتَالَ من الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَيَعْرِفَ من حَضَرَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ من الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ النِّسَاءِ فَيُنَفِّلُهُمْ شيئا فَمَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُمْ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عزل لهم نَفَّلَهُمْ وَسَيُذْكَرُ هذا في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ من بَالِغِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا فيسوى بين الرَّاجِلِ وَالرَّاجِلِ فَيُعْطَيَانِ سَهْمًا سَهْمًا وَيَفْضُلُ ذُو الْفَرَسِ فإن اللَّهَ عز وجل نَدَبَ إلَى إتخاذ الْخَيْلِ فقال { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ } الْآيَةَ فَأَطَاعَ في الرِّبَاطِ وَكَانَتْ عليه مُؤْنَةٌ في اتِّخَاذِهِ وَلَهُ غَنَاءٌ بِشُهُودِهِ عليه ليس الرَّاجِلُ شَبِيهًا بِهِ أخبرنا الثِّقَةُ عن إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عن عبد اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ فَزَعَمَ بَعْضُ الناس أَنَّهُ لَا يُعْطَى فَرَسٌ إلَّا سَهْمًا وَفَارِسٌ سَهْمًا وَلَا يَفْضُلُ فَرَسٌ على مُسْلِمٍ فَقُلْت لِبَعْضِ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ هو كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا يعطى الْفَارِسَ بِسَبَبِ الْقُوَّةِ وَالْغَنَاءِ
____________________

(4/144)


مع السُّنَّةِ وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ وَلَا يُقَالُ لَا يَفْضُلُ فَرَسٌ على مُسْلِمٍ وَالْفَرَسُ بَهِيمَةٌ لَا يُقَاسُ بِمُسْلِمٍ وَلَوْ كان هذا كما قال صَاحِبُك لم يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بين فَرَسٍ وَمُسْلِمٍ وفي قَوْلِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْآخَرُ قِيَاسُهُ الْفَرَسَ بِالْمُسْلِمِ وهو لو كان قِيَاسًا له دخل عليه أَنْ يَكُونَ قد سَوَّى فَرَسًا بِمُسْلِمٍ وقال بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِنَا في سُهْمَانِ الْخَيْلِ وقال هذه السُّنَّةُ التي لَا يَنْبَغِي خِلَافُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إلَيَّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْمَقَارِيفِ يُسْهَمُ لها سَهْمَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلِأَنَّهَا قد تُغْنِي غَنَاءَهَا في كَثِيرٍ من الْمَوَاطِنِ وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لها وقد قِيلَ يَفْضُلُ الْعَرَبِيُّ على الْهَجِينِ وإذا حَضَرَ الرَّجُلُ بِفَرَسَيْنِ أو أَكْثَرَ لم يُسْهَمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِاثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ وهو لَا يُلْفَى أَبَدًا إلَّا على وَاحِدٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ عنه كان تَارِكًا له آخذا ( ( ( آخذه ) ) ) لِمِثْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ فِيمَا قُلْت من أَنْ لَا يُسْهَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَهُ خَبَرٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَةٌ أَشْبَهَهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن يحيى بن سَعِيدِ بن عَبَّادِ بن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ كان يَضْرِبُ في الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمًا له وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا في ذِي الْقُرْبَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى سَهْمِ صَفِيَّةَ أُمِّهِ وقد شَكَّ سُفْيَانُ أَحَفِظَهُ عن هِشَامٍ عن يحيى سَمَاعًا ولم يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ من حديث هِشَامٍ عن يحيى هو وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ حَفِظَهُ عن هِشَامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرْسَلٌ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَعْطَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا له وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لفرسيه ( ( ( لفرسه ) ) ) وَلَوْ كان كما حَدَّثَ مَكْحُولٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَخَذَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كان وَلَدُهُ أَعْرَفَ بِحَدِيثِهِ وَأَحْرَصَ على ما فيه زِيَادَةٌ من غَيْرِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُسْهَمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ الْفَرَسِ لَا بَغْلٍ وَلَا حِمَارٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا فِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلَ إلَّا شَدِيدًا وَلَا يُدْخِلَ حَطِمًا وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا وَلَا ضَرْعًا وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا فَإِنْ غَفَلَ فَشُهِدَ رَجُلٌ على وَاحِدٍ من هذه فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهَمُ له لِأَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ منها غَنَاءُ الْخَيْلِ التي أَسْهَمَ لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى على مِثْلِ هذه الدَّوَابِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَجُلٌ أُسْهِمُ لِلْفَرَسِ كما أُسْهِمُ لِلرَّجُلِ ولم يُقَاتِلْ كانت شُبْهَةً وَلَكِنْ في الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ بِالرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ وَإِنَّ الْجَيْشَ قد يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ وَأَنَّهُ قد لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِيهِمْ مَرْضَى فأعطى سَهْمَهُ سُنَّةً وَلَيْسَتْ في فَرَسِ ضَرْعٍ وَلَا قَحْمٍ وَلَا وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا من هذه الْمَعَانِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ بِسَهْمِ فَارِسٍ إذَا حَضَرَ شيئا من الْحَرْبِ فَارِسًا قَبْل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَأَمَّا إنْ كان فَارِسًا إذَا دخل بِلَادَ الْعَدُوِّ وكان فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُسْهَمُ له بِسَهْمِ فَارِسٍ قال وقال بَعْضُ الناس إذَا دخل بِلَادَ الْعَدُوِّ فَارِسًا ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أُسْهِمَ له سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ أَفَادَ فَرَسًا بِبِلَادِ الْعَدُوِّ قبل الْقِتَالِ فَحَضَرَ عليه لم يُسْهَمْ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له وَلِمَ أَسْهَمْت له إذَا دخل أَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَارِسًا وَإِنْ لم يَحْضُرْ الْقِتَالَ فَارِسًا قال لِأَنَّهُ قد يَثْبُتُ في الدِّيوَانِ فَارِسًا قِيلَ فَقَدْ يَثْبُتُ هو في الدِّيوَانِ فَإِنْ مَاتَ فَلَا يُسْهَمُ له إلَّا أَنْ يَمُوتَ بعد ما تُحْرَزُ الْغَنِيمَةُ قِيلَ فَقَدْ أُثْبِتَ هو وَفَرَسُهُ في الدِّيوَانِ فَزَعَمْت أَنَّ الْمَوْتَ قبل إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُقْطَعُ حَظُّهُ في الْغَنِيمَةِ وأن مَوْتَ فَرَسِهِ قبل حُضُورِ الْقِتَالِ لَا يَقْطَعُ حَظَّهُ قبل فعليه ( ( ( فعله ) ) ) مؤنة وقد وافى ( ( ( أوفى ) ) ) أَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ قِيلَ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَلْزَمُك في نَفْسِهِ وَيَلْزَمُك في الْفَرَسِ أَرَأَيْت الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) أو الْيَمَانِيَّ يَقُودُ الْفَرَسَ لِلرُّومِ حتى إذَا لم يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدْنَى بِلَاد الْعَدُوِّ إلَّا مِيلٌ فَمَاتَ فَرَسُهُ أَيُسْهَمُ لِفَرَسِهِ قال لَا قِيلَ فَهَذَا قد تَكَلَّفَ من الْمُؤْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَكَلَّفُ رَجُلٌ من أَهْلِ الثُّغُورِ ابْتَاعَ فَرَسًا ثُمَّ غَزَا عليه فَأَمْسَى بِأَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ فَزَعَمْت أَنَّك تُسْهِمُ له وَلَوْ كُنْت بِالْمُؤْنَةِ
____________________

(4/145)


التي لَزِمَتْهُ في الْفَرَسِ تُسْهِمُ له كان هذا أَوْلَى أَنْ تَحْرِمَهُ من الذي تَكَلَّفَ أَكْثَرَ مِمَّا تَكَلَّفَ فَحَرَمْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حَاصَرَ قَوْمٌ مَدِينَةً فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً أو غَزَا قَوْمٌ في الْبَحْرِ فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْخَيْلِ في وَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ أعطى الْفَارِسُ سَهْمَ الْفَارِسِ لم يَنْقُصْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ دخل رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فلم يُجَاهِدْ أُسْهِمَ له وَلَوْ دخل أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ له وَقِيلَ يُخَيِّرُ بين أَنْ يُسْهَمَ له وَيَطْرَحَ الْإِجَارَةَ أو الْإِجَارَةِ وَلَا يُسْهَمُ له وقد قِيلَ يُرْضَخُ له (1)
____________________
1- قال الشَّافِعِيُّ وَلَوْ انْفَلَتَ أَسِيرٌ في أَيْدِي الْعَدُوِّ قبل أَنْ تُحْرَزَ الْغَنِيمَةُ فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهَمُ له إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلُ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ له وقد قِيلَ يُسْهَمُ له ما لم تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ وَلَوْ دخل قَوْمٌ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لهم وقد قِيلَ لَا يُسْهَمُ لهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الذِّمِّيُّ غَيْرُ الْبَالِغِ وَالْمَرْأَةُ يُقَاتِلُونَ فَلَا يُسْهَمُ لهم وَيَرْضَخُ لهم وكان أَحَبَّ إلَيَّ في الذِّمِّيِّ لو اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ من غَيْرِ الْغَنِيمَةِ أو الْمَوْلُودُ في بِلَادِ الْحَرْبِ يُرْضَخُ له وَيُرْضَخُ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِمَّا يُرْضَخُ لِمَنْ لم يُقَاتِلْ وَلَيْسَ لذلك ( ( ( ذلك ) ) ) عِنْدِي حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُعْطَوْنَ من الخرثى وَالشَّيْءِ الْمُتَفَرِّقِ مِمَّا يُغْنَمُ وَلَوْ قال قَائِلٌ يُرْضَخُ لهم من جَمِيعِ الْمَالِ كان مَذْهَبًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُرْضَخَ لهم من الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ لِأَنَّهُمْ حَضَرُوا الْقِتَالَ وَالسُّنَّة بِالرَّضْخِ لهم بِحُضُورِهِمْ كما كانت بِالْإِسْهَامِ لِغَيْرِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جاء مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ قبل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا من الْحَرْبِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ شُرِكُوا في الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لم يَأْتُوا حتى تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لها لم يُشْرِكُوهُمْ وَلَوْ جاؤوا بعد ما أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ ثُمَّ كان قِتَالٌ بَعْدَهَا فَإِنْ غَنِمُوا شيئا حَضَرُوهُ شُرِكُوا فيه وَلَا يُشْرِكُونَ فِيمَا أُحْرِزَ قبل حُضُورِهِمْ وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ في وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ ولم تَغْنَمْ الْأُخْرَى أو بَعَثَ سَرِيَّةً من عَسْكَرٍ أو خَرَجَتْ هِيَ فَغَنِمَتْ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ولم يَغْنَمْ الْعَسْكَرُ أو غَنِمَ الْعَسْكَرُ ولم تَغْنَمْ السَّرِيَّةُ شَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ جَيْشٌ وَاحِدٌ كلهم ردء ( ( ( رد ) ) ) لِصَاحِبِهِ قد مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَتْ بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرَ الْعَسْكَرُ ( حُنَيْنٍ ) فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ فَخَرَجَتْ منهم طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لم يُشْرِكْهُمْ الْمُقِيمُونَ وَإِنْ كان منهم قَرِيبًا لِأَنَّ السَّرَايَا كانت تَخْرُجُ من الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ وَلَا يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرِ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ من بِلَادِ عَدُوٍّ فغنم ( ( ( غنم ) ) ) أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لم يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمِعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ وَيَرْفَعُونَ الْخُمُسَ إلَى الْإِمَامِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْقَائِدَيْنِ بِأَحَقَّ بِوِلَايَةِ الْخُمُسِ إلَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَى الْإِمَامِ من الْآخَرِ وَهُمَا فيه شَرِيكَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ غَزَتْ جَمَاعَةٌ بَاغِيَةٌ مع جَمَاعَةٍ أَهْلِ عَدْلٍ شَرِكُوهُمْ في الْغَنِيمَةِ وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَلُوا الْخُمُسَ دُونَهُمْ حتى يُوصِلُوهُ إلَى الْإِمَامِ - * سَنُّ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُطَرِّفٌ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ مُحَمَّدَ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ أخبره عن أبيه قال لَمَّا قَسَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أنا وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ فَقُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ إخْوَانُنَا من بَنِي هَاشِمٍ لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِك الذي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ منهم أَرَأَيْت إخْوَانَنَا من بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا أو مَنَعْتنَا وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ ) أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أَحْسَبُهُ دَاوُد الْعَطَّارَ عن بن الْمُبَارَكِ عن يُونُسَ عن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَاهُ أخبرنا الثِّقَةُ عن مُحَمَّد

(4/146)


بن إِسْحَاقَ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت لِمُطَرِّفِ بن مَازِنٍ أَنَّ يُونُسَ وبن إِسْحَاقَ رَوَيَا حَدِيثَ بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ فقال مُطَرِّفٌ حدثنا مَعْمَرٌ كما وَصَفْت وَلَعَلَّ بن شِهَابٍ رَوَاهُ عنهما مَعًا أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وزاد ( لَعَنَ اللَّهُ من فَرَّقَ بين بنى هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ قال قَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ولم يُعْطِ منه أَحَدًا من بَنِي عبد شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فيعطي جَمِيعُ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا لَا يَفْضُلُ منهم أَحَدٌ حَضَرَ الْقِتَالَ على أَحَدٍ لم يَحْضُرْهُ إلَّا بِسَهْمِهِ في الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلَا فَقِيرٌ على غَنِيٍّ ويعطي الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةُ سَهْمًا ويعطي الصَّغِيرُ منهم وَالْكَبِيرُ سَوَاءً وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَكُلُّهُمْ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد أَعْطَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ من لَقِيت من عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا وَصَفْت من التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ أَعْطَى فُلَانًا كَذَا لِأَنَّهُ كان ذَا وَلَدٍ فَقِيلَ أَعْطَاهُ كَذَا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ عِيَالِهِ وَالدَّلَالَةُ على صِحَّةِ ما حَكَيْت مِمَّا قالوا عَنْهُمْ ما وَصَفْت من اسْمِ الْقَرَابَةِ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ من حَضَرَ خَيْبَرَ وَمَنْ لم يَحْضُرْهَا وَأَنَّهُ لم يُسَمِّ أَحَدًا من عِيَالِ من سَمَّى أَنَّهُ أَعْطَى بِعَيْنِهِ وَأَنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ فيه أنه قَسَمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَالْقَسْمُ إذَا لم يَكُنْ تَفْضِيلٌ يُشْبِهُ قَسْمَ الْمَوَارِيثِ وفي حديث جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ الدَّلَالَةُ على أَنَّهُ لهم خَاصَّةً وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَهْمِهِ غير وَاحِدٍ من قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ لَا من سَهْمِ ذِي القربي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتُفَرَّقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ على من سَمَّى اللَّهُ عز وجل على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا يُحْصَوْنَ ثُمَّ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ صِنْفٍ منهم سَهْمُهُ كَامِلًا لَا يُعْطَى وَاحِدٌ من أَهْلِ السُّهْمَان سَهْمً صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد مَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي هو وَأُمِّيِّ مَاضِيًا وَصَلَّى اللَّهُ عليه وَمَلَائِكَتُهُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا في سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ من قال يُرَدُّ على السُّهْمَانِ التي ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل معه لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قالوا فِيمَنْ سمى له سَهْمٌ من أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فلم يُوجَدْ يُرَدُّ على من سمى معه وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ وَإِنْ كان قَسْمُ الصَّدَقَاتِ مُخَالِفًا قَسْمَ الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال يَضَعُهُ الأمام حَيْثُ رَأَى على الِاجْتِهَادِ للاسلام وَأَهْلِهِ وَمِنْهُمْ من قال يَضَعُهُ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي اختار أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ في كل أَمْرٍ حَصَّنَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ من سَدِّ ثَغْرٍ وَإِعْدَادِ كَرَاعٍ أو سِلَاحٍ أو إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلَاءِ في الْإِسْلَامِ نَفْلًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ في تعزيز ( ( ( تعزير ) ) ) الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ على ما صَنَعَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ في الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ خَيْبَرَ نَفَرًا من أَصْحَابِهِ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَفَضَّلَ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ نَرَى ذلك كُلَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من سَهْمِهِ وقال بَعْضُ الناس بِقَوْلِنَا في سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ وزاد سَهْمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فَقُلْت له أَعْطَيْت بَعْضَ من قَسَمَ اللَّهُ عز وجل له مَالَهُ وَزِدْته وَمَنَعْت بَعْضَ من قَسَمَ اللَّهُ له مَاله فَخَالَفْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيمَا أَعْطَيْت وَمَنَعْت فقال ليس لِذِي الْقُرْبَى منه شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَلَّمُونَا فيه بِضُرُوبٍ من الْكَلَامِ قد حَكَيْت ما حَضَرَنِي منها وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فقال بَعْضُهُمْ ما حُجَّتُكُمْ فيه قُلْت الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَذَكَرْت له الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فيه قال فإن سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ رَوَى عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ قال سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ ما صَنَعَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْخُمُسِ فقال
____________________

(4/147)


سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وكان يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عليه خِلَافُهُمَا وكان هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان يَرَى فيه رَأَيَا خِلَافَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا فَقُلْت له هل عَلِمْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَسَمَ على الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَسَوَّى بين الناس وَقَسَمَ عُمَرُ فلم يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شيئا وَفَضَّلَ بَعْضَ الناس على بَعْضٍ وَقَسَمَ عَلِيٌّ فلم يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شيئا وَسَوَّى بين الناس قال نعم قُلْت أَفَتَعْلَمُهُ خَالَفَهُمَا مَعًا قال نعم قُلْت أو تَعْلَمُ عُمَرُ قال لَا تُبَاعُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ قال نعم قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ في الْجَدِّ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ هذا الْحَدِيثُ عِنْدَك على ما وَصَفْت من أَنَّ عَلِيًّا رَأَى غير رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا وَبَيِّنٌ عِنْدَك أَنَّهُ قد يُخَالِفُهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا وفي غَيْرِهِ قال فما قَوْلُهُ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت هذا كَلَامٌ جُمْلَةٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ صَنَعَ فيه عَلِيٌّ فَذَلِكَ يَدُلُّنِي على ما صَنَعَ فيه أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُخْبِرْنَا عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَعَنْهُمْ نَصِيبَهُمْ من الْخُمُسِ فقال هو لَكُمْ حَقٌّ وَلَكِنِّي مُحَارَبٌ مُعَاوِيَةَ فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرْت بهذا الحديث عَبْدَ الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ فقال صَدَقَ هَكَذَا كان جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ أَفَمَا حَدَّثَكَهُ عن أبيه عن جَدِّهِ قُلْت لَا قال ما أَحْسَبُهُ إلَّا عن جَدِّهِ قال فَقُلْت له أَجَعْفَرٌ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ أبيه أَمْ بن إِسْحَاقَ قال بَلْ جَعْفَرٌ فَقُلْت له هذا بَيِّنٌ لَك إنْ كان ثَابِتًا أَنَّ ما ذَهَبْت إلَيْهِ من ذلك على غَيْرِ ما ذَهَبْت إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَيَاهُ أَهْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) محمد بن عَلِيٍّ مُرْسَلٌ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا أَدْرِي كَيْفَ كان هذا الْحَدِيثُ قُلْت وَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ إنْ كان حُجَّةً فَهُوَ عَلَيْك وَإِنْ لم يَكُنْ حُجَّةً فَلَا تَحْتَجَّ بِمَا ليس بِحَجَّةٍ وَاجْعَلْهُ كما لم يَكُنْ قال فَهَلْ في حديث جَعْفَرٍ أَعْطَاهُمُوهُ قُلْت أَيَجُوزُ على عَلِيٍّ أو على رَجُلٍ دُونَهُ أَنْ يَقُولَ هو لَكُمْ حَقٌّ ثُمَّ يَمْنَعَهُمْ قال نعم إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قُلْنَا وَهُمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ عَمَّا في أَيْدِيهِمْ من مَوَارِيثِ آبَائِهِمْ وَأَكْسَابِهِمْ حَلَّ له أَخْذُهُ قال فإن الْكُوفِيِّينَ قد رَوَوْا فيه عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ شيئا أَفَعَلِمْته قُلْت نعم وَرَوَوْا ذلك عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا قال وما ذَاكَ قُلْت أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَرَجُلٌ لم يُسَمِّهِ كِلَاهُمَا عن الْحَكَمِ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى قال لَقِيت عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ فَقُلْت له بِأَبِي وَأُمِّي ما فَعَلَ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ في حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ من الْخُمُسِ فقال عَلِيٌّ أَمَّا أبو بَكْرٍ فلم يَكُنْ في زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وما كان فَقَدْ أَوْفَانَاهُ وَأَمَّا عُمَرُ فلم يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حتى جاء مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ أو قال فَارِسٌ ( قال الرَّبِيعُ أنا أَشُكُّ ) فقال في حديث مَطَرٍ أو حديث الْآخَرِ فقال في الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ في خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حتى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوَفِّيكُمْ حَقَّكُمْ منه فقال الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ لَا نُطْمِعُهُ في حَقِّنَا فَقُلْت يا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا أَحَقَّ من أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ فتوفى عُمَرُ قبل أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فيقضيناه وقال الْحُكْمُ في حديث مَطَرٍ أو الْآخَرِ إنَّ عُمَرَ قال لَكُمْ حَقٌّ وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي إذْ كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ منه بِقَدْرِ ما أَرَى لَكُمْ فَأَبَيْنَا عليه إلَّا كُلَّهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ فقال فإن الْحُكْمَ يحكي عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا ذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الرُّوَاةُ عنه في عُمَرَ فَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمْ حتى جَاءَهُمْ مَالٌ السُّوسِ ثُمَّ اسْتَسْلَفَهُ منهم لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا تَمَامٌ على إعطاءهم ( ( ( إعطائهم ) ) ) الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ منه وَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمُوهُ حتى كَثُرَ ثُمَّ عَرَضَ عليهم حين كَثُرَ أَنْ يُعْطِيهِمْ بَعْضَ ما يَرَاهُ لهم حَقًّا لَا كُلَّهُ وَهَذَا أَعْطَاهُمْ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ وقد رَوَى الزُّهْرِيُّ عن بن هُرْمُزَ عن بن عَبَّاسٍ عن عُمَرَ قَرِيبًا من هذا الْمَعْنَى قال فَكَيْفَ يُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ فيه عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَاطِئَةً وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِقَوْمٍ وَلَا يَثْبُتُ عنهما من كل وَجْهٍ أَنَّهُمَا أَعْطَيَاهُ عَطَاءً بَيِّنًا مَشْهُورًا فَقُلْت له قَوْلُك هذا قَوْلُ من لَا عِلْمَ له قال وَكَيْفَ قُلْت هذا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ
____________________

(4/148)


عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ في هذا الحديث وَعُمَرُ حتى كَثُرَ الْمَالُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ عنه في الْكَثْرَةِ وَقُلْت أَرَأَيْت مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِلْمِ في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إذَا كان الشَّيْءُ مَنْصُوصًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مُبَيَّنًا على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو فَعَلَهُ أَلَيْسَ يُسْتَغْنَى بِهِ عن أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا بَعْدَهُ وَيُعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عز وجل على أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّبَاعُهُ قال بَلَى قُلْت قُلْت أَفَتَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَفْرُوضًا في آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُبَيَّنًا على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلُهُ ثَابِت بِمَا يَكُونُ من أَخْبَارِ الناس من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ثِقَةُ الْمُخْبِرِينَ بِهِ وَاتِّصَالُهُ وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَهْلُ قَرَابَةٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الزُّهْرِيُّ من أَخْوَالِهِ وبن الْمُسَيِّبِ من أَخْوَالِ أبيه وَجُبَيْرُ بن مُطْعِمٍ بن عَمِّهِ وَكُلُّهُمْ قَرِيبٌ منه في جَذْمِ النَّسَبِ وَهُمْ يُخْبِرُونَك مع قَرَابَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ أَنَّهُمْ مُخْرِجُونَ منه وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مَخْصُوصٌ بِهِ دُونَهُ وَيُخْبِرُك أَنَّهُ طَلَبَهُ هو وَعُثْمَانُ فَمُنِعَاهُ وَقَرَابَتُهُمَا في جذم ( ( ( حدم ) ) ) النَّسَبِ قَرَابَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ الَّذِينَ أُعْطُوهُ قال نعم قُلْت فَمَتَى تَجِدُ سُنَّةً أَبَدًا أُثْبِتَتْ بِفَرْضِ الْكِتَابِ وَصِحَّةِ الْخَبَرِ وَهَذِهِ الدَّلَالَاتُ من هذه السُّنَّةِ لم يُعَارِضْهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُعَارِضٌ بِخِلَافِهَا وَكَيْفَ تُرِيدُ إبْطَالَ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يُخَالِفُهُمَا وهو لَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ تجد ( ( ( نجد ) ) ) الْكِتَابَ بَيِّنًا في حُكْمَيْنِ منه بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى من الْخُمُسِ معه السُّنَّةُ فَتُرِيدُ إبْطَالَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هل تَعْلَمُ قَوْلًا أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا من قَوْلِك هذا وَقَوْلِ من قال قَوْلَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال أَرَاك قد أَبْطَلْت سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى من الْخُمُسِ فَأَنَا أُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ قال ليس ذلك له قُلْنَا فَإِنْ قال فَأَثْبِتْ لي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُمُوهُ أو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَاهُمُوهُ أو أَحَدُهُمَا قال ما فيه خَبَرٌ ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عَمَّنْ بَعْدَهُ غير أَنَّ الذي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ من أَعْطَى اللَّهُ إيَّاهُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلَا بِذَلِكَ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا أَفَرَأَيْت لو قال فَأَرَاك تَقُولُ نُعْطِي اليتامي وَالْمَسَاكِينَ وبن السَّبِيلِ سَهْمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فَإِنْ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل قَسَمَهُ على خَمْسَةٍ فَجَعَلْته لِثَلَاثَةٍ فَأَنَا أَجْعَلُهُ كُلَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهُمْ مُبْدَءُونَ في الْآيَةِ على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ لَا يُعْرَفُونَ مَعْرِفَتَهُمْ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ ذَوِي الْقُرْبَى وَلَا أَجِدُ خَبَرًا مِثْلَ الْخَبَرِ الذي يحكى أَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى ذَوِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وبن السَّبِيلِ وَلَا أَجِدُ ذلك عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ فقال ليس ذلك له قُلْنَا وَلِمَ قال لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ قَسَمَ لِخَمْسَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يُعْطَاهَا وَاحِدٌ قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك وقد قَسَمَ اللَّهُ عز وجل لِخَمْسَةٍ أَنْ أَعْطَيْته ثَلَاثَةً وَذَوُو الْقُرْبَى مَوْجُودُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لَعَلَّ هذا إنَّمَا كان في حَيَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَكَانِهِمْ منه فلما تُوُفِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لهم قُلْت له أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ نَظَرَ في الْعِلْمِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هذا قال وَلِمَ لَا يَجُوزُ إذَا كان يَحْتَمِلُ وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك في الْخَبَرِ وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ عليه قُلْت فَإِنْ عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال ليس لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذلك حَقًّا لِيَتَامَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ جَاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ مع رَسُولِهِ وَكَانُوا قَلِيلًا في مُشْرِكِينَ كَثِيرٍ وَنَابَذُوا الْأَبْنَاءَ وَالْعَشَائِرَ وَقَطَعُوا الذِّمَمَ وَصَارُوا حِزْبَ اللَّهِ فَهَذَا لِأَيْتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ فإذا مَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَارَ الناس مُسْلِمِينَ وَرَأَيْنَا مِمَّنْ لم يَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَكُنْ لِآبَائِهِ سَابِقَةٌ معه من حُسْنِ الْيَقِينِ وَالْفَضْلِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُرَى أَخَذُوا وَصَارَ الْأَمْرُ واحدا ( ( ( واحد ) ) ) فَلَا يَكُونُ لِلْيَتَامَى
____________________

(4/149)


وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ شَيْءٌ إذَا اسْتَوَى في الْإِسْلَامِ قال ليس ذلك له قُلْت وَلِمَ قال لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا قَسَمَ شيئا فَهُوَ نَافِذٌ لِمَنْ كان في ذلك الْمَعْنَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْت له فَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى فَلِمَ لم تَرَهُ نَافِذًا لهم إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال فما مَنَعَك أَنْ أَعْطَيْت ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ تُعْطِيَهُمْ على مَعْنَى الْحَاجَةِ فَيُقْضَى دَيْنُ ذِي الدَّيْنِ وَيُزَوَّجُ الْعَزَبُ وَيُخْدَمُ من لَا خَادِمَ له وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ شيئا قُلْت له مَنَعَنِي أَنِّي وَجَدَتْ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل ذَكَرَهُ في قَسْمِ الْفَيْءِ وَسُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَةُ عن كِتَابِ اللَّهِ عز وجل على غَيْرِ هذا الْمَعْنَى الذي دَعَوْت إلَيْهِ وَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُ ما دَعَوْت إلَيْهِ فَتَقُولُ لَا شَيْءَ لِذَوِي الْقُرْبَى قال إنِّي أَفْعَلُ فَهَلُمَّ الدَّلَالَةَ على ما قُلْت قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } فَهَلْ تَرَاهُ أَعْطَاهُمْ بِغَيْرِ اسْمِ الْقَرَابَةِ قال لَا وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَمَعْنَى الْحَاجَةِ قُلْت فَإِنْ وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى من ذَوِي الْقُرْبَى غَنِيًّا لَا دَيْنَ عليه وَلَا حَاجَةَ بِهِ بَلْ يَعُولُ عَامَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيَتَفَضَّلُ على غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ وما مَنَّ اللَّهُ عز وجل بِهِ عليه من سَعَةِ خَلْقِهِ قال إذًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ قُلْت فَقَدْ أَعْطَى أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ بن عبد الْمُطَّلِبِ وهو كما وَصَفْت في كَثْرَةِ الْمَالِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَيَتَفَضَّلُ على غَيْرِهِمْ قال فَلَيْسَ لِمَا قُلْت من أَنْ يُعْطَوْا على الْحَاجَةِ مَعْنًى إذَا أُعْطِيَهُ الغنى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ أَيْضًا فقال قال اللَّهُ عز وجل في الْغَنِيمَةِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْخُمُسِ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهَا من حَضَرَ الْقِتَالَ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمُوهَا على أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أو عَلَيْهِمَا فَيَكُونَ أَعْطَاهَا أَهْلَ الْحَاجَةِ مِمَّنْ حَضَرَ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى عنه أو قال قد يَجُوزُ إذَا كان بِالْغَلَبَةِ أَعْطَاهُمُوهُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ دُونَ أَهْلِ الْعَجْزِ عن الْغَنَاءِ أو أَعْطَاهُ من جَمَعَ الْحَاجَةَ وَالْغَنَاءَ ما تَقُولُ له قال أَقُولُ ليس ذلك له قد أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ مِمَّنْ هو بِهَذِهِ الصِّفَةِ قال إذَا حكى أَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ فَهُوَ عَامٌّ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَاصٌّ وهو على الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْعَاجِزِ وَالشُّجَاعِ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ أَنَّهُمْ أُعْطُوهُ لِمَعْنَى الْحُضُورِ فَقُلْت له فَالدَّلَالَةُ على أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى أُعْطُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ مِثْلُهُ أو أَبْيَنُ قُلْت فِيمَنْ حَضَرَ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ ما غُنِمَ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس بِالْكَثِيرِ فَلَوْ غَزَا قَوْمٌ فَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً أَعْطَيْنَاهُمْ بِقَدْرِ ما كَانُوا يَأْخُذُونَ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس ذلك له قد عَلِمَ اللَّهُ أَنْ يستغنموا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فإذا بَيَّنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ لهم أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ فَسَوَاءٌ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ أو قَلُّوا أو كَثُرُوا أو اسْتَغْنَوْا أو افْتَقَرُوا قُلْت فَلِمَ لَا تَقُولُ هذا في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو غَزَا نَفَرٌ يَسِيرٌ بِلَادَ الرُّومِ فَغَنِمُوا ما يَكُونُ السَّهْمُ فيه مِائَةَ أَلْفٍ وَغَزَا آخَرُونَ التُّرْكَ فلم يَغْنَمُوا دِرْهَمًا وَلَقُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَيَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ من الكثير ( ( ( التكثير ) ) ) الذي غَنِمَهُ الْقَلِيلُ بِلَا قِتَالٍ من الرُّومِ شيئا إلَى إخْوَانِهِمْ الْمُسْلِمِينَ الْكَثِيرِ الَّذِينَ لَقُوا الْقِتَالَ الشَّدِيدَ من التُّرْكِ ولم يَغْنَمُوا شيئا قال لَا قُلْت وَلِمَ وَكُلٌّ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا قال لَا يُغَيَّرُ شَيْءٌ عن مَوْضِعِهِ الذي سَنَّهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِمَعْنًى وَلَا عِلَّةٍ قُلْت وَكَذَلِكَ قُلْت في الْفَرَائِضِ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عز وجل وَفِيمَا جاء منها عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وما ذلك قُلْت أَرَأَيْت لو قال لَك قد يَكُونُ وَرِثُوا لِمَعْنَى مَنْفَعَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ كانت في حَيَاتِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَنْفَعَةٍ كانت لهم وَمَكَانِهِمْ كان منه وما يَكُونُ منهم مِمَّا يَتَخَلَّى منه غَيْرُهُمْ فَأَنْظُرُ فَأَيُّهُمْ كان أَحَبَّ إلَيْهِ وَخَيْرًا له في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَحْوَجَ إلَى تَرِكَتِهِ وَأَعْظَمَ مُصِيبَةً بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَجْعَلُ لهم سَهْمَ من يخالف ( ( ( خالفهم ) ) ) هذا مِمَّنْ كان يُسِيءُ إلَيْهِ في حَيَاتِهِ وَإِلَى تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وهو غنى عن مِيرَاثِهِ قال ليس له ذلك بَلْ يُنَفَّلُ
____________________

(4/150)


ما جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ جَعَلَهُ قُلْت وَقَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا على الْأَسْمَاءِ دُونَ الْحَاجَةِ قال نعم قُلْت له بَلْ قد يُعْطَى أَيْضًا من الْفَيْءِ الغنى وَالْفَقِيرُ قال نعم قد أَخَذَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرحمن عَطَاءَهُمَا وَلَهُمَا غِنًى مَشْهُورٌ فلم يُمْنَعَاهُ من الْغِنَى قُلْت فما بَالُ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وهو أَثْبَتُ مِمَّنْ قُسِمَ له مِمَّنْ معه من الْيَتَامَى وبن السَّبِيلِ وَكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَدْخَلْت فيه ما لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في مِثْلِهِ وأضعف ( ( ( أضعف ) ) ) منه قال فَأَعَادَ هو وَبَعْضُ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ قالوا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت له أو ما يكتفي بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قال بَلَى قُلْت فَقَدْ أَعَدْت هذا أَفَرَأَيْت إذَا لم يَثْبُتْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ إعْطَاءُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ أَطَرَحْتهمْ قال لَا قُلْت أو رأيت إذَا لم يَثْبُت عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْمُبَارِزَ السَّلَبَ وَيَثْبُتُ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُخْرَى وَخَمَّسَهُ فَكَيْفَ قُلْت فيه وَكَيْفَ اسْتَخْرَجْت تَثْبِيتَ السَّلَبِ إذًا قال الْإِمَامُ هو لِمَنْ قَتَلَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ عن أبي بَكْرٍ وَخَالَفْت عُمَرَ في الْكَثِيرِ منه وَخَالَفْت بن عَبَّاسٍ وهو يقول السَّلَبُ من الْغَنِيمَةِ وفي السَّلَبِ الْخُمُسُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ قال إذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُوَهِّنُهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ عَمَّنْ بَعْدَهُ وَلَا من خَالَفَهُ من بَعْدِهِ قُلْت وَإِنْ كان مَعَهُمْ التَّأْوِيلُ قال وَإِنْ لِأَنَّ الْحُجَّةَ في رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت له قد ثَبَتَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى بِسَهْمِهِمْ فَكَيْفَ أَبْطَلْته وَقُلْت وقد قال اللَّهُ تَعَالَى { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها } وقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( فِيمَا سقى بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ ) لم يُخَصَّ مَالٌ دُونَ مَالٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا في هذا الحديث وقال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ العشر فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَكَيْفَ قُلْت ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قال فإن أَبَا سَعِيدٍ رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت له هل تَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غير أبي سَعِيدٍ قال لَا قُلْت أَفَالْحَدِيثُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى لِذِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ أَثْبَتُ رِجَالًا وَأَعْرَفُ وَأَفْضَلُ أَمْ من رَوَى دُونَ أبي سَعِيدٍ عن أبي سَعِيدٍ هذا الحديث قال بَلْ من رَوَى سهم ( ( ( منهم ) ) ) ذِي الْقُرْبَى قُلْت وقد قَرَأْت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ عُهُودٍ عَهْدَهُ لِابْنِ سَعِيدِ بن الْعَاصِ على الْبَحْرَيْنِ وَعَهْدَهُ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ على نَجْرَانَ وَعَهْدًا ثَالِثًا وَلِأَبِي بَكْرٍ عَهْدًا وَلِعُمَرَ عُهُودًا وَلِعُثْمَانَ عُهُودًا فما وَجَدْت في وَاحِدٍ منها قَطُّ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) وقد عَهِدُوا في الْعُهُودِ التي قَرَأْت على الْعُمَّالِ ما يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ من أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَدِيثٍ ثَابِتٍ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) غير أبي سَعِيدٍ وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يروى ذلك عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ فَهَلْ وَجَدْته قال لَا قُلْت أَفَهَذَا لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ الناس من الطَّعَامِ في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وفي السَّنَةِ مِرَارًا لِاخْتِلَافِ زُرُوعِ الْبُلْدَانِ وَثِمَارِهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ مَشْهُورًا مَعْرُوفًا أَمْ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى الذي هو لِنَفَرٍ بِعَدَدٍ وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ من السَّنَةِ قال كِلَاهُمَا مِمَّا كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا قُلْت أَفَتَطْرَحُ حَدِيثَ أبي سَعِيدٍ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) لِأَنَّهُ ليس عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ تَأَوَّلَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَحَدِيثًا مثله وَيُخَالِفُهُ هو ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمَالَ يَقَعُ على ما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ قال لَا وَلَكِنِّي أَكْتَفِي بِالسُّنَّةِ من هذا كُلِّهِ فَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ وقد قال بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِوَى ما سَمَّى اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ حَرَامٌ وَاحْتَجُّوا بِالْقُرْآنِ وَهُمْ كما تَعْلَمُ في الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَرَوَى أبو إدْرِيسَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَوَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِيمَا يقول قال كُلُّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ عز وجل وَذَكَرَهُ من خالفه ( ( ( خالف ) ) ) شيئا
____________________

(4/151)


مِمَّا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ في قَوْلِهِ حُجَّةٌ وَلَوْ عَلِمَ الذي قال قَوْلًا يُخَالِفُ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وقد يَعْزُبُ عن الطَّوِيلِ الصُّحْبَةِ السُّنَّةُ وَيَعْلَمُهَا بَعِيدُ الدَّارِ قَلِيلُ الصُّحْبَةِ وَقُلْت له جَعَلَ أبو بَكْرٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وبن الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي عُتْبَةَ وَغَيْرُهُمْ الْجَدَّ أَبًا وَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ فَخَالَفْته لِقَوْلِ زَيْدٍ وبن مَسْعُودٍ قال نعم وَخَالَفْت أَبَا بَكْرٍ في إعْطَاءِ الْمَمَالِيكِ فَقُلْت لَا يُعْطَوْنَ قال نعم وَخَالَفْت عُمَرَ في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَالْبَتَّةِ وفي التي تُنْكَحُ في عِدَّتِهَا وفي أَنَّ ضِعْفَ الْغُرْمِ على سُرَّاقِ نَاقَةِ المزنى وفي أَنْ قَضَى في الْقَسَامَةِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ وفي أَنْ جَلَدَ في التَّعْرِيضِ الْحَدَّ وَجَلَدَ في رِيحِ الشَّرَابِ الْحَدَّ وفي أَنْ جَلَدَ وَلِيدَةَ حَاطِبٍ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَدَّ الزنى حَدَّ الْبِكْرِ وفي شَيْءٍ كَثِيرٍ منه ما تُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْهُ ما تُخَالِفُهُ وَلَا مُخَالِفَ له منهم قال نعم أُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت له وَسَعْدُ بن عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ صَحِيحًا بين وَرَثَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَيْسًا فَقَالَا نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عليه فقال قَيْسُ بن سَعْدٍ لَا أَرُدُّ شيئا قَضَاهُ سَعْدٌ وَوَهَبَ لهم نَصِيبَهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنْ ليس عليهم رَدُّ شَيْءٍ أُعْطَوْهُ وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ في هذا مُخَالِفٌ من أَصْحَابِهِمَا فَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ في قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ لَا مُخَالِفَ لَهُمَا إلَّا ما لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عن عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ عَدَدْت عليه ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَضِيَّةً لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ لم يُخَالِفْهُ فيها غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَدِيثٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ نَأْخُذُ بها نَحْنُ وَيَدَعُهَا هو منها أَنَّ عُمَرَ قال في التي نُكِحَتْ في عِدَّتِهَا فَأُصِيبَتْ تَعْتَدُّ عِدَّتَيْنِ وقاله ( ( ( وقال ) ) ) عَلِيٌّ وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ قَضَى في الذي لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنَّ الإيمان في الْقَسَامَةِ على قَوْمٍ ثُمَّ حَوَّلَهَا على آخَرِينَ فقال إنَّمَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ عز وجل قَوْلَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُخَالِفَ شيئا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ خَالَفَهُ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ ما كانت فِيهِمْ حُجَّةٌ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ولم يَثْبُتْ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَالَفَهُ قال فَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ كنا نَرَاهُ لنا فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا قُلْت هذا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ يَخْرُجُ عَامًّا وهو يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ قال وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الَّذِينَ قال لهم الناس } الْآيَةَ فَنَحْنُ وَأَنْتَ نَعْلَمُ أَنْ لم يَقُلْ ذلك إلَّا بَعْضُ الناس وَاَلَّذِينَ قَالُوهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَأَنْ لم يُجْمَعْ لهم الناس كلهم إنَّمَا جُمِعَتْ لهم عِصَابَةٌ انْصَرَفَتْ عَنْهُمْ من أُحُدٍ قال هذا كُلُّهُ هَكَذَا قُلْت فإذا لم يُسَمِّ بن عَبَّاسٍ أَحَدًا من قَوْمِهِ أَلَمْ تَرَهُ كَلَامًا من كُلِّهِمْ وبن عَبَّاسٍ يَرَاهُ لهم فَكَيْفَ لم تَحْتَجَّ بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ لَا يَرَاهُ لهم إلَّا حَقًّا عِنْدَهُ وَاحْتَجَجْت بِحَرْفِ جُمْلَةٍ خُبِرَ فيه أَنَّ غَيْرَهُ قد خَالَفَهُ فيه مع أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فيه أَثْبَتُ من أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُمَا إلَى شَيْءٍ قال أَفَيَجُوزُ أَنَّ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا يَعْنِي غير أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت نعم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ يَزِيدَ بن مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَهُ قال فَكَيْفَ لم يُعْطِهِمْ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى قُلْت فَأَعْطَى عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ قال لَا أَرَاهُ إلَّا قد فَعَلَ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَرَاهُ قد فَعَلَ في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى قال أَرَاهُ ليس بِيَقِينٍ قُلْت أَفَتُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ حتى تَتَيَقَّنَ أَنْ قد أَعْطَاهُمُوهُ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ قال لَا قُلْت وَلَوْ قال عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لَا أُعْطِيهُمُوهُ وَلَيْسَ لهم كان عَلَيْنَا أَنْ نُعْطِيهُمُوهُ إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ قال نعم قُلْت وَتُخَالِفُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في حُكْمٍ لو حَكَمَ بِهِ لم يُخَالِفْهُ فيه غَيْرُهُ قال نعم وهو رَجُلٌ من التَّابِعِينَ لَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هو كَأَحَدِنَا قُلْت فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِالتَّوَهُّمِ عنه وهو عِنْدَك هَكَذَا قال فَعَرَضْت بَعْضَ ما حَكَيْت مِمَّا كَلَّمْت بِهِ من كَلَّمَنِي في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى
____________________

(4/152)


على عَدَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ من أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَكُلُّهُمْ قال إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيء فَالْفَرْضُ من اللَّهِ عز وجل على خَلْقِهِ اتِّبَاعُهُ وَالْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ فيه وَمَنْ عَارَضَهُ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ عن غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ مخطيء ( ( ( مخطئ ) ) ) ثُمَّ إذَا كان معه كِتَابُ اللَّهِ عز وجل فَذَلِكَ أَلْزَمُ له وَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْتَجَّ أَحَدٌ معه وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى ثَابِتٌ في الْكِتَابِ وَالسَّنَة - * الْخُمُسُ فِيمَا لم يُوجَفْ عليه - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَخَذَ الْوُلَاةُ من الْمُشْرِكِينَ من حزيتهم ( ( ( جزيتهم ) ) ) وَالصُّلْحُ عن أَرْضِهِمْ وما أُخِذَ من أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ صَالَحُوا بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ لَا وَارِثَ له وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَالْخُمُسُ في جَمِيعِهِ ثَابِتٌ فيه وهو على ما قَسَمَهُ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ قَسَمَهُ له من أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عليه من الْغَنِيمَةِ وَهَذَا هو الْمُسَمَّى في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لي قَائِلٌ قد احْتَجَجْت بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى عَامَ خَيْبَرَ ذَوِي الْقُرْبَى وَخَيْبَرَ مِمَّا أَوْجَفَ عليه فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ لهم مِمَّا لم يُوجَفْ عليه فَقُلْت له وَجَدْت الْمَالَيْنِ أُخِذَا من الْمُشْرِكِينَ وَخَوَّلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ حَكَمَ في خُمُسِ الْغَنِيمَةِ بِأَنَّهُ على خَمْسَةٍ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لِلَّهِ } مِفْتَاحُ كَلَامِ كل شَيْءٍ وَلَهُ الْأَمْرُ من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فَأَنْفَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ فَلَا يَشُكُّ أَنَّهُ قد أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ حَقَّهُمْ وَأَنَّهُ قد انْتَهَى إلَى كل ما أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ فلما وَجَدْت اللَّهَ عز وجل قد قال في سُورَةِ الْحَشْرِ { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } الْآيَةَ فَحَكَمَ فيها حُكْمَهُ فِيمَا أُوجِفَ عليه بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ ذلك الْحُكْمَ على خُمُسِهَا عَلِمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَمْضَى لمن ( ( ( لكن ) ) ) جَعَلَ اللَّهُ له شيئا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ له وَإِنْ لم نُثْبِتْ فيه خَبَرًا عنه كَخَبَرِ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عنه في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى من الْمُوجَفِ عليه كما عَلِمْت أَنْ قد أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ فِيمَا أُوجِفَ عليه مِمَّا جُعِلَ لهم بِشَهَادَةٍ أَقْوَى من خَبَرِ رَجُلٍ عن رَجُلٍ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَدَّى إلَيْهِ رَسُولُهُ كما أَوْجَبَ عليه أَدَاءَهُ وَالْقِيَامَ بِهِ فقال لي قَائِلٌ فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ الْخُمُسَ فِيمَا أَوْجَفَ عليه على خَمْسَةٍ وَجَعَلَ الْكُلَّ فِيمَا لَا يُوجَفُ عليه على خَمْسَةٍ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا لِلْخَمْسَةِ الْخُمُسُ لَا الْكُلُّ فَقُلْت له ما أَبْعَدَ ما بَيْنَك وَبَيْنَ من يُكَلِّمُنَا في إبْطَالِ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى أنت تُرِيدُ أَنْ تُثْبِتَ لِذِي الْقُرْبَى خُمُسَ الْجَمِيعِ مِمَّا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَغَيْرُك يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ عَنْهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ قال إنَّمَا قَصَدْت في هذا قَصْدَ الْحَقِّ فَكَيْفَ لم تَقُلْ بِمَا قُلْت بِهِ وَأَنْتَ شَرِيكِي في تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَك فِيمَا زَادَ لِذِي الْقُرْبَى فَقُلْت له إنَّ حَظِّي فيه لَا يَدْعُونِي أَنْ أَذْهَبَ فيه إلَى ما يَعْلَمُ اللَّهُ عز وجل أَنِّي أَرَى الْحَقَّ في غَيْرِهِ قال فما دَلَّك على أَنَّهُ إنَّمَا هو لِمَنْ له خُمُسُ الْغَنِيمَةِ الْمُوجَفُ عليها خُمُسُ الْفَيْءِ الذي لم يُوجَفْ عليه دُونَ الْكُلِّ قُلْت أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ قال كانت بَنُو النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ مِمَّا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فقال لَسْت أَنْظُرُ إلَى الْأَحَادِيثِ وَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِنَا وَلَوْ نَظَرْت إلَى الحديث كان هذا الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أنها لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً فَقُلْت له هذا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ إنَّمَا يَعْنِي لرسول ( ( ( رسول ) ) ) اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما كان يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ قال فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ على أَنَّ الْكُلَّ ليس لِأَهْلِ الْخُمُسِ مِمَّا
____________________

(4/153)


أُوجِفَ عليه قُلْت نعم قال فَالْخَبَرُ أنها لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً فما دَلَّ على الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ معه قُلْت لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ التي كانت تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا أُوجِفَ عليه لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْخُمُسِ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقُومُ فيها مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْحَشْرِ { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } الْآيَةَ على أَنَّ لهم الْخُمُسَ وَأَنَّ الْخُمُسَ إذَا كان لهم وَلَا يُشَكُّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَلَّمَهُ لهم فَاسْتَدْلَلْنَا إذ كان حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْأَنْفَالِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فأن لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةُ فَاتَّفَقَ الْحُكْمَانِ في سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ وَإِنَّمَا لهم من ذلك الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ فقال فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لهم مِمَّا لم يُوجَفْ عليه الْكُلُّ قُلْت نعم فَلَهُمْ الْكُلُّ وَنَدَعُ الْخَبَرَ قال لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا تَرْكُ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ يَدُلُّ على مَعْنَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فقال لي قَائِلٌ غَيْرُهُ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ ثَابِتٌ في الْجِزْيَةِ وما أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَذَكَرْت له الْآيَةَ في الْحَشْرِ قال فَأُولَئِكَ أُوجِفَ عليهم بِلَا خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَأَعْطَوْهُ بِشَيْءٍ أَلْقَاهُ اللَّهُ عز وجل في قُلُوبِهِمْ قُلْت أَرَأَيْت الْجِزْيَةَ التي أَعْطَاهَا من أُوجِفَ عليه بِلَا خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لَمَّا كان أَصْلُ إعْطَائِهَا منهم لِلْخَوْفِ من الْغَلَبَةِ وقد سَيَّرَ إلَيْهِمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَأَعْطَوْا فيها أَهِيَ أَقْرَبُ من الْإِيجَافِ أَمْ من أَعْطَى بِأَمْرٍ لم يُسَيَّرْ إلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ قال نعم قُلْت فإذا كان حُكْمُ اللَّهِ فِيمَا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ حتى يَكُونَ مَأْخُوذًا مِثْلَ صُلْحٍ لَا مِثْلَ ما أُوجِفَ عليه بِغَيْرِ صُلْحٍ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ سَمَّى كَيْفَ لم تَكُنْ الْجِزْيَةُ وما أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مُشْرِكٍ بِهَذِهِ الْحَالِ قال فَهَلْ من دَلَالَةٍ غَيْرُ هذا قُلْت في هذا كِفَايَةٌ وفي أَنَّ أَصْلَ ما قَسَمَ اللَّهُ من الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ الصَّدَقَاتُ وَهِيَ ما أُخِذَ من مُسْلِمٍ فَتِلْكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وما غُنِمَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَتِلْكَ على ما قَسَمَ اللَّهُ عز وجل وَالْفَيْءُ الذي لَا يُوجَفُ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَهَلْ تَعْلَمُ رَابِعًا قال لَا قُلْت فَبِهَذَا قُلْنَا الْخُمُسُ ثَابِتٌ لِأَهْلِهِ في كل ما أُخِذَ من مُشْرِكٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو ما أُخِذَ منه أَبَدًا أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً أو فَيْئًا وَالْفَيْءُ ما رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى على أَهْلِ دِينِهِ - * كَيْفَ يُفَرَّقُ ما أُخِذَ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ ما في الْبُلْدَانِ من الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ من قد احْتَلَمَ أو قد اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ من الرِّجَالِ ويحصى الذُّرِّيَّةَ وَهُمْ من دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالنِّسَاءَ صَغِيرَهُنَّ وَكَبِيرَهُنَّ وَيَعْرِفَ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وما يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ في مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ في بُلْدَانِهِمْ ثُمَّ يعطى الْمُقَاتِلَةَ في كل عَامٍّ عَطَاءَهُمْ وَالذُّرِّيَّةُ ما يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ من كِسْوَتِهِمْ وَنَفَقَتِهِمْ طَعَامًا أو قِيمَتِهِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَيُعْطِي الْمَنْفُوسَ شيئا ثُمَّ يُزَادُ كُلَّمَا كَبُرَ على قَدْرِ مُؤْنَتِهِ وَهَذَا يَسْتَوِي في أَنَّهُمْ يُعْطُونَ الْكِفَايَةَ وَيُخْتَلَفُ في مَبْلَغِ الْعَطَايَا بِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ الْبُلْدَانِ وَحَالَاتِ الناس فيها فإن الْمُؤْنَةَ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَثْقَلُ منها في بَعْضٍ ولم أَعْلَمْ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْعَطَاءَ لِلْمُقَاتِلَةِ حَيْثُ كانت إنَّمَا يَكُونُ من الْفَيْءِ وَقَالُوا في إعْطَاءِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ من كِفَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بَلَغَ بِالْعَطَاءِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَهِيَ أَكْثَرُ من كِفَايَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَمِنْهُمْ من قال خَمْسَةُ آلَافٍ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يغزي إذَا غَزَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ من الْكِفَايَةِ إذَا غَزَا عليها لِبُعْدِ الْمَغْزَى وقال هِيَ كَالْكِفَايَةِ على أَنَّهُ يغزي وَإِنْ لم يَغْزُ في كل سَنَةٍ وَقَالُوا وَيُفْرَضُ لِمَنْ هو أَقْرَبُ لِلْجِهَادِ أو أَرْخَصُ سِعْرِ بَلَدٍ أَقَلَّ ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته في أَنْ ليس لِلْمَمَالِيكِ في الْعَطَاءِ وَلَا للأعراب ( ( ( للأغراب ) ) ) الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَاخْتَلَفُوا في التَّفْضِيلِ على السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ من قال أُسَاوِي بين
____________________

(4/154)


الناس وَلَا أُفَضِّلُ على نَسَبٍ وَلَا سَابِقَةٍ وإن أَبَا بَكْرٍ حين قال له عُمَرُ أَتَجْعَلُ الَّذِينَ جَاهَدُوا في اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ له كَمَنْ إنَّمَا دخل في الْإِسْلَامِ كُرْهًا فقال أبو بَكْرٍ إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ على اللَّهِ عز وجل وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ وَخَيْرُ الْبَلَاغِ أو سعه وَسَوَّى عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ بين الناس فلم يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلِمْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَهَذَا الذي أَخْتَارُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت قَسْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ في الْمَوَارِيثِ على الْعَدَدِ وقد تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءَ على الْمَيِّتِ وَالصِّلَةِ في الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَفْضُلُونَ وَقِسْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ على الْعَدَدِ وَمِنْهُمْ من يغني غَايَةَ الْغِنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ علي يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ من يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرُ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَرَرٌ بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فلما وَجَدْت السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ بِالْحُضُورِ وَسَوَّى بين الْفُرْسَانِ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالرَّجَّالَةِ وَهُمْ يَتَفَاضَلُونَ كما وَصَفْت كانت التَّسْوِيَةُ أَوْلَى عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من التَّفْضِيلِ على نَسَبٍ وَسَابِقَةٍ وَلَوْ وَجَدْت الدَّلَالَةَ على التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ أو سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلَالَةِ من الْهَوَاءِ في التَّفْضِيلِ أَسْرَعَ وَلَكِنِّي أَقُولُ يُعْطُونَ على ما وَصَفْت وإذا قَرُبَ الْقَوْمُ من الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ ما يعطي من بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلَا سِعْرُهُ وَهَذَا وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ من التَّسْوِيَةِ على مَعْنَى ما يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ في الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا أَغَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ في إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ فإذا أَغْزَى الْبَعِيدَ أَغْزَاهُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ من مُجَاهِدِهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثُرَ من قُرْبِهِمْ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ من مُجَاهِدِهِمْ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هذا - * إعْطَاءُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في إعْطَاءِ من دُونَ الْبَالِغِينَ من الذُّرِّيَّةِ وَإِعْطَاءِ نِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ من قال يُعْطُونَ معا من الْفَيْءِ وَأَحْسِبُ من حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ الْفَيْءَ وَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ كنا لم نُعْطِهِمْ ما يَكْفِيهِمْ وَإِنْ أَعْطَيْنَا رِجَالَهُمْ الْكِفَايَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ عِيَالِهِمْ وَلَيْسَ في إعْطَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ كِفَايَةُ ما يَلْزَمُهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لم نُعْطِهِمْ كمال الْكِفَايَةِ من الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال إذَا كان أَصْلُ الْمَالِ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَصَدَقَةً فَالْفَيْءُ لِمَنْ قَاتَلَ عليه أو من سَوَّى مَعَهُمْ في الْخُمُسِ وَالصَّدَقَةُ لِمَنْ لَا يُقَاتِلُ من ذُرِّيَّةٍ وَنِسَاءٍ وَلَيْسُوا بِأَوْلَى بِذَلِكَ من ذُرِّيَّةِ الأعراب ( ( ( الأغراب ) ) ) وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ من الْفَيْءِ إذْ لَا يُقَاتِلُونَ عليه * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ في هذا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أو مُنِعَهُ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ * أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن مَالِكِ بن أَوْسٍ عن عُمَرَ نَحْوَهُ وقال لَئِنْ عِشْت لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ بسر ( ( ( بسرا ) ) ) وَحَمِيرَ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ منها أَنْ يَقُولَ ليس أَحَدٌ يعطى بِمَعْنَى حَاجَةٍ من أَهْلِ الصَّدَقَةِ أو بِمَعْنَى أَنَّهُ من أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ إلا وَلَهُ حَقٌّ في مَالِ الْفَيْءِ أو الصَّدَقَةِ وَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى مَعَانِيهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ قد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الصَّدَقَةِ ( لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ ) وقال لِرَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ ( إنْ شِئْتُمَا إنْ قُلْتُمَا نَحْنُ مُحْتَاجُونَ أَعْطَيْتُكُمَا إذَا كُنْت لَا أَعْرِفُ عِيَالَكُمَا وَلَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ ) وَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ عن أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَا يُعْطُونَ من الْفَيْءِ وَلَوْ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( إلَّا وَلَهُ في هذا الْمَالِ ) يَعْنِي الْفَيْءَ حَقٌّ كنا خَالَفْنَا ما لَا نَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ ليس لِمَنْ أعطى من الصَّدَقَةِ ما يَكْفِيهِ وَلَا لِمَنْ كان غَنِيًّا من أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ منهم في الْفَيْءِ نَصِيبٌ وَلَوْ قُلْنَا يَعْنِي عُمَرَ إلَّا له في هذا الْمَالِ حَقُّ مَالِ الصَّدَقَاتِ كنا قد خَالَفْنَا ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ
____________________

(4/155)


وما لَا نَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ ليس لِأَهْلِ الْفَيْءِ من الصَّدَقَةِ نَصِيبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْلُ الْفَيْءِ كَانُوا في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَعْزِلٍ عن الصَّدَقَةِ وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عن الْفَيْءِ قال وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ من الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال عُرِضْتُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عليه عَامَ الْخَنْدَقِ وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي قال نَافِعٌ فَحَدَّثْت بهذا الحديث عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فقال هذا الْفَرْقُ بين الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَكَتَبَ في أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ في الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لم يَبْلُغْهَا في الذُّرِّيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كان الْمُسْتَكْمِلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَعْمَى لَا يَقْدِرُ على الْقِتَالِ أَبَدًا أو مَنْقُوصَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ على الْقِتَالِ أَبَدًا لم يُفْرَضْ له فَرْضُ الْمُقَاتِلَةِ وأعطى بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ في الْمُقَامِ وَالْكِفَايَةُ في الْمُقَامِ شَبِيهٌ بِعَطَاءِ الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ في الْقِتَالِ لِلسَّفَرِ وَالْمُؤْنَةِ أَكْثَرُ وَكَذَلِكَ لو كان سَالِمًا في الْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ عَمِيَ أو أَصَابَهُ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ معه أَبَدًا صُيِّرَ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكِفَايَةَ في الْمُقَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا طَوِيلًا قد يُرْجَى بُرْؤُهُ منه أَعْطَاهُ عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ في كل عَامٍ لِلْمُقَاتِلَةِ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَعْطَيْت الذُّرِّيَّةَ على ذلك الْوَقْتِ وإذا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قبل أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أَعْطَى وَرَثَتَهُ عَطَاءَهُ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ الذي فيه عَطَاؤُهُ لِذَلِكَ الْعَامِ إلَى الْوَالِي لم تُعْطَ وَرَثَتُهُ عَطَاءَهُ وَإِنْ فَضَلَ من الْمَالِ فَضْلٌ بعد ما وَصَفْت من إعْطَاءِ الْعَطَاءِ وَضَعَهُ الْإِمَامُ في إصْلَاحِ الْحُصُونِ والإزدياد في السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلِّ ما قَوَّى بِهِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لهم فَرْقُ ما بَقِيَ منه بَيْنَهُمْ كُلُّهُ على قَدْرِ ما يَسْتَحِقُّونَ في ذلك الْمَالِ وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عن مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ بَالِغًا ما بَلَغَ لم يَحْبِسْ عَنْهُمْ منه شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُعْطَى من الْفَيْءِ رِزْقُ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَحْدَاثِ وَالصِّلَاتِ بِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلِّ من قام بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ من وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عنه رِزْقَ مِثْلِهِ فَإِنْ وَجَدَ من يغني غَنَاءَهُ وَيَكُونُ أَمِينًا كهو ( ( ( كما ) ) ) يَلِي له بِأَقَلَّ مِمَّا ولى لم ( ( ( ولم ) ) ) يَزِدْ أَحَدًا على أَقَلِّ ما يُحْدِثُهُ أَهْلُ الْغَنَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي من رَعِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ من مَالِهِ لَا يعطي منه على الْغَنَاءِ على الْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ ما يَقْدِرُ عليه قال وَإِنْ ولى أَحَدٌ على أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كان رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ منها لِأَنَّ له فيها حَقًّا وَلَا يُعْطَى من الْفَيْءِ عليها كما لَا يُعْطَى من الصَّدَقَاتِ على الْفَيْءِ وَلَا يُرْزَقُ من الْفَيْءِ على وِلَايَةِ شَيْءٍ إلَّا ما لَا صَلَاحَ فَلَا يَدْخُلُ الْأَكْثَرُ فِيمَنْ يَرْزُقُهُ على الْفَيْءِ وهو يُغْنِيهِ الْأَقَلُّ وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عن أَهْلِهِ آسَى بَيْنَهُمْ فيه - * الْخِلَافُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ في قَسْمِ الْفَيْءِ فَذَهَبُوا بِهِ مَذَاهِبَ لَا أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا وَلَا أَحْفَظُ أَيُّهُمْ قال ما أَحْكِي من الْقَوْلِ دُونَ من خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي ما حَضَرَنِي من مَعَانِي كل من قال في الْفَيْءِ شيئا فَمِنْهُمْ من قال هذا الْمَالُ لِلَّهِ دَلَّ على من يُعْطَاهُ فإذا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَأَعْطَاهُ فَفَرَّقَهُ في جَمِيعِ من سَمَّى له على قَدْرِ ما يَرَى من اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْعَطَاءِ فَذَلِكَ تَسْوِيَةٌ إذَا كان ما يعطى كُلَّ وَاحِدٍ منهم لِسَدِّ خُلَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ صِنْفًا منهم وَيَحْرِمَ صِنْفًا وَمِنْهُمْ من قال إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ وَنَظَرَ في مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَى أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ الصِّنْفُ الذي يَصْرِفُهُ إلَيْهِ لَا يَسْتَغْنِي عن شَيْءٍ مِمَّا يَصْرِفُ إلَيْهِ كان أَرْفَقَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَهُ وَإِنْ حَرَمَ غَيْرَهُ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الذي يقول هذا إنْ طَلَبَ الْمَالَ صِنْفَانِ فَكَانَ إذَا حَرَمَهُ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ تَمَاسَكَ ولم يُدْخِلْ عليه خَلَّةً مُضِرَّةً وَإِنْ آسَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الْآخَرِ كانت على الصِّنْفِ الْآخَرِ مَضَرَّةٌ
____________________

(4/156)


أَعْطَاهُ الذي فِيهِمْ الْخَلَّةُ الْمُضِرَّةُ كُلَّهُ إذَا لم يَسُدَّ خَلَّتَهُمْ غَيْرُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُتَمَاسِكِينَ كُلَّهُ ثُمَّ قال بَعْضُ من قَالَهُ إذَا صَرَفَ مَالَ الْفَيْءِ إلَى نَاحِيَةٍ فَسَدَّهَا وَحَرَمَ الْأُخْرَى ثُمَّ جاء مَالٌ آخَرُ أَعْطَاهَا دُونَ النَّاحِيَةِ التي سَدّهَا فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ أَهْلَ الْخَلَّةِ وَأَخَّرَ غَيْرَهُمْ حتى أَفَاءَهُمْ بَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا منهم قال يعطى من يعطى من الصَّدَقَاتِ وَلَا يُجَاهِدُ من الْفَيْءِ شيئا وقال بَعْضُ من أَحْفَظُ عنه فَإِنْ أَصَابَتْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ سَنَةٌ تُهْلِكُ أَمْوَالَهُمْ أَنْفَقَ عليهم من الْفَيْءِ فإذا اسْتَغْنَوْا مُنِعُوا من الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال في مَالِ الصَّدَقَاتِ هذا الْقَوْلَ يَزِيدُ بَعْضُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ على بَعْضٍ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَحْفَظُهُ عَمَّنْ أَرْضَى ممن ( ( ( عمن ) ) ) سَمِعْت منه مِمَّنْ لَقِيت أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْمَالَ إذَا اجْتَمَعَ وَلَكِنْ يُقْسَمُ فإذا كانت نَازِلَةً من عَدُوٍّ وَجَبَ على الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بها وَإِنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ في دَارِهِمْ وَجَبَ النغير ( ( ( النفير ) ) ) على جَمِيعِ من غَشِيَهُ من الرِّجَالِ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ أخبرنا من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه بِمَا أُصِيبَ بِالْعِرَاقِ قال له صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ أَلَا أُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ قال لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يؤوي ( ( ( يؤدى ) ) ) تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حتى أَقْسِمَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ في الْمَسْجِدِ وَوُضِعَتْ عليه الْأَنْطَاعُ وَحَرَسَهُ رِجَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فلما أَصْبَحَ غَدَا مع الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ أَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أو أَحَدُهُمَا أَخَذَ بيده فلما رَأَوْهُ كَشَطُوا الْأَنْطَاعَ عن الْأَمْوَالِ فَرَأَى مَنْظَرًا لم يَرَ مثله رَأَى الذَّهَبَ فيه وَالْيَاقُوتَ وَالزَّبَرْجَدَ وَاللُّؤْلُؤَ يَتَلَأْلَأُ فَبَكَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فقال له أَحَدُهُمَا وَاَللَّهِ ما هو بِيَوْمِ بُكَاءٍ وَلَكِنَّهُ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ فقال إنِّي وَاَللَّهِ ما ذَهَبْت حَيْثُ ذَهَبْت وَلَكِنَّهُ وَاَللَّهِ ما كَثُرَ هذا في قَوْمٍ قَطُّ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ على الْقِبْلَةِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وقال ( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا ) فَإِنِّي أَسْمَعُك تَقُولُ { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } الْآيَةَ ثُمَّ قال أَيْنَ سُرَاقَةُ بن جَعْشَمٍ فَأُتِيَ بِهِ أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقَهُمَا فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى فقال ألبسهما فَفَعَلَ فقال اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بن هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بن جَعْشَمٍ أَعْرَابِيًّا من بَنِي مُدْلِجٍ وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذلك بعصا ( ( ( بعضا ) ) ) ثُمَّ قال إنَّ الذي أَدَّى هذا لَأَمِينٌ فقال له رَجُلٌ أنا أُخْبِرُك أنت أَمِينُ اللَّهِ وَهُمْ يُؤَدُّونَ إلَيْك ما أَدَّيْت إلَى اللَّهِ عز وجل فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا قال صَدَقْتَ ثُمَّ فَرَّقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إلَى ذِرَاعَيْهِ ( كَأَنِّي بِك وقد لَبِسْت سِوَارَيْ كِسْرَى ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَجْعَلْ له إلَّا سِوَارَيْنِ * أخبرنا الثِّقَةُ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ قال أَنْفَقَ عُمَرُ على أَهْلِ الرَّمَادَةِ حتى وَقَعَ مَطَرٌ فَتُرَحَّلُوا فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَاكِبًا فَرَسًا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ بِظَعَائِنِهِمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فقال له رَجُلٌ من بَنِي مُحَارِبَ بن خَصْفَةَ أَشْهَدُ أنها انْحَسَرَتْ عَنْك وَلَسْت بِابْنِ أَمَةٍ فقال له وَيْلَك ذَاكَ لو كُنْت أَنْفَقْت عليهم من مَالِي وَمَالِ الْخَطَّابِ إنَّمَا أَنْفَقْت عليهم من مَالِ اللَّهِ عز وجل - * ما لم يُوجَفْ عليه من الْأَرْضِينَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ ما صَالَحَ عليه الْمُشْرِكُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْفَيْءِ يُقْسَمُ على قَسْمِ الْفَيْءِ فَإِنْ كَانُوا ما صَالَحُوا عليه أَرْضٌ وَدُورٌ فَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ تُسْتَغَلُّ وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ غَلَّهَا في كل عَامٍ ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا وَأَحْسِبُ ما تَرَكَ عُمَرُ من بِلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا أو شيئا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ من ظَهَرُوا عليه بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ كما اسْتَطَابَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ وَحَدِيثُ جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ عن عُمَرَ أَنَّهُ عَوَّضَهُ من حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَةً من حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا من أَبِيهَا كَالدَّلِيلِ على ما قُلْت وَيُشْبِهُ
____________________

(4/157)


قَوْلَ جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ عن عُمَرَ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) لَتَرَكْتُكُمْ على ما قُسِمَ لَكُمْ أَنْ يَكُونَ قُسِمَ لهم بِلَادُ صُلْحٍ مع بِلَادِ إيجَافٍ فَرَدَّ قَسْمَ الصُّلْحِ وَعَوَّضَ من بِلَادِ الْإِيجَافِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ - * بَابُ تَقْوِيمِ الناس في الدِّيوَانِ على مَنَازِلِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى } الْآيَةَ وروى عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ على كل عَشْرَةٍ عَرِيفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا وَعَقَدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَلْوِيَةَ عَامَ الْفَتْحِ فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً حتى جَعَلَ في الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ هذا لِيَتَعَارَفَ الناس في الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَتَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عليهم بِاجْتِمَاعِهِمْ وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ لِأَنَّ في تَفْرِيقِهِمْ إذَا أُرِيدَ وَالْأَمْرُ مُؤْنَةٌ عليهم وَعَلَى وَالِيهِمْ وَهَكَذَا أَحَبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ على الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ على من غَابَ عنه وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ من أَهْلِ الْفَضْلِ من قَبَائِلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ من قَبَائِلِ قُرَيْشٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ في زَمَانِهِ أَجْمَعَ على تَدْوِينِ الدِّيوَانِ فَاسْتَشَارَ فقال بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ فقال له رَجُلٌ ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِك قال ذَكَّرْتُمُونِي بَلْ أَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ قال بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ قِيلَ له ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم * أخبرنا غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ من قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وكان بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ من بَعْضٍ وقد زَادَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الحديث أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدِّيوَانَ قال أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ قال حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُعْطِيهِمْ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فإذا كانت السِّنُّ في الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ على الْمُطَّلِبِيِّ وإذا كانت في الْمُطَّلِبِيِّ قَدَّمَهُ على الْهَاشِمِيِّ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ على ذلك وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ له بَنُو عبد شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ في جَذْمِ النَّسَبِ فقال عبد شَمْسٍ إخْوَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ فَقَدَّمَهُمْ ثُمَّ دَعَا بَنِي نَوْفَلٍ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ له عبد الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ فقال في بَنِي أَسَدِ بن عبد الْعُزَّى أَصْهَارُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ من الْمُطَيِّبِينَ وقال بَعْضُهُمْ وَهُمْ من حِلْفِ الْفُضُولِ وَفِيهِمْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد قِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ على بَنِي عبد الدَّارِ ثُمَّ دَعَا بَنِي عبد الدَّارِ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدَتْ له زَهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ ثُمَّ اسْتَوَتْ له بَنُو تَيْمٍ وَمَخْزُومٌ فقال في بَنِي تَيْمٍ إنَّهُمْ من حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ وَفِيهِمَا كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً وَقِيلَ ذَكَرَ صِهْرًا فَقَدَّمَهُمْ على مَخْزُومٍ ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ له سَهْمٌ وَجَمَحَ وَعَدِيُّ بن كَعْبٍ فَقِيلَ له ابْدَأْ بِعَدِيٍّ فقال بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْت فإن الْإِسْلَامَ دخل وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا بَنِي سَهْمٍ وَجَمَحَ فَقِيلَ قَدِّمْ بَنِي جُمَحَ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ فقال وكان دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ فلما خَلَصَتْ إلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَوْصَلَ إلى حَظِّي من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ دَعَا بَنِي عَامِرِ بن لُؤَيٍّ فقال بَعْضُهُمْ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ لَمَّا رَأَى من تَقَدَّمَ عليه قال أَكُلَّ هَؤُلَاءِ تَدْعُو أَمَامِي فقال يا أَبَا عُبَيْدَةَ اصْبِرْ كما صَبَرْت أو كَلِّمْ قَوْمَك فَمَنْ قَدَّمَك منهم على نَفْسِهِ لم أَمْنَعْهُ فَأَمَّا أنا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُك إنْ أَحْبَبْت على أَنْفُسِنَا قال فَقَدَّمَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ بَنِي الحرث بن فِهْرٍ فَفَصَلَ بِهِمْ بين بَنِي عبد مَنَافٍ وَأَسَدِ بن عبد الْعُزَّى وَشَجَرَ بين بَنِي سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ في زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا على سَهْمٍ وَجَمَحَ لِلسَّابِقَةِ فِيهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَرَغَ
____________________

(4/158)


من قُرَيْشٍ قُدِّمَتْ الْأَنْصَارُ على قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا لِمَكَانِهِمْ من الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الناس عِبَادُ اللَّهِ فَأَوْلَاهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ بِخِيَرَةِ اللَّهِ لِرِسَالَتِهِ وَمُسْتَوْدَعِ أَمَانَتِهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ فَرَضَ له الْوَالِي من قَبَائِلِ الْعَرَبِ رَأَيْت أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ منهم بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّسَبِ فإذا اسْتَوَوْا قُدِّمَ أَهْلُ السَّابِقَةِ على غَيْرِ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِمَّنْ هُمْ مِثْلُهُمْ في الْقَرَابَةِ (1) * * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ ثُمَّ أَبَانَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ خِيرَتَهُ من خَلْقِهِ أَنْبِيَاؤُهُ فقال تَبَارَكَ اسْمُهُ { كان الناس أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ صلى اللَّهُ عليهم وسلم من أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ على وَحْيِهِ وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ من خَاصَّتِهِ صَفْوَتَهُ فقال جَلَّ وَعَزَّ { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ } فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ فقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاِتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بن إبْرَاهِيمَ فقال عز ذِكْرُهُ { وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كان صَادِقَ الْوَعْدِ وكان رَسُولًا نَبِيًّا } ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عز وجل على آلِ إبْرَاهِيمَ وَعِمْرَانَ في الْأُمَمِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا من بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اصْطَفَى اللَّهُ عز وجل سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم من خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قبل إنْزَالِهِ الْفُرْقَانَ على مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ وَفَضِيلَةِ من اتَّبَعَهُ بِهِ فقال عز وجل { مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ معه أَشِدَّاءُ على الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } الْآيَةُ وقال لِأُمَّتِهِ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَفَضِيلَتُهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ من أُمَّتِهِ دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ فقال { يا أَهْلَ الْكِتَابِ قد جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ من الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جَاءَنَا من بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } وقال { هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا منهم يَتْلُو عليهم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وكان في ذلك ما دَلَّ على أَنَّهُ بَعَثَ إلَى خَلْقِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أو أُمِّيِّينَ وَأَنَّهُ فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ فقال عز وجل { ما كان مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ من رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وَقَضَى أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ على الْأَدْيَانِ فقال عز وجل { هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } وقد وَصَفْنَا بَيَانَ كَيْفَ يُظْهِرُهُ على الدِّينِ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ وَالْفَرْضُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ على الناس - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْزَلَ عليه فَرَائِضَهُ كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ منها فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ في حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عليه { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ } ثُمَّ أَنْزَلَ عليه بَعْدَهَا ما لم يُؤْمَرْ فيه بِأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ عن اللَّهِ
____________________
1- * كِتَابُ الْجِزْيَةِ

(4/159)


عز وجل بِأَنْ يُعَلِّمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عليه وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَكَبُرَ ذلك عليه وَخَافَ التَّكْذِيبَ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ فَنَزَلَ عليه { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْك من رَبِّك وَإِنْ لم تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُك من الناس } فقال يَعْصِمُك من قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوك حين تُبَلِّغُ ما أُنْزِلَ إلَيْك ما ( ( ( فلما ) ) ) أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ فَنَزَلَ عليه { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عن الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ } قال الشَّافِعِيُّ وَأَعْلَمَهُ من عَلِمَهُ منهم أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فقال { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَك حتى تَفْجُرَ لنا من الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أو تَكُونَ لَك جَنَّةٌ من نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالهَا تَفْجِيرًا } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { بَشَرًا رَسُولًا } قال الشَّافِعِيُّ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ من أَذَاهُمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّك يَضِيقُ صَدْرُك بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك } إلَى آخِرِ السُّورَةِ فَفَرَضَ عليه إبْلَاغَهُمْ وَعِبَادَتَهُ ولم يَفْرِضْ عليه قِتَالَهُمْ وَأَبَانَ ذلك في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ ولم يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ وَأَنْزَلَ عليه { قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ } وَقَوْلُهُ { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عليه ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { ما على الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } مع أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ في الْقُرْآنِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ عز وجل بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ فقال عز وجل { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةُ مع ما يُشْبِهُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ هذا في الْحَالِ التي فَرَضَ فيها عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ فقال { وإذا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } مِمَّا فَرَضَ عليه فقال { وقد نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بها وَيُسْتَهْزَأُ بها } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } - * الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ زَمَانًا لم يُؤْذَنْ لهم فيه بِالْهِجْرَةِ منها ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل لهم بِالْهِجْرَةِ وَجَعَلَ لهم مَخْرَجًا فَيُقَالُ نَزَلَتْ { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ له مَخْرَجًا } فَأَعْلَمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ قد جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لهم بِالْهِجْرَةِ مَخْرَجًا وقال وَمَنْ { يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } الْآيَةَ وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا منهم طَائِفَةٌ ثُمَّ دخل أَهْلُ الْمَدِينَةِ في الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ غير مُحَرِّمٍ على من بَقِيَ تَرْكَ الْهِجْرَةِ إلَيْهِمْ وَذَكَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وقال { وَلَا يَأْتَلِ أولوا ( ( ( أولو ) ) ) الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى في سَبِيلِ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ ولم يُحَرِّمْ في هذا على من بَقِيَ بِمَكَّةَ الْمُقَامَ بها وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا ولم يَأْذَنْ لهم بِجِهَادٍ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل لهم بِالْجِهَادِ ثُمَّ فُرِضَ بَعْدَ هذا عليهم أَنْ يُهَاجِرُوا من دَارِ الشِّرْكِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَذِنَ لهم بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ قبل أَنْ يُؤْذَنَ لهم بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ ثُمَّ أَذِنَ لهم بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ } الْآيَةُ وَأَبَاحَ لهم الْقِتَالَ بِمَعْنَى أَبَانَهُ في كِتَابِهِ فقال عز وجل { وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ نَزَلَ هذا في أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ على الْمُسْلِمِينَ وَفُرِضَ
____________________

(4/160)


عليهم في قِتَالِهِمْ ما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ يُقَالُ نُسِخَ هذا كُلُّهُ وَالنَّهْيُ عن الْقِتَالِ حتى يُقَاتَلُوا وَالنَّهْيُ عن الْقِتَالِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } الْآيَةُ وَنُزُولُ هذه الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ في مَوْضِعِهَا - * فَرْضُ الْهِجْرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْجِهَادَ على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إذْ كان أَبَاحَهُ وَأَثْخَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ من دخل في دِينِ اللَّهِ عز وجل اشْتَدُّوا على من أَسْلَمَ منهم فَفَتَنُوهُمْ عن دِينِهِمْ أو من فَتَنُوا منهم فَعَذَرَ اللَّهُ من لم يَقْدِرْ على الْهِجْرَةِ من الْمَفْتُونِينَ فقال إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا وَفَرَضَ على من قَدَرَ على الْهِجْرَةِ الْخُرُوجَ إذَا كان مِمَّنْ يُفْتَنُ عن دِينِهِ وَلَا يُمْتَنَعُ ) فقال في رَجُلٍ منهم تُوُفِّيَ تَخَلَّفَ عن الْهِجْرَةِ فلم يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالوا فيم ( ( ( فيما ) ) ) كُنْتُمْ } الْآيَةَ وَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فقال { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } إلَى { رَحِيمًا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ { عَسَى } من اللَّهِ وَاجِبَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ على من أَطَاقَهَا إنَّمَا هو على من فُتِنَ عن دِينِهِ بِالْبَلَدِ الذي يُسْلِمُ بها لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بها بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْعَبَّاسُ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَغَيْرُهُ إذْ لم يَخَافُوا الْفِتْنَةَ وكان يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ ( إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابٍ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لهم ) - * أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُدَّةٌ من هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى فيها على جَمَاعَةٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لهم بها مع عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لم تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كان إبَاحَةً لَا فَرْضًا فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئا وهو خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئا وهو شَرٌّ لَكُمْ } وقال عز وجل { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الْآيَةَ وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وقال عز وجل { وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } وقال { فإذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } وقال عز وجل { ما لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ } إلَى { قَدِيرٌ } وقال { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا تَخَلَّفُوا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّنْ كان يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فقال { لو كان عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوك } الْآيَةَ فَأَبَانَ في هذه الْآيَةِ أَنَّ عليهم الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ بَعْدَ إبَانَتِهِ ذلك في غَيْرِ مَكَان في قَوْلِهِ { ذلك بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { أَحْسَنَ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَسَنُبَيِّنُ من ذلك ما حَضَرَنَا على وَجْهِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رسول اللَّهِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وقال { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وقال { وما لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ } مع ما ذُكِرَ بِهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَأُوجِبَ على الْمُتَخَلِّفِ عنه
____________________

(4/161)


- * من لَا يَجِبُ عليه الْجِهَادُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِهَادَ دَلَّ في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَفْرِضْ الْخُرُوجَ إلَى الْجِهَادِ على مَمْلُوكٍ أو أُنْثَى بَالِغٍ وَلَا حُرٍّ لم يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا } وَقَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ فَكَأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ أَنْ لَا مَالَ لِلْمَمْلُوكِ ولم يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا وَيَكُونُ عليه لِلْجِهَادِ مُؤْنَةٌ من الْمَالِ ولم يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ وقد قال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ فَدَلَّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ الْمُؤْمِنَاتِ وقال عز وجل { وما كان الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } وقال { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } وَكُلُّ هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ وقال عز وجل إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ { وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ } فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ إنَّمَا هو على الْبَالِغِينَ وقال { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } فلم يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَدَلَّ على أَنَّ الْفَرْضَ في الْعَمَلِ إنَّمَا هو على الْبَالِغِينَ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ على مِثْلِ ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ أو عُبَيْدِ اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ ( شَكَّ الرَّبِيعُ ) قال عُرِضْتُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم ( أُحُدٍ ) وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عليه عَامَ ( الْخَنْدَقِ ) وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَهِدَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقِتَالَ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ وَغَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لهم ولم يُسْهِمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ شَهِدُوا معه فَدَلَّ ذلك على أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَدَلَّ ذلك على أَنْ لَا فَرْضَ في الْجِهَادِ على غَيْرِهِمْ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ - * من له عُذْرٌ بِالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ في تَرْكِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل في الْجِهَادِ { ليس على الضُّعَفَاءِ وَلَا على الْمَرْضَى وَلَا على الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ وقال { ليس على الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا على الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا على الْمَرِيضِ حَرَجٌ } قال ( ( ( وقال ) ) ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ الْأَعْرَجُ في الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ في أَنْ لَا حَرَجَ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا وهو أَشْبَهُ ما قالوا وَغَيْرُ مُحْتَمَلٍ غَيْرُهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ في حَدِّ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرُ خَارِجِينَ من فَرْضِ الْحَجِّ وَلَا الصَّلَاةِ وَلَا الصَّوْمِ وَلَا الْحُدُودِ وَلَا يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَّا وَضْعَ الْحَرَجِ في الْجِهَادِ دُونَ غَيْرِهِ من الْفَرَائِضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْغَزْوُ غَزْوَانَ غَزْوٌ يُبْعِدُ عن الْمَغَازِي وهو ما بَلَغَ مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ حَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ وَتُقَدَّمُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ من مَكَّةَ وَغَزْوٌ يَقْرُبُ وهو ما كان دُونَ لَيْلَتَيْنِ مِمَّا لَا تَقْصُرُ فيه الصَّلَاةُ وما هو أَقْرَبُ من الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْغَزْوُ الْبَعِيدُ لم يَلْزَمْ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ إذَا لم يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً وَيَدَعْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قُوَّتَهُ إذَنْ قَدْرَ ما يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ هذا دُونَ بَعْضٍ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى نَزَلَتْ { وَلَا على الَّذِينَ إذَا ما أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عليه تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ من الدَّمْعِ } حَزَنًا الْآيَةَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وُجِدَ هذا كُلُّهُ دخل في جُمْلَةِ من
____________________

(4/162)


يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ تَهَيَّأَ لِلْغَزْوِ ولم يَخْرُجْ أو خَرَجَ ولم يَبْلُغْ مَوْضِعَ الْغَزْوِ أو بَلَغَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ أو صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ في أَيِّ هذه الْمَوَاضِعِ كان فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وقد صَارَ من أَهْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ ثَبَتَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَوَسِعَهُ الثُّبُوتُ وإذا كان مِمَّنْ لم يَكُنْ لهم قُوَّتُهُمْ لم يَحِلَّ له أَنْ يَغْزُوَ على الِابْتِدَاءِ وَلَا يَثْبُتُ في الْغَزْوِ إنْ غَزَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُضَيِّعَ فَرْضًا وَيَتَطَوَّعَ لِأَنَّهُ إذَا لم يَجِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْغَزْوِ وَمَنْ قُلْت له أَنْ لَا يَغْزُوَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا غَزَا بِالْعُذْرِ وكان ذلك له ما لم يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ فإذا الْتَقَيَا لم يَكُنْ له ذلك حتى يَتَفَرَّقَا - * الْعُذْرُ بِغَيْرِ الْعَارِضِ في - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ وَاجِدًا لِمَا يَكْفِيهِ وَمَنْ خَلَفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ لو لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ ولم يَكُنْ له أَبَوَانِ وَلَا وَاحِدٌ من أَبَوَيْنِ يَمْنَعُهُ فَلَوْ كان عليه دَيْنٌ لم يَكُنْ له أَنْ يَغْزُوَ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان يَحْجُبُهُ مع الشَّهَادَةِ عن الْجَنَّةِ الدَّيْنُ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ له الْجِهَادُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كان الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ أو كَافِرٍ وإذا كان يُؤْمَرُ بِأَنْ يُطِيعَ أَبَوَيْهِ أو أَحَدَهُمَا في تَرْكِ الْغَزْوِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا وَالْمُطَاعُ مِنْهُمَا مُؤْمِنٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تَقُولُ لَا تَجِبُ عليه طَاعَةُ أَبَوَيْهِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى يَكُونَ الْمُطَاعُ مُسْلِمًا في الْجِهَادِ ولم تَقُلْهُ في الدَّيْنِ قِيلَ الدَّيْنُ مَالٌ لَزِمَهُ لِمَنْ هو له لَا يَخْتَلِفُ فيه من وَجَبَ له من مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عليه أَدَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِ كما يَجِبُ عليه إلَى الْمُؤْمِنِ وَلَيْسَ يُطِيعُ في التَّخَلُّفِ عن الْغَزْوِ صَاحِبَ الدَّيْنِ بِحَقٍّ يَجِبُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عليه إلَّا بِمَالِهِ فإذا بريء من مَالِهِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَنَهْيُهُ سَوَاءٌ وَلَا طَاعَةَ له عليه لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له عليه بِغَيْرِ الْمَالِ فلما كان الْخُرُوجُ بعرض ( ( ( بغرض ) ) ) إهْلَاكِ مَالِهِ لَدَيْهِ لم يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِ أو بَعْدَ الْخُرُوجِ من دَيْنِهِ وَلِلْوَالِدَيْنِ حَقٌّ في أَنْفُسِهِمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ لِلشَّفَقَةِ على الْوَلَدِ وَالرِّقَّةِ عليه وما يَلْزَمُهُ من مُشَاهَدَتِهِمَا لِبِرِّهِمَا فإذا كَانَا على دِينِهِ فَحَقُّهُمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ وَلَا يَبْرَأُ منه بِوَجْهٍ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاهِدَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وإذا كَانَا على غَيْرِ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ أَهْلَ دِينِهِمَا فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عليه في تَرْكِ الْجِهَادِ وَلَهُ الْجِهَادُ وَإِنْ خَالَفَهُمَا وَالْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْعَهُمَا سُخْطٌ لِدِينِهِ وَرِضًا لِدِينِهِمَا لَا شَفَقَةً عليه فَقَطْ وقد انْقَطَعَتْ الْوِلَايَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا في الدِّينِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من دَلِيلٍ على ما وَصَفْت قِيلَ جَاهَدَ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْجِهَادِ وَأَبُوهُ مُجَاهِدُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَسْت أَشُكُّ في كَرَاهِيَةِ أبيه لِجِهَادِهِ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاهَدَ عبد اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبُوهُ مُتَخَلِّفٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ب أحد ) وَيُخَذِّلُ عنه من أَطَاعَهُ مع غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في كَرَاهَتِهِمْ لِجِهَادِ أَبْنَائِهِمْ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كَانُوا مُخَالِفِينَ مُجَاهِدِينَ له أو مُخَذِّلِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ كان حَقًّا على الْوَلَدِ أَنْ لَا يَغْزُوَ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ يَعْلَمُ من الْوَالِدِ نِفَاقًا فَلَا يَكُونُ له عليه طَاعَةٌ في الْغَزْوِ وَإِنْ غَزَا رَجُلٌ وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ أو هُمَا مُشْرِكَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ عن وَجْهِهِ ما لم يَصِرْ إلَى مَوْضِعٍ لَا طَاقَةَ له بِالرُّجُوعِ منه إلَّا بِخَوْفِ أَنْ يَتْلَفَ وَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَلَوْ فَارَقَ الْمُسْلِمِينَ لم يَأْمَنْ أَنْ يَأْخُذَهُ الْعَدُوُّ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ لِلتَّعَذُّرِ في الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إنْ لم يَكُنْ صَارَ إلَى بِلَادٍ مَخُوفَةٍ إنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فيها خَافَ التَّلَفَ وَهَكَذَا إذَا غَزَا وَلَا دَيْنَ عليه ثُمَّ ادَّانَ فَسَأَلَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرُّجُوعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ سَأَلَهُ أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عليه خَوْفٌ في الطَّرِيقِ وَلَا له عُذْرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعُذْرِ وإذا قُلْت ليس له أَنْ يَرْجِعَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَادِرَ وَلَا يُسْرِعَ في أَوَائِلِ الْخَيْلِ وَلَا الرَّجُلِ وَلَا يَقِفُ
____________________

(4/163)


الْمَوْقِفَ الذي يَقِفُهُ من يَتَعَرَّضُ لِلْقَتْلِ لِأَنَّهُ إذَا نَهَيْته عن الْغَزْوِ لِطَاعَةِ وَالِدَيْهِ أو لِذِي الدَّيْنِ نَهَيْته إذَا كان له الْعُذْرُ عن تَعَرُّضِ الْقَتْلِ وَهَكَذَا أَنْهَاهُ عن تَعَرُّضِ الْقَتْلِ لو خَرَجَ وَلَيْسَ له أَنْ يَخْرُجَ بِخِلَافِ صَاحِبِ دَيْنِهِ وَأَحَدِ أَبَوَيْهِ أو خِلَافِ الذي غَزَا وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ وَصَاحِبُ دَيْنِهِ كَارِهٌ وَلَيْسَ على الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الْغَزْوُ فَإِنْ غَزَا وَقَاتَلَ لم يُعْطَ سَهْمًا وَيُرْضَخُ له ما يُرْضَخُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنْ بَانَ لنا أَنَّهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ من حِينِ يَبِينُ الْغَزْوُ وَلَهُ فيه سَهْمُ رَجُلٍ - * الْعُذْرُ الْحَادِثُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ لِلرَّجُلِ أَبَوَاهُ في الْغَزْوِ فَغَزَا ثُمَّ أَمَرَاهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَّا من عُذْرٍ حَادِثٍ وَالْعُذْرُ ما وَصَفْت من خَوْفِ الطَّرِيقِ أو جَدْبِهِ أو من مَرَضٍ يَحْدُثُ بِهِ لَا يَقْدِرُ معه على الرُّجُوعِ أو قِلَّةِ نَفَقَةٍ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَرْجِعَ يَسْتَقِلُّ مَعَهَا أو ذَهَابُ مَرْكَبٍ لَا يَقْدِرُ على الرُّجُوعِ معه أو يَكُونَ غَزَا بِجُعْلٍ مع السُّلْطَانِ وَلَا يَقْدِرُ على الرُّجُوعِ معه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ من مَالِ رَجُلٍ فَإِنْ غَزَا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَرُدَّ الْجُعْلَ وَإِنَّمَا أَجَزْت له هذا من السُّلْطَانِ أَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ من حَقِّهِ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ في حَالٍ قُلْت عليه فيها الرُّجُوعُ إلَّا في حَالٍ ثَانِيَةٍ أَنْ يَكُونَ يَخَافُ بِرُجُوعِهِ وَرُجُوعِ من هو في حَالِهِ أَنْ يُكْثِرُوا وَأَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ بِخُرُوجِهِمْ يَعْظُمُ الْخَوْفُ فيها عليهم فَيَكُونُ له حَبْسُهُ في هذه الْحَالِ وَلَا يَكُونُ لهم الرُّجُوعُ عليها فإذا زَالَتْ تِلْكَ الْحَالُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ إلَّا من غَزَا منهم بِجُعْلٍ إذَا كان رُجُوعُهُمْ من قِبَلِ وَالِدٍ أو صَاحِبِ دَيْنٍ لَا من عِلَّةٍ بِأَبْدَانِهِمْ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ منهم الرُّجُوعَ لِعِلَّةٍ بِبَدَنِهِ تُخْرِجُهُ من فَرْضِ الْجِهَادِ فَعَلَى السُّلْطَانِ تَخْلِيَتُهُ غَزَا بِجُعْلٍ أو غَيْرِ جُعْلٍ وَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في الْجُعْلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ من حَقِّهِ أَخَذَهُ وهويستوجبه وَحَدَثَ له حَالُ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ يَمْرَضَ أو يُزْمِنَ بِإِقْعَادٍ أو بِعَرَجٍ شَدِيدٍ لَا يَقْدِرُ معه على مَشْيِ الصَّحِيحِ وما أَشْبَهَ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِّي لَأَرَى الْعَرَجَ إذَا نَقَصَ مَشْيُهُ عن مَشْيِ الصَّحِيحِ وَعَدْوُهُ كُلُّهُ عُذْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَلَ عن دَابَّتِهِ أو ذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ خَرَجَ من هذا كُلِّهِ من أَنْ يَكُونَ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ ولم يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ عليه إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ إلَى فَرْضِ الْجِهَادِ بِقِلَّةِ الْوُجُودِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ حتى يَكُونَ وَاجِدًا فَإِنْ فَعَلَهُ حَبَسَهُ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ الِامْتِنَاعُ من الْأَخْذِ منه إلَّا ان يُقِيمَ معه في الْجِهَادِ حتى ينقضى فَلَهُ إذَا فَعَلَ الِامْتِنَاعُ من الْأَخْذِ منه وإذا غَزَا الرَّجُلُ فَذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ أو دَابَّتُهُ فَقَفَلَ ثُمَّ وَجَدَ نَفَقَةً أو فَادَ دَابَّةً فَإِنْ كان ذلك بِبِلَادِ الْعَدُوِّ لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ وكان عليه الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ في رُجُوعِهِ وَإِنْ كان قد فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَالِاخْتِيَارُ له الْعَوْدُ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَلَا يَجِبُ عليه الْعَوْدُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ وهو من أَهْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ كانت تَكُونُ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِ أو كَانُوا جَمَاعَةً أَصَابَهُمْ ذلك وَكَانَتْ تَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ وَعَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَرْجِعَ إذَا كانت كما وَصَفْت إلَّا أَنْ يَخَافَ إذَا تَخَلَّفُوا أَنْ يَقْتَطِعُوا في الرُّجُوعِ خَوْفًا بَيَّنَّا فَيَكُونَ لهم عُذْرٌ بِأَنْ لَا يَرْجِعُوا - * تَحْوِيلُ حَالِ من لَا جِهَادَ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ مِمَّنْ لَا جِهَادَ عليه بِمَا وَصَفْت من الْعُذْرِ أو كان مِمَّنْ عليه جِهَادٌ فَخَرَجَ فيه فَحَدَثَ له ما يَخْرُجُ بِهِ من فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْعُذْرِ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ زَالَتْ الْحَالُ عنه عَادَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى فَذَهَبَ الْعَمَى وَصَحَّ بَصَرُهُ أو إحْدَى عَيْنَيْهِ فَيَخْرُجُ من حَدِّ الْعَمَى أو يَكُونَ أَعْرَجَ فَيَنْطَلِقُ الْعَرَجُ أو مَرِيضًا فَيَذْهَبُ الْمَرَضُ أو لَا يَجِدُ ثُمَّ يَصِيرُ واجدا ( ( ( واحدا ) ) ) أو صَبِيًّا فَبَلَغَ أو مَمْلُوكًا
____________________

(4/164)


فَيُعْتَقُ أو خُنْثَى مُشْكِلًا فَيَبِينُ رَجُلًا لَا يُشْكِلُ أو كَافِرًا فَيُسْلِمُ فَيَدْخُلُ فِيمَنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كان بَلَدُهُ كان كَغَيْرِهِ مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كان قد غَزَا وَلَهُ عُذْرٌ ثُمَّ ذَهَبَ الْعُذْرُ وكان مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ عن الْغَزْوِ دُونَ رُجُوعِ من غَزَا معه أو بَعْضِ الْغُزَاةِ في وَقْتٍ يَجُوزُ فيه الرُّجُوعُ قال وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجَمِّرَ بِالْغَزْوِ فَإِنْ جَمَرَهُمْ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَجُوزُ لِكُلِّهِمْ خِلَافُهُ وَالرُّجُوعُ وَإِنْ أَطَاعَتْهُ منهم طَائِفَةٌ فَأَقَامَتْ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ لم يَكُنْ لهم الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ من تَخَلَّفَ منهم مُمْتَنِعِينَ بِمَوْضِعِهِمْ ليس الْخَوْفُ عليهم بِشَدِيدٍ أَنْ يَرْجِعَ من يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ لِمَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْ يَرْجِعَ وَسَوَاءٌ في ذلك الْوَاحِدُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَالْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قد يَخْلُ بِالْقَلِيلِ وَالْجَمَاعَةُ لَا تَخْلُ بِالْكَثِيرِ وَلِذِي الْعُذْرِ الرُّجُوعُ في كل حَالٍ إذَا جَمَّرَ وَجَوَّزْته قَدْرَ الْغَزْوِ وَإِنْ أَخَلَّ بِمَنْ معه وَكُلُّ مَنْزِلَةٍ قُلْت لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فيها فَعَلَى الْإِمَامِ فيها أَنْ يَأْذَنَ في الْوَقْتِ الذي قُلْت لِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعُ وَيُمْنَعُ في الْوَقْتِ الذي قُلْت ليس لهم فيه الرُّجُوعُ - * شُهُودُ من لَا فَرْضَ عليه الْقِتَالَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ لَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَالِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مَعْذُورُونَ بِمَا وَصَفْت وَضَرْبٌ لَا فَرْضَ عليهم بِحَالٍ وَهُمْ الْعَبِيدُ أو من لم يَبْلُغْ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَالنِّسَاءِ وَلَا يَحْرُمُ على الْإِمَامِ أَنْ يَشْهَدَ معه الْقِتَالَ الصِّنْفَانِ مَعًا وَلَا على وَاحِدٍ من الصِّنْفَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ معه الْقِتَالَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن يَزِيدَ بن هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى بن عَبَّاسٍ يسأله ( ( ( يسأل ) ) ) هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كان يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فقال قد كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ولم يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَلَكِنْ يَحْذِينَ من الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَحْفُوظٌ أَنَّهُ شَهِدَ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقِتَالَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وأحذاهم من الْغَنِيمَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ من ليس عليه فَرْضُ الْجِهَادِ قَوِيًّا كان أو ضَعِيفًا الْقِتَالَ أحذي من الْغَنِيمَةِ كما كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحْذِي النِّسَاءَ وَقِيَاسًا عَلَيْهِنَّ وَخَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا يَبْلُغُ بِحَذِيَّةِ وَاحِدٍ منهم سَهْمَ حُرٍّ وَلَا قَرِيبًا منه وَيُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْحَذِيَّةِ إنْ كان منهم أَحَدٌ له غِنَاءٌ في الْقِتَالِ أو مَعُونَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِأَكْثَرِهِمْ حَذِيَّةً سَهْمَ مُقَاتِلٍ من الْأَحْرَارِ وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ رَجُلٌ حُرٌّ بَالِغٌ له عُذْرٌ في عَدَمِ شُهُودِ الْقِتَالِ من زَمَنٍ أو ضَعْفٌ بِمَرَضٍ أو عَرَضٍ أو فَقِيرٍ مَعْذُورٍ ضُرِبَ له بِسَهْمِ رَجُلٍ تَامٍّ فَإِنْ قال من أَيْنَ ضَرَبْت لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ عليهم فَرْضُ الْقِتَالِ وَلَا لهم غَنَاءٌ بِسَهْمٍ ولم تَضْرِبْ بِهِ لِلْعَبِيدِ وَلَهُمْ غِنَاءٌ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَالْمُرَاهِقِينَ وَإِنْ أَغْنَوْا وَكُلٌّ ليس عليه فَرْضُ الْقِتَالِ قِيلَ له قُلْنَا خَبَرًا وَقِيَاسًا فَأَمَّا الْخَبَرُ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْذَى النِّسَاءَ من الْغَنَائِمِ وكان الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ مِمَّنْ لَا فَرْضَ عليهم وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ على الْقِتَالِ ليس بِعُذْرٍ في أَبْدَانِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ لو أَنْفَقَ عليهم لم يَكُنْ عليهم الْقِتَالُ فَكَانُوا غير أَهْلِ جِهَادٍ بِحَالٍ كما يَحُجُّ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَلَا يُجْزِئُ عنهما من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من أَهْلِ الْفَرْضِ بِحَالٍ وَيَحُجُّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الزَّمِنَانِ اللَّذَانِ لَهُمَا الْعُذْرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ وَالْفَقِيرَانِ الزَّمِنَانِ فَيُجْزِئُ عنهما عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا زَالَ الْفَرْضُ عنهما بِعُذْرٍ في أَبْدَانِهِمَا وَأَمْوَالِهِمَا مَتَى فَارَقَهُمَا ذلك كَانَا من أَهْلِهِ ولم يَكُنْ هَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ في الْحَجِّ قال وَكَذَلِكَ لو لم يَكُونَا كَذَا وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُمَا في الْجِهَادِ وَضَرَبْت
____________________

(4/165)


لِلزَّمِنِ وَالْفَقِيرِ اللَّذَيْنِ لَا غَزْوَ عليهم لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِمَرْضَى وَجَرْحَى وَقَوْمٍ لَا غَنَاءَ لهم على الشُّهُودِ وَأَنَّهُمْ لم يَزَلْ فَرْضُ الْجِهَادِ عليهم إلَّا بِمَعْنَى الْعُذْرِ الذي إذَا زَالَ صَارُوا من أَهْلِهِ فإذا تَكَلَّفُوا شُهُودَهُ كان لهم ما لِأَهْلِهِ - * من ليس لِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ بِحَالٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَزَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَغَزَا معه بَعْضُ من يَعْرِفُ نِفَاقَهُ فَانْخَزَلَ يوم أُحُدٍ عنه بِثَلَثِمِائَةٍ ثُمَّ شَهِدُوا معه يوم الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ عز وجل من قَوْلِهِمْ { ما ( ( ( وما ) ) ) وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } ثُمَّ غَزَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَشَهِدَهَا معه عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى من قَوْلِهِمْ { لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ منها الْأَذَلَّ } وَغَيْرُ ذلك مِمَّا حَكَى اللَّهُ عز وجل من نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ فَشَهِدَهَا معه قَوْمٌ منهم نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَوَقَاهُ اللَّهُ عز وجل شَرَّهُمْ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ منهم فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في غَزَاةِ تَبُوكَ أو منصرفة عنها ولم يَكُنْ في تَبُوكَ قِتَالٌ من أَخْبَارِهِمْ فقال وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا له عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اُقْعُدُوا مع الْقَاعِدِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَظْهَرَ اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْرَارَهُمْ وَخَبَّرَ السَّمَّاعِينَ لهم وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا من معه بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ وَالتَّخْذِيلِ لهم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ إذْ كَانُوا على هذه النِّيَّةِ كان فيها ما دَلَّ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ أَنْ يَمْنَعَ من عَرَفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ من أَنْ يَغْزُوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عليهم ثُمَّ زَادَ في تَأْكِيدِ بَيَانِ ذلك بِقَوْلِهِ { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رسول اللَّهِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { الْخَالِفِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ شُهِرَ بِمِثْلِ ما وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ لم يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ يَغْزُو معه ولم يَكُنْ لو غَزَا معه أَنْ يُسْهِمَ له وَلَا يَرْضَخَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ مَنَعَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَغْزُوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِطَلَبَتِهِ فِتْنَتَهُمْ وَتَخْذِيلِهِ إيَّاهُمْ وَأَنَّ فِيهِمْ من يَسْتَمِعُ له بِالْغَفْلَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَأَنَّ هذا قد يَكُونُ أَضَرَّ عليهم من كَثِيرٍ من عَدُوِّهِمْ ( قال ) وَلَمَّا نَزَلَ هذا على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لِيَخْرُجَ بِهِمْ أَبَدًا وإذا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ فَلَا سَهْمَ لهم لو شَهِدُوا الْقِتَالَ وَلَا رَضْخَ وَلَا شَيْءَ لِأَنَّهُ لم يَحْرُمْ أَنْ يَخْرُجَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا من كان على غَيْرِ ما وَصَفَ اللَّهُ عز وجل من هَؤُلَاءِ أو بَعْضِهِ ولم يَكُنْ يُحْمَدُ حَالُهُ أو ظَنَّ ذلك بِهِ وهو مِمَّنْ لَا يُطَاعُ وَلَا يَضُرُّ ما وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ عز وجل بِشَيْءٍ من أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إلَّا ما منعهم ( ( ( منعه ) ) ) اللَّهُ عز وجل لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَرَّهُمْ على أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْآيَةِ وَإِنَّمَا مُنِعُوا الْغَزْوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِلْمَعْنَى الذي وَصَفَ اللَّهُ عز وجل من ضَرَرِهِمْ وَصَلَاةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَمْنَعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ عليهم بِخِلَافِ صَلَاتِهِ صَلَاةِ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان مُشْرِكٌ يَغْزُو مع الْمُسْلِمِينَ وكان معه في الْغَزْوِ من يُطِيعُهُ من مُسْلِمٍ أو مُشْرِكٍ وَكَانَتْ عليه دَلَائِلُ الْهَزِيمَةِ وَالْحِرْصِ على غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِهِمْ لم يَجُزْ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ وَإِنْ غَزَا بِهِ لم يَرْضَخْ له لِأَنَّ هذا إذَا كان في الْمُنَافِقِينَ مع اسْتِتَارِهِمْ بِالْإِسْلَامِ كان في الْمُكْتَشِفِينَ في الشِّرْكِ مِثْلُهُ فِيهِمْ أو أَكْثَرُ إذَا كانت أفعاله ( ( ( أفعالهم ) ) ) كَأَفْعَالِهِمْ أو أَكْثَرَ وَمَنْ كان من الْمُشْرِكِينَ على خِلَافِ هذه الصِّفَةِ فَكَانَتْ فيه مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةٍ على عَوْرَةِ عَدُوٍّ أو طَرِيقٍ أو ضَيْعَةٍ أو نَصِيحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يغزي بِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْطَى من الْفَيْءِ شيئا وَيَسْتَأْجِرَ إجَارَةً من مَالٍ لَا مَالِكَ له بِعَيْنِهِ وهو غَيْرُ سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ أَغْفَلَ ذلك أعطى من
____________________

(4/166)


سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَدَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم ( بَدْرٍ ) مُشْرِكًا قِيلَ نُعَيْمٌ فَأَسْلَمَ وَلَعَلَّهُ رَدَّهُ رَجَاءَ إسْلَامِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْرِكَ فَيَمْنَعُهُ الْغَزْوَ وَيَأْذَنَ له وَكَذَلِكَ الضَّعِيفُ من الْمُسْلِمِينَ وَيَأْذَنَ له وَرَدُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جِهَةِ إبَاحَةِ الرَّدِّ وَالدَّلِيلُ على ذلك وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ أَنَّهُ قد غَزَا بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ صَفْوَانُ بن أُمَيَّةَ معه حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ ( قال ) وَنِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ في هذا وَصِبْيَانِهِمْ كَرِجَالِهِمْ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يُعْطُوا وَإِنْ شَهِدُوا الْقِتَالَ فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَرْضَخَ لهم إلَّا أَنْ تَكُونَ منهم مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَرْضَخَ لهم بِشَيْءٍ ليس كما يَرْضَخُ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ أو لأمرأة وَلَا صَبِيٍّ مُسْلِمَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يَشْهَدُوا الْحَرْبَ إنْ لم تَكُنْ بِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِأَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَا شُهُودَ النِّسَاءِ مع الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانَ في الْحَرْبِ رَجَاءَ النُّصْرَةِ بِهِمْ لَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك في الْمُشْرِكِينَ - * كَيْفَ تُفَضِّلُ فَرْضَ الْجِهَادِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ } مع ما أَوْجَبَ من الْقِتَالِ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ وقد وَصَفْنَا أَنَّ ذلك على الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ غَيْرُ ذَوِي الْعُذْرِ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فإذا كان فَرْضُ الْجِهَادِ على من فُرِضَ عليه مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَامًّا وَمُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ على غَيْرِ الْعُمُومِ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ إنَّمَا هو على أَنْ يَقُومَ بِهِ من فيه كِفَايَةٌ لِلْقِيَامِ بِهِ حتى يَجْتَمِعَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ الْمَخُوفِ على الْمُسْلِمِينَ من يَمْنَعُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُجَاهِدَ من الْمُسْلِمِينَ من في جِهَادِهِ كِفَايَةٌ حتى يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ أو يعطى أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ قُلْ فإذا قام بهذا من الْمُسْلِمِينَ من فيه الْكِفَايَةُ بِهِ خَرَجَ الْمُتَخَلِّفُ منهم من الْمَأْثَمِ في تَرْكِ الْجِهَادِ وكان الْفَضْلُ لِلَّذِينَ وَلَوْا الْجِهَادَ على الْمُتَخَلِّفِينَ عنه قال اللَّهُ عز وجل { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ على الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيَّنَ إذْ وَعَدَ اللَّهُ عز وجل الْقَاعِدِينَ غير أُولِي الضَّرَرِ الْحُسْنَى أَنَّهُمْ لَا يَأْثَمُونَ بِالتَّخَلُّفِ وَيُوعَدُونَ الْحُسْنَى بِالتَّخَلُّفِ بَلْ وَعَدَهُمْ لَمَّا وَسَّعَ عليهم من التَّخَلُّفِ الْحُسْنَى إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لم يَتَخَلَّفُوا شَكًّا وَلَا سُوءَ نِيَّةٍ وَإِنْ تَرَكُوا الْفَضْلَ في الْغَزْوِ وَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل في قَوْلِهِ في النَّفِيرِ حين أُمِرْنَا بِالنَّفِيرِ { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } وقال عز وجل { إلَّا تَنْفِرُوا يَعْذِبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما كان الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ من كل فِرْقَةٍ منهم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ } الْآيَةَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ على الْكِفَايَةِ من الْمُجَاهِدِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَغْزُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَزَاةً عَلِمْتهَا إلَّا تَخَلَّفَ عنه فيها بَشَرٌ فَغَزَا بَدْرًا وَتَخَلَّفَ عنه رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ وَكَذَلِكَ تَخَلَّفَ عنه عَامَ الْفَتْحِ وَغَيْرَهُ من غَزَوَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال في غَزْوَةِ تَبُوكَ وفي تَجَهُّزِهِ لِلْجَمْعِ لِلرُّومِ ( لِيَخْرُجَ من كل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ فَيَخْلُفُ الْبَاقِي الْغَازِيَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جُيُوشًا وَسَرَايَا تَخَلَّفَ عنها بِنَفْسِهِ مع حِرْصِهِ على الْجِهَادِ على ما ذَكَرْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَبَانَ أَنْ لو تَخَلَّفُوا مَعًا أَثِمُوا مَعًا بِالتَّخَلُّفِ بِقَوْلِهِ عز وجل { إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا إنْ تَرَكْتُمْ النَّفِيرَ كُلُّكُمْ عَذَّبْتُكُمْ قال فَفَرْضُ الْجِهَادِ على ما وَصَفْت يُخْرِجُ الْمُتَخَلِّفِينَ من الْمَأْثَمِ القائم بِالْكِفَايَةِ فيه وَيَأْثَمُونَ مَعًا إذَا تَخَلَّفُوا مَعًا
____________________

(4/167)


- * تَفْرِيعُ فَرْضِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكُفَّارِ } قال فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَبَانَ من الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ من الْمُشْرِكِينَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وكان مَعْقُولًا في فَرْضِ اللَّهِ جِهَادُهُمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهِدَ أَقْرَبُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ دَارًا لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا على جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ كَانُوا على جِهَادِ من قَرُبَ منهم أَقْوَى وكان من قَرُبَ أَوْلَى أَنْ يُجَاهِدَ من قُرْبِهِ من عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ نِكَايَةَ من قَرُبَ أَكْثَرُ من نِكَايَةِ من بَعُدَ قال فَيَجِبُ على الْخَلِيفَةِ إذَا اسْتَوَتْ حَالُ الْعَدُوِّ أو كانت بِالْمُسْلِمِينَ عليهم قُوَّةٌ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِ الْعَدُوِّ من دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَلَا يَتَنَاوَلُ من خَلْفَهُمْ من طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ على عَدُوٍّ دُونَهُ حتى يَحْكُمَ أَمْرَ الْعَدُوِّ دُونَهُ بِأَنْ يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُحِبُّ له إنْ لم يُرِدْ تَنَاوُلَ عَدُوٍّ وَرَاءَهُمْ ولم يُطِلْ على الْمُسْلِمِينَ عَدُوٌّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كان كُلٌّ يَلِي طَائِفَةً من الْمُسْلِمِينَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِ طَائِفَةٍ تَلِي قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ دُونَ آخَرِينَ وَإِنْ كانت أَقْرَبَ منهم من الْأُخْرَى إلَى قَوْمٍ غَيْرِهِمْ فَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْعَدُوِّ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَنْكَى من بَعْضٍ أو أَخْوَفَ من بَعْضٍ فَلْيَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْعَدُوِّ الْأَخْوَفِ أو الأنكى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَ وَإِنْ كانت دَارُهُ أَبْعَدَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حتى ما يَخَافُ مِمَّنْ بَدَأَ بِهِ مِمَّا لَا يَخَافُ من غَيْرِهِ مثله وَتَكُونُ هذه بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ في الضَّرُورَةِ ما لَا يَجُوزُ في غَيْرِهَا وقد بَلَغَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْحَارِثِ بن أبي ضِرَارٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ له فَأَغَارَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ منه وَبَلَغَهُ أَنَّ خَالِدَ بن أبي سُفْيَانَ بن شُحٍّ يَجْمَعُ له فَأَرْسَلَ بن أُنَيْسٍ فَقَتَلَهُ وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ لَا يَتَبَايَنُ فيها حَالُ الْعَدُوِّ كما وَصَفْت وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ ما يَبْدَأُ بِهِ سَدُّ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّجَالِ وَإِنْ قَدَرَ على الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَكُلِّ أَمْرٍ دَفَعَ الْعَدُوَّ قبل انْتِيَابِ الْعَدُوِّ في دِيَارِهِمْ حتى لَا يَبْقَى لِلْمُسْلِمِينَ طَرَفٌ إلَّا وَفِيهِ من يَقُومُ بِحَرْبِ من يَلِيهِ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ قَدَرَ على أَنْ يَكُونَ فيه أَكْثَرَ فَعَلَ وَيَكُونُ الْقَائِمُ بِوِلَايَتِهِمْ أَهْلَ الْأَمَانَةِ وَالْعَقْلِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعِلْمِ بِالْحَرْبِ وَالنَّجْدَةِ وَالْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ وَالْإِقْدَامِ في مَوْضِعِهِ وَقِلَّةِ الْبَطْشِ وَالْعَجَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَحْكَمَ هذا في الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عليه أَنْ يُدْخِلَ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ في الْأَوْقَاتِ التي لَا يُغَرَّرُ بِالْمُسْلِمِينَ فيها وَيَرْجُو أَنْ يَنَالَ الظَّفَرَ من الْعَدُوِّ فَإِنْ كانت بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لم أَرَ أَنْ يَأْتِيَ عليه عَامٌ إلَّا وَلَهُ جَيْشٌ أو غَارَةٌ في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ من كل نَاحِيَةٍ عَامَّةٍ وَإِنْ كان يُمْكِنُهُ في السَّنَةِ بِلَا تَغْرِيرٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَدَعَ ذلك كُلَّمَا أَمْكَنَهُ وَأَقَلُّ ما يَجِبُ عليه أَنْ لَا يَأْتِيَ عليه عَامٌ إلَّا وَلَهُ فيه غَزْوٌ حتى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلًا في عَامٍ إلَّا من عُذْرٍ وإذا غَزَا عَامًا قَابِلًا غَزَا بَلَدًا غَيْرَهُ وَلَا يتابع ( ( ( يتأتى ) ) ) الْغَزْوُ على بَلَدٍ وَيُعَطَّلُ من بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ فَيُتَابِعُ الْغَزْوَ على من يَخَافُ نِكَايَتَهُ أو من يَرْجُو غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ على بِلَادِهِ فَيَكُونُ تَتَابُعُهُ على ذلك وَعَطَّلَ غَيْرَهُ بِمَعْنَى ليس في غَيْرِهِ مِثْلُهُ قال وَإِنَّمَا قُلْت بِمَا وَصَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخْلُ من حِينِ فَرَضَ عليه الْجِهَادَ من أَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ في عَامٍ من غَزْوَةٍ أو غَزْوَتَيْنِ أو سَرَايَا وقد كان يَأْتِي عليه الْوَقْتُ لَا يَغْزُو فيه وَلَا يُسْرِي سَرِيَّةً وقد يُمْكِنُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَجِمُّ وَيُجَمُّ له وَيَدْعُو وَيُظَاهِرُ الْحُجَجُ على من دَعَاهُ وَيَجِبُ على أَهْلِ الْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوا أَهْلَ الْفَيْءِ يَغْزُوا كُلُّ قَوْمٍ إلَى من يَلِيهِمْ من الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُكَلَّفُ الرَّجُلُ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ وَلَهُ مُجَاهِدٌ أَقْرَبُ منها إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ الْمُجَاهِدِينَ فَيَزِيدَ عن الْقَرِيبِ عن يَكْفِيَهُمْ فَإِنْ عَجَزَ الْقَرِيبُ عن كِفَايَتِهِمْ كَلَّفَهُمْ أَقْرَبَ أَهْلِ الْفَيْءِ بِهِمْ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلُ دَارٍ
____________________

(4/168)


من الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً حتى يَخْلُفَ في دِيَارِهِمْ من يَمْنَعُ دَارَهُمْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان أَهْلُ دَارِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلًا إنْ غَزَا بَعْضُهُمْ خِيفَ الْعَدُوُّ على الْبَاقِينَ منهم لم يَغْزُ منهم أَحَدٌ وكان هَؤُلَاءِ في رِبَاطِ الْجِهَادِ وَنُزُلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت مُمْتَنِعَةً غير مَخُوفٍ عليها مِمَّنْ يُقَارِبُهَا فَأَكْثَرُ ما يَجُوزُ أَنْ يُغْزَى من كل رَجُلَيْنِ رَجُلًا فَيَخْلُفُ الْمُقِيمُ الظَّاعِنَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا تَجَهَّزَ إلَى تَبُوكَ فَأَرَادَ الرُّومَ وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُمْ قال لِيَخْرُجَ من كل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ وَمَنْ في الْمَدِينَةِ مُمْتَنِعٌ بِأَقَلَّ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فيها وإذا كان الْقَوْمُ في سَاحِلٍ من السَّوَاحِلِ كَسَوَاحِلِ الشَّامِ وَكَانُوا على قِتَالِ الرُّومِ وَالْعَدُوُّ الذي يَلِيهِمْ أَقْوَى مِمَّنْ يَأْتِيهِمْ من غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ وكان جِهَادُهُمْ عليه أَقْرَبَ منه على غَيْرِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْزُوا إلَيْهِمْ من يُقِيمُ في ثُغُورِهِمْ مع من تَخَلَّفَ منهم وَإِنْ لم يَكُنْ من خُلِّفُوا منهم يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ لو انْفَرَدُوا إذَا صَارُوا يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ بِمَنْ تَخَلَّفَ من الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ وَيَدْخُلُونَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ عَدُوُّهُمْ أَقْرَبَ وَدَوَابُّهُمْ أَجَمَّ وَهُمْ بِبِلَادِهِمْ أَعْلَمُ وَتَكُونُ دَارُهُمْ غير ضَائِعَةٍ بِمَنْ تَخَلَّفَ منهم وَخَلَفَ مَعَهُمْ من غَيْرِهِمْ قال وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ إلَّا ثِقَةً في دِينِهِ شُجَاعًا في بَدَنِهِ حَسَنَ الْأَنَاةِ عَاقِلًا لِلْحَرْبِ بَصِيرًا بها غير عَجِلٍ وَلَا نَزِقٍ وَأَنْ يَقْدَمَ إلَيْهِ وَإِلَى من وَلَّاهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ على مَهْلَكَةٍ بِحَالٍ وَلَا يَأْمُرَهُمْ بِنَقْبِ حِصْنٍ يَخَافُ أَنْ يَشْدَخُوا تَحْتَهُ وَلَا دُخُولَ مَطْمُورَةٍ يَخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا وَلَا يَدْفَعُوا عن أَنْفُسِهِمْ فيها وَلَا غير ذلك من أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك الْإِمَامُ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ إنْ أُصِيبَ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِ قال وَكَذَلِكَ لَا يَأْمُرُ الْقَلِيلَ منهم بِانْتِيَابِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا غَوْثَ لهم وَلَا يَحْمِلُ منهم أَحَدًا على غَيْرِ فَرْضِ الْقِتَالِ عليه وَذَلِكَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ لَا يُجَاوِزُ ذلك وإذا حَمَلَهُمْ على ما ليس له حَمْلُهُمْ عليه فَلَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوهُ قال وَإِنَّمَا قُلْت لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه أَنَّهُ جِهَادٌ وَيَحِلُّ لهم بِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقْدَمُوا فيه على ما ليس عليهم بعرض ( ( ( بغرض ) ) ) الْقَتْلِ لِرَجَاءِ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أَرَى ضِيقًا على الرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ على الْجَمَاعَةِ حَاسِرًا أو يُبَادِرَ الرَّجُلُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَقْتُولٌ لِأَنَّهُ قد بُودِرَ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَمَلَ رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ حَاسِرًا على جَمَاعَةٍ من الْمُشْرِكِينَ يوم بَدْرٍ بَعْدَ إعْلَامِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا في ذلك من الْخَيْرِ فَقُتِلَ - * تَحْرِيمُ الْفِرَارِ من الزَّحْفِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا النبي حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } وقال عز وجل { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } الْآيَةُ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ قال لَمَّا نَزَلَتْ { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَكَتَبَ عليهم أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ من الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ عَنْهُمْ وَكَتَبَ عليهم أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ من الْمِائَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنًى فيه بِالتَّنْزِيلِ عن التَّأْوِيلِ وقال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ فإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ أو غُزُوا فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ فَلَقُوا ضِعْفَهُمْ من الْعَدُوِّ حَرُمَ عليهم أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ من ضِعْفِهِمْ لم أُحِبَّ لهم أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ وَلَا يَسْتَوْجِبُ السُّخْطَ عِنْدِي من اللَّهِ عز وَعَلَا لو وَلَّوْا عَنْهُمْ إلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ وَالتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ لأن ( ( ( لأنا ) ) ) بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا يُوجِبُ سُخْطَهُ على من تَرَكَ فَرْضَهُ وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عز وجل في الْجِهَادِ إنَّمَا هو على أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ من الْعَدُوِّ وَيَأْثَمُ الْمُسْلِمُونَ لو أَطَلَّ عَدُوٌّ على أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَقْدِرُونَ على الْخُرُوجِ إلَيْهِ بِلَا تَضْيِيعٍ لِمَا
____________________

(4/169)


خَلْفَهُمْ من ثَغْرِهِمْ إذَا كان الْعَدُوُّ ضِعْفَهُمْ وَأَقَلَّ قال وإذا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ فَكَثَرَهُمْ الْعَدُوُّ أو قَوُوا عليهم وَإِنْ لم يَكْثُرُوهُمْ بِمَكِيدَةٍ أو غَيْرِهَا فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ غير مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمُوا وَلَا يَخْرُجُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من الْمَأْثَمِ إلَّا بِأَنْ لَا يُوَلُّوا الْعَدُوَّ دُبُرًا إلَّا وَهُمْ يَنْوُونَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ من التَّحَرُّفِ إلَى الْقِتَالِ أو التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ وَلَّوْا على غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ خَشِيت أَنْ يَأْثَمُوا وَأَنْ يُحْدِثُوا بَعْدُ نِيَّةَ خَيْرٍ لهم وَمَنْ فَعَلَ هذا منهم تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عز وجل بِمَا اسْتَطَاعَ من خَيْرٍ بِلَا كَفَّارَةٍ مَعْلُومَةٍ فيه قال وَلَوْ وَلَّوْا يُرِيدُونَ التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ أو التَّحَيُّزَ إلَى الْفِئَةِ ثُمَّ أَحْدَثُوا بَعْدُ نِيَّةً في الْمُقَامِ على الْفِرَارِ بِلَا وَاحِدَةٍ من النِّيَّتَيْنِ كَانُوا غير آثِمِينَ بِالتَّوْلِيَةِ مع النِّيَّةِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَخِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بِالنِّيَّةِ الْحَادِثَةِ أَنْ يَثْبُتُوا على الْفِرَارِ لَا لِوَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنْ بَعْضُ أَهْلِ الْفَيْءِ نَوَى أَنْ يُجَاهِدَ عَدُوًّا أبدا بِلَا عُذْرٍ خِفْت عليه الْمَأْثَمَ وَلَوْ نَوَى الْمُجَاهِدُ أَنْ يَفِرَّ عنه لَا لِوَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ كان خَوْفِي عليه من الْمَأْثَمِ أَعْظَمَ وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ من له عُذْرٌ في تَرْكِ الْقِتَالِ من الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى الْأَحْرَارِ خِفْت أَنْ يَضِيقَ على أَهْلِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عُذِرُوا بِتَرْكِهِ فإذا تَكَلَّفُوهُ فَهُمْ من أَهْلِهِ كما يُعْذَرُ الْفَقِيرُ الزَّمِنُ بِتَرْكِ الْحَجِّ فإذا حَجَّ لَزِمَهُ فيه ما لَزِمَ من لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهِ من عَمَلٍ وَمَأْثَمٍ وَفِدْيَةٍ قال وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ أَذِنَ له سَيِّدُهُ كان كَالْأَحْرَارِ ما كان في إذْنِ سَيِّدِهِ يَضِيقُ عليه التَّوْلِيَةُ لِأَنَّ كُلَّ من سَمَّيْت من أَهْلِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ يَجْرِي عليهم الْمَأْثَمُ وَيَصْلُحُونَ لِلْقِتَالِ قال وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لم يَأْثَمْ بِالْفِرَارِ على غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ للقتال ( ( ( القتال ) ) ) وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِلَا سُكْرٍ لم يَأْثَمْ بِأَنْ يُوَلِّيَ وَلَوْ شَهِدَهُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِسُكْرٍ من خَمْرٍ فَوَلَّى كان كَتَوْلِيَةِ الصَّحِيحِ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ من لم يَبْلُغْ لم يَأْثَمْ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَدَّ عليه ولم تَكْمُلْ الْفَرَائِضُ عليه وَلَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ الْقِتَالَ فَوَلَّيْنَ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمْنَ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِمَّنْ عليه الْجِهَادُ كَيْفَ كانت حَالُهُنَّ قال وإذا حَضَرَ الْعَدُوُّ الْقِتَالَ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ولم تُقْسَمْ حتى وَلَّتْ منهم طَائِفَةٌ فَإِنْ قالوا وَلَّيْنَا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ كانت لهم سُهْمَانُهُمْ فِيمَا غُنِمَ بَعْدُ وَإِنْ لم يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ وَلَا رِدْءًا وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ثُمَّ لم تُقْسَمْ خُمِّسَتْ أو لم تُخَمَّسْ حتى وَلَّوْا وَأَقَرُّوا أَنَّهُمْ وَلَّوْا بِغَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَحْدَثُوا نِيَّةَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَالرَّجْعَةَ وَرَجَعُوا لم يَكُنْ لهم غَنِيمَةٌ لِأَنَّهَا لم تَصِرْ إلَيْهِمْ حتى صَارُوا مِمَّنْ عَصَى بِالْفِرَارِ وَتَرَكَ الدَّفْعَ عنها وَكَانُوا آثِمِينَ بِالتَّرْكِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَلَّى الْقَوْمُ غير مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ ثُمَّ غَزَوْا غَزَاةً أُخْرَى وَعَادُوا إلَى تَرْكِ الْغَزَاةِ فما كان فيها من غَنِيمَةٍ شَهِدُوهَا ولم يُوَلُّوا بَعْدَهَا فَلَهُمْ حَقُّهُمْ منها وإذا رَجَعَ الْقَوْمُ القهقري بِلَا نِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَانُوا كَالْمُوَلِّينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالتَّحْرِيمِ الْهَزِيمَةُ عن الْمُشْرِكِينَ وإذا غَزَا الْقَوْمُ فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ لم يَكُنْ لهم عُذْرٌ بِأَنْ يُوَلُّوا وَإِنْ ذَهَبَ السِّلَاحُ وَالدَّوَابُّ وَكَانُوا يَجِدُونَ شيئا يَدْفَعُونَ بِهِ من حِجَارَةٍ أو خَشَبٍ أو غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ إنْ لم يَجِدُوا من هذا شيئا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلُّوا فَإِنْ فَعَلُوا أَحْبَبْت أَنْ يَجْمَعُوا مع الْفِعْلِ على أَنْ يَكُونُوا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَأْثَمُوا لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ في هذه الْحَالَةِ على شَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ عن نَفْسِهِ وَأُحِبُّ في هذا كُلِّهِ أَنْ لَا يُوَلِّيَ أَحَدٌ بِحَالٍ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَلَوْ غَزَا الْمُشْرِكُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ كان تَوْلِيَةُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ كَتَوْلِيَتِهِمْ لو غَزَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا كَانُوا نَازِلِينَ لهم عليهم أَنْ يَبْرُزُوا إلَيْهِمْ قال وَلَا يَضِيقُ على الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا من الْعَدُوِّ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا قَاهِرِينَ لِلْعَدُوِّ فِيمَا يَرَوْنَ إذَا ظَنُّوا ذلك أَزْيَدَ في قُوَّتِهِمْ ما لم يَكُنْ الْعَدُوُّ يَتَنَاوَلُ من الْمُسْلِمِينَ أو أَمْوَالِهِمْ شيئا في تَحَصُّنِهِمْ عَنْهُمْ فإذا كان وَاحِدٌ من الْمَعْنَيَيْنِ ضَرَرًا على الْمُسْلِمِينَ ضَاقَ عليهم إنْ أَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَأَمَّا إذَا كان الْعَدُوُّ قَاهِرِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ
____________________

(4/170)


مَدَدٌ أو تَحْدُثُ لهم قُوَّةٌ وَإِنْ وني عليهم فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَلُّوا عن الْعَدُوِّ ما لم يَلْتَقُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هو في التَّوْلِيَةِ بَعْدَ اللِّقَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّحَرُّفُ لِلْقِتَالِ الِاسْتِطْرَادُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الْمُسْتَطْرِدُ الْكَرَّةَ في أَيِّ حَالٍ ما كان الْإِمْكَانُ وَالتَّحَيُّزُ إلَى الْفِئَةِ أَيْنَ كانت الْفِئَةُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ أو بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذلك أَقْرَبَ إنَّمَا يَأْثَمُ في التَّوْلِيَةِ من لم يَنْوِ وَاحِدًا من الْمَعْنَيَيْنِ * أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يَزِيدَ بن أبي زِيَادٍ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى عن بن عُمَرَ قال بَعَثَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَرِيَّةٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَحَاصَ الناس حَيْصَةً فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَفَتَحْنَا بَابَهَا فَقُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قال أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وأنا فِئَتُكُمْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال أنا فِئَةُ كل مُسْلِمٍ - * في إظْهَارِ دِينِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْأَدْيَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا في سَبِيلِ اللَّهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَمَّا أتى كِسْرَى بِكِتَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَزَّقَهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يُمَزَّقُ مُلْكُهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَفِظْنَا أَنَّ قيصرا ( ( ( قيصر ) ) ) أَكْرَمَ كِتَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَضَعَهُ في مِسْكٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يَثْبُتُ مُلْكُهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَعَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الناس فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أبو بَكْرٍ الشَّامَ على ثِقَةٍ من فَتْحِهَا لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا في زَمَانِ عُمَرَ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَفَارِسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ عز وجل دِينَهُ الذي بُعِثَ بِهِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ من سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وما خَالَفَهُ من الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ فَقَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأُمِّيِّينَ حتى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حتى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عليهم حُكْمُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ قال وقد يُقَالُ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ عز وجل دِينَهُ على الْأَدْيَانِ حتى لَا يُدَانَ لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا مع مَعَايِشِهَا منه وَتَأْتِي الْعِرَاقُ قال فلما دَخَلَتْ في الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَوْفَهَا من انْقِطَاعِ معايشها ( ( ( تعايشها ) ) ) بِالتِّجَارَةِ من الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إذَا فَارَقَتْ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ في الْإِسْلَامِ مع خِلَافِ مِلْكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى بَعْدَهُ ثَبَتَ له أَمْرٌ بَعْدَهُ قال ( وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ ) فلم يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَأَجَابَهُمْ على ما قالوا له وكان كما قال لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عن الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قام بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ عن الشَّامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كِسْرَى ( يُمَزَّقُ مُلْكُهُ ) فلم يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مِلْكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال في قَيْصَرَ ( يَثْبُتُ مُلْكُهُ ) فَثَبَتَ له مُلْكٌ بِبِلَادِ الرُّومِ إلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عن الشَّامِ وَكُلُّ هذا أَمْرٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا
____________________

(4/171)


- * الْأَصْلُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ منه وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَكَّةَ وهى بِلَادُ قَوْمِهِ وَقَوْمُهُ أُمِّيُّونَ وَكَذَلِكَ من كان حَوْلَهُمْ من بِلَادِ الْعَرَبِ ولم يَكُنْ فِيهِمْ من الْعَجَمِ إلَّا مَمْلُوكٌ أو أَجِيرٌ أو مُجْتَازٌ أو من لَا يُذْكَرُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا منهم يَتْلُو عليهم آيَاتِهِ } الْآيَةُ فلم يَكُنْ من الناس أَحَدٌ في أَوَّلِ ما بُعِثَ أَعْدَى له من عَوَامِّ قَوْمِهِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليه جِهَادَهُمْ فقال { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَقِيلَ فيه فِتْنَةُ شِرْكٍ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدًا لِلَّهِ وقال في قَوْمٍ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَيْءٌ { فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ } الْآيَةَ مع نَظَائِرَ لها في الْقُرْآنِ * أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عُمَرَ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عبد الْمَلِكِ بن نَوْفَلِ بن مساحق عن أبي عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قال ( إنْ رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أو سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال أَلَيْسَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) قال أبو بَكْرٍ ( هذا من حَقِّهَا لو مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَاتَلْتهمْ عليه ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي من مَنَعَ الصَّدَقَةَ ولم يَرْتَدَّ * أخبرنا الثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قال لِأَبِي بَكْرٍ هذا الْقَوْلَ أو ما مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مِثْلُ الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ في الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُشْرِكُو أَهْلِ الْأَوْثَانِ ولم يَكُنْ بِحَضْرَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا قُرْبِهِ أَحَدٌ من مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ ولم تَكُنْ أَنْصَارٌ اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ ما قَدِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إسْلَامًا فَوَادَعَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَخْرُجْ إلَى شَيْءٍ من عَدَاوَتِهِ بِقَوْلٍ يَظْهَرُ وَلَا فِعْلٍ حتى كانت وَقْعَةُ بَدْرٍ فَكَلَّمَ بَعْضُهَا بَعْضًا بِعَدَاوَتِهِ وَالتَّحْرِيضِ عليه فَقَتَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ ولم يَكُنْ بِالْحِجَازِ عَلِمْته إلَّا يَهُودِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ بِنَجْرَانَ وَكَانَتْ الْمَجُوسُ بِهَجَرَ وَبِلَادِ الْبَرْبَرِ وَفَارِسَ نَائِينَ عن الْحِجَازِ دُونَهُمْ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ كَثِيرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ فَرْضَ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ من أَهْلِ الْكِتَابِ فقال { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الْآيَةَ فَفَرَّقَ اللَّهُ عز وجل كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ بين قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حتى يُسْلِمُوا وقتال ( ( ( وقتل ) ) ) أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أو أَنْ يُسْلِمُوا وَفَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى * بين قِتَالِهِمْ أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن مُحَمَّدِ بن أَبَانَ عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ عن سُلَيْمَانَ بن بُرَيْدَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أو جَيْشًا أَمَّرَ عليهم قال ( إذَا لَقِيت عَدُوًّا من الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أو ثَلَاثِ خِلَالٍ شَكَّ عَلْقَمَةُ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ منهم وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ من دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ منهم وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا أَنَّ لهم ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عليهم وَإِنْ اخْتَارُوا الْمُقَامَ في دَارِهِمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عليهم حُكْمُ اللَّهِ عز وجل كما يَجْرِي على الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لهم في الْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مع الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لم يُجِيبُوك إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ منهم وَدَعْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عليهم وَقَاتِلْهُمْ
____________________

(4/172)


( قال الشَّافِعِيُّ ) حدثني عَدَدٌ كلهم ثِقَةٌ عن غَيْرِ وَاحِدٍ كلهم ثِقَةٌ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ فِيهِمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عن عَلْقَمَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى هذا الحديث لَا يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا في أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَلَيْسَ يُخَالِفُ هذا الْحَدِيثُ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) وَلَكِنَّ أُولَئِكَ الناس أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَاَلَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُقْبَلَ منهم الْجِزْيَةُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالدَّلِيلُ على ذلك ما وَصَفْت من فَرْقِ اللَّهِ بين الْقِتَالَيْنِ وَلَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكُونَ حتى يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ وَيُقْتَلُوا حَيْثُ وُجِدُوا حتى يَتُوبُوا وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَلَا تُنْسَخُ وَاحِدَةٌ من الْآيِ غَيْرَهَا وَلَا وَاحِدَ من الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَهُ وَكُلٌّ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ سَنَّ رَسُولُهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَهِلَ رَجُلٌ فقال إنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِالْجِزْيَةِ نَسَخَ أَمْرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا جَازَ عليه أَنْ يَقُولَ جَاهِلٌ مِثْلُهُ بَلْ الْجِزْيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا وَلَكِنْ ليس فِيهِمَا نَاسِخٌ لِصَاحِبِهِ وَلَا مُخَالِفٌ - * من يُلْحَقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) انْتَوَتْ قَبَائِلُ من الْعَرَبِ قبل أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُنَزِّلَ عليه الْفُرْقَانَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَارَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْعَرَبَ من أَهْلِ الْيَمَنِ فَدَانَ بَعْضُهُمْ دِينَهُمْ وكان من أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فَرْضَ قِتَالِهِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمَ مُخَالِفًا دِينَ من وَصَفْته دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ على نَبِيِّ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَمَسُّكِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِدِينِ آبَائِهِمْ فَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من أُكَيْدِرَ دُومَةَ وهو رَجُلٌ يُقَالُ من غَسَّانَ أو من كِنْدَةَ وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَعَامَّتِهِمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ فَدَلَّ ذلك على ما وَصَفْت من أَنَّ الْإِسْلَامَ لم يَكُنْ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ بَلْ دَائِنِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُخَالِفِينَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وكان في هذا دَلِيلٌ على أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ على النَّسَبِ إنَّمَا هِيَ على الدِّينِ وكان أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ من الْيَهُودِ وَالْإِنْجِيلِ من النَّصَارَى وَكَانُوا من بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَحَطْنَا بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ كُتُبًا غير التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ قال اللَّهُ عز وجل { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى } فَأَخْبَرَ أَنَّ لِإِبْرَاهِيمَ صُحُفًا وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ الْمَجُوسُ يَدِينُونَ غير دِينِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَيُخَالِفُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى في بَعْضِ دِينِهِمْ وكان أَهْلُ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ دِينِهِمْ وكان الْمَجُوسُ بِطَرَفٍ من الْأَرْضِ لَا يَعْرِفُ السَّلَفُ من أَهْلِ الْحِجَازِ من دِينِهِمْ ما يَعْرِفُونَ من دِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ حتى عَرَفُوهُ وَكَانُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَهْلَ كِتَابٍ يَجْمَعُهُمْ اسْمٌ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مع الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى * أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي سَعْدٍ سَعِيدِ بن الْمَرْزُبَانِ عن نَصْرِ بن عَاصِمٍ قال قال فَرْوَةُ بن نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ عَلَامَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابِ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ فَأَخَذَ بِلُبِّهِ وقال يا عَدُوَّ اللَّهِ تَطْعَنُ على أبي بَكْرٍ وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَلِيًّا وقد أَخَذُوا منهم الْجِزْيَةَ فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْقَصْرِ فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمَا فقال أَلْبِدَا فَجَلَسَا في ظِلِّ الْقَصْرِ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أنا أَعْلَمُ الناس بِالْمَجُوسِ كان لهم عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ وَإِنَّمَا مَلِكُهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ على ابْنَتِهِ أو أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عليه بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فلما صَحَا خَافَ أَنْ يُقِيمُوا عليه الْحَدَّ فَامْتَنَعَ منهم فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ فلما أَتَوْهُ قال تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا من دِينِ آدَمَ وقد كان آدَم يَنْكِحُ بَنِيهِ بَنَاتَه وأنا على دِينِ آدَمَ ما يَرْغَبُ بِكُمْ عن دِينِهِ فَتَابَعُوهُ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُ حتى قَتَلُوهُمْ
____________________

(4/173)


فَأَصْبَحُوا وقد أَسْرَى على كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ من بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَذَهَبَ الْعِلْمُ الذي في صُدُورِهِمْ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وقد أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ منهم الْجِزْيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما روى عن عَلِيٍّ من هذا دَلِيلٌ على ما وَصَفْت أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ وَدَلِيلٌ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ما خَبَّرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ منهم إلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَلَا من بَعْدِهِ فَلَوْ كان يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ عَلِيٌّ الْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ منهم كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أو لم يَكُونُوا أَهْلَهُ ولم أَعْلَمْ مِمَّنْ سَلَفَ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا أَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو أَنَّهُ سمع بَجَالَةَ يقول ولم يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ حتى شَهِدَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدِيثُ بَجَالَةَ مُتَّصِلٌ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ وكان رَجُلًا في زَمَانِهِ كَاتِبًا لِعُمَّالِهِ وَحَدِيثِ نَصْرِ بن عَاصِمٍ عن عَلِيٍّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُتَّصِلٌ وَبِهِ نأخذ ( ( ( يأخذ ) ) ) وقد روى من حديث الْحِجَازِ حَدِيثَانِ مُنْقَطِعَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ من الْمَجُوسِ * أخبرنا مَالِكٌ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ذُكِرَ له الْمَجُوسُ فقال ما أَدْرِي كَيْف أَصْنَعُ في أَمْرِهِمْ فقال له عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان ثَابِتًا فَنُفْتِي في أَخْذِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ لَا أَنَّهُ يُقَالُ إذَا قال سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في أَنْ تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ قال وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ غير أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ سُنُّوا بِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَكِنْ لَمَّا قال سُنُّوا بِهِمْ فَقَدْ خَصَّهُمْ وإذا خَصَّهُمْ فَغَيْرُهُمْ مُخَالِفٌ وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ * أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَخَذَهَا من الْبَرْبَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرُ عن الْمَجُوسِ وَيَقُولَ ما أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ وهو يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ له وَلَكِنَّهُ سَأَلَ عن الْمَجُوسِ إذْ لم يَعْرِفْ من كِتَابِهِمْ ما عَرَفَ من كِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حتى أُخْبِرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَخْذِهِ الْجِزْيَةَ وَأَمْرِهِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم فَيَتَّبِعُهُ وفي كل ما حَكَيْت ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * تَفْرِيعُ من تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ من دَانَ وَدَانَ آبَاؤُهُ أو دَانَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيَّ كِتَابٍ كان قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَخَالَفَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَهُوَ خَارِجٌ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَعَلَى الْإِمَامِ إذَا أَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وهو صَاغِرٌ أَنْ يَقْبَلَهَا منه عَرَبِيًّا كان أو عَجَمِيًّا وَكُلُّ من دخل عليه الْإِسْلَامُ وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ كان عَرَبِيًّا أو عَجَمِيًّا فَأَرَادَ أَنْ تُؤْخَذَ منه الْجِزْيَةُ وَيُقَرَّ على دِينِهِ أو يَحْدُثَ أَنْ يَدِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منه الْجِزْيَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُ حتى يُسْلِمَ كما يُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمُوا قال وَأَيُّ مُشْرِكٍ ما كان إذَا لم يَدَعْ أَهْلَ دِينِهِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَعْبُدَ الصَّنَمَ وما اسْتَحْسَنَ من شَيْءٍ وَمَنْ يُعَطِّلُ وَمَنْ في مَعْنَاهُمْ وَمَنْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ يَجْهَلُونَ دِينَهُ فَذَكَرُوا لهم أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ سُئِلُوا مَتَى دَانُوا بِهِ وَآبَاؤُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ ذلك قبل نُزُولِ الْوَحْيِ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلُوا قَوْلَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا غير ما قالوا فَإِنْ عَلِمُوا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليهم لم يَأْخُذُوا منهم الْجِزْيَةَ ولم يَدَعُوهُمْ
____________________

(4/174)


حتى يُسْلِمُوا أو يَقْتُلُوا وَإِنْ عَلِمُوهُ بِإِقْرَارٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لم يَدِنْ ولم يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتٍ يَذْكُرُونَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قبل أَنْ يَنْزِلَ على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْرَرْنَاهُمْ على دينهم ( ( ( دينه ) ) ) وَأَخَذْنَا منهم الْجِزْيَةَ وَلَا يَكُونُ للإمام ( ( ( الإمام ) ) ) أَخَذَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ آخُذُهَا مِنْكُمْ حتى أَعْلَمَ أن لم تَدِينُوا وَآبَاؤُكُمْ هذا الدِّينَ إلَّا بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا عَلِمْته لم آخُذْهَا مِنْكُمْ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ فَإِمَّا أَنْ تُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلُوا ( 1 ) فإذا أخبرنا من الَّذِينَ أَسْلَمُوا منهم قَوْمًا عُدُولًا فأثبتوا لنا على هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَذْت منهم الْجِزْيَةَ بِقَوْلِهِمْ بِأَنْ لم يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَإِنْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الْمُسْلِمُونَ أو اثْنَانِ منهم على جَمَاعَتِهِمْ أن لم يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتِ كَذَا وَأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبَذْت إلَى من بَلَغَ منهم ولم يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتِ كَذَا وكان ذلك بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ قال ولم يَنْبِذْ إلَى صِغَارِهِمْ إذْ كان آبَاؤُهُمْ دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ الْعُدُولَ شَهِدُوا على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لم يَكُونُوا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ كان إقْرَارًا منهم على أَنْفُسِهِمْ لَا أَجْعَلُهُ شَهَادَةً على غَيْرِهِمْ وَلَا أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ على أَحَدٍ منهم إلَّا بِأَنْ يُثْبِتُوهَا عليه أَنَّ الْفُرْقَانَ نَزَلَ وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فإذا فَعَلُوا لم أَقْبَلْ منه الْجِزْيَةَ وَلَوْ كان آبَاؤُهُمْ من أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دِينُهُ دِينَ آبَائِهِ إذَا بَلَغَ إنَّمَا يَكُونُ مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) على دِينِ آبَائِهِ ما لم يَبْلُغْ فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَا رَجُلَيْنِ مَاتَ على دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا وَلَهُ بن بَالِغٌ مُخَالِفٌ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وبن صَغِيرٌ وَنَزَلَ الْفُرْقَانُ وَهُمَا بِتِلْكَ الْحَالِ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَادَ الْبَالِغُ إلَى دِينِهِمْ أَخَذْت الْجِزْيَةَ من الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ كان يُقِرُّ على دِينِ أبيه ولم يَدِنْ بَعْدَ الْبُلُوغِ دِينًا غَيْرَهُ وَلَا آخُذُهَا من الْكَبِيرِ الذي نَزَلَ الْفُرْقَانُ وهو على دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * من تُرْفَعُ عنه الْجِزْيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فَكَانَ بَيِّنًا في الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل قِتَالَهُمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ الَّذِينَ قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ عز وجل وَأَقَامُوا على ما وَجَدُوا عليه آبَاءَهُمْ من أَهْلِ الْكِتَابِ وكان بَيِّنًا أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ عليها الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ وَهُمْ الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ من الْمُحْتَلِمِينَ دُونَ من دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا تُقْتَلَ النِّسَاءُ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا الوالدان ( ( ( الولدان ) ) ) وَسَبَاهُمْ فَكَانَ ذلك دَلِيلًا على خِلَافٍ بين النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ وَلَا جِزْيَةَ على من لم يَبْلُغْ من الرِّجَالِ وَلَا على امْرَأَةٍ وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ على مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا دِينَ له تَمَسَّكَ بِهِ تَرَكَ له الْإِسْلَامُ وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ على مَمْلُوكٍ لِأَنَّهُ لَا مَالَ له يُعْطِي منه الْجِزْيَةَ فَأَمَّا من غَلَبَ على عَقْلِهِ أَيَّامًا ثُمَّ أَفَاقَ أو جُنَّ ثم أفاق فَتُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ يَجْرِي عليه الْقَلَمُ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَلَيْسَ يَخْلُو بَعْضُ الناس من الْعِلَّةِ يَغْرُبُ بها عَقْلُهُ ثُمَّ يُفِيقُ فإذا أَخَذْت من صَحِيحٍ ثُمَّ غَلَبَ على عَقْلُهُ حَسَبَ له من يَوْمِ غَلَبَ على عَقْلِهِ فَإِنْ أَفَاقَ لم تُرْفَعْ عنه الْجِزْيَةُ وَإِنْ لم يُفِقْ رُفِعَتْ عنه من يَوْمِ غَلَبَ على عَقْلِهِ قال وإذا صُولِحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا عن أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ سِوَى ما يُؤَدُّونَ عن أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كان ذلك من أَمْوَالِ الرِّجَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وهو كما اُزْدِيدَ عليهم من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا وَغَيْرُ ذلك مِمَّا يَلْزَمُهُمْ إذَا شَرَطُوهُ لنا وَإِنْ كَانُوا على أَنْ
____________________

(4/175)


يُؤَدُّوهَا من أَمْوَالِ نِسَائِهِمْ أو أَبْنَائِهِمْ الصِّغَارِ لم يَكُنْ ذلك عليهم وَلَا لنا أَنْ نَأْخُذَهُ من أَبْنَائِهِمْ وَلَا نِسَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ ( 1 ) فَلَا شيئا عَلَيْك فَإِنْ قالت فأنا أُؤَدِّي بَعْدَ عِلْمِهَا قبل ذلك منها وَمَتَى امْتَنَعْت وقد شَرَطَتْ أَنْ تُؤَدِّيَ لم يَلْزَمْهَا الشَّرْطُ ما أَقَامَتْ في بِلَادِهَا وَكَذَلِكَ لو تَجَرَتْ بِمَالِهَا لم يَكُنْ عليها أَنْ تُؤَدِّيَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَكِنَّهَا تُمْنَعُ الْحِجَازَ فَإِنْ قالت أَدْخُلُهَا على شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنِّي فَأَلْزَمَتْهُ نَفْسَهَا جَازَ عليها لِأَنَّهُ ليس لها دُخُولُ الْحِجَازِ وإذا صَالَحَتْ على أَنْ يُؤْخَذَ من مَالِهَا شَيْءٌ في غَيْرِ بِلَادِ الْحِجَازِ فَإِنْ أَدَّتْهُ قُبِلَ وَإِنْ مَنَعَتْهُ بَعْدَ شَرْطِهِ فَلَهَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبِينُ لي أَنَّ على أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُمْنَعُوا من غَيْرِ الْحِجَازِ وَلَوْ شَرَطَ هذا صَبِيٌّ أو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ لم يَجُزْ الشَّرْطُ عليه وَلَا يُؤْخَذُ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو شَرَطَ أبو الصَّبِيِّ أو الْمَعْتُوهِ أو وَلِيُّهُمَا ذلك عَلَيْهِمَا لم يَكُنْ ذلك لنا وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُمَا من أَنْ يَخْتَلِفَا في بِلَادِ الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مَالُهُمَا مع الذي لَا يُؤَدِّي شيئا عن نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ لنا مَنْعُهُ من مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ يُؤَدِّي عن مَالِهِ ونمنع ( ( ( وتمنع ) ) ) أَنْفُسُهُمَا قال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ دَارٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ رِجَالُهُمْ من أَنْ يُصَالِحُوا على جِزْيَةٍ أو يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَأَطَاعُوا بِالْجِزْيَةِ وَلَنَا قُوَّةٌ عليهم وَلَيْسَ في صُلْحِهِمْ نَظَرٌ فَسَأَلُوا أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عن نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهُمْ لم يَكُنْ ذلك لنا وَإِنْ صَالَحُوهُمْ على ذلك فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ وَلَا نَأْخُذُ منهم شيئا إنْ سَمَّوْهُ على النِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ لِأَنَّهُمْ قد مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ بِالْأَمَانِ وَلَيْسَ على أَمْوَالِهِمْ جِزْيَةٌ وَكَذَلِكَ لَا نَأْخُذُهَا من رِجَالِهِمْ وَإِنْ شَرَطَهَا رِجَالُهُمْ ولم يَقُولُوا من أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا أَخَذْنَاهَا من أَمْوَالِ من شَرَطَهَا بِشَرْطِهِ وَكَذَلِكَ لو دَعَا إلَى هذا النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لم يُؤْخَذْ هذا منهم وَكَذَلِكَ لو كان النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ أخلياء من رِجَالِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ليس لنا أَنْ نَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَلَنَا أَنْ نَسْبِيَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ بِالْجِزْيَةِ مع قَطْعِ حَرْبِ الرِّجَالِ وَأَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَلَا حَرْبَ في النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إنَّمَا هُنَّ غَنِيمَةٌ وَلَيْسُوا في الْمَعْنَى الذي أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ بِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي ليس لنا سِبَاؤُهُمْ وَعَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ إذَا أَقَرُّوا بِأَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَلَيْسَ لنا أَنْ نَأْخُذَ من أَمْوَالِهِمْ شيئا وَإِنْ أَخَذْنَاهُ فَعَلَيْنَا رَدُّهُ قال وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من الرُّهْبَانِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الزَّمِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عليه الْحُكْمُ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم وإذا صَالَحَ الْقَوْمُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ على الْجِزْيَةِ ثُمَّ بَلَغَ منهم مَوْلُودٌ قبل حَوْلِهِمْ بِيَوْمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَرَضِيَ بِالصُّلْحِ سُئِلَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْأَدَاءِ لِحَوْلِ قَوْمِهِ أُخِذَتْ منه وَإِنْ لم تَطِبْ نَفْسُهُ فَحَوْلُهُ حَوْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عليه الْجِزْيَةُ بِالْبُلُوغِ وَالرِّضَا وَيَأْخُذُ منه الْإِمَامُ من حِينِ رضي على حول ( ( ( حوله ) ) ) أَصْحَابُهُ وَفَضَلَ إنْ كان عليه من سَنَةٍ قَبْلَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِفَ أَحْوَالُهُمْ كَأَنْ بَلَغَ قبل الْحَوْلِ بِشَهْرٍ فَصَالَحَهُ على دِينَارٍ كل حَوْلٍ فَيَأْخُذُ منه إذَا حَالَ حَوْلُ أَصْحَابِهِ نِصْفَ سُدُسِ دِينَارٍ وفي حَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعَهُمْ دينارا ( ( ( دينار ) ) ) فإذا أَخَّرَهُ أُخِذَ منه في حَوْلِ أَصْحَابِهِ دِينَارٌ وَنِصْفُ سُدُسِ دِينَارٍ - * الصَّغَارُ مع الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فلم يَأْذَنْ اللَّهُ عز وجل في أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا منه حتى يُعْطِيَهَا عن يَدٍ صَاغِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَشْبَهَ ما قالوا بِمَا قالوا لِامْتِنَاعِهِمْ من الْإِسْلَامِ فإذا جَرَى عليهم حُكْمُهُ فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عليهم منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَحَاطَ الْإِمَامُ بِالدَّارِ قبل أَنْ يَسْبِيَ أَهْلَهَا أو قَهَرَ أَهْلَهَا الْقَهْرَ الْبَيِّنَ ولم يَسْبِهِمْ أو كان على سَبْيِهِ بِالْإِحَاطَةِ من قَهْرِهِ لهم ولم يَغْزُهُمْ لِقُرْبِهِمْ أو قِلَّتِهِمْ أو كَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِ فَعَرَضُوا عليه ان يُعْطُوا الْجِزْيَةَ على أَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ ان يَقْبَلَهَا منهم وَلَوْ سَأَلُوهُ
____________________

(4/176)


أَنْ يُعْطُوهَا على أَنْ لَا يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ ذلك له وكان عليه أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حتى يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَهُمْ صَاغِرُونَ بِأَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ قال فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكُوا من شَيْءٍ من حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ غَيْرُهُمْ أو وَقَعَ عليهم بِسَبَبِ غَيْرِهِمْ لم يَكُنْ له أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ منهم عليه فَأَمَّا إذَا كان في غَزْوِهِمْ مَشَقَّةٌ أو من بِإِزَائِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَنْتَابُهُمْ عَنْهُمْ ضَعْفٌ أو بِهِمْ ( 1 ) انْتِصَافٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَادِعُوا وَإِنْ لم يُعْطُوا شيئا أو أَعْطَوْهُ على النَّظَرِ وَإِنْ لم يَجْرِ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ كما يَجُوزُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَمُوَادَعَتِهِمْ على النَّظَرِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في كِتَابِ الْجِهَادِ دُونَ الْجِزْيَةِ - * مَسْأَلَةُ إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ بعد ما يُؤْسَرُونَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا من أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَوَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَوْلَادَهُمْ فَسَأَلُوهُ تَخْلِيَتَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ ونسائهم ( ( ( ونساءهم ) ) ) على إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لم يَكُنْ ذلك له في نِسَائِهِمْ وَلَا أَوْلَادِهِمْ وَلَا ما غَلَبَ من ذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وإذا سَأَلُوهُ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ في هذا الْوَقْتِ لم يَقْبَلْ ذلك منهم لِأَنَّهُمْ صَارُوا غَنِيمَةً أو فَيْئًا وكان له الْقَتْلُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كما كان ذلك له في أَحْرَارِ رِجَالِهِمْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد مَنَّ وَفَادَى وَقَتَلَ أَسْرَى الرِّجَالِ وَأَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِيهِمْ فقال فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى اذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان أَسَرَ أَكْثَرَ الرِّجَالِ وَحَوَى أَكْثَرَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيّ وَالْأَمْوَالِ وَبَقِيَتْ منهم بَقِيَّةٌ لم يَصِلْ إلَى أَسْرِهِمْ بِامْتِنَاعٍ في مَوْضِعٍ أو هَرَبٍ كان له وَعَلَيْهِ أَنْ يعطى الْمُمْتَنِعِينَ أَحَدَ الْجِزْيَةِ وَالْأَمَانِ على أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إنْ لم يَكُنْ أَحْرَزَ من ذلك شيئا فَإِنْ أَعْطَاهُمْ ذلك مُطْلَقًا فَكَانَ قد أَحْرَزَ من ذلك شيئا لم يَكُنْ له الْوَفَاءُ بِهِ وكان عليه أَنْ يَقْسِمَ ما أَحْرَزَ لهم وَخَيَّرَهُمْ بين أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن أَنْفُسِهِمْ وما لم يُحْرِزْ لهم أو يَنْبِذْ إلَيْهِمْ وَلَوْ جاء الْإِمَامَ رُسُلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَجَابَهُمْ إلَى أَمَانِ من جاؤوا عِنْدَهُ من بَلَدِ كَذَا وَكَذَا على أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَخَالَفَ الرُّسُلُ من غَزَا من الْمُسْلِمِينَ فَافْتَتَحُوهَا وَحَوَوْا بِلَادَهُمْ نُظِرَ فَإِنْ كان الْأَمَانُ كان لهم قبل الْفَتْحِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْوُوا الْبِلَادَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَكَانَتْ لهم الذِّمَّةُ على ما أَعْطَوْا وَلَوْ أَعْطَوْا ذِمَّةً مُنْتَقِصَةً خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كان سَبَاؤُهُمْ وَالْغَلَبَةُ على بِلَادِهِمْ كان قبل إعْطَاءِ الْإِمَامِ إيَّاهُمْ ما أَعْطَاهُمْ مَضَى عليهم السِّبَاءُ وَبَطَلَ ما أَعْطَى الْإِمَامُ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْأَمَانَ من كان رَقِيقًا وماله غَنِيمَةً أو فَيْئًا كما لو أَعْطَى قَوْمًا حَوَوْا أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ لم يَكُنْ ذلك له - * مسأله إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ على سُكْنَى بَلَدٍ وَدُخُولِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الْآيَةُ قال فَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يقول الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الْحَرَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ ) قال وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كان في رِسَالَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ في الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا فَإِنْ سَأَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عليه الْحُكْمُ على أَنْ يُتْرَكَ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ منه على ذلك شيئا وَلَا أَنْ يَدَعَ مُشْرِكًا يَطَأُ الْحَرَمَ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ طَبِيبًا كان أو صَانِعًا بُنْيَانًا أو غَيْرَهُ لِتَحْرِيمِ اللَّهِ عز وجل دُخُولَ الْمُشْرِكِينَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَعْدَهُ تَحْرِيمُ رَسُولِهِ ذلك وَإِنْ سَأَلَ من تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عليه الْحُكْمُ على أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ لم يَكُنْ ذلك له وَالْحِجَازُ مَكَّةُ
____________________

(4/177)


وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمُخَالِفِيهَا كُلُّهَا لِأَنَّ تَرْكَهُمْ بِسُكْنَى الْحِجَازِ مَنْسُوخٌ وقد كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَثْنَى على أَهْلِ خَيْبَرَ حين عَامَلَهُمْ فقال أُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ ثُمَّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَائِهِمْ من الْحِجَازِ وَلَا يَجُوزُ صُلْحُ ذِمِّيٍّ على أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ بِحَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحِجَازَ مُشْرِكٌ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت من أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَحْرُمَ أَنْ يَمُرَّ ذِمِّيٌّ بِالْحِجَازِ مَارًّا لَا يُقِيمُ بِبَلَدٍ منها أَكْثَرَ من ثَلَاثِ لَيَالٍ وَذَلِكَ مُقَامُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ قد يَحْتَمِلُ أَمْرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَائِهِمْ عنها أَنْ لَا يَسْكُنُوهَا وَيَحْتَمِلُ لو ثَبَتَ عنه ( لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ) لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ مُقِيمَانِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ ولي الْخَرَاجَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ من أَنَّ أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحْتَمِلٌ ما رَأَى عُمَرُ من أَنَّ أَجَلَ من قَدِمَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ تَاجِرًا ثَلَاثٌ لَا يُقِيمُ فيها بَعْدَ ذلك لَرَأَيْت أَنْ لَا يُصَالَحُوا بِدُخُولِهَا بِكُلِّ حَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَتَّخِذُ ذِمِّيٌّ شيئا من الْحِجَازِ دَارًا وَلَا يُصَالَحُ على دُخُولِهَا إلَّا مُجْتَازًا إنْ صُولِحَ * أخبرنا يحيى بن سُلَيْمٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا أَذِنَ لهم أَنْ يَدْخُلُوا الْحِجَازَ فَذَهَبَ لهم بها مَالٌ أو عَرَضٌ بها شُغْلٌ قِيلَ لهم وَكِّلُوا بها من شِئْتُمْ من الْمُسْلِمِينَ واخرجوا وَلَا يُقِيمُونَ بها أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَأَمَّا مَكَّةُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ أَحَدٌ منهم بِحَالٍ أَبَدًا كان لهم بها مَالٌ أو لم يَكُنْ وَإِنْ غَفَلَ عن رَجُلٍ منهم فَدَخَلَهَا فَمَرِضَ أُخْرِجَ مَرِيضًا أو مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا ولم يُدْفَنْ بها وَإِنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ دُفِنَ حَيْثُ يَمُوتُ أو مَرِضَ فَكَانَ لَا يُطِيقُ أَنْ يُحْمَلَ إلَّا بِتَلَفٍ عليه أو زِيَادَةٍ في مَرَضِهِ تُرِكَ حتي يُطِيقَ الْحَمْلَ ثُمَّ يُحْمَلَ قال وَإِنْ صَالَحَ الْإِمَامُ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ في السَّنَةِ منهم مِمَّا قُلْت لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه على أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ شيئا فَيَقْبِضُ ما حَلَّ عليهم فَلَا يَرُدُّ منه شيئا لِأَنَّهُ قد وَفَّى له بِمَا كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ نَبَذَهُ إلَيْهِمْ مَكَانَهُ وَأَعْلَمَ أَنَّ صُلْحَهُمْ لَا يَجُوزُ وقال إنْ رَضِيتُمْ صُلْحًا يَجُوزُ جَدَّدْته لَكُمْ وَإِنْ لم تَرْضَوْهُ أَخَذْت مِنْكُمْ ما وَجَبَ عَلَيْكُمْ وهو نِصْفُ ما صَالَحْتُكُمْ عليه في السَّنَةِ لِأَنَّهُ قد تَمَّ لَكُمْ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ وَإِنْ كَانُوا صَالَحُوا على أَنْ سَلَّفُوهُ شيئا لِسَنَتَيْنِ رَدَّ عليهم ما صَالَحُوهُ عليه إلَّا قَدْرَ ما اسْتَحَقَّ بِمُقَامِهِمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا أَجْلَى أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ من الْيَمَنِ وقد كانت بها ذِمَّةٌ وَلَيْسَتْ بِحِجَازٍ فَلَا يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ من الْيَمَنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على مُقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ فَأَمَّا سَائِرُ الْبُلْدَانِ ما خَلَا الْحِجَازِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحُوا على الْمُقَامِ بها فإذا وَقَعَ لِذِمِّيٍّ حَقٌّ بِالْحِجَازِ وَكَّلَ بِهِ ولم أُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا بِحَالٍ وَلَا يَدْخُلَهَا لِمَنْفَعَةٍ لِأَهْلِهَا وَلَا غَيْرِ ذلك من أَسْبَابِ الدُّخُولِ كَتِجَارَةٍ يُعْطِي منها شيئا وَلَا كِرَاءٍ يَكْرِيهِ مُسْلِمٌ وَلَا غَيْرِهِ ( 2 ) فَإِنْ أَمَرَ بِإِجْلَائِهِ من مَوْضِعٍ فَقَدْ يُمْنَعُ من الْمَوْضِعِ الذي أُجْلِيَ منه وَهَذَا إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ في النَّفْسِ منه شَيْءٌ وإذا كان هذا هَكَذَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنْ يُمْنَعُوا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ الْمُقَامَ في سَوَاحِلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت في بَحْرِ الْحِجَازِ جَزَائِرُ وَجِبَالٌ تُسْكَنُ مُنِعُوا سُكْنَاهَا لِأَنَّهَا من أَرْضِ الْحِجَازِ وإذا دخل الْحِجَازَ منهم رَجُلٌ في هذه الْحَالَةِ فَإِنْ كان تَقَدَّمَ إلَيْهِ أُدِّبَ وَأُخْرِجَ وَإِنْ لم يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ لم يُؤَدَّبْ وَأُخْرِجَ وَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَإِنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ في هذه الْحَالِ بِمَكَّةَ أُخْرِجَ منها وَأُخْرِجَ من الْحَرَمِ فَدُفِنَ في الْحِلِّ وَلَا يُدْفَنُ في الْحَرَمِ بِحَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى أَنْ لَا يَقْرُبَ مُشْرِكٌ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَوْ أَنْتَنَ أُخْرِجَ من الْحَرَمِ وَلَوْ دُفِنَ بها نُبِشَ ما لم يَنْقَطِعْ وَإِنْ مَاتَ بِالْحِجَازِ دُفِنَ بها وَإِنْ مَرِضَ في الْحَرَمِ أُخْرِجَ فَإِنْ مَرِضَ بِالْحِجَازِ يُمْهَلُ بِالْإِخْرَاجِ حتى يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلسَّفَرِ فَإِنْ احْتَمَلَهُ أُخْرِجَ قال وقد وَصَفْت مَقْدَمَهُمْ بالنجازات ( ( ( بالتجارات ) ) ) بِالْحِجَازِ فِيمَا يُؤْخَذُ منهم وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِالْحِجَازِ بِحَالٍ لِتِجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا
____________________

(4/178)


- * كَمْ الْجِزْيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ } وكان مَعْقُولًا أَنَّ الْجِزْيَةَ شَيْءٌ يُؤْخَذُ في أَوْقَاتٍ وَكَانَتْ الْجِزْيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ فَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا في كل سَنَةٍ أو قِيمَتَهُ من الْمَعَافِرِيِّ وَهِيَ الثِّيَابُ وَكَذَلِكَ روى أَنَّهُ أَخَذَ من أَهْلِ أَيْلَةَ وَمِنْ نَصَارَى مَكَّةَ دِينَارًا عن كل إنْسَانٍ قال وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ من أَهْلِ نَجْرَانَ فيها كِسْوَةٌ وَلَا أَدْرِي ما غَايَةُ ما أَخَذَ منهم وقد سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ من الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ من أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ ما أَخَذَ من كل وَاحِدٍ أَكْثَرُ من دِينَارٍ وَأَخَذَهَا من أُكَيْدِرَ وَمِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ لَا أَدْرِي كَمْ غَايَةُ ما أُخِذَ منهم ولم أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ حَكَى عنه أَنَّهُ أَخَذَ من أَحَدٍ أَقَلَّ من دِينَارٍ * أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ قال أخبرني إسْمَاعِيلُ بن أبي حَكِيمٍ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ( إنَّ على كل إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا أو قِيمَتَهُ من الْمَعَافِرِيِّ ) يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ منهم * أخبرني مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ وَهِشَامُ بن يُوسُفَ بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ غير أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَضَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ من أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ قُلْت لِمُطَرِّفِ بن مَازِنٍ فإنه يُقَالُ وَعَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا فقال ليس أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ من النِّسَاءِ ثَابِتًا عِنْدَنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بن خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن مُسْلِمٍ وَعِدَّةً من عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَكُلٌّ حَكَى عن عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ كلهم ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم كان لِأَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ على دِينَارٍ كل سَنَةٍ وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وقال عَامَّتُهُمْ ولم يَأْخُذْ من زُرُوعِهِمْ وقد كانت لهم الزُّرُوعُ وَلَا من مَوَاشِيهِمْ شيئا عَلِمْنَاهُ وقال لي بعضهم قد جَاءَنَا بَعْضُ الْوُلَاةِ فَخَمَّسَ زُرُوعَهُمْ أو أرادها ( ( ( أرادوها ) ) ) فَأَنْكَرَ ذلك عليه وَكُلُّ من وَصَفْت أخبرني أَنَّ عَامَّةَ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ من حِمْيَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَأَلْت عَدَدًا كَثِيرًا من ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُفْتَرِقِينَ في بُلْدَانِ الْيَمَنِ فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لي لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ منهم دِينَارًا على كل بَالِغٍ وَسَمَّوْا الْبَالِغَ الْحَالِمَ قالوا كان في كِتَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع مُعَاذٍ ( إنَّ على كل حَالِمٍ دِينَارًا ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ على نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ يُقَالُ له مَوْهَبٌ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ على نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنْ يُضَيِّفُوا من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا * أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ فَضَرَبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا دَعَا من يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ منه الْجِزْيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ على ما يَجُوزُ وَبَذَلَ دِينَارًا عن نَفْسِهِ كُلَّ سَنَةٍ لم يَجُزْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهُ منه وَإِنْ زَادَهُ على دِينَارٍ ما بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا منه لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نَصَارَى أَيْلَةَ في كل سَنَةٍ دِينَارًا على كل وَاحِدٍ وَالضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ على الدِّينَارِ وَسَوَاءٌ مُعْسِرُ الْبَالِغِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُوسِرُهُمْ بَالِغًا ما بَلَغَ يُسْرُهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ على دِينَارٍ على الْمُحْتَلِمِ في كل سَنَةٍ أَنَّ منهم الْمُعْسِرَ فلم يَضَعْ عنه وَأَنَّ فِيهِمْ الْمُوسِرَ فلم يَزِدْ عليه فَمَنْ عَرَضَ دِينَارًا مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا قُبِلَ منه وَإِنْ عَرَضَ أَقَلَّ منه لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّ من صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم نَعْلَمْهُ صَالَحَ على أَقَلَّ من دِينَارٍ قال فَالدِّينَارُ أَقَلُّ ما يُقْبَلُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ إنْ بَذَلُوهُ قَبُولُهُ منه عن كل وَاحِدٍ منهم وَإِنْ لم يَزِدْ ضِيَافَةً وَلَا شيئا يُعْطِيهِ من مَالِهِ فَإِنْ صَالَحَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِمَّنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منه وهو يَقْوَى عليه على الأبدى على أَقَلَّ من دِينَارٍ أو على أَنْ يَضَعَ عَمَّنْ أَعْسَرَ من أَهْلِ دِينِهِ الْجِزْيَةَ أو على أَنْ يُنْفِقَ عليهم من بَيْتِ الْمَالِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ من
____________________

(4/179)


أَحَدٍ منهم إلَّا ما صَالَحَهُ عليه إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ تُوجِبُ عليه بِشَرْطِهِ شيئا وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حتى يُصَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا وَإِنْ صَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا على دِينَارٍ أو أَكْثَرَ فَأَعْسَرَ وَاحِدٌ منهم بِجِزْيَتِهِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ ليس بِأَحَقَّ بِمَالِهِ من غُرَمَائِهِ وَلَا غُرَمَائِهِ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ فَلَّسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قبل أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عليه ضَرَبَ مع غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عليه من الْحَوْلِ وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ غُرَمَائِهِ كان له ما لم يَسْتَعِدَّ عليه غُرَمَاؤُهُ أو بَعْضُهُمْ فإذا اسْتَعْدَى عليه بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّ عليه حين اسْتَعْدَى عليه أَنْ يَقِفَ مَالُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ أو ثَبَتَ عليه بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لم يَسْتَعْدِ عليه كان له أَخْذُ جِزْيَتِهِ منه دُونَهُمْ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ عليه حَقٌّ عِنْدَهُ حين أَخَذَ جِزْيَتَهُ وَإِنْ صَالَحَ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على ما يَجُوزُ له فَغَابَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ من مَالِهِ وَإِنْ كان غَائِبًا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ حَيَاتَهُ سَأَلَ وَكِيلَهُ وَمَنْ يَقُومُ بِمَالِهِ عن حَيَاتِهِ فَإِنْ قالوا مَاتَ وَقَفَ مَالَهُ وَأَخَذَ ما اسْتَحَقَّ فيه إلَى يَوْمِ يَقُولُونَ مَاتَ فَإِنْ قالوا حَيٌّ وَقَفَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ مُتَطَوِّعِينَ الْجِزْيَةَ وَلَا يَكُونُ له أَخْذُهَا من مَالِهِ وهو لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهَا مُتَطَوِّعِينَ أو يَكُونَ بِعِلْمِ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَنْ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا بَالِغِينَ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ في مَالِهِمْ فَيُجِيزُ عليهم إقْرَارُهُمْ على أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ أن مَاتَ فَهُوَ مَالُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ من مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُمَا رَدَّ حِصَّةَ ما لم يَسْتَحِقَّ وكان عليه أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ كان ما يُصِيبُهُ إذَا حاصصهم في الْجِزْيَةِ عليه أَقَلُّ مِمَّا أَخَذَ رَدَّهُ عليهم وَإِنْ كان وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ جَائِزِي الْأَمْرَ فَقَالُوا مَاتَ أَمْسِ وَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فَسَأَلَ الْوَرَثَةُ الْوَالِيَ أَنْ يَرُدَّ عليهم جِزْيَتَهُ سَنَةً لم يَكُنْ على الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عليهم لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الشُّهُودَ بِسُقُوطِ الْجِزْيَةِ عنه بِالْمَوْتِ وَلَوْ جَاءَنَا وَارِثَانِ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا الشُّهُودَ وَكَذَّبَهُمْ الْآخَرُ فَكَانَا كَرَجُلَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا رَجُلَانِ بِحَقَّيْنِ فَصَدَّقَهُمَا أَحَدُهُمَا ولم يُصَدِّقْهُمَا الْآخَرُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِلَّذِي صَدَّقَهُمَا وَتُرَدُّ لِلَّذِي كَذَّبَهُمَا وكان على الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الدِّينَارِ على الْوَارِثِ الذي صَدَّقَ الشُّهُودَ وَلَا يَرُدُّ على الذي كَذَّبَ الشُّهُودَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَخَذْنَا الْجِزْيَةَ من أَحَدٍ من أَهْلِهَا فَافْتَقَرَ كان الْإِمَامُ غَرِيمًا من الْغُرَمَاءِ ولم يَكُنْ له أَنْ يُنْفِقَ من مَالِ اللَّهِ عز وجل على فَقِيرٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ عز وجل ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ الصَّدَقَاتُ فَهِيَ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَالْفَيْءُ فَلِأَهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ الْحَشْرِ وَالْغَنِيمَةُ فَلِأَهْلِهَا الَّذِينَ حَضَرُوهَا وَأَهْلُ الْخُمُسِ الْمُسْلِمِينَ في الْأَنْفَالِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُسْلِمٌ فَحَرَامٌ على الْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْخُذَ من حَقِّ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيهِ مُسْلِمًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ بِذِمِّيٍّ لم يَجْعَلْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له فِيمَا تَطَوَّلَ بِهِ على الْمُسْلِمِينَ نَصِيبًا أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ منهم يَمُوتُ فَلَا يَكُونُ له وَارِثٌ فَيَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْعَمَ على الْمُسْلِمِينَ بِتَخْوِيلِهِمْ ما لم يَكُونُوا يَتَخَوَّلُونَهُ قبل تَخْوِيلِهِمْ وَبِأَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيْئًا وَغَنِيمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَرْوُونَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ على نَصَارَى أَيْلَةَ جِزْيَةً دِينَارٌ على كل إنْسَانٍ وَضِيَافَةُ من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَتِلْكَ زِيَادَةٌ على الدِّينَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ بَذَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَكْثَرَ من دِينَارٍ بَالِغًا ما بَلَغَ كان الِازْدِيَادُ أَحَبَّ إلَيَّ ولم يَحْرُمْ على الْإِمَامِ مِمَّا زَادُوهُ شَيْءٌ وقد صَالَحَ عُمَرُ أَهْلَ الشَّامِ على أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةٍ * أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن أَسْلَمَ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ على أَهْلِ الذهب ( ( ( المذهب ) ) ) أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَمَعَ ذلك إرزاق الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد روى أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ على أَهْلِ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْيُسْرِ وَعَلَى أَهْلِ الْأَوْسَاطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَعَلَى من دُونَهُمْ اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا في الدِّرْهَمِ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ عُمَرَ بِأَنَّهُ
____________________

(4/180)


عَدَّلَ الدَّرَاهِمَ في الدِّيَةِ اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن حَارِثَةَ بن مُضَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَرَضَ على أَهْلِ السَّوَادِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ أو مَطَرٌ أَنْفَقَ من مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ أَسْلَمَ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَشْبَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا وقد يَكُونُ جَعَلَهَا على قَوْمٍ ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً ولم يَجْعَلْ على آخَرِينَ ضِيَافَةً كما يَخْتَلِفُ صُلْحُهُ لهم فَلَا يَرُدُّ بَعْضُ الحديث بَعْضًا - * بِلَادُ الْعَنْوَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ظَهَرَ الْإِمَامُ على بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَنَفَى عنها أَهْلَهَا أو ظَهَرَ على بِلَادٍ وَقَهَرَ أَهْلَهَا ولم يَكُنْ بين بِلَادِ الْحَرْبِ التي ظَهَرَ عليها وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُشْرِكٌ أو كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُشْرِكُونَ لَا يَمْنَعُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ الَّذِينَ ظَهَرُوا على بِلَادِهِمْ وكان قَاهِرًا لِمَنْ بَقِيَ مَحْصُورًا وَمُنَاظِرًا له وَإِنْ لم يَكُنْ مَحْصُورًا فَسَأَلَهُ أُولَئِكَ من الْعَدُوِّ أن ( ( ( وأن ) ) ) يَدَعَ لهم أَمْوَالَهُمْ على شَيْءٍ يأخذه ( ( ( يأخذ ) ) ) منهم فيها أو منها قَلَّ أو كَثُرَ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهَا قد صَارَتْ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَمِلْكًا لهم ولم يَجُزْ له إلَّا قَسْمُهَا بين أَظْهُرِهِمْ كما صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ فإنه ظَهَرَ عليها وهو في عَدَدٍ الْمُشْرِكُونَ من أَهْلِهَا أَكْثَرُ منهم وَقُرْبُهَا مُشْرِكُونَ من الْعَرَبِ غَيْرُ يَهُودٍ وقد أَرَادُوا مَنْعَهُمْ منه فلما بَانَ له أَنَّهُ قَاهِرٌ قَسَمَ أَمْوَالَهُمْ كما يَقْسِمُ ما أَحْرَزَ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَخَمَّسَهَا وَسَأَلُوهُ وَهُمْ مُتَحَصِّنُونَ منه لهم شَوْكَةٌ ثَابِتَةٌ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَلَا يَسْبِي ذَرَارِيِّهِمْ فَأَعْطَاهُمْ ذلك لِأَنَّهُ لم يَظْهَرْ على الْحُصُونِ وَمَنْ فيها فَيَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُونَ ولم يُعْطِهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك فِيمَا ظَهَرَ عليه من الْأَمْوَالِ إذْ رَأَى أَنْ لَا قُوَّةَ بِهِمْ على أَنْ يَبْرُزُوا عن الْحُصُونِ لِمَنْعِ الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ لم يُعْطِهِمْ ذلك في حِصْنٍ ظَهَرَ فيه بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَأُخْتِهَا وَصَارَتْ في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عليه كما ظَهَرَ على الْأَمْوَالِ ولم يَكُنْ لهم قُوَّةٌ على مَنْعِهِ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا كُلُّ ما ظَهَرَ عليه من قَلِيلِ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ أو كَثِيرِهِ أَرْضٍ أو دَارٍ أو غَيْرِهِ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَحُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْغَنِيمَةِ أَنْ تُخَمَّسَ وقد بَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِمَنْ أَوْجَفَ عليها بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على طَرَفٍ من أَطْرَافِ الْمُشْرِكِينَ حتى يَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ على مَنْعِهِ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ لم يَنَالُوا الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ بَلَدُ عَنْوَةٍ يَجِبُ عليه قَسْمُهُ وَقَسْمُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ بين من أَوْجَفَ عليه بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ إنْ كان فيه عِمَارَةٌ أو كانت لِأَرْضِهِ قِيمَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما وَصَفْت أَنَّهُ يَجِبُ قَسْمُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ ولم يَقْسِمْهُ فَوَقَفَهُ الْمُسْلِمُونَ أو تَرَكَهُ لِأَهْلِهِ رَدَّ حُكْمَ الْإِمَامِ فيه لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ مَعًا فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذِكْرُ ذلك في الْكِتَابِ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } الْآيَةَ وَقَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ على من أَوْجَفَ عليه بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ من كل ما أَوْجَفَ عليه من أَرْضٍ أو عِمَارَةٍ أو مَالٍ وَإِنْ تَرَكَهَا لِأَهْلِهَا اتبع أَهْلَهَا بِجَمِيعِ ما كان في أَيْدِيهِمْ من غَلَّتِهَا فَاسْتَخْرَجَ من أَيْدِيهِمْ وَجَعَلَ أَجْرَ مِثْلِهِمْ فِيمَا قَامُوا عليه فيها وكان لِأَهْلِهَا أَنْ يُتْبِعُوا الْإِمَامَ بِكُلِّ ما فَاتَ فيها لِأَنَّهَا أَمْوَالُهُمْ أَفَاتَهَا قال فَإِنْ ظَهَرَ الْإِمَامُ على بِلَادٍ عَنْوَةً فَخَمَّسَهَا ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ تَرْكَ حُقُوقِهِمْ منها فَأَعْطَوْهُ ذلك طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ فَلَهُ قَبُولُهُ إنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى فَإِنْ تَرَكُوهُ كَالْوَقْفِ على الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ من أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَ بِهِ أَرْضَهُ وَأَحْسِبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ إنْ كان صَنَعَ هذا في شَيْءٍ من بِلَادِ الْعَنْوَةِ إنَّمَا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا عنها فَصَنَعَ ما وَصَفْت فيها كما اسْتَطَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْفُسَ من صَارَ في يَدَيْهِ سَبْيُ هَوَازِنَ ب حنين ) فَمَنْ طَابَ نَفْسًا رَدَّهُ وَمَنْ لم يَطِبْ نَفْسًا لم يُكْرِهْهُ على أَخْذِ ما في يَدَيْهِ
____________________

(4/181)


- * بِلَادُ أَهْلِ الصُّلْحِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا غَزَا الْإِمَامُ قَوْمًا فلم يَظْهَرْ عليهم حتى عَرَضُوا عليه الصُّلْحَ على شَيْءٍ من أَرْضِهِمْ أو شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عن أَرْضِهِمْ فيه ما هو أَكْثَرُ من الْجِزْيَةِ أو مِثْلُ الْجِزْيَةِ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تؤخذ ( ( ( يؤخذ ) ) ) منهم الْجِزْيَةُ وَأَعْطَوْهُ ذلك على أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ منهم وَلَيْسَ له قَبُولُهُ منهم إلَّا على أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وإذا قَبِلَهُ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالشَّرْطِ بَيْنَهُمْ وَاضِحًا يَعْمَلُ بِهِ من جاء بَعْدَهُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَالَحُوا عليها على ما صَالَحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا عنها شيئا فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لهم على ذلك وَإِنْ هُمْ صَالَحُوهُ على أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ من رَقَبَةِ الْأَرْضِ شيئا فإن الْمُسْلِمِينَ شُرَكَاؤُهُمْ في رِقَابِ أَرْضِهِمْ بِمَا صَالَحُوهُمْ عليه وَإِنْ صَالَحُوا على أَنَّ الْأَرْضَ لهم وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا كَذَا من الْحِنْطَةِ أو يُؤَدُّوا من كل ما زَرَعُوا في الْأَرْضِ كَذَا من الْحِنْطَةِ لم يَجُزْ حتى يَسْتَبِينَ فيه ما وَصَفْت فِيمَنْ صَالَحَ على صَدَقَةِ مَالِهِ وإذا صَالَحُوهُمْ على أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على ذلك وَيَجْعَلُوا عليهم خَرَاجًا مَعْلُومًا إمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يَضْمَنُونَهُ في أَمْوَالِهِمْ كَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يُؤَدَّى عن كل زَرْعٍ من الْأَرْضِ كَذَا من الْحِنْطَةِ أو غَيْرِهَا إذَا كان ذلك إذَا جَمَعَ مِثْلَ الْجِزْيَةِ أو أَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُصَالِحُوهُمْ على أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنْ زَرَعُوا شيئا من الْأَرْضِ فللمسلمين ( ( ( للمسلمين ) ) ) من كل جَرِيبٍ أو فَدَانٍ زَرَعُوهُ مَكِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ أو جُزْءٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُمْ قد يَزْرَعُونَ فَلَا يَنْبُتُ أو يَقِلُّ أو يَكْثُرُ أو لَا يَزْرَعُونَ وَلَا يَكُونُونَ حِينَئِذٍ صَالَحُوهُ على جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا أَمْرٍ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ يَأْتِي كَأَقَلِّ الْجِزْيَةِ أو يُجَاوِزُ ذلك * وَأَهْلُ الصُّلْحِ أَحْرَارٌ إنْ لم يَظْهَرْ عليهم وَلَهُمْ بِلَادُهُمْ إلَّا ما أَعْطَوْهُ منها * وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُخَمِّسَ ما صَالَحُوا عليه فَيَدْفَعَ خُمُسَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ضَمِنَ في مَالِهِ ما اسْتَهْلَكَ عليهم منه كما وَصَفْت في بِلَادِ الْعَنْوَةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ جِزْيَةٍ كما وَصَفْته يَمْنَعُ أَهْلَ الْجِزْيَةِ - * الْفَرْقُ بين نِكَاحِ من تُؤْخَذ منه الْجِزْيَةُ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَحُكْمٌ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أو يُسْلِمُوا قال وَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكُلَّ من دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ دَلَالَةُ ما يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ من بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ فَكَانَ في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمُرَادُونَ بِإِحْلَالِ النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاءُ الْمَجُوسِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فلما دَلَّ الْإِجْمَاعُ على أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَأَنَّ منهم من تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَمِنْهُمْ من لَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل نِعْمَتَهُ على بَنِي إسْرَائِيلَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ وما آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ من أَهْلِ دَهْرِهِمْ كان من دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ قبل الْإِسْلَامِ من غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ في غَيْرِ مَعْنَى من بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يَنْكِحَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عليهم أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا غير أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ غَيْرِ نَسَبِ بَنِي إسْرَائِيلَ فلم يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا بِمَعْنَى لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فلم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَنْكِحَ نِسَاءَ أَحَدٍ من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ غير بَنِي إسْرَائِيلَ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِحَالٍ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ
____________________

(4/182)


عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْجَارِي أو عبد اللَّهِ بن سَعِيدٍ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ كان من بَنِي إسْرَائِيلَ يَدِينُ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نُكِحَ نِسَاؤُهُ وَأُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ نُكِحَ نِسَاؤُهُ فسبى منهم أَحَدٌ وطىء بِالْمِلْكِ وَمَنْ دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ من غَيْرِهِمْ لم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُ ولم تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ ولم تُوطَأْ أَمَتُهُ وإذا لم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ ولم تُوطَأْ منهم أَمَةٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ( 1 ) لم تُنْكَحْ منهم امْرَأَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ من بَنِي إسْرَائِيلَ وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَلِأَصْلِ التَّوْرَاةِ وَلِأَصْلِ الْإِنْجِيلِ نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأُحِلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ في فَرْعٍ من دِينِهِمْ لِأَنَّهُمْ فُرُوعٌ قد يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ في أَصْلِ التَّوْرَاةِ لم تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ ولم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ من كان من بَنِي إسْرَائِيلَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ بِدِينِهِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حَلَّ ذلك منه حَيْثُمَا كان مُحَارِبًا أو مُهَادِنًا أو مُعْطِيًا لِلْجِزْيَةِ لَا فَرْقَ بين ذلك غير أَنِّي أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النِّكَاحَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالسِّبَاءِ عليه وَعَلَى وَلَدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ ارْتَدَّ من نِسَاءِ الْيَهُودِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أو من نِسَاءِ النَّصَارَى إلَى الْيَهُودِيَّةِ أو رِجَالِهِمْ لم يُقَرُّوا على الْجِزْيَةِ ولم يُنْكَحْ من ارْتَدَّ عن أَصْلِ دِينِ آبَائِهِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدُّوا إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو غَيْرِهَا من الشِّرْكِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِذَ منهم على الْإِقْرَارِ على دِينِهِمْ فإذا بَدَّلُوهُ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ حَالَتْ حَالُهُمْ عَمَّا أُخِذَ إذَنْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم عليه وَأُبِيحَ من طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ - * تَبْدِيلُ أَهْلِ الْجِزْيَةِ دِينَهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما نَبْنِي عليه أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ من أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ أو هو دَانَ ذلك الدِّينَ قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ وَتُقْبَلُ من كل من يَثْبُتُ على دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ ما ثَبَتُوا على الْأَدْيَانِ التي أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ منهم عليها فَإِنْ بَدَّلَ يَهُودِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ أو نَصْرَانِيٌّ دِينَهُ بِمَجُوسِيَّةٍ أو بَدَّلَ مَجُوسِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ أو انْتَقَلَ أَحَدٌ منهم من دِينِهِ إلَى غَيْرِ دِينِهِ من الْكُفْرِ مِمَّا وَصَفْت أو التَّعْطِيلُ أو غَيْرُهُ لم يُقْتَلْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ من بَدَّلَ دِينَ الْحَقِّ وهو الْإِسْلَامُ وَقِيلَ إنْ رَجَعْت إلَى دِينِك أَخَذْنَا مِنْك الْجِزْيَةَ وَإِنْ أَسْلَمْت طرحناها ( ( ( طرحنا ) ) ) عَنْك فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَنَأْخُذُ مِنْك حِصَّةَ الْجِزْيَةِ التي لَزِمَتْك إلَى أَنْ أَسْلَمْت أو بَدَّلْت وإذا بَدَّلْت بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ نَبَذْنَا إلَيْك وَنَفَيْنَاك عن بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ دَارَ مُقَامٍ لِأَحَدٍ إلَّا مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْك الْجِزْيَةَ على غَيْرِ الدِّينِ الذي أُخِذَتْ مِنْك أَوَّلًا عليه وَلَوْ أَجَزْنَا هذا أَجَزْنَا أَنْ يَتَنَصَّرَ وَثَنِيٌّ الْيَوْمَ أو يَتَهَوَّدَ أو يَتَمَجَّسَ فَنَأْخُذَ منه الْجِزْيَةَ فَيَتْرُكَ قِتَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا حتى يُسْلِمُوا وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم على ما دَانُوا بِهِ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ خِلَافُ ما أَحْدَثُوا من الدِّينِ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ كان له مَالٌ بِالْحِجَازِ قِيلَ وَكِّلْ بِهِ ولم يُتْرَكْ يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثًا وَإِنْ كان له بِغَيْرِ الْحِجَازِ لم يُتْرَكْ يُقِيمُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا بِقَدْرِ ما يَجْمَعُ مَالَهُ فَإِنْ أَبْطَأَ فَأَكْثَرُ ما يُؤَجَّلُ إلَى الْخُرُوجِ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِغَيْرِ الذِّمِّيِّينَ من الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { غَيْرِ مُعْجِزِي اللَّهِ } فَأَجَّلَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَجَّلَهُمْ اللَّهُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَ إلَيْهِ مَالَهُ
____________________

(4/183)


وَلَيْسَ لنا أَنْ نَغْنَمَهُ بِرِدَّتِهِ عن شِرْكٍ إلَى شِرْكٍ لِمَا سَبَقَ من الْأَمَانِ له فَإِنْ كانت له زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ لم يُبَدِّلُوا أَدْيَانَهُمْ أُقِرَّتْ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ في بِلَادِ الاسلام وَأُخِذَ من وَلَدِهِ الرِّجَالِ الْجِزْيَةُ وَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ أو أُمُّ وَلَدِهِ ولم تُبَدِّلْ دِينَهَا وَهِيَ على دِينٍ يُؤْخَذُ من أَهْلِهِ الْجِزْيَةُ أَقَرَّ وَلَدُهَا الصِّغَارُ وَإِنْ كانت بَدَّلَتْ دِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ معه أو بَدَّلَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ أو كانت وَثَنِيَّةً وله وَلَدٌ صِغَارٌ منها فَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجُوا لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا أُمِّهِمْ يُقِرُّونَ بها في بِلَادِ الاسلام وَالثَّانِي لَا يَخْرُجُونَ لِمَا سَبَقَ لهم من الذِّمَّةِ وَإِنْ بَدَّلُوا هُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُلْت في زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَجَارِيَتِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ أَقَرَّهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ إخْرَاجَهُمْ وَكَرِهُوهُ فَلَيْسَ ذلك له وَآمُرُهُ فِيمَنْ يَجُوزُ له بَيْعُهُ من رَقِيقِهِ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ أو يَبِيعَهُ وَأَوْقَفَ مَالًا إنْ وَجَدْت له وَأَشْهَدَ عليه أَنَّهُ مَلَكَهُ لِلنَّفَقَةِ على أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عليه وَإِنْ لم أَجِدْ له شيئا فَلَا يَنْشَأُ له وَقْفٌ وَنَفَيْته بِكُلِّ حَالٍ عن بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنْ لم يُسْلِمْ أو يَرْجِعْ إلَى دِينِهِ الذي أَخَذْت عليه منه الْجِزْيَةَ وإذا مَاتَ قبل إخْرَاجِهِ وَرَّثْت مَالَهُ من كان يَرِثُهُ قبل أَنْ يُبَدِّلَ دِينَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَرَّثُ الْوَثَنِيُّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ وَبَعْضُ الْكِتَابِيِّينَ بَعْضًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا كما الْإِسْلَامُ مِلَّةٌ - * جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَالْعَهْدِ وَنَقْضِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَبِالْعَهْدِ كان بِيَمِينٍ أو غَيْرِهَا في قَوْله تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وفي قَوْله تَعَالَى { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كان شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } وقد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ بِالْأَيْمَانِ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ منها قَوْلُهُ عز وجل { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } مع ما ذُكِرَ بِهِ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا من سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الذي خُوطِبَتْ بِهِ وَظَاهِرُهُ عَامٌّ على كل عَقْدٍ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُوفِيَ بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كانت في الْعَقْدِ لِلَّهِ طَاعَةٌ ولم يَكُنْ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ منها مَعْصِيَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت وَالْأَمْرُ فيه كُلُّهُ مُطْلَقٌ وَمِنْ أَيْنَ كان لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ عَهْدًا بِكُلِّ حَالٍ قِيلَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ صَالَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ على أَنْ يَرُدَّ من جاء منهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ منهم مُسْلِمَةً { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } فَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليهم أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ وقد أَعْطَوْهُمْ رَدَّ من جاء منهم وَهُنَّ منهم فَحَبَسَهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل وَعَاهَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عليه { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } الْآيَةُ وَأَنْزَلَ { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } { من الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لم يَنْقُصُوكُمْ شيئا } الْآيَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَنْ صَالَحَ من الْمُشْرِكِينَ قِيلَ كان صُلْحُهُ لهم طَاعَةً لِلَّهِ إمَّا عن أَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِمَا صَنَعَ نَصًّا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ له أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عليه فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَنَسَخَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِعْلَهُ بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكُلٌّ كان لِلَّهِ طَاعَةً في وَقْتِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَهَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا مَنْسُوخًا ثُمَّ يَفْسَخُهُ قِيلَ له ليس له أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدًا مَنْسُوخًا وَإِنْ كان ابْتَدَأَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَهُ كما ليس له أَنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ يُصَلِّيَ إلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قد نُسِخَتْ وَمَنْ صلى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل نَسْخِهَا فَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ عز وجل كَالطَّاعَةِ له حين صلي إلَى الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ قِبْلَةَ
____________________

(4/184)


بَيْتِ الْمَقْدِسِ كانت طَاعَةً لِلَّهِ قبل أَنْ تُنْسَخَ وَمَعْصِيَةً بعد ما نُسِخَتْ فلما قُبِضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَنَاهَتْ فَرَائِضُ اللَّهِ عز وجل فَلَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ منها فَمَنْ عَمِلَ منها بِمَنْسُوخٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عن الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا فَرْقٌ بين نَبِيِّ اللَّهِ وَبَيْنَ من بَعْدَهُ من الْوُلَاةِ في النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وفي كل ما وَصَفْت دَلَالَةٌ على أَنْ ليس لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا غير مُبَاحٍ له وَعَلَى أَنَّ عليه إذَا عَقَدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ ثُمَّ تَكُونَ طَاعَةُ اللَّهِ في نَقْضِهِ فَإِنْ قِيلَ فما يُشْبِهُ هذا قِيلَ له هذا مِثْلُ ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ ) وَأَسَرَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَأَخَذُوا نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَانْطَلَقَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ على نَاقَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عز وجل عليها أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا نَذْرَ يُوَفَّى بِهِ فلما دَلَّتْ السُّنَّةُ على إبْطَالِ النَّذْرِ فِيمَا يُخَالِفُ الْمُبَاحَ من طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل دَلَّ على إبْطَالِهِ الْعُقُودَ في خِلَافِ ما يُبَاحُ من طَاعَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْرَ النَّاقَةِ لم يَكُنْ مَعْصِيَةً لو كانت لها فلما كانت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَذَرَتْ نَحْرَهَا كان نَحْرُهَا مَعْصِيَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَبَطَلَ عنها عَقْدُ النَّذْرِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْأَيْمَانِ { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ ) فَأَعْلَمَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ بِالْيَمِينِ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها وَأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل من الْكَفَّارَةِ وَكُلُّ هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يوفي بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ وَعَهْدٍ لِمُسْلِمٍ أو مُشْرِكٍ كان مُبَاحًا لَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عز وجل فيه فَأَمَّا ما فيه لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ فَطَاعَةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في نَقْضِهِ إذَا مَضَى وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَهُ - * جِمَاعُ نَقْضِ الْعَهْدِ بِلَا خِيَانَةٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } قال الشَّافِعِيُّ نَزَلَتْ في أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَدَلَّ بِهِ على خِيَانَتِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا جَاءَتْ دَلَالَةٌ على إن لم يُوَفِّ أَهْلَ هُدْنَةٍ بِجَمِيعِ ما هَادَنَهُمْ عليه فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ وَمَنْ قُلْت له أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ إن يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ له أَنْ يُحَارِبَهُ كما يُحَارِبُ من لَا هُدْنَةَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال الْإِمَامُ أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ وَلَا دَلَالَةَ له على خِيَانَتِهِمْ من خَبَرٍ وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إذَا كانت صَحِيحَةً لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخَوْفَ من خِيَانَتِهِمْ الذي يَجُوزُ بِهِ النَّبْذُ إلَيْهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلَالَةٍ على الْخَوْفِ ( 1 ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو لم يَكُنْ بِمَا يَخْطُرُ على الْقُلُوبِ قبل الْعَقْدِ لهم وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ من أَنْ يَخْطُرَ عليها أَنْ يَخُونُوا فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يُشْبِهُهُ قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَقَدَ على الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ ولم يَرَهَا فَقَدْ يَخْطُرُ على بَالِهِ أَنْ تَنْشُزَ منه بِدَلَالَةٍ وَمَعْقُولًا عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ لم يُؤْمَرْ بِهِ إلَّا عِنْدَ دَلَالَةِ النُّشُوزِ وما يَجُوزُ بِهِ من بَعْلِهَا ما أبيح ( ( ( أتيح ) ) ) له فيها
____________________

(4/185)


- * نَقْضُ الْعَهْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مُدَّةً أو أَخَذَ الْجِزْيَةَ من قَوْمٍ فَكَانَ الذي عَقَدَ الْمُوَادَعَةَ وَالْجِزْيَةَ عليهم رَجُلًا أو رِجَالًا منهم لم تَلْزَمْهُمْ حتى نَعْلَمَ أَنَّ من بَقِيَ منهم قد أَقَرَّ بِذَلِكَ وَرَضِيَهُ وإذا كان ذلك فَلَيْسَ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ لهم مَالًا وَدَمًا فَإِنْ فَعَلَ حَكَمَ عليه بِمَا اسْتَهْلَكَ ما كَانُوا مُسْتَقِيمِينَ وإذا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عليهم أو نَقَضَتْ منهم جَمَاعَةٌ بين أَظْهُرِهِمْ فلم يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ ظَاهِرٍ قبل أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ أو يَعْتَزِلُوا بِلَادَهُمْ وَيُرْسِلُوا إلَى الْإِمَامِ إنَّا على صُلْحِنَا أو يَكُونَ الَّذِينَ نَقَضُوا خَرَجُوا إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعِينُونَ الْمُقَاتِلِينَ أو يُعِينُونَ على من قَاتَلَهُمْ منهم فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فإذا فَعَلَ فلم يَخْرُجْ منهم إلَى الْإِمَامِ خَارِجٌ مِمَّا فَعَلَهُ جَمَاعَتُهُمْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ كَانُوا في وَسَطِ دَارِ الْإِسْلَامِ أو في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَهَكَذَا فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عليهم صَاحِبُهُمْ الصُّلْحَ بِالْمُهَادَنَةِ فَنَقَضَ ولم يُفَارِقُوهُ فَسَارَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في عُقْرِ دَارِهِمْ وَهِيَ معه بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ وَلَيْسَ كلهم اشْتَرَكَ في الْمَعُونَةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَلَكِنْ كلهم لَزِمَ حِصْنَهُ فلم يُفَارِقْ الْغَادِرِينَ منهم إلَّا نَفَرٌ فَحَقَنَ ذلك دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزَ عليهم وَكَذَلِكَ إنْ نَقَضَ رَجُلٌ منهم فَقَاتَلَ كان لِلْإِمَامِ قِتَالُ جَمَاعَتِهِمْ كما كان يُقَاتِلُهُمْ قبل الْهُدْنَةِ قد أَعَانَ على خُزَاعَةَ وَهُمْ في عَقْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ نَفَرٍ من قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ( 1 ) وَتَرَكَ الْبَاقُونَ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ فَإِنْ خَرَجَ منهم خَارِجٌ بَعْدَ مَسِيرِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا أَحْرَزَ له الْإِسْلَامُ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَصِغَارَ ذُرِّيَّتِهِ وَإِنْ خَرَجَ منهم خَارِجٌ فقال أنا على الْهُدْنَةِ التي كانت وَكَانُوا أَهْلَ هُدْنَةٍ لَا أَهْلَ جِزْيَةٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ لم يَكُنْ مِمَّنْ غَدَرَ وَلَا أَعَانَ قُبِلَ قَوْلُهُ إذَا لم يَعْلَمْ الْإِمَامُ غير ما قال فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ غير ما قال نَبَذَ إلَيْهِ وَرَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُ وَغَنِمَ مَالَهُ إنْ لم يُسْلِمْ أو يُعْطِ الْجِزْيَةَ إنْ كان من أَهْلِهَا فَإِنْ لم يَعْلَمْ غير قَوْلِهِ وَظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على خِيَانَتِهِ وَخَتْرِهِ أو خَوْفِ ذلك منه نَبَذَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَلْحَقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَزَلَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في قَوْمٍ أَهْلِ مُهَادَنَةٍ لَا أَهْلِ جِزْيَةٍ وَسَوَاءٌ ما وَصَفْت فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أو لَا تُؤْخَذُ إلَّا أَنَّ من لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ إذَا عَرَضَ الْجِزْيَةَ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا منه على الْأَبَدِ وَأَخَذَهَا منه إلَى مُدَّةٍ قال وَإِنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ لَيُخَالِفُونَ غير أَهْلِ الْجِزْيَةِ في أَنْ يَخَافَ الْإِمَامُ غَدْرَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ بِالْخَوْفِ وَالدَّلَالَةِ كما يَنْبِذُ إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حتى يَنْكَشِفُوا بِالْغَدْرِ أو الِامْتِنَاعِ من الْجِزْيَةِ أو الْحُكْمِ وإذا كان أَهْلُ الْهُدْنَةِ مِمَّنْ يُجَوِّزُ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ فَخِيفَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَ إلَيْهِمْ فَإِنْ قالوا نُعْطِي الْجِزْيَةَ على أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْنَا الْحُكْمُ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهَا منهم وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ دَارَ من غَدَرَ من ذِي هُدْنَةٍ أو جِزْيَةٍ يُغِيرُ عليهم لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَسْبِيهِمْ إذَا ظَهَرَ الْغَدْرُ وَالِامْتِنَاعُ منهم فَإِنْ تَمَيَّزُوا أو يُخَالِفُهُمْ قَوْمٌ فَأَظْهَرُوا الْوَفَاءَ وَأَظْهَرَ قَوْمٌ الِامْتِنَاعَ كان له غَزَوْهُمْ ولم يَكُنْ له الْإِغَارَةُ على جَمَاعَتِهِمْ وإذا قَارَبَهُمْ دَعَا أَهْلَ الْوَفَاءِ إلَى الْخُرُوجِ فَإِنْ خَرَجُوا وَفَّى لهم وَقَاتَلَ من بَقِيَ منهم فَإِنْ لم يَقْدِرُوا على الْخُرُوجِ كان له قَتْلُ الْجَمَاعَةِ وَيَتَوَقَّى أَهْلُ الْوَفَاءِ فَإِنْ قَتَلَ منهم أَحَدًا لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ لِأَنَّهُ بين الْمُشْرِكِينَ وإذا ظَهَرَ عليهم تَرَكَ أَهْلَ الْوَفَاءِ فَلَا يَغْنَمُ لهم مَالًا وَلَا يَسْفِكُ لهم دَمًا وإذا اخْتَلَطُوا فَظَهَرَ عليهم فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لم يَغْدِرْ وقد كانت منهم طَائِفَةٌ اعْتَزَلَتْ أَمْسَكَ عن كل من شَكَّ فيه فلم يَقْتُلْهُ ولم يَسْبِ ذُرِّيَّتَهُ ولم يَغْنَمْ مَالَهُ وَقَتَلَ وَسَبَى ذُرِّيَّةَ من عَلِمَ أَنَّهُ غَدَرَ وَغَنِمَ مَالَهُ
____________________

(4/186)


- * ما أَحْدَثَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَغَارُوا على قَوْمٍ مُوَادِعِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ أو مُسْلِمِينَ فَقَتَلُوا أو أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قبل أَنْ يَظْهَرُوا نُقِضَ الصُّلْحُ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُهُمْ وَسِبَاؤُهُمْ وإذا ظَهَرَ عليهم أَلْزَمَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوا وَجَرَحُوا وَأَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمَ كما يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ من عَقْلٍ وَقَوَدٍ وَضَمَانٍ قال وَإِنْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَآذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ أو أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ وَإِنْ لم يَأْذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ إلَّا أَنَّهُمْ قد أَظْهَرُوا الِامْتِنَاعَ في نَاحِيَتِهِمْ ثُمَّ أَغَارُوا أو أُغِيرَ عليهم فَقَتَلُوا أو جَرَحُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ حُورِبُوا وَسُبُوا وَقُتِلُوا فَإِنْ ظَهَرَ عليهم فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ عليهم قَوَدٌ في دَمٍ وَلَا جُرْحٍ وَأَخَذَ منهم ما وَجَدَ عِنْدَهُمْ من مَالٍ بِعَيْنِهِ ولم يَضْمَنُوا ما هَلَكَ من الْمَالِ ( 1 ) وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا فَرَّقْت بين هذا وقد حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بين الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوَدِ وَزَعَمْت أَنَّك تَحْكُمُ بين الْمُعَاهَدِينَ بِهِ وَيَجْرِي على الْمُعَاهَدِينَ ما يَجْرِي على الْمُؤْمِنِينَ قُلْت اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ في أَهْلِ الْحَرْبِ وَقِيَاسًا عليهم ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا فَإِنْ قال فَأَيْنَ قُلْت قَتَلَ وَحْشِيٌّ حَمْزَةَ بن عبد الْمُطَّلِبِ يوم أُحُدٍ وَوَحْشِيٌّ مُشْرِكٌ وَقَتَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ من قُرَيْشٍ غير وَاحِدٍ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ من قَتَلَ فلم يَجْعَلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على قَاتِلٍ منهم قَوَدًا وَأَحْسِبُ ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ } يُقَالُ نَزَلَتْ في الْمُحَارِبِينَ من الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ الْمُحَارِبُونَ من الْمُشْرِكِينَ خَارِجِينَ من هذا الْحُكْمِ وما وَصَفْت من دَلَالَةِ السُّنَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ طُلَيْحَةُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَدُّوا وَقَتَلَ طُلَيْحَةَ وَأَخُوهُ ثَابِتُ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَةُ بن مِحْصَنٍ بعد ما أَظْهَرَ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ الشِّرْكَ فَصَارَا من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالِامْتِنَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ زَنَيَا بِأَنْ جَاءُوهُ وَنَزَلَ عليه فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بما أنزل ( ( ( أعرض ) ) ) الله ( ( ( عنهم ) ) ) فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ على كل ذِمِّيٍّ وَمُوَادِعٍ في مَالِ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَ ما لم يَصِرْ إلَى إظْهَارِ الْمُحَارَبَةِ فإذا صَارَ إلَيْهَا لم يَحْكُمْ عليه بِمَا أَصَابَ بَعْدَ إظْهَارِهَا وَالِامْتِنَاعِ كما لم يَحْكُمْ على من صَارَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ عنه بِمَا فَعَلَ في الْمُحَارَبَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَأَصْحَابِهِ فإذا أَصَابُوا وَهُمْ في دَارِ الْإِسْلَامِ غير مُمْتَنِعِينَ شيئا فيه حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أُخِذَ منه وَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَهُ لم يَزِدْهُمْ الِامْتِنَاعُ خَيْرًا وَكَانُوا في غَيْرِ حُكْمِ الْمُمْتَنِعِينَ ثُمَّ يَنَالُونَ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ دَمًا وَمَالًا أُولَئِكَ إنَّمَا نَالُوهُ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْمُحَارَبَةِ وَهَؤُلَاءِ نَالُوهُ قبل الْمُحَارَبَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَحَارَبَ ثُمَّ ظَهَرَ عليه وَتَابَ كان عليه الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ من مَالِ مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ شيئا وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُوَادَعُ لِمُسْلِمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُ أَنْ يُؤْخَذَ له وَيُخَالِفُ الْمُعَاهَدُ الْمُسْلِمَ فِيمَا أَصَابَ من حُدُودِ اللَّهِ عز وجل فَلَا تُقَامُ على الْمُعَاهَدِينَ حتى يَأْتُوا طَائِعِينَ أو يَكُونَ فيه سَبَبُ حَقٍّ لِغَيْرِهِمْ فَيَطْلُبَهُ وَهَكَذَا حُكْمُهُمَا مُعَاهَدِينَ قبل ( ( ( قيل ) ) ) يَمْتَنِعَانِ أو يَنْقُضَانِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَسْلَمَ أو الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا أو امْتَنَعُوا وَقَتَلُوا ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أُقِيدَ منهم في الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَضَمِنُوا الْأَمْوَالَ تَابُوا أو لم يَتُوبُوا وَمَنْ قال هذا قال لَيْسُوا كَالْمُحَارِبِينَ من الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا غُفِرَ لهم ما قد سَلَفَ وَهَؤُلَاءِ إذَا ارْتَدُّوا حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا تَطْرَحُ عَنْهُمْ الرِّدَّةُ شيئا كان يَلْزَمُهُمْ لو فَعَلُوهُ
____________________

(4/187)


مُسْلِمِينَ بِحَالٍ من دَمٍ وَلَا قَوَدٍ وَلَا مَالٍ وَلَا حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَمَنْ قال هذا قال لَعَلَّهُ لم يَكُنْ في الرِّدَّةِ قَاتِلٌ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أو كان فلم يَثْبُتْ ذلك عليه أو لم يَطْلُبْهُ وُلَاةُ الدَّمِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهَهُمَا بِقَوْلِهِ عِنْدِي في مَوْضِعٍ آخَرَ وقال في ذلك إنْ لم تَزِدْهُ الرِّدَّةُ شَرًّا لم تَزِدْهُ خَيْرًا لِأَنَّ الْحُدُودَ عليهم قَائِمَةٌ فِيمَا نَالُوهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ - * ما أَحْدَثَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُوَادَعُونَ مِمَّا لَا يَكُونُ نَقْضًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ من قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ منهم الطَّرِيقَ أو قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ أو ظَلَمُوا مُسْلِمًا أو مُعَاهَدًا أو زَنَى منهم زَانٍ أو أَظْهَرَ فَسَادًا في مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ حُدَّ فِيمَا فيه الْحَدُّ وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً فِيمَا فيه الْعُقُوبَةُ ولم يُقْتَلْ إلَّا بِأَنْ يَجِبَ عليه الْقَتْلُ ولم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا يَكُونُ النَّقْضُ لِلْعَهْدِ إلَّا بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أو الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِذَلِكَ وَلَوْ قال أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا أُقِرُّ بِحُكْمٍ نَبَذَ إلَيْهِ ولم يُقَاتَلْ على ذلك مَكَانَهُ وَقِيلَ قد تَقَدَّمَ لَك أَمَانٌ بِأَدَائِك لِلْجِزْيَةِ وَإِقْرَارِك بها وقد أَجَّلْنَاك في أَنْ تَخْرُجَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ فَبَلَغَ مَأْمَنَهُ قُتِلَ إنْ قُدِرَ عليه وَإِنْ كان عَيْنًا لِلْمُشْرِكَيْنِ على الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ على عَوْرَاتِهِمْ عُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً ولم يُقْتَلْ ولم يُنْقَضْ عَهْدُهُ وَإِنْ صَنَعَ بَعْضَ ما وَصَفْتُ من هذا أو ما في مَعْنَاهُ مُوَادِعٌ إلَى مُدَّةٍ نَبَذَ إلَيْهِ فإذا بَلَغَ مَأْمَنَهُ قُوتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أو يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ فَيُعْطِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ في الَّذِينَ لم يَخُونُوا أَنْ يُتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ في قَوْلِهِ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لم يَنْقُصُوكُمْ شيئا ولم يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ } الْآيَةَ - * الْمُهَادَنَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَضَ اللَّهُ عز وجل قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وقال { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } فَهَذَا فَرَضَ اللَّهُ على الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ الْفَرِيقَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ وقد كَفَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قِتَالِ كَثِيرٍ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِلَا مهادنه إذ انْتَاطَتْ دُورُهُمْ عَنْهُمْ مِثْلَ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ وَأَسَدٍ وَطِيء حتى كَانُوا هُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَادَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاسًا وَوَادَعَ حين قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَهُودًا على غَيْرِ ما خَرَجَ أَخَذَهُ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِتَالُ الصِّنْفَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ فَرْضٌ إذَا قوى عليهم وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ إذَا كان بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ أو عن بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ أو في تَرْكِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرٌ لِلْمُهَادَنَةِ وَغَيْرِ الْمُهَادَنَةِ فإذا قُوتِلُوا فَقَدْ وَصَفْنَا السِّيرَةَ فِيهِمْ في مَوْضِعِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عن قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أو طَائِفَةٍ منهم لِبُعْدِ دَارِهِمْ أو كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أو خَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ أو بِمَنْ يَلِيهِمْ منهم جَازَ لهم الْكَفُّ عَنْهُمْ وَمُهَادَنَتُهُمْ على غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ كان لهم أَخْذُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوهُ منهم إلَّا إلَى مُدَّةٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَوْنَ عليها إذَا لم يَكُنْ فيه وَفَاءٌ بِالْجِزْيَةِ أو كان فيه وَفَاءٌ ولم يُعْطُوا أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شيئا بِحَالٍ على أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ من ان يُعْطِيَ مُشْرِكٌ على أَنْ يَكُفَّ عن أَهْلِهِ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ على الْحَقِّ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأُخْرَى أَكْثَرُ منها وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيَخَافُونَ أَنْ يصطلموا ( ( ( يصطلحوا ) ) ) لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ وَخَلَّةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا في تِلْكَ الْحَالِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ على أَنْ يَتَخَلَّصُوا من الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ من مَعَانِي الضَّرُورَاتِ
____________________

(4/188)


يَجُوزُ فيها ما لَا يَجُوزُ في غَيْرِهَا أو يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخْلَى إلَّا بِفِدْيَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يفدي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا من أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ - * الْمُهَادَنَةُ على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَامَتْ الْحَرْبُ بين رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُرَيْشٍ ثُمَّ أَغَارَتْ سَرَايَاهُ على أَهْلِ نَجْدٍ حتى تَوَقَّى الناس لِقَاءَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَوْفًا لِلْحَرْبِ دُونَهُ من سَرَايَاهُ وَإِعْدَادِ من يُعِدُّ له من عَدُوِّهِ بِنَجْدٍ فَمَنَعَتْ منه قُرَيْشٌ أَهْلَ تِهَامَةَ وَمَنَعَ أَهْلُ نَجْدٍ منه أَهْلَ نَجْدٍ الْمَشْرِقِ ثُمَّ اعْتَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ في أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَسَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فَجَمَعَتْ له وَجَدَّتْ على مَنْعِهِ وَلَهُمْ جُمُوعٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ خَرَجَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَدَاعَوْا الصُّلْحَ فَهَادَنَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى مُدَّةٍ ولم يُهَادِنْهُمْ على الْأَبَدِ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ حتى يُسْلِمُوا فَرْضٌ إذَا قوى عليهم وَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرُ سِنِينَ وَنَزَلَ عليه في سَفَرِهِ في أَمْرِهِمْ إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا قال بن شِهَابٍ فما كان في الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ منه كانت الْحَرْبُ قد أَحْرَجَتْ الناس فلما أَمِنُوا لم يَتَكَلَّمْ بِالْإِسْلَامِ أَحَدٌ يَعْقِلُ إلَّا قَبِلَهُ فَلَقَدْ أَسْلَمَ في سِنِينَ من تِلْكَ الْهُدْنَةِ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قبل ذلك ثُمَّ نَقَضَ بَعْضُ قُرَيْشٍ ولم يُنْكِرْ عليه غَيْرُهُ إنْكَارًا يُعْتَدُّ بِهِ عليه ولم يَعْتَزِلْ دَارِهِ فَغَزَاهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ مُخْفِيًا لِوَجْهِهِ لِيُصِيبَ منهم غُرَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَتْ هُدْنَةُ قُرَيْشٍ نَظَرًا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ لِلْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ من كَثْرَةِ جَمْعِ عَدُوِّهِمْ وَجَدِّهِمْ على قِتَالِهِ وَإِنْ أَرَادُوا الدُّخُولَ عليهم وَفَرَاغَهُ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ وَأَمِنَ الناس حتى دَخَلُوا في الْإِسْلَامِ قال فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ عز وجل بِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُهَادَنَةً يَكُونُ النَّظَرُ لهم فيها وَلَا يُهَادِنُ إلَّا إلَى مُدَّةٍ وَلَا يُجَاوِزُ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ كانت النَّازِلَةُ ما كانت فَإِنْ كانت بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ لم يَقْوَ الْإِمَامُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَدِّدَ مُدَّةً مِثْلَهَا أو دُونَهَا وَلَا يُجَاوِزُهَا من قِبَلِ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالضَّعْفَ لِعَدُوِّهِمْ قد يَحْدُثُ في أَقَلَّ منها وَإِنْ هَادَنَهُمْ إلَى أَكْثَرَ منها فَمُنْتَقَضَةٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ حتى ( ( ( حين ) ) ) يُؤْمِنُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فإن اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِالْهُدْنَةِ فقال إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ فلما لم يَبْلُغْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمُدَّةٍ أَكْثَرَ من مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ لم يَجُزْ أَنْ يُهَادِنَ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا تَجَاوُزَ ( قال ) وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ الْقَوْمَ من الْمُشْرِكِينَ على النَّظَرِ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هُدْنَةً مُطْلَقَةً فإن الْهُدْنَةَ الْمُطْلَقَةَ على الْأَبَدِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ لِمَا وَصَفْت وَلَكِنْ يُهَادِنُهُمْ على أَنَّ الْخِيَارَ إلَيْهِ حتى إنْ شَاءَ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ فَإِنْ رَأَى نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبِذَ فَعَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَصْلٌ قِيلَ نعم افْتَتَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْوَالَ خَيْبَرَ عَنْوَةً وَكَانَتْ رِجَالُهَا وَذَرَارِيّهَا إلَّا أَهْلَ حِصْنٍ وَاحِدٍ صُلْحًا فَصَالَحُوهُ على أَنْ يُقِرَّهُمْ ما أَقَرَّهُمْ اللَّهُ عز وجل وَيَعْمَلُونَ له وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّطْرِ من الثَّمَرِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي هذا نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ قِيلَ نعم كانت خَيْبَرُ وَسَطَ مُشْرِكِينَ وَكَانَتْ يَهُودُ أَهْلِهَا محالفين ( ( ( مخالفين ) ) ) لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَقْوِيَاءَ على مَنْعِهَا منهم وَكَانَتْ وَبِئَةً لَا تُوطَأُ إلَّا من ضَرُورَةٍ فَكَفَوْهُمْ الْمُؤْنَةَ ولم يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ فَيَنْزِلُهَا منهم من يَمْنَعُهَا فلما كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ عن الْحِجَازِ فَثَبَتَ عِنْدَ عُمَرَ ذلك فَأَجْلَاهُمْ فإذا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هَادَنَهُمْ على أَنَّهُ إذَا بَدَا له نَقْضُ الْهُدْنَةِ فَذَلِكَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ
____________________

(4/189)


بِمَا منهم فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا يقول ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عز وجل قِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل كان يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْوَحْيِ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا غَيْرَهُ بِوَحْيٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ جاء من الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَحَقٌّ على الْإِمَامِ أَنْ يُؤْمِنَهُ حتى يَتْلُوَ عليه كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَيَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الذي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ عز وجل بِهِ عليه الْإِسْلَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ الْآيَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قُلْت يَنْبِذُ إلَيْهِ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ ما كان في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو حَيْثُ يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ قَرُبَ ذلك أَمْ بَعُدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْك أو مِمَّنْ يَقْتُلُهُ على دِينِك ( 1 ) مِمَّنْ يُطِيعُك لَا أمانة من غَيْرِك من عَدُوِّك وَعَدُوِّهِ الذي لَا يَأْمَنُهُ وَلَا يُطِيعُك فإذا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شيئا فَقَدْ أَبْلَغَهُ مَأْمَنَهُ الذي كُلِّفَ إذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا من أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ يَجْرِي عليه حُكْمُ الْإِسْلَامِ من أَهْلِ عَهْدِهِمْ فَإِنْ قَطَعَ بِهِ بِلَادَنَا وهو أَهْلُ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرُدَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ على إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ قُبِلَ منه وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يَجُوزُ فيه الْجِزْيَةُ يُكَلَّفُ الْمَشْيَ أو حُمِلَ ولم يُقِرَّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ وَإِنْ كانت عَشِيرَتُهُ التي يَأْمَنُ فيها بَعِيدَةً فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ منها لم يَكُنْ ذلك على الْإِمَامِ وَإِنْ كان له مأمنان فَعَلَى الْإِمَامِ إلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كان يَسْكُنُ مِنْهُمَا وَإِنْ كان له بَلَدَا شِرْكٍ كان يَسْكُنُهُمَا مَعًا أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْإِمَامُ وَمَتَى سأله أَنْ يجيره حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرُهُ من الْمُشْرِكِينَ كان ذلك فَرْضًا على الْإِمَامِ وَلَوْ لم يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الذي اسْتَأْمَنَهُ منه رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ - * مُهَادَنَةُ من يَقْوَى على قِتَالِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَأَلَ قَوْمٌ من الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً فَلِلْإِمَامِ مُهَادَنَتُهُمْ على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَيْسَ له مُهَادَنَتُهُمْ إذَا لم يَكُنْ في ذلك نَظَرٌ وَلَيْسَ له مُهَادَنَتُهُمْ على النَّظَرِ على غَيْرِ الْجِزْيَةِ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ من الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } الْآيَةَ وما بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا قوى أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرْجِعَهُ من تَبُوكَ { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ } فَأَرْسَلَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مع عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَقَرَأَهَا على الناس في الْمَوْسِمِ وكان فَرْضًا أَنْ لَا يُعْطِيَ لِأَحَدٍ مُدَّةً بَعْدَ هذه الْآيَاتِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ التي فَرَضَهَا اللَّهُ عز وجل قال وَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لم أَعْلَمْهُ زَادَ أَحَدًا بَعْدَ أَنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ كان الَّذِينَ عَاهَدُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عز وجل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُهُ كَذَلِكَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قبل نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ ما اسْتَقَامُوا له وَمَنْ خَافَ منه خِيَانَةً نَبَذَ إلَيْهِ فلم يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إلَى أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمَا وَصَفْتُ من فَرْضِ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ وما فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَلَا أَعْرِفُ كَمْ كانت مُدَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمُدَّةُ من أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِ عَهْدَهُ إلَى مُدَّتِهِ
____________________

(4/190)


قال وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْمُدَّةَ إلَى أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ رَأَى ذلك وَلَيْسَ بِلَازِمٍ له أَنْ يُهَادِنَ بِحَالٍ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُبَيِّنُ لِمَنْ هَادَنَ وَيَجُوزُ له في النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إسْلَامَهُ وَإِنْ تَكُنْ له شَوْكَةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ مُدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إذَا خَافَ إنْ لم يَفْعَلْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنْ ظَهَرَ على بِلَادِهِ فَقَدْ صَنَعَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصَفْوَانَ حين خَرَجَ هَارِبًا إلَى الْيَمَنِ من الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عز وجل عليه بالاسلام من قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ وَمُدَّتُهُ أَشْهُرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ قُلْت ليس له أَنْ يَجْعَلَ له مُدَّةً أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ له وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُهُ عليها وَلَيْسَ له إذَا كانت مُدَّةٌ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَقُولَ لَا أَفِي لَك بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا هو فِيمَا جَاوَزَ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ - * جِمَاعُ الْهُدْنَةِ على أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ من جاء بَلَدَهُ مُسْلِمًا أو مُشْرِكًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ عَدَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ على أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنَّ من جاء قُرَيْشًا من الْمُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا لم يَرُدُّوهُ عليه وَمَنْ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ منهم رَدَّهُ عليهم ولم يُعْطِهِمْ أَنْ يَرُدَّ عليهم من خَرَجَ منهم مُسْلِمًا إلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالشِّرْكِ وَإِنْ كان قَادِرًا عليه ولم يذكر أَحَدٌ منهم أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ في مُسْلِمٍ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ شيئا من هذا الشَّرْطِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ أُنْزِلَ عليه في مُهَادَنَتِهِمْ إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا فقال بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قَضَيْنَا لَك قَضَاءً مُبِينًا فَتَمَّ الصُّلْحُ بين النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ على هذا حتى جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَنَسَخَ اللَّهُ عز وجل الصُّلْحَ في النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } الْآيَةُ كُلُّهَا وما بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ من هذا ما روى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ في الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل نَسَخَ رَدَّ النِّسَاءِ إنْ كُنَّ في الصُّلْحِ وَمَنَعَ أَنْ يُرْدَدْنَ بِكُلِّ حَالٍ فإذا صَالَحَ الْإِمَامُ على مِثْلِ ما صَالَحَ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ على أَنْ لَا يَمْنَعَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ الرجال ( ( ( للرجال ) ) ) من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا جاء أَحَدٌ من رِجَالِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَنْزِلِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَجَاءَ من يَطْلُبُهُ من أَوْلِيَائِهِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ من الذَّهَابِ بِهِ وَأَشَارَ على من أَسْلَمَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَأَنْ يَذْهَبَ في الْأَرْضِ فإن أَرْضَ اللَّهِ عز وجل وَاسِعَةٌ فيها مُرَاغَمٌ كَثِيرَةٌ وقد كان أبو بَصِيرٍ لَحِقَ بِالْعِيصِ مُسْلِمًا وَلَحِقَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَطَلَبُوهُمْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( إنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ أَنْ لَا نُؤْيَهُمْ ثُمَّ لَا نَمْنَعَكُمْ منهم إذَا جِئْتُمْ وَنَتْرُكُهُمْ يَنَالُونَ من الْمُشْرِكِينَ ما شاؤوا ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا صَالَحَ الْإِمَامُ على أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِمَنْ كان يَقْدِرُ على بَعْثِهِ منهم مِمَّنْ لم يَأْتِهِ لم يَجُزْ الصُّلْحُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَبْعَثْ إلَيْهِمْ منهم بِأَحَدٍ ولم يَأْمُرْ أَبَا بَصِيرٍ وَلَا أَصْحَابَهُ بِإِتْيَانِهِمْ وهو يَقْدِرُ على ذلك وَإِنَّمَا مَعْنَى رَدَدْنَاهُ إلَيْكُمْ لم نَمْنَعْهُ كما نَمْنَعُ غَيْرَهُ وإذا صَالَحَهُمْ على أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ من نِسَاءٍ مُسْلِمَاتٍ جِئْنَهُ لم يَجُزْ الصُّلْحُ وَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ إنْ لم يَكُنَّ دَخَلْنَ في الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَلَيْسَ له أَنْ يُصَالِحَ على هذا فِيهِنَّ وَإِنْ كُنَّ دَخَلْنَ فيه فَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ عز وجل أَنْ لَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ وَمَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من جَاءَهُ من النِّسَاءِ وَهَكَذَا من جَاءَهُ من مَعْتُوهٍ أو صَبِيٍّ هَارِبًا منهم لم تَكُنْ له التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِأَنَّهُمَا يُجَامِعَانِ النِّسَاءَ في أَنْ لَا يُمْنَعَا مَعًا وَيَزِيدَانِ على النِّسَاءِ أَنْ لَا يَعْرِفَا ثَوَابًا في أَنْ يَنَالَ مِنْهُمَا الْمُشْرِكُونَ شيئا وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ في صَبِيٍّ وَلَا في مَعْتُوهٍ شيئا كما لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ في النِّسَاءِ غير الْمُتَزَوِّجَاتِ شيئا لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هو في الْمُتَزَوِّجَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ جَاءَهُ من عَبِيدِهِمْ مُسْلِمًا لم يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ وَأَعْتَقَهُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ وفي إعْطَائِهِمْ
____________________

(4/191)


الْقِيمَةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطُوهَا ذَكَرًا أو أُنْثَى لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ ليس منهم وَلَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ منهم قِيلَ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أنها على الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ ذَوِي الْعَدْلِ وَلَا يُقَالُ لِرَقِيقِ الرَّجُلِ هُمْ مِنْك إنَّمَا يُقَالُ هُمْ مَالُك وَإِنَّمَا يَرُدُّ عليهم الْقِيمَةَ بِأَنَّهُمْ إذَا صُولِحُوا أَمِنُوا على أَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ أَمَانٌ فلما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بِأَنْ يَرُدَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ حُكِمَ بِأَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّهُ فَائِتٌ وما رَدَدْنَا عليهم فيه من النَّفَقَةِ قُلْنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مثله وما لم نُعْطِهِمْ فيه شيئا من الأحرا ( ( ( الأحرار ) ) ) الرِّجَالِ أو غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ لم نَأْخُذْ منهم شيئا إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا حَكَمَ بِأَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ في الْمَوْضِعِ الذي حَكَمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَأْخُذُوا منهم مثله وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ قِيمَةً وَلَا يَأْخُذُ منهم فِيمَنْ فَاتَ إلَيْهِمْ من رَقِيقٍ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسُوا منهم وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا لم يُصَالِحْ الْقَوْمَ إلَّا على ما وَصَفْت أَنْ يُمَكِّنَهُمْ من مُسْلِمٍ كان أَسِيرًا في أَيْدِيهِمْ فَانْفَلَتَ منهم وَلَا يَقْضِي لهم عليه بِشَيْءٍ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدُهُمْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوهُ على أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ شيئا لم يَجُزْ له أَنْ يَأْخُذَهُ منه لهم ولم يَخْرُجْ الْمُسْلِمُ بِحَسْبِهِ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ على ضَرُورَةٍ هِيَ أَكْثَرُ الْإِكْرَاهِ وَكُلُّ ما أَعْطَى الْمَرْءُ على الْإِكْرَاهِ لم يَلْزَمْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَسِيرًا في بِلَادِ الْحَرْبِ أَخَذَ منهم مَالًا على أَنْ يُعْطِيَهُمْ منه عِوَضًا كان بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِثْلَ مَالِهِمْ إنْ كان له مِثْلٌ أو مِثْلَ قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ أو الْعِوَضَ الذي رَضُوا بِهِ وَإِنْ كان في يَدِهِ رَدَّهُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ إنْ لم يَكُنْ تَغَيَّرَ وَإِنْ كان تَغَيَّرَ رَدَّهُ وَرَدَّ ما نَقَصَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ على أَمَانٍ وَإِنَّمَا أَبْطَلْتُ عنه الشَّرْطَ بِالْإِكْرَاهِ وَالضَّرُورَةِ فِيمَا لم يَأْخُذْ بِهِ عوضا ( ( ( عرضا ) ) ) وَهَكَذَا لو صَالَحْنَا قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ على مِثْلِ ما وَصَفْت فَكَانَ في أَيْدِيهِمْ أَسِيرٌ من غَيْرِهِمْ فَانْفَلَتَ فَأَتَانَا لم يَكُنْ لنا رَدُّهُ عليهم من قِبَلِ أَنَّهُ ليس منهم وَأَنَّهُمْ قد يُمْسِكُونَ عن قَتْلِ وَتَعْذِيبِ من كان منهم إمْسَاكًا لَا يُمْسِكُونَهُ عن غَيْرِهِ - * أَصْلُ نَقْضِ الصُّلْحِ فِيمَا لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَفِظْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ الصُّلْحَ الذي وَصَفْتُ فَخَلَّى بين من قَدِمَ عليه من الرِّجَالِ وَوَلِيِّهِ وَقَدِمَتْ عليهم أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَضَ الصُّلْحَ في النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غير حُكْمِهِ في الرِّجَالِ وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ في صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّهُ لو لم يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ في الصُّلْحِ لم يُعْطِ أَزْوَاجَهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ فيها إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَمَنْ قال إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ في الصُّلْحِ قال بِهَذِهِ الْآيَةِ مع الْآيَةِ التي في بَرَاءَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذِهِ الْآيَةِ مع الْآيَةِ في بَرَاءَةَ قُلْنَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ على ما لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كما صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النِّسَاءِ وقد أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَفِظْنَا فِيهِنَّ ما أَعْطَاهُمْ في الرِّجَالِ بِأَنْ لم يُسْتَثْنَيْنَ وَأَنَّهُنَّ منهم وَبِالْآيَةِ في بَرَاءَةَ وَبِهَذَا قُلْنَا إذَا ظَفِرَ الْمُشْرِكُونَ بِرَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا عليه عُهُودًا وَأَيْمَانًا بِأَنْ يَأْتِيَهُمْ أو يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِكَذَا أو بِعَدَدِ أَسْرَى أو مَالٍ فَحَلَالٌ له أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ وَكَذَلِكَ لو أَعْطَى الْإِمَامُ عليه أَنْ يَرُدَّهُ عليهم إنْ جَاءَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ له لم يَمْنَعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَصِيرٍ من وَلِيِّهِ حين جَاءَاهُ فَذَهَبَا بِهِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَهَرَبَ الْآخَرُ منه فلم يُنْكِرْ ذلك عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَلْ قال قَوْلًا يُشْبِهُ التَّحْسِينَ له وَلَا حَرَجَ عليه في الإيمان لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ وَحَرَامٌ على الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَرَادَ هو الرُّجُوعَ حَبَسَهُ وَكَذَلِكَ حَرَامٌ على الْإِمَامِ أَنْ
____________________

(4/192)


يَأْخُذَ منه شيئا لهم مِمَّا صَالَحَهُمْ عليه وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُمْ هذا في عَبْدٍ له أو مَتَاعٍ غُلِبُوا عليه لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منه الشَّيْءَ ( 1 ) يُعْطُونَهُ إيَّاهُ فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِرَدِّ السَّلَفِ أو مِثْلِهِ أو قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ بَيْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ إنْ لم يَكُنْ تَغَيَّرَ أو يُعْطِيَهُمْ قِيمَتَهُ أو الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ حين اشْتَرَاهُ وهو أَسِيرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ ما اشْتَرَى وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ منه ما وَجَبَ لهم عليه بِمَا اشْتَرَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا قُلْنَا لو أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ على أَسِيرٍ في أَيْدِيهِمْ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءُوهُ لم يَحِلَّ له إلَّا نَزْعَهُ من أَيْدِيهِمْ بِلَا عِوَضٍ لِمَا وَصَفْتُ من خِلَافِ حَالِ الْأَسِيرِ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ في أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ ( 2 ) ما أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ من رَدِّ رِجَالِهِمْ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ الْمَمْنُوعِينَ منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَنَالُوا بِتَلَفٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى رَدِّ أبي جُنْدَلِ بن سُهَيْلٍ إلَى أبيه وَعَيَّاشُ بن أبي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ بِمَا أَعْطَاهُمْ قِيلَ له آبَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ الناس عليهم وَأَحْرَصُ على سَلَامَتِهِمْ وَأَهْلِهِمْ كَانُوا سَيَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عن أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ على أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أو أَمْرٍ لَا يَحْمِلُونَهُ من عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا منهم خِلَافَهُمْ دِينَهُمْ وَدِينَ آبَائِهِمْ فَكَانُوا يَتَشَدَّدُونَ عليهم لِيَتْرُكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ وقد وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ في الْإِكْرَاهِ فقال إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَمَنْ أَسَرَ مُسْلِمًا من غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَقَرَابَتِهِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِأَلْوَانِ الْقَتْلِ وَيَبْلُوهُ بِالْجُوعِ وَالْجَهْدِ وَلَيْسَ حَالُهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَالُ له أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَضَ الصُّلْحَ في النِّسَاءِ إذَا كُنَّ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِنَّ ولم يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ أَنَّ التَّقِيَّةَ تَسْعَهُنَّ في إظْهَارِ ما أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ من الْقَوْلِ وكان فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ فَأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ في أَكْثَرَ من هذا الْحَالِ إلَّا أَنَّ الرِّجَالَ ليس مِمَّنْ يَنْكِحُ وَرُبَّمَا كان في الْمُشْرِكِينَ من يَفْعَلُ فِيمَا بَلَغْنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * جِمَاعُ الصُّلْحِ في الْمُؤْمِنَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان بَيِّنًا في الْآيَةِ مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ من أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ ولم يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ من الْمُشْرِكِينَ وكان بَيِّنًا فيها أَنْ يُرَدَّ على الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ وَمَعْقُولٌ فيها أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ التي تُرَدُّ نَفَقَاتُ اللَّائِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ وَهِيَ الْمُهُورُ إذَا كَانُوا قد أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ يُعْطُونَ النَّفَقَاتِ لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ من نِسَائِهِمْ وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عليهم في أَنْ يَنْكِحُوا غير ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إنَّمَا كان الْإِشْكَالُ في نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حتى قَطَعَ اللَّهُ عز وجل عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ وَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قبل إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤْتَى أَحَدٌ نَفَقَتَهُ من امْرَأَةٍ فَاتَتْ إلَّا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وقد قال اللَّهُ عز وجل لِلْمُسْلِمِينَ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَأَبَانَهُنَّ من الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْحُكْمُ في إسْلَامِ الزَّوْجِ الْحُكْمَ في إسْلَامِ الْمَرْأَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ قال وَاسْأَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا ما أَنْفَقُوا يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ من الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أُوتُوا
____________________

(4/193)


ما دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ من الْمُهُورِ كما يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ ما دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ من الْمُهُورِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل حُكْمًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ حَكَمَ لهم في مِثْلِ ذا ( ( ( هذا ) ) ) الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا فقال عز وَعَلَا { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ من أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يُرِيدُ فلم تَعْفُوَا عَنْهُمْ إذَا لم يَعْفُوَا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا } كَأَنَّهُ يَعْنِي من مُهُورِهِنَّ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ أَتَتْنَا مُسْلِمَةً قد أَعْطَاهَا مِائَةً في مَهْرِهَا وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ قد أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ فَقِيلَ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُعْطِيَ الْمُشْرِكُ ما قَاصَصْنَاهُ بِهِ من مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الذي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ ليس له غَيْرُ ذلك وَلَوْ كان لِلْمُسْلِمَةِ التي تَحْتَ مُشْرِكٍ أَكْثَرُ من مِائَةٍ رَدَّ الْإِمَامُ الْفَضْلَ عن الْمِائَةِ إلَى الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ وَلَوْ كان مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ مِائَتَيْنِ وَمَهْرُ امْرَأَةِ الْمُسْلِمِ الْفَائِتَةِ إلَى الْكُفَّارِ مِائَةً فَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ أُخْرَى قَصَّ من مَهْرِهَا مِائَةً وَلَيْسَ على الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ زَوْجَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إلَّا قِصَاصًا من مُشْرِكٍ فَاتَتْ زَوْجَتُهُ إلَيْنَا وَإِنْ فَاتَتْ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ مُسْلِمَةً أو مُرْتَدَّةً فَمَنَعُوهَا فَذَلِكَ له وَإِنْ فَاتَتْ على أَيِّ الْحَالَيْنِ كان فَرَدُّوهَا لم يُؤْخَذْ لِزَوْجِهَا منهم مَهْرٌ وَتُقْتَلُ إنْ لم تُسْلِمْ إذَا ارْتَدَّتْ وَتُقَرُّ مع زَوْجِهَا مُسْلِمَةً - * تَفْرِيعُ أَمْرِ نِسَاءِ الْمُهَادِنِينَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ من نِسَاءِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً من دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ من دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ فَمَنْ طَلَبَهَا من وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ منها بِلَا عِوَضٍ وإذا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ أو طَلَبَهَا غَيْرُهُ بِوَكَالَتِهِ مُنِعَهَا وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يعطي الْعِوَضَ وَالْعِوَضُ ما قال اللَّهُ عز وجل { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِثْلَ ما أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ لَا النَّفَقَةِ غَيْرُهُ وَلَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ إنْ كَانُوا لم يَدْفَعُوهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ قد نَكَحَهَا بِمِائَتَيْنِ فَأَعْطَاهَا مِائَةً رُدَّتْ إلَيْهِ مِائَةٌ وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ فَأَعْطَاهَا خَمْسِينَ رُدَّتْ إلَيْهِ خَمْسُونَ لِأَنَّهَا لم تَأْخُذْ منه من الصَّدَاقِ إلَّا خَمْسِينَ وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ ولم يُعْطِهَا شيئا من الصَّدَاقِ لم نرد ( ( ( ترد ) ) ) إلَيْهِ شيئا لِأَنَّهُ لم يُنْفِقْ بِالصَّدَاقِ شيئا وَلَوْ أَنْفَقَ من عُرْسٍ وَهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لم يُعْطِ من ذلك شيئا لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ وَلَا يُنْظَرُ في ذلك إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كان زَادَهَا عليه أو نَقَصَهَا منه لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوا مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَيُعْطِي الزَّوْجُ هذا الصَّدَاقَ من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ دُونَ ما سِوَاهُ من الْمَالِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما لي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في مَصْلَحَتِكُمْ وَبِأَنَّ الْأَنْفَالَ كانت تَكُونُ عنه وَأَنَّ عُمَرَ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَجْعَلُ فَضْلَ مَالِهِ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ صَدَاقًا وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أو جَهِلَهُ فَإِنْ جاء الزَّوْجُ بِشَاهِدَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ أو شَاهِدٍ حَلَفَ معه أَعْطَاهُ وَإِنْ لم يَجِدْ شَاهِدًا إلَّا مُشْرِكًا لم يُعْطِهِ بِشَهَادَةِ مُشْرِكٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ شيئا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أو صَدَّقَتْهُ لم يَقْبَلْهُ الْإِمَامُ وكان على الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عن مَهْرِ مِثْلِهَا في نَاحِيَتِهَا وَيُحَلِّفَهُ بِأَنَّهُ دَفَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَلَّ قَوْمٌ إلَّا وَمُهُورُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ الْأَسْرَى وَالْمُسْتَأْمَنِينَ أو الْحَاضِرِينَ لهم أو الْمُصَالِحِ عليهم لم يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَهْرَ على وَاحِدٍ من هذه الْمَعَانِي بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَهُ شَاهِدًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عليه بِالْفَضْلِ الذي شَهِدَتْ له بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ أَعْطَاهُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي أو بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَقَلُّ
____________________

(4/194)


مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عليه بِالْفَضْلِ وَحَبَسَهُ فيه ولم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَإِنْ لم يَقْدُمُ زَوْجَهَا وَلَا رَسُولَهُ بِطَلَبِهَا حتى مَاتَ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ من صَدَاقِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لو كان حَيًّا فلم يَطْلُبْهُ لم يعطه إيَّاهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ له ما أَنْفَقَ إذَا مَنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ وهو لَا يُقَالُ له مَمْنُوعٌ رَدُّهَا إلَيْهِ حتى يَطْلُبَهَا فَيَمْنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ وَإِنْ قَدِمَ في طَلَبِهَا فلم يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى مَاتَ كان هَكَذَا وَكَذَلِكَ لو لم يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ غَيْرَهَا لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ قد قَطَعَ حَقَّهُ فيها حتى لو أَسْلَمَ وَهِيَ في عِدَّةٍ لم تَكُنْ له زَوْجَةٌ فَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ الْمَهْرَ من امْرَأَةٍ قد قَطَعَ حَقَّهُ فيها بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَلِكَ لو خَالَعَهَا قبل أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لو أَسْلَمَ ثَبَتَ الْخُلْعُ وَكَانَتْ بَائِنًا منه لَا يُعْطَى من نَفَقَتِهِ شَيْءٌ من امْرَأَةٍ قَطَعَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً له بِحَالٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لم نُعْطِهِ حتى يُرَاجِعَهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ من يَوْمِ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ لم يَقْطَعْ حَقَّهُ في الْعِوَضِ لَا يَكُونُ قَطْعُهُ حَقَّهُ في الْعِوَضِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا لو كانت سَاعَتَهَا تِلْكَ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ قَدِمَتْ غير مُسْلِمَةٍ كان هذا هَكَذَا قال وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً وَجَاءَ زَوْجُهَا فلم يَطْلُبْهَا حتى مَاتَتْ لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاوِضُ بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَهِيَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فلم تَمُتْ وَلَكِنْ غُلِبَتْ على عَقْلِهَا كان لِزَوْجِهَا الْعِوَضُ وَلَوْ قَدِمَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَهِيَ في الْعِدَّةِ كان أَحَقَّ بها وَلَوْ قَدِمَ يَطْلُبُهَا مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كانت زَوْجَتَهُ وَرَجَعَ عليه بِالْعِوَضِ فَأُخِذَ منه إنْ كان أَخَذَهُ وَلَوْ طَلَبَ الْعِوَضَ فَأُعْطِيَهُ ثُمَّ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَهُ الْعِوَضُ لِأَنَّهَا قد بَانَتْ منه بِالْإِسْلَامِ في مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدُ لم نَرْجِعْ عليه بِالْعِوَضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بِعَقْدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو غَيْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ أَمْرُ الْإِمَامِ ثُمَّ جاء زَوْجُهَا يَطْلُبُهَا إلَى الْإِمَامِ لم يُعْطَ عِوَضًا لِأَنَّهَا لم تَقْدُمْ عليه وَوَاجِبٌ على كل من كانت بين ظَهْرَانِيهِ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْنَعَهَا زَوْجَهَا وَمَتَى ما صَارَتْ إلَى دَارِ الْإِمَامِ فَمَنَعَهَا منه فَلَهُ الْعِوَضُ وَمَتَى طَلَبَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ في دَارِ الْإِمَامِ فَجَاءَ زَوْجُهَا فلم يَرْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى تَنَحَّتْ عن دَارِ الْإِمَامِ لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ إنما يَكُونُ له الْعِوَضُ بِأَنْ تُقِيمَ في دَارِ الْإِمَامِ وَمَتَى طَلَبَهَا بَعْدَ موتها ( ( ( مدتها ) ) ) أو مَغِيبِهَا عن دَارِ الْإِمَامِ فَلَا عِوَضَ له وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ اُسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا بَعْدَ الْقَتْلِ فَقَدْ فَاتَتْ وَلَا عِوَضَ وَإِنْ قَدِمَ قبل أَنْ تَرْتَدَّ فَارْتَدَّتْ وَطَلَبَهَا لم يُعْطَهَا وأعطى الْعِوَضَ وَاسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ وَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ قبل أَنْ تُقْتَلَ فَطَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضُ وَقُتِلَتْ مَكَانَهَا وَمَتَى طَلَبَهَا فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْعِوَضَ لِأَنَّ على الْإِمَامِ مَنْعَهُ منها وَإِنْ قَدِمَتْ وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الْعَقْلُ وَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ وَكَذَلِكَ لو قَدِمَ وَفِيهَا الْحَيَاةُ لم تَمُتْ وَإِنْ كان يَرَى أنها في آخِرِ رَمَقٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا في هذه الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَنَى عليها جِنَايَةً فَصَارَتْ في حَالٍ لَا تَعِيشُ فيها إلَّا كما تَعِيشُ الذَّبِيحَةُ فَهِيَ في حَالِ الْمَيْتَةِ فَلَا يُعْطَى فيها عِوَضًا وإذا كان على الْإِمَامِ مَنْعُهُ إيَّاهَا في هذه الْأَحْوَالِ بِأَنْ تَكُونَ في حُكْمِ الْحَيَاةِ كان له الْعِوَضُ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إلَى الْإِمَامِ أو وَالٍ يَخْلُفُهُ بِبَلَدِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى من دُونَ الْإِمَامِ من عَامَّةِ أو خَاصَّةِ الْإِمَامِ أو وَالٍ مِمَّنْ لم يُوَلِّهِ الْإِمَامُ هذا فَهَذَا لَا يَكُونُ له بِهِ الْعِوَضُ وَمَتَى وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ طَلَبَهُ بها وَإِنْ لم يَصِلْ إلَيْهِ فَلَهُ الْعِوَضُ وَإِنْ مَاتَتْ قبل أَنْ تَصِلَ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَيْهِ فَلَا عِوَضَ له وَإِنْ كانت الْقَادِمَةُ مَمْلُوكَةً مُتَزَوِّجَةً رَجُلًا حُرًّا أو مَمْلُوكًا أَمَرَ الْإِمَامُ بِاخْتِيَارِ فِرَاقِ الزَّوْجِ إنْ كان مَمْلُوكًا وَإِنْ كان حُرًّا فَطَلَبَهَا أو مَمْلُوكًا فلم تَخْتَرْ فِرَاقَهُ حتى قَدِمَ مُسْلِمًا فَهِيَ على النِّكَاحِ وَإِنْ قَدِمَ كَافِرًا فَطَلَبَهَا فَمَنْ قال تُعْتَقُ وَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ منهم فَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا وَلَا لِزَوْجِهَا كما لَا يَكُونُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ الْمَأْسُورَةِ فِيهِمْ من غَيْرِهِمْ عِوَضٌ وَمَنْ قال
____________________

(4/195)


تُعْتَقُ وَيَرُدُّ الْإِمَامُ على سَيِّدِهَا قِيمَتَهَا فَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ إذَا كان حُرًّا وَإِنْ كان مَمْلُوكًا فَلَا عِوَضَ له إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ طَلَبُهُ وَطَلَبُ السَّيِّدِ فَيَطْلُبُ هو امْرَأَتَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالسَّيِّدُ الْمَالَ ( 1 ) مع طَلَبِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا عِوَضَ له وَإِنْ كان هذا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم مُشْرِكَةً أو امْرَأَةُ غَيْرِ كِتَابِيٍّ وَهَذَا الْعَقْدُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا لم يَكُنْ لنا مَنْعُهُ منها إذَا كان الزَّوْجُ الْقَادِمُ أو مَحْرَمًا لها بِوَكَالَتِهِ إذَا سَأَلَتْ ذلك وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْقَادِمُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا وَأَسْلَمَتْ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ وَإِنْ لم تُسْلِمْ دَفَعْنَاهَا إلَيْهِ وَلَوْ خَرَجَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم مَعْتُوهَةً مَنَعْنَا زَوْجَهَا منها حتى يَذْهَبَ عتهها ( ( ( عنها ) ) ) فإذا ذَهَبَ فَإِنْ قالت خَرَجَتْ مُسْلِمَةً وأنا أَعْقِلُ ثُمَّ عَرَضَ لي فَقَدْ وَجَبَ له الْعِوَضُ وَإِنْ قالت خَرَجَتْ مَعْتُوهَةً ثُمَّ ذَهَبَ هذا عَنِّي فَأَنَا أُسْلِمُ مَنَعْنَاهَا منه وَإِنْ طَلَبَهَا يَوْمَئِذٍ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ وَإِنْ لم يَطْلُبْهَا فَلَا عِوَضَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا منهم زَوْجَةُ رَجُلٍ لم تَبْلُغْ وَإِنْ عَقَلَتْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنَعْنَاهَا منه بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى حتى تَبْلُغَ فإذا بَلَغَتْ وَثَبَتَتْ على الْإِسْلَامِ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ إذَا طَلَبَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَثُبُوتِهَا على الْإِسْلَامِ فَإِنْ لم يَطْلُبْهَا بَعْدَ ذلك لم يَكُنْ له عِوَضٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إسْلَامُهَا حتى تُقْتَلَ على الرِّدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَوْ جَاءَتْنَا جَارِيَةٌ لم تَبْلُغْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَجَاءَ زَوْجُهَا وَطَلَبَهَا فَمَنَعْنَاهُ منها فَبَلَغَتْ ولم تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَكُونُ من الَّذِينَ أُمِرْنَا إذَا عَلِمْنَا إيمَانَهُنَّ أَنْ لَا نَدْفَعَهُنَّ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَمَتَى وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ وَصْفِهَا الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَلَغَتْ مَعْتُوهَةً لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ له الْعِوَضَ في كل حَالٍ مَنَعْنَاهَا منه بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كانت صَبِيَّةً وإذا جاء زَوْجُ الْمَرْأَةِ يَطْلُبُهَا فلم يَرْتَفِعْ إلَى الْإِمَامِ حتى أَسْلَمَ وقد خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ من الْعِدَّةِ لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَلَا على امْرَأَتِهِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ من امْرَأَتِهِ إذَا أَسْلَمَ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ كانت في عِدَّتِهَا كَانَا على النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يُعْطِي الْعِوَضَ من يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ وَلَوْ قَدِمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَى الْإِمَامِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَإِنْ لم يَطْلُبْهَا حتى ارْتَدَّتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِمَّنْ لَا يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَكُونُ له عِوَضٌ لِأَنِّي أَمْنَعُهَا منه بِالرِّدَّةِ فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَسَأَلَ الْعِوَضَ لم يُعْطِهِ لِمَا وَصَفْت وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ طَلَبَ منها الْإِسْلَامَ الْأَوَّلَ وَيُمْنَعُ منها بِالرِّدَّةِ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بها وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا عِوَضَ وَكُلُّ ما وَصَفْتُ فيه الْعِوَضُ في قَوْلِ من رَأَى أَنْ يعطى الْعِوَضَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الذي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً الْعِوَضَ وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كان الشَّرْطُ مُنْتَقَضًا وَمَنْ قال هذا قال إنْ شَرَطَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ دخل فيه أَنْ يَرُدَّ من جَاءَهُ منهم وكان النِّسَاءُ منهم كان شَرْطًا صَحِيحًا فَنَسَخَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَدَّ عليهم فِيمَا نَسَخَ منه الْعِوَضَ وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنَّ وَلَا عليه عِوَضٌ فِيهِنَّ لِأَنَّ شَرْطَ من شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءَ بَعْدَ نَسْخِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ رَسُولُهُ لها بَاطِلٌ وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال هذا لم يَرُدَّ مَمْلُوكًا بِحَالٍ وَلَا يُعْطِيهِمْ فيه عِوَضًا وَأَشْبَهَهُمَا أَنْ لَا يُعْطُوا عِوَضًا وَالْآخَرُ كما وَصَفْتُ يُعْطُونَ فيه الْعِوَضَ وَمَنْ قال هذا لَا نَرُدُّ إلَى أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لم يَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ من أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هذا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ أو رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ خَلِيفَةٍ فَعَقْدُهُ
____________________

(4/196)


مَرْدُودٌ وَإِنْ جَاءَتْ فيه امْرَأَةٌ أو رَجُلٌ لم يُرَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ ولم يُعْطُوا عِوَضًا وَنَبَذَ إلَيْهِمْ وإذا عَقَدَ الْخَلِيفَةُ فَمَاتَ أو عُزِلَ وَاسْتُخْلِفَ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لهم بِمَا عَقَدَ لهم الْخَلِيفَةُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ على وَالِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ إنْفَاذُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَمَنْ قَدِمَ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ لم يَرُدَّهُ ولم يُعْطِ عِوَضًا وَكَانُوا كَأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قَدِمَ عَلَيْنَا نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مُسْلِمِينَ فَنَقْبَلُهُمْ وَلَا نُعْطِي أَحَدًا عِوَضًا من امْرَأَتِهِ في قَوْلِ من أَعْطَى الْعِوَضَ فَإِنْ هَادَنَّاهُمْ على التَّرْكِ سَنَةً فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم وكان الَّذِينَ هَادَنُونَا من أَهْلِ الْكِتَابِ أو مِمَّنْ دَانَ دِينَهُمْ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَأَسْلَمُوا في دَارِهِمْ أو أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ ثُمَّ جَاءُونَا يَطْلُبُونَ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ قِيلَ قد انْقَضَتْ الْهُدْنَةُ وَخَيْرٌ لَكُمْ دُخُولُكُمْ في الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ رِجَالُكُمْ فَإِنْ أَحَبُّوا رَجَعُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَقَامُوا وَإِنْ أَحَبُّوا انْصَرَفُوا وَلَوْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لم يُعْطُوا عِوَضًا من امْرَأَةِ رَجُلٍ منهم ولم يَرُدَّ إلَيْهِمْ منهم مُسْلِمٌ وَهَكَذَا لو هَادَنَّا قَوْمًا هَكَذَا وَأَتَانَا رِجَالُهُمْ فَخَلَّيْنَا بين أَوْلِيَائِهِمْ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ كان لنا إخْرَاجُهُمْ من أَيْدِيهِمْ وَعَلَيْنَا طَلَبُهُمْ حتى نُخْرِجَهُمْ من أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَسَقَطَ الشرط ( ( ( الشر ) ) ) وَهَكَذَا لو هَادَنَّا من لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ في كل ما وَصَفْته إلَّا أَنَّهُ ليس لنا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ وإذا هَادَنَّا قَوْمًا رَدَدْنَا إلَيْهِمْ ما فَاتَ إلَيْنَا من بَهَائِمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ لِأَنَّهُ ليس في الْبَهَائِمِ حُرْمَةٌ يُمْنَعْنَ بها من أَنْ نُصَيِّرَهَا إلَى مُشْرِكٍ وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ وَإِنْ صَارَتْ في يَدِ بَعْضِنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَيِّرَهَا إلَيْهِمْ وَلَوْ اسْتَمْتَعَ بها وَاسْتَهْلَكَهَا كان كَالْغَصْبِ يَلْزَمُهُ لهم ما يَلْزَمُ الْغَاصِبَ من كِرَاءٍ إنْ كان لها وَقِيمَةُ ما هَلَكَ منها في أَكْثَرَ ما كانت قِيمَتُهُ - * إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ على الْجِزْيَةِ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ - * هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ عبد اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا من شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانِ بن فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ من بَنِي فُلَانٍ السَّاكِنِ بَلَدَ كَذَا وَأَهْلُ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا إنَّك سَأَلْتَنِي أَنْ أُؤَمِّنَك وَأَهْلَ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ ما يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ على ما أَعْطَيْتنِي وَشَرَطْتُ لَك وَلَهُمْ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِمْ فَأَجَبْتُك إلَى أَنْ عَقَدْت لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْأَمَانُ ما اسْتَقَمْتَ وَاسْتَقَامُوا بِجَمِيعِ ما أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ بِحَالٍ يُلْزِمُكُمُوهُ وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَنْ تَمْتَنِعُوا منه في شَيْءٍ رَأَيْنَاهُ نُلْزِمُكُمْ بِهِ وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إنْ ذَكَرَ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم أو كِتَابَ اللَّهِ عز وجل أو دِينَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَقَضَ ما أعطى عليه الْأَمَانُ وَحَلَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَالُهُ وَدَمُهُ كما تَحِلُّ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ ودماؤهم ( ( ( دماؤهم ) ) ) وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا من رجالهم ( ( ( رجالكم ) ) ) إنْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا أو اسْمِ نِكَاحٍ أو قَطَعَ الطَّرِيقِ على مُسْلِمٍ أو فَتَنَ مُسْلِمًا عن دِينِهِ أو أَعَانَ الْمُحَارِبِينَ على الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ أو دَلَالَةٍ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيوَاءٍ لِعُيُونِهِمْ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ نَالَ مُسْلِمًا بِمَا دُونَ هذا في مَالِهِ أو عِرْضِهِ أو نَالَ بِهِ من على مُسْلِمٍ مَنْعُهُ من كَافِرٍ له عَهْدٌ أو أَمَانٌ لَزِمَهُ فيه الْحُكْمُ وَعَلَى أَنْ نَتَتَبَّعَ أَفْعَالَكُمْ في كل ما جَرَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ فما كان لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِمَّا لَكُمْ فيه فِعْلٌ رَدَدْنَاهُ وَعَاقَبْنَاكُمْ عليه وَذَلِكَ أَنْ تَبِيعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا حرا ما عِنْدَنَا من خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو دَمِ مَيْتَةٍ أو غَيْرِهِ وَنُبْطِلُ الْبَيْعَ بَيْنَكُمْ فيه وَنَأْخُذُ ثَمَنَهُ مِنْكُمْ إنْ أَعْطَاكُمُوهُ وَلَا نَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ إنْ كان قَائِمًا ونهريقه إنْ كان خَمْرًا أو دَمًا وَنُحَرِّقهُ إنْ كان مَيْتَةً وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ لم نَجْعَلْ عليه فيه شيئا وَنُعَاقِبْكُمْ عليه وَعَلَى أَنْ لَا تُسْقُوهُ أو تُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا أو تُزَوِّجُوهُ بِشُهُودٍ مِنْكُمْ أو بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ عِنْدَنَا وما بَايَعْتُمْ بِهِ كَافِرًا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ لم نَتَّبِعْكُمْ فيه ولم نَسْأَلْكُمْ عنه ما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ وإذا أَرَادَ الْبَائِعُ مِنْكُمْ أو الْمُبْتَاعُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَأَتَانَا طَالِبًا له فَإِنْ كان مُنْتَقِضًا عِنْدَنَا نَقَضْنَاهُ وَإِنْ كان جَائِزًا أَجَزْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَفَاتَ لم يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بين مُشْرِكَيْنِ مَضَى وَمَنْ
____________________

(4/197)


جَاءَنَا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ من أَهْلِ الْكُفْرِ يُحَاكِمُكُمْ أَجْرَيْنَاكُمْ على حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يَأْتِنَا لم نَعْرِضْ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ وإذا قَتَلْتُمْ مُسْلِمًا أو مُعَاهِدًا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ خَطَأً فَالدِّيَةُ على عَوَاقِلِكُمْ كما تَكُونُ على عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوَاقِلُكُمْ قَرَابَاتُكُمْ من قِبَلِ آبَائِكُمْ وَإِنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَا قَرَابَةَ له فَالدِّيَةُ عليه في مَالِهِ وإذا قَتَلَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ دِيَةٌ فَيَأْخُذُونَهَا حَالَّةً وَمَنْ سَرَقَ مِنْكُمْ فَرَفَعَهُ الْمَسْرُوقُ إلَى الْحَاكِمِ قَطَعَهُ إذَا سَرَقَ ما يَجِبُ فيه الْقَطْعُ وَغَرِمَ وَمَنْ قَذَفَ فَكَانَ لِلْمَقْذُوفِ حَدٌّ حُدَّ له وَإِنْ لم يَكُنْ حَدٌّ عُزِّرَ حتى تَكُونَ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ جَارِيَةً عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي فِيمَا سَمَّيْنَا ولم نُسَمِّ وَعَلَى أَنْ ليس لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوا في شَيْءٍ من أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الصَّلِيبَ وَلَا تُعْلِنُوا بِالشِّرْكِ وَلَا تَبْنُوا كَنِيسَةً وَلَا مَوْضِعَ مُجْتَمَعٍ لِصَلَاتِكُمْ وَلَا تَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ وَلَا تُظْهِرُوا قَوْلَكُمْ بِالشِّرْكِ في عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَا في غَيْرِهِ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَتَلْبَسُوا الزَّنَانِيرَ من فَوْقِ جَمِيعِ الثِّيَابِ الْأَرْدِيَةِ وَغَيْرِهَا حتى لَا تَخْفَى الزَّنَانِيرُ وَتُخَالِفُوا بِسُرُوجِكُمْ وَرُكُوبِكُمْ وَتُبَايِنُوا بين قَلَانِسِكُمْ وَقَلَانِسِهِمْ بِعَلَمٍ تَجْعَلُونَهُ بِقَلَانِسِكُمْ وَأَنْ لَا تَأْخُذُوا على الْمُسْلِمِينَ سَرَوَاتِ الطُّرُقِ وَلَا الْمَجَالِسِ في الْأَسْوَاقِ وَأَنْ يُؤَدِّيَ كُلُّ بَالِغٍ من أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ جِزْيَةَ رَأْسِهِ دِينَارًا مِثْقَالًا جَيِّدًا في رَأْسِ كل سَنَةٍ لَا يَكُونُ له أَنْ يَغِيبَ عن بَلَدِهِ حتى يُؤَدِّيَهُ أو يُقِيمَ بِهِ من يُؤَدِّيهِ عنه لَا شَيْءَ عليه من جِزْيَةِ رَقَبَتِهِ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ وَمَنْ افْتَقَرَ مِنْكُمْ فَجِزْيَتُهُ عليه حتى تُؤَدَّى عنه وَلَيْسَ الْفَقْرُ بِدَافِعٍ عَنْكُمْ شيئا وَلَا نَاقِضٍ لِذِمَّتِكُمْ ( 1 ) عن ما بِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا عِنْدَكُمْ شيئا أُخِذْتُمْ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ في أَمْوَالِكُمْ سِوَى جِزْيَتِكُمْ ما أَقَمْتُمْ في بِلَادِكُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غير تُجَّارٍ وَلَيْسَ لَكُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِحَالٍ وَإِنْ اخْتَلَفْتُمْ بِتِجَارَةٍ على أَنْ تُؤَدُّوا من جَمِيعِ تِجَارَاتِكُمْ الْعُشْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَكُمْ دُخُولُ جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَكَّةَ وَالْمُقَامُ بِجَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ كما شِئْتُمْ إلَّا الْحِجَازَ فَلَيْسَ لَكُمْ الْمُقَامُ بِبَلَدٍ منها إلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حتى تَظْعَنُوا منه وَعَلَى أَنَّ من أَنْبَتَ الشَّعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أو احْتَلَمَ أو اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قبل ذلك فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ له إنْ رَضِيَهَا فَإِنْ لم يَرْضَهَا فَلَا عَقْدَ له وَلَا جِزْيَةَ على أَبْنَائِكُمْ الصِّغَارِ وَلَا صَبِيٍّ غَيْرِ بَالِغٍ ولا ( ( ( ومغلوب ) ) ) مغلوب على عَقْلِهِ وَلَا مَمْلُوكٍ فإذا أَفَاقَ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْمَمْلُوكُ مِنْكُمْ فَدَانَ دِينَكُمْ فَعَلَيْهِ جِزْيَتُكُمْ وَالشَّرْطُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى من رَضِيَهُ وَمَنْ سَخِطَهُ مِنْكُمْ نَبَذْنَا إلَيْهِ وَلَكُمْ أَنْ نَمْنَعَكُمْ وما يَحِلُّ مِلْكُهُ عِنْدَنَا لَكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ من مُسْلِمٍ أو غَيْرِهِ بِظُلْمٍ بِمَا نَمْنَعُ بِهِ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَنَحْكُمُ لَكُمْ فيه على من جَرَى حُكْمُنَا عليه بِمَا نَحْكُمُ بِهِ في أَمْوَالِنَا وما يَلْزَمُ الْمَحْكُومَ في أَنْفُسِكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ لَكُمْ شيئا مَلَكْتُمُوهُ مُحَرَّمًا من دَمٍ وَلَا مَيْتَةٍ وَلَا خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ كما نَمْنَعُ ما يَحِلُّ مِلْكُهُ وَلَا نَعْرِضُ لَكُمْ فيه إلَّا أَنَّا لَا نَدَعَكُمْ تُظْهِرُونَهُ في أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فما نَالَهُ منه مُسْلِمٌ أو غَيْرُهُ لم نُغَرِّمْهُ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ وَنَزْجُرُهُ عن الْعَرْضِ لَكُمْ فيه فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ بِغَيْرِ غَرَامَةٍ في شَيْءٍ منه وَعَلَيْكُمْ الْوَفَاءُ بِجَمِيعِ ما أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْ لَا تَغْشَوْا مُسْلِمًا وَلَا تُظَاهِرُوا عَدُوَّهُمْ عليهم بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَأَعْظَمُ ما أَخَذَ اللَّهُ على أَحَدٍ من خَلْقِهِ من الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ وَلَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِالْوَفَاءِ لَكُمْ وَعَلَى من بَلَغَ من أَبْنَائِكُمْ ما عَلَيْكُمْ بِمَا أَعْطَيْنَاكُمْ ما وَفَّيْتُمْ بِجَمِيعِ ما شَرَطْنَا عَلَيْكُمْ فَإِنْ غَيَّرْتُمْ أو بَدَّلْتُمْ فَذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بَرِيئَةٌ مِنْكُمْ وَمَنْ غَابَ عن كِتَابِنَا مِمَّنْ أَعْطَيْنَاهُ ما فيه فَرَضِيَهُ إذَا بَلَغَهُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ له وَلَنَا فيه وَمَنْ لم يَرْضَ نَبَذْنَا إلَيْهِ شُهِدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ شَرَطَ عليهم ضِيَافَةً فإذا فَرَغَ من ذِكْرِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ في أَثَرِ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ في أَمْوَالِكُمْ غير الدِّينَارِ في السَّنَةِ وَالضِّيَافَةِ على ما سَمَّيْنَا فَكُلُّ من مَرَّ بِهِ مُسْلِمٌ أو جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَهُ
____________________

(4/198)


في فَضْلِ مَنَازِلِهِ فِيمَا يكنه ( ( ( يمكنه ) ) ) من حَرٍّ أو بَرْدٍ لَيْلَةً وَيَوْمًا أو ثَلَاثًا إنْ شَرَطُوا ثَلَاثًا وَيُطْعِمُهُ من نَفَقَةِ عَامَّةِ أَهْلِهِ مِثْلَ الخبر ( ( ( الخبز ) ) ) وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ وَالْحِيتَانِ وَاللَّحْمِ وَالْبُقُولِ الْمَطْبُوخَةِ وَيَعْلِفُهُ دَابَّةً وَاحِدَةً تِبْنًا أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ في مَكَانِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ من ذلك فَلَيْسَ عليه ضِيَافَةٌ وَلَا عَلَفُ دَابَّةٍ وَعَلَى الْوَسَطِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ من مَرَّ بِهِ رَجُلَيْنِ وَثَلَاثَةً لَا يَزِيدُ عليهم وَيَصْنَعُ لهم ما وَصَفْت وَعَلَى الْمُوسِعِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ من مَرَّ بِهِ ما بين ثَلَاثَةٍ إلَى سِتَّةٍ لَا يَزِيدُونَ على ذلك وَلَا يَصْنَعُونَ بِدَوَابِّهِمْ إلَّا ما وَصَفْت إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا لهم بِأَكْثَرَ من ذلك فَإِنْ قَلَّتْ الْمَارَّةُ من الْمُسْلِمِينَ يُفَرِّقُهُمْ وَعَدَلُوا في تَفْرِيقِهِمْ فَإِنْ كَثُرَ الْجَيْشُ حتى لَا يَحْتَمِلَهُمْ مَنَازِلُ أَهْلِ الْغِنَى وَلَا يَجِدُونَ مَنْزِلًا أَنْزَلَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ في فَضْلِ مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَتْ عليهم ضِيَافَةٌ فَإِنْ لم يَجِدُوا فَضْلًا من مَنَازِلِ أَهْلِ الْحَاجَةِ لم يَكُنْ لهم أَنْ يُخْرِجُوهُمْ وَيَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ وإذا كَثُرُوا وَقَلَّ من يُضَيِّفُهُمْ فَأَيُّهُمْ سَبَقَ إلَى النُّزُولِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ جاؤوا مَعًا أَقْرَعُوا فَإِنْ لم يَفْعَلُوا وَغَلَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ضُيِّفَ الْغَالِبُ وَلَا ضِيَافَةَ على أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت فإذا نَزَلُوا بِقَوْمٍ آخَرِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْبَبْت أَنْ يَدَعَ الَّذِينَ قَرَوْا الْقِرَى وَيُقْرِيَ الَّذِينَ لم يُقْرُوا فإذا ضَاقَ عليهم الْأَمْرُ فَإِنْ لم يُقْرِهِمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لم يَأْخُذْ منهم ثَمَنًا لِلْقِرَى فإذا مَضَى الْقِرَى لم يُؤْخَذُوا بِهِ ( 1 ) إذَا سبأ ( ( ( سألهم ) ) ) لهم الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ من ثِمَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا أَمْوَالِهِمْ شيئا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وإذا لم يَشْتَرِطُوا عليهم ضِيَافَةً فَلَا ضِيَافَةَ عليهم وَأَيُّهُمْ قال أو فَعَلَ شيئا مِمَّا وَصَفْته نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأَسْلَمَ لم يُقْتَلْ إذَا كان ذلك قَوْلًا وَكَذَلِكَ إذَا كان فِعْلًا لم يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ في دِينِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أو قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أو قِصَاصٍ لَا نَقْضَ عَهْدٍ وَإِنْ فَعَلَ ما وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ نَقَضَ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ فلم يُسْلِمْ وَلَكِنَّهُ قال أَتُوبُ وأعطى الْجِزْيَةَ كما كُنْت أُعْطِيهَا أو على صُلْحٍ أُجَدِّدُهُ عُوقِبَ ولم يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلًا ( 2 ) يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِقَتْلٍ أو قَوَدٍ فَأَمَّا ما دُونَ هذا من الْفِعْلِ أو الْقَوْلِ وَكُلُّ قَوْلٍ فَيُعَاقَبُ عليه وَلَا يُقْتَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ فَعَلَ أو قال ما وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ يَحِلُّ دَمُهُ فَظَفِرْنَا بِهِ فَامْتَنَعَ من أَنْ يَقُولَ أَسْلَمَ أو أعطي جِزْيَةً قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا - * الصُّلْحُ على أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فَكَانَ مَعْقُولًا في الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ غير جَائِزَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَعْلُومًا ثُمَّ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ مَعْنَى ما وَصَفْت من أنها مَعْلُومٌ فَأَمَّا ما لم يُعْلَمْ أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا كَيْفَ أَخَذَ من أَخَذَهُ من الْوُلَاةِ له وَلَا من أُخِذَتْ منه من أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ في مَعْنَى سُنَّةِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا نُوقَفُ على حَدِّهِ أَلَا تَرَى إنْ قال أَهْلُ الْجِزْيَةِ نُعْطِيكُمْ في كل مِائَةِ سَنَةٍ دِرْهَمًا وقال الْوَالِي بَلْ آخُذُ مِنْكُمْ في كل شَهْرٍ دِينَارًا لم يَقُمْ على أَحَدٍ هذا وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا أَنْ يَسْتَنَّ فيها بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَأْخُذُ بِأَقَلَّ ما أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَكُونُ لِوَالٍ أَنْ يَقْبَلَ أَقَلَّ منه وَلَا يَرُدَّهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا مَعْلُومَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخَذَهَا دِينَارًا وَازْدَادَ فيها ضِيَافَةً فَأَخَذَ من كل إنْسَانٍ من أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ مثله وَأَخَذَ من أَهْلِ نَجْرَانَ كِسْوَةً وَأَعْلَمَنِي عُلَمَاءُ من أَهْلِهَا أنها تَتَجَاوَزُ قِيمَةُ دِينَارٍ ولم يَجُزْ في الْآيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ على كل بَالِغٍ لَا على بَعْضِ الْبَالِغِينَ دُونَ بَعْضٍ من أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من قَوْمٍ من أَمْوَالِهِمْ على مَعْنَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ بِلَا ثنى عليهم فيها وَذَلِكَ أَنَّ ذلك لو جَازَ كان منهم من لَا مَالَ له تَجِبُ فيه الصَّدَقَةُ وَإِنْ كان له مَالٌ كَثِيرٌ من عُرُوضٍ وَدُورٍ
____________________

(4/199)


كَغَلَّةٍ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُونَ بين أَظْهُرِنَا مُقِرِّينَ على دِينِهِمْ بِلَا جِزْيَةٍ ولم يُبَحْ هذا لنا وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ من رِجَالِهِمْ خَلِيًّا من الْجِزْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ من الْجِزْيَةِ على ما صَالَحُوا عليه من أَمْوَالِهِمْ تَضْعِيفَ صَدَقَةٍ أو عُشْرٍ أو رُبْعٍ أو نِصْفٍ أو نِصْفِ أَمْوَالِهِمْ أو أَثْلَاثِهَا أو ثنى أَنْ يُقَالَ من كان له مِنْكُمْ مَالٌ أَخَذَ منه ما شَرَطَ على نَفْسِهِ وَشَرَطُوا له ما كان يُؤْخَذُ منه في السَّنَةِ تَكُونُ قِيمَتُهُ دِينَارًا أو أَكْثَرَ فإذا لم يَكُنْ له ما يَجِبُ فيه ما شَرَطَ أو هو أَقَلُّ من قِيمَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ أو تَمَامُ دِينَارٍ وَإِنَّمَا اخْتَرْت هذا أنها جِزْيَةٌ مَعْلُومَةُ الْأَقَلِّ وَأَنْ ليس منهم خلى منها قال وَلَا يَفْسُدُ هذا لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ كما لم يَفْسُدْ أَنْ يَشْتَرِطَ عليهم الضِّيَافَةَ وقد تَتَابَعَ عليهم فَتَلْزَمُهُمْ وَتَغِبُّ فَلَا تَلْزَمُهُمْ بِإِغْبَابِهَا شَيْءٌ قال وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ صَالَحَ من نَصَارَى الْعَرَبِ على تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ وَأَدْخَلَ هذا الشَّرْطَ وَإِنْ لم يُحْكَ عنه وقد روى عنه أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُقِرَّ الْعَرَبُ إلَّا على الْجِزْيَةِ فَأَنِفُوا منها وَقَالُوا تَأْخُذُهَا مِنَّا على مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً كما يُؤْخَذُ من الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ فَأَبَى فَلَحِقَتْ منهم جَمَاعَةٌ بِالرُّومِ فَكَرِهَ ذلك وَأَجَابَهُمْ إلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عليهم فَصَالَحَهُ من بَقِيَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ عليها فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عليها على هذا الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من الثنى (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ لهم كِتَابًا على الْجِزْيَةِ بِشَرْطِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ عبد اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِفُلَانِ بن فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ من بَنِي فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنَّك سَأَلْتنِي لِنَفْسِك وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنْ أَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ما يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ على ما شَرَطْت عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ وَلَك وَلَهُمْ فَأَجَبْتُك إلَى ما سَأَلْت لَكُمْ وَلِمَنْ رضي ما عَقَدْت من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا على ما شَرَطْنَا عليه في هذا الْكِتَابِ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ الِامْتِنَاعُ مِمَّا رَأَيْنَاهُ لَازِمًا له فيه وَلَا مُجَاوَزًا بِهِ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ على مِثْلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ التي هِيَ ضَرِيبَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فإذا انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ على أَنَّ من كان له مِنْكُمْ إبِلٌ أو بَقَرٌ أو غَنَمٌ أو كان ذَا زَرْعٍ أو عَيْنِ مَالٍ أو تَمْرٍ يري فيه الْمُسْلِمُونَ على من كان له منهم فيه الصَّدَقَةُ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ منه الصَّدَقَةُ مُضَعَّفَةً وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ غَنَمُهُ أَرْبَعِينَ فَتُؤْخَذَ منه فيها شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فإذا بَلَغَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً أُخِذَتْ فيها أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى مِائَتَيْنِ فإذا زَادَتْ شَاةٌ على مِائَتَيْنِ أُخِذَتْ فيها سِتُّ شِيَاهٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ أُخِذَ فيها ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَكْمُلَ مِائَةً ثُمَّ عليه في كل مِائَةٍ منها شَاتَانِ وَمِنْ كان مِنْكُمْ ذَا بَقَرٍ فَبَلَغَتْ بَقَرُهُ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ فيها تَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عليه في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَعَلَيْهِ فيها مُسِنَّتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا إلَى ثَمَانِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ تِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا سِتَّةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها مُسِنَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً وَعَشْرًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ وَتَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها سِتُّ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ بِصَدَقَةِ الْبَقَرِ مُضَعَّفَةً ثُمَّ يَكْتُبُ في صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَإِنْ كانت له إبِلٌ فَلَا شَيْءَ فيها حتى تَبْلُغَ خَمْسًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها شَاتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ عَشْرًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها سِتُّ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا
____________________
1- * كِتَابُ الْجِزْيَةِ على شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ

(4/200)


حتى تَبْلُغَ عِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ابْنَتَا مَخَاضٍ فَإِنْ لم يَكُنْ فيها ابْنَتَا مَخَاضٍ فَابْنَا لَبُونٍ ذَكَرَانِ وَإِنْ كانت له ابْنَةُ مَخَاضٍ وَاحِدَةٌ وبن لَبُونٍ وَاحِدٌ أُخِذَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ وبن اللَّبُونِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ابْنَتَا لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ إحْدَى وَسِتِّينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا جَذَعَتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ إحْدَى وَتِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حقاق ( ( ( حقائق ) ) ) ثُمَّ ذلك فَرْضُهَا حتى تَنْتَهِيَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فإذا كانت إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ طَرَحَ هذا وَعُدَّتْ فَكَانَ في كل أَرْبَعِينَ منها ابْنَتَا لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حقتان ( ( ( مباحا ) ) ) وإذا لم يُوجَدْ في مَالِ من عليه الْجِزْيَةُ من الْإِبِلِ السِّنُّ التي شَرَطَ عليه أَنْ تُؤْخَذَ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصَاعِدًا فَجَاءَ بها قُبِلَتْ منه وَإِنْ لم يَأْتِ بها فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ التي دُونَهَا وَيُغَرِّمُهُ في كل بَعِيرٍ لَزِمَهُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَ السِّنَّ التي فَوْقَهَا وَرَدَّ إلَيْهِ في كل بَعِيرٍ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ فَعَلَ وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وإذا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْعُلْيَا على أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ الْفَضْلَ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا كان أَيْسَرَ نَقْدًا على الْمُسْلِمِينَ وإذا اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْأَدْنَى وَيَغْرَمَ له صَاحِبُ الْإِبِلِ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْإِبِلِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ شَاتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ كان منهم ذَا زَرْعٍ يَقْتَاتُ من حِنْطَةٍ أو شَعِيرٍ أو ذُرَةٍ أو دُخْنٍ أو أَرُزٍّ أو قُطْنِيَّةٍ لم يُؤْخَذْ منه فيه شَيْءٌ حتى يَبْلُغَ زَرْعُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَصِفُ الْوَسْقَ في كِتَابِهِ بِمِكْيَالٍ يَعْرِفُونَهُ فإذا بَلَغَهَا زَرْعُهُ فَإِنْ كان مِمَّا يسقي بِغَرْبٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ كان مِمَّا يسقي بِنَهْرٍ أو سَيْحٍ أو عَيْنِ مَاءٍ أو نِيلٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمِنْ كان منهم ذَا ذَهَبٍ فَلَا جِزْيَةَ عليه فيها حتى تَبْلُغَ ذَهَبُهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها دِينَارٌ نِصْفُ الْعُشْرِ وما زَادَ فَبِحِسَابِ ذلك وَمَنْ كان ذَا وَرِقٍ فَلَا جِزْيَةَ عليه في وَرِقِهِ حتى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ فإذا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فيها نِصْفُ الْعُشْرِ ثُمَّ ما زَادَ فَبِحِسَابِهِ وَعَلَى أَنَّ من وَجَدَ مِنْكُمْ رِكَازًا فَعَلَيْهِ خُمُسَاهُ وَعَلَى أَنَّ من كان بَالِغًا مِنْكُمْ دَاخِلًا في الصُّلْحِ فلم يَكُنْ له مَالٌ عِنْدَ الْحَوْلِ يَجِبُ على مُسْلِمٍ لو كان له فيه زَكَاةٌ أو كان له مَالٌ يَجِبُ فيه على مُسْلِمٍ لو كان له الزَّكَاةُ فَأَخَذْنَا منه ما شَرَطْنَا عليه فلم يَبْلُغْ قِيمَةَ ما أَخَذْنَا منه دِينَارًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْنَا دِينَارًا إنْ لم نَأْخُذْ منه شيئا وَتَمَامَ دِينَارٍ إنْ نَقَصَ ما أَخَذْنَا منه عن قِيمَةِ دِينَارٍ وَعَلَى أَنَّ ما صَالَحْتُمُونَا عليه على كل من بَلَغَ غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من رِجَالِكُمْ وَلَيْسَ ذلك مِنْكُمْ على بَالِغٍ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ قال ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ كما أَجْرَيْت الْكِتَابَ قَبْلَهُ حتى يَأْتِيَ على آخِرِهِ وَإِنْ شَرَطْت عليهم في أَمْوَالِهِمْ قِيمَةَ أَكْثَرَ من دِينَارٍ كَتَبْتَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ كان أو أَكْثَرَ وإذا شَرَطْتَ عليهم ضِيَافَةً كَتَبْتهَا على ما وَصَفْت عليهم في الْكِتَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ أَجَابُوك إلَى أَكْثَرَ منها فَاجْعَلْ ذلك عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ وَقَّتَ عليهم الْجِزْيَةَ أَنْ يَكْتُبَ على الْفَقِيرِ منهم كَذَا وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ من دِينَارٍ وَمَنْ جَاوَزَ الْفَقْرَ كَذَا لِشَيْءٍ أَكْثَرَ منه وَمَنْ دخل في الْغِنَى كَذَا لِأَكْثَرَ منه وَيَسْتَوُونَ إذَا أُخِذَتْ منهم الْجِزْيَةُ هُمْ وَجَمِيعُ من أُخِذَتْ منه جِزْيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فِيمَا شُرِطَتْ لهم وَعَلَيْهِمْ وما يَجْرِي من حُكْمِ الْإِسْلَامِ على كُلٍّ وإذا شَرَطَ على قَوْمٍ أَنَّ على فَقِيركُمْ دِينَارًا وَعَلَى من جَاوَزَ الْفَقْرَ ولم يُلْحِقْ بغنى مَشْهُورٍ دِينَارَيْنِ وَعَلَى من كان من أَهْلِ الْغِنَى الْمَشْهُورِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنُهُ فَيَقُولَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْفَقْرِ وَالْغِنَى يوم تَحِلُّ الْجِزْيَةُ لَا يوم عَقْدِ الْكِتَابِ فإذا صَالَحَهُمْ على هذا فَاخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ فقال الْإِمَامُ لِأَحَدِهِمْ أنت غَنِيٌّ مَشْهُورُ الْغِنَى وقال بَلْ أنا فَقِيرٌ أو وَسَطٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ غَيْرُ ما قال بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه بِأَنَّهُ غَنِيٌّ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه وإذا صَالَحَهُمْ على هذا فَجَاءَ الْحَوْلُ وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فلم تُؤْخَذْ منه جِزْيَتُهُ حتى يُوسِرَ يُسْرًا مَشْهُورًا أُخِذَتْ
____________________

(4/201)


جِزْيَتُهُ دِينَارًا على الْفَقْرِ لِأَنَّ الْفَقْرَ حَالُهُ يوم وَجَبَتْ عليه الْجِزْيَةُ وَكَذَلِكَ إنْ حَالَ عليه الْحَوْلُ وهو مَشْهُورُ الْغِنَى فلم تُؤْخَذْ جِزْيَتُهُ حتى افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ على حَالِهِ يوم حَالَ عليه الْحَوْلُ وَإِنْ لم تُوجَدْ له إلَّا تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الدَّنَانِيرِ فَإِنْ أَعْسَرَ بِبَعْضِهَا أُخِذَ منه ما وُجِدَ له منها وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ دَيْنًا عليه وَأُخِذَتْ جِزْيَتُهُ ما كان فَقِيرًا فِيمَا اسْتَأْنَفَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ على الْفَقْرِ وَلَوْ كان في الْحَوْلِ مَشْهُورَ الْغِنَى حتى إذَا كان قبل الْحَوْلِ بِيَوْمٍ افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ في عَامِهِ ذلك جِزْيَةَ فَقِيرٍ وَكَذَلِكَ لو كان في حَوْلِهِ فَقِيرًا فلما كان قبل الْحَوْلِ بِيَوْمٍ صَارَ مَشْهُورًا بِالْغِنَى أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ غنى - * الضِّيَافَةُ مع الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أُثْبِتُ من جَعَلَ عُمَرَ عليه الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا وَلَا من جَعَلَ عليه يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا من جَعَلَ عليه الْجِزْيَةَ ولم يُسَمِّ عليه ضِيَافَةً بِخَبَرِ عَامَّةٍ وَلَا خَاصَّةٍ يَثْبُتُ وَلَا أَحَدِ الَّذِينَ وَلُوا الصُّلْحَ عليها بِأَعْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ قد مَاتُوا كلهم وَأَيُّ قَوْمٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ أَقَرُّوا أو قَامَتْ على أَسْلَافِهِمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ صُلْحَهُمْ كان على ضِيَافَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَنَّهُمْ رَضُوهَا بِأَعْيَانِهِمْ أُلْزِمُوهَا وَلَا يَكُونُ رِضَاهُمْ الذي أُلْزِمُوهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَالَحَنَا على أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا وَإِنْ قالوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ لم أُلْزِمْهُمُوهُ وَأُحَلِّفْهُمْ ما ضَيَّفُوا على إقْرَارٍ بِصُلْحٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَوْا كَثِيرًا أَحَلَفْتهمْ ما أَعْطَوْهُ على إقْرَارٍ بِصُلْحٍ فإذا حَلَفُوا جَعَلْتُهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأْت أَمْرَهُمْ الْآنَ فَإِنْ أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وهو دِينَارٌ قَبِلْته وَإِنْ أَبَوْا نَبَذْت إلَيْهِمْ وَحَارَبْتهمْ وَأَيُّهُمْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ في صُلْحِهِ وَأَنْكَرَهُ منهم غَيْرُهُ أَلْزَمْته ما أَقَرَّ بِهِ ولم أَجْعَلْ إقْرَارَهُ لَازِمًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَلَحْنَا على أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا فَأَمَّا إذَا قالوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ فَلَا أُلْزِمُهُمُوهُ قال وَيَأْخُذُهُمْ الْإِمَامُ بِعِلْمِهِ وَإِقْرَارِهِمْ وَبِالْبَيِّنَةِ إنْ قَامَتْ عليهم من الْمُسْلِمِينَ وَلَا نُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وَكَذَلِكَ نَصْنَعُ في كل أَمْرٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مِمَّا صَالَحُوا عليه وفي كل مُؤَقَّتٍ لم يَعْرِفْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وإذا أَقَرَّ قَوْمٌ منهم بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْوَالِي أَخْذُهُ أُلْزِمُهُمُوهُ ما حَيُوا وَأَقَامُوا في دَارِ الْإِسْلَامِ وإذا صَالَحُوا على شَيْءٍ أَكْثَرَ من دِينَارٍ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَمْتَنِعُوا إلَّا من أَدَاءِ دِينَارٍ أَلْزَمَهُمْ ما صَالَحُوا عليه كَامِلًا فَإِنْ امْتَنَعُوا منه حَارَبَهُمْ فَإِنْ دَعَوْا قبل أَنْ يُظْهَرَ على أَمْوَالِهِمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْإِمَامَ الْجِزْيَةَ دِينَارًا لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْتَنِعَ منهم وَجَعَلَهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأَ مُحَارَبَتَهُمْ فَدَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ أو قَوْمٍ دَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ بِلَا حَرْبٍ فإذا أَقَرَّ منهم قَرْنٌ بِشَيْءٍ صَالَحُوا عليه أَلْزَمَهُمُوهُ فَإِنْ كان فِيهِمْ غَائِبٌ لم يَحْضُرْ لم يُلْزِمْهُ وإذا حَضَرَ أَلْزَمَ ما أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه وإذا نَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ فَبَلَغُوا الْحُلُمَ أو اسْتَكْمَلُوا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فلم يُقِرُّوا بِمَا أَقَرَّ بِهِ آبَاؤُهُمْ قِيلَ إنْ أَدَّيْتُمْ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاكُمْ فَإِنْ عَرَضُوا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وقد أَعْطَى آبَاؤُهُمْ أَكْثَرَ منها لم يَكُنْ لنا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إذَا أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِينَا آبَاؤُهُمْ وَلَا يَكُونُ صُلْحُ الْآبَاءِ صُلْحًا على الْأَبْنَاءِ إلَّا ما كَانُوا صِغَارًا لَا جِزْيَةَ عليهم أو نِسَاءً لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ أو مَعْتُوهِينَ لَا جِزْيَةَ عليهم فَأَمَّا من لم يَجُزْ لنا إقْرَارُهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا على أَخْذِ الْجِزْيَةِ منه فَلَا يَكُونُ صُلْحُ أبيه وَلَا غَيْرِهِ صُلْحًا عنه إلَّا بِرِضَاهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنْ كان سَفِيهًا بَالِغًا مَحْجُورًا عليه منهم صَالَحَ عن نَفْسِهِ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَلِيُّهُ وهو مَعًا حُورِبَ فَإِنْ غَابَ وَلِيُّهُ جَعَلَ له السُّلْطَانُ وَلِيًّا يُصَالِحُ عنه فَإِنْ أَبَى الْمَحْجُورُ عليه الصُّلْحَ حَارَبَهُ وَإِنْ أَبَى وَلِيُّهُ وَقَبِلَ الْمَحْجُورُ عليه جُبِرَ وَلِيُّهُ أَنْ يَدْفَعَ الْجِزْيَةَ عنه لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ إذَا أَقَرَّ بها لِأَنَّهَا من مَعْنَى النَّظَرِ له لِئَلَّا يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ فَيْئًا وإذا كان هذا هَكَذَا وكان من صَالَحَهُمْ مِمَّنْ مَضَى من الْأَئِمَّةُ بِأَعْيَانِهِمْ قد مَاتُوا فَحَقُّ الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ أُمَنَاءَ فَيَجْمَعُونَ الْبَالِغِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ في كل بَلَدٍ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُمْ عن صُلْحِهِمْ فما أَقَرُّوا بِهِ مِمَّا هو أَزْيَدُ من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبْلَهُ منهم إلَّا أَنْ تَقُومَ عليهم بَيِّنَةٌ بِأَكْثَرَ منه ما لم يَنْقُضُوا الْعَهْدَ فَيُلْزِمُهُ منهم من قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ وَيُسْأَلُ عَمَّنْ
____________________

(4/202)


نَشَأَ منهم فَمَنْ بَلَغَ عَرَضَ عليه قَبُولَ ما صَالَحُوا عليه فَإِنْ فَعَلَ قَبِلَهُ منه وَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبِلَ منه بَعْدَ أَنْ يَجْتَهِدَ بِالْكَلَامِ على اسْتِزَادَتِهِ وَيَقُولُ هذا صُلْحُ أَصْحَابِك فَلَا تَمْتَنِعُ منه وَيَسْتَظْهِرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَصْحَابِهِ عليه وَإِنْ أَبَى إلَّا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ قَبِلَهُ منه فَإِنْ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ منهم بَلَغَ ولم يُقِرَّ عِنْدَهُ بِأَنْ قد اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أو قد احْتَلَمَ ولم يَقُمْ بِذَلِكَ عليه بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ أَقَلُّ من يُقْبَلُ في ذلك شَاهِدَانِ عَدْلَانِ كَشَفَهُ كما كَشَفَ رسول اللَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ فَمَنْ أَنْبَتَ قَتَلَهُ فإذا أَنْبَتَ قال له إنْ أَدَّيْت الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاك فَإِنْ قال أَنْبَتَ من اني تَعَالَجْت بِشَيْءٍ تَعَجَّلَ إنْبَاتَ الشَّعْرِ لم يُقْبَلْ منه ذلك إلَّا أَنْ يَقُومَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ على مِيلَادِهِ فَيَكُونَ لم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَدَعْهُ وَلَا يَقْبَلُ لهم وَلَا عليهم شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَحِلَاهُمْ في الدِّيوَانِ وَيُعَرِّفُ عليهم وَيُحَلَّفُ عُرَفَاؤُهُمْ لَا يَبْلُغُ منهم مَوْلُودٌ إلَّا رَفَعَهُ إلَى وَالِيهِ عليهم وَلَا يَدْخُلُ عليهم أَحَدٌ من غَيْرِهِمْ إلَّا رَفَعُوا إلَيْهِ فَكُلَّمَا دخل فِيهِمْ أَحَدٌ من غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لم يَكُنْ له صُلْحٌ وكان مِمَّنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ فَعَلَ بِهِ كما وَصَفْت فِيمَنْ فَعَلَ وَكُلَّمَا بَلَغَ منهم بَالِغٌ فَعَلَ بِهِ ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ دخل من له صُلْحٌ أَلْزَمْته صُلْحَهُ وَمَتَى أُخِذَ منه صُلْحُهُ رَفَعَ عنه أَنْ تُؤْخَذَ عنه في غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنْ كان صَالَحَ على دِينَارٍ وقد كان له صُلْحٌ قَبْلَهُ على أَكْثَرَ أُخِذَ منه ما بَقِيَ من الْفَضْلِ على الدِّينَارِ لِأَنَّهُ صَالَحَ عليه وَإِنْ كان صُلْحُهُ الْأُوَلُ على دِينَارٍ بِبَلَدِهِ ثُمَّ صَالَحَ بِبَلَدِ غَيْرِهِ على دِينَارٍ أو أَكْثَرَ قِيلَ له إنْ شِئْت رَدَدْنَا عَلَيْك الْفَضْلَ عَمَّا صَالَحْت عليه أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ أَحْدَثَ صُلْحًا فَيَكُونَ صُلْحُهُ الْآخَرُ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَمَتَى مَاتَ منهم مَيِّتٌ أُخِذَتْ من مَالِهِ الْجِزْيَةُ بِقَدْرِ ما مَرَّ عليه من سَنَتِهِ كَأَنَّهُ مَرَّ عليه نِصْفُهَا لم يُؤَدِّهَا يُؤْخَذُ نِصْفُ جِزْيَتِهِ وَإِنْ عَتَهَ رُفِعَ عنه الْجِزْيَةُ ما كان مَعْتُوهًا فإذا أَفَاقَ أَخَذْتهَا منه من يَوْمِ أَفَاقَ فَإِنْ جُنَّ فَكَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ لم ( ( ( ولم ) ) ) تُرْفَعْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ هذا مِمَّنْ تَجْرِي عليه الْأَحْكَامُ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ مَرِضَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إنَّمَا تُرْفَعُ عنه الْجِزْيَةُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ فلم يَعُدْ وَأَيُّهُمْ أَسْلَمَ رُفِعَتْ عنه الْجِزْيَةُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَأُخِذَتْ لِمَا مَضَى وَإِنْ غَابَ فَأَسْلَمَ فقال أَسْلَمْت من وَقْتِ كَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ما قال ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عليه الْجِزْيَةَ من حِينِ غَابَ إلَى أَنْ قَدِمَ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ له بَيِّنَةٌ بِأَنَّ إسْلَامَهُ قد تَقَدَّمَ قبل أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا بِوَقْتٍ فَيُؤْخَذَ بِالْبَيِّنَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ ثُمَّ تَنَصَّرَ لم تؤخذ ( ( ( يؤخذ ) ) ) الْجِزْيَةُ وَإِنْ أُخِذَتْ رُدَّتْ وَقِيلَ إنْ أَسْلَمْت وَإِلَّا قُتِلْت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ قال وَيُبَيِّنُ وَزْنَ الدِّينَارِ وَالدَّنَانِيرُ التي تُؤْخَذُ منهم وَكَذَلِكَ صِفَةُ كل ما يُؤْخَذُ منهم وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمْ وهو صَحِيحٌ فَمَرَّتْ بِهِ نِصْفُ سَنَةٍ ثُمَّ عَتِهَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ أو لم يُفِقْ أُخِذَتْ منه جِزْيَةُ نِصْفِ السَّنَةِ التي كان فيها صَحِيحًا وَمَتَى أَفَاقَ اُسْتُقْبِلَ بِهِ من يَوْمِ أَفَاقَ سَنَةً ثُمَّ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ منه لِأَنَّهُ كان صَالَحَ فَلَزِمَهُ الْجِزْيَةُ ثُمَّ عَتِهَ فَسَقَطَتْ عنه وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا سَاعَةَ أَفَاقَ قُبِلَتْ منه وَإِنْ لم تَطِبْ لم يَلْزَمْهَا إلآ بَعْدَ الْحَوْلِ وإذا عَتَقَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ أُخِذَتْ منه الْجِزْيَةُ أو نُبِذَ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أو كَافِرٌ - * الضِّيَافَةُ في الصُّلْحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِضِيَافَةٍ في صُلْحِهِمْ وَرَضُوا بها فَعَلَى الْإِمَامِ مَسْأَلَتُهُمْ عنها وَقَبُولُ ما قالوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ منها إذَا كانت زِيَادَةً على أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ منهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عليها بِحَالٍ حتى تَكُونَ زِيَادَةً على أَقَلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِأَنْ يُضَيِّفُوا من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ وَقَالُوا ما حَدَّدْنَا في هذا حَدًّا أُلْزِمُوا أَنْ يُضَيِّفُوا من وَسَطِ ما يَأْكُلُونَ خُبْزًا وَعَصِيدَةً وَإِدَامًا من زَيْتٍ أو لَبَنٍ أو سَمْنٍ
____________________

(4/203)


أو بُقُولٍ مَطْبُوخَةٍ أو حِيتَانٍ أو لَحْمٍ أو غَيْرِهِ أَيُّ هذا تَيَسَّرَ عليهم وإذا أَقَرُّوا بِعَلَفِ دَوَابَّ ولم يُحَدِّدُوا شيئا عَلَفُوا التِّبْنَ وَالْحَشِيشَ مِمَّا تَحُشَّاهُ الدَّوَابُّ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يُلْزَمُوا حَبًّا لِدَوَابَّ وَلَا ما جَاوَزَ أَقَلَّ ما تَعْلِفُهُ الدَّوَابُّ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَلَا يَجُوزُ بِأَنْ يُحْمَلَ على الرَّجُلِ منهم في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ضِيَافَةٌ إلَّا بِقَدْرِ ما يَحْتَمِلُ أَنْ احْتَمَلَ وَاحِدًا أو اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةً وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ عليه أَكْثَرُ من ثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَيْسَرَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُنَزِّلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُضَيِّفُهُمْ حَيْثُ يَشَاءُ من مَنَازِلِهِ التي يَنْزِلُهَا السُّفَرُ التي تَكُنْ من مَطَرٍ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَإِنْ لم يُقِرُّوا بهذا فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا صَالَحَهُمْ كَيْفَ يُضَيِّفُ الْمُوسِرَ الذي يبلغ ( ( ( بلغ ) ) ) يُسْرُهُ كَذَا وَيَصِفُ ما يُضَيِّفُ من الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدِ من يُضَيِّفُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْوَسَطِ الذي يَبْلُغُ مَالُهُ عَدَدَ كَذَا من الْأَصْنَافِ وَعَلَى من عِنْدَهُ فَضْلٌ عن نفسه ( ( ( نفعه ) ) ) وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَدَدَ كَذَا وَاحِدًا أو أَكْثَرَ منه وَمَنَازِلُهُمْ وما يقرى كُلَّ وَاحِدٍ منهم لِيَكُونَ ذلك مَعْلُومًا إذَا نَزَلَ بِهِمْ الْجُمُوعُ وَمَرَّتْ الْجُيُوشُ فَيُؤْخَذُونَ بِهِ وَيُجْعَلُ ذلك كُلُّهُ مُدَوَّنًا مَشْهُودًا عليه بِهِ لِيَأْخُذَهُ من وَلِيَهُمْ من وُلَاتِهِ بَعْدَهُ وَيَكْتُبُ في كِتَابِهِمْ أَنَّ كُلَّ من كان مُعْسِرًا فَرَجَعَ إلَى مَالِهِ حتى يَكُونَ مُوسِرًا نُقِلَ إلَى ضِيَافَةِ الْمَيَاسِيرِ - * الصُّلْحُ على الِاخْتِلَافِ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَدَعَ الْوَالِي أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ في صُلْحٍ إلَّا مَكْشُوفًا مَشْهُودًا عليه وَأُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَمَّا صَالَحُوا عليه مِمَّا يُؤْخَذُ منهم إذَا اخْتَلَفُوا في بِلَادِ للمسلمين ( ( ( المسلمين ) ) ) فَإِنْ أَنْكَرَتْ منهم طَائِفَةٌ أَنْ تَكُونَ صَالَحَتْ على شَيْءٍ يُؤْخَذُ منها سِوَى الْجِزْيَةِ لم يُلْزِمْهَا ما أَنْكَرَتْ وَعَرَضَ عليها إحْدَى خَصْلَتَيْنِ أَنْ لَا تَأْتِيَ الْحِجَازَ بِحَالٍ أو تَأْتِيَ الْحِجَازَ على أنها مَتَى أَتَتْ الْحِجَازَ أَخَذَ منها ما صَالَحَهَا عليه عُمَرُ وَزِيَادَةً إنْ رَضِيَتْ بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَأْتِي الْحِجَازَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجْلَاهَا من الْحِجَازِ وَقُلْنَا تَأْتِيهِ على ما أَخَذَ عُمَرُ أَنْ ليس في إجْلَائِهَا من الْحِجَازِ أَمْرٌ يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ أَنْ تَأْتِيَ الْحِجَازَ مُنْتَابَةً وَإِنْ رَضِيَتْ بِإِتْيَانِ الْحِجَازِ على شَيْءٍ مِثْلِ ما أَخَذَ عُمَرُ أو أَكْثَرَ منه أَذِنَ لها أَنْ تَأْتِيَهُ مُنْتَابَةً لَا تُقِيمُ بِبَلَدٍ منه أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ فَإِنْ لم تَرْضَ مَنَعَهَا منه وَإِنْ دَخَلَتْهُ بِلَا إذْنٍ لم يُؤْخَذْ من مَالِهَا شَيْءٌ وَأَخْرَجَهَا منه وَعَاقَبَهَا إنْ عَلِمَتْ مَنْعَهُ إيَّاهَا ولم يُعَاقِبْهَا إنْ لم تَعْلَمْ مَنْعَهُ إيَّاهَا وَتَقَدَّمَ إلَيْهَا فَإِنْ عَادَتْ عَاقَبَهَا وَيَقْدَمُ إلَى وُلَاتِهِ أَنْ لَا يُجِيزُوا بِلَادَ الْحِجَازِ إلَّا بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ يُؤْخَذَ منهم ما أَخَذَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَإِنْ زَادُوهُ عليها شيئا لم يَحْرُمْ عليه فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ عَرَضُوا عليه أَقَلَّ منه لم أُحِبَّ أَنْ يَقْبَلَهُ وَإِنْ قَبِلَهُ لِخَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ ذلك لِأَنَّهُ إذَا لم يَحْرُمْ أَنْ يَأْتُوا الْحِجَازَ مُجْتَازِينَ لم يَحِلَّ إتْيَانُهُمْ الْحِجَازَ كَثِيرٌ يُؤْخَذُ منهم وَيُحَرِّمُهُ قَلِيلٌ وإذا قالوا نَأْتِيهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لم يَكُنْ ذلك لِلْوَالِي وَلَا لهم وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَجْعَلَ هذا عليهم في كل بَلَدٍ انْتَابُوهُ فَإِنْ مُنِعُوا منه في الْبُلْدَانِ فَلَا يَبِينُ لي أَنَّ له أَنْ يَمْنَعَهُمْ بَلَدًا غير الْحِجَازِ وَلَا يَأْخُذُ من أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ اتَّجَرُوا في بَلَدٍ غَيْرِ الْحِجَازِ شيئا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْذَنَ لهم في مَكَّةَ بِحَالٍ ( 1 ) وَإِنْ أَتَوْهَا على الْحِجَازِ أَخَذَ منهم ذلك وَإِنْ جَاءُوهَا على غَيْرِ شَرْطٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ منهم شيئا وَعَاقَبَهُمْ إنْ عَلِمُوا نَهْيَهُ عن إتْيَانِ مَكَّةَ ولم يُعَاقِبْهُمْ إنْ لم يَعْلَمُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ صُلْحَهُمْ على الْبَيَانِ من جَمِيعِ ما وَصَفْت ثُمَّ يُلْزِمَهُمْ ما صَالَحُوا عليه فَإِنْ أَغْفَلَهُمْ مَنَعَهُمْ الْحِجَازَ كُلَّهُ فَإِنْ دَخَلُوهُ بِغَيْرِ صُلْحٍ لم يَأْخُذْ منهم شيئا وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَمْنَعَهُمْ غير الْحِجَازِ من الْبُلْدَانِ قال وَلَا أَحْسَبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَلَا عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَخَذَ ذلك منهم إلَّا عن رِضًا منهم بِمَا أَخَذَ منهم فاخذه منهم كما تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فأما أَنْ يَكُونَ أَلْزَمَهُمُوهُ بِغَيْرِ رِضًا منهم فَلَا أَحْسَبُهُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ يَمْنَعُونَ الْإِتْيَانَ إلَى بِلَادِ
____________________

(4/204)


الْمُسْلِمِينَ بِتِجَارَةٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِصُلْحٍ فما صَالَحُوا عليه جَازَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَغَيْرِ صُلْحٍ مُقِرِّينَ بِهِ لم يُؤْخَذْ منهم شَيْءٌ من أَمْوَالِهِمْ وَرُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا إنَّمَا دَخَلْنَا على أَنْ يُؤْخَذَ مِنَّا فَيُؤْخَذُ منهم وَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ غَنِمُوا وإذا لم يَكُنْ لهم دَعْوَى أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ كَانُوا فَيْئًا وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ قبل أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ وَإِنْ دخل رَجُلٌ من أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَدًا أو دَخَلَهَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَأَدَّى عن مَالِهِ شيئا ثُمَّ دخل بَعْدُ لم يُؤْخَذْ ذلك منه إلَّا بِأَنْ يُصَالِحَ عليه قبل الدُّخُولِ أو يَرْضَى بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَمَّا الرُّسُلُ وَمَنْ ارْتَادَ الْإِسْلَامَ فَلَا يُمْنَعُونَ الْحِجَازَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ من الرُّسُلِ الْإِمَامَ وهو بِالْحَرَمِ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَلَا يُدْخِلْهُ الْحَرَمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُغْنِي الْإِمَامَ فيه الرِّسَالَةُ وَالْجَوَابُ فَيَكْتَفِيَ بِهِمَا فَلَا يُتْرَكُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ بِحَالٍ - * ذِكْرُ ما أَخَذَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه من أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَأْخُذُ من النَّبَطِ من الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ الْحِمْلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ من الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ * أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ قال كُنْت عَامِلًا مع عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ على سُوقِ الْمَدِينَةِ في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَكَانَ يَأْخُذُ من النَّبَطِ الْعُشْرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَعَلَّ السَّائِبَ حَكَى أَمْرَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ من النَّبَطِ الْعُشْرَ في الْقُطْنِيَّةِ كما حَكَى سَالِمٌ عن أبيه عن عُمَرَ فَلَا يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ أو يَكُونُ السَّائِبُ حَكَى الْعُشْرَ في وَقْتٍ فَيَكُونُ أَخَذَ منهم مَرَّةً في الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ عُشْرًا وَمَرَّةً نِصْفَ الْعُشْرِ وَلَعَلَّهُ كُلَّهُ بِصُلْحٍ يُحْدِثُهُ في وَقْتٍ بِرِضَاهُ وَرِضَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَحْسَبُ عُمَرَ أَخَذَ ما أَخَذَ من النَّبَطِ إلَّا عن شَرْطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَشَرْطِ الْجِزْيَةِ وَكَذَلِكَ أَحْسَبُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَمَرَ بِالْأَخْذِ منهم وَلَا يَأْخُذُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ شيئا إلَّا عن صُلْحٍ وَلَا يُتْرَكُونَ يَدْخُلُونَ الْحِجَازَ إلَّا بِصُلْحٍ وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ في تِجَارَاتِهِمْ وَجَمِيعِ ما شَرَطَ عليهم أَمْرًا يُبَيِّنُ لهم وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ غَيْرُهُ وَلَا يُتْرَكُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غَنِمُوا وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ منهم عُشْرًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ أَخَذَ منهم فَإِنْ دَخَلُوا بِلَا أَمَانٍ وَلَا شَرْطٍ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ ولم يُتْرَكُوا يَمْضُونَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُؤْخَذُ منهم شَيْءٌ وقد عَقَدَ لهم الْأَمَانَ إلَّا عن طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ عَقَدَ لهم الْأَمَانَ على دِمَائِهِمْ لم يُؤْخَذْ من أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ إنْ دَخَلُوا بِأَمْوَالٍ إلَّا بِشَرْطٍ على أَمْوَالِهِمْ أو طِيبِ أَنْفُسِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كان أَهْلُ الْحَرْبِ بين قَوْمٍ يَعْشُرُونَ الْمُسْلِمِينَ إنْ دَخَلُوا بِلَادَهُمْ أو يَخْمِسُونَهُمْ لَا يَعْرِضُونَ لهم في أَخْذِ شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ إلَّا عن طِيبِ أَنْفُسِهِمْ أو صُلْحٍ يَتَقَدَّمُ منهم أو يُؤْخَذُ غَنِيمَةً أو فَيْئًا إنْ لم يَكُنْ لهم ما يَأْمَنُونَ بِهِ على أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَكَذَلِكَ الْجِزْيَةُ فِيمَا أَعْطَوْهَا أَيْضًا طَائِعِينَ وَحَرَّمَ أَمْوَالَهُمْ بِعَقْدِ الْأَمَانِ لهم وَلَا يُؤْخَذُ إذَا أَمِنُوا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِالشَّرْطِ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ بِهِ وَغَيْرِهِ فَيَحِلُّ بِهِ أَمْوَالُهُمْ - * تَحْدِيدُ الْإِمَامِ ما يَأْخُذُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ في الْأَمْصَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَمِيعَ ما يُعْطِيهِمْ وَيَأْخُذَ منهم وَيَرَى أَنَّهُ يَنُوبُهُ وَيَنُوبُ الناس منهم فيسمى الْجِزْيَةَ وَأَنْ يُؤَدِّيَهَا على ما وَصَفْت ويسمى شَهْرًا تُؤْخَذُ منهم فيه وَعَلَى أَنْ
____________________

(4/205)


يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ طَالِبٌ أو أَظْهَرُوا ظُلْمًا لِأَحَدٍ وَعَلَى أَنْ لَا يَذْكُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمَا هو أَهْلُهُ وَلَا يَطْعَنُوا في دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَعِيبُوا من حُكْمِهِ شيئا فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لهم وَيَأْخُذُوا عليهم أَنْ لَا يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَقَوْلَهُمْ في عُزَيْرٍ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَإِنْ وَجَدُوهُمْ فَعَلُوا بَعْدَ التَّقَدُّمِ في عُزَيْرٍ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إلَيْهِمْ عَاقَبَهُمْ على ذلك عُقُوبَةً لَا يَبْلُغُ بها حَدًّا لِأَنَّهُمْ قد أَذِنَ بِإِقْرَارِهِمْ على دِينِهِمْ مع عِلْمِ ما يَقُولُونَ وَلَا يَشْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَنْ لَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وَعَلَى أَنْ لَا يَكُونُوا عَيْنًا لِعَدُوِّهِمْ وَلَا يَضُرُّوا بِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في حَالِ وَعَلَى أَنْ نُقِرَّهُمْ على دِينِهِمْ وَأَنْ لَا يُكْرِهُوا أَحَدًا على دِينِهِمْ إذَا لم يَرُدَّهُ من أَبْنَائِهِمْ وَلَا رَقِيقِهِمْ وَلَا غَيْرِهِمْ وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا في مِصْرٍ من أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةً وَلَا مُجْتَمَعًا لِضَلَالَاتِهِمْ وَلَا صَوْتَ نَاقُوسٍ وَلَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إدْخَالَ خِنْزِيرٍ وَلَا يُعَذِّبُوا بَهِيمَةً وَلَا يَقْتُلُوهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَا يُحْدِثُوا بِنَاءً يُطِيلُونَهُ على بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بين هيآتهم ( ( ( هيئاتهم ) ) ) في اللِّبَاسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هيآت ( ( ( هيئات ) ) ) الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ في أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّهَا من أَبْيَنِ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هيآت ( ( ( هيئات ) ) ) الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا وَلَا يُبَايِعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا يَحْرُمُ عليهم في الْإِسْلَامِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجُوا مُسْلِمًا مَحْجُورًا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا يَمْنَعُوا من أَنْ يُزَوِّجُوهُ حُرَّةً إذَا كان حُرًّا ما كان بِنَفْسِهِ أو مَحْجُورًا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِشُهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا وَلَا يُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا من لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا مع مسلم وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا الْجَمَاعَةَ في أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا في قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لم يَمْنَعْهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا رَفْعَ بِنَاءٍ وَلَا يَعْرِضُ لهم في خَنَازِيرِهِمْ وَخَمْرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ وَأَخَذَ عليهم أَنْ لَا يَسْقُوا مُسْلِمًا أَتَاهُمْ خَمْرًا وَلَا يُبَايِعُوهُ مُحَرَّمًا وَلَا يُطْعِمُوهُ وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وما وَصَفْت سِوَى ما أُبِيحَ لهم إذَا ما انْفَرَدُوا قال وإذا كَانُوا بِمِصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ لهم فيه كَنِيسَةٌ أو بِنَاءٌ طَائِلٌ كَبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ هَدْمُهَا وَلَا هَدْمُ بِنَائِهِمْ وَتَرَكَ كُلًّا على ما وَجَدَهُ عليه وَمَنَعَ من إحْدَاثِ الْكَنِيسَةِ وقد قِيلَ يَمْنَعُ من الْبِنَاءِ الذي يُطَاوِلُ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ وقد قِيلَ إذَا مَلَكَ دَارًا لم يُمْنَعْ مِمَّا لَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلُوا بِنَاءَهُمْ دُونَ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْجَمَاعَاتِ وَهَذَا إذَا كان الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أحيوه ( ( ( أحبوه ) ) ) أو فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشَرَطُوا على أَهْلِ الذِّمَّةِ هذا فَإِنْ كَانُوا فَتَحُوهُ على صُلْحٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ من تَرْكِ إظْهَارِ الْخَنَازِيرِ وَالْخَمْرِ وأحداث الْكَنَائِسِ فِيمَا مَلَكُوا لم يَكُنْ له مَنْعُهُمْ من ذلك وَإِظْهَارُ الشِّرْكِ أَكْثَرُ منه وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على أَنْ يُنْزِلَهُ من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلًا يُظْهِرُ فيه جَمَاعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا نَاقُوسًا إنَّمَا يُصَالِحُهُمْ على ذلك في بِلَادِهِمْ التي وُجِدُوا فيها فَنَفْتَحُهَا عَنْوَةً أو صُلْحًا فَأَمَّا بِلَادٌ لم تَكُنْ لهم فَلَا يَجُوزُ هذا له فيها فَإِنْ فَعَلَ ذلك أَحَدٌ في بِلَادٍ بِمِلْكِهِ مَنَعَهُ الْإِمَامُ منه فيه وَيَجُوزُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بَلَدًا لَا يُظْهِرُونَ هذا فيه وَيُصَلُّونَ في مَنَازِلِهِمْ بِلَا جَمَاعَاتٍ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ وَلَا نَوَاقِيسَ وَلَا نَكُفَّهُمْ إذَا لم يَكُنْ ذلك ظَاهِرًا عَمَّا كَانُوا عليه إذَا لم يَكُنْ فيه فَسَادٌ لِمُسْلِمٍ وَلَا مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ أَحَدٌ منهم فَعَلَ شيئا مِمَّا نَهَاهُ عنه مِثْلَ الْغِشِّ لِمُسْلِمٍ أو بَيْعِهِ حَرَامًا أو سَقْيِهِ مُحَرَّمًا أو الضَّرْبِ لِأَحَدٍ أو الْفَسَادِ عليه عَاقَبَهُ في ذلك بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ حَدًّا وَإِنْ أَظْهَرُوا نَاقُوسًا أو اجْتَمَعَتْ لهم جَمَاعَاتٌ أو تَهَيَّئُوا بِهَيْئَةٍ نَهَاهُمْ عنها تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ في ذلك فَإِنْ عَادُوا عَاقَبَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ هذا منهم فَاعِلٌ أو بَاعَ مُسْلِمًا بَيْعًا حَرَامًا فقال ما عَلِمْت تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْوَالِي وَأَحْلَفَهُ وَأَقَالَهُ في ذلك فَإِنْ عَادَ عَاقَبَهُ وَمَنْ أَصَابَ منهم مَظْلِمَةً لِأَحَدٍ فيها حَدٌّ مِثْلَ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْفِرْيَةِ وَغَيْرِ ذلك أُقِيمَ عليه وَإِنْ غَشَّ أَحَدٌ منهم الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى الْعَدُوِّ لهم بِعَوْرَةٍ أو يُحَدِّثَهُمْ شيئا أَرَادُوهُ بِهِمْ وما أَشْبَهَ هذا عُوقِبَ وَحُبِسَ ولم يَكُنْ هذا وَلَا قَطْعَ الطَّرِيقِ نَقْضًا لِلْعَهْدِ ما أَدَّوْا الْجِزْيَةَ على أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ
____________________

(4/206)


- * ما يُعْطِيهِمْ الْإِمَامُ من الْمَنْعِ من الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي للامام أَنْ يُظْهِرَ لهم أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو بين أَظْهُرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدِينَ أو مُجْتَمَعِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ من أَنْ يَسْبِيَهُمْ الْعَدُوُّ أو يَقْتُلَهُمْ مَنَعَهُ ذلك من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كانت دَارُهُمْ وَسَطَ دَارِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فلم يَكُنْ في صُلْحِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ لِأَنَّ مَنْعُهُمْ مَنَعَ دَارَ الْإِسْلَامِ دُونَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ كان لَا يُوصَلُ إلَى مَوْضِعٍ هُمْ فيه مُنْفَرِدُونَ إلَّا بِأَنْ تُوطَأَ من بِلَادِهِمْ شَيْءٌ كان عليه مَنْعُهُمْ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ذلك لهم وَإِنْ كانت بِلَادُهُمْ دَاخِلَةً بِبِلَادِ الشِّرْكِ ليس بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شِرْكُ حَرْبٍ فإذا أَتَاهَا الْعَدُوُّ لم يَطَأْ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَمَعَهُمْ مُسْلِمٌ فَأَكْثَرُ كان عليه مَنْعُهُمْ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ذلك لهم لِأَنَّ مَنْعَ دَارِهِمْ منع ( ( ( منه ) ) ) مُسَلَّمٌ وَكَذَلِكَ إنْ لم يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ وكان مَعَهُمْ مَالٌ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كانت دَارُهُمْ كما وَصَفْت مُتَّصِلَةً بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِ الشِّرْكِ إذَا غَشِيَهَا الْمُشْرِكُونَ لم يَنَالُوا من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَأَخَذَ الْإِمَامُ منهم الْجِزْيَةَ فَإِنْ لم يَشْتَرِطْ لهم مَنْعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ حتى يُبَيِّنَ في أَصْلِ صُلْحِهِمْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِذَلِكَ وَأُكْرِهَ له إذَا اتَّصَلُوا كما وَصَفْت بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ وَأَنْ يَدَعَ مَنْعَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ عليه مَنْعَهُمْ فَإِنْ كان أَصْلُ صُلْحِهِمْ أَنَّهُمْ قالوا لَا تَمْنَعْنَا وَنَحْنُ نُصَالِحُ الْمُشْرِكِينَ بِمَا شِئْنَا لم يَحْرُمْ عليه إن يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ منهم على هذا وَأَحَبُّ إلَيَّ لو صَالَحَهُمْ على مَنْعِهِمْ لِئَلَّا يَنَالُوا أَحَدًا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا من الْعَدُوِّ دُونَهُمْ عَدُوٌّ فَسَأَلُوا أَنْ يُصَالِحُوا على جِزْيَةٍ وَلَا يَمْنَعُوا جَازَ لِلْوَالِي أَخْذُهَا منهم وَلَا يَجُوزُ له أَخْذُهَا بِحَالٍ من هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ إلَّا على أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَأْذَنْ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَمَتَى صَالَحَهُمْ على أَنْ لَا يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَهُ أَخْذُ ما صَالَحُوهُ عليه في الْمُدَّةِ التي كَفَّ فيها عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حتى تَصَالَحُوا على أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ أو يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على هذا إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ آخُذُ مِنْكُمْ الْجِزْيَةَ إذَا اسْتَغْنَيْتُمْ وَأَدَعُهَا إذَا افْتَقَرْتُمْ وَلَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ إلَّا على جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ وَلَا أَنْ يَقُولَ مَتَى اُفْتُقِرَ مِنْكُمْ مُفْتَقِرٌ أَنْفَقْت عليه من مَالِ اللَّهِ تَعَالَى قال وَمَتَى صَالَحَهُمْ على شَيْءٍ مِمَّا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه وَأَخَذَ عليه منهم جِزْيَةً أَكْثَرَ من دِينَارٍ في السَّنَةِ رَدَّ الْفَضْلَ على الدِّينَارِ وَدَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ على ما يَصْلُحُ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَمَتَى أَخَذَ منهم الْجِزْيَةَ على أَنْ يَمْنَعَهُمْ فلم يَمْنَعْهُمْ إمَّا بِغَلَبَةِ عدوله حتى هَرَبَ عن بِلَادِهِمْ وَأَسْلَمَهُمْ وَإِمَّا تَحَصَّنَ منه حتى نَالَهُمْ الْعَدُوُّ فَإِنْ كان تَسَلَّفَ منهم جِزْيَةَ سَنَةٍ أَصَابَهُمْ فيها ما وَصَفْت رَدَّ عليهم جِزْيَةَ ما بَقِيَ من السَّنَةِ وَنَظَرَ فَإِنْ كان ما مَضَى من السَّنَةِ نِصْفَهَا أَخَذَ منه ما صَالَحَهُمْ عليه لِأَنَّ الصُّلْحَ كان تَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حتى أَسْلَمَهُمْ فَيَوْمَئِذٍ انْتَقَضَ صُلْحُهُ وَإِنْ كان لم يَتَسَلَّفْ منهم شيئا وَإِنَّمَا أَخَذَ منهم جِزْيَةَ سَنَةٍ قد مَضَتْ وَأَسْلَمَهُمْ في غَيْرِهَا لم يَرُدَّ عليهم شيئا وَلَا يَسَعُهُ إسْلَامُهُمْ فَإِنْ غَلَبَ غَلَبَةً فَعَلَى ما وَصَفْت وَإِنْ أَسْلَمَهُمْ بلا غَلَبَةً فَهُوَ آثِمٌ في إسْلَامِهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ من آذَاهُمْ وإذا أَخَذَ منهم الْجِزْيَةَ أَخَذَهَا بِإِجْمَالٍ ولم يَضْرِبْ منهم أَحَدًا ولم ينله ( ( ( يقل ) ) ) بقول ( ( ( لهم ) ) ) قَبِيحٌ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ لَا أَنْ يُضْرَبُوا وَلَا يُؤْذُوا وَيَشْتَرِطُ عليهم أَنْ لَا يَحْيَوْا من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْذَنَ لهم فيه بِحَالٍ وَإِنْ أَقْطَعَهُ رَجُلًا مُسْلِمًا فَغَمَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُمُوهُ لم يُنْقَضْ الْبَيْعُ وَتَرَكَهُمْ وإحياءه ( ( ( حياءه ) ) ) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَهُمْ الصَّيْدَ في بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ ليس بِإِحْيَاءِ موات ( ( ( أموات ) ) ) وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُمْ الْحَطْبَ وَلَا الرعى في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ
____________________

(4/207)


- * تَفْرِيعُ ما يُمْنَعُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا مَعَنَا في الدَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ التي يَحِلُّ لهم أَنْ يتمولوها مِمَّا نَمْنَعُ منه أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا من عَدُوِّهِمْ إنْ أَرَادَهُمْ أو ظُلْمِ ظَالِمٍ لهم وَأَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ من عَدُوِّهِمْ لو أَصَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ التي تَحِلُّ لهم لو قَدَرْنَا اسنتقذناهم ( ( ( فإذا ) ) ) وما حَلَّ لهم مِلْكُهُ ولم نَأْخُذْ لهم خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تَسْتَنْقِذُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ التي يَحِلُّ لهم مِلْكُهَا وَلَا تَسْتَنْقِذُ لهم الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ على مِلْكِهَا قُلْت إنَّمَا مَنَعْتهمْ بِتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ فإن اللَّهَ عز وجل جَعَلَ في دِمَائِهِمْ دِيَةً وَكَفَّارَةً وَأَمَّا مَنْعِي ما يَحِلُّ من أَمْوَالِهِمْ فَبِذِمَّتِهِمْ وَأَمَّا ما أَقْرَرْتُهُمْ عليه فَمُبَاحٌ لي بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَكَانَ في ذلك دَلِيلٌ على تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ بَعْدَ ما أَعْطَوْهَا وَهُمْ صَاغِرُونَ ولم يَكُنْ في إقْرَارِي لهم عليها مَعُونَةٌ عليها أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو امْتَنَعَ عليهم عَبْدٌ أو وَلَدٌ من الشِّرْكِ فَأَرَادُوا إكْرَاهَهُمْ لم أَقِرَّهُمْ على إكْرَاهِهِ بَلْ مَنَعْتُهُمْ منه وَكَمَا لم أَكُنْ بِإِقْرَارِهِمْ على الشِّرْكِ مُعِينًا لهم بِإِقْرَارِهِمْ عليه وَلَا بمنعهم ( ( ( يمنعهم ) ) ) من الْعَدُوِّ مُعِينًا عليه فَكَذَلِكَ لم يَكُنْ إقْرَارُهُمْ على الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَوْنًا لهم عليه وَلَا أَكُونُ عَوْنًا لهم على أَخْذِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ أَقْرَرْتُهُمْ على مِلْكِهِ فَإِنْ قال فَلِمَ لم تَحْكُمْ لهم بِقِيمَتِهِ على من اسْتَهْلَكَهُ قُلْت أَمَرَنِي اللَّهُ عز وجل أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ولم يَكُنْ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا ما دَلَّ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُنَزَّلُ عليه الْمُبَيَّنُ عن اللَّهِ عز وجل وَلَا فِيمَا بين الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَرَّمِ ثَمَنٌ فَمَنْ حَكَمَ لهم بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ حَكَمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ولم يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وأنا مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) عَمَّا حَكَمْت بِهِ وَلَسْت مَسْئُولًا عَمَّا عَمِلُوا مِمَّا حُرِّمَ عليهم مِمَّا لم أُكَلِّفْ مَنْعَهُ منهم وَمَنْ سَرَقَ لهم من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلُ الذِّمَّةِ ما يَجِبُ فيه الْقَطْعُ قَطَعْته وإذا سَرَقُوا فَجَاءَنِي الْمَسْرُوقُ قَطَعْتهمْ وَكَذَلِكَ أَحَدُهُمْ إنْ قَذَفُوا وأعزر ( ( ( وحدانا ) ) ) لهم من قَذَفَهُمْ وَأُؤَدِّبُ لهم من ظَلَمَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ وَآخُذُ لهم منه جَمِيعَ ما يَجِبُ لهم مِمَّا يَحِلُّ أَخْذُهُ وَأَنْهَاهُ عن الْعَرْضِ له وإذا عَرَضَ لهم بِمَا يُوجِبُ عليه في مَالِهِ أو بَدَنِهِ شيئا أَخَذْته منه وإذا عَرَضَ لهم بِأَذًى لَا يُوجِبُ ذلك عليه زَجَرْته عنه فَإِنْ عَادَ حَبَسْته أو عَاقَبْته عليه وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُهْرِيقَ خَمْرَهُمْ أو يَقْتُلَ خَنَازِيرَهُمْ وما أَشْبَهُ هذا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا تُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وفي ذلك إبْطَالُ الْحُكْمِ عَنْهُمْ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } وقال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } فلم يَكُونُوا من رِجَالِنَا وَلَا مِمَّنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ فلما وَصَفَ الشُّهُودَ مِنَّا دَلَّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يقضي بِشَهَادَةِ شُهُودٍ من غَيْرِنَا لم يَجُزْ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا إبْطَالُ حُقُوقِهِمْ فلم نُبْطِلْهَا إلَّا إذَا لم يَأْتِنَا ما يَجُوزُ فيه وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالشَّجَرِ وَالْبَحْرِ وَالصِّنَاعَاتِ لَا يَكُونُ منهم من يُعْرَفُ عَدْلُهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ فَلَا تجوز ( ( ( يجوز ) ) ) شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وقد تَجْرِي بَيْنَهُمْ الْمَظَالِمُ وَالتَّدَاعِي وَالتِّبَاعَاتُ كما تَجْرِي بين أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَسْنَا آثِمِينَ فِيمَا جَنَى جَانِيهِمْ وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ من لم يُؤْمَرْ بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ أَثِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ نهى عن عَمَلِهِ فَإِنْ قال فإن اللَّهَ عز وجل يقول { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدكم الْمَوْتُ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فما مَعْنَاهُ قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا أبو سَعِيدٍ مُعَاذُ بن مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ عن بُكَيْرِ بن مَعْرُوفٍ عن مُقَاتِلِ بن حِبَّانَ قال بُكَيْر قال مُقَاتِلٌ أَخَذْت هذا التَّفْسِيرَ عن مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } الْآيَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ من أَهْلِ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ صَحِبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ في تِجَارَةٍ فَرَكِبُوا الْبَحْرَ وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ قد عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ من بَيْنِ آنِيَةٍ ( 1 ) وَبَزِّ وَرِقَةٍ فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إلَى الدَّارِيَيْنِ
____________________

(4/208)


فَمَاتَ وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ فَدَفَعَاهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَجَاءَ بِبَعْضِ مَالِهِ وَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ فَقَالُوا لِلدَّارِيَيْنِ إنَّ صَاحِبَنَا قد خَرَجَ وَمَعَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَيْتُمَانَا بِهِ فَهَلْ بَاعَ شيئا أو اشْتَرَى شيئا فَوَضَعَ فيه أو هل طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ على نَفْسِهِ قَالَا لَا قالوا فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ فلما نَزَلَتْ أَنْ يُحْبَسَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبِّ السماوات ما تَرَكَ مَوْلَاكُمْ من الْمَالِ إلَّا ما أَتَيْنَاكُمْ بِهِ وَأَنَّا لَا نَشْتَرِي بأيماننا ثَمَنًا قَلِيلًا من الدُّنْيَا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ فلما حَلَفَا خَلَّى سَبِيلَهُمَا ثُمَّ إنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذلك إنَاءً من آنِيَةِ الْمَيِّتِ فَأَخَذُوا الدَّارِيَيْنِ فَقَالَا اشْتَرَيْنَاهُ منه في حَيَاتِهِ وَكَذَّبَا فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فلم يَقْدِرَا عليها فَرَفَعُوا ذلك إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ عُثِرَ } يقول فَإِنْ اطَّلَعَ ( على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا ) يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ أَيْ كَتَمَا حَقًّا فَآخَرَانِ من أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا من الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عليهم الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كان كَذَا وَكَذَا وَإِنَّ الذي نَطْلُبُ قبل الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ وما اعْتَدَيْنَا إنَّا إذَا لَمِنْ الظَّالِمِينَ هذا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ ذلك أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجْهِهَا يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاسَ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي من كان في مِثْلِ حَالِ الدَّارِيَيْنِ من الناس وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى غير حَمْلِهِ على ما قال وَإِنْ كان لم يُوَضَّحْ بَعْضُهُ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَشَاهِدَيْ الْوَصِيَّةِ كَانَا أَمِينَيْ الْمَيِّتِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذَا كان شَاهِدَانِ مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ أَمِينِينَ على ما شَهِدَا عليه فَطَلَبَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أَيْمَانَهُمَا أُحْلِفَا بِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ لَا في معنى الشُّهُودِ فَإِنْ قال فَكَيْفَ تُسَمَّى في هذا الْوَضْعِ شَهَادَةً قِيلَ كما سُمِّيَتْ أَيْمَانُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ شَهَادَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ إذَا كان هذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تَحْتَمِلْ الشَّهَادَةَ قِيلَ وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنَّهُ ليس على شَاهِدٍ يَمِينٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أو رُدَّتْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجماعهم ( ( ( إجماعهما ) ) ) خِلَافًا لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَيُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا } يُوجَدُ من مَالِ الْمَيِّتِ في أَيْدِيهِمَا ولم يَذْكُرَا قبل وُجُودِهِ أَنَّهُ في أَيْدِيهِمَا فلما وُجِدَ ادَّعَيَا ابْتِيَاعَهُ فَأُحْلِفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ على مَالِ الْمَيِّتِ فَصَارَ مَالًا من مَالِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا وَادَّعَيَا لِأَنْفُسِهِمَا شِرَاءَهُ فلم تُقْبَلْ دَعْوَاهُمَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَأُحْلِفَ وَارِثَاهُ على ما ادَّعَيَا وَإِنْ كان أبو سَعِيدٍ لم يُبَيِّنْهُ في حَدِيثِهِ هذا التَّبْيِينَ فَقَدْ جاء بِمَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في هذا رَدُّ الْيَمِينِ إنَّمَا كانت يَمِينُ الدَّارِيَيْنِ على إدعاء الْوَرَثَةِ من الْخِيَانَةِ وَيَمِينُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ على ما ادَّعَى الدَّارِيَانِ مِمَّا وُجِدَ في أَيْدِيهِمَا وَأَقَرَّا أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ صَارَ لَهُمَا من قِبَلِهِ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا رَدَّ الْيَمِينِ من غَيْرِ هذه الْآيَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { أو يَخَافُوا أَنْ تُرَدُّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } فَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْأَيْمَانَ كانت عليهم بِدَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ اخْتَانُوا ثُمَّ صَارَ الْوَرَثَةُ حَالِفِينَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ هذا كان لِلْمَيِّتِ وَادِّعَائِهِمْ شِرَاءَهُ منه فَجَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ تُثْنَى عليهم الْأَيْمَانُ بِمَا يَجِبُ عليهم إنْ صَارَتْ لهم الْأَيْمَانُ كما يَجِبُ على من حَلَفَ لهم وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } يَحْلِفَانِ كما أَحَلَفَا وإذا كان هذا كما وَصَفْت فَلَيْسَتْ هذه الْآيَةُ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَةٍ لِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَمَنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ==

================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...