Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

مجلد 23 ومجلد 24. فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

مجلد 23 ومجلد 24. فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

مجلد 23. فتح الباري
المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
 =آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
3952- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لاَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ} وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ"
[الحديث 3952-طرفه في:4609]
3953- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} "
قوله: "باب قول الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} - إلى قوله: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} " كذا للأكثر، وساق في رواية كريمة الآيات كلها، وقد تقدمت الإشارة إليه في الذي قبله، والجمع أيضا بين قوله: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} وبين قوله: {ثَلاثَةِ آلافٍ} ، وأورد البخاري فيه حديثين: فقصة المقداد فيها بيان ما وقع قبل الوقعة، وحديث ابن عباس فيه بيان الاستغاثة. قوله: "عن مخارق" بضم الميم وتخفيف المعجمة هو ابن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي بمهملتين ويقال اسم أبيه عبد الرحمن ويقال خليفة، وهو كوفي ثقة عند الجميع يكنى أبا سعيد، ولم أر له رواية عن غير طارق وهو ابن شهاب وله رؤية. قوله: "شهدت من المقداد بن الأسود" تقدم أن اسم أبيه عمرو، وأن الأسود كان تبناه فصار ينسب إليه. قوله: "مما عدل به" بضم المهملة وكسر الدال المهملة أي وزن أي من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات، وقيل: من الثواب، أو المراد الأعم من ذلك، والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد، وأنه كان لو خير بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان لكان حصوله له أحب إليه، وقوله: "لأن أكون صاحبه" هو بالنصب. وفي رواية الكشميهني: "لأن أكون أنا صاحبه" ويجوز فيه الرفع والنصب، قال ابن مالك: النصب أجود. قوله: "وهو يدعو على المشركين" زاد النسائي في روايته: "جاء المقداد على فرس يوم بدر فقال: "وذكر ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا وأن أبا سفيان نجا بمن معه، فاستشار الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر كذلك، ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب وزاد: "فقال والذي بعثك بالحق لو سلكت بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه. قال: فقال أشيروا علي. قال: فعرفوا أنه يريد الأنصار، وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلا على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو، فقال له سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك. قال فسره قوله ونشطه" وكذا ذكره موسى بن عقبة مبسوطا، وأخرجه ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة، وعند

(7/287)


ابن أبي شيبة من مرسل علقمة بن وقاص في نحو قصة المقداد" فقال سعد بن معاذ لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى - فذكره وفيه - ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فامض لما شئت، وصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت" قال: وإنما خرج يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله له القتال، وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي أيوب قال: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: إن ي أخبرت عن عير أبي سفيان، فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها؟ قلنا: نعم، فخرجنا. فلما سرنا يوما أو يومين قال: قد أخبروا خبرنا فاستعدوا للقتال ، فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، فأعاده، فقال له المقداد: لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول: إنا معكما مقاتلون. قال فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد. فأنزل الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده نحوه لكن فيه أن معاذ هو الذي قال ما قال المقداد، والمحفوظ أن الكلام المذكور للمقداد كما في حديث الباب، وأن سعد بن معاذ إنما قال: "لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا معك" كذلك ذكره موسى بن عقبة. وعند ابن عائذ في حديث عروة" فقال سعد بن معاذ: لو سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن" ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة، وفيه نظر لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرا، وإن كان يعد فيهم لكونه ممن ضرب له بسهمه كما سأذكره في آخر الغزوة، ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في رواية مسلم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان" والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب، ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب، وقد تقدم في الهجرة شرح برك الغماد، ودلت رواية ابن عائذ هذه على أنها من جهة اليمن، وذكر السهيلي أنه رأى في بعض الكتب أنها أرض الحبشة، وكأنه أخذه من قصة أبي بكر مع ابن الدغنة، فإن فيها أنه لقيه ذاهبا إلى الحبشة ببرك الغماد فأجاره ابن الدغنة كما تقدم في هذا الكتاب، ويجمع بأنها من جهة اليمن تقابل الحبشة وبينهما عرض البحر. قوله: "ولكنا نقاتل عن يمينك إلخ" وفي رواية سفيان عن مخارق "ولكن امض ونحن معك" وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة "ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون" ولأحمد من حديث عتبة بن عبد بإسناد حسن "قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل، ولكن انطلق أنت وربك إنا معكم". قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، وخالد هو الحذاء. قوله: "عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم" هذا من مراسيل الصحابة فإن ابن عباس لم يحضر ذلك، ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر، ففي مسلم من طريق أبي زميل بالزاي مصغر واسمه سماك بن الوليد عن ابن عباس قال: "حدثني عمر: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر، فاستقبل القبلة ثم مد يديه، فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه" الحديث، وعن سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم، فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهو في صلاته: اللهم لا تودع مني، اللهم لا تخذلني، اللهم لا تترني، اللهم

(7/288)


أنشدك ما وعدتني" ، وعند ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني" . قوله: "يوم بدر" زاد في رواية وهيب الآتية في التفسير عن خالد"وهو في قبة" والمراد بها العريش الذي اتخذه الصحابة لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم فيه. قوله: "اللهم إني أنشدك" بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدال، أي أطلب منك. وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: "ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني" قال السهيلي: سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال، والأنصار يخوضون غمار الموت، والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء. قوله: "اللهم إن شئت لم تعبد" في حديث عمر " اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" . أما "تهلك" فبفتح أوله وكسر اللام، و "العصابة" بالرفع، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، ولاستمر المشركون يعيدون غير الله، فالمعني لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة. ووقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد، وروى النسائي والحاكم من حديث علي قال: "قاتلت يوم بدر شيئا من قتال، ثم جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: يا حي يا قيوم ، فرجعت فقاتلت، ثم جئت فوجدته كذلك". قوله: "فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك" زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير" قد ألححت على ربك" وكذا أخرجه الطبراني عن عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه، زاد في رواية مسلم المذكورة" فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} الآية، فأمده الله بالملائكة" ا هـ. وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة. وقوله في رواية مسلم: "كذاك" وهو بالذال المعجمة وهو بمعني كفاك، قال قاسم بن ثابت "كذاك" يراد بها الإغراء والأمر بالكف عن الفعل وهو المراد هنا، ومنه قول الشاعر: كذاك القول إن عليك عيبا أي حسبك من القول فاتركه ا هـ وقد أخطأ من زعم أنه تصحيف وأن الأصل كفاك. قال الخطابي: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال؛ بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة، فلما قال له أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقب بقوله. {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} انتهى ملخصا. وقال غيره: وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف، وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا. هذا الذي يظهر، وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت إليه، ولعل الخطابي أشار إليه. قوله: "فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس" لما نزلت: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قال عمر: أي جمع يهزم؟ قال: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} أخرجه الطبري وابن مردويه. وله من حديث أبي هريرة عن عمر" لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أي جمع

(7/289)


يهزم "؟ فذكر نحوه، وهذا مما يؤيد ما قدمته أن ابن عباس حمل هذا الحديث عن عمر، وسيأتي في التفسير عن عائشة" نزلت بمكة وأنا جارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} الآية".

(7/290)


باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون} عن بدر
...
5- باب
3954- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ "أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ"
[الحديث 3954- طرفه في: 4595]
قوله: "باب" كذا للجميع بغير ترجمة، ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن "باب فضل من شهد بدرا" وتبع في ذلك بعض النسخ، وهو خطأ من جهة أن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد، فلا معنى لتكررها. قوله: "أخبرني عبد الكريم" هو الجزري، بينه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج قال: "حدثني عبد الكريم الجزري" انتهى. وفي طبقته ممن يروي عن مقسم ويروي عنه ابن جريج عبد الكريم بن أبي المخارق أحد الضعفاء، ولم يخرج له البخاري شيئا مسندا، ومقسم بكسر الميم هو أبو القاسم مولى ابن عباس وهو في الأصل مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، وإنما قيل له مولى ابن عباس لشدة لزومه له، وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى.

(7/290)


6 - باب عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ
3955- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ "اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ ...."
[الحديث 3955- طرفه في: 3956]
3956- وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ "اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ"
3957- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ "سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَ مِائَةٍ قَالَ الْبَرَاءُ لاَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ"
[الحديث3957- طرفاه في: 3959,3958]
3958- حدثني عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال"كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر, ولم يجاوز معه إلا مؤمن, بضعة عشر وثلاثمائة"

(7/290)


7 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ
"شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَهَلاَكِهِمْ"

(7/292)


3960- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا"
قوله: "باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش". قوله: "شيبة بن ربيعة" مجرور بالفتح على البدل وكذا عتبة. قوله: "وأبي جهل بن هشام وهلاكهم" المراد دعاؤه صلى الله عليه وسلم السابق وهو بمكة، وقد مضى بيانه في كتاب الطهارة حيث أورده المصنف من حديث ابن مسعود المذكور في هذا الباب بأتم منه سياقا، وأورده في الطهارة لقصة سلى الجزور ووضعه على ظهر المصلي فلم تفسده صلاته، وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها، وفي الجهاد في" باب الدعاء على المشركين" وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى بها، وفي المبعث في" باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة". قوله في هذه الرواية: "فأشهد بالله" أي أقسم، وإنما حلف على ذلك مبالغة في تأكيد خبره "قد غيرتهم الشمس" أي غيرت ألوانهم إلى السواد، أو غيرت أجسادهم بالانتفاخ، وقد بين سبب ذلك بقوله: "وكان يوما حارا".

(7/293)


8 - باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ
3961- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ"
3962- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ح و حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ"؟ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ "أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟"
[الحديث 3962 طرفاه في: 4020و3963]
3963- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ" حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَحْوَهُ

(7/293)


3964- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَتَبْتُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي بَدْرٍ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنَيْ عَفْرَاءَ.
"تنبيه": ثبتت هذه الترجمة للأكثر، وسقطت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وثبوتها أوجه إذ لا تعلق لحديثها بباب عدة أهل بدر، وثبت لغير أبي ذر عقب حديثها" باب قتل أبي جهل بن هشام" وسقط لأبي ذر، وهو أوجه لأن فيه ذكر هلاك غير أبي جهل فهو لائق بالترجمة المذكورة، والله أعلم. وعلى هذا فقد اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا: قوله: "حدثنا ابن نمير" هو محمد بن عبد الله بن نمير؛ ولم يدرك البخاري أباه، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، والإسناد كله كوفيون. قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "أنه أتى أبا جهل" وبه رمق، كأن أبا جهل قد ضرب في المعركة بالسيوف حتى خر صريحا كما سيأتي بيانه. قوله: "فقال أبو جهل هل أعمد" في الكلام حذف تقديره فكلمه أي بكلام تشفى منه فأجابه بذلك، ووقع بيان دلك في رواية عمرو بن ميمون عند الطبراني عن ابن مسعود قال: "أدركت أبا جهل يوم بدر صريعا، فقلت أي عدو الله قد أخزاك الله قال: وبما أخزاني من رجل قتله قومه" الحديث وهذا تفسير المراد بقوله: "هل أعمد من رجل قتله قومه" وأعمد بالمهملة أفعل تفضيل من عمد أي هلك، يقال عمد البعير يعمد عمدا بالتحريك إذا ورم سنامه من عض القتب فهو عميد، ويكنى بذلك عن الهلاك، وقيل: هو أن يكون سنامه وارما فيحمل عليه الشيء الثقيل فيكسره فيموت فيه شحمه، وقيل معنى أعمد أعجب، وقيل: بمعنى أغضب، وقيل: معناه هل زاد على سيد قتله قومه قاله أبو عبيدة. قال: وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب أعمد من كل محق أي هل زاد على مكيال نقص كيله، وأنشد ذلك:
وأعمد من قوم كفاهم أخوهم ... صدام الأعادي حين قلت بيوتها
أي لا زيادة على فعلنا فإننا كفينا إخواننا أعاديهم. وفي" مغازي أحمد بن محمد بن أيوب" قلت لابن إسحاق: ما أعمد من رجل؟ قال: يقول هل هو إلا رجل قتلتموه. ورجح السهيلي الأول. ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع في حديث أنس بعده بلفظ: "وهل فوق رجل قتلتموه" ووقع في رواية الكشميهني في حديث ابن مسعود "أغدر" بدل أعمد فإن ثبت فلا إشكال فيه. قوله: "أن أنسا حدثهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم" وقع في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي أن أنسا سمعه من ابن مسعود ولفظه عن أنس "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم بدر: من يأتينا بخبر أبي جهل؟ قال - يعني ابن مسعود - فانطلقت، فإذا ابنا عفراء قد اكتنفاه فضرباه، فأخذت بلحيته" الحديث. قوله: "فانطلق ابن مسعود" وفي رواية ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج "فقال ابن مسعود أنا، فانطلق". قوله: "ابنا عفراء" هما معاذ ومعوذ كما سيأتي بيانه. قوله: "حتى برد" بفتح الموحدة والراء أي مات، هكذا فسروه، ووقع في رواية السمرقندي في مسلم: "حتى برك" بكاف بدل الدال أي سقط، وكذا هو عند أحمد عن الأنصاري عن التيمي، قال عياض: وهذه الرواية أولى، لأنه قد كلم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلمه؟ انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "حتى برد" أي صار في حالة من مات، ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح، فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه، ومنه قولهم للسيوف بوارد أي قواتل، وقيل لمن قتل

(7/294)


بالسيف برد أي أصابه متن الحديد لأن طبع الحديد البرودة، وقيل: معنى قوله برد أي فتر وسكن، يقال جد في الأمر حتى برد أي فتر، وبرد النبيذ أي سكن غليانه. قوله: "قتلتموه، أو رجل قتله قومه" شك من الراوي، بينه ابن علية عن سليمان التيمي وأن الشك من التيمي كما سيأتي في أواخر الغزوة. وفيه من الزيادة "قال سليمان - أي التيمي - قال أبو مجلز" هو التابعي المشهور" قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني" هذا مرسل والأكار بتشديد الكاف الزراع، وعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك. ووقع في رواية مسلم: "لو غيرك كان قتلني" وهو تصحيف. قوله: "أنت أبا جهل" كذا للأكثر، وللمستملي وحده" أنت أبو جهل" والأول هو المعتمد في حديث أنس هذا، فقد صرح إسماعيل بن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس، وسيأتي ذلك في أواخر غزوة بدر ولفظه: "فقال أنت أبا جهل" قال ابن علية قال سليمان: هكذا قالها أنس، قال: "أنت أبا جهل" انتهى. وقد أخرجه ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم عن محمد بن المثني شيخ البخاري فيه فقال فيه: "أنت أبو جهل" وكأنه من إصلاح بعض الرواة، وكذلك نطق بها يحيى القطان أخرجه الإسماعيلي من طريق المقدمي عن يحيى القطان عن التيمي فذكر الحديث وفيه: "قال أنت أبا جهل" قال المقدمي: هكذا قالها يحيى القطان. وقد وجهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة في كل حالة كقوله: "إن أباها وأبا أباها" وقيل: هو منصوب بإضمار أعني، وتعقبه ابن التين بأن شرط هذا الإضمار أن تكثر النعوت. وقال الداودي: كأن ابن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له، وما أبعد ما قال، وقيل: إن قوله أنت مبتدأ محذوف الخبر، وقوله أبا جهل - منادي محذوف الأداة، والتقدير أنت المقتول يا أبا جهل، وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه لأنه كان يؤذيه بمكة أشد الأذى. وفي حديث ابن عباس عند ابن إسحاق والحاكم" قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه فقلت: أخزاك الله يا عدو الله، قال: وبما أخزاني؟ هل أعمد رجل قتلتموه" قال وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له: "لقد ارتقيت يا رويع الغنم مرتقى صعبا" قال: "ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: والله الذي لا إله إلا هو؟ فحلف له" وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه: "فحلف له، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله "ثلاث مرات". قوله: "حدثنا سليمان" هو التيمي المذكور قبل. قوله: "أخبرنا أنس بن مالك نحوه" قد ساق ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم لفظه فأخرجه عن محمد من المثني شيخ البخاري فيه بلفظ: "فقال ابن مسعود أنا يا نبي الله" وقال فيه: "قال فأخذت بلحيته" والباقي مثله. وقوله: "قال فأخذت بلحيته" يؤيد الرواية الماضية للإسماعيلي من طريق يحيى القطان، فإن أنسا أخذه عن ابن مسعود. قوله: "حدثنا علي بن عبد الله" هو ابن المديني. قوله: "كتبت عن يوسف بن الماجشون" ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه، وقد تقدم في الخمس مطولا عن مسدد عن يوسف. قوله: "عن صالح بن إبراهيم عن أبيه" هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قوله: "عن جده في بدر" أي في قصة غزوة بدر. قوله: "يعني حديث ابني عفراء" أي الحديث المقدم ذكره في الخمس عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بهذا الإسناد مطولا، وسيأتي في "باب شهود الملائكة بدرا" من وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ملخصا، وحاصله أن كلا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف فدلهما عليه فشدا عليه فضرباه

(7/295)


حتى قتلاه، وفي آخر حديث مسدد" وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال: كلاكما قتله ، وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" انتهى. وعفراء والدة معاذ، واسم أبيه الحارث، وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه تغليبا، ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضا تسمى عفراء أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه، وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق" حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس، قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة: أبو جهل بن الحكم لا يخلص إليه، فجعلته من شأني فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي" قال: ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان. قال: ومر بأبي جهل معوذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق، ثم قاتل معوذ حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق" فذكر ما تقدم. فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا حتى طرحاه، وابن إسحاق يقول: إن ابن عفراء هو معوذ، وهو بتشديد الواو، والذي في الصحيح معاذ وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ ابن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود، فتجمع الأقوال كلها، وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق، وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح، وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه، والله أعلم. وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة أن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو، وظن عبد الله أنه ثبت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بيضة أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه، فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم، والله أعلم.
3965- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيْ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمْ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْحَارِثِ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ"
[الحديث 3965- طرفاه في: 4744,3967]
3966- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَزَلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ
[الحديث 3966- أطرافه في:4743,3969,3968]

(7/296)


3967- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي سَدُوسَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: "قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [19 الحج]
3968- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ "سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْسِمُ لَنَزَلَتْ هَؤُلاَءِ الْآيَاتُ فِي هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ......" نَحْوَهُ
3969- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ "سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ"
3970- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ "سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا قَالَ بَارَزَ وَظَاهَرَ"
الحديث الخامس والسادس حديث علي وأبي ذر في المبارزة، أورده من طرق. وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد، تابعي وكذا شيخه والراوي عنه - وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام، وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر، والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما، ويدل عليه اختلاف السياقين. قوله: "من يجثو" بالجيم والمثلثة أي يقعد على ركبتيه مخاصما، والمراد بهذه الأولية تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة، لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام. قوله: "وقال قيس" هو ابن عباد المذكور، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "وفيهم أنزلت" هكذا وقع في رواية معتمر بن سليمان عن أبيه مرسلا، ووقع في رواية يوسف بن يعقوب بعدها عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس قال: "قال علي: فينا نزلت: وسيأتي في تفسير الحج أن منصورا رواه عن أبي هاشم عن أبي مجلز فوقفه عليه. حديث علي وأبي ذر في المبارزة، أورده من طرق. وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد، تابعي وكذا شيخه والراوي عنه - وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام، وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر، والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما، ويدل عليه اختلاف السياقين. قوله: "في ستة من قريش" يعني ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف: اثنين من بني هاشم، وواحد من بني المطلب. وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف. قوله: "علي وحمزة" أي ابن عبد المطلب بن هاشم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. قوله: "وشيبة بن ربيعة" أي ابن عد شمس، وعتبة هو أخوه، والوليد بن عتبة ولده. ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين. وذكر ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم، فبرز عبيدة لعتبة، وحمزة لشيبة، وعلي للوليد. وعند موسى بن عقبة: برز حمزة لعتبة، وعبيدة لشيبة، وعلي للوليد. ثم اتفقا فقتل علي الوليد، وقتل حمزة الذي بارزه، واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء، ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله. وعند الحاكم من طريق عبد خير عن علي مثل قول موسى بن عقبة، وعند الأسود عن عروة مثله. وأورد ابن سعد من طريق عبيدة السلماني أن شيبة لحمزة

(7/297)


وعبيدة لعتبة وعليا للوليد، ثم قال الليث: إن عتبة لحمزة وشيبة لعبيدة ا هـ. قال بعض من لقيناه: اتفقت الروايات على أن عليا للوليد، وإنما اختلفت في عتبة وشيبة أيهما لعبيدة وحمزة، والأكثر على أن شيبة لعبيدة. قلت: وفي دعوى الاتفاق نظر، فقد أخرج أبو داود من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال: "تقدم عتبة وتبعه ابنه وأخوه، فانتدب له شباب من الأنصار، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة . فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة" قلت: وهذا أصح الروايات، لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور وهو اللائق بالمقام، لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة، بخلاف علي والوليد فكانا شابين. وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن علي قال: "أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة، فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علينا" وهذا موافق لرواية أبي داود، فالله أعلم. وفي الحديث جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها كالحسن البصري. وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق للجواز إذن الأمير على الجيش، وجواز إعانة المبارز رفيقه، وفيه فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم. قوله: "حدثنا يوسف بن يعقوب كان ينزل في بني ضبيعة" بالمعجمة والموحدة مصغر. قوله: "وهو مولى لبني سدوس" قلت: ولذلك كان يقال له السدوسي تارة والضبعي تارة، وكان يقال له السلعي بمهملتين ولام ساكنة وقد تحرك ويقال له أيضا صاحب السلعة نسب إلى سلعة كانت بقفاه، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "فينا نزلت هذه الآية: هذان خصمان اختصموا في ربهم" هكذا أورده مختصرا، وأورده الإسماعيلي عن ابن صاعد عن هلال بن بشر عن يوسف بن يعقوب المذكور بلفظ: "فينا نزلت هذه الآية، وفي مبارزتنا يوم بدر" وأخرجه من وجه آخر عن سليمان التيمي بلفظ: "في الذين برزوا يوم بدر في الفريقين" وسماهم. قوله في طريق وكيع عن سفيان "في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه" الضمير يعود إلى سياق قبيصة عن سفيان، ويوضح ذلك ما أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن وكيع، فإنه ذكر الباب هنا وزاد تسمية الستة، وعنده من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الذين اختصموا في يوم بدر. قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" زاد أبو ذر في روايته: "الدورقي" الحديث السابع: حديث البراء بن عازب. قوله: "إسحاق بن منصور السلولي" وإبراهيم بن يوسف هو ابن أبي إسحاق السبيعي. قوله: "سأل رجل" لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه. قوله: "أشهد" بهمزة الاستفهام. قوله: "وبارز وظاهر" بلفظ الفعل الماضي فيهما، وقد تقدم حديث المبارزة في الذي قبله، وقوله: "ظاهر" أي لبس درعا على درع، وقوله في الجواب "قال بارز وظاهر" فيه حذف تقديره: قال نعم شهد، فإنه بارز فيها وظاهر. ووقع في رواية الإسماعيلي: "أشهد علي بدرا؟ قال حقا". "تنبيه": حديث البراء هذا من مراسيل الصحابة لأنه لم يشهد بدرا، فكأنه تلقى ذلك عمن شهدها من الصحابة أو سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
3971- حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن قال "كاتبت أمية بن خلف, فلما كان يوم بدر – فذكر قتله وقتل إبنه – فقال بلال: لانجوت إن نجا أمية".

(7/298)


3972- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ} فَسَجَدَ بِهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا".
3973- أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ
فِي الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ قَالَ إِنْ كُنْتُ لاَدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا قَالَ ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا عُرْوَةُ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِيهِ قُلْتُ فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ صَدَقْتَ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ قَالَ هِشَامٌ فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ"
3974- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ قَالَ هِشَامٌ "وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ"
3975- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ فَقَالَ إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ فَقَالُوا لاَ نَفْعَلُ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ عُرْوَةُ كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ قَالَ عُرْوَةُ وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا"
قوله:الحديث الثامن "عن الأسود" هو ابن يزيد. قوله: "أنه قرأ والنجم" تقدم الكلام عليه في سجود القرآن وفي المبعث، ويأتي في تفسير سورة النجم التصريح بأن المراد بقول ابن مسعود "فلقد رأيته بعد قتل كافرا" أمية بن خلف، وبه يعرف مناسبته للترجمة. قوله: "عن هشام" هو ابن عروة. قوله: "كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه" تقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام أن الضربات الثلاث كن في عاتقه، وكذا هو في الرواية التي بعد هذه. قوله: "أصابعي فيها" في رواية الكشميهني: "فيهن" زاد في المناقب وفي الرواية التي بعدها "ألعب وأنا صغير". قوله: "ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك" في رواية ابن المبارك أنه ضرب يوم اليرموك ضربتين على عاتقه وبينهما ضربة ضربها يوم بدر، فإن كان اختلافا على هشام فرواية ابن المبارك أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا، وإلا فيحتمل أن يكون فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا فيجمع بذلك بين الخبرين. ووقعة اليرموك كانت أول خلافة عمر بين المسلمين والروم بالشام سنة

(7/299)


ثلاث عشر وقيل: سنة خمسة عشر، ويؤيد الأول قوله في الحديث الذي بعده إن سن عبد الله بن الزبير كان عشر سنين، واليرموك - بفتح التحتانية وبضمها أيضا وسكون الراء - موضع من نواحي فلسطين، ويقال إنه نهر، والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الواقعة المشهورة، وقتل في تلك الوقعة من الروم سبعون ألفا في مقام واحد، لأنهم كانوا سلسلوا أنفسهم لأجل الثبات، فلما وقعت عليهم الهزيمة قتل أكثرهم، وكان اسم أمير الروم من قبل هرقل باهان أوله موحدة ويقال ميم، وكان أبو عبيدة الأمير على المسلمين يومئذ، ويقال إنه شهدها من أهل بدر مائة نفس والله أعلم. قوله في الرواية الأولى "قال عروه وقال لي عبد الملك إلخ" هو موصول بالإسناد المذكور، وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة، فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج ما وجده له فأرسل به إلى عبد الملك، فكان من ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه، وخرج عروة إلى عبد الملك بن مروان بالشام. قوله: "فلة" بفتح الفاء "فلها" بضم الفاء، أي كسرت قطعة من حده. قوله: "قال صدقت، بهن فلول من قراع الكتائب" هذا شطر من بيت مشهور من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني وأولها:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
يقول فيها:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وهو من المدح في معرض الذم، لأن الفل في السيف نقص حسي، لكنه لما كان دليلا على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله. قوله: "قال هشام" هو ابن عروة وهو موصول أيضا، وقوله: "فأقمناه" أي ذكرنا قيمته، تقول قومت الشيء وأقمته أي ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن. قوله: "وأخذه بعضنا" أي بعض الورثة، وهو عثمان بن عروة أخو هشام، وقوله: "ولوددت إلخ" هو من كلام هشام. قوله: "حدثني فروة" هو ابن مغراء بفتح الميم وسكون المعجمة ممدود، وعلي هو ابن مسهر، وهشام هو ابن عروة. وقوله محلى بالمهملة وتشديد اللام من الحلية.
3976- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ "ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَلَمَّا

(7/300)


كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمْ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا"
3977- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالَ عَمْرٌو هُمْ قُرَيْشٌ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَةُ اللَّهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ
[الحديث 3977- طرفه في:4700]
3978- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَقَالَتْ وَهَلَ إِنَّمَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ"
3979- قَالَتْ وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ ثُمَّ قَرَأَتْ [80 النمل] {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} يَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنْ النَّارِ"
3981,3980- حدثنا عثمان حدثنا عبدة عن هسام عن أبيه عن بن عمر رضي الله عنهما قال "وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدثم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول . فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق .ثم قرأت {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} حتى قرأت الآية".
الحديث الحادي عشر قوله: "حدثني عبد الله بن محمد" هو الجعفي.قوله: "سمع روح بن عبادة "أي أنه سمع، ولفظة "أنه" تحذف خطا كما حذفت قال من قوله حدثنا سعيد. قوله: "ذكر لنا أنس بن مالك" فيه تصريح لقتادة وهو من رواية صحابي عن صحابي: أنس عن أبي طلحة، وقد رواه شيبان عن قتادة فلم يذكر أبا طلحة أخرجه أحمد

(7/301)


ورواية سعيد أولى، وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد بن مسلمة عن ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة. قوله: "بأربعة وعشرين رجلا من صناديد" بالمهملة والنون جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع، ووقع عند ابن عائذ عن سعيد بن بشير عن قتادة "ببضعة وعشرين" وهي لا تنافي رواية الباب لأن البضع يطلق على الأربع أيضا، ولم أقف على تسمية هؤلاء جميعهم، بل سيأتي تسمية بعضهم، ويمكن إكمالهم مما سرده ابن إسحاق من أسماء من قتل من الكفار ببدر بأن يضيف على من كان يذكر منهم بالرياسة ولو بالتبعية لأبيه، وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين، وكأن الذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش، وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم من المعاندة، وطرح باقي القتلى في أمكنة أخرى. وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار. قوله: "على شفة الركي" أي طرف البئر. وفي رواية الكشميهني: "على شفير الركي" والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره: البئر قبل أن تطوى. والأطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار، ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي. قوله: "فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان" في رواية حميد عن أنس "فنادى يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام" أخرجه ابن إسحاق وأحمد وغيرهما، وكذا وقع عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس، فسمى الأربعة، لكن قدم وأخر، وسياقه أتم. قال في أوله "تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا" فذكره، وفيه من الزيادة "فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون؟ ويقول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، لكن لا يستطيعون أن يجيبوا" وفي بعضه نظر، لأن أمية بن خلف لم يكن في القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه. وقد أخرج ذلك ابن إسحاق من حديث عائشة. لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبا من القليب فنودي فيمن نودي، لكونه كان من جملة رؤسائهم. ومن رؤساء قريش ممن يصح إلحاقه بمن سمي من بني عبد شمس بن عبد مناف، عبيدة والعاص والد أبي أحيحة، وسعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن ربيعة. ومن بني نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي. ومن سائر قريش نوفل بن خويلد بن أسد، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، وأخوه عقيل، والعاصي بن هشام أخو أبي جهل، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي، وعلي بن أمية بن خلف، وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة، ومسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، والأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة، وأبو العاص بن قيس بن عدي السهمي، وأميمة بن رفاعة بن أبي رفاعة، فهؤلاء العشرون تنضم إلى الأربعة فتكمل العدة. ومن جملة مخاطبتهم ما ذكره ابن إسحاق "حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل القليب بئس عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم كنتم، كذبتموني وصدقني الناس" الحديث. قوله: "قال قتادة" هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "أحياهم الله" زاد الإسماعيلي: "بأعيانهم". قوله: "توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما" في رواية الإسماعيلي: "وتندما وذلة وصغارا" والصغار الذلة والهوان، وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وسيأتي البحث في ذلك في تالي الحديث الذي بعده.الحديث الثاني عشر

(7/302)


قوله: "حدثنا عمرو" هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح. قوله: "عن ابن عباس" في رواية أبي نعيم في المستخرج "سمعت ابن عباس". قوله: "هم والله كفار قريش" وقع في التفسير "هم والله كفار أهل مكة" ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة قال: "هم لكفار قريش أو أهل مكة" وللطبراني عن كريب عن ابن عيينة "هم والله أهل مكة" قال ابن عيينة: يعني كفارهم. وعند عبد بن حميد في التفسير من طريق أبي الطفيل قال: "قال عبد الله بن الكواء لعلي رضي الله عنه: من الذين بدلوا نعمة الله كفرا؟ قال: هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم قد كبتهم يوم بدر" وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي نحوه لكن فيه: "فأما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين" وأخرج الطبري عن عمر نحوه، وله من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال: "هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم" والأول المعتمد، ويحتمل أن يكون مراده أن عموم الآية يتناول هؤلاء أيضا. قوله: "قال عمرو" هو ابن دينار، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله" هدا موقوف على عمرو بن دينار، وكذا {دَارَ الْبَوَارِ} النار يوم بدر، وهكذا رويناه في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن عمرو بن دينار في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ} قال: هم كفار قريش، ومحمد النعمة، ودار البوار النار يوم بدر انتهى. وقوله: "يوم بدر" ظرف لقوله أحلوا أي أنهم أهلكوا قومهم يوم بدر فأدخلوا النار، والبوار الهلاك وسميت جهنم دار البوار لإهلاكها من يدخلها، وعند الطبراني من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال: البوار الهلاك ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قد فسرها الله تعالى فقال: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} قوله: "ذكر" بضم أوله، وعند الإسماعيلي: "أن عائشة بلغها" ولم أقف على اسم المبلغ، ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة هو الذي بلغها ذلك. قوله: "وهل" قيل بفتح الهاء، والمشهور الكسر، أي غلط وزنا ومعني، وبالفتح معناه فزع ونسي وجبن وقلق. وقال الفارابي والأزهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم: وهلت إليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك إليه. زاد القالي والجوهري: وأنت تريد غيره. وزاد ابن القطاع.1 قوله: "إن الميت ليعذب في قبره" الحديث تقدم شرحه في الجنائز، وقوله: "ذلك مثل قوله: "أي ابن عمر، وقوله: "فقال لهم ما قال: "ووقع عند الكشميهني: "فقال لهم مثل ما قال: "و" مثل" زائدة لا حاجة إليها. قوله: "يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار "القائل" يقول: "هو عروة، يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} مقيد باستقرارهم في النار، وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز، لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها إن الحديث إنما هو بلفظ: "إنهم ليعلمون" وأن ابن عمر وهم في قوله: "ليسمعون" قال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة، ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح. ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه: "قالوا يا رسول الله وهل يسمعون؟ قال: يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون" وفي حديث ابن مسعود "ولكنهم اليوم لا يجيبون" ومن الغريب
ـــــــ
1 بياض الأصل

(7/303)


أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة، قال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن، لأن قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم الآن يسمعون" لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك. وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها. وقال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لقول الصحابة له: "أتخاطب أقواما قد جيفوا؟ فأجابهم" قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما بآذان رءوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم، قال: وقد تمسك بهذا الحديث من يقول: إن السؤال يتوجه على الروح والبدن، ورده من قال: إنما يتوجه على الروح فقط بأن الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة. قلت: إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا. وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وكذلك المراد بمن في القبور، فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وهذا قول الأكثر، وقيل: هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار، شبهوا بالموتى وهم أحياء، والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها، والله أعلم.

(7/304)


9 - باب فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
3982- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ غُلاَمٌ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ ".
3983- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ

(7/304)


أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ حَاطِبٌ وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ"
قوله: "باب فضل من شهد بدرا" أي مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين مقاتلا للمشركين، وكأن المراد بيان أفضليتهم لا مطلق فضلهم. قوله: "أصيب حارثة يوم بدر" هو بالمهملة والمثلثة ابن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري بن عدي بن النجار، وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين. قوله: "فجاءت أمه" هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس بن مالك، ووقع في أوائل الجهاد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس "أن أم الربيع بالتخفيف ابن البراء وهي أم حارثة" وقال: هو وهم وإنما الصواب أن أم حارثة الربيع عمة البراء، وقد ذكرت مباحث ذلك مستوفاة هناك مع شرح الحديث. وقوله: "ويحك" هي كلمة رحمة، وزعم الداودي أنها للتوبيخ وقوله: "هبلت" بضم الهاء بعدها موحدة مكسورة، أي ثكلت وهو بوزنه. وقد تفتح الهاء يقال هبلته أمه تهبله بتحريك الهاء أي ثكلته، وقد يرد بمعني المدح والإعجاب، قالوا أصله إذا مات الولد في الهبل هو موضع الولد من الرحم فكأن أمه وجع مهبلها بموت الولد فيه. وزعم الداودي أن المعنى أجهلت، ولم يقع عند أحد من أهل اللغة أن هبلت بمعني جهلت. ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق ابن عباس عن عمر مستوفى، والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور، وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم، ووقع الخبر بألفاظ: منها "فقد غفرت لكم" ومنها "فقد وجبت لكم الجنة" ومنها "لعل الله اطلع" لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه: "إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا: "لن يدخل النار أحد شهد بدرا" وقد استشكل قوله: "اعملوا ما شئتم" فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه. وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: "اعملوا" للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم

(7/305)


السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور. وقيل: إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة. وقيل: هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم، وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر، فهاجر بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته، وكان قدامة بدريا. والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي حيث قال لحيان بن عطية: قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء، وذكر له هذا الحديث، وسيأتي ذلك في "باب استتابة المرتدين". واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها، والله أعلم.

(7/306)


باب إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم
...
10-باب
3984- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ "
3985- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي كَثَرُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ "
قوله: "باب" كذا في الأصول بغير ترجمة. وهو فيما يتعلق ببدر أيضا، وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري كما نسبه في الرواية التي بعدها. قوله: "عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد" كذا في هذه الرواية، ووقع في التي بعدها الزبير بن أبي أسيد، فقيل هو عمه وقيل: هو هو لكن نسب إلى جده، والأول أصوب. وأبعد من قال إن الزبير هو المنذر نفسه. قوله: "عن أبي أسيد" بالتصغير وهو مالك بن ربيعة الخزرجي الساعدي. قوله: "إذا أكثبوكم" بمثلثة ثم موحدة أي إذا قربوا منكم، ووقع في الرواية الثانية "يعني أكثروكم" وهو تفسير لا يعرفه أهل اللغة، وقد قدمت في الجهاد أن الداودي فسره بذلك وأنه أنكر عليه، فعرفنا الآن مستنده قي ذلك وهو ما وقع في هذه الرواية، لكن يتجه الإنكار لكونه تفسيرا لا يعرفه أهل اللغة وكأنه من بعض رواته، فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع "يعني غشوكم" وهو بمعجمتين والتخفيف وهو أشبه بالمراد، ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال: إذا أكثبوكم فانضحوهم عنكم بالنبل" والهمزة في قوله: "أكثبوكم" للتعدية من كثب بفتحتين وهو القرب، قال ابن فارس: أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه، فالمعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم. قوله: "فارموهم واستبقوا نبلكم" بسكون الموحدة فعل أمر بالاستبقاء، أي طلب الإبقاء، قال الداودي: معنى قوله: "ارموهم" أي بالحجارة لأنها لا تكاد تخطئ إذا رمي بها في الجماعة، قال، ومعني قوله: "استبقوا نبلكم" أي إلى أن تحصل المصادمة، كذا قال. وقال غيره: المعنى ارموهم ببعض نبلكم لا بجميعها. والذي يظهر لي أن معنى قوله: "واستبقوا نبلكم" لا يتعلق بقوله: "ارموهم" وإنما هو كالبيان للمراد بالأمر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم، أي

(7/306)


إنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا، فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبا، وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبا فارموا.
3986- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ"
3987- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ" .
الحديث الثاني حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد، وذكر طرفا منه، وسيأتي بتمامه في غزوة أحد والمراد منه. قوله: "أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا" هذا هو الحق في عدد القتلى، وأطبق أهل السير على أنهم خمسون قتيلا يزيدون قليلا أو ينقصون، سرد ابن إسحاق فبلغوا خمسين، وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة، وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل. وقول البراء إن عدتهم سبعون قد وافقه على ذلك ابن عباس وآخرون. وأخرج ذلك مسلم من حديث ابن عباس. وقال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد، وأن المراد بأصبتم مثليها يوم بدر، وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا، وبذلك جزم ابن هشام، واستدل له بقول كعب بن مالك من قصيدة له:
فأقام بالطعن المطعن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود
يعني عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وقد تقدم اسم من قتله. والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب. ثم سرد ابن هشام أسماء أخرى ممن قتل ببدر غير من ذكره ابن إسحاق فزادوا على الستين فقوى ما قلناه، والله أعلم. حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا جدا، وقد تقدمت الإشارة إليه في الهجرة، فإنه علق طرفا منه هناك. وأورده في علامات النبوة بتمامه فأحلت شرحه على غزوة أحد، ولم يذكر في غزوة أحد منه هذه القطعة التي ذكرها هنا، وسأذكر شرحها في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى.
3988- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟

(7/307)


قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ"
الحديث الرابع حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل قوله: "حدثني يعقوب بن إبراهيم" كذا لأبي ذر والأصيلي، وللباقين "حدثنا يعقوب" غير منسوب، فجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن كاسب، وبه جزم الحاكم عن مشايخه، ثم جوز أن يكون يعقوب بن محمد الزهري. قلت: وسيأتي ما يقويه. قال الحاكم: وقد ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب بن حميد، فقلت له: إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك. قلت: وجزم ابن منده وأبو إسحاق الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد، وهو متعقب بما وقع في رواية الأصيلي وأبي ذر. وقال أبو علي الجياني: وقع عند ابن السكن هنا "حدثنا يعقوب بن محمد" وعند أبي ذر والأصيلي: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" وأهمله الباقون. وجزم أبو مسعود في "الأطراف" بأنه ابن إبراهيم، وجوز أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: وهو غلط، فإن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري، وقد روى له الكثير بواسطة، وبني الكرماني على أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال: هذا السند مسلسل بالرواية عن الآباء، ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي انتهى. وقد تقدم في أواخر الصلاة في "باب الصلاة في مسجد قباء" وفي المناقب في "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي " التصريح بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي فقال البرقاني في "المصافحة" يعقوب بن حميد ليس من شرط الصحيح، وقد قيل إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقطت الواسطة من النسخة لأن البخاري لم يسمع منه انتهى. والراجح عدم السقوط وأنه إما الدورقي وإما ابن محمد الزهري، والله أعلم. قوله: "عن أبيه عن جده" أبوه هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدمت الإشارة في الباب الماضي إلى أن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هذا الحديث أيضا عن أبيه، وأنه ساقه في الحمس بتمامه. وقوله في هذه الرواية فكأني لم آمن بمكانهما أي من العدو. وقيل: مكانهما كناية عنهما، كأنه لم يثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو ثم وجدت في مغازي ابن عائذ ما يرفع الإشكال، فإنه أخرج هذه القصة مطوله بإسناد منقطع وقال فيها فأشفقت أن يؤتي الناس من ناحيتي لكوفي بين غلامين حديثين". قوله: "الصقرين" بالمهملة ثم القاف تثنية صقر، وهو من سباع الطير وأحد الجوارح الأربعة وهي الصقر والبازي والشاهين والعقاب، وشبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه وأول من صاد به من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي، ثم اشتهر الصيد به بعده.
3989- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عَسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا

(7/308)


آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلاَءِ أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسًى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ قَالَتْ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاَةَ وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ذَكَرُوا مَرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ وَهِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا"
3990- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتْ الْجُمُعَةُ

(7/309)


وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ
3991-0وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي" تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا -أَخْبَرَهُ
[الحديث 3991- طرفه في: 5319]
الحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي شرحه بتمامه في غزوة الرجيع، والغرض منه هنا قوله فيه: "وكان قد قتل عظيما من عظمائهم" فإنه سيأتي في الطريق الأخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر، والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين في قول ابن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "أخبرني عمرو بن جارية" بالجيم. وفي رواية الكشميهني: "عمرو بن أبي أسيد بن جارية" وكذا للأصيلي، وهو نسب إلى جده، بل هو جد أبيه لأنه ابن أسيد بن العلاء بن جارية، ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي "عمرو بن أبي سفيان" وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم. وأسيد بفتح الهمزة للجميع، وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه: "عمرو" بفتح العين وقال بعضهم عمر بضم العين، ورجح البخاري أنه عمرو، وكذا وقع في الجهاد في "باب هل يستأسر الرجل" للأكثر عمرو، أما النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا: "أخبرنا ابن أسيد" وقال ابن السكن في روايته: "عمير" بالتصغير، والراجح عمرو بفتح العين، وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع. قوله: "عشرة عينا" سيأتي بيانهم في غزوة الرجيع، وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لأمه، قال: وهو وهم من بعض رواته فإن عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده لأن والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت أخت عاصم، وكان اسمها عاصية فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قال عياض: إذا قرئ حد بالكسر على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم. الحديث السادس: قوله: "وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا" هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته، وسيأتي

(7/310)


موصولا في غزوة تبوك مطولا، وكأن المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك إلى الزهري فرد ذلك بنسبة ذلك إلى كعب بن مالك، وهو الظاهر من السياق فإن الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده، والأصل عدم الإدراج فلا يثبت إلا بدليل صريح، ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد. فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك ومن الأمر بهجرهما كما وقع له تأسى بهما. وأما قول بعض المتأخرين كالدمياطي: لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه، فقد جزم به البخاري هنا وتبعه جماعة، وأما قوله: وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا، فحصر مردود، فإن الذي ذكرهما كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهو من شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق نسبه إلى الأوس ثم قال: شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. وقد استقريت أول من أنكر شهودهما بدرا فوجدته الأثرم صاحب الإمام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانئ، قال ابن الجوزي: لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت الأثرم ذكر الزهري وفضله وقال: لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع، فإنه ذكر أن مرارة وهلالا شهدا بدرا، وهذا لم يقله أحد، والغلط لا يخلو منه إنسان. قلت: وهذا ينبني على أن قوله شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري، وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته، واحتج ابن القيم في الهدى بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة، قلت: وهو قياس مع وجود النص، ويمكن الفرق، وبالله التوفيق والله أعلم. قوله: "عن يحيى" هو ابن سعيد الأنصاري. قوله: "ذكر له" بضم أوله ولم أقف على اسم ذاكر ذلك، والغرض منه قوله: "وكان بدريا" وإنما نسب إلى بدر وإن كان لم يحضر القتال لأنه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم، كما تقدم قريبا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسسان الأخبار، فوقع القتال قبل أن يرجعا، فألحقهما النبي صلى الله عليه وسلم بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما. قوله: "وقال الليث حدثني يونس إلخ" يأتي شرحه مستوفى في العدد من كتاب النكاح، والغرض منه ذكر سعد بن خولة وأنه شهد بدرا، وقد وصل طريق الليث هذه قاسم بن أصبغ في مصنفه فأخرجه عن مطلب بن شهيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه. قوله: "تابعه أصبغ عن ابن وهب" وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن أصبغ بن الفرج.
الحديث التاسع: قوله: "وقال الليث" وصله المصنف في "التاريخ الكبير" قال: "قال لنا عبد الله بن صالح أنبأنا الليث" فذكره بتمامه. قوله: "وسألناه فقال حدثه" في رواية الكشميهني: "حدثني". قوله: "البكير" بالتصغير وضبط أيضا بكسر الموحدة وبتشديد الكاف. قوله: "وكان أبوه شهد بدرا" زاد في التاريخ أنه سأل أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر، و "مثله" يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثا لم تصلح له المرأة فاقتصر المصنف من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله: "وكان أبوه شهد بدرا" وقد روى هذا الحديث قتيبة عن الليث عن ابن شهاب بغير واسطة وساقه مطولا، والله أعلم.

(7/311)


11 - باب شُهُودِ الْمَلاَئِكَةِ بَدْرًا
3992- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ

(7/311)


عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلاَئِكَةِ
[الحديث 3992- طرفه في: 3994]
3993- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ رِفَاعَةُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَكَانَ رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ فَكَانَ يَقُولُ لِابْنِهِ "مَا يَسُرُّنِي أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ قَالَ سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .....بِهَذَا"
3994- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ أَنَّ مَلَكًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْهَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ حَدَّثَهُ مُعَاذٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ يَزِيدُ "فَقَالَ مُعَاذٌ إِنَّ السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم"
3995- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ "
[الحديث3995- طرفه في:4041]
قوله: "باب شهود الملائكة بدرا" تقدم القول في ذلك قبل بابين. وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي من طريق الربيع بن أنس قال: "كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل وسم النار" وفي مسند إسحاق" عن جبير بن مطعم قال: رأيت قبل هزيمة القوم ببدر مثل النجاد الأسود أقبل من السماء كالنمل فلم أشك أنها الملائكة، فلم يكن إلا هزيمة القوم" وعند مسلم من حديث ابن عباس "بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس" الحديث وفيه: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك مدد من السماء الثالثة". قوله: "يحيى بن سعيد" هو الأنصاري. قوله: "عن معاذ بن رفاعة" أورده عنه من ثلاثة طرق، ففي رواية جرير معاذ عن أبيه وهذه موصولة. وفي رواية حماد وهو ابن زيد معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة من أهل بدر إلخ. وهذا صورته مرسل ولكن عند التأمل يظهر أن فيه رواية لمعاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده، ورواية يزيد وهو ابن هارون وهي الثالثة قال فيها معاذ: "إن ملكا سأله" وهذا ظاهره الإرسال، لكن أفاد التصريح بسماع يحيى بن سعيد للحديث من معاذ، ولهذا قال الإسماعيلي: هذا الحديث وصله عن يحيى بن سعيد وجرير بن عبد الحميد، وتابعه يحيى بن أيوب فأرسله عنه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وقوله في آخره: "وعن يحيى أن يزيد بن الهاد حدثه" يستفاد منه أن تسمية الملك السائل جبريل إنما تلقاها يحيى بن سعيد من يزيد بن الهاد عن معاذ، فيقتضي ذلك أن في رواية جرير الجزم بتسميته في رواية يحيى بن سعيد إدراجا. قوله: "بدرا بالعقبة" أي بدل العقبة، يريد أن شهود العقبة عنده أفضل من شهود بدر، وقوله في آخر رواية حماد

(7/312)


"بهذا" يريد ما تقدم في رواية جرير، وقد أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ: "عن معاذ بن رفاعة بن رافع" وكان رفاعة بدريا وكان رافع عقبيا وكان يقول لابنه ما أحب أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة" قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أهل بدر فيكم؟ قال خيارنا، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة" وقوله في رواية يزيد "نحوه" ساق الإسماعيلي لفظ يزيد من طريق محمد بن شجاع عنه بلفظ: "إن ملكا من الملائكة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال يحيى بن سعيد: حدثني يزيد بن الهاد أن السائل هو جبريل" والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال ما قال باجتهاد منه، وشبهته أن العقبة كانت منشأ نصرة الإسلام وسبب الهجرة التي نشأ منها الاستعداد للغزوات كلها، لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله أعلم. قوله في حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل " الحديث هو من مراسيل الصحابة، ولعل ابن عباس حمله عن أبي بكر، فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار " ووقعت في بعض المراسيل تتمة لهذا الحديث مقيدة، وهي ما أخرج سعيد بن منصور من مرسل عطية بن قيس" أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد تخضب الغبار بثنيته عليه درعه وقال: يا محمد إن الله بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى، أفرضيت؟ قال: "نعم" ووقع عند ابن إسحاق من حديث أبي واقد الليثي قال: "إني لأتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي" ووقع عند البيهقي من طريق ابن محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا يقول: "هبت ريح شديدة لم أر مثلها، ثم هبت ريح شديدة، وأظنه ذكر ثالثة، فكانت الأولى جبريل والثانية ميكائيل والثالثة إسرافيل، وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر، وإسرافيل عن يساره وأنا فيها" ومن طريق أبي صالح عن علي قال: "قيل لي ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال" وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم، والجمع بينه وبين الذي قبله ممكن، قال الشيخ تقي الدين السبكي: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عبادة. والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم.

(7/313)


باب مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا
...
12- باب
3996- حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا وَكَانَ بَدْرِيًّا".
3997- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ خَبَّابٍ "أَنَّ أَبَا سَعِيدِ بْنَ مَالِكٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأَضْحَى فَقَالَ مَا أَنَا بِآكِلِهِ حَتَّى أَسْأَلَ فَانْطَلَقَ إِلَى أَخِيهِ لِأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ نَقْضٌ لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ"
[الحديث 3997- طرفه في: 5568]

(7/313)


3998- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ وَهُوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَقَالَ أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ قَالَ هِشَامٌ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدْ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ"
3999- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَايِعُونِي"
4000- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى[5 الأحزاب]: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..........."فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
[الحديث 4000-طرفه في: 5088]
قوله: "باب" كذا للجميع بغير ترجمة، وهو فيما يتعلق ببيان من شهد بدرا. قوله: "حدثني خليفة" هو ابن خياط بالمعجمة ثم التحتانية الشديدة "قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري" هو من كبار شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كما في هذا الموضع، وسعيد هو ابن أبي عروبة. قوله: "مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا" كذا أورده مختصرا، وقد مضى في مناقب الأنصار بأتم من هذا أنه سأل أنسا عن أبي زيد الذي جمع القرآن فقال: هو قيس بن السكن، رجل من بني عدي بن النجار، مات فلم يترك عقبا، نحن ورثناه. وقد تقدم نقل الخلاف في اسمه هناك. قوله: "عن ابن خباب" بالمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة واسمه عبد الله، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، وسيأتي شرح الحديث في كتاب الأضاحي، والغرض منه هنا وصف قتادة بن النعمان بكونه شهد بدرا. قوله: "قال الزبير" هو ابن العوام. قوله: "عبيدة" بالضم أي ابن سعيد بن العاص بن أمية، وكان لسعيد بن العاص عدة إخوة أسلم منهم عمرو وخالد وأبان، وقتل العاص كافرا. قوله: "مدجج" بجيمين الأولى ثقيلة ومفتوحة وقد تكسر، أي مغطى بالسلاح ولا يظهر منه شيء. قوله:

(7/314)


"قال هشام" هو ابن عروة، وهو موصول بالإسناد المذكور. وقوله: "فأخبرت" بضم الهمزة على البناء للمجهول ولم أقف على تعيين المخبر بذلك. قوله: "ثم تمطأت" قيل: الصواب تمطيت بالتحتانية غير مهموز. قوله: "فكان الجهد" بفتح الجيم وبضمها "أن" بفتح الهمزة "نزعتها". قوله: "قال عروة" هو موصول بالإسناد المذكور. وقوله: "أخدها" يعني الزبير "ثم طلبها أبو بكر" أي من الزبير وقوله: "وقعت عند آل علي" أي عند علي نفسه ثم عند أولاده. قوله: "فطلبها عبد الله بن الزبير" أي من آل علي. حديث عبادة بن الصامت في البيعة قد تقدم بتمامه في الإيمان. قوله: "أن أبا حذيفة" هو ابن عتبة بن ربيعة الذي تقدم صفه قتل والده قريبا. وقوله: "تبنى سالما" أي ادعى أنه ابنه، وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فإنها لما نزلت صار يدعى مولى أبي حذيفة، وقد شهد سالم بدرا مع مولاه المذكور. والوليد بن عتبة والد هند قتل مع أبيه كما تقدم، وسميت هند هذه باسم عمتها هند بنت عتبة، قال الدمياطي: رواه يونس ويحيى بن سعيد وشعيب وغيرهم عن الزهري فقالوا: "هند" وروى مالك عنه فقال: "فاطمة" واقتصر أبو عمر في الصحابة على فاطمة بنت الوليد فلم يترجم لهند بنت الوليد، ولا ذكرها محمد بن سعد في الصحابة. ووقع عنده فاطمة بنت عتبة، فإما نسبها لجدها وإما كانت لهند أخت اسمها فاطمة. وحكى أبو عمر عن غيره أن اسم جد فاطمة بنت الوليد المغيرة، فإن ثبت فليست هي بنت أخي أبي حذيفة، ويمكن الجمع بأن بنت أبي حذيفة كان لها اسمان والله أعلم. قوله: "مولى لامرأة من الأنصار" هي ثبيتة بمثلثة ثم موحدة ثم مثناة مصغر بنت يعار بفتح التحتانية ثم مهملة خفيفة، وقد تقدم في مناقب الأنصار أن سالما مولى أبي حذيفة، وهي نسبة مجازية باعتبار ملازمته له، وهو في الحقيقة مولى الأنصارية المذكورة، والمراد يزيد الذي مثل به زيد بن حارثة الصحابي المشهور، وسهلة هي بنت سهيل بن عمرو زوج أبي حذيفة. وقوله: "فذكر الحديث: "سيأتي بيان ذلك في كتاب النكاح إن شاء تعالى.
4002- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ"
[الحديث 4001- طرفه في: 5174]
4002- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ"

(7/315)


4003- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح و حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ السَّلاَم أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنْ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ قُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا قَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الأَنْصَارِ عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا أَلاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ مَا لَكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ"
قوله: الحديث السادس "حدثنا علي" هو ابن عبد الله المديني، والربيع بالتشديد بنت معوذ وهو ابن عفراء الذي تقدم ذكره في قتل أبي جهل. قوله: "يندبن من قتل من آبائي" كان الذي قتل ببدر ممن يدخل في هذه العبارة ولو بالمجاز أبوها وعمها عوف أو عوذ ومن يقرب لهما من الخزرج كحارثة بن سراقة، وقولها: "يندبن" الندب دعاء الميت بأحسن أوصافه، وهو مما يهيج التشوق إليه والبكاء عليه. والدف معروف وداله مضمومة ويجوز فتحها، وفيه جواز سماع الضرب بالدف صبيحة العرس، وكراهة نسبة علم الغيب لأحد من المخلوقين. حديث أبي طلحة الأنصاري في الصور، وسيأتي شرحه في اللباس، وأورده هنا لقوله فيه: "وكان قد شهد بدرا". حديث علي في قصة الشارفين وحمزة بن عبد المطلب. وقد مضى شرحه في الخمس، وأورده هنا لقوله فيه: "من نصيبي من المغنم يوم بدر" واستدل بقوله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ" أن غنيمة بدر خمست خلافا لما ذهب إليه أبو عبيد في" كتاب الأموال" أن آية الخمس

(7/316)


إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر، وموضع الدلالة منه قوله: "يومئذ" ولكن تقدم الحديث في كتاب الخمس بلفظ: "وأعطاني شارفا من الخمس" ليس فيه: "يومئذ" وفي رواية مسلم: "وأعطاني شارفا آخر" ولم يقيده باليوم ولا بالخمس، والجمهور على أن آية الخمس نزلت في قصة بدر.
4004- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَالَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا"
4005- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا".
[الحديث4005- أطرافه في: 5145,5129,5122]
4006- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ"
4007- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي إِمَارَتِهِ أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ جَدُّ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أُمِرْتُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ"
4008- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي

(7/317)


لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ"
[الحديث 4008- أطرافه في: 5051,5040,5009,5008]
الحديث التاسع قوله: "حدثنا محمد بن عباد" هو المكي نزيل بغداد، ثقة مشهور، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث. قوله: "أنفذه لنا ابن الأصبهاني" أي بلغ منتهاه من الرواية وتمام السياق فنفذ فيه، كقولك أنفذت السهم أي رميت به فأصبت، وقيل: المراد بقوله: "أنفذه لنا" أي أرسله، فكأنه حمله عنه مكاتبة أو إجازة. وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي، وعبد الله بن معقل بسكون المهملة وكسر القاف قال أبو مسعود. هذا الحديث مما كان ابن عيينة سمعه من إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن معقل، ثم أخذه عاليا بدرجتين عن ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل. قوله: "كبر على سهل بن حنيف" أي الأنصاري. قوله: "فقال لقد شهد بدرا" كذا في الأصول لم يذكر عدد التكبير، وقد أورده أبو نعيم في "المستخرج" من طريق البخاري بهذا الإسناد فقال فيه: "كبر خمسا"، وأخرجه البغوي في "معجم الصحابة" عن محمد بن عباد بهذا الإسناد، والإسماعيلي والبرقاني والحاكم من طريقه فقال: "ستا" وكذا أورده البخاري في "التاريخ" عن محمد بن عباد، وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة وأورده بلفظ: "خمسا" زاد في رواية الحاكم "التفت إلينا فقال إنه من أهل بدر" وقول علي رضي الله عنه "لقد شهد بدرا" يشير إلى أن لمن شهدها فضلا على غيرهم في كل شيء حتى في تكبيرات الجنازة، وهذا يدل على أنه كان مشهورا عندهم أن التكبير أربع وهو قول أكثر الصحابة، وعن بعضهم التكبير خمس، وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم حديث مرفوع في ذلك. وقد تقدم في الجنائز أن أنسا قال: "إن التكبير على الجنازة ثلاث، وإن الأولى للاستفتاح" وروى ابن أبي خيثمة من وجه آخر مرفوعا: "إنه كان يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا، حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا، وثبت على ذلك حتى مات" وقال أبو عمر: انعقد الإجماع على أربع، ولا نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا ابن أبي ليلى، انتهى. وفي "المبسوط" للحنفية عن أبي يونس مثله. وقال النووي في "شرح المهذب" كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع، لكن لو كبر الإمام خمسا لم تبطل صلاته إن كان ناسيا، وكذا إن كان عامدا على الصحيح، لكن لا يتابعه المأموم على الصحيح، والله أعلم. حديث عمر حين تأيمت حفصة. وتأيمت بالتحتانية، الثقيلة أي صارت أيما، وهي من مات زوجها. وخنيس بخاء معجمة ثم نون مهملة مصغر وهو أخو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب النكاح، والغرض منه هنا قوله فيه: "قد شهد بدرا" وقوله: "أوجد مني عليه" أي أشد غضبا وهو من الموجدة، وإنما قال عمر ذلك لما كان لأبي بكر عنده وله عند أبي بكر من مزيد المحبة والمنزلة، فلذلك كان غضبه منه أشد من غضبه من عثمان. حديث أبي مسعود "نفقة الرجل على أهله صدقة" وسيأتي في كتاب النكاح، والغرض منه إثبات كون أبي مسعود شهد بدرا. قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، وعدي هو ابن ثابت. قوله: "سمع أبا مسعود البدري" سيأتي اسمه في الذي يليه. واختلف في شهوده بدرا فالأكثر على أنه لم يشهدها، ولم يذكره محمد بن إسحاق ومن اتبعه من أصحاب المغازي في البدريين. وقال الواقدي وإبراهيم الحربي: لم يشهد بدرا، وإنما نزل بها فنسب إليها، وكذا قال الإسماعيلي: لم يصح شهود أبي مسعود بدرا، وإنما كانت مسكنه فقيل له البدري، فأشار إلى أن الاستدلال بأنه شهدها بما يقع في الروايات أنه بدري ليس بقوي، لأنه

(7/318)


يستلزم أن يقال لكل من شهد بدرا البدري وليس ذلك مطردا، قلت: لم يكتف البخاري في جزمه بأنه شهد بدرا بذلك بل بقوله في الحديث الذي يليه إنه شهد بدرا، فإن الظاهر أنه من كلام عروة بن الزبير وهو حجة في ذلك لكونه أدرك أبا مسعود، وإن كان روي عنه هذا الحديث بواسطة، ويرجح اختيار البخاري ذلك بقول نافع حين حدثه أبو لبابة البدري فإنه نسبه إلى شهود بدر لا إلى نزولها وقد اختار أبو عبيد القاسم بن سلام أنه شهدها ذكره البغوي في معجمه عن عمه علي بن عبد العزيز عنه، وبذلك جزم ابن الكلبي ومسلم في الكنى. وقال الطبراني وأبو أحمد الحاكم يقال إنه شهدها. وقال البرقي: لم يذكره ابن إسحاق في البدريين. وفي غير هذا الحديث أنه شهدها انتهى. والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي. وإنما رجح من نفي شهوده بدرا باعتقاده أن عمدة من أثبت ذلك وصفه بالبدري وأن تلك نسبة إلى نزول بدر لا إلى شهودها، لكن يضعف ذلك تصريح من صرح منهم بأنه شهدها كما في قوله: "فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا" قد مضى شرح الحديث في المواقيت من الصلاة، وزيد بن الحسن أي ابن علي بن أبي طالب لأن أمه أم بشير بنت أبي مسعود وكانت قبل الحسن عند سعيد بن زيد، ثم بعد الحسن عند عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة. مضى شرح الحديث في المواقيت من الصلاة. حديث أبي مسعود في فضل آخر البقرة، وسيأتي شرحه في فضائل القرآن، وشيخه موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، وفي إسناده أربعة من التابعين في نسق كلهم كوفيون.
4009- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ "أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
4010- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فَصَدَّقَهُ"
4011- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِي عَدِيٍّ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
4013,4012- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ "أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ قُلْتُ لِسَالِمٍ فَتُكْرِيهَا أَنْتَ قَالَ نَعَمْ إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ"
4014- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ قَالَ "رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا"
4015- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ

(7/319)


أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتْ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ أَ ظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ "
4016- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا"
4017- حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْرِيُّ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ فَأَمْسَكَ عَنْهَا"
الحديث الرابع عشر ذكر في الحديث طرفا من حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وشيخه أحمد هو ابن صالح المصري، وعنبسة هو ابن خالد، ويونس هو ابن يزيد، ولم يورد البخاري موضع الحاجة من الحديث وهي قوله في أوله: "إن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار" وقد تقدم في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، وكأنه اكتفى بالإيماء إليه كعادته. قوله: "وكان من أكبر بني عدي" أي ابن كعب بن لؤي، ولم يكن منهم وإنما كان حليفا لهم، ووصفه بكونه أكبر منهم بالنسبة لمن لقيه الزهري منهم. قوله: "وكان أبوه شهد بدرا" هو عامر بن ربيعة المزني، تقدم ذكره في أوائل الهجرة وأنه كان ممن سبق بالهجرة. قوله: "أن عمر استعمل قدامة بن مظعون" أي ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي، وهو أخو عثمان بن مظعون أحد السابقين، ولم يذكر البخاري القصة لكونها موقوفة ليست على شرطه، لأن غرضه ذكر من شهد بدرا فقط، وقد أوردها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فزاد: "فقدم الجارود العقدي على عمر فقال: إن قدامة سكر، فقال: من يشهد معك؟ فقال: أبو هريرة، فشهد أبو هريرة أنه رآه سكران يقيء، فأرسل إلى قدامة، فقال له الجارودي: أقم عليه الحد. فقال له عمر: أخصم أنت أم شاهد؟ فصمت. ثم عاوده فقال: لتمسكن أو لأسوأنك. فقال ليس في الحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني. فأرسل عمر إلى زوجته هند بنت الوليد فشهدت على زوجها، فقال عمر لقدامة: إني أريد أن أحدك، فقال: ليس لك ذلك لقول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. فقال: أخطأت التأويل، فإن بقية الآية {إِذَا مَا اتَّقَوْا} فإنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك، ثم أمر به فجلد، فغاضبه قدامة، ثم حجا جميعا، فاستيقظ عمر من نومه فزعا فقال: عجلوا بقدامة، أتاني آت فقال: صالح قدامة فإنه أخوك، فاصطلحا". قوله: "أخبر رافع بن خديج" بالرفع على الفاعلية "عبد الله بن عمر"

(7/320)


بالنصب على المفعولية ووقع في رواية المستملي: "أخبرني رافع" بزيادة النون والياء وهو خطأ. قوله: "أن عميه" هما ظهير ومظهر1 وقد تقدم ذلك في المزارعة مع شرح الحديث. قوله: "وكانا شهدا بدرا" أنكر ذلك الدمياطي وقال: إنما شهدا أحدا واعتمد على ابن سعد في ذلك، ومن أثبت شهودهما أثبت ممن نفاه. قوله: "رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري وكان قد شهد بدرا" قد تقدم ذكر رفاعة ونسبه في باب شهود الملائكة بدرا، وبقية هذا الحديث أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ: "سمع رجلا من أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبر في صلاته حين دخلها" ومن طريق ابن أبي عدي عن شعبة ولفظه: "عن رفاعة رجل من أهل بدر أنه دخل في الصلاة فقال الله أكبر كبيرا" ولم يذكر البخاري ذلك لأنه موقوف ليس من غرضه. قوله: "أن عمرو بن عوف" هو الأنصاري حليف بني عامر بن لؤي، تقدم حديثه مشروحا في كتاب الجزية، وفي الإسناد صحابيان وتابعيان، وسيأتي في الرقاق بزيادة تابعي ثالث. الحديث التاسع عشر حديث أبي لبابة وسيأتي شرحه في اللباس، وأبو لبابة ممن ضرب له بسهمه وأجره ولم يحضر القتال.
4018- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "أَنَّ رِجَالًا مِنْ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ قَالَ وَاللَّهِ لاَ تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا "
4019- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ ح حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقْتُلْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ"
[الحديث 4019- طرفه في: 6865]
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْل ٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَقَالَ آنْتَ أَبَا جَهْلٍ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ سُلَيْمَانُ هَكَذَا قَالَهَا أَنَسٌ قَالَ أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟
ـــــــ
1 تقدم في كتاب المزارعة(أوائل ج 5) ترجيح أن اسمه ظهير

(7/321)


قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ قَالَ سُلَيْمَانُ أَوْ قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ قَالَ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي".
4021- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ "لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنْ الأَنْصَارِ فَلَقِينَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ شَهِدَا بَدْرًا فَحَدَّثْتُ بِهِ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ".
الحديث العشرون قوله: "أن رجالا من الأنصار" أي ممن شهد بدرا، لأن العباس كان أسر ببدر كما سيأتي، وكان المشركون أخرجوه معهم إلى بدر، فأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: قد عرفت أن رجالا من بني هاشم قد أخرجوا كرها. فمن لقي أحدا منهم فلا يقتله " وروى أحمد من حديث البراء قال: "جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره، فقال العباس: ليس هذا أسرني بل أسرني رجل أنزع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "للأنصاري: أيدك الله بملك كريم " واسم هذا الأنصاري أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة، وهو كعب بن عمرو الأنصاري. وروى الطبراني من حديث أبي اليسر أنه أسر العباس. ومن حديث ابن عباس "قلت لأبي كيف أسرك أبو اليسر؟ ولو شئت لجعلته في كفك. قال: لا تقل ذلك يا بني". قوله: "فلنترك" بصيغة الأمر واللام للمبالغة. قوله: "لابن اختنا عباس" أي ابن عبد المطلب، وأم العباس ليست من الأنصار بل جدته أم عبد المطلب هي الأنصارية، فأطلقوا على جدة العباس أختا لكونها منهم، وعلى العباس ابنها لكونها جدته، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار ثم من بني الخزرج. وأما أم العباس فهي نتيلة بنون ومثناة من فوق ثم لام مصغر بنت جناب - بجيم ونون خفيفة بعد الألف موحدة - من ولد تيم اللات بن النمر بن قاسط، ووهم الكرماني فقال: أم العباس بن عبد المطلب كانت من الأنصار، وأخذ ذلك من ظاهر قول الأنصار "ابن أختنا" وليس كما فهمه، بل فيه تجوز كما بينته. وروى ابن عائذ في المغازي من طريق مرسل أن عمر لما ولي وثاق الأسرى شد وثاق العباس، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يئن فلم يأخذه النوم، فبلغ الأنصار فأطلقوا العباس، فكأن الأنصار لما فهموا رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفك وثاقه سألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم إلى ذلك. وأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عباس افد نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال ، قال: إني كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني، قال: الله أعلم بما تقول إن كنت ما تقول حقا إن الله يجزيك، ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا" وذكر موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبا، وعند أبي نعيم في "الأوائل" بإسناد حسن من حديث ابن عباس" كان فداء كل واحد أربعين أوقية، فجعل على العباس مائة أوقية، وعلى عقيل ثمانين، فقال له العباس: أللقرابة صنعت هذا؟ قال فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ} الآية، فقال العباس: وددت لو كنت أخذت مني أضعافها لقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} . قوله: "لا تذرون" بفتح الذال المعجمة أي لا تتركون من الفداء شيئا، وزاد الكشميهني في روايته: "لا تذرون له" أي للعباس. قبل: والحكمة في ذلك أنه خشي أن

(7/322)


يكون في ذلك محاباة له لكونه عمه لا لكونه قريبهم من النساء فقط، وفيه إشارة إلى أن القريب لا ينبغي له أن يتظاهر بما يؤذي قريبه وإن كان في الباطن يكره ما يؤذيه، ففي ترك قبول ما يتبرع له الأنصار به من الفداء تأديب لمن يقع له مثل ذلك. حديث المقداد بن الأسود، وفي إسناده ثلاثة من التابعين في نسق وهم مدنيون، وسيأتي شرحه في الديات مع ما يرفع الإشكال في قوله: "فإنك بمنزلته" والغرض من إيراده هنا قوله: "وكان ممن شهد بدرا" وقد تقدم أنه كان فارسا يومئذ. وإسحاق في الطريق الثانية شيخه هو ابن منصور. حديث أنس في قصة قتل أبي جهل. تقدم شرحه في أوائل هذه الغزوة، والغرض منه هنا بيان كون ابني عفراء شهدا بدرا. ذكر طرفا من حديث السقيفة والغرض منه ذكر عويم بن ساعدة ومعن بن عدي في أهل بدر فأما عويم فهو بالمهملة مصغر ابن ساعدة بن عياش بتحتانية ومعجمة ابن قيس بن النعمان وهو أوسي من بني عمرو بن عوف. وأما معن فهو بفتح الميم وسكون المهملة أي ابن عدي بن الجد بن عجلان أخو عاصم بن عدي، وهو بكري من حلفاء بني عمرو بن عوف. وموسى شيخه هو ابن إسماعيل، وعبد الواحد هو ابن زياد، وعبيد الله أي ابن عتبة بن مسعود، وقد مضى شرح حديث السقيفة في المناقب.
4022- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ "كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَقَالَ عُمَرُ لاَفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ"
4023- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي"
4024- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"
وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ الأُولَى يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ"
4025-حدثنا الحجاج بن منهال حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد قال سمعت الزهري قال سمعت عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم كل حدثني طائفة من الحديث قالت "فأقبلت أنا وأم مسطح فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح, فقلت: بئس ما قلت,تسبين رجلا شهد بدرا" فذكر حديث الإفك.
4026- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

(7/323)


قَالَ "هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ "فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَهُوَ يُلْقِيهِمْ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ " قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ قَالَ الزُّبَيْرُ "قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكَانُوا مِائَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
4027- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْمٍ"
الحديث الرابع والعشرون قوله: "عن إسماعيل" هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم. قوله: "كان عطاء البدريين خمسة آلاف" أي المال الذي يعطاه كل واحد منهم في كل سنة من عهد عمر فمن بعده. قوله: "وقال عمر لأفضلنهم" أي على غيرهم في زيادة العطاء، وفي حديث مالك بن أوس عن عمر" أنه أعطى المهاجرين خمسة آلاف خمسة آلاف، والأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، وفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى كل واحده اثني عشر ألفا". حديث جبير بن مطعم في القراءة في المغرب بالطور، تقدم شرحه في الصلاة، وقد عزا المزي في "الأطراف" طريق إسحاق بن منصور هذه إلى التفسير فوهم، وهي في المغازي كما ترى، ووجه إيراده هنا ما تقدم في الجهاد أنه كان قدم في أسارى بدر، أي في طلب فدائهم. حديث جبير بن مطعم أيضا، وهو موصول بالإسناد الذي قبله، والمطعم هو والد جبير المذكور، والمراد بالنتنى - جمع نتن وهو بالنون والمثناة - أسارى بدر من المشركين، وقوله: "ليتركنهم له" أي بغير فداء، وبين ابن شاهين من وجه آخر السبب في ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة، وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه: "أن المطعم أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح، وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة. فبلغ ذلك قريشا فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك" وقيل المراد باليد المذكورة أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل السيرة، وروى الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال قال المطعم بن عدي لقريش: إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم، فكونوا أكف الناس عنه" وذلك بعد الهجرة ثم مات المطعم بن عدي قبل وقعة بدر وله بضع وتسعون سنة، وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: خير أصحابك في الأسرى: إن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا". وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر ذكر فيها السبب "هو أنه قال ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: أرى أن نأخذ منهم فدية تكون قوة لنا، وعسى الله أن يهديهم. فقال عمر: أرى أن

(7/324)


تمكنا منهم فتضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر" الحديث، وفيه نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} وقد تقدم نقل خلاف الأئمة في جواز فداء أسرى الكفار بالمال في باب {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} من كتاب الجهاد، وقد اختلف السلف في أي الرأيين كان أصوب؟ فقال بعضهم كان رأي أبي بكر لأنه وافق ما قدر الله في نفس الأمر ولما استقر الأمر عليه، ولدخول كثير منهم في الإسلام إما بنفسه وإما بذريته التي ولدت له بعد الوقعة، ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة، وأما العتاب على الأخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئا من الدنيا على الآخرة ولو قل، والله أعلم. الحديث السابع والعشرون: قوله: "وقال الليث عن يحيى بن سعيد" لم يقع لي هذا الأثر من طريق الليث، وصله أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أحمد بن حنبل" عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري" نحوه. قوله: "وقعت الفتنة الأولى" يعني مقتل عثمان فلم تبق من أصحاب بدرا أحدا، أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة، وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص، ومات قبل وقعة الحرة ببضع سنين، وغفل من زعم أن قوله في الخبر "يعني مقتل عثمان" غلط مستندا إلى أن عليا وطلحة والزبير وغيرهم من البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا، لأنه ظن أن المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان، وليس ذلك مرادا، وقد أخرج ابن أبي خيثمة هذا الأثر من وجه آخر عن يحيى بن سعيد بلفظ: "وقعت فتنة الدار" الحديث، وفتنة الدار هي مقتل عثمان، وزعم الداودي أن المراد بالفتنة الأولى مقتل الحسين بن علي، وهو خطأ فإن في زمن مقتل الحسين بن علي لم يكن أحد من البدريين موجودا. قوله: "ثم وقعت الفتنة الثانية يعني الحرة إلخ" كانت الحرة في آخر زمن يزيد بن معاوية، وسيأتي شيء من خبرها في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. قوله: "ثم وقعت الثالثة" كذا في الأصول، ووقع في رواية ابن أبي خيثمة "ولو قد وقعت الثالثة" ورجحها الدمياطي بناء على أن يحيى بن سعيد قال ذلك قبل أن تقع الثالثة، ولم يفسر الثالثة كما فسر غيرها، وزعم الداودي أن المراد بها فتنة الأزارقة، وفيه نظر لأن الذي يظهر أن يحيى بن سعيد أراد الفتن التي وقعت بالمدينة دون غيرها، وقد وقعت فتنة الأزارقة عقب موت يزيد بن معاوية واستمرت أكثر من عشرين سنة. وذكر ابن التين أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: "لم تترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم قتل عثمان ويوم الحرة" قال مالك "ونسيت الثالثة" قال ابن عبد الحكم: هو يوم خروج أبي حمزة الخارجي، قلت: كان ذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة، وكان ذلك قبل موت يحيى بن سعيد بمدة. ثم وجدت ما أخرجه الدار قطني في غرائب مالك بإسناد صحيح إليه عن يحيى بن سعيد نحو هذا الأثر وقال في آخره: "وإن وقعت الثالثة لم ترتفع وبالناس طباخ" وأخرجه ابن أبي خيثمة بلفظ: "ولو وقعت" وهذا بخلاف الجزم بالثالثة في حديث الباب، ويمكن بأن يكون يحيى بن سعيد قال هذا أولا ثم وقعت الفتنة الثالثة المذكورة وهو حي فقال ما نقله عنه الليث بن سعد، وقوله: "طباخ" بفتح المهملة والموحدة الخفيفة وآخره معجمة أي قوة، قال الخليل: أصل الطباخ السمن والقوة، ويستعمل في العقل والخير، قال حسان:
المال يغشى رجالا لا طباخ لهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
انتهى. والدندن بكسر المهملتين وسكون النون الأولى ما اسود من النبات. الحديث الثامن والعشرون ذكر

(7/325)


طرفا من حديث الإفك المذكور في هذا السند، وسيأتي شرحه في التفسير مستوفى، والغرض منه شهادة عائشة لمسطح بأنه من أهل بدر، وهو مسطح بن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف المثلثة ابن عباد بن المطلب وليس لعبد الله بن عمر النميري عند البخاري غير هذا الحديث. الحديث التاسع والعشرون قوله: "عن ابن شهاب قال: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث" أي ما حمله موسى بن عقبة عن ابن شهاب من ذلك. قوله: "وهو يلقيهم" بتشديد القاف المكسورة بعدها تحتانية ساكنة. وفي رواية المستملي بسكون اللام وتخفيف القاف من الإلقاء وفي رواية الكشميهني بعين مهملة ونون من اللعن، وكذا هو في" مغازي موسى بن عقبة". قوله: "قال موسى بن عقبة" هو بالإسناد المذكور إليه، وعبد الله هو ابن عمر. قوله: "قال ناس من أصحابه" تقدم شرحه وأن ممن خاطبه بذلك عمر. قوله: "فجميع من شهد بدرا من قريش" هو بقية كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وقوله: "ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون" يريد بقوله: "ضرب له بسهمه" أي أعطاه نصيبا من الغنيمة وإن لم يشهدها لعذر له فصيره كمن شهدها. قوله: "وكان عروة بن الزبير يقول "هو بقية كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وقد استظهر له المصنف بالحديث الذي بعده، لكن العدد الذي ذكره يغاير حديث البراء الماضي في أوائل هذه القصة وهي قوله: "أن المهاجرين كانوا زيادة على ستين" فيجمع بينهما بأن حديث البراء أورده فيمن شهدها حسا، وحديث الباب فيمن شهدها حسا وحكما. ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الأول الأحرار والثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم، وقد سرد ابن إسحاق أسماء من شهد بدرا من المهاجرين وذكر معهم حلفاءهم ومواليهم فبلغوا ثلاثة وثمانين رجلا، وزاد عليه ابن هشام في "تهذيب السيرة" ثلاثة. وأما الواقدي فسردهم خمسة وثمانين رجلا. وروى أحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس "أن المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلا" فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا. قوله: "أخبرنا هشام" هو ابن يوسف الصنعاني. قوله: "ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم" عند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة "سألت الزبير على كم سهم جاء للمهاجرين يوم بدر؟ قال على مائة سهم" قال الداودي هذا يغاير قوله: "كانوا إحدى وثمانين" قال فإن كان قوله بمائة سهم من كلام الزبير فلعله دخله شك في العدد، ويحتمل أن يكون من قول الراوي عنه، قال: وإنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين، وكان معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها سهمين سهمين، وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسهامهم فصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار. قلت: هذا الذي قاله أخيرا لا بأس به، لكن ظهر أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس، وذلك أنه عزل خمس الغنيمة ثم قسم ما عداه على الغانمين على ثمانين سهما عدد من شهدها ومن ألحق بهم، فإذا أضيف إليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم، والله أعلم.

(7/326)


باب من سمى من أهل بدر في الجامع الذي وضعه البخاري على حروف المعجم
...
13 - باب تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْر
ٍفِي الْجَامِعِ الَّذِي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ
النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيِّ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ حَارِثَةُ

(7/326)


ابْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَانَ فِي النَّظَّارَةِ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ رِفاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ الْقُرَشِيُّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْقُرَشِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقُرَشِيُّ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَتِهِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ رضي الله عنهم".
قوله: "باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع" أي دون من لم يسم فيه، ودون من لم يذكر فيه أصلا. والمراد بالجامع هذا الكتاب، والمراد بمن سمي من جاء فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها، وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق، وذكر في الكتاب في عدة مواضع، إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدرا. قوله: "النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم" قلت بدأ به تبركا وتيمنا بذكره، وإلا فذلك من المقطوع به. قوله: "أبو بكر" تقدم ذكره في مواضع منها في" باب إذ تستغيثون ربكم". قوله: "عمر" ذكره في حديث أبي طلحة. قوله: "عثمان" قلت لم يتقدم له ذكر في هذه القصة، إلا أنه تقدم في المناقب من قول ابن عمر أنه ضرب له بسهمه. قوله: "علي بن أبي طالب" تقدم في حديث المبارزة وفي غيره. قوله: "إياس بن البكير" تقدم قبل "باب شهود الملائكة بدرا" وقد سرد المصنف من هذه الأسماء على حروف المعجم، وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية فلهذا قال أبو حذيفة في حرف الحاء، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم والأربعة قبل الباقين لشرفهم، وفي بعض النسخ قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقط وذكر الأربعة في حرف العين والخطب فيه سهل. ثم إن إياس بن البكير المذكور بكسر الهمزة بعدها تحتانية وآخره مهملة، ووهم من ضبطه بفتح الهمزة، وأما أبوه فتقدم ضبطه، وقد شهد مع إياس بدرا إخوته عاقل وعامر وغيرهما، ولكن لما لم يقع ذكرهم في الجامع لم يذكرهم. قوله: "بلال" تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف. قوله: "حمزة" تقدم في أول القصة. قوله: "حاطب" تقدم في فضل من شهد بدرا. قوله: "أبو حذيفة"

(7/327)


تقدم في الحديث الخامس من الباب الأخير. قوله: "حارثة بن الربيع" يعني بالتشديد هو ابن سراقة، تقدم في أول "باب فضل من شهد ا" وقوله: "كان في النظارة" أشار إلى ما وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه خرج نظارا أخرجه أحمد والنسائي وزاد: "ما خرج لقتال". قوله: "خبيب بن عدي" تقدم في حديث أبي هريرة، وسيأتي ما قيل فيه في الكلام على غزوة الرجيع. قوله: "خنيس بن حذافة" تقدم في العاشر في الباب الأخير. قوله: "رفاعة بن رافع" تقدم في "باب فضل من شهد بدرا". قوله: "رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة" تقدم في التاسع عشر من الباب الأخير، وجزمه بأن اسمه رفاعة خالف فيه الأكثر فإنهم قالوا إن اسمه بشير وإن رفاعة أخوه. قوله: "الزبير بن العوام" تقدم في عدة أحاديث. قوله: "زيد بن سهل أبو طلحة" تقدم في "باب الدعاء على المشركين". قوله: "أبو زيد الأنصاري" تقدم من حديث أنس. قوله: "سعد بن مالك" هو ابن أبي وقاص، ولم يتقدم له ذكر في هذه القصة، ولكن هو منهم بالاتفاق، ويحتمل أن يكون أخذه من أثر سعيد بن المسيب على بعد في ذلك. قوله: "سعد بن خولة" تقدم في قصة سبيعة الأسلمية. قوله: "سعيد بن زيد" تقدم في أثر نافع عن ابن عمر. قوله: "سهل بن حنيف" تقدم في حديث علي أنه كبر عليه خمسا. قوله: "ظهير بن رافع" تقدم في حديث رافع بن خديج وأنه عمه وأن اسم أخيه مظهر، ولم يسم البخاري أخاه. قوله: "عبد الله بن مسعود" تقدم في أوائله. قوله: "عتبة بن مسعود" يعني أخاه. قلت: ولم يتقدم له ذكر بل ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين، وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد. قوله: "عبد الرحمن بن عوف" تقدم في قتل أبي جهل وغيره. قوله: "عبيدة بن الحارث" تقدم في حديث علي. قوله: "عبادة بن الصامت" تقدم بعد "باب شهود الملائكة بدرا". قوله: "عمرو بن عوف" تقدم فيه. قوله: "عقبة بن عمرو" أبو مسعود البدري تقدم مترجما بثلاثة أحاديث. قوله: "عامر بن ربيعة العنزي" بالنون والزاي، وقع في رواية الكشميهني: "العدوي" وكلاهما صواب، فإنه عنزي الأصل عدوي الحلف. قوله: "عاصم بن ثابت" تقدم في حديث أبي هريرة. قوله: "عويم بن ساعدة" تقدم في حديث السقيفة. قوله: "عتبان بن مالك" تقدم في "باب شهود الملائكة بدرا". قوله: "قدامة بن مظعون" تقدم فيه. قوله: "قتادة بن النعمان" تقدم في أول الباب في حديث أبي سعيد. قوله: "معاذ بن عمرو بن الجموح" بفتح الجيم وتخفيف الميم المضمومة وآخره مهملة، تقدم في قتل أبي جهل. قوله: "معوذ ابن عفراء" هي أمه، واسم أبيه الحارث، ومعوذ بتشديد الواو وبفتحها على الأشهر، وجزم الوقشي بأنه بالكسر. قوله: "وأخوه" عوف بن الحارث، تقدم ذكرهما. قوله: "مالك بن ربيعة أبو أسيد" تقدم في أول "باب من شهد بدرا" ونبه عياض على أن من لا معرفة له قد يتوهم أن مالكا أخو معاذ لأن سياق البخاري هكذا" معاذ ابن عفراء أخوه مالك بن ربيعة "وليس ذلك مراده بل قوله أخوه أي عوف ولم يسمه، ثم استأنف فقال: "مالك بن ربيعة" ولو كتبه بواو العطف لارتفع اللبس، وكذا وقع عند بعض الرواة. قوله: "مرارة بن الربيع" تقدم في حديث كعب بن مالك. قوله: "معن بن عدي" تقدم مع عويم بن ساعدة. قوله: "مسطح بن أثاثة" تقدم في أواخر الباب الأخير، ووقع هنا لأبي زيد في نسبته "عباد بن عبد المطلب" والصواب حذف "عبد". قوله: "المقداد بن عمرو" تقدم، ووقع في رواية الكشميهني: "المقدام" بميم في آخره وهو غلط. قوله: "هلال بن أمية" تقدم مع مرارة. قلت فجملة من

(7/328)


ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا، وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجمة وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في "كتاب الأحكام" وبين اختلاف أهل السير في بعضهم وهو اختلاف غير فاحش، وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في "عيون الأثر" لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره، واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا - على ثلاثمائة وثلاثة عشر - خمسين رجلا، قال: وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء قلت: ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا مبينا للراجح، لكن في هذه الإشارة كفاية، والله المستعان.

(7/329)


باب حديث بني النضير ومخرج رول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين
...
14 - باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ
وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنْ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى[2 الحشر] {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ.
4028- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "حَارَبَتْ َقُرَيْظَةُ و النَّضِيرُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ"
4029- حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ "قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ" تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ
[الحديث 4029- أطرافه في: 4883,4882,4645]
4030- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ"
4031- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ [59 الحشر] {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
4032- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

(7/329)


قَالَ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ
سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ
قوله: "حديث بني النضير" بفتح النون وكسر الضاد المعجمة، هم قبيلة كبيرة من اليهود، وقد مضت الإشارة إلى التعريف بهم في أوائل الكلام على أحاديث الهجرة. وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه، وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وقينقاع. وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش. وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب، فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون، فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعه بدر فنزلوا على حكمه، وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له، وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات. ثم نقض العهد بنو النضير كما سيأتي، وكان رئيسهم حيي بن أخطب. ثم نقضت قريظة كما سيأتي شرح حالهم بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى. قوله: "ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم" سيأتي شرح ذلك في نقل كلام ابن إسحاق في هذا الباب. قوله: "وقال الزهري عن عروة بن الزبير: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد" وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة" ثم كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ} - إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء. وقوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان جلاؤهم أول حشر حشرا في الدنيا إلى الشام وحكى ابن التين عن الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة، مستدلا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} قال: وذلك في قصة الأحزاب. قلت: وهو استدلال واه، فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة، فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب، وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر، بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من جلائهم، فإنه كان من رءوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب كما سيأتي، حتى كان من هلاكهم ما كان، فكيف يصير السابق لاحقا؟. قوله: "وقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} - إلى قوله: {أَنْ يَخْرُجُوا} وقد وضح المراد من ذلك في أثر عبد الرزاق المذكور، وقد أورد ابن إسحاق تفسيرها لما ذكر هذه الغزوة. واتفق أهل العلم على أنها نزلت في هذه القصة، قاله السهيلي، قال: ولم يختلفوا في أن أموال بني النضير كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن المسلمين لم يوجفوا بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع بينهم قتال أصلا. قوله: "وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد" كذا هو في المغازي لابن إسحاق مجزوما به، ووقع في رواية القابسي

(7/330)


"وجعله إسحاق" قال عياض: وهو وهم والصواب "ابن إسحاق" وهو كما قال. ووقع في شرح الكرماني "محمد بن إسحاق بن نصر" وهو غلط، وإنما اسم جده يسار، وقد ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمه، فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو، فقال لهما عمرو ممن أنتما؟ فذكرا أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما عمرو وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: لقد قتلت قتيلين لأودينهما. انتهى. وسيأتي خبر غزوة بئر معونة بعد غزوة أحد، وفيها عن عروة "أن عمرو بن أمية الضمري كان مع المسلمين، فأسره المشركون" قال ابن إسحاق" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف، فلما أتاهم يستعينهم قالوا: نعم. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال. قال: وكان جالسا إلى جانب جدار لهم، فقالوا من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء فقام مظهرا أنه يقضي حاجة وقال لأصحابه: لا تبرحوا، ورجع مسرعا إلى المدينة، واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة، فلحقوا به، فأمر بحربهم والمسير إليهم، فتحصنوا، فأمر بقطع النخل والتحريق" وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال، وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا، فإن قوتلتم قاتلنا معكم، فتربصوا، فقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم، فسألوا أن يخلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الإبل فصولحوا على ذلك. وروى البيهقي في "الدلائل" من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام، قال ابن إسحاق: فاحتملوا إلى خبير وإلى الشام، قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم جلوا الأموال من الخيل والمزارع فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. قال ابن إسحاق: ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما. وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري" أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهم ابن أبي ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم ، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا. فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود: أنكم أهل الحلقة والحصون، يتهدمونهم، فأجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك. ففعل. فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام. وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق، وفي ذلك رد على ابن

(7/331)


التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد، قلت: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي، فالله أعلم. وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه وسلم، وهو إنما وقع عند ما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية، تعين ما قال ابن إسحاق، لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق. وأغرب السهيلي فرجح ما قال الزهري، ولولا ما ذكر في قصة عمرو بن أمية لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع، والله أعلم. حديث ابن عمر" حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير" كذا فيه ولم يعين المفعول من حاربت ولم يسم فاعل أجلى، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم. وكان سبب وقوع المحاربة نقضهم العهد: أما النضير فبالسبب الآتي ذكره وهو ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي قال: كانت النضير قد دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة ثم ذكر نحوا مما تقدم عن ابن إسحاق من مجيء النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجلين قال وفي ذلك نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الآية. وعند ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرا. وأما قريظة فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق كما سيأتي. قوله: "حتى حاربت قريظة" سيأتي شرح ذلك بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى. كذا وقع تقديم قريظة على النضير وكأنه لشرفهم، وإلا فإجلاء النضير كان قبل قريظة بكثير. قوله: "والنضير" ذكر ابن إسحاق في قصته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليهم أن اخرجوا وأجلهم عشرا وأرسل إليهم عبد الله بن أبي يثبطهم أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج، فاصنع ما بدا لك. فقال: الله أكبر، حاربت يهود فخرج إليهم، فخذلهم ابن أبي ولم تعنهم قريظة. وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق عكرمة أن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف، يعني الآتي ذكره عقب هذا. قوله: "بني قينقاع" هو بالنصب على البدلية، ونون قينقاع مثلثة والأشهر فيها الضم، وكانوا أول من أخرج من المدينة كما تقدم في أول الباب. وروى ابن إسحاق في المغازي عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال: "لما حاربت بنو قينقاع قام بأمرهم عبد الله بن أبي فمشى عبادة بن الصامت وكان له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي، فتبرأ عبادة منهم. قال: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى قوله: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وكان عبد الله بن أبي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليهم قال: يا محمد إنهم منعوني من الأسود والأحمر، وإني امرؤ أخشى الدوائر، فوهبهم له. وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين، يعني بعد بدر بشهر. ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: "لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال يا يهود: أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا يوم بدر ، فقالوا: إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال. فأنزل الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} إلى قوله: {لِأُولِي الْأَبْصَارِ} وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد، ولم يوافق على ذلك لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق كما تقدم بسطه. حديث ابن عباس في تسمية سورة الحشر سورة النضير لأنها نزلت فيهم، قال الداودي: كأن ابن عباس كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة،

(7/332)


أو لكونه مجملا فكره النسبة إلى غير معلوم. كذا قال، وعند ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزلت سورة الحشر في بني النضير، وذكر الله فيها الذي أصابهم من النقمة. قوله: "حدثنا الحسن بن مدرك" كذا للجميع، وفي نسخة "إسحاق" بدل الحسن وهو غلط. قوله: "تابعه هشيم إلخ" وصله المصنف في التفسير كما سيأتي هناك. قوله: "عن أبيه" هو سليمان التيمي. قوله: "كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات" تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في الخمس، وسيأتي في أول غزوة قريظة بأتم من هذا السياق. وقوله: "فكان بعد ذلك يرد عليهم" زاد في الرواية الأخرى "ما كانوا أعطوه" وروى الحاكم في "الإكليل" من حديث أم العلاء قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للأنصار لما فتح النضير: إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله علي، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنكم، فاختاروا الثاني". قوله: "حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير" في رواية الكشميهني: "نخل النضير". قوله: "وهي البويرة" بالموحدة مصغر بؤرة وهي الحفرة، وهي هنا مكان معروف بين المدينة وبين تيماء، وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء. قوله: "فنزل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}" هي صنف من النخل، قال السهيلي: في تخصيصها بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما لا يكون معدا للاقتيات، لأنهم كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة. وفي الجامع: اللينة النخلة وقيل الدفل، وعن الفراء كل شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللين. قوله في الرواية الثانية "أخبرنا حبان" هو ابن هلال، وهو بفتح المهملة بعدها موحدة ثقيلة، وإسحاق الراوي عنه هو ابن راهويه. قوله: "ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي" كذا للأكثر. وفي رواية الكشميهني: "لهان باللام" بدل الواو، وسقطت اللام والواو من رواية الإسماعيلي. وقوله: "سراة" بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سري وهو الرئيس، وقوله: "حريق بالبويرة مستطير" أي مشتعل، وإنما قال حسان ذلك تعييرا لقريش لأنهم كانوا أغروهم بنقض العهد وأمروهم به ووعدوهم أن ينصروهم إن قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فأجابه أبو سفيان بن الحارث" أي ابن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين، وذكر إبراهيم بن المنذر أن اسمه المغيرة وجزم ابن قتيبة أن المغيرة أخوه، وبه جزم ابن عبد البر والسهيلي. قوله: "ستعلم أينا منها بنزه" بنون ثم زاي ساكنة أي ببعد وزنا ومعنى، ويقال بفتح النون أيضا. وقوله: "وتعلم أي أرضينا" بالتثنية، وقوله: "تضير" بفتح المثناة وكسر الضاد المعجمة من الضير وهو بمعنى الضر، ويطلق الضير ويراد به المضرة. ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما وقع في هذا الصحيح، وعند مسلم بعض ذلك، وعند شيخ شيوخنا أبي الفتح بن سيد الناس في "عيون الأثر" له عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال له "وهان على سراة بني لؤي" هو أبو سفيان بن الحارث، وأنه إنما قال: "عز" يدل هان، وأن الذي أجاب بقوله: "أدام الله ذلك من صنيع" البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري ا هـ. ولم يذكر مستندا للترجيح، والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كل من عادى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويعدونهم النصر والمساعدة، فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة موبخا لقريش - وهم بنو لؤي - كيف خذلوا أصحابهم. وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وأنه إنما ذكر بني

(7/333)


النضير استطرادا، فمن الأبيات المذكورة:
ألا يا سعد سعد بني معاذ ... فما فعلت قريظة والنضير
وفيها:
وقد قال الكريم أبو حباب ... أقيموا قينقاع ولا تسيروا
وأولها:
تقاعد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمي عن التوراة بور
كفرتم بالقرآن لقد لقيتم ... بتصديق الذي قال النذير
وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله: و "تعلم أي أرضينا تضير" ما يرجح ما وقع في الصحيح، لأن أرض بني النضير مجاورة لأرض الأنصار، فإذا خربت أضرت بما جاورها، بخلاف أرض قريش فإنها بعيدة منها بعدا شديدا فلا تبالي بخرابها، فكان أبو سفيان يقول تخربت أرض بني النضير وتخريبها إنما يضر أرض من جاورها، وأرضكم هي التي تجاورها فهي التي تتضرر لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف، وهو أن يقال: إن الميرة كانت تحمل من أرض بني النضير إلى مكة فكانوا يرتفقون بها، فإذا خربت تضرهم، بخلاف المدينة فإنها في غنية عن أرض بني النضير بغيرها كخيبر ونحوها فيتجه بعض اتجاه، لكن إذا تعارضا كان ما في الصحيح أصح. ويحتمل إن كان ما قال أبو عمرو الشيباني محفوظا أن أبا سفيان بن الحارث ضمن في جوابه بيتا من قصيدة حسان فاهتدمه، فلما قال حسان: "وهان على سراة بني لؤي" اهتدمه أبو سفيان فقال: "وعز على سراة بني لؤي" وهو عمل سائغ، وكأن من أنكر ذلك استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله: "أدام الله ذلك من صنيع" والجواب عنه أن اسم الكفرة وإن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم كما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التباين، وأيضا فقوله: "وحرق في نواحيها السعير" يريد بنواحيها المدينة فيرجع ذلك دعاء على المسلمين أيضا. ولكعب بن مالك في هذه القصة قصيدة على هذا الوزن والروي أيضا ذكرها ابن إسحاق أولها:
لقد منيت بغدرتها الحبور ... كذاك الدهر ذو صرف يدور
يقول فيها:
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت عند مصرعه النضير
يشير إلى كعب بن الأشرف الذي سيذكر قتله عقب هذا، وفيها:
فذاقوا غب أمرهم وبالا ... لكل ثلاثة منهم بعير
فأجلوا عامدين بقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور
4033- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ فَأَدْخِلْهُمْ فَلَبِثَ قَلِيلًا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِنَانِ قَالَ

(7/334)


نَعَمْ فَلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قَالُوا قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ فَقَالَ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالاَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ [6 الحشر] {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إِلَى قَوْلِهِ {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَقَالَ تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهِ كَمَا تَقُولاَنِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسًا فَقُلْتُ لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُنْذُ وَلِيتُ وَإِلاَ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فَقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ"
4034- قَالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ ثُمُنَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ

(7/335)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ قَالَ فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ كِلاَهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلاَنِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ وَهِيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا"
[الحديث 4034- طرفاه في:6730,6727]
4035- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ"
4036- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي"
الحديث الخامس حديث مالك أوس بن الحدثان عن عمر، وفيه قصة مخاصمة العباس وعلي عنده مطولة، وقد تقدم شرحه في فرض الخمس مستوفى، والغرض منه قوله: "وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير". حديث عائشة. قوله: "قال فحدثت هذا الحديث عروة" القائل هو الزهري، وهو موصول بالإسناد المذكور، وقد ذكرت شرحه أيضا مع حديث مالك بن أوس في فرض الخمس. حديث أبي بكر الصديق تقدم أيضا في أول فرض الخمس بزيادة فيه. وزاد هنا قول أبي بكر" والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" وظاهر سياقه الإدراج، وقد بينه الإسماعيلي بلفظ: "فتشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أم بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" قال أبو بكر ذلك معتذرا عن منعه القسمة، وأنه لا يلزم منها أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى. ومحصل كلامه أن قرابة الشخص مقدمة في بره إلا إن عارضهم في ذلك من هو أرجح منهم، والله أعلم.

(7/336)


15 - باب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ
4037- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمِ ارْهَنُونِي قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا

(7/336)


كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللاَمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلاَحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لاَجَابَ قَالَ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو قَالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ عَمْرٌو فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ"
قوله: "باب قتل كعب بن الأشرف" أي اليهودي، قال ابن إسحاق وغيره: كان عربيا من بني نبهان وهم بطن من طيئ، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا، وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة، وهجا المسلمين بعد وقعة بدر، وخرج إلى مكة فنزل على ابن وداعة السهمي والد المطلب. فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته، فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم. وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه "أن كعب بن الأشرف كان شاعرا، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم، وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر. فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه" وذكر ابن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة. قوله: "قال عمرو" هو ابن دينار، كذا هنا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الجهاد وعند أبي نعيم من طريق الحميدي عن سفيان" حدثنا عمرو". قوله: "من لكعب بن الأشرف"؟ أي من الذي ينتدب إلى قتله. قوله: "آذى الله ورسوله" في رواية محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر عند الحاكم في الإكليل" فقد آذانا بشعره وقوى المشركين" وأخرج ابن عائذ من طريق الكلبي أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين. ومن طريق أبي الأسود عن عروة" أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا

(7/337)


عليهم، وأنه لما قدم على قريش قالوا له: أديننا أهدى أم دين محمد؟ قال: دينكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا " ووجدت في "فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني" من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببا آخر، وهو أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به، ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه، فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه، فقام فستره جبريل بجناحه فخرج، فلما فقدوه تفرقوا، فقال حينئذ: من ينتدب لقتل كعب . ويمكن الجمع بتعدد الأسباب. قوله: "فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله "؟ في مرسل عكرمة" فقال محمد بن مسلمة هو خالي". قوله: "قال نعم" في رواية محمد بن محمود "فقال أنت له" وفي رواية ابن إسحاق "قال فافعل إن قدرت على ذلك" وفي رواية عروة" فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال محمد بن مسلمة: أقر صامت" ومثله عند سمويه في فوائده، فإن ثبت احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن له، فإن في رواية عروة أيضا أنه قال له" إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ ، قال فشاوره فقال له: توجه إليه واشك إليه الحاجة، وسله أن يسلفكم طعاما". قوله: "فأذن لي أن أقول شيئا، قال قل" كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به، ومن ثم بوب عليه المصنف" الكذب في الحرب" وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه، ولفظه: "فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة" وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم ". قوله: "إن هذا الرجل" يعني النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "قد سألنا صدقة" في رواية الواقدي "سألنا الصدقة، ونحن لا نجد ما نأكل "وفي مرسل عكرمة" فقالوا: يا أبا سعيد، إن نبيا أراد منا الصدقة، وليس لنا مال نصدقه". قوله: "قد عنانا" بالمهملة وتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب. قوله: "قال و أيضا" أي وزيادة على ذلك، وقد فسره بعد ذلك قوله: "والله لتملنه" بفتح المثناة والميم وتشديد اللام والنون من الملال، وعند الواقدي" أن كعبا قال لأبي نائلة: أخبرني ما في نفسك، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتخلي عنه، قال: سررتني". قوله: "وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين، وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين" قائل ذلك علي بن المديني، ولم يقع ذلك في رواية الحميدي، ووقع في رواية عروة "وأحب أن تسلفنا طعاما. قال: أين طعامكم؟ قالوا: أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه. قال ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل". "تنبيه": وقع في هذه الرواية الصحيحة أن الذي خاطب كعبا بذلك هو محمد بن مسلمة، والذي عند ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنه أبو نائلة، وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه، ويحتمل أن يكون كل منهما كلمه في ذلك، لأن أبا نائلة أخوه من الرضاعة، ومحمد بن مسلمة ابن أخته. وفي مرسل عكرمة في الكل بصيغة الجمع "قالوا"، وفي مرسل عكرمة" وائذن لنا أن نصيب منك فيطمئن إلينا، قال قولوا ما شئتم" وعنده "أما مالي فليس عندي اليوم، ولكن عندي التمر" وذكر ابن عائذ أن سعد بن معاذ بعث محمدا ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ. قوله: "ارهنوني" أي ادفعوا لي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه. قوله: "وأنت أجمل العرب" لعلهم قالوا له ذلك تهكما، وإن كان هو في نفسه كان جميلا. زاد ابن سعد من مرسل عكرمة "ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك" وفي المرسل الآخر الذي أشرت إليه "وأنت رجل حسان تعجب النساء" وحسان بضم الحاء وتشديد السين

(7/338)


المهملتين. قوله: "ولكن نرهنك اللأمة" بتشديد اللام وسكون الهمزة. قوله: "قال سفيان: يعني السلاح" كذا قال. وقال غيره من أهل اللغة: اللأمة الدرع، فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض. وفي مرسل عكرمة "ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه، قال نعم" وفي رواية الواقدي "وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم إليه بالسلاح". قوله: "فجاء ليلا ومعه أبو نائلة" بنون وبعد الألف تحتانية واسمه سلكان بن سلامة. قوله: "وكان أخاه من الرضاعة" يعني كان أبو نائلة أخا كعب، وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية فكان يركن إليه. وقد ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة أيضا كان أخاه، زاد الحميدي في روايته: "وكانوا أربعة سمى عمرو منهم اثنين". قلت: وستأتي تسميتهم قريبا. وعند الخراساني في مرسل عكرمة "فلما كان في القائلة أتوه ومعهم السلاح فقالوا: يا أبا سعيد. فقال: سامعا دعوت". قوله: "فقالت له امرأته" لم أقف على اسمها. قوله: "وقال غير عمرو: قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم" في رواية الكلبي "فتعلقت به امرأته وقالت، مكانك، فوالله إني لأرى حمرة الدم مع الصوت" وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي وأنه حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا، وعند ابن إسحاق" فهتف به أبو نائلة - وكان حديث عهد بعرس - فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت له: أنت امرؤ محارب، لا تنزل في هذه الساعة. فقال: إنه أبو نائلة، لو وجدني نائما ما أيقظني. فقالت: والله إني لأعرف من صوته الشر" وفي مرسل عكرمة "أخذت بثوبه فقالت: أذكرك الله أن لا تنزل إليهم، فوالله إني لأسمع صوتا يقطر منه الدم". قوله: "قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين، قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمى بعضهم، قال عمرو: جاء معه برجلين. وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر" قلت: ووقع في رواية الحميدي "قال فأتاه ومعه أبو نائلة وعباد بن بشر وأبو عبس بن جبر والحارث بن معاذ إن شاء الله" كذا أدرجه ورواية علي بن المديني مفصلة، ونسب الحارث بن معاذ إلى جده، ووقعت تسميتهم كذلك في رواية ابن سعد، فعلى هذا فكانوا خمسة، ويؤيده قول عباد بن بشر من قصيدة في هذه القصة:
فشد بسيفه صلتا عليه ... فقطعه أبو عبس بن جبر
وكان الله سادسنا فأبنا ... بأنعم نعمة وأعز نصر
وهو أولى مما وقع في رواية محمد بن محمود "كان مع محمد بن مسلمة أبو عبس بن جبر وأبو عتيك" ولم يذكر غيرهما، وكذا في مرسل عكرمة "ومعه رجلان من الأنصار" ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة ثلاثة وفي الأخرى خمسة. قوله: "فإني قائل بشعره فأشمه" وهو من إطلاق القول على الفعل. قوله: "وقال مرة فأشمكم" أي أمكنكم من الشم، وهو ينفح بالفاء والمهملة. قوله: "ريح الطيب" في رواية ابن سعد "وكان حديث عهد بعرس" وفي مرسل عكرمة فقال: "يا أبا سعيد أدن مني رأسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي". قوله: "عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب" وعند الأصيلي وأجمل بالجيم بدل الكاف وهي أشبه، وفي مرسل عكرمة "فقال هذا عطر أم فلان"يعني امرأته. وفي رواية الواقدي "وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد في صدغيه" وفي رواية أخرى "وعندي أعطر سيد العرب" وكأن "سيد" تصحيف من نساء، فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر

(7/339)


نساء سيد العرب على الحذف. قوله: "دونكم فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه" في رواية عروة "وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس، وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف، فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه، ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة" وفي رواية الواقدي "أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه". وفي مرسل عكرمة "فبرق فيها ثم ألصقها فالتحمت" وفي رواية ابن الكلي "فضربوه حتى برد، وصاح عند أول ضربة، واجتمعت اليهود فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاتوهم" وفي رواية ابن سعد "أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه: اقتلوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئا. قال محمد: فذكرت معولا كان في سيفي فوضعته في سرته، ثم تحاملت عليه فغططته حتى انتهى إلى عانته، فصاح وصاحت امرأته: يا آل قريظة والنضير مرتين". قوله: "فأخبروه" في رواية عروة "فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى" وفي رواية ابن سعد" فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم كبر، وعرف أن قد قتلوه، ثم انتهوا إليه فقال: أفلحت الوجوه ، فقالوا: ووجهك يا رسول الله، ورموا رأسه بين يديه، فحمد الله على قتله" وفي مرسل عكرمة "فأصبحت يهود مذعورين، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة، فذكرهم النبي صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين" زاد ابن سعد "فخافوا فلم ينطقوا". قال السهيلي: في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سب الشارع، خلافا لأبي حنيفة. قلت: وفيه نظر، وصنيع المصنف في الجهاد يعطي أن كعبا كان، محاربا حيث ترجم لهذا الحديث: "الفتك بأهل الحرب" وترجم له أيضا: "الكذب في الحرب" وفيه جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته. وفيه جواز الكلام الذي يحتاج إليه في الحرب ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته. وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد. وفيه دلالة على قوة فطنة امرأته المذكورة وصحة حديثها، وبلاغتها في إطلاقها أن الصوت يقطر منه الدم.

(7/340)


باب قتل أبي رافع عبدالله بن أبي الحقيق
...
16 - باب قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
وَيُقَالُ سَلاَمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ "هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ".
4038- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ
4039- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ

(7/340)


وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي عَلاَلِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ"
4040- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ قَالَ فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ فَغَطَّيْتُ رَأْسِي وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتْ الأَصْوَاتُ وَلاَ أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ قَالَ قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ صَعِدْتُ

(7/341)


إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي فَقَالَ أَلاَ أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ قَالَ فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ".
قوله: "قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق - ويقال سلام بن أبي الحقيق - كان بخيبر"، والحقيق بمهملة وقاف مصغر، والذي سماه عبد الله هو عبد الله بن أنيس، وذلك فيما أخرجه الحاكم في "الإكليل" من حديثه مطولا وأوله "أن الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي الحقيق ليقتلوه وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وحليف لهم ورجل من الأنصار، وأنهم قدموا خيبر ليلا" فذكر الحديث. وقال ابن إسحاق: هو سلام أي بتشديد اللام قال: "لما قتلت الأوس كعب بن الأشرف استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر، فأذن لهم. قال: فحدثني الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانا يتصاولان تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئا إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا. وكذلك الأوس. فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف تذاكرت الخزرج من رجل له من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لكعب؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر. قوله: "ويقال في حصن له بأرض الحجاز" وهو قول وقع في سياق الحديث الموصول في الباب، ويحتمل أن يكون حصنه كان قريبا من خيبر في طرف أرض الحجاز. ووقع عند موسى بن عقبة "فطرقوا أبا رافع بن أبي الحقيق بخيبر فقتلوه في بيته" ولأبي رافع المذكور أخوان مشهوران من أهل خيبر: أحدهما: كنانة وكان زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه الربيع بن أبي الحقيق، وقتلهما النبي صلى الله عليه وسلم جميعا بعد فتح خيبر. قوله: "وقال الزهري: هو بعد كعب بن الأشرف" وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري، وقد ذكرت من عند ابن إسحاق عن الزهري أنه أخذ ذلك عن عبد الله بن كعب بن مالك بزيادة فيه، قال ابن سعد كانت في رمضان سنة ست، وقيل: في ذي الحجة سنة خمس، وقيل فيها: سنة أربع، وقيل: في رجب سنة ثلاث. ثم أورد البخاري قصته من رواية ثلاثة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب. الأولى: رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله" هكذا أورده مختصرا، وقوله: "بيته" للأكثر بسكون التحتانية وبالنصب على

(7/342)


المفعولية، وللسرخسي والمستملي بتشديد التحتانية بلفظ الفعل الماضي من التبييت، وقد أخرجه المصنف في الجهاد من هذا الوجه مطولا نحو رواية إبراهيم بن يوسف الآتية. قوله: "حدثنا يوسف بن موسى" هو القطان، وعبيد الله بن موسى هو العبسي شيخ البخاري، وقد حدث عنه هنا بواسطة. قوله: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار" في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الآتية بعد هذه" بعث إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في أناس معهم" وعبد الله بن عتيك بالنصب مفعول بعث وهو المبعوث إلى أبي رافع وليس هو اسم أبي رافع، وعبد الله بن عتبة لم يذكر إلا في هذا الطريق، وزعم ابن الأثير في "جامع الأصول" أنه ابن عتبة بكسر العين وفتح النون، وهو غلط منه فإنه خولاني لا أنصاري، ومتأخر الإسلام وهذه القصة متقدمة والرواية بضم العين وسكون المثناة لا بالنون والله أعلم. قوله: "رجالا من الأنصار" قد سمي منهم في هذا الباب عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة، وعند ابن إسحاق عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن أسود، فإن كان عبد الله بن عتبة محفوظا فقد كانوا ستة، فأما الأول فهو ابن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة ابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام، وأما عبد الله بن عتبة فقد شرحت ما فيه، وأما مسعود فهو ابن سنان الأسلمي حليف بني سلمة، شهد أحدا واستشهد باليمامة، وأما عبد الله بن أنيس فهو الجهني حليف الأنصار، وقد فرق المنذري بين عبد الله بن أنيس الجهني وعبد الله بن أنيس الأنصاري، وجزم بأن الأنصاري هو الذي كان في قتل ابن أبي الحقيق وتبع في ذلك ابن المديني، وجزم غير واحد بأنهما واحد وهو جهني حالف الأنصار، وأما أبو قتادة فمشهور، وأما خزاعي بن أسود فقد قلبه بعضهم فقال أسود بن خزاعي، وفي حديث عبد الله بن أنيس في "الإكليل" أسود بن حرام، وكذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، فإن كان غير من ذكر وإلا فهو تصحيف ثم وجدته في "دلائل البيهقي" من طريق موسى بن عقبة على الشك هل هو أسود بن خزاعي أو أسود بن حرام. قوله: "وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه" ذكر ابن عائذ من طريق الأسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "وقد دخل الناس" ذكر في رواية يوسف سببا لتأخير غلق الباب فقال: "ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس - أي شعلة من نار - يطلبونه، قال فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي". قوله: "وراح الناس بسرحهم" أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى، وسرح بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة هي السائمة من إبل وبقر وغنم. قوله: "تقنع بثوبه" أي تغطى به ليخفى شخصه لئلا يعرف. قوله: "فهتف به" أي ناداه. وفي رواية يوسف "ثم نادى صاحب الباب: "أي البواب ولم أقف على اسمه. قوله: "فكمنت" أي اختبأت. وفي رواية يوسف "ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن". قوله: "ثم علق الأغاليق على ود" بفتح الواو وتشديد الدال هو الوتد. وفي رواية يوسف "وضع مفتاح الحصن في كوة" والأغاليق بالمعجمة جمع غلق بفتح أوله ما يغلق به الباب والمراد بها المفاتيح، كأنه كان يغلق بها ويفتح بها، كذا في رواية أبي ذر. وفي رواية غيره بالعين المهملة وهو المفتاح بلا إشكال، والكوة بالفتح وقد تضم وقيل بالفتح غير النافذة وبالضم النافذة. قوله: "فقمت إلى الأقاليد" هي جمع إقليد وهو المفتاح. وفي رواية يوسف "ففتحت باب الحصن".

(7/343)


قوله: "يسمر عنده" أي يتحدثون ليلا. وفي رواية يوسف "فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل، ثم رجعوا إلى بيوتهم". قوله: "في علالي له" بالمهملة جمع علية بتشديد التحتانية وهي الغرفة. وفي رواية ابن إسحاق "وكان في علية له إليها عجلة" والعجلة بفتح المهملة والجيم السلم من الخشب، وقيده ابن قتيبة بخشب النخل. قوله: "فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل" في حديث عبد الله بن أنيس عند الحاكم فلم يدعوا بابا إلا أغلقوه. قوله: "نذروا بي" بكسر الذال المعجمة أي علموا، أصله من الإنذار وهو الإعلام بالشيء الذي يحذر منه، وذكر ابن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية، فاستفتح، فقالت له امرأة أبي رافع من أنت؟ قال: جئت أبا رافع بهدية. ففتحت له وفي رواية يوسف "فلما هدأت الأصوات" أي سكنت، وعنده "ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأغلقتها عليهم من ظاهر. ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم". قوله: "فأهويت نحو الصوت" أي قصدت نحو صاحب الصوت. وفي رواية يوسف "فعمدت نحو الصوت". قوله: "وأنا دهش" بكسر الهاء بعدها معجمة. قوله: "فما أغنيت شيئا" أي لم أقتله. قوله: "فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع" في حديث عبد الله بن أنيس "فقالت امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك. فقال ثكلتك أمك وأين عبد الله بن عتيك". قوله: "هدأت الأصوات" بهمزة أي سكنت، وزعم ابن التين أنه وقع عنده "هدت" بغير همز وأن الصواب بالهمز. قوله: "فأضربه" ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى. قوله: "فلم يغن" أي لم ينفع. قوله: "ثم دخلت إليه" في رواية يوسف "ثم جئت كأني أغيثه فقلت مالك؟ وغيرت صوتي". قوله: "لأمك الويل" في رواية يوسف "زاد وقال ألا أعجلتك" وزاد في رواية: "قال فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله. ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المستغيث فإذا هو مستلق على ظهره" وفي رواية ابن إسحاق "فصاحت امرأته" فنوهت بنا، فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء فنكف عنها". قوله: "ضبيب السيف" بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين وزن رغيف، قال الخطابي: هكذا يروي، وما أراه محفوظا وإنما هو ظبة السيف وهو حرف السيف ويجمع على ظبات، قال: والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم، قال عياض: هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة، وكذا ذكره الحربي وقال: أظنه طرفه. وفي رواية غير أبي ذر بالمعجمة وهو طرف السيف. وفي رواية يوسف "فأضع السيف في بطنه ثم أتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم". قوله: "فوضعت رجلي وأنا أرى" بضم الهمزة أي أظن، وذكر ابن إسحاق في روايته أنه كان سيء البصر. قوله: "فانكسرت ساقي فعصبتها" في رواية يوسف "ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها" ويجمع بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت الساق. وقال الداودي: هذا اختلاف وقد يتجوز في التعبير بأحدهما عن الآخر، لأن الخلع هو زوال المفصل من غير بينونة، أي بخلاف الكسر. قلت: والجمع بينهما بالحمل على وقوعهما معا أولى، ووقع في رواية ابن إسحاق "فوثبت يده" وهو وهم والصواب رجله، وإن كان محفوظا فوقع جميع ذلك، وزاد أنهم كمنوا في نهر، وأن قومه أوقدوا النيران وذهبوا في كل وجه يطلبون حتى أيسوا رجعوا إليه وهو يقضي. قوله: "قام الناعي" في رواية يوسف "صعد الناعية". قوله: "أنعي أبا رافع" كذا ثبت في الروايات بفتح العين، قالا ابن التين: هي لغة والمعروف انعوا، والنعي خبر الموت والاسم الناعي. وذكر الأصمعي أن العرب كانوا إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وسار فقال: نعي فلان. قوله: "فقلت النجاء" بالنصب

(7/344)


أي أسرعوا، في رواية يوسف "ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: "أحجل" هو بمهملة ثم جيم، الحجل هو أن يرفع رجلا ويقف على أخرى من العرج، وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه حينئذ يسمى قفزا لا مشيا، ويقال حجل في مشيه إذا مشى مثل المقيد أي قارب خطوه، وفي حديث عبد الله بن أنيس "قال وتوجهنا من خيبر، فكنا نكمن النهار ونسير الليل، وإذا كمنا بالنهار أقعدنا منا واحدا يحرسنا، فإذا رأى شيئا يخافه أشار إلينا، فلما قربنا من المدينة كانت نوبتي، فأشرفت إليهم فخرجوا سراعا، ثم لحقتهم فدخلنا المدينة، فقالوا: ماذا رأيت؟ قلت: ما رأيت شيئا، ولكن خشيت أن تكونوا أعييتم فأحببت أن يحملكم الفزع. قوله: "فمسحها فكأنها لم أشتكها قط" ووقع في رواية يوسف أنه "لما سمع الناعي قال: فقمت أمشي ما بي قلبة" وهو بفتح القاف واللام والموحدة أي علة أنقلب بها. وقال الفراء. أصل القلاب بكسر القاف داء يصيب البعير فيموت من يومه، فقيل لكل من سلم من علة ما به قلبة، أي ليست به علة تهلكه. قوله: "فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته" يحمل على أنه لما سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم، لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالأمر ما أحس بالألم وأعين على المشي أولا، وعليه يدل قوله: "ما بي قلبة" ثم لما تمادى عليه المشي أحس بالألم فحمله أصحابه كما وقع في رواية ابن إسحاق، ثم لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليه فزال عنه جميع الألم ببركته صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر، وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه، وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم. والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين؛ والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت الناعي بموته، والله أعلم.

(7/345)


17 - باب غَزْوَةِ أُحُدٍ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [121 آل عمران]: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ [140 آل عمران] {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} وَقَوْلِهِ [152 آل عمران]: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} -تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا- {بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وَقَوْلِهِ {وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الْآيَةَ
"باب غزوة أحد" سقط لفظ: "باب" من رواية أبي ذر. و "أحد" بضم الهمزة والمهملة جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ. وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "جبل يحبنا ونحبه" كما سيأتي في آخر باب من

(7/345)


هذه الغزوة مع مزيد فوائد فيما يتعلق به. ونقل السهيلي عن الزبير بن بكار في فضل المدينة أن قبر هارون عليه السلام بأحد، وأنه قدم مع موسى في جماعة من بني إسرائيل حجاجا فمات هناك. قلت: وسند الزبير بن بكار في ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه محمد بن الحسن بن زبالة، ومنقطع أيضا وليس بمرفوع. وكانت عنده الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور، وشذ من قال سنة أربع. قال ابن إسحاق: لإحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل: لسبع ليال وقيل: لثمان وقيل: لتسع وقيل: في نصفه. وقال مالك: كانت بعد بدر بسنة، وفيه تجوز لأن بدرا كانت في رمضان باتفاق فهي بعدها بسنة وشهر لم يكمل، ولهذا قال مرة أخرى: كانت بعد الهجرة بأحد وثلاثين شهرا. وكان السبب فيها ما ذكر ابن إسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالوا: وهذا ملخص ما ذكره موسى بن عقبة في سياق القصة كلها قال: لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد. وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا لقاء العدو، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة رؤيا، فلما أصبح قال. رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح، والله خير وأبقى، ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته أو قال به فلول فكرهته وهما مصيبتان، ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا . قالوا: وما أولتها؟ قال: أولت البقر بقرا يكون فينا، وأولت الكبش كبش الكتيبة، وأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا، فإن دخل القوم الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت ، فقال أولئك القوم: يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم، وأبى كثير من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللأمة فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج، فندم ذوو الرأي منهم فقالوا: يا رسول الله أمكث كما أمرتنا، فقال: ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل ، نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد، ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فبقي في سبعمائة، فلما رجع عبد الله سقط في أيدي طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة، وصف المسلمون بأصل أحد، وصف المشركون بالسبخة وتعبوا للقتال، وعلى خيل المشركين - وهي مائة فرس - خالد بن الوليد، وليس مع المسلمين فرس وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم، وكان صاحب لواء المسلمين مصعب بن عمير، فبارز طلحة بن عثمان فقتله، وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات، فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتبهوهم، فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم، ودخل العسكر، فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم، وصرخ صارخ: قتل محمد أخراكم، فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون، وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل؛ وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم، حتى رجع إليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب، وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه، فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته، فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير، وقيل: معه طائفة من الأنصار منهم سهل بن بيضاء والحارث بن الصمة، وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابه، فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته: اعل هبل، فناداه عمر: الله أعلى وأجل. ورجع المشركون إلى أثقالهم

(7/346)


فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأصحابه: إن ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل، فهم يريدون البيوت، وإن ركبوا الأثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع ، فتبعهم سعد بن أبي وقاص، ثم رجع فقال: رأيت الخيل مجنوبة، فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم، وبكى المسلمون على قتلاهم، فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق، فقالت اليهود: لو كان نبيا ما ظهروا عليه. وقالت المنافقون: لو أطاعونا ما أصابهم هذا. قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة: منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه. ومنها أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم. ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون. ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها. ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم. ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين. ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد، وقد قال ابن إسحاق: أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران، وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال. اقرأ العشرين ومائه من آل عمران تجدها: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} - إلى قوله – {أَمَنَةً نُعَاساً} . قوله: "وقول الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقوله: {غَدَوْتَ} أي خرجت أول النهار، والعامل في إذ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت، وقوله {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} أي تنزلهم، وأصله من المآب وهو المرجع، والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود. وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال: "غدا نبي الله من أهله يوم أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال" ومن طريق مجاهد والسدي وغيرهما نحوه، ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الأحزاب ووهاه. قوله: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} الأصل توهنوا فحذفت الواو، والوهن الضعف يقال وهن بالفتح يهن بالكسر في المضارع، وهذا هو الأفصح، ويستعمل وهن لازما ومتعديا، قال تعالى: {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} وفي الحديث: "وهنتهم حمى يثرب" والأعلون جمع أعلى، وقوله: إن كنتم مؤمنين محذوف الجواب وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا. وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا، ومن طريق الزهري قال: "كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم نصيب، فاشتد حزنهم، فعزاهم الله أحسن تعزية" ومن طريق قتادة نحوه قال: "فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز" ومن طريق ابن جريح قال في قوله: {وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا في أمر عدوكم {وَلا

(7/347)


تَحْزَنُوا} في أنفسكم فإنكم أنتم الأعلون قال: والسبب فيها أنهم لما تفرقوا ثم رجعوا إلى الشعب قالوا: ما فعل فلان ما فعل فلان؟ فنعى بعضهما بعضا، وتحدثوا بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فكانوا في هم وحزن، فبينما هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم، فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله، وعلا المسلمون الجبل والتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو الجبل عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلون علينا ، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} . قوله: "وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} تستأصلونهم قتلا "بإذنه" الآية إلى قوله: {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أخرج الطبري من طريق السدي وغيره أن المراد بالوعد قوله صلى الله عليه وسلم للرماة " أنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم" وقد ذكر المصنف قصة الرماة في هذا الباب، وسأذكر شرحها إن شاء الله تعالى. ومن طريق قتادة ومجاهد في قوله: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أي تقتلونهم، وقول المصنف في تفسير {تَحُسُّونَهُمْ} تستأصلونهم هو كلام أبي عبيدة. وأخرج الطبري من طريق السدي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للرماة " إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم" وكان أول من برز طلحة بن عثمان فقتل، ثم حمل المسلمون على المشركين فهزموهم، وحمل خالد بن الوليد وكان في خيل المشركين على الرماة فرموه بالنبل فانقمع، ثم ترك الرماة مكانهم ودخلوا العسكر في طلب الغنيمة، فصاح خالد في خيله فقتل من بقي من الرماة، منهم أميرهم عبد الله بن جبير. ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة تراجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا فيهم في القتل. وقوله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} أي جبنتم {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} أي اختلفتم، وحتى حرف جر وهي متعلقة بمحذوف أي دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم، ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وجوابها محذوف، وقوله: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} فيه إشارة إلى رجوع المسلمين عن المشركين بعد أن ظهروا عليهم لما وقع من الرماة من الرغبة في الغنيمة، وإلى ذلك الإشارة بقوله – {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} قال السدي عن عبد خير قال: قال عبد الله بن مسعود" ما كنت أرى أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} وقوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} الآية أخرج مسلم من طريق مسروق قال: "سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال: أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها" الحديث.
4042- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ أُحُدٍ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ ".
4042- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ وَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الْحَوْضُ وَإِنِّي

(7/348)


لاَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا قَالَ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ثم ذكر المصنف تلو هذه الآيات أحاديث كالمفسرة للآيات المذكورة. الأول حديث عقبة بن عامر قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد" الحديث، وهو متعلق بقوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} وقوله: "بعد ثمان سنين" فيه تجوز تقدم بيانه في "باب الصلاة على الشهداء" من كتاب الجنائز. وقوله: ثم طلع المنبر فقال: "إني بين أيديكم فرط" وقد وقع في مرسل أيوب بن بشر من رواية الزهري عنه عند ابن أبي شيبة: "خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم" وهذا يحمل على أن المراد أول ما تكلم به أي عند خروجه قبل أن يصعد المنبر. قوله: "كالمودع للأحياء والأموات" تابع حيوة بن شريح على هذه الزيادة عن يزيد بن أبي حبيب يحيى بن أيوب عند مسلم ولفظه: "ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات" وتوديع الأحياء ظاهر، لأن سياقه يشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأما توديع الأموات فيحتمل أن يكون الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الأموات بجسده، لأنه بعد موته وإن كان حيا فهي حياة أخروية لا تشبه الحياة الدنيا، والله أعلم. ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الأموات ما أشار إليه في حديث عائشة من الاستغفار لأهل البقيع، وقد سبق شرح هذا الحديث في الجنائز وفي علامات النبوة، وتأتي بقيته في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. "تنبيه": وقع في رواية أبي الوقت والأصيلي هنا قبل حديث عقبة بن عامر حديث ابن عباس" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم أحد: هذا جبريل آخذ برأس فرسه " الحديث، وهو وهم من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث تقدم بسنده ومتنه في "باب شهود الملائكة بدرا" ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ثانيهما. أن المعروف في هذا المتن يوم بدر كما تقدم لا يوم أحد، والله المستعان.
4043- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ لاَ تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لاَ تُجِيبُوهُ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ قَالَ لاَ تُجِيبُوهُ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لاَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ اعْلُ هُبَلُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَجِيبُوهُ قَالُوا

(7/349)


مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي"
الحديث الثاني حديث البراء بن عازب في قصة الرماة قوله: "عن البراء" في رواية زهير في الجهاد عن أبي إسحاق "سمعت البراء بن عازب". قوله: "لقينا المشركين يومئذ" في رواية لأبي نعيم "لما كان يوم أحد لقينا المشركين". قوله: "الرماة" في رواية زهير "وكانوا خمسين رجلا" وهذا هو المعتمد، ووقع في الهدي أن الخمسين عدد الفرسان يومئذ، وهو غلط بين، وقد جزم موسى بن عقبة بأنه لم يكن معهم في أحد شيء من الخيل.ووقع عند الواقدي: كان معهم فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة. قوله: "وأمر عليهم عبد الله" في رواية زهير "عبد الله بن جبير" وعند ابن إسحاق أنه قال لهم: "انضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا" . قوله: "لا تبرحوا" في رواية زهير "حتى أرسل لكم". قوله: "وإن رأيتموهم ظهروا علينا" في رواية زهير" وإن رأيتمونا تخطفنا الطير" وفي حديث ابن عباس عند أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال لهم "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا" . قوله: "رأيت النساء يشتددن" كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح المثناة بعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة أي يسرعن المشي، يقال اشتد في مشيه إذا أسرع، وكذا للكشميهني في رواية زهير، وله هنا "يسندن" بضم أوله وسكون المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة أي يصعدن، يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد، وللباقين في رواية زهير "يشددن" بفتح أوله وسكون المعجمة وضم المهملة الأولى وسكون الثانية. قال عياض: ووقع للقابسي في الجهاد "يشتددن" وكذا لابن السكن فيه وفي الفضائل، وعند الإسماعيلي والنسفي "يشتدون" بمعجمة ودال واحدة وللكشميهني: "يستندون" ولرفيقه "يشدون" وكله بمعنى. وقد تقدم في أول الباب أن قريشا خرجوا معهم بالنساء لأجل الحفيظة والثبات، وسمى ابن إسحاق النساء المذكورات وهن: هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشام، وبرزة بنت مسعود الثقفية مع زوجها صفوان بن أمية وهي والدة ابن صفوان، وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنه عبد الله، وسلافة بنت سعد مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي، وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عميرة، وعمرة بنت علقمة بن كنانة. وقال غيره كان النساء اللاتي خرجن مع المشركين يوم أحد خمس عشرة امرأة. قوله: "رفعن عن سوقهن" جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب. وفي حديث الزبير بن العوام عند ابن إسحاق قال: "والله لقد رأيتني أنظر إلى خذم هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون إحداهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حتى كشف القوم عنه وخلوا ظهرنا للجبل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ. ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد من القوم. قوله: "فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله بن جبير: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا، فأبوا" في رواية زهير "فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة - أي يوم الغنيمة - ظهر أصحابكم، فما تنتظرون" وزاد: "فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبين من الغنيمة" وفي حديث ابن عباس "فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا

(7/350)


عسكر المشركين انكفت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون، وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا - وشبك بين أصابعه - فلما أخلت الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على الصحابة، فضرب بعضهم بعضا والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير، قد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين تسعة أو سبعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، وصاح الشيطان: قتل محمد" وقد ذكرنا من حديث الزبير نحوه. قوله: "فلما أبوا صرفت وجوههم" في رواية زهير "فلما أتوهم" بالمثناة وقوله: "صرفت وجوههم" أي تحيروا فلم يدروا أين يتوجهون. وزاد زهير في روايته: "فذلك "إذ يدعوهم الرسول في أخراهم" فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا" وجاء في رواية مرسلة أنهم من الأنصار، وسأذكرها في الكلام على الحديث السابع من الباب الذي يليه. وروى النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "لما ولى الناس يوم أحد كان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلا من الأنصار وفيهم طلحة" الحديث. ووقع عند الطبري من طريق السدي قال: "تفرق الصحابة: فدخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله، فرماه ابن قمئة بحجر فكسر أنفه ورباعيته، وشجه في وجه فأثقله، فتراجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا فجعلوا يذبون عنه. فحمله منهم طلحة وسهل بن حنيف، فرمى طلحة بسهم ويبست يده. وقال بعض من فر إلى الجبل: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يستأمن لنا من أبي سفيان، فقال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قتل فرب محمد لم يقتل. فقاتلوا على ما قاتل عليه" ثم ذكر قصة قتله كما سيأتي قريبا. وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل فأراد رجل من أصحابه أن يرميه بسهم، فقال له: أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به واجتمعوا حوله وتراجع الناس. وسيأتي في باب مفرد ما يتعلق بمن شج وجهه عليه الصلاة والسلام. قوله: "فأصيب سبعون قتيلا" في رواية زهير "فأصابوا منها" أي من طائفة المسلمين. وفي رواية الكشميهني: "فأصابوا منا" وهي أوجه. وزاد زهير "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، وقد تقدم بسط القول في ذلك. وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي الضحى قال: "قتل يومئذ - يعني يوم أحد - سبعون: أربعة من المهاجرين حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان، وسائرهم من الأنصار". قلت: وبهذا جزم الواقدي. وفي كلام ابن سعد ما يخالف ذلك. ويمكن الجمع كما تقدم. وأخرج ابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن أبي بن كعب قال: "أصيب يوم أحد من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة، وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة. والسادس يوسف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس"، وذكر المحب الطبري عن الشافعي أن شهداء أحد اثنان وسبعون. وعن مالك خمسة وسبعون من الأنصار خاصة أحد وسبعون، وسرد أبو الفتح اليعمري أسماءهم فبلغوا ستة وتسعين، ومن المهاجرين أحد عشر وسائرهم من الأنصار، منهم من ذكره ابن إسحاق والزيادة من عند موسى بن عقبة أو محمد بن سعد أو هشام بن الكلبي. ثم ذكر عن ابن عبد البر وعن الدمياطي أربعة أو خمسة، قال فزادوا عن المائة. قال اليعمري: قد ورد في تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} أنها نزلت تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد، فإنهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين أسيرا في عدد من قتل. قال اليعمري: إن ثبتت فهذه الزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل. قلت: وهو الذي يعول عليه، والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي والنسائي من طريق الثوري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي "أن جبريل هبط فقال: خيرهم في أسارى بدر من

(7/351)


القتل أو الفداء على أن يقتل من قابل مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا" قال الترمذي حسن، ورواه ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلا. قلت: ورواه ابن عون عند الطبري، ووصلها من وجه آخر عنه، وله شاهد من حديث عمر عند أحمد وغيره، قال اليعمري: ومن الناس من يقول السبعين من الأنصار خاصة، وبذلك جزم ابن سعد. قلت: "وكأن الخطاب بقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ} للأنصار خاصة، ويؤيده قول أنس "أصيب منا يوم أحد سبعون" وهو في الصحيح بمعناه. قوله: "وأشرف أبو سفيان" أي ابن حرب، وكان رئيس المشركين يومئذ. قوله: "فقال أفي القوم محمد" زاد زهير ثلاث مرات في المواضع الثلاث. قوله: "فقال: لا تجيبوه" وقع في حديث ابن عباس "أين ابن أبي كبشة، أين ابن أبي قحافة، أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: ألا أجيبه؟ قال: بلى" وكأنه نهى عن إجابته في الأولى وأذن فيها في الثالثة. قوله: "فقال إن هؤلاء قتلوا" في رواية زهير "ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا". قوله: "أبقى الله عليك ما يخزيك" زاد زهير "إن الذي عددت لأحياء كلهم". قوله: "اعل هبل" في رواية زهير "ثم أخذ يرتجز: اعل هبل" قال ابن إسحاق: معنى قوله اعل هبل أي ظهر دينك. وقال السهيلي. معناه زاد علوا. وقال الكرماني: فإن قلت ما معنى اعل ولا علو في هبل؟ فالجواب هو بمعنى العلى، أو المراد أعلى من كل شيء ا هـ، وزاد زهير "قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال" بكسر المهملة وتخفيف الجيم، وفي حديث ابن عباس "الأيام دول والحرب سجال" وفي رواية ابن إسحاق أنه قال: أنعمت فعال إن الحرب سجال ا هـ. وفعال بفتح الفاء وتخفيف المهملة قالوا معناه أنعمت الأزلام، وكان استقسم بها حين خرج إلى أحد. ووقع في خبر السدي عمد الطبراني: اعل هبل، حنظلة بحنظلة، ويوم أحد بيوم بدر. وقد استمر أبو سفيان على اعتقاد ذلك حتى قال لهرقل لما سأله كيف كان حربكم معه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - كما تقدم بسطه في بدء الوحي، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان على ذلك، بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللفظة كما في حديث أوس بن أبي أوس عند ابن ماجه وأصله عند أبي داود" الحرب سجال" ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} بعد قوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} فإنها نزلت في قصة أحد بالاتفاق.
والقرح الجرح. وأخرج ابن أبي حاتم من مرسل عكرمة قال: "لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل جاء أبو سفيان فقال: الحرب سجال - فذكر القصة قال - فأنزل الله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} وزاد في حديث ابن عباس" قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا". قوله: "وتجدون" في رواية الكشميهني: "وستجدون". قوله: "مثلة" بضم الميم وسكون المثلثة، ويجوز فتح أوله. وقال ابن التين: بفتح الميم وضم المثلثة، قال ابن فارس: مثل بالقتل إذا جدعه، قال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان قال: "خرجت هند والنسوة منها يمثلن بالقتلى، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من ذلك حزما وقلائد، وأعطت حزمها وقلائدها - أي اللائي كن عليها - لوحشي جزاء له على قتل حمزة، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. قوله: "لم آمر بها، ولم تسؤني" أي لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري. وفي حديث ابن عباس: ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا، أدركته حمية الجاهلية فقال: أما إنه كان لم يكرهه. وفي رواية ابن إسحاق" والله ما رضيت وما سخطت، وما نهيت وما أمرت" وفي هذا الحديث من الفوائد منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما، إذ لم يسأل أبو سفيان عن

(7/352)


غيرهما. وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها. وفيه شؤم ارتكاب النهي، وأنه يعم ضرره من لم يقع منه، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وأن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه. واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها، والمبالغة في الطاعة، والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضا {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} إلى أن قال {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} .وقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .
4044- أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ "اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ"
الحديث الثالث قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار.قوله: "اصطبح الخمر يوم أحد ناس ثم قتلوا شهداء" سمي جابر منهم فيما رواه وهب بن كيسان عنه أباه عبد الله بن عمرو، أخرجه الحاكم في "الإكليل"، ودل ذلك على أن تحريم الخمر كان بعد أحد، وصرح صدقة بن الفضل عن ابن عيينة كما سيأتي في تفسير المائدة بذلك فقال في آخر الحديث: "وذلك قبل تحريمها" وقد تقدم التنبيه على شيء من فوائده في أول الجهاد.
4045- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ"
الحديث الرابع قوله: "حدثنا عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "عن سعد بن إبراهيم" أي ابن عبد الرحمن بن عوف. قوله: "أتي عبد الرحمن بن عوف بطعام" في رواية نوفل بن إياس أن الطعام كان خبزا ولحما، أخرجه الترمذي في "الشمائل". قوله: "وهو صائم" ذكر ابن عبد البر أن ذلك كان في مرض موته. قوله: "قتل مصعب بن عمير" تقدم نسبه وذكره في أول الهجرة، وأنه كان من السابقين إلى الإسلام وإلى الهجرة، وكان يقرئ الناس بالمدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قتله يوم أحد، وذكر ذلك ابن إسحاق وغيره. وقال ابن إسحاق: وكان الذي قتل مصعب بن عمير عمرو بن قمئة الليثي، فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال لهم: قتلت محمدا. وفي الجهاد لابن المنذر من مرسل عبيد بن عمير قال: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو متجعف على وجهه، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحديث. قوله: "وهو خير مني" لعله قال ذلك تواضعا. ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع من أبي بكر الصديق نظير ذلك، فذكر ابن هشام أن رجلا دخل على أبي بكر

(7/353)


الصديق وعنده بنت سعد بن الربيع وهي صغيرة فقال: من هذه؟ قال: هذه بنت رجل خير مني، سعد بن الربيع، كان من نقباء العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد. قوله: "كفن في بردة" تقدم شرحه في كتاب الجنائز. قوله: "وقتل حمزة" أي ابن عبد المطلب، ستأتي كيفية قتله في هذا الباب. قوله: "ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط" يشير إلى ما فتح لهم من الفتوح والغنائم وحصل لهم من الأموال، وكان لعبد الرحمن من ذلك الحظ الوافر. قوله: "وقد خشينا أن تكون حسناتنا" في رواية الجنائز "طيباتنا". وفي رواية نوفل بن إياس "ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا". قوله: "ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام" في رواية أحمد عن غندر عن شعبة "وأحسبه لم يأكله". وفي الحديث فضل الزهد، وأن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص، حسناته، وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت. وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لتقل رغبته فيها قال: وكان بكاء عبد الرحمن شفقا أن لا يلحق بمن تقدمه.
4046- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا قَالَ فِي الْجَنَّةِ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ".
4047- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ وَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْ خِرَ أَوْ قَالَ أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنْ الإِذْخِرِ وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا".
الحديث الخامس قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "قال رجل" لم أقف على اسمه، وزعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام وهو بضم المهملة وتخفيف الميم، وسبقه إلى ذلك الخطيب واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس "أن عمير بن الحمام أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا أحييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل". قلت: لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر، والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد، فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين، والله أعلم. وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الإسلام، والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله. حديث خباب، وقد تقدم شرحه في كتاب الجنائز، ويأتي أيضا بعد سبعة أبواب، ويأتي شرحه في كتاب الرقاق.
4048- أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ "غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ

(7/354)


فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ"
الحديث السابع قوله: "أخبرنا حسان بن حسان" هو أبو علي البصري نزيل مكة ويقال أيضا حسان بن أبي عباد، ووهم من جعله اثنين، وهو من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ثلاث عشر، وما له عنده سوى هذا الحديث وآخر في أبواب العمرة. ومحمد بن طلحة أي ابن مصرف بتشديد الراء المكسورة كوفي فيه مقال، إلا أنه لم ينفرد بهذا عن حميد، فقد تقدم في الجهاد من رواية عبد الأعلى بأتم من هذا السياق فيه عن حميد "سألت أنسا". قوله: "ليرين الله" بفتح التحتانية والراء ثم التحتانية وتشديد النون والله بالرفع، ومراده أن يبالغ في القتال ولو زهقت روحه. وقال أنس في رواية ثابت "وخشي أن يقول غيرها" أي غير هذه الكلمة، وذلك على سبيل الأدب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفي بما يقول فيصير كمن وعد فأخلف. قوله: "ما أجد" بضم أوله وكسر الجيم وتشديد الدال للأكثر من الرباعي، يقال أجد في الشيء يجد إذا بالغ فيه. وقال ابن التين: صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم، يقال أحد يجد إذا اجتهد في الأمر، أما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية، ولا معني لها هنا. قال وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال من الوجدان أي ما ألتقي من الشدة في القتال. قوله: "إني أجد ريح الجنة دون أحد" يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة. ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يئول بصاحبه إلى الجنة. قوله: "فمضى فقتل" في رواية عبد الأعلى "قال سعد بن معاذ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع". قلت. وهذا يشعر بأن أنس بن مالك إنما سمع هذا الحديث من سعد بن معاذ لأنه لم يحضر قتل أنس بن النضر، ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر. قوله: "فما عرف حتى عرفته أخته بشامة، أو ببنانه" كذا هنا بالشك والأول بالمعجمة والميم والثاني بموحدتين ونونين بينهما ألف والثاني هو المعروف وبه جزم عبد الأعلى في روايته وكذا وقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم. قوله: "وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم" ووقع في رواية عبد الأعلى بلفظ: "ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم"وليست "أو" للشك بل هي للتقسيم وزاد في روايته: "ووجدناه قد مثل به المشركون "وعنده" قال أنس: كنا نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى} إلى آخر الآية" وفي رواية ثابت المذكورة" قال أنس فنزلت هذه الآية {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه، وكذا وقع الجزم بأنها نزلت في ذلك عند المصنف في تفسير الأحزاب من طريق ثمامة عن أنس ولفظه: "هذه الآية نزلت في أنس بن النضر"

(7/355)


فذكرها، وفي الحديث جواز الأخذ بالشدة في الجهاد، وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة، والوفاء بالعهد، وتقدمت بقية فوائده في كتاب الجهاد.
4049- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ"
4050- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وَفِرْقَةً تَقُولُ لاَ نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} وَقَالَ إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ "
الحديث الثامن حديث زيد بن ثابت أورده مختصرا، وسيأتي تاما في فضائل القرآن مع شرحه. قوله: "عبد الله بن يزيد" هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير. قوله: "رجع ناس ممن خرج معه" يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأي النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة بالمدينة، فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج قال عبد الله بن أبي لأصحابه: أطاعهم وعصاني. علام نقتل أنفسنا؟ فرجع بثلث الناس. قال ابن إسحاق في روايته: فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا فقال: أبعدكم الله. قوله: "وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين" أي في الحكم فيمن انصرف مع عبد الله بن أبي. قوله: "فنزلت" هذا هو الصحيح في سبب نزولها. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ قال: "نزلت هذه الآية في الأنصار، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لي بمن يؤذيني؟ فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة، قال: فأنزل الله هذه الآية" وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه" أن قوما أتوا المدينة فأسلموا، فأصابهم الوباء فرجعوا، واستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم، فقال بعضهم: نافقوا. وقال بعضهم: لا، فنزلت: وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة مرسلا، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا. قوله: "وقال إنها طيبة تنفي الذنوب" كذا في هذه الرواية، وتقدم في الحج" تنفي الدجال" ويأتي في التفسير بلفظ: "تنفي الخبث" وهو المحفوظ، وقد سبق الكلام عليه في أواخر الحج مستوفى. قوله: "كما تنفي النار إلخ" هو حديث آخر تقدم في أواخر الحج، وقد فرقه مسلم حديثين، فذكر ما يتعلق بهذه القصة في" باب ذكر المنافقين" وهو في أواخر كتابه، وذكر قوله: "إنها طيبة إلخ" في فضل المدينة من أواخر كتاب الحج،

(7/356)


وهو من نادر صنيعه، بخلاف البخاري فإنه يقطع الحديث كثيرا في الأبواب.

(7/357)


باب قول الله تعالى {إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما}
...
18 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ}
4051- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا [122 آل عمران] {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}
[الحديث 4051- طرفه في: 4558]
4052- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ لاَ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: أَصَبْتَ "
4053- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ "حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ فَلَمَّا حَضَرَ جِزَازُ النَّخْلِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ فَقَالَ اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً"
قوله: "باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} الآية" الفشل بالفاء والمعجمة الجبن، وقيل الفشل في الرأي العجز، وفي البدن الإعياء وفي الحرب الجبن، والولي الناصر. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "نزلت هذه الآية فينا" أي في قومه بني سلمة وهم من الخزرج، وفي أقاربهم بني حارثة وهم من الأوس. قوله: "وما أحب أنها لم تنزل والله يقول: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} أي وإن الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم، قال ابن إسحاق: قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} أي الدافع عنهما ما هموا به من الفشل، لأن ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهم. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "تسع بنات" في رواية الشعبي" ست بنات" فكأن ثلاثا

(7/357)


باب قول الله تعالى {إن الذين تولوامنكم يوم إلتقى الجمعان}
...
19 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى[155 آل عمران] {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِإِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
4066 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ "جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقُعُودُ قَالُوا هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ قَالَ مَنْ الشَّيْخُ قَالُوا ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُحَدِّثُنِي قَالَ أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَبَّرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ اذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ"
قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد. وغفل من قال يوم بدر، لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين. نعم المراد بقوله تعالى:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وهي في سورة الأنفال يوم بدر، ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء {الْتَقَى الْجَمْعَانِ} المراد به يوم بدر. قوله: {اسْتَزَلَّهُمُ} أي زين لهم أن يزلوا، وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} قال ابن التين: يقال إن الشيطان
19 - باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى[155 آل عمران] {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِإِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
4066 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ "جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقُعُودُ قَالُوا هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ قَالَ مَنْ الشَّيْخُ قَالُوا ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُحَدِّثُنِي قَالَ أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَبَّرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِ نَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ اذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ "
قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد. وغفل من قال يوم بدر، لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين. نعم المراد بقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وهي في سورة الأنفال يوم بدر، ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء {الْتَقَى الْجَمْعَانِ} المراد به يوم بدر. قوله: {اسْتَزَلَّهُمُ} أي زين لهم أن يزلوا، وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} قال ابن التين: يقال إن الشيطان

(7/363)


ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتال قبل التوبة؟ ولم يكرهوه معاندة ولا نفاقا، فعفا الله عنهم. قلت: ولم يتعين ما قال، فيحتمل أن يكونوا فروا جبنا ومحبة في الحياة لا عنادا ولا نفاقا، فتابوا فعفا الله عنهم. ثم ذكر حديث ابن عمر في قصة عثمان، وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان، وقدمت أني لم أقف على اسمه صريحا، إلا أنه يحتمل يكون هو العلاء بن عرار. ثم رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم فليحرر. وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر، ثم وجدت الجزم بالعلاء بن عرار وهما بالمهملات وذلك في مناقب عثمان، ويأتي بأبسط من ذلك في تفسير {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} من سورة البقرة. وقوله في هذه الرواية: "أنشدك بحرمة هذا البيت" فيه جواز مثل هذا القسم عند أثر عبد الله بن عمر لكونه لم ينكر عليه، وسيأتي البحث في شيء من هذا في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى. قوله: "إني سائلك عن شيء، أتحدثني؟" زاد في رواية أبي نعيم المذكورة "قال: نعم".

(7/364)


باب قول الله تعالى {إذ تصعدون ولا تلون على أحد}
...
20 - باب
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [153 آل عمران] تُصْعِدُونَ: تَذْهَبُونَ. أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ
4067- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ {إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ}
قوله: "باب:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} إلى قوله: {بِمَا تَعْمَلُونَ} . قوله: "تصعدون تذهبون، أصعد وصعد فوق البيت" سقط هذا التفسير للمستملي، كأنه يريد الإشارة إلى التفرقة بين الثلاثي والرباعي، فالثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب. وقال بعض أهل اللغة: أصعد إذا ابتدأ السير. وقوله: {فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ} روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال: "كان الغم الأول حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل، والثاني لما انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصعدوا في الجبل فتذكروا قتل من قتل منهم فاغتموا" ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد: "وقوله: {لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} أي من الغنيمة {وَلا مَا أَصَابَكُمْ} أي من الجراح وقتل إخوانكم". وروى الطبري من طريق السري نحوه لكن قال: "الغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والثاني ما أصابهم من الجراح" وزاد قال: "لما صعدوا أقبل أبو سفيان بالخيل حتى أشرف عليهم فنسوا ما كانوا فيه من الحزن على من قتل منهما واشتغلوا بدفع المشركين". حديث البراء في قصة الرماة تقدم شرحه قريبا.

(7/364)


باب قول الله تعالى {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا}
...
21 - باب
{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ

(7/364)


باب قول الله تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم}
...
21 - باب
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ
4069- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
[الحديث 4069- أطرافه في: 7346,4559,4070]
4070- وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
قوله: "باب قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} أي بيان سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر في الباب سببين، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة، وسأذكر في آخر الباب سببا آخر. قوله: "وقال حميد وثابت عن أنس: شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أما حديث حميد فوصله أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به. وقال ابن إسحاق في المغازي" حدثني حميد الطويل عن أنس قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم

(7/365)


22 - باب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ
4071- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب وقال ثعلبة بن مالك "إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة,فبقي منها مرط جيد فقال له

(7/366)


بعض من عنده: يا أمير المؤمنين,أعط هذابنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك – يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر: أم سليط احق به وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القريب يوم أحد"
قوله: "باب ذكر أم سليط" بفتح المهملة وكسر اللام، ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط، وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد، وأم سليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجا لأبي سليط فمات عنها قبل الهجرة، فتزوجها مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد.

(7/367)


باب قتل حمزة بن عبدالمطلب
...
23 - باب قَتْلِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
4072- حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ "خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ قُلْتُ نَعَمْ وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لاَ وَاللَّهِ إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ قَالَ فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ أَلاَ تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ قَالَ نَعَمْ إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمَّا أَنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ قَالَ وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ قَالَ فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلاَمُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا فَقِيلَ لِي إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ الرُّسُلَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ آنْتَ وَحْشِيٌّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ قَدْ كَانَ مِنْ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي قَالَ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ

(7/367)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لاَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ"
قوله: "قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه" كذا لأبي ذر، ولغيره: "باب قتل حمزة" فقط، وللنسفي "قتل حمزة سيد الشهداء" وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الأصبغ بن نباته عن علي قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ". قوله: "حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله" أي ابن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي، روى عنه البخاري هنا وفي الطلاق، وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر، أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان، وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري، وليس له عنده سوى هذا الموضع. قوله: "عن عبد الله بن الفضل" هو ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين. قوله: "عن جعفر بن عمرو بن أمية" هو الضمري، وأبوه هو الصحابي المشهور، هذا هو المحفوظ، وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال: "عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أقبلنا من الروم" فذكر الحديث، والمحفوظ" عن جعفر بن عمرو قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي" وكذا أخرجه ابن إسحاق" عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال: خرجت أنا وعبيد الله" فذكره، وكذا أخرجه ابن عائذ في المغازي "عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو بن أمية قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي" وللطبراني من وجه آخر عن ابن جابر.قوله: "خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار" النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان، زاد أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله "فأدربنا" أي دخلنا درب الروم مجاهدين "فلما مررنا بحمص" وكذا في رواية ابن إسحاق. وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر "خرجت أنا وعبيد الله بن عدي غازيين الطائفة زمن معاوية، فلما قفلنا مررنا بحمص". قوله: "هل لك في وحشي" أي ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم. قوله: "نسأله عن قتل حمزة" في رواية الكشميهني: "فنسأله عن قتله حمزة" زاد ابن إسحاق كيف قتله؟ قوله: "فسألنا عنه، فقيل لنا" في رواية ابن إسحاق "فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه: إنه غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما، وإن تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه" وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه: "إن أدركتماه شاربا فلا تسألاه". قوله: "كأنه حميت" بمهملة وزن رغيف، أي زق كبير، وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا. وفي رواية لابن عائذ "فوجدناه رجلا سمينا محمرة عيناه" وفي رواية الطيالسي "فإذا به قد ألقي له شيء على بابه وهو جالس صاح" وفي رواية ابن إسحاق "على طنفسة له" وزاد:

(7/368)


"فإذا شيخ كبير مثل البغاث" يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها مما لا يصيد ولا يصاد. قوله: "معتجر" أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك. قوله: "يا وحشي أتعرفني" في رواية ابن إسحاق "فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال ابن العدي بن الخيار أنت؟ قال: نعم. فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له "أتعرفني". قوله: "أم قتال" بكسر القاف بعدها مثناة خفيفة. وفي رواية الكشميهني بموحدة، والأول أصح، وهي عمة عتاب بن أسيد أي ابن أبي العيص بن أمية. قوله: "أسترضع له" أي أطلب له من يرضعه، زاد في رواية ابن إسحاق "والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك، فلمعت لي قدمك حين رفعتك، فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها" وهذا يوضح قوله في رواية الباب: "فكأني نظرت إلى قدميك" يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو، وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة، فدل ذلك على ذكاء مفرط، ومعرفة تامة بالقيافة. قوله: "ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم" في رواية الطيالسي "فقال سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني". قوله: "فلما أن خرج الناس" أي قريش ومن معهم "عام عينين" أي سنة أحد وقوله: "عينين جبل بحيال أحد" أي من ناحية أحد، يقال فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة بعد تحتانية خفيفة أي مقابله، وهو تفسير من بعض رواته. والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده. قال ابن إسحاق: نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. قوله: "خرجت مع الناس إلى القتال" في رواية الطيالسي "فانطلقت يوم أحد معي حربتي، وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم، قال: وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلا حمزة، وعند ابن إسحاق: وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ. قوله: "خرج سباع" بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو ابن عبد العزى الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة وسكون الموحدة ثم معجمة، ذكر ابن إسحاق أن كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية. قوله: "فخرج إليه حمزة" في رواية الطيالسي "فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف، فهبته. وبادر إليه رجل من ولد سباع" كذا قال، والذي في الصحيح هو الصواب، وعند ابن إسحاق "فجعل يهد الناس بسيفه" وعند ابن عائذ "فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا، فقلت: من هذا؟ قالوا: حمزة. قلت: هذا حاجتي". قوله: "يا ابن أم أنمار" بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه، كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس. قوله: "مقطعة البظور" بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان، قال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء ا هـ والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم، وإلا قالوا خاتنة وذكر عمر بن شبة في "كتاب مكة" عن عبد العزيز بن المطلب أنها أم سباع وعبد العزى الخزاعي، وكانت أمة وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور. قوله: "أتحاد" بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند، وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد، ثم استعمل في المحاربة والمعاداة. وقوله: "كأمس الذاهب" هي كناية عن قتله أي صيره عدما. وفي رواية ابن إسحاق "فكأنما أخطأ رأسه" وهدا يقال عند المبالغة في الإصابة. قوله: "وكمنت" بفتح الميم أي اختفيت. وفي رواية ابن عائذ "عند شجرة" وعند ابن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة. قوله: "في ثنته" بضم المثلثة

(7/369)


وتشديد النون هي العانة، وقيل ما بين السرة والعانة، وللطيالسي "فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها، ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه، وذهب يقوم فلم يستطع" ا هـ والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة. والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح. قوله: "فلما رجع الناس" أي إلى مكة، زاد الطيالسي "فلما جئت عتقت" ولابن إسحاق "فلما قدمت مكة عتقت، وإنما قتلته لأعتق". قوله: "حتى فشا فيها الإسلام" في روية ابن إسحاق "فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف". قوله: "فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية ابن إسحاق "فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغمت علي المذاهب فقلت ألحق باليمن أو الشام أو غيرها. قوله: "رسلا" كذا لأبي ذر وأبي الوقت، ولغيرهما رسولا بالإفراد، كان أول من قدم من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عروة بن مسعود فأسلم، ورجع فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه، ثم ندموا فأرسلوا وفدهم - وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن مسلمة وعبد يا ليل بن عمرو بن عمير، هؤلاء الثلاثة من الأحلاف، وعثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف ونمير بن حرشة، وهؤلاء الثلاثة من بني مالك، ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا، وزاد ابن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا، وكان الستة رؤساءهم، وقيل كان الجميع سبعة عشر، قال وهو أثبت. قوله: "فقيل لي إنه لا يهيج الرسل" أي لا ينالهم منه إزعاج. وفي رواية الطيالسي "فأردت الهرب إلى الشام، فقال لي رجل: ويحك، والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه، قال فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق" وعند ابن إسحاق" فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه". قوله: "قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك" في رواية الطيالسي "فقال ويحك، حدثني عن قتل حمزة. قال فأنشأت أحدثه كما حدثتكما" وعند يونس بن بكير في المغازي عند ابن إسحاق قال: "فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي، فقال: دعوه فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر ". قوله: "فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني" في رواية الطيالسي "فقال غيب وجهك عني فلا أراك". قوله: "قال فخرجت" زاد الطيالسي "فكنت أتقي أن يراني". ولابن عائذ "فما رآني حتى مات". وعند الطبراني "فقال: يا وحشي، اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله". قوله: "فقلت لأخرجن إلى مسيلمة" في رواية الطيالسي "فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعث مع البعث فأخذت حربتي" ولابن إسحاق نحوه. قوله: "فأكافئ به حمزة" بالهمز أي أساويه به، وقد فسره بعد بقوله: "فقتلت خير الناس وشر الناس" قوله: "فكان من أمره ما كان" أي من محاربته، وقتل جمع من الصحابة في الواقعة التي كانت بينهم وبينه، ثم كان الفتح للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. قوله: "في ثلمة جدار" أي خلل جدار. قوله: "جمل أورق" أي لونه مثل الرماد، وكان ذلك من غبار الحرب. وقوله: "ثائر الرأس" أي شعره منتفش. قوله: "فوضعتها" في رواية الكشميهني: "فأضعها". قوله: "ووثب إليه رجل من الأنصار" هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل هو عدي بن سهل جزم به سيف في "كتاب الردة" وقيل أبو دجانة، وقيل زيد بن الخطاب الأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة. وأغرب وثيمة في "كتاب الردة" فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد النون ابن عبد الله، وأنشد له:

(7/370)


ألم تر أني ووحشيهم ... ضربنا مسيلمة المفتن
يسائلني الناس عن قتله ... فقلت ضربت وهذا طعن
فلست بصاحبه دونه ... وليس بصاحبه دون شن
وأغرب من ذلك ما حكى ابن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الأصم. قوله: "فضربه بالسيف على هامته" في رواية الطيالسي "فربك أعلم أينا قتله، فإن أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناس". قوله: "قال عبد الله بن الفضل" هو موصول بالإسناد المذكور أولا. وفي رواية الطيالسي "فقال سليمان بن يسار: سمعت ابن عمر يقول: "زاد ابن إسحاق في روايته: "وكان قد شهد اليمامة". قوله: "فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود" هذا فيه تأييد لقول وحشي إنه قتله، لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر لأن مسيلمة كان يدعي أنه نبي مرسل من الله، وكانوا يقولون له يا رسول الله ونبي الله، والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك، وأول من لقب به عمر، وذكر بعد قتل مسيلمة بمدة، فليتأمل هذا. وأما قول ابن التين: كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين، فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي "قال ابن عمر: كنت في الجيش يومئذ، فسمعت قائلا يقول في مسيلمة: قتله العبد الأسود" ولم يقل أمير المؤمنين، ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به، ولم يقصد إلى تلقيبه بذلك، والله أعلم. ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الإنكار على من أطلق أن عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال: قد تسمى به مسيلمة قبله، كما أخرجه البخاري في قصة وحشي، يشير إلى هذه الرواية. وتعقبه ابن الصلاح ثم النووي. قال النووي: وذكر ابن الصلاح أن الذي ذكره ابن دحية ليس بصحيح، فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة: وا أمير المؤمنين، ولا يلزم من ذلك تسميته بذلك ا هـ. واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له أمير المؤمنين عبد الله بن جحش، وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به، وإنما خوطب بذلك لأنه كان أول أمير في الإسلام على سرية. وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط، ومناقب كثيرة لحمزة، وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما. وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله، والحذر في الحرب، وأن لا يحتقر المرء منها أحدا، فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتي من قبله. وذكر ابن إسحاق قال: "حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مثل به، فقال: لولا أن تحزن صفية - يعني بنت عبد المطلب - وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير " زاد ابن هشام قال: "وقال لن أصاب بمثلك أبدا. ونزل جبريل فقال: إن حمزة مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله" وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال: رحمة الله عليك، لقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخير، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى . ثم حلف وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم ، فنزل القرآن {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الآية" وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند

(7/371)


والطبراني من حديث أبي بن كعب قال: "مثل المشركون بقتلى المسلمين، فقال الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم، فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل: لا قريش بعد اليوم، فأنزل الله {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفوا عن القوم ". وعند ابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس نحو حديث أبي هريرة باختصار. وقال في آخره: "فقال: بل نصبر يا رب" وهذه طرق يقوي بعضها بعضا.

(7/372)


24 - باب مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ
4073- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
4074- حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
[الحديث 4074- طرفه في: 4076]
4075- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ "أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لاَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَم بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ".
4076- حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال"اشتد غضب الله على من قتله نبي, واشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم"
قوله: "باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد" وقد تقدم شيء من ذلك في "باب قوله ليس لك من الأمر شيء" ومجموع ما ذكر في الأخبار أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ووهى منسكبة من ضربة ابن قمئة وجحشت ركبته. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها" وهذا مرسل قوي، ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة. قوله: "رباعيته" بفتح الراء وتخفيف الموحدة. قوله: "اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله" زاد سعيد بن منصور من مرسل عكرمة" يقتله رسول الله بيده" ولابن عائذ من

(7/372)


طريق الأوزاعي "بلغنا أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال: لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليكم العذاب من السماء . ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". حديث ابن عباس بمعنى الذي قبله، أورده من وجهين عن ابن جريج. ووقع هنا قبل حديث سهل بن سعد وبعده، ولعله قدم وأخر. قوله: "دموه1" بتشديد الميم أي جرحوه حتى خرج منه الدم. "تنبيه": حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس هذا من مراسيل الصحابة، فإنهما لم يشهدا الوقعة، فكأنما حملاها عمن شهدها أو سمعاها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك. قوله: "يعقوب" هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني. قوله: "فلما رأت فاطمة" هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوضح سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم فيما أخرجه الطبراني من طريقه سبب مجيء فاطمة إلى أحد ولفظه: "لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم، فكانت فاطمة فيمن خرج، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم، فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم". وله من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم" فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا، فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقأ الدم" وقال في آخر الحديث: "ثم قال يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله. ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وقال ابن عائذ أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأحد فجرحه في وجهه قال: خذها مني وأنا ابن قمئة، فقال: أقمأك الله. قال فانصرف إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل، فدخل فيها فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع" وفي الحديث جواز التداوي، وأن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من المراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
ـــــــ
1 الذي في المتن "دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم".

(7/373)


باب قول الله تعالى{الذين إستجابوا لله والرسول}
...
25 - باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [172 آل عمران]
4077- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قَالَتْ لِعُرْوَةَ يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ"
قوله: "باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} أي سبب نزولها، وأنها تتعلق بأحد، قال ابن إسحاق: كان أحد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج منه فأذن له، وإنما

(7/373)


خرج مرهبا للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم، فلما بلغ حمراء الأسد لقيه سعيد بن أبي معبد الخزاعي فيما حدثني عبد الله بن أبي بكر فعزاه بمصاب أصحابه، فأعلمه أنه لقي أبا سفيان ومن معه وهم بالروحاء وقد تلوموا في أنفسهما وقالوا: أصبنا جل أصحاب محمد وأشرافهم وانصرفنا قبل أن نستأصلهم، وهموا بالعود إلى المدينة، فأخبرهم معبد أن محمدا قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله ممن تخلف عنه بالمدينة، قال: فثناهم ذلك عن رأيهم فرجعوا إلى مكة. وعند عبد بن حميد من مرسل عكرمة نحو هذا. قوله: "حدثني محمد" هو ابن سلام. وقال أبو نعيم في مستخرجه: أراه ابن سلام. قوله: "عن عائشة الذين استجابوا" في الكلام حذف تقديره: عن عائشة أنها قرأت هذه الآية {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا} " أو أنها سئلت عن هذه الآية أو نحو ذلك. قوله: "كان أبوك منهم الزبير" أي الزبير بن العوام. قوله: "فانتدب منهم" أي من المسلمين. قوله: "سبعون رجلا" وقع في نسخة الصغاني "كان فيهم أبو بكر والزبير" ا هـ. وقد سمي منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وحذيفة وابن مسعود، أخرجه الطبري من حديث ابن عباس. وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولين، وعند عبد الرزاق من مرسل عروة ذكر ابن مسعود. وقد ذكرت عائشة في حديث الباب أبا بكر والزبير.

(7/374)


26 - باب مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْيَمَانُ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ
4078- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ "مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ قَالَ وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ"
4079- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا"
4080- وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَوْنِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَبْكِيهِ مَا زَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ"
4081- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ

(7/374)


عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُرَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللَّهُ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ"
4082- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
"هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطُّ وا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ أَوْ قَالَ أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الإِذْخِرِ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا"
قوله: "باب من قتل من المسلمين يوم أحد، منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير" أما حمزة فتقدم ذكره في باب مفرد، وأما اليمان وهو والد حذيفة فتقدم في آخر باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} وأما النضر بن أنس فكذا وقع لأبي ذر عن شيوخه، وكذا وقع عند النسفي، وهو خطأ والصواب ما وقع عند الباقين "أنس بن النضر" وقد تقدم ذكره في أوائل الغزوة على الصواب، فأما النضر بن أنس فهو ولده، وكان إذ ذاك صغيرا، وعاش بعد ذلك زمانا، وقد تقدم في هذه الأبواب ممن استشهد بها عبد الله بن عمرو والد جابر، ومن المشهورين عبد الله بن جبير أمير الرماة، وسعد بن الزبير ومالك بن سنان والد أبي سعيد وأوس بن ثابت أخو حسان وحنظلة بن أبي عامر المعروف بغسيل الملائكة وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر الصديق وعمرو بن الجموح، ولكل من هؤلاء قصة مشهورة عند أهل المغازي. قوله: "ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أغر" كذا للكشميهني بغين معجمة وراء، ولغيره بالمهملة والزاي. قوله: "قال قتادة" هو موصول بالإسناد المذكور، وأراد بذلك الاستدلال على صحة قول الأول. قوله: "قتل منهم يوم أحد سبعون" هذا هو المقصود بالذكر من هذا الحديث هنا، وظاهره أن الجميع من الأنصار، وهو كذلك إلا القليل. وقد سرد ابن إسحاق أسماء من استشهد من المسلمين بأحد فبلغوا خمسة وستين، منهم أربعة من المهاجرين: حمزة وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان ومصعب بن عمير، وأغفل ذكر سعد مولى حاطب، وقد ذكره موسى بن عقبة. وروى الحاكم في "الإكليل" وابن منده من حديث أبي بن كعب قال: "قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة" وصححه ابن حبان من هذا الوجه، ولعل السادس ثقيف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس فقد عده الواقدي منهم، وعد ابن سعد ممن استشهد بأحد من غير الأنصار الحارث بن عقبة بن قابوس المزني وعمه وهب بن قابوس وعبد الله وعبد الرحمن ابني الهبيب بموحدتين مصغر من بني سند بن ليث ومالكا والنعمان ابني خلف بن عوف الأسلميين قال: إنهما كانا طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلا. قلت: ولعل هؤلاء كانوا من حلفاء الأنصار فعدوا فيهم، فإن كانوا من غير المعدودين أولا فحينئذ تكمل العدة سبعين من الأنصار،

(7/375)


ويكون جملة من قتل من المسلمين أكثر من سبعين، فمن قال قتل منهم سبعون ألغى الكسر، والله أعلم. وقد تقدم في أول هذه الغزوة النقل عن ابن إسحاق وغيره أن الاختلاف في عدد من قتل من المسلمين يومئذ. قوله: "ويوم بئر معونة سبعون" سيأتي شرح ذلك قريبا، ويوضح أن الجميع لم يكونوا من الأنصار، بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ونافع بن ورقاء الخزاعي وغيرهما. قوله: "ويوم اليمامة سبعون" قد سرد أسماءهم الذين صنفوا في الردة كسيف ووثيمة. قوله: "وكان بئر معونة إلخ" قائل ذلك قتادة، قاله شرحا لحديث أنس، وقد بينه أبو نعيم في "المستخرج". قوله: "ويوم اليمامة على عهد أبي بكر ويوم مسيلمة الكذاب" كذا بالواو وهي زائدة لأن يوم اليمامة هو يوم مسيلمة. ووقع عند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس نحو حديث قتادة في عدة من قتل من الأنصار وزاد: ويوم مؤتة سبعون، وصححه أبو عوانة وأخرجه الحاكم في "الإكليل" ولفظه: "عن أنس أنه كان يقول: يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد، وسبعين يوم بئر معونة، وسبعين يوم مؤتة، وسبعين يوم مسيلمة" ثم أخرج من طريق إبراهيم بن المنذر أن هذه الزيادة خطأ. ثم أسند من وجهين عن سعيد بن المسيب فذكر بدل يوم مؤتة يوم جسر أبي عبيدة، قال إبراهيم بن المنذر: وهذا هو المعروف. قلت: وهي وقعة بالعراق كانت في خلافة عمر. قوله: "قدمه في اللحد" في حديث عبد الله بن ثعلبة عند ابن إسحاق" فكان يقول: انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه، وذكر ابن إسحاق ممن دفن جميعا عبد الله بن جحش وخاله حمزة بن عبد المطلب، ومن وجه آخر أنه أمر بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو والد جابر. قوله فيه "ولم يصل عليهم" تقدم الكلام عليه في الجنائز، وقد أجاب بعض الحنفية عنه بأنه ناف وغيره مثبت. وأجيب بأن الإثبات مقدم على النفي غير المحصور، وأما نفي الشيء المحصور إذا كان راويه حافظا فإنه يترجح على الإثبات إذا كان راويه ضعيفا كالحديث الذي فيه إثبات الصلاة على الشهيد، وعلى تقدير التسليم فالأحاديث التي فيها ذلك إنما هي في قصة حمزة فيحتمل أن يكون ذلك مما خص به حمزة من الفضل. وأجيب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال. ويجاب بأنه يوقف الاستدلال. قالوا: ويمكن الجمع بأنه لم يصل عليهم ذلك اليوم كما قال جابر ثم صلى عليهم ثاني يوم كما قال غيره. قوله: "وقال أبو الوليد عن شعبة" وصله الإسماعيلي: "حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد" بسنده. قوله: "لما قتل أبي" زاد في الجنائز "يوم أحد". قوله: "والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه" في رواية الإسماعيلي: "لا ينهاني". قوله: "لا تبكه" كذا هنا، وظاهره أنه نهى لجابر، وليس كذلك، وإنما هو نهي لفاطمة بنت عمرو عمة جابر، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ: "قتل أبي - فذكر الحديث إلى أن قال - وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكيه" وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز نحو هذا، ومن طريق ابن عيينة عن ابن المنكدر نحوه، والله أعلم. قوله: "أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم" كذا في الأصول "أرى" وهو بضم الهمزة بمعنى أطن، والقائل ذلك هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا، وقد ذكر هذه العبارة في هذا الحديث في علامات النبوة وفي التعبير وغيرهما، وأخرجه مسلم وأبو يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فلم يترددا فيه. قوله: "رأيت" في رواية الكشميهني: "أريت". قوله: "أني هززت سيفا" في رواية الكشميهني: "سيفي" وقد تقدم في أول الغزوة إنه ذو الفقار. قوله: "فانقطع صدره" عند ابن إسحاق "ورأيت في ذباب سيفي ثلما" وعند أبي الأسود في المغازي

(7/376)


عن عروة "رأيت سيفي ذا الفقار قد انقصم من عند ظبته" وكذا عند ابن سعد، وأخرجه البيهقي في "الدلائل" من حديث أنس، وسبق موصولا. وفي رواية عروة "كأن الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه المكرم" وعند ابن هشام "حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل ". قوله: "ورأيت فيها بقرا" بالموحدة والقاف. وفي رواية أبي الأسود عن عروة "بقرا تذبح" وكذا في حديث أبي عباس عند أبي يعلى. قوله: "والله خير" هذا من جملة الرؤيا كما جزم به عياض وغيره كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر، وفيه حذف تقديره وصنع الله خير، قال السهيلي: معناه رأيت يقرأ تنحر، والله عنده خير. قلت: في رواية ابن إسحاق وإني رأيت والله خيرا، رأيت بقرا. وهي أوضح، والواو للقسم والله بالجر وخيرا مفعول رأيت. وقال السهيلي: البقر في التعبير بمعنى رجال متسلحين يتناطحون. قلت: وفيه نظر، فقد رأى الملك بمصر البقر وأولها يوسف عليه السلام بالسنين. وقد وقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة "تأولت البقر التي رأيت بقرا يكون فينا، قال فكان ذلك من أصيب من المسلمين" ا هـ، وقوله بقر هو بسكون القاف وهو شق البطن، وهذا أحد وجوه التعبير أن يشتق من الاسم معني مناسب، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل وهو التصحيف فإن لفظ بقر مثل لفظ نفر بالنون والفاء خطا. وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث: "ورأيت بقرا منحرة - وقال فيه - فأولت أن الدرع المدينة والبقر نفر" هكذا فيه بنون وفاء، وهو يؤيد الاحتمال المذكور فالله أعلم. وسيأتي بقية لهذا في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. حديث خباب تقدم بهذا السند والمتن مع الكلام عليه.

(7/377)


باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أحد جبل يحبنا ونحبه"
...
27- باب أُحُدٌ جبل يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4084- حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ "
4084- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَ ذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا "
4085- حدثني عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت,ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم, وإني لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الرض – أو مفاتيح الأرض – وإني والله ماأخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها "
قوله: "باب أحد جبل يحبنا ونحبه" وقال السهيلي: سمي أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك، أو

(7/377)


لما وقع من أهله من نصر التوحيد. قوله: "قال عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم" هو طرف من حديث وصله البزار في الزكاة مطولا، وقد تقدم شرح ما فيه هناك، إلا ما يتعلق بأحد. ونسبه مغلطاي إلى تخريجه موصولا في كتاب الحج، وإنما خرج هناك أصله دون خصوص هذه الزيادة. قوله: "أخبرني أبي" هو علي بن نصر الجهضمي. قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه" ظهر من الرواية التي بعدها أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رآه في حال رجوعه من الحج ووقع في رواية أبي حميد أنه قال لهم ذلك لما رجع من تبوك وأشرف على المدينة قال: "هذه طابة، فلما رأى أحدا قال: هذا جبل يحبنا ويحبه" فكأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه ذلك القول. وللعلماء في معنى ذلك أقوال: أحدها: أنه على حذف مضاف والتقدير أهل أحد والمراد بهما الأنصار لأنهم جيرانه. ثانيها: أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر لقربه من أهله ولقياهم، وذلك فعل من يحب بمن يحب. ثالثها: أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا: "جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة" أخرجه أحمد. ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها، وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب "اسكن أحد" الحديث. وقال السهيلي: كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية. قال ومع كونه مشتقا من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك والله أعلم. وقد تقدم شيء من الكلام على قوله: "يحبنا ونحبه" في "باب من غزا بصبي للخدمة "من باب الجهاد. ثم ذكر المصنف حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على أهل أحد، وقد تقدم مع الكلام عليه في أول الباب. قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه" ظهر من الرواية التي بعدها أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رآه في حال رجوعه من الحج ووقع في رواية أبي حميد أنه قال لهم ذلك لما رجع من تبوك وأشرف على المدينة قال: "هذه طابة، فلما رأى أحدا قال: هذا جبل يحبنا ويحبه" فكأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه ذلك القول. وللعلماء في معنى ذلك أقوال: أحدها: أنه على حذف مضاف والتقدير أهل أحد والمراد بهما الأنصار لأنهم جيرانه. ثانيها: أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر لقربه من أهله ولقياهم، وذلك فعل من يحب بمن يحب. ثالثها: أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا: "جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة" أخرجه أحمد. ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها، وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب "اسكن أحد" الحديث. وقال السهيلي: كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية. قال ومع كونه مشتقا من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك والله أعلم. وقد تقدم شيء من الكلام على قوله: "يحبنا ونحبه" في "باب من غزا بصبي للخدمة" من باب الجهاد.

(7/378)


باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والفارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه
...
28 - باب غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ
وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ"
4086- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَقَالُوا لَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ فَأَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَلَمَّا أَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ

(7/378)


وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَانَتْ تَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ فَخَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنْ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ:
مَا أن أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ"
4087- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ "الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ"
قوله: "باب غزوة الرجيع" سقط لفظ: "باب" لأبي ذر. والرجيع بفتح الراء وكسر الجيم هو في الأصل اسم للروث، سمي بذلك لاستحالته. والمراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بقرب منه فسميت به. قوله: "ورعل وذكوان" أي غزوة رعل وذكوان، فأما رعل فبكسر الراء وسكون المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن لهيعة بن سليم وأما ذكوان فبطن. من بني سليم أيضا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما. قوله: "وبئر معونة" بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون: موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان، وهذه الوقعة تعرف بسرية القراء، وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين، وسيذكر ذلك في حديث أنس المذكور في الباب. قوله: "وحديث عضل والقارة" أما عضل فبفتح المهملة ثم المعجمة بعدها لام: بطن من بني الهول بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش بن محكم، وأما القارة فبالقاف وتخفيف الراء بطن من الهول أيضا ينسبون إلى الديش المذكور. وقال ابن دريد: القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها، ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي وقال الشاعر: قد انصف القارة من راماها وقصة العضل والقارة كانت في غزوة الرجيع لا في سرية بئر معونة وقد فصل بينهما ابن إسحاق فذكر غزوة

(7/379)


الرجيع في أواخر سنة ثلاث، وبئر معونة في أوائل سنة أربع، ولم يقع ذكر عضل والقارة عند المصنف صريحا، وإنما وقع ذلك عند ابن إسحاق فإنه بعد أن استوفى قصة أحد قال: "ذكر يوم الرجيع. حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث منهم ستة من أصحابه" فذكر القصة، وعرف بها بيان قول المصنف "قال ابن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد" وأن الضمير يعود على غزوة الرجيع لا على غزوة بئر معونة، وسأذكر ما عنده فيهما من فائدة زائدة في شرح حديث أبي هريرة في الباب. قوله: "وعاصم بن ثابت" أي ابن أبي الأقلح بالقاف والمهملة الأنصاري، وخبيب بالمعجمة والموحدة مصغر. قوله: "وأصحابه" يعني العشرة كما ستذكره في حديث أبي هريرة. "تنبيه" سياق هذه الترجمة يوهم أن غزوة الرجيع وبئر معونة شيء واحد وليس كذلك كما أوضحته، فغزوة الرجيع كانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة، وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين وهي مع رعل وذكوان، وكأن المصنف أدرجها معها لقربها منها، ويدل على قربها منها ما في حديث أنس من تشريك النبي صلى الله عليه وسلم بين بني لحيان وبني عصية وغيرهم في الدعاء عليهم. وذكر الواقدي أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة، ورجح السهيلي أن رواية البخاري أن عاصم كان أميرهم أرجح، وجمع غيره بأن أمير السرية مرثد، وأن أمير العشرة عاصم بناء على التعدد. ولم يرد المصنف أنهما قصة واحدة والله أعلم. قوله: "عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي" هكذا يقول معمر ووافقه شعيب وآخرون، وقد تقدم مستوفى في الجهاد بأتم من هذا، وإبراهيم بن سعد يقول عن الزهري عن عمر بضم العين، كذا أخرجه ابن سعد عن معن بن عيسى عنه، وكذا قال الطيالسي عن إبراهيم، وبذلك جزم الذهلي في "الزهريات"، لكن وقع في غزو بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد "عمرو" بفتح العين، وأخرجه أبو داود عن موسى المذكور فقال: "عمر" كذا قال ابن أخي الزهري ويونس من رواية الليث عنه عن الزهري عن عمر، قال البخاري في تاريخه عمرو أصح، وقد ذكرت ما فيه في غزوة بدر. قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية" في رواية الكشميهني: "بسرية" بزيادة موحدة في أوله. وفي رواية إبراهيم بن سعد التي مضت في غزوة بدر "بعث عشرة عينا يتجسسون له" وفي رواية أبي الأسود عن عروة، "بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش" وذكر الواقدي أن سبب خروج بني لحيان عليهم قتل سفيان بن نبيح الهذلي، قلت: وكان قتل سفيان المذكور على يد عبد الله بن أنيس، وقصته عند أبي داود بإسناد حسن، وذكر ابن إسحاق أنهم كانوا ستة وسماهم وهم: عاصم بن ثابت المذكور، ومرثد بن أبي مرثد، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة وهو بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون، وعبد الله بن طارق، وخالد بن البكير. وجزم ابن سعد بأنهم كانوا عشرة وساق أسماء الستة المذكورين وزاد: معتب بن عبيد قال: وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه، وكذا سمي موسى بن عقبة السبعة المذكورين لكن قال: معتب بن عوف. قلت: فلعل الثلاثة الآخرين كانوا أتباعا لهم فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم. قوله: "وأمر عليهم عاصم بن ثابت" كذا في الصحيح وفي السيرة أن الأمير عليهم كان مرثد بن أبي مرثد، وما في الصحيح أصح. قوله: "حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة" تقدم في غزوة بدر حتى إذا كانوا بالهدأة وهي للأكثر بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة، وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة، وعند ابن إسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال: وهي على سبعة أميال من عسفان. قوله:

(7/380)


"وهو جد عاصم بن عمر" تقدم أنه خال عاصم لا جده، وأن الرواية المتقدمة يمكن ردها إلى الصواب بأن يقرأ جد بالكسر، وأما هذه فلا حيلة فيها. وقد أخذ بظاهرها بعضهم فقال: تزوج عمر جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما. قوله: "يقال لهم بنو لحيان" بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة ولحيان هو ابن هذيل نفسه وهذيل هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر. وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم. قوله: "فتبعوهم بقريب من مائة رام" في رواية شعيب في الجهاد" فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل "والجمع بينهما واضح بأن تكون المائة الأخرى غير رماة، ولم أقف على اسم أحد منهم. قوله: "فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر" في رواية أبي معشر في مغازيه "فنزلوا بالرجيع سحرا فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة بالأرض، وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النواة فأنكرت صغرها وقالت: هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها أتيتم، فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل". قوله: "حتى لحقوهم" في رواية ابن سعد فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم. قوله: "لجئوا إلى فدفد" بفاءين مفتوحتين ومهملتين الأولى ساكنة وهي الرابية المشرفة، ووقع عند أبي داود إلى قردد بقاف وراء ودالين، قال ابن الأثير: هو الموضع المرتفع، ويقال: الأرض المستوية. والأول أصح. قوله: "فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا" في رواية ابن سعد فقالوا لهم "إما والله ما نريد قتالكم إنما تريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة". قوله: "فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر" في مرسل بريدة بن سفيان عن سعيد بن منصور "فقال عاصم: اليوم لا أقبل عهدا من مشرك". قوله: "فقال اللهم أخبر عنا رسولك" في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سند "فاستجاب الله لعاصم، فأخبر رسوله خبره، فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا" وفي رواية بريدة "فقال عاصم: اللهم إني أحمي لك دينك، فاحمي لي لحمي" وسيأتي ما يتعلق بذلك في آخر الكلام على الحديث. قوله: "في سبعة" أي في جملة سبعة. قوله: "وبقي خبيب وزيد ورجل آخر" في رواية ابن إسحاق "فأما خبيب بن عدي بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا" وعرف منه تسمية الرجل الثالث وأنه عبد الله بن طارق. وفي رواية أبي الأسود عن عروة أنهم صعدوا في الجبل فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق. قوله: "فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر إلخ" وهو يقتضي أن ذلك وقع منه أول ما أسروهم، لكن في رواية ابن إسحاق "فخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن الطارق يده وأخذ سيفه" فذكر قصة قتله، فيحتمل أنهم إنما ربطوهم بعد أن وصلوا إلى مر الظهران، وإلا فما في الصحيح أصح. قوله: "حتى باعوهما بمكة" في رواية ابن إسحاق وابن سعد" فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه" وعند ابن سعد أن الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان. قوله: "فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل" بين ابن إسحاق أن الذي تولى شراءه هو حجين بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر لأمه. وفي رواية بريدة بن سفيان أنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء. وقال ابن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة، ويمكن الجمع. قوله: "وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر" كذا وقع في حديث أبي هريرة، واعتمد البخاري على ذلك فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا، وهو اعتماد متجه، لكن تعقبه الدمياطي بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر

(7/381)


وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن أساف، وهو غير خبيب بن عدي، وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي والله أعلم. قلت: يلزم من الذي قال ذلك رد هذا الحديث الصحيح، فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ما كان لاعتناء الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى ولا بقتله، مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به، لكن يحتمل أن يكون قتلوه بخبيب بن عدي لكون خبيب بن أساف قتل الحارث على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض، ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث، والعلم عند الله تعالى. قوله: "فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله" في رواية ابن سعد فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما. وفي رواية بريدة بن سفيان فأساءوا إليه في إساره، فقال لهم: ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم، قال فأحسنوا إليه بعد ذلك، وجعلوه عند امرأة تحرسه. وروى ابن سعد من طريق موهب مولى آل نوفل قال قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي: يا موهب أطلب إليك ثلاثا، أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب، وأن تعلمني إذا أرادوا قتلي. قوله: "حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى" هكذا وقعت هذه القصة مدرجة في رواية معمر، وكذا إبراهيم بن سعد كما تقدم في غزوة بدر، وقد وصلها شعيب في روايته كما تقدم في الجهاد" قال: فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى" ووقع في الأطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث، وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا، وقيل: امرأته. وعبيد الله بن عياض المذكور قال الدمياطي: أغفله من صنف في رجال البخاري قلت: لكن ترجم له المزي وذكر أنه تابعي روي عن عائشة وغيرها، وروى عنه الزهري وعبد الله بن عثمان بن خثيم وغيرهما، والقائل "فأخبرني" هو الزهري، ووهم من زعم أنه عمرو بن أبي سفيان، وعند ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح قال: "حدثت مارية مولاة حجين بن أبي إهاب وكانت قد أسلمت قالت: حبس خبيب في بيتي، ولقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه" فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من مارية وزينب رأت القطف في يده يأكله، وأن التي حبس في بيتها مارية والتي كانت تحرسه زينب جمعا بين الروايتين، ويحتمل أن يكون الحارث أبا لمارية من الرضاع، ووقع عند ابن بطال أن اسم المرأة جويرية، فيحتمل أن يكون لما رأى قول ابن إسحاق إنها مولاة حجين بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمة، أو يكون وقع له رواية فيها أن اسمها جويرية. وقوله: "موسى" يجوز فيه الصرف وعدمه، وقوله: "ليستحد بها" في رواية بريدة بن سفيان "ليستطيب بها" والمراد أنه يحلق عانته. قوله: "قالت فغفلت عن صبي لي" ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث من عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث، وهو من أقران الزهري. وفي رواية بريدة بن سفيان "وكان لها ابن صغير، فأقبل إليه الصبي فأخذه فأجلسه عنده، فخشيت المرأة أن يقتله فناشدته" وعند أبي الأسود عن عروة "فأخذ خبيب بيد الغلام فقال: هل أمكن الله منكم؟ فقالت ما كان هذا ظني بك، فرمى لها الموسى وقال: إنما كنت مازحا" وفي رواية بريدة بن سفيان "ما كنت لأغدر" وعند ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح وعاصم بن عمر جميعا أن مارية قالت: "قاله لي خبيب حين حضره القتل: ابعثي لي بحديدة أتطهر بها، قالت فأعطيته غلاما من الحي" قال ابن هشام. يقال إن الغلام ابنها.

(7/382)


ويجمع بين الروايتين بأنه طلب الموسى من كل من المرأتين، وكان الذي أوصله إليه ابن إحداهما، وأما الابن الذي خشيت عليه ففي رواية هذا الباب: "فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه" فهذا غير الذي أحضر إليه الحديدة. والله أعلم. قوله: "لقد رأيته يأكل من قطف عنب، وما بمكة يومئذ ثمرة" القطف بكسر القاف العنقود. وفي رواية ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح كما تقدم "وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل". قوله: "وما كان إلا رزق رزقه الله" في رواية ابن سعد "رزقه الله خبيبا" وفي رواية شعيب وثابت "تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا" قال ابن بطال: هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال: فأما من يدعي وقوع ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له، إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة، فأي معنى لإظهار الآية عندهم؟ ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة، إلى أن قال. إلا أن وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا، مثل أن يكرم الله عبدا بإجابة دعوة في الحين، ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي، ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته انتهى. والحاصل أن ابن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا، والممتنع ما يقلب الأعيان مثلا، والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا، لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال، ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك، وهذا أعدل المذاهب في ذلك، فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة، فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري، وتعين تقييد قول من أطلق أن كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي، ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهو غلط ممن يقوله، فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق. قوله: "فلما خرجوا به من الحرم" بين ابن إسحاق أنهم أخرجوه إلى التنعيم. قوله: "دعوني أصل" كذا للكشميهني بغير ياء، ولغيره بثبوت الياء ولكل وجه، ولموسى بن عقبة أنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم. قوله: "لزدت" في رواية بريدة بن سفيان" لزدت سجدتين أخريين". قوله: "ثم قال: اللهم أحصهم عددا" زاد في رواية إبراهيم بن سعد "واقتلهم بددا" أي متفرقين "ولا تبق منهم أحدا" وفي رواية بريدة بن سفيان "فقال خبيب: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه" وفيه فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء قال: فلبد رجل بالأرض خوفا من دعائه" فقال: "اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا" قال فلم يحل الحول ومنهم أحد حي غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض. وحكى ابن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان قال: "كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب" وفي رواية أبي الأسود عن عروة "ممن حضر ذلك أبو إهاب بن عزيز والأخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم السلمي وأمية بن

(7/383)


عتبة بن همام" وعنده أيضا: "فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأخبر أصحابه بذلك" وعند موسى بن عقبة "فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس: وعليك السلام يا خبيب، قتلته قريش". قوله: "ما إن أبالي" هكذا للأكثر وللكشميهني: "فلست أبالي" وهو أوزن، والأول جائز لكنه مخروم، ويكمل بزيادة الفاء، وما نافية وإن بعدها بكسر الهمزة نافية أيضا للتأكيد. وفي رواية شعيب للكشميهني: "وما إن أبالي" بزيادة واو، ولغيره: "ولست أبالي" وقوله: "وذلك في ذات الإله" الكلام على هذه اللفظة في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. قوله: "أوصال شلو ممزع" الأوصال جمع وصل وهو العضو، والشلو بكسر المعجمة الجسد، وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد، والممزع بالزاي ثم المهملة المقطع، ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع. وعند أبي الأسود عن عروة زيادة في هذا الشعر:
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وفيه:
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
وساقها ابن إسحاق ثلاثة عشر بيتا، قال ابن هشام: ومنهم من ينكرها لخبيب: قوله: "ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله" سيأتي البحث فيه في الحديث الذي بعده. وفي رواية أبي الأسود عن عروة" فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: لا والله العظيم، ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه". قوله: "وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر" لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط، فإن عاصما قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر. ووقع عند ابن إسحاق، وكذا في رواية بريدة بن سفيان أن عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة العبدري، وكان عاصما قتلهما يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه، فمنعته الدبر، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون قريش لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدبر لها من أخذ رأس عاصم، فأرسلت من يأخذه، أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الدبر تركته فيتمكنوا من أخذه. قوله: "مثل الظلة من الدبر" الظلة بضم المعجمة السحابة، والدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة الزنابير، وقيل ذكور النحل ولا واحد له من لفظه. وقوله: "فحمته" بفتح المهملة والميم أي منعته منهم. قوله: "فلم يقدروا منه على شيء" في رواية شعبة "فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئا" وفي رواية أبي الأسود عن عروة "فبعث الله عليهم الدبر تطير في وجوههم وتلدغهم، فحالت بينهم وبين أن يقطعوا" وفي رواية ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو عن قتادة قال: "كان عاصم بن ثابت أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا، فكان عمر يقول لما بلغه خبره: يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته" وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل، أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة له أن يستأمن، قال الحسن البصري: لا بأس بذلك. وقال سفيان الثوري: أكره ذلك، وفيه الوفاء للمشركين بالعهد، والتورع عن قتل أولادهم، والتلطف بمن أريد قتله، وإثبات كرامة الأولياء، والدعاء على المشركين بالتعميم، والصلاة عند القتل، وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل ودلالة على

(7/384)


قوة يقين خبيب وشدته في دينه، وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه، ولو شاء ربك ما فعلوه. وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حيا وميتا وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل. وإنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه. وفيه ما كان عليه مشركو قريش من تعظيم الحرم والأشهر الحرم. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة" زاد سعيد بن منصور عن سفيان" واسمه عقبة بن الحارث "ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان مدرجا، وهذا خالف فيه جماعة من أهل السير والنسب فقالوا: أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث، حتى قال أبو أحمد العسكري: من زعم أنهما واحد فقد وهم وذكر ابن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث قال: "ما أنا قتلت خبيبا لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله".
4088- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ"
4089- حدثنا مسلم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس قال "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب"
4090- حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ زَادَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا كِتَابًا نَحْوَهُ"
4091- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ

(7/385)


أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ فَقَالَ يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ فَقَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ فَقَالَ أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنْ الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
4092- حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ "أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ"
الحديث الثالث, وهو أول حديث بئر معونة وجميعها عن أنس. قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة" فسر قتادة الحاجة كما سيأتي قريبا بقوله: "أن رعلا وغيرهم استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار "وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم أسلموا واستمدوا على قومهم. وفي هذا رد على من قال رواية قتادة وهم، وأنهم لم يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الذي استمدهم عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. ولا مانع أن يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ويكون قصدهم الغدر بهم، ويحتمل أن يكون الذين استمدوا غير الذين استمدهم عامر بن الطفيل وإن كان الكل من بني سليم. وفي رواية عاصم آخر الباب عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أقواما إلى ناس من المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد" ويحتمل أنه لم يكن استمدادهم لهم لقتال عدو، وإنما هو للدعاء إلى الإسلام. وقد أوضح ذلك ابن إسحاق قال: "حدثني أبي عن المغيرة بن عبد الرحمن وغيره قال: قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة على رسول صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم، فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان ورافع بن بديل بن ورقاء وعروة بن أسماء وعامر بن فهيرة وغيرهم من خيار المسلمين" وكذلك أخرج هذه القصة موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم نحوه، لكن لم يسم المذكورين. ووصله الطبري من وجه آخر

(7/386)


عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك عن كعب، ووصلها أيضا ابن عائذ من حديث ابن عباس لكن بسند ضعيف، وهي عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مختصرا ولم يسم أبا براء، بل قال: "إن ناسا" ويمكن الجمع بينه وبين الذي في الصحيح بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة أتباعا. ووهم من قال كانوا ثلاثين فقط. وذكر المصنف في مرسل عروة أن عامر بن الطفيل أسر عمرو بن أمية يوم بئر معونة، وهو شاهد لمرسل ابن إسحاق. قوله: "يقال لهم القراء" قد بين قتادة في روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل. وفي رواية ثابت" ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون". قوله: "فعرض لهم حيان" بالمهملة والتحتانية تثنية حي أي جماعة من بني سليم. قوله: في رواية قتادة "أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان" ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم، وإنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه. قوله: "قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إن ذلك "أي القرآن "رفع" أي نسخت تلاوته. وفي الرواية المتقدمة "ثم رفع بعد ذلك" ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ: "ثم نسخ ذلك". قوله: "زاد خليفة" هو ابن خياط وهو أحد شيوخ البخاري. قوله: "قرآنا كتابا نحوه" أي نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع. قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة "عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا" قد سماه في هذه الرواية حراما، وكذا في رواية ثمامة عن أنس التي بعدها، والضمير في خاله لأنس، وقد قال في الرواية الأخرى الآتية عن ثمامة عن أنس "لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله" وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قال: وحرام خاله من الرضاعة يجوز أن يكون من جهة النسب، كذا قاله. قوله في رواية إسحاق "وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل" أي ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك. قوله: "خير" بفتح أوله وحذف المفعول أي خير النبي صلى الله عليه وسلم، وبينه البيهقي في "الدلائل" من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه: "وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أخيرك بين ثلاث خصال" فذكر الحديث. ووقع في بعض النسخ "خير" بضم أوله، وخطأها ابن قرقول. قوله: "بألف وألف" في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء. قوله: "غدة كغدة البكر" يحوز فيه الرفع بتقدير أصابتني غدة أو غدة بي، ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيرة، والغدة بضم المعجمة من أمراض الإبل وهو طاعونها. قوله: "في بيت امرأة من آل بني فلان" بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال: "امرأة من آل سلول" وبين قدوم عامر بن الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال فيه: "لأغزونك بألف أشقر وألف شقراء" وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر، وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه أبي براء وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال: "اللهم اكفني عامرا" فجاء إلى بيت امرأة من بني سلول. قلت: سلول امرأة، وهي بنت ذهل بن شيبان، وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها. قوله: "فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج" كذا هنا على أنها صفة حرام، وليس كذلك بل الأعرج غيره، وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد" فانطلق حرام ورجلان منه أعرج من بني فلان" فالذي يظهر أن الواو في قوله: "وهو" قدمت سهوا من الكاتب، والصواب تأخيرها، وصواب الكلام: فانطلق حرام هو ورجل أعرج، فأما الأعرج فاسمه كعب بن زيد، وهو من بني دينار بن النجار، وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح

(7/387)


الخزرجي سماهما ابن هشام في زيادات السيرة. ووقع في بعض النسخ" هو ورجل أعرج" وهو الصواب. قوله: "فإن آمنوني كنتم" وقع هنا بطريق الاكتفاء، ووقع في رواية عثمان بن سعيد المذكور" فإن آمنوني كنتم كذا" ولعل لفظة كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم أي كذا وقع بطريق الاكتفاء، ولأبي نعيم في "المستخرج" من طريق عبيد الله بن زيد المقري عن همام" فإن آمنوني كنتم قريبا مني" فهذه رواية مفسرة. قوله: "فجعل يحدثهم" في رواية الطبري من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة" فخرج حرام فقال: يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، فآمنوا بالله ورسوله، فخرج رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر". قوله: "فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه" لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه، ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله، لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم، وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما ما أخرجه المستغفري في "الصحابة" من طريق القاسم عن أبي أمامة" عن عامر بن الطفيل أنه قال: يا رسول الله زودني بكلمات، قال: يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام، واستحي من الله، وإذا أسأت فأحسن" الحديث فهو أسلمي، ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل العامري، وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري عن طريق عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: "حدثني عمي عامر بن الطفيل" فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي، ووافق اسمه واسم أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم. قوله: "قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، فلحق الرجل فقتلوا كلهم" أشكل ضبط قوله: "فلحق الرجل" في هذا السياق فقيل: يحتمل أن يكون المراد بالرجل الذي كان رفيق حرام، وفيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين. ويحتمل أن يكون المراد به قاتل حرام، والتقدير فطعن حراما فقال: فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم. يحتمل أن يكون "فلحق" بضم اللام والرجل هو حرام أي لحقه أجله، أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه، ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل. والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم، وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم. والله أعلم. قوله: "فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل" في رواية حفص بن عمر عن همام في كتاب الجهاد" فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل "قال همام "وآخر معه" وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه" فقتلوا أصحابه غير الأعرج وكان في رأس الجبل". قوله: "ثم كان من المنسوخ" أي المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك. قوله: في رواية ثمامة "وكان خاله" أي خال أنس. قوله: "قال بالدم هكذا" هو من إطلاق القول على الفعل، وقد فسره بأنه نضح الدم. قوله: "فزت ورب الكعبة" أي بالشهادة.
4093- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى فَقَالَ لَهُ أَقِمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

(7/388)


أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنِّي لاَرْجُو ذَلِكَ قَالَتْ فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ فَقَالَ أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ا لصُّحْبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَأَعْطَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْجَدْعَاءُ فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهُوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلاَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّعَاءِ فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هَذَا فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لاَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْماءَ بْنِ الصَّلْتِ فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا"
4094- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".
4095- حدثنا يحيى بن بكار حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صحابيا حين يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال أنس: فأنزل الله تعالى لنبيه في الين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد: بلغوا قومنا, فقد لقينا ربنا, فرضي عنا ورضينا عنه".
3096- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قُلْتُ فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ قَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ نَاسًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا إِلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ قِبَلَهُمْ فَظَهَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ"

(7/389)


قوله: "عن عائشة قالت: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج" يعني في الهجرة، وقد تقدم شرح الحديث مستوفي بطوله في أبواب الهجرة، وإنما ذكر منه هاهنا هذه القطعة من أجل ذكر عامر بن فهيرة لينبه أنه كان من السابقين. قوله فيه "فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة" في رواية الكشميهني: "أخي عائشة" وهما جائزان الأولى على القطع والثانية على البدل. وفي قوله: "عبد الله بن الطفيل" نظر وكأنه مقلوب والصواب كما قال الدمياطي الطفيل بن عبد الله بن سخبرة، وهو أزدي من بني زهران، وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة، فقدما في الجاهلية مكة فخالف أبا بكر، ومات وخلف الطفيل، فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فالطفيل أخوهما من أمهما، واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل. قوله: "وعن أبي أسامة" هو معطوف على قوله: "حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة" وإنما فصله ليبين الموصول من المرسل، وكأن هشام بن عروة حدث به عن أبيه هكذا فذكر قصة الهجرة موصولة بذكر عائشة فيه، وقصة بئر معونة مرسلة ليس فيه ذكر عائشة. ووجه تعلقه به من جهة ذكر عامر بن فهيرة، فإنه ذكر في شأن الهجرة أنه كان معهم، وفيه: "فلما خرجا - أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر - خرج معهم" أي إلى المدينة، وقوله يعقبانه بالقاف أي يركبانه عقبة، وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي، هذا الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في العقبة، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا يركبه مرة وهذا يركبه أخرى، ولو كان كذلك لكان التعبير بيردفانه أظهر. قوله: "فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة" هذا آخر الحديث الموصول، ثم ساق هشام بن عروة عن أبيه صفة قتل عامر بن فهيرة مرسلة، وقد وقع عند الإسماعيلي والبيهقي في "الدلائل" سياق هذه القصة في حديث الهجرة موصولا به مدرجا، والصواب ما وقع في الصحيح. قوله: "لما قتل الذين ببئر معونة" أي القراء الذين تقدم ذكرهم "وأسر عمرو بن أمية الضمري" قد ساق عروة ذلك في المغازي من رواية أبي الأسود عنه، وفي روايته: "وبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق، فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه، إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه" وفي رواية ابن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه. قوله: "قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل" في رواية الواقدي بإسناده عن عروة "أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم". قوله: "هذا عامر بن فهيرة" وهو مولى أبي بكر المذكور في حديث الهجرة. قوله: "لقد رأيته بعدما قتل" في رواية عروة المذكورة "فأشار عامر بن الطفيل إلى رجل فقال: هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه". قوله: "ثم وضع" أي إلى الأرض. وذكر الواقدي في روايته أن الملائكة وارته ولم يره المشركون، وهذا واقع عند ابن المبارك عن يونس عن الزهري، وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب للكفار وتخويف. وفي رواية عروة المذكورة" وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن سلمى، ذكر أنه لما طعنه قال: فزت والله قال: فقلت في نفسي: ما قوله فزت؟ فأتيت الضحاك بن سفيان فسألته فقال: بالجنة. قال: فأسلمت، ودعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فهيرة" انتهى. وجبار بالجيم والموحدة مثقل معدود في الصحابة، ووقع في ترجمة عامر بن فهيرة في "الاستيعاب" أن عامر بن الطفيل قتله، وكأن نسبته له على سبيل التجوز لكونه كان رأس القوم. قوله: "فأتى النبي

(7/390)


صلى الله عليه وسلم خبرهم" قد ظهر من حديث أنس أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل. وفي رواية عروة المذكورة فجاء خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة. قوله: "وأصيب فيهم يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت" أي ابن أبي حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف. قوله: "فسمي عروة به "قيل المراد ابن الزبير، كان الزبير سمي ابنه عروة لما ولد له باسم عروة بن أسماء المذكور، وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضعة عشر عاما، وقد يستبعد هذا بطول المدة وبأنه لا قرابة بين الزبير وعروة بن أسماء. قوله: "ومنذر بن عمرو" أي ابن أبي حبيش بن لوذان من بني ساعدة من الخزرج، وكان عقبيا بدريا من أكابر الصحابة "سمي به منذرا" كذا ثبت بالنصب، والأول سمي به منذر كما تقدم تقريره في الذي قبله، أي أن الزبير سمى ابنه منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا، فيحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل وهو محذوف والمراد به الزبير، أو المراد به أبو أسيد لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بابن لأبي أسيد فقال: ما اسمه؟ قالوا: فلان، قال: بل هو المنذر. قال النووي في شرح مسلم: قالوا إنه سماه المنذر تفاؤلا باسم عم أبيه المنذر بن عمرو، وكان استشهد ببئر معونة، فتفاءل به ليكون خلفا منه، وهذا مما يؤيد البحث الذي ذكرته في عروة. ويحتمل أن يوجه النصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام الفاعل كما قرئ {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ومن المناسبة هنا أن عروة بن الزبير هو عروة ابن أسماء بنت أبي بكر، وكأنه لما كان عروة ابن أسماء ناسب أن يسمى باسم عروة ابن أسماء، ولما سمي الزبير ابنه باسم أحد الرجلين المشهورين ناسب أن يسمى الآخر باسم الثاني. قوله: "حدثني محمد" هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك. قوله: "عن أبي مجلز" بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد، وروايته هذه مختصرة لما ظهر من رواية إسحاق بن أبي طلحة التي تقدمت، وكذلك رواية مالك عن إسحاق التي بعد هذه مختصرة بالنسبة إلى رواية همام عن إسحاق المتقدمة. قوله: "حدثنا عبد الواحد" هو ابن زياد. قوله: "فإن فلانا" كأنه محمد بن سيرين، وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب الوتر. قوله: "إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم، فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد" هكذا ساقه هنا، وقوله قبلهم بكسر القاف وفتح الموحدة واللام أي من جهتهم، وأورده في آخر كتاب الوتر عن مسدد عن عبد الواحد بلفظ: "إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد" وليس المراد من ذلك أيضا بواضح، وقد ساقه الإسماعيلي مبينا فأورده يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه ولفظه: "إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد" فظهر أن الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين، وقد بين ابن إسحاق في المغازي عن مشايخه وكذلك موسى بن عقبة عن ابن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الأسنة وأن الطائفة الأخرى من بني سليم، وأن عامر بن الطفيل وهو ابن أخي ملاعب الأسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بني عامر إلى قتالهم، فامتنعوا وقالوا: لا تخفر ذمة أبي براء. فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم، وذكر لحسان شعرا يعيب فيه أبا براء ويحرضه على قتال عامر بن الطفيل فيما صنع فيه، فعمد ربيعة بن أبي براء إلى عامر بن الطفيل فطعنه فأرداه، فقال له عامر بن الطفيل: إن عشت نظرت في أمري، وإن مت فدمي لعمي، قالوا: ومات أبو براء عقب ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل، وعاش عامر بن

(7/391)


الطفيل بعد ذلك ومات بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمته. ووقع في آخر الحديث في الدعوات" فقنت شهرا في صلاة الفجر وقال: إن عصية عصت الله ورسوله" وعصية بطن من بني سليم مصغر قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم.

(7/392)


29 - باب غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهِيَ الأَحْزَابُ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ
4097- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ"
4098- حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ"
4099- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
4100- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
قَالَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُجِيبُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الْآخِرَهْ فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ قَالَ يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنْ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ".
قوله: "باب غزوة الخندق وهي الأحزاب" يعني أن لها اسمين، وهو كما قال، والأحزاب جمع حزب أي طائفة، فأما تسميتها الخندق فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر

(7/392)


أصحاب المغازي منهم أو معشر قال: "قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة، وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه، وجاء المشركون فحاصروهم" وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين، وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم، وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الأحزاب، وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال: "خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثمر خيبر، فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب". وذكر ابن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف، قال: وكان المسلمون ثلاثة آلاف، وقيل: كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف، وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين يوما، ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة، وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته كما سيأتي. وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم، وأن نعيم بن مسعود الأشجعي ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا، وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا، وكفى الله المؤمنين القتال. قوله: "قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع" هكذا رويناه في مغازيه. قلت: وتابع موسى على ذلك مالك، وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه. وقال ابن إسحاق. كانت في شوال سنة خمس، وبذلك جزم غيره من أهل المغازي، ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة وقواه بما أخرجه أول أحاديث الباب من قول ابن عمر أنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة ويوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فيكون بينهما سنة واحدة. وأحد كانت سنة ثلاث، فيكون الخندق سنة أربع، ولا حجة فيه إذا ثبت أنها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر في أحد كان في أول ما طعن في الرابعة عشر وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة، وبهذا أجاب البيهقي، ويؤيد قول ابن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد: موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر، فتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ. وقال لقومه إنما يصلح الغزو في سنة الخصب، فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عسفان أو دونها، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي. وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى، وأن غزوة أحد كانت في الثانية، وأن الخندق كانت في الرابعة وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية وأحد في الثالثة والخندق في الخامسة وهو المعتمد. ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا: قوله: "عرضه يوم أحد" عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك. قوله: "وهو ابن أربع عشرة سنة" في رواية مسلم: "عرضني يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة" وقد تقدم مع شرحه ومباحثه في كتاب الشهادات بما يغني

(7/393)


عن إعادته وقوله: "فأجازه" أي أمضاه وأذن له في القتال. وقال الكرماني: أجازه من الإجازة وهي الأنفال أي أسهم له، قلت: والأول أولى، ويرد الثاني هنا أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل. وفي حديث أبي واقد الليثي" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز ورد من رد إلى الذراري" فهذا يوضح أن المراد بالإجازة الإمضاء للقتال، لأن ذلك كان في مبدأ الأمر قبل حصول الغنيمة أن لو حصلت غنيمة، والله أعلم. قوله: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون" قد تقدم ذكر السبب في حفر الخندق في مغازي ابن عقبة، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم أخذ في حفر الخندق حول المدينة ووضع يده في العمل معهم مستعجلين يبادرون قدوم العدو، وكذا ذكر ابن إسحاق نحوه، وعند موسى أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة، وعند الواقدي أربعا وعشرين، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما، وفي الهدي لابن القيم أقاموا شهرا. قوله: "ونحن ننقل التراب على أكتادنا" بالمثناة جمع كتد بفتح أوله وكسر المثناة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، وقد تقدم في الجهاد من حديث أنس بلفظ: "على متونهم" والمتن مكتف الصلب بين اللحم والعصب، ووهم ابن التين فعزا هذه اللفظة لحديث سهل بن سعد. ووقع في بعض النسخ "على أكبادنا" بالموحدة وهو موجه على أن يكون المراد به ما يلي الكبد من الجنب. قوله: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" قال ابن بطال. هو قول ابن رواحة، يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا، قال: وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم النسب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك، كذا قال وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد، وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء الإسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية أنا أقدم من العروض، يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه. وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب:
قد كان شعر الورى قديما ... من قبل أن يخلق الخليل
وقال الداودي فيما نقله ابن التين: إنما قال ابن رواحة "لا هم إن العيش" بلا ألف ولام، فأورد بعض الرواة على المعنى، كذا قال وحمله على ذلك ظنه أنه يصير بالألف واللام غير موزون، وليس كذلك بل يكون دخله الخزم ومن صوره زيادة شيء من حروف المعاني في أول الجزء. قوله: "فاغفر للمهاجرين والأنصار" في حديث أنس بعده "فاغفر للأنصار والمهاجرة" وكلاهما غير موزون، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك، ولعل أصله فاغفر للأنصار والمهاجرة بتسهيل لام الأنصار وباللام في المهاجرة، وفي الرواية الأخرى "فبارك" بدل فاغفر. حديث أنس، أورده من وجهين في الثاني زيادة. قوله: "ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك" أي أنهم عملوا فيه بأنفسهم لاحتياجهم إلى ذلك لا لمجرد الرغبة في الأجر. قوله: "فلما رأى ما بهم من النصب والجوع" فيه بيان لسبب قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن العيش عيش الآخرة" وعند الحارث بن أبي أسامة من مرسل طاوس زيادة في هذا الرجز:
والعن عضلا والقارة ... هم كلفونا ننقل الحجارة
والأول غير موزون أيضا ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة، وفي الطريق الثانية لأنس أنه قال ذلك جوابا

(7/394)


لقولهم نحن الذين بايعوا محمدا إلخ، ولا أثر للتقديم والتأخير فيه لأنه يحمل على أنه كان يقول إذا قالوا ويقولون إذا قال، وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطا في العمل، وبذلك جرت عادتهم في الحرب، وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز. قوله: "نحن الذين بايعوا" هو صفة الذين لا صفة نحن. قوله: "على الجهاد ما بقينا أبدا" في رواية عبد العزيز على الإسلام بدل الجهاد والأول أثبت. "تنبيه": تقدم طريق عبد العزيز سندا ومتنا في أوائل الجهاد سوى قوله: "قال يؤتون إلخ" وسيأتي بعد أحاديث من حديث البراء أنه كان يقول: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا". قوله: "قال يؤتون" قائل ذلك أنس بن مالك، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. قوله: "بملء كفي" روي بالإفراد والتثنية "فيصنع لهم الشعير" أي يطبخ، وقوله: "بإهالة" بكسر الهمزة وتخفيف الهاء: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما. وأغرب الداودي فقال: الإهالة وعاء من جلد فيه سمن. وقوله: "سنخة" أي تغير طعمها ولونها من قدمها، ولهذا وصفها بكونها بشعة. وقوله: بشعة بموحدة ومعجمة وعين مهملة، وقيل بنون وغين معجمة، والنشغ الغثى أي أنهم كان يحصل لهم عند ازدرادها شبيه بالغثى، والأول أصوب. وقوله: "في الحلق" هو بالحاء المهملة. قوله: "ولها ريح منتن" يدل على أنها عتيقة جدا حتى عفنت وأنتنت. وفي رواية الإسماعيلي: "ولها ريح منكر" قال ابن التين: الصواب ريح منتنة لأن الريح مؤنثة، قال: إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر. ومنتن بضم الميم ويجوز كسرها.
4101- حَدَّثَنَا خَلاَدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "أَتَيْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ أَنَا نَازِلٌ ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ فَذَبَحَتْ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَجِينُ قَدْ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْتُ طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ قَالَ كَمْ هُوَ فَذَكَرْتُ لَهُ قَالَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ قَالَ قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعْ الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ فَقَالَ قُومُوا فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ قَالَتْ هَلْ سَأَلَكَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ ".
4102- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ

(7/395)


سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِهَلّكُمْ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ"
الحديث الرابع قوله: "عن أبيه" في رواية يونس بن بكير في زيادات المغازي" عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي". قوله: "أتيت جابرا فقال إنا يوم الخندق" في رواية الإسماعيلي من طريق المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه "قال قلت لجابر بن عبد الله حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرويه عنك فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق". قوله: "فعرضت كيدة" كذا لأبي ذر بفتح الكاف وسكون التحتانية، قيل: هي القطعة الشديدة الصلبة من الأرض. وقال عياض: كأن المراد أنها واحدة الكيد كأنهم أرادوا أن الكيد - وهي الجبلة - أعجزهم فلجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أحمد عن وكيع عن عبد الواحد بن أيمن "وهاهنا كدية من الجبل" وفي رواية الإسماعيلي: "فعرضت كدية" وهي بضم الكاف وتقديم الدال على التحتانية، وهي القطعة الصلبة الصماء. ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني "كندة" بنون، وعند ابن السكن "كتدة" بمثناة من فوق قال عياض: لا أعرف لهما معنى. وفي رواية الإسماعيلي: "فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه كدية قد عرضت في الخندق" وزاد في روايته: "فقال: رشوها بالماء فرشوها". قوله: "أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر" زاد يونس "من الجوع" وفي رواية أحمد "أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم بطنه حجرا من الجوع" وفائدة ربط الحجر على البطن أنها تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك فإذا وضع فوقها الحجر وشد عليها العصابة استقام الظهر. وقال الكرماني: لعله لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر، ولأنها حجارة رقاق قدر البطن تشد الأمعاء فلا يتحلل شيء مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل. قوله: "ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا" هي جملة معترضة أوردها لبيان السبب في ربطه صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه، وزاد الإسماعيلي: "لا نطعم شيئا أو لا نقدر عليه". قوله: "فأخذ المعول" بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو بعدها لام أي

(7/396)


المسحاة. وفي رواية أحمد" فأخذ المعول أو المسحاة" بالشك. قوله: "فضرب" في رواية الإسماعيلي: "ثم سمي ثلاثا ثم ضرب" وعند الحارث بن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قال: "ضرب النبي صلى الله عليه وسلم: في الخندق ثم قال:
بسم الله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
فحبذا ربا وحب دينا
قوله: "فعاد كثيبا" أي رملا. قوله: "أهيل أو أهيم" شك من الراوي، في رواية الإسماعيلي: "أهيل" بغير شك، وكدا عند يونس. وفي رواية أحمد" كثيبا يهال" والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك، قال الله تعالى: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} أي رملا سائلا، وأما "أهيم" فقال عياض ضبطها بعضهم بالمثلثة وبعضهم بالمثناة وفسرها بأنها تكسرت، والمعروف بالتحتانية وهي بمعنى أهيل، وقد قال في قوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} المراد الرمال التي لا يرويها الماء، وقد تقدم الخلاف في تفسيرها في كتاب البيوع. ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال. "لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله ، فضرب ضربة فكسر ثلثها. وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض . ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله ؛ فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة " وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو نحوه، وأخرجه البيهقي مطولا من طريق كثير بن عبد الرحمن بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وفي أوله "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع - وفيه - فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن نعدل عنها فقلنا. حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلنا إليه سلمان - وفيه - فضرب ضربة صدع الصخرة وبرق منها برقة فكبر وكبر المسلمون - وفيه - رأيناك تكبر فكبرنا بتكبيرك فقالا: إن البرقة الأولى أضاءت لها قصور الشام، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم - وفي آخره - ففرح المسلمون واستبشروا" وأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه. قوله: "فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت" زاد أبو نعيم في "المستخرج" فأذن لي، وفي المسند من زيادات عبد الله بن أحمد من حديث ابن عباس" احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة؟ قال رجل: نعم، قال: أما لا فتقدم " الحديث، وكأنه جابر، ويؤخذ من هذه النكتة في قوله: "ائذن لي يا رسول الله". قوله: "فقلت لامرأتي" اسمها سهيلة بنت مسعود الأنصارية. قوله: "عندي شعير" بين يونس بن بكير في روايته أنه صاع. قوله: "وعناق" بفتح العين المهملة وتخفيف النون هي الأنثى من المعز. وفي رواية سعيد بن ميناء التي تلو هذه" فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن" أي سمينة، والداجن التي تترك في البيت ولا تفلت للمرعى، ومن شأنها أن تسمن. وفي رواية أحمد من طريق سعيد بن ميناء" سمينة". قوله: "فذبحت" بسكون المهملة وضم التاء، وقوله: "طحنت" بفتح المهملة وفتح النون، فالذي ذبح هو جابر، وامرأته هي التي طحنت. وفي رواية سعيد عند أحمد" فأمرت امرأتي فطحنت لنا الشعير وصنعت لنا منه خبزا". قوله: "والعجين قد انكسر"

(7/397)


أي لان ورطب وتمكن منه الخمير. قوله: "والبرمة بين الأثافي" بمثلثة وفاء أي الحجارة التي توضع عليها القدر وهي ثلاثة. قوله: "حتى جعلنا" في رواية الكشميهني: "حتى جعلت". قوله: "في البرمة" بضم الموحدة وسكون الراء. قوله: "طعيم" بتشديد التحتانية على طريقة المبالغة في تحقيره، قالوا: من تمام المعروف تعجيله وتحقيره، قال ابن التين ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط. قوله: "فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان "في رواية يونس "ورجلان" بالجزم. وفي رواية سعيد بعد هذه "فقم أنت ونفر معك" وفي رواية أحمد "وكنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده". قوله: "فقال: قوموا، فقام المهاجرون" في رواية يونس "فقال للمسلمين جميعا قوموا" وهي أوضح، فإن الأحاديث تدل على أنه لم يخص المهاجرين بذلك، فكأن المراد فقام المهاجرون ومن معهم، وخصهم بالذكر لشرفهم، وفي بقية الحديث ما يؤيد هذا فإنه قال: "فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار". قوله: "قالت هل سألك؟ قال نعم. فقال: ادخلوا "في هذا السياق اختصار، وبيانه في رواية يونس" قال فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وقلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت، جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين، فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، ونحن قد أخبرناه بما عندنا، فكشف عني غما شديدا" وفي الرواية التي تلي هذه" فجئت امرأتي فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت". وكان قد ذكر في أوله أنها" قالت له لا تفضحني برسول الله وبمن معه، فجئت فساررته" ويجمع بينهما بأنها أوصته أولا بأن يعلمه بالصورة، فلما قال لها إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته، فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بإمكان خرق العادة، ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها. وقد وقع لها مع جابر في قصة التمر "أن جابرا أوصاها لما زارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف نادته: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك ، فعاتبها جابر، فقالت له: أكنت تظن أن الله يورد رسوله بيتي ثم يخرج ولا أسأله الدعاء" أخرجه أحمد بإسناد حسن في حديث طويل، ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر في نحو هذه القصة أنها قالت لجابر" فارجع إليه فبين له، فأتيته فقلت: يا رسول الله، إنما هي عناق وصاع من شعير، قال: فارجع فلا تحركن شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها، واستعر صحافا". قوله: "ولا تضاغطوا" بضاد معجمة وغير معجمة وطاء مهملة مشالة، أي لا تزدحموا، وفي الرواية التي بعدها" فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك". قوله: "ويخمر البرمة" أي يغطيها. قوله: "ثم ينزع" أي يأخذ اللحم من البرمة. وفي رواية سعيد التي تلو هذه" فقال ادع خابزة فلتخبز معك" أي تساعدك، وقوله: "واقدحي من برمتك" أي اغرفي، والمقدحة المغرفة. وفي رواية أبي الزبير عن جابر "وأقعدهم عشرة عشرة فأكلوا". قوله: "وبقي بقية" في رواية سعيد "فأقسم بالله لأكلوا - أي لقد أكلوا - حتى تركوه وانحرفوا" بالحاء المهملة والفاء أي رجعوا. وفي رواية يونس بن بكير" فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعون، ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا". قوله: "كلي هذا وأهدي" بهمزة قطع فعل أمر للمرأة من الهدية، ثم بين سبب ذلك بقوله: "فإن الناس أصابتهم مجاعة" وفي رواية يونس "كلي وأهدي، فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع" وفي رواية أبي الزبير عن جابر "فأكلنا نحن وأهدينا لجيراننا، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك" وقد تقدم في علامات النبوة حديث أنس في تكثير الطعام القليل أيضا في قصة أخرى بما يغني

(7/398)


عن الإعادة. قوله: "أبو عاصم" هو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، وقد روى عنه هنا بواسطة، وهو من كبار شيوخه، فكأن هذا فاته سماعه منه كغيره من الأحاديث التي يدخل بينه وبينه فيها واسطة. قوله: "خمصا" بمعجمة وميم مفتوحتين وصاد مهملة وقد تسكن الميم وهو خموص البطن. قوله: "فانكفيت" بفاء مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة أي انقلبت، وأصله انكفأت بهمزة وكأنه سهلها. قوله: "إن جابرا قد صنع سورا" بضم المهملة وسكون الواو بغير همز، هو هنا الصنيع بالحبشية وقيل: العرس بالفارسية، ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة، وأما الذي بالهمز فهو البقية. قوله: "فحي هلا بكم" هي كلمة استدعاء فيها حث، أي هلموا مسرعين. ووقع في رواية القابسي "أهلا بكم" بزيادة ألف والصواب حذفها. قوله: "وهم ألف" أي الذين أكلوا. وفي رواية أبي نعيم في "المستخرج" فأخبرني أنهم كانوا تسعمائة أو ثمانمائة. وفي رواية عبد الواحد بن أيمن عند الإسماعيلي: "كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة" وفي رواية أبي الزبير "كانوا ثلاثمائة" والحكم للزائد لمزيد علمه، لأن القصة متحدة. قوله: "وانحرفوا" أي مالوا عن الطعام. قوله: "لتغط" بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي تغلي وتفور.
4103- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} قَالَتْ كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ"
4104- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوْ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا أَبَيْنَا
4105- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ"
4106- حدثني أحمد حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثنى إبراهيم بن يوسف قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يحدث قال "لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه – وكان كثير الشعر – فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحه وهو ينقل من التراب يقول:

(7/399)


اللهم لَوْلاَ أنت مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وإن أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
قال" ثم يمد صوته بآخرها"
4107- حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ"
الحديث السادس قوله: "عن عائشة رضي الله عنها {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} قالت: "كان ذلك يوم الخندق" هكذا وقع مختصرا، وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: عيينة بن حصن. {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} : أبو سفيان بن حرب. وبين ابن إسحاق في المغازي صفة نزولهم قال: نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة، ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، والخندق بينه وبين القوم، وجعل النساء والذراري في الآطام، قال: وتوجه حيي بن أخطب إلى بني قريظة فلم يزل بهم حتى غدروا كما سيأتي بيانه في الباب الآتي، وبلغ المسلمين غدرهم فاشتد بهم البلاء، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي عيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا، فمنعه من ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقالا كنا نحن وهم على الشرك لا يطمعون منا في شيء من ذلك، فكيف نفعله بعد أن أكرمنا الله عز وجل بالإسلام وأعزنا بك؟ نعطيهم أموالنا، ما لنا بهذا من حاجة، ولا نعطيهم إلا السيف. فاشتد بالمسلمين الحصار، حتى تكلم معتب بن قشير وأوس بن قيظي وغيرهما من المنافقين بالنفاق، وأنزل الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} الآيات قال: وكان الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان، قال ابن إسحاق في روايته: ولم يقع بينهم حرب إلا مراماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر منه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي فقتله، وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير فقتله، ويقال قتله علي، ورجعت بقية الخيول منهزمة. وروى البيهقي في "الدلائل" من طريق زيد بن أسلم" أن رجلا قال لحذيفة: أدركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندركه، فقال: يا بن أخي، والله لا تدري لو أدركته كيف تكون، لقد رأيتنا ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. من يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة ، فوالله ما قام أحد، فقال لنا الثانية. جعله الله رفيقي ، فلم يقم أحد. فقال أبو بكر: ابعث حذيفة، فقال: اذهب ، فقلت أخشى أن أؤسر، قال: إنك لن تؤسر ، فذكر أنه انطلق، وأنهم تجادلوا، وبعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفأته" ومن طريق عمرو بن سريع بن حذيفة نحوه وفيه: "إن علقمة بن علاثة صار يقول: يا آل

(7/400)


عامر، إن الريح قاتلتي وتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم" وروى الحاكم من طريق عبد العزيز ابن أخي حذيفة عن أبي حذيفة قال: "لقد رأيتنا ليلة الأحزاب وأبو سفيان ومن معه من فوقنا، وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا أشد ظلمة ولا ريحا منها، فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون: إن بيوتنا عورة، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال: اذهب فأتني بخبر القوم ، قال: فدعا لي فأذهب الله عني القر والفزع، فدخلت عسكرهم فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا، فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا: أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه القوم" وأصل هذا الحديث عند مسلم باختصار، وسيأتي في الحديث الذي يليه شيء يتعلق بحديث عائشة. قوله: "عن البراء" سيأتي بعد حديث ابن عباس الطريق الأخرى لحديث البراء، وفيه تصريح أبي إسحاق بسماعه له من البراء. قوله: "حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه" كذا وقع بالشك بالغين المعجمة فيهما، فأما التي بالموحدة فواضح من الغبار، وأما التي بالميم فقال الخطابي: إن كانت محفوظة فالمعنى وارى التراب جلدة بطنه، ومنه غمار الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل بعضهم في بعض، قال: وروى أعفر بمهملة وفاء، والعفر بالتحريك التراب. وقال عياض: وقع للأكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة فمنهم من ضبطه بنصب بطنه ومنهم من ضبطه برفعها، وعند النسفي" حتى غبر بطنه أو اغبر" بمعجمة فيهما وموحدة، ولأبي ذر وأبي زيد "حتى أغمر" قال ولا وجه لها إلا أن يكون بمعنى ستر كما في الرواية الأخرى" حتى وارى عني التراب بطنه" قال: وأوجه هذه الروايات اغبر بمعجمة وموحدة وبرفع بطنه. قلت: وفي حديث أم سلمة عند أحمد بسند صحيح" كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاطيهم اللبن يوم الخندق، وقد اغبر شعر صدره" وفي الرواية الآتية "حتى وارى عني الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر" وظاهر هذا أنه كان كثير شعر الصدر، وليس كذلك فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن، فيمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي لم يكن منتشرا بل كان مستطيلا والله أعلم. قوله: "يقول: والله لولا الله ما اهتدينا" بين في الرواية التي بعد هذه أن هذا الرجز من كلام عبد الله بن رواحة، وقوله: "إن الألى قد بغوا علينا" ليس بموزون، وتحريره أن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي الألى بمعني الذين وحذف قد، وزعم ابن التين أن المحذوف "قد" و "هم" قال: والأصل أن الألى هم قد بغوا علينا، وهو يتزن بما قال. لكن لا يتعين. وذكره بعض الرواة في مسلم بلفظ: "أبوا" بدل بغوا ومعناه صحيح، أي أبوا أن يدخلوا في ديننا. ووقع في الطريق الثانية لحديث البراء "إن الألى قد رغبوا علينا" كذا للسرخسي والكشميهني وأبي الوقت والأصيلي، وكذا في نسخة ابن عساكر، وللباقين "قد بغوا" كالأولى. وأما الأصيلي فضبطها بالغين المثقلة والموحدة، وضبطها في "المطالع" بالغين المعجمة، وضبطت في رواية أبي الوقت كذا لكن بزاي أوله والمشهور ما في "المطالع". قوله: "ورفع بها صوته: أبينا أبينا" كذا للأكثر بموحدة وفي آخر الرواية الآتية قال: "ثم يمد صوته بآخرها" وهو يبين أن المراد بقوله: "أبينا" ما وقع في آخر القسم الأخير وهو قوله: "إذا أرادوا فتنة أبينا" ويحتمل أن يريد ما وقع في القسم الأخير وهو قوله: "إنا إذا صيح بنا أبينا" فإنه روي بالوجهين، ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة: "أتينا" بمثناة بدل الموحدة، والأصيلي والسجزي بمثناة، قال عياض: كلاهما صحيح المعنى، أما الأول فمعناه إذا صيح بنا لفزع أو حادث أبينا الفرار وثبتنا، وأما الثاني فمعناه جئنا

(7/401)


وأقدمنا على عدونا. قال: والرواية في هذا القسم بالمثناة أوجه لأن إعادة الكلمة في قوافي الرجز عن قرب عيب معلوم عنده، فالراجح أن قوله: "إذا أرادوا فتنة أبينا" بالموحدة، وقوله: "إنا إذا صيح بنا أتينا" بالمثناة، والله أعلم. ووقع في بعض النسخ" وإن أرادونا على فتنة أبينا" وهو تغيير. قوله: "نصرت بالصبا" بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وهي الريح الشرقية، والدبور هي الريح الغربية، وروى أحمد من حديث أبي سعيد قال. "قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء تقوله؟ قد بلغت القلوب الحناجر، قال: نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. قال: فضرب الله وجوه أعدائنا بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح" وروى ابن مردويه في التفسير من طريق أخرى عن ابن عباس أيضا قال: "قالت الصبا للشمال: اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن الحرائر لا تهب بالليل، فغضب الله عليها فجعلها عقيما" وفي رواية له من هذا الوجه" فكانت الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبا" وقد تقدم في الاستسقاء ذكر النكتة في تخصيص الدبور بعاد والصبا بالمسلمين، وعرف بهذا وجه إيراد المصنف هذا الحديث هنا، وأن الله نصر نبيه في غزوة الخندق بالريح، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال مجاهد: سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم، ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم. وذكر ابن إسحاق في سبب رحيلهم" أن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يعلم به قومه، فقال له: خذل عنا. فمضى إلى بني قريظة - وكان نديما لهم - فقال: قد عرفتم محبتي، قالوا: نعم. فقال: إن قريشا وغطفان ليست هذه بلادهم، وإنهم إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا رجعوا إلى بلادهم وتركوكم في البلاء مع محمد، ولا طاقة لكم به. قالوا: فما ترى؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا رهنا منهم. فقبلوا رأيه. فتوجه إلى قريش فقال لهم: إن اليهود ندموا على الغدر بمحمد فراسلوه في الرجوع إليه، فراسلهم بأنا لا نرضي حتى تبعثوا إلى قريش فتأخذوا منهم رهنا فاقتلوهم. ثم جاء غطفان بنحو ذلك. قال: فلما أصبح أبو سفيان بعث عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة بأنا قد ضاق بنا المنزل ولم نجد مرعى، فأخرجوا بنا حتى نناجز محمدا. فأجابوهم: إن اليوم يوم السبت ولا نعمل فيه شيئا، ولا بد لنا من الرهن منكم لئلا تعذروا بنا. فقالت قريش: هذا ما حذركم نعيم، فراسلوهم ثانيا أن لا نعطيكم رهنا، فإن شئتم أن تخرجوا فافعلوا. فقالت قريظة: هذا ما أخبرنا نعيم" قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة" أن نعيما كان رجلا نموما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن اليهود بعثت إلي إن كان يرضيك أن تأخذ من قريش وغطفان رهنا ندفعهم إليك فتقتلهم فعلنا ، فرجع نعيم مسرعا إلى قومه فأخبرهم، فقالوا: والله ما كذب محمد عليهم، وإنهم لأهل غدر. وكذلك قال لقريش. فكان ذلك سبب خذلانهم ورحيلهم" وقد تقدم في الحديث السادس بيان ما أرسل عليهم من الريح. قوله: "حدثنا عبد الصمد" هو ابن عبد الوارث بن سعيد. قوله: "أول مشهد شهدته يوم الخندق" أي باشرت فيه القتال، وهذا يوافق رواية نافع عنه الماضية في أول الباب. وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: "بعثني خالي عثمان بن مظعون في حاجة، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال: من لقيت فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا، قال: فلا والله ما عطف علي منهم اثنان".
4108- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قُلْتُ قَدْ كَانَ

(7/402)


مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ فَقَالَتْ الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَهَلاَ أَجَبْتَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ قَالَ حَبِيبٌ حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ قَالَ مَحْمُودٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ "وَنَوْسَاتُهَا"
الحديث العاشر قوله: "هشام" هو ابن يوسف الصنعاني. قوله: "قال وأخبرني ابن طاوس" قائل ذلك هو معمر، واسم ابن طاوس عبد الله. قوله: "دخلت على حفصة" أي بنت عمر أخته. قوله: "ونسواتها" بفتح النون والمهملة. قال الخطابي: كذا وقع، وليس بشيء، وإنما هو "نوساتها" أي ذوائبها، ومعنى تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت، والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس أي تتحرك، وكل شيء تحرك فقد ناس، والنوس والاضطراب، ومنه قول المرأة في حديث أم زرع "أناس من حلى أذني" قال ابن التين: قوله نوسات هو بسكون الواو وضبط بفتحها، وأما نسوات فكأنه على القلب. قوله: "قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء" مراده بذلك ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه، فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك، فشاور ابن عمر أخته في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة. قوله: "فلما تفرق الناس" أي بعد أن اختلف الحكمان، وهما أبو موسى الأشعري وكان من قبل علي وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية. ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر في هذا الحديث: "فلما تفرق الحكمان" وهو يفسر المراد ويعين أن القصة كانت بصفين، وجوز بعضهم أن يكون المراد الاجتماع الأخير الذي كان بين معاوية والحسن بن علي ورواية عبد الرزاق ترده، وعلى هذا تقدير الكلام، فلم تدعه حتى ذهب إليهم في المكان الذي فيه الحكمان فحضر معهم، فلما تفرقوا خطب معاوية إلخ، وأبعد من ذلك قول ابن الجوزي في "كشف المشكل" أشار بذلك إلى جعل عمر الخلافة شورى في ستة ولم يجعل له من الأمر شيئا فأمرته باللحاق، قال: وهذا حكاية الحال التي جرت قبل، وأما قوله فلما تفرق الناس خطب معاوية، كان هذا في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده، كذا قال ولم يأت له بمستند، والمعتمد ما صرح به في رواية عبد الرزاق. ثم وجدت في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: "لما كان في اليوم الذي اجتمع فيه معاوية بدومة الجندل قالت حفصة: إنه لا يجمل بك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد. وأنت صهر رسول الله وابن عمر بن الخطاب، قال فأقبل معاوية يومئذ على بختي عظيم فقال: من يطمع في هذا الأمر أو يرجوه أو يمد إليه عنقه" الحديث أخرجه الطبراني. قوله: "أن يتكلم في هذا الأمر" أي الخلافة. قوله: "فليطلع لنا قرنه" بفتح القاف، قال ابن التين يحتمل أن يريد بدعته كما جاء في الخبر الآخر "كلما نجم قرن" أي طلع قرن، ويحتمل أن يكون المعنى

(7/403)


فليبد لنا صفحة وجهه، والقرن من شأنه أن يكون في الوجه، والمعنى فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها. قيل: أراد عليا وعرض بالحسن والحسين، وقيل: أراد عمر وعرض بابنه عبد الله، وفيه بعد لأن معاوية كان يبالغ في تعظيم عمر ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال ابن عمر: ما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أردت أن أقول له يطمع فيه من ضربك وأباك على الإسلام حتى أدخلكما فيه، فذكرت الجنة فأعرضت عنه. ومن هنا يظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق، لأن أبا سفيان كان قائد الأحزاب يومئذ. قوله: "قال حبيب بن مسلمة" أي ابن مالك الفهري، صحابي صغير، ولأبيه صحبة، وكان قد سكن الشام وأرسله معاوية في عسكر لنصر عثمان فقتل عثمان قبل أن يصل، فرجع فكان مع معاوية وولاه غزوة الروم، فكان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم ومات في خلافة معاوية. قوله: "فهلا أجبته" أي هلا أجبت معاوية عن تلك المقالة، فأعلمه ابن عمر بالذي منعه عن ذلك قال: حللت حبوتي إلخ، ووقع في رواية عبد الرزاق عند قوله: "فلنحن أحق به منه ومن أبيه "يعرض بابن عمر فعرف بهذه الزيادة مناسبة قول حبيب بن مسلمة لابن عمر: هلا أجبته. والحبوة بضم المهملة وسكون الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد ضمهما. قوله: "من قاتلك وأباك على الإسلام" يعني يوم أحد ويوم الخندق، ويدخل في هذه المقاتلة علي وجميع من شهدها من المهاجرين، ومنهم عبد الله بن عمر. ومن هنا تظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لأن أبا سفيان والد معاوية كان رأس الأحزاب يومئذ. ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا: "قال ابن عمر فما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ، أردت أن أقول له يطمع فيه من قاتلك وأباك على الإسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه "وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الإسلام والدين والعبادة، فلهذا أطلق أنه أحق، ورأى ابن عمر بخلاف ذلك، وأنه لا يبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة، ولهذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته كما سيأتي في الفتن، وبايع بعد ذلك لعبد الملك بن مروان. قوله: "ويحمل عني غير ذلك" أي غير ما أردت، ووقع في رواية منقطعة عند سعيد بن منصور أخرجها عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال: "نبئت أن ابن عمر لما قال معاوية من أحق بهذا الأمر منا ومن ينازعنا، فهممت أن أقول الذين قاتلوك وأباك على الإسلام، فخشيت أن يكون في قولي هراقة الدماء، وأن يحمل قولي على غير الذي أردت". قوله: "فذكرت ما أعد الله في الجنان" أي لمن صبر وآثر الآخرة على الدنيا. قوله: "قال حبيب" أي ابن مسلمة المذكور "حفظت وعصمت" بضم أولهما أي أنه صوب رأيه في ذلك. وقد قدمنا أن حبيب بن مسلمة المذكور كان من أصحاب معاوية. قوله: "قال محمود عن عبد الرزاق: ونوساتها" أي إن عبد الرزاق روى عن معمر شيخ هشام بن يوسف هذا الحديث كما رواه هشام فخالف في هذه اللفظة فقال: "نوساتها" وهذا هو الصواب كما تقدم، وطريق محمود هذا وهو ابن غيلان المروزي وصلها محمد بن قدامة الجوهري في كتاب "أخبار الخوارج" له قال: حدثنا محمود بن غيلان المروزي أنبأنا عبد الرزاق عن معمر فذكره بالإسنادين معا، وساق المتن بتمامه، وأوله "دخلت على حفصة ونوساتها تنطف" وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة، وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق.

(7/404)


4109- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "يَوْمَ الأَحْزَابِ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا "
[الحديث 4109- طرفه في: 4110]
4110- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ الْ آنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ "
4111- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَلاَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ "
4112- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ"
الحديث الحادي عشر حديث سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء بعدها مهملة ابن الجون بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور، يقال كان اسمه يسار فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس، وله طريق في الأدب. وقد صرح في الرواية الثانية بسماع أبي إسحاق له منه، وكان سليمان المذكور أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثأر الحسين بن علي فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين. قوله: "نغزوهم ولا يغزوننا" في رواية أبي نعيم في "المستخرج" من طريق بشر بن موسى عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه: "الآن نغزوهم" وهي في رواية إسرائيل التي تلو هذه، وقوله في رواية إسرائيل "حين أجلي" بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي رجعوا عنه، وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى لرسوله، وذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن انصرفوا، وذلك لسبع بقين من ذي القعدة، وفيه علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة، فوقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم. وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث جابر شاهدا لهذا الحديث ولفظه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له جموعا كثيرة: لا يغزونكم بعد هذا أبدا، ولكن أنتم تغزونهم ".الحديث الثاني عشرحديث علي. قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور، وهشام كنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي لكن جزم المزي في الأطراف أنه ابن حسان، ثم وجدته مصرحا به في عدة طرق

(7/405)


فهذا هو المعتمد، وأما تضعيف الأصيلي للحديث به فليس بمعتمد كما سأوضحه في التفسير إن شاء الله تعالى. قوله: "عن محمد" هو ابن سيرين وعبيدة بفتح العين هو ابن عمرو السلماني. قوله: "قال يوم الخندق" في رواية الجهاد "يوم الأحزاب" وهو بالمعنى. وفي رواية يحيى بن الجزار عن علي عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الأحزاب قاعدا على فرصة من فرص الخندق فذكره. قوله: "كما شغلونا" في رواية الكشميهني: "كلما شغلونا" بزيادة لام وهو خطأ. قوله: "الصلاة الوسطى" زاد مسلم: "صلاة العصر" وسيأتي الكلام عليها وعلى شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة. قوله: "حدثنا هشام" أي ابن عبد الله الدستوائي، ويحيى هو ابن كثير. قوله: "جعل يسب كفار قريش" قد سبق شرح هذا الحديث في المواقيت من كتاب الصلاة وبينت فيه المذاهب في ترتيب فائتة الصلاة.
4113- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَوْمَ الأَحْزَابِ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ "
4114- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَ هُ"
4115- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ وَعَبْدَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمْ الأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ".
4116- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ الْغَزْوِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ "
الحديث الرابع عشر حديث جابر أيضا في ذكر الزبير، وقد تقدم شرحه في المناقب. قوله: "من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير أنا" ذكرها ثلاث مرات، وقد تقدم في الجهاد في "باب فضل الطليعة" ذكرها مرتين، ومضى شرح الحديث في مناقب الزبير، وقد استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا ابن الملقن: اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري أن الذي توجه ليأتي بخبر

(7/406)


القوم حذيفة كما رويناه من طريق ابن إسحاق وغيره. قلت: وهذا الحصر مردود، فإن القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها، فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على محاربة المسلمين، وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف ثم وقع بين الأحزاب الاختلاف وحذرت كل طائفة من الأخرى وأرسل الله تعالى عليهم الريح واشتد البرد تلك الليلة فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه بخبر قريش، فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك، وقصته في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل وعرف قصتهم ورجع وقد اشتد عليه البرد، فغطاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى دفيء، وبين الواقدي أن المراد بالقوم بنو قريظة، وروى ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة "أن رجلا من المشركين قال يوم الخندق: من يبارز؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا زبير ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: واحدي يا رسول الله، فقال: قم يا زبير ، فقام الزبير فقتله ثم جاء بسلبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنفله إياه". الحديث قوله: "عن أبيه" هو أبو سعيد المقبري. قوله: "وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده" هو من السجع المحمود، والفرق بينه وبين المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه، والمحمود ما جاء بانسجام واتفاق، ولهذا قال في مثل الأول: أسجع مثل سجع الكهان؟ وكذا قال: كان يكره السجع في الدعاء. ووقع في كثير من الأدعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر بأنه وقع بغير قصد، ومعنى قوله: "لا شيء بعده" أي جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم، أو المراد أن كل شيء يفنى وهو الباقي، فهو بعد كل شيء فلا شيء بعده كما قال تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} . الحديث السادس عشر قوله: "حدثني محمد بن سلام" والفزاري هو مروان بن معاوية، وعبدة هو ابن سليمان. قوله: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب" قد تقدم شرحه في "باب لا تتمنوا لقاء العدو" من كتاب الجهاد. قوله: "أو الحج أو العمرة" ليست أو للشك بل هي للتنويع، وذكره هنا لقوله: "وهزم الأحزاب وحده" وسيأتي شرحه في الدعوات إن شاء الله تعالى.

(7/407)


30 - باب مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَحْزَابِ
وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ
4117- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ فَإِلَى أَيْنَ قَالَ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ"
4118- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ"
4119- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(7/407)


قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ الأَحْزَابِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ"
قوله: "باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب" أي من الموضع الذي كان يقاتل فيه الأحزاب إلى منزله بالمدينة. قوله: "ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم" قد تقدم السبب في ذلك، وهو ما وقع من بني قريظة من نقض عهده وممالأتهم لقريش وغطفان عليه، وتقدم نسب بني قريظة في غزوة بني النضير، وذكر عبد الملك بن يوسف في "كتاب الأنواء" له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وإن شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو بعيد جدا، وتقدم أن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم كان لسبع بقين من ذي القعدة، وأنه خرج إليهم في ثلاثة آلاف. وذكر ابن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا. حديث عائشة رضي الله عنها، ذكره مختصرا وسيأتي مطولا في الباب مع شرحه. قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل التبوذكي. قوله: "كأني أنظر إلى الغبار" يشير إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة. قوله: "ساطعا" أي مرتفعا. قوله: "بني غنم" بفتح المعجمة وسكون النون، كما تقدم شرحه في أوائل بدء الخلق، وتقدم إعراب قوله: "موكب جبريل" ووقع هذا الحديث عند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال مطولا لكن ليس فيه أنس، وأوله "كان بين بني قريظة وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فلما جاءت الأحزاب نقضوه وظاهروهم. فلما هزم الله عز وجل الأحزاب تحصنوا، فجاء جبريل ومن معه من الملائكة فقال: يا رسول الله انهض إلى بني قريظة، فقال: إن في أصحابي جهدا قال: انهض إليهم فلأضعضعنهم. قال: فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار". قوله: "جويرية" بالجيم مصغر هو عم عبد الله الراوي عنه. قوله: "لا يصلين أحد العصر" كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري، ووقع في جميع النسخ عند مسلم: "الظهر" مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، وقد وافق مسلما أبو يعلى وآخرون، وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ: "الظهر" وابن حبان من طريق أبي عتبان1 كذلك، ولم أره من رواية جويرية إلا بلفظ: "الظهر" غير أن أبا نعيم في "المستخرج" أخرجه من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية فقال: "العصر" وأما أصحاب المغازي فاتفقوا على أنها العصر، قال ابن إسحاق: لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق راجعا إلى المدينة أتاه جبريل الظهر فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فأمر بلالا فأذن في الناس: من كان سامعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في "الدلائل" بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وجمع عليه اللأمة واغتسل واستجمر تبدى له جبريل فقال: عذيرك من محارب، فوثب فزعا، فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة، قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق في نسخة "أبي غسان"

(7/408)


قريظة حتى غربت الشمس، قال فاختصموا عند غروب الشمس فصلت طائفة العصر وتركتها طائفة وقالت: إنا في عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم، فلم يعنف واحدا من الفريقين" وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك فيه، وللبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه مطولا وفيه: "فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا" وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر، وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر، وكلاهما جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين، إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك. ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته فإن سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء وعن عمه جويرية، ولفظ البخاري" قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ، فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم" ولفظ مسلم وسائر من رواه "نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة ، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة. وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت، قال فما عنف واحدا من الفريقين "فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ، ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير وهو اللفظ الذي حدث به جويرية، بدليل موافقة أبي عتبان له عليه بخلاف اللفظ الذي حدث به البخاري أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيرا، وإنما لم يجوز عكسه لموافقة من وافق مسلما على لفظه بخلاف البخاري، لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول، وهذا كله من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة رضي الله عنها والله أعلم. قال السهيلي وغيره. في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب، قال السهيلي: ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد، قال: والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان قال: فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل فهو مصيب انتهى. والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد، وخالف الجاحظ والعنبري. وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضا: المصيب واحد، وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره، ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب، وأن حكم الله تابع لظن المجتهد. وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية. وهو مصيب باجتهاده، وإن لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطئ وله أجر واحد، وسيأتي بسط هذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق

(7/409)


ليس بواضح. وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيستفاد منه عدم تأثيمه. وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعدما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب، فجوزوا أن يكون ذلك عاما في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة. وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم، واستدل به ابن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر، وفيه نظر لا يخفى. واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف، وفيه نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف. وعلى أن الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك لأن الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند ابن إسحاق أنهم صلوها في وقت العشاء، وعند موسى بن عقبه أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس، وكذا في حديث كعب بن مالك، وفيه نظر أيضا لأنهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه، والنزاع إنما هو فيمن أخر عمدا بغير تأويل، وأغرب ابن المنير فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول، قال: فإن الذين لم يصلوا عمدوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانا، لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى. وفيه نظر لأنه لم يصرح لهم بترك النزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع فبادروا إلى امتثال أمره، وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به، ودعوى أنهم صلوا ركبانا يحتاج إلى دليل ولم أره صريحا في شيء من طرق هذه القصة، وقد تقدم بحث ابن بطال في ذلك في "باب صلاة الخوف". وقال ابن القيم في الهدى ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده، إلا أن من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر. لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى. وأما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال: والله ما صليتها. لأنه لو كان ذاكرا لها لبادر إليها كما صنع عمر انتهى. وقد تقدم تأخير الصلاة في الخندق في كتاب الصلاة بما يغني عن إعادته.
4120- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ح و حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي

(7/410)


أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتْ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ كَلاَ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا أَوْ كَمَا قَالَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكِ كَذَا وَتَقُولُ كَلاَ وَاللَّهِ حَتَّى أَعْطَاهَا حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ"
الحديث الرابع قوله: "حدثني ابن أبي الأسود" هو عبد الله كما تقدم بيانه في كتاب الخمس، وساق هذا الحديث عنه هناك أتم وتقدم باختصاره في غزوة بني النضير، وتقدم ما يتعلق بالزيادة التي فيه هنا في حديث الزهري عن أنس في كتاب الهبة، وحاصله أن الأنصار كانوا واسوا المهاجرين بنخيلهم لينتفعوا بثمرها، فلما فتح الله النضير ثم قريظة قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر، وأمرهم برد ما كان للأنصار لاستغنائهم عنه، ولأنهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك، وامتنعت أم أيمن من رد ذلك ظنا أنها ملكت الرقبة، فلاطفها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لها عليه من حق الحضانة حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما أرضاها. قوله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن، فجاءت أم أيمن" في هذا السياق حذف يوضحه رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ: "أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيه. فجاءت أم أيمن". قوله: "والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا" أي يقول لأم أيمن لك كذا، في رواية مسلم: "والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا أم أيمن اتركيه ولك كذا " وقوله: ولك كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي: ظنت أم أيمن أن تلك المنحة مؤبدة فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذا الظن تطييبا لقلبها لكونها حاضنته وزادها من عنده حتى طاب قلبها. قوله: "أو كما قالت" إشارة إلى شك وقع في اللفظ مع حصول المعنى. قوله: "حتى أعطاها، حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال" في رواية مسلم: "حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله" وعرف بهذا أن معنى قوله: "ولك كذا" أي مثل الذي لك مرة، ثم شرع يزيدها مرتين أو ثلاثا إلى أن بلغها عشرة. وفي الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة، وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة حلمه وبره، ومنزلة أم أيمن عند النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وهي والدة أسامة بن زيد، وابنها أيمن أيضا له صحبة واستشهد بحنين، وهو أسن من أسامة، وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا رضي الله عنهم. المناقب عاليا، وكذا في المغازي قبل هذا بقليل.
4121- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ فَقَالَ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ فَقَالَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ "
4122- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ

(7/411)


اخْرُجْ إِلَيْهِمْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ"
الحديث الخامس حديث ابي سعيد أورده من طريق شعبة بنزول وقد تقدم له المناقب عاليا, وكذا في المغازي قبل هذا بقليل قوله: "عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل" هكذا رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم، ورواه محمد بن صالح بن دينار التمار المدني عن سعد بن إبراهيم فقال: "عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه" أخرجه النسائي، ورواية شعبة أصح، ويحتمل أن يكون لسعد بن إبراهيم فيه إسنادان. قوله: "نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ" سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه. وفي رواية محمد بن صالح المذكورة" حكم أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى" وفيه زيادة بيان الفرق بين المقاتلة والذرية. قوله: "فلما دنا من المسجد" قيل: المراد المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم، وليس المراد به المسجد النبوي بالمدينة، لكن كلام ابن إسحاق يدل على أنه كان مقيما في مسجد المدينة حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة فإنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سعدا في خيمة رفيدة عند مسجده، وكانت امرأة تداوي الجرحى فقال: اجعلوه في خيمتها لأعوده من قريب، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وحاصرهم وسأله الأنصار أن ينزلوا على حكم سعد أرسل إليه فحملوه على حمار ووطؤوا له وكان جسيما" فدل قوله: "فلما خرج إلى بني قريظة" أن سعدا كان في مسجد المدينة. قوله: "قوموا إلى سيدكم" يأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى، وفيه البيان عما اختلف فيه هل المخاطب بذلك الأنصار خاصة أم هم وغيرهم، ووقع في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في أثناء حديث طويل" قال أبو سعيد: فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فقال عمر: السيد هو الله". قوله: "حكمت فيه بحكم الله، وربما قال بحكم الملك" هو بكسر اللام، والشك فيه من أحد رواته أي اللفظين قال. وفي رواية محمد بن صالح المذكورة" لقد حكمت فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات" وفي حديث جابر عند ابن عائذ" فقال: احكم فيهم يا سعد، قال: الله ورسوله أحق بالحكم. قال: قد أمرك الله تعالى أن تحكم فيهم" وفي رواية ابن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" وأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء، قيل: سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم، وهذا كله يدفع ما وقع عند الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وفسره بجبريل، لأنه الذي ينزل بالأحكام، قال السهيلي: قوله: "من فوق سبع سماوات" معناه أن الحكم نزل من فوق، قال ومثله قول

(7/412)


زينب بنت جحش "زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات" أي نزل تزويجها من فوق، قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه، وبقية الكلام على هذا الحديث في الذي بعده. قوله: "أصيب سعد" في الرواية التي في المناقب "سعد بن معاذ". قوله: "حبان" بكسر المهملة وتشديد الموحدة "ابن العرقة" بفتح المهملة وكسر الراء ثم قاف. قوله: "وهو حبان بن قيس" يعني أن العرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم. قوله: "من بني معيص" بفتح الميم وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة، وهو حبان بن قيس ويقال ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف. قوله: "رماه في الأكحل" بفتح الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة وهو عرق في وسط الذراع، قال الخليل: هو عرق الحياة ويقال إن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرقأ الدم. قوله: "خيمة في المسجد" تقدم بيانها في الذي قبله "فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل" هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي في الجهاد حيث وقع فيه بلفظ: "لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل" وهو أولى من دعوى القرطبي أن الفاء زائدة قال: وكأنها زيدت كما زيدت الواو في جواب لما، انتهى. ودعوى زيادة الواو في قوله: "وضع" أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجيء الواو زائدة، ووقع في أول هذه الغزاة" لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل" فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء زائدة، ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا، فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي فقال: هذا جبريل" وفي حديث علقمة "يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة" وذلك لما رجع من الخندق، قالت: فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل، وفي حديث علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد والطبراني "فجاءه جبريل وإن على ثناياه ليقع الغبار، وفي مرسل يزيد بن الأصم عند ابن سعد "فقال له جبريل: عفا الله عنك، وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله" وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة في حديث الباب: "قالت عائشة: لقد رأيته من خلل الباب قد عصب التراب رأسه". وفي رواية جابر عند ابن عائذ "فقال: قم فشد عليه سلاحك، فوالله لأدقنهم دق البيض على الصفا". قوله: "فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي فحاصرهم، وروى ابن عائذ من مرسل قتادة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، فنادى: يا خيل الله اركبي" وفي رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم والبيهقي" وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره" وعند موسى بن عقبة نحوه وزاد: "وحاصرهم بضع عشرة ليلة "وعند ابن سعد "خمس عشرة" وفي حديث علقمة بن وقاص المذكور "خمسا وعشرين" ومثلها عند ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب قال: "حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب، فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا، أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين، أو يبيتوا المسلمين ليلة السبت. فقالوا: لا نؤمن، ولا نستحل ليلة السبت، وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه - يعني الذبح - ثم ندم، فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط به حتى تاب الله عليه". قوله: "فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد" كأنهم أذعنوا للنزول على حكمه صلى الله عليه وسلم، فلما سأله الأنصار فيهم رد الحكم إلى سعد. ووقع بيان ذلك عند ابن إسحاق قال: "لما

(7/413)


اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله قد فعلت في موالي الخزرج - أي بني قينقاع، ما علمت. فقال: ألا ترضون أي يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ" وفي كثير من السير أنهم نزلوا على حكم سعد، ويجمع بأنهم نزلوا على حكمه قبل أن يحكم فيه سعد. وفي رواية علقمة بن وقاص المذكورة" فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استشاروا أبا لبابة قال ننزل على حكم سعد بن معاذ" ونحوه في حديث جابر عند ابن عائذ، فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران: أحدهما: سؤال الأوس، والآخر: إشارة أبي لبابة، ويحتمل أن تكون الإشارة إثر توقفهم، ثم لما اشتد الأمر بهم في الحصار عرفوا سؤال الأوس فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعد. وفي رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم: "فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه". قوله: "فإني أحكم فيهم" أي في هذا الأمر. وفي رواية النسفي "وإني أحكم فيهم". قوله: "أن تقتل المقاتلة" قد تقدم في الذي قبله بيان ذلك، وذكر ابن إسحاق أنهم حبسوا في دار بنت الحارث. وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد، ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين. ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين، قال ابن إسحاق: فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخنادق، وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها. وعند ابن سعد من مرسل حميد بن هلال "أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دارهم للمهاجرين دون الأنصار، فلامه فقال: إني أحببت أن تستغنوا عن دورهم " واختلف في عدتهم: فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة "كانوا سبعمائة" وقال السهيلي: المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة. وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا، وقد حكى أبو إسحاق أنه قيل: إنهم كانوا تسعمائة. قوله: "قال هشام فأخبرني أبي" هو موصول بالإسناد المذكور أولا، وقد تقدم هذا القدر من هذا الحديث موصولا من طريق أخرى عن هشام في أوائل الهجرة. وفي رواية عبد الله بن نمير عن هشام عند مسلم قال: "قال سعد وتحجر كلمه للبرء: اللهم إنك تعلم إلخ" أي أنه دعا بذلك لما كاد جرحه أن يبرأ، ومعنى تحجر أي يبس. قوله: "فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم" قال بعض الشراح: ولم يصب في هذا الظن لما وقع من الحروب في الغزوات بعد ذلك، قال فيحمل على أنه دعا بذلك فلم تقع الإجابة وادخر له ما هو أفضل من ذلك كما ثبت في الحديث الآخر في دعاء المؤمن، أو أن سعدا أراد بوضع الحرب أي في تلك الغزوة الخاصة لا فيما بعدها. وذكر ابن التين عن الداودي أن الضمير لقريظة، قال ابن التين: وهو بعيد جدا لنصه على قريش. قلت: وقد تقدم الرد عليه أيضا في أول الهجرة في الكلام على هذا الحديث، والذي يظهر لي أن ظن سعد كان مصيبا. وأن دعاءه في هذه القصة كان مجابا، وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد وقعة الخندق حرب يكون ابتداء القصد فيها من المشركين، فإنه صلى الله عليه وسلم تجهز إلى العمرة فصدوه عن دخول مكة وكاد الحرب أن يقع بينهم فلم يقع كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} ثم وقعت الهدنة واعتمر صلى الله عليه وسلم من قابل، واستمر ذلك إلى أن نقضوا العهد، فتوجه إليهم غازيا ففتحت مكة. فعلى هذا فالمراد بقوله: "أظن أنك وضعت الحرب" أي أن

(7/414)


يقصدونا محاربين، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي قريبا في أواخر غزوة الخندق "إلا أن نغزوهم ولا يغزوننا" قوله: "فأبقني له" أي للحرب، في رواية الكشميهني: "فأبقني لهم". قوله: "فافجرها" أي الجراحة. قوله: "فانفجرت من لبته" بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر، وهي رواية مسلم والإسماعيلي. وفي رواية الكشميهني: "من ليلته" وهو تصحيف. فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته: "فإذا لبته قد انفجرت من كلمه" أي من جرحه، أخرجه ابن خزيمة. وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر من ثم. قوله: "فانفجرت" بين سبب ذلك في مرسل حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه: "أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات". قوله: "فلم يرعهم" بالمهملة أي أهل المسجد، أي لم يفزعهم. قوله: "وفي المسجد خيمة" هي جملة حالية. قوله: "خيمة من بني غفار" تقدم أن ابن إسحاق ذكر أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية، فيحتمل أن تكون كان لها زوج من بني غفار. قوله: "يغذو" بغين وذال معجمتين أي يسيل. قوله: "فمات منها" في رواية ابن خزيمة في آخر هذه القصة "فإذا الدم له هدير" ووقع في رواية علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد "فانفجر كلمه وكان قد برئ إلا مثل الخرص" وهو بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة، وهو من حلي الأذن. ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة" فما زال الدم يسيل حتى مات". قال فذلك حين يقول الشاعر:
ألا يا سعد سعد بني معاذ ... لما فعلت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ ... غداة تحملوا لهم الصبور
تركتم قدركم لا شيء فيها ... وقدر القوم حامية تفور
وقد قال الكريم أبو حباث ... أقيموا قينقاع ولا تسيروا
وقد كانوا ببلدتهم ثفالا ... كما ثفلت بميطان الصخور
وقوله: "أبو حباث" بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخرها مثلثة هو عبد الله بن أبي رئيس الخزرج، وكان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له وكانوا حلفاءه، وكانت قريظة حلفاء سعد بن معاذ فحكم بقتلهم فقال هذا الشاعر يوبخه بذلك. وقوله: "تركتم قدركم" أراد به ضرب المثل، وميطان موضع في بلاد مزينة من الحجاز كثير الأوعار، وأشار بذلك إلى أن بني قريظة كانوا في بلادهم راسخين من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال، كما رسخت الصخور بتلك البلدة. وذكر ابن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وهو بفتح الجيم والموحدة وأبوه بالجيم وتشديد الواو والثعلبي بمثلثة ومهملة ثم موحدة، ووقع عنده بدل قوله: "وقد قال الكريم" البيت:
وأما الخزرجي أبو حباث ... فقال لقينقاع لا تسيروا
وزاد فيها أبياتا منها:
أقيموا يا سراة الأوس فيها ... كأنكم من المخزاة غور
وأراد بذلك توبيخ سعد بن معاذ لأنه رئيس الأوس، وكان جبل بن جوال حينئذ كافرا. ولعل قصيدة كعب بن مالك التي قدمناها في غزوة بني النضير كانت جوابا لجبل، والله أعلم. وذكر ابن إسحاق لحسان بن ثابت قصيدة

(7/415)


على هذا الوزن والقافية يقول فيها:
تفاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير
وهم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمي عن التوراة بور
وهي من جملة قصيدته التي تقدم بعضها في غزوة بني النضير، وأجابه أبو سفيان بن الحارث عنها. وفي قصة بني قريظة من الفوائد وخبر سعد بن معاذ جواز تمني الشهادة، وهو مخصوص من عموم النهي عن تمني الموت. وفيها تحكيم الأفضل من هو مفضول. وفيها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خلافية في أصول الفقه، والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع، ولا يضر ذلك، لأنه بالتقرير يصير قطعيا، وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك، وسيأتي مزيد له في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى.
4123- حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِحَسَّانَ اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ "
4124- وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ "
الحديث السابع قوله: "عدي" هو ابن ثابت. قوله: "اهجهم أو هاجهم" بالشك، والثاني أخص من الأول. قوله: "وزاد إبراهيم بن طهمان" وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري، وأبو إسحاق هو الشيباني واسمه سليمان، وزيادته في هذا الحديث معينة أن الأمر له بذلك وقع يوم قريظة، ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند ابن مردويه "لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ فقام كعب وابن رواحة وحسان، فقال لحسان: اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس " فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة، فإن يوم بني قريظة مسبب عن يوم الأحزاب والله أعلم. ولا مانع أن يتعدد وقوع الأمر له بذلك. وأورد ابن إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في الحديث الذي قبله.

(7/416)


31 - باب غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ
"وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ فَنَزَلَ نَخْلًا وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ"
4125- و قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ ابْنُ

(7/416)


عَبَّاسٍ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ"
[الحديث 4125- أطرافه في: 4137,4130,4127,4126]
4126- وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ"
4127- وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ سَمِعْتُ جَابِرًا "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْخَوْفِ"
وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقَرَدِ"
4128- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنْ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ قَالَ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ".
قوله: "باب غزوة ذات الرقاع" هذه الغزوة اختلف فيها متى كانت، واختلف في سبب تسميتها بذلك. وقد جنح البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر، واستدل لذلك في هذا الباب بأمور سيأتي الكلام عليها مفصلا، ومع ذلك فذكرها قبل خيبر فلا أدري هل تعمد ذلك تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبلها كما سيأتي، أو أن ذلك من الرواة عنه، أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار إليه البيهقي، على أن أصحاب المغازي مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها، فعند ابن إسحاق أنها بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع، قال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى - يعني من سنته - وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع. وعند ابن سعد وابن حبان أنها كانت في المحرم سنة خمس، وأما أبو معشر فجزم بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق، وهو موافق لصنيع المصنف، وقد تقدم أن غزوة قريظة كانت في ذي القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع في آخر السنة وأول التي تليها، وأما موسى بن عقبة فجزم بتقديم وقوع غزوة ذات الرقاع، لكن تردد في وقتها فقال: لا ندري كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها، وهذا التردد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوه بني قريظة، لأنه تقدم أن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت، وقد ثبت وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع فدل على تأخرها بعد الخندق، وسأذكر بيان ذلك واضحا في الكلام على رواية هشام عن أبي الزبير عن جابر في هذا الباب إن شاء الله تعالى. قوله: "وهي غزوة محارب خصفة" كذا فيه، وهو متابع في ذلك لرواية مذكورة

(7/417)


في أواخر الباب، وخصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ثم الفاء هو ابن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر، ومحارب هو ابن خصفة، والمحاربيون من قيس ينسبون إلى محارب بن خصفة هذا، وفي مضر محاربيون أيضا لكونهم ينسبون إلى محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة من إلياس بن مضر، وهم بطن من قريش منهم حبيب بن مسلمة الذي ذكره في أواخر غزوة الخندق. ولم يحرر الكرماني في هذا الموضع فإنه قال: قوله محارب هي قبيلة من فهر، وخصفة هو ابن قيس بن عيلان. وفي شرح قول البخاري محارب خصفة بهذا الكلام من الفساد ما لا يخفى، ويوضحه أن بني فهر لا ينسبون إلى قيس بوجه، نعم وفي العرنيين محارب بن صباح، وفي عبد القيس محارب بن عمرو ذكر ذلك الدمياطي وغيره، فلهذه النكتة أضيفت محارب إلى خصفة لقصد التمييز عن غيرهم من المحاربيين، كأنه قال محارب الذين ينسبون إلى خصفة لا الذين ينسبون إلى فهر ولا غيرهم. قوله: "من بني ثعلبة بن غطفان" بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بعدها فاء، كذا وقع فيه، وهو يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب وليس كذلك. ووقع في رواية القابسي "خصفة بن ثعلبة "وهو أشد في الوهم، والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره: "وبني ثعلبة" بواو العطف فإن غطفان هو ابن سعد بن قيس بن عيلان، فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى؟ وسيأتي في الباب من حديث جابر بلفظ: "محارب وثعلبة" بواو العطف على الصواب. وفي قوله: "ثعلبة بن غطفان" بباء موحدة ونون نظر أيضا. والأولى ما وقع عند ابن إسحاق "وبني ثعلبة من غطفان" بميم ونون فإنه ثعلبة بن سعد بن دينار بن معيص بن ريث بن غطفان، على أن لقوله: "ابن غطفان" وجها بأن يكون نسبه إلى جده الأعلى، وسيأتي في الباب من رواية بكر بن سوادة "يوم محارب وثعلبة" فغاير بينهما، وليس في جميع العرب من ينسب إلى بني ثعلبة بالمثلثة والمهملة الساكنة واللام المفتوحة بعدها موحدة إلا هؤلاء، وفي بني أسد بنو ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة وهم قليل. والثعلبيون يشتبهون بالتغلبيين بالمثناة ثم المعجمة واللام المكسورة فأولئك قبائل أخرى ينسبون إلى تغلب بن وائل أخي بكر بن وائل وهم من ربيعة إخوة مضر. قوله: "فنزل" أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "نخلا" هو مكان من المدينة على يومين، وهو بواد يقال له شرخ بشين معجمة بعدها مهملة ساكنة ثم خاء معجمة، وبذلك الوادي طوائف من قيس من بني فزارة وأنمار وأشجع، ذكره أبو عبيد البكري. "تنبيه": جمهور أهل المغازي على أن غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب كما جزم به ابن إسحاق، وعند الواقدي أنهما ثنتان، وتبعه القطب الحلبي في شرح السيرة، والله أعلم بالصواب. قوله: "وهي" أي هذه الغزوة "بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر" هكذا استدل به، وقد ساق حديث أبي موسى بعد قليل، وهو استدلال صحيح، وسيأتي الدليل على أن أبا موسى إنما قدم من الحبشة بعد فتح خيبر في "باب غزوة خيبر" ففيه في حديث طويل "قال أبو موسى: فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر" وإذا كان كذلك ثبت أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع، ولزم أنها كانت بعد خيبر. وعجبت من ابن سيد الناس كيف قال: جعل البخاري حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، قال: وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك انتهى. وهذا النفي مردود والدلالة من ذلك واضحة كما قررته. وأما شيخه الدمياطي فادعى غلط لحديث الصحيح، وأن جميع أهل السير على خلافه، وقد قدمت أنهم مختلفون في زمانها، فالأولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح، وقد ازداد قوة بحديث أبي هريرة وبحديث ابن عمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقد قيل إن الغزوة التي شهدها أبو موسى

(7/418)


وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف، لأن أبا موسى قال في روايته أنهم كانوا ستة أنفس، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف كان المسلمون فيها أضعاف ذلك، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان موافقا له من الرامة لا أنه أراد جميع من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل على التعدد أيضا بقول أبي موسى إنها سميت ذات الرقاع لما لفوا في أرجلهم من الخرق، وأهل المغازي ذكروا في تسميتها بذلك أمورا غير هذا، قال ابن هشام وغيره: سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم، وقيل: بشجر بذلك الموضع يقال له ذات الرقاع، وقيل: بل الأرض التي كانوا نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض قاله ابن حبان. وقال الواقدي: سميت بجبل هناك فيه بقع، وهذا لعله مستند ابن حبان ويكون قد تصحف جبل بخيل، وبالجملة فقد اتفقوا على غير السبب الذي ذكره أبو موسى، لكن ليس ذلك مانعا من اتحاد الواقعة ولازما للتعدد، وقد رجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى، وكذلك النووي ثم قال: ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع، وأغرب الداودي فقال: سميت ذات الرقاع لوقوع صلاة الخوف فيها فسميت بذلك لترقيع الصلاة فيها. ومما يدل على التعدد أنه لم يتعرض أبو موسى في حديثه إلى أنهم صلوا صلاة الخوف ولا أنهم لقوا عدوا، ولكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع، فإن أبا هريرة في ذلك نظير أبي موسى لأنه إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كما سيأتي هناك، ومع ذلك فقد ذكر في حديثه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة نجد كما سيأتي في أواخر هذا الباب واضحا، وكذلك عبد الله بن عمر ذكر أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بنجد، وقد تقدم أن أول مشاهده الخندق فتكون ذات الرقاع بعد الخندق. قوله: "وقال لي عبد الله بن رجاء" كذا لأبي ذر، ولغيره: "قال عبد الله بن رجاء" ليس فيه: "لي" وعبد الله بن رجاء هذا هو الغداني البصري قد سمع منه البخاري، وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه. وقد وصله أبو العباس السراج في مسنده المبوب فقال: "حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن رجاء" فذكره. قوله: "أخبرنا عمران القطان" هو بصري لم يخرج له البخاري إلا استشهادا. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف" زاد السراج أربع ركعات، صلى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين. وسيأتي في آخر الباب من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير بسنده، وهذا بزيادة فيه، وذلك كله في غزوة ذات الرقاع. ولجابر حديث آخر فيه ذكر صلاة الخوف على صفة أخرى، وسيأتي الكلام فيه قريبا. قوله: "في غزوة السابعة" هي من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي، أو فيه حذف تقديره غزوة السفرة السابعة. وقال الكرماني وغيره غزوة السنة السابعة أي من الهجرة. قلت: وفي هذا التقدير نظر، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر، ولم يحتج المصنف إلى تكلف الاستدلال لذلك بقصة أبي موسى وغير ذلك مما ذكره في الباب. نعم في التنصيص على أنها سابع غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها بعد خيبر، فإنه إن كان المراد الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه مطلقا وإن لم يقاتل فإن السابعة منها تقع قبل أحد، ولم يذهب أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما تقدم من تردد موسى بن عقبة، وفيه نظر لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق، فتعين أن تكون ذات الرقاع بعد بني قريظة فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال، والأولى منها بدر والثانية أحد والثالثة الخندق والرابعة قريظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد

(7/419)


خيبر للتنصيص على أنها السابعة، فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي، وهذه العبارة أقرب إلى إرادة السنة من العبارة التي وقعت عند أحمد بلفظ: "وكانت صلاة الخوف في السابعة" فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة كما يصح في غزوة السنة السابعة. قوله: "وقال ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم - يعني صلاة الخوف - بذي قرد" بفتح القاف والراء هو موضع على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وحديث ابن عباس هذا وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد صلاة الخوف مثل صلاة حذيفة" وأخرجه أحمد وإسحاق من هذا الوجه بلفظ: "فصف الناس خلفه صفين: صف موازي العدو وصف خلفه. فصلى بالذي يليه ركعة ثم ذهبوا إلى مصاف الآخرين، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة أخرى" انتهى. وقد تقدم حديث ابن عباس في "باب صلاة الخوف" من طريق الزهري عن عبيد الله به نحو هذا، لكن ليس فيه: "بذي قرد" وزاد فيه: "والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضا" وحمله الجمهور على أن العدو كانوا في جهة القبلة كما سيأتي بعد قليل. وهذه الصفة تخالف الصفة التي وصفها جابر، فيظهر أنهما قصتان، لكن البخاري أراد من إيراد حديث ابن عباس وحديث سلمة بن الأكوع الموافق له في تسميته الغزوة الإشارة أيضا إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر، لأن في حديث سلمة التنصيص على أنها كانت بعد الحديبية، وخيبر كانت قرب الحديبية، لكن يعكر عليه اختلاف السبب والقصد، فإن سبب غزوة ذات الرقاع ما قيل لهم إن محارب يجمعون لهم فخرجوا إليهم إلى بلاد غطفان، وسبب غزوة القرد إغارة عبد الرحمن بن عيينة على لقاح المدينة فخرجوا في آثارهم، ودل حديث سلمة على أنه بعد أن هزمهم وحده واستنقذ اللقاح منهم أن المسلمين لم يصلوا في تلك الخرجة إلى بلاد غطفان فافترقا، وأما الاختلاف في كيفية صلاة الخوف بمجرده فلا يدل على التغاير لاحتمال أن تكون وقعت في الغزوة الواحدة على كيفيتين في صلاتين في يومين بل في يوم واحد. قوله: "وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد بن نافع عن أبي موسى أن جابرا حدثهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم محارب وثعلبة" أما بكر بن سوادة فهو الجذامي المصري يكنى أبا ثمامة، وكان أحد الفقهاء بمصر، وأرسله عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة. وثقه ابن معين والنسائي، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق، وقد وصله سعيد بن منصور والطبري من طريقه بهذا الإسناد. وأما زياد بن نافع فهو التجيبي المصري تابعي صغير، وليس له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع، وأما أبو موسى فيقال إنه علي بن رباح، وهو تابعي معروف أخرج له مسلم، ويقال هو الغافقي واسمه مالك بن عبادة وهو صحابي معروف أيضا ويقال أنه مصري لا يعرف اسمه، وليس له في البخاري أيضا إلا هذا الموضع. وقوله: "يوم محارب وثعلبة" يؤيد ما وقع من الوهم في أول الترجمة. قوله: "وقال ابن إسحاق سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرا قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان إلخ" لم أر هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق هكذا في شيء من كتب المغازي ولا غيرها، والذي في السير تهذيب ابن هشام" قال ابن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب" فساق قصة الجمل. وكذلك أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق. وقال ابن إسحاق قبل ذلك "وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع فلقي بها جمعا من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف الناس بعضهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(7/420)


بالناس صلاة الخوف ثم انصرف الناس" وهذا القدر هو الذي ذكره البخاري تعليقا مدرجا بطريق وهب بن كيسان عن جابر، وليس هو عند ابن إسحاق عن وهب كما أوضحته إلا أن يكون البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم نقف عليه، أو في النسخة تقديم وتأخير فظنه موصولا بالخبر المسند، فالله أعلم. ولم أر من نبه على ذلك في هذا الموضع. ونخل بالخاء المعجمة كما تقدم: موضع من نجد من أراضي غطفان، قال أبو عبيدة البكري: لا يصرف وغفل من قال إن المراد نخل بالمدينة، واستدل به على مشروعية صلاة الخوف في الحضر، وليس كما قال. وصلاة الخوف في الحضر قال بها الشافعي والجمهور إذا حصل الخوف، وعن مالك تختص بالسفر، والحجة للجمهور قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فلم يقيد ذلك بالسفر، والله أعلم. قوله: "وقال يزيد عن سلمة: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القرد" أما يزيد فهو ابن أبي عبيد، وأما سلمة فهو ابن الأكوع، وسيأتي حديثه هذا موصولا قبل غزوة خيبر، وترجم له المصنف" غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم ساقه مطولا، وليس فيه لصلاة الخوف ذكر، وإنما ذكره هنا من أجل حديث ابن عباس المذكور قبل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد، ولا يلزم من ذكر ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة، كما لا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم صلى الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر، قال البيهقي: الذي لا نشك فيه أن غزوة ذي قرد كانت بعد الحديبية وخيبر، وحديث سلمة بن الأكوع مصرح بذلك، وأما غزوة ذات الرقاع فمختلف فيها، فظهر تغاير القصتين كما حررته واضحا. قوله: "عن أبي موسى" هو الأشعري. قوله: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر" لم أقف على أسمائهم وأظنهم من الأشعريين. قوله: "بيننا بعير نعتقبه" أي نركبه عقبة عقبة، وهو أن يركب هذا قليلا ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتى يأتي على سائرهم. قوله: "فنقبت أقدامنا" بفتح النون وكسر القاف بعدها موحدة أي رقت، يقال نقب البعير إذا رق خفه. قوله: "لما كنا" أي من أجل ما فعلناه من ذلك. قوله: "نعصب" بفتح أوله وكسر الصاد المهملة. قوله: "وحدث أبو موسى بهذا" هو موصول بالإسناد المذكور، وهو مقول أبي بردة بن أبي موسى. قوله: "كره ذلك" أي لما خاف من تزكية نفسه. قوله: "كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه" وذكر أن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره، إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدي به وعند الإسماعيلي في رواية منقطعة قال: والله يجزي به.
4129- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ "أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ"
4130- وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ فَذَكَرَ صَلاَةَ الْخَوْفِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ"
تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ"

(7/421)


4131- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاَءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً فَلَهُ ثِنْتَانِ ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ الْقَاسِمَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلٍ حَدَّثَهُ قَوْلَهُ
4132- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ"
4133- حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين, والطائفة الأخرى مواجهة العدو, ثم انصرفوا فقاموا في مقام أصحابهم,فجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضو ركعتهم"
قوله: "عن صالح بن خوات" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة أي ابن جبير بن النعمان الأنصاري، وصالح تابعي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وأبوه أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وهو صحابي جليل أول مشاهده أحد ومات بالمدينة سنة أربعين. قوله: "عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف" قيل إن اسم هذا المبهم سهل ابن أبي حثمة، لأن القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، وهذا هو الظاهر من رواية البخاري، ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير، لأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال: "عن صالح بن خوات عن أبيه" أخرجه ابن منده في "معرفة الصحابة" من طريقه، وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه، وجزم النووي في تهذيبه بأنه خوات بن جبير وقال: أنه محقق من رواية مسلم وغيره. قلت: وسبقه لذلك الغزالي فقال: إن صلاة ذات الرقاع في رواية خوات بن جبير. وقال الرافعي في شرح الوجيز اشتهر هذا في كتب الفقه، والمنقول في كتب الحديث رواية صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وعمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: فلعل المبهم هو خوات والد صالح. قلت: وكأنه لم يقف على رواية خوات التي ذكرتها وبالله التوفيق. ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك يبهمه تارة ويعينه أخرى، إلا أن تعيين كونها كانت ذات الرقاع إنما هو في روايته عن أبيه وليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وينفع هذا فيما سنذكره قريبا من استبعاد أن يكون سهل بن أبي حثمة كان في سن من يخرج في تلك الغزاة، فإنه لا يلزم من ذلك أن لا يرويها فتكون روايته إياها مرسل صحابي،

(7/422)


فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات والله أعلم. قوله: "أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو" وجاه بكسر الواو وبضمها أي مقابل. قوله: "فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت وأتموا لأنفسهم" هذه الكيفية تخالف الكيفية التي تقدمت عن جابر في عدد الركعات، وتوافق الكيفية التي تقدمت عن ابن عباس في ذلك، لكن تخالفها في كونه صلى الله عليه وسلم ثبت قائما حتى أتمت الطائفة لأنفسها ركعة أخرى، وفي أن الجميع استمروا في الصلاة حتى سلموا بسلام النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "وقال معاذ حدثنا هشام" كذا للأكثر، وعند النسفي "وقال معاذ بن هشام حدثنا هشام" وفيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو ابن فضالة شيخ البخاري، ومعاذ بن هشام ثقة صاحب غرائب، وقد تابعه ابن علية عن أبيه هشام وهو الدستوائي أخرجه الطبري في تفسيره، وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام عن أبي الزبير، ولمعاذ بن هشام عن أبيه فيه إسناد آخر أخرجه الطبري عن بندار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن سليمان اليشكري عن جابر، وسأذكر ما في رواياتهم من الاختلاف قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف" أورده مختصرا معلقا لأن غرضه الإشارة إلى أن روايات جابر متفقة على أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع، لكن فيه نظر لأن سياق رواية هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى، وبيان ذلك أن في هذا الحديث عند الطيالسي وغيره: "أن المشركين قالوا: دعوهم فإن لهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم. قال فنزل جبريل فأخبره، فصلى بأصحابه العصر، وصفهم صفين" فذكر صفة صلاة الخوف، وهذه القصة إنما هي في غزوة عسفان، وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير بلفظ يدل على مغايرة هذه القصة لغزوة محارب في ذات الرقاع، ولفظه عن جابر قال: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة، فقاتلونا قتالا شديدا، فلما أن صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لأفظعناهم، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال وقالوا: ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد" فذكر الحديث. وروى أحمد والترمذي وصححه النسائي من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضبحان وعسفان، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم" فذكر الحديث في نزول جبريل لصلاة الخوف، وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث أبي عياش الزرقي قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قال: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين" الحديث وسياقه نحو رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر، وهو ظاهر في اتحاد القصة. وقد روى الواقدي من حديث خالد بن الوليد قال: "لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية لقيته بعسفان فوقفت بإزائه وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر، فهممنا أن نغير عليهم فلم يعزم لنا، فأطلع الله نبيه على ذلك فصلى بأصحابه العصر صلاة الخوف" الحديث، وهو ظاهر فيما قررته أن صلاة الخوف بعسفان غير صلاة الخوف بذات الرقاع، وأن جابرا روى القصتين معا. فأما رواية أبي الزبير عنه ففي قصة عسفان، وأما رواية أبي سلمة ووهب بن كيسان وأبي موسى المصري عنه ففي غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وثعلبة، وإذا تقرر أن أول ما صليت صلاة الخوف في عسفان وكانت في عمرة الحديبية وهي بعد الخندق وقريظة وقد صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع وهي بعد عسفان فتعين تأخرها

(7/423)


عن الخندق وعن قريظة وعن الحديبية أيضا، فيقوى القول بأنها بعد خيبر، لأن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية، وأما قول الغزالي إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات فهو غلط واضح، وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره. وقال بعض من انتصر للغزالي: لعله أراد آخر غزوة صليت فيها صلاة الخوف، وهذا انتصار مردود أيضا، لما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أبي بكرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وإنما أسلم أبو بكرة في غزوة الطائف باتفاق، وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا، وإنما ذكرت هذا استطرادا لتكمل الفائدة. قوله: "قال مالك" هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف" يقتضي أنه سمع في كيفيتها صفات متعددة، وهو كذلك، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف كيفيات حملها بعض العلماء على اختلاف الأحوال، وحملها آخرون على التوسع والتخيير، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في "باب صلاة الخوف" وما ذهب إليه مالك من ترجيح هذه الكيفية وافقه الشافعي وأحمد وداود على ترجيحها لسلامتها من كثرة المخالفة ولكونها أحوط لأمر الحرب، مع تجويزهم الكيفية التي في حديث ابن عمر. ونقل عن الشافعي أن الكيفية التي في حديث ابن عمر منسوخة ولم يثبت ذلك عنه، وظاهر كلام المالكية عدم إجازة الكيفية التي في حديث ابن عمر، واختلفوا في كيفية رواية سهل بن أبي حثمة في موضع واحد وهو أن الإمام هل يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية أو ينتظرها في التشهد ليسلموا معه؟ فبالأول قال المالكية، وزعم ابن حزم أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بذلك والله أعلم. ولم تفرق المالكية والحنفية حيث أخذوا بالكيفية التي في هذا الحديث بين أن يكون العدو في جهة القبلة أم لا، وفرق الشافعي والجمهور فحملوا حديث سهل على أن العدو كان في غير جهة القبلة فلذلك صلى بكل طائفة وحدها جميع الركعة، وأما إذا كان العدو في جهة القبلة فعلى ما تقدم في حديث ابن عباس أن الإمام يحرم بالجميع ويركع بهم، فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف إلخ. ووقع عند مسلم من حديث جابر "صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة" وقال السهيلي: اختلف العلماء في الترجيح، فقالت طائفة يعمل منها بما كان أشبه بظاهر القرآن. وقالت طائفة يجتهد في طلب الأخير منها فإنه الناسخ لما قبله. وقالت طائفة يؤخذ بأصحها نقلا وأعلاها رواة. وقالت طائفة يؤخذ بجميعها على حساب اختلاف أحوال الخوف، فإذا أشتد الخوف أخذ بأيسرها مؤنة، والله أعلم. قوله: "تابعه الليث عن هشام عن زيد بن أسلم أن القاسم بن محمد حدثه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار" قلت: لم يظهر لي مراد البخاري بهذه المتابعة، لأنه إن أراد المتابعة في المتن لم يصح، لأن الذي قبله غزوة محارب وثعلبة بنخل، وهذه غزوة أنمار، ولكن يحتمل الاتحاد لأن ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة، وسيأتي بعد باب أن أنمار في قبائلهم منهم بطن من غطفان، وإن أراد المتابعة في الإسناد فليس كذلك، بل الروايتان متخالفتان من كل وجه: الأولى متصلة بذكر الصحابي وهذه مرسلة، ورجال الأولى غير رجال الثانية، ولعل بعض من لا بصر له بالرجال يظن أن هشاما المذكور قبل هو هشام المذكور ثانيا، وليس كذلك فإن هشاما الراوي عن أبي الزبير هو الدستوائي كما بينته قبل وهو بصري، وهشام شيخ الليث فيه هو ابن سعد وهو مدني، والدستوائي لا رواية له عن زيد بن أسلم ولا رواية لليث بن سعد عنه، وقد وصل البخاري في تاريخه هذا المعلق قال: "قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار نحوه" يعني نحو حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة

(7/424)


في صلاة الخوف. قلت: فظهر لي من هذا وجه المتابعة، وهو أن حديث سهل بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع متحد مع حديث جابر، لكن لا يلزم من اتحاد كيفية الصلاة في هذه وفي هذه أن تتحد الغزوة، وقد أفرد البخاري غزوة بني أنمار بالذكر كما سيأتي بعد باب. نعم ذكر الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع أن أعرابيا قدم بجلب إلى المدينة فقال: إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار وقد جمعوا لكم جموعا وأنتم في غفلة عنهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة ويقال سبعمائة، فعلى، هذا فغزوة بني أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة، وهي غزوة ذات الرقاع، والله أعلم. ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات فيكون متأخرا عنه، ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري، ويؤيد ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك، والله أعلم. قوله: "حدثنا يحيى عن يحيى" الأول هو ابن سعيد القطان وشيخه هو ابن سعيد الأنصاري، والقاسم بن محمد أي ابن أبي بكر الصديق، وصالح بن خوات تقدم التعريف به، ففي الإسناد ثلاثة من التابعين المدنيين في نسق: يحيى الأنصاري فمن فوقه وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثناة واسمه عبد الله وقيل عامر وقيل اسم أبيه عبد الله وأبو حثمة جده واسمه عامر بن ساعدة، وهو أنصاري من بني الحارث بن الخزرج، اتفق أهل العلم بالأخبار على أنه كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرا وكان الدليل ليلة أحد. وقد تعقب هذا جماعة من أهل المعرفة وقالوا: إن هذه الصفة لأبيه، وأما هو فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن وغير واحد، وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة ويتعين أن يكون مراد صالح بن خوات ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف غيره، والذي يظهر أنه أبوه كما تقدم والله أعلم. قوله: "يقوم الإمام" هذا ذكره موقوفا، وقد أخرجه المصنف بعد حديث من طريق ابن أبي حاتم واسمه عبد العزيز عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وأورده من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرفوعا. قوله: "عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله" أي مثل المتن الموقوف من رواية يحيى عن يحيى، وقد أورده مسلم وأبو داود من هذا الوجه بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين" فذكر الحديث، وهو مما يقوي ما قدمته أن سهل بن أبي حثمة لم يشهد ذلك وأن المراد بقول صالح بن خوات ممن شهد أبوه لا سهل والله أعلم. قوله: "أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا" بالزاي أي قاتلنا "العدو فصاففنا لهم" وقد تقدم في "باب صلاة الخوف" أن رواية الكشميهني: "فصففناهم" وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه، وهكذا أورده البخاري من طريق شعيب هنا مقتصرا منها على هذا القدر، وعقبها بطريق معمر فلم يتعرض لصدر الحديث بل أوله "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى مواجهة العدو" الحديث، فأما رواية شعيب فتقدمت في "باب صلاة الخوف" تامة، وأما رواية معمر فأخرجها أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه كذلك، ووقع في آخرها "ثم قام فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم" ولفظ القضاء فيها على معنى الأداء لا على معنى القضاء الاصطلاحي، وقد وقع في رواية شعيب "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين" وهي تبين المراد في رواية ابن جريج عن الزهري عند أحمد نحوه، وقد تقدم الكلام على بقية هذا الحديث في "باب صلاة الخوف".

(7/425)


4134- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سِنَانٌ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ "أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ...."
4135- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ قَالَ جَابِرٌ فَنِمْنَا نَوْمَةً ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ لِي مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قُلْتُ اللَّهُ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
4136- وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ تَخَافُنِي قَالَ لاَ قَالَ فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ اللَّهُ فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ وَقَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ"
4137- وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ فَصَلَّى الْخَوْفَ" وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الْخَوْفِ" وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ.
قوله: "حدثني سنان وأبو سلمة" أما سنان فهو ابن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية الثانية، والدؤلي بضم المهملة وفتح الهمزة، وهو مدني اسم أبيه يزيد بن أمية، وثقه العجلي وغيره وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر من روايته عن أبي هريرة في الطب، وأما أبو سلمة فهو عبد الرحمن بن عوف كذا رواه شعيب عنهما، ورواه إبراهيم بن سعد كما تقدم في الجهاد فلم يذكر فيه أبا سلمة، وكذا رواه مسلم عن محمد بن جعفر الوركاني عن إبراهيم بن سعد، ورواه الحارث بن أبي أسامة عن محمد الوركاني هذا فأثبت فيه أبا سلمة، ورواه ابن أبي عتيق عن الزهري فلم يذكر أبا سلمة، ورواه معمر عن الزهري كما سيأتي بعد أحاديث قليلة فلم يذكر سنانا، فكأن الزهري كان تارة يجمعهما وتارة يفرد أحدهما. وإسماعيل في الرواية الثانية هو ابن أبي أويس،

(7/426)


وأخوه هو عبد الحميد، وسليمان شيخه هو ابن بلال، ومحمد بن أبي عتيق نسب إلى جده، فإن أبا عتيق هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ومحمد هذا الراوي هو ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، وقد ساق البخاري الحديث على لفظ ابن أبي عتيق فيه ذكر أبي سلمة، وذكر من طريق شعيب وهي عن سنان وأبي سلمة معا قطعة يسيرة، فإن جابرا أخبر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، وتقدم في الجهاد عن أبي اليمان وحده بتمامه، ورأيتها موافقة لرواية ابن أبي عتيق إلا في آخره كما سأبينه. وأما رواية إبراهيم بن سعد ففيها اختصار. وقد رواه عن جابر أيضا سليمان بن قيس كما في رواية مسدد التي بعد هذه بحديث. ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كما في الرواية المعلقة بعده، فذكر بعض ما في حديث الزهري وزاد قصة صلاة الخوف. قوله: "أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد" في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع". قوله: "فأدركتهم القائلة" أي وسط النهار وشدة الحر. قوله: "كثير العضاه" بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة: كل شجر يعظم له شوك، وقيل هو العظيم من السمر مطلقا، وقد تقدم غير مرة. قوله: "فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة" أي شجرة كثيرة الورق. وفي رواية معمر "فاستظل بها" ويفسره ما في رواية يحيى" فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "قال جابر" هو موصول بالإسناد المذكور، وسقط ذلك من رواية معمر. قوله: "فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه، فإذا عنده أعرابي" هذا السياق يفسر رواية يحيى، فإن فيها "فجاء رجل من المشركين إلخ" فبينت هذه الرواية أن هذا القدر لم يحضره الصحابة وإنما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دعاهم واستيقظوا. قوله: "أعرابي جالس" في رواية معمر "فإذا أعرابي قاعد بين يديه" وسيأتي ذكر اسمه قريبا. قوله: "وهو في يده صلتا" بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة، أي مجردا عن غمده. قوله: "فقال لي: من يمنعك مني"؟ في رواية يحيى "فقال: تخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني "؟ وكرر ذلك في رواية أبي اليمان في الجهاد ثلاث مرات، وهو استفهام إنكار، أي لا يمنعك مني أحد، لأن الأعرابي كان قائما والسيف في يده والنبي صلى الله عليه وسلم جالس لا سيف معه. ويؤخذ من مراجعة الأعرابي له في الكلام أن الله سبحانه وتعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الحظوة عند قومه بقتله، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه "الله" أي يمنعني منك إشارة إلى ذلك، ولذلك أعادها الأعرابي فلم يزده على الجواب، وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة به أصلا. قوله: "فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية يحيى بن أبي كثير "فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهرها يشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله: قلت الله "فشام السيف" وفي رواية معمر "فشامه" والمراد أغمده، وهذه الكلمة من الأضداد، يقال شامه إذا استله وشامه إذا أغمده، قاله الخطابي وغيره، وكأن الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه فألقى السلاح وأمكن من نفسه. ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله قال الله "فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد. قال: قم فاذهب لشأنك . فلما ولى قال: أنت خير مني" وأما قوله في الرواية: "فها هو جالس ثم لم يعاقبه" فيجمع مع رواية ابن إسحاق بأن قوله: "فاذهب" كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته، فمن عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في

(7/427)


الإسلام، ولم يؤخذ بما صنع، بل عفا عنه. وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة وأنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير. ووقع في رواية ابن إسحاق التي أشرت إليها" ثم أسلم بعد". قوله: "وقال أبان" هو ابن يزيد العطار، وروايته هذه وصلها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عنه بتمامه. قوله: "وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين إلخ" هذه الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير عن جابر، وهو مما يقوي أنهما واقعتان. قوله: "وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر: اسم الرجل غورث بن الحارث، وقاتل فيها محارب خصفة" هكذا أورده مختصرا من الإسناد ومن المتن، فأما الإسناد فأبو عوانة هو الوضاح البصري وأما أبو بشر فهو جعفر بن أبي وحشية، وبقية الإسناد ظاهر فيما أخرجه مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، وكذلك أخرجها إبراهيم الحربي في كتاب "غريب الحديث: "له عن مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر، وأما المتن فتمامه عن جابر قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفه بنخل فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف" فذكره وفيه: "فقال الأعرابي: غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله. فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس. فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس". الحديث. وغورث وزن جعفر وقيل بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ومثلثة مأخوذ من الغرث وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير، وحكى عياض أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة قال: وصوابه بالمعجمة. ومحارب خصفة تقدم بيانه في أول الباب. ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين فالله أعلم. وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال. وفيه جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم، وهذا محله إذا لم يكن هناك ما يخافون منه. قوله: "وقال أبو الزبير عن جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخل فصلى الخوف" تقدمت الإشارة إلى ذكر من وصله قبل مع التنبيه على ما فيه من المغايرة. قوله: "وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف" وصله أبو داود وابن حبان والطحاوي من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال هريرة: نعم قال مروان: متى؟ قال: عام غزوة نجد. قوله: "وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر" يريد بذلك تأكيد ما ذهب إليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر. لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت من جهة نجد أن لا تتعدد، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات، وقد تقدم تقرير كون جابر روى قصتين في صلاة الخوف بما يغني عن إعادته، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبل خيبر.

(7/428)


باب غزوة بني المصطلق من خزاعة المريسيع
...
32 - باب غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ
وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: "وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ" وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "سَنَةَ أَرْبَعٍ" وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: "كَانَ حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ"
4138- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى

(7/428)


بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ "
4139- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا قَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قُلْتُ اللَّهُ فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ فَهُوَ هَذَا قَالَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

(7/429)


33 - باب غَزْوَةِ أَنْمَارٍ
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا قِبَلَ الْمَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا".
قوله: "باب" هكذا وقع هنا، وذكر ما يتعلق بها. ثم أورد حديث أبي سعيد في العزل ثم قال بعد ذلك "حدثني محمود "يعني ابن غيلان" حدثنا عبد الرزاق" فذكر حديث جابر في غزوة نجد، وفيه قصة الأعرابي، وهذا محله في غزوة ذات الرقاع. وقد وقع في رواية أبي ذر عن المستملي: "في غزوة ذات الرقاع" وهو أنسب. ثم ذكر بعد هذه ترجمة وهي غزوة أنمار ذكر فيها حديث جابر "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته" وهذا الحديث قد تقدم في "باب قصر الصلاة" وكان محل هذا قبل غزوة بني المصطلق لأنه عقبه بترجمة حديث الإفك والإفك كان في غزوة بني المصطلق فلا معنى لإدخال غزوة أنمار بينهما، بل غزوة أنمار يشبه أن تكون هي غزوة محارب وبني ثعلبة، لما تقدم من قول أبي عبيد: إن الماء لبني أشجع وأنمار وغيرهما من قيس، والذي يظهر أن التقديم والتأخير في ذلك من النساخ والله أعلم. ولم يذكر أهل المغازي غزوة أنمار، وذكر مغلطاي أنها غزوة أمر بفتح الهمزة وكسر الميم، فقد ذكر ابن إسحاق أنها كانت في صفر، وعند ابن سعد" قدم قادم بجلب فأخبر أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم، فخرج لعشر خلون من المحرم فأتى محلهم بذات الرقاع" وقيل: إن غزوة أنمار وقعت في أثناء غزوة بني المصطلق لما روى أبو الزبير عن جابر "أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعير" الحديث. ويؤيده رواية الليث عن القاسم بن محمد "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار صلاة الخوف" ويحتمل أن رواية جابر لصلاته صلى الله عليه وسلم تعددت. قوله:

(7/429)


"غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع" أما المصطلق فهو بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف، وهو لقب، واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، بطن من بني خزاعة. وقد تقدم بيان نسب خزاعة في أوائل السيرة النبوية. وأما المريسيع فبضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة، هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم. وقد روى الطبراني من حديث سفيان بن وبرة قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق". قوله: "قال ابن إسحاق وذلك سنة ست" كذا هو في مغازي ابن إسحاق رواية يونس بن بكير وغيره عنه وقال: في شعبان وبه جزم خليفة والطبري، وروى البيهقي من رواية قتادة وعروة وغيرهما أنها كانت في شعبان سنة خمس، وكذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق. قوله: "وقال موسى بن عقبة سنة أربع" كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع. والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس، ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب "ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس" ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد "عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في شعبان سنة أربع" ولم يؤذن له في القتال لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم وهي بعد شعبان سواء قلنا إنها كانت سنة خمس أو سنة أربع. وقال الحاكم في "الإكليل" قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق. قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي أشد، فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضا فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة. وسأذكر ما وقع لعياض من ذلك في أثناء الكلام على حديث الإفك إن شاء الله تعالى. ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس، أما قول الواقدي إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس فمردود، وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد بأنه كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال أشهرها سنة أربع والله أعلم. قوله: "وقال النعمان بن راشد عن الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع" وصله الجوزقي والبيهقي في "الدلائل" من طريق حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ومعمر عن الزهري عن عائشة فذكر قصة الإفك في غزوة المريسيع، وبهذا قال ابن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي إن قصة الإفك كانت في رجوعهم من غزوة المريسيع. وذكر ابن إسحاق عن مشايخه عاصم بن عمر بن قتادة وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع قريبا من الساحل، فزاحف الناس واقتتلوا، فهزمهم الله، وقتل منهم، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وأموالهم. كذا ذكر ابن إسحاق بأسانيد مرسلة، والذي في الصحيح كما تقدم في كتاب العتق من حديث ابن عمر يدل على أنه أغار عليهم

(7/430)


على حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم" الحديث، فيحتمل أن يكون حين الإيقاع بهم ثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا ووقع القتال بين الطائفتين ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم، وقد ذكر هذه القصة ابن سعد نحو ما ذكر ابن إسحاق، وأن الحارث كان جمع جموعا وأرسل عينا تأتيه بخبر المسلمين فظفروا به فقتلوه، فلما بلغه ذلك هلع وتفرق الجمع وانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الماء وهو المريسيع فصف أصحابه للقتال ورموهم بالنبل ثم حملوا عليهم حملة واحدة فما أفلت منهم إنسان بل قتل منهم عشرة وأسر الباقون رجالا ونساء، وساق ذلك اليعمري في "عيون الأثر" ثم ذكر حديث ابن عمر ثم قال: أشار ابن سعد إلى حديث ابن عمر ثم قال: الأول أثبت. قلت: آخر كلام ابن سعد، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود، ولا سيما مع إمكان الجمع والله أعلم. ثم ذكر المصنف حديث ابن محيريز واسمه عبد الله ومحيريز بمهملة وراء ثم زاي بصيغة التصغير عن أبي سعيد في قصة العزل، وسيأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء تعالى، والغرض منه هنا ذكر غزوة بني المصطلق في الجملة، وقد أشرت إلى قصتها مجملا ولله الحمد.

(7/431)


34 - باب حَدِيثِ الإِفْكِ
وَالأَفَكُ بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ وَالنَّجَسِ يُقَالُ إِفْكُهُمْ وَأَفْكُهُمْ وَأَفَكُهُمْ
فَمَنْ قَالَ {أَفَكَهُمْ} يَقُولُ صَرَفَهُمْ عَنْ الإِيمَانِ وَكَذَّبَهُمْ
كَمَا قَالَ[9 الذاريات]: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} : يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ
4141- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالُوا قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ

(7/431)


خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَ وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ قَالَتْ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلاَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ قَالَتْ وَقُلْتُ مَا قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ قَالَتْ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا

(7/432)


رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ لَهُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا قَالَتْ فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي قَالَتْ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أُسَامَةُ أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ قَالَتْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ قَالَتْ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قَالَتْ وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لاَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا

(7/433)


فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي فِيمَا قَالَ فَقَالَ أَبِي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَتْ أُمِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ كَثِيرًا إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنْ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ قَالَتْ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [11 النور] {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...} الْعَشْرَ الْآيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى [22 النور] {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لاَحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ لِزَيْنَبَ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَصَمَهَا

(7/434)


اللَّهُ بِالْوَرَعِ قَالَتْ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ قَالَتْ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قوله: "باب حديث الإفك" قد تقدم وجه مناسبة إيراده هنا لما ذكره عن الزهري أن قصة الإفك كانت في غزوة المريسيع. قوله: "الإفك والإفك بمنزلة النجس والنجس" أي هما في الاسم لغتان بكسر الهمزة وسكون الفاء وهي المشهورة، وبفتحهما معا. وقوله: "بمنزلة" أي نظير ذلك الجنس في الضبط وكونهما لغتين. قوله: "يقال إفكهم وأفكهم" أي في قوله تعالى: {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} فقرئ في المشهور بكسر الهمزة وسكون الفاء وبضم الكاف، وأما بالفتحات فقرئ بالشاذ، وهو عن عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي صرفهم، ووراء ذلك قراآت أخرى في الشواذ كالمشهور لكن بفتح أوله وهو عن ابن عباس ومثل الثاني لكن بتشديد الفاء وهو عن أبي عياض بصيغة التكبير، وبالمد أوله وفتح الفاء والكاف وهو عن ابن الزبير وغير ذلك مما يستوعب في موضعه. قوله: "فمن قال أفكهم" أي جعله فعلا ماضيا يقال معناه صرفهم عن الإيمان كما قال: {يُؤْفَكُ عَنْهُ} من أفك أي يصرف عنه من صرف. ذكر المصنف حديث الإفك بطوله من طريق صالح وهو ابن كيسان عن ابن شهاب، وقد تقدم بطوله في الشهادات من طريق فليح عن ابن شهاب، وذكرت أني أورد شرحه مستوفى في سورة النور، وسأذكر هناك مع شرحه بيان ما اختلفوا فيه من ألفاظه وسياقه إن شاء الله تعالى.
4142- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ "قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ لاَ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَهُمَا كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ مُسَلِّمًا بِلاَ شَكٍّ فِيهِ وَعَلَيْهِ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَتِيقِ كَذَلِكَ"
4143- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَهِيَ أُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ "بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ قَالَتْ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ وَأَبُو بَكْرٍ قَالَتْ نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ قَالَ فَلَعَلَّ فِي

(7/435)


حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ تَعْذِرُونِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قَالَتْ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا قَالَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلاَ بِحَمْدِكَ"
4144- حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "كَانَتْ تَقْرَأُ {إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [15 النور] وَتَقُولُ الْوَلْقُ الْكَذِبُ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا"
[الحديث 4144- طرفه في: 4752]
4145- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: "لاَ تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ كَيْفَ بِنَسَبِي قَالَ لاَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ" وقال مُحَمَّدُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ سَمِعْتُ هِشَامًا عَنْ أَبِيهِ قَالَ "سَبَبْتُ حَسَّانَ وَكَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا...."
4146- حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ "دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ وَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَقَالَتْ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
[الحديث 4146- طرفاه في: 4756,4755]
وذكر المصنف بعد سياقه قصة الإفك أحاديث تتعلق بها: الأول قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو الجعفي. قوله: "أملى علي هشام بن يوسف" هو الصنعاني. قوله: "من حفظه" فيه إشارة إلى أن الإملاء قد يقع من الكتاب. قوله: "قال لي الوليد بن عبد الملك" أي ابن مروان، في رواية عبد الرزاق عن معمر" كنت عند الوليد بن عبد الملك" أخرجه الإسماعيلي. قوله: "أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة" في رواية عبد الرزاق" فقال الذي تولى كبره منهم علي، قلت: لا" كذا في رواية عبد الرزاق وزاد: "ولكن حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله كليهم عن عائشة قال: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال فما كان جزمه، وفي ترجمة الزهري عن "حلية أبي نعيم"، من طريق ابن عيينة عن الزهري" كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ

(7/436)


مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فقال: نزلت في علي بن أبي طالب. قال الزهري: أصلح الله الأمير ليس الأمر كذلك، أخبرني عروة عن عائشة. قال: وكيف أخبرك؟ قلت: أخبرني عروة عن عائشة أنها نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول" ولابن مرديه من وجه آخر عن الزهري" كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا، فلما بلغ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} حتى بلغ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} جلس ثم قال: يا أبا بكر من تولى كبره منهم؟ أليس علي بن أبي طالب؟ قال فقلت في نفسي: ماذا أقول؟ لئن قلت لا لقد خشيت أن ألقى منه شرا، ولئن قلت نعم لقد جئت بأمر عظيم، قلت في نفسي: لقد عودني الله على الصدق خيرا، قلت: لا، قال فضرب بقضيبه على السرير ثم قال: فمن فمن؟ حتى ردد ذلك مرارا، قلت: لكن عبد الله بن أبي". قوله: "ولكن قد أخبرني رجلان من قومك" أي من قريش، لأن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مخزومي وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. قوله: "كان علي مسلما في شأنها" كذا في نسخ البخاري بكسر اللام الثقيلة وفي رواية الحموي بفتح اللام. قوله: "فراجعوه فلم يرجع" المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب، وذلك أن عبد بن الرزاق رواه عن معمر فخالفه فرواه بلفظ: "مسيئا" كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين، وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري، قال وقوله: "فلم يرجع" أي لم يجب بغير ذلك، قال: ويحتمل أن يكون المراد فلم يرجع الزهري إلى الوليد. قلت ويقوي رواية عبد الرزاق ما في رواية ابن مردويه المذكورة بلفظ: "أن عليا أساء في شأني والله يغفر له" انتهى. وقال ابن التين: قوله: "مسلما" هو بكسر اللام وضبط أيضا بفتحها والمعنى متقارب. قلت: وفيه نظر، فرواية الفتح تقتضي سلامته من ذلك، ورواية الكسر تقتضي تسليمه لذلك، قال ابن التين: وروي "مسيئا" وفيه بعد. قلت: بل هو الأقوى من حيث تقل الرواية، وقد ذكر عياض أن النسفي رواه عن البخاري بلفظ: "مسيئا" قال: وكذلك رواه أبو علي بن السكن عن الفربري. وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ: "مسلما" كذا قرأناه والأعرف غيره، وإنما نسبته إلى الإساءة لأنه لم يقل كما قال أسامة" أهلك ولا نعلم إلا خيرا" بل ضيق على بريرة وقال: "لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير" ونحو ذلك من الكلام كما سيأتي بسطه في مكانه، وتوجيه العذر عنه. وكأن بعض من لا خير فيه من الناصية تقرب إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا مول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا صحتها، حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك، فجزاه الله تعالى خيرا. وقد جاء عن الزهري أن هشام بن عبد الملك كان يعتقد ذلك أيضا، فأخرج يعقوب بن شيبة في مسنده عن الحسن بن علي الحلواني عن الشافعي قال: حدثا عمي قال: "دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له: يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال: عبد الله بن أبي. قال: كذبت، هو علي. قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول. فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ قال ابن أبي. قال: كذبت هو علي، فقال أنا أكذب لا أبالك، والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني عروة وسعيد وعبيد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي - فذكر له قصة مع هشام في آخرها - لحن هيجنا الشيخ" هذا أو معناه. قوله: "عن حصين" هو أبي عبد الرحمن الواسطي. قوله: "عن أبي وائل" هو شقيق بن سلمة الأسدي. قوله: "عن مسروق حدثتني أم رومان" بضم الراء وسكون الواو وتقدم ذكرها في علامات النبوة وتسميتها، وقد

(7/437)


استشكل قول مسروق "حدثتني أم رومان" مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أو عمر، قال الخطيب: لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين؛ ومسروق لم يدرك أم رومان وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول: "سئلت أم رومان" فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا، أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف فصارت "سألت" فقرئت بفتحتين، قال علي: إن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني العنعنة، قال وأخرج البخاري هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم يظهر له علة انتهى. وقد حكى المزي كلام الخطيب هذا في التهذيب وفي الأطراف ولم يتعقبه بل أقره وزاد أنه روى عن مسروق عن ابن مسعود عن أم رومان، وهو أشبه بالصواب. كذا قال. وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الأسانيد على ما سنوضحه. والذي ظهر لي بعد التأمل أن الصواب مع البخاري، لأن عمدة الخطيب ومن تبعه في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع وقيل سنة خمس وقيل سنة ست، وهو شيء ذكره الواقدي، ولا يتعقب الأسانيد الصحيحة بما يأتي عن الواقدي. وذكره الزبير بن بكار بسند منقطع فيه ضعف أن أم رومان ماتت سنة ست في ذي الحجة، وقد أشار البخاري إلى رد ذلك في تاريخه الأوسط والصغير فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: روى علي بن يزيد عن القاسم قال ماتت أم رومان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست، قال البخاري وفيه نظر وحديث مسروق أسند، أي أقوى إسنادا وأبين اتصالا انتهى. وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر لأن مولد مسروق كن في سنة الهجرة ولهذا قال أبو نعيم الأصبهاني: عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تعقب ذلك كله الخطيب معتمدا على ما تقدم عن الواقدي والزبير، وفيه نظر، لما وقع عند أحمد من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت: "لما نزلت آية التخيير بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال: يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان " الحديث، وأصله في الصحيحين دون تسمية أم رومان، وآية التخيير نزلت سنة تسع اتفاقا، فهذا دال على تأخير موت أم رومان عن الوقت الذي ذكره الواقدي والزبير أيضا، فقد تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن: "وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم" وفيه عند المصنف في الأدب "فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك" الحديث، وعبد الرحمن إنما هاجر في هدنة الحديبية وكانت الحديبية في ذي القعدة سنه ست وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول ابن سعد، وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها، لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فئة من قريش قبل الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه، وفي بعض هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح والله المستعان. وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم صاحب المشارق والمطالع والسهيلي وابن سيد الناس، وتبع المزي الذهبي في مختصراته والعلائي في المراسيل وآخرون، وخالفهم صاحب الهدى. قلت. وسأذكر ما في حديث أم رومان من قصة الإفك مخالفا لحديث عائشة ووجه التوفيق بينهما في التفسير إن شاء الله تعالى. قوله: "عن ابن أبي مليكة" هو عبد الله بن عبيد الله قوله: "عن عائشة" في رواية ابن جريح عن ابن أبي مليكة "سمعت عائشة" وسيأتي في التفسير. قوله: "كانت تقرأ إذ تلقونه" أي بكسر

(7/438)


اللام وضم القاف مخففا، وقد فسر في الخبر حيث قال: "وتقول الولق الكذب" والولق بفتح الواو واللام بعدها قاف وقال الخطابي: هو الإسراع في الكذب. قوله: "قال ابن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها" قلت لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي وإحدى التاءين فيه محذوفة، وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى. قول عائشة في حسان ذكره بألفاظ، وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النور. وقوله: "وقال محمد" ابن عقبة أي الطحان الكوفي يكنى أبا جعفر وأبا عبد الله وهو من شيوخ البخاري، ووقع في رواية كريمة والأصيلي: "حدثنا محمد" بغير زيادة، وقد عرف نسبه من رواية الآخرين، وسيأتي له ذكر في كتاب الأحكام. وشيخه عثمان بن فرقد بصري له عند البخاري شيخ آخر تقدم في آخر البيوع. حديث مسروق " دخلنا على عائشة وعندها حسان" يأتي شرحه في تفسير النور إن شاء الله تعالى.

(7/439)


35 - باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [18 الفتح]:
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
4147- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي "
4148- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ قَالَ "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ"
4149- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ "انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ"
قوله: "باب غزوة الحديبية" في رواية أبي ذر عن الكشميهني: "عمرة" بدل غزوة. والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان، وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف. وقال أبو عبيد البكري: أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون. قوله: "وقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الآية" يشير

(7/439)


إلى أنها نزلت في قصة الحديبية، وقد تقدم شرح معظم هذه القصة في كتاب الشروط، وأذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر هناك، وكان توجهه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست فخرج قاصد إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت، ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل. وجاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال، وشذ بذلك، وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور، ومضى في الحج قول عائشة "ما اعتمر إلا في ذي القعدة". حديث زيد بن خالد الجهني في النهي عن قول "مطرنا بنجم كذا" الحديث، وقد تقدم شرحه في الاستسقاء، والغرض منه قوله: "خرجنا عام الحديبية". حديث أنس "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر" تقدم شرحه في الحج. حديث أبي قتادة "انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم" هكذا ذكره مختصرا، وقد تقدم بطوله في كتاب الحج مشروحا، ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج إلى التحلل منها كما سأشير إليه في الحديث الذي بعده. الحديث الرابع حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء، ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة. وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر، ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا عشرة مائة، ومن طريق قتادة "قلت لسعيد بن المسيب بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة، فقال سعيد: حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة" ومن طريق عمرو بن دينار عن جابر "كانوا ألفا وأربعمائة" ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى "كانوا ألفا وثلاثمائة" ووقع عند ابن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة "كانوا ألفا وخمسمائة" والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفا وخمسمائة. جبر الكسر، ومن قال ألفا وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء "ألفا وأربعمائة أو أكثر" واعتمد على هذا الجمع النووي، وأما البيهقي فمال إلى الترجيح وقال: إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح، ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك، ومن رواية معقل بن يساد وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب، ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه. قلت: ومعظم هذه الطرق عند مسلم، ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد. وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتداء الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم. وأما قول ابن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه قاله استنباطا من قول جابر: "نحرنا البدنة عن عشرة "وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف، وحزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة، وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا

(7/440)


وخمسمائة وخمسة وعشرين، وهذا إن ثبت تحرير بالغ. ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه، وفيه رد على ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين، والله أعلم.
4150- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا"
4151- حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى الْبِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ دَعُوهَا سَاعَةً فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا"
4152- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا لَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا فِي رَكْوَتِكَ قَالَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ قَالَ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقُلْتُ لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً"
قوله: "ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان" يعني قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات، فقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح، وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، وإنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: ويدل

(7/441)


عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى. وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر، وأما قوله تعالى في هذه السورة: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين. وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال: شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الآية فقال رجل: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: أي والذي نفسي بيده إنه لفتح . ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} قال: صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله. وأما قوله تعالى: {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} فالمراد الحديبية، وأما قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى. قوله: "والحديبية بئر" يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمي بئر كانت هنالك، هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك، وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط. قوله: "فنزحناها" كذا للأكثر، ووقع في شرح ابن التين "فنزفناها" بالفاء بدل الحاء المهملة قال: والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء. قوله: "فلم نترك فيها قطرة" في رواية: "فوجدنا الناس قد نزحوها". قوله: "فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء" في رواية زهير "ثم قال: ائتوني بدلو من مائها". قوله: "ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد" في رواية زهير "فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة". قوله: "ثم أنها أصدرتنا" أي رجعتنا، يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا. وفي رواية زهير "فأرووا أنفسهم وركابهم" والركاب الإبل التي يسار عليها. قوله: "ابن فضيل" هو محمد، وحصين هو ابن عبد الرحمن، وسالم هو ابن أبي الجعد، والكل كوفيون كما أن الإسناد الذي بعده إلى قتادة بصريون. قوله: "فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه" هذا مغاير لحديث البراء أنه صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين، وسيأتي في الأشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها، وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه: "فجاء رجل بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم انصرف وترك القدح، قال فتزاحم الناس على القدح، فقال: على رسلكم ، فوضع كفه في القدح ثم قال: أسبغوا الوضوء ، قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه" ووقع في حديث البراء أن تكثر الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه في البئر. وفي رواية أبي الأسود عن عروة في "دلائل البيهقي" أنه أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء، وقد تقدم وجه الجميع في الكلام على حديث المسور ومروان في آخر الشروط، وتقدم الكلام على اختلافهم في كيفية نبع الماء في علامات النبوة، وأن نبع الماء من بين أصابعه وقع مرارا في الحضر وفي السفر. والله أعلم.

(7/442)


4153- حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ "قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَقَالَ لِي سَعِيدٌ حَدَّثَنِي جَابِرٌ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ"
تَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ "حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ قَتَادَةَ". تابعه محمد بن بشار "حدثنا أبو داود حدثنا شعبة".
4154- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لاَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ" تَابَعَهُ الأَعْمَشُ "سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ"
4155- وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلاَثَ مِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ"
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ "حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ"
قوله: "تابعه أبو داود" هو سليمان بن داود الطيالسي "قال حدثنا قرة" هو ابن خالد "عن قتادة"، وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد إلى قتادة قال: "سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان "؟ فذكر الحديث وقال فيه: أوهم يرحمه الله، هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة. قوله: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أنتم خير أهل الأرض " هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما، وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال: "لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا توقدوا نارا بليل ، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم " وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا: "لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية" وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة" وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث ابن عمر، لكن تقدم في حديث ابن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض، واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ، وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر، والثاني جواب ساقط، وعكس ابن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم، وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء. وأغرب ابن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي، وهو ضعيف أعني كونه حيا، وأما كونه ليس

(7/443)


بنبي فنفي باطل ففي القرآن العظيم {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي؟. قوله: "ولو كنت أبصر اليوم" يعني أنه كان عمي في آخر عمره. قوله: "تابعه الأعمش سمع سالما" يعني ابن أبي الجعد "سمع جابرا ألفا وأربعمائة" أي في قوله ألفا وأربعمائة، وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا، وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور، وقد بينت وجه الجمع قريبا. وقيل: إنما عدل الصحابي عن قوله: ألف وأربعمائة إلى قوله: أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى ما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات. قال ابن دحية: الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين. وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم. حديث عبد الله بن أبي أوفى. قوله: "وقال عبيد الله بن معاذ" كذا ذكره بصيغة التعليق، وقد وصله أبو نعيم في "المستخرج على مسلم": من طريق الحسن بن سفيان "حدثنا عبيد الله بن معاذ به" وقال مسلم: "حدثنا عبيد الله بن معاذ به". قوله: "ألفا وثلاثمائة" في رواية علي بن قادم عن شعبة عن عمرو بن مرة عند ابن مردويه "ألفا وأربعمائة" وهي شاذة. قوله: "وكانت أسلم" أي قبيلته. قوله: "ثمن المهاجرين" بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين، إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل، فعلى هدا كان المهاجرون ثمانمائة. قوله: "تابعه محمد بن بشار" هو بندار "حدثنا أبو داود" هو الطيالسي، وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي عن ابن عبد الكريم عن بندار به، وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به.
4156- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ أَنَّهُ "سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا"
[الحديث 4156- طرفه في: 6434]
4158,4157- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالاَ "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا لاَ أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ لاَ أَحْفَظُ مِنْ الزُّهْرِيِّ الإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ فَلاَ أَدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ أَوْ الْحَدِيثَ كُلَّهُ"
4159- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ

(7/444)


مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ"
الحديث السابع قوله: "أخبرنا عيسى" هو ابن يونس، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، ومرداس الأسلمي هو ابن مالك وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ولا يعرف أحد روى عنه إلا قيس بن أبي حازم وجزم بذلك البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون. وقال ابن السكن: زعم أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي، قال: والصحيح أنهما اثنان. قلت: وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي" روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة"، ووضح أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الأسلمي، والله أعلم. قوله: "سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة: يقبض الصالحون" كذا ذكره عنه موقوفا هنا، وأورده في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى. والغرض منه بيان أنه كان من أصحاب الشجرة، والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة، والفاء قد تقع موضع الثاء، والمراد بها الرديء من كل شيء. حديث المسور ومروان في قصة الحديبية، ذكره مختصرا جدا من رواية سفيان - وهو ابن عيينة - عن الزهري وقال فيه: "لا أحصي كم سمعته من سفيان، حتى سمعته يقول: لا أحفظ من الزهري الأشعار والتقليد إلخ" وهذا كلام علي بن المديني، وسيأتي هذا الحديث في هذا الباب من رواية عبيد الله بن محمد الجعفي عن سفيان بن عيينة أتم من رواية علي، ولكن قال فيه: "حفظت بعضه وثبتني معمر" وسأذكر ما يتعلق بشرحه، وهو الحديث الخامس والعشرون فيه. وأغرب الكرماني فحمل قول علي بن المديني "لا أحصي كم سمعته من سفيان" على أنه شك في العدد الذي سمعه منه هل قال ألف وخمسمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وثلاثمائة، ويكفي في التعقب عليه أن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم، بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته: "كانوا بضع عشرة مائة" وكذلك كل من رواه عن سفيان، وإنما وقع الاختلاف في حديث جابر والبراء كما تقدم مبسوطا. قوله: "حدثنا الحسن بن خلف" هو الواسطي، ثقة من صغار شيوخ البخاري، وما له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع. قوله: "عن أبي بشر ورقاء" هو ابن عمر اليشكري، وهو مشهور باسمه. وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبي نجيح يسار بمهملة، وحديث كعب بن عجرة هذا ذكره المصنف من وجهين عن مجاهد في آخر هذا الباب، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج.
4161,4160- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلاَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ

(7/445)


لَهَا قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لاَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَنا فِيهِ"
الحديث العاشر والحادي عشر قوله: "فلحقت عمر امرأة شابة" لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا اسم أحد من أولادها، وزوجها صحابي لأن من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له دراكا، وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية، فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا. وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي: "فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه" وللدار قطني من هذا الوجه "إني امرأة مؤتمة" وله من طريق سعيد بن داود عن مالك "فتعلقت بثيابه". قوله: "وترك صبية صغارا" في رواية سعيد بن داود "وخلف صبيين صغيرين" فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر. قوله: "فقالت يا أمير المؤمنين" زاد الدار قطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك" فقال من معه: دعي أمير المؤمنين". قوله: "ما ينضجون" بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم. قوله: "كراعا" بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة، قال الخطابي: معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه. قوله: "ليس لهم ضرع" بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء: ليس لهم ما يحلبونه. وقوله: "ولا زرع" أي ليس لهم نبات. قوله: "وخشيت أن تأكلهم الضبع" أي السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم. قوله: "وأنا بنت خفاف" بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة. قوله: "إيماء" بكسر الهمزة ويقال بفتحها وسكون التحتانية والمد، وخفاف صحابي مشهور قيل له ولأبيه ولجده صحبة حكاه ابن عبد البر، قال: وكانوا ينزلون غيقة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا، ولخفاف هذا حديث عند مسلم موصول. قوله: "شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال: "لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، وبعث بها مع ابنه خفاف، فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة". قوله: "بنسب قريب" يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش، لأن كنانة تجمعهم. أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف. قوله: "بعير ظهير" أي قوي الظهر معد للحاجة. قوله: "اقتاديه" بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود "وقودي هذا البعير". قوله: "حتى يأتيكم الله بخير" في رواية سعيد بن داود "بالرزق". قوله: "فقال رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "ثكلتك أمك" هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا تريد بها حقيقتها. قوله: "إني لأرى أبا هذه" يعني خفافا. قوله: "وأخاها" لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما، لأن مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا، وإذا ثبت ما ذكره ابن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة، وهم ولد خفاف وخفاف وإيماء ورحضة، فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة لا في بيت الصديق، وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة، منهم زيد بن حارث وأبوه وولده أسامة وولد أسامة، لأن الواقدي وصف أسامه بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له. قوله: "قد حاصرا حصنا" لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك، ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها.
قوله: "نستفئ" بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع، يقول

(7/446)


هذا المال أخذته فيئا. وفي رواية الحموي بالقاف بغير همز. وقوله: "سهماننا" أي أنصباؤنا من الغنيمة.
4162- حَدَّثَنِا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا"قال محمود "ثم أنسيتها بعد"
[الحديث 4162- أطرافه في: 4165,4164,4163]
4163- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ "انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا هَذَا الْمَسْجِدُ قَالُوا هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ!"
4164- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا"
4165- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقٍ قَالَ "ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا...."
الحديث الثاني عشر حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في الشجرة، أورده من طريق قتادة عنه، ومن طريق طارق بن عبد الرحمن عن سعيد من ثلاثة طرق إلى طارق. قوله: "لقد رأيت الشجرة" أي التي كانت بيعة الرضوان تحتها، ووقع في بعض النسخ" قال محمود ثم أنسيتها". قوله: "ثم أتيتها بعد فلم أعرفها" بين رواية طارق أنه أتاها في العام المقبل فلم يعرفها. قوله: "حدثنا محمود" هو ابن غيلان، وعبيد الله هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا. قوله: "انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون" لم أقف على اسم أحد منهم، وزاد الإسماعيلي من رواية قيس بن الربيع عن طارق "في مسجد الشجرة". قوله: "نسيناها" في رواية الكشميهني والمستملي: "أنسيناها" بضم الهمزة وسكون النون أي أنسينا موضعها بدليل "فلم نقدر عليها". قوله: "فقال سعيد" أي ابن المسيب" إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم؟ فأنتم أعلم" قال سعيد هذا الكلام منكرا، وقوله: "فأنتم أعلم" هو على سبيل التهكم. وفي رواية قيس بن الربيع "إن أقاويل الناس كثيرة". قوله: "فرجعنا إليها العام المقبل" في رواية عفان عن أبي عوانة عند الإسماعيلي: "فانطلقنا في قابل حاجين" كذا أطلق، وهم كانوا معتمرين، لكن يطلق عليها الحج كما يقال: العمرة الحج الأصغر. قوله: "فعميت علينا" أي أبهمت، في رواية عفان "فعمي علينا مكانها" وزاد: "فإن كانت بينت لكم فأنتم أعلم". قوله: "ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال: أخبرني أبي وكان شهدها" زاد الإسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة شيخ البخاري فيه: "أنهم

(7/447)


أتوها من العام القابل فأنسيناها" وقد قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في "باب البيعة على الحرب" من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث ابن عمر في معنى ذلك، لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلا، فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا" لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة" فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره، واستمر هو يعرف موضعها بعينه. ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت.
4166- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ".
الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى في قوله: "اللهم صل على آل أبي أوفى" وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة، وذكر هنا لقوله: "وكان من أصحاب الشجرة".
4167- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ "لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ قِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لاَ أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ"
الحديث الرابع عشر قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أويس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، وعمرو بن يحيى هو المازني، وعباد بن تميم أي ابن أبي زيد من عاصم المازني وكلهم مدنيون. قوله: "لما كان يوم الحرة" أي لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة أي ابن أبي عامر الأنصاري. قوله: "فقال ابن زيد" هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم. قوله: "ابن حنظلة" هو عبد الله، وصرح به الإسماعيلي في روايته، وقوله: "يبايع الناس" أي على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية. وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية، وهو غلط كبير. قوله: "لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه إشعار بأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت وقد تقدم شرح ذلك مستوفي في "باب البيعة على الحرب" من كتاب الجهاد، وذكرت هناك ما وقع للكرماني من الخبط في شرح قوله ابن حنظلة. ووقع في رواية الإسماعيلي من الزيادة "وقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة" وكان السبب في البيعة تحت الشجرة ما ذكر ابن إسحاق قال: "حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن عثمان قد قتل فقال: لئن كانوا قتلوه لأناجزنهم، فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه على القتال على أن لا يفروا. قال: فبلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل ورجع عثمان". وذكر أبو الأسود في المغازي عن عروة السبب في ذلك مطولا قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب

(7/448)


أن يبعث إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا، فدعا عمر ليبعثه فقال: والله لا آمنهم على نفسي، فدعا عثمان فأرسله وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح قريبا، وأن الله سيظهر دينه. فتوجه عثمان فوجد قريشا نازلين ببلدح، قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، فأجاره أبان بن سعيد بن العاص قال وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "فذكر القصة التي مضت مطولة في الشروط قال: "وآمن الناس بعضهم بعضا، وهم في انتظار الصلح، إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معاركة، وتراموا بالنبل والحجارة. فارتهن كل فريق من عندهم، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، فجاءه المسلمون وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها، فبايعوه على أن لا يفروا، وألقى الله الرعب في قلوب الكفار فأذعنوا إلى المصالحة". وروى البيهقي في "الدلائل" من مرسل الشعبي قال: "كان أول من انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى البيعة تحت الشجرة أبو سنان الأزدي" وروى مسلم في حديث سلمة بن الأكوع قال: "ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة فبايعه أول الناس" فذكر الحديث قال: "ثم إن المشركين راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، قال: فاضطجعت في أصل شجرة فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا آل المهاجرين، قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم، ثم جئت بهم أسوقهم، وجاء عمي برجل يقال له مكرز في ناس من المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه ، فعفا عنهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} وروى مسلم أيضا من حديث أنس أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم ليقاتلوه، فأخذهم، فعفا عنهم فأنزل الله الآية.
4168- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ"
4169- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ "قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ"
4170- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ "
4171- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ "أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ".

(7/449)


الحديث الخامس عشر حديث مسلمة بن الأكوع في وقت صلاة الجمعة، أورده لقوله فيه: وكان من أصحاب الشجرة. قوله: "حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي" هو كوفي ثقة من قدماء شيوخ البخاري، مات سنة ست عشرة ومائتين، وأبوه يعلى بن الحارث المحاربي ثقة أيضا، مات سنة ثمان وستين ومائة، وما لهما في البخاري لا هذا الحديث. قوله: "ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه" استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزئ قبل الزوال، لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال. وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا، والظل الذي يستظل به لا يتهيأ لا بعد الزوال بمقدار يختلف في الشتاء والصيف، وقد تقدم بسط هذه المسألة ونقل الخلاف فيها في كتاب الجمعة. قوله: "حدثنا حاتم" هو ابن إسماعيل. قوله: "على الموت" تقدم الكلام عليه في "باب البيعة على الحرب" من كتاب الجهاد، وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر لهم "نبايعه على الموت" وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر، وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي. وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه. وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر. قوله: "عن العلاء بن المسيب" أي ابن رافع الكوفي، وهو وأبوه ثقتان، وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الدعوات، ولأبيه حديث آخر في الأدب من رواية منصور بن المعتمر عنه. قوله: "طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم" غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مما يغبط به، لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه. وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق، وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الأمنية. وقيل: هي من الطيب أي طاب عيشكم. قوله: "فقال يا ابن أخي" في رواية الكشميهني يا ابن أخ بغير إضافة، وهي على عادة العرب في المخاطبة، أو أراد أخوة الإسلام. قوله: "إنك لا تدري ما أحدثناه بعده" يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، ويحيى بن صالح هو الوحاظي وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا، ومعاوية بن سلام بالتشديد، ويحيى هو ابن أبي كثير. ووقع في رواية ابن السكن "عن زيد بن سلام" بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني: ولم يتابع على ذلك، وقد وقع في رواية النسفي عن البخاري كما قال الجمهور، وكذا هو عند مسلم وأبي داود من طريق معاوية بن سلام عن يحيى. قوله: "أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة" هكذا أورده مختصرا مقتصرا على موضع حاجته منه، وبقية الحديث قد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن معاوية بهذا الإسناد وزاد: "وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال" الحديث، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى.
4172- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ قَالَ أَصْحَابُهُ هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} قَالَ شُعْبَةُ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ

(7/450)


عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ أَمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} فَعَنْ أَنَسٍ "وَأَمَّا هَنِيئًا مَرِيئًا" فَعَنْ عِكْرِمَةَ
[الحديث 4172- طرفه: 4834]
الحديث التاسع عشر قوله: "عن أنس بن مالك {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال: الحديبية سيأتي الكلام عليه في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى، وأفاد هنا أن بعض الحديث عن قتادة عن أنس وبعضه عن عكرمة، وقد أورده الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة، وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا، وقد أوضحته في "كتاب المدرج".
4174- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قَالَ "إِنِّي لاَوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ"
4174- وَعَنْ مَجْزَأَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ "وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً"
4175- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلاَكُوهُ"
تَابَعَهُ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ
4176- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ قَالَ إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلاَ تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ"
الحديث العشرون قوله: "حدثنا أبو عامر" هو عبد الملك بن عمرو العقدي، ووقع في رواية ابن السكن "حدثنا عثمان بن عمرو" بدل أبي عامر. قوله: "عن إسرائيل" كذا في الأصول ولا بد منه، وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه. قلت: ولا أعتقد صحة ذلك، بل إن كان سقط من نسخة فتلك النسخة غير معتمدة. قوله: "عن مجزأة" بفتح الميم والزاي بينهما جيم ساكنة وبهمزة مفتوحة قبل الهاء وقال أبو على الجياني: المحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها وقد يكسرون الميم، وأبوه زاهر هو ابن الأسود بن الحجاج، وليس له في البخاري لا هذا الحديث. قوله: "عن أبيه" كذا للجميع، ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي "عن أنس" بدل قوله عن أبيه وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني. قوله: "إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر" يعني يوم خيبر كما سيأتي فيها واضحا، وقد تعقب الداودي ما وقع هنا فقال: هذا وهم، فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن بالحديبية وإنما كان بخيبر ا هـ. وليس في السياق أن ذلك كان في يوم الحديبية، وإنما ساق البخاري

(7/451)


الحديث في الحديبية لقوله فيه: "وكان ممن شهد الشجرة" ولم يتعرض لمكان النداء بذلك، مع أن غالب من بايع تحت الشجرة شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بعد رجوعهم. قوله: "وعن مجزأة" يعني بالإسناد المذكور قبله، وليس لمجزأة في البخاري إلا هذا الحديث والذي قبله. قوله: "عن رجل منهم" يعني من بني أسلم. وقال الكرماني: أي من الصحابة. والأول أولى. قوله: "اسمه أهبان بن أوس" هو بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد ذكره في التاريخ فقال: له صحبة، ونزل الكوفة، ويقال له وهبان أيضا. ثم ساق من طريق أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب. قوله: "وكان "يعني أهبان "إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة" ولعله كان كبر فكان يشق عليه تمكين ركبته من الأرض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن يبس الأرض كان يضر ركبته. قوله: "أتوا بسويق فلاكوه" هو طرف من حديث تقدم في الطهارة وفي الجهاد، وسيأتي بتمامه قريبا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى. قوله: "تابعه معاذ عن شعبة" يعني بالإسناد المذكور، وقد وصلها الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به مختصرا، وزاد فيه: "وذلك بعد أن رجعوا من خيبر" قوله: "حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع" بفتح الموحدة وكسر الزاي بوزن عظيم وآخره مهملة، وشاذان هو الأسود بن عامر. قوله: "عن أبي جمرة" بجيم وراء هو نصر بن عمران الضبعي ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالمهملة والزاي وهو تصحيف. قوله: "سألت عائذ بن عمرو" هو بتحتانية مهموز وذال معجمة وهو ابن عمر بن هلال المزني، عاش إلى خلافة معاوية، ما له في البخاري لا هذا الحديث. قوله: "هل ينقض الوتر؟" يعني إذا أوتر المرء ثم نام وأراد أن يتطوع هل يصلي ركعة ليصير الوتر شفعا ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر محافظة على قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" أو يصلي تطوعا ما شاء ولا ينقض وتره ويكتفي بالذي تقدم فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال: "إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره" زاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة بهذا الإسناد "إذا أوترت من آخره فلا توتر أوله" وزاد فيه أيضا: "وسألت ابن عباس عن نقض الوتر فذكر مثله" وهذه المسألة اختلف فيها السلف فكان ابن عمر ممن يرى نقض الوتر، والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض كما في حديث الباب، وهو قول المالكية.
4177- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْ سُ ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} .
[الحديث 4177- طرفاه في: 5012,4833]

(7/452)


الحديث الرابع والعشرون قوله: "عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء الحديث" هذا صورته مرسل، ولكن بقيه تدل على أنه عن عمر، لقوله في أثنائه "قال عمر: فحركت بعيري إلخ" وقد أشبعت القول فيه في المقدمة، وقد أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن ملك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "سمعت عمر بن الخطاب" فذكره، وسيأتي شرح المتن في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى. قوله: "نزرت" بنون وزاي ثقيلة أي ألححت. وقال أبو ذر الهروي: لم أسمعه إلا بالتخفيف.
4179,4178- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالاَ "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ فَقَالَ أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلاَ تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلاَ حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ "
4181,4180- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا "أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى =

24.

مجلد 24. فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
 =أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ"
الحديث الخامس والعشرون حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه. قوله: "حفظت بعضه وثبتني فيه معمر" بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر، فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى قوله: "فأحرم منها بعمرة" ومن قوله: "وبعث عينا له من خزاعة إلخ" مما ثبته فيه معمر، وقد تقدم في هذا الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان "لا أحفظ الإشعار والتقليد فيه: "وأن عليا قال: "ما أدري ما أراد سفيان بذلك، هل أراد أنه لا يحفظ الإشعار والتقليد فيه خاصة، أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث: "وقد أزالت هذه الرواية الإشكال والتردد الذي وقع لعلي بن المديني، وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط، وأنه أورد هنا صدر الحديث واختصره هناك، وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض، وتقدم بيان ما وقع هنا مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي، وضبط غدير الأشطاط، وذكر الواقدي أنه وراء عسفان. ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق من طريق أخرى. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن راهويه، ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب. قوله: "وامعضوا" بتشديد الميم بعدها عين مهملة ثم ضاد معجمة. وفي رواية الكشميهني: "وامتعضوا" بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم، وقد سبق بسطه في الشروط. قوله: "ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده" أي إلى المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما. قوله: "وجاءت المؤمنات مهاجرات" أي في تلك لمدة أيضا، وقد ذكرت أسماء من سمي منهن في كتاب الشروط. قوله: "فكانت أم كلثوم بنت عقبه بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة. فقوله: "وهي عاتق" أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن، وقيل: هي الشابة، وقيل: فوق المعصر، وقيل: استحقت التخدير، وقيل: بين البالغ والعانس، وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين. قوله: "فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم" في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش" هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم، فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة، فنزلت الآية" أخرجه ابن مردويه في تفسيره، وبهذا يظهر المراد بقوله في حديث الباب: "حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل". قوله: "حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل" أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما، وسيأتي بيان ذلك مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.
4182- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [12 الممتحنة] وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ "بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ.... فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ".

(7/454)


الحديث السادس والعشرون قوله: "قال ابن شهاب وأخبرني عروة إلخ" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لأن الذي وقع في الشرط من عطف هذه القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة، ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "وعن عمه" هو موصل بالإسناد المذكور أيضا. قوله: "بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم" هذا القدر ذكره هكذا مرسلا، وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا إليه في الشروط، وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله" كذا في الأصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط؛ وقد ذكرت شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة.
4183- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ"
4185- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَتَلَا[21 الأحزاب] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
4185- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ......." و حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ الْعَامَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَاهُ وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلَّا وَاحِدًا أُشْ هِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"
4186- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

(7/455)


قَالَ فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ
4187- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَفَرَّقُوا فِي ظِلاَلِ الشَّجَرِ فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ"
الحديث السابع والعشرون حديث ابن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة. الحديث ذكره من طريق، وقد تقدم شرحه في "باب الإحصار" من كتاب الحج. قوله: "حدثني شجاع بن الوليد" أي البخاري المؤدب أبو الليث، ثقة من أقران البخاري، وسمع قبله قليلا، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع. وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أم بدر ولم يدركه البخاري. قوله: "سمع النضر بن محمد" هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة، ثقة متفق عليه، وما له في البخاري لا هذا الحديث. قوله: "حدثنا صخر" هو ابن جويرية. قوله: "عن نافع قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلخ" ظاهر هذا السياق الإرسال، ولكن الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن ابن عمر. قوله: "عند رجل من الأنصار" لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه، وقد تقدمت الإشارة إليه في أول كتاب العلم. قوله: "وعمر يستلئم للقتال" أي يلبس اللأمة بالهمز وهي السلاح. قوله: "وقال هشام بن عمار" كذا وقع بصيغة التعليق، وفي بعض النسخ "وقال لي" وقد وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور. قوله: "فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم" أي محيطون به ناظرون إليه بأحد بأحداقهم. قوله: "فقال: يا عبد الله" القائل يا عبد الله هو عمر. قوله: "قد أحدقوا" كذا للكشميهني وغيره وهو الصواب. ووقع للمستملي: "قال أحدقوا" جعل بدل قد قال وهو تحريف، وهذا السبب الذي هنا في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله، ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس، ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم، فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع، وتوجه إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه، وأما ابن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما فقال: هذا اختلاف، ولم يسند نافع إلى ابن عمر ذلك في شيء من الروايتين، كذا قال، والثانية ظاهرة في الرد عليه فإن فيها عن ابن عمر كما بيناه. ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى المدينة مهاجرين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به ابن عمر وهو يبايع، الحديث. قلت: وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة. فقد صرح في الرواية الأولى بأن ذلك كان يوم الحديبية، والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة، وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد، بل يتعين ذلك لصحة الطريقين. والله المستعان. قوله: "فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع" هكذا أورده مختصرا، وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن ابن عمر لما رأى الناس يبايعون بيع ثم رجع إلى عمر فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر

(7/456)


وبايع ابن عمر مرة أخرى.
4188- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ"
4189- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ "لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلاَّ انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ"
4190- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً قَالَ أَيُّوبُ لاَ أَدْرِي بِأَيِّ هَذَا بَدَأَ"
4191- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتْ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [196 البقرة]: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
الحديث التاسع والعشرون قوله: "حدثتا ابن نمير" هو محمد بن عبد الله بن نمير. قوله: "حدثنا يعلى" هو ابن عبيد، وإسماعيل هو ابن أبي خالد. قوله: "لا يصيبه أحد بشيء" أي لئلا يصيبه، وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية، وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء. قوله: "حدثنا الحسن" بفتح المهملتين أي ابن إسحاق بن زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي، وثقه النسائي، ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره، قال ابن حبان في الثقات: كان من أصحاب

(7/457)


ابن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وما له في البخاري سوى هذا الحديث. ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري، وقد يروي عنه بواسطة كما هنا. قوله: "ما يسد منه خصم1" بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب، وقد تقدم هذا الحديث في آخر الجهاد. وزعم المزي في "الأطراف" أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض الخمس، وليس كذلك. حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
ـــــــ
1 رواية المتن "ما نسد منها خصما"

(7/458)


36 - باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ
4192- حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ "أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ"
قَالَ قَتَادَةُ "بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ" وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ "مِنْ عُرَيْنَةَ" وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ "قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ"
4193- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْمِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ فَقَالُوا حَقٌّ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ قَالَ وَأَبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْعُرَنِيِّينَ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ "إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ" قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ "مِنْ عُرَيْنَةَ" وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ "مِنْ عُكْلٍ ....ذَكَرَ الْقِصَّةَ"
قوله: "باب قصة عكل" بضم المهملة وسكون الكاف بعدها لام "وعرينة" بمهملة وراء ثم نون مصغر، قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان نسبهما في "باب أبواب الإبل" من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى، وتقدم قريبا بيان الاختلاف في وقتها وأن ابن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد.قوله: "قال قتادة" هو موصول بالإسناد المذكور إليه. قوله: "وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة" بضم الميم

(7/458)


وسكون المثلثة، وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به، وقد يسر الله الكريم به الآن، وكنت قد أغفلت التنبيه عليه في المقدمة، وحقه أن يذكر في الفصل الأخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث، وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور، فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده معضلا، فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثا على الصدقة وينهانا عن المثلة" أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإسناد واللفظ وفيه قصة، وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الإسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه: "كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة" وعن سمرة مثل ذلك، وإسناد هذا الحديث قوي، فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو ابن عمران البصري وثقه ابن سعد وابن حبان وبقية رجاله من رجال الصحيح، وسيأتي في الذبائح، ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهبى" ولكنه من غير طريق قتادة، وسيأتي شرح المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أوردناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع عند البخاري، وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة" إدراجا وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا، ولما نشط لذكر إسناده ساقه بوسائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قوله: "وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة" يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل، فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة. وأما رواية أبان وهو ابن يزيد العطار فوصلها ابن أبي شيبة، وأما رواية حماد هو ابن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي. قوله: "قال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس: قدم نفر من عكل" يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر عكل دون عرينة، فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين، وأما رواية أيوب فوصلها المصنف في الطهارة. قوله: "وحدثني محمد بن عبد الرحيم" هو الحافظ لمعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى، وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا. قوله: "حدثنا أيوب والحجاج الصواف قالا حدثني أبو قلابة" كذا وقع في النسخ المعتمدة "قال حدثني" بالأفراد والمراد حجاج، فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه، وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة، وأوضح ذلك الدار قطني فقال: أن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين، وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد، وأما حجاج الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى. وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في كتاب الطهارة. قوله: "وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد" كذا وقع مختصرا، وسيأتي في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا، وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال أبو قلابة عن أنس من عكل، وذكر القصة" أي قصتهم، وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة في الطهارة. "تنبيه": وقع من قوله: "وقال شعبة "إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة

(7/459)


ذي قرد وبين غزوة خيبر وعليه جرى الإسماعيلي، ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح، ولعل الفصل وقع مع تغيير بعض الرواة، ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير إليه كلام بعض أهل المغازي، وإن كان الراجح خلافه، والله أعلم.

(7/460)


باب غزوة ذات الفرد
...
37 - باب غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ
وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ
4194- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ "خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدَ قَالَ فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ قَالَ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنْ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً قَالَ وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ السَّاعَةَ فَقَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ"
قوله: "وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث" كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه" قال فرجعنا - أي من الغزوة - إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر" وأما ابن سعد فقال: "كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل: في جمادى الأولى" وعن ابن إسحاق في شعبان منها فإنه قال: "كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه" قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة من الأكوع: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمه من وهم بعض الرواة، قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني حيث قال: "خرجنا إلى خيبر" قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى. وسياق الحديث يأبى هدا الجمع، فإن فيه بعد قوله: "حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يرتجز بالقول" وفيه

(7/460)


قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من السائق" وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيده أن الحاكم ذكر في "الإكليل" أن الخروج إلى ذي، قرد تكرر، ففي الأول خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها انتهى. فإذا ثبت هذا قوي هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم.قوله: "حدثنا حاتم" هو ابن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الأكوع، وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي بن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته. قوله: "خرجت قبل أن يؤذن بالأولى" يعني صلاة الصبح، ويدل عليه في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس. وفي رواية مكي "خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة". قوله: "وكانت لقاح رسول الله ترعى بذي قرد" اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة. ذوات الدر من الإبل واحدها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا، واللقوح الحلوب. وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة، قال. وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة. قوله: "فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف" لم أقف على أسمه، ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم، وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا. قوله: "غطفان" بفتح المعجمة والطاء المشالة المهملة والفاء، تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع. وفي رواية مكي "غطفان وفزارة" وهو من الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان، وعند مسلم: "قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه، وخرجت بفرس لطلحة أندبه، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري" ولأحمد وابن سعد من هذا الوجه" عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه، قال فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر" وللطبراني من وجه آخر عن سلمة" خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد، فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها" ولا مناف، فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم. وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة في هذه الغزاة. قوله: "فصرخت ثلاثة صرخات" في رواية المستملي: "بثلاث" بزيادة الموحدة وهي للاستغاثة. قوله: "فأسمعت ما بين لابتي المدينة" فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا، ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات. ولمسلم: "فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا" وللطبراني "فصعدت في سلع ثم صحت: يا صباحاه، فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنودي في الناس الفزع الفزع" وهو عند إسحاق بمعناه. قوله: "يا صباحاه" هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه. قوله: "ثم اندفعت على وجهي" أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري، وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث. قوله: "حتى أدركتهم" في رواية مكي "حتى ألقاهم وقد أخذوها" يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال. قوله: "فأقبلت أرميهم"1 أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام.
ـــــــ
1 نسخة المتن "فجعلت أرميهم"

(7/461)


قوله: "وأقول: أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع" بضم الراء وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم، فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام، والأصل فيه أن شخصا كان شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن، وقيل: بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء أو يبقى في الإناء شيء إذا شربه منه، فقالوا في المثل "الأم من راضع" وقيل: بل معنى المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه، وقيل: كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع، وقيل: المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه، وهو دال على شدة الحرص. وقيل: هو الراعي الذي لا يستصحب محلبا، فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب منه، وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها. وقال أبو عمرو الشيباني: هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره. وقيل: أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع. وقيل: معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فأنجبته ولئيمة فهجنته. وقيل: معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره. وقال الداودي: معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه. قال السهيلي: قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ويصب الأول ورفع الثاني على جعل الأول ظرفا قال: وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني. قال: وقال أهل اللغة: يقال في اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير، ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل سمع يسمع سماعا. وعند مسلم في هذا الموضع "فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز" وفيه: "فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه، فما زلت أرميهم وأعقرهم، فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت الجبل فرميتهم بالحجارة" وعند ابن إسحاق "وكان سلمة مثل الأسد، فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم فنضحها عنه بالنبل". قوله: "استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة" في رواية مسلم: "فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا لقينا من هذا البرج، قال فليقم إليه منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال: فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الأخرم الأسدي، فقلت له احذوهم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه، فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس، قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا، فعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش، قال فجلاهم عنه حتى طردهم، وتركوا فرسين على ثنية فحثت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن إسحاق نحو هذه القصة وقال: "إن الأخرم لقب، واسمه محرز بن نضلة" لكن وقع عنده "حبيب بن عيينة بن حصن" بدل عبد الرحمن، فيحتمل أن يكون كان له اسمان. قوله: "وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس" في رواية مسلم: "وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن، فتوضأت وشربت" ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم، ونحر له بلال ناقته. قوله: "قد حميت القوم الماء" أي منعتهم من الشرب. قوله: "فابعث إليهم الساعة" في رواية مسلم: "فقلت يا رسول الله خلني أنتخب من القوم مائة رجل فأتبعهم فلا يبقى منهم مخبر، قال فضحك" وعند ابن إسحاق" فقلت يا رسول الله لو

(7/462)


سرحتني في مائة رجل لأخذت بأعناق القوم". قوله: "فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجح" بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وجيم مكسورة بعدها مهملة، أي سهل. والمعنى قدرت فاعف. والسجاحة السهولة. زاد مكي في روايته: "أن القوم ليقرون في قومهم" وعند الكشميهني: "من قومهم" ولمسلم: "أنهم ليقرون في أرض غطفان" ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي الضيافة، ولابن إسحاق "فقال إنهم الآن وليغبقون في غطفان" وهو بالغين المعجمة الساكنة والموحدة المفتوحة والقاف، من الغبوق وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم. ووقع عند مسلم: "قال: فجاء رجل فقال: نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة، فقالوا: أتاكم القوم فخرجوا هاربين". قوله: "ثم رجعنا إلى المدينة ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة" في رواية مسلم: "ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء" وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه فسبقه سلمة، قال: "فسبقت إلى المدينة، فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر - وفيه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خ ير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا اليوم سلمة . قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفارس جميعا" وروى الحاكم في "الإكليل" والبيهقي من طريق عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة، أن أبا قتادة اشترى فرسه، فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة: أسأل الله أن يلقينك وأنا عليها، قال: آمين. قال: فبينما هو يعلفها إذ قيل: أخذت اللقاح، فركبها حتى هجم على العسكر، قال فطلع على فارس فقال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة، فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم المشركين، ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبو قتادة سيد الفرسان ". وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو، والإنذار بالصياح العالي، وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه، واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان، وفيه المسابقة على الإقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح. والله أعلم.

(7/463)


38 - باب غَزْوَةِ خَيْبَرَ
4195- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"
4196- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ يَا عَامِرُ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:

(7/463)


اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّا ... إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُون َ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ مَا لَكَ قُلْتُ لَهُ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لاَجْرَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ نَشَأَ بِهَا "
قوله: "باب غزوة خيبر" بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وذكر أبو عبيدة البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها، قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنه سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر، وروى يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم. وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها، ثم خرج إلى خيبر. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس "أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال" وفي مغازي سليمان التيمي "أقام خمسة عشر يوما" وحكى ابن التين عن ابن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست، وهذا منقول عن مالك، وبه جزم ابن حزم، وهذه الأقوال متقاربة، والراجح منها ما ذكره ابن إسحاق، ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول، وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي وكذا ذكره ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى، فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الأول، وأغرب من ذلك ما أخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان"

(7/464)


الحديث وإسناده حسن، إلا أنه خطأ، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزما، والله أعلم. وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر. وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون مصغر ابن عبد الله الليثي، وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو أصح. حديث سويد بن النعمان وهو الأنصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، الحديث. وقد تقدم شرحه في الطهارة. والغرض منه هنا الإشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق الصهباء، وقد تقدم ضبطها. قوله: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا" لم أقف على اسمه صريحا، وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: "انزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك" ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك. قوله: "من هنيهاتك" في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها، والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة. ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد" لو أسمعتنا من هناتك" بغير تصغير. قوله: "وكان عامر رجلا شاعرا" قيل: هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر، لأن الذي قاله عامر حينئذ من الرجز. وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. قوله: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا" في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثرها أربعة أحرف، وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. قوله: "فاغفر فداء لك ما اتقينا" أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد، وحكى ابن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر القصر لضرورة الوزن، ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد. وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله، إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء. وأجيب عن ذلك بأنها كلمه لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ. وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: "اللهم" لم يقصد بها الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقول الشاعر "لولا أنت" النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، ويعكر عليه قوله بعد ذلك:
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المنعى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم. وأما قوله: "ما اتقينا" فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر، ومعناه ما تركنا من الأوامر، و "ما" ظرفية، وللأصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام، أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه. وللقابسي "ما لقينا" باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي، ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل

(7/465)


كما سيأتي في الأدب "ما اقتفينا" بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته، وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز. قوله: "وألقين سكينة علينا" في رواية النسفي "وألق السكينة علينا" بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون. قوله: "إنا إذا صيح بنا أتينا" بمثناة، أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق، وروي بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي، فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا. قوله: "وبالصياح عولوا علينا" أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا، تقول: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. وقال الخطابي: المعني أجلبوا علينا بالصوت، وهو من العويل. وتعقبه ابن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا. ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة:
"وإن الذين قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا"
وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضا. قوله: "من هذا السائق" في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال. قوله: "قال يرحمه الله" في رواية إياس بن سلمة "قال غفر لك ربك" قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، وبهذه الزيادة يظهر السر في قول الرجل "لولا أمتعتنا به". قوله: "قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به" اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه: "فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر" وفي حديث نصر بن دهر عند ابن إسحاق "فقال عمر: وجبت يا رسول الله" ومعنى قوله لولا أي هلا، وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته، والتمتع الترفه إلى مدة، ومنه أمتعني الله ببقائك. قوله: "فأتينا خيبرا" أي أهل خيبر. قوله: "فحاصرناهم" ذكر ابن إسحاق أن أول شيء حاصروه ففتح حصن ناعم، ثم انتقلوا إلى غيره. قوله: "حتى أصابتنا مخمصة" بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة، وسيأتي شرح قصة الحمر الأهلية في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "وكان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه" في رواية إياس بن سلمة "فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قال فبرز إليه عامر فقال:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فصار عامر يسفل له أي يضربه من أسفل، فرجع سيفه - أي عامر - على نفسه. قوله: "ويرجع ذباب سيفه" أي طرفه الأعلى وقيل: حده. قوله: "فأصاب عين ركبة عامر" أي طرف ركبته الأعلى فمات منه. وفي رواية يحيى القطان "فأصيب عامر بسيف نفسه فمات" وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم: "فقطع أكحله فكانت فيها نفسه "وفي رواية ابن إسحاق" فكلمه كلما شديدا فمات منه". قوله: "فلما قفلوا من خيبر" أي رجعوا. قوله: "وهو آخذ يدي" في رواية الكشميهني: "بيدي" وفي رواية قتيبة

(7/466)


"رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا" بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون. وفي رواية إياس "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي". قوله: "زعموا أن عامرا حبط عمله" في رواية إياس "بطل عمل عامر قتل نفسه" وسمي من القائلين أسيد بن حضير، في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند ابن إسحاق "فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا فما قتله سلاحه" ونحو عند مسلم من وجه آخر عن سلمة. قوله: "كذب من قاله" أي أخطأ. قوله: "إن له أجرين" في رواية الكشميهني: "لأجرين" وكذا في رواية قتيبة، وكذا في رواية ابن إسحاق "إنه لشهيد، وصلى عليه". قوله: "إنه لجاهد مجاهد" كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا جاد مجد. ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال، وكذا ضبطه الباجي، قال عياض: والأول هو الوجه. قلت: يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة "مات جاهدا مجاهدا" قال ابن دريد: رجل جاهد أي جاد في أموره. وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء الله تعالى. قوله: "قل عربي مشى بها مثله" كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي، والضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة. قوله: "قال قتيبة نشأ" أي بنون وبهمزة، والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإسناد فخالف في هذه اللفظة. وروايته موصولة في الأدب عنده، وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر، وحكى السهيلي أنه وقع في رواية: "مشابها" بضم الميم اسم فاعل من الشبهة أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيته مشابها، أو على الحال من قوله: "عربي" قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى، قال السهيلي أيضا: وروى "قل عربيا نشأ بها مثله" والفاعل مثله، وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح، على حد قولهم عظم زيد رجلا، وقل زيد أدبا.
4197- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" .
4198- أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ"
4199- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ

(7/467)


فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ"
الحديث الثالث حديث أنس ذكره من ثلاثة طرق قوله: "عن أنس" في رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد "سمعت أنسا" كما تقدم في الجهاد. قوله: "أتى خيبر ليلا" أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر. قوله: "لم يغر بهم حتى يصبح" كذا للأكثر من الإغارة، ولأبي ذر عن المستملي: "لم يقربهم" بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة، وتقدم في الجهاد بلفظ: "لا يغير عليهم" وهو يؤيد رواية الجمهور، وتقدم في الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ: "كان إذا غزا لم يغز بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب" وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين، فلا يرون أحدا. حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين. قوله: "خرجت يهود" زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس "إلى زروعهم". قولهم: "بمساحيهم" بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث "ومكاتلهم" جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة" حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم". قوله: "محمد والخميس" تقدم في أوائل الصلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ: "خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد" قال عبد العزيز. قال بعض أصحابنا عن أنس "والخميس" يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا الطريق، وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه وفيه: "يقولون محمد والخميس" قال: والخميس الجيش. وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك لثابت، وقد بينت ما في هذا الموضع من الإدراج في أوائل كتات الصلاة، وزاد في الجهاد من وجه آخر عن أيوب "فلجئوا إلى الحصن" أي تحصنوا به. قوله: "خربت خيبر" زاد في الجهاد فرفع يديه وقال: "الله أكبر، خربت خيبر" وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد، قال السهيلي: يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم - مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت - أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، انتهى. ويحتمل أن يكون قال. "خربت خيبر" بطريق الوحي. ويؤيده قوله بعد ذلك: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" . قوله في رواية محمد بن سيرين عن أنس "صبحنا خيبر بكرة" لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا، فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها يكره فصبحوها بالقتال والإغارة، وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا، زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الأهلية وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء تعالى. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، وليس هو والد الراوي عند عبد الله بن عبد الوهاب، فإن الراوي عنه عبدري حجيي إلا ثقفي. قوله: "ينهيانكم" في رواية سفيان الآتية "ينهاكم" بالإفراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية،

(7/468)


وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد، فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب: "بئس خطيب القوم أنت" لكونه قال: "ومن يعصمها فقد غوى" وقد تقدمت الإشارة إلى مباحث ذلك في كتاب الصلاة. قوله: "فأكفئت القدور" قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها، قال الكسائي: أكفأت الإناء أملته.
4200- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ"
4201- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا"
قوله: "حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس "تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب. قوله: "فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية" فيه اختصار كبير، لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم، وليس كذلك فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة، وقيل: أكثر من ذلك. ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله: "إنهم أصابتهم مخمصة شديدة" فإنه دال على طول مدة الحصار، إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك. وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك، وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه، وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم. حديث أنس أيضا في ذكر صفية، ذكره من طريقين، وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا. وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية - بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة - ابن عامر بن عبيد بن كعب، من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، وأمها برة بنت شموال من بني قريظة، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فرقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر، ذكر ذلك ابن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل. قوله: "وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية عبد العزيز عن أنس" فجاء دحية فقال: أعطني يا رسول الله جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها ، وعند ابن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق، وكانت تحت كناية بن

(7/469)


الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها - وعند غيره بنت عم زوجها - فلما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها. قال السهيلي: لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم، والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل. قلت: وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية، وعنده أيضا فيه: "فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس" فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه، وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية، فأخذ صفية. فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء. وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز، ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك. وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم: "صارت صفية لدحية، فجعلوا يمدحونها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي" وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الصلاة، ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر، ويأتي الكلام على قوله في الحديث: "وجعل عتقها صداقها" في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.
4205- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ "
الحديث الخامس حديث أبي موسى الأشعري قوله: "حدثنا عبد الواحد" هو ابن زياد، وعاصم هو الأحول، وأبو عثمان هو النهدي، والإسناد كله إلى أبي موسى بصريون. قوله: "لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه" هو شك من الراوي. قوله: "أشرف الناس على واد - فذكر الحديث إلى قول أبي موسى - فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله" هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر، وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم، لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا، وعلى هذا ففي السياق حذف تقديره: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففزع فرجع أشرف الناس إلخ، وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى.

(7/470)


4202- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَ مَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
4203- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار ِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ قُمْ يَا فُلاَنُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
4204- وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه قوله: "حدثنا يعقوب" هو ابن عبد الرحمن

(7/471)


الإسكندراني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار. قوله: "التقى هو والمشركون" في رواية ابن أبي حازم الآتية بعد قليل "في بعض مغازيه" ولم أقف على تعيين كونها خيبر، لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة، وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر، فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه اتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره، وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه. وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته" إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة" الحديث، وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته" قم يا بلال فأذن: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن" ولهذا جنح ابن التين إلى التعدد، ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة، وأما الأول فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت، لكن جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قزمان الظفري، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك بالشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي. ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه. قلت: وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان، لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح، وليس فيه تسميته، وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري، وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم" غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وظاهره يقتضي أنها غير أحد، لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره، لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد ابن عشرة أو إحدى عشرة، على أنه حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ذلك أن يقول: "غزونا" إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة، لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا. قوله: "فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره" أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم. قوله: "وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل" وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكن يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف، ويعكر عليه ما تقدم. قوله: "شاذة ولا فاذة" الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة، وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم، ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة، والهاء فيهما للمبالغة، والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله، وقيل: المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر، وقيل: الشاذ الخارج والفاذ المنفرد، وقيل: هما بمعني، وقيل الثاني إتباع. قوله: "فقال" أي قائل، وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ: "فقيل" ووقع هنا للكشميهني: "فقلت" فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك. قوله: "ما أجزأ" بالهمزة أي ما أغنى. قوله: "فقال إنه من أهل النار" في رواية ابن أبي حازم المذكورة" فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار" وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني" قال قلنا يا رسول الله فلان

(7/472)


يجزئ في القتال، قال: هو في النار. قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال". قوله: "فقال رجل من القوم: أنا صاحبه" في رواية ابن أبي حازم "لأتبعنه" وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه. قوله: "فجرح جرحا شديدا" المصنف زاد في حديث أكثم "فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان، قال: هو في النار". قوله: "فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه" في رواية ابن أبي حازم "فوضع نصاب سيفه في الأرض" وفي حديث أكثم "أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أشهد أنك رسول الله". قوله: "وهو من أهل الجنة" زاد في حديث أكثم "تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها" وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء تعالى. قوله: "شهدنا خيبر" أراد جيشها من المسلمين، لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر، ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها، لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحها فقلت: يا رسول الله أسهم لي" وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب. قوله: "فلما حضر القتال" بالرفع والنصب. قوله: "فقال لرجل ممن معه" أي عن رجل، واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شأنه أي سببه، ومنه قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . قوله: "فكاد بعض الناس يرتاب" في رواية معمر في الجهاد "فكاد بعض الناس أن يرتاب" ففيه دخول أن على خبر كاد، وهو جائز مع قلته. قوله: "قم يا فلان" هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر. قوله: "إن الله يؤيد" في رواية الكشميهني: "ليؤيد" قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها. قوله: "بالرجل الفاجر" يحتمل أن تكون اللام للعهد، والمراد به قزمان المذكور، ويحتمل أن تكون للجنس. قوله: "تابعه معمر" أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد، وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري. قوله: "وقال شبيب" أي ابن سعيد "عن يونس" أي ابن يزيد "عن ابن شهاب" أي الزهري بهذا الإسناد. قوله: "شهدنا حنينا" يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة "حنين" ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث، وأوردها الذهلي في "الزهريات" ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه، وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا، وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد، لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله من كعب بن مالك، وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة. قوله: "وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "يعني وافق شبيبا في لفظ: "حنين" وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث، وطريق ابن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة. قوله: "وتابعه صالح" يعني ابن كيسان "عن الزهري" وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه. قال: "قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه: هذا من أهل النار " الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية ابن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة، لا في بقية المتن ولا في الإسناد. وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد

(7/473)


عن أبيه عن صالح عن لزهري فقال: "عن عبد الرحمن بن المسيب" مرسلا ووهم فيه، وكأنه أراد أن يقول: "عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب" فذهل. قوله: "وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر" قال الزهري: "وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي رواية النسفي "عبد الله بن عبد الله" هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة، وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله، وقد أوضح ذلك في التاريخ، وكذلك أبو نعيم في "المستخرج" والذهلي في "الزهريات" فأخرجوه من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده" قال الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل إلا رجل مؤمن، والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" هذا سياق البخاري، وفي سياق الذهلي" قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله" وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله، نبه عليه أبو علي الجياني، وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية، وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها، وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا آخر على الزهري فقال: "حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال قم فأذن إنه إلا يدخل الجنة إلا مؤمن . قال الحلواني: قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن المسيب هذا؟ قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن، وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب، فأظن أن هذا هو الكناني. قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشيء، وإنما سقط من هذا الإسناد واو واحدة ففحش خطؤه، وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب، فعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن كعب وابن المسيب هو سعيد، وقد حدث به عن الزهري كذلك ابن أخيه وموسى بن عقبة ويونس بن يزيد، والله أعلم. وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال: ولا تدفع رواية الأخيرين لأن الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب ذلك، نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على إرسال آخر الحديث، قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه الوعيد من الفساق، ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون قوله: "هو من أهل النار" أي إن لم يغفر الله له. ويحتمل أن يكون حين أصابته الجراحة ارتاب وشك في الإيمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث: "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" وبذلك حزم ابن المنير. والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم من أن يكون كافرا أو فاسقا، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نستعين بمشرك" لأنه محمول على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ، وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، وذلك من معجزاته الظاهرة، وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها. "تنبيه": المنادى بذلك بلال، ووقع عند مسلم في رواية: "قم يا ابن الخطاب" وعند البيهقي أن

(7/474)


المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف، ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة.
4206- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ "رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ فَقَالَ هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ النَّاسُ أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ"
4207- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ "الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لاَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
4208- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ "نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ كَأَنَّهُمْ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ"
الحديث الثامن حديث سلمة بن الأكوع وهو من ثلاثياته قوله: "فقلت يا أبا مسلم" هي كنية سلمة بن الأكوع. قوله: "أصابتها يوم خيبر" أي أصابت ركبته، ويوم بالنصب على الظرفية. قوله: "فنفث فيه" أي في موضع الضربة، وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون النفل، وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل، وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ. حديث سهل بن سعد تقدم شرحه. قوله: "حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي" هو بصري واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في الجهاد. قوله: "حدثنا زياد بن الربيع" هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة بصري أيضا، وثقه أحمد وغيره، ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال: فيه نظر، قال ابن عدي: وما أرى بروايته بأسا. قلت: وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "عن أبي عمران" هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، وهم بطن من الأزد، وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن، وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه، وقد ساقه الرشاطي فقال: الجون واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور. قوله: "فرأى طيالسة" أي عليهم. وفي رواية محمد بن

(7/475)


بزيع عن زياد بن الربيع عند ابن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال: "ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر" والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة، وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها، فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر، ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. وقيل: المراد بالطيالسة الأكسية، وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء.
4209- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِهِ فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يُفْتَحُ عَلَيْ هِ فَنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ"
4210- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَوْمَ خَيْبَرَ لاَ عْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لاَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ "
الحديث العاشر والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع وحديث سهل بن سعد فيقصة فتح علي خيبر. قوله: "وكان رمدا" في حديث علي عند ابن أبي شيبة: "أرمد" وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير "أرمد شديد الرمد" وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل "أرمد لا يبصر".قوله: "فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلحق به" وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقال ذلك، وقوله: "فلحق به" يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر، ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها. قوله: "فلما بتنا الليلة التي فتحت" خيبر في صبيحتها "قال لأعطين الراية غدا" وقع في هذه الرواية اختصار، وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال: "لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأدفعن لوائي غدا إلى رجل" الحديث، وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر، وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في "الإكليل" وأبو نعيم والبيهقي في "الدلائل". قوله: "لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا" هو شك من الراوي، وفي حديث سهل الذي بعده

(7/476)


"لأعطين هذه الراية غدا رجلا" بغير شك، وفي حديث بريدة "إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله" والراية بمعني اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض" ومثله عند الطبراني عن بريدة، وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد: "مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله "وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية". قوله: "يحبه الله ورسوله" زاد في حديث سهل بن سعد "ويحب الله ورسوله" وفي رواية ابن إسحاق "ليس بفرار" وفي حديث بريدة "لا يرجع حتى يفتح الله له". قوله: "فنحن نرجوها" في حديث سهل "فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها" وقوله: "يدوكون" بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف الاختلاط، وعند مسلم من حديث أبي هريرة" إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ" وفي حديث بريدة "فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها، ثم دفع إليه اللواء" ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: "فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ". قوله: "فقيل هذا علي" كذا وقع مختصرا، وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم، وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده" فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتوا به" وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره، ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره. قوله "فبرأ" بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب, ويجوز كسر الراء بوزن علم, وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال"فوضع رأسي في حجره ثم بزق في الية راحته فدلك بها عيني" وعند بريدة في "الدلائل" للبيهقي "فما وجعها علي حتى مضى لسبيله" أي مات. وعند الطبراني من حديث علي "فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية يوم خيبر" وله من وجه أخر "فما اشتكيتها حتى الساعة, قال: ودعا لي فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر" قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا". قوله: "فأعطاه ففتح عليه" في حديث سهل "فأعطاه الراية" وفي حديث أبي سعيد عند أحمد" فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما" وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال فتحت صلحا قال. وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال انتهى. والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر "إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا" الحديث وفي آخره: "فسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها" الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم

(7/477)


عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم. وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزله نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين" وهو حديث اختلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا، والله أعلم. قوله: "فبرأ" بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال: "فوضع رأسي في حجره ثم بزق في ألية راحته فدلك بها عيني" وعند بريدة في "الدلائل" للبيهقي "فما وجعها علي حتى مضى لسبيله" أي مات. وعند الطبراني من حديث علي "فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية يوم خيبر" وله من وجه آخر "فما اشتكيتها حتى الساعة. قال: ودعا لي فقال: اللهم أذهب عنه الحر والقر، قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا". قوله: في حديث سهل "فقال علي يا رسول الله أقاتلهم" هو بحذف همزة الاستفهام. قوله: "حتى يكونوا مثلنا" أي حتى يسلموا. قوله: "فقال انفذ" بصم الفاء بعدها معجمة. قوله: "على رسلك" بكسر الراء أي على هينتك. قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام" ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم: "فقال علي" يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " واستدل بقوله: "ادعهم" أن الدعوة شرط في جواز القتال. والخلاف في ذلك مشهور فقيل: يشترط مطلقا، وهو عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لما تبلغهم، قال: إلا أن يعجلوا المسلمين، وقيل: لا مطلقا وعن الشافعي مثله. وعنه لا يقاتل من لم تبلغه حتى يدعوهم، وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء، وهو مقتضى الأحاديث. ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب، بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء. وكان ذلك أول ما طرقهم، وكانت قصة علي يعد ذلك. وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة. قوله: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا إلخ" يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله. قوله: "حمر النعم" بسكون الميم من حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها، وكانت مما تتفاخر العرب بها. وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع قال: "خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه، فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه". وللحاكم من حديث جابر "أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا" والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربعين عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، ولو لم يكن إلا باختلاف حال الأبطال. وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه "وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب، الأبيات. فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، الأبيات. فضرب رأس مرحب فقتله، فكان الفتح على يديه" وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل وخالف ذلك أهل السير فجزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة، وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر، وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي، وقيل: أن الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة، فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه، ولاسيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا، وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص وهو من أعظم حصونهم، ومنه سبيت صفية بنت حيي، والله أعلم.
4211- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ

(7/478)


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ"
4212- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ "سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ"
4213- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ"
الحديث الثاني عشر حديث أنس في قصة صفية أخرجه من طرق: الطريق الأول قوله: "حدثنا عبد الغفار بن داود" هو أبو صالح الحراني، أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد، وشيخه يعقوب هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني. قوله: "وحدثني أحمد" في رواية كريمة أحمد بن عيسى. وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في "المستخرج" والذي يظهر أن البخاري ساقه على لفظ رواية ابن وهب، وأما على رواية ابن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل السلم على لفظه. قوله: "عن عمرو" في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة. قوله: "مولى المطلب" هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي. قوله: "فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا" اسم الحصن القموص كما تقدم قريبا، واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات، وكان سبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، قال فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله منه إلى خيبر، فسألهم عنه فقالوا. أذهبته النفقات، فقال. العهد قريب، والمال أكثر من ذلك . قال: فوجد بعد ذلك في خربة، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية "وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث الذي قبله. قوله: "فاصطفاها لنفسه" روى أبو داود وأحمد وصححه وابن حبان والحاكم

(7/479)


من طريق أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: "كانت صفية من الصفي" والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية، فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: "كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء" ومن طريق الشعبي قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس" ومن طريق قتادة "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم" وقيل: إن صفية كان اسمها قبل أن تسبي زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية. قوله: "فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء" أما سد فبفتح المهملة وبضمها، وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب الطهارة، ووقع في رواية عبد الغفار هنا "سد الروحاء" والأول أصوب، وهي رواية قتيبة كما تقدم في الجهاد، ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره. والروحاء بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة، وقد تقدم ذلك في حديث ابن عمر في أواخر المساجد، وقيل: بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء، وعلى التقديرين فليست قرب خيبر، فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء، وهي على بريد من خيبر قاله ابن سعد وغيره. قوله: "حلت" أي طهرت من الحيض، وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع قبيل كتاب السلم وعند ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وصله عند مسلم في قصة صفية "قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها" وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء، والله أعلم. قوله: "فبنى بها" يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "يحوي لها" بالمهملة المفتوحة وضم أوله وتشديد الواو، أي يجعل لها حوية، وهي كساء محشوة تدار حول الراكب. قوله: "ويضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب" وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة، وفي أوله أيضا التعوذ، وقد بينت هناك أماكن شرح هذه الأحاديث. ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة "فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب، فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه وركبت". قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أونس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو بن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من رواية الأقران. قوله: "أقام على صفية بنت حتى بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها" المراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام، لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لأن في حديث سويد بن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر، وبين ابن سعد في حديث ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بنى بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال، وقد ذكر في الطريق التي قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء، وهو يبين المراد من قوله: "بطريق خيبر" وكذا قوله في الطريق الثالثة "أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال" ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي قبلها ثلاثة أيام لأنه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها. قوله: "قام النبي صلى الله عليه وسلم" كذا لأبي ذر عن السرخسي، وللباقين "أقام" وهو أوجه. قوله: "قالوا إن حجبها إلخ" سيأتي شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.

(7/480)


4214- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ"
4215- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
"نَهَى عَنْ أَكْلِ الثُّوم"ِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ" وَلُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" عَنْ سَالِمٍ
4216- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ"
[الحديث 4216- أطرافه في: 6961,5573,5115]
4217- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
4218- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
4219- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ"
[الحدبث 4219- طرفاه في: 5524,5520]
4220- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ "قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي قَالَ وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ"
4222,4221- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ "أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ

(7/481)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ"
[الحدبث 4221- أطرافه في: 5525,4226,4225,4223]
4224,4223- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُحَدِّثَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ "
4225- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ"
4226- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ"
4227- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني. قوله: "حدثنا وهب" هو ابن جرير بن حازم، وساق الحديث هناك، وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدوء بذكره هنا. قوله: "فرمى إنسان بجراب" لم أقف على اسمه. وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة، وتقدمت بقية مباحثه في "باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب" من كتاب الخمس. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. الحديث الخامس عشر حديث علي قوله: "ابني محمد" أي ابن علي بن أبي طالب. قوله: "عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية" في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي: "حمر الأنسية" بغير ألف ولام في الحمر، قيل إن في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب: نهى يوم خيبر على لحوم الحمر الأنسية وعن متعة

(7/482)


النساء، وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي. قوله: "عن لحوم الحمر" زاد الكشميهني: "الأهلية" وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا عباد" هو ابن العوام والشيباني سليمان بن فيروز. قوله: "أصابتنا مجاعة يوم خيبر، فإن القدور لتغلي" كذا وقع مختصرا وتمامه قد تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ: "فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور" الحديث، وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين. كذا رواه بالشك. قوله: "وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة" تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال: "نهى عنها البتة" وإن الشيباني قال: "لقيت سعيد بن جبير فقال: نهى عنها البتة" وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال: "فلقيت سعيد بن جبير فسألته عن ذلك، وذكرت له ذلك فقال: نهى عنها البتة، لأنها كانت تأكل العذرة" وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. "تنبيه": قوله: "البتة" معناه القطع، وألفها ألف وصل، وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس، ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة، قال الجوهري الانبتات الانقطاع، ورجل منبت أي منقطع به، ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر انتهى. ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم. حديث البراء وهو ابن عازب مقرونا بابن أبي أوفى، أخرجه من ثلاثة طرق: عن شعبة عاليتين ونازلة، والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة. قوله: "في الأولى واطبخوها" بتشديد الطاء المهملة أي عالجوا طبخها. قوله فيها "فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم" هو أبو طلحة كما تقدم. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق: إسحاق بن راهويه فقال: "عن النضر - وهو ابن شميل - عن شعبة" فدل على أنه ليس شيخ البخاري فيه، وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو ابن منصور لا ابن راهويه. قوله فيها "أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور: أكفئوا القدور" أي أميلوها ليراق ما فيها. قوله في الثالثة "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، واقتصر في روايته على البراء، وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما، ومنهم من أفرد أحدهما بالذكر، وإن الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن ابن أوفى أو البراء بالشك. قوله: "نحوه" قد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكفئوا القدور " ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء. قوله: "ابن أبي زائدة" هو يحيى بن زكريا، وعاصم هو الأحول، وعامر هو الشعبي. قوله: "نيئة ونضيجة" بالتنوين فيهما، ووقع في رواية بهاء الضمير فيها والنيء بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج. قوله: "ثم لم يأمرنا بأكله بعد" فيه إشارة إلى استمرار تحريمه، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثني محمد بن أبي الحسين" كذا للجميع، وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بيتهما ألف، كان

(7/483)


حافظا، وهو من أقران البخاري، وعاش بعده خمس سنين، وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث، لكن مقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه: "حدثتا محمد حدثنا عمر بن حفص بن غياث" فالذي يظهر أنه هذا، وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث وأخرج عنه هنا بواسطة.
4228- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ"
الحديث العشرون حديث ابن عمر في سهام الراجل والفارس، تقدم شرحه في الجهاد. والقائل "قال فسره نافع" هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. وزائدة هو ابن قدامة، ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا، وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق يقدم قريبا في عمرة الحديبية.
4229- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ "مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ فَقَالَ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ جُبَيْرٌ وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا"
الحديث الحادي والعشرون حديث جبير بن مطعم، تقدم شرحه في فرض الخمس، وقوله: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" كذا للأكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة، وللمستملي هنا وحده بكسر المهملة وتشديد التحتانية. وقوله: "قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا" هو موصول بالإسناد المذكور.
4230- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ بِضْعٌ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلاَ وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ

(7/484)


وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ -أَوْ فِي أَرْضِ- الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ "
4231- "فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا قُلْتِ لَهُ قَالَتْ قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ قَالَتْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ "قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي"
4232- قَالَ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لاَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ"
الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى قوله: "بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه" ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة، وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة، وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها، وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك، وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار، فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه. وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه "خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك، ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة" وصححه ابن حبان من هذا الوجه، ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة، ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان في الهدنة. قوله: "أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم" أما أبو بردة فاسمه عامر، وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو ابن أخيه عنه، وأما أبو رهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله ابن عبد البر، وجزم ابن حبان في "الصحابة" بأن اسمه محمد، ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء. قوله: "إما قال بضع وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي" في رواية المستملي: "من قومه" وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه، فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته، فمن

(7/485)


قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم، ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته. وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا، والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والاتباع، وأما ابن إسحاق فقال: كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل. قوله: "فوافقنا جعفر بن أبي طالب" أي بأرض الحبشة. قوله: "فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا" اختصر المصنف هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الإسناد وهو "فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا. فأقمنا معه". قوله: "حتى قدمنا جميعا" ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا، فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة. قوله: "فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم" زاد في فرض الخمس "فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم" وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث. ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم. قوله: "وكان أناس" سمى منهم عمر كما سيأتي. قوله: "دخلت أسماء بنت عميس" هي زوج جعفر، وقوله: "وهي ممن قدم معنا" هو كلام أبي موسى. قوله: "على حفصة" زاد أبو يعلى "زوج النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "قال عمر آلحبشية هذه؟ البحيرية هذه؟" كذا لأبي ذر بالتصغير، ولغيره: "البحرية" بغير تصغير. وكذا في رواية أبي يعلى. ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام، ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم، وإلى البحر لركوبها إياه. قوله: "وكنا في دار أو في أرض البعداء" هو شك من الراوي. قوله: "البعداء البغضاء" كذا للأكثر جمع بغيض وبعيد. وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء، وللنسفي البعد بضمتين، وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية، وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي" فقالت: أي لعمري لقد صدقت، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء والطرداء". قوله: "وذلك في الله وفي رسوله" أي لأجلهما. قوله: "وايم الله" بهمزة وصل، وفيها لغات تقدم ذكرها. قوله: "ولكم أنتم أهل السفينة" بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير. قوله: "هجرتان" زاد أبو يعلى "هاجرتم مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي" ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال: "قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: بل لكم هجرتان، هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك " ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه: "كذب من يقول ذلك" ومن وجه آخر عنه قال يقول: "للناس هجرة واحدة" وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين، لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق، بل من الحيثية المذكورة. وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس، وقد تقدم في الهجرة بهذا الإسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكذلك أخرجه ابن حبان، ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى. قوله: "قالت" يعني أسماء بنت عميس، وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا "قال أبو بردة قالت أسماء".

(7/486)


قوله: "يأتونني" في رواية الكشميهني: "يأتون" وقوله: "أرسالا" بفتح الهمزة أي أفواجا، أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس. وفي رواية أبي يعلى "ولقد رأيت أبا موسى إنه ليستعيد مني هذا الحديث. قوله: "قال أبو بردة" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله: "وإنه ليستعيد هذا الحديث مني". قوله: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين" الرفقة الجماعة المترافقون، والراء مثلثة والأشهر ضمها. قوله: "حين يدخلون بالليل" بالدال والحاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم، وحكى عياض عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة، وصوبها الدمياطي في البخاري، وهو عجيب منه فإن الرواية بالدال والمعجمة، والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير، وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والمهملة، قال النووي: والرواية الأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ما ثم رجعوا. قوله: "بالقرآن" يتعلق بأصوات، وفيه أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء. قوله: "ومنهم حكيم" قال عياض قال أبو علي الصدفي: هو صفة لرجل منهم. وقال أبو علي الجياني: هو اسم علم على رجل من الأشعريين، واستدركه على صاحب "الاستيعاب". قوله: "إذا لقي الخيل أو قال العدو" هو شك من الراوي. قوله: "قال لهما إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم" أي تنتظروهم من الانتظار ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم، ليثبتهم على القتال وهذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله: "أو قال العدو" وأما على الشق الأول وهو قوله: "إذا لقي الخيل" فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا، وهذا أشبه بالصواب. قال ابن التين: معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم.
4223- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ"قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ غَيْرَنَا"
الحديث الرابع والعشرون قوله: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم" هو ابن راهويه، وقوله: "سمع" أي أنه سمع. ويريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة الأشعري. قوله: "قدمنا" أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه. قوله: "ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا" يعني الأشعريين ومن معهم، وجعفر ومن معه. وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ: "وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه لهم معهم" وقد تقدم شرحه هناك. ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى.
4234- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى

(7/487)


وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ"
[الحديث 4234- طرفه في: 6707]
الحديث الخامس والعشرون قوله: "حدثني عبد الله بن محمد" هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا. قوله: "قال أبو إسحاق" هو إبراهيم بن مجمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال: "حدثنا أبو إسحاق" وأخرجه الدار قطني في "الموطآت" طريق المسيب بن واضح قال: "حدثنا أبو إسحاق الفزاري". قوله: "عن مالك" نزل البخاري في هذا الحديث درجتين لأنه أخرجه في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال، قال ابن طاهر: والسر في ذلك أن في رواية أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك "حدثني ثور بن زيد" وفي رواية الباقين "عن ثور" وللبخاري حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى. وثور بن زيد هو الديلي، مدني مشهور. وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله: "حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة" وعنعن باقي الرواة عن مالك جميع الإسناد، وسالم مولى ابن مطيع يكني أبا الغيث وهو بها أشهر، وقد سمي هنا. فلا التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا. وهو مدني لا يعرف اسم أبيه، وابن مطيع اسمه عبد الله وليس لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة، له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب. قوله: "افتتحنا خيبر" في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي عن أبيه في الموطأ "حنين" بدل خيبر، وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال: "خيبر" مثل الجماعة، نبه عليه ابن عبد البر. ووقع في رواية إسماعيل المذكورة "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر" وهي رواية الموطأ أعني قوله: "خرجنا"، وأخرجها مسلم من طريق ابن وهب عن مالك، ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور، فحكى الدار قطني عن موسى بن هارون أنه قال: وهم ثور في هذا الحديث، لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم، وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت. قال أبو مسعود: ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها" قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم، فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة. قلت: وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى الحديث عنه بدونها، أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ: "انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى" ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب من هذا الاعتراض بأن يحمل قوله: "افتتحنا" أي المسلمون، وقد تقدم نظير ذلك قريبا. وروى البيهقي في "الدلائل" من وجه آخر عن أبي هريرة قال: "خرجنا مع

(7/488)


النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى" فلعل هذا أصل الحديث، وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال: "قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة" فذكر الحديث وفيه: "فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي، فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم" ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لأحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لأصحاب السفينة، وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين، والله أعلم. وسأذكر رواية عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى. قوله: "إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط" في رواية مسلم: "غنمنا المتاع والطعام والثياب" وعند رواة الموطأ "إلا الأموال والثياب والمتاع" وعند يحيى بن يحيى الليثي وحده "إلا الأموال والثياب" والأول هو المحفوظ، ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا، وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق، فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى. وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين" فابتعت به مخرفا، فإنه لأول مال تأثلته" فالذي يظهر أن المال ما له قيمة، لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا. قوله: "إلى وادي القرى" تقدم ضبطه في البيوع. قوله: "عبد له" في رواية الموطأ "عبد أسود". قوله: "مدعم" بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة. قوله: "أهداه له أحد بني الضباب" كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير. وفي رواية أبي إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل: بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام، قال الواقدي: كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه. قوله: "فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البيهقي في الرواية المذكورة "وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية". قوله: "سهم عائر" بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به، وقيل هو الحائد عن قصده. قوله: "بل والذي نفسي بيده" في رواية الكشميهني: "بلى" وهو تصحيف وفي رواية مسلم: "كلا" وهو رواية الموطأ: قوله: "لتشتغل عليه نارا" يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا القول في الشراك الآتي ذكره. قوله: "فجاء رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "بشراك أو بشراكين" الشراك بسكر المعجمة وتخفيف الراء: سير النعل على ظهر القدم، وفي الحديث تعظيم أمر الغلول، وقد مر شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في "باب القليل من الغلول" في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو قال: "كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو في النار في عباءة غلها" وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة، والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما. نعم عند مسلم من حديث عمر" لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا إني

(7/489)


رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة" فهذا يمكن تفسيره بكركرة، بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى، ومات بسهم عائر، وغل شملة. والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي، بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا، والله أعلم. وذكر البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم: "حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها، وبلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه" وفي الحديث قبول الإمام الهدية، فإن كان لأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد، وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين، وعلى هذا التفصيل يحمل حديث: "هدايا الأمراء غلول" فيخص بمن أخذها فاستبد بها، وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال: له الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز، فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها، وفي هذا الاحتجاج نطر لا يخفي، وقد تقدم شيء من هذا في أواخر الهبة.
4235- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا"
4236- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ"
الحديث السادس والعشرون حديث عمر ذكره من طريقين قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" أي ابن أبي كثير. قوله: "أخبرني زيد" هو ابن أسلم مولى عمر. قوله: "لولا أن أترك آخر الناس ببانا" كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون، قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا، قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث. وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة، لكنها غير فاشية في لغة معد، وقد صححها صاحب العين وقال: ضوعفت حروفه. وقال: الببان المعدم الذي لا شيء له، ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة. وقال ابن فارس: يقال هم ببان واحد أي شيء واحد. قال الطبري: الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر. وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد: صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية، أي شيئا واحدا، فإنهم قالوا لمن لا يعرف: هو هيان بن بيان. قلت: وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال: "لئن عشت لأجعلن الناس ببابا واحدا". ذكره الجوهري. وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية. وروى الدار قطني في" غرائب مالك" من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال: "لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم" وقد قدمت ذلك في "باب الغنيمة لمن شهد الوقعة" من كتاب الجهاد. "تنبيه": نقل صاحب "المطالع" عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي، وتعقب بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة، وقد ذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم ساكنة وهي دابة تعادي الأسد. وفي الأعلام "ببة" بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث الهاشمي أمير الكوفة. قوله: "ولكني أتركها لهم خزانة يقسمونها" أي يقتسمون خراجها. قوله: "حدثنا

(7/490)


ابن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم" ووقع في "غرائب أبي عبيد" عن ابن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي فيه شيخين، لأنه ليس في رواية مالك قوله: "ببانا" وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير.
4237- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لاَ تُعْطِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ وَا عَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ" 4238- وَيُذْكَرُ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَقْسِمْ لَهُمْ قَالَ أَبَانُ وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَانُ اجْلِسْ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ"
4239- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي "أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أَبَانُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِيَدِي وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ"
الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة قوله: "سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية" أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، والجملة حالية. قوله: "قال أخبرني" قائل ذلك هو الزهري، وعنبسة بن سعيد أي ابن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية. قوله: "أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله" هذا السياق صورته مرسل، وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد، وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله: "قال بعض بني سعيد" وبيان المراد بقوله ابن قوقل وشرح ما فيه. قوله: "فسأله" أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر. وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد" فقلت يا رسول الله أسهم لي". قوله: "قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه" القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده. قوله: "واعجباه" في رواية السعيدي التي بعد هذه واعجبا لك" وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب و" وا" مثل واها، واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى وأعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كقوله يا أسفي، وفيه شاهد على استعمال "وا" في منادي غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار ابن مالك. قوله: "لوبر تدلي من قدوم الضأن" كذا اختصره، وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه، وسيأتي شرحه في الذي بعده. قوله: "ويذكر عن الزبيدي" أي محمد بن الوليد، وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضا أبو نعيم في "المستخرج" من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي. قوله: "يخبر سعيد بن العاص" أي ابن أمية، وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاوية في ذلك الزمان. قوله: "قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد" لم أعرف حال هذه

(7/491)


السرية، وأما أبان فهو ابن سعيد بن العاص بن أمية، وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة، وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية، وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية، فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي في سرية، وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان، فروى من طريق سعيد بن العاص قال: "قتل أبي يوم بدر،. فرباني عمي أبان، وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر، فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه، فسئل عن ذلك، فذكر أنه لقي راهبا فأخبره بصفته ونعته، فوقع في قلبه تصديقه، فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم" فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية. قوله: "وإن حزم" بمهملة وزاي مضمومتين. قوله: "لليف" بلام التأكيد، والليف معروف. وفي رواية الكشميهني الليف على أنه خبر إن بغير تأكيد. قوله: "وأنت بهذا" أي وأنت تقول بهذا، أو وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده. قوله: "يا وبر" بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية، ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد أبان تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال انتهى. ونقل ابن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال: معناه أنه ملصق في قريش لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره. وتعقبه ابن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية: "وبر" بالتحريك. قال: ولم يضبط إلا بالسكون. قوله: "تحدر" في الرواية الأولى "تدلي" وهي بمعناها، وفي الرواية التي بعدها، "تدأدأ" بمهملتين بينهما همزة ساكنة، قيل: أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة صوت الحجارة في المسيل، ووقع في رواية المستملي: "تدأرأ" براء بدل الدال الثانية. وفي رواية أبي زيد المروزي "تردى" وهي بمعنى تحدر وتدلي، كأنه يقول: تهجم علينا بغتة. قوله: "من رأس ضال" كذا في هذه الرواية باللام، وفي التي قبلها بالنون، وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو السدر البري، وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري، ووقع في نسخة الصغاني "الضال سدرة البر" وتقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري، وأما قدوم فبفتح القاف للأكثر أي طرف، ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف، وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعي الغنم، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة. قوله: "ينعى" بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على، يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه. وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان "يعيرني". قوله: "ومنعه أن يهني" بالتشديد أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى، ووقع في الرواية الأخيرة "ومنعه أن يهينني بيده" وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد، قيل: وقع في إحدى الطريقين ما يدخل فيه قسم المقلوب، فإن في رواية أبي عيينة أن أبا هريرة هو السائل أن يقسم له، وأن أبان هو الذي أشار بمنعه. وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل، وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه، وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي. ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبان أجلس" ولم يقسم لهم، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه

(7/492)


قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب، وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف، فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا.
والله أعلم.
4241,4240- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَاللَّهِ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلاَّ صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلاَ إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ"
الحديث الثامن والعشرون حديث عائشة "إن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها" تقدم شرحه في فرض الخمس، وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح. قوله: "وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر" هذا هو الصحيح في بقائها بعده، وروى ابن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي، وأن ستة أشهر هو

(7/493)


الثبت، وقيل: عاشت بعده سبعين يوما، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا. وأشار البيهقي إلى أن في قوله: "وعاشت إلخ" إدراجا، وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره: "قلت للزهري: كم عاشت فاطمة بعده: قال: ستة أشهر" وعزا هذه الرواية لمسلم، ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما عند البخاري موصولا. والله أعلم. قوله: "دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر" روى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها، ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر، ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه، وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار لأنه في بعضه "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك". قوله: "وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة" أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة، فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث: "لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الأمر بالمعروف" وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم لأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى علي أن يوافقها في الانقطاع عنه. قوله: "فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر" أي في حياة فاطمة. قال المازري: العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، وقد ذكرت سبب ذلك. قوله: "كراهيه ليحضر عمر" في رواية الأكثر "لمحضر عمر" والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكر رقيقا لينا، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. قوله: "لا تدخل عليهم" أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك. قوله: "وما عسيتهم أن يفعلوا بي" قال ابن مالك: في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية، فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان، وكان حقه أن يكون عاريا من "أن" لكن جيء بها لئلا تخرج" عسى" عن مقتضاها بالكلية. وأيضا فإن "أن" قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأولى بدلا منه. قال: ويجوز حمل "ما عسيتهم" حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى، والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي، وهو وجه حسن. قوله: "ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك" بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة، يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة، وقوله: "استبددت" في رواية غير أبي ذر "واستبدت" بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أصله ظللتم، أي لم تشاورنا، والمراد بالأمر الخلافة. قوله: "وكنا نرى" بضم أوله ويجوز الفتح. قوله: "لقرابتنا" أي لأجل قرابتنا "من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا" أي لنا في هذا الأمر. قوله: "حتى فاضت" أي لم يزل علي يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة. قال المازري: ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه

(7/494)


بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره، أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا، والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه. قوله: "شجر بيني وبينكم" أي وقع من الاختلاف والتنازع. قوله: "من هذه الأموال" أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها. قوله: "فلم آل" أي لم أقصر. قوله: "موعدك العشية" بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال. قوله: "رقي المنبر" بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا، وحكى ابن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف. قوله: "وعذره" بفتح العين والذال على أنه فعل ماض، ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر. قوله: "وتشهد علي فعظم حق أبي بكر" زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري" وذكر فضيلته وسابقيته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه". قوله: "وكان المسلمون إلى علي قريبا" أي كان ودهم له قريبا "حين راجع الأمر بالمعروف "أي من الدخول فيما دخل فيه الناس. قال القرطبي: من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الأخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق. وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما وقع في مسلم: "عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: لا ولا أحد من بني هاشم" فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بياعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا مخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة.
4243- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التَّمْرِ"
4243- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ"
الحديث التاسع والعشرون قوله: "حدثني حرمي" بفتح المهملة والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب، وهو ابن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو ابن أبي حفصة وعكرمة هو مولى ابن عباس، وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث، وآخر سبق في الطهارة، وثالث يأتي في اللباس. قوله: "قلنا الآن نشبع من التمر" أي لكثرة ما فيها من النخيل، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش. قوله: "حدثنا الحسن" هو ابن محمد بن الصباح الزعفراني، وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن. وقال الكلاباذي: يقال إنه الزعفراني، وأما الحاكم فقال: هو الحسن بن شجاع، يعني البلخي أحد الحفاظ، وهو من أقران البخاري، ومات

(7/495)


قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب، وسيأتي في تفسير سورة الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو، وقرة بن حبيب أي أبي يزيد القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح، وكذا يقال له أيضا الرماح، وهو قشيري النسب بصري، أصله من نيسابور، وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الأدب المفرد، وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين. قوله: "ما شبعنا حتى فتحنا خيبر" يؤيد حديث عائشة الذي قبله.

(7/496)


39 - باب اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
4245,4244- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا "
4247,4246- وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنْ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا"
وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ...... مِثْلَهُ
قوله: "باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر" أي بعد فتحها لتنمية الثمار. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس، وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع. قوله: "وقال عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي، وقد وصله أبو عوانة والدار قطني من طريقه. قوله: "عن عبد المجيد" هو ابن سهل شيخ مالك فيه. قوله: "عن سعيد" هو ابن المسيب. قوله: "بعث أخا بني عدي من الأنصار" في رواية أبي عوانة والدار قطني "سواد بن غزية" وهو من بني عدي بن النجار، وسواد بتخفيف الواو، وشذ السهيلي فشددها، ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدار قطني سوار آخره راء، لكن ذكر أبو عمر أنها تصحيف. وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر فلان ابن صعصعة فلعلها قصة أخرى. قوله: "وعن عبد المجيد" هو معطوف على الذي قبله، وهو عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد، فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم.

(7/496)


40 - باب مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ
4248- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال "أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها"
قوله: "باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر" ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا.

(7/496)


41 - باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ
رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4249- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ"
قوله: "باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر" أي جعل فيها السم، والسم مثلث السين. قوله: "رواه عروة عن عائشة" لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا، وسيأتي ذكره هناك. قوله: "حدثني سعيد" هو ابن سعيد المقبري. قوله: "لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم" هكذا أورده مختصرا، وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وراد" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود" فذكر الحديث. وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب. قال أبي إسحاق: لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية، وكانت سألت: أي عضو من الشاة أحب إليه؟ قيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغه ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته، فذكر القصة، وأنه صفح عنها، وأن بشر بن البراء مات منها. وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة "أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل، فقال لأصحابه: أمسكوا فإنها مسمومة . وقال لها: ما حملك على ذلك؟ قالت. أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك، قال فما عرض لها" ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال: "فلما يعاقبها" وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد: "فاحتجم على الكاهل" قال قال الزهري. "فأسلمت فتركها" قال معمر: والناس يقولون قتلها. وأخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره: "قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها" قال الواقدي: وهو الثبت. وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر، ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا. قال البيهقي: وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال البيهقي. يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي وزاد: أنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها يبشر قصاصا. قلت: ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه. ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث. وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ما حملك على ما فعلت؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي". قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال: عمها يسار وكان من أجبن1 الناس، وهو الذي أنزل من الرف. وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم. ووقع في سنن أبي داود "أخت مرحب" وبه جزم السهيلي. وعند البيهقي في الدلائل "بنت أخي مرحب" ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك، وأن
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "أخبث"

(7/497)


لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت. وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة: منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم، والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار، وقسمة الغنيمة على السهام، وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله، وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين، ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لأبان بن سعيد وأصحابه، وبذلك يجمع بين الأخبار. ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية، وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة، وتحريم متعة النساء، وجواز المساقاة والمزارعة، ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم، وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه، وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه، وأن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها، وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم، وجواز البناء بالأهل بالسفر، والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم، وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها، والله الهادي للصواب.

(7/498)


42 - باب غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
4250- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ "
قوله: "غزوة زيد بن حارثة" بالمهملة والمثلثة: مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد. حديث ابن عمر في بعث أسامة، سيأتي شرحه في أواخر المغازي، والغرض منه قوله: "فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله" وسيأتي قريبا بعد غزو مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا" هكذا ذكره مبهما، ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ: "وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا" وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ وأخرجه أبو نعيم في" المستخرج" عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن أبي عاصم. وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا كما قاله سلمة، وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض، فأولها: في جمادى الأخيرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب، والثانية: في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم، والثالثة: في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع، والرابعة: في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة، والخامسة: إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل، والسادسة: إلى وادي القرى، والسابعة: إلى ناس من بني فزارة، وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم، فيقال

(7/498)


ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت، وأسر بنتها وكانت جميلة، ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف، وقد ذكر مسلم طرفا منها من حديث سلمة بن الأكوع

(7/499)


43- باب عُمْرَةِ الْقَضَاءِذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4251- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا لاَ نُقِرُّ لَكَ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلِيٌّ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُم ِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا وَقَالَ عَلِيٌّ أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ "
4252- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ"
قوله: "باب عمرة القضاء" كذا للأكثر، وللمستملي وحده "غزوة القضاء" والأول أولى. ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع

(7/499)


من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا، فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيوف في أغمادها، وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك، وأخر النبي صلى الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة. وقال ابن الأثير: أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية، انتهى. واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل: المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية. قال أهل اللغة: قاضى فلانا عاهده، وقاضاه عاوضه، فيحتمل تسميتها بذلك لأمرين قاله عياض. ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قال السهيلي: تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت فيها. قلت: كذا رواه ابن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه. وقال ابن إسحاق: بلغنا عن ابن عباس فذكره، ووصله الحاكم في "الإكليل" عن ابن عباس لكن في إسناده الواقدي. وقال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضي فيها قريشا، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها، لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج. وقال آخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت، فقال الجمهور: يجب عليه الهدي ولا قضاء عليه، وعن أبي حنيفة عكسه، وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء، وأخرى يلزمه الهدي والقضاء، فحجة الجمهور قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وحجة أبي حنيفة تلزم بالشروع، فإذا أحصر جاز له تأخيرها، فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدي حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدي، وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال: "اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدي وتحللت، ثم رجعت العام المقبل فقال لي ابن عباس: ابذل الهدي فإن الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك". وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدي بل أمر من معه هدي أن ينحره، ومن ليس معه هدي أن يحلق. واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما، قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمرا عمر القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة. وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: "كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع" وفي مغازي سليمان التيمي "لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة" وقال ابن إسحاق: خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد. وقال الحاكم في "الإكليل" تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان، قال وتسمى أيضا عمرة الصلح. قلت: فتحصل من أسمائها أربعة: القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح. قوله: "ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم" كنت ذكرت

(7/500)


في "تعليق التعليق" أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم موصولا في الحج، ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين: أحدهما: روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
أخرجه أبو يعلى من طريقه، وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما وجدته في مسند أحمد، وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق، ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في "الدلائل"، وأخرجه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق فذكر القسم الأول من الرجز وقال بعده:
اليوم نضربكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله
قال الدار قطني في" الأفراد ": تفرد به معمر عن الزهري، وتفرد به عبد الرزاق عن معمر.
قلت: وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا، وعنده بعد قوله:
قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله
وذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: بلغني...فذكره وزاد بعد قوله:
يا رب إني مؤمن بقيله ... إني رأيت الحق في قبوله
وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله: "نحن ضربناكم على تأويله" إلى آخر الشعر من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال: ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى. وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله. أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل. ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه. وإذا كان كذلك محتملا وثبتت الرواية سقط الاعتراض.
نعم الرواية التي جاء فيما فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية:
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله: "نحن ضربناكم على تنزيله" أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله: "واليوم نضربكم على تأويله" أي الآن. وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور والله أعلم. والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار وقال: لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان، وأخرجها

(7/501)


الترمذي والنسائي من طريقه بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بن يديه يمشي وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... يذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل . قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك، وهو أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك. قلت: وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا، وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا؟ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم، والله أعلم. وقد صححه ابن حبان من الوجهين، وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه الأول على شرطهما، ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لأجل جعفر. قوله: "عن البراء" في رواية شعبة عن أبي إسحاق "سمعت البراء" أخرجها في الصلح. قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة" أي سنة ست. قوله: "أن يدعوه" بفتح الدال أي يتركوه. قوله: "حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام" أي من العام المقبل، وصرح به في حديث ابن عمر بعده، وتقدم سبب هذه المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى. قوله: "فلما كتب الكتاب" كذا هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول، وللأكثر كتبوا بصيغة الجمع، وتقدم في الجزية من طريق يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ: "فأخذ يكتب بينهم الشرط علي بن أبي طالب" وفي رواية شعبة "كتب علي بينهم كتابا" وفي حديث المسور "قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل. أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ونحوه في حديث أنس باختصار ولفظه: "أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل: ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم" وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فأمسك سهيل بيده فقال: اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: اكتب باسمك اللهم، فكتب". قوله: "هذا" إشارة إلى ما في الذهن. قوله: "ما قاضى" خبر مفسر له. وفي رواية الكشميهني: "هذا ما قاضانا" وهو غلط، وكأنه لما رأى قوله: "اكتبوا" ظن بأن المراد قريش، وليس كذلك بل المراد المسلمون، ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا مجازية، وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور" فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة". قوله: "قالوا لا نقر لك بهذا" تقدم في الصلح بهذا الإسناد بعينه بلفظ: "فقالوا لا نقر بها" أي بالنبوة. قوله: "لو نعلم أنك رسول

(7/502)


الله ما منعناك شيئا" زاد في رواية يوسف "ولبايعناك" وعند النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه: "ما منعناك بيته" وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق "لو كنت رسول الله لم نقاتلك" وفي حديث أنس "لاتبعناك" وفي حديث المسور "فقال سهيل بن عمرو: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك" وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي "فقال سهيل: ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك" وفي حديث عبد الله بن مغفل "لقد ظلمناك إن كنت رسولا". قوله: "ولكن أنت محمد بن عبد الله" وفي رواية يوسف وكذا حديث المسور "ولكن اكتب" وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم، وفي حديث أنس وكذا في مرسل عروة" ولكن اكتب اسمك واسم وأبيك" زاد في حديث عبد الله بن مغفل "فقال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب". قوله: "ثم قال لعلي: امح رسول الله" أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب، فقال: لا والله لا أمحوك أبدا" وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال: "كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها. فقلت: هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها" وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما، فلذلك امتنع من امتثاله. ووقع في رواية يوسف بعد "فقال لعلي: امح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحاه أبدا. قال: فأرنيه، فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده" ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد: "وقال: أما إن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر" يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك. قوله: "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد وليست فيه هذه اللفظة "ليس يحسن يكتب" ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال: ليس في البخاري هذه اللفظة ولا في مسلم، وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ: "فأراه مكانها فمحاها وكتب: "ابن عبد الله" انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث، وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثني عن إسرائيل ولفظه: "فأخذ الكتاب - وليس يحسن أن يكتب - فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم: كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قيل ورود القرآن فقال. {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي

(7/503)


شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ: قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك " قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعدما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك" وقوله لمعاوية: "ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم" وقوله: "لا تمد بسم الله" قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضيع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث. وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله: "فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب" لبيان أن قوله: "أرني إياها" أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك "فكتب" فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك. ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي، وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة. فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة. وقال المعاند: كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك، قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، والحق أن معني قوله: "فكتب" أي أمر عليا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير، والله أعلم. قوله: "لا يدخل" هذا تفسير للخبر المتقدم. قوله: "إلا السيف في القراب" في رواية شعبة "فكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح" ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق عند مسلم. قوله: "وأن لا يخرج من أهلها بأحد إلخ" في حديث أنس "قال علي: قلت يا رسول الله أكتب هذا؟ قال: نعم". قوله: "فلما دخلها" أي في العام المقبل. قوله: "ومضى الأجل" أي الأيام الثلاثة. وقال الكرماني: لما مضى أي قرب مضيه، ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف. قوله: "أتوا عليا فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل" في رواية يوسف "فقالوا: مر صاحبك فليرتحل". قوله: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية يوسف" فذكر ذلك علي فقال: نعم فارتحل" وفي مغازي أبي الأسود عن عروة" فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا، فرد عليه سعد بن عبادة، فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل" وأخرج

(7/504)


الحاكم في "المستدرك" من حديث ميمونة في هذه القصة" فأتاه حويطب بن عبد العزي" وكأنه في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجيء ذلك الوقت. قوله: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة" هكذا رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله، وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا رواه الحاكم في "الإكليل" والبيهقي من طريق سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه، وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق متصلا. وأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي، وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار في الموضعين قال البيهقي: وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي. قلت: هو كذلك عند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى لكن باختصار، وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن عبيد الله بن موسى بأتم من سياق ابن حبان. وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ: "لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة" الحديث. وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل. قلت: والذي يظهر لي أن لا إدراج فيه، وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا، لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم، وبالقصة الثانية من حديث علي أتم، وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال. "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء، فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي: إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره فليخرج. فحدثه بذلك فقال: نعم، فخرج". قال أبو إسحاق. فحدثني هانئ بن هانئ وهبيرة فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء، وسيأتي إيضاح ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى. وكذا أخرج الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكرة بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء، فوضح أنه عند عبيد الله بن موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالإسنادين جميعا، وكذا أخرج ابن سعد عن عبيد الله بن موسى بالإسنادين معا عنه. قوله: "لجعفر أشبهت خلقي وخلقي". قوله: "ابنة حمزة" اسمها عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى، والأول هو المشهور. وذكر الحاكم في "الإكليل" وأبو سعيد في "شرف المصطفى" من حديث ابن عباس بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخي بين حمزة وزيد بن حارثة، وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة. قوله: "تنادي يا عم" كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له، وإلا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة، وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دونك ابنة عمك" وفي ديوان حسان بن ثابت لأبي سعيد السكري أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه: "فأخذ علي أمامه فدفعها إلى فاطمة" وذكر أن مخاصمة علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران. قوله: "دونك" هي كلمة من أسماء الأفعال تدل على الأمر بأخذ الشيء المشار إليه. قوله: "حملتها" كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت. قلت: وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل، وكذا لأحمد في حديث علي. ووقع في

(7/505)


رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني: "حمليها" بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الأمر، وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع "احمليها" بألف بدل التشديد، وعند الحاكم من مرسل الحسن" فقال علي لفاطمة وهي في هودجها: أمسكيها عندك" وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه" بينما بنت حمزة تطوف في الرجال إذا أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها". قوله: "فاختصم فيها علي بن أبي طالب وجعفر "أي أخوه "وزيد بن حارثة" أي في أيهم تكون عنده، وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن قدموا المدينة، ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم. وفي المغازي لأبي الأسود عن عروة في هذه القصة "فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه" وهذا لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة، فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت المنازعة بعد، ووقع في مغازي سليمان التيمي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد بنت حمزة فقال لها: ما أخرجك؟ قالت: رجل من أهلك، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها". وفي حديث علي عند أبي داود "أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة" وفي حديث ابن عباس المذكور "فقال له علي: كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين "؟ وهذا يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث ابن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة، وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث ابن عباس، وإنما أقرهم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج، لأنهم لم يطلبوها، وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة. ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن فاطمة قالت لعلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم، فقال لها علي: إنها ليست منهم إنما هي منا. قوله: "فاختصم فيها علي إلخ" زاد في رواية ابن سعد "حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه". قوله: "فقال علي أنا أخرجتها وهي بنت عمي" زاد في حديث علي عند أبي داود "وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها". قوله: "وخالتها تحتي" أي زوجتي. وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد، وكان لكل من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة: أما زيد فللأخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة، وأما علي فلأنه ابن عمها وحملها مع زوجته وأما جعفر فلكونه ابن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين. قوله: "وقال زيد بنت أخي" زاد في حديث علي إنما خرجت إليها. قوله: "فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها" في حديث ابن عباس المذكور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "جعفر أولى بها. وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية فلا قضى بها لجعفر. وفي رواية أبي سعيد السكري: ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم. وهذا سبب ثالث. قوله: "وقال: الخالة بمنزلة الأم" أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق، فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث، وفي حديث علي وفي مرسل الباقر "الخالة والدة، وإنما الخالة أم" وهي بمعنى قوله بمنزلة الأم لا أنها أم حقيقية. ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ، وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها، ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب. وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة، وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لما تطلب، فإن قيل: والخالة لم تطلب، قيل:

(7/506)


قد طلب لها زوجها، فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها من أخذه، فإذا وقع الرضا سقط الحرج. وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها، وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم، وأن الخصم يدلي بحجته، وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا بظاهر هذا الحديث قاله أحمد، وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر، ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط أن يكون فيه مأمونا، وأن الصغيرة لا تشتهي، ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي، والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون. وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم يطلب وأن الزوج رضي بإقامتها عنده، وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة. قوله: "وقال لعلي: أنت مني وأنا منك " أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا، ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها. قوله: "وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي " بفتح الخاء الأولى وضم الثانية، في مرسل ابن سيرين عند ابن سعد "أشبه خلقك خلقي، وخلقك خلقي" وهي منقبة عظيمة لجعفر، أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام، وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه، وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك، ورأيت إعادتهما هنا ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك:
شبه النبي ليج سائب وأبي ... سفيان والحسنين الخال أمهما
وجعفر ولداه وابن عامرهم ... ومسلم كابس يتلوه مع قثما
ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة: منهم إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين، ذكر ابن سعد عن عفان قال: كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم. وأما شبهه في الخلق بالضم فخصوصية جعفر إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام، فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه. وهي منقبة عظيمة لجعفر، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . قوله: "وقال لزيد: أنت أخونا " أي في الإيمان "ومولانا" أي من جهة أنه أعتقه، وقد تقدم أن مولى القوم منهم، فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك. وحاصله أن المقضي له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لأنه كان القائم في الطلب لها، وفي حديث علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر "فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم" وفي حديث ابن عباس "أن النجاشي كان إذا رضى أحدا من أصحابه قام فحجل حوله" وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة. وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة فعلوا ذلك. قوله: "قال علي" أي للنبي صلى الله عليه وسلم "ألا نتزوج بنت حمزة؟ قال: إنها

(7/507)


بنت أخي" أي من الرضاعة. هو موصول بالإسناد المذكور أولا، ووقع في رواية النسائي: "فقال علي إلخ" ووقع في رواية أبي سعيد السكري" فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل، فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت، فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال: هي ابنة أخي من الرضاعة " وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثني محمد هو ابن رافع" هذا البعض رواه الفربري، ووقع في رواية النسفي عن البخاري "حدثني محمد بن رافع" وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم، وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ رفيقه. وسريح هو ابن النعمان وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا. قوله: "وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم" يعني المعروف بابن إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي، خراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف، وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين، وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع. قوله: "بالحديبية" تقدم بيان ذلك في حديث المسور في الشروط. قوله: "إلا سيوفا" يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله. قوله: "ولا يقيم بها إلا ما أحبوا" بين في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاث أيام. وقال ابن التين قوله: "ثلاثة أيام" يخالف قوله: "إلا ما أحبوا" فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل إليه الحال وهو ثلاثة أيام. قلت: بل قوله: "ما أحبوا" مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء. قوله: "فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج" تقدم بيان ذلك في حديث البراء، ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم: "فقالوا لعلي: هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره أن يخرج، فذكر ذلك له فخرج".
4253- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إحداهن في رجب"
4254- ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ"
4255- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
4256- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ

(7/508)


فأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ ارْمُلُوا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ "
4257- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ"
4259- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ "
وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ"
الحديث الثالث حديث ابن عمر في العمرة، وفيه قصته مع عائشة وإنكارها عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب، وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة، وقوله فيه: "ألا تسمعين" في رواية الكشميهني، ونقل الكرماني رواية: "ألا تسمعي" بغير نون وهي لغية. قوله: "عن إسماعيل بن أبي خالد" في رواية الحميدي "عن سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد". قوله: "سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي خشية أن يؤذوه، كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ. وقاله ابن أبي عمر عن سفيان بلفظ: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية، فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه" أخرجه الإسماعيلي، وأخرجه ن رواية إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بلفظ: "وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه" أخرجه الحميدي كذلك، وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف فطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه" أي سعوا، قال: "وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد". حديث ابن عباس، تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في "باب بدء الرمل" وشرحت بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك. قوله: "وفد" أي قوم وزنا ومعنى، ووقع في رواية ابن السكن "وقد" بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ. قوله: "وهنتهم" بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم، ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وإنما ذكر ابن عباس ذلك حكاية: لكلام المشركين وفي رواية الإسماعيلي: "فأطلعه الله على ما قالوا". قوله: "إلا الإبقاء عليهم" بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والإشفاق عليهم، والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم، قال القرطبي: روينا قوله: "إلا الإبقاء عليهم" بالرفع على أنه فاعل يمنعه، وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله. قوله: "وأن يمشوا بين الركنين" أي اليمانيين، وعند أبي داود من

(7/509)


وجه آخر "وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا، وإذا طلعوا عليهم رملوا" وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين الشاميين، ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين. ولمسلم من هذا الوجه في آخره: "فقال المشركون. هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم، لهؤلاء أجلد من كذا". قوله: "وزاد ابن سلمة" كذا وقع هنا، ووقع عند النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق، وابن سلمة هو حماد، وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان، وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره: "فلما رملوا قال المشركون: ما وهنتهم "ووقع في بعض النسخ وزاد ابن مسلمة" بزيادة ميم في أوله وهو غلط. قوله: "حدثنا محمد" هو ابن سلام، وعمرو هو ابن دينار. قوله: "إنما سعى بالبيت" أي رمل. قوله: "ليرى المشركون قوته" تقدم سببه في الذي قبله. قوله: "تزوج ميمونة وهو محرم" سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح. قوله: "وزاد ابن إسحاق إلخ" هو موصول في السيرة، وزاد في آخره: "وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب" ولابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بلفظ: "تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك - يعني عمرة القضاء - وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس" ونحوه للنسائي من وجه آخر عن ابن عباس، وفي مغازي أبي الأسود عن عروة "بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها له فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجه إياها، فبني بها بسرف، وقدر الله أنها ماتت بعد ذلك بسرف، وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزى، وقيل: تحت أخيه حويطب، وقيل: سخبرة بن أبي رهم، وأمها هند بنت عوف الهلالية.

(7/510)


44 - باب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ
4260- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ "وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ"
[الحديث 4260- طرفه في: 4261]
4261- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ"
قوله: "باب غزوة مؤتة" بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد، ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس، وحكى صاحب "الواعي" الوجهين. وأما الموتة التي ورد الاستعاذة منها

(7/510)


وفسرت بالجنون فهي بغير همز. قوله: "من أرض الشام" قال ابن إسحاق هي بالقرب من البلقاء. وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس. ويقال: إن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني - وهو من أمراء قيصر على الشام - قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصري، واسم الرسول الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف. وفي "مغازي أبي الأسود" عن عروة "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى موتة في جمادى من سنة ثمان" وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع. قوله: "حدثنا أحمد" هو ابن صالح، بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري، وبه جزم أبو نعيم. قوله: "عن عمرو" هو ابن الحارث، وابن أبي هلال هو سعيد. قوله: "قال وأخبرني نافع" هو معطوف على شيء محذوف، ويؤيد ذلك قوله: "أنه وقف على جعفر يومئذ" ولم يتقدم لغزوة موتة إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح، وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في أول "باب جامع الشهادتين" من السنن لسعيد بن منصور قال: "حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة - فذكر شعرا له - قال. فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة فحاد حيدة فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... كارهة أو لتطاوعنه
ما لي أراك تكرهين الجنة
ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية، ورمى واقد بن عبد الله التيمي المشركين حتى ردهم الله، قال ابن أبي هلال" وأخبرني نافع - فذكر ما أخرجه البخاري وزاد في آخره - قال سعيد بن أبي هلال: وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة".. قوله: "ليس منها" كذا للأكثر. وفي رواية الكشميهني: "ليس فيها". قوله: "أخبرنا أحمد بن أبي بكر" هو أبو مصعب الزهري، ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب الزبيري، وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي، وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث، وهو بطريق المتابعة عنده. وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك، وهو صدوق. قوله: "عن عبد الله بن سعيد" في رواية مصعب "عبد الله بن سعيد بن أبي هند" وهو مدني ثقة. قوله: "إن قتل زيد فجعفر" زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن ابن شهاب "فجعفر بن أبي طالب أميرهم" وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح "إن قتل زيد فأميركم جعفر" وروى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أبي قتادة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر " فذكر الحديث وفيه: "فوثب جعفر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدا، قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير". قوله: "قال عبد الله" أي ابن عمر، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب "أي بعد أن قتل، كذا اختصره. وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور "فلقوا العدو، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر" ونحوه في مرسل عروة عند ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه "عن رجل من بني مرة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها، ثم تقدم

(7/511)


فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال: ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحه فالتوى بها بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل. ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري فقال: اصطلحوا على رجل، فقالوا: أنت لها، قال: لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد" وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال: "أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له: أنت أعلم بالقتال مني". قوله: "فعددت به خمسين بين طعنة وضربة" روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله. وقال ابن سعد عن أبي نعيم عن أبي معشر "تسعين" وفي الرواية الثانية "ووجدنا في جسده بضعه وتسعين من طعنه ورمية" وكذا أخرجه ابن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ: "بضع وتسعون" وظاهرهما التخالف، ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم، أو بأن الريادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى، أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي في ظهره. فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره، وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه، ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمري عن نافع" فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده" بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون، ووقع في رواية البيهقي في الدلائل عن البخاري بلفظ: "بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين" بالشك، لم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري. وفي قوله: "ليس شيء منها في دبره" بيان فرط شجاعته وإقدامه.
4262- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ "
4263- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ "لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَالَ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنْ التُّرَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ"
الحديث الثاني حديث أنس قوله: "حدثنا أحمد بن واقد" هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني. قوله: "نعى

(7/512)


زيدا" أي أخبرهم بقتله، وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك . قال فأخبرني. فأخبره خبرهم. فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره" وعند الطبراني من حديث أبى اليسر الأنصاري "أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم". قوله: "ثم أخذ جعفر فأصيب" كذا هنا بحذفه المفعول، والمراد الراية. ووقع في "علامات النبوة" عند أبي ذر بهذا الإسناد بلفظ: "ثم أخذها". قوله: "وعيناه تذرفان" بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع. قوله: "حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم" في حديث أبي قتادة "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، وهو أمير نفسه" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذ سمي سيف الله. وفي حديث عبد الله بن جعفر "ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم" وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب "فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة" والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه، وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه، وزاد قيه "وما يسرهم أنهم عندنا" أي لما رأوا من فضل الشهادة. وزاد في حديث عبد الله بن جعفر "ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ائتوني ببني أخي. فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا الحلاق فحلق رءوسنا ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي. ثم دعا لهم" وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه. وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز. وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب. وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا؟ والذي يظهر أنها في الحال تنعقد، ولكن بشرط الترتيب. وقيل. تنعقد لواحد لا بعينه، وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب. وقيل: تنعقد للأول فقط، وأما الثاني فبطريق الاختيار. واختيار الإمام مقدم على غيره لأنه أعرف بالمصلحة العامة. وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر. وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة. واختلف أهل النقل في المراد بقوله: "حتى فتح الله عليه" هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين؟ ففي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة "فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه، ثم انصرف بالناس" وهذا يدل على الأول، ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول. وذكر ابن سعد عن أبي عامر "أن المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا، ثم اجتمعوا على خالد" وعند الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال: "لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة، وميمنته ميسرة، فأنكر العدو حالهم وقالوا: جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين". وعنده من حديث جابر قال: "أصيب بمؤتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين" وفي مغازي أبي الأسود عن عروة "فحمل خالد على الروم فهزموهم" وهذا يدل على الثاني. أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم، فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة. وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود، وكذلك الواقدي، فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة - وهي

(7/513)


أصح المغازي كما تقدم - ما نصه "ثم أخذه - يعني اللواء - عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين" قال العماد بن كثير: يمكن الجمع بأن خالدا لما جاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم، وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى. ثم وجدت في "مغازي ابن عائذ" بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا، فحاصروهم، حتى فتح الله عليهم عنوة، وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "لما جاء قتل ابن رواحة" يحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش، ويحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله. قوله: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد. قوله: "يعرف فيه الحزن" أي لما جعل الله فيه من الرحمة، ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء، ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا، بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا، أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره. قوله: "وأنا أطلع من صائر الباب، تعني من شق الباب" ووقع في رواية القابسي "من صائر الباب بشق الباب: "وللنسفي" شق" بغير موحدة والأول أصوب هنا، وشق بالكسر وبالفتح أيضا، يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة، وبالكسر الناحية. وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ: "من صائر الباب شق الباب: "إدراجا، وأنه تفسير من بعض رواته. وذكر ابن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ: "صائر" تغيير والصواب "صير" بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء، قال الجوهري: الصير شق الباب، وفي الحديث: "من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر" قال أبو عبيد: لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث. قوله: "فأتاه رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "إن نساء جعفر" يحتمل أن يريد زوجاته، ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة، وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس. قوله: "فذكر بكاءهن" في رواية الكشميهني: "وذكر" بواو. قوله: "فأمره أن يأتيهن" كذا رأيت في أصل أبي ذر، فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن، وأظنه محرفا فإن الذي في سائر الروايات "فأمره أن ينهاهن" وهو الوجه، وكذا وقع في الجنائز: قوله: "وذكر أنه لم يطعنه" في رواية الكشميهني: "وذكر أنهن" وهو أوجه. قوله: "لقد غلبننا" أي في عدم الامتثال لقوله، وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه، أو حملن الأمر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه، أو لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء. والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك، فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي. واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم، ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء، وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه، لكن قوله: "فاحث في أفواههن من التراب" يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع، ويجوز في الثاء المثلثة من

(7/514)


قوله: "فاحث" الضم والكسر لأنه يقال حثى يحثو ويحثى. قوله: "من العناء" يفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب، ووقع في رواية العذري عند مسلم: "من الغي" بغين معجمة وتحتانية ثقيلة، وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك، فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم. وقال القرطبي لم يكن الأمر للرجل بذلك على حقيقته، لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك، وإلا فالملاطفة أولى. وفي الحديث جواز معاقبة من نهي عن منكر فتمادى عليه بما يليق به. وقال النووي: معنى كلام عائشة إنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الإنكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء. ووقع عند ابن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره: "قالت عائشة: وعرفت أنه لا يقدر أن يحثي في أفواههن التراب. قالت: وربما ضر التكلف أهله" وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات، ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته، وملازمة الوقار والتثبت. وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب، وأما عكسه فممنوع. وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به، لأن قول عائشة "أرغم الله أنفك" أي ألصقه بالتراب. ولم ترد حقيقة هذا، وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له، ووجه المناسبة في قوله: "احث في أفواههن" دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء، بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة. والله أعلم.
4264- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ"
4265- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلاَّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ
[الحديث 4265- طرفه في: 4266]
4266- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ "سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ"
الحديث الرابع قوله: "حدثني محمد بن أبي بكر" هو المقدمي، وعمر بن علي هو عمه، وعامر هو الشعبي. قوله: "يا ابن ذي الجناحين" تقدم شرحه في مناقب جعفر، وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه فقتل. وإن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل ذي ناحيتين جناحان، وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما. وقال السهيلي: قوله: جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه، لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها، فالمراد بالجناحية صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر. وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقال العلماء في أجنحة الملائكة: إنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة، فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح، ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان

(7/515)


كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها، انتهى. وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود، وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف، وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره، لأن الصورة باقية. وقد روى البيهقي في "الدلائل" من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت. وجاء في جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه ابن منده في ترجمة ورقة. قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي. قوله: "يمانية" بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك "أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم. قوله: "دق في يدي" بضم الدال فسره في الرواية الأولى بقوله: "انقطعت". قوله: "يمانية" بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك "أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم.
4267- حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَا جَبَلاَهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلاَّ قِيلَ لِي آنْتَ كَذَلِكَ"
[الحديث 4267 –طرفه في:4268]
4268- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ "أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ"
قوله: "عن حصين" هو ابن عبد الرحمن، وعامر هو الشعبي كما في الرواية الثانية. قوله: "أغمي على عبد الله بن رواحة" أي ابن ثعلب بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأحد النقباء بالعقبة وأحد البدريين. قوله: "فجعلت أخته عمرة" هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث، ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أنها أمه، وهو خطأ، فلو كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما، ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد، وهذا الحديث ذكره خلف في مسند النعمان، وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة، وهو واضح لأن المتن منقول عنه، وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية "لم تبك عليه" أي عمرة فهو نقل من النعمان ما صنعت أمه، ولما قال خاله، لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله، فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن أخيها، فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق. قوله: "واجبلاه وكذا وكذا تعدد عليه" في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج "واعضداه" وفي مرسل الحسن عند ابن سعد" واجبلاه، واعزاه" وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده "واظهراه" وزاد فيه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال: اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه، وإلا فاشفه ، قال: فوجد خفة، فقال

(7/516)


كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول: آنت كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها". قوله: "قيل لي آنت كذلك" هو استفهام إنكار، وفي مرسل الحسن "آنت جبلها، آنت عزها" وزاد أبو نعيم في "المستخرج" من طريق هشيم في آخرها "فنهاها عن البكاء عليه" وبها تظهر النكتة في قوله في الرواية الثانية "فلما مات لم تبك عليه" أي أصلا امتثالا لأمره، وبهذه الزيادة وهي قوله: "فلما مات لم تبك عليه" تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب، ويظهر أو يتجه الرد على من قال: لا مناسبة لدخوله فيه لأن موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض، والله أعلم.

(7/517)


45 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ
4269- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ"
[الحديث 4270- أطرافه في: 4273,4272,4271]
4270- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ"
4271- وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً أُسَامَةُ"
4272- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا"
4273- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ -قَالَ يَزِيدُ وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ"
قوله: "باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات" بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، نسبة إلى الحرقة، واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة، تسمى الحرقة لأنه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره

(7/517)


ابن الكلبي. قوله: "أخبرنا حصين" هو ابن عبد الرحمن، وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب، قال النووي أهل اللغة يفتحون الطاء يعني المشالة من الظبيان، وأهل الحديث يكسرونها. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة" ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة، وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة، وهي وراء بطن نخل، وذلك في رمضان سنة سبع. وقالوا: إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية، فإن ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة موتة وذلك في رجب سنة ثمان، وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي، وسيأتي شرح حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى. ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. وخرجت فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة "أما غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية، وقد ذكر منها في الطريق الأخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره: "قال يزيد - يعني ابن أبي عبيد الراوي عنه - ونسيت بقيتهم" كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث، وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه، ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف لعله "بقيتها" هي أوجه، وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وإن كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية، فهذه سبع غزوات كما ثبت في أكثر الروايات، وإن كانت الرواية الأولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ: "التسع" محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر، وعد أيضا عمرة القضاء غزوة كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة، وأما ما وقع عند أبي نعيم في "المستخرج" من طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله "أحد وخيبر" ففيه نظر لأنهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا. وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم. وأما البعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت من حديثه عند مسلم، وسريته إلى بني كلاب ذكرها ابن سعد، وبعثه إلى الحج سنة تسع. وأما أسامة فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى ابني بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر، فوقفنا مما ذكره على خمس سرايا وبقيت أربع. فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: ومرة علينا غيرهما، وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات للبعوث عددا. قوله: "وقال عمر بن حفص" أي ابن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة، وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به. قوله: "وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا" كذا أبهمه البخاري عن شيخه أبي عاصم، وقد ذكرت ما فيه في "باب غزوة زيد بن حارثة" ولعل البخاري أبهمه عمدا لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة. قوله: "حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة" يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي، وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي، والله أعلم.

(7/518)


باب غزوة الفتح وما بعث به حاطب لأهل مكة
...
46 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ
يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4274- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ "أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ قَالَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ [الممتحنة 1]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ} إِلَى قَوْلِهِ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
قوله: "باب غزوة الفتح" أي فتح مكة شرفها الله تعالى، وسقط لفظ: "باب" من نسخة الصغاني، وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم. قال ابن إسحاق "حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط: من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر - أي ابن عبد مناة بن كنانة - في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير، فأصاب منهم رجلا يقال له منبه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال:
يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

(7/519)


إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيوتنا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا
قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم" فكان ذلك ما هاج فتح مكة. وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول. ولكن رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا. وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه: "لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش، فكان بينهم قتال، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام، فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم. قال: وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر، وذكر الشعر" وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن ابن عباس مطولا وليس في الشعر. وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا وهو في متوضئه: نصرت نصرت، فسألته فقال: هذا راجز بني كعب يستصرخني، وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر. قالت: فأقمنا ثلاثا، ثم صلى الصبح بالناس، ثم سمعت الراجز ينشده" وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال: ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو. قوله: "وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم "سقط لفظ: "به" من بعض النسخ أي لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم. وعند ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال: فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، ثم أعطاه امرأة من مزينة، وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند ابن أبي شيبة: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعائشة جه زيني ولا تعلمي بذلك أحدا ، فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال: ما هذا؟ فقالت له، فقال: والله ما انقضت الهدنة بيننا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له أنهم أول من غدر. ثم أمر بالطرق فحبست فعمي على أهل مكة لا يأتيهم خبر". قوله: "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "عن عمرو" تقدم في الجهاد" عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار". قوله: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد" كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع. وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا "بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام" فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا، وساق الخبر بالتثنية. قال: "فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلخ" فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له. قوله: "فإن بها ظعينة معها كتاب" في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي: "وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا" وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة، والواقدي أن اسمها كنود. وفي رواية سارة، وفي أخرى أم سارة. وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك، وقيل: دينارا واحدا، وقيل: إنها كانت مولاة العباس. قوله: "فأخرجته من عقاصها" قد تقدم في الجهاد، وبيان الاختلاف في ذلك، ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها. قوله: "يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا. قوله: "إني كنت امرأ ملصقا في قريش" أي حليفا،

(7/520)


وقد فسره بقوله: "كنت حليفا ولم أكن من أنفسها" وعند ابن إسحاق "ليس في القوم من أصل ولا عشيرة" وعند أحمد "وكنت غريبا" قال السهيلي: كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل: كان حليفا لقريش. قوله: "يحمون بها قرابتي" في رواية ابن إسحاق "وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه" وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة، وذكر بعض أهل المغازي وهو في "تفسير يحيى بن سلام" أن لفظ الكتاب" أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده. فانظروا لأنفسكم والسلام" كذا حكاه السهيلي. وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد"

(7/521)


المجلد الثامن
"بقية" كتاب المغازي
باب غزوة الفتح في رمضان
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
47- باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ
4275- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ" قَالَ وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ"
4276- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا" قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ
4277حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ أَفْطِرُوا"
4278- وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ" وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4279- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ" قَالَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ"

(8/3)


قوله: "باب غزوة الفتح في رمضان" أي كانت في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصيام في الكلام على حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب، وقد تقدم هناك أنهم خرجوا من المدينة لعشر مضين من رمضان، وزاد ابن إسحاق عن الزهري بهذا الإسناد أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبا رهم الغفار. قوله: "قال: وسمعت ابن المسيب يقول مثل ذلك" قائل ذلك هو الزهري، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "وعن عبيد الله بن عبد الله" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد تقدم بيان ذلك أيضا في الصيام. وبين البيهقي من طريق عاصم بن علي عن الليث ما حذفه البخاري منه فإنه ساقه إلى قوله: "وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك" وزاد: "لا أدري أخرج في شعبان فاستقبله رمضان، أو خرج في رمضان بعدما دخل، غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني" فذكر ما ذكره البخاري، فحذف البخاري منه التردد المذكور. ثم أخرج البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري بهذا الإسناد قال: "صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان" ثم ساقه من طريق معمر عن الزهري وبين أن هذا القدر من قول الزهري وأن ابن أبي حفصة أدرجه، وكذا أخرجه يونس عن الزهري، وروى أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان" وهذا يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج، وقول الزهري يعين يوم الدخول ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما. وأما ما قال الواقدي إنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، وفي تعيين هذا التاريخ أقوال أخرى: منها عند مسلم: "لست عشرة" ولأحمد "لثماني عشرة" وفي أخرى "لثنتي عشرة" والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت، وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر. ووقع في أخرى بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة. وروى يعقوب بن سفيان من رواية ابن إسحاق عن جماعة من مشايخه أن الفتح كان في عشر بقين من رمضان، فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط، قبل أن يدخل العشر الأخير. قوله: "ومعه عشرة آلاف" أي من سائر القبائل. وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم" وكذا وقع في "الإكليل" و "شرف المصطفى" ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان. وسيأتي تفصيل ذلك في مرسل عروة الذي بعد هذا. قوله: "وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة" هكذا وقع في رواية معمر، وهو وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر بأنه بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم، فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك في آخر ربيع الأول، ومن ثم إلى رمضان نصف سنة. أو يقال كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول، فلما دخل رمضان دخل سنة أخرى. وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها فيصح أنه رأس ثمان سنين ونصف، أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة. قوله: "يصوم ويصومون" تقدم شرحه في كتاب الصيام. قوله: "خالد" هو الحذاء

(8/4)


"عن عكرمة عن ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين" استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح فيحتاج إلى تأمل، فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة، وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب أنه خرج إلى مكة، أو كانت "خيبر" فتصحفت. قلت: وحمله على خيبر مردود، فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وتأويله ظاهر فإن المراد بقوله: "إلى حنين" أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت أثرها أطلق الخروج إليها. وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة الآتي قريبا. وبهذا جمع المحب الطبري. وقال غيره: يجوز أن يكون خرج إلى حنين في بقية رمضان قاله ابن التين. ويعكر عليه أنه خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة وسطه وأقام بها تسعة عشر كما سيأتي. قلت: وهذا الذي جزم به معترض، فإن ابتداء خروجه مختلف فيه كما مضى في آخر الغزوة من حديث ابن عباس، فيكون الخروج إلى حنين في شوال. قوله: "دعا بإناء من لبن أو ماء" في رواية طاوس عن ابن عباس آخر الباب: "دعا بإناء من ماء فشرب نهارا" الحديث. قال الداودي: يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة. قلت: لا دليل على التعدد، فإن الحديث واحد والقصة واحدة، وإنما وقع الشك من الراوي فقدم عليه رواية من جزم، وأبعد ابن التين فقال: كانت قصتان إحداهما في الفتح والأخرى في حنين. قوله: "فقال المفطرون للصوم أفطروا" كذا لأبي ذر ولغيره: "للصوام" بألف وكلاهما جمع صائم. وفي رواية الطبري في تهذيبه "فقال المفطرون للصوام أفطروا يا عصاة" . قوله: "وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر" وصله أحمد بن حنبل عنه وبقيته "خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق" الحديث. قوله: "وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس" كذا وقع في بعض نسخ أبي ذر، وللأكثر ليس فيه ابن عباس، وبه جزم الدار قطني وأبو نعيم في المستخرج، وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب وهو أحد مشايخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في فتح مكة. قال البيهقي في آخر الكلام عليه: لم يجاوز به أيوب عكرمة. قلت: وقد أشرت إليه قبله، وأن ابن أبي شيبة أخرجه هكذا مرسلا عن سليمان بن حرب به بطوله، وسأذكر ما فيه من فائدة في أثناء الكلام على شرح هذه الغزوة. طريق طاوس عن ابن عباس قد تقدم الكلام عليها في كتاب الصيام أيضا.

(8/5)


48- باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ
4280- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: "احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ" فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ

(8/5)


الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَذِهِ غِفَارُ قَالَ مَا لِي وَلِغِفَارَ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ مَا قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ " قَالَ عُرْوَةُ وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ "سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الْفِهْرِيُّ"
قوله: "باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح" أي بيان المكان الذي ركزت فيه راية النبي صلى الله عليه وسلم بأمره. قوله: "عن هشام" هو ابن عروة "عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح" هكذا أورده مرسلا، ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولا، ومقصود البخاري منه ما ترجم به وهو آخر الحديث، فإنه موصول عن عروة عن نافع بن جبير بن مطعم عن العباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام. قوله: "فبلغ ذلك قريشا" ظاهره أنهم بلغهم مسيره قبل خروج أبي سفيان وحكيم بن حزام، والذي عند ابن إسحاق وعند ابن عائذ من مغازي عروة: ثم خرجوا وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ولم تعلم بهم قريش. وكذا في رواية أبي سلمة عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطرق فحبست، ثم خرج، فغم على أهل مكة الأمر، فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام: هل لك أن تركب إلى أمر لعلنا أن نلقى خبرا؟ فقال له بديل بن ورقاء: وأنا معكم، قالا: وأنت إن شئت فركبوا. وفي رواية ابن عائذ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يودوا قتيل خزاعة، وبين أن يبرءوا من حلف بكر، أو ينبذ إليهم على سواء. فأتاهم ضمرة فخيرهم، فقال قرظة بن عمرو: لا نودي ولا نبرأ، ولكنا ننبذ إليه على سواء. فانصرف ضمرة بذلك. فأرسلت قريش أبا سفيان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجديد العهد"وكذلك أخرجه مسدد من مرسل محمد بن عباد بن جعفر، فأنكره الواقدي وزعم أن أبا سفيان إنما توجه مبادرا قبل أن يبلغ المسلمين الخبر، والله أعلم. وفي مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة ونحوه في مغازي عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ" فخافت قريش، فانطلق أبو

(8/6)


سفيان إلى المدينة فقال لأبي بكر: جدد لنا الحلف، قال: ليس الأمر إلي. ثم أتى عمر فأغلظ له عمر.
ثم أتى فاطمة فقالت له: ليس الأمر إلي. فأتى عليا فقال: ليس الأمر إلي. فقال: ما رأيت كاليوم رجل أضل - أي من أبي سفيان - أنت كبير الناس، فجدد الحلف. قال: فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: قد أجرت بين الناس. ورجع إلى مكة فقالوا له: ما جئتنا بحرب فنحذر، ولا بصلح فنأمن "لفظ عكرمة وفي رواية عروة "فقالوا له: لعب بك علي وإن إخفار جوارك لهين عليهم" فيحتمل أن يكون قوله: "بلغ قريشا" أي غلب على ظنهم ذلك لا أن مبلغا بلغهم ذلك حقيقة. قوله: "خرجوا يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية ابن عائذ "فبعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه فخرج معهما" . قوله: "حتى أتوا مر الظهران" بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف، والعامة تقوله بسكون الراء وزيادة واو، والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر، وفي مرسل أبي سلمة "حتى إذا دنوا من ثنية مر الظهران أظلموا - أي دخلوا في الليل - فأشرفوا على الثنية، فإذا النيران قد أخذت الوادي كله" وعند ابن إسحاق "أن المسلمين أوقدوا تلك الليلة عشرة آلاف نار" . قوله: "فقال أبو سفيان ما هذه" أي النيران "لكأنها" جواب قسم محذوف. وقوله: "نيران عرفة" إشارة إلى ما جرت به عادتهم من إيقاد النيران الكثيرة ليلة عرفة، وعند ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار. قوله: "فقال بديل بن ورقاء: هذه نيران بني عمرو" يعني خزاعة، وعمرو يعني ابن لحي الذي تقدم ذكره مع نسب خزاعة في أول المناقب" فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك" ومثل هذا في مرسل أبي سلمة، وفي مغازي عروة عند ابن عائذ عكس ذلك وأنهم لما رأوا الفساطيط وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك فقالوا: هؤلاء بنو كعب - يعني خزاعة، وكعب أكبر بطون خزاعة - جاشت بهم الحرب. فقال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا. قالوا: فانتجعت هوازن أرضنا، والله ما نعرف هذا أنه هذا المثل صاح الناس. قوله: "فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم" في رواية ابن عائذ "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه خيلا تقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل" وفي مرسل أبي سلمة "وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة فجاءوا بهم إليه فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم، قالوا قد أتيناك بأبي سفيان" وعند ابن إسحاق "أن العباس خرج ليلا فلقي أبا سفيان وبديلا، فحمل أبا سفيان معه على البغلة ورجع صاحباه" ويمكن الجمع بأن الحرس لما أخذوهم استنقذ العباس أبا سفيان. وفي رواية ابن إسحاق "فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس: والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئت الأراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبا الفضل؟ قلت: نعم. قال: ما الحيلة؟ قلت: فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه" وهذا مخالف للرواية السابقة أنهم أخذوهم، ولكن عند ابن عائذ "فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما" فيحمل قوله: "ورجع صاحباه" أي بعد أن أسلما، واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يحبسه

(8/7)


حتى يرى العساكر. ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا. وفي مغازي موسى بن عقبة ما يؤيد ذلك، وفيه: "فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم بديل وحكيم، وتأخر أبو سفيان بإسلامه حتى أصبح" ويجمع بين ما عند ابن إسحاق ومرسل أبي سلمة بأن الحرس أخذوهم، فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه. وفي رواية عكرمة "فذهب به العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له، فقال: يا أبا سفيان أسلم تسلم، قال كيف أصنع باللات والعزى؟ قال: فسمعه عمر فقال: لو كنت خارجا من القبة ما قلتها أبدا، فأسلم أبو سفيان، فذهب به العباس إلى منزله، فلما أصبح ورأى مبادرة الناس إلى الصلاة أسلم" . قوله: "احبس أبا سفيان" في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر، فاحبسه حتى تريه جنود الله، ففعل، فقال أبو سفيان: أغدرا يا بني هاشم؟ قال العباس: لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله للمشركين وما أعد الله للمشركين، فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا. قوله: "عند خطم الجبل" في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل، وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي. وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية أي ازدحامها، وإنما حبسه هناك لكونه مضيقا ليرى الجميع ولا يفوته رؤية أحد منهم. قوله: "فجعلت القبائل تمر" في رواية موسى بن عقبة "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي: لتظهر كل قبيلة ما معها من الأداة والعدة، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم الكتائب فمرت كتيبة فقال أبو سفيان: يا عباس أفي هذه محمد؟ قال: لا، قال: فمن هؤلاء؟ قال: قضاعة. ثم مرت القبائل فرأى أمرا عظيما أرعبه" . قوله: "كتيبة كتيبة" بمثناة وزن عظيمة، وهي القطعة من الجيش، فعيلة من الكتب بفتح ثم سكون وهو الجمع. قوله: "ما لي ولغفار. ثم مرت جهينة قال مثل ذلك" وفي مرسل أبي سلمة "مرت جهينة فقال: أي عباس من هؤلاء؟ قال: هذه جهينة. قال: مالي ولجهينة، والله ما كان بيني وبينهم حرب قط" والمذكور في مرسل عروة هذا من القبائل غفار وجهينة وسعد بن هذيم وسليم، وفي مرسل أبي سلمة من الزيادة أسلم ومزينة، ولم يذكر سعد بن هذيم وهم من قضاعة، وقد ذكر قضاعة عند موسى بن عقبة وسعد بن هذيم المعروف فيها سعد هذيم بالإضافة، ويصح الآخر على المجاز وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بضم المهملة ابن أسلم بضم اللام ابن الحاف بمهملة وفاء ابن قضاعة. وفي سعد هذيم طوائف من العرب، منهم بنو ضنة بكسر المعجمة ثم نون وبنو عذرة وهي قبيلة كبيرة مشهورة، وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه. وذكر الواقدي في القبائل أيضا أشجع وأسلم وتميما وفزارة. قوله: "معه الراية" أي راية الأنصار، وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما سيأتي. قوله: "فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة" بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص، أي يوم قتل، يقال لحم فلان فلانا إذا قتله. قوله: "اليوم تستحل الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار" وكذا وقع في هذا الموضع مختصرا، ومراد سعد بقوله يوم الملحمة يوم المقتلة العظمى، ومراد أبي سفيان بقوله يوم الذمار وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك، قال الخطابي: تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم. وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه، وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه. قال ابن إسحاق: زعم بعض أهل العلم أن سعدا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين فقال: يا رسول الله ما

(8/8)


آمن أن يكون لسعد في قريش صولة. فقال لعلي: أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها" . قال ابن هشام: الرجل المذكور هو عمر. قلت: وفيه بعد، لأن عمر كان معروفا بشدة البأس عليهم. وقد روى الأموي في المغازي أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما حاذاه: أمرت بقتل قومك؟ قال: لا.
فذكر له ما قاله سعد بن عبادة، ثم ناشده الله والرحم، فقال: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشا" . وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس. وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال: لما قال سعد بن عبادة ذلك عارضت امرأة من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا نبي الهدى إليك لجا حي ... قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السماء
إن سعدا يريد قاصمة الظهر ... بأهل الحجون والبطحاء
فلما سمع هذا الشعر دخلته رأفة لهم ورحمة، فأمر بالراية فأخذت من سعد ودفعت إلى ابنه قيس. وعند أبي يعلى من حديث الزبير "أن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إليه، فدخل مكة بلواءين" وإسناده ضعيف جدا، لكن جزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام فهذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت إليه الراية التي نزعت من سعد. والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها، وأن يدخل بها، ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير. وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس بإسناد على شرط البخاري ولفظه: "كان قيس في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء، فصرفه عن ذلك" والشعر الذي أنشدته المرأة ذكر الواقدي أنه لضرار بن الخطاب الفهري، وكأنه أرسل به المرأة ليكون أبلغ في المعاطفة عليهم، وسيأتي في حديث الباب أن أبا سفيان شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قال سعد فقال: "كذب سعد"أي أخطأ. وذكر الأموي في المغازي أن سعد بن عبادة لما قال: "اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، فحاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان لما مر به فناداه: يا رسول الله أمرت بقتل قومك - وذكر له قول سعد بن عبادة - ثم قال له: أنشدك الله في قومك، فأنت أبر الناس وأوصلهم، فقال: يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله فيه قريشا . فأرسل إلى سعد فأخذ اللواء من يده فجعله في يد ابنه قيس" قوله: "ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب" أي أقلها عددا، قال عياض: وقع للجميع بالقاف، ووقع في الجمع للحميدي "أجل" بالجيم وهي أظهر، ولا يبعد صحة الأولى لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل. قوله: "وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة" لم يكتف أبو سفيان بما دار بينه وبين العباس حتى شكا للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فقال: كذب سعد "فيه إطلاق الكذب على الإخبار بغير ما سيقع ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينة. قوله: "يوم يعظم فيه الكعبة" يشير إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وغير ذلك مما أزيل عنها مما كان فيها من الأصنام ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك. قوله: "ويوم تكسى فيه الكعبة " قيل إن قريشا كانوا يكسون الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم، أو المراد باليوم الزمان كما قال

(8/9)


يوم الفتح، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام، ووقع ذلك. قوله: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون" بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة" قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية" وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة، وليس كذلك فإنه لا صحبة له، ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان، ويحتمل أن يكون التقدير: سمعت العباس يقول قلت للزبير إلخ فحذفت" قلت" . قوله:"قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" القائل ذلك هو عروة وهو من بقية الخبر، وهو ظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير، وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه، أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير، أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة وهو الراجح. قوله: "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء" أي بالمد؛ ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدا أي بالقصر، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها، وكذا جزم ابن إسحاق أن خالدا دخل من أسفل ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وضربت له هناك قبة، وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقا واضحا فقال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وعند البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن عمر قال: "لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟ فأنشده قوله:
عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأسنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء
فقال: "أدخلوها من حيث قال حسان" . قوله: "فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان: حبيش" بمهملة ثم موحدة ثم معجمة، وعند ابن إسحاق بمعجمة ونون ثم مهملة مصغر "ابن الأشعر" وهو لقب، واسمه خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أخزم الخزاعي، وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا. وروى البغوي والطبراني وآخرون قصتها من طريق حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عن جده، وعن أحمد "حدثنا موسى بن داود حدثنا حزام بن هشام بن حبيش قال: شهد جدي الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" قوله: "وكرز: بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي هو ابن جابر بن حسل بمهملتين بكسر ثم سكون ابن الأحب بمهملة مفتوحة وموحدة مشددة ابن حبيب الفهري، وكان من رؤساء المشركين، وهو الذي أغار على سرح النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الأولى، ثم أسلم قديما، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيين. وذكر ابن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد فقتلهما المشركون يومئذ. وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناسا من قريش، منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين، فناوشوهم

(8/10)


شيئا من القتال، فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر وانهزموا، وفي ذلك يقول حماس بن قيس بن خالد البكري - قال ابن هشام: ويقال هي للرعاش الهذلي - يخاطب امرأته حين لامته على الفرار من المسلمين:
إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
وعند موسى بن عقبة: "واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ومن الأحابيش الذين استنصرت بهم قريش، فقاتلوا خالدا، فقاتلهم، فانهزموا وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، حتى انتهى بهم القتل إلى الحزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، وصاح أبو سفيان: من أغلق بابه وكف يده فهو آمن، قال: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال: ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ فقالوا: نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتل. ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ فقال: هم بدؤونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال: قضاء الله خير" وذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا، ومن هذيل خاصة أربعة، وقيل مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا. وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله حرم مكة" الحديث، فقيل له: "هذا خالد بن الوليد يقتل، فقال: " قم يا فلان فقل له فليرفع القتل" ، فأتاه الرجل فقال له: إن نبي الله يقول لك اقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه، فسكت" قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سماهم. وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار وهم: عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغر، ومقيس بن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة بني المطلب وهي التي وجد معها كتاب حاطب. فأما ابن أبي سرح فكان أسلم ثم ارتد ثم شفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه. وأما عكرمة ففر إلى اليمن فتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فرجع معها بأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الحويرث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح. وأما هبار فكان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت فنخس بعيرها فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت، فلما كان يوم الفتح بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالإسلام فقبل منه فعفا عنه. وأما القينتان فاسمهما فرتني وقرينة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت وقتلت الأخرى. وأما سارة فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر. وقال الحميدي: بل قتلت. وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله علي. وذكر غير ابن إسحاق أن فرتني هي التي أسلمت وأن قرينة قتلت.

(8/11)


وذكر الحاكم أيضا ممن أهدر دمه كعب بن زهير وقصته مشهورة، وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح. ووحشي بن حرب وقد تقدم شأنه في غزوة أحد. وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد أسلمت. وأرنب مولاة ابن خطل أيضا قتلت. وأم سعد قتلت فيما ذكر ابن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة. ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد هما القينتان اختلف في اسمهما أو باعتبار الكنية واللقب. قلت: وسيأتي في حديث أنس في هذا الباب ذكر ابن خطل. وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بعث على إحدى الجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر - بضم المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين بغير سلاح - فقال لي: يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار، فهتف بهم فجاءوا فأطافوا به، فقال لهم: أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بإحدى يديه على الأخرى: احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا. قال أبو هريرة: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم إلا قتلناه، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أغلق بابه فهو آمن" وقد تمسك بهذه القصة من قال إن مكة فتحت عنوة وهو قول الأكثر، وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما وقع هذا التأمين، ولإضافة الدور إلى أهلها، ولأنها لم تقسم، ولأن الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها. وحجة الأولين ما وقع من التصريح من الأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد، وبتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها أحلت ساعة من نهار، ونهيه عن التأسي به في ذلك. وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها ويترك لهم دورهم وغنائمهم، لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها، بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم، وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة، وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد، وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق، وقد جعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد. وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر، لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" كما تقدم وكذا " من دخل المسجد" كما عند ابن إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند مسلم: "أن قريشا وبشت أوباشا لها وأتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطيناه الذين سألنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أترون أوباش قريش؟ ثم قال بإحدى يديه على الأخرى أي احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا. قال: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا إلا قتلناه" وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به فهذا لم ينقل ولا أظنه عنى إلا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته. وتمسك أيضا من قال إنه مبهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح: فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة. ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد". وعند موسى بن عقبة في المغازي - وهي أصح ما صنف في ذلك عند الجماعة - ما نصه "أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا:

(8/12)


يا رسول الله كنت حقيقا أن تجعل عدتك وكيدك بهوازن، فإنهم أبعد رحما وأشد عداوة، فقال: إني لأرجو أن يجمعهما الله لي: فتح مكة وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم. فقال أبو سفيان وحكيم: فادع الناس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها أآمنون هم؟ قال: من كف يده وأغلق داره فهو آمن. قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم. قال: انطلقوا، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم فهو آمن" ، ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها. فلما توجها قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد؛ فرده حتى تريه جنود الله. قال: أفعل" فذكر القصة، وفي ذلك تصريح بعموم التأمين، فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة، فمن ثم قال الشافعي: كانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة، والأمان كالصلح. وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة. ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى الله عليه وسلم لهم بأن يكون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة، لأن العبرة بالأصول لا بالأتباع وبالأكثر لا بالأقل، ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد، وهو مما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة. وعند أبي داود بإسناد حسن "عن جابر أنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئا؟ قال: لا" وجنحت طائفة - منهم الماوردي - إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة، وقرر ذلك الحاكم في "الإكليل" . والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا، أما أولا فلأن الإمام مخير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين إبقائها وقفا على المسلمين، ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها. وأما ثانيا فقال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال، لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار لم يغنموا الأموال، فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموما لهم كما قال الله تعالى: {دْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} الآية. وقال: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} الآية. والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا، وقد تقدم كثير من مباحث دور مكة في "باب توريث دور مكة" من كتاب الحج.
4281- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: "سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ وَقَالَ لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ "
[الحديث4281- أطرافه في: 4835، 5034، 5047، 7540]
4282- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ "عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ"

(8/13)


4283- "ثُمَّ قَالَ: "لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ" قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ قَالَ وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ حَجَّتِهِ وَلاَ زَمَنَ الْفَتْح"
4284- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ "
4285- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: " مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْر" .
ثم ذكر المصنف في الباب بعد هذا ستة أحاديث: قوله: "حدثنا أبو الوليد" كذا في الأصول، وزعم أنه وقع بدله سليمان بن حرب. قوله: "عن معاوية بن قرة" في رواية حجاج بن منهال عن شعبة "أخبرنا أبو إياس" أخرجه في فضائل القرآن، وأبو إياس هو معاوية بن قرة. قوله: "وهو يقرأ سورة الفتح" زاد في رواية آدم عن شعبة في فضائل القرآن "قراءة لينة" . قوله: "يرجع" بتشديد الجيم، والترجيع ترديد القارئ الحرف في الحلق. قوله: "وقال: لولا أن تجتمع الناس" القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث، بين ذلك مسلم بن إبراهيم في روايته لهذا الحديث عن شعبة، وهو في تفسير سورة الفتح وفي أواخر التوحيد من رواية شبابة عن شعبة في هذا الحديث نحوه وأتم منه، ولفظه: "ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل وقال: لولا أن تجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت لمعاوية: كيف ترجيعه؟ قال: أأأ ثلاث مرات" وللحاكم في "الإكليل" من رواية وهب بن جرير عن شعبة "لقرأت بذلك اللحن الذي قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم" . قوله: "حدثنا سليمان بن عبد الرحمن" هو المعروف بابن بنت شرحبيل وسعدان بن يحيى هو سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي أبو يحيى الكوفي نزيل دمشق، وسعدان لقبه، وهو صدوق. وأشار الدار قطني إلى لينه. وما له في البخاري سوى هذا الموضع. وشيخه محمد بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة ميسرة، بصري يكنى أبا سلمة، صدوق. ضعفه النسائي. وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحج قرنه فيه بغيره. قوله: "أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله أين ننزل غدا؟"تقدم شرحه مستوفى في "باب توريث دور مكة" من كتاب الحج. قوله: "قيل للزهري: من ورث أبا طالب" السائل عن ذلك لم أقف على اسمه. قوله: "ورثه عقيل وطالب" ، تقدم في الحج من رواية يونس عن الزهري بلفظ: "وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين. وكان عقيل وطالب كافرين" انتهى. وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام، لأن أبا طالب مات قبل الهجرة. ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو طالب، وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه

(8/14)


كان شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب، فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب، ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل، فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها. واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على ما يخصه هو. فقيل: ترك له ذلك تفضلا عليه، وقيل استمالة له وتأليفا، وقيل تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتهم. وفي قوله: "وهل ترك لنا عقيل من دار" إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع لنزل فيها، وفيه تعقب على الخطابي حيث قال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة، فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى. وفي كلامه نظر لا يخفى، والأظهر ما قدمته، وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها كما تقدم تقريره في أبواب الهجرة، لا مجرد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده. والله أعلم. قوله: "وقال معمر عن الزهري" أي بالإسناد المذكور "أين ننزل غدا في حجته" طريق معمر تقدمت موصولة في الجهاد. قوله: "ولم يقل يونس" أي ابن يزيد "حجته ولا زمن الفتح" أي سكت عن ذلك، بقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر، ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة. قوله: "عن عبد الرحمن" هو الأعرج. قوله: "منزلنا إن شاء الله" هو للتبرك. قوله: "إذا افتتح الله الخيف" هو بالرفع وهو مبتدأ خبره منزلنا، وليس هو مفعول افتتح. والخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. قوله: "حيث تقاسموا" يعني قريشا "على الكفر" أي لما تحالف قريش أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤووهم وحصروهم في الشعب وتقدم بيان ذلك في المبعث، وتقدم أيضا شرحه في "باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمكة" من كتاب الحج. قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حين أراد حنينا" أي في غزوة الفتح لأن غزوة حنين عقب غزوة الفتح، وقد تقدم في الباب المذكور في الحج من رواية شعيب عن الزهري بلفظ: "حين أراد قدوم مكة" ولا مغايرة بين الروايتين بطريق الجمع المذكور، لكن ذكره هناك أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ: "قال وهو بمنى: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة" وهذا يدل على أنه قال ذلك في حجته لا في غزوة الفتح، فهو شبيه بالحديث الذي قبله في الاختلاف في ذلك، ويحتمل التعدد والله أعلم. قيل إنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا ومقابلتهم بالمن والإحسان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
4286- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "اقْتُلْهُ" قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا"
4287- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ

(8/15)


يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ"
4288- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أ"َنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الأَزْلاَمِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ" ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"
الحديث الرابع، قوله: "يحيى بن قزعة" بفتح القاف والزاي بعدها مهملة. قوله: "عن ابن شهاب" في رواية يحيى بن عبد الحميد عن مالك "حدثني ابن شهاب" أخرجه الدار قطني. وفي رواية أحمد عن أبي أحمد الزبيري عن مالك عن ابن شهاب "أن أنس بن مالك أخبره" . قوله: "المغفر" في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن بكير عن مالك "مغفر من حديد" قال الدار قطني: تفرد به أبو عبيد وهو في "الموطا" ليحيى بن بكير مثل الجماعة، ورواه عن مالك جماعة من أصحابه خارج الموطأ بلفظ: "مغفر من حديد" ثم ساقه من رواية عشرة عن مالك كذلك، وكذلك هو عند ابن عدي من رواية أبي أويس عن ابن شهاب، وعند الدار قطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك، وفي هذا الحديث: "من رأى منكم ابن خطل فليقتله" ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد "وكان ابن خطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر" . قوله: "فقال اقتله" زاد الوليد بن مسلم عن مالك في آخره: "فقتل" أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان، واختلف في قاتله، وقد جزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، وحكى الواقدي فيه أقوالا: منها أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني، ورجح أنه أبو برزة، وقد بينت ما فيه من الاختلاف في كتاب الحج مع بقية شرح هذا الحديث في "باب دخول مكة بغير إحرام" من أبواب العمرة بما يغني عن إعادته. واستدل بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تعيذ من وجب عليه القتل، وأنه يجوز قتل من وجب عليه القتل في الحرم. وفي الاستدلال بذلك نظر لأن المخالفين تمسكوا بأن ذلك إنما وقع في الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة، وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت، والساعة المذكورة وقع عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنها استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر. وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة" من حديث السائب بن يزيد قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه صبرا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال: "لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا" ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالا، والله أعلم. قوله: "عن ابن أبي نجيح" في رواية الحميدي في التفسير عن ابن عيينة حدثنا ابن أبي نجيح وهو عبد الله واسم أبي نجيح يسار، وتقدم في الملازمة عن علي بن عبد الله عن سفيان "حدثنا ابن أبي نجيح" ولابن عيينة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق عبد الغفار بن داود عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن ابن مسعود. قوله: "عن أبي معمر" هو عبد الله بن سخبرة. قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "ستون وثلاثمائة نصب"

(8/16)


بضم النون والمهملة وقد تسكن، بعدها موحدة، هي واحدة الأنصاب، وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى. ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة "صنما" بدل "نصبا" . ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا، وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية. قوله: "فجعل يطعنها" بضم العين وبفتحها والأول أشهر. قوله: "بعود في يده ويقول: جاء الحق" في حديث أبي هريرة عند مسلم: "يطعن في عينيه بسية القوس" وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان: "فيسقط الصنم ولا يمسه" ، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس "فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص" وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئا. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد. قوله: "حدثني أبي" سقط من رواية الأصيلي ولا بد منه. قوله: "أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت" وقع في حديث جابر عند ابن سعد وأبي داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى محيت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها" والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا. وأخرج ما كان مخروطا. وأما حديث أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورة إبراهيم فدعا بماء فجعل يمحوها" وقد تقدم في الحج فهو محمول على أنه بقيت بقية خفي على من محاها أولا. وقد حكى ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان فقال: إنكما لببلاد غربة، فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر. وقد أطنب عمر بن شبة في "كتاب مكة" في تخريج طريق هذا الحديث فذكر ما تقدم وقال: "حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء: أدركت في الكعبة تماثيل؟ قال: نعم، أدركت تماثيل مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا، وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب. قال: فمتى ذهب ذلك؟ قال: في الحريق" وفيه عن ابن جريج "أخبرني عمرو بن دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطمس الصور التي كانت في البيت" وهذا سند صحيح، ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون" قوله: "وخرج ولم يصل" تقدم شرحه في "باب من كبر في نواحي الكعبة" من كتاب الحج، وفيه الكلام على من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومن نفاها. قوله: "الأزلام" هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث ابن مسعود وفيه: "فأمر بها فكبت لوجوهها" وفيه نحو حديث ابن عباس وزاد: "قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام. ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل" . وفي الحديث كراهية الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك، وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور. قوله: "تابعه معمر عن أيوب" وصله أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. قوله: "وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أنه أرسله. ووقع في نسخة الصغاني بإثبات ابن عباس في التعليق عن وهيب وهو خطأ، ورجحت الرواية الموصولة عند البخاري لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب.

(8/17)


49- باب دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ
4289- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَمَكَثَ فِيهِ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَة" .
4290- حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي كَدَاء" .
4291- حدثنا عبيد الله بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عم هشام عن أبيه "دخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة من كداء" .
قوله: "باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة" أي حين فتحها. وقد روى الحاكم في "الإكليل" من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا" . قوله: "وقال الليث حدثني يونس" هو ابن يزيد، وهذه الطريق وصلها المؤلف في الجهاد، وتقدم شرح الحديث في الصلاة وفي الحج في "باب إغلاق البيت" مع فوائد كثيرة. قوله: "فأمره أن يأتي بمفتاح البيت" روى عبد الرزاق والطبراني من جهته من مرسل الزهري "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح: ائتني بمفتاح الكعبة، فأبطأ عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ويقول: ما يحبسه؟ فسعى إليه رجل، وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهي أم عثمان واسمها سلافة بنت سعيد تقول: إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدا، فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح؛ فجاء به ففتح، ثم دخل البيت، ثم خرج فجلس عند السقاية فقال علي: إنا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة، ما قوم بأعظم نصيبا منا. فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته. ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه" . وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مرسلا نحوه، وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت: "لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة فخطب" قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة، فذكر الحديث، وفيه: ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون إني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء" . ثم جلس فقام علي فقال:

(8/18)


اجمع لنا الحجابة والسقاية، فذكره. وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم. ومن طريق ابن جريج أن عليا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فدعا عثمان فقال: خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم" . ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني شيبة، كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. وروى الفاكهي من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له: غيبه. قال الزهري: فلذلك يغيب المفتاح. ومن حديث ابن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلا هم، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده. قوله: "حدثنا الهيثم بن خارجة" بخاء معجمة وجيم خراساني نزل بغداد، كان من الإثبات. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي، وليس له عند البخاري موصول سوى هذا الموضع. "تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء" أي روياه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما: "دخل من كداء" أي بالفتح والمد، وطريق أبي أسامة وصلها المصنف في الحج عن محمود بن غيلان عنه موصولا، وأوردها هنا عن عبيد بن إسماعيل عنه فلم يذكر فيه عائشة. وأما طريق وهيب وهو ابن خالد فوصلها المصنف أيضا في الحج، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى هناك.

(8/19)


50- باب مَنْزِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
4292- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال: "ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، ثم صلى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلى صلاة أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود"
قوله: "باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح" أي المكان الذي نزل فيه، وقد تقدم قريبا في الكلام على الحديث الثالث أنه نزل بالمحصب، وهنا أنه في بيت أم هانئ. وكذا في "الإكليل" من طريق معمر عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث عن أم هانئ وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا عليها يوم الفتح، ولا مغايرة بينهما لأنه لم يقم في بيت أم هانئ وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب، وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين، وقد تقدم شرح حديث الباب في كتاب الصلاة، وروى الواقدي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في الخيف حيث تقاسموا على الكفر وجاه شعب أبي طالب حيث حصرونا" ومن حديث أبي رافع نحو حديث أسامة السابق وقال فيه: "ولم يزل مضطربا بالأبطح لم يدخل بيوت مكة"

(8/19)


باب "إذا جاء نصر الله والفتح"
...
51- باب 4293- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" .

(8/19)


52-باب مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ
4297- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلاَةَ"
4298- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْن" .
4299- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا" .
قوله: "باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح" ذكر فيه حديث أنس "أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا نقصر الصلاة" وحديث ابن عباس "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين" وفي الرواية الثانية عنه "أقمنا في سفر" ولم يذكر المكان، فظاهر هذين الحديثين التعارض، والذي أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع، فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرا، لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم الرابع عشر، وأما حديث ابن عباس فهو في الفتح وقد قدمت ذلك بأدلته في "باب قصر الصلاة" وأوردت هناك التصريح بأن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع، ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى ما ذكرت ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان. ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق وكيع عن سفيان "فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة" ، وكذا هو في "باب قصر الصلاة" من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق عند المصنف، وهو يؤيد ما ذكرته، فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا إلى المدينة أكثر من ثمانين يوما. "تنبيه" : سفيان في حديث أنس هو الثوري في الروايتين، وعبد الله في حديث ابن عباس هو ابن المبارك، وعاصم هو ابن سليمان الأحول. وقوله: "وقال ابن

(8/21)


عباس" هو موصول بالإسناد المذكور كما تقدم بيانه في "باب قصر الصلاة" أيضا.

(8/22)


باب "أحاديث أخرى عن الفتح"
...
53-باب- 4300- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ "أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْح"
[الحديث 4300- طرفه في: 6356]
4301- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ "قَالَ وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْح"
قوله: "باب" كذا في الأصول بغير ترجمة، وسقط من رواية النسفي فصارت أحاديثه من جملة الباب الذي قبله، ومناسبتها له غير ظاهرة، ولعله كان قد بيض له ليكتب له ترجمة فلم يتفق، والمناسب لترجمته" من شهد الفتح" ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا. قوله: "وقال الليث إلخ" وصله المصنف في "التاريخ الصغير" قال: "حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث" فذكره وقال في آخره: "عام الفتح بمكة" وقد وصله من وجه آخر عن الزهري فقال: "عن عبد الله بن ثعلبة أنه رأى سعد بن أبي وقاص أوتر بركعة" أخرجه في كتاب الأدب كما سيأتي. قوله: "أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير" بمهملة مصغرا، وهو عذري بضم المهملة وسكون المعجمة، ويقال له أيضا ابن أبي صعير، وهو ابن عمرو بن زيد بن سنان حليف بني زهرة، ولأبيه ثعلبة صحبة، وقد حذف المصنف المخبر به اختصارا وقد ظهر بما ذكر في الأدب. قوله: "عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال: أخبرنا ونحن مع ابن المسيب" والجملة الحالية أراد الزهري بها تقوية روايته عنه بأنها كانت بحضرة سعيد. قوله: "عن سنين" بمهملة ونون مصغر، وقيل بتشديد التحتانية وبالنون الأولى فقط، تقدم ذكره في الشهادات بما يغني عن إعادته. قوله: "وخرج معه عام الفتح" ذكر أبو عمر أنه حج معه حجة الوداع، تقدم ذكره في الشهادات.
4302- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ "قَالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ قَالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُنَّا بِمَا مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمْ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ: " صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا" فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا

(8/22)


اسْتَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَزَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيص" .
قوله: "عن عمرو بن سلمة" مختلف في صحبته، ففي هذا الحديث أن أباه وفد، وفيه إشعار بأنه لم يفد معه. وأخرج ابن منده من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بهذا الإسناد ما يدل على أنه وفد أيضا، وكذلك أخرجه الطبراني، وأبو سلمة بكسر اللام هو ابن قيس ويقال نفيع الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، صحابي ما له في البخاري سوى هذا الحديث، وكذا ابنه، لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث كما تقدم في صفة الصلاة. قوله: "قال لي أبو قلابة" هو مقول أيوب. قوله: "كنا بما ممر الناس" يجوز في ممر الحركات الثلاث، وعند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة "كنا نحاصر، يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم" . قوله: "ما للناس، ما للناس" كذا فيه مكرر مرتين. قوله: "ما هذا الرجل" أي يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حال العرب معه. قوله: "أوحى إليه، أوحى الله بكذا" يريد حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن. وفي رواية يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عند أبي نعيم في المستخرج "فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا، فجعلت أحفظ ذلك الكلام" وفي رواية أبي داود "وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا" . قوله: "فكأنما يقر" كذا للكشميهني بضم أوله وفتح القاف وتشديد الراء من القرار. وفي رواية عنه بزيادة ألف مقصورة من التقرية أي يجمع، وللأكثر بهمز من القراءة، وللإسماعيلي: "يغري" بغين معجمة وراء ثقيلة أي يلصق بالغراء، ورجحها عياض. قوله: "تلوم" بفتح أوله واللام وتشديد الواو أي تنتظر وإحدى التاءين محذوفة. قوله: "وبدر" أي سبق. قوله: "فلما قدم" استقبلناه، هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه لكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك. قوله: "وليؤمكم أكثركم قرآنا" في رواية أبي داود من وجه آخر عن عمرو بن سلمة عن أبيه "أنهم قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعا للقرآن" . قوله: "فنظروا" في رواية الإسماعيلي: "فنظروا إلى أهل حوائنا" بكسر المهملة وتخفيف الواو والمد، والحواء مكان الحي النزول. قوله: "تقلصت" أي انجمعت وارتفعت. وفي رواية أبي داود "تكشفت عني" وله من طريق عاصم بن سليمان عن عمرو بن سلمة "فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق، فكنت إذا سجدت خرجت استي" . قوله: "ألا تغطون" كذا في الأصول، وزعم ابن التين أنه وقع عنده بحذف النون. ولأبي داود "فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم" . قوله: "فاشتروا" أي ثوبا. وفي رواية أبي داود "فاشتروا لي قميصا عمانيا" وهو بضم المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان وهي من البحرين، وزاد أبو داود في رواية له "قال عمرو بن سلمة: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم" وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة، ويجزي بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم.
4303- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ

(8/23)


"كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ عُتْبَةُ إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ.
الحديث الرابع والخامس حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى. وفي آخره حديث أبي هريرة في معنى قوله: "الولد للفراش" والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت في فتح مكة. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" وصله الذهلي في "الزهريات" وساقه المصنف هنا على لفظ يونس، وأورده مقرونا بطريق مالك وفيه مخالفة شديدة له، وسأبين ذلك عند شرحه، وقد عابه الإسماعيلي وقال: قرن بين روايتي مالك ويونس مع شدة اختلافهما، ولم يبين ذلك. قوله: "قال ابن شهاب قالت عائشة" كذا هنا، وهذا القدر موصول في رواية مالك بذكر عروة فيه. وفي قوله: "هو أخوك يا عبد بن زمعة" رد لمن زعم أن قوله: "هو لك يا عبد بن زمعة" أن اللام فيه للملك فقال: أي هو لك عبد. قوله: "وقال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك" أي يعلن بهذا الحديث1 وهذا موصول إلى ابن شهاب ومنقطع بين ابن شهاب وأبي هريرة، وهو حديث مستقل أغفل المزي التنبيه عليه في "الأطراف" وقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي من طريق سفيان بن عيينة ومسلم أيضا من طريق معمر كلاهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، زاد معمر "وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر" وفي رواية لمسلم عن ابن عيينة عن سعيد وأبي سلمة معا؛ وفي أخرى عن سعيد أو أبي سلمة. قال الدار قطني في "العلل" : هو محفوظ لابن شهاب عنهما. قلت: وسيأتي في الفرائض من وجه آخر عن أبي هريرة باختصار، لكن من غير طريق ابن شهاب، فلعل هذا الاختلاف هو السبب في ترك إخراج البخاري لحديث أبي هريرة من طريق ابن شهاب.
4304- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "بهذا الحكم"

(8/24)


فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا" فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
الحديث السادس قوله: "أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت" كذا فيه بصورة الإرسال، لكن في آخره ما يقتضي أنه عن عائشة، لقوله في آخره: "قالت عائشة فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها" وعند الإسماعيلي من طريق الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: "فتابت فحسنت توبتها وكانت تأتيني فأرفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الحدود؛ والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت يوم الفتح.
4305، 4306- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ قَالَ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِع" .
4307، 4308- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ "انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: مَضَتْ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ" فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِعٌ وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ"
4309- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ "قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ قَالَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَ رَجَعْت" .
4310- وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا "قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ"
4311- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أبو عمرو الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد بن جبر المكي "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: لا هجرة بعد الفتح" .
4312- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ

(8/25)


قَالَ: "زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَسَأَلَهَا عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"
الحديث السابع قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية، وعاصم هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو النهدي، ومجاشع هو ابن مسعود السلمي، وقوله: "بأخي" هو مجالد بوزن أخيه، وكنيته معبد كما في الرواية الثانية، والذي هنا "فلقيت معبدا" كذا للأكثر، وللكشميهني: "فلقيت أبا معبد" وهو وهم من جهة هذه الرواية وإن كان صوابا في نفس الأمر. قوله: "وقال خالد" هو الحذاء، وصل هذه الطريق الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله عنه بلفظ عن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود فقال: "هذا مجالد يا رسول الله فبايعه على الهجرة" الحديث، وقد تقدم بيان أحوال الهجرة مستوفى في أبواب الهجرة وفي أوائل الجهاد. حديث ابن عمر، تقدم سندا ومتنا في أوائل الهجرة. قوله: "وقال النضر" ابن شميل، وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عنه وزاد في آخره: "ولكن جهاد، فانطلق فاعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع" حديث عائشة، تقدم في أوائل الهجرة سندا ومتنا، وإسحاق بن يزيد هو ابن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسبة إلى جده.
4313- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلِلْ لِي قَطُّ إِلاَّ سَاعَةً مِنْ الدَّهْرِ لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلاَل" .
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" .
الحديث العاشر قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني. وقال الحاكم هو ابن نصر. قوله: "حدثنا أبو عاصم" هو النبيل وهو من شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كما هنا. قوله: "عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" : هذا مرسل، وقد وصله في الحج والجهاد وغيرهما من رواية منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، وأورده ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس، والذي قبله أولى. قوله: "وعن ابن جريج" هو موصول بالإسناد الذي قبله، وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم عن ابن جريج "سمعت عبد الكريم سمعت عكرمة"

(8/26)


وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الحج. قوله: "رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي الخطبة المذكورة، وقد وصلها في كتاب العلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وأول الحديث عنده "أن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين" الحديث، وقد تقدم شرحه هناك ولله الحمد.

(8/27)


باب قوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم...}
...
54-باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [25 التوبة]:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
قوله: "باب قول الله تعالى: {ويَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ - إلى - غَفُورٌ رَحِيمٌ} كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ـ ثم قال إِلَى ِ ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ووقع في رواية النسفي: باب غزوة حنين، وقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ - إلى - غَفُورٌ رَحِيمٌ} وحنين بمهملة ونون مصغر واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات، قال أبو عبيد البكري: سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل. قال أهل المغازي: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لست خلت من شوال، وقيل لليلتين بقيتا من رمضان. وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان وسار سادس شوال؛ وكان وصوله إليها في عاشره، وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم. قال عمر بن شبة في" كتاب مكة ": حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أنه كتب إلى الوليد: أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن قصة الفتح، فذكر له وقتها، فأقام عامئذ بمكة نصف شهر، ولم يزد على ذلك حتى أتاه أن هوازن وثقيفا قد نزلوا حنينا يريدون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم عوف بن مالك. ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل ابن الحنظلية" أنهم ساروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين فأطنبوا السير، فجاء رجل فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى" وعند ابن إسحاق من حديث جابر ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. قوله: {يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} روى يونس بن بكير في "زيادات المغازي" عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة. وقوله: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} إلى آخر الآيات، يأتي بيان ذلك في شرح أحاديث الباب. ثم ذكر المصنف فيه خمسة أحاديث:
4314- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ "رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً قَالَ ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قُلْتُ شَهِدْتَ حُنَيْنًا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ ".
4315- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ "يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ

(8/27)


عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ ـ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ ـ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب" .
4316- حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق "قيل للبراء وأن أسمع: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحنين؟ فقال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا، كانوا رماة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" .
4317- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ "وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِب" .
قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ "نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَغْلَتِه" .
الحديث الأول، قوله: "عن إسماعيل" هو ابن أبي خالد، وكذا هو منسوب في رواية أحمد عن يزيد بن هارون. قوله: "ضربة" زاد أحمد "فقلت ما هذه" وفي رواية الإسماعيلي: "ضربة على ساعده" وفي رواية له "أثر ضربة" . قوله: "شهدت حنينا قال قبل ذلك" في رواية أحمد "قال نعم وقبل ذلك" ومراده بما قبل ذلك ما قبل حنين من المشاهد، وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من صنف في الرجال، ووقفت في بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق، وهو صحابي ابن صحابي. حديث البراء، قوله: "عن أبي إسحاق" هو السبيعي، ومدار هذا الحديث عليه، وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سفيان وهو الثوري قال: "حدثني أبو إسحاق" . قوله: "وجاءه رجل" لم أقف على اسمه، وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس. قوله: "يا أبا عمارة" هي كنية البراء. قوله: "أتوليت يوم حنين" الهمزة للاستفهام وتوليت أي انهزمت، وفي الرواية الثانية "أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين" وفي الثالثة "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وكلها بمعنى. قوله: "أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول" تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر الرواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم. قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب، لأن تقدير الكلام فررتم كلكم. فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية. وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه، ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ: "ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما" فلذلك حلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول، ودل ذلك على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في

(8/28)


طريق أخرى "ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا" ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. قوله: "ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن" فأما سرعان فبفتح المهملة والراء، ويجوز سكون الراء، وقد تقدم ضبطه في سجود السهو في الكلام على حديث ذي اليدين، والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام، وأما هوازن فهي قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات ابن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر، والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الإسراع المذكور قال: كانت هوازن رماة، قال: وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا. وللمصنف في الجهاد "انهزموا" قال: "فأكببنا" وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب "فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام" ، وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور قال: "خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا - بضم المهملة وتشديد السين المهملة - ليس عليهم سلاح، فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون" الحديث. وفيه: "فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ". ثم صف أصحابه" وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق "فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد فانكشفوا" وذكر ابن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر، وهو أن مالك بن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح، فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين. وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، قال: فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت: صف الخيل، ثم المقاتلة، ثم النساء من وراء ذلك، ثم الغنم ثم النعم. قال: ونحن بشر كثير، وعلى ميمنة خيلنا خالد بن الوليد، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس" وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال: "أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه الطلقاء، قال: فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث. ويجمع بين قوله: "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك. ووقع في رواية أبي نعيم في "الدلائل" تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة. قوله: "وأبو سفيان بن الحارث" أي ابن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم وحسن إسلامه، وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت. وعند ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال: لما فر الناس يوم حنين جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" ، فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم: علي والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر. قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل. وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس

(8/29)


لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل" وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين. وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس؛ وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا، ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة" وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن ابن أم أيمن، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة، وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة، ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا وافى الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
ولعل هذا هو الثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم، وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وشيبة بن عثمان الحجبي، فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله، فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له: قاتل الكفار، فقاتلهم حتى انهزموا. قال الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة. قوله: "آخذ برأس بغلته" في رواية زهير "فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر" . قال العلماء: في ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات. وقوله: "فنزل" أي عن البغلة "فاستنصر" أي قال: اللهم أنزل نصرك" . وقع مصرحا به في رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق. وفي حديث العباس عند مسلم: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه" الحديث، وفيه: "ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه" ويمكن الجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه. قوله: "بغلته" هذه البغلة هي البيضاء، وعند مسلم من حديث العباس "وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي" وله من حديث سلمة "وكان على بغلته الشهباء" ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلته دلدل، وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس؛ وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف. قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أصح. ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير

(8/30)


مما وافق فيه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة، وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره. وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم: "على بغلته البيضاء" وفي أخرى "الشهباء" وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها. وتعقب بدلدل فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل إن الاسمين لواحدة. قوله: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" قال ابن التين: كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله: "لا كذب" ليخرجه عن الوزن، وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره، وأنه كان فيه: أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فذكره بلفظ: "أنا" في الموضعين. ثانيها أن هذا رجز وليس من أقسام الشعر، وهذا مردود. ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة، وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا. رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، وهذا أعدل الأجوبة، وقد تقدم هذا المعنى في غير هذا المكان، ويأتي تاما في كتاب الأدب. وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: أيكم ابن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. وأما قوله: "لا كذب " ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق، فلا يجوز علي الفرار. وقيل: معنى قوله: "لا كذب" أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك.
" تنبيهان " : أحدهما ساق البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة، لكنه مختصر جدا. ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة. وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا، فكأنه لما حدث به البخاري حدثه به مختصرا. " الثاني " اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" إلا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم في حديث البراء من رواية زكريا عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي صلى الله عليه وسلم. ولمسلم من حديث العباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ صار يركض بغلته إلى جهة الكفار" وزاد فقال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" ، وكان العباس صيتا، قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة، قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك. قال فاقتتلوا والكفار، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس. ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، قال: فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا" ولابن إسحاق نحوه وزاد: "فجعل الرجل يعطف بغيره فلا يقدر، فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصوت" . قوله: "قال إسرائيل وزهير: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته" أي إن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وزهير بن معاوية الجعفي رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء فقالا في آخره:

(8/31)


"نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته" فأما رواية إسرائيل فوصلها المصنف في "باب من قال خذها وأنا ابن فلان" من كتاب الجهاد ولفظه: "كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه المشركون نزل" وقد تقدم شرح ذلك. وأما رواية زهير فوصلها أيضا في "باب من صف أصحابه عند الهزيمة" وقد ذكرت لفظه قريبا. ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع "لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب، ثم استقبل به وجوههم فقال: " شاهت الوجوه" ، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين". ولأحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين قال: "فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله. ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، قال: فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم" قال يعلى بن عطاء راويه عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري "قال: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا" ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود "ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قدما، فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب، فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا. وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، فولى المشركون الأدبار" وللبزار من حديث ابن عباس "أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين" . ويجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم أولا قال لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا. فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين وفي الأخرى التراب، والله أعلم. وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب. وذم الإعجاب. وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب. ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها. وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق، لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استشهد في تلك الحالة أيمن ابن أم أيمن كما تقدمت الإشارة إليه في شعر العباس. وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات. وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.
4318، 4319- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ" وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا:

(8/32)


فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِن" .
الحديث الثالث حديث المسور ومروان، تقدم ذكره من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه. نعم كان المسور في قصة حنين مميزا، فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي لابنة أبي جهل، والله أعلم. قوله: "حدثنا ابن أخي ابن شهاب قال محمد بن مسلم بن شهاب" هو الزهري، وسقط ابن مسلم من بعض النسخ. قوله: "وزعم عروة بن الزبير" هو معطوف على قصة صلح الحديبية، وقد أخرجه موسى بن عقبة عن الزهري بلفظ: "حدثني عروة بن الزبير إلخ" وسيأتي في الأحكام. قوله: "قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين" ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة، وقد ساقها موسى بن عقبة في المغازي مطولة ولفظه: "ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوازن، وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، فقال: سأطلب لكم، وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال، فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فقال: أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال: قد رددت الذي لبني هاشم عليهم" فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لا يخفى. وقد أغفل محمد بن سعد لما ذكر الوفود وفد هوازن هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع. وممن سمي من وفد هوازن زهير بن صرد كما سيأتي، وأبو مروان - ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل الميم ويقال بموحدة وقاف - وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ذكره ابن سعد. وفي رواية ابن إسحاق "حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" تعيين الذي خطب لهم في ذلك ولفظه: "وأدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، وأنت خير مكفول، ثم أنشده الأبيات المشهورة أولها:

(8/33)


امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر
يقول فيها:
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
ثم ساق القصة نحو سياق موسى بن عقبة. وأورد الطبراني شعر زهير بن صرد من حديثه فزاد على ما أورده ابن إسحاق خمسة أبيات. وقد وقع لنا عاليا جدا في "المعجم الصغير" عشاري الإسناد، ومن بين الطبراني فيه وزهير لا يعرف، لكن يقوى حديثه بالمتابعة المذكورة فهو حسن، وقد بسطت القول فيه في "الأربعين المتباينة" وفي "الأمالي" وفي "الصحابة" وفي "العشرة العشارية" وبينت وهم من زعم أن الإسناد منقطع، والله الموفق. قوله: "وقد كنت استأنيت بكم" في رواية الكشميهني: "لكم" ومعنى استأنيت استنظرت، أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم، وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي، ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك، فجاءه وفد هوازن بعد ذلك، فبين لهم أنه أخر القسم ليحضروا فأبطأوا. وقوله: "بضع عشرة ليلة" فيه بيان مدة التأخير. وقوله: "قفل" بفتح القاف والفاء أي رجع. وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا، من الله عليك. فقال: "قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون" ، وقد قسمت السبي. قوله: "فمن أحب أن يطيب ذلك" بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض. قوله: "على حظه" أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطي عوضه. ووقع في رواية موسى بن عقبة "فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل، ومن كره أن يعطي فعلي فداؤهم" . قوله: "فقال الناس قد طيبنا ذلك" في رواية موسى بن عقبة "فأعطى الناس ما بأيديهم، إلا قليلا من الناس سألوا الفداء" وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة "فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله. وقالت الأنصار كذلك. وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا. وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم" . قوله: "فقال إنا لا ندري من أذن منكم إلخ" يأتي الكلام عليه في "باب العرفاء" من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. قوله: "هذا الذي بلغني عن سبي هوازن" بين المصنف في الهبة أن الذي قال هذا إلخ هو الزهري، قال: وذلك بعد أن خرج هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده.
4320- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَائِه" .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" .
4321- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ

(8/34)


عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ" فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقَالَ: "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ" فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ فَأَعْطِهِ" فَأَعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَم" .
الحديث الرابع قوله: "عن نافع أن عمر قال: يا رسول الله" هكذا ذكره مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما. وقد عاب عليه الإسماعيلي جمعهما لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة، والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة، وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري أيضا هنا، على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم ما ليس عند معمر أيضا مما هو أدخل في مقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية لفظ الرواية الأولى فقد ساقها هو في فرض الخمس بلفظ: "أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان علي اعتكاف ليلة في الجاهلية، فأمره أن يفي به. قال: وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة" الحديث، وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع قلت: وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي. وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد ابن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه، والمراد بالبعض المبهم أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: "أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:"كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يفي به "وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه، وقد أوضحته في" باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة" من كتاب فرض الخمس. وأما رواية من رواه عن أيوب موصولا فأشار إليه البخاري بقوله:

(8/35)


"ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر" فرواية جرير بن حازم وصلها مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم "أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال: " يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوما" . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس قال عمر: يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها" فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، وعرف وجه دخول هذا الحديث في "باب غزوة حنين" ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم من طريق حجاج بن منهال "حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب" مقرونة برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر، قال في قصة النذر يعني دون غيره من ذكر الجارية والسبي، وقد ذكرت في فرض الخمس كلام الدارقطني على هذا الحديث وأنه قال: رواه ابن عيينة عن أيوب، فاختلف الرواة عنه، فمنهم من أرسله ومنهم من وصله، وممن رواه موصولا محمد بن أبي خلف وهو من شيوخ مسلم أخرجه الإسماعيلي من طريقه وفيه ذكر النذر والسبي والجارية كما في رواية جرير بن حازم، وفي المغازي لابن إسحاق في قصة الجارية فائدة أخرى "قال: حدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من سبي هوازن علي بن أبي طالب جارية يقال لها ريطة بنت حبان بن عمير، وأعطى عثمان جارية يقال لها زينب بنت خناس، وأعطى عمر قلابة فوهبها لابنه، قال ابن إسحاق: فحدثني نافع عن ابن عمر قال. بعثت جاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت، ثم أتيتهم فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون، قلت ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا فقلت دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح، فانطلقوا فأخذوها" وهذا لا ينافي قوله في رواية حماد بن زيد أنه وهب عمر جاريتين، فيجمع بينهما بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه لولده عبد الله، والله أعلم. وذكر الواقدي أنه أعطى لعبد الرحمن بن عوف وآخرين معه من الجواري، وأن جارية سعد بن أبي وقاص اختارته فأقامت عنده وولدت له والله أعلم.
وقد تقدم ما يتعلق بالاعتكاف في بابه، ويأتي ما يتعلق بالنذر في بابه إن شاء الله تعالى.
4322- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ" فَقُمْتُ لِأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَلاَ لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا

(8/36)


مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَم" .
الحديث الخامس حديث أبي قتادة، قوله: "عن يحيى بن سعيد" هو الأنصاري وعمر بن كثير بن أفلح مدني مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصرا، وفي فرض الخمس تاما، وسيأتي في الأحكام. وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: عن عمرو بن كثير والصواب "عمر" . قوله: "عن أبي محمد" هو نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته. قوله: "فلما التقينا كانت للمسلمين جولة" بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاف، وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا، لكن بعد القصة التي ذكرها أبو قتادة، وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا. قوله: "فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين" لم أقف على اسمهما، وقوله: "علا" أي ظهر. وفي رواية الليث التي بعدها "نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله" بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة أي يريد أن يأخذه على غرة، وتبين من هذه الرواية أن الضمير في قوله في الأولى: "فضربته من ورائه" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يختل المسلم. قوله: "على حبل عاتقه" حبل العاتق عصبه، والعاتق موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية: "فأضرب يده فقطعتها" أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف، وقوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها. قوله: "وجدت منها ريح الموت" أي من شدتها، وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا. قوله: "ثم أدركه الموت فأرسلني" أي أطلقني. قوله: "فلحقت عمر" في السياق حذف بينته الرواية الثانية حيث قال: "فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب" . قوله: "أمر الله" أي حكم الله وما قضى به. قوله: "ثم رجعوا" في الرواية الثانية "ثم تراجعوا" وقد تقدم في الحديث الأول كيفية رجوعهم وهزيمة المشركين بما يغني عن إعادته. قوله: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" تقدم شرح ذلك مستوفى في فرض الخمس. قوله: "فقلت من يشهد لي" زاد في الرواية التي تلي هذه "فلم أر أحدا يشهد لي" وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية فإن في الرواية الثانية "فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره" . قوله: "فقال رجل" في الرواية الثانية "من جلسائه" وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي، وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي. قوله: "صدق، وسلبه عندي فأرضه منه" في رواية الكشميهني: "فأرضه مني" . قوله: "فقال أبو بكر الصديق: لاها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه" هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف "لاها الله إذا" فأما لاها الله فقال الجوهري: ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك. فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن، قال: وفي النطق بها أربعة أوجه، أحدها ها الله باللام بغير الهاء بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها مثله لكن بإظهار ألف

(8/37)


واحدة بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان، ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع، رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلامه. والمشهور في الراوية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول. وقال أبو حاتم السجستاني: العرب تقول لاهأ الله ذا بالهمز، والقياس ترك الهمز، وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى برفع الله، قال: والمعنى يأبى الله. وقال غيره: إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون "ها" للتنبيه و "الله" مبتدأ و "لا يعمد" خبره انتهى. ولا يخفى تكلفه. وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره. وأما إذا فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة. وقال الخطابي: هكذا يروونه، وإنما هو في كلامهم - أي العرب - لاها الله ذا، والهاء فيه بمنزلة الواو، والمعنى لا والله يكون ذا. ونقل عياض في "المشارق" عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة: "لاها الله إذا" خطأ، والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي. وقال أبو زيد: ليس في كلامهم لاها الله إذا، وإنما هو لاها الله ذا، وذا صلة في الكلام، والمعنى لا والله، هذا ما أقسم به، ومنه أخذ الجوهري قال: قولهم لاها الله ذا معناه لا والله هذا، ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة، والتقدير لا والله ما فعلت ذا. وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ: "إذا" خطأ وإنما هو "ذا" تبعا لأهل العربية، ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات بخلاف ذلك فلم يصب، بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية في ذلك. وقد اختلف في كتابة "إذا" هذه هل تكتب بألف أو بنون، وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف فمن قال هي اسم قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنها التنوين وأضمرت أن، فعلى هذا يكتب بالنون. ومن قال هي حرف - وهم الجمهور - اختلفوا، فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح، ومنهم من قال مركبة من إذا وإن فعلى الأول تكتب بألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف، وعلى الثاني تكتب بنون، واختلف في معناها قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، وتبعه جماعة فقالوا: هي حرف جواب يقتضي التعليل. وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للجواب، وأكثر ما تجيء جوابا للو وإن ظاهرا أو مقدرا، فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ: "إذا" لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا: لا والله، إذا لا يعمد إلى أسد إلخ. وكان حق السياق أن يقول: إذا يعمد، أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد إلخ، وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد إلخ، فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير، ولكن قال ابن مالك: وقع في الرواية: "إذا" بألف وتنوين وليس ببعيد. وقال أبو البقاء: هو بعيد، ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير: لا والله لا يعطي إذا، يعني ويكون لا يعمد إلخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه. وقال الطيبي: ثبت في الرواية: "لاها الله إذا" فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لاها الله بدون ذا، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء والكلام هنا على نقيضه، فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر "لا" في قوله: "لا يعمد" بل كان يقول: إذا يعمد إلى أسد إلخ ليصح جوابا لطلب السلب، قال: والحديث صحيح والمعنى صحيح، وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له: والله إذا لا أفعل، فالتقدير إذا والله لا يعمد إلى أسد إلخ، قال: ويحتمل أن يكون "إذا" زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي "إذا لقام بنصري معشر خشن" في جواب قوله: "لو كنت من مازن لم تستبح أبلي" قال: والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء

(8/38)


على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف، ولا أقول إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم، بل أقول: لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم. قلت: وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية ورد ما خالفها الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم" فنقل ما تقدم عن أئمة العربية ثم قال: وقع في رواية العذري والهوزني في مسلم: "لاها الله ذا" بغير ألف ولا تنوين، وهو الذي جزم به من ذكرناه. قال: والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم، وذلك أن العرب تقول في القسم "الله لأفعلن" بمد الهمزة وبقصرها، فكأنهم عوضوا عن الهمزة ها فقالوا "ها الله" لتقارب مخرجيهما، وكذلك قالوا بالمد والقصر، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول: الله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول: الله، وأما "إذا" فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذا" فلو قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو قوله: "لاها الله إذا" من كل وجه؛ لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه، قال: فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معني ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة، ولا سيما من ارتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به، قال: وليس هذا قياسا فيطرد، ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي، ولا مرويا برواية ثابتة. قال: وما وجد للعدوي وغيره فإصلاح من اغتر بما حكي عن أهل العربية، والحق أحق أن يتبع. وقال بعض من أدركناه وهو أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب في حاشية نسخته من البخاري: استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا: والصواب "لاها الله ذا" باسم الإشارة. قال: ويا عجب من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا. جوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك، وأما جعل، "لا يعمد" جواب فأرضه فهو سبب الغلط، وليس بصحيح ممن زعمه، وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه صدق فأرضه، فكأن أبا بكر قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك. قال: وهذأ واضح لا تكلف فيه انتهى. وهو توجيه حسن. والذي قبله أقعد. ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث، منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت: فانتهرتها فقلت: "لاها الله إذا" ومنها ما وقع في قصة جليبيب بالجيم والموحدتين مصغرا "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال: حتى أستأمر أمها، قال: فنعم إذا. قال فذهب إلى امرأته فذكر لها فقالت: لاها الله إذا، وقد منعناها فلانا" الحديث، صححه ابن حبان من حديث أنس. ومنها ما أخرجه أحمد في "الزهد" قال: "قال مالك بن دينار للحسن: يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه، قال: لاها الله إذا ألبس مثل عباءتك هذه" وفي "تهذيب الكمال" في ترجمة ابن أبي عتيق "أنه دخل على عائشة في مرضها فقال: كيف أصبحت جعلني الله فداك؟ قالت: أصبحت ذاهبة. قال: فلا إذا. وكان فيه دعابة" ووقع في كثير من الأحاديث في سياق الإثبات بقسم وبغير قسم، فمن ذلك في قصة جليبيب، ومنها حديث عائشة في قصة صفية لما قال صلى الله عليه وسلم: "أحابستنا هي؟ وقال إنها طافت بعد

(8/39)


ما أفاضت فقال: فلتنفر إذا" وفي رواية: "فلا إذا" ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس "فقال: عائشة. فقال: لم أعن النساء؟ قال: فأبوها إذا" ومنها حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال: "بل حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور. قال: فنعم إذا" ومنها ما أخرجه الفاكهي من طريق سفيان قال: "لقيت ليطة بن الفرزدق فقلت: أسمعت هذا الحديث من أبيك؟ قال: أي ها الله إذا، سمعت أبي يقوله:"فذكر القصة. ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها، أفلا أعود لها؟ قال: بلى ها الله إذا" والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال: إذا والله أقول لك نعم، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله: إذا والله لا نعطيك، إذا والله لا أشترط، إذا والله لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها. وقد قال ابن جريج في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} : فلا يؤتون الناس إذا، وجعل ذلك جوابا عن عدم النصيب بها، مع أن الفعل مستقبل وذكر أبو موسى المديني في "المغيث" له في قوله تعالى: {إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً} إذا قيل هو اسم بمعنى الحروف الناصبة وقيل أصله إذا الذي هو من ظروف الزمان وإنما نون للفرق ومعناه حينئذ أي إن أخرجوك من مكة، فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلا. وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه فيكون التقدير: لا والله حينئذ. ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال: لا يعمد إلخ والله أعلم. وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصا ما في الصحيحين، فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته، فرأيت إثباته كله هنا، والله الموفق. قوله: "لا يعمد إلخ" أي لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه، هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية فيه وفي يعطيك، وضبطه النووي بالنون فيهما. قوله: "فيعطيك سلبه" أي سلب قتيله فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه. "تنبيه" : وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه ولفظه: "إن هوازن جاءت يوم حنين" فذكر القصة قال: "فهزم الله المشركين، فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " من قتل كافرا فله سلبه" ، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين راجلا وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه، فقام رجل فقال: أخذتها فأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت. فقال عمر. والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق عمر "وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره. ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر. والله أعلم. قوله: "صدق" أي القائل: "فأعطه" بصيغة الأمر للذي اعترف بأن السلب عنده. قوله: "فابتعت به" ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواقي. قوله: "مخرفا" بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا، سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتنى، وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها، وفي الرواية التي بعدها "خرافا" وهو بكسر أوله وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى، وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال: بستان خراف. وذكر

(8/40)


الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين. قوله: "في بني سلمة" بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة. قوله: "تأثلته" بمثناة ثم مثلثة أي أصلته، وأثلة كل شيء أصله. وفي رواية ابن إسحاق "أول مال اعتقدته" أي جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه. قوله: "وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد" هو الأنصاري شيخ مالك فيه، وروايته هذه وصلها المصنف في الأحكام عن قتيبة عنه لكن باختصار وقال فيه: "عن يحيى" لم يقل حدثني، وذكر في آخره كلمة قال فيها: "قال لي عبد الله حدثنا الليث" يعني بالإسناد المذكور، وعبد الله هو ابن صالح كاتب الليث، وأكثر ما يعلقه البخاري عن الليث ما أخذه عن عبد الله بن صالح المذكور، وقد أشبع القول في ذلك في المقدمة، وقد وصل الإسماعيلي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن الليث قال: "حدثني يحيى بن سعيد" وذكره بتمامه. قوله: "تخوفت" حذف المفعول والتقدير الهلاك. قوله: "ثم برك" كذا للأكثر بالموحدة. ولبعضهم بالمثناة أي تركني. وفي رواية الإسماعيلي: "ثم نزف" بضم النون وكسر الزاي بعدها فاء ويؤيده قوله بعدها "فتحلل" . قوله: "سلاح هذا القتيل الذي يذكر" في رواية الكشميهني: "الذي ذكره" وتبين بهذه الرواية أن سلبه كان سلاحا. قوله: "أصيبغ" بمهملة ثم معجمة عند القابسي، وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر. وقال ابن التين: وصفه بالضعف والمهانة، والأصيبغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر ذكر ذلك الخطابي، وعلى هذا رواية القابسي، وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز. وقال ابن مالك: أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف. قوله: "ويدع" أي يترك وهو بالرفع ويجوز للنصب والجر.

(8/41)


55- باب غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ
4323- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلاَ تَسْتَحْيِي أَلاَ تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ

(8/41)


ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا" قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى".
قوله: "باب غزوة أوطاس" قال عياض: هو واد في دار هوازن، وهو موضع حرب حنين انتهى. وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير، والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهما إلى الطائف وطائفة إلى بجيلة وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف. وقال أبو عبيدة البكري: أوطاس واد في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين. قوله: "بعث أبا عامر" هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري، وهو عم أبي موسى. وقال ابن إسحاق: هو ابن عمه. والأول أشهر. قوله: "فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد" أما الصمة فهو بكسر المهملة وتشديد الميم أي ابن بكر بن علقمة - ويقال بن الحارث بن بكر بن علقمة - الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، فالصمة لقب لأبيه واسمه الحارث، وقوله فقتل رويناه على البناء للمجهول، واختلف في قاتله فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع بفاء مصغر ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة ثم مهملة، ويقال بمهملة ثم معجمة وهي أمه. وقال ابن هشام: يقال اسمه عبد الله بن قبيع بن أهبان، وساق بقبة نسبه. ويقال له أيضا ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة، وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه: "لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة، فقال خلوهم لي، فخلوهم، فقال: هذه قضاعة ولا بأس عليكم، ثم رأوا كتيبة مثل ذلك، فقال: هذه سليم، ثم رأوا فارسا وحده فقال: خلوه لي، فقالوا معتجر بعمامة سوداء، فقال: هذا الزبير بن العوام، وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت الزبير فرآهم فقال: علام هؤلاء هاهنا؟ فمضي إليهم، وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة، فحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه. ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا، وكان دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية، ويقال إنه كان لما قتل ابن عشرين - ويقال ابن ستين - ومائة سنة. قوله: "قال أبو موسى وبعثني" أي النبي صلى الله عليه وسلم "مع أبي عامر" أي إلى من التجأ إلى أوطاس. وقال ابن إسحاق: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس، فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال. قوله: "فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي" بضم الجيم وفتح المعجمة أي رجل من بني جشم، واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه. وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث، وفي نسخة وافى بدل أوفي، فأصاب أحدهما ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري. وعند ابن عائذ والطبراني في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري

(8/42)


بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء" الحديث. فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق. وذكر ابن إسحاق في المغازي أيضا أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين إخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: اللهم اشهد عليه، فقال الرجل اللهم لا تشهد علي، فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شهيد أبي عامر، وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر، وما في الصحيح أولى بالقبول، ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله. قوله: "فنزا منه الماء" أي انصب من موضع السهم. قوله: "قال يا ابن أخي" هذا يرد قول ابن إسحاق إنه ابن عمه، ويحتمل - إن كان ضبطه - أن يكون قال له ذلك لكونه كان أسن منه. قوله: "فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية ابن عائذ "فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم معي اللواء قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر" . قوله: "على سرير مرمل" براء مهملة ثم ميم ثقيلة، أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة. قوله: "وعليه فراش" قال ابن التين: أنكره الشيخ أبو الحسن وقال: الصواب: ما عليه فراش، فسقطت "ما" انتهى. وهو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أن لا يكون على سريره دائما فراش. قوله: "فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه" يستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء، خلافا لمن خص ذلك بالاستسقاء، وسيأتي بيان ما ورد من ذلك في كتاب الدعوات. قوله: "فوق كثير من خلقك" أي في المرتبة. وفي رواية ابن عائذ "في الأكثرين يوم القيامة" . قوله: "قال أبو بردة" هو موصول بالإسناد المذكور.

(8/43)


56- باب غَزْوَةِ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
4324- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُن" . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ هِيتٌ.
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ "وَهُوَ مُحَاصِرُ الطَّائِفِ يَوْمَئِذ" .
[الحديث 4224- طرفاه في: 5235، 5887]
قوله: "باب غزوة الطائف" هو بلد كبير مشهور، كثير الأعناب والنخيل، على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق، قبل أصلها أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف فسمي الموضع بها، وكانت أولا بنواحي صنعاء، واسم الأرض وج بتشديد الجيم، سميت برجل وهو ابن عبد الجن من العمالقة وهو أولا من نزل بها. وسار النبي صلى الله عليه وسلم إليها بعد منصرفه من حنين وحبس الغنائم بالجعرانة، وكان مالك بن عوف النضري قائد هوازن لما انهزم دخل الطائف وكان

(8/43)


له حصن بلية، وهي بكسر اللام وتخفيف التحتانية على أميال من الطائف، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو سائر إلى الطائف فأمر بهدمه. قوله: "في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة" . قلت: كذا ذكره في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي. وقيل بل وصل إليها في أول ذي القعدة. ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث: حديث أم سلمة وهشام هو ابن عروة، وفي الإسناد لطيفة: رجل عن أبيه وهما تابعيان، وامرأة عن أمها وهما صحابيتان. قوله: "أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف" الحديث يأتي شرحه في كتاب النكاح، والغرض منه هنا ذكر حصار الطائف، ولذلك أورد الطريق الأخرى بعده حيث قال فيها: "وهو محاصر الطائف يومئذ" وعبد الله بن أبي أمية هو أخو أم سلمة راوية الحديث، وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث المقدم ذكره في غزوة الفتح، واستشهد عبد الله بالطائف أصابه سهم فقتله. وقوله في الأول: "قال ابن عيينة وقال ابن جريج" هو موصول بالإسناد الأول. وقوله: "المخنث هيت" أي اسمه، وهو بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة، وضبطه بعضهم بفتح أوله، وأما ابن درستويه فضبطه بنون ثم موحدة، وزعم أن الأول تصحيف. قال: والهنب الأحمق. وسيأتي ما قيل في اسمه من الاختلاف هل هو واحد أو جماعة في كتاب النكاح، وكذا ما قيل في اسم المرأة، والأشهر أنها بادية إن شاء الله تعالى.
4325- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا نَذْهَبُ وَلاَ نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَتَبَسَّمَ" قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّه" .
قوله: "سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وأبو العباس الشاعر الأعمى تقدم ذكره وتسميته في قيام الليل. قوله: "عن عبد الله بن عمر" في رواية الكشميهني: "عبد الله بن عمرو" بفتح العين وسكون الميم، وكذا وقع في رواية النسفي والأصيلي، وقرئ على ابن زيد المروزي كذلك فرده بضم العين، وقد ذكر الدار قطني الاختلاف فيه وقال: الصواب عبد الله بن عمر بن الخطاب، والأول هو الصواب في رواية علي بن المديني وكذلك الحميدي وغيرهما من حفاظ أصحاب ابن عيينة، وكذا أخرجه الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: "عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخرا كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في "الدلائل" من طريق عثمان الدارمي عن علي بن المديني قال: "حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب، لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص" وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال: "عبد الله بن عمر" وكذا رواه عنه مسلم، وأخرجه الإسماعيلي

(8/44)


من وجه آخر عنه فزاد: "قال أبو بكر سمعت ابن عيينة مرة أخرى يحدث به عن ابن عمر" وقال المفضل العلائي عن يحيى بن معين "أبو العباس عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر في الطائف الصحيح ابن عمر" . قوله: "لما حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا" في مرسل ابن الزبير عند ابن أبي شيبة قال: "لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف قال أصحابه: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: اللهم اهد ثقيفا" وذكر أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قوما، فاستشار نوفل بن معاوية الديلي فقال: هم ثعلب قي حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، فرحل عنهم "وذكر أنس في حديثه عند مسلم أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما، وعند أهل السير اختلاف قيل عشرين يوما وقيل بضعة عشر وقيل ثمانية عشر وقيل خمسة عشر. قوله:. "إنا قافلون" أي راجعون إلى المدينة. قوله: "فثقل عليهم" بين سبب ذلك بقولهم: "نذهب ولا نفتحه" وحاصل الخبر أنهم لما أخبرهم بالرجوع بغير فتح لم يعجبهم، فلما رأى ذلك أمرهم بالقتال فلم يفتح لهم فأصيبوا بالجراح لأنهم رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إلى من على السور، فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع، فلما أعاد عليهم القول بالرجوع أعجبهم حينئذ، ولهذا قال: "فضحك" وقوله: "وقال سفيان مرة فتبسم" هو ترديد من الراوي. قوله: "قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله" بالنصب أي أن الحميدي رواه بغير عنعنة بل ذكر الخبر في جميع الإسناد، ووقع في رواية الكشميهني بالخبر كله، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" وفي "الدلائل" من طريق بشر بن موسى عن الحميدي "حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس الأعمى يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول:"فذكره.
4326، 4327- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: "سَمِعْتُ سَعْدًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالاَ سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ" وَقَالَ هِشَامٌ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: عَاصِمٌ قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ حَسْبُكَ بِهِمَا قَالَ أَجَلْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الطَّائِف" .
[الحديث 4326- طرفه في: 6766]
[الحديث 4327- طرفه في: 6767]
الحديث الثالث قوله: "عن عاصم" هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو النهدي، وشرح المتن يأتي في الفرائض، والغرض منه ذكر أبي بكرة واسمه نفيع بن الحارث وكان مولى الحارث بن كلدة الثقفي، فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بسند لا بأس به من حديث أبي بكرة، وكان ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم فيما ذكر أهل المغازي منهم مع أبي بكرة: المنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب،

(8/45)


وكذا مرزوق والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد ابن أبيه، والأزرق أبو عقبة وكان لكلدة الثقفي، ثم حالف بني أمية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لخالد بن سعيد بن العاص ليعلمه الإسلام، ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة، ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جابر وكان لخرشة الثقفي، وبشار وكان لعثمان بن عبد الله، ونافع مولي الحارث بن كلدة، ونافع مولي غيلان بن سلمة الثقفي، ويقال كان معهم زياد ابن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره، ولم أعرف أسماء الباقين. قوله: "تسور" أي صعد إلى أعلاه وهذا لا يخالف قوله: "تدلى" لأنه تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه. وقوله: "وقال هشام" هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه، وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده عن أبي بكرة وحده بغير شك، وغرض المصنف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف" وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازيه وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده، وهو جمع حسن، وروى ابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس قال: "أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف كل من خرج إليه من رقيق المشركين" وأخرجه ابن سعد مرسلا من وجه آخر. قال: "اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحور كما وأبشرا" فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة.
4328- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي. فَقَالَ: لَهُ أَبْشِرْ فَقَالَ قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا قَالاَ قَبِلْنَا ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا" فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلاَ لأُمِّكُمَا فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَة" .
قوله: "وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة" أما الجعرانة فهي لكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد تسكن العين، وهي بين الطائف ومكة وإلى مكة أقرب قاله عياض. وقال الفاكهي: بينها وبين مكة بريد. وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا. وقد أنكر الداودي الشارح قوله إن الجعرانة بين مكة والمدينة وقال: إنما هي بين مكة والطائف وكذا حزم النووي بأن الجعرانة بين الطائف ومكة وهو مقتضى ما تقدم نقله عن الفاكهي وغيره. قوله: "أعرابي" لم أقف على اسمه. قوله: "ألا تنجز لي ما وعدتني" يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل له نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة. فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واستنجاز قسمتها. قوله: "أبشر" بهمزة قطع أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر. قوله: "فنادت أم سلمة"

(8/46)


هي زوج النبي وهي أم المؤمنين، ولهذا قالت: لأمكما. قوله: "فأفضلا لها منه طائفة" أي بقية. وفي الحديث مقبة لأبي عامر ولأبي موسى ولبلال ولأم سلمة رضي الله عنهم.
4329- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك " .
الحديث الخامس قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية، ويعلى هو ابن أمية التميمي، وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في أبواب العمرة.
4330- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: "لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَلًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض" .
[الحديث 4330- طرفه في: 7245]
الحديث السادس قوله: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد. قوله: "عن عمرو بن يحيى" في رواية أحمد عن عفان عن وهيب "حدثنا عمرو بن يحيى" وهو المازني الأنصاري المدني. وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند مسلم عن عمرو بن يحيى بن عمارة. قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين" أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، فإذا غلب

(8/47)


الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم، وقد قدمنا قريبا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحبس الغنائم بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة، وكان السبب في تأخير القسمة ما تقدم في حديث المسور رجاء أن يسلموا، وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة. قوله: "قسم في الناس" حذف المفعول والمراد به الغنائم، ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب: "يعطي رجالا المائة من الإبل" . وقوله: "في المؤلفة قلوبهم" بدل بعض من كل، والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية. وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهما الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم. وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" . ووقع في حديث أنس الآتي في "باب قسم الغنائم في قريش" والمراد بهم من فتحت مكة وهم فيها. وفي رواية له "فأعطى الطلقاء والمهاجرين" والمراد بالطلقاء جمع طليق: من حصل من النبي صلى الله عليه وسلم المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة. وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في "المبهمات" له أسماء المؤلفة وهم "س" أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، "س" وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش، وعيينة بن حصين الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الأيهم التميمي، "س" والعباس بن مرداس السلمي، "س" ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي وفي ذكر الأخيرين نظر: فقبل إنهما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة، وذكر الواقدي في المؤلفة "س" معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، "س" وسعيد بن يربوع، "س" وقيس بن عدي "س" وعمرو بن وهب، "س" وهشام بن عمرو. وذكر ابن إسحاق من ذكرت عليه علامة سين وزاد: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم. وممن ذكره فمهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة. وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس. وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدري، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي. فهؤلاء زيادة على أربعين نفسا. قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا" طاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة. وقال القرطبي في "المفهم" : الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس، ومنه كان أكثر عطاياه، وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو، وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة. وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: " إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجيرهم وأتألفهم" . قلت: الأول هو المعتمد، وسيأتي ما يؤكده. والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي، ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف،

(8/48)


وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه. وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس. وقال ابن القيم: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كفونا أمره. فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم، ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما، فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا، واقتضت حكمته أيضا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها. ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة. ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين، ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه. ثم كان من تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها. وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير، والسبايا من الأنثى والصغير، بما حازوه من الفوز العظيم، ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا. وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه، انتهى ملخصا. قوله: "فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" كذا للأكثر مرة واحدة. وفي رواية أبي ذر "فكأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" أورده على الشك هل قال: "وجد" بضمتين جمع واحد أو "وجدوا" على أنه فعل ماض. ووقع له عن الكشميهني وحده "وجدوا" في الموضعين فصار تكرارا بغير فائدة، وكذا رأيته في أصل النسفي. ووقع في رواية مسلم كذلك. قال عياض: وقع في نسخة قي الثاني "أن لم يصبهم" يعني بفتح الهمزة وبالنون قال: وعلى هذا تظهر فائدة التكرار، وجوز الكرماني أن يكون الأول من الغضب والثاني من الحزن

(8/49)


والمعنى أنهم غضبوا، والموجدة الغضب يقال وجد في نفسه إذا غضب، ويقال أيضا وجد إذا حزن، ووجد ضد فقد، ووجد إذا استفاد مالا، ويظهر الفرق بينهما بمصادرهما: ففي الغضب موحدة، وفي الحزن وجدا بالفتح، وفي ضد الفقد وجدانا، وفي المال وجدا بالضم، وقد يقع الاشتراك في بعض هذه المصادر، وموضع بسط ذلك غير هذا الموضع. وفي "مغازي سليمان التيمي" أن سبب حزنهم أنهم خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإقامة بمكة. والأصح ما في الصحيح حيث قال: "إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" على أنه لا يمتنع الجمع وهذا أولى. ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب: "فقالوا: يغفر الله لرسوله، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم" وفي رواية هشام بن زيد عن أنس آخر الباب: "إذا كانت شديدة فنحن ندعي، ويعطي الغنيمة غيرنا" وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي. قوله: "فخطبهم" زاد مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن يحيى "فحمد الله وأثنى علبه" وسيأتي في الباب في رواية الزهري "فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، فلم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا" وفي رواية هشام بن زيد "فجمعهم في قبة من أدم فقال: يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني؟ فسكتوا" ويحمل على الله بعضهم سكت وبعضهم أجاب. وفي رواية أبي التياح عن أنس عند الإسماعيلي فجمعهم فقال: "ما الذي بلغتي عنكم؟ قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون" ولأحمد من طريق ثابت عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أما سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين، فقالت الأنصار: سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم" فذكر الحديث وفيه: "ثم قال: أقلتم كذا وكذا؟ قالوا: نعم" وإسناده على شرط مسلم، وكذا ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: "لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة، فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك، فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: ما أنا إلا من قومي. قال: فاجمع لي قومك. فخرج فجمعهم" الحديث، وأخرجه أحمد من هذا الوجه، وهذا يعكر على الرواية التي فيها "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا" لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب، إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر، وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد إدخال نفسه في النفي، أو أنه لم يقل لفظا وإن كان رضي بالقول المذكور فقال ما أنا إلا من قومي، وهذا أوجه، والله أعلم. قوله: " ألم أجدكم ضلالا " بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك، وبالهداية الإيمان. وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة وهي أعظم من نعمة المال لأن الأموال تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها كما تقدم في أول الهجرة، فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى: {لوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} . قوله: "عالة" بالمهملة أي فقراء لا مال لهم، والعيلة الفقر. قوله: "كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن" بفتح الهمزة والميم والتشديد: أفعل تفضيل من المن، وفي حديث أبي سعيد "فقالوا ماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل" . قوله: "قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا" في رواية إسماعيل

(8/50)


بن جعفر "لو شئتم أن تقولوا جئتنا كذا وكذا وكان من الأمر كذا وكذا" لأشياء زعم عمرو بن أبي يحيى المازني راوي الحديث أنه لا يحفظها. وفي هذا رد على من قال إن الراوي كنى عن ذلك عمدا على طريق التأدب، وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك وما أشبه ذلك، وفيه بعد، فقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد ولفظه: "فقال: أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك" ونحوه في مغازي أبي الأسود عن عروة مرسلا وابن عائذ من حديث ابن عباس موصولا، وفي مغازي سليمان التيمي أنهم قالوا في جواب ذلك "رضينا عن الله ورسوله" وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه بغير إسناد، وأخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ: "أفلا تقولون جئتنا خائفا فآمناك، وطريدا فآويناك، ومخذولا فنصرناك. فقالوا: بل المن علينا لله ولرسوله" وإسناده صحيح، وروى أحمد من وجه آخر عن أبي سعيد قال: "قال رجل من الأنصار لأصحابه: لقد كنت أحدثكم أن لو استقامت الأمور لقد آثر عليكم، قال فردوا عليه ردا عنيفا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:"الحديث. وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وإنصافا، وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وقد نبه على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا ترضون إلخ" فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية. قوله: " بالشاة والبعير " اسم جنس فيهما، والشاة تقع على الذكر والأنثى وكذا البعير. وفي رواية الزهري " أن يذهب الناس بالأموال" وفي رواية أبي التياح بعدها وكذا قتادة "بالدنيا" قوله: "إلى رحالكم" بالحاء المهملة أي بيوتكم وهي رواية قتادة، زاد في رواية الزهري عن أنس "فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به" وزاد فيه أيضا: "قالوا يا رسول الله قد رضينا" وفي رواية قتادة "قالوا بلى" وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس، وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض، فأبوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا. قوله: " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه: منها الولادة، والبلادية، والاعتقادية، والصناعية. ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا. وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبق إلا القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم. قال: ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة. وقال ابن الجوزي: لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين، فالتقدير لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم. وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تتبدل بغيرها. وقيل معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد. وقيل: التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار، ولم يرد ظاهر النسب أصلا. وقيل لولا التزامي بشروط الهجرة ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاث لاخترت أن يكون من الأنصار فيباح لي ذلك. قوله: "وادي الأنصار"

(8/51)


هو المكان المنخفض، وقبل الذي فيه ماء، والمراد هنا بلدهم. وقوله: "شعب الأنصار" بكسر الشين المعجمة وهو اسم لما انفرج بين جبلين. وقيل الطريق في الجبل. وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا وبما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا. ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله. قال الخطابي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا. فأراد أنه مع الأنصار. قال: ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد. قوله: "الأنصار شعار والناس دثار" الشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد. والدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة الذي فوقه. وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه. وأراد أيضا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم. زاد في حديث أبي سعيد " اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا" . قوله: "إنكم ستلقون بعدي أثرة" بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين، ويجوز كسر أوله مع الإسكان، أي الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه. وفي رواية الزهري "أثرة شديدة" والمعنى أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق. وقال أبو عبيد: معناه يفضل نفسه عليكم في الفيء. وقيل المراد بالأثرة الشدة. ويرده سياق الحديث وسببه. قوله: "فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" أي يوم القيامة. وفي رواية الزهري " حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض" أي اصبروا حتى تموتوا، فإنكم ستجدونني عند الحوض، فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه، وحسن أدب الأنصار في تركهم المماراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم. وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم، وأن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه، ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق. وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبه بإقامة حجة من عتب عليه، والاعتذار والاعتراف. وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: "ستلقون بعدي أثرة" فكان كما قال. وقد قال الزهري في روايته عن أنس في آخر الحديث: "قال أنس: فلم يصبروا" . وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء، وأن له أن يعطي الغني منه للمصلحة. وأن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك. ومشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصا أم عاما. وفيه جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة. وفيه تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة، والحض على طلب الهداية والألفة والغني، وأن المنة لله ورسوله على الإطلاق، وتقديم جانب الآخرة على الدنيا، والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة، والآخرة خير وأبقى.
4331- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَالَ نَاسٌ مِنْ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنْ الإِبِلِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ قَالَ أَنَسٌ فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ

(8/52)


مِنْ أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ" قَالَ أَنَسٌ فَلَمْ يَصْبِرُوا".
4332- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتْ الأَنْصَارُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا بَلَى قَالَ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُم" .
4333- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَالطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالُوا فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لاَخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ"
4334حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَار" .
4337- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ

(8/53)


وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَمِنْ الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتْ الأَنْصَارُ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَسَكَتُوا فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ قَالُوا بَلَى فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لاَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ" وَقَالَ هِشَامٌ قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ قَالَ وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْه" .
الحديث السابع حديث أنس، أورده من رواية الزهري وأبي التياح وهشام بن زيد وقتادة كلهم عن أنس. وفي رواية بعضهم ما ليس في رواية الآخر، وقد ذكرت ما في رواياتهم من فائدة في الذي قبله. وهشام في رواية الزهري هو ابن يوسف الصنعاني، وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد، وإسناده كله بصريون. وكذا طريق قتادة. وهشام بن زيد هو ابن أنس بن مالك. وقد أورد حديثه من طريقين: فالأولى عن أزهر وهو ابن سعد السمان، والثانية عن معاذ بن معاذ وهو العنبري كلاهما عن ابن عون وهو عبد الله، وجميعهم بصريون. قوله في رواية أبي التياح "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم في قريش" كذا لأبي ذر عن شيخه، وله في رواية الكشميهني: "بين قريش" وهي رواية الأصيلي، ووقع عند القابسي "غنائم في قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك، بل المراد بقوله: "يوم فتح مكة" زمان فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه، وقد قرر ذلك الإسماعيلي فقال: قوله يعني في رواية: "لما افتتحت مكة قسمت الغنائم" يريد غنائم هوازن، فإنه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة، وكان السبب في هوازن فتح مكة لأن الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة، وقد خطأ القابسي الرواية وقال: الصواب في قريش. وأخرج أبو نعيم هذا الحديث من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ: "لما كان يوم حنين قالت الأنصار: والله إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش" الحديث، فهذا لا إشكال فيه. قوله: "أنبأنا هشام بن زيد" في رواية معاذ "عن هشام" . قوله: في رواية قتادة "إن قريشا حديث عهد" كذا وقع بالإفراد في الصحيحين، والمعروف "حديثو عهد" ، وكتبها الدمياطي بخطه "حديثو عهد" وفيه نظر. وقد وقع عند الإسماعيلي: "أن قريشا كانوا قريب عهد". قوله: "أن أجبرهم" كذا للأكثر بفتح أوله وسكون الجيم بعدها موحدة ثم راء مهملة، وللسرخسي والمستملي بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي من الجائزة. قوله في

(8/54)


رواية معاذ "عشرة آلاف من الطلقاء" في رواية الكشميهني: "عشرة آلاف والطلقاء" وهو أولى فإن الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عشر عشره، وقيل إن الواو مقدرة عند من جوز تقدير حرف العطف. قوله: "وقال هشام: قلت يا أبا حمزة" هو موصول بالإسناد المذكور، وأبو حمزة هو أنس بن مالك. وقوله: "شاهد ذلك" في رواية الكشميهني: "شاهد ذاك. قال وأين أغيب عنه" هو استفهام إنكار يقرر أنه ما كان ينبغي له أن يظن أن أنسا يغيب عن ذلك. وقوله: "وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم" كذا للجميع بالحاء المهملة والزاي من الحوز، ووقع عند الكرماني "تجيرونه" بالتحتانية بدل الواو وضبطه بالجيم والراء المهملة وفسره بقوله أي تنقذونه، وكل ذلك خطأ نقلا وتفسيرا. وقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: "فتذهبون بمحمد تحوزونه" كما في الرواية المعتمدة.
4335- حدثنا قبيصة بن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: "لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة حنين قال رجل من الأنصار: ما أراد بها وجه الله، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتغير وجهه، ثم قال: رحمة الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" .
4336- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ لاَخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"
الحديث الثامن حديث ابن مسعود ذكره من وجهين قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "آثر ناسا، أعطى الأقرع" أي ابن حابس بن عثمان بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي، قيل كان اسمه فراس والأقرع لقبه. قوله: "وأعطى عيينة" أي ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. قوله: "وأعطى ناسا" تقدم ذكرهم في الكلام على المؤلفة قريبا، وفي هذه العطية يقول العباس بن مرداس السلمي كما أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي في الدلائل من طريق عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة مائة من الإبل. فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى صفوان بن أمية مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة، فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع

(8/55)


قال: "فأكمل له المائة" وساق ابن إسحاق وموسى بن عقبة هذه الأبيات أكثر من هذا. قوله في رواية منصور "فقال رجل" في رواية الأعمش "فقال رجل من الأنصار" وفي رواية الواقدي أنه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف، وكان من المنافقين، وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحدا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي، وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك، فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري. قوله: "ما أراد بها" في رواية منصور "ما أريد بها" على البناء للمجهول. قوله: "فقلت لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية الأعمش "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته" . قوله: "فتغير وجهه" في رواية الواقدي "حتى ندمت على ما بلغته" . قوله: "رحمة الله على موسى" تقدمت الإشارة إلى شيء من شرحه في أحاديث الأنبياء، وفي الحديث جواز المفاضلة في القسمة، والإعراض عن الجاهل، والصفح عن الأذى، والتأسي بمن مضى من النظراء. "تنبيه" : وقع حديث ابن مسعود مقدما على طريق معاذ عن ابن عون عن هشام عن أنس في رواية أبي ذر، والصواب تأخيره لتتوالى طرق حديث أنس، وأظنه من تغيير الرواة عن الفربري، فإن طريق أنس الأخيرة سقطت من رواية النسفي، فلعل البخاري ألحقها فكتبت مؤخره عن مكانها.

(8/56)


57- باب السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ
4338- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَكُنْتُ فِيهَا فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا فَرَجَعْنَا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا" .
قوله: "باب السرية التي قبل نجد" قبل بكسر القاف وفتح الموحدة أي في جهة نجد، هكذا ذكرها بعد غزوة الطائف. والذي ذكره أهل المغازي أنها كانت قبل التوجه لفتح مكة. فقال ابن سعد: كانت في شعبان سنة ثمان. وذكر غيره أنها كانت قبل مؤتة، ومؤتة كانت في جمادى كما تقدم من السنة. وقيل كانت في رمضان. قالوا: وكان أبو قتادة أميرها، وكانوا خمسة وعشرين، وغنموا من غطفان بأرض محارب مائتي بعير وألفي شاة. والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هي التي تخرج بالليل، والسارية التي تخرج بالنهار، وقيل سميت بذلك لأنها تخفي ذهابها. وهذا يقتضي أنها أخذت من السر ولا يصح لاختلاف المادة، وهي قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له منسر بالنون والمهملة، فإن زاد على الثمانمائة سمي جيشا، وما بينهما يسمى هبطة، فإن زاد على أربعة آلاف يسمى جحفلا، فإن زاد فجيش جرار، والخميس الجيش العظيم، وما افترق من السرية يسمى بعثا، فالعشرة فما بعدها تسمى حفيرة، والأربعون عصبة، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون ثم موحدة، فإن زاد سمي جمرة بالجيم، والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر. حديث ابن عمر المذكور في الباب قد تقدم شرحه في فرض الخمس، وفي ذكره عقيب حديث أبي قتادة أشار إلى اتحادهما.

(8/56)


باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى جذيمة
...
58- باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ
7339- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح و حَدَّثَنِي نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا

(8/56)


59- باب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَيُقَالُ إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِي
4340- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَباً فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَاراً فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف" .
[الحديث 4340- طرفاه: 7145, 7257]
قوله: "باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي، ويقال إنها سرية الأنصار" قلت: كذا ترجم، وأشار بأصل الترجمة إلى ما رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم، حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة" الحديث. وذكر ابن سعد هذه القصة بنحو هذا السياق. وذكر أن سببها أنه بلغ النبي

(8/58)


صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدة، فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر في سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر، فلما خاض البحر إليهم هربوا، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم، فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل. وذكر ابن إسحاق أن سبب هذه القصة أن وقاص بن مجزز كان قتل يوم ذي قرد، فأراد علقمة بن مجزز أن يأخذ بثأره فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السرية. قلت: وهذا يخالف ما ذكره ابن سعد، إلا أن يجمع بأن يكون أمر بالأمرين، وأرخها ابن سعد في ربيع الآخر سنة تسع، فالله أعلم. وأما قوله: "ويقال إنها سرية الأنصاري" فأشار بذلك إلى احتمال تعدد القصة، وهو الذي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم أميرهما، والسبب في أمره بدخولهم النار، ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل، ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا، فقد تقدم بيان نسب عبد الله بن حذافة في كتاب العلم، ويحتمل الحمل على المعنى الأعم أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة، وإلى التعدد جنح ابن القيم. وأما ابن الجوزي فقال: قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي قلت: ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية، نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى. وقد رواه شعبة عن زبيد اليامي عن سعد بن عبيدة فقال: "رجلا" ولم يقل من الأنصار ولم يسمه، أخرجه المصنف في كتاب خبر الواحد. وأما علقمة بن مجزز فهو بضم أوله وجيم مفتوحة ومعجمتين الأولى مكسورة ثقيلة وحكي فتحها والأول أصوب. وقال عياض: وقع لأكثر الرواة بسكون المهملة وكسر الراء المهملة، وعن القابسي بجيم ومعجمتين وهو الصواب. قلت: وأغرب الكرماني فحكى أنه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا، وهو خطأ ظاهر، وهو ولد القائف الذي يأتي ذكره في النكاح في حديث عائشة في قوله في زيد بن حارثة وابنه أسامة "أن بعض هذه الأقدام لمن بعض" فعلقمة صحابي ابن صحابي. قوله: "حدثنا عبد الواحد" هو ابن زياد. قوله: "حدثني سعد بن عبيدة" بالتصغير. قوله: "عن أبي عبد الرحمن" هو السلمي. قوله: "فغضب" في رواية حفص من بن غياث عن الأعمش في الأحكام "فغضب عليهم" وفي رواية مسلم: "فأغضبوه في شيء" . قوله: "فقال أوقدوا نارا" في رواية حفص "فقال عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها" وهذا يخالف حديث أبي سعيد، فإن فيه فأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون، فقال لهم: أليس عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى. قال: أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار. قوله: "فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا" في رواية حفص "فلما هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض" وفي رواية ابن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش "فقال لهم شاب منهم: لا تعجلوا بدخولها" وفي رواية زبيد عن سعد بن عبيدة في خبر الواحد "فأرادوا أن يدخلوها. وقال آخرون: إنما فررنا منها" . قوله: "فما زالوا حتى خمدت النار" في رواية حفص "فبينما هم كذلك إذ خمدت النار" وخمدت هو بفتح الميم أي طفئ لهبها، وحكى المطرزي كسر الميم من خمدت. قوله: "فسكن غضبه" هذا أيضا يخالف حديث أبي سعيد، فإن فيه أنه كانت به دعابة، وفيه أنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال: احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم. قوله: "فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية حفص "فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم" . قوله: "ما خرجوا منها إلى يوم القيامة" في رواية حفص

(8/59)


"ما خرجوا منها أبدا" وفي رواية زبيد " فلم يزالوا فيها إلى يوم القيامة " يعني أن الدخول فيها معصية، والعاصي يستحق النار. ويحتمل أن يكون المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها أبدا. وعلى هذا ففي العبارة نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام، لأن الضمير في قوله: "لو دخلوها" للنار التي أوقدوها، والضمير في قوله: " ما خرجوا منها أبدا" لنار الآخرة، لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم. ويحتمل وهو الظاهر أن الضمير للنار التي أوقدت لهم أي ظنوا أنهم إذا دخلوا بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا فماتوا، فلم يخرجوا. قوله: "الطاعة في المعروف" في رواية حفص "إنما الطاعة في المعروف" وفي رواية زبيد "وقال للآخرين: لا طاعة في معصية" وفي رواية مسلم من هذا الوجه "وقال للآخرين - أي الذين امتنعوا - قولا حسنا" وفي حديث أبي سعيد " من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه" . وفي الحديث من الفوائد أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع، وأن الغضب يغطي على ذوي العقول. وفيه أن الإيمان بالله ينجي من النار لقولهم: "إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار" والفرار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرار إلى الله والفرار إلى الله يطلق على الإيمان، قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} . وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حال الأمر بالمعصية، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية، وسيأتي مزيد لهذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. واستنبط منه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ لانقسام السرية قسمين: منهم من هان عليه دخول النار فظنه طاعة، ومنهم من فهم حقيقة الأمر وأنه مقصور على ما ليس بمعصية، فكان اختلافهم سببا لرحمة الجميع. قال: وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه، ولهذا قال بعض أهل المعرفة: من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله.

(8/60)


60- باب بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
4341، 4342- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: "وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلاَفٍ قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلاَفَانِ ثُمَّ قَالَ: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا" فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ قَالَ لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ قَالَ مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا قَالَ فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي" .
[الحديث4342- طرفه في:4345]

(8/60)


قوله: "باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع" كأنه أشار بالتقييد بما قبل حجة الوداع إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب أنه رجع من اليمن فلقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع، لكن القبلية نسبية، وقد قدمت في الزكاة في الكلام على حديث معاذ متى كان بعثه إلى اليمن. وروى أحمد من طريق عاصم بن حميد عن معاذ "لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه ومعاذ راكب" الحديث. ومن طريق يزيد بن قطيب عن معاذ "لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك" وعند أهل المغازي أنها كانت في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة. قوله: "حدثنا عبد الملك" هو ابن عمير. قوله: "عن أبي بردة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى" هذا صورته مرسل، وقد عقبه المصنف بطريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى وهو ظاهر الاتصال، وإن كان فيما يتعلق بالسؤال عن الأشربة، لكن الغرض منه إثبات قصة بعث أبي موسى إلى اليمن وهو مقصود الباب، ثم قواه بطريق طارق بن شهاب قال: "حدثني أبو موسى قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي" الحديث، وهو وإن كان إنما يتعلق بمسألة الإهلال لكنه يثبت أصل قصة البعث المقصودة هنا أيضا، ثم قوى قصة معاذ بحديث ابن عباس في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له حين أرسله إلى اليمن، وبرواية عمرو بن ميمون عن معاذ والمراد بها أيضا إثبات أصل قصة بعث معاذ إلى اليمن وإن كان سياق الحديث في معنى آخر، وقد اشتمل الباب على عدة أحاديث: الحديث الأول أصل البعث إلى اليمن، وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى سبب بعثه إلى اليمن ولفظه: "قال أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل - يعني أن يستعمله - فقال: لن نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل" . قوله: "وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال واليمن مخلافان" المخلاف بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء هو بلغة أهل اليمن، وهو الكورة والإقليم والرستاق بضم الراء وسكون المهملة بعدها مثناة وآخرها قاف. وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة أبي موسى السفلى. والله أعلم. قوله: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" قال الطيبيي: هو معنى الثاني من باب المقابلة المعنوية، لأن الحقيقة أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا. فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير. قلت: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل، وبلفظ التنفير وهو اللازم، وأتى بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقا بخلاف التنفير، فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو التنفير، فكأنه قيل إن أنذرتم فليكن بغير تنفير، كقوله تعالى: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} . قوله: "إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا" كذا فيه، وللأكثر "إذا سار في أرضه وكان قريبا أحدث - أي جدد - به العهد لزيارته" ووقع في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية في الباب: "فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى" زاد في رواية حميد بن هلال "فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال انزل" . قوله: "وإذا رجل عنده" لم أقف على اسمه، لكن في رواية سعيد بن أبي بردة أنه يهودي، وسيأتي كذلك في رواية حميد بن هلال في استتابة المرتدين مع شرح هذه القصة وبيان الاختلاف في مدة استتابة المرتدين، وقوله: "أيم" بفتح الميم وترك إشباعها لغة، وأخطأ من ضمها وأصله "أي" الاستفهامية دخلت عليها "ما" وقد سمع "أيم هذا" بالتخفيف مثل "إيش هذا" فحذفت الألف من أيم والهمز من أيش. قوله: "ثم نزل فقال

(8/61)


يا عبد الله" هو اسم أبي موسى "كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوقه تفوقا" بالفاء ثم القاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء وحينا بعد حين: مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب هكذا دائما. قوله: "وقد قضيت جزئي" قال الدمياطي: لعله أربي وهو الوجه، وهو كما قال لو جاءت به الرواية، ولكن الذي جاء في الرواية صحيح والمراد به أنه جزأ الليل أجزاء: جزءا للنوم، وجزءا للقراءة والقيام، فلا يلتفت إلى تخطئة الرواية الصحيحة الموجهة بمجرد التخيل. قوله: "فاحتسبت نومتي كما احتسبت قومتي" كذا لهم بصيغة الفعل الماضي، وللكشميهني: "فأحتسب" بغير المثناة في آخره بصيغة الفعل المضارع، ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب، لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب. " تنبيه " : كان بعث أبي موسى إلى اليمن بعد الرجوع من غزوة تبوك، لأنه شهد غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى، واستدل به على أن أبا موسى كان عالما فطنا حاذقا، ولولا ذلك لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة، ولو كان فوض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به، ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم علي، وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغفلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين، قال ابن العربي وغيره: والحق أنه لم يصدر منه ما يقتضي وصفه بذلك، وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الأمر شورى بين من بقي من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم1 لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفين، وآل الأمر إلى ما آل إليه.
4343- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَة" .
4344، 4345- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ وَشَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ الْبِتْعُ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" فَانْطَلَقَا فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فَجَعَلاَ يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا
ـــــــ
1 هذا ما اتفق عليه الحكمان، وهو خلاف ما دسته الشيعة في كتب التاريخ وشوهته، فاستقر في الأذهان خطأ، لتداول مؤلفي كتب التاريخ هذا الخطأ وإقرارهم له على غير ما وقع. انظر تحقيق ذلك في كتاب "العواصم من القواصم" للقاضي أبي بكر بن العربي وتعليقات محب الدين الخطيب عليه.

(8/62)


رَجُلٌ مُوثَقٌ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَقَالَ مُعَاذٌ لاَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ وَكِيعٌ وَالْنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَة" .
قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، والشيباني اسمه سليمان بن فيروز. قوله: "البتع" بكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها عين مهملة، وقد ذكر تفسيره عن أبي بردة راويه وأنه نبيذ العسل، ويأتي شرح المتن في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. قوله: "رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة" يعني أنهما روياه عن الشيباني عن أبي بردة بدون ذكر سعيد بن أبي بردة، وهو كما قال. وأما رواية جرير وهو ابن عبد الحميد فوصلها الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة ومن طريق يوسف بن موسى كلاهما عن جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن أبي موسى، وأما رواية عبد الواحد وهو ابن زياد فوصلها. 1 ثم ساق المصنف الحديث عن مسلم وهو ابن إبراهيم عن شعبة قال: "حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه" فذكره مرسلا مطولا فيه قصة بعثهما، وذكر الأشربة وقصة اليهودي وسؤال معاذ عن القراءة كما أشرنا إليه أولا. وقال بعده: "تابعه العقدي ووهب بن جرير عن شعبة. وقال وكيع والنضر وأبو داود عن شعبة عن سعيد" يعني أن مسلم بن إبراهيم والعقدي ووهب بن جرير أرسلوه عن شعبة، وأن وكيعا والنضر وهو ابن شميل وأبا داود وهو الطيالسي رووه عن شعبة موصولا، فأما رواية العقدي وهو أبو عامر عبد الملك بن عمرو فوصلها المؤلف في الأحكام، وأما رواية وهب بن جرير فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه، وأما رواية وكيع فوصلها المؤلف في الجهاد مختصرا وأوردها ابن أبي عاصم في كتاب الأشربة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع مطولا، وهي في مسند أبي بكر بن أبي شيبة كذلك. وأما رواية النضر بن شميل فوصلها المؤلف في الأدب. وأما رواية أبي داود الطيالسي فوصلها كذلك في مسنده المروزي من طريق يونس بن حبيب عنه، ولكنه فرقه حديثين، ولذلك وصلها النسائي من طريق أبي داود.
4346- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ فَقَالَ: " أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كَيْفَ قُلْتَ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ إِهْلاَلًا كَإِهْلاَلِكَ قَالَ فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا قُلْتُ لَمْ أَسُقْ قَالَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ" فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَر" .
قوله: "حدثنا عباس بن الوليد" بموحدة ثم مهملة "هو النرسي" بفتح النون وبالسين المهملة، قال أبو علي الجياني: رواه ابن السكن والأكثر هكذا. وفي رواية أبي أحمد يعني الجرجاني "حدثنا عباس" ولم
ـــــــ
1 هكذا بياض في النسخ

(8/63)


ينسبه. وفي رواية أبي زيد المروزي مثله إلا أنه قرأ عليهم بالتحتانية والشين المعجمة وليس بشيء. إنما هو بالموحدة والمهملة وهو النرسي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في علامات النبوة. وجزم بمثل ذلك صاحب المشارق والمطالع، وأما الدمياطي فضبطه بالعجمة وعين أنه الرقام، ونوزع في ذلك والصواب النرسي. قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد وأيوب بن عائذ بتحتانية بعدها ذال معجمة، وهو مدلجي بصري، وثقه يحيى بن معين وغيره، ورمي بالإرجاء، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع. وقد أورده في الحج من طريق شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم شيخ أيوب بن عائذ فيه، وتقدم الكلام عليه هناك مستوفى.
4347- حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب" .
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ طَوَّعَتْ طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ
قوله: "حدثني حبان" بكسر أوله ثم موحدة ثم نون ابن موسى، وعبد الله هو ابن المبارك. قوله: "حين بعثه إلى اليمن" تقدم بيان الوقت الذي بعثه فيه وما فيه من اختلاف في أواخر كتاب الزكاة مع بقية شرح الحديث مستوفى ولله الحمد. قوله: "قال أبو عبد الله: طوعت طاعت وأطاعت" ومع هذا وما بعده لغير أبي ذر والنسفي، وأراد بذلك تفسير قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} على عادته في تفسير اللفظة الغريبة من القرآن إذا وافقت لفظة من الحديث، والذي وقع في حديث معاذ "فإن هم أطاعوا" فإن عند بعض رواته كما ذكره ابن التين "فإن هم طاعوا" بغير ألف، وقد قرأ الحسن البصري وطائفة معه "فطاوعت له نفسه" قال ابن التين: إذا امتثل أمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه، قال الأزهري. الطوع نقيض الكره، وطاع له انقاد، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه. وقال يعقوب بن السكيت: طاع وأطاع بمعنى. وقال الأزهري أيضا: منهم من يقول طاع له يطوع طوعا فهو طائع بمعنى أطاع. والحاصل أن طاع وأطاع استعمل كل منهما لازما ومتعديا إما بمعنى واحد مثل "بدأ الله الخلق" وأبدأه، أو دخلت الهمزة للتعدية وفي اللازم للصيرورة، أو ضمن المتعدي بالهمزة معنى فعل آخر لازم لأن كثيرا من أهل العلم باللغة فسروا أطاع بمعنى لأن وانقاد، وهو اللائق في حديث معاذ هنا، وإن كان الغالب في الرباعي التعدي وفي الثلاثي اللزوم، وهذا أولى من دعوى فعل وأفعل بمعنى واحد لكونه قليلا، وأولى من دعوى أن اللام في قوله: "فإن هم أطاعوا لك" زائدة، وقد تقدم شيء من هذا في شرح الحديث في الزكاة. وقوله بعد ذلك: "طعت طعت وأطعت" : الأول بالضم والثانية بالكسر والثالثة بالفتح بزيادة ألف في أوله.

(8/64)


4348- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ "أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ فَقَرَأَ {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَرَأَ مُعَاذٌ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا قَالَ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيم" .
قوله: "عن عمرو بن ميمون" هو الأودي وهو من المخضرمين. قوله: "أن معاذا لما قدم اليمن" هو موصول لأن عمرو بن ميمون كان باليمن لما قدمها معاذ. قوله: "فقال رجل من القوم: قرت عين أم إبراهيم" أي حصل لها السرور، وكني عنه بقرت عينها أي بردت دمعتها لأن دمعة السرور باردة بخلاف دمعة الحزن فإنها حارة، ولهذا يقال فيمن يدعي عليه: أسخن الله عينه. وقد استشكل تقرير معاذ لهذا القائل في الصلاة وترك أمره بالإعادة، وأجيب عن ذلك إما بأن الجاهل بالحكم يعذر، وإما أن يكون أمره بالإعادة ولم ينقل، أو كان القائل خلفهم ولكن لم يدخل معهم في الصلاة. قوله: "زاد معاذ عن شعبة" فذكره المراد بالزيادة قوله: "إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا" وليس بين الروايتين منافاة لأن معاذا إنما قدم اليمن لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فالقصة واحدة، ودل الحديث على أنه كان أميرا على الصلاة، وحديث ابن عباس يدل على أنه كان أميرا على المال أيضا، وقد تقدم في الزكاة ما يوضح ذلك.

(8/65)


61- باب بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَم وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
4349- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيّاً بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ: " مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ" فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ قَالَ فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَد"
قوله: "باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع" قد ذكر في آخر الباب حديث جابر "أن عليا قدم من اليمن فلاقى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع" وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج. وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي من طريق أخرى عن علي قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء، قال: فوضع يده على صدري وقال. اللهم ثبت لسانه واهد قلبه. وقال: يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر" فذكر الحديث. قوله: "شريح" هو بالشين المعجمة وآخره حاء مهملة. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن" كان ذلك بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة. قوله: "أن يعقب معك"

(8/65)


أي يرجع إلى اليمن، والتعقيب أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من الغد، كذا قال الخطابي. وقال ابن فارس: غزاة بعد غزاة. والذي يظهر أنه أعم من ذلك وأصله أن الخليفة يرسل العسكر إلى جهة مدة فإذا انمضت رجعوا وأرسل غيرهم، فمن شاء أن يرجع من العسكر الأول مع العسكر الثاني سمي رجوعه تعقيبا. قوله: "فغنمت أواقي" بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها. وقوله: "ذوات عدد" لم أقف على تحريرها.
" تنبيه " : أورد البخاري هذا الحديث مختصرا، وقد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر "سمعت إبراهيم بن يوسف" وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه: "قال البراء: فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا، ثم رفع رأسه وقال: السلام على همدان" وعند الترمذي من طريق الأحوص بن خوات عن أبي إسحاق في حديث البراء قصة الجارية، وسأذكر بيان ذلك في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى.
4350- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيّاً وَقَدْ اغْتَسَلَ فَقُلْتُ لِخَالِدٍ أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك" .
قوله: "حدثنا علي بن سويد بن منجوف" بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وسكون الواو، ووقع في رواية القابسي "عن علي بن سويد عن منجوف" وهو تصحيف، وعلي بن سويد بن منجوف سدوسي بصري ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع. قوله: "عن عبد الله بن بريدة" في رواية الإسماعيلي: "حدثني عبد الله" . قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد" أي ابن الوليد "ليقبض الخمس" أي خمس الغنيمة. وفي رواية الإسماعيلي التي سأذكرها "ليقسم الخمس" . قوله: "وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى" هكذا وقع عنده مختصرا، وقد أورده الإسماعيلي من طرق إلى روح بن عبادة الذي أخرجه البخاري من طريقه فقال في سياقه: "بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس" وفي رواية له "ليقسم الفيء، فاصطفى علي منه لنفسه سبيئة" بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة، ثم همزة أي جارية من السبي. وفي رواية له "فأخذ منه جارية ثم أصبح يقطر رأسه، فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما صنع هذا؟ قال بريدة: وكنت أبغض عليا" ولأحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه "أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال: فأصبنا سبيا فكتب - أي الرجل - إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا من يخمسه، قال: فبعث إلينا عليا، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي، قال: فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر - فقلت؟ يا أبا الحسن ما هذا؟ فقال: ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل محمد، ثم صارت في آل علي فوقعت بها" . قوله: "فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية - عبد الجليل "فكتب الرجل: إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة، فقلت: ابعثني فبعثني فجعل يقرأ الكتاب ويقول صدق" . قوله: " فقال يا بريدة أتبغض عليا؟

(8/66)


فقلت: نعم قال: لا تبغضه" زاد في رواية عبد الجليل "وإن كنت تحبه فازدد له حبا" . قوله: "فإن له في الخمس أكثر من ذلك" في رواية عبد الجليل "فو الذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة" وزاد: "قال: فما كان أحد من الناس أحب إلي من علي" وأخرج أحمد هذا الحديث من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة بطوله وزاد في آخره: "لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي" وأخرجه أحد أيضا والنسائي من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة مختصرا وفي آخره: "فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول: من كنت وليه فعلي وليه" وأخرجه الحاكم من هذا الوجه مطولا وفيه قصة الجارية نحو رواية عبد الجليل، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا. قال أبو ذر الهروي: إنما أبغض الصحابي عليا لأنه رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غل، فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه اهـ. وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي أخرجه أحمد فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم عن بغضه. وقد استشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء، وكذلك قسمته لنفسه، فأما الأول فمحمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس ما يدفعه، وأما القسمة فجائزة في مثل ذلك ممن هو شريك فيما يقسمه كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك من نصبه الإمام قام مقامه. وقد أجاب الخطابي بالثاني، وأجاب عن الأول لاحتمال أن تكون عذراء أو دون البلوغ أو أداه اجتهاده أن لا استبراء فيها، ويؤخذ من الحديث جواز التسري على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف التزويج عليها لما وقع في حديث المسور في كتاب النكاح.
4351- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: "بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا قَالَ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ: وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لاَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خَالِدٌ وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لاَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ" .

(8/67)


الحديث الثالث حديث أبي سعيد قوله: "عن عمارة بن القعقاع" ابن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة. قوله: "حدثنا عبد الرحمن" هو ابن زياد، ونعم يضم النون وسكون المهملة. قوله: "بذهيبة" تصغير ذهبة، وكأنه أنثها على معنى الطائفة أو الجملة. وقال الخطابي: على معنى القطعة. وفيه نظر لأنها كانت تبرا، وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات، وفي معظم النسخ من مسلم: "بذهبة" بفتحتين بغير تصغير. قوله: "في أديم مقروظ" بظاء معجمة مشالة أي مدبوغ بالقرظ. قوله: "لم تحصل من ترابها" أي لم تخلص من تراب المعدن فكأنها كانت تبرا وتخليصها بالسبك. قوله: "بين عيينة بن بدر" كذا نسب لجده الأعلى. وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. قوله: "وأقرع بن حابس" قال ابن مالك: فيه شاهد على أن ذا الألف واللام من الأعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافة ولا ضرورة، وقد حكى سيبويه عن العرب: هذا يوم اثنين مبارك. وقال مسكين الدارمي ونابغة الجعدي1 في الجعدية، وقد تقدم ذكر عيينة والأقرع في غزوة حنين، وقد مضى في أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد من طريق سعيد بن مسروق عن ابن أبي نعم بلفظ: "والأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي" . قوله: "وزيد الخيل" أي ابن مهلهل الطائي. وفي رواية سعيد بن مسروق "وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان" وقيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت له، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى عليه فأسلم فحسن إسلامه ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "والرابع إما علقمة" أي ابن علاثة بضم المهملة والمثلثة العامري "وإما عامر بن الطفيل" وهو العامري، وجزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وهو من أكابر بني عامر، وكان يتنازع الرياسة هو وعامر بن الطفيل، وأسلم علقمة فحسن إسلامه، واستعمله عمر على حوران فمات بها في خلافته. وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك. قوله: "فقال رجل من أصحابه" لم أقف على اسمه. وفي رواية سعيد بن مسروق "فغضبت قريش والأنصار وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، فقال: إنما أتألفهم" والصناديد بالمهملة والنون جمع صنديد وهو الرئيس. قوله: "فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء" في رواية سعيد بن مسروق أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك عقب قول الخارجي الذي يذكر بعد هذا، وهو المحفوظ.
" تنبيه " : هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين، ووهم من خلطها بها. واختلف في هذه الذهيبة فقبل: كانت خمس الخمس، وفيه نظر. وقيل من الخمس، وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة. وقيل من أصل الغنيمة وهو بعيد. وسيأتي الكلام على قوله: "من في السماء" في كتاب التوحيد. قوله: "فقام رجل غائر العينين" بالغين المعجمة والتحتانية وزن فاعل من الغور، والمراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتين بقعر الحدقة، وهو ضد الجحوظ. قوله: "مشرف" بشين معجمة وفاء أي بارزهما، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين. قوله: "ناشز: بنون وشين معجمة وزاي أي مرتفعها، في رواية سعيد بن مسروق "ناتئ الجبين" بنون و مثناة على وزن فاعل من النتوء أي أنه يرتفع على ما حوله. قوله: "محلوق" سيأتي في أواخر التوحيد من وجه آخر أن الخوارج سيماهم التحليق، وكان السلف يوفرون شعورهم لا يحلقونها،
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في بعض النسخ وتابعه الجعدي.

(8/68)


وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رءوسهم. قوله: "أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله" وفي رواية سعيد بن مسروق "فقال ومن يطع الله إذا عصيته" وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي كما تقدم صريحا في علامات النبوة من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري، وعند أبي داود اسمه نافع ورجحه السهيلي، وقيل اسمه حرقوص بن زهير السعدي، وسيأتي تحرير ذلك في كتاب استتابة المرتدين. قوله: "فقال خالد بن الوليد" في رواية أبي سلمة عن أبي سعيد في علامات النبوة "فقال عمر" ولا تنافيه هذه الرواية لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك. قوله: " ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، لعله أن يكون يصلي" فيه استعمال لعل استعمال عسى، نبه عليه ابن مالك، وقوله: "يصلي" قيل فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر. قوله: "أن أنقب" بنون وقاف ثقيلة بعدها موحدة أي إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم، قال القرطبي: إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى، كما تقدم نظيره في قصة عبد الله بن أبي. وقال المازري: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم من الرجل الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، وليس ذلك كبيرة، والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع. واختلف في جواز وقوع الصغائر، أو لعله لم يعاقب هذا الرجل لأنه لم يثبت ذلك عنه، بل نقله عنه واحد، وخبر الواحد لا يراق به الدم. انتهى. وأبطله عياض بقوله في الحديث: "اعدل يا محمد" فخاطبه في الملأ بذلك حتى استأذنوه في قتله، فالصواب ما تقدم. قوله: " يخرج من ضئضئ" كذا للأكثر بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره تحتانية مهموزة أيضا. وفي رواية الكشميهني بصادين مهملتين، فأما بالضاد المعجمة فالمراد به النسل والعقب، وزعم ابن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه، وحكى ابن الأثير أنه روي بالمد بوزن قنديل. وفي رواية سعيد بن مسروق في أحاديث الأنبياء أنه من ضئضئ هذا أو من عقب هذا. قوله: "يتلون كتاب الله رطبا" في رواية سعيد بن مسروق "يقرءون القرآن" . قوله: " لا يجاوز حناجرهم" تقدم شرحه في علامات النبوة. قوله: " يمرقون من الدين " في رواية سعيد بن مسروق "من الإسلام" وفيه رد على من أول الدين هنا بالطاعة. وقال: إن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية، وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء. والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام كما فسرته الرواية الأخرى، وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل. وزاد سعيد بن مسروق في روايته: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال. قوله: "وأظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود" في رواية سعيد بن مسروق " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ولم يتردد فيه وهو الراجح، وقد استشكل قوله: " لئن أدركتهم لأقتلنهم" مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم، وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك في زمانه، وأول ما ظهر في زمان علي كما هو مشهور، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في "علامات النبوة" ، واستدل به على تكفير الخوارج، وهي مسألة شهيرة في الأصول، وسيأتي الإلمام بشيء منها في استتابة المرتدين.
4352- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ: "أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ" زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

(8/69)


بِسِعَايَتِهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ" قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا" .
4353، 4354- حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن حميد الطويل حدثنا بكر أنه "ذكر لابن عمر أن أنسا حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة وحجة، فقال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وأهلنا به معه، فلما قدمنا مكة قال: من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم هدي، فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت، فإن معنا أهلك؟ قال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأمسك فإن معنا هديا"
الحيث الرابع حديث جابر في مجيء علي من اليمن إلى الحج حجة الوداع، وقد تقدم بالسندين المذكورين في كتاب الحج، وتقدم شرحه هناك. وقوله هنا: "وقدم علي بسعايته" بكسر السين المهملة يعني ولايته على اليمن لا بسعاية الصدقة، قال النووي تبعا لغيره: لأنه كان يحرم عليه ذلك كما ثبت في صحيح مسلم في قصة طلب الفضل بن العباس أن يكون عاملا على الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها أوساخ الناس" والله أعلم.

(8/70)


62- باب غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ
4355- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا بَيَانٌ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: " كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَس" .
4356- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّات" .
4357- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ فَقُلْتُ بَلَى فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ

(8/70)


فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا" قَالَ فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ قَالَ وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ قَالَ فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا قَالَ وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ لاَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ قَالَ فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّات" .
قوله: "غزوة ذي الخلصة" بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة، وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه، وحكى ابن هشام ضمها، وقيل بفتح أوله وضم ثانيه والأول أشهر. والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق، وذو الخلصة اسم للبيت الذي كان فيه الصنم، وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة، وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم، ووهم من قال إنه كان في بلاد فارس. قوله: "حدثنا خالد" هو ابن عبد الله الطحان، وبيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو ابن بشر، وقيس هو ابن حازم. قوله: "كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة" في الرواية التي بعدها أنه كان في خثعم بمعجمة ومثلثة وزن جعفر قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح أوله وسكون النون أي ابن إراش بكسر أوله وتخفيف الراء وفي آخره معجمة ابن عنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي أي ابن وائل ينتهي نسبهم إلى ربيعة بن نزار إخوة مضر بن نزار جد قريش، وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعا: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" وكان صنما تعبده دوس في الجاهلية. والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب وإن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما لأن دوسا قبيلة أبي هريرة وهم ينتسبون إلى دوس بن عدثان بضم المهملة وبعد الدال الساكنة مثلثة ابن عبد الله بن زهران، ينتهي نسبهم إلى الأزد، فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد. وذكر ابن دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة، وكانوا يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده، وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتا يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوي التعدد. والله أعلم. قوله: "والكعبة اليمانية والكعبة الشامية" كذا فيه. قيل: وهو غلط والصواب اليمانية فقط، سموها بذلك مضاهاة للكعبة، والكعبة البيت الحرام بالنسبة لمن يكون جهة اليمن شامية فسموا التي بمكة شامية والتي عندهم يمانية تفريقا بينهما. والذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كان يقال لها اليمانية باعتبار كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام، وقد حكى عياض أن في بعض الروايات "والكعبة اليمانية الكعبة الشامية" بغير واو. قال: وفيه إيهام، قال: والمعنى كان يقال

(8/71)


لها تارة هكذا وتارة هكذا، وهذا يقوي ما قلته فإن إرادة ذلك مع ثبوت الواو أولى. وقال غيره: قوله: "والكعبة الشامية" مبتدأ محذوف الخبر تقديره هي التي بمكة، وقيل الكعبة مبتدأ الشامية خبره والجملة حال والمعنى والكعبة هي الشامية لا غير، وحكي السهيلي عن بعض النحويين أن "له" زائدة وأن الصواب "كان يقال الكعبة الشامية" أي لهذا البيت الجديد "والكعبة اليمانية" أي للبيت العتيق أو بالعكس، قال السهيلي: وليست فيه زيادة، وإنما اللام بمعنى من أجل أي كان يقال من أجله الكعبة الشامية والكعبة اليمانية أي إحدى الصفتين للعتيق والأخرى للجديد. قوله: "ألا تريحني" هو بتخفيف اللام طلب يتضمن الأمر وخص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم، والمراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيء أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى. وروى الحاكم في "الإكليل" من حديث البراء بن عازب قال: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة وبني قشير جرير بن عبد الله، فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الإسلام، فاستعمله على عامة من كان معه، وندب معه ثلاثمائة من الأنصار وأمره أن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام، فإن أجابوا إلى الإسلام قبل منهم وهدم صنمهم ذا الخلصة، وإلا وضع فيهم السيف" . قوله: "فنفرت" أي خرجت مسرعا. قوله: "في مائة وخمسين راكبا" زاد في الرواية التي بعدها "وكانوا أصحاب خيل" أي يثبتون عليها لقوله بعده: "وكنت لا أثبت على الخيل" ووقع في رواية ضعيفة في الطبراني أنهم كانوا سبعمائة، فلعلها إن كانت محفوظة يكون الزائد رجالة وأتباعا. ثم وجدت في "كتاب الصحابة لابن السكن" أنهم كانوا أكثر من ذلك فذكر عن قيس بن غربة الأحمسي أنه وفد في خمسمائة، قال: وقدم جرير في قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين، قال: وضم إلينا ثلاثمائة من الأنصار وغيرهم، فغزونا بني خثعم. فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير وتكملة المائتين أتباعهم وكأن الرواية التي فيها سبعمائة من كان من رهط جرير وقيس بن غربة لأن الخمسين كانوا من قبيلة واحدة، وغربة بفتح المعجمة والراء المهملة بعدها موحدة ضبطه الأكثر. قوله: "فكسرناه" أي البيت وسيأتي البحث فيه بعد. قوله: "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته" كذا فيه، وفي الرواية الأخيرة أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول جرير، فكأنه نسب إلى جرير مجازا. قوله: "فدعا لنا ولأحمس" بمهملة وزن أحمر وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة، ومدار نسبهم أيضا على أنمار. وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينتسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. ووقع في الرواية التي بعد هذه "فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات" أي دعا لهم بالبركة. ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد "فدعا لأحمس بالبركة" . قوله: "وكنت لا أثبت على الخيل فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري" في حديث البراء عند الحاكم "فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع فقال: ادن مني، فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهت إلى أليته وهو يقول مثل قوله الأول" فكان ذلك للتبرك بيده المباركة.
" فائدة " : القلع بالقاف ثم اللام المفتوحتين ضبطه أبو عبيد الهروي: الذي لا يثبت على السرج، وقيل بكسر أوله، قال الجوهري: رجل قلع القدم بالكسر إذا كانت قدمه لا تثبت عند الحرب وفلان قلعة إذا كان يتقلع عن سرجه. وسئل عن الحكمة في قوله: "خمس مرات" فقيل: مبالغة واقتصارا على

(8/72)


الوتر لأنه مطلوب، ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا. ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا، فدعا للرجال مرتين أخريين، وللخيل مرتين أخريين ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا، فكان مجموع ذلك خمس مرات. قوله: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا" قيل فيه تقديم وتأخير، لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا، وقيل معناه كاملا مكملا، ووقع في حديث البراء أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرتين، وزاد: "وبارك فيه وفي ذريته" .
" تنبيه " : كلام المزي في "الأطراف" يقتضي أن قوله: " واجعله هاديا مهديا " من أفراد مسلم، وليس كذلك لأنه ثبت هنا من طريقين. قوله: "فكسرها وحرقها" أي هدم بناءها ورمى النار فيما فيها من الخشب. قوله: "ولما قدم جرير اليمن إلخ" يشعر باتحاد قصته في غزوة ذي الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن، وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة وأرسل رسوله مبشرا استمر ذاهبا إلى اليمن للسبب الذي سيذكر بعد باب، وقوله: "يستقسم" أي يستخرج غيب ما يريد فعله من خير أو شر، وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} وحكي أبو الفرج الأصبهاني أنهم كانوا يستقسمون عند ذي الخلصة، وأن امرأ القيس لما خرج يطلب بثأر أبيه استقسم عنده فخرج له ما يكره، فسب الصنم ورماه بالحجارة وأنشد:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... لم تنه عن قتل العداة زورا
قال: فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام. قلت: وحديث الباب يدل على أنهم استمروا يستقسمون عنده حتى نهاهم الإسلام، وكأن الذي استقسم عنده بعد ذلك لم يبلغه التحريم أو لم يكن أسلم حتى زجره جرير. قوله: "ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة" بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف هاء تأنيث واسم أبي أرطاة هذا حصين بن ربيعة، وقع مسمى في صحيح مسلم، ولبعض رواته "حسين" بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف، ومنهم من سماه "حصن" بكسر أوله وسكون ثانيه وقلبه بعض الرواة فقال: "ربيعة بن حصين" ومنهم من سماه "أرطاة" والصواب أبو أرطاة حصين بن ربيعة وهو ابن عامر بن الأزور، وهو صحابي بجلي لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث. قوله: "كأنها جمل أجرب" بالجيم والموحدة. هو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها. وقال الخطابي: المراد أنها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه، إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق. ووقع لبعض الرواة، وقيل إنها رواية مسدد "أجوف" بواو بدل الراء وفاء بدل الموحدة، والمعنى أنها صارت صورة بغير معنى، والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر. ووقع لابن بطال معنى قوله أجرب أي أسود، ومعنى قوله أجوف أي أبيض وحكاه عن ثابت السرقسطي، وأنكره عياض وقال: هو تصحيف وإفساد للمعنى، كذا قال، فإن أراد إنكار تفسير أجوف بأبيض فمقبول لأنه يضاد معنى الأسود، وقد ثبت أنه حرقها والذي يحرق يصير أثره أسود لا محالة فيه فكيف يوصف بكونه أبيض، وإن أراد إنكار لفظ أجوف فلا إفساد فيه فإن المراد أنه صار خاليا لا شيء فيه كما قررته. وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم، والاستمالة بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد، والمبالغة في نكاية العدو، ومناقب لجرير ولقومه، وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه، وأنه كان يدعو وترا وقد يجاوز الثلاث. وفيه

(8/73)


تخصيص لعموم قول أنس: "كان إذا دعا دعا ثلاثا" فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام ولا سيما مع القوم الذين هم منهم.

(8/74)


63- باب غَزْوَةُ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، وَهِيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ
قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلاَدُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ
4358- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: " أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِم" .
قوله: "باب غزوة ذات السلاسل" تقدم ضبطها وبيان الاختلاف فيها في أواخر مناقب أبي بكر، قيل سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل لأن بها ماء يقال له السلسل. وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام، قال: وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وقيل كانت سنة سبع وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب "صحيح التاريخ" ، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة موتة، إلا ابن إسحاق فقال: قبلها. قلت: وهو قضية ما ذكر عن ابن سعد وابن أبي خالد. قوله: "وهي غزوة لخم وجذام، قاله إسماعيل بن أبي خالد" وعند ابن إسحاق أنه ماء لبني جذام ولخم، أما لخم فبفتح اللام وسكون المعجمة: قبيلة كبيرة شهيرة ينسبون إلى لخم، واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، وأما جذام فبضم الجيم بعدها معجمة خفيفة: قبيلة كبيرة شهيرة أيضا ينسبون إلى عمرو بن عدي وهم إخوة لخم على المشهور، وقيل هم من ولد أسد بن خزيمة. قوله: "وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي وعذرة وبني القين" أما يزيد فهو ابن رومان مدني مشهور، وأما عروة فهو ابن الزبير بن العوام، وأما القبائل التي ذكرها فالثلاثة بطون من قضاعة، أما بلي فبفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب: قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وأما عذرة فبضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة، وأما بنو القين فقبيلة كبيرة أيضا ينسبون إلى القين بن جسر، ويقال كان له عبد يسمى القين حضنه فنسب إليه، وكان اسمه النعمان بن جسر بن شيع الله بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ووهم ابن التين فقال: بنو القين قبيلة من بني تميم، وذكر ابن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال: إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير، فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو، وتقدم في التيمم أنه "احتلم في ليلة باردة فلم يغتسل وتيمم وصلى بهم" الحديث. وسار عمرو

(8/74)


حتى وطئ بلاد بلي وعذرة. وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة، وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلي فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرا يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك، وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا، فأنكر ذلك عمر، فقال له أبو بكر: دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علبنا إلا لعلمه بالحرب، فسكت عنه. فهذا السيب أصح إسنادا من الذي ذكره ابن إسحاق، لكن لا يمنع الجمع. وروى ابن حبان من طريق قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل، فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال: لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها قال: فلقوا العدو فهزمهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد. فحمد أمره. فقال. يا رسول الله من أحب الناس إليك؟"الحديث. فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره، وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه. قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن شاهين، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء، وأبو عثمان هو النهدي. قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل" هذا صورته مرسل، بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل، لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك "قال: فأتيته" فإن المراد قال: عمرو بن العاص. وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص، وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية ومعلى بن منصور كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري، فقال في روايته: "عن أبي عثمان عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته" فذكر الحديث. وتقدم في مناقب أبي بكر من طريق أخرى عن خالد الحذاء "عن أبي عثمان قال: حدثنا عمرو بن العاص" فذكره. قوله: "فأتيته" في رواية معلى بن منصور المذكورة "قدمت من جيش ذات السلاسل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم:"وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة "قال عمرو: فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك " الحديث. قوله: "فعد رجالا" في رواية علي بن عاصم قال: قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن هذا. وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية، ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة على النساء، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب، ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمرو إن كان ذلك لا يقتضي أفضليته عليهم لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة. وقد روينا في "فوائد أبي بكر بن أبي الهيثم" من حديث رافع الطائي قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر" قال: وهي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام. وروى أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم من طريق علي بن رباح عن عمرو بن العاص قال: "بعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال: يا عمرو، إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك، قلت: إني لم أسلم رغبة في المال. قال: نعم المال الصالح للمرء الصالح" وهذا فيه إشعار بأن بعثه عقب إسلامه، وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة. قوله في آخر الحديث: "فسكت" بتشديد المثناة المضمومة، هو مقول عمرو.

(8/75)


64- باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ
4359- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: "كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلاَعٍ وَذَا عَمْرٍو فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلاَثٍ وَأَقْبَلاَ مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ فَقَالاَ أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ أَفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوك"
قوله: "باب ذهاب جرير" أي ابن عبد الله البجلي "إلى اليمن" ذكر الطبراني من طريق إبراهيم بن جرير عن أبيه قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله" فالذي يظهر أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة، ويحتمل أن يكون بعثه إلى الجهتين على الترتيب، ويؤيده ما وقع عند ابن حبان في حديث جرير "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا جرير إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة" فإنه يشعر بتأخير هذه القصة جدا، وسيأتي في حجة الوداع أن جريرا شهدها فكأن إرساله كان بعدها، فهدمها ثم توجه إلى اليمن، ولهذا لما رجع بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "حدثني عبد الله بن أبي شيبة" هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة الحافظ، وابن إدريس هو عبد الله، وقيس هو ابن أبي حازم، والإسناد كله كوفيون. قوله: "كنت باليمن" في رواية أبي إسحاق عن جرير عند ابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي عمرو وذي الكلاع يدعوهما إلى الإسلام فأسلما، قال: "وقال في ذو الكلاع ادخل على أم شرحبيل" يعني زوجته. وعند الواقدي في الردة بأسانيد متعددة نحو هذا. قوله: "فلقيت رجلين من أهل اليمن" في رواية الإسماعيلي: "كنت باليمن، فأقبلت ومعي ذو الكلاع وذو عمرو" وهذه الرواية أبين، وذلك أن جريرا قضى حاجته من اليمن وأقبل راجعا يريد المدينة فصحبه من ملوك اليمن ذو الكلاع وذو عمرو، فأما ذو الكلاع فهو بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه اسميفع بسكون المهملة وفتح الميم وسكون التحتانية وفتح الفاء وبعدها مهملة، ويقال أيفع بن باكوراء ويقال ابن حوشب بن عمرو. وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن وهو من حمير أيضا، ولم أقف على اسم غيره، ولا رأيت من أخباره أكثر مما ذكر في حديث الباب، وكانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر. قوله: "لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك" أي حقا، في رواية الإسماعيلي: "لئن كان كما تذكر" وقوله: "لقد مر على أجله" جواب لشرط مقدر، أي إن أخبرتني بهذا أخبرك بهذا، وهذا قاله ذو عمرو عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من

(8/76)


أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم، وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا، أو أنه كان في الجاهلية كاهنا، أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي يفتح الدال، وقد تقدم تفسيره وأنه الملهم. قلت: وسياق الحديث يدل على ما قررته لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من أحواله، ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما احتاج إلى بناء ذلك على ذلك، لأن الأولين خبر محض والثالث وقوع شيء في النفس عن غير قصد، وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جرير في هذه القصة قال. "قال لي حبر باليمن" وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد. قوله: "فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال: أفلا جئت بهم" كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الأتباع. قوله: "فلما كان بعد إلخ" لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلاقة عمر، وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه؛ فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع: هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة. وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن أطاعه. وذكر ابن الكلبي في النسب أن ذا الكلاع كان جميلا، فكان إذا دخل مكة يتعمم. وشهد صفين مع معاوية وقتل بها. قوله: "تأمرتم" بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم، أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضا منكم أو عهد من الأول. قوله: "فإذا كانت" أي الإمارة "بالسيف" أي بالقهر والغلبة "كانوا ملوكا" أي الخلفاء، وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة، وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا" قال ابن التين: ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة، وما قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب. قلت: ولا أدري لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد، بل المقالة الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة.

(8/77)


باب غزوة سيف البحر وهو يتلقون عيرا لقريش وأميرهم أبو عبيدة
...
65- باب غَزْوَةُ سِيفِ الْبَحْرِ، وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ
4360- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةٍ فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا" .
4361- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: "سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ مِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ

(8/77)


فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ وَأَخَذَ رَجُلاً وَبَعِيراً فَمَرَّ تَحْتَهُ قَالَ جَابِرٌ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لِأَبِيهِ كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نُهِيت"
4362- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَه"
قوله: "باب غزوة سيف البحر" هو بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره فاء، أي ساحل البحر. قوله: "وهم يتلقون عير لقريش" هو صريح ما في الرواية الثانية في الباب حيث قال فيها: "نرصد عير قريش" وقد ذكر ابن سعد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر، بينهم وبين المدينة خمس ليال، وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدا، وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان. وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة، ويقوي هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة" فذكر هذه القصة، لكن تلقى عير قريش ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لأنهم كانوا حينئذ في الهدنة، بل مقتضى ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية، نعم يحتمل أن يكون تلقيهم للعير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة، ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدا، بل فيه أنهم قاموا نصف شهر أو أكثر في مكان واحد، فالله أعلم. قوله: "عن وهب بن كيسان عن جابر" 1 . قوله: "قبل الساحل" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته، ووقع في رواية عبادة بن الوليد بن عبادة "سيف البحر" وسأذكر من أخرجها. قوله: "وأمر عليهم أبا عبيدة" في رواية أبي حمزة الخولاني عن جابر بن أبي عاصم في الأطعمة "تأمر علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين
ـــــــ
1 بياض بالأصل

(8/78)


أنه أبو عبيدة وكأن أحد رواته ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزوة ما صنع من نحر الإبل التي اشتراها أنه كان أمير السرية، وليس كذلك. قوله: "فخرجنا فكنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزود تمر" المزود بكسر الميم وسكون الزاي ما يجعل فيه الزاد. قوله: "فكان يقوتنا" بفتح أوله والتخفيف من الثلاثي، وبضمه والتشديد من التقويت. قوله: "كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة" ظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص. فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم في ذلك ففعل، فكان جميعه مزودا واحدا، ووقع عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة، فتلقينا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة" وظاهره مخالف لرواية الباب، ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب، فلما نفد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص اتفق أنه أيضا كان قدر جراب ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكره الآخر، وأما تفرقة ذلك تمرة تمرة فكان في ثاني الحال. وقد تقدم في الجهاد من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان في هذا الحديث: "خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا، ففني زادنا، حتى كان الرجل منا يأكل كل يوم تمرة" وأما قول عياض يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور فمردود لأن حديث الباب صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر، ورواية أبي الزبير صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر، فصح أن التمر كان معهم من غير الجراب. وأما قول غيره يحتمل أن يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي قصدا لبركته، وكان يفرق عليهم من الأزواد التي جمعت أكثر من ذلك، فبعيد من ظاهر السياق بل في رواية هشام بن عروة عند ابن عبد البر "فقلت أزوادنا حتى ما كان يصيب الرجل منا إلا تمرة" . قوله: "فقلت: ما تغني عنكم تمرة"؟ هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان فيفسر به المبهم في رواية هشام بن عروة التي مضت في الجهاد فإن فيها "فقال رجل يا أبا عبد الله - وهي كنية جابر - أين كانت تقع التمرة من الرجل"؟ وعند مسلم من رواية أبي الزبير أنه أيضا سئل عن ذلك فقال: "لقد وجدنا فقدها حين فنيت" أي مؤثرا. وفي رواية أبي الزبير "فقلت كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي الثدي، ثم نشرب عليها الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل" . قوله: "ثم انتهينا إلى البحر" أي إلى ساحل البحر، وهو صريح الرواية الثانية. وفي رواية أبي الزبير "فانطلقنا على ساحل البحر" . قوله: "فإذا حوت مثل الظرب" أما الحوت فهو اسم جنس لجميع السمك، وقيل هو مخصوص بما عظم منها، والظرب بفتح المعجمة المشالة، ووقع في بعض النسخ بالمعجمة الساقطة حكاها ابن التين. والأول أصوب، وبكسر الراء بعدها موحدة: الجبل الصغير. وقال القزاز: هو بسكون الراء إذا كان منبسطا ليس بالعالي. وفي رواية أبي الزبير "فوقع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم: فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر" وفي الرواية الثانية "فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر" وفي رواية الخولاني "فهبطنا بساحل البحر فإذا نحن بأعظم حوت" قال أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة يتخذ من جلدها

(8/79)


الترسة، ويقال إن العنبر المشموم رجيع هذه الدابة. وقال ابن سيناء: بل المشموم يخرج من البحر، وإنما يؤخذ من أجواف السمك الذي يبتلعه. ونقل الماوردي عن الشافعي قال: سمعت من يقول رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة، وفي البحر دابة تأكله وهو سم لها فيقتلها فيقذفها، فيخرج العنبر من بطنها. وقال الأزهري: العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم يبلغ طولها خمسين ذراعا يقال لها بالة وليست بعربية: قال الفرزدق:
فبتنا كأن العنبر الورد بيننا
وبالة بحر فاؤها قد تخرما
أي قد تشفق. ووقع في رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار في أواخر الباب: "فألقى لنا البحر حوتا ميتا" واستدل به على جواز أكل ميتة السمك، وسيأتي البحث فيه في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى. قوله: "فأكل منه القوم ثمان عشرة ليلة" في رواية عمرو بن دينار "فأكلنا منه نصف شهر" وفي رواية أبي الزبير "فأقمنا عليها شهرا" ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال: ثمان عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرا جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة. وقال ابن التين: إحدى الروايتين وهم. انتهى. ووقع في رواية الحاكم "اثني عشر يوما" وهي شاذة، وأشد منها شذوذا رواية الخولاني "فأقمنا قبلها ثلاثا" ولعل الجمع الذي ذكرته أولى. والله أعلم. قوله: "ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا" كذا فيه، واستشكل لأن الضلع مؤنثة، ويجاب بأن تأنيثه غير حقيقي فيجوز فيه التذكير. قوله: "ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما" وفي الرواية الثانية "فعمد إلى أطول رجل معه فمر تحته" وفي حديث عبادة بن الصامت عند ابن إسحاق "ثم أمر بأجسم بعير معنا فحمل عليه أجسم رجل منا فخرج من تحتهما وما مست رأسه" وهذا الرجل لم أقف على اسمه، وأظنه قيس بن سعد بن عبادة فإن له ذكرا في هذه الغزوة كما ستراه بعد، وكان مشهورا بالطول، وقصته في ذلك مع معاوية لما أرسل إليه ملك الروم بالسراويل معروفة، فذكرها المعافي الحريري في الجليس وأبو الفرج الأصبهاني وغيرهما، ومحصلها أن أطول رجل من الروم نزع له قيس بن سعد سراويله فكان طول قامة الرومي، بحيث كان طرفها على أنفه وطرفها بالأرض، وعوتب قيس في نزع سراويله في المجلس فأنشد:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود
وزاد مسلم في رواية أبي الزبير "فأخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه" والوقب تقدم ضبطه وهو حفرة العين في عظم الوجه، وأصله نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء والجمع وقاب بكسر أوله، ووقع في آخر

(8/80)


صحيح مسلم من طريق عبادة بن الوليد "أن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم - فذكر حديثا طويلا وفي آخره - وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال: "عسى الله أن يطعمكم" ، فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا. قال جابر: فدخلت وفلان وفلان حتى عد خمسة في حجاج عينها وما يرانا أحد، حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطأ رأسه" . وظاهر سياقه أن ذلك وقع لهم في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يمكن حمل قوله فأتينا سيف البحر على أنه معطوف على شيء محذوف تقديره: فبعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأتينا إلخ، فيتحد مع القصة التي في حديث الباب. قوله: "فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط" بفتح المعجمة والموحدة بعدها مهملة هو ورق السلم، في رواية أبي الزبير "وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله" وهذا يدل على أنه كان يابسا، بخلاف ما جزم به الداودي أنه كان أخضر رطبا. ووقع في رواية الخولاني "وأصابتنا مخمصة" . قوله: "حتى ثابت" بمثلثة أي رجعت، وفيه إشارة إلى أنهم أصابهم هزال من الجوع السابق. قوله: "وادهنا من ودكه" بفتح الواو والمهملة أي شحمه. وفي رواية أبي الزبير "فلقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه الفدر كالثور" . والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة هي النقرة التي تكون فيها الحدقة، والفدر بكسر الفاء وفتح الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون وهي القطعة من اللحم ومن غيره. وفي رواية الخولاني "فحملنا ما شئنا من قديد وودك في الأسقية والغرائر" . قوله: "فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه" كذا للأكثر، وللمستملي: "من أعضائه" والأول أصوب لأن في السياق "قال سفيان مرة ضلعا من أعضائه" فدل على أن الرواية الأولى "من أضلاعه" . قوله: "وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر" أي عندما جاعوا، ووقع في رواية الخولاني "سبع جزائر" . قوله: "وكان عمرو" هو ابن دينار، وأبو صالح هو ذكوان السمان. قوله: "أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنت في الجيش فجاعوا، قال: انحر" وهذا صورته مرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه، لكنه في مسند الحميدي موصول أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريقه ولفظه: "عن أبي صالح عن قيس بن سعد بن عبادة قال: قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الناس جوع، قال لي: انحر. قلت: نحرت" فذكره وفي آخره: "قلت نهيت" وذكر الواقدي بإسناد له أن قيس بن سعد لما رأى ما بالناس قال: من يشتري مني تمرا بالمدينة بجزور هنا، فقال له رجل من جهينة: من أنت؟ فانتسب له، فقال: عرفت نسبك. فابتاع منه خمس جزائر بخمسة أوسق وأشهد له نفرا من الصحابة، فامتنع عمر لكون قيس لا مال له، فقال الأعرابي: ما كان سعد ليجني بابنه في أوسق تمر، فبلغ ذلك سعدا فغضب ووهب لقيس أربع حوائط أقلها يجذ خمسين وسقا. وزاد ابن خزيمة من طريق عمرو بن الحارث عن عمرو بن دينار وقال في حديثه "لما قدموا ذكروا شأن قيس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت" وفي حديث الواقدي أن أهل المدينة بلغهم الجهد الذي قد أصاب القوم، فقال سعد بن عبادة إن يك قيس كما أعرف فسينحر للقوم. قوله: "وأمر أبو عبيدة" كذا لهم يضم الهمزة وتشديد الميم على البناء للمجهول. وفي رواية ابن عيينة عند مسلم: "وأميرنا أبو عبيدة" . قوله: "وأخبرني أبو الزبير" القائل هو ابن حريج، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "أطعمونا إن كان معكم منه ، فآتاه بعضهم" بالمد أي فأعطاه "فأكله" ووقع في رواية ابن السكن "فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله" قال عياض. وهو الوجه. قلت: في رواية أحمد من طريق ابن جريج التي أخرجها منه البخاري "وكان معنا منه شيء، فأرسل به إليه بعض القوم فأكل منه" ووقع في رواية أبي حمزة عن جابر عند ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة "فلما قدموا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه" وهذا لا يخالف رواية أبي الزبير لأنه يحمل على أنه قال ذلك ازديادا منه بعد أن أحضروا له منه ما ذكر، أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه، والله أعلم. وفي الحديث من الفوائد أيضا مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع على الطعام يستدعي البركة فيه، وقد اختلفوا في سبب نهي أبي عبيدة قيسا أن يستمر على إطعام

(8/81)


الجيش، فقيل: لخشية أن تفنى حمولتهم، وفيه نظر لأن القصة أنه اشترى من غير العسكر، وقيل: لأنه كان يستدين على ذمته، وليس له مال فأريد الرفق به، وهذا أظهر. والله أعلم.

(8/82)


66- باب حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
4363- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَان"
4364- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَة}
[الحديث4364- أطرافه في: 4605، 4654، 6744]
قوله: "حج أبي بكر بالناس في سنة تسع" كذا جزم به، ونقل المحب الطبري عن صحيح ابن حبان أن فيه عن أبي هريرة "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة وأمر أبا بكر في تلك الحجة" قال المحب: إنما حج أبو بكر سنة تسع والجعرانة كانت سنة ثمان، قال: وإنما حج فيها عتاب بن أسيد، كذا قال، وكأنه تبع الماوردي فإنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابا أن يحج بالناس عام الفتح، والذي جزم به الأزرقي في "أخبار مكة" خلافه فقال: لم يبلغنا أنه استعمل في تلك السنة على الحج أحدا، وإنما ولي عتابا إمرة مكة فحج المسلمون والمشركون جميعا وكان المسلمون مع عتاب لكونه الأمير. قلت: والحق أنه لم يختلف في ذلك، وإنما وقع الاختلاف في أي شهر حج أبو بكر، فذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في "الإكليل" ، ومن عدا هذين إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة - كالداودي وبه جزم من المفسرين الرماني والثعلبي والماوردي وتبعهم جماعة - وإما ساكت. والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي. ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة، فيكون حجه في ذي الحجة على هذا والله أعلم. واستدل بهذا الحديث على أن فرض الحج كان قبل حجة الوداع، والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة، وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا قبل فرض الحج ولا يخفى ضعفه. ولبسط تقرير ذلك موضع غير هذا. وقال ابن القيم في الهدي: ويستفاد أيضا من قول أبي هريرة في حديث الباب: "قبل حجة الوداع" أنها كانت سنة تسع لأن حجة الوداع كانت سنة عشر اتفاقا، وذكر ابن إسحاق أن خروج أبي بكر كان في ذي القعدة، وذكر الواقدي أنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلاثمائة من الصحابة، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة. حديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في رهط يؤذن في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك" هكذا أورده مختصرا، وسيأتي في تفسير سورة براءة تام السياق، ويأتي تمام شرحه هناك. حديث البراء "آخر سورة نزلت كاملة براءة" الحديث.

(8/82)


وسيأتي شرحه في التفسير أيضا وبيان ما وقع فيه من الإشكال من قوله: "كاملة" والغرض منه الإشارة إلى أن نزول قوله تعالى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الآية كان في هذه القصة، أشار إلى ذلك الإسماعيلي ودقق في ذلك على خلاف عادته من الاعتراض على مثل ذلك. وقد ذكر ابن إسحاق بإسناد مرسل قال: "نزلت براءة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا على الحج، فقيل لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليا فقال: اخرج بصدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر بمنى إذا اجتمعوا" فذكر الحديث. وروى أحمد من طريق محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: "كنت مع علي بن أبي طالب، فكنت أنادي حتى صحل صوتي" الحديث. ومن طريق زيد بن يشيع قال: "سألت عليا بأي شيء بعثت في الحجة؟ قال: بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته" وأخرجه الترمذي من هذا الوجه وصححه.
" تنبيه " : وقع هنا ذكر حجة أبي بكر قبل الوفود، والواقع أن ابتداء الوفود كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في "أواخر سنة ثمان وما وبعدها، بل ذكر ابن إسحاق أن الوفود كانوا بعد غزوة تبوك. نعم اتفقوا على أن ذلك كله كان في سنة تسع. قال ابن هشام:"حدثني أبو عبيدة قال: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود "وقد تقدم في غزوة الفتح في حديث عمرو بن سلمة" كانت العرب تلوم بإسلامها الفتح "الحديث. فلما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، ولعل ذلك من تصرف الرواة كما قدمته غير مرة، وسيأتي نظير هذا في تقديم حجة الوداع على غزوة تبوك، وقد سرد محمد بن سعد في الطبقات الوفود، وتبعه الدمياطي في السيرة التي جمعها، وتبعه ابن سيد الناس، ومغلطاي، وشيخنا في نظم السيرة ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين.

(8/83)


67- باب وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ
4365- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَرُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّه "
قوله: "وفد بني تميم" أي ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ثم معجمة ابن إلياس بن مضر بن نزار، وذكر ابن إسحاق أن أشراف بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم منهم عطارد بن حاجب الدارمي والأقرع بن حابس الدارمي والزبرقان بن بدر السعدي وعمرو بن الأهتم المنقري والحباب بن يزيد المجاشعي ونعيم بن يزيد بن قيس بن الحارث وقيس بن عاصم المنقري، قال ابن إسحاق: ومعهم عيينة بن حصن، وكان الأقرع وعيينة شهدا الفتح ثم كانا مع بني تميم، فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته، فذكر القصة. وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى. حديث عمران بن حصين في قوله صلى الله عليه وسلم: " اقبلوا البشرى يا بني تميم" الحديث وقد تقدم شرحه في

(8/83)


أول بدء الخلق.

(8/84)


باب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عيينة ابن حصن إلى بني تميم
...
68- باب قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ ِسَباء"
4366- حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ" وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ أَوْ قَوْمِي" .
4367- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ "أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ عُمَرُ بَلْ أَمِّرْ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا} حَتَّى انْقَضَت"
[الحديث4367- أطرافه في: 4845، 4847، 7302]
"باب قال ابن إسحاق: غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر "يعني الفزاري" بني العنبر من بني تميم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأغار وأصاب منهم ناسا وسبي منهم سباء" انتهى. وذكر الواقدي أن سبب بعث عيينة أن بني تميم أغاروا على ناس من خزاعة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عيينة بن حصن في خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا. فقدم رؤساؤهم بسبب ذلك. قال ابن سعد: كان ذلك في المحرم سنة تسع. قوله: "وكانت فيهم" في رواية الكشميهني: "منهم" . قوله: "سبية" بفتح المهملة وكسر الموحدة وتشديد التحتانية وتخفيفها ثم همزة، أي جارية مسبية فعيلة بمعنى مفعولة، وقد تقدم الكلام على اسمها وتسمية بعض من أسر معها وشرح هذه القصة من هذا الحديث في كتاب العتق. قوله: "وجاءت صدقاتهم فقال: هذه صدقات قوم، أو قومي" كذا وقع بالشك وقوم بالكسر بغير تنوين. وفي رواية أبي يعلى عن زهير بن حرب شيخ البخاري فيه: "صدقات قومي" بغير تردد. قوله في حديث عبد الله بن الزبير "قدم ركب من بني تميم فقال أبو بكر: أمر القعقاع" سيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في أول تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى.

(8/84)


69- باب وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ
4368- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ "قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ

(8/84)


70- باب وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ
4372- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ" فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لاَ وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ وَاللَّهِ لاَ يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"
قوله: "باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال" أما حنيفة فهو ابن لجيم بجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهي قبيلة كبيرة شهيرة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن، وكان وفد بني حنيفة كما ذكره ابن إسحاق وغيره في سنه تسع، وذكر الواقدي كانوا سبعة عشر رجلا فيهم مسيلمة. وأما ثمامة بن أثال فأبوه بضم الهمزة خفيفة ابن النعمان بن مسلمة الحنفي، وهو من فضلاء الصحابة، وكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان، فإن قصته صريحة في أنها كانت قبل فتح مكة كما سنبينه، وكان البخاري ذكرها هنا استطرادا. ثم ذكر المصنف فيه أربعة أحاديث: الحديث الأول حديث أبي هريرة في قصة ثمامة، وقد صرح فيه بسماع سعيد المقبري له من أبي هريرة. وأخرجه ابن إسحاق عن سعيد فقال: "عن أبيه عن أبي هريرة" وهو من المزيد في متصل الأسانيد فإن الليث موصوف بأنه أتقن الناس لحديث سعيد المقبري، ويحتمل أن يكون سعيد سمعه من أبي هريرة، وكان أبوه قد حدثه به قبل، أو ثبته في شيء منه فحدث به على الوجهين. قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد" أي بعث فرسان خيل إلى جهة نجد، وزعم سيف في "كتاب الزهد" له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب، وفيه نظر أيضا لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة، وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة، ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ثم بعث يشفع فيهم عند ثمامة. قوله: "ماذا عندك" أي أي شيء عندك؟ ويحتمل أن تكون "ما" استفهامية و "ذا" موصولة

(8/87)


"وعندك" صلته، أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك؟ فأجاب بأنه ظن خيرا فقال: عندي يا محمد خير، أي لأنك لست ممن يظلم، بل ممن يعفو ويحسن. قوله: "إن تقتلني تقتل ذا دم" كذا للأكثر بمهملة مخففة الميم، وللكشميهني: "ذم" بمعجمة مثقل الميم، قال النووي: معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب دم لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته، ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله. وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة، وثبت كذلك في رواية أبي داود، وضعفها عياض بأنه يقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله. قال النووي: يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول، والمراد بالذمة الحرمة في قومه، وأوجه الجميع الوجه الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك: "وإن تنعم تنعم على شاكر" ، وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير؛ وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر. قوله: "قال: عندي ما قلت لك" أي إن تنعم تنعم على شاكر؛ هكذا اقتصر في اليوم الثاني على أحد الشقين. وحذف الأمرين في اليوم الثالث، وفيه دليل على حذفه وذلك أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفى الأمرين لصدر خصومه وهو القتل، فلما لم يقع اقتصر على ذكر الاستعطاف وطلب الأنعام في اليوم الثاني، فكأنه في اليوم الأول رأى أمارات الغضب فقدم ذكر القتل، فلما لم يقتله طمع في العفو فاقتصر عليه، فلما لم يعمل شيئا مما قال اقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم. وقد وافق ثمامة في هذه المخاطبة قول عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لأن المقام يليق بذلك قوله: "فقال: أطلقوا ثمامة" في رواية ابن إسحاق "قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك" وزاد ابن إسحاق في روايته أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا، فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا. فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، وإن المؤمن يأكل في معي واحد" . قوله: "فبشره" أي بخيري الدنيا والآخرة، أو بشره بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة. قوله: "فلما قدم مكة" زاد ابن هشام قال: "بلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبي، فكان أول من دخل مكة يلبي. فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا، وأرادوا قتله، فقال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى الطعام من اليمامة فتركوه" . قوله: "قال: لا ولكن أسلمت مع محمد" كأنه قال: لا ما خرجت من الدين، لأن عبادة الأوثان ليست دينا، فإذا تركتها لا أكون خرجت من دين، بل استحدثت دين الإسلام. وقوله: "مع محمد" أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام أنا بالابتداء وهو بالاستدامة. ووقع في رواية ابن هشام "ولكن تبعت خير الدين دين محمد". قوله: "ولا والله" فيه حذف تقديره: والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة. قوله: "لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم" زاد ابن هشام "ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم" . وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد، والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر الغفور عن المسيء لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل. وفيه الاغتسال عند الإسلام وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير. وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من

(8/88)


قومه، وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار، وأسر من وجد منهم، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه.
4373- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لاَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْه"
4374- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أَرَيْتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَة" .
4375- حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا علي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء؛ وصاحب اليمامة"
قوله: "عن عبد الله بن أبي حسين" هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث النوفلي، تابعي صغير مشهور نسب هنا لجده. قوله: "قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم" أي المدينة، ومسيلمة مصغر بكسر اللام ابن ثمامة بن كبير بموحدة ابن حبيب بن الحارث من بني حنيفة. قال ابن إسحاق: ادعى النبوة سنة عشر، وزعم وثيمة في "كتاب الردة" أن مسيلمة لقب واسمه ثمامة، وفيه نظر لأن كنيته أبو ثمامة، فإن كان محفوظا فيكون ممن توافقت كنيته واسمه، وسياق هذه القصة يخالف ما ذكره ابن إسحاق أنه قدم مع وفد قومه، وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذوا منه جائزته، وأنه قال: "لهم إنه ليس بشركم" وأن مسيلمة لما ادعى أنه أشرك في النبوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج بهذه المقالة، وهذا مع شذوذه ضعيف السند لانقطاعه، وأمر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك، فقد كان يقال له رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم، وكيف يلتئم هذا الخبر الضعيف مع قوله في هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به وخاطبه وصرح له بحضرة قومه أن لو سأله القطعة الجريدة ما أعطاه، ويحتمل أن يكون مسيلمة قدم مرتين الأولى كان تابعا وكان رئيس بني حنيفة غيره ولهذا أقام في

(8/89)


حفظ رحالهم، ومرة متبوعا وفيها خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم، أو القصة واحدة وكانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة منه واستكبارا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وعامله النبي صلى الله عليه وسلم معاملة الكرم على عادته في الاستئلاف، فقال لقومه. إنه ليس بشركم أي بمكان، لكونه كان يحفظ رحالهم، وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل، فلما لم يفد مسيلمة توجه بنفسه إليهم ليقيم عليهم الحجة ويعذر إليه بالإنذار والعلم عند الله تعالى. ويستفاد من هذه القصة أن الإمام يأتي بنفسه إلى من قدم يريد لقاءه من الكفار إذا تعين ذلك طريقا لمصلحة المسلمين. قوله: "إن جعل لي محمد الأمر من بعده" أي الخلافة؛ وسقط لفظ: "الأمر" هنا عند الأكثر وهو مقدر، وقد ثبتت في رواية ابن السكن وثبتت أيضا في الرواية المتقدمة في علامات النبوة. قوله: "وقدمها في بشر كثير" ذكر الواقدي كما تقدم أن عدد من كان مع مسيلمة من قومه سبعه عشر نفسا، فيحتمل تعدد القدوم كما تقدم. قوله: "ولن تعدو أمر الله" كذا للأكثر، ولبعضهم لن تعد بالجزم وهو لغة، أي الجزم بلن، والمراد بأمر الله حكمه. وقوله: "ولئن أدبرت" أي خالفت الحق، وقوله: "ليعقرنك" بالقاف أي يهلكك. قوله: "وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني" أي لأنه كان خطيب الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم فاكتفى بما قاله لمسيلمة وأعلمه أنه إن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم عني في ذلك، ويؤخذ منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك. قوله: "أريت" بضم أوله وكسر الراء من رؤيا المنام، وقد فسره ابن عباس عن أبي هريرة وهو الحديث الثالث، وسيأتي شرحه في تعبير الرؤيا إن شاء الله تعالى. قوله: "من ذهب" من لبيان الجنس لقوله تعالى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} ووهم من قال الأساور لا تكون إلا من ذهب فإن كانت من فضة فهي القلب. قوله: " فأهمني شأنهما" في رواية همام التي بعدها "فكبرا علي" . قوله: "أحدهما العنسي" بالمهملة ثم نون ساكنة ثم سين مهملة وهو الأسود، وهو صاحب صنعاء كما في الرواية الثانية، وسأذكر شأنه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى، ويؤخذ من هذه القصة منقبة للصديق رضي الله عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه حتى طارا، فأما الأسود فقتل في زمنه، وأما مسيلمة فكان القائم عليه حتى قتله أبو بكر الصديق فقام مقام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويؤخذ منه أن السوار وسائر آلات أنواع الحلي اللائقة بالنساء تعير للرجال بما يسوؤهم ولا يسرهم، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى.
4376- حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ "كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهِ فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلاَ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلاَّ نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَب"
4377- وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: "كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمًا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّاب"
قوله: "حدثنا الصلت بن محمد" أي ابن عبد الرحمن الخاركي بالخاء المعجمة يكني أبا همام،

(8/90)


بصري ثقة، أكثر عنه البخاري، وهو بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة. قوله: "هو أخير منه" في رواية الكشميهني: "أحسن" بدل أخير، وأخير لغة في خير. والمراد بالخيرية الحسية من كونه أشد بياضا أو نعومة أو نحو ذلك من صفات الحجارة المستحسنة. قوله: "جثوة من تراب" بضم الجيم وسكون المثلثة هو القطعة من التراب تجمع فتصير كوما وجمعها الجثا. قوله: "ثم جئنا حدثنا بالشاة نحلبها عليه" أي لتصير نظير الحجر، وأبعد من قال: المراد بجلبهم الشاة على التراب مجاز ذلك وهو أنهم يتقربون إليه بالتصدق عليه بذلك اللبن. قوله: "منصل" بسكون النون وكسر الصاد، وللكشميهني بفتح النون وتشديد الصاد، وقد فسره بنزع الحديد من السلاح لأجل شهر رجب إشارة إلى تركهم القتال، لأنهم كانوا ينزعون الحديد من السلاح في الأشهر الحرم، ويقال: نصلت الرمح إذا جعلت له نصلا، وأنصلته إذا نزعت منه النصل. قوله: "وألقيناه شهر رجب" بالفتح أي في شهر رجب. ولبعضهم "لشهر رجب" أي لأجل شهر رجب. وأخرج عمر بن شبة في "أخبار البصرة" في ذكر وقعة الجمل هذا الخبر من طريق عبد الله بن عون عن أبي رجاء أنه ذكر الدماء فعظمها وقال: كان أهل الجاهلية إذا دخل الشهر الحرام نرع أحدهم سنانه من رمحه وجعلها في علوم النساء1 ويقولون. جاء منصل الأسنة، ثم والله لقد رأيت هودج عائشة يوم الجمل كأنه قنفذ، فقيل له: قاتلت يومئذ؟ قال: لقد رميت بأسهم. فقال له: كيف ذلك وأنت تقول ما تقول؟ فقال: ما كان إلا أن رأينا أم المؤمنين، فما تمالكنا. قوله: "وسمعت أبا رجاء يقول" هو حديث آخر متصل بالإسناد المذكور. قوله: "كنت يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم غلاما أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار، إلى مسيلمة الكذاب" الذي يظهر أن مراده بقوله: "بعث" أي اشتهر أمره عندهم، ومراده بخروجه أي ظهوره على قومه من قريش بفتح مكة، وليس المراد مبدأ ظهوره بالنبوة ولا خروجه من مكة إلى المدينة لطول المدة بين ذلك وبين خروج مسيلمة. ودلت القصة على أن أبا رجاء كان من جملة من بايع مسيلمة من قومه بني عطارد بن عوف بن كعب بطن من بني تميم، وكان السبب في ذلك أن سجاحا بفتح المهملة وتخفيف الجيم وآخره حاء مهملة وهي امرأة من بني تميم ادعت النبوة أيضا فتابعها جماعة من قومها، ثم بلغها أمر مسيلمة فخادعها إلى أن تزوجها واجتمع قومها وقومه على طاعة مسيلمة.
ـــــــ
1 بهامش طبعة بولاق: كذا في نسخ الشرح التي بأيدينا.

(8/91)


71- باب قِصَّةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ
4378- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: "بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ

(8/91)


فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنِّي لاَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم " .
4379- قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ" فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّاب"
قوله: "قصة الأسود العنسي" بسكن النون، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا. قوله: "حدثنا سعيد بن محمد الجرمي" بفتح الجيم وسكون الراء، كوفي ثقة مكثر، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري، وصالح هو ابن كيسان. قوله: "عن ابن عبيدة بن نشيط" بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة. قوله: "وكان في موضع آخر اسمه عبد الله" أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد الله بن عبيدة لا أخوه موسى، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة، وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة. وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: صالح بن كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود. وساق البخاري عنه الحديث مرسلا. وقد ذكره في الباب الذي قبله موصولا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس. قوله: "في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز: وهي أم عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، والذي وقع هنا أنها أم عبد الله بن عامر، قيل: الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وهو اعتراض متجه. ولعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد الله بن عامر بن كريز، ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك، وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت، وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود، فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيلي ما وقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث، وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث. ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق، وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود، وكان يقال لها أيضا بنت الحارث، كذا صرح به محمد بن سعد في طبقات النساء فقال: رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية؛ وساق نسبها. وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث

(8/92)


فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد الله بن عامر بعد ذلك. والله أعلم. قوله: "ثم جعلته لنا بعدك" هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة، إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع. قوله: "فقال ابن عباس: ذكر لي" كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة. قوله: "إسواران" يكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار، والسوار بالكسر ويجوز الضم، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس: وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط. قوله: "ففظعتهما وكرهتهما" بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة، يقال فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، قال ابن الأثير: الفظيع الأمر الشديد، وجاء هنا متعديا، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي خفتهما، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما. قلت: يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا "وكبرا علي" . قوله: "فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب" أما مسيلمة فقد ذكرت خبره، وأما العنسي وفيروز فكان من قصته أن العنسي وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه. وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام، وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في "الدلائل" من طريقه من حديث النعمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم قال: خرج الأسود الكذاب وهو من بني عنس يعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة باذان، فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا؛ وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس. فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو الأسود عن عروة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم.

(8/93)


72- باب قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَانَ
4380- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا قَالاَ إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا فَقَالَ: "لاَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِيناً حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَلَمَّا قَامَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَذَا أَمِينُ

(8/93)


هَذِهِ الأُمَّة" .
4381- حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: "سمعت أبا إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه قال: "جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث لنا رجلا أمينا، فَقَالَ لاَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ الناس، فبعث أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاح" .
4382- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح" .
قوله: "قصة أهل نجران" بفتح النون وسكون الجيم بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاثة وسبعين قرية مسيرة يوم للراكب السريع، كذا في زيادات يونس بن بكير بإسناد له في المغازي، وذكر ابن إسحاق أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم حينئذ عشرون رجلا، لكن أعاد ذكرهم في الوفود بالمدينة فكأنهم قدموا مرتين. وقال ابن سعد: كان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم فخرج إليه وفدهم في أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وعند ابن إسحاق أيضا من حديث كرز بن علقمة أنهم كانوا أربعة وعشرين رجلا، وسرد أسماءهم. قوله: "حدثني عباس بن الحسين" هو بغدادي ثقة، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر تقدم في التهجد مقرونا. قوله: "حدثنا يحيى بن آدم" في رواية الحاكم في "المستدرك" عن الأصم عن الحسن بن علي بن عفان عن يحيى بن آدم بهذا الإسناد عن ابن مسعود يدل حذيفة، وكذلك أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه من طرق أخرى عن إسرائيل، ورجح الدار قطني في "العلل" هذه وفيه نظر، فإن شعبة قد روى أصل الحديث عن أبي إسحاق فقال: "عن حذيفة" كما في الباب أيضا، وكأن البخاري فهم ذلك فاستظهر برواية شعبة، والذي يظهر أن الطريقين صحيحان، فقد رواه ابن أبي شيبة أيضا والإسماعيلي من رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة. قوله: "جاء السيد والعاقب صاحبا نجران" أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنة ويقال شرحبيل، وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك، وأما العاقب فاسمه عبد المسيح وكان صاحب مشورتهم، وكان معهم أيضا أبو الحارث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدراسهم. قال ابن سعد: دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، فقال: إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم، فانصرفوا على ذلك. قوله: "يريدان أن يلاعناه" أي يباهلاه، وذكر ابن إسحاق بإسناد مرسل أن ثمانين آية من أول سورة آل عمران نزلت في ذلك، يشير إلى قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} الآية. قوله: "فقال أحدهما لصاحبه" ذكر أبو نعيم في الصحابة بإسناد له أن القائل ذلك هو السيد. وقال غيره: بل الذي قال ذلك هو العاقب لأنه كان صاحب رأيهم، وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي بإسناد له أن الذي قال ذلك شرحبيل أبو مريم. قوله: "فوالله لئن كان نبيا فلاعنا" في رواية الكشميهني فلاعننا بإظهار النون. قوله: "لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا" زاد في رواية ابن مسعود "أبدا" ، وفي مرسل الشعبي عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على الملاعنة. ولما غدا عليهم أخذ بيد حسن وحسين وفاطمة تمشي خلفه للملاعنة" . قوله: "إنا نعطيك ما سألتنا"

(8/94)


وفي رواية يونس بن بكير أنه صالحهم على ألفي حلة: ألف في رجب وألف في صفر ومع كل حلة أوقية، وساق الكتاب الذي كتبه بينهم مطولا. وذكر ابن سعد أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك فأسلما، زاد في رواية ابن مسعود "فأتياه فقالا: لا نلاعنك، ولكن نعطيك ما سألت" وفي قصة أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام. وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب، وقد تجب إذا تعينت مصلحته. وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة. وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء. ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة. ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين. وفيها مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المال، ويجري ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم، فإن كلا منهما مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام. وفيها بعث الإمام الرجل العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام. وفيها منقبة ظاهرة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. والله أعلم. أورد المصنف حديث أنس أن أمين هذه الأمة أبو عبيدة إشارة إلى أن سببه الحديث الذي قبله، وقد تقدم في مناقب أبي عبيدة.

(8/95)


73- باب قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ
4383- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا" فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي قَالَ جَابِرٌ فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا" قَالَ فَأَعْطَانِي قَالَ جَابِرٌ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي فَقُلْتُ لَهُ قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ قَالَهَا ثَلاَثًا مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَك"
وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْن"
قوله: "قصة عمان والبحرين" أما البحرين فبلد عبد القيس، وقد تقدم بيانها في كتاب الجمعة. وأما عمان فبضم

(8/95)


المهملة وتخفيف الميم، قال عياض: هي فرضة بلاد اليمن لم يزد في تعريفها على ذلك. وقال الرشاطي. عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ، ينسب إليها الجلندي رئيس أهل عمان. ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه، وذكر غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ وجيفر، وكان ذلك بعد خيبر، ذكره أبو عمرو انتهى. وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله إلى الملوك" فذكر الحديث. وفيه: "وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندي ملك عمان وفيه: فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمرا فإنه توفي وعمرو بالبحرين" وفي هذا إشعار بقرب عمان من البحرين، وبقرب البعث إلى الملوك من وفاته صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت، ولعل المصنف أشار بالترجمة إلى هذا الحديث لقوله في حديث الباب: "فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وروى أحمد من طريق أبي لبيد قال: "خرج رجل منا يقال له بيرح بن أسد، فرآه عمر فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل عمان، فأدخله على أبي بكر فقال: هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر" وعند مسلم من حديث أبي برزة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قوم فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك" .
" تنبيهان " : بعمل الشام بلدة يقال لها عمان لكنها بفتح العين وتشديد الميم، وهي التي أرادها الشاعر بقوله:
في وجهه خالان لولاهما ... ما بت مفتونا بعمان
وليست مرادة هنا قطعا، إنما وقع اختلاف للرواة فيما وقع في صفة الحوض النبوي كما سيأتي في مكانه حيث جاء في بعض طرقه ذكر عمان. وجيفر مثل جعفر إلا أن بدل العين تحتانية، وعياذ بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره معجمة، والجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون والقصر، وبيرح بموحدة ثم تحتانية ثم مهملة بوزن ديلم. قوله: "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "سمع ابن المنكدر جابر بن عبد الله" بنصب جابر على أنه مفعول سمع. وفي رواية الحميدي في مسنده "حدثنا سفيان قال: سمعت ابن المنكدر قال: سمعت جابرا" وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في الكفالة وفي الشهادات وفي فرض الخمس. قوله: "وعن عمرو" هو معطوف على الإسناد الأول، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي هو المعروف بالباقر، وأبوه هو زين العابدين بن الحسين بن علي، ووهم من زعم أن محمد بن علي هو ابن الحنفية، ووقع في رواية الحميدي "حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني محمد بن علي" فذكره.

(8/96)


74- باب قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"
4384- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالاَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنْ الْيَمَنِ فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَه" .

(8/96)


قوله: "باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن" هو من عطف العام على الخاص لأن الأشعريين من أهل اليمن، ومع ذلك ظهر في أن في المراد بأهل اليمن خصوصا آخر، وهو ما سأذكره من قصة نافع بن زيد الحميري أنه قدم وافدا في نفر من حمير، وبالله التوفيق. قوله: "وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " هم مني وأنا منهم" هو طرف من حديث أوله: "أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ثم اقتسموا بينهم، فهم مني وأنا منهم" الحديث، وقد وصله المؤلف في الشركة وشرح هناك، والمراد بقوله: "هم مني" المبالغة في اتصال طريقهما واتفاقهما على الطاعة. قوله: "حدثنا ابن أبي زائدة" هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والإسناد كله كوفيون سوى شيخي البخاري. قوله: "عن الأسود" في المناقب من طريق يوسف بن أبي إسحاق "حدثني الأسود سمعت أبا موسى". قوله: "قدمت أنا وأخي من اليمن" تقدم بيان اسم أخيه في غزوة خيبر. قوله: "ما نرى" بضم النون. قوله: "ابن مسعود وأمه" اسم أمه أم عبد بنت عبد ود بن سواء، ولها صحبة. وقوله: "من أهل البيت" أي بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم في المناقب بلفظ: "من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:"وتقدم الحديث في مناقب ابن مسعود.
" تنبيه " : سقط شيخا البخاري من أول هذا الإسناد من رواية أبي زيد المروزي، وابتداء الإسناد "حدثنا يحيى بن آدم" وثبتا عند غيره وهو الصواب، ولم يدرك البخاري يحيى بن آدم لأنه مات في ربيع الأول سنة ثلاث ومائتين بالكوفة، والبخاري يومئذ ببخارى ولم يرحل منها وعمره يومئذ تسع سنين، وإنما رحل بعد ذلك بمدة كما بينته في ترجمته في المقدمة.
"تنبيه آخر" : كان قدوم أبي موسى على النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح خيبر لما قدم جعفر بن أبي طالب، وقيل إنه قدم عليه بمكة قبل الهجرة ثم كان ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم قدم الثانية صحبة جعفر. والصحيح أنه خرج طالبا المدينة في سفينة فألقتهم الريح إلى الحبشة، فاجتمعوا هناك بجعفر ثم قدموا صحبته. وعلى هذا فإنما ذكره البخاري هنا ليجمع ما وقع على شرطه من البعوث والسرايا والوفود ولو تباينت تواريخهم، ومن ثم ذكر غزوة سيف البحر مع أبي عبيدة بن الجراح وكانت قبل فتح مكة بمدة. وكنت أطن أن قوله: "وأهل اليمن" بعد الأشعريين من عطف العام على الخاص. ثم ظهر لي أن لهذا العام خصوصا أيضا، وأن المراد بهم بعض أهل اليمن وهم وفد حمير، فوجدت في "كتاب الصحابة لابن شاهين" من طريق إياس بن عمير الحميري أنه "قدم وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من حمير فقالوا: أتيناك لنتفقه في الدين" الحديث، وقد ذكرت فوائده في أول بدء الخلق، وحاصله الترجمة مشتملة على طائفتين، وليس المراد اجتماعهما في الوفادة، فإن قدوم الأشعريين كان مع أبي موسى في سنة سبع عند فتح خيبر، وقدوم وفد حمير في سنة تسع وهي سنة الوفود، ولأجل هذا اجتمعوا مع بني تميم. وقد عقد محمد بن سعد في الترجمة النبوية من الطبقات للوفود بابا وذكر فيه القبائل من مضر ثم من ربيعة ثم من اليمن وكاد يستوعب ذلك بتلخيص حسن. وكلامه أجمع ما يوجد في ذلك ومع أنه ذكر وفد حمير لم يقع له قصة نافع بن زيد التي ذكرتها.
4385- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ وَهُوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَقَالَ هَلُمَّ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ فَقَالَ إِنِّي حَلَفْتُ

(8/97)


لاَ آكُلُهُ فَقَالَ هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِينِكَ إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا وَقَدْ حَمَلْتَنَا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا" .
قوله: "حدثنا عبد السلام" هو ابن حرب. قوله: "عن زهدم" بزاي وزن جعفر وهو ابن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء. قوله: "لما قدم أبو موسى" أي إلى الكوفة أميرا عليها في زمن عثمان، ووهم من قال: أراد قدم اليمن لأن زهد ما لم يكن من أهل اليمن. قوله: "أكرم هذا الحي من جرم" بفتح الجيم وسكون الراء: قبيلة شهيرة ينسبون إلى جرم بن ربان براء ثم موحدة ثقيلة ابن ثعلبة حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. قوله: "فقذرته" بفتح القاف وكسر الذال المعجمة، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأطعمة، وعلى باقي الحديث في كتاب الإيمان والنذور إن شاء تعالى. وكان الوقت الذي طلب فيه الأشعريون الحملان من النبي صلى الله عليه وسلم عند إرادة غزوة تبوك.
4386- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: "جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّه" .
حديث عمران، أورده مختصرا، وقد تقدم بتمامه في بدء الخلق، والغرض منه قوله: "فجاء ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى" واستشكل بأن قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع، وأجيب باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك.
4387- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الإِيمَانُ هَا هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَر" .
4388- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَم"=

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...