Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم مجلد 17.محمد بن إدريس الشافعي

 

17.

كتاب الأم مجلد 17.محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

   = ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال قد عَلِمْت أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في الرَّأْيِ الذي لَا مُتَقَدِّمَ فيه من كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ أَفَيُوجَدُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه كِتَابٌ وَسُنَّةٌ قُلْت نعم قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وعلى وبن مَسْعُودٍ وأبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ حتى تَغْتَسِلَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ وقال هذا بن الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ من التَّابِعِينَ وَالْمُفْتِينَ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ وبن عُمَرَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ فإذا طَعَنَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ وقال هذا الْقَوْلَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَبَعْضُ الْمُفْتِينَ إلى الْيَوْمِ وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فقال عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ وروى عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِهِ وقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ إذَا وَضَعَتْ ذَا بَطْنَهَا فَقَدْ حَلَّتْ وفي هذا كِتَابٌ وَسُنَّةٌ وفي الْأَقْرَاءِ قَبْلَهُ كِتَابٌ وَدَلَالَةٌ من سُنَّةٍ وقال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وروى عن عُثْمَانَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ خِلَافُهُ وقال عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وبن عُمَرَ وَنَفَرٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْأَنْصَارِ لَا يَقَعُ عليها طَلَاقٌ وَيُوقَفُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَمَسَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وَعَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ عِلْمٍ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسَحَ عُمَرُ وَسَعْدٌ وبن عُمَرَ وَأَنَسُ بن مَالِكٍ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ عِلْمٍ بِهِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ في هذه الْأَشْيَاءِ وفي كل وَاحِدٍ منها كِتَابٌ أو كِتَابٌ وَسُنَّةٌ قال وَمِنْ أَيْنَ تَرَى ذلك فَقُلْت تَحْتَمِلُ الْآيَةُ الْمَعْنَيَيْنِ فيقول أَهْلُ اللِّسَانِ بِأَحَدِهِمَا وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ منهم بِالْمَعْنَى الْآخَرِ الذي يُخَالِفُهُ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِقَوْلِهِمَا مَعًا لِاتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَتَذْهَبُ على بَعْضِهِمْ وَكُلُّ من ثَبَتَتْ عِنْدَهُ السُّنَّةُ قال بها إنْ شَاءَ اللَّهُ ولم يُخَالِفْهَا لِأَنَّ كَثِيرًا منها يَأْتِي وَاضِحًا ليس فيه تَأْوِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَكَرْت له مَسَّ الذَّكَرِ فان عَلِيًّا وبن عَبَّاسٍ وَعَمَّارَ بن يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةَ وبن مَسْعُودٍ لَا يَرَوْنَ فيه الْوُضُوءَ وبن الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ بِالْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ منه الْوُضُوءَ وَسَعْدًا وبن عُمَرَ يَرَيَانِ فيه الْوُضُوءَ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَفِيهِ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ منه أَخَذْنَا بها وقد يُرْوَى عن سَعِيدٍ أَنَّهُ لَا يَرَى منه الْوُضُوءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقُلْت الْإِجْمَاعُ من أَقْوَامٍ مِمَّا يَقْدِرُ عليه فَكَيْفَ تُكَلِّفُ من ادَّعَى الْإِجْمَاعَ من الْمَشْرِقِيِّينَ حِكَايَةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ الذي لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فَنَظَمَهُ فقال حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ وَتَرَكَ أَنْ يَتَكَلَّفَ هذا في الْإِجْمَاعِ فيقول حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ لَنَصُّ الْإِجْمَاعِ الذي يَلْزَمُ أَوْلَى بِهِ من نَصِّ الحديث الذي لَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ قال إنَّهُ يقول يَكْثُرُ هذا عن أَنْ يَنُصَّ فَقُلْت له فَيَنُصُّ منه أَرْبَعَةَ وُجُوهٍ أو خَمْسَةً فَقَدْ طَلَبْنَا أَنْ نَجِدَ ما يقول فما وَجَدْنَا أَكْثَرَ من دَعْوَاهُ بَلْ وَجَدْنَا بَعْضَ ما يقول الْإِجْمَاعَ مُتَفَرِّقًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَإِنْ قُلْت إذَا وَجَدْت قَرْنًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِ عِلْمٍ يَقُولُونَ الْقَوْلَ يَكُونُ أَكْثَرُهُمْ مُتَّفِقِينَ عليه سَمَّيْت ذلك إجْمَاعًا وَافَقَهُ من قَبْلَهُ أو خَالَفَهُ فَأَمَّا من قَبْلَهُمْ فَلَا يَكُونُ الْأَكْثَرُ منهم يَتَّفِقُونَ على شَيْءٍ بِجَهَالَةِ ما كان قَبْلَهُمْ وَلَا يَتْرُكُونَ ما قَبْلَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أو عِنْدَهُمْ ما هو أَثْبَتُ منه وَإِنْ لم يَذْكُرُوهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا أَجَزْت لهم خِلَافَ من فَوْقَهُمْ وَهُمْ لم يَحْكُوا لَك أَنَّهُمْ تَرَكُوا على من قَبْلَهُمْ قَوْلَهُمْ لِشَيْءٍ عَلِمُوهُ أَتُجِيزُ ذلك بِتَوَهُّمِك عليهم أَنَّهُمْ لَا يَدَعُونَهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ وَإِنْ لم يَذْكُرُوهَا وقد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُوا عَلِمُوا قَوْلَ من قَبْلَهُمْ فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ أَتُجِيزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَدَعُوا عليهم أَقَاوِيلَهُمْ التي قَبِلْتهَا منهم ثُمَّ يَقُولُونَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ما قُلْت لهم هُمْ لَا يَدَعُونَهَا إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِنْ لم يَذْكُرُوهَا قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت إذًا تَجْعَلُ الْعِلْمَ أَبَدًا للاخرين كما قُلْت أو لا قال فَإِنْ قُلْت لَا قُلْت
____________________

(7/264)


فَلَا تَجْعَلْ لهم أَنْ يُخَالِفُوا من قَبْلَهُمْ قال فَإِنْ قُلْت أُجِيزُ بَعْضِ ذلك دُونَ بَعْضٍ قُلْت فَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّك أنت الْعِلْمُ فما أَجَزْت جَازَ وما رَدَدْت رُدَّ أَفَتَجْعَلُ هذا لِغَيْرِك في الْبُلْدَانِ فما من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بَلَدٌ إلَّا وَفِيهِ عِلْمٌ قد صَارَ أَهْلُهُ إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ رَجُلٍ من أَهْلِهِ في أَكْثَرِ أَقَاوِيلِهِ أَفَتَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ حُجَّةً إنْ قَلَّدُوا عَطَاءً فما وَافَقَهُ من الحديث وَافَقُوهُ وما خَالَفَهُ خَالَفُوهُ في الْأَكْثَرِ من قَوْلِهِ أو تَرَى لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ حُجَّةً بِمِثْلِ هذا في الْحَسَنِ أو بن سِيرِينَ أو لِأَهْلِ الْكُوفَةِ في الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَكُلُّ من وَصَفْنَا أَهْلُ عِلْمٍ وَإِمَامَةٍ في دَهْرِهِ وَفَوْقَ من بَعْدَهُمْ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ اللَّازِمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَعَلَى كل مُسْلِمٍ اتِّبَاعُهُمَا قال فَتَقُولُ أنت مَاذَا قُلْت أَقُولُ ما كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَمَّنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا فإذا لم يَكُنْ ذلك صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو وَاحِدٍ منهم ثُمَّ كان قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أبي بَكْرٍ أو عُمَرَ أو عُثْمَانَ إذَا صِرْنَا فيه إلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إلَيْنَا وَذَلِكَ إذَا لم نَجِدْ دَلَالَةً في الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ على أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فنتبع ( ( ( فيتبع ) ) ) الْقَوْلُ الذي معه الدَّلَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشْهُورٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الناس وَمَنْ لَزِمَ قَوْلَهُ الناس كان أَشْهَرَ مِمَّنْ يفتى الرَّجُلَ أو النَّفَرَ وقد يَأْخُذُ بِفُتْيَاهُ أو يَدَعُهَا وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ لِلْخَاصَّةِ في بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَلَا تُعْنَى الْعَامَّةُ بِمَا قالوا عِنَايَتَهُمْ بِمَا قال الْإِمَامُ وقد وَجَدْنَا الْأَئِمَّةَ يَبْتَدِئُونَ فَيَسْأَلُونَ عن الْعِلْمِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا فيه وَيَقُولُونَ فَيُخْبِرُونَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فَيَقْبَلُونَ من الْمُخْبِرِ وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ على أَنْ يَرْجِعُوا لِتَقْوَاهُمْ اللَّهَ وَفَضْلِهِمْ في حَالَاتِهِمْ فإذا لم يُوجَدْ عن الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الدِّينِ في مَوْضِعٍ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ وكان اتِّبَاعُهُمْ أَوْلَى بِنَا من اتِّبَاعِ من بَعْدَهُمْ وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ شَتَّى الْأُولَى الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إذَا ثَبَتَتْ السُّنَّةُ ثُمَّ الثَّانِيَةُ الْإِجْمَاعُ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا نَعْلَمُ له مُخَالِفًا منهم وَالرَّابِعَةُ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك الْخَامِسَةُ الْقِيَاسُ على بَعْضِ الطَّبَقَاتِ وَلَا يُصَارُ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ من أَعْلَى وَبَعْضُ ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ خِلَافُ هذا ذَهَبْت إلَى أَخْذِ الْعِلْمِ من أَسْفَلَ قال فَتُوجِدُنِي بِالْمَدِينَةِ قَوْلَ نَفَرٍ من التَّابِعِينَ مُتَابِعًا الْأَغْلَبَ الْأَكْثَرَ من قَوْلِ من قال فيه نُتَابِعُهُمْ وَإِنْ خَالَفَهُمْ أَحَدٌ منهم كان أَقَلَّ عَدَدًا منهم فَنَتْرُكُ قَوْلَ الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ لِمُتَقَدِّمٍ قَبْلَهُ أو لِأَحَدٍ في دَهْرِهِمْ أو بَعْدَهُمْ قُلْت نعم قال فَاذْكُرْ منه وَاحِدًا قُلْت إنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ قال فَمَنْ قَالَهُ من التَّابِعِينَ أو السَّابِقِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن يحيي بن سَعِيدٍ قال أخبرني مَرْوَانُ بن عُثْمَانَ بن أبي سَعِيدِ بن الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَرْضَعَتْهُ أُمُّ وَلَدِ رَجُلٍ من مُزَيْنَةَ وَلِلْمُزَنِيِّ امْرَأَةٌ أُخْرَى سِوَى الْمَرْأَةِ التي أَرْضَعَتْ الرَّجُلَ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ من الْمُزَنِيِّ جَارِيَةً فلما بَلَغَ بن الرَّجُلِ وَبَلَغَتْ بِنْتُ الرَّجُلِ خَطَبَهَا فقال له الناس وَيْلَك إنَّهَا أُخْتُك فَرَفَعَ ذلك إلَى هِشَامِ بن إسْمَاعِيلَ فَكَتَبَ فيه إلَى عبد الْمَلِكِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عبد الْمَلِكِ أَنَّهُ ليس ذلك بِرَضَاعٍ أخبرنا الشَّافِعِيُّ أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ كان يقول كان يَدْخُلُ على عَائِشَةَ من أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أبي بَكْرٍ وَلَا يَدْخُلُ عليها من أَرْضَعَهُ نِسَاءُ بَنِي أبي بَكْرٍ ( قال ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ بن عُبَيْدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ عن أبي عُبَيْدَةَ بن عبد اللَّهِ بن زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أبي بَكْرٍ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ فقالت زَيْنَبُ بِنْتُ أبي سَلَمَةَ فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وأنا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ من قُرُونِ رَأْسِي فيقول أَقْبِلِي على فَحَدِّثِينِي أَرَاهُ أَنَّهُ أبي وما وَلَدَ فَهُمْ إخْوَتِي ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ قبل الْحَرَّةِ أَرْسَلَ إلى فَخَطَبَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتِي على حَمْزَةَ بن الزُّبَيْرِ وكان حَمْزَةُ لِلْكَلْبِيَّةِ فَقُلْت لِرَسُولِهِ وَهَلْ تَحِلُّ له إنَّمَا هِيَ بِنْتُ أُخْتِهِ فَأَرْسَلَ إلى عبد اللَّهِ إنَّمَا أَرَدْت بهذا الْمَنْعَ لِمَا قِبَلَك ليس لَك بِأَخٍ أنا وما وَلَدَتْ أَسْمَاءُ فَهُمْ إخْوَتُك وما كان من وَلَدِ الزُّبَيْرِ من
____________________

(7/265)


غَيْرِ أَسْمَاءَ فَلَيْسُوا لَك بِإِخْوَةٍ فَأَرْسِلِي فَسَلِي عن هذا فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ وَأَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا لها إنَّ الرَّضَاعَةَ من قِبَلِ الرِّجَالِ لَا تُحَرِّمُ شيئا فَأَنْكَحَتْهَا إيَّاهُ فلم تَزَلْ عِنْدَهُ حتى هَلَكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ عن بَعْضِ آلِ رَافِعِ بن خَدِيجٍ أَنَّ رَافِعَ بن خَدِيجٍ كان يقول الرَّضَاعَةُ من قِبَلِ الرِّجَالِ لَا تُحَرِّمُ شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ عن بن الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن وَعَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَعَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ أَنَّ الرَّضَاعَةَ من قِبَلِ الرِّجَالِ لَا تُحَرِّمُ شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مَرْوَانَ بن عُثْمَانَ بن أبي الْمُعَلَّى أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كان يَرَى الرَّضَاعَةَ من قِبَلِ الرِّجَالِ لَا تُحَرِّمُ شيئا قُلْت لعبدالعزيز ( ( ( لعبد ) ) ) من ( ( ( العزيز ) ) ) عبد الْمَلِكِ قال بن مَرْوَانَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن سُلَيْمَانَ بن بِلَالٍ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن أَنَّ بن عَبَّاسٍ كان لَا يَرَى الرَّضَاعَةَ من قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ شيئا قال عبد الْعَزِيزِ وَذَلِكَ كان رَأْيَ رَبِيعَةَ وَرَأْيَ فُقَهَائِنَا وأبو بَكْرٍ حَدَّثَ عَمْرَو بن الشُّرَيْدِ عن بن عَبَّاسٍ في اللِّقَاحِ وَاحِدٌ وقال حَدِيثُ رَجُلٍ من أَهْلِ الطَّائِفِ وما رَأَيْت من فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدًا يَشُكُّ في هذا إلَّا أَنَّهُ روى عن الزُّهْرِيِّ خِلَافُهُمْ فما الْتَفَتُّمْ إلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ وَأَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالت جاء عمى من الرَّضَاعَةِ أَفْلَحُ بن أبي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ بَعْدَ ما ضُرِبَ الْحِجَابُ فلم آذَنْ له فلما جاء النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ فقال إنَّهُ عَمُّك فَأَذِنُوا له فقال وما في هذا حَدِيثُهَا أُمُّ أبي بَكْرٍ أَرْضَعَتْهُ فَلَيْسَ هذا بِرَضَاعٍ من قِبَلِ الرَّجُلِ وَلَوْ كان من قِبَلِ الرَّجُلِ لَكَانَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ بِمَعْنَى ما تَرَكَتْ وكان أَصْحَابُ رسول اللَّهِ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ أَدْرَكْنَا مُتَّفِقِينَ أو أَكْثَرُهُمْ على ما قُلْنَا وَلَا يَتَّفِقُ هَؤُلَاءِ على خِلَافِ سُنَّةٍ وَلَا يَدْعُونَ شيئا إلَّا لِمَا هو أَقْوَى منه قال قد كان الْقَاسِمُ بن مُحَمَّدٍ يُنْكِرُ حَدِيثَ أبي الْقُعَيْسِ وَيَدْفَعُهُ دَفْعًا شَدِيدًا وَيَحْتَجُّ فيه أَنَّ رَأْيَ عَائِشَةَ خِلَافُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَتَجِدُ بِالْمَدِينَةِ من عِلْمِ الْخَاصَّةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِلْمًا ظَاهِرًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ من تَرْكِ تَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ فَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَتَرَكْتُمُوهُ وَمَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ إذَا كنا نَجِدُ في الْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالدَّلَالَةِ على ما نَقُولُ أَفَيَجُوزُ لاحد تَرَكَ هذا الْعَامَّ الْمُتَّصِلَ مِمَّنْ سَمَّيْنَا من أَزْوَاجِ النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ من بَعْدِهِمْ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَقْبَلَ أَبَدًا عَمَلَ أَكْثَرِ من روى عنه بِالْمَدِينَةِ إذَا خَالَفَ حَدِيثًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَصًّا ليس من هذا الحديث لِعِلْمِهِمْ بِحَدِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا قُلْت فَقَدْ تَرَكَ من تَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ هذا وَلَا أَعْلَمُ له حُجَّةً في تَرْكِهِ إلَّا ما ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادِ فقال لي فَلِذَلِكَ تَرَكْتَهُ فَقُلْت نعم فَأَنَا لم يَخْتَلِفْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ قَوْلِي في أَنَّهُ لَا أَذْهَبُ إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ إلَى أَنْ أَدَعَهُ لِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ مِمَّا خَالَفْنَا في لَبَنِ الْفَحْلِ وقد يُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ حَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان من النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ فَأَخَذْت بِأَظْهَرِ مَعَانِيهِ وَإِنْ أَمْكَنَ فيه بَاطِنٌ وَتَرَكْتُمْ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ روى عنه بِالْمَدِينَةِ وَلَوْ ذَهَبْت إلَى الْأَكْثَرِ وَتَرَكْت خَبَرَ الْوَاحِدِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما عَدَوْت ما قال الْأَكْثَرُ من الْمَدَنِيِّينَ أَنْ لَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْفَحْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْت حَدِيثَ اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ وقال الزُّهْرِيُّ وَإِنَّ نَاسًا لَيَقُولُونَ يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَالزُّهْرِيُّ قد جَمَعَ قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةَ بن الْمُسَيِّبِ وَمَنْ خَالَفَهُ فَخَرَجَ صَاحِبُكُمْ من جَمِيعِ ذلك وَهَذَا عِنْدَكُمْ كَالْإِجْمَاعِ ما هو دُونَهُ عِنْدَكُمْ إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ وَقُلْتُمْ قَوْلًا خَارِجًا من قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ وَأَقَاوِيلِ بَنِي آدَمَ وَذَلِكَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ مَرَّةً كما قال بن الْمُسَيِّبِ جِرَاحُهُ في ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ في الْمُوضِحَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ ما قال بن الْمُسَيِّبِ أُخْرَى فَقُلْتُمْ يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَيَكُونُ
____________________

(7/266)


فيها نَقْصُهُ فلم تَمْحَضُوا قَوْلَ وَاحِدٍ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمِ بن دِينَارٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةً فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَدَاقِهَا الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ وَحَفِظْنَا عن عُمَرَ قال في ثَلَاثِ قَبَضَاتٍ من زَبِيبٍ فَهُوَ مَهْرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لم تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ له أخبرنا بن أبي يحيى قال سَأَلْتُ رَبِيعَةَ كَمْ أَقَلَّ الصَّدَاقِ قال ما تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ فَقُلْت وَإِنْ كان دِرْهَمًا قال وَإِنْ كان نِصْفَ دِرْهَمٍ قُلْت وَإِنْ كان أَقَلَّ قال لو كان قَبْضَةَ حِنْطَةٍ أو حَبَّةَ حِنْطَةٍ قال فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخَبَرٌ عن عُمَرَ وَعَنْ بن الْمُسَيِّبِ وَعَنْ رَبِيعَةَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ كَالْإِجْمَاعِ وقد سَأَلْت الدَّرَاوَرْدِيَّ هل قال أَحَدٌ بِالْمَدِينَةِ لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ من رُبْعِ دِينَارٍ فقال لَا وَاَللَّهِ ما عَلِمْت أَحَدًا قَالَهُ قبل مَالِكٍ وقال الدَّرَاوَرْدِيُّ أَرَاهُ أَخَذَهُ عن أبي حَنِيفَةَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ فَهِمْت ما ذَكَرْت وما كُنْت أَذْهَبُ في الْعِلْمِ إلَّا إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فقال الشَّافِعِيُّ ما عَلِمْت أَحَدًا انْتَحَلَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَشَدَّ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْكُمْ وَلَوْ شِئْت أَنْ أَعُدَّ عَلَيْكُمْ ما أَمْلَأُ بِهِ وَرِقًا كَثِيرًا مِمَّا خَالَفْتُمْ فيه كَثِيرًا من أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ وَفِيمَا ذَكَرْت لَك ما دَلَّك على ما وَرَاءَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّ لنا كِتَابًا قد صِرْنَا إلَى اتِّبَاعِهِ وَفِيهِ ذِكْرٌ أَنَّ الناس اجْتَمَعُوا وَفِيهِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عليه عِنْدَنَا وَفِيهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ أَوْضَحْنَا لَكُمْ ما يَدُلُّكُمْ على أَنَّ ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ بِالْمَدِينَةِ وفي غَيْرِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وفي الْقَوْلِ الذي ادَّعَيْتُمْ فيه الْإِجْمَاعَ اخْتِلَافٌ وَأَكْثَرُ ما قُلْتُمْ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عليه مُخْتَلَفٌ فيه وَإِنْ شِئْتُمْ مَثَّلْت لَكُمْ شيئا أَجْمَعَ وَأَقْصَرَ وَأَحْرَى أَنْ تَحْفَظَهُ مِمَّا فَرَغْت منه قُلْت فَاذْكُرْ ذلك قال تَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ اجْتَمَعَ الناس أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ أَحَدَ عَشَرَ ليس في الْمُفَصَّلِ منها شَيْءٌ قُلْت نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رَوَيْتُمْ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَجَدَ في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ النبى سَجَدَ فيها وَأَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَمَرَ مُحَمَّدَ بن مَسْلَمَةَ مُرْ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَأَنَّ عُمَرَ سَجَدَ في النَّجْمِ قُلْت نعم وأن عُمَرَ وبن عُمَرَ سَجَدَا في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ قُلْت نعم قال فَقَدْ رَوَيْتُمْ السُّجُودَ في الْمُفَصَّلِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فَمَنْ الناس الَّذِينَ أَجْمَعُوا على السُّجُودِ دُونَ الْمُفَصَّلِ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ ينتهي إلَى أَقَاوِيلِهِمْ ما حَفِظْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ في كِتَابِكُمْ عن أَحَدٍ إلَّا سُجُودًا في الْمُفَصَّلِ وَلَوْ رَوَاهُ عن رَجُلٍ أو اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ ما جَازَ أَنْ يَقُولَ أَجْمَعَ الناس وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ قُلْت فَتَقُولُ أنت أَجْمَعَ الناس أَنَّ الْمُفَصَّلَ فيه سُجُودٌ قال لَا أَقُولُ اجْتَمَعُوا وَلَكِنْ أعزى ذلك إلَى من قَالَهُ وَذَلِكَ الصِّدْقُ وَلَا أدعى الْإِجْمَاعَ إلَّا حَيْثُ لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَفَتَرَى قَوْلَكُمْ اجْتَمَعَ الناس أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ ليس في الْمُفَصَّلِ منها شَيْءٌ يَصِحُّ لَكُمْ أَبَدًا قُلْت فَعَلَى أَيْ شَيْءٍ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قال على إن في الْمُفَصَّلِ سُجُودًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا على أَنَّ في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَهُمْ يَرْوُونَ ذلك عن عُمَرَ وبن عُمَرَ وَهَذَا مِمَّا أُدْخِلُ في قَوْلِهِ اجْتَمَعَ الناس لِأَنَّكُمْ لَا تَعُدُّونَ في الْحَجِّ إلَّا سَجْدَةً وَتَزْعُمُونَ أَنَّ الناس اجْتَمَعُوا على ذلك فَأَيُّ الناس يَجْتَمِعُونَ وهو يروى عن عُمَرَ وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا سَجَدَا في الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ أَوَتَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ احْتَجَجْتُمْ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ على من خَالَفَهُ وقد احْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَقُلْتُمْ أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يدعى على الرَّجُلِ الْحَقَّ أَلَيْسَ يَحْلِفُ له فَإِنْ لم يَحْلِفْ رَدَّ الْيَمِينَ على المدعى فَحَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ وَقُلْتُمْ هذا ما لَا شَكَّ فيه عِنْدَ أَحَدٍ من الناس وَلَا في بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فإذا أَقَرَّ بهذا فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وإنه لَيَكْتَفِي من هذا بِثُبُوتِ السُّنَّةِ وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يحب ( ( ( يجب ) ) ) أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ فَهَذَا تِبْيَانُ ما أَشْكَلَ من ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال بَلَى وَهَكَذَا نَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَفَتَعْرِفُونَ الَّذِينَ خَالَفُوكُمْ في اليمين ( ( ( اليمن ) ) )
____________________

(7/267)


مع الشَّاهِدِ يَقُولُونَ بِمَا قُلْتُمْ قُلْت مماذا ( ( ( ماذا ) ) ) قال أَتَعْرِفُونَهُمْ يُحَلِّفُونَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الْيَمِينَ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ قُلْت لَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْيَمِينَ أَبَدًا وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَدَّ الْيَمِينِ خَطَأٌ وَأَنَّ الْمُدَّعَى عليه إذَا نَكَلَ عن الْيَمِينِ أُخِذَ منه الْحَقُّ قُلْت بَلَى قال فَقَدْ رَوَيْتُمْ عليهم ما لَا يَقُولُونَ قُلْت نعم وَلَكِنْ لَعَلَّهُ زَلَلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أو يَجُوزُ الزلل ( ( ( لزلل ) ) ) في الرِّوَايَةِ عن الناس ثُمَّ عن الناس كَافَّةً وَإِنْ جَازَ الزَّلَلُ في الْأَكْثَرِ جَازَ في الْأَقَلِّ وَفِيمَا قُلْتُمْ الْمُجْتَمَعُ عليه وَقَوْلُكُمْ الْمُجْتَمَعُ عليه أَكْثَرُ من هذا الزَّلَلِ لِأَنَّكُمْ إذَا زَلِلْتُمْ في أَنْ تَرْوُوا عن الناس عَامَّةً فَعَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ من الناس كُلِّهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُكُمْ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ نكتفى منها بِثُبُوتِ السُّنَّةِ حُجَّةً عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَرْوُونَ فيها إلَّا حَدِيثَ جَعْفَرٍ عن أبيه مُنْقَطِعًا وَلَا تَرْوُونَ فيها حَدِيثًا يَصِحُّ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالزُّهْرِيُّ وَعُرْوَةُ يُنْكِرَانِهَا بِالْمَدِينَةِ وَعَطَاءٌ يُنْكِرُهَا بِمَكَّةَ فَإِنْ كانت تَثْبُتُ السُّنَّةُ فَلَنْ يَعْمَلَ بهذا أَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْتُمْ لَا تَحْفَظُونَ أَنَّ أَحَدًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمِلَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَإِنْ كُنْتُمْ ثَبَّتُّمُوهَا بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فيها وَإِنْ كُنْتُمْ ثَبَّتُّمُوهَا بِخَبَرٍ مُنْقَطِعٍ كان الْخَبَرُ الْمُتَّصِلُ أَوْلَى أَنْ نُثْبِتَهَا بِهِ قُلْت فَأَنْتَ تُثْبِتُهَا قال من غَيْرِ الطَّرِيقِ الذي ثَبَّتُّمُوهَا بِحَدِيثٍ مُتَّصِلٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا بعمل ( ( ( يعمل ) ) ) بِهِ وَلَا إجْمَاعَ وَلَوْ لم تَثْبُتْ إلَّا بِعَمَلٍ وَإِجْمَاعٍ كان بَعِيدًا من أَنْ تَثْبُتَ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ عليها بِقُرْآنٍ وَسُنَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَزَعَمْت أَنَّ ما أَشْكَلَ فِيمَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ مِمَّا رَوَيْتُمْ على الناس أَنَّهُمْ في الْبُلْدَانِ لَا يُخَالِفُونَ فيه وَاَلَّذِينَ يُخَالِفُونَكُمْ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ يَقُولُونَ نَحْنُ أَعْطَيْنَا بِالنُّكُولِ عن الْيَمِينِ فَبِالسُّنَّةِ أَعْطَيْنَا ليس في الْقُرْآنِ ذِكْرُ يَمِينٍ وَلَا نُكُولٌ عنها وَهَذَا سُنَّةٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ الشَّهَادَاتِ زَعَمْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ على أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالنُّكُولُ ليس في مَعْنَى الشَّهَادَاتِ وَاَلَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ عليهم لَيْسَتْ عليهم فيه حُجَّةٌ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ إنَّمَا الْحُجَّةُ عليهم في غَيْرِ ما احْتَجَجْتُمْ بِهِ وإذا احْتَجَجْتُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَهُوَ إشْكَالٌ ما بَانَ من الْحُجَّةِ لَا بيان ( ( ( يبان ) ) ) ما أَشْكَلَ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن عبد اللَّهِ بن الحرث إنْ لم أَكُنْ سَمِعْتُهُ من عبد اللَّهِ عن مَالِكِ بن أَنَسٍ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بن عَفَّانَ قَضَيَا في الْمِلْطَاةِ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن الثَّوْرِيِّ عن يَزِيدَ بن قُسَيْطٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ مثله أو مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأخبرنى من سمع بن نَافِعٍ يَذْكُرُ عن مَالِكٍ بهذا الْإِسْنَادِ مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَرَأْنَا على مَالِكٍ أَنَّا لم نَعْلَمْ أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ في الْقَدِيمِ وَلَا في الحديث أَفْتَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَنَفَيْتُمْ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ من الْأَئِمَّةِ في قَدِيمٍ أو حَدِيثٍ قَضَى دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ وَأَنْتُمْ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ تَرْوُونَ عن إمَامَيْنِ عَظِيمَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَضَيَا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ مُوَقَّتٍ وَلَسْت أَعْرِفُ لِمَنْ قال هذا مع رِوَايَتِهِ وَجْهًا ذَهَبَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وما عليه أَنْ يَسْكُتَ عن رِوَايَةِ ما رَوَى من هذا أو إذَا رَوَاهُ فلم يَكُنْ عِنْدَهُ كما رَوَاهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَذَلِكَ كَثِيرٌ في كِتَابِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ما قد أَخْبَرَ أَنَّهُ عَلِمَهُ أَرَأَيْت لو وَجَدَ كُلُّ وَالٍ من الدُّنْيَا شيئا تُرِكَ يقضى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ كان جَائِزًا له أَنْ يَقُولَ لم نَعْلَمْ أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ قضي فيها بِشَيْءٍ وقد روى عن إمَامَيْنِ عَظِيمَيْنِ من أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمَا قَضَيَا مع أَنَّهُ لم يُرْوَ عن أَحَدٍ من الناس إمَامٍ وَلَا أَمِيرٍ تَرَكَ أَنْ قَضَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ وَلَا نَجِدُ وقد رَوَيْنَا أَنْ زَيْدَ بن ثَابِتٍ قد قَضَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حتى في الدَّامِيَةِ فَإِنْ قال رَوَيْت فيه حَدِيثًا وَاحِدًا أَفَرَأَيْت جَمِيعَ ما ثَبَتَ مِمَّا أَخَذَ بِهِ إنَّمَا رَوَى فيه حَدِيثًا وَاحِدًا هل يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ يَثْبُتُ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ فلم
____________________

(7/268)


يَكُنْ له أَنْ يَقُولَ ما عَلِمْنَا أولا يَثْبُتُ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَدَعَ عَامَّةَ ما رَوَيْت وَثَبَتَ من حَدِيثٍ وَاحِدٍ قال سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ من أَيِّ شَيْءٍ يَجِبُ الْوُضُوءُ قال من أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ مُضْطَجِعًا أو يُحْدِثُ من ذَكَرٍ أو دُبُرٍ أو يُقَبِّلُ امْرَأَتَهُ أو يَلْمِسُهَا أو يَمَسُّ ذَكَرَهُ قُلْت فَهَلْ قال قَائِلٌ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) نعم قد قَرَأْنَا ذلك على صَاحِبِنَا وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَهُ قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنَّكُمْ مُجْمِعُونَ أَنَّكُمْ تَوَضَّئُونَ من مَسِّ الذَّكَرِ وَالْمَسِّ وَالْجَسِّ لِلْمَرْأَةِ فَقُلْت نعم قال فَتَعْلَمُ من أَهْلِ الدُّنْيَا خَلْقًا ينفى عن نَفْسِهِ أَنْ يُوجِبَ الْوُضُوءَ إلَّا من ثَلَاثٍ فَأَنْتَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ من اثْنَيْنِ أو ثَلَاثٍ سَوَاءٌ من اضْطَرَّكُمْ إلَى أَنْ تَقُولُوا هذا الذي لَا يُوجَدُ في قَوْلِ أَحَدٍ من بَنِي آدَمَ غَيْرِكُمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ثُمَّ تُؤَكِّدُونَهُ بِأَنْ تَقُولُوا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قال فَإِنْ كان الْأَمْرُ عِنْدَكُمْ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةَ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُمْ وَإِنْ كانت كَلِمَةً لَا مَعْنَى لها فَلِمَ تَكَلَّفْتُمُوهَا فما عَلِمْت قَبْلَك أَحَدًا تَكَلَّمَ بها وما كَلَّمْت مِنْكُمْ أَحَدًا قَطُّ فَرَأَيْته يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وما يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَجْهَلُوا إذَا كان يُوجَدُ فيه ما تَرَوْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/269)


272 @ 273 (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال لم أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَهُ الناس أو نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ في أَنْ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل اتِّبَاعَ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إلَّا اتِّبَاعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ ما سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى من بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا في قَبُولِ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ في أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ قَبُولُ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْكَلَامِ في تَثْبِيتِ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَفَرُّقًا مُتَبَايِنًا وَتَفَرَّقَ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ إلَى الْفِقْهِ فيه تَفَرُّقًا أَمَّا بَعْضُهُمْ فَقَدْ أَكْثَرَ من التَّقْلِيدِ وَالتَّخْفِيفِ من النَّظَرِ وَالْغَفْلَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ بِالرِّيَاسَةِ وَسَأُمَثِّلُ لَك من قَوْلِ كل فِرْقَةٍ عَرَفْتهَا مِثَالًا يَدُلُّ على ما وَرَاءَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * بَابُ حِكَايَةِ قَوْلِ الطَّائِفَةِ التي رَدَّتْ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لي قَائِلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِهِ أنت عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ من أنت منهم وَأَنْتَ أدري بِحِفْظِهِ وَفِيهِ لِلَّهِ فَرَائِضُ أَنْزَلَهَا لو شَكَّ شَاكٌّ قد تَلَبَّسَ عليه الْقُرْآنُ بِحَرْفٍ منها اسْتَتَبْته فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْته وقد قال عز وجل في الْقُرْآنِ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَكَيْفَ جَازَ عِنْدَ نَفْسِك أو لِأَحَدٍ في شَيْءٍ فَرَضَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً الْفَرْضُ فيه عَامٌّ وَمَرَّةً الْفَرْضُ فيه خَاصٌّ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فيه فَرْضٌ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فيه دَلَالَةٌ وَإِنْ شَاءَ ذُو إبَاحَةٍ وَأَكْثَرُ ما فَرَّقْت بَيْنَهُ من هذا عِنْدَك حَدِيثٌ تَرْوِيهِ عن رَجُلٍ عن آخر عن آخَرَ أو حَدِيثَانِ أو ثَلَاثَةٌ حتى تبلغ ( ( ( يبلغ ) ) ) بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد وَجَدْتُك وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك لَا تُبَرِّئُونَ أَحَدًا لَقِيتُمُوهُ وَقَدَّمْتُمُوهُ في الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَلَا أَحَدًا لَقِيت مِمَّنْ لَقِيتُمْ من أَنْ يَغْلَطَ وَيَنْسَى ويخطيء ( ( ( ويخطئ ) ) ) في حَدِيثِهِ بَلْ وَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ منهم أَخْطَأَ فُلَانٌ في حديث كَذَا وَفُلَانٌ في حديث كَذَا وَوَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لو قال رَجُلٌ لِحَدِيثٍ أَحْلَلْتُمْ بِهِ وَحَرَّمْتُمْ من عِلْمِ الْخَاصَّةِ لم يَقُلْ هذا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَخْطَأْتُمْ أو من حَدَّثَكُمْ وَكَذَبْتُمْ أو من حَدَّثَكُمْ لم تَسْتَتِيبُوهُ ولم تَزِيدُوهُ على أَنْ تَقُولُوا له بِئْسَمَا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين شَيْءٍ من أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ من سَمِعَهُ بِخَبَرِ من هو كما وَصَفْتُمْ فيه وَتُقِيمُونَ أَخْبَارَهُمْ مَقَامَ كِتَابِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُعْطُونَ بها وَتَمْنَعُونَ بها قال فَقُلْت إنَّمَا نعطى من وَجْهِ الإحاطه أو من جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بها كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ من بَعْضٍ قال وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت إعْطَائِي من الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ وَالْإِقْرَارُ أَقْوَى من الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى من إبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بها عَطَاءً وَاحِدًا فَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ قال وإذا قُمْتُمْ على أَنْ تَقْبَلُوا
____________________
1- * كِتَابُ جِمَاعِ الْعِلْمِ

(7/273)


أَخْبَارَهُمْ وَفِيهِمْ ما ذَكَرْت من أَمْرِكُمْ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِمْ وما حُجَّتُكُمْ فيه على من رَدَّهَا قال لَا أَقْبَلُ منها شيئا إذَا كان يُمْكِنُ فِيهِمْ الْوَهْمُ وَلَا أَقْبَلُ إلَّا ما أَشْهَدُ بِهِ على اللَّهِ كما أَشْهَدُ بِكِتَابِهِ الذي لَا يَسَعُ أَحَدًا الشَّكُّ في حَرْفٍ منه أو يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مَقَامَ الْإِحَاطَةِ وَلَيْسَ بها فَقُلْت له من عَلِمَ اللِّسَانَ الذي بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ اللَّهِ دَلَّهُ عِلْمُهُ بِهِمَا على قَبُولِ أَخْبَارِ الصَّادِقِينَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( 1 ) وَالْفَرْقُ بين ما دَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْفَرْقِ بَيْنَهُ من أَحْكَامِ اللَّهِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مَكَانُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اذ كُنْت لم تُشَاهِدْهُ خَبَرُ الْخَاصَّةِ وَخَبَرُ الْعَامَّةِ قال نعم قُلْت فَقَدْ رَدَدْتهَا إذْ كُنْت تَدِينُ بِمَا تَقُولُ قال أَفَتُوجِدنِي مِثْلَ هذا مِمَّا تَقُومُ بِذَلِكَ الْحُجَّةُ في قَبُولِ الْخَبَرِ فَإِنْ أَوْجَدْتَهُ كان أَزْيَدَ في إيضَاحِ حُجَّتِك وَأَثْبَتَ لِلْحُجَّةِ على من خَالَفَك وَأَطْيَبَ لِنَفْسِ من رَجَعَ عن قَوْلِهِ لِقَوْلِك فَقُلْت إنْ سَلَكْت سَبِيلَ النَّصَفَةِ كان في بَعْضِ ما قُلْت دَلِيلٌ على أَنَّك مُقِيمٌ من قَوْلِك على ما يَجِبُ عَلَيْك الِانْتِقَالُ عنه وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ قد طَالَتْ غَفْلَتُك فيه عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَغْفُلَ من أَمْرِ دِينِك قال فَاذْكُرْ شيئا إنْ حَضَرَك قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا منهم يَتْلُو عليهم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } قال فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ اللَّهِ فما الْحِكْمَةُ قُلْت سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ جُمْلَةً وَالْحِكْمَةَ خَاصَّةً وَهِيَ أَحْكَامُهُ قُلْت تعنى بِأَنْ يُبَيِّنَ لهم عن اللَّهِ عز وجل مِثْلَ ما بَيَّنَ لهم في جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ من الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ اللَّهُ قد أَحْكَمَ فَرَائِضَ من فَرَائِضِهِ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّهُ لَيَحْتَمِلُ ذلك قُلْت فَإِنْ ذَهَبْتَ هذا الْمَذْهَبَ فَهِيَ في مَعْنَى الْأَوَّلِ قَبْلَهُ الذي لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنْ ذَهَبْت مَذْهَبَ تَكْرِيرِ الْكَلَامِ قُلْت وَأَيُّهُمْ أَوْلَى بِهِ إذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ أو شيئا وَاحِدًا قال يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا كما وَصَفْت كِتَابًا وَسُنَّةً فَيَكُونَا شَيْئَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا شيئا وَاحِدًا قُلْت فَأَظْهَرُهُمَا أُولَاهُمَا وفي الْقُرْآنِ دَلَالَةٌ على ما قُلْنَا وَخِلَافُ ما ذَهَبْتَ إلَيْهِ قال وَأَيْنَ هِيَ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاذْكُرْنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ من آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إنَّ اللَّهَ كان لَطِيفًا خَبِيرًا } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُتْلَى في بُيُوتِهِنَّ شَيْئَانِ قال ( ( ( قبل ) ) ) فَهَذَا الْقُرْآنُ يُتْلَى فَكَيْفَ تُتْلَى الْحِكْمَةُ قُلْت إنَّمَا مَعْنَى التِّلَاوَةِ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كما يَنْطِقُ بها قال فَهَذِهِ أَبْيَنُ في أَنَّ الْحِكْمَةَ غَيْرُ الْقُرْآنِ من الْأُولَى وَقُلْت افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقال اللَّهُ عز وجل { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال ما من شَيْءٍ أَوْلَى بِنَا أَنْ نَقُولَهُ في الْحِكْمَةِ من أنها سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كان بَعْضُ أَصْحَابِنَا قال إنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحِكْمَتِهِ إنَّمَا هو مِمَّا أَنْزَلَهُ لَكَانَ من لم يُسْلِمْ له أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت لقد فَرَضَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فقال { وما آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا } قال إنَّهُ لَبَيِّنٌ في التَّنْزِيلِ أَنَّ عَلَيْنَا فَرْضًا أَنْ نَأْخُذَ
____________________

(7/274)


الذي أَمَرَنَا بِهِ وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قُلْت وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا وَعَلَى من هو قَبْلَنَا وَمَنْ بَعْدَنَا وَاحِدٌ قال نعم فَقُلْت فَإِنْ كان ذلك عَلَيْنَا فَرْضًا في اتِّبَاعِ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنُحِيطُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا شيئا فَقَدْ دَلَّنَا على الْأَمْرِ الذي يُؤْخَذُ بِهِ فَرْضُهُ قال نعم قُلْت فَهَلْ تَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ اللَّهِ عز وجل في اتِّبَاعِ أَوَامِرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو أَحَدٍ قَبْلَك أو بَعْدَك مِمَّنْ لم يُشَاهِدْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ في أَنْ لَا آخُذَ ذلك إلَّا بِالْخَبَرِ لِمَا دَلَّنِي على أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ على أَنْ أَقْبَلَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَقُلْت له أَيْضًا يَلْزَمُك هذا في نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ قال فَاذْكُرْ منه شيئا قُلْت قال اللَّهُ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } وقال في الْفَرَائِضِ { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } فَزَعَمْنَا بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ نَسَخَتْ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَلَوْ كنا مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْخَبَرَ فقال قَائِلٌ الْوَصِيَّةُ نَسَخَتْ الْفَرَائِضَ هل نَجِدُ الْحُجَّةَ عليه إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هذا شَبِيهٌ بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحُجَّةُ لَك ثَابِتَةٌ بِأَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد صِرْت إلَى أَنَّ قَبُولَ الْخَبَرِ لَازِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْت وما في مِثْلِ مَعَانِيهِ من كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسَتْ تَدْخُلُنِي أَنَفَةٌ من إظْهَارِ الِانْتِقَالِ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى غَيْرِهِ إذَا بَانَتْ الْحُجَّةُ فيه بَلْ أَتَدَيَّنُ بِأَنَّ عَلَيَّ الرُّجُوعَ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى ما رَأَيْتُهُ الْحَقَّ وَلَكِنْ أَرَأَيْت الْعَامَّ في الْقُرْآنِ كَيْفَ جَعَلْتَهُ عَامًّا مَرَّةً وَخَاصًّا أُخْرَى قُلْت له لِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ وقد تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ فَيَبِينُ في لَفْظِهَا وَلَسْت أَصِيرُ في ذلك بِخَبَرٍ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ في الْقُرْآنِ فَبَيَّنَّ في الْقُرْآنِ مَرَّةً وفي السُّنَّةِ أُخْرَى قال فَاذْكُرْ منها شيئا قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْءٍ } فَكَانَ مُخْرِجًا بِالْقَوْلِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وقال { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فَكُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٌ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَهَذَا عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَفِيهِ الْخُصُوصُ وقال { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فَالتَّقْوَى وَخِلَافُهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ وقال { يا أَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا له } وقد أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّ كُلَّ الناس في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُونُوا يَدْعُونَ من دُونِهِ شيئا لِأَنَّ فِيهِمْ الْمُؤْمِنَ وَمَخْرَجُ الْكَلَامِ عَامًّا فَإِنَّمَا أُرِيدَ من كان هَكَذَا وقال { وَاسْأَلْهُمْ عن الْقَرْيَةِ التي كانت حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ } دَلَّ على أَنَّ الْعَادِينَ فيه أَهْلُهَا دُونَهَا وَذَكَرْت له أَشْيَاءَ مِمَّا كَتَبْت في كتابى فقال هو كما قُلْت كُلُّهُ وَلَكِنْ بَيِّنْ لي الْعَامَّ الذي لَا يُوجَدُ في كِتَابِ اللَّهِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ قُلْت فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ أَلَسْت تَجِدُهَا على الناس عَامَّةً قال بَلَى قُلْت وَتَجِدُ الْحِيَضَ مُخْرِجَاتٍ منه قال نعم وَقُلْت وَتَجِدُ الزَّكَاةَ على الْأَمْوَالِ عَامَّةً وَتَجِدُ بَعْضَ الْأَمْوَالِ مُخْرَجًا منها قال بَلَى قُلْت وَتَجِدُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَةً بِالْفَرَائِضِ قال نعم قُلْت وَفَرْضُ الْمَوَارِيثِ لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْوَلَدِ عَامًّا ولم يُوَرِّثْ الْمُسْلِمُونَ كَافِرًا من مُسْلِمٍ وَلَا عَبْدًا من حُرٍّ وَلَا قَاتِلًا مِمَّنْ قَتَلَ بِالسُّنَّةِ قال نعم وَنَحْنُ نَقُولُ بِبَعْضِ هذا فَقُلْت فما دَلَّكَ على هذا قال السُّنَّةُ لِأَنَّهُ ليس فيه نَصُّ قُرْآنٍ قُلْت فَقَدْ بَانَ لَك في أَحْكَامِ اللَّهِ تعالي في كِتَابِهِ فَرْضُ اللَّهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَالْمَوْضِعُ الذي وَضَعَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ من الْإِبَانَةِ عنه ما أَنْزَلَ خَاصًّا وَعَامًّا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا قال نعم وما زِلْت أَقُولُ بِخِلَافِ هذا حتى بَانَ لي خَطَأُ من ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ وَلَقَدْ ذَهَبَ فيه أُنَاسٌ مَذْهَبَيْنِ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ لَا يَقْبَلُ خَبَرًا وفي كِتَابِ اللَّهِ الْبَيَانُ قُلْت فما لَزِمَهُ قال أفضي بِهِ عَظِيمٌ إلَى عَظِيمٍ من الْأَمْرِ فقال من جاء بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ صَلَاةٍ وَأَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ زَكَاةٍ فَقَدْ أَدَّى ما عليه لَا وَقْتَ في ذلك
____________________

(7/275)


وَلَوْ صلى رَكْعَتَيْنِ في كل يَوْمٍ أو قال في كل أَيَّامٍ وقال ما لم يَكُنْ فيه كِتَابُ اللَّهِ فَلَيْسَ على أَحَدٍ فيه فَرْضٌ وقال غَيْرُهُ ما كان فيه قُرْآنٌ يُقْبَلُ فيه الْخَبَرُ فقال بِقَرِيبٍ من قَوْلِهِ فِيمَا ليس فيه قُرْآنٌ فَدَخَلَ عليه ما دخل على الْأَوَّلِ أو قَرِيبٌ منه وَدَخَلَ عليه أَنْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بَعْدَ رَدِّهِ وَصَارَ إلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ نَاسِخًا وَلَا مَنْسُوخًا وَلَا خَاصًّا وَلَا عَامًّا وَالْخَطَأَ قال وَمَذْهَبُ الضَّلَالِ في هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَاضِحٌ لَسْت أَقُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ هل من حُجَّةٍ في أَنْ تُبِيحَ الْمُحَرَّمَ بِإِحَاطَةٍ بِغَيْرِ إحَاطَةٍ قُلْت نعم قال ما هو قُلْت ما تَقُولُ في هذا لِرَجُلٍ إلى ( ( ( أجنبي ) ) ) جنبي أَمُحَرَّمُ الدَّمِ وَالْمَالِ قال نعم قُلْت فَإِنْ شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَأَخَذَ مَالَهُ فَهُوَ هذا الذي في يَدَيْهِ قال أَقْتُلُهُ قَوَدًا وَأَدْفَعُ مَالَهُ الذي في يَدَيْهِ إلَى وَرَثَةِ الْمَشْهُودِ له قال قُلْت أَوَيُمْكِنُ في الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِالْكَذِبِ وَالْغَلَطِ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ أَبَحْتَ الدَّمَ وَالْمَالَ الْمُحَرَّمَيْنِ بِإِحَاطَةٍ بِشَاهِدَيْنِ وَلَيْسَا بِإِحَاطَةٍ قال أُمِرْت بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ قُلْت أَفَتَجِدُ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَصًّا أَنْ تَقْبَلَ الشَّهَادَةَ على الْقَتْلِ قال لَا وَلَكِنْ اسْتِدْلَالًا أَنِّي لَا أُؤْمَرُ بها إلَّا بِمَعْنًى قُلْت أَفَيَحْتَمِلُ ذلك الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لِحُكْمٍ غَيْرِ الْقَتْلِ ما كان الْقَتْلُ يَحْتَمِلُ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ قال فإن الْحُجَّةَ في هذا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا أَنَّ الْقَتْلَ بِشَاهِدَيْنِ قُلْنَا الْكِتَابُ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَى ما أَجْمَعُوا عليه وَأَنْ لَا تخطيء ( ( ( تخطئ ) ) ) عَامَّتُهُمْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَقُلْت له أَرَاك قد رَجَعْت إلَى قَبُولِ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْإِجْمَاعُ دُونَهُ قال ذلك الْوَاجِبُ على وَقُلْت له نحدك ( ( ( نجدك ) ) ) إذًا أَبَحْت الدَّمَ وَالْمَالَ الْمُحَرَّمَيْنِ بِإِحَاطَةٍ بِشَهَادَةٍ وَهِيَ غَيْرُ إحَاطَةٍ قال كَذَلِكَ أُمِرْت قُلْت فَإِنْ كُنْت أُمِرْت بِذَلِكَ على صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ في الظَّاهِرِ فَقَبِلْتَهُمَا على الظَّاهِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ وَإِنَّا لَنَطْلُبُ في الْمُحَدِّثِ أَكْثَرَ مِمَّا نَطْلُبُ في الشَّاهِدِ فَنُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَشَرِ لَا نَقْبَلُ حَدِيثَ وَاحِدٍ منهم وَنَجِدُ الدَّلَالَةَ على صِدْقِ الْمُحَدِّثِ وَغَلَطِهِ مِمَّنْ شَرِكَهُ من الْحُفَّاظِ وَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَفِي هذا دَلَالَاتٌ وَلَا يُمْكِنُ هذا في الشَّهَادَاتِ قال فَأَقَامَ على ما وَصَفْت من التَّفْرِيقِ في رَدِّ الْخَبَرِ وَقَبُولِ بَعْضِهِ مَرَّةً وَرَدِّ مِثْلِهِ أُخْرَى مع ما وَصَفْت من بَيَانِ الْخَطَأِ فيه وما يَلْزَمُهُمْ من اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِمْ وَفِيمَا وَصَفْنَا ها هنا وفي الْكِتَابِ قبل هذا دَلِيلٌ على الْحُجَّةِ عليهم وَعَلَى غَيْرِهِمْ فقال لي قد قَبِلْت مِنْك أَنْ أَقْبَلَ الْخَبَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَلِمْت أَنَّ الدَّلَالَةَ على مَعْنَى ما أَرَادَ بِمَا وَصَفْت من فَرْضِ اللَّهِ طَاعَتَهُ فَأَنَا إذَا قَبِلْت خَبَرَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت ما أَجْمَعَ عليه الْمُسْلِمُونَ فلم يَخْتَلِفُوا فيه وَعَلِمْت ما ذَكَرْت من أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ إلَّا على حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت ما لم نَجِدْهُ نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا أَسْمَعُك تَسْأَلُ عنه فَتُجِيبُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ وَإِبْطَالِهِ من أَيْنَ وَسِعَك الْقَوْلُ بِمَا قُلْت منه وأني ( ( ( وأتى ) ) ) لَك بِمَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ فيه وَهَلْ تَقُولُ فيه اجْتِهَادًا على عَيْنٍ مَطْلُوبَةٍ غَائِبَةٍ عَنْك أو تَقُولُ فيه مُتَعَسِّفًا فَمَنْ أَبَاحَ لَك أَنْ تُحِلَّ وَتُحَرِّمَ وَتُفَرِّقَ بِلَا مِثَالٍ مَوْجُودٍ تحتذى عليه فَإِنْ أَجَزْت ذلك لِنَفْسِك جَازَ لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ بِمَا خَطَرَ على قَلْبِهِ بِلَا مِثَالٍ يَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ تُوجَدُ عليه يَعْرِفُ بها خَطَؤُهُ من صَوَابِهِ فَأَيْنَ من هذا إنْ قَدَّرْت ما تَقُومُ لَك بِهِ الْحُجَّةُ وَإِلَّا كان قَوْلُك بِمَا لَا حُجَّةَ لَك فيه مَرْدُودًا عَلَيْك فَقُلْت له ليس لي وَلَا لِعَالِمٍ أَنْ يَقُولَ في إبَاحَةِ شَيْءٍ وَلَا حَظْرِهِ وَلَا أَخْذِ شَيْءٍ من أَحَدٍ وَلَا إعْطَائِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ ذلك نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو خَبَرٍ يَلْزَمُ فما لم يَكُنْ دَاخِلًا في وَاحِدٍ من هذه الْأَخْبَارِ فَلَا يَجُوزُ لنا أَنْ نَقُولَهُ بِمَا اسْتَحْسَنَّا وَلَا بِمَا خَطَرَ على قُلُوبِنَا وَلَا نَقُولُهُ إلَّا قِيَاسًا على اجْتِهَادٍ بِهِ ( 1 ) على طَلَبِ الْأَخْبَارِ اللَّازِمَةِ وَلَوْ جَازَ لنا أَنْ نَقُولَهُ على غَيْرِ مِثَالٍ من قِيَاسٍ يُعْرَفُ بِهِ الصَّوَابُ من الْخَطَأِ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ
____________________

(7/276)


يَقُولَ مَعَنَا بِمَا خَطَرَ على بَالِهِ وَلَكِنْ عَلَيْنَا وَعَلَى أَهْلِ زَمَانِنَا أَنْ لَا نَقُولَ إلَّا من حَيْثُ وَصَفْت فقال الذي أَعْرِفُ أَنَّ الْقَوْلَ عَلَيْك ضَيِّقٌ إلَّا بِأَنْ يَتَّسِعَ قِيَاسًا كما وَصَفْت وَلِي عَلَيْك مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَذْكُرَ الْحُجَّةَ في أَنَّ لَك أَنْ تَقِيسَ وَالْقِيَاسُ بِإِحَاطَةٍ كَالْخَبَرِ إنَّمَا هو اجْتِهَادٌ فَكَيْفَ ضَاقَ أَنْ تَقُولَ على غَيْرِ قِيَاسٍ وَاجْعَلْ جَوَابَك فيه أَخْصَرَ ما يَحْضُرُك قُلْت إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَالتَّبْيِينُ من وُجُوهٍ منها ما بَيَّنَ فَرْضَهُ فيه وَمِنْهَا ما أَنْزَلَهُ جُمْلَةً وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ في طَلَبِهِ وَدَلَّ على ما يُطْلَبُ بِهِ بِعَلَامَاتٍ خَلَقَهَا في عِبَادِهِ دَلَّهُمْ بها على وَجْهِ طَلَبِ ما افْتَرَضَ عليهم فإذا أَمَرَهُمْ بِطَلَبِ ما افْتَرَضَ دلك ( ( ( ذلك ) ) ) ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على دَلَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الطَّلَبَ لَا يَكُونُ إلَّا مَقْصُودًا بِشَيْءٍ أَنْ يَتَوَجَّهَ له لَا أَنْ يَطْلُبَهُ الطَّالِبُ مُتَعَسِّفًا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ كَلَّفَهُ بِالِاجْتِهَادِ في التَّأَخِّي لِمَا أَمَرَهُ بِطَلَبِهِ قال فَاذْكُرْ الدَّلَالَةَ على ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { قد نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَشَطْرُهُ قَصْدُهُ وَذَلِكَ تِلْقَاؤُهُ قال أَجَلْ قُلْت وقال { وهو الذي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بها في ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ } وقال ( 1 ) { وَسَخَّرَ لَكُمْ الليل ( ( ( النجوم ) ) ) وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ والنجوم } وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَيْثُ وَضَعَهُ من أَرْضِهِ فَكَلَّفَ خَلْقَهُ التَّوَجُّهَ إلَيْهِ فَمِنْهُمْ من يَرَى الْبَيْتَ فَلَا يَسَعُهُ إلَّا الصَّوَابُ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ وَمِنْهُمْ من يَغِيبُ عنه وَتَنْأَى دَارُهُ عن مَوْضِعِهِ فَيَتَوَجَّهُ إلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالرِّيَاحُ وَالْجِبَالُ وَالْمَهَابُّ كُلُّ هذا قد يُسْتَعْمَلُ في بَعْضِ الْحَالَاتِ وَيَدُلُّ فيها ويستغنى بَعْضُهَا عن بَعْضٍ قال هذا كما وَصَفْت وَلَكِنْ على إحَاطَةٍ أنت من أَنْ تَكُونَ إذَا تَوَجَّهْت أَصَبْت قُلْت أَمَّا على إحَاطَةٍ من أَنِّي إذَا تَوَجَّهْت أَصَبْت ما أُكَلَّفُ وَإِنْ لم أُكَلَّفْ أَكْثَرَ من هذا فَنَعَمْ قال أَفَعَلَى إحَاطَةٍ أنت من صَوَابِ الْبَيْتِ بِتَوَجُّهِك قُلْت أَفَهَذَا شَيْءٌ كُلِّفْت الْإِحَاطَةَ في أَصْلِهِ الْبَيْتُ وَإِنَّمَا كُلِّفْت الِاجْتِهَادَ قال فما كُلِّفْت قُلْت التَّوَجُّهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَدْ جِئْت بِالتَّكْلِيفِ وَلَيْسَ يَعْلَمُ الْإِحَاطَةَ بِصَوَابِ مَوْضِعِ الْبَيْتِ آدمى إلَّا بِعِيَانٍ فَأَمَّا ما غَابَ عنه من عَيْنِهِ فَلَا يُحِيطُ بِهِ آدمى قال فَنَقُولُ أَصَبْت قُلْت نعم على مَعْنَى ما قُلْت أَصَبْت على ما أُمِرْت بِهِ فقال ما يَصِحُّ في هذا جَوَابٌ أَبَدًا غير ما أَجَبْت بِهِ وَإِنَّ من قال كُلِّفْت الْإِحَاطَةَ بِأَنْ أُصِيبَ لَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا أَنْ يُحِيطَ بِأَنْ يُصِيبَ أَبَدًا وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَيَدُلُّ كما وَصَفْت على أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالتَّوَجُّهُ هو التَّأَخِّي وَالِاجْتِهَادُ لَا الْإِحَاطَةُ فقال اُذْكُرْ غير هذا إنْ كان عِنْدَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ } على الْمِثْلِ يَجْتَهِدَانِ فيه لِأَنَّ الصِّفَةَ تَخْتَلِفُ فَتَصْغُرُ وَتَكْبُرُ فما أَمَرَ الْعَدْلَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِالْمِثْلِ إلَّا على الِاجْتِهَادِ ولم يَجْعَلْ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا حتى أَمَرَهُمَا بِالْمِثْلِ وَهَذَا يَدُلُّ ما دَلَّتْ عليه الْآيَةُ قَبْلَهُ من أَنَّهُ مَحْظُورٌ عليه إذَا كان في الْمِثْلِ اجْتِهَادٌ أَنْ يَحْكُمَ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا على الْمِثْلِ ولم يُؤْمَرْ فيه وَلَا في الْقِبْلَةِ إذَا كانت مُغَيَّبَةً عنه فَكَانَ على غَيْرِ إحَاطَةٍ من أَنْ يُصِيبَهَا بِالتَّوَجُّهِ أَنْ يَكُونَ يصلى حَيْثُ شَاءَ من غَيْرِ اجْتِهَادٍ بِطَلَبِ الدَّلَائِلِ فيها وفي الصَّيْدِ مَعًا وَيَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ في شَيْءٍ من الْعِلْمِ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَالِاجْتِهَادُ فيه كَالِاجْتِهَادِ في طَلَبِ الْبَيْتِ في الْقِبْلَةِ وَالْمِثْلِ في الصَّيْدِ وَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ إلَّا لِمَنْ عَرَفَ الدَّلَائِلَ عليه من خَبَرٍ لَازِمٍ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ ثُمَّ يَطْلُبُ ذلك بِالْقِيَاسِ عليه بِالِاسْتِدْلَالِ بِبَعْضِ ما وَصَفْت كما يَطْلُبُ ما غَابَ عنه من الْبَيْتِ وَاشْتَبَهَ عليه من مِثْلِ الصَّيْدِ فَأَمَّا من لَا آلَةَ فيه فَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَقُولَ في الْعِلْمِ شيئا وَمَثَلُ هذا إن اللَّهَ شَرَطَ الْعَدْلَ بِالشُّهُودِ وَالْعَدْلُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَالْعَقْلَ لِلشَّهَادَةِ فإذا ظَهَرَ لنا هذه قَبِلْنَا شَهَادَةَ الشَّاهِدِ على الظَّاهِرِ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَسْتَبْطِنُ خِلَافَهُ وَلَكِنْ لم نُكَلَّفْ الْمَغِيبَ فلم يُرَخَّصْ لنا إذَا كنا على غَيْرِ إحَاطَةٍ من أَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ أَنْ نُجِيزَ شَهَادَةَ من جَاءَنَا إذَا لم يَكُنْ فيه عَلَامَاتُ الْعَدْلِ
____________________

(7/277)


هذا يَدُلُّ على ما دَلَّ عليه ما قَبْلَهُ وَبَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ في الْعِلْمِ بِغَيْرِ ما وَصَفْنَا قال أَفَتُوجَدُ نِيَّةٌ بِدَلَالَةٍ مِمَّا يَعْرِفُ الناس فَقُلْت نعم قال وما هِيَ قُلْت أَرَأَيْت الثَّوْبَ يُخْتَلَفُ في عَيْبِهِ وَالرَّقِيقَ وَغَيْرَهُ من السِّلَعِ من يُرِيهِ الْحَاكِمَ لِيُقَوِّمَهُ قال لَا يُرِيهِ إلَّا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ قُلْت لِأَنَّ حَالَهُمْ مُخَالِفَةٌ حَالَ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِأَنْ يَعْرِفُوا أَسْوَاقَهُ يوم يَرَوْنَهُ وما يَكُونُ فيه عَيْبًا يُنْقِصُهُ وما لَا يُنْقِصُهُ قال نعم قُلْت وَلَا يَعْرِفُ ذلك غَيْرُهُمْ قال نعم قُلْت وَمَعْرِفَتُهُمْ فيه الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَقِيسُوا الشَّيْءَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ على سُوقِ يومها ( ( ( سومها ) ) ) قال نعم قُلْت وَقِيَاسُهُمْ اجْتِهَادٌ لَا إحَاطَةٌ قال نعم قُلْت فَإِنْ قال غَيْرُهُمْ من أَهْلِ الْعُقُولِ نَحْنُ نَجْتَهِدُ إذْ كُنْت على غَيْرِ إحَاطَةٍ من أَنَّ هَؤُلَاءِ أَصَابُوا أَلَيْسَ تَقُولُ لهم إنَّ هَؤُلَاءِ يَجْتَهِدُونَ عَالِمِينَ وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ جَاهِلًا فَأَنْتَ مُتَعَسِّفٌ فقال ما لهم جَوَابٌ غَيْرُهُ وَكَفَى بهذا جَوَابًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قُلْت وَلَوْ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ إذَا كنا على غَيْرِ إحَاطَةٍ فَنَحْنُ نَقُولُ فيه على غَيْرِ قِيَاسٍ وَنَكْتَفِي في الظَّنِّ بِسِعْرِ الْيَوْمِ وَالتَّأَمُّلِ لم يَكُنْ ذلك لهم قال نعم قُلْت فَهَذَا من ليس بِعَالِمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِمَا قال الْعُلَمَاءُ وَعَاقِلٌ ليس له أَنْ يَقُولَ من جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالْوَقْفِ في النَّظَرِ وَلَوْ جَازَ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ فيه جَازَ لِلْجَاهِلِينَ أَنْ يَقُولُوا ثُمَّ لَعَلَّهُمْ أَعْذَرُ بِالْقَوْلِ فيه لِأَنَّهُ يَأْتِي الْخَطَأَ عَامِدًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَيَأْتُونَهُ جَاهِلِينَ قال أَفَتُوجِدُنِي حُجَّةً في غَيْرِ ما وَصَفْت أَنَّ لِلْعَالِمِينَ أَنْ يَقُولُوا قُلْت نعم قال فَاذْكُرْهَا قُلْت لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ من مَضَى من سَلَفِنَا وَالْقُرُونِ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ كنا قد حَكَمَ حَاكِمُهُمْ وَأَفْتَى مُفْتِيهِمْ في أُمُورٍ ليس فيها نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا اجْتِهَادًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال أَفَتُوجِدنِي هذا من سُنَّةٍ قُلْت نعم أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ بن أبي عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فأخطا فَلَهُ أَجْرٌ وقال يَزِيدُ بن الْهَادِ فَحَدَّثْتُ بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن مُحَمَّدٍ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَأَسْمَعُك تَرْوِي فإذا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ - * بَابُ حِكَايَةِ قَوْلِ من رَدَّ خَبَرَ الْخَاصَّةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فَوَافَقَنَا طَائِفَةٌ في أَنَّ تَثْبِيتَ الْأَخْبَارِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَرَأَوْا ما حَكَيْت مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ على من رَدَّ الْخَبَرَ حُجَّةً يُثْبِتُونَهَا وَيُضَيِّقُونَ على كل أَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهَا ثُمَّ كَلَّمَنِي جَمَاعَةٌ منهم مُجْتَمَعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ بِمَا لَا أَحْفَظُ أَنْ أحكى كَلَامَ الْمُنْفَرِدِ عَنْهُمْ منهم وَكَلَامَ الْجَمَاعَةِ وَلَا ما أَجَبْت بِهِ كُلًّا وَلَا أَنَّهُ قِيلَ لي وقد جَهَدْت على تَقَصِّي كل ما احْتَجُّوا بِهِ فَأَثْبَتُّ أَشْيَاءَ قد قُلْتهَا وَلِمَنْ قُلْتهَا منهم وَذَكَرْت بَعْضَ ما أَرَاهُ منه يَلْزَمُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ قال فَكَانَتْ جُمْلَةُ قَوْلِهِمْ أَنْ قالوا لَا يَسَعُ أَحَدًا من الْحُكَّامِ وَلَا من الْمُفْتِينَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَحْكُمَ إلَّا من جِهَةِ الْإِحَاطَةِ وَالْإِحَاطَةُ كُلُّ ما عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ في الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ يَشْهَدُ بِهِ على اللَّهِ وَذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عليها وَكُلُّ ما اجْتَمَعَ الناس ولم يَفْتَرِقُوا فيه فَالْحُكْمُ كُلُّهُ وَاحِدٌ يَلْزَمُنَا أَنْ لَا نَقْبَلَ منهم إلَّا ما قُلْنَا مِثْلَ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّ ذلك الذي لَا مُنَازِعَ فيه وَلَا دَافِعَ له من الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسَعُ أَحَدًا يَشُكَّ فيه قُلْت له لَسْت أَحْسَبُهُ يَخْفَى عَلَيْك وَلَا على أَحَدٍ حَضَرَك أَنَّهُ لَا يُوجَدُ في عِلْمِ الْخَاصَّةِ ما يُوجَدُ في عِلْمِ الْعَامَّةِ قال وَكَيْفَ قُلْت عِلْمُ الْعَامَّةِ على ما وَصَفْت لَا تَلْقَى أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ إلَّا وَجَدْت عِلْمَهُ عِنْدَهُ وَلَا يَرُدُّ منها أَحَدٌ شيئا على أَحَدٍ فيه كما وَصَفْت في جُمَلِ الْفَرَائِضِ وَعَدَدِ الصَّلَوَاتِ وما أَشْبَهَهَا وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ عِلْمُ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ من بَعْدِهِمْ إلَى من لَقِيت تَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُهُمْ وَتَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فِيمَا ليس فيه نَصُّ كِتَابٍ يَتَأَوَّلُونَ فيه ولم يَذْهَبُوا إلَى الْقِيَاسِ فَيَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ الِاخْتِلَافَ فإذا اخْتَلَفُوا فَأَقَلُّ ما عِنْدَ الْمُخَالِفِ لِمَنْ أَقَامَ عليه
____________________

(7/278)


خِلَافَهُ أَنَّهُ مخطيء ( ( ( مخطئ ) ) ) عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ هو عِنْدَ من خَالَفَهُ وَلَيْسَتْ هَكَذَا الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى وما قِيلَ قِيَاسًا فامكن في الْقِيَاسِ أَنْ يُخْطِئَ الْقِيَاسُ لم يَجُزْ عِنْدَك أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ إحَاطَةً وَلَا يَشْهَدُ بِهِ كُلِّهِ على اللَّهِ كما زَعَمْت فَذَكَرْت أَشْيَاءَ تَلْزَمُهُ عِنْدِي سِوَى هذا فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ دَعْ الْمَسْأَلَةَ في هذا وَعِنْدَنَا أَنَّهُ قد يَدْخُلُ عليه كَثِيرٌ مِمَّا أَدْخَلْت عليه وَلَا يَدْخُلُ عليه كُلِّهِ قال فَأَنَا أُحَدِّثُ لَك غير ما قال قُلْت فَاذْكُرْهُ قال الْعِلْمُ من وُجُوهٍ منها ما نَقَلَتْهُ عَامَّةٌ عن عَامَّةٍ أَشْهَدُ بِهِ على اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ مِثْلَ جُمَلِ الْفَرَائِضِ قُلْت هذا الْعِلْمُ الْمُقَدَّمُ الذي لَا يُنَازِعُك فيه أَحَدٌ وَمِنْهَا كِتَابٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَيُخْتَلَفُ فيه فإذا اُخْتُلِفَ فيه فَهُوَ على ظَاهِرِهِ وَعَامِّهِ لَا يُصْرَفُ إلَى بَاطِنٍ أَبَدًا وَإِنْ احْتَمَلَهُ إلَّا بِإِجْمَاعٍ من الناس عليه فإذا تَفَرَّقُوا فَهُوَ على الظَّاهِرِ قال وَمِنْهَا ما اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه وَحَكَوْا عَمَّنْ قَبْلَهُمْ الِاجْتِمَاعَ عليه وَإِنْ لم يَقُولُوا هذا بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَقَدْ يَقُومُ عِنْدِي مَقَامَ السُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عليها وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ عن رَأْيٍ لِأَنَّ الرَّأْيَ إذَا كان تَفَرَّقَ فيه قُلْت فَصِفْ لي ما بَعْدَهُ قال وَمِنْهَا عِلْمُ الْخَاصَّةِ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِعِلْمِ الْخَاصَّةِ حتى يَكُونَ نَقْلُهُ من الْوَجْهِ الذي يُؤْمَنُ فيه الْغَلَطُ ثُمَّ آخِرُ هذا الْقِيَاسُ وَلَا يُقَاسُ منه الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ حتى يَكُونَ مُبْتَدَؤُهُ وَمَصْدَرُهُ وَمَصْرِفُهُ فِيمَا بين أَنْ يَبْتَدِئَ إلَى أَنْ ينقضى سَوَاءٌ فَيَكُونَ في مَعْنَى الْأَصْلِ وَلَا يَسَعُ التَّفَرُّقُ في شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت من سَبِيلِ الْعِلْمِ وَالْأَشْيَاءُ على أُصُولِهَا حتى تَجْتَمِعَ الْعَامَّةُ على إزَالَتِهَا عن أُصُولِهَا وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ على كل شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فيه الْخَطَأُ قال فَقُلْت أَمَّا ما ذَكَرْت من الْعِلْمِ الْأَوَّلِ من نَقْلِ الْعَوَامّ عن الْعَوَامّ فَكَمَا قُلْت أَفَرَأَيْت الثَّانِيَ الذي قُلْت لَا تَخْتَلِفُ فيه الْعَوَامُّ بَلْ تَجْتَمِعُ عليه وتحكى عَمَّنْ قَبْلَهَا الِاجْتِمَاعَ عليه أَتَعْرِفُهُ فَتَصِفُهُ أو تَعْرِفُ الْعَوَامَّ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ عن الْعَوَامّ أَهُمْ كَمَنْ قُلْت في جُمَلِ الْفَرَائِضِ فَأُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ وَمَنْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَا نَجِدُ أَحَدًا بَالِغًا في الْإِسْلَامِ غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ يَشُكُّ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ أَمْ هو وَجْهٌ غَيْرُ هذا قال بَلْ هو وَجْهٌ غَيْرُ هذا قُلْت فَصِفْهُ قال هذا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ دُونَ من لَا عِلْمَ له يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فيه لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ بِالْعِلْمِ دُونَهُمْ مُجْتَمِعُونَ عليه فإذا اجْتَمَعُوا قَامَتْ بِهِمْ الْحُجَّةُ على من لَا عِلْمَ له وإذا افْتَرَقُوا لم تَقُمْ بِهِمْ على أَحَدٍ حُجَّةٌ وكان الْحَقُّ فِيمَا تَفَرَّقُوا فيه أَنْ يُرَدَّ إلَى الْقِيَاسِ على ما اجْتَمَعُوا عليه فَأَيَّ حَالٍ وَجَدْتهمْ بها دَلَّتْنِي على حَالِ من قَبْلَهُمْ إنْ كَانُوا مُجْتَمَعِينَ من جِهَةٍ عَلِمْت أَنَّ من كان قَبْلَهُمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُجْتَمِعُونَ من كل قَرْنٍ لِأَنَّهُمْ ( 1 ) لَا يَجْتَمِعُونَ من جِهَةٍ فَإِنْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ عَلِمْت أَنَّ من كان قَبْلَهُمْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ من كل قَرْنٍ وَسَوَاءٌ كان اجْتِمَاعُهُمْ من خَبَرٍ يَحْكُونَهُ أو غَيْرِ خَبَرِ لِلِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ وَسَوَاءٌ إذَا تَفَرَّقُوا حَكَوْا خَبَرًا بِمَا وَافَقَ بَعْضَهُمْ أو لم يَحْكُوهُ لِأَنِّي لَا أَقْبَلُ من أَخْبَارِهِمْ إلَّا ما أَجْمَعُوا على قَبُولِهِ فَأَمَّا ما تَفَرَّقُوا في قَبُولِهِ فإن الْغَلَطَ يُمْكِنُ فيه فلم تَقُمْ حُجَّةٌ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ فيه الْغَلَطُ قال فَقُلْت له هذا تَجْوِيزُ إبْطَالِ الْأَخْبَارِ وَإِثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّك زَعَمْت أَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ كان فيه خَبَرٌ أو لم يَكُنْ فيه وَأَنَّ افْتِرَاقَهُمْ غَيْرُ حُجَّةٍ كان فيه خَبَرٌ أو لم يَكُنْ فيه وَقُلْت له وَمَنْ أَهْلُ الْعِلْمِ الذين ( ( ( الذي ) ) ) إذَا أَجْمَعُوا قَامَتْ بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةٌ قال هُمْ من نَصَّبَهُ أَهْلُ بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فَقِيهًا رَضُوا قَوْلَهُ وَقَبِلُوا حُكْمَهُ قُلْت فَمِثْلُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ إذَا أَجْمَعُوا كَانُوا حُجَّةً أَرَأَيْت إنْ كَانُوا عَشَرَةً فَغَابَ وَاحِدٌ أو حَضَرَ ولم يَتَكَلَّمْ أَتَجْعَلُ التِّسْعَةَ إذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً قال فَإِنْ قُلْت لَا قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أو غَلَبَ على عَقْلِهِ أَيَكُونُ لِلتِّسْعَةِ أَنْ يَقُولُوا قال فَإِنْ قُلْت نعم وَكَذَا لو مَاتَ خَمْسَةٌ أو تِسْعَةٌ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَقُولَ قال فَإِنْ قُلْت لَا قُلْت فَأَيَّ شَيْءٍ قُلْت فيه كان مُتَنَاقِضًا قال فَدَعْ هذا قُلْت فَقَدْ وَجَدْت أَهْلَ الْكَلَامِ مُنْتَشِرِينَ في أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ فَوَجَدْت كُلَّ فِرْقَةٍ منهم تُنَصِّبُ منها من تَنْتَهِي إلي قَوْلِهِ وَتَضَعُهُ الْمَوْضِعَ الذي وَصَفْت أَيَدْخُلُونَ في الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ لَا يُقْبَلُ من الْفُقَهَاءِ حتى يَجْتَمِعُوا
____________________

(7/279)


مَعَهُمْ أَمْ خَارِجُونَ منهم قال فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ قُلْت فَإِنْ شِئْت فَقُلْهُ قال فَقَدْ قُلْته قُلْت فما تَقُولُ في الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ قال فَإِنْ قُلْت لَا يَمْسَحُ أَحَدٌ لِأَنِّي إذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ رَدَدْته إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ الْوُضُوءُ قُلْت وَكَذَلِكَ تَقُولُ في كل شَيْءٍ قال نعم قُلْت فما تَقُولُ في الزَّانِي الثَّيِّبِ أَتَرْجُمُهُ قال نعم قُلْت كَيْفَ تَرْجُمُهُ وممن ( ( ( ومما ) ) ) نَصَّ بَعْضُ الناس علماء أَنْ لَا رَجْمَ على زَانٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَكَيْفَ تَرْجُمُهُ ولم تَرُدَّهُ إلَى الْأَصْلِ من أَنَّ دَمَهُ مُحَرَّمٌ حتى يَجْتَمِعُوا على تَحْلِيلِهِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ زَانٍ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْآيَةِ وَأَنْ يُجْلَدَ مِائَةً قال إنْ أَعْطَيْتُك هذا دخل على فيه شَيْءٌ يُجَاوِزُ الْقَدَرَ كَثْرَةً قلت أَجَلْ قال ( ( ( فقال ) ) ) فَلَا أُعْطِيك هذا وَأُجِيبُك فيه غير الْجَوَابِ الْأَوَّلِ قُلْت فَقُلْ قال لَا أَنْظُرُ إلَى قَلِيلٍ من الْمُفْتِينَ وَأَنْظُرُ إلَى الْأَكْثَرِ قُلْت أَفَتَصِفُ الْقَلِيلَ الَّذِينَ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِمْ أَهُمْ إنْ كَانُوا أَقَلَّ من نِصْفِ الناس أو ثُلُثِهِمْ أو رُبُعِهِمْ قال ما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحُدَّهُمْ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ قُلْت أَفَعَشْرَةٌ أَكْثَرُ من تِسْعَةٍ قال هَؤُلَاءِ مُتَقَارِبُونَ قُلْت فَحَدَّهُمْ بِمَا شِئْت قال ما أَقْدِرُ أَنْ أَحِدَّهُمْ قُلْت فَكَأَنَّك أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ هذا الْقَوْلَ مُطْلَقًا غير مَحْدُودٍ فإذا أَخَذْت بِقَوْلٍ اُخْتُلِفَ فيه قُلْت عليه الْأَكْثَرَ وإذا أَرَدْت رَدَّ قَوْلٍ قُلْت هَؤُلَاءِ الْأَقَلُّ أَفَتَرْضَى من غَيْرِك بِمِثْلِ هذا الْجَوَابِ رَأَيْت حين صِرْت إلَى أَنْ دَخَلْت فِيمَا عِبْت من التَّفَرُّقِ أَرَأَيْت لو كان الْفُقَهَاءُ كلهم عَشَرَةً فَزَعَمْت أَنَّك لَا تَقْبَلُ إلَّا من الْأَكْثَرِ فقال سِتَّةٌ فَاتَّفَقُوا وَخَالَفَهُمْ أَرْبَعَةٌ أَلَيْسَ قد شَهِدْت لِلسِّتَّةِ بِالصَّوَابِ وَعَلَى الْأَرْبَعَةِ بِالْخَطَأِ قال فَإِنْ قُلْت بَلَى قُلْت فقال الْأَرْبَعَةُ في قَوْلٍ غَيْرِهِ فَاتَّفَقَ اثْنَانِ من السِّتَّةِ مَعَهُمْ وَخَالَفَهُمْ أَرْبَعَةٌ قال فَآخُذُ بِقَوْلِ السِّتَّةِ قُلْت فَتَدَعُ قَوْلَ الْمُصِيبِينَ بِالِاثْنَيْنِ وَتَأْخُذُ بِقَوْلِ الْمُخْطِئِينَ بِالِاثْنَيْنِ وقد أَمْكَنَ عليهم مَرَّةً وَأَنْتَ تُنْكِرُ قَوْلَ ما أَمْكَنَ فيه الْخَطَأُ فَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ وَقُلْت له أَرَأَيْت قَوْلَك لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ إلَّا بِمَا أَجْمَعَ عليه الْفُقَهَاءُ في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَتَجِدُ السَّبِيلَ إلَى إجْمَاعِهِمْ كُلِّهِمْ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ على أَحَدٍ حتى تَلْقَاهُمْ كُلَّهُمْ أو تَنْقُلَ عَامَّةً عن عَامَّةٍ عن كل وَاحِدٍ منهم قال ما يُوجَدُ هذا قُلْت فَإِنْ قَبِلْت عَنْهُمْ بِنَقْلِ الْخَاصَّةِ فَقَدْ قَبِلْت فِيمَا عِبْت وَإِنْ لم تَقْبَلْ عن كل وَاحِدٍ إلَّا بِنَقْلِ الْعَامَّةِ لم نَجِدْ في أَصْلِ قَوْلِك ما اجْتَمَعَ عليه الْبُلْدَانُ إذَا لم تَقْبَلْ نَقْلَ الْخَاصَّةِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ لَك في مَوْضِعٍ وَلَا تَجِدُ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِنَقْلِ عَامَّةٍ عن عَامَّةٍ قُلْت فَأَسْمَعُك قَلَّدْت أَهْلَ الحديث وَهُمْ عِنْدَك يُخْطِئُونَ فِيمَا يَدِينُونَ بِهِ من قَبُولِ الحديث فَكَيْفَ تَأْمَنُهُمْ على الْخَطَأِ فِيمَا قَلَّدُوهُ الْفِقْهَ وَنَسَبُوهُ إلَيْهِ فَأَسْمَعُك قَلَّدْت من لَا تَرْضَاهُ وَأَفْقَهُ الناس عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَتْبَعُهُمْ لِلْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَجْهَلُهُمْ لِأَنَّ الْجَهْلَ عِنْدَك قَبُولُ خَبَرِ الِانْفِرَادِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ ما يَحْتَاجُونَ فيه إلَى الْفُقَهَاءِ وَيُفَضِّلُونَهُمْ بِهِ مع أَنَّ الذي يُنْصَفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ في الدُّنْيَا قال فَكَيْفَ لَا يُوجَدُ قال هو أو بَعْضُ من حَضَرَ معه فَإِنِّي أَقُولُ إنَّمَا أَنْظُرُ في هذا إلَى من يَشْهَدُ له أَهْلُ الحديث بِالْفِقْهِ قُلْت ليس من بَلَدٍ إلَّا وَفِيهِ من أَهْلِهِ الَّذِينَ هُمْ بِمِثْلِ صِفَتِهِ يَدْفَعُونَهُ عن الْفِقْهِ وَتَنْسُبُهُ إلَى الْجَهْلِ أو إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ له أَنْ يفتى وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَعَلِمْت تَفَرُّقَ أَهْلِ كل بَلَدٍ بَيْنَهُمْ ثُمَّ عَلِمْت تَفَرُّقَ كل بَلَدٍ في غَيْرِهِمْ فَعِلْمنَا أَنَّ من أَهْلِ مَكَّةَ من كان لَا يَكَادُ يُخَالِفُ قَوْلَ عَطَاءٍ وَمِنْهُمْ من كان يَخْتَارُ عليه ثُمَّ أَفْتَى بها الزَّنْجِيُّ بن خَالِدٍ فَكَانَ منهم من يُقَدِّمُهُ في الْفِقْهِ وَمِنْهُمْ من يَمِيلُ إلَى قَوْلِ سَعِيدِ بن سَالِمٍ وَأَصْحَابُ كل وَاحِدٍ من هَذَيْنِ يُضَعِّفُونَ الْآخَرَ وَيَتَجَاوَزُونَ الْقَصْدَ وَعَلِمْت أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ ثُمَّ يَتْرُكُونَ بَعْضَ قَوْلِهِ ثُمَّ حَدَّثَ في زَمَانِنَا منهم مَالِكٌ كان كَثِيرٌ منهم من يُقَدِّمُهُ وَغَيْرُهُ يُسْرِفُ عليه في تَضْعِيفِ مَذَاهِبِهِمْ وقد رَأَيْت بن أبي الزِّنَادِ يُجَاوِزُ الْقَصْدَ في ذَمِّ مَذَاهِبِهِ وَرَأَيْت الْمُغِيرَةَ وبن أبي حَازِمٍ والدَّراوَرْدِيُّ يَذْهَبُونَ من مَذَاهِبِهِ وَرَأَيْت من يَذُمُّهُمْ وَرَأَيْت بِالْكُوفَةِ قَوْمًا يَمِيلُونَ إلَى قَوْلِ بن أبي لَيْلَى يَذُمُّونَ مَذَاهِبَ أبي يُوسُفَ وَآخَرِينَ يَمِيلُونَ إلَى قَوْلِ أبي يُوسُفَ يَذُمُّونَ مَذَاهِبَ بن أبي لَيْلَى وما خَالَفَ أَبَا يُوسُفَ وَآخَرِينَ يَمِيلُونَ إلَى قَوْلِ
____________________

(7/280)


الثَّوْرِيِّ وَآخَرِينَ إلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بن صَالِحٍ وَبَلَغَنِي غَيْرُ ما وَصَفْت من الْبُلْدَانِ شَبِيهٌ بِمَا رَأَيْت مِمَّا وَصَفْت من تَفَرُّقِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَرَأَيْت الْمَكِّيِّينَ يَذْهَبُونَ إلَى تَقْدِيمِ عَطَاءٍ في الْعِلْمِ على التَّابِعِينَ وفي بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ من يَذْهَبُونَ إلَى تَقْدِيمِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ثُمَّ لَعَلَّ كُلُّ صِنْفٍ من هَؤُلَاءِ قَدَّمَ صَاحِبَهُ أَنْ يُسْرِفَ في الْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من قَدَّمُوا عليه من أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَهَكَذَا رَأَيْنَاهُمْ فِيمَنْ نَصَّبُوا من الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا فإذا كان أَهْلُ الْأَمْصَارِ يَخْتَلِفُونَ هذا الِاخْتِلَافَ فَسَمِعْت بَعْضَ من يفتى منهم يَحْلِفُ بِاَللَّهِ ما كان لِفُلَانٍ أَنْ يُفْتِيَ لِنَقْصِ عَقْلِهِ وَجَهَالَتِهِ وما كان يَحِلُّ لِفُلَانٍ أَنْ يَسْكُتَ يعنى أخر من أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَيْت من أَهْلِ الْبُلْدَانِ من يقول ما كان يَحِلُّ له أَنْ يُفْتِيَ بِجَهَالَتِهِ يَعْنِي الذي زَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَسْكُتَ لِفَضْلِ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ ثُمَّ وَجَدْت أَهْلَ كل بَلَدٍ كما وَصَفْت فِيمَا بَيْنَهُمْ من أَهْلِ زَمَانِهِمْ فَأَيْنَ اجْتَمَعَ لَك هَؤُلَاءِ على تَفَقُّهٍ وَاحِدٍ أو تَفَقُّهٍ عَامٍّ وَكَمَا وَصَفْت رَأْيَهُمْ أو رأى أَكْثَرِهِمْ وَبَلَغَنِي عَمَّنْ غَابَ عَنِّي منهم شَبِيهٌ بهذا فَإِنْ أَجْمَعُوا لَك على نَفَرٍ منهم فَتَجْعَلُ أُولَئِكَ النَّفَرَ عُلَمَاءَ إذَا اجْتَمَعُوا على شَيْءٍ قَبِلْتَهُ قال وَإِنَّهُمْ إنْ تَفَرَّقُوا كما زَعَمْت بِاخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ أو تَأْوِيلٍ أو غَفْلَةٍ أو نَفَاسَةٍ من بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ فَإِنَّمَا أَقْبَلُ منهم ما اجْتَمَعُوا عليه مَعًا فَقِيلَ له فَإِنْ لم يَجْمَعُوا لَك على وَاحِدٍ منهم أَنَّهُ في غَايَةٍ ( 3 ) فَكَيْفَ جَعَلْته عَالِمًا قال لَا وَلَكِنْ يَجْتَمِعُونَ على أَنَّهُ يَعْلَمُ من الْعِلْمِ قُلْت نعم وَيَجْتَمِعُونَ لَك على أَنَّ من لم تُدْخِلْهُ في جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ من أَهْلِ الْكَلَامِ يَعْلَمُونَ من الْعِلْمِ فَلِمَ قَدَّمْت هَؤُلَاءِ وَتَرَكْتهمْ في أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ أَهْلِ الْكَلَامِ وما أسمك وَطَرِيقُك إلَّا بِطَرِيقِ التَّفَرُّقِ إلَّا أَنَّك تَجْمَعُ إلَى ذلك أَنْ تدعى الْإِجْمَاعَ وَإِنَّ في دَعْوَاكَ الْإِجْمَاعَ لَخِصَالًا يَجِبُ عَلَيْك في أَصْلِ مَذَاهِبِك أَنْ تَنْتَقِلَ عن دَعْوَى الْإِجْمَاعِ في عِلْمِ الْخَاصَّةِ قال فَهَلْ من إجْمَاعٍ قُلْت نعم نَحْمَدُ اللَّهَ كَثِيرًا في جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ التي لَا يَسَعُ جَهْلُهَا فَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ هو الذي لو قُلْت أَجْمَعَ الناس لم تَجِدْ حَوْلَك أَحَدًا يَعْرِفُ شيئا يقول لَك ليس هذا بِإِجْمَاعٍ فَهَذِهِ الطَّرِيقُ التي يَصْدُقُ بها من ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فيها وفي أَشْيَاءَ من أُصُولِ الْعِلْمِ دُونَ فُرُوعِهِ وَدُونَ الْأُصُولِ غَيْرِهَا فَأَمَّا ما ادَّعَيْت من الْإِجْمَاعِ حَيْثُ قد أَدْرَكْت التَّفَرُّقَ في دَهْرِك وَتَحْكِي عن أَهْلِ كل قَرْنٍ فَانْظُرْهُ أَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا إجْمَاعًا قال فقال قد ادَّعَى بَعْضُ أَصْحَابِك الْإِجْمَاعَ فِيمَا ادَّعَى من ذلك فما سَمِعْت منهم أَحَدًا ذَكَرَ قَوْلَهُ إلَّا عَائِبًا لِذَلِكَ وَإِنَّ ذلك عِنْدِي لَمَعِيبٌ قُلْت من أَيْنَ عِبْته وَعَابُوهُ وَإِنَّمَا ادِّعَاءُ إجْمَاعِ فِرْقَةٍ أَحْرَى أَنْ يُدْرَكَ من ادِّعَائِك الْإِجْمَاعَ على الْأُمَّةِ فى الدُّنْيَا قال إنَّمَا عِبْنَاهُ أَنَّا نَجِدُ فى المدينه اخْتِلَافًا فى كل قَرْنٍ فِيمَا يدعى فيه الْإِجْمَاعَ وَلَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ إلَّا على ما وَصَفْت من أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفٌ فَلَعَلَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُ الْأَكْثَرُ وَإِنْ خَالَفَهُمْ الْأَقَلُّ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إجْمَاعًا وَيَقُولُ الْأَكْثَرُ إذَا كان لَا يروى عَنْهُمْ شيئا وَمَنْ لم يُرْوَ عنه شَيْءٌ في شَيْءٍ لم يَجُزْ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا على قَوْلِهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى خِلَافِهِ فَقُلْت له إنْ كان ما قُلْت من هذا كما قُلْت فَاَلَّذِي يَلْزَمُك فيه أَكْثَرُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ في عِلْمِ الْخَاصَّةِ إذَا لم يُوجَدْ في فِرْقَةٍ كان أَنْ يُوجَدَ في الدُّنْيَا أَبْعَدَ قال وَقُلْت قَوْلُك وَقَوْلُ من قال الْإِجْمَاعُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قال فَأَوْجِدْنِي ما قُلْت قُلْت إنْ كان الْإِجْمَاعُ قَبْلَك إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ أو التَّابِعِينَ أو الْقَرْنِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَأَهْلِ زَمَانِك فَأَنْتَ تُثْبِتُ عليهم أَمْرًا تُسَمِّيه إجْمَاعًا قال ما هو اجْعَلْ له مِثَالًا لِأَعْرِفَهُ قُلْت كَأَنَّك ذَهَبَتْ إلَى أَنْ جَعَلْت بن الْمُسَيِّبِ عَالِمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَطَاءَ عَالِمَ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَسَنَ عَالِمَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالشَّعْبِيَّ عَالِمَ أَهْلَ الْكُوفَةِ من التَّابِعِينَ فَجَعَلْت الْإِجْمَاعَ ما أَجْمَعَ عليه هَؤُلَاءِ قال نعم قُلْت زَعَمْت أَنَّهُمْ لم يَجْتَمِعُوا قَطُّ في مَجْلِسٍ عَلِمْته وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْت على إجْمَاعِهِمْ بِنَقْلِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ وَأَنَّك لَمَّا وَجَدْتهمْ يَقُولُونَ في الْأَشْيَاءِ وَلَا تَجِدُ فيها كِتَابًا وَلَا سُنَّةً اسْتَدْلَلْت على أَنَّهُمْ قالوا بها من جِهَةِ الْقِيَاسِ فَقُلْت الْقِيَاسُ الْعِلْمُ الثَّابِتُ الذي أَجْمَعَ عليه أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ حَقٌّ قال هَكَذَا قُلْت وَقُلْت له قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا قالوا ما لم تَجِدْهُ أنت في كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَإِنْ لم يَذْكُرُوهُ وما يَرَوْنَ لم يَذْكُرُوهُ وَقَالُوا بِالرَّأْيِ دُونَ الْقِيَاسِ قال إنَّ هذا
____________________

(7/281)


وَإِنْ أَمْكَنَ عليهم فَلَا أَظُنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا شيئا فَتَرَكُوا ذِكْرَهُ وَلَا أَنَّهُمْ قالوا إلَّا من جِهَةِ الْقِيَاسِ فَقُلْت له لِأَنَّك وَجَدْت أَقَاوِيلَهُمْ تَدُلُّ على أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَازِمٌ لهم أو إنَّمَا هذا شَيْءٌ ظَنَنْته لِأَنَّهُ الذي يَجِبُ عليهم وَقُلْت له فَلَعَلَّ الْقِيَاسَ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ مَحَلَّهُ عِنْدَك قال ما أَرَى إلَّا ما وَصَفْت لَك فَقُلْت له هذا الذي رَوَيْته عَنْهُمْ من أَنَّهُمْ قالوا من جِهَةِ الْقِيَاسِ تَوَهُّمٌ ثُمَّ جَعَلْت التَّوَهُّمَ حُجَّةً قال فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْت الْقِيَاسَ أنت وَمَنَعْت أَنْ لَا يُقَالَ إلَّا بِهِ قُلْت من غَيْرِ الطَّرِيقِ التي أَخَذْته منها وقد كَتَبْته في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَقُلْت أَرَأَيْت الَّذِينَ نَقَلُوا لَك عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا فِيمَا تَجِدُ أنت فيه خبرا ( ( ( خيرا ) ) ) فَتَوَهَّمْت أَنَّهُمْ قَالُوهُ قِيَاسًا وَقُلْت إذَا وَجَدْت أَفْعَالَهُمْ مُجْتَمَعَةً على شَيْءٍ فَهُوَ دَلِيلٌ على إجْمَاعِهِمْ أَنَقَلُوا إلَيْك عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا من جِهَةِ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ فَرَوَى بن ( ( ( أبو ) ) ) الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا وَأَخَذَ بِهِ وَلَهُ فيه مُخَالِفُونَ من الْأُمَّةِ وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ في الصَّرْفِ شيئا فَأَخَذَ بِهِ وَلَهُ فيه مُخَالِفُونَ من الْأُمَّةِ وَرَوَى عَطَاءٌ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُخَابَرَةِ شيئا وَأَخَذَ بِهِ وَلَهُ فيه مُخَالِفُونَ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءَ أَخَذَ بها وَلَهُ فيها مُخَالِفُونَ من الناس الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ وَرَوَى الْحَسَنُ عن رَجُلٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءَ أَخَذَ بها وَلَهُ فيها مُخَالِفُونَ من الناس الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ وَرَوَوْا لَك عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَاشُوا يَقُولُونَ بِأَقَاوِيلَ يُخَالِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم فيها قَضَاءَ صَاحِبِهِ وَكَانُوا على ذلك حتى مَاتُوا قال نعم قد رَوَوْا هذا عَنْهُمْ فَقُلْت له فَهَؤُلَاءِ جَعَلْتَهُمْ أَئِمَّةً في الدِّينِ وَزَعَمْت أَنَّ ما وُجِدَ من فِعْلِهِمْ مَجْمَعًا عليه لَزِمَ الْعَامَّةَ الْأَخْذُ بِهِ وَرَوَيْت عَنْهُمْ سُنَنًا شَتَّى وَذَلِكَ قَبُولُ كل وَاحِدٍ منهم الْخَبَرَ على الِانْفِرَادِ وَتَوَسُّعُهُمْ في الِاخْتِلَافِ ثُمَّ عِبْت ما أَجْمَعُوا عليه لَا شَكَّ فيه وَخَالَفْتَهُمْ فيه فَقُلْت لَا يَنْبَغِي قَبُولُ الْخَبَرِ على الِانْفِرَادِ وَلَا يَنْبَغِي الِاخْتِلَافُ وَتَوَهَّمْت عليهم أَنَّهُمْ قَاسُوا فَزَعَمْت أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْقِيَاسَ وَلَا يقول إلَّا بِمَا يَعْرِفُ أَنَّ قَوْلَك الْإِجْمَاعَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بهذا وَبِأَنَّك زَعَمْت أَنَّهُمْ لَا يَسْكُتُونَ على شَيْءٍ عَلِمُوهُ وقد مَاتُوا لم يَقُلْ أَحَدٌ منهم قَطُّ الْإِجْمَاعُ عَلِمْنَاهُ وَالْإِجْمَاعُ أَكْثَرُ الْعِلْمِ لو كان حَيْثُ ادَّعَيْته أو ما كَفَاك عَيْبُ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لم يُرْوَ عن أَحَدٍ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَعْوَى الْإِجْمَاعِ إلَّا فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فيه أَحَدٌ إلَّا عن أَهْلِ زَمَانِك هذا فقال فَقَدْ ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ قُلْت أَفَحَمِدْت ما ادَّعَى منه قال لَا قُلْت فَكَيْفَ صِرْت إلَى أَنْ تَدْخُلَ فِيمَا ذَمَمْت في أَكْثَرَ مِمَّا عِبْت أَلَا تَسْتَدِلُّ من طَرِيقِك أَنَّ الْإِجْمَاعَ هو تَرْكُ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ وَلَا تُحْسِنُ النَّظَرَ لِنَفْسِك إذَا قُلْت هذا إجْمَاعٌ فَيُوجَدُ سِوَاك من أَهْلِ الْعِلْمِ من يقول لَك مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هذا إجْمَاعًا بَلْ فِيمَا ادَّعَيْت أَنَّهُ إجْمَاعٌ اخْتِلَافٌ من كل وَجْهٍ في بَلَدٍ أو أَكْثَرَ من يَحْكِي لنا عنه من أَهْلِ الْبُلْدَانِ قال وَقُلْت لِبَعْضِ من حَضَرَ هذا الْكَلَامُ منهم نَصِيرُ بِك إلَى الْمَسْأَلَةِ عَمَّا لَزِمَ لنا وَلَك من هذا قال وما هو قُلْت أَفَرَأَيْت سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَيِّ شَيْءٍ تَثْبُتُ قال أَقُولُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الذي قَالَهُ لَك صَاحِبُنَا فَقُلْت ما هو قال زَعَمَ أنها تَثْبُتُ من أَحَدِ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ قُلْت فَاذْكُرْ الْأَوَّلَ منها قال خَبَرُ الْعَامَّةِ عن الْعَامَّةِ قُلْت أَكَقَوْلِكُمْ الْأَوَّلِ مِثْلُ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ قال نعم فَقُلْت هذا مِمَّا لَا يُخَالِفُك فيه أَحَدٌ عَلِمْته فما الْوَجْهُ الثَّانِي قال تَوَاتُرُ الْأَخْبَارِ فَقُلْت له حَدِّدْ لي تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ بِأَقَلَّ مِمَّا يُثْبِتُ الْخَبَرَ وَاجْعَلْ له مِثَالًا لنعلم ( ( ( لعلم ) ) ) ما يقول وَتَقُولُ قال نعم إذَا وَجَدْت هَؤُلَاءِ النَّفَرَ لِلْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ جَعَلْتهمْ مِثَالًا يَرْوُونَ وَاحِدًا فَتَتَّفِقُ رِوَايَتُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّمَ شيئا أو أَحَلَّ شيئا اسْتَدْلَلْت على أَنَّهُمْ بِتَبَايُنِ بُلْدَانِهِمْ وَأَنَّ كُلًّا منهم قَبِلَ الْعِلْمَ عن غَيْرِ الذي قَبِلَهُ عنه صَاحِبُهُ وَقِبَلَهُ عنه من أَدَّاهُ إلَيْنَا مِمَّنْ لم يَقْبَلْ عن صَاحِبِهِ أَنَّ رِوَايَتَهُمْ إذَا كانت هذا تَتَّفِقُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَالْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ فيها قال فَقُلْت له لَا يَكُونُ تَوَاتُرُ الْأَخْبَارِ عِنْدَك عن أَرْبَعَةٍ في بَلَدٍ ولاء إنْ قَبِلَ عَنْهُمْ أَهْلُ بَلَدٍ حتى يَكُونَ الْمَدَنِيُّ يَرْوِي عن الْمَدَنِيِّ وَالْمَكِّيُّ يَرْوِي عن الْمَكِّيِّ وَالْبَصْرِيُّ عن الْبَصْرِيِّ
____________________

(7/282)


وَالْكُوفِيُّ عن الْكُوفِيِّ حتى يَنْتَهِيَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِحَدِيثِهِ إلَى رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرِ الذي رَوَى عنه صَاحِبُهُ وَيُجْمِعُوا جميعا على الرِّوَايَةِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْعِلَّةِ التي وَصَفْت قال نعم لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا في بَلَدٍ وَاحِدٍ أَمْكَنَ فِيهِمْ التَّوَاطُؤُ على الْخَبَرِ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِمْ إذَا كَانُوا في بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقُلْت له لَبِئْسَمَا نثبت ( ( ( نبثت ) ) ) بِهِ على من جَعَلْته إمَامًا في دِينِك إذَا ابْتَدَأْت وَتَعَقَّبْت قال فَاذْكُرْ ما يَدْخُلُ على فيه فَقُلْت له أَرَأَيْت لو لَقِيت رَجُلًا من أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ الْمُقَدَّمُونَ وَمَنْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عليهم في كِتَابِهِ فَأَخْبَرَك خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم تُلْفِهِ حُجَّةً وَلَا يَكُونُ عَلَيْك خَبَرُهُ حُجَّةً لِمَا وَصَفْت أَلَيْسَ من بَعْدَهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ منهم مَقْبُولًا لِنَقْصِهِمْ عَنْهُمْ في كل فَضْلٍ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمْ ما أَمْكَنَ فِيمَنْ هو خَيْرٌ منهم وَأَكْثَرُ منه قال بَلَى فَقُلْت أَفَتَحْكُمُ فِيمَا تُثْبِتُ من صِحَّةِ الرِّوَايَةِ فَاجْعَلْ أَبَا سَلَمَةَ بِالْمَدِينَةِ يروى لَك أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في فَضْلِ أبي سَلَمَةَ وَفَضْلِ جَابِرٍ وَاجْعَلْ الزُّهْرِيَّ يَرْوِي لَك أَنَّهُ سمع بن الْمُسَيِّبِ يقول سَمِعَتْ عُمَرَ أو أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يقول سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاجْعَلْ أَبَا إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيَّ يقول سَمِعْت الشَّعْبِيَّ أو سَمِعْت إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ يقول أَحَدُهُمَا سَمِعْت الْبَرَاءَ بن عَازِبٍ أو سَمِعْت رَجُلًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسَمِّيه وَاجْعَلْ أَيُّوبَ يروى عن الْحَسَنِ البصرى يقول سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ أو رَجُلًا غَيْرَهُ من أَصْحَابِ النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِتَحْلِيلِ الشَّيْءِ أو تَحْرِيمٍ له أَتَقُومُ بهذا حُجَّةٌ قال نعم فَقُلْت له أَيُمْكِنُ في الزُّهْرِيِّ عِنْدَك أَنْ يُغَلِّطَ على بن الْمُسَيِّبِ وبن الْمُسَيِّبِ على من فَوْقَهُ وفي أَيُّوبَ أَنْ يُغَلِّطَ على الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ على من فَوْقَهُ فقال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت يَلْزَمُك أَنْ تُثْبِتَ خَبَرَ الْوَاحِدِ على ما يُمْكِنُ فيه الْغَلَطُ مِمَّنْ لَقِيت وَمِمَّنْ هو دُونَ من فَوْقَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ دُونَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرُدُّ خَبَرَ الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيْرٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَتَرُدُّ الْخَبَرَ بِأَنْ يُمْكِنَ فيه الْغَلَطُ عن أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ خَيْرُ الناس وَتَقْبَلُهُ عَمَّنْ لَا يَعْدِلُهُمْ في الْفَضْلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ ثَبَتَ عَمَّنْ فَوْقَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ ثَبَتَ عَمَّنْ فَوْقَهُ حتى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَذِهِ الطَّرِيقُ التي عِبْت قال هذا هَكَذَا إنْ قُلْته وَلَكِنْ أَرَأَيْت إنْ لم أُعْطِك هذا هَكَذَا قُلْت لَا يُدْفَعُ هذا إلَّا بِالرُّجُوعِ عنه أو تَرْكِ الْجَوَابِ بِالرَّوَغَانِ وَالِانْقِطَاعِ وَالرَّوَغَانُ أَقْبَحُ قال فَإِنْ قُلْت لَا أَقْبَلُ من وَاحِدٍ نُثْبِتُ عليه خَبَرًا إلَّا من أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ متفرقة ( ( ( متفرق ) ) ) كما لم أَقْبَلْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا عن أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ متفرقه قال فَقُلْت له فَهَذَا يَلْزَمُك أَفَتَقُولُ بِهِ قال إذَا نَقُولُ بِهِ لَا يُوجَدُ هذا أَبَدًا قال فَقُلْت أَجَلْ وَتَعْلَمُ أنت أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَرْبَعَةٌ عن الزُّهْرِيِّ وَلَا ثَلَاثَةٌ الزُّهْرِيُّ رَابِعُهُمْ عن الرَّجُلِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَجَلْ وَلَكِنْ دَعْ هذا قال وَقُلْت له من قال أَقْبَلُ من أَرْبَعَةٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ أَرَأَيْت إنْ قال لَك رَجُلٌ لَا أَقْبَلُ إلَّا من خَمْسَةٍ أو قال آخَرُ من سَبْعِينَ ما حُجَّتُك عليه وَمَنْ وَقَّتَ لَك الْأَرْبَعَةَ قال إنَّمَا مَثَّلْتهمْ قُلْت أفتحد ( ( ( أفتجد ) ) ) من يَقْبَلُ منه قال لَا قُلْت أَوَتَعْرِفُهُ فَلَا تُظْهِرُهُ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْك فَتُبَيِّنُ انْكِسَارَهُ وَقُلْت له أو لِبَعْضِ من حَضَرَ معه فما الْوَجْهُ الثَّالِثُ الذي يَثْبُتُ بِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا رَوَى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَاحِدُ من أَصْحَابِهِ الْحُكْمَ حُكِمَ بِهِ فلم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ اسْتَدْلَلْنَا على أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا حَدَّثَ بِهِ في جَمَاعَتِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّ تَرْكَهُمْ الرَّدَّ عليه بِخَبَرٍ يُخَالِفُهُ إنَّمَا كان عن مَعْرِفَةٍ منهم بِأَنَّ ما كان كما يُخْبِرُهُمْ فَكَانَ خَبَرًا عن عَامَّتِهِمْ قُلْت له قلما ( ( ( فلما ) ) ) رَأَيْتُكُمْ تَنْتَقِلُونَ إلَى شَيْءٍ إلَّا احْتَجَجْتُمْ بِأَضْعَفَ مِمَّا تَرَكْتُمْ فقال أَبِنْ لنا ما قُلْت قُلْت له أَيُمْكِنُ لِرَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يحدث بِالْمَدِينَةِ رَجُلًا أو نَفَرًا قَلِيلًا ما تُثْبِتُهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أتى بَلَدًا من الْبُلْدَانِ فَحَدَّثَ بِهِ وَاحِدًا أو نَفَرًا أو حَدَّثَ بِهِ في سَفَرٍ أو عِنْدَ مَوْتِهِ وَاحِدًا أو أَكْثَرَ قال فَإِنْ قُلْت
____________________

(7/283)


لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَدِّثَ وَاحِدُهُمْ بِالْحَدِيثِ إلَّا وهو مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ قُلْت فَقَدْ تَجِدُ الْعَدَدَ من التَّابِعِينَ يَرْوُونَ الحديث فَلَا يُسَمُّونَ إلَّا وَاحِدًا وَلَوْ كان مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُمْ سَمِعُوا من غَيْرِهِ سَمِعُوا من سَمِعُوهُ منه وقد نَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ في الشَّيْءِ قد روى فيه الْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيقول بَعْضُهُمْ قَوْلًا يُوَافِقُ الحديث وَغَيْرُهُ قَوْلًا يُخَالِفُهُ قال فَمِنْ أَيْنَ تَرَى ذلك قُلْت لو سمع الذي قال بِخِلَافِ الحديث الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما قال إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِهِ وَقُلْت له قد رَوَى الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ولم يُحْفَظْ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِمْتُهُ خِلَافُهَا فَيَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ بها على أَصْلِ مَذْهَبِك وَتَجْعَلَهَا إجْمَاعًا فقال بَعْضُهُمْ ليس ما قال من هذا مَذْهَبُنَا قُلْت ما زِلْت أَرَى ذلك فيه وفي غَيْرِهِ مِمَّا كَلَّمْتُمُونَا بِهِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قال فَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ فَقُلْت لَا هِيَ مُخْتَلَفٌ فيها غير أَنَّا نَعْمَلُ بِمَا اُخْتُلِفَ فيه إذَا ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الطَّرِيقِ الذي يَثْبُتُ منها قال وَقُلْت له من الَّذِينَ إذَا اتَّفَقَتْ أَقَاوِيلُهُمْ في الْخَبَرِ صَحَّ وإذا اخْتَلَفُوا طَرَحْتُ لِاخْتِلَافِهِمْ الحديث قال أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( 1 ) خَبَرُ الْخَاصَّةِ قال لَا قُلْت فَهَلْ يُسْتَدْرَكُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعٍ أو اخْتِلَافٍ بِخَبَرِ عَامَّةٍ قال ما لم أَسْتَدْرِكْهُ بِخَبَرِ الْعَامَّةِ نَظَرْت إلَى إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْيَوْمَ فإذا وَجَدْتهمْ ما أَجْمَعُوا عليه اسْتَدْلَلْت على أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عن اخْتِلَافِ من مَضَى قَبْلَهُمْ قُلْت له أَفَرَأَيْت اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ خَبَرُ جَمَاعَتِهِمْ قال فَنَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ حتى يَعْلَمَ إجْمَاعَهُمْ في الْبُلْدَانِ وَلَا يُقْبَلُ على أَقَاوِيلِ من نَأَتْ دَارُهُ منهم وَلَا قَرُبَتْ إلَّا بِخَبَرِ الْجَمَاعَةِ عن الْجَمَاعَةِ قال فَإِنْ قُلْته قُلْت فَقُلْهُ إنْ شِئْت قال قد يَضِيقُ هذا جِدًّا فَقُلْت له وهو مع ضِيقِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَيَدْخُلُ عَلَيْك خِلَافُهُ في الْقِيَاسِ إذَا زَعَمْت لِلْوَاحِدِ أَنْ يَقِيسَ فَقَدْ أَجَزْت الْقِيَاسَ وَالْقِيَاسُ قد يُمْكِنُ فيه الْخَطَأُ وَامْتَنَعْت من قَبُولِ السُّنَّةِ إذَا كان يُمْكِنُ فِيمَنْ رَوَاهَا الْخَطَأُ فَأَجَزْت الْأَضْعَفَ وَرَدَدْت الْأَقْوَى وَقُلْت لِبَعْضٍ أَرَأَيْت قَوْلَك إجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ لو قالوا لَك مِمَّا قُلْنَا بِهِ مُجْتَمِعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ ما قَبِلْنَا الْخَبَرَ فيه وَاَلَّذِي ثَبَتَ مِثْلُهُ عِنْدَنَا عَمَّنْ قَبْلَنَا وَنَحْنُ مُجْمِعُونَ على أَنَّ جَائِزًا لنا فِيمَا ليس فيه نَصٌّ وَلَا سُنَّةٌ أَنْ نَقُولَ فيه بِالْقِيَاسِ وَإِنْ اخْتَلَفْنَا أَفَتُبْطِلُ أَخْبَارَ الَّذِينَ زَعَمْت أَنَّ أَخْبَارَهُمْ وما اجْتَمَعَتْ عليه أَفْعَالُهُمْ حُجَّةٌ في شَيْءٍ وَتَقْبَلُهُ في غَيْرِهِ أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ أنا أَتْبَعُهُمْ في تَثْبِيتِ أَخْبَارِ الصَّادِقِينَ وَإِنْ كانت مُنْفَرِدَةً وَأَقْبَلُ عَنْهُمْ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ فِيمَا لَا خَبَرَ فيه فَأُوَسِّعُ أَنْ يَخْتَلِفُوا فَأَكُونُ قد تَبِعْتُهُمْ في كل حَالٍ أَكَانَ أَقْوَى حُجَّةً وَأَوْلَى بِاتِّبَاعِهِمْ وَأَحْسَنَ ثَنَاءً عليهم أَمْ أنت قال بهذا تقول ( ( ( نقول ) ) ) قُلْت نعم وَقُلْت أَرَأَيْت قَوْلَك إجْمَاعُ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما مَعْنَاهُ أتعنى أَنْ يَقُولُوا أو أَكْثَرُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا أو يَفْعَلُوا فِعْلًا وَاحِدًا قال لَا أعنى هذا وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَكِنْ إذَا حَدَّثَ وَاحِدٌ منهم الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يُعَارِضْهُ منهم مُعَارِضٌ بِخِلَافِهِ فَذَلِكَ دَلَالَةٌ على رِضَاهُمْ بِهِ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ ما قال منه كما قال قُلْت أو ليس قد يحدث وَلَا يَسْمَعُونَهُ وَيُحَدِّثُ وَلَا عِلْمَ لِمَنْ سمع حَدِيثَهُ منهم أَنَّ ما قال كما قال وَأَنَّهُ خِلَافُ ما قال وَإِنَّمَا على الْمُحَدِّثِ أَنْ يَسْمَعَ فإذا لم يَعْلَمْ خِلَافَهُ فَلَيْسَ له رَدُّهُ قال قد يُمْكِنُ هذا على ما قُلْت وَلَكِنَّ الْأَئِمَّةَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يُمْكِنُ أَبَدًا أَنْ يُحَدِّثَ مُحَدِّثُهُمْ بِأَمْرٍ فَيَدَّعُوا مُعَارَضَتَهُ إلَّا عن عِلْمٍ بِأَنَّهُ كما قال وقال فَأَقُولُ فإذا حَكَمَ حَاكِمُهُمْ فلم يُنَاكِرُوهُ فَهُوَ عِلْمٌ منهم بِأَنَّ ما قال الْحَقُّ وكان عليهم أَنْ يُقِيمُوا على ما حَكَمَ فيه قُلْت أَفَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا صَدَّقُوهُ بِصِدْقِهِ في الظَّاهِرِ كما قَبِلُوا شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ بِصِدْقِهِمَا في الظَّاهِرِ قال فَإِنْ قُلْت لَا فَقُلْت إذَا قُلْت لَا فِيمَا عليهم الدَّلَالَةُ فيه بِأَنَّهُمْ قَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ وَانْتَهَوْا إلَيْهِ عَلِمْت أَنَّك جَاهِلٌ بِمَا قُلْنَا وإذا قُلْت فِيمَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ لَا يُمْكِنُ كُنْت جَاهِلًا بِمَا يَجِبُ عَلَيْك قال فَتَقُولُ مَاذَا
____________________

(7/284)


قُلْت أَقُولُ إنَّ صَمْتَهُمْ عن الْمُعَارَضَةِ قد يَكُونُ عِلْمًا بِمَا قال وقد يَكُونُ عن غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ وَيَكُونُ قَبُولًا له وَيَكُونُ عن وُقُوفٍ عنه وَيَكُونُ أَكْثَرُهُمْ لم يَسْمَعْهُ لَا كما قُلْت وَاسْتِدْلَالًا عَنْهُمْ فِيمَا سَمِعُوا قَوْلَهُ مِمَّنْ كان عِنْدَهُمْ صَادِقًا ثَبَتَا قال فَدَعْ هذا قُلْت لِبَعْضِهِمْ هل عَلِمْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ في إمَارَتِهِ قَسَّمَ مَالًا فَسَوَّى فيه بين الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَجَعَلَ الْجَدَّ أَبًا قال نعم قُلْت فَقَبِلُوا منه الْقَسَمَ ولم يُعَارِضُوهُ في الْجَدِّ في حَيَاتِهِ قال نعم وَلَوْ قُلْت عَارَضُوهُ في حَيَاتِهِ قُلْت فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ وَلَهُ مُخَالِفٌ قال نعم وَلَا أَقُولُهُ قال فَجَاءَ عُمَرُ فَفَضَّلَ الناس في الْقَسْمِ على النَّسَبِ وَالسَّابِقَةِ وَطَرَحَ الْعَبِيدَ من الْقَسْمِ وَشَرَّكَ بين الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ قال نعم قُلْت وولى على فَسَوَّى بين الناس في الْقَسْمِ قال نعم قُلْت فَهَذَا على أَخْبَارِ الْعَامَّةِ عن ثَلَاثَتِهِمْ عِنْدَك قال نعم قُلْت فَقُلْ فيها ما أَحْبَبْت قال فَتَقُولُ فيها أنت مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنَّ ما ليس فيه نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ إذَا طَلَبَ بِالِاجْتِهَادِ فيه الْمُجْتَهِدُونَ وَسِعَ كُلًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ وَيَقُولَ بِمَا رَآهُ حَقًّا لَا على ما قُلْت فَقُلْ أنت ما شِئْت قال لَئِنْ قُلْت الْعَمَلُ الْأَوَّلُ يَلْزَمُهُمْ كان يَنْبَغِي لِلْعَمَلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ مثله لَا يُخَالِفُهُ وَلَئِنْ قُلْت بَلْ لم يَكُونُوا وَافَقُوا أَبَا بَكْرٍ على فِعْلِهِ في حَيَاتِهِ لِيَدْخُلَ على أَنَّ له يمضى له اجْتِهَادُهُ وَإِنْ خَالَفَهُمْ قُلْت أَجَلْ قال فَإِنْ قُلْت لَا أَعْرِفُ هذا عَنْهُمْ وَلَا أَقْبَلُهُ حتى أَجِدَ الْعَامَّةَ تَنْقُلُهُ عن الْعَامَّةِ فَتَقُولُ عَنْهُمْ حدثنا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ مَضَى قَبْلَهُمْ بِكَذَا فَقُلْت له ما نَعْلَمُ أَحَدًا شَكَّ في هذا وَلَا رَوَى عن أَحَدٍ خِلَافَهُ فَلَئِنْ لم تُجِزْ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هذا ثَابِتًا فما حُجَّتُك على أَحَدٍ إنْ عَارَضَك في جَمِيعِ ما زَعَمْت أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنْ يَقُولَ مِثْلَ ما قُلْت فقال جَمَاعَةٌ مِمَّنْ حَضَرَ منهم فإن اللَّهَ عز وجل ذَمَّ على الِاخْتِلَافِ فَذَمَمْنَاهُ فَقُلْت له في الِاخْتِلَافِ حُكْمَانِ أَمْ حُكْمٌ قال حُكْمٌ قُلْت فَأَسْأَلُك قال فَسَلْ قُلْت أَتُوَسِّعُ من الِاخْتِلَافِ شيئا قال لَا قُلْت أَفَتَعْلَمُ من أَدْرَكْت من أَعْلَامِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَفْتَوْا عَاشُوا أو مَاتُوا وقد يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ أُمُورٍ يَحْكُونَ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ قال نعم قُلْت فَقُلْ فِيهِمْ ما شِئْت قال فَإِنْ قُلْت قالوا بِمَا لَا يَسَعُهُمْ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت اجْتِمَاعَهُمْ قال أَجَلْ قال فَدَعْ هذا قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ الْقِيَاسُ قال نعم قُلْت فَإِنْ قَاسُوا فَاخْتَلَفُوا يَسَعُهُمْ أَنْ يَمْضُوا على الْقِيَاسِ قال فَإِنْ قُلْت لَا قُلْت فَيَقُولُونَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ نَصِيرُ قال إلَى الْقِيَاسِ قُلْت قالوا قد فَعَلْنَا فَرَأَيْت الْقِيَاسَ بِمَا قُلْت ورأي هذا الْقِيَاسَ بِمَا قال قال فَلَا يَقُولُونَ حتى يَجْتَمِعُوا قُلْت من أَقْطَارِ الْأَرْضِ قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَلَوْ أَمْكَنَ اخْتَلَفُوا قال فَلَوْ اجْتَمَعُوا لم يَخْتَلِفُوا قُلْت قد اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَاخْتَلَفَا فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَ الْأَكْثَرُ قال يُنَبِّهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُلْت فَفَعَلُوا فَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُخْتَلِفِينَ أَنَّ الذي قَالَهُ الْقِيَاسُ قال فَإِنْ قُلْت يَسَعُ الِاخْتِلَافُ في هذا الْمَوْضِعِ قُلْت قد زَعَمْت أَنَّ في اخْتِلَافِ كل وَاحِدٍ من الْمُخْتَلِفِينَ حُكْمَيْنِ وَتَرَكْت قَوْلَك ليس الِاخْتِلَافُ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا قال ما تَقُولُ أنت قُلْت الِاخْتِلَافُ وَجْهَانِ فما كان لِلَّهِ فيه نَصُّ حُكْمٍ أو لِرَسُولِهِ سُنَّةٌ أو لِلْمُسْلِمِينَ فيه إجْمَاعٌ لم يَسْعَ أَحَدًا عَلِمَ من هذا وَاحِدًا أَنْ يُخَالِفَهُ وما لم يَكُنْ فيه من هذا وَاحِدٌ كان لِأَهْلِ الْعِلْمِ الِاجْتِهَادُ فيه بِطَلَبِ الشُّبْهَةِ بِأَحَدِ هذه الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فإذا اجْتَهَدَ من له أَنْ يَجْتَهِدَ وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَ بِمَا وَجَدَ الدَّلَالَةَ عليه بِأَنْ يَكُونَ في مَعْنَى كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ فَإِنْ وَرَدَ أَمْرٌ مُشْتَبَهٌ يَحْتَمِلُ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَاجْتَهَدَ فَخَالَفَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَ غَيْرِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَ بِشَيْءٍ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ وَهَذَا قَلِيلٌ إذَا نَظَرَ فيه قال فما حُجَّتُك فِيمَا قُلْت قُلْت له الِاسْتِدْلَال بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قال فَاذْكُرْ الْفَرْقَ بين حُكْمِ الِاخْتِلَافِ قُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا من بَعْدِ ما جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ } وقال { وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا من بَعْدِ ما جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ } فَإِنَّمَا رَأَيْت اللَّهَ ذَمَّ الِاخْتِلَافَ في الْمَوْضِعِ الذي أَقَامَ عليهم الْحُجَّةَ ولم يَأْذَنْ لهم فيه قال قد عَرَفْت هذا فما الْوَجْهُ الذي دَلَّك على أَنَّ ما ليس فيه نَصُّ حُكْمٍ وَسِعَ فيه الِاخْتِلَافُ فَقُلْت له فَرَضَ اللَّهُ
____________________

(7/285)


على الناس التَّوَجُّهَ في الْقِبْلَةِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فقال { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ من رَبِّك وما اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } أَفَرَأَيْت إذَا سَافَرْنَا وَاخْتَلَفْنَا في الْقِبْلَةِ فَكَانَ الْأَغْلَبُ على أنها في جِهَةٍ وَالْأَغْلَبُ على غَيْرِي في جِهَةٍ ما الْفَرْضُ عَلَيْنَا فَإِنْ قُلْت الْكَعْبَةُ فَهِيَ وَإِنْ كانت ظَاهِرَةً في مَوْضِعِهَا فَهِيَ مُغَيَّبَةٌ عَمَّنْ نَأَوْا عنها فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَطْلُبُوا التَّوَجُّهَ لها غَايَةَ جُهْدِهِمْ على ما أَمْكَنَهُمْ وَغَلَبَ بِالدَّلَالَاتِ في قُلُوبِهِمْ فإذا فَعَلُوا وَسِعَهُمْ الِاخْتِلَافُ وكان كُلٌّ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ عليه بِالِاجْتِهَادِ في طَلَبِ الْحَقِّ الْمُغَيَّبِ عنه وَقُلْت قال اللَّهُ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وقال { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أَفَرَأَيْت حَاكِمَيْنِ شَهِدَ عِنْدَهُمَا شَاهِدَانِ بِأَعْيَانِهِمَا فَكَانَا عِنْدَ أَحَدِ الْحَاكِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَعِنْدَ الْآخَرِ غير عَدْلَيْنِ قال فَعَلَى الذي هُمَا عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنْ يُجِيزَهُمَا وَعَلَى الْآخَرِ الذي هُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَنْ يَرُدَّهُمَا قُلْت له فَهَذَا الِاخْتِلَافُ قال نعم فَقُلْت له أَرَاك إذَنْ جَعَلْت الِاخْتِلَافَ حُكْمَيْنِ فقال لَا يُوجَدُ في الْمُغَيَّبِ إلَّا هذا وَكُلٌّ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُ وَحُكْمُهُ فَقَدْ أَدَّى ما عليه قُلْت فَهَكَذَا قُلْنَا وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } فَإِنْ حَكَمَ عَدْلَانِ في مَوْضِعٍ بِشَيْءٍ وَآخَرَانِ في مَوْضِعٍ بِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ منه فَكُلٌّ قد اجْتَهَدَ وَأَدَّى ما عليه وَإِنْ اخْتَلَفَا وقال { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } الْآيَةَ وقال عز وجل { فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } أَرَأَيْت إذَا فَعَلَتْ امْرَأَتَانِ فِعْلًا وَاحِدًا وكان زَوْجُ إحْدَاهُمَا يَخَافُ نُشُوزَهَا وَزَوْجُ الْأُخْرَى لَا يَخَافُ بِهِ نُشُوزَهَا قال يَسَعُ الذي يَخَافُ بِهِ النُّشُوزَ الْعِظَةُ وَالْهَجْرُ وَالضَّرْبُ وَلَا يَسَعُ الْآخَرَ الضَّرْبُ وَقُلْت وَهَكَذَا يَسَعُ الذي يَخَافُ أَنْ لَا تُقِيمَ زَوْجَتُهُ حُدُودَ اللَّهِ الْأَخْذُ منها وَلَا يَسَعُ الْآخَرَ وَإِنْ اسْتَوَى فِعْلَاهُمَا قال نعم قال قال وَإِنِّي وان قُلْت هذا فَلَعَلَّ غَيْرِي يُخَالِفُنِي وَإِيَّاكَ وَلَا يَقْبَلُ هذا مِنَّا فَأَيْنَ السُّنَّةُ التي دَلَّتْ على سَعَةِ الِاخْتِلَافِ قُلْت أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فأخطا فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ بن الْهَادِ فَحَدَّثْت بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال وَمَاذَا قُلْت ما وَصَفْنَا من أَنَّ الْحُكَّامَ وَالْمُفْتِينَ إلَى الْيَوْمِ قد اخْتَلَفُوا في بَعْضِ ما حَكَمُوا فيه وَأَفْتَوْا وَهُمْ لَا يَحْكُمُونَ وَيُفْتُونَ إلَّا بِمَا يَسَعُهُمْ عِنْدَهُمْ وَهَذَا عِنْدَك إجْمَاعٌ فَكَيْفَ يَكُونُ إجْمَاعًا إذَا كان مَوْجُودًا في أَفْعَالِهِمْ الِاخْتِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَيَانُ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرْضُ اللَّهِ عز وجل في كِتَابِهِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبَانَ فيه كَيْفَ فَرَضَ بَعْضَهَا حتى اسْتَغْنَى فيه بِالتَّنْزِيلِ عن التَّأْوِيلِ وَعَنْ الْخَبَرِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَحْكَمَ فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَثْبَتَ فَرْضَ ما فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عز وجل { وما آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا } وَبِقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } إلَى { تَسْلِيمًا } وَبِقَوْلِهِ عز وجل { وما كان لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لهم الْخِيرَةُ من أَمْرِهِمْ } مع غَيْرِ آيَةٍ في الْقُرْآنِ بهذا الْمَعْنَى فَمَنْ قَبِلَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل قَبِلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْفَرَائِضُ تَجْتَمِعُ في أنها ثَابِتَةٌ على ما فُرِضَتْ عليه ثُمَّ تَفَرَّقَتْ شَرَائِعُهَا بِمَا فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنُفَرِّقُ بين ما فُرِّقَ منها وَنَجْمَعُ بين ما جُمِعَ منها فَلَا يُقَاسُ فَرْعُ شَرِيعَةٍ على
____________________

(7/286)


غَيْرِهَا وَأَوَّلُ ما نَبْدَأُ بِهِ من الشَّرَائِعِ الصَّلَاةُ فَنَحْنُ نَجِدُهَا ثَابِتَةً على الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ سَاقِطَةً عن الْحُيَّضِ أَيَّامَ حَيْضِهِنَّ ثُمَّ نَجِدُ الْفَرِيضَةَ منها وَالنَّافِلَةَ مُجْتَمَعَتَيْنِ في أَنْ لَا يَجُوزَ الدُّخُولُ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ما كان مَوْجُودًا أو التَّيَمُّمِ في السَّفَرِ وإذا كان الْمَاءُ مَعْدُومًا وفي الْحَضَرِ أو كان الْمَرْءُ مَرِيضًا لَا يُطِيقُ الْوُضُوءَ لِخَوْفِ تَلَفٍ في الْعُضْوِ أو زِيَادَةٍ في الْعِلَّةِ وَنَجِدُهُمَا مُجْتَمَعَتَيْنِ في أَنْ لَا يُصَلَّيَا مَعًا إلَّا مُتَوَجِّهَيْنِ إلَى الْكَعْبَةِ ما كَانَا في الْحَضَرِ وَنَازِلَيْنِ بِالْأَرْضِ وَنَجِدُهُمَا وإذا كَانَا مُسَافِرَيْنِ تَفْتَرِقُ حَالُهُمَا فَيَكُونُ لِلْمُصَلِّي تَطَوُّعًا إنْ كان رَاكِبًا أَنْ يَتَوَجَّهَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ يُومِئُ إيمَاءً وَلَا نَجِدُ ذلك للمصلى فَرِيضَةً بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ من الْخَوْفِ وَنَجِدُ المصلى صَلَاةً تَجِبُ عليه إذَا كان يُطِيقُ وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ لم تَجُزْ عنه الصَّلَاةُ إلَّا قَائِمًا وَنَجِدُ الْمُتَنَفِّلَ يَجُوزُ له أَنْ يصلى جَالِسًا وَنَجِدُ المصلى فَرِيضَةً يُؤَدِّيهَا في الْوَقْتِ قَائِمًا فَإِنْ لم يَقْدِرْ أَدَّاهَا جَالِسًا فَإِنْ لم يَقْدِرْ أَدَّاهَا مُضْطَجِعًا سَاجِدًا إنْ قَدَرَ وَمُومِيًا إنْ لم يَقْدِرْ وَنَجِدُ الزَّكَاةَ فَرْضًا تُجَامِعُ الصَّلَاةَ وَتُخَالِفُهَا وَلَا نَجِدُ الزَّكَاةَ تَكُونُ إلَّا ثَابِتَةً أو سَاقِطَةً فإذا ثَبَتَتْ لم يَكُنْ فيها إلَّا أَدَاؤُهَا مِمَّا وَجَبَتْ في جَمِيعِ الْحَالَاتِ مُسْتَوِيًا لَيْسَتْ تَخْتَلِفُ بِعُذْرٍ كما اخْتَلَفَتْ تَأْدِيَةُ الصَّلَاةِ قَائِمًا أو قَاعِدًا وَنَجِدُ الْمَرْءَ إذَا كان له مَالٌ حَاضِرٌ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وكان عليه دَيْنٌ مِثْلُهُ زَالَتْ عنه الزَّكَاةُ حتى لَا يَكُونَ عليه منها شَيْءٌ في تِلْكَ الْحَالِ وَالصَّلَاةُ لَا تَزُولُ في حَالٍ يُؤَدِّيهَا كما أَطَاقَهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إذَا كان عليه دَيْنٌ عِشْرِينَ دِينَارًا وَلَهُ مِثْلُهَا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ يُؤَدِّيهَا من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها } فلما كانت هذه الْعِشْرُونَ لو وَهَبَهَا جَازَتْ هِبَتُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بها جَازَتْ صَدَقَتُهُ وَلَوْ تَلِفَتْ كانت منه فلما كانت أَحْكَامُهَا كُلِّهَا تَدُلُّ على أنها مَالٌ من مَالِهِ وَجَبَتْ عليه فيها الزَّكَاةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَجِدُ الْمَرْأَةَ ذَاتَ الْمَالِ تَزُولُ عنها الصَّلَاةُ في أَيَّامِ حَيْضِهَا وَلَا تَزُولُ عنها الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ - * بَابُ الصَّوْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَجِدُ الصَّوْمَ فَرْضًا بِوَقْتٍ كما أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ بِوَقْتٍ ثُمَّ نَجِدُ الصَّوْمَ مُرَخَّصًا فيه لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَدَعَهُ وهو مُطِيقٌ له في وَقْتِهِ ثُمَّ يَقْضِيه بَعْدَ وَقْتِهِ وَلَيْسَ هَكَذَا الصَّلَاةُ لَا يُرَخَّصُ في تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا إلَى يَوْمٍ غَيْرِهِ وَلَا يُرَخَّصُ له في أَنْ يَقْصُرَ من الصَّوْمِ شيئا كما يُرَخَّصُ في أَنْ يَقْصُرَ من الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ صَوْمُهُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ حَالَاتِهِ في الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ وَنَجِدُهُ إذَا جَامَعَ في صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وهو وَاجِدٌ أَعْتَقَ وإذا جَامَعَ في الْحَجِّ نَحَرَ بَدَنَةً وَإِنْ جَامَعَ في الصَّلَاةِ اسْتَغْفَرَ ولم تَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ وَالْجِمَاعُ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا مُحَرَّمٌ ثُمَّ يَكُونُ جِمَاعٌ كَثِيرٌ مُحَرَّمٌ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ منه كَفَّارَةٌ ثُمَّ نَجِدُهُ يُجَامِعُ في صَوْمٍ وَاجِبٍ عليه في قَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ أو كَفَّارَةِ قَتْلٍ أو ظِهَارٍ فَلَا يَكُونُ عليه كَفَّارَةٌ وَيَكُونُ عليه الْبَدَلُ في هذا كُلِّهِ وَنَجِدُ الْمُغْمَى عليه وَالْحَائِضَ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا صَلَاةَ فإذا أَفَاقَ الْمُغْمَى عليه وَطَهُرَتْ الْحَائِضُ فَعَلَيْهِمَا قَضَاءُ ما مَضَى من الصَّوْمِ في أَيَّامِ إغْمَاءِ هذا وَحَيْضِ هذه وَلَيْسَ على الْحَائِضِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ في قَوْلِ أَحَدٍ وَلَا على الْمُغْمَى عليه قَضَاءُ الصَّلَاةِ في قَوْلِنَا وَوَجَدْت الْحَجَّ فَرْضًا على خَاصٍّ وهو من وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا ثُمَّ وَجَدْت الْحَجَّ يُجَامِعُ الصَّلَاةَ في شَيْءٍ وَيُخَالِفُهَا في غَيْرِهِ فَأَمَّا ما يُخَالِفُهَا فيه فإن الصَّلَاةَ يَحِلُّ له فيها أَنْ يَكُونَ لَابِسًا لِلثِّيَابِ وَيَحْرُمُ على الْحَاجِّ وَيَحِلُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا عَامِدًا وَلَا يَحِلُّ ذلك للمصلى وَيُفْسِدُ الْمَرْءُ صَلَاتَهُ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَمْضِيَ فيها وَيَكُونُ عليه أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلَاةً غَيْرَهَا بَدَلًا منها وَلَا يُكَفِّرُ وَيَفْسُدُ حَجُّهُ فَيَمْضِي فيه فَاسِدًا لَا يَكُونُ له غَيْرُ ذلك ثُمَّ يُبَدِّلُهُ ويفتدى وَالْحَجُّ في وَقْتٍ وَالصَّلَاةُ في وَقْتٍ فَإِنْ أَخْطَأَ رَجُلٌ في وَقْتِهِ لم يَجُزْ عنه الْحَجُّ ثُمَّ وَجَدْتهمَا
____________________

(7/287)


مَأْمُورَيْنِ بِأَنْ يَدْخُلَ المصلى في وَقْتٍ فَإِنْ دخل المصلى قبل الْوَقْتِ لم تَجُزْ عنه صَلَاتُهُ وَإِنْ دخل الْحَاجُّ قبل الْوَقْتِ أَجْزَأَ عنه حَجُّهُ وَوَجَدْت لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا فَوَجَدْت أَوَّلَهَا التَّكْبِيرَ وَآخِرَهَا التَّسْلِيمَ وَوَجَدْته إذَا عَمِلَ ما يُفْسِدُهَا فِيمَا بين أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا أَفْسَدَهَا كُلَّهَا وَوَجَدْت لِلْحَجِّ أَوَّلًا وَآخِرًا ثُمَّ أجزاء ( ( ( أجزأ ) ) ) بَعْدَهُ فَأَوَّلُهُ الْإِحْرَامُ ثُمَّ آخِرُ أَجْزَائِهِ الرَّمْيُ وَالْحِلَاقُ وَالنَّحْرُ فإذا فَعَلَ هذا خَرَجَ من جَمِيعِ إحْرَامِهِ في قَوْلِنَا وَدَلَالَةِ السُّنَّةِ إلَّا من النِّسَاءِ خَاصَّةً وفي قَوْلِ غَيْرِنَا إلَّا من النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ ثُمَّ وَجَدْته في هذه الْحَالِ إذَا أَصَابَ النِّسَاءَ قبل يَحْلِلْنَ له نَحَرَ بَدَنَةً ولم يَكُنْ مُفْسِدًا لِحَجِّهِ وَإِنْ لم يُصِبْ النِّسَاءَ حتى يَطُوفَ حَلَّ له النِّسَاءُ وَكُلُّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ عليه الْحَجُّ مَعْكُوفًا على نُسُكِهِ من حَجِّهِ من الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى ورمى الْجِمَارِ وَالْوَدَاعِ يَعْمَلُ هذا حَلَالًا خَارِجًا من إحْرَامِ الْحَجِّ وهو لَا يَعْمَلُ شيئا في الصَّلَاةِ إلَّا وَإِحْرَامُ الصَّلَاةِ قَائِمٌ عليه وَوَجَدْته مَأْمُورًا في الْحَجِّ بِأَشْيَاءَ إذَا تَرَكَهَا كان عليه فيها الْبَدَلُ بِالْكَفَّارَةِ من الدِّمَاءِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَحَجَّةٍ وَمَأْمُورًا في الصَّلَاةِ بِأَشْيَاءَ لَا تَعْدُو وَاحِدًا من وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِشَيْءٍ منها فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا تَجْزِيه كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا إلَّا اسْتِئْنَافَ الصَّلَاةِ أو يَكُونُ إذَا تَرَكَ شيئا مَأْمُورًا بِهِ من غَيْرِ صُلْبِ الصَّلَاةِ كان تَارِكًا لِفَضْلٍ وَالصَّلَاةُ مُجْزِيَةٌ عنه وَلَا كَفَّارَةَ عليه ثُمَّ لِلْحَجِّ وَقْتٌ آخَرُ وهو الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ بَعْدَ النَّحْرِ الذي يَحِلُّ له بِهِ النِّسَاءُ ثُمَّ لِهَذَا آخَرُ وهو النَّفْرُ من مِنًى ثُمَّ الْوَدَاعُ وهو مُخَيَّرٌ في النَّفْرِ إنْ أَحَبَّ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ وَإِنْ أَحَبَّ تَأَخَّرَ أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يُمْسِكَنَّ الناس على بِشَيْءٍ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لهم إلَّا ما أَحَلَّ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ عليهم إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا مُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ نَعْرِفُ فِقْهَ طَاوُسٍ وَلَوْ ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبَيَّنَ فيه أَنَّهُ على ما وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال لَا يُمْسِكَنَّ الناس على بِشَيْءٍ ولم يَقُلْ لَا تُمْسِكُوا عَنِّي بَلْ قد أَمَرَ أَنْ يُمْسَكَ عنه وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي النَّضْرِ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا أَعْرِفَنَّ ما جاء أحدكم الْأَمْرَ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أو نَهَيْتُ عنه وهو متكيء ( ( ( متكئ ) ) ) على أَرِيكَتِهِ فيقول ما نَدْرِي هذا ما ( ( ( وما ) ) ) وَجَدْنَا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل اتَّبَعْنَاهُ وقد أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ ما أَمَرَنَا وَاجْتِنَابِ ما نهى عنه وَفَرَضَ اللَّهُ ذلك في كِتَابِهِ على خَلِيقَتِهِ وما في أَيْدِي النَّاس من هذا إلَّا تَمَسَّكُوا بِهِ عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن دَلَالَتِهِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ كان قَالَهُ لَا يُمْسِكَنَّ الناس على بِشَيْءٍ يَدُلُّ على أَنَّ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ كان بِمَوْضِعِ الْقُدْوَةِ فَقَدْ كانت له خَوَاصُّ أُبِيحَ له فيها ما لم يُبَحْ لِلنَّاسِ وَحُرِّمَ عليه منها ما لم يُحَرَّمْ على الناس فقال لَا يُمْسِكَنَّ الناس عَلَيَّ بِشَيْءٍ من الذي لي أو على دُونَهُمْ فَإِنْ كان على وَلِي دُونَهُمْ لَا يُمْسِكُنَّ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا أَحَلَّ له من عَدَدِ النِّسَاءِ ما شَاءَ وَأَنْ يَسْتَنْكِحَ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا له قال اللَّهُ تَعَالَى { خَالِصَةً لَك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } فلم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ قد جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَنَكَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةً بِغَيْرِ مَهْرٍ وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَفِيًّا من الْمَغَانِمِ وكان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد بَيَّنَ في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك له دُونَهُمْ وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عليه أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ في الْمُقَامِ معه وَالْفِرَاقِ فلم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ على أَنْ أُخَيِّرَ امْرَأَتِي على ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كان قَالَهُ لَا يُمْسِكَنَّ الناس عَلَيَّ بِشَيْءٍ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لهم إلَّا ما أَحَلَّ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ عليهم إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ وَافْتَرَضَ عليه أَنْ يَتَّبِعَ ما أوحى إلَيْهِ وَنَشْهَدُ أَنْ قد اتَّبَعَهُ فما لم يَكُنْ فيه وَحْيٌ فَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل في الْوَحْيِ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ فيه فَمَنْ قَبِلَ
____________________

(7/288)


عنه فَإِنَّمَا قَبِلَ بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَعَالَى { وما آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا } وقال عز وَعَلَا { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَأُخْبِرْنَا عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ سَأَلَ بِالْمَدِينَةِ فَاجْتَمَعَ له على أَنَّهُ لَا يَبِينُ حَمْلٌ في أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنَّ اللَّهَ عز وجل وَضَعَ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من كِتَابِهِ وَدِينِهِ بِالْمَوْضِعِ الذي أَبَانَ في كِتَابِهِ فَالْفَرْضُ على خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ لَا يقول فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عليه إلَّا بِمَا أَنْزَلَ عليه وَأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنَّهُ بَيَّنَ عن اللَّهِ عز وَعَلَا مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ وَبَيَانُ ذلك في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وإذا تُتْلَى عليهم آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قال الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أو بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ من تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا ما يُوحَى إلَيَّ } وقال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْك من رَبِّك } وقال مِثْلَ هذا في غَيْرِ آيَةٍ وقال عز وجل { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن عَمْرِو بن أبي عَمْرٍو عن الْمُطَّلِبِ بن حَنْطَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما تَرَكْت شيئا مِمَّا أَمَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَّا وقد أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلَا تَرَكْت شيئا مِمَّا نَهَاكُمْ عنه إلَّا وقد نَهَيْتُكُمْ عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن سَالِمٍ أبي النَّضْرِ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا أُلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ يَأْتِيه الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أو نَهَيْتُ عنه فيقول لَا أَدْرِي ما وَجَدْنَا في كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ وَمِثْلَ هذا إنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ جُمْلَةً في كِتَابِهِ وَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى من عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَعَدَدِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَسُنَنِ الْحَجِّ وما يَعْمَلُ الْمَرْءُ منه وَيَجْتَنِبُ وَأَيُّ الْمَالِ تُؤْخَذُ منه الزَّكَاةُ وَكَمْ وَوَقْتُ ما تُؤْخَذُ منه وقال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال عز ذِكْرُهُ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَلَوْ صِرْنَا إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ قَطَعْنَا من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَضَرَبْنَا كُلَّ من لَزِمَهُ اسْمُ زِنًا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَمَّا قَطَعَ النبي في رُبُعِ دِينَارٍ ولم يَقْطَعْ في أَقَلَّ منه وَرَجَمَ الْحُرَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ ولم يَجْلِدْهُمَا اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَرَادَ بِالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ بَعْضَ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضَ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَمِثْلَ هذا لَا يُخَالِفُهُ الْمَسْحُ على الْخُفَّيْنِ قال اللَّهُ عز وجل { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم ) ) ) وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } فلما مَسَحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْخُفَّيْنِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عز وجل غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ إنَّمَا هو على بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ الْمَسْحَ لِمَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ في الْخُفَّيْنِ بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ اسْتِدْلَالًا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ وَالْفَرْضُ عليه غَسْلُ الْقَدَمِ كما لَا يَدْرَأُ الْقَطْعَ عن بَعْضِ السُّرَّاقِ وَجَلْدَ الْمِائَةِ عن بَعْضِ الزُّنَاةِ وَالْفَرْضُ عليه أَنْ يَجْلِدَ وَيَقْطَعَ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّهُ قد يُرْوَى عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال سَبَقَ الْكِتَابُ الْمَسْحَ على الْخُفَّيْنِ فَالْمَائِدَةُ نَزَلَتْ قبل الْمَسْحِ الْمُثْبَتِ بِالْحِجَازِ في غُزَاةِ تَبُوكَ وَالْمَائِدَةُ قَبْلَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ كان فَرْضَ وُضُوءٍ قبل الْوُضُوءِ الذي مَسَحَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفَرْضَ وُضُوءٍ بَعْدَهُ فَنُسِخَ الْمَسْحُ فَلْيَأْتِنَا بِفَرْضِ وُضُوءَيْنِ في الْقُرْآنِ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فَرْضَ الْوُضُوءِ إلَّا وَاحِدًا وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَسَحَ قَبْلُ يُفْرَضُ عليه الْوُضُوءُ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا وُضُوءٍ وَلَا نَعْلَمُهَا كانت قَطُّ إلَّا بِوُضُوءٍ فَأَيُّ كِتَابٍ سَبَقَ الْمَسْح على الْخُفَّيْنِ الْمَسْحَ كما وَصَفْنَا من الِاسْتِدْلَالِ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما كان جَمِيعُ ما سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من فَرَائِضِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ ما وَصَفْنَا من السَّارِقِ وَالزَّانِي وَغَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَكُونُ سُنَّةٌ أبدأ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ
____________________

(7/289)


(1) * قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ النَّهْيِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ كُلَّ ما نهى عنه فَهُوَ مُحَرَّمٌ حتى تَأْتِيَ عنه دَلَالَةٌ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا نهى عنه لِمَعْنًى غَيْرِ التَّحْرِيمِ إمَّا أَرَادَ بِهِ نَهْيًا عن بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ وَإِمَّا أَرَادَ بِهِ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ عن الْمَنْهِيِّ وَالْأَدَبِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَا نُفَرِّقُ بين نَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِدَلَالَةٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو أَمْرٍ لم يَخْتَلِفْ فيه الْمُسْلِمُونَ فَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ لَا يَجْهَلُونَ سُنَّةً وقد يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهَا بَعْضُهُمْ فمما ( ( ( مما ) ) ) نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَ على التَّحْرِيمِ لم يَخْتَلِفْ أَكْثَرُ الْعَامَّةِ فيه أَنَّهُ نهى عن الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَعَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَهَى عن بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَقُلْنَا وَالْعَامَّةُ مَعَنَا إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ ذَهَبًا بِوَرِقٍ أو ذَهَبًا بِذَهَبٍ فلم يَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نهى عنه صَارَ مُحَرَّمًا وإذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَالْبَيْعَتَانِ جميعا مَفْسُوخَتَانِ بِمَا انْعَقَدَتْ وهو أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك على أَنْ تَبِيعَنِي لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ على أَنَّ مِلْكَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ شيئا ليس في مِلْكِهِ وَنَهَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَمِنْهُ أَنْ أَقُولَ سِلْعَتِي هذه لَك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أو بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ وَجَبَ عليه بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَنْعَقِدْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَبَيْعُ الْغَرَرِ فيه أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ نَكْتَفِي بهذا منها وَنَهَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ فما انْعَقَدَتْ على شَيْءٍ مُحَرَّمٍ على ليس في مِلْكِي بِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنِّي قد مَلَكْت الْمُحَرَّمَ بِالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ فَأَجْرَيْنَا النَّهْيَ مُجْرًى وَاحِدًا إذَا لم يَكُنْ عنه دَلَالَةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ فَفَسَخْنَا هذه الْأَشْيَاءَ وَالْمُتْعَةَ وَالشِّغَارَ كما فَسَخْنَا الْبَيْعَتَيْنِ وَمِمَّا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَعْضِ الْحَالَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالنَّهْيِ عنه أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عنه في حَالٍ دُونَ حَالٍ بِسُنَّتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وذلك ( ( ( ذلك ) ) ) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ فَلَوْلَا الدَّلَالَةُ عنه كان النَّهْيُ في هذا مِثْلَ النَّهْيِ في الْأَوَّلِ فَيَحْرُمُ إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا غَيْرُهُ فلما قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ قال لي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فلما حَلَّتْ من عِدَّتِهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَلَكِنْ انْكِحِي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ قالت فَكَرِهْته فقال انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لَا يَنْهَى عن الْخِطْبَةِ وَيَخْطُبُ على خِطْبَةٍ إلَّا وَنَهْيُهُ عن الْخِطْبَةِ حين تَرْضَى الْمَرْأَةُ فَلَا يَكُونُ بقى إلَّا الْعَقْدُ فَيَكُونُ إذَا خَطَبَ أَفْسَدَ ذلك على الْخَاطِبِ المرضى أو عليها أو عَلَيْهِمَا مَعًا وقد يُمْكِنُ أَنْ يُفْسِدَ ذلك عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يُتِمَّ ما بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَاطِبِ وَلَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ أَخْبَرَتْهُ أنها رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يَخْطُبْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على أُسَامَةَ وَلَكِنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِالْخِطْبَةِ وَاسْتَشَارَتْهُ فَكَانَ في حَدِيثِهَا دَلَالَةٌ على أنها لم تَرْضَ ولم تَرُدَّ فإذا كانت الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْحَالِ جَازَ أَنْ تُخْطَبَ وإذا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَبَدَا لها وَأُمِرَتْ بِأَنْ تَنْكِحَهُ لم يَجُزْ أَنْ تَخْطُبَ في الْحَالِ التي لو زَوَّجَهَا فيها الْوَلِيُّ جَازَ نِكَاحُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن حَالَهَا إذَا كانت بَعْدَ أَنْ تَرْكَنَ بِنَعَمْ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَرْكَنَ فَكَذَلِكَ حَالُهَا حين خُطِبَتْ قبل الرُّكُونِ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا قبل أَنْ تَخْطُبَ وَكَذَلِكَ إذَا أُعِيدَتْ عليها الْخِطْبَةُ
____________________
1- * كِتَابُ صِفَةِ نَهْيِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم )

(7/291)


وقد كانت امْتَنَعَتْ فَسَكَتَتْ وَالسُّكَاتُ قد لَا يَكُونُ رِضًا فَلَيْسَ ها هنا قَوْلٌ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إلَّا ما ذَكَرْت بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَوْلَا الدَّلَالَةُ بِالسُّنَّةِ كانت إذَا خُطِبَتْ حُرِّمَتْ على غَيْرِ خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَخْطُبَهَا حتى يَتْرُكَهَا الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ يَتَفَرَّقُ نَهْيُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على وَجْهَيْنِ فَكُلُّ ما نهى عنه مِمَّا كان مَمْنُوعًا إلَّا بِحَادِثٍ يَحْدُثُ فيه يُحِلُّهُ فَأَحْدَثَ الرَّجُلُ فيه حَادِثًا مَنْهِيًّا عنه لم يُحِلَّهُ وكان على أَصْلِ تَحْرِيمِهِ إذَا لم يَأْتِ من الْوَجْهِ الذي يُحِلُّهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنَّ أَمْوَالَ الناس مَمْنُوعَةٌ من غَيْرِهِمْ وَأَنَّ النِّسَاءَ مَمْنُوعَاتٌ من الرِّجَالِ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَ الرَّجُلُ مَالَ الرَّجُلِ بِمَا يَحِلُّ من بَيْعِ أو هِبَةٍ وَغَيْرِ ذلك وَأَنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أو مِلْكِ يَمِينٍ صَحِيحٍ فإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ شِرَاءً مَنْهِيًّا عنه فَالتَّحْرِيمُ فِيمَا اشْتَرَى قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْتِهِ من الْوَجْهِ الذي يَحِلُّ منه وَلَا يَحِلُّ الْمُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ إذَا نَكَحَ نِكَاحًا مَنْهِيًّا عنه لم تَحِلَّ الْمَرْأَةُ الْمُحَرَّمَةُ ( 1 ) عنه من فِعْلِ شَيْءٍ في مِلْكِي أو شَيْءٍ مُبَاحٍ لي ليس بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ فَذَلِكَ نَهْيُ اخْتِيَارٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَرْتَكِبَهُ فإذا عَمَدَ فِعْلَ ذلك أَحَدٌ كان عَاصِيًا بِالْفِعْلِ وَيَكُونُ قد تَرَكَ الِاخْتِيَارَ وَلَا يَحْرُمُ ما له وَلَا ما كان مُبَاحًا له وَذَلِكَ مِثْلُ ما روى عنه أَنَّهُ أَمَرَ الْآكِلَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيه وَلَا يَأْكُلَ من رَأْسِ الثَّرِيدِ وَلَا يُعَرِّسَ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَلِيهِ أو من رَأْسِ الطَّعَامِ أو عَرَّسَ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ أَثِمَ بِالْفِعْلِ الذي فَعَلَهُ إذَا كان عَالِمًا بِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يُحَرِّمْ ذلك الطعام ( ( ( طعام ) ) ) عليه وَذَلِكَ أَنَّ الطَّعَامَ غَيْرُ الْفِعْلِ ولم يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ يَحِلُّ له بِهِ الطَّعَامُ كان حَلَالًا فَلَا يَحْرُمُ الْحَلَالُ عليه بِأَنْ عَصَى في الْمَوْضِعِ الذي جاء منه الْأَكْلُ وَمِثْلُ ذلك النَّهْيُ عن التَّعْرِيسِ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ الطَّرِيقُ له مُبَاحٌ وهو عَاصٍ بِالتَّعْرِيسِ على الطَّرِيقِ وَمَعْصِيَتُهُ لَا تُحَرِّمُ عليه الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا قُلْت يَكُونُ فيها عَاصِيًا إذَا قَامَتْ الْحُجَّةُ على الرَّجُلِ بِأَنَّهُ كان عَلِمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/292)


كتاب إبطال الإستحسان
____________________

(7/293)


(1) * الْحَمْدُ لِلَّهِ على جَمِيعِ نِعَمِهِ بِمَا هو أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي له وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ بِكِتَابٍ عَزِيزٍ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا من خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ فَهَدَى بِكِتَابِهِ ثُمَّ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا أَنْعَمَ عليه وَأَقَامَ الْحُجَّةَ على خَلْقِهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وقال { ونْزَلْنَا عليك ( ( ( إليك ) ) ) الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً } وقال { وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ } وَفَرَضَ عليهم اتِّبَاعَ ما أُنْزِلَ عليه وَسَنَّ رَسُولُهُ لهم فقال { وما كان لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لهم الْخِيَرَةُ من أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فأعلم أَنَّ مَعْصِيَتَهُ في تَرْكِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ولم يَجْعَلْ لهم إلَّا اتِّبَاعَهُ وَكَذَلِكَ قال لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ من نَشَاءُ من عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ } مع ما أَعْلَمَ نَبِيَّهُ بِمَا فَرَضَ من اتِّبَاعِ كِتَابِهِ فقال { فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ أَكْمَلَ لهم دِينَهُمْ فقال عز وجل { الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } وَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل لِخَلْقِهِ أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ فِيمَا أَثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عليه على ما عَلِمَ من سَرَائِرِهِمْ وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ أو خَالَفَتْهَا وَإِنَّمَا جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَحْبَطَ عَمَلَ كل من كَفَرَ بِهِ ثُمَّ قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَنْ فُتِنَ عن دِينِهِ { إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ وَالْمَأْثَمَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ وَقُلُوبُهُمْ على الطُّمَأْنِينَةِ بِالْإِيمَانِ وَخِلَافِ الْكُفْرِ وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ حتى يُؤْمِنُوا وَأَبَانَ ذلك جَلَّ وَعَزَّ حتى يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقِينَ إذَا أَسَرُّوا نَارَ جَهَنَّمَ فقال { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } وقال { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من الْقَتْلِ فَمَنَعَهُمْ من الْقَتْلِ ولم يُزِلْ عَنْهُمْ في الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْإِيمَانِ بما ( ( ( مما ) ) ) أَظْهَرُوا منه وَأَوْجَبَ لهم الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ من النَّارِ بعلمه ( ( ( لعلمه ) ) ) بِسَرَائِرِهِمْ وَخِلَافِهَا لِعَلَانِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ فَأَعْلَمَ عِبَادَهُ مع ما أَقَامَ عليهم من الْحُجَّةِ بِأَنْ ليس كَمِثْلِهِ أَحَدٌ في شَيْءٍ أن عِلْمَهُ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَاحِدٌ فقال تَعَالَى ذِكْرُهُ { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ } وقال عز وَعَلَا { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ } مع آيَاتٍ أُخَرَ من الْكِتَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَرَّفَ جَمِيعَ خَلْقِهِ في كِتَابِهِ أَنْ لَا عِلْمَ إلَّا ما عَلَّمَهُمْ فقال عز وجل { وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ من بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شيئا } وقال { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ من عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ } قال الشَّافِعِيُّ ثُمَّ مَنَّ عليهم بِمَا آتَاهُمْ من الْعِلْمِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عليه وَأَنْ لَا يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا بِمَا عَلَّمَهُمْ وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْك رُوحًا من أَمْرِنَا ما كُنْت تَدْرِي ما الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } وقال عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وقال لِنَبِيِّهِ { قُلْ ما كُنْت بِدْعًا من الرُّسُلِ وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } ثُمَّ أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ أَنْ قد غَفَرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ قبل الْوَحْيِ وما تاخر أَنْ يَعْصِمَهُ فَلَا يُذْنِبُ فَعَلِمَ ما يَفْعَلُ بِهِ من رِضَاهُ عنه وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يوم الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَلَا تَقْفُ ما ليس لَك بِهِ عِلْمٌ } وَجَاءَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- * كِتَابُ إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ

(7/294)


رَجُلٌ في امْرَأَةِ رَجُلٍ رَمَاهَا بالزنى فقال له يرجع ( ( ( يرجم ) ) ) فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ آيَةَ اللِّعَانِ فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وقال اللَّهُ تَعَالَى { قُلْ لَا يَعْلَمُ من في السماوات وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ } وقال { إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الْأَرْحَامِ } الْآيَةَ وقال لِنَبِيِّهِ { يَسْأَلُونَك عن السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أنت من ذِكْرَاهَا إلى ربك منتهاها } فَحَجَبَ عن نَبِيِّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ وكان من جَاوَرَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفِينَ من عِبَادِ اللَّهِ أَقْصَرَ عِلْمًا من مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ على خَلْقِهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ ولم يَجْعَلْ لهم بَعْدُ من الْأَمْرِ شيئا وَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَاطَوْا حُكْمًا على غَيْبِ أَحَدٍ لَا بِدَلَالَةٍ وَلَا ظَنٍّ لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِمْ عن عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عليهم حتى يأتيهم ( ( ( يأتينهم ) ) ) أَمْرُهُ فإنه جَلَّ وَعَزَّ ظَاهَرَ عليهم الْحُجَجَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِمْ من الْحُكْمِ في الدُّنْيَا بِأَنْ لَا يَحْكُمُوا إلَّا بِمَا ظَهَرَ من الْمَحْكُومِ عليه وَأَنْ لَا يُجَاوِزُوا أَحْسَنَ ظَاهِرِهِ فَفَرَضَ على نَبِيِّهِ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمُوا وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَرَائِرَهُمْ في صِدْقِهِمْ بِالْإِسْلَامِ إلَّا اللَّهُ فقال عز وجل لِنَبِيِّهِ { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِدْقِهِنَّ بِإِيمَانِهِنَّ قال { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } يَعْنِي ما أَمَرَتْكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا بِهِ فِيهِنَّ إذَا أَظْهَرْنَ الْإِيمَانَ لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ من صِدْقِهِنَّ بِالْإِيمَانِ ما يَعْلَمُ اللَّهُ فَاحْكُمُوا لَهُنَّ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ في أَنْ { فلا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } قال الشَّافِعِيُّ ثُمَّ أَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ على قَوْمٍ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّونَ غَيْرَهُ ولم يَجْعَلْ له أَنْ يَحْكُمَ عليهم بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ولم يَجْعَلْ له أَنْ يقضى عليهم في الدُّنْيَا بِخِلَافِ ما أَظْهَرُوا فقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { قالت الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَسْلَمْنَا يَعْنِي أَسْلَمْنَا بِالْقَوْلِ بِالْإِيمَانِ مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ رَسُولِهِ وقال له في الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ صِنْفٌ ثَانٍ { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ } إلَى { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ } جُنَّةً يعنى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَيْمَانَهُمْ بِمَا يُسْمَعُ منهم من الشِّرْكِ بَعْدَ إظْهَارِ الْإِيمَانِ جُنَّةً من الْقَتْلِ وقال في الْمُنَافِقِينَ { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ } الْآيَةَ فَأَمَرَ بِقَبُولِ ما أَظْهَرُوا ولم يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَحْكُمَ عليهم خِلَافَ حُكْمِ الْإِيمَانِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على من بَعْدَهُمْ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ وَهُمْ يُعْرَفُونَ أو بَعْضُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ منهم من تَقُومُ عليه الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِ الْكُفْرِ وَمِنْهُمْ من عليه الدَّلَالَةُ في أَفْعَالِهِ فإذا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ منه وَالْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ حُقِنَتْ عليهم دِمَاؤُهُمْ وَجَمَعَهُمْ ذِكْرُ الْإِسْلَامِ وقد أَعْلَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ فقال { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } فَجَعَلَ حُكْمَهُ عليهم جَلَّ وَعَزَّ على سَرَائِرِهِمْ وَحُكْمَ نَبِيِّهِ عليهم في الدُّنْيَا على عَلَانِيَتِهِمْ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ وما قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ من الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ وما أَقَرُّوا بِقَوْلِهِ وما جَحَدُوا من قَوْلِ الْكُفْرِ مِمَّا لم يُقِرُّوا بِهِ ولم تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ عليهم وقد كَذَّبَهُمْ على قَوْلِهِمْ في كُلٍّ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَطَاءِ بن يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَدِيِّ بن الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلًا سَارَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نَدْرِ ما سَارَّهُ حتى جَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا هو يُشَاوِرُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ من الْمُنَافِقِينَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال بَلَى وَلَا شَهَادَةَ له فقال أَلَيْسَ يُصَلِّي قال بَلَى وَلَا صَلَاةَ له فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أخبرنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ عن عَطَاءِ بن يَزِيدَ
____________________

(7/295)


عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ قال شَهِدْت من نِفَاقِ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قالوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَعْلَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ فَرَضَ اللَّهِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حتى يُظْهِرُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا فَعَلُوا مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا يعنى إلَّا بِمَا يَحْكُمُ اللَّهُ تَعَالَى عليهم فيها وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ بِصِدْقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ وَاَللَّهُ الْعَالِمُ بِسَرَائِرِهِمْ المتولى الْحُكْمَ عليهم دُونَ أَنْبِيَائِهِ وَحُكَّامِ خَلْقِهِ وَبِذَلِكَ مَضَتْ أَحْكَامُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بين الْعِبَادِ من الْحُدُودِ وَجَمِيعِ الْحُقُوقِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ على ما يُظْهِرُونَ وَأَنَّ اللَّهَ يَدِينُ بِالسَّرَائِرِ أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعَجْلَانِيُّ وهو أُحَيْمِرٌ سِبْطٌ نِضْوُ الْخَلْقِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت شَرِيكَ بن السَّحْمَاءِ يَعْنِي بن عَمِّهِ وهو رَجُلٌ عَظِيمُ الإليتين أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ حَادُّ الْخُلُقِ يُصِيبُ فلانه يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى وما قَرِبْتهَا مُنْذُ كَذَا فَدَعَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرِيكًا فَجَحَدَ وَدَعَا الْمَرْأَةَ فَجَحَدَتْ فَلَاعَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَهِيَ حُبْلَى ثُمَّ قال اُبْصُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ عليها وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أحيمر ( ( ( أحيمرا ) ) ) كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد كَذَبَ فَجَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما قَضَى اللَّهُ يعنى أَنَّهُ لَمِنْ زِنًا لَوْلَا ما قَضَى اللَّهُ من أَنْ لَا يَحْكُمَ على أَحَدٍ إلَّا بِإِقْرَارٍ أو اعْتِرَافٍ على نَفْسِهِ لَا يَحِلُّ بِدَلَالَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كانت بَيِّنَةٌ وقال لَوْلَا ما قَضَى اللَّهُ لَكَانَ لي فِيهِمَا قَضَاءٌ غَيْرُهُ ولم يَعْرِضْ لِشَرِيكٍ وَلَا لِلْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ وهو يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الزَّوْجَ هو الصَّادِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرني عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرِ بن عبد يَزِيدَ أَنَّ رُكَانَةَ بن عبد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ البتة ثُمَّ أتى إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت أمرأتي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال ركانه وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ في زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ في زَمَانِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي جَمِيعِ ما وَصَفْت وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَغْنَيْت بِمَا كَتَبْت عنه مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى على الْحُكَّامِ في الدُّنْيَا دَلِيلٌ على أَنَّ حَرَامًا على حَاكِمٍ أَنْ يقضى أَبَدًا على أَحَدٍ من عِبَادِ اللَّهِ إلَّا بِأَحْسَنِ ما يَظْهَرُ وَأَخَفِّهِ على الْمَحْكُومِ عليه وَإِنْ احْتَمَلَ ما يَظْهَرُ منه غير أَحْسَنِهِ كانت عليه دَلَالَةٌ بِمَا يَحْتَمِلُ ما يُخَالِفُ أَحْسَنَهُ وَأَخَفَّهُ عليه أو لم تَكُنْ لِمَا حَكَمَ اللَّهُ في الْأَعْرَابِ الَّذِينَ قالوا آمَنَّا وَعَلِمَ اللَّهُ أن الْإِيمَانَ لم يَدْخُلْ في قُلُوبِهِمْ وما حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ في الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا وَأَنَّهُمْ كَذَبَةٌ بِمَا أَظْهَرُوا من الْإِيمَانِ وَبِمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُتَلَاعِنَيْنِ حين وَصَفَ قبل أَنْ تَلِدَ إنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ فجاءت ( ( ( فجاء ) ) ) بِهِ على الْوَصْفِ الذي قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِزَوْجِهَا فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ أَيْ لقد زَنَتْ وَزَنَى بها شَرِيكٌ الذي رَمَاهُ زَوْجُهَا بِالزِّنَى ثُمَّ لم يَجْعَلْ اللَّهُ إلَيْهِمَا سَبِيلًا إذَا لم يُقِرَّا ولم تَقُمْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ وَأَبْطَلَ في حُكْمِ الدُّنْيَا عَلَيْهِمَا اسْتِعْمَالَ الدَّلَالَةِ التي لَا يُوجَدُ في الدُّنْيَا دَلَالَةٌ بَعْدَ دَلَالَةِ اللَّهِ على الْمُنَافِقِينَ وَالْأَعْرَابِ أَقْوَى
____________________

(7/296)


مِمَّا أَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَوْلُودِ امْرَأَةِ الْعَجْلَانِيِّ قبل يَكُونُ ثُمَّ كان كما أَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَغْلَبُ على من سمع الْفَزَارِيّ يقول لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَعَرَّضَ بِالْقَذْفِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَذْفَ ثُمَّ لم يَحُدَّهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ لم يَكُنْ التَّعْرِيضُ ظَاهِرَ قَذْفٍ فلم يَحْكُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه حُكْمَ الْقَاذِفِ وَالْأَغْلَبُ على من سمع قَوْلَ رُكَانَةَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ البتة أَنَّهُ يُعْقَلُ أَنَّهُ قد أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَأَنَّ البتة إرَادَةُ شَيْءٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِبْتَاتَ بِثَلَاثٍ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كان ظَاهِرًا في قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لم يَحْكُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِظَاهِرِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ وَاحِدَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ حَكَمَ على الناس بِخِلَافِ ما ظَهَرَ عليهم اسْتِدْلَالًا على أَنَّ ما أَظْهَرُوا يَحْتَمِلُ غير ما أَظْهَرُوا بِدَلَالَةٍ منهم أو غَيْرِ دَلَالَةٍ لم يَسْلَمْ عِنْدِي من خِلَافِ التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ من رَجَعَ عن الْإِسْلَامِ مِمَّنْ وُلِدَ على الْإِسْلَامِ قَتَلْته ولم أَسْتَتِبْهُ وَمَنْ رَجَعَ عنه مِمَّنْ لم يُولَدْ على الْإِسْلَامِ اسْتَتَبْته ولم يَحْكُمْ اللَّهُ تَعَالَى على عِبَادِهِ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ من رَجَعَ عن الْإِسْلَامِ مِمَّنْ أَظْهَرَ نَصْرَانِيَّةً أو يَهُودِيَّةً أو دِينًا يُظْهِرُ كَالْمَجُوسِيَّةِ اسْتَتَبْته فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُبِلَتْ منه وَمَنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُخْفِيهِ لم أَسْتَتِبْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلٌّ قد بَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ وَرَجَعَ إلَى الْكُفْرِ فَكَيْفَ يُسْتَتَابُ بَعْضُهُمْ وَلَا يُسْتَتَابُ بَعْضٌ وَكُلٌّ بَاطِلٌ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُ تَوْبَةَ الذي يُسِرُّ دِينَهُ قِيلَ وَلَا يَعْرِفُهَا إلَّا اللَّهُ وَهَذَا مع خِلَافِهِ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ كَلَامٌ مُحَالٌ يُسْأَلُ من قال هذا هل تَدْرِي لَعَلَّ الذي كان أَخْفَى الشِّرْكَ يَصْدُقُ بِالتَّوْبَةِ وَاَلَّذِي كان أَظْهَرَ الشِّرْكَ يَكْذِبُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَتَدْرِي لَعَلَّك قَتَلْت الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ بِالْإِيمَانِ وَاسْتَحْيَيْت الْكَاذِبَ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ فَإِنْ قال ليس على إلَّا الظَّاهِرُ قِيلَ فَالظَّاهِرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وقد جَعَلْته اثْنَيْنِ بِعِلَّةٍ مُحَالَةٍ وَالْمُنَافِقُونَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُظْهِرُوا يَهُودِيَّةً وَلَا نَصْرَانِيَّةً وَلَا مَجُوسِيَّةً بَلْ كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ بِدِينِهِمْ فَيَقْبَلُ منهم ما يُظْهِرُونَ من الْإِيمَانِ فَلَوْ كان قَائِلُ هذا الْقَوْلِ حين خَالَفَ السُّنَّةَ أَحْسَنَ أَنْ يَعْتَلَّ بِشَيْءٍ له وَجْهٌ وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُهَا وَيَعْتَلُّ بِمَا لَا وَجْهَ له كَأَنَّهُ يَرَى النَّصْرَانِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِتْيَانِ الْكَنَائِسِ أَرَأَيْت إذَا كَانُوا بِبِلَادٍ لَا كَنَائِسَ فيها أَمَا يُصَلُّونَ في بُيُوتِهِمْ فَتَخْفَى صَلَاتُهُمْ على غَيْرِهِمْ قال وما وَصَفْت من حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُتَلَاعِنَيْنِ أن جَاءَتْ بِهِ الْمُتَلَاعِنَةُ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ يَبْطُلُ حُكْمُ الدَّلَالَةِ التي هِيَ أَقْوَى من الذَّرَائِعِ فإذا أُبْطِلَ الْأَقْوَى من الدَّلَائِلِ أُبْطِلَ له الْأَضْعَفُ من الذَّرَائِعِ كُلِّهَا وَأُبْطِلَ الْحَدُّ في التَّعْرِيضِ بِالدَّلَالَةِ فإن من الناس من يقول إذَا تَشَاتَمَ الرَّجُلَانِ فقال أَحَدُهُمَا ما أبي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ إذَا قَالَهُ على الْمُشَاتَمَةِ فَالْأَغْلَبُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ قَذْفَ أُمِّ الذي يُشَاتِمُ وَأَبِيهِ وَإِنْ قَالَهُ على غَيْرِ الْمُشَاتَمَةِ لم أَحُدَّهُ إذَا قال لم أُرِدْ الْقَذْفَ مع إبْطَالِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُكْمَ التَّعْرِيضِ في حديث الْفَزَارِيّ الذي وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ غُلَامًا أَسْوَدَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن عُمَرَ حَدَّ في التَّعْرِيضِ في مِثْلِ هذا قِيلَ وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ وَمَعَ من خَالَفَهُ ما وَصَفْنَا من الدَّلَالَةِ وَيَبْطُلُ مِثْلُهُ من قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ البتة لِأَنَّ طَالِقَ إيقَاعُ طَلَاقٍ ظَاهِرٍ وَالْبَتَّةَ تَحْتَمِلُ زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ وَغَيْرَ زِيَادَةٍ فَعَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في الذى يَحْتَمِلُ غير الظَّاهِرِ حتى لَا يَحْكُمَ عليه أَبَدًا إلَّا بِظَاهِرٍ وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فى غَيْرِ الظَّاهِرِ قال وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ عقدا ( ( ( عقد ) ) ) أَبَدًا إلَّا بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ بِشَيْءٍ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَهُ وَلَا بِتَوَهُّمٍ وَلَا بِأَغْلَبَ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ لَا تُفْسِدُهُ إلَّا بِعَقْدِهِ وَلَا تفسد ( ( ( نفسد ) ) ) الْبُيُوعَ بِأَنْ يَقُولَ هذه ذَرِيعَةٌ وَهَذِهِ نِيَّةُ سُوءٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ نُبْطِلَ من الْبُيُوعِ بِأَنْ يُقَال مَتَى خاف ( ( ( خالف ) ) ) أَنْ تَكُونَ
____________________

(7/297)


ذَرِيعَةً إلَى الذي لَا يَحِلُّ كان أَنْ يَكُونَ الْيَقِينُ من الْبُيُوعِ بِعَقْدِ ما لَا يَحِلُّ أَوْلَى أَنْ يُرَدَّ بِهِ من الظَّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو اشْتَرَى سَيْفًا وَنَوَى بِشِرَائِهِ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ كان الشِّرَاءُ حَلَالًا وَكَانَتْ النِّيَّةُ بِالْقَتْلِ غير جَائِزَةٍ ولم يَبْطُلْ بها الْبَيْعُ قال وَكَذَلِكَ لو بَاعَ الْبَائِعُ سَيْفًا من رَجُلٍ يَرَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ رَجُلًا كان هَكَذَا وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى فَرَسًا وهو يَرَاهَا عَقُوقًا فقال هو وَاَللَّهِ ما اشْتَرَيْتهَا بِمِائَةٍ إلَّا لِعِقَاقِهَا وما تَسْوَى لَوْلَا الْعِقَاقُ خَمْسِينَ وقال الْبَائِعُ ما أَرَدْت منها الْعِقَاقَ لم يَفْسُدْ الْبَيْعُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إذَا انْعَقَدَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ على الْفَرَسِ ولم يُشْتَرَطْ فيها الْعِقَاقُ وَلَوْ اُشْتُرِطَ فيها الْعِقَاقُ فَسَدَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ بَيْعُ ما لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أو لَا يَكُونُ أَلَا تَرَى لو أَنَّ رَجُلًا شَرِيفًا نَكَحَ دَنِيَّةً أَعْجَمِيَّةً أو شَرِيفَةً نَكَحَتْ دَنِيًّا أَعْجَمِيًّا فَتَصَادَقَا في الْوَجْهَيْنِ على أَنْ لم يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنْ يَثْبُتَا على النِّكَاحِ أَكْثَرَ من لَيْلَةٍ لم يَحْرُمْ النِّكَاحُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ عُقْدَتِهِ كانت صَحِيحَةً إنْ شَاءَ الزَّوْجُ حَبَسَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا فإذا دَلَّ الْكِتَابُ ثُمَّ السَّنَةُ ثُمَّ عَامَّةُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ على أَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالظَّاهِرِ عَقْدُهَا وَلَا يُفْسِدُهَا نِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ كانت الْعُقُودُ إذَا عُقِدَتْ في الظَّاهِرِ صَحِيحَةً أَوْلَى أَنْ لَا تَفْسُدَ بِتَوَهُّمِ غَيْرِ عَاقِدِهَا على عَاقِدِهَا ثَمَّ سِيَّمَا إذَا كان تَوَهُّمًا ضَعِيفًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما وَصَفْت مع ما أنا ذَاكِرٌ وَسَاكِتٌ عنه اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْت منه عَمَّا لم أَذْكُرْ من حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ على أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَنْ اسْتَأْهَلَ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا أو مُفْتِيًا أَنْ يَحْكُمَ وَلَا أَنْ يفتى إلَّا من جِهَةِ خَبَرٍ لَازِمٍ وَذَلِكَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ أو ما قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فيه أو قِيَاسٌ على بَعْضِ هذا ولا يَجُوزُ له أَنْ يَحْكُمَ وَلَا يفتى بِالِاسْتِحْسَانِ إذْ لم يَكُنْ الِاسْتِحْسَانُ وَاجِبًا وَلَا في وَاحِدٍ من هذه الْمَعَانِي فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يَدُلُّ على أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَسْتَحْسِنَ إذَا لم يَدْخُلْ الِاسْتِحْسَانُ في هذه الْمَعَانِي مع ما ذَكَرْت في كِتَابِك هذا قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } فلم يَخْتَلِفْ أَهْلُ العلم ( ( ( العمل ) ) ) بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ السُّدَى الذي لَا يُؤْمَرُ وَلَا ينهي وَمَنْ أَفْتَى أو حَكَمَ بِمَا لم يُؤْمَرْ بِهِ فَقَدْ أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ في مَعَانِي السُّدَى وقد أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لم يَتْرُكْهُ سُدًى وَرَأَى أَنْ قال أَقُولُ بِمَا شِئْت وَادَّعَى ما نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ في هذا وفي السُّنَنِ فَخَالَفَ مِنْهَاجَ النَّبِيِّينَ وَعَوَامَّ حُكْمِ جَمَاعَةِ من رَوَى عنه من الْعَالِمِينَ فَإِنْ قال فَأَيْنَ ما ذَكَرْت من الْقُرْآنِ وَمِنْهَاجِ النَّبِيِّينَ صلى اللَّهُ عليهم وسلم أَجْمَعِينَ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْك من رَبِّك } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتْبَعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ ثُمَّ جَاءَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عن أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهِمْ فقال أُعْلِمُكُمْ غَدًا يعنى أَسْأَلُ جِبْرِيلَ ثُمَّ أُعْلِمُكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } الْآيَةَ وَجَاءَتْهُ امْرَأَةُ أَوْسِ بن الصَّامِتِ تَشْكُو إلَيْهِ أَوْسًا فلم يُجِبْهَا حتى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { قد سمع اللَّهُ قَوْلَ التي تُجَادِلُك في زَوْجِهَا } وَجَاءَهُ الْعَجْلَانِيُّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ قال لم يَنْزِلْ فِيكُمَا وَانْتَظَرَ الْوَحْيَ فلما نَزَلَ دَعَاهُمَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا كما أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل وقال لِنَبِيِّهِ { وأن اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وقال عز وجل { يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بين الناس بِالْحَقِّ } الْآيَةَ وَلَيْسَ يُؤْمَرُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكُمَ بِحَقٍّ إلَّا وقد عَلِمَ الْحَقَّ وَلَا يَكُونُ الْحَقُّ مَعْلُومًا إلَّا عن اللَّهِ نَصًّا أو دَلَالَةً من اللَّهِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ الْحَقَّ في كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ نَازِلَةٌ إلَّا وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عليها نَصًّا أو جُمْلَةً فَإِنْ قال وما النَّصُّ وَالْجُمْلَةُ قِيلَ النَّصُّ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَأَحَلَّ نَصًّا حَرَّمَ الْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَأَبَاحَ من سِوَاهُنَّ وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ فقال { فاغسلوا ( ( ( اغسلوا ) ) ) وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ }
____________________

(7/298)


الْآيَةَ فَكَانَ مُكْتَفًى بِالتَّنْزِيلِ في هذا عن الِاسْتِدْلَالِ فِيمَا نَزَلَ فيه مع أَشْبَاهٍ له فَإِنْ قِيلَ فما الْجُمْلَةُ قِيلَ ما فَرَضَ اللَّهُ من صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ فَدَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَيْفَ الصَّلَاةُ وَعَدَدَهَا وَوَقْتَهَا وَالْعَمَلَ فيها وَكَيْفَ الزَّكَاةُ وفي أَيِّ الْمَالِ هِيَ وفي أَيِّ وَقْتٍ هِيَ وَكَمْ قَدْرُهَا وَبَيَّنَ كَيْفَ الْحَجُّ وَالْعَمَلَ فيه وما يَدْخُلُ به فيه وما يَخْرُجُ بِهِ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُقَالُ لِهَذَا كما قِيلَ لِلْأَوَّلِ قُبِلَ عن اللَّهِ قِيلَ نعم فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قِيلَ قُبِلَ عن اللَّهِ لِكَلَامِهِ جُمْلَةً وَقَبْلَ تَفْسِيرِهِ عن اللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ نَبِيِّهِ فقال عز وجل { وما آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا } وقال { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } مع ما فَرَضَ من طَاعَةِ رَسُولِهِ فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مَقْبُولٌ عن اللَّهِ كما وَصَفْت فَهَلْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِوَحْيٍ قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن طَاوُسٍ قال الرَّبِيعُ هو عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا من الْعُقُولِ نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا قَطُّ إلَّا بِوَحْيٍ فَمِنْ الْوَحْيِ ما يُتْلَى وَمِنْهُ ما يَكُونُ وَحْيًا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَسْتَنُّ بِهِ أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن عَمْرِو بن أبي عَمْرٍو عن الْمُطَّلِبِ بن حَنْطَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما تَرَكْت شيئا مِمَّا أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِهِ إلَّا وقد أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلَا شيئا مِمَّا نَهَاكُمْ عنه إلَّا وقد نَهَيْتُكُمْ عنه وَإِنَّ الرَّوْحَ الْأَمِينَ قد ألقي في روعى أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حتى تستوفى رِزْقَهَا فأجملوا ( ( ( فأحملوا ) ) ) في الطَّلَبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ ما لم يَتْلُ قرأنا إنَّمَا أَلْقَاهُ جِبْرِيلُ في رَوْعِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ فَكَانَ وَحْيًا إلَيْهِ وَقِيلَ جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ لِمَا شَهِدَ له بِهِ من أَنَّهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَنْ يُسِنَّ وَأَيُّهُمَا كان فَقَدْ أَلْزَمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ ولم يَجْعَلْ لهم الْخِيرَةَ من أَمْرِهِمْ فِيمَا سَنَّ لهم وَفَرَضَ عليهم اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في قَبُولِ ما اجْتَمَعَ الناس عليه قِيلَ لَمَّا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ لِلُّزُومِ جَمَاعَتِهِمْ مَعْنًى إلَّا لُزُومَ قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ وكان مَعْقُولًا أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ لَا تَجْهَلُ كُلُّهَا حُكْمًا لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ الْجَهْلَ لَا يَكُونُ إلَّا في خَاصٍّ وَأَمَّا ما اجْتَمَعُوا عليه فَلَا يَكُونُ فيه الْجَهْلُ فَمَنْ قَبِلَ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ فَبِدَلَالَةِ سنة رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل قَوْلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت ما لم يَمْضِ فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا يُوجَدُ الناس اجْتَمَعُوا عليه فَأَمَرْت بِأَنْ يُؤْخَذَ قِيَاسًا على كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أَيُقَالُ لِهَذَا قُبِلَ عن اللَّهِ قِيلَ نعم قُبِلَتْ جُمْلَتُهُ عن اللَّهِ فَإِنْ قِيلَ ما جُمْلَتُهُ قِيلَ الِاجْتِهَادُ فيه على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنْ قِيلَ أَفَيُوجَدُ في الْكِتَابِ دَلِيلٌ عن ما وَصَفْت قِيلَ نعم نَسَخَ اللَّهُ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفَرَضَ على الناس التَّوَجُّهَ إلَى الْبَيْتِ فَكَانَ على من رَأَى الْبَيْتَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ بِالْعِيَانِ وَفَرَضَ اللَّهُ على من غَابَ عنه الْبَيْتُ أَنْ يولى وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ الْبَيْتَ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَانَ الْمُحِيطُ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْبَيْتَ بِالْمُعَايَنَةِ وَالْمُتَوَجِّهُ قَصَدَ الْبَيْتَ مِمَّنْ غَابَ عنه قَابِلَيْنِ عن اللَّهِ مَعًا التَّوَجُّهَ إلَيْهِ وَأَحَدُهُمَا على الْإِحَاطَةِ وَالْآخَرُ مُتَوَجِّهٌ بِدَلَالَةٍ فَهُوَ على إحَاطَةٍ من صَوَابِ جُمْلَةِ ما كُلِّفَ وَعَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ كَإِحَاطَةِ الذي يَرَى الْبَيْتَ من صَوَابِ الْبَيْتِ ولم يُكَلَّفْ الْإِحَاطَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قِيلَ فبم ( ( ( فيم ) ) ) يُتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى { وهو الذي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بها في ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } وقال { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } وَكَانَتْ الْعَلَامَاتُ جِبَالًا يَعْرِفُونَ مَوَاضِعَهَا من الْأَرْضِ وَشَمْسًا وَقَمَرًا وَنَجْمًا مِمَّا يَعْرِفُونَ من الْفَلَكِ وَرِيَاحًا يَعْرِفُونَ مَهَابَّهَا على الْهَوَاءِ تَدُلُّ على قَصْدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَجَعَلَ عليهم طَلَبَ الدَّلَائِلِ على شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فقال { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وحيث ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وكان مَعْقُولًا عن اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُهُمْ بِتَوْلِيَةِ وُجُوهِهِمْ شَطْرَهُ بِطَلَبِ الدَّلَائِلِ عليه لَا بِمَا اسْتَحْسَنُوا وَلَا بِمَا سَنَحَ في قُلُوبِهِمْ وَلَا خَطَرَ على أَوْهَامِهِمْ بِلَا دَلَالَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ لهم لِأَنَّهُ قَضَى أَنْ لَا يَتْرُكَهُمْ سُدًى وكان مَعْقُولًا عنه أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا شَطْرَهُ وَغَيَّبَ عَنْهُمْ عَيْنَهُ أَنْ لم يَجْعَلْ لهم أَنْ يَتَوَجَّهُوا حَيْثُ شاؤوا
____________________

(7/299)


لَا قَاصِدِينَ له بِطَلَبِ الدَّلَالَةِ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال اللَّهُ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } فَكَانَ على الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَقْبَلُوا إلَّا عَدْلًا في الظَّاهِرِ وَكَانَتْ صِفَاتُ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفَةً وقد وَصَفْتهَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وقد يَكُونُ في الظَّاهِرِ عَدْلًا وَسَرِيرَتُهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَكِنَّ اللَّهُ لم يُكَلِّفْهُمْ ما لم يَجْعَلْ لهم السَّبِيلَ إلَى علمه ( ( ( عمله ) ) ) ولم يَجْعَلْ لهم إذْ كان يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يَرُدُّوا من ظَهَرَ منه خِلَافُ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الذي ظَهَرَ منه خِلَافُ الْعَدْلِ خَيْرًا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل من الذي ظَهَرَ منه الْعَدْلُ وَلَكِنْ كُلِّفُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا على ما يَعْلَمُونَ من الظَّاهِرِ الذي لم يُؤْتَوْا أَكْثَرَ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَكَانَ مَعْقُولًا عن اللَّهِ في الصَّيْدِ النَّعَامَةُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ وَحِمَارُهُ وَالثَّيْتَلُ وَالظَّبْيُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ وَغَيْرُهُ وَمَعْقُولًا أَنَّ النَّعَمَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وفي هذا ما يَصْغُرُ عن الْغَنَمِ وَعَنْ الْإِبِلِ وَعَنْ الْبَقَرِ فلم يَكُنْ الْمِثْلُ فيه في الْمَعْقُولِ وَفِيمَا حَكَمَ بِهِ من حَكَمَ من صَدْرِ هذه الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يَحْكُمُوا في الصَّيْدِ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ شَبَهًا منه من النَّعَمِ ولم يَجْعَلْ لهم إذْ كان الْمِثْلُ يَقْرُبُ قُرْبَ الْغَزَالِ من الْعَنْزِ وَالضَّبُعِ من الْكَبْشِ أَنْ يُبْطِلُوا الْيَرْبُوعَ مع بُعْدِهِ من صَغِيرِ الْغَنَمِ وكان عليهم أَنْ يَجْتَهِدُوا كما أَمْكَنَهُمْ الِاجْتِهَادُ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وأشباه ( ( ( وأشبه ) ) ) لِهَذَا تَدُلُّ على إبَاحَةِ الْقِيَاسِ وَحَظْرِ أَنْ يُعْمَلَ بِخِلَافِهِ من الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ من طَلَبَ أَمْرَ اللَّهِ بِالدَّلَالَةِ عليه فَإِنَّمَا طَلَبَهُ بِالسَّبِيلِ التي فُرِضَتْ عليه وَمَنْ قال أَسْتَحْسِنُ لَا عن أَمْرِ اللَّهِ وَلَا عن أَمْرِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَقْبَلْ عن اللَّهِ وَلَا عن رَسُولِهِ ما قال ولم يَطْلُبْ ما قال بِحُكْمِ اللَّهِ وَلَا بِحُكْمِ رَسُولِهِ وكان الْخَطَأُ في قَوْلِ من قال هذا بَيَّنَّا بِأَنَّهُ قد قال أَقُولُ وَأَعْمَلُ بِمَا لم أُومَرْ بِهِ ولم أُنْهَ عنه وَبِلَا مِثَالٍ على ما أُمِرْت بِهِ وَنُهِيت عنه وقد قَضَى اللَّهُ بِخِلَافِ ما قال فلم يَتْرُكْ أَحَدًا إلَّا مُتَعَبِّدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } إنَّ من حَكَمَ أو أَفْتَى بخبر ( ( ( بخير ) ) ) لَازِمٍ أو قِيَاسٍ عليه فَقَدْ أَدَّى ما كلف وَحَكَمَ وَأَفْتَى من حَيْثُ أُمِرَ فَكَانَ في النَّصِّ مُؤَدَّيَا ما أُمِرَ بِهِ نَصًّا وفي الْقِيَاسِ مُؤَدِّيًا ما أُمِرَ بِهِ اجْتِهَادًا وكان مُطِيعًا لِلَّهِ في الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ لِرَسُولِهِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ ثُمَّ الِاجْتِهَادِ فَيُرْوَى أَنَّهُ قال لِمُعَاذٍ بِمَ تقضى قال بِكِتَابِ اللَّهِ قال فَإِنْ لم يَكُنْ في كِتَابِ اللَّهِ قال بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنْ لم يَكُنْ قال أَجْتَهِدُ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذى وَفَّقَ رَسُولَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ فَأَعْلَمَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ الِاجْتِهَادَ وَالْمَقِيسَ في مَوْضِعِ الْحُكْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اسْتَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ أو يفتى بِلَا خَبَرٍ لَازِمٍ وَلَا قِيَاسٍ عليه كان مَحْجُوجًا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْعَلُ ما هَوِيت وَإِنْ لم أُومَرْ بِهِ مُخَالِفٌ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَانَ مَحْجُوجًا على لِسَانِهِ وَمَعْنَى ما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا فَإِنْ قِيلَ ما هو قِيلَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ رَخَّصَ لِأَحَدٍ من أَهْلِ الْعُقُولِ وَالْآدَابِ في أَنْ يفتى وَلَا يَحْكُمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ إذَا لم يَكُنْ عَالِمًا بِاَلَّذِي تَدُورُ عليه أُمُورُ الْقِيَاسِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ لِتَفْصِيلِ المشتبة فإذا زَعَمُوا هذا قِيلَ لهم وَلِمَ لم يَجُزْ لِأَهْلِ الْعُقُولِ التي تَفُوقُ كَثِيرًا من عُقُولِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْفُتْيَا أَنْ يَقُولُوا فِيمَا قد نَزَلَ مِمَّا يَعْلَمُونَهُ مَعًا أَنْ ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَهُمْ أَوْفَرُ عُقُولًا وَأَحْسَنُ إبَانَةً لِمَا قالوا من عَامَّتِكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ لِأَنَّهُمْ لَا عِلْمَ لهم بِالْأُصُولِ قِيلَ لَكُمْ فما حُجَّتُكُمْ في عِلْمِكُمْ بِالْأُصُولِ إذَا قُلْتُمْ بِلَا أَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ على أَصْلٍ هل خِفْتُمْ على أَهْلِ الْعُقُولِ الْجَهَلَةِ بِالْأُصُولِ أَكْثَرَ من أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأُصُولَ فَلَا يُحْسِنُونَ أَنْ يَقِيسُوا بِمَا لَا يَعْرِفُونَ وَهَلْ أَكْسَبَكُمْ عِلْمُكُمْ بِالْأُصُولِ الْقِيَاسَ عليها ( ( ( عليهم ) ) ) أو أَجَازَ لَكُمْ تَرْكَهَا فإذا جَازَ لَكُمْ تَرْكَهَا جَازَ لهم الْقَوْلُ مَعَكُمْ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما يخاف ( ( ( يخالف ) ) ) عليهم تَرْكُ الْقِيَاسِ عليها أو الْخَطَأِ ثُمَّ لَا أَعْلَمُهُمْ
____________________

(7/300)


إلَّا أَحْمَدَ على الصَّوَابِ إنْ قالوا على غَيْرِ مِثَالٍ مِنْكُمْ لو كان أَحَدٌ يُحْمَدُ على أَنْ يَقُولَ على غَيْرِ مِثَالٍ لِأَنَّهُمْ لم يَعْرِفُوا مِثَالًا فَتَرَكُوهُ وَأَعْذُرُ بِالْخَطَأِ مِنْكُمْ وَهُمْ أخطأوا ( ( ( أخطئوا ) ) ) فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ وَلَا أَعْلَمُكُمْ إلَّا أَعْظَمَ وِزْرًا منهم إذ ( ( ( أتركتم ) ) ) تركتم ما تَعْرِفُونَ من الْقِيَاسِ على الْأُصُولِ التي لَا تَجْهَلُونَ فَإِنْ قُلْتُمْ فَنَحْنُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ على غَيْرِ جَهَالَةٍ بِالْأَصْلِ قِيلَ فَإِنْ كان الْقِيَاسُ حَقًّا فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ الْحَقَّ عَالِمِينَ بِهِ وفي ذلك من الْمَأْثَمِ ما إنْ جَهِلْتُمُوهُ لم تَسْتَأْهِلُوا أَنْ تَقُولُوا في الْعِلْمِ وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ وَاسِعًا لَكُمْ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلِ بِمَا سَنَحَ في أَوْهَامِكُمْ وَحَضَرَ أَذْهَانَكُمْ وَاسْتَحْسَنَتْهُ مَسَامِعُكُمْ حُجِجْتُمْ بِمَا وَصَفْنَا من الْقُرْآنِ ثُمَّ السُّنَّةِ وما يَدُلُّ عليه الْإِجْمَاعُ من أَنْ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إلَّا بِعِلْمٍ وما لَا تَخْتَلِفُونَ فيه من أَنَّ الْحَاكِمَ لو تَدَاعَى عِنْدَهُ رَجُلَانِ في ثَوْبٍ أو عَبْدٍ تَبَايَعَاهُ عَيْبًا لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ إذَا كان مُشْكِلًا أَنْ يَحْكُمَ فيه وكان عليه أَنْ يَدْعُوَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَدَاعَيَا فيه هل هو عَيْبٌ فَإِنْ تَطَالَبَا قِيمَةَ عَيْبٍ فيه وقد فَاتَ سَأَلَهُمْ عن قِيمَتِهِ فَلَوْ قال أَفْضَلُهُمْ دِينًا وَعِلْمًا إنِّي جَاهِلٌ بِسُوقِهِ الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْت عَالِمًا بها قبل الْيَوْمِ وَلَكِنِّي أَقُولُ فيه لم يَسَعْهُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ بِجَهَالَتِهِ بِسُوقِ يَوْمِهِ وَقَبِلَ قَوْلَ من يَعْرِفُ سُوقَ يَوْمِهِ وَلَوْ جاء من يَعْرِفُ سُوقَ يَوْمِهِ فقال إذَا قِسْت هذا بِغَيْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ وَقَوَّمْته على ما مَضَى وكان عَيْبَهُ دَلَّنِي الْقِيَاسُ على كَذَا وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ غَيْرَهُ لم يَحِلَّ له أَنْ يَقْبَلَ اسْتِحْسَانَهُ وَحَرُمَ عليه إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُقَالُ إنَّهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ في يَوْمِهِ وَكَذَلِكَ هذا في امْرَأَةٍ أُصِيبَتْ بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ يُقَالُ كَمْ صَدَاقُ مِثْلِهَا في الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالصَّرَاحَةِ وَالشَّبَابِ وَاللُّبِّ وَالْأَدَبِ فَلَوْ قِيلَ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَزِيدَهَا دِرْهَمًا أو نَنْقُصَهَا لم يَحِلَّ له وقال لِلَّذِي يقول أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَزِيدَهَا أو أَنْقُصَهَا ليس ذلك لي وَلَا لَك وَعَلَى الزَّوْجِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وإذا حَكَمَ بِمِثْلِ هذا في الْمَالِ الذي تقل ( ( ( نقل ) ) ) رَزِيَّتَهُ على من أَخَذَ منه ولم يوسع ( ( ( يسع ) ) ) فيه الِاسْتِحْسَانَ وَأَلْزَمَ فيه الْقِيَاسَ أهل ( ( ( وأهل ) ) ) الْعِلْمِ بِهِ ولم يَجْهَلْ لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ قِيَاسًا فيه لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ما يَقِيسُونَ عليه فَحَلَالُ اللَّهِ وَحَرَامُهُ من الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَعَظِيمِ الْأُمُورِ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَ الْحُكَّامَ وَالْمُفْتِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَفَرَأَيْت أذا قال الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي فى النَّازِلَةِ ليس فيها نَصُّ خَبَرٍ وَلَا قِيَاسٍ وقال أَسْتَحْسِنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ جَائِزًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَحْسِنَ خِلَافَهُ فيقول كُلُّ حَاكِمٍ في بَلَدٍ وَمُفْتٍ بِمَا يَسْتَحْسِنُ فَيُقَالُ في الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِضُرُوبٍ من الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا فَإِنْ كان هذا جَائِزًا عِنْدَهُمْ فَقَدْ أَهْمَلُوا أَنْفُسَهُمْ فَحَكَمُوا حَيْثُ شاؤوا وَإِنْ كان ضَيِّقًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلُوا فيه وَإِنْ قال الذي يَرَى منهم تَرْكَ الْقِيَاسِ بَلْ على الناس اتِّبَاعُ ما قُلْت قِيلَ له من أَمَرَ بِطَاعَتِك حتى يَكُونَ على الناس اتِّبَاعُك أو رَأَيْت إنْ ادَّعَى عَلَيْك غَيْرُك هذا أَتُطِيعُهُ أَمْ تَقُولُ لَا أُطِيعُ إلَّا من أُمِرْت بِطَاعَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا طَاعَةَ لَك على أَحَدٍ وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ أو رَسُولُهُ بِطَاعَتِهِ وَالْحَقُّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِاتِّبَاعِهِ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عليه نَصًّا أو اسْتِنْبَاطًا بِدَلَائِلَ أَوَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوَجُّهِ قِبَلَ الْبَيْتِ وهو مُغَيَّبٌ عن الْمُتَوَجِّهِ هل جَعَلَ له أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ بِطَلَبِ الدَّلَائِلِ عليه أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ فَدَلَّ على أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا هل يَعْرِفُ الْعَدْلَ من غَيْرِهِ إلَّا بِطَلَبِ الدَّلَائِلِ على عَدْلِهِ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْمِثْلِ في الصَّيْدِ هل أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِأَنْ يَحْكُمَ بِنَظَرِهِ فَكُلُّ هذا اجْتِهَادٌ وَقِيَاسٌ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالِاجْتِهَادِ في الْحُكْمِ هل يَكُونُ مُجْتَهِدًا على غَيْرِ طَلَبِ عَيْنٍ وَطَلَبُ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاتِّبَاعِ الدَّلَائِلِ عليها وَذَلِكَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مُحَالًا أَنْ يُقَالَ اجْتَهِدْ في طَلَبِ شَيْءٍ من لم يَطْلُبْهُ بِاحْتِيَالِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عليه لَا يَكُونُ طَالِبًا لِشَيْءٍ من سَنَحَ على وَهْمِهِ أو خَطَرَ بِبَالِهِ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُ من تَرْكِ الْقِيَاسِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْت وفي بَعْضِهِ ما قام عليه الْحُجَّةُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لي وَلِجَمِيعِ خَلْقِهِ التَّوْفِيقَ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ وَلَا لِلْوَالِي أَنْ يَدَعَ أَحَدًا وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يفتى أَحَدًا إلَّا مَتَى يَجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عِلْمَ الْكِتَابِ وَعِلْمَ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وخاصة ( ( ( خاصه ) ) ) وعامة وَأَدَبِهِ وَعَالِمًا بِسُنَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَعَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَاقِلًا
____________________

(7/301)


يُمَيِّزُ بين الْمُشْتَبَهِ وَيَعْقِلُ الْقِيَاسَ فَإِنْ عَدِمَ وَاحِدًا من هذه الْخِصَالِ لم يَحِلَّ له أَنْ يَقُولَ قِيَاسًا وَكَذَلِكَ لو كان عَالِمًا بِالْأُصُولِ غير عَاقِلٍ لِلْقِيَاسِ الذي هو الْفَرْعُ لم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ قِسْ وهو لَا يَعْقِلُ الْقِيَاسَ وَإِنْ كان عَاقِلًا لِلْقِيَاسِ وهو مُضَيِّعٌ لِعِلْمِ الْأُصُولِ أو شَيْءٍ منها لم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ له قِسْ على ما لَا تَعْلَمْ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قِسْ لِأَعْمًى وَصَفْت له اجْعَلْ كَذَا عن يَمِينِك وَكَذَا عن يَسَارِك فإذا بَلَغْت كَذَا فَانْتَقِلْ مُتَيَامِنًا وهو لَا يُبْصِرُ ما قِيلَ له يَجْعَلُهُ يَمِينًا وَيَسَارًا أو يُقَالُ سِرْ بِلَادًا ولم يَسِرْهَا قَطُّ ولم يَأْتِهَا قَطُّ وَلَيْسَ له فيها عِلْمٌ يَعْرِفُهُ وَلَا يَثْبُتُ له فيها قَصْدُ سَمْتٍ يَضْبِطُهُ لِأَنَّهُ يَسِيرُ فيها عن غَيْرِ مِثَالٍ قَوِيمٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ بِسُوقِ سِلْعَةٍ مُنْذُ زَمَانٍ ثُمَّ خَفِيَتْ عنه سَنَةً أَنْ يُقَالَ له قَوِّمْ عَبْدًا من صِفَتِهِ كَذَا لِأَنَّ السُّوقَ تَخْتَلِفُ وَلَا لِرَجُلٍ أَبْصَرَ بَعْضَ صِنْفٍ من التِّجَارَاتِ وَجَهِلَ غير صِنْفِهِ وَالْغَيْرُ الذي جَهِلَ لَا دَلَالَةٌ عليه بِبَعْضِ عِلْمِ الذي عَلِمَ قُوِّمَ كَذَا كما لَا يُقَالُ لِبَنَّاءٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْخِيَاطَةِ وَلَا لِخَيَّاطٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ حَكَمَ وَأَفْتَى من لم يَجْمَعْ ما وَصَفْت قِيلَ فَقَدْ رَأَيْت أَحْكَامَهُمْ وَفُتْيَاهُمْ فَرَأَيْت كَثِيرًا منها مُتَضَادًّا مُتَبَايِنًا وَرَأَيْت كُلَّ وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ يُخَطِّئُ صَاحِبَهُ في حُكْمِهِ وَفُتْيَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت ما اجْتَهَدَ فيه الْمُجْتَهِدُونَ كَيْفَ الْحَقُّ فيه عِنْدَ اللَّهِ قِيلَ لَا يَجُوزُ فيه عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فيه عِنْدَ اللَّهِ كُلُّهُ إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عز وجل وَأَحْكَامَهُ وَاحِدٌ لِاسْتِوَاءِ السَّرَائِرِ وَالْعَلَانِيَةِ عِنْدَهُ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَوَاءٌ فَإِنْ قِيلَ من له أَنْ يَجْتَهِدَ فَيَقِيسَ على كِتَابٍ أو سُنَّةٍ هل يَخْتَلِفُونَ وَيَسَعُهُمْ الِاخْتِلَافُ أو يُقَالُ لهم إنْ اخْتَلَفُوا مُصِيبُونَ كلهم أو مُخْطِئُونَ أو لِبَعْضِهِمْ مخطيء ( ( ( مخطئ ) ) ) وَبَعْضُهُمْ مُصِيبٌ قِيلَ لَا يَجُوزُ على وَاحِدٍ منهم إنْ اخْتَلَفُوا إنْ كان مِمَّنْ له الِاجْتِهَادُ وَذَهَبَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلًا أَنْ يُقَال له أَخْطَأَ مُطْلَقًا وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم قد أَطَاعَ فِيمَا كُلِّفَ وَأَصَابَ فيه ولم يُكَلَّفْ عِلْمَ الْغَيْبِ الذي لم يَطَّلِعْ عليه أَحَدٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمَثِّلْ لي من هذا شيئا قِيلَ لَا مِثَالَ أَدَلُّ عليه من الْغَيْبِ عن الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاسْتِقْبَالِهِ فإذا اجْتَهَدَ رَجُلَانِ ( 3 ) بِالطَّرِيقَيْنِ عَالِمَانِ بِالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فرأي أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُتَيَامِنًا منه وَرَأَى أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةً عن حَيْثُ رأي صَاحِبُهُ كان على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يصلى حَيْثُ يَرَى وَلَا يَتْبَعَ صَاحِبَهُ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى غَيْرِ ما أَدَّى صَاحِبَهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ ولم يُكَلَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَوَابَ عَيْنِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ وقد أَدَّى ما كُلِّفَ من التَّوَجُّهِ إلَيْهِ بِالدَّلَائِلِ عليه فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا إسم الْخَطَأِ قِيلَ أَمَّا فِيمَا كُلِّفَ فَلَا وَأَمَّا خَطَأُ عَيْنِ الْبَيْتِ فَنَعَمْ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَا يَكُونُ في جِهَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ مُطِيعًا بِالْخَطَأِ قِيلَ هذا مِثْلُ جَاهِدٍ يَكُونُ مُطِيعًا بِالصَّوَابِ لِمَا كُلِّفَ من الِاجْتِهَادِ وَغَيْرَ آثِمٍ بِالْخَطَأِ إذْ لم يُكَلَّفْ صَوَابَ الْمَغِيبِ الْعَيِّنِ عنه فاذا لم يُكَلَّفْ صَوَابَهُ لم يَكُنْ عليه خَطَأٌ ما لم يَجْعَلْ عليه صَوَابَ عَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ أَفَتَجِدُ سُنَّةً تَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ نعم أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ بن الْهَادِ فَحَدَّثْت بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن مُحَمَّدٍ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما مَعْنَى هذا قِيلَ ما وَصَفْت من أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ فَجَمَعَ الصَّوَابَ بِالِاجْتِهَادِ وَصَوَابَ الْعَيْنِ التي اجْتَهَدَ كان له حَسَنَتَانِ وإذا أَصَابَ الِاجْتِهَادَ وَأَخْطَأَ الْعَيْنَ التي أَمَرَ يَجْتَهِدُ في طَلَبِهَا كانت له حَسَنَةٌ وَلَا يُثَابُ من يُؤَدِّي في أَنْ يُخْطِئَ الْعَيْنَ وَيُحْسِنُ من يُؤَدِّي أَنْ يَكُفَّ عنه وَهَذَا يَدُلُّ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ لم يُكَلَّفْ صَوَابَ الْعَيْنِ في حَالٍ فَإِنْ قِيلَ ذَمَّ اللَّهُ على الِاخْتِلَافِ قِيلَ الِاخْتِلَافُ وَجْهَانِ فما أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْحُجَّةَ على خَلْقِهِ حتى يَكُونُوا على بَيِّنَةٍ منه ليس عليهم إلَّا اتِّبَاعُهُ وَلَا لهم مُفَارَقَتُهُ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فيه فَذَلِكَ الذي ذَمَّ اللَّهُ عليه وَاَلَّذِي لَا يَحِلُّ
____________________

(7/302)


الِاخْتِلَافُ فيه فَإِنْ قال فَأَيْنَ ذلك قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى { وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا من بَعْدِ ما جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ } فَمَنْ خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أو سُنَّةً قَائِمَةً فَلَا يَحِلُّ له الْخِلَافُ وَلَا أَحْسَبُهُ يَحِلُّ له خِلَافَ جَمَاعَةِ الناس وَإِنْ لم يَكُنْ في قَوْلِهِمْ كِتَابٌ أو سُنَّةٌ وَمَنْ خَالَفَ في أَمْرٍ له فيه الِاجْتِهَادُ فَذَهَبَ إلَى مَعْنًى يَحْتَمِلُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَكُونُ عليه دَلَائِلُ لم يَكُنْ في ( 1 ) من خِلَافٍ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ حِينَئِذٍ كِتَابًا نَصَّا وَلَا سُنَّةً قَائِمَةً وَلَا جَمَاعَةً وَلَا قِيَاسًا بِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ في الْقِيَاسِ فَأَدَّاهُ إلَى غَيْرِ ما أَدَّى صَاحِبَهُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ كما أَدَّاهُ في التَّوَجُّهِ لِلْبَيْتِ بِدَلَالَةِ النُّجُومِ إلَى غَيْرِ ما أَدَّى إلَيْهِ صَاحِبَهُ فَإِنْ قال وَيَكُونُ هذا في الْحُكْمِ قِيلَ نعم فَإِنْ قِيلَ فَمِثْلُ هذا إذَا كان في الْحُكْمِ دَلَالَةٌ على مَوْضِعِ الصَّوَابِ قِيلَ قد عَرَفْنَاهَا في بَعْضِهِ وَذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ نَازِلَةٌ تَحْتَمِلُ أَنْ تُقَاسَ فَيُوجَدَ لها في الْأَصْلَيْنِ شَبَهٌ فَيَذْهَبُ ذَاهِبٌ إلَى أَصْلٍ وَالْآخَرُ إلَى أَصْلٍ غَيْرِهِ فَيَخْتَلِفَانِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُوجَدُ السَّبِيلُ إلَى أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ حُجَّةً في بَعْضِ ما اخْتَلَفَا فيه قِيلَ نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُنْظَرَ النَّازِلَةُ فَإِنْ كانت تُشْبِهُ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ في مَعْنًى وَالْآخَرَ في اثْنَيْنِ صُرِفَتْ إلَى الذي أَشْبَهَتْهُ في الِاثْنَيْنِ دُونَ الذي أَشْبَهَتْهُ في وَاحِدٍ وَهَكَذَا إذَا كان شَبِيهًا بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ أَكْثَرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمَثِّلْ من هذا شيئا قِيلَ لم يَخْتَلِفْ الناس في أَنْ لَا دِيَةَ لِلْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً مُؤَقَّتَةً إلَّا قِيمَتَهُ فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ إلَى أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ من عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعَلَى من قَتَلَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى أَنَّهُ إنْ زَادَتْ دِيَتُهُ على عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ نَقَصَهَا من عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وقال لَا أَبْلُغُ بها دِيَةَ حُرٍّ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا نَبْلُغُ بها دِيَةَ أَحْرَارٍ فإذا كان ثَمَنُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ لم يَزِدْ عليها صَاحِبُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فيها أنها ثَمَنُهُ وَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ على دِيَةِ أَحْرَارٍ أَخَذَهَا سَيِّدُهُ كما تُقْتَلُ له دَابَّةٌ تسوي دِيَاتِ أَحْرَارٍ فَتُؤْخَذُ منه وكان هذا ( ( ( وهذا ) ) ) عِنْدَنَا من قَوْلِ من قال من الْمَشْرِقِيِّينَ أَمْرًا لَا يَجُوزُ الْخَطَأُ فيه لِمَا وَصَفْت ثُمَّ عَادَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فقال يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَآخُذُ الْأَحْرَارَ بِالْعَبِيدِ وَلَا يقص ( ( ( يقتص ) ) ) الْعَبْدُ من حُرٍّ وَلَا من الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَقُلْت لِبَعْضِ من تَقَدَّمَ منهم وَلِمَ قَتَلْتُمْ الْعَبْدَ وَالْأَعْبُدَ بِالْعَبْدِ قَوَدًا ولم تُقَيِّدُوا الْعَبْدَ من الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قال من أَصْلِ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ في الْعَبِيدِ إذَا قُتِلُوا خَطَأً أَنَّ فِيهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَأَثْمَانُهُمْ كَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ فَقُلْنَا لَا نَقْصَ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ في الْجِرَاحِ لِأَنَّهُمْ أَمْوَالٌ فَقُلْت لهم أَفَيُقَاسُ الْقِصَاصُ على الدِّيَاتِ وَالْأَثْمَانِ أَمْ الْقِصَاصُ مُخَالِفٌ لِلدِّيَاتِ وَالْأَثْمَانِ فَإِنْ كان يُقَاسُ على الدِّيَاتِ فلم تَصْنَعْ شيئا قَتَلْت عَبْدًا يَسْوَى أَلْفَ دِينَارٍ بِعَبْدِ يسوي خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَقَتَلْت بِهِ عَبِيدًا كلهم ثَمَنُهُ أَكْثَرُ من ثَمَنِهِ ولم تَصْنَعْ شيئا حين قَتَلْت بَعْضَ الْعَبِيدِ بِبَعْضٍ وَأَنْتَ تُمَثِّلُهُمْ بِالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ وَأَنْ لا تَقْتُلُ بَهِيمَةً بِبَهِيمَةٍ لو قَتَلَتْهَا فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الدِّيَاتِ أَصْلٌ وَالدِّيَاتُ عِبْرَةٌ لِأَنَّك تَقْتُلُ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فلم تَذْهَبْ مَذْهَبًا بِتَرْكِك الْقِصَاصَ بين الْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا قَتَلْت الْعَبْدَ بِالْعَبْدِ كان أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَقَلَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُمْ مع ما يَلْزَمُك من هذا الْقَوْلِ قال وما يَلْزَمُنِي بِقَوْلِي هذا قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّ من قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهِ ما على من قَتَلَ الْحُرَّ من الْإِثْمِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عليه فَرْضُ اللَّهِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ وَلَا تَزْعُمُ هذا فِيمَنْ قَتَلَ بَعِيرًا أو حَرَقَ مَتَاعًا وَتَزْعُمُ أَنَّ على الْعَبْدِ حَلَالًا وَحَرَامًا وَحُدُودًا وَفَرَائِضَ وَلَيْسَ هذا على الْبَهَائِمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ على عِبَادِهِ حُكْمَيْنِ حُكْمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أن أُثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ على ما أَسَرُّوا كما فَعَلَ بِهِمْ فِيمَا أَعْلَنُوا وَأَعْلَمَهُمْ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ عليهم وَبَيَّنَهَا لهم أَنَّهُ عَلِمَ سَرَائِرَهُمْ وَعَلِمَ عَلَانِيَتَهُمْ فقال { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } وقال { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ } وَخَلْقُهُ لَا يَعْلَمُونَ إلَّا ما شَاءَ عز وجل وَحَجَبَ عِلْمَ السَّرَائِرِ عن عِبَادِهِ وَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلًا فَقَامُوا بِأَحْكَامِهِ على خَلْقِهِ وَأَبَانَ لِرُسُلِهِ وَخَلْقِهِ أَحْكَامَ خَلْقِهِ
____________________

(7/303)


في الدُّنْيَا على ما أَظْهَرُوا وَأَبَاحَ دِمَاءَ أَهْلِ الْكُفْرِ من خَلْقِهِ فقال { فاقتلوا ( ( ( اقتلوا ) ) ) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَحَرَّمَ دِمَاءَهُمْ إنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فقال { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } وقال { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } وقال { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ } فَجَعَلَ حِينَئِذٍ دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحَةً وَقِتَالَهُمْ حَتْمًا وَفَرْضًا عليهم إنْ لم يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ ثُمَّ أَظْهَرَهُ قَوْمٌ من الْمُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ ما يُخْفُونَ خِلَافَ ما يُعْلِنُونَ فقال { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ ما قالوا وَلَقَدْ قالوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ } وقال { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } مع ما ذَكَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ فلم يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ قَتْلَهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ ولم يَمْنَعْهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنَاكَحَةَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مُوَارَثَتَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَأَيْت مِثْلَ هذا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا منى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ وقال الْمِقْدَادُ أَرَأَيْت يا رَسُولَ اللَّهِ لو أَنَّ مُشْرِكًا قَاتَلَنِي فَقَطَعَ يَدِي ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَأَسْلَمَ أَفَأَقْتُلُهُ قال لَا تَقْتُلْهُ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } وقال عز وجل { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ } الْآيَةَ فَحَكَمَ بِالْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا إذَا كان الزَّوْجُ يَعْلَمُ من الْمَرْأَةِ ما لَا يَعْلَمُهُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَدَرَأَ عنه وَعَنْهَا بها على أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَحَكَمَ في الرَّجُلِ يَقْذِفُ غير زَوْجَتِهِ أَنْ يُحَدَّ إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ على ما قال وَلَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ بِنَفْيِ زَوْجِهَا وَقَذْفِهَا بِشَرِيكِ بن السَّحْمَاءِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ يَعْنِي الْوَلَدَ أَسْحَمَ أَدْعَجَ عَظِيمَ الإليتين فَلَا أَرَاهُ إلَّا صَدَقَ وَتِلْكَ صِفَةُ شَرِيكٍ الذي قَذَفَهَا بِهِ زَوْجُهَا وَزَعَمَ أَنَّ حَبَلَهَا منه قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلَا أَرَاهُ إلَّا كَذَبَ عليها وَكَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ صِفَةَ زَوْجِهَا فَجَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ شَرِيكَ بن السَّحْمَاءِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ أَيْ لَكَانَ لي فيه قَضَاءٌ غَيْرُهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِبَيَانِ الدَّلَالَةِ بِصِدْقِ زَوْجِهَا فلما كانت الدَّلَالَةُ لَا تَكُونُ عِنْدَ الْعِبَادِ إحَاطَةً دَلَّ ذلك على إبْطَالِ كل ما لم يَكُنْ إحَاطَةً عِنْدَ الْعِبَادِ من الدَّلَائِلِ إنْ لم ( 1 ) يُقِرُّوا بِهِ من الْحُكْمِ عليه لم يَمْتَنِعْ مِمَّا وَجَبَ عليه أو تَقُومُ عليه بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذُ من حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْخَذَ لَا يُؤْخَذُ بِدَلَالَةٍ وَطَلَّقَ رُكَانَةُ بن عَبْدٍ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ البتة ثُمَّ أتي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَحْلَفَهُ ما أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا كان كَلَامُهُ مُحْتَمِلًا لَأَنْ لم يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ كما حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ في الدُّنْيَا فَيَنْكِحُ الْمُؤْمِنَاتِ وَيُوَارِثُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمَ بِأَنَّ سَرَائِرَهُمْ على غَيْرِ ما أَظْهَرُوا وَأَنَّهُ يَغْلِبُ على من سمع طَلَاقَ البتة أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِبْتَاتَ الذي لَا غَايَةَ له من الطَّلَاقِ وَجَاءَهُ رَجُلٌ من بَنِي فَزَارَةَ فقال إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَجَعَلَ يُعَرِّضُ بِالْقَذْفِ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هل لَك من إبِلٍ قال نعم قال ما أَلْوَانُهَا قال حُمْرٌ قال فَهَلْ فيها من أَوْرَقَ قال نعم قال فأني أَتَاهُ قال لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقُ قال وَلَعَلَّ هذا نزعة عِرْقٌ ولم يَحْكُمْ عليه بِحَدٍّ وَلَا لِعَانٍ إذْ لم يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُ قد يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرَادَ قَذْفًا وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ على سَامِعِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ مع أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عز وجل وَرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالظَّنِّ وَإِنْ كانت له عليه دَلَائِلُ قَرِيبَةٌ فَلَا يَحْكُمُ إلَّا من حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْبَيِّنَةِ تَقُومُ على الْمُدَّعَى عليه أو إقْرَارٍ منه بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ وَكَمَا حَكَمَ اللَّهُ أَنَّ ما أَظْهَرَ فَلَهُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ حَكَمَ أَنَّ ما أَظْهَرَ فَعَلَيْهِ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الدَّمَ بِالْكُفْرِ وَإِنْ كان قَوْلًا فَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من الْأَحْكَامِ بين الْعِبَادِ أَنْ يَحْكُمَ فيه إلَّا بِالظَّاهِرِ لَا بِالدَّلَائِلِ
____________________

(7/304)


كتاب الرد
____________________

(7/305)


(1) * - * بَابُ الدِّيَاتِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الدِّيَةِ على أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ على أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وقال محمد بن الْحَسَنِ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ فَرَضَ على أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ في الدِّيَةِ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ حدثنا بِذَلِكَ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه عن الْهَيْثَمِ عن الشَّعْبِيِّ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وزاد وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ أخبرنا سُفْيَانُ الثورى قال اخبرنى محمد بن عبد الرحمن عن الشعبى قال على أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فَرَضَ على أَهْلِ الْوَرِقِ اثنى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وقال محمد بن الْحَسَنِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ رَوَى عن عُمَرَ وَانْظُرْ أَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى ما قال الْمُسْلِمُونَ في غَيْرِ هذا فَهُوَ الْحَقُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جميعا لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ في الْقَوْلَيْنِ كَافَّةً أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ ليس في أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا من الذَّهَبِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ في أَقَلَّ من مِائَتِي دِرْهَمٍ من الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَجَعَلُوا لِكُلِّ دِينَارٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَفَرَضُوا الزَّكَاةَ على هذا فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فيه بَيْنَهُمْ فإذا فَرَضُوا هذا في الصَّدَقَةِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي لهم أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو يَفْرِضُوا كُلَّ دِينَارٍ باثنى عَشَرَ دِرْهَمًا إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ بِمَا يَفْرِضُونَ عليه الزَّكَاةَ وقد جاء عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا في دِينَارٍ أو عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَجَعَلُوا الدِّينَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَعَلَى هذا الْأَحْرَى ما فَرَضُوا في مِثْلِ هذا فَإِنْ زَادَ سِعْرٌ أو نَقَصَ لم يُنْظَرْ في ذلك أَلَا تَرَى لو كان له مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَجَبَ في ذلك الزَّكَاةُ وَجُعِلَ في كل صِنْفٍ منها زَكَاةٌ وَجُعِلَ دِينَارٌ على عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ ليس يَنْبَغِي لهم أَنْ يَفْرِضُوا الدِّيَةَ فيه إلَّا على ما فُرِضَتْ عليه الزَّكَاةُ وَنَحْوُهَا وَنَحْنُ فِيمَا نَظُنُّ أَعْلَمُ بِفَرِيضَةِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه حين فَرَضَ الدِّيَةَ دَرَاهِمَ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ على أَهْلِ الْعِرَاقِ وَإِنَّمَا كان يُؤَدِّي الدِّيَةَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وقد صَدَقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فَرَضَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهَا اثنى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سِتَّةٍ أخبرنا الثَّوْرِيُّ عن الْمُغِيرَةِ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قال كانت الدِّيَةُ الْإِبِلَ فَجُعِلَتْ الْإِبِلُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كُلُّ بَعِير بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَزْنَ سِتَّةٍ فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ( 3 ) وَقِيلَ لِشَرِيكِ بن عبد اللَّهِ أن رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قال شَرِيكٌ قال أبو إِسْحَاقَ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَّا رَجُلًا من الْعَدُوِّ وَضَرَبَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا فَكَبَّهُ على وَجْهِهِ حتى وَقَعَ على حَاجِبَيْهِ وَأَنْفِهِ وَلِحْيَتِهِ وَصَدْرِهِ فَقَضَى فيه عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه اثنى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَوْمئِذٍ وَزْنَ سِتَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَوَى مَكْحُولٌ وَعَمْرُو بن شُعَيْبَ وَعَدَدٌ من الْحِجَازِيِّينَ أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الدِّيَةَ اثنى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم أَعْلَمْ بِالْحِجَازِ أَحَدًا خَالَفَ فيه عن الْحِجَازِيِّينَ وَلَا عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَمِمَّنْ قال الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بن عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَلَا أَعْلَمُ بِالْحِجَازِ أَحَدًا
____________________
1- * كِتَابُ الرَّدِّ على مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ

(7/306)


خَالَفَ في ذلك قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا وَلَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ اثنى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فيه وما نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ من فَضْلِهِ فَزَعَمَ محمد بن الْحَسَنِ عن عُمَرَ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قال في أَحَدِهِمَا فَرَضَ الدِّيَةَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وقال في الْآخَرِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ أَفَتَقُولُ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سِتَّةٍ فقال لَا ( 1 ) فَقُلْت من أَيْنَ زَعَمْت أن كُنْت أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ فِيمَا زَعَمْت من أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّك من أَهْلِ الْوَرِقِ وَلِأَنَّك عن عُمَرَ قُلْتَهَا فإن عُمَرَ قَضَى فيها بِشَيْءٍ لَا تَقْضِي بِهِ قال لم تَكُونُوا تَحْسَبُونَ قُلْت أَفَتَرْوِي شيئا تَجْعَلُهُ أَصْلًا في الْحُكْمِ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ من تروى عنه لَا يُعْرَفُ قَضَى بِهِ وَكَيْفَ تقضى بِالدِّيَةِ وَزْنَ سَبْعَةٍ أَفَرَأَيْت ما جَعَلْت فيه الزَّكَاةَ وَغَيْرَ ذلك مِمَّا جَعَلْت فيه الْقَطْعَ وَجَاءَ تَسْمِيَةُ دَرَاهِمَ ليس فيها وَزْنُ سِتَّةٍ وَلَا وَزْنُ سَبْعَةٍ وقال لَك قَائِلٌ بَلْ هِيَ على وَزْنِ سِتَّةٍ لَا وَزْنِ سَبْعَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ لَا يَفْرِضُ الدِّيَةَ وَزْنَ سِتَّةٍ وَيَفْرِضُ فِيمَا سِوَاهَا وَزْنَ سَبْعَةٍ ما تَقُولُ قال أَقُولُ إنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا جَاءَتْ جُمْلَةً فَهِيَ على وَزْنِ الْإِسْلَامِ قُلْنَا فَكَيْفَ أَخْرَجْت الدِّيَةَ من وَزْنِ الْإِسْلَامِ إذَا كان وَزْنُ الْإِسْلَامِ عِنْدَك وَزْنَ سَبْعَةٍ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ منهم لِأَنَّكُمْ من أَهْلِهَا وَزَعَمْت لنا أَنَّ الدَّرَاهِمَ إنَّمَا كانت صِنْفَيْنِ أَحَدُهُمَا الدِّرْهَمُ وَزْنُ مِثْقَالٍ وَالْآخَرُ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سِتَّةٍ حتى ضَرَبَ زِيَادُ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ فَلَوْ قال لَك قَائِلٌ كُلُّ دِرْهَمٍ جَاءَتْ بِهِ الزَّكَاةُ أو في الدِّيَةِ أو في الْقَطْعِ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ بِوَزْنِ الْمِثْقَالِ وقال آخَرُ بِوَزْنِ سِتَّةٍ وقال آخَرُ كُلُّ دِرْهَمٍ فَهُوَ بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ ( 3 ) قِيلَ له فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في الدِّيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يقول لِقَائِلٍ قَوْلَهُ أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ قد خَرَجْت من حديث أبي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ وَمِنْ حديث الشَّعْبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لم يذكر فِيمَا تَرْوُونَ فيها وَزْنَ سِتَّةٍ كما حَدَّثَ أبو إِسْحَاقَ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ يَذْكُرُ وَزْنَ سِتَّةٍ فَهُوَ أَوْلَى بها وقال آخَرُونَ وَزْنُ الْمَثَاقِيلِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ أَوْلَى بها فَإِنْ قال بَلْ وَزْنُ الْإِسْلَامِ فَادَّعَى مُحَمَّدٌ على أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ منهم وَإِنَّمَا عُمَرُ قَبِلَ الدِّيَةَ من أَهْلِ الْوَرِقِ ولم يَجْعَلْ لهم أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالدِّيَةِ منه إذَا كان منهم فَمَنْ كان الْحَاكِمُ منهم أَوْلَى بِالْمَعْرِفَةِ بِالدَّرَاهِمِ منه إذَا كان الْحُكْمُ إنَّمَا وَقَعَ بِالْحَاكِمِ وقال محمد بن الْحَسَنِ فَرَضَ الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ في كل عِشْرِينَ دِينَارًا وفي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ قِيلَ له وَمَنْ أَخْبَرك أَنَّهُمْ فَرَضُوا الزَّكَاةَ قِيَاسًا أَرَأَيْت إذَا فُرِضَتْ الزَّكَاةُ في أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ وفي ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ أَقَاسُوا الْبَقَرَ علي الْغَنَمِ فَإِنْ قَاسُوهَا فَالْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ إلَّا عَدَدًا وَعَدَدُ الْبَقَرِ أَقَلُّ من عَدَدِ الْغَنَمِ أو بِالْقِيمَةِ فَقِيمَةُ ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ أَكْثَرُ من قِيمَةِ أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ وَهَكَذَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ لَا عَدَدُهَا عَدَدَ وَاحِدٍ منها وَلَا قِيمَتُهَا قِيمَةَ وَاحِدٍ منها قال ما الزَّكَاةُ بِقِيَاسٍ قُلْنَا وَلِذَلِكَ كانت الدَّوَابُّ سِوَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ لَا زَكَاةَ فيها وَالتِّبْرُ سِوَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَا زَكَاةَ فيه وَكُلُّ وَاحِدٍ منها أَصْلٌ في نَفْسِهِ لَا قِيَاسَ على غَيْرِهِ قال نعم قُلْنَا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الذَّهَبَ يُقَاسُ على الْوَرِقِ وَالْوَرِقُ يُقَاسُ على الذَّهَبِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ على الْآخَرُ فَأَيُّهُمَا الْأَصْلُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُ الذَّهَبُ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ عِشْرِينَ دِينَارًا إذَا كانت فيها الزَّكَاةُ فَلَوْ كانت أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا تَسْوَى عِشْرِينَ دِينَارًا كانت فيها الزَّكَاةُ أو أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا تَسْوَى عِشْرِينَ دِينَارًا لم يَكُنْ فيها الزَّكَاةُ وأن زَعَمْت أَنَّ الْوَرِقَ هِيَ الْأَصْلُ قِيلَ لَك فيها كما قِيلَ لَك في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قال فما هِيَ قُلْنَا كما قُلْت في الْمَاشِيَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ في نَفْسِهِ قال فَالدِّيَةُ قُلْنَا فَأَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلُ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوَّمَهَا عُمَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ الذَّهَبُ على أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقُ على أَهْلِ الْوَرِقِ فَاتَّبِعْ في ذلك قَضَاءَ عُمَرَ كما قَضَى قال فَكَيْفَ كان الصَّرْفُ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما قِيلَ أَمَّا ما روى من الْأَخْبَارِ بَيِّنًا فعلى اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَطَعَ عُثْمَانُ سَارِقًا في أُتْرُجَّةٍ ثَمَنِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ من صَرْفِ اثنا ( ( ( اثني ) ) ) عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَقَضَى في امْرَأَةٍ
____________________

(7/307)


قُتِلَتْ في الْحَرَمِ بِدِيَةٍ وَثُلُثِ ثَمَانِيَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن أبيه وَأَمَّا الدَّلَالَةُ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبِمِثْلِ هذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَرَوَى بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا يُشْبِهُ قَضَاءَ عُثْمَانَ وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ من زَعَمَ لَك أَنَّ في عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَاةٌ أَرَأَيْت من قال في وَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ زبيب ( ( ( زبيبا ) ) ) وَوَسْقَيْنِ وَنِصْفٍ تمر ( ( ( تمرا ) ) ) زَكَاةٌ قال ليس ذلك له حتى يَكُونَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما يَجِبُ فيه الزَّكَاةُ قال وَكَذَلِكَ في عِشْرِينَ شَاةً وَخَمْسَ عَشَرَةَ بَقَرَةً قال نعم قِيلَ وَلِمَ قال لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ غَيْرُ صِنْفِ صَاحِبِهِ قِيلَ وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لَا يُضَمُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ قال نعم قِيلَ فَالْحِنْطَةُ من الشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ من الزَّبِيبِ أَقْرَبُ أو الذَّهَبُ من الْوَرِقِ في الْقِيمَةِ وَاللَّوْنِ قال وما لِلْقُرْبِ وَلِهَذَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ قِيلَ فَكَيْفَ جَمَعْت بين الْأَبْعَدِ الْمُخْتَلِفِ من الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَبَيْت أَنْ تَجْمَعَ ما بين الْأَقْرَبِ الْمُخْتَلِفِ قال فَإِنَّا نَقُولُ هذا قُلْنَا فَمَنْ قال قَوْلَك هذا هل تَجِدُ بِهِ أَثَرًا يُتَّبَعُ قال لَا قُلْنَا فَقِيَاسٌ قال لَا قُلْنَا فَلَا قِيَاسَ وَلَا أَثَرَ قال فإن بَعْضَ أَصْحَابِكُمْ يَقُولُهُ مَعَنَا قُلْنَا فَإِنْ كانت الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ لَك بِأَنَّ ذلك الصَّاحِبَ يَقُولُهُ مَعَك يَجْمَعُ بين الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتُ فَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَجْمَعُ بين الْقُطْنِيَّةِ قال هذا خَطَأٌ قُلْنَا وما دَلَّك على خطئة أَلَيْسَ إذْ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ فَإِنَّمَا عني من صِنْفٍ وَاحِدٍ لَا من صِنْفَيْنِ قال نعم قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ قال لَك هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ قال إذَا يقول لي ما يَعْرِفُ الْعَقْلُ غَيْرَهُ فَلَا أَقْبَلُهُ منه ما قِيمَتُهَا وَلَا خِلْقَتُهَا بِوَاحِدَةٍ قُلْنَا فَالذَّهَبُ أَبْعَدُ من الْوَرِقِ في الْقِيمَةِ وَالْخِلْقَةُ من الْحِنْطَةِ من الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ فَأَرَاك تَتَّخِذُ قَوْلَهُ إذَا وَافَقَك حُجَّةً وَتَزْعُمُ في مَوْضِعٍ غَيْرِهِ من قَوْلِهِ أَنَّهُ يُخْطِئُ وَيُحِيلُ وَقُلْنَا له لَا يَثْبُتُ عن بن مَسْعُودٍ ما ذَكَرْت من الْقَطْعِ في عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ تروى عن الثَّوْرِيِّ عن عِيسَى بن أبي عَزَّةَ عن الشَّعْبِيِّ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا في خَمْسَةِ دَرَاهِمَ قال هذا مَقْطُوعٌ قُلْنَا وَاَلَّذِي رَوَيْت عنه الْقَطْعَ في عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عن بن مَسْعُودٍ مَقْطُوعٌ بِرِوَايَتِهِ عن رَجُلٍ أَدْنَى في الثِّقَةِ عِنْدَك من رِوَايَةِ هذا وَأَمَّا رِوَايَتُنَا عن على فَجَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ يروى عن أبيه أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا أخبرنا بِذَلِكَ حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ قال هذا مُنْقَطِعٌ قُلْنَا وَحَدِيثُكُمْ مَقْطُوعٌ عن رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بين الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ في الزَّكَاةِ من قَبِلَ أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَيَكُونَانِ ثَمَنًا لِكُلِّ شَيْءٍ مَجْمُوعَيْنِ فَإِنْ قال ما تعنى بِمَجْمُوعَيْنِ قِيلَ يُقَالُ لَك أَرَأَيْت من اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَوَرِقًا أو أَحَدَهُمَا فَإِنْ قال بَلْ أحداهما وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ الْوَرِقُ على أَهْلِ الْوَرِقِ الَّذِينَ هِيَ أَمْوَالُهُمْ وَالذَّهَبُ على أَهْلِ الذَّهَبِ الَّذِينَ هِيَ أَمْوَالُهُمْ قِيلَ فما أَسْمَعُك جَمَعْت بَيْنَهُمَا في قِيمَةِ ما اُسْتُهْلِكَ وَلَا في دِيَةٍ وما أنت إلَّا تُفْرِدُ كل ( ( ( كلا ) ) ) مِنْهُمَا على حِدَتِهِ فَكَيْفَ لم تُفْرِدْهُمَا هَكَذَا في الزَّكَاةِ أو رَأَيْت إذَا كَانَا وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ تَجْتَمِعُ في أنها أَثْمَانٌ لِلْأَحْرَارِ الْمَقْتُولِينَ أَتَجْمَعُ بَيْنَهَا في الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْت لَا وَلَيْسَ اجْتِمَاعُهَا في شَيْءٍ يَدُلُّ على اجْتِمَاعِهَا في غَيْرِهِ قِيلَ فَهَكَذَا ما أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِمَّا فيه الزَّكَاةُ وَفِيهِ الْعُشْرُ كُلُّهُ فَهُوَ مُجْتَمِعٌ في أَنَّ فيه الْعُشْرَ كما في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَيَفْتَرِقُ في أَنَّهُ ليس بِثَمَنٍ لِكُلِّ شَيْءٍ كما الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عِنْدَك ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَيَفْتَرِقُ في أَنَّهُ مَأْكُولٌ كما الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ عِنْدَك غَيْرُ مَأْكُولٍ أَفَتَجْمَعُ بَيْنَهُ لِاجْتِمَاعِهِ فِيمَا وَصَفْنَا فَإِنْ قال لَا وَلَا يَدُلُّنِي اجْتِمَاعُهُ في مَعْنًى وَلَا في مَعَانٍ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُ في كل شَيْءٍ قِيلَ فَهَكَذَا فَافْعَلْ في الْجَمْعِ بين الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرنا الْمُغِيرَةُ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا يَكُونُ شَبَهُ الْعَمْدِ إلَّا في النَّفْسِ وَالْعَمْدُ ما أَصَبْت بِسِلَاحٍ وَالْخَطَأُ إذَا تَعَمَّدْت الشَّيْءَ فَأَصَبْت غَيْرَهُ وَشَبَهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدْت ضَرْبَهُ بِلَا سِلَاحٍ
____________________

(7/308)


- * الْقِصَاصُ بين الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا قَوَدَ بين الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ إلَّا في النَّفْسِ فإن الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ حُرًّا مُتَعَمِّدًا أو قَتَلَهُ الْحُرُّ مُتَعَمِّدًا قُتِلَ بِهِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ ليس بين الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وقال محمد بن الْحَسَنِ كَيْفَ يَكُونُ نَفْسَانِ تُقْتَلُ بِصَاحِبَتِهَا إنْ قَتَلَتْهَا الْأُخْرَى وَلَا تُقْتَلُ بها الْأُخْرَى إنْ قَتَلَتْهَا قالوا لِنُقْصَانِ الْعَبْدِ عن نَفْسِ الْحُرِّ فَهَذَا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ عَمْدًا وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَيُقْتَلُ بها وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وقد بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْعَبْدَ مُتَعَمِّدًا قُتِلَ بِهِ أخبرنا محمد بن أَبَانَ بن صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال ليس بين الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا بين الْأَحْرَارِ وَالْمَمْلُوكِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان الْحُرُّ الْقَاتِلُ لِلْعَبْدِ فَلَا قَوَدَ بَيْنَهُمَا في نَفْسٍ وَلَا غَيْرِهَا وإذا قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ أو جَرَحَهُ فَلِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدُوا منه في النَّفْسِ وَلِلْحُرِّ أَنْ يَسْتَقِيدَ منه في الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ أو يَأْخُذُ الْأَرْشَ في عُنُقِهِ إنْ شَاءَ وَيَدْعُ الْقَوَدَ قال محمد بن الْحَسَنِ إنَّ الْمَدَنِيِّينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا إقَادَةَ الْعَبْدِ من الْحُرِّ لِنَقْصِ نَفْسِ الْعَبْدِ عن نَفْسِ الْحُرِّ وقد يُقِيدُونَ الْمَرْأَةَ من الرَّجُلِ وَهِيَ أَنْقَصُ نَفْسًا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَعْرِفُ من قال هذا له وَلَا احْتَجَّ بِهِ عليه من الْمَدَنِيِّينَ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ له من يَنْسِبُونَهُ إلي عِلْمٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من قَوَدِ الْعَبْدِ من الْحُرِّ ما لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا فيه وَالسَّبَبُ الذي قُلْنَاهُ له مع الِاتِّبَاعِ أَنَّ الْحُرَّ كَامِلُ الْأَمْرِ في أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدَ نَاقِصُ الْأَمْرِ في عَامِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وفي الْحُدُودِ فِيمَا يَتَّصِفُ منها بِأَنَّ حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَيُقْذَفُ فَلَا يُحَدُّ له قَاذِفُهُ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَأْخُذُ سَهْمًا إنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَامِلَةُ الْأَمْرِ في الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَحَدُّهَا وَحَدُّ الرَّجُلِ في كل شَيْءٍ سوا ( ( ( سوى ) ) ) وَمِيرَاثُهَا ثَابِتٌ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لها وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ حَيْثُ أُجِيزَتْ وَلَيْسَتْ مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ فَلِذَلِكَ لَا تَأْخُذُ سَهْمًا وَلَوْ كان الْمَعْنَى الذي رَوَى مُحَمَّدٌ عَمَّنْ رَوَى عنه من الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لِنَقْصِ الدِّيَةِ كان الْمَدَنِيُّونَ قد يَجْعَلُونَ في نَفْسِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ وَإِنْ كانت عَدَدَ دِيَاتِ أَحْرَارٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لهم أَنْ لَا يَقْتُلُوا الْعَبْدَ الذي قِيمَتُهُ أَلْفَا دِينَارٍ بِحُرٍّ إنَّمَا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ من مَعْنَى الْقِصَاصِ بِسَبِيلٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَرَأَيْت إذَا قَتَلَهُ بِهِ وَأَقَادَ النَّفْسَ التي هِيَ جِمَاعُ الْبَدَنِ كُلِّهِ من الْحُرِّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَكَيْفَ لَا يَقُصُّهُ منه في موضحه إذَا كان الْكُلُّ بِالْكُلِّ فَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ أَوْلَى فَإِنْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُصَّهُ منه في الْجِرَاحِ وَلَا يَقُصَّهُ منه في النَّفْسِ ثُمَّ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبَعِّضَ الْجِرَاحَ فَيَقُصَّهُ في بَعْضِهَا وَلَا يَقُصَّهُ في بَعْضٍ في الْمَوْضِعِ الذي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فيه الْقِصَاصَ فقال النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ وَأَصْلُ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ محمد بن الْحَسَنِ في الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِشَيْءٍ من الْفِقْهِ ألا بِخَبَرٍ لَازِمٍ أو قِيَاسٍ وَهَذَا من قَوْلِهِ ليس بِخَبَرٍ لَازِمٍ فِيمَا عَلِمْت وَضِدُّ الْقِيَاسِ فَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ يَكُونُ نَفْسَانِ تُقْتَلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَلَا تُقْتَلُ الْأُخْرَى بها فَلِنَقْصِ الْقَاتِلِ فإذا كان الْقَاتِلُ نَاقِصَ الْحُرْمَةِ لم يَكُنْ النَّقْصُ يَمْنَعُهُ من أَنْ يُقْتَلَ إذَا قَتَلَ من هو أَعْظَمَ حُرْمَةً منه وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ وَإِنَّمَا تمنع ( ( ( يمنع ) ) ) الزِّيَادَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَوْجَدَنِيهِ يقول مِثْلَ هذا قِيلَ نعم وَأَعْظَمُ منه يَزْعُمُ أَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَ أَبَاهُ قُتِلَ به وَلَوْ قَتَلَهُ أَبُوهُ لم يُقْتَلْ بِهِ لِفَضْلِ الْأُبُوَّةِ على الْوَلَدِ وَحُرْمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَ عَبْدَهُ لم يَقْتُلْهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدُهُ قَتَلَهُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا لم يُقْتَلْ بِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَأْمَنُ يُقْتَلُ بِهِ
____________________

(7/309)


- * الرَّجُلَانِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يَجِبُ عليه الْقِصَاصُ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي في الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ جميعا عَمْدًا إنَّ على الْكَبِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ في مَالِهِ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ على عَاقِلَتِهِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ وَيَكُونُ على الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ قال محمد بن الْحَسَنِ وَكَيْفَ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ وقد شَرِكَهُ في الدَّمِ من لَا قَوَدَ عليه أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ هو وَرَجُلٌ آخَرُ معه أَكَانَ على ذلك الرَّجُلِ الْقَوَدُ وقد شَرِكَهُ في دَمِ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي لِمَنْ قال الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنْ يَقُولَ هذا أَيْضًا أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ عليه الْقَوَدُ في قَطْعِ يَدِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ من الْقِطْعَيْنِ جميعا أَيُقْتَلُ الذي قَطَعَ الرِّجْلَ وقد شَرِكَهُ في الدَّمِ حَدٌّ من حُدُودِ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ رَجُلًا عَقَرَهُ سَبُعٌ وَشَجَّهُ رَجُلٌ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ من ذلك كُلِّهِ أَيُقْتَلُ صَاحِبُ الْمُوضِحَةِ الضَّارِبُ وقد شَرِكَهُ في الدَّمِ من ليس في فِعْلِهِ قَوَدٌ وَلَا أَرْشٌ يَنْبَغِي لِمَنْ قال هذا أَنْ يَقُولَ لو أَنَّ رَجُلًا وَصَبِيًّا سَرَقَا سَرِقَةً وَاحِدَةً أنه يُقْطَعُ الرَّجُلُ وَيُتْرَكُ الصَّبِيُّ وَيَنْبَغِي له أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لو أَنَّ رَجُلَيْنِ سَرَقَا من رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمَا فيها شِرْكٌ قُطِعَ الذي لَا شِرْكَ له وَلَا يُقْطَعُ الذي له الشِّرْكُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا وَصَبِيًّا رَفَعَا سَيْفًا بِأَيْدِيهِمَا فَضَرَبَا بِهِ رَجُلًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَةِ أَتَكُونُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا عَمْدٌ فيه الْقَوَدُ وَبَعْضُهَا خَطَأٌ فَإِنْ كان ذلك عِنْدَكُمْ فَأَيُّهَا الْعَمْدُ وَأَيُّهَا الْخَطَأُ أَرَأَيْتُمْ إنْ رَفَعَ رَجُلَانِ سَيْفًا فَضَرَبَا بِهِ أَحَدُهُمَا مُتَعَمِّدَيْنِ لِذَلِكَ فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَهِيَ ضَرْبَتُهُ وَضَرْبَةُ صَاحِبِهِ ولم يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ دُونَ صَاحِبِهِ أَيَكُونُ في هذا قَوَدٌ ليس في هذا قَوَدٌ إذَا أُشْرِكَ في الدَّمِ شَيْءٌ لَا قَوَدَ فيه وَلَا تَبْعِيضَ في شَيْءٍ من النَّفْسِ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا فَشَجَّهُ مُوضِحَةً خَطَأً ثُمَّ ثَنَّى فَشَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَمَاتَ في مَكَانِهِ من ذلك جميعا يَنْبَغِي في قَوْلِكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا على عَاقِلَتِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ بِالشَّجَّةِ الْخَطَأِ وَتَقْتُلُوهُ بِالشَّجَّةِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عليه في نَفْسٍ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْقَتْلُ وَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا لو أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ له على رَجُلٍ قِصَاصٌ في شَجَّةٍ مُوضِحَةٍ فاقتص ( ( ( فاقتض ) ) ) منه ثُمَّ زَادَ على حَقِّهِ مُتَعَمِّدًا فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ منه من ذلك أَنَّهُ يُقْتَلُ الذي اقْتَصَّ بِالزِّيَادَةِ التي تَعَمَّدَ أخبرنا عَبَّادُ بن الْعَوَّامِ قال حدثنا هِشَامُ بن حَسَّانٍ عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سئل عن قَوْمٍ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا فِيهِمْ مُصَابٌ قال تَكُونُ فيه الدِّيَةُ أخبرنا عَبَّادُ بن الْعَوَّامِ قال أخبرنا عُمَرُ بن عَامِرٍ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال إذَا دخل خَطَأٌ في عَمْدٍ فَهِيَ دِيَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ معه أو الْمَجْنُونُ معه رَجُلًا وكان الْقَتْلُ مِنْهُمَا جميعا عَمْدًا فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بَالِغَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا عَمْدًا بِرَجُلٍ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ وَيَجْعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ على الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَأَصْلُ هذا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَتْلِ فإذا كان عَمْدًا كُلُّهُ لَا يُخَالِطُهُ خَطَأٌ فَاشْتَرَكَ فيه اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ فَمَنْ كان عليه الْقَوَدُ منهم أُقِيدَ منه وَمَنْ زَالَ عنه الْقَوَدُ أَزَالَهُ وَجَعَلَ عليه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) تَرَكَ الشَّافِعِيُّ الْعَاقِلَةَ لِأَنَّهُ عَمْدٌ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ مَطْرُوحٌ عنه لِلصِّغَرِ وَالْجُنُونِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما يُشْبِهُ هذا قِيلَ له الرَّجُلَانِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ عَمْدًا فَيَعْفُو الْوَلِيُّ عن أَحَدِهِمَا أو يُصَالِحُهُ فَلَا يَكُونُ له سَبِيلٌ على الْمَعْفُوِّ عنه وَلَا الْمُصَالَحِ وَيَكُونُ له السَّبِيلُ على الذي لم يَعْفُ عنه فَيَقْتُلُهُ فَيَأْخُذُ من أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ بَعْضَ الدِّيَةِ أو يَعْفُو عنه وَيَقْتُلُ الْآخَرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَانِ كان عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عن أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ قِيلَ له أَفَرَأَيْت إنْ أَزَالَهُ الْوَلِيُّ عنه أَزَالَ عن غَيْرِهِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَفِعْلُهُمَا وَاحِدٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَيْحُكُمْ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ نَفْسِهِ لَا حُكْمَ غَيْرِهِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فإذا كان هذا عِنْدَك هَكَذَا في هَذَيْنِ فَكَيْفَ إذَا قَتَلَ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مِمَّنْ عليه الْقَوَدُ وَالْآخَرُ مِمَّنْ لَا قَوَدَ عليه كَيْفَ لم تَقِدْ من الذي عليه الْقَوَدُ وَتَأْخُذُ الدِّيَةَ من الذي لَا قَوَدَ عليه مِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقَالُ له إنْ كُنْت إنَّمَا رَفَعْت الْقَوَدَ في الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَقْتُلَانِ
____________________

(7/310)


الرَّجُلَ وَمَعَهُمَا عَاقِلٌ من قَبِلَ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنهما فَحَكَمْت بِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَأٌ فَقَدْ تَرَكْت هذا الْأَصْلَ في الرَّجُلِ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ وَمُسْتَأْمَنٌ إذَا كُنْت تَحْكُمُ على الْمُسْتَأْمَنِ وَتَجْعَلُ على الْمُسْلِمِ حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ أو رَأَيْت أَبَا رَجُلٍ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا قَتَلَا رَجُلًا لم تَقْتُلْ الْأَجْنَبِيَّ وَتَجْعَلْ على الْأَبِ نِصْفَ الدِّيَةِ إذَا كان هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَيَكُونُ عليه الْقَوَدُ وَلَا يَكُونُ الْقَلَمُ عنه مَرْفُوعًا وَتَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ وَتَجْعَلُ عَمْدَهُ عَمْدًا لَا خَطَأً وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ فَتَزْعُمُ أَنَّ عَمْدَ أُولَئِكَ خَطَأٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا على عَاقِلَتِهِمَا فما الْحُجَّةُ في أَنْ تَجْمَعَ بين ما فَرَّقْت بَيْنَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنْ حُجَّتَهُ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ وَعَمْدَ الْأَبِ يَقْتُلُ ابْنَهُ معه غَيْرُهُ أو ليس معه غَيْرُهُ عَمْدٌ يَزُولُ عنه الْقَوَدُ لِمَعْنًى فيه وَيَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَكَذَلِكَ عَمْدُ الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ مع الْمُسْلِمِ إذَا حَكَمَ عليه فإذا زَعَمَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا شَرِكَ الْأَبَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إذَا شَرِكَ الْمُسْلِمَ في الْقَتْلِ قُتِلَ الذي عليه الْقَوَدُ فَقَدْ تَرَكَ الْأَصْلَ الذي إلَيْهِ ذَهَبَ فَأَمَّا ما أُدْخِلَ على أَصْحَابِنَا فَأَكْثَرُهُ لَا يَدْخُلُ عليهم وَذَلِكَ قَوْلُهُ في الرَّجُلِ تُقْطَعُ يَدُهُ في الْحَدِّ أو الْقِصَاصِ ثُمَّ يَقْطَعُ آخَرُ رِجْلَهُ فَيَمُوتُ هذا لَا قِصَاصَ فيه لِأَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَةِ حَقٍّ وَجِنَايَةِ بَاطِلٍ وَلِأَنَّهُ لو مَاتَ من قَطْعِ الْيَدِ لم يَكُنْ له دِيَةٌ لِأَنَّ يَدَهُ قُطِعَتْ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل فلما كان لِلْإِبَاحَةِ فيه مَوْضِعٌ لم يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ من قَتَلَهُ وَقَتْلُهُ غَيْرُ مُنْفَرِدٍ بِهِ وَلَا شَرِكَةَ فيه بِتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدَ قال وَكَذَلِكَ لو ضَرَبَهُ السَّبُعُ فَجَرَحَهُ وَضَرَبَهُ آخَرُ لم يَكُنْ عليه قَوَدٌ من قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ السَّبُعِ لَا عَقْلَ فيها وَلَا قَوَدَ فَأَمَّا جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا إنْ لم تَكُنْ بِقَوَدٍ فَبِعَقْلٍ وإذا كانت جِنَايَتُهُمَا غير لَغْوٍ وَالنَّفْسُ مَقْتُولَةً قَتْلَ عَمْدٍ وَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ تُقْتَلَ الْعَشَرَةُ بِوَاحِدٍ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ منهم كَأَنَّهُ قَاتِلٌ على الِانْفِرَادِ حتى لو أَزَالَ الْقَوَدَ عن بَعْضِهِمْ أَخَذَ الْقَوَدَ من الْبَاقِينَ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَتْلِ كان عَمْدًا فإذا كان الْقَتْلُ خَطَأً لم يُقْتَلْ فَإِنْ قال فَقَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ خَطَأٌ قِيلَ له هذا مُحَالٌ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّهُ خَطَأٌ وهو عَمْدٌ وَلَكِنْ قد كانت فِيهِمَا عِلَّةٌ يُمْنَعُ بها الْقِصَاصُ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَجْعَلُهُ على الْعَاقِلَةِ كما أَجْعَلُ خَطَأَهُ قِيلَ وَهَذَا إنْ رُدَّ عَلَيْك وَجُعِلَ في أَمْوَالِهِمَا لم تَجِدْ فيه حُجَّةً وَلَوْ كانت فيه حُجَّةٌ كانت عَلَيْك في الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ مع الْأَجْنَبِيِّ وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ الدِّيَةَ إلَّا في مَالِ الْأَبِ لَا على الْعَاقِلَةِ وفي الْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ معه مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * في عَقْلِ الْمَرْأَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه في عَقْلِ الْمَرْأَةِ إنَّ عَقْلَ جَمِيعِ جِرَاحِهَا وَنَفْسِهَا على النِّصْفِ من عَقْلِ الرَّجُلِ في جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَلِكَ أخبرنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْمَرْأَةِ على النِّصْفِ من عَقْلِ الرَّجُلِ في النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَقْلُهَا كَعَقْلِهِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأُصْبُعُهَا كَأُصْبُعِهِ وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهِ فإذا كان الثُّلُثَ أو أَكْثَرَ من الثُّلُثِ كان على النِّصْفِ قال محمد بن الْحَسَنِ وقد رَوَى الذي قال أَهْلُ الْمَدِينَةِ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ قال يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في الْعَقْلِ إلَى الثُّلُثِ ثُمَّ النِّصْفُ فِيمَا بقى أخبرنا أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّهُ قال يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في الْعَقْلِ إلي الثُّلُثِ ثُمَّ النِّصْفُ فِيمَا بقى وَأَخْبَرَنَا أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال قَوْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في هذا أَحَبُّ إلَيَّ من قَوْلِ زَيْدٍ وَأَخْبَرَنَا محمد بن أَبَانَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُمَا قَالَا عَقْلُ الْمَرْأَةِ على النِّصْفِ من دِيَةِ الرَّجُلِ في النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ على هذا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِهِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ على صَوَابِ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعُهَا خَطَأً وَجَبَ على قَاطِعِهَا في قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عُشْرُ دِيَةِ الرَّجُلِ
____________________

(7/311)


فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ وَجَبَ عليه عُشْرَا الدِّيَةِ فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَجَبَ عليه ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَجَبَ عليه عُشْرَا الدِّيَةِ فإذا عَظُمَتْ الْجِرَاحَةِ قَلَّ الْعَقْلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَاسُ الذي لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَلَا يُخْطِئُ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا نَرَى أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ إذَا كان فيها من الدِّيَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وفي يَدِهَا نِصْفُ ما في يَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ما صَغُرَ من جِرَاحِهَا هَكَذَا فلما كان هذا من الْأُمُورِ التي لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُخْطِئَ بها من جِهَةِ الرَّأْيِ وكان بن الْمُسَيِّبِ يقول في ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثُونَ وفي أَرْبَعٍ عِشْرُونَ وَيُقَالُ له حين عَظُمَ جُرْحُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا فيقول هِيَ السُّنَّةُ وكان يروى عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ على النِّصْفِ من عَقْلِهِ لم يَجُزْ أَنْ يُخْطِئَ أَحَدٌ هذا الْخَطَأَ من جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا يَكُونُ من جِهَةِ الرَّأْيِ فِيمَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ رَأْيٌ أَصَحُّ من رأى فَأَمَّا هذا فَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُخْطِئُ بمثله إلَّا اتِّبَاعًا لِمَنْ لَا يُجَوِّزُ خِلَافَهُ عِنْدَهُ فلما قال بن الْمُسَيِّبِ هِيَ السُّنَّةُ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن عَامَّةٍ من أَصْحَابِهِ ولم يُشَبِّهْ زَيْدٌ أَنْ يَقُولَ هذا من جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ الرَّأْيُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يُرْوَى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه خِلَافُهُ قِيلَ فَلَا يَثْبُتُ عن عَلِيٍّ وَلَا عن عُمَرَ وَلَوْ ثَبَتَ كان يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا قَالَاهُ من جِهَةِ الرَّأْيِ الذي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ قِلَّةَ عِلْمٍ من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْقِلُ ما قَالَا إذَا كانت النَّفْسُ على نِصْفِ عَقْلِ نَفْسِهِ وَالْيَدِ كان كَذَلِكَ ما دُونَهُمَا وَلَا يَكُونُ فِيمَا قال سَعِيدٌ السُّنَّةُ إذَا كانت تُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْعَقْلَ إلَّا عن عِلْمِ اتِّبَاعٍ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقد كنا نَقُولُ بِهِ على هذا الْمَعْنَى ثُمَّ وَقَفْت عنه وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْخِيرَةَ من قِبَلِ أَنَّا قد نَجِدُ منهم من يقول السُّنَّةُ ثُمَّ لَا نَجِدُ لِقَوْلِهِ السُّنَّةَ نَفَاذًا بِأَنَّهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَالْقِيَاسُ أَوْلَى بِنَا فيها على النِّصْفِ من عَقْلِ الرَّجُلِ وَلَا يَثْبُتُ عن زَيْدٍ كَثُبُوتِهِ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابٌ في الْجَنِينِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الرَّجُلِ يَضْرِبُ بَطْنَ الْأَمَةِ فتلقى جَنِينًا مَيِّتًا إنْ كان غُلَامًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لو كان حَيًّا وَإِنْ كان جَارِيَةً فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لو كانت حَيَّةً وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ فيه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وقال محمد بن الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَضَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ في جَنِينِ الْأَمَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شيئا وَاحِدًا وَإِنَّمَا فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةً عَبْدًا أو أَمَةً فَقَدَّرَ ذلك بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَالْخَمْسُونَ من دِيَةِ الرَّجُلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ عُشْرُ دِيَتِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك أَيْضًا من قِيمَةِ الْجَنِينِ لو كان حَيًّا ليس من قِيمَةِ أُمِّهِ أَرَأَيْتُمْ لو أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا فَمَاتَ كَمْ كان يَكُونُ فيه أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ فيه قِيمَتُهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ في ذلك قالوا بَلَى قِيلَ لهم فما تَقُولُونَ إنْ كانت قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَغَرِمَ قَاتِلُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ أَلْقَتْ آخَرَ مَيِّتًا أَلَيْسَ يَغْرَمُ في قَوْلِكُمْ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ وَأُمُّهُ جَارِيَةٌ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ قالوا بَلَى يَغْرَمُ عُشْرَ قِيمَتِهَا وهو خَمْسُونَ دِينَارًا قِيلَ لهم فَيَكُونُ الْقَاتِلُ غَرِمَ في الذي أَلْقَتْهُ حَيًّا أَقَلَّ من الذي غَرِمَ فيه مَيِّتًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ أَكْثَرَ في الذي أَلْقَتْهُ حَيًّا لِأَنَّهُ يَغْرَمُ في الْجَنِينِ الْحُرِّ إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ الدِّيَةَ كَامِلَةً وإذا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا غَرِمَ غُرَّةً وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ جَنِينُ الْأَمَةِ على ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَنِينِ الْحُرَّةِ فَيَغْرَمُ في الْمَيِّتِ أَقَلَّ مِمَّا يَغْرَمُ في الْحَيِّ وقد غَرَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ في جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كان حَيًّا فَمَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْجَنِينِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فإذا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ ما لم تُعْرَفْ فيه حَيَاةٌ فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ إذَا لم يَكُنْ حُرًّا في بَطْنِهَا وَهَكَذَا
____________________

(7/312)


قال بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَكْثَرُ من سَمِعْنَا منه من مُفْتِي الْحِجَازِيِّينَ وَأَهْلِ الْآثَارِ فَخَالَفَنَا محمد بن الْحَسَنِ وأبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى في جَنِينِ الْأَمَةِ فَقَالَا فيه إذَا خَرَجَ فيه حَيًّا كما قُلْنَا وَقَالَا فيه إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنْ كان غُلَامًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لو كان حَيًّا وَإِنْ كان جَارِيَةً فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لو كانت حَيَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَلَّمَنِي محمد بن الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ بِمَا سَأَحْكِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كُنْت لعلى لَا أُفَرِّقُ بين كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَأَكْثَرُهُ كَلَامُهُ فقال من أَيْنَ قُلْت هذا قُلْت أَمَّا نَصًّا فَعَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ قال ليس يَلْزَمُنِي قَوْلُ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَلَا يَلْزَمُك قُلْت وَلَكِنْ رُبَّمَا غَالَطْت بِقَوْلِ الْوَاحِدِ منهم وَقُلْت قُلْته قِيَاسًا على السُّنَّةِ قال إنَّا لَنَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَنَا هو الْقِيَاسُ على السُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ قُلْت فَإِنْ شِئْت فاسأل وَإِنْ شِئْت سَأَلَتْك قال سَلْ فَقُلْت أَلَيْسَ الْأَصْلُ جَنِينَ الْحُرَّةِ قال بَلَى قُلْت فَلِمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَنِينِ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ ولم يُذْكَرْ عنه أَنَّهُ سَأَلَ عنه أَذَكَرٌ أو ( ( ( وأنثى ) ) ) أنثى فَكَانَ الْجَنِينُ هو الْحَمْلُ قُلْنَا فلما كان الْجَنِينُ وَاحِدًا فَسَوَاءٌ كان ذَكَرًا أو أُنْثَى قال بَلَى قُلْت هَكَذَا قُلْنَا فَجَمَعْنَا بين جنينيها ( ( ( جنينها ) ) ) فَجَعَلْنَا في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا من الْإِبِلِ وَخَمْسِينَ دِينَارًا إذَا لم تَكُنْ غُرَّةً قُلْت أَفَرَأَيْت لو خَرَجَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا قال فَفِي الْغُلَامِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ وفي الْجَارِيَةِ خَمْسُونَ قُلْنَا وَسَوَاءٌ كَانَا ابْنَيْ أُمِّ وَلَدٍ من سَيِّدِهَا قِيمَةُ أُمِّهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا أو كَانَا ابْنَيْ حُرَّةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَى أُمِّهِمَا قال نعم إنَّمَا حُكْمُهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ في الذَّكَرِ مِنْهُمَا مِائَةٌ من الْإِبِلِ وفي الْأُنْثَى خَمْسُونَ قُلْت ثُمَّ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا إذَا لم يَكُنْ فِيهِمَا حَيَاةٌ أَلَيْسَ هذا يَدُلُّ على أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ غَيْرِهِمَا لَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا قال فَلَا أُعْطِيك ذلك وَلَكِنْ أَجْعَلُ حُكْمَهُمَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ قُلْت فإذا لم تُعْطِ هذا فَكَيْفَ فَرَّقْت بين حُكْمِهِمَا إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا ولم تَعْرِفْ قال اتِّبَاعًا قُلْت في الْجَنِينَيْنِ من الْحُرَّةِ دَلَالَةٌ من خَبَرٍ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا أَمْ إنَّمَا قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا قال ما فيه خَبَرٌ وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ قُلْنَا أَفَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ غَيْرِهِمَا إذَا لم تَعْرِفْ حَيَاتَهُمَا وَحُكْمَ نَفْسِهِمَا إذَا عَرَفْت حَيَاتَهُمَا قال نعم قُلْنَا فإذا كَانَا يُحْتَمَلَانِ مَعًا فَكَيْفَ لم تَصِرْ إلَى ما قُلْنَا حَيْثُ فَرَّقْت بين حُكْمِهِمَا وَلَا تَزْعُمُ أَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَأَنَّ حُكْمَهُمَا يَتَفَرَّقُ وإذا كان يُحْتَمَلُ فَزَعَمْت أَنَّ كُلَّ قَوْلَيْنِ أَبَدًا اُحْتُمِلَا فَأَوْلَاهُمَا بِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَصِيرُوا إلَيْهِ أَوْلَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَقَوْلُنَا فيه الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَقَوْلُك خِلَافُهُمَا قال وَكَيْفَ قُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا من أَنَّا إذَا لم نُفَرِّقْ بين أَصْلِ حُكْمِهِمَا وهو جَنِينُ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فيه سَوَاءٌ لم يَجُزْ أَنْ نفرق ( ( ( تفرق ) ) ) بين فَرْعَيْ حُكْمِهِمَا وهو جَنِينُ الْأَمَةِ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمِنْ قِبَلِ أَنَّنِي وَإِيَّاكَ نَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ ضِعْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَنْتَ في الْجَنِينِ تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ ضِعْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَقُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُمَا لو سَقَطَا حَيَّيْنِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً أو مُخْتَلِفَةً كان فِيهِمَا قِيمَتُهُمَا ما كانت وَإِنْ مَيِّتَيْنِ كان في الذَّكَرِ مِنْهُمَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لو كان حَيًّا وفي الْأُنْثَى عُشْرُ قِيمَتِهَا لو كانت حَيَّةً أَلَيْسَ قد زَعَمْت أَنَّ عَقْلَ الْأُنْثَى من أَصْلِ عَقْلِهَا في الْحَيَاةِ ما أَعْلَمُك إلَّا نَكَّسْت الْقِيَاسَ فَقَلَبْته قال فَأَنْتَ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا قُلْت من أَجْلِ أَنَّنِي زَعَمْت أَنَّ أَصْلَ حُكْمِهِمَا حُكْمَ غَيْرِهِمَا لَا حُكْمَ أَنْفُسِهِمَا كما سَوَّيْت بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى في جَنِينِ الْحُرَّةِ فلم أُفَرِّقْ بين قِيَاسِهِمَا وَجَعَلْت كُلًّا يُحْكَمُ فيه حُكْمَ أُمِّهِ إذَا كان مِثْلَ أُمِّهِ عَتِيقًا بِعِتْقِهَا وَرَقِيقًا بِرِقِّهَا وَأَنْتَ قَلَبْت فيه الْقِيَاسَ قال فَقَوْلُنَا يُحْتَمَلُ قُلْنَا ما يُحْتَمَلُ إلَّا النَّكْسُ وَالْقِيَاسُ كما وَصَفْنَا في الظَّاهِرِ فَمَعَنَا الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَنَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِأَقَلَّ من هذا وقال محمد بن الْحَسَنِ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ في قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ دِيَةُ جَنِينِ الْأَمَةِ مَيِّتًا أَكْثَرَ من دِيَتِهِ حَيًّا في بَعْضِ الْحَالَاتِ قِيلَ ليس يَدْخُلُ عَلَيْنَا من هذا شَيْءٌ من قِبَلِ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا هِيَ بِغَيْرِهِ كانت أَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَأَنْتَ يَدْخُلُ عَلَيْك في غَيْرِ هذا أَكْثَرُ منه مع ما دخل عَلَيْك من خِلَافِ الْقِيَاسِ مع السُّنَّةِ قال وَأَيْنَ ذلك قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا لو جَنَى على
____________________

(7/313)


أَطْرَافِ رَجُلٍ فيها عَشْرُ دِيَاتٍ في مَقَامٍ فَسِيحٍ قال يَكُونُ فيه عَشْرُ دِيَاتٍ قُلْنَا فَإِنْ جَنَى هذه الْجِنَايَةَ التي فيها عَشْرُ دِيَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ مَكَانَهُ قال فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَقَدْ دخل عَلَيْك إذَا زَعَمْت أَنَّهُ إذَا زَادَ في الْجِنَايَةِ الْمَوْتَ نَقَصَتْ جِنَايَتُهُ منه تِسْعَ دِيَاتٍ قال إنَّمَا يَدْخُلُ هذا على من قِبَلِ أَنَّنِي أَجْعَلُ الْبَدَنَ كُلَّهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ قُلْنَا فَكَيْفَ تَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ وهو مُتَقَدِّمٌ قَبْلَهَا وقد أَصَابَهُ وَلَهُ حُكْمٌ فَإِنْ جَازَ لَك هذا رَدَدْت أَصَحَّ منه أَنَّهُمْ زَعَمُوا لَك أَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ لم يَكُنْ له حُكْمٌ قَطُّ إنَّمَا كان حُكْمُهُ بِأُمِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْم لِمَنْ لم يَخْرُجْ حَيًّا قَطُّ - * بَابُ الْجُرُوحِ في الْجَسَدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَهُمَا سَوَاءٌ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا وَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ كان فيها نِصْفُ الدِّيَةِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا الدِّيَةُ جميعا فَإِنْ قُطِعَتْ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ قال محمد بن الْحَسَنِ وَلِمَ قال أَهْلُ الْمَدِينَةِ هذا أَلِأَنَّ السُّفْلَى أَنْفَعُ من الْعُلْيَا فَقَدْ فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْإِصْبَعِ الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ فَرِيضَةً وَاحِدَةً فَجَعَلَ في كل وَاحِدَةٍ عُشْرَ الدِّيَةِ وروى ذلك عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْخِنْصَرُ وَالْإِبْهَامُ سَوَاءٌ مع آثَارٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ قد جَاءَتْ فيها قال محمد بن الْحَسَنِ أخبرنا مَالِكٌ قال حدثنا دَاوُد بن الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أخبره أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ ما في الضِّرْسِ فقال بن عَبَّاسٍ فيه خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى بن عَبَّاسٍ فقال أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ الْفَمِ كَالْأَضْرَاسِ فقال بن عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنَّك لَا تَعْتَبِرُ ذلك إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك على أَنَّ الشَّفَتَيْنِ عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ وقد جاء في الشَّفَتَيْنِ سِوَى هذا آثَارٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالدِّيَةُ على الْأَسْمَاءِ لَيْسَتْ على قَدْرِ الْمَنَافِعِ وَهَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا يقول وهو الذي قَصَدَ محمد بن الْحَسَنِ قَصْدُ الرِّوَايَةِ عنه رِوَايَةٌ عن أَهْلِ الْمَدِينَةِ فلم يكن ( ( ( تكن ) ) ) يَنْبَغِي له إذَا كان الذي قَصَدَ قَصْدَهُ بِالرِّوَايَةِ أَنْ يَرْوِيَ عنه ما لَا يقول ويروى عن غَيْرِهِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ ما قد تَرَكَهُ مَالِكٌ عليه إلَّا أَنْ يَنُصَّهُ فيسمى من قال ذلك فَأَمَّا أَنْ يُغَالِطَ بِهِ فَلَيْسَ ذلك له أَسْمَعُهُ إذَا سَمَّى وَاحِدًا من أَهْلِ الْمَدِينَةِ في كل دَهْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وهو يَعِيبُ على غَيْرِهِ أَدْنَى من هذا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنَّ الشَّفَتَيْنِ وَالْأَصَابِعَ سَوَاءٌ قُلْنَا له دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فيه فَإِنْ قال وما ذلك قِيلَ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَصَابِعِ بِعُشْرِ عُشْرٍ وَالْأَصَابِعُ مُخْتَلِفَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فلما رَأَيْنَاهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ الْأَسْمَاءِ كان يَنْبَغِي في كل ما وَقَعَتْ عليه الْأَسْمَاءُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْيَدِ خَمْسُونَ فلم أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا في أَنَّ في الْيُسْرَى من الْيَدَيْنِ ما في الْيُمْنَى وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ من الْيُسْرَى فَلَوْ كان إذْ قال في الْيَدِ خَمْسُونَ عَنَى بها الْيُمْنَى وكان لِلنَّاسِ أَنْ يُفَضِّلُوا بين الْيَدَيْنِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ في الْيُسْرَى أَقَلُّ من خَمْسِينَ وَلَوْ كان قَصَدَ في الْيَدِ التي جُعِلَ فيها خَمْسُونَ قَصْدَ الْيُسْرَى انْبَغَى أَنْ يَكُونَ في الْيُمْنَى أَكْثَرُ من خَمْسِينَ فلما رَأَيْنَا مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ على التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى الْأَسْمَاءِ وَالسَّلَامَةِ فإذا جُمِعَ الْعُضْوَانِ وَأَكْثَرُ الْأَسْمَاءِ وَالسَّلَامَةُ كَانَا سَوَاءً وَهَكَذَا هذا في الْعَيْنَيْنِ وَالْأَسْنَانِ سَوَاءٌ وَالثَّنِيَّةُ أَنْفَعُ من الرُّبَاعِيَّةِ وَهُمَا سَوَاءٌ في الْعَقْلِ - * بَابٌ في الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَفَقْءُ الصَّحِيحَةِ من عَيْنَيْهِ إنْ كان عَمْدًا فَلِلصَّحِيحِ الْقَوَدُ لَا شَيْءَ له غير ذلك وَإِنْ كان خَطَأً فإن على ما قُلْته نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ له غَيْرُ ذلك وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ في الْأَعْوَرِ
____________________

(7/314)


يفقا عَيْنَ الصَّحِيحِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارِ أو اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وقال أبو حَنِيفَةَ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إذَا فُقِئَتْ إنْ كان عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَإِنْ كان خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ التى فَقَأَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وهى وَعَيْنُ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ إذَا فُقِئَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وقال محمد بن الْحَسَنِ فَكَيْفَ صَارَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ أَفْضَلَ من عَيْنِ الصَّحِيحِ هذا عَقْلٌ أَوْجَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَيْنَيْنِ جميعا فَجَعَلَ في كل عَيْنٍ نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ رَجُلٍ فَغَرِمَ الْفَاقِئُ نِصْفَ الدِّيَةِ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ عَدَا على الْعَيْنِ الْأُخْرَى فَفَقَأَهَا خَطَأً لم يَجِبْ على الْفَاقِئِ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً فَيَكُون الرَّجُلُ قد أَخَذَ في عَيْنَيْهِ دِيَةً وَنِصْفًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِمَا دِيَةً فَفِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَا في الثَّانِيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَيْسَ يَتَحَوَّلُ ذلك بِفَقْءِ الْأُولَى وَلَا تُزَادُ إحْدَاهُمَا في عَقْلِهَا على الذي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل شيئا بفقء ( ( ( يفقأ ) ) ) الْأُخْرَى يَنْبَغِي لِمَنْ قال هذا في الْعَيْنَيْنِ أَنْ يَقُولَ ذلك في الْيَدَيْنِ وَأَنْ يَقُولَهُ في الرِّجْلَيْنِ ليس هذا بِشَيْءٍ وَالْأَمْرُ فيه على الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ليس يَزْدَادُ شيئا لِعَيْنٍ فُقِئَتْ وَلَا غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ إنْ كان الْفَقْءُ عَمْدًا فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ كان خَطَأً فَلَهُ الْعَقْلُ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ على الْعَاقِلَةِ في سَنَتَيْنِ ثُلُثَاهَا في مضى سَنَةٍ وَثُلُثُهَا في مضى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ السُّنَّةُ فَإِنْ قال وَأَيْنَ السُّنَّةُ قُلْنَا إذْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي الْعَيْنِ خَمْسُونَ فَإِنْ أَصَابَ الصَّحِيحُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ أَصَابَ عَيْنًا أو عَيْنَيْنِ فَإِنْ قال عَيْنًا قُلْنَا فَإِنَّمَا جَعَلَ رسول اللَّهِ في الْعَيْنِ خَمْسِينَ فَمَنْ جَعَلَ فيها أَكْثَرَ من الْخَمْسِينَ فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ أَكْثَرَ من هذا قُلْنَا لَا أَكْثَرَ من السُّنَّةِ هِيَ الْغَايَةُ وما دُونَهَا تَبَعٌ لها فَإِنْ قال فَفِيهَا زِيَادَةٌ قِيلَ نعم مَوْجُودٌ في السُّنَّةِ إذَا كان في الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْعَيْنَيْنِ مِائَةٌ فإذا كَانَتَا إذَا فُقِئَتَا مَعًا كانت فِيهِمَا مِائَةٌ فما بَالُهُمَا إذَا فُقِئَتَا مَعًا يَكُونُ في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ وإذا فُقِئَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَهَابِ الْأُخْرَى كانت فيها مِائَةٌ أَزَادَ تَفَرُّقُ الْجِنَايَةِ في عَقْلِهَا أو خَالَفَ تَفْرِيقَ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمَا أَوَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْبَاقِيَةُ أَلَيْسَ إنْ جَعَلْنَا فيه خَمْسِينَ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا في جَمِيعِ ما في بَطْشِهِ وَوَافَقْنَا السُّنَّةَ ولم نَزِدْ على الْجَانِي غير جِنَايَتِهِ وَإِنْ جَعَلْنَا فيها مِائَةً من الْإِبِلِ كنا قد جَعَلْنَا عليه ما لم يَجْنِ وَخَالَفْنَا ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - * بَابُ ما لَا يَجِبُ فيه أَرْشٌ مَعْلُومٌ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ وفي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ وفي كل نَافِذَةٍ في عُضْوٍ من الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ ليس في شَيْءٍ من ذلك أَرْشٌ مَعْلُومٌ وفي ذلك كُلِّهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ أخبرني أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَاللِّسَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرِ الخصى حُكُومَةُ عَدْلٍ وقال بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ منهم مَالِكُ بن أَنَسٍ قال نَرَى في ذلك الِاجْتِهَادَ وقال بَعْضُهُمْ في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ وَكُلُّ نَافِذَةٍ من عُضْوٍ من الْأَعْضَاءِ ثُلُثُ دِيَةِ ذلك الْعُضْوِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي ذَكَرِ الخصى الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ ذَكَرُ الرَّجُلِ تُقْطَعُ أُنْثَيَاهُ وَيَبْقَى ذَكَرُهُ تَامًّا كما هو فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ قِيلَ أَرَأَيْت الذَّكَرَ إذَا كانت فيه دِيَةٌ أَبِخَبَرٍ لَازِمٍ هِيَ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَفِي الْخَبَرِ اللَّازِمِ أَنَّهُ ذَكَرُ غَيْرِ خَصِيٍّ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَلِمَ خَالَفْتُمْ الْخَبَرَ فَإِنْ قال لِأَنَّهُ لَا يُحْبِلُ قِيلَ أَفَرَأَيْت الصَّبِيَّ يُقْطَعُ ذَكَرُهُ أو الشَّيْخُ الذي قد انْقَطَعَ عنه أَمْرُ النِّسَاءِ أو الْمَخْلُوقُ خَلْقًا ضَعِيفًا لَا يَتَحَرَّكُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ في هذه الدِّيَةُ فَقَدْ جَعَلُوهَا فِيمَا لَا يُحْبِلُ وَلَا يُجَامِعُ بِهِ وَذَكَرُ الخصى يُجَامِعُ بِهِ أَشَدَّ ما كان الْجِمَاعُ قَطُّ وَلَا أَعْلَمُ في الذَّكَرِ نَفْسِهِ مَنْفَعَةً إلَّا مَجْرَى الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَهُمَا قَائِمَانِ وَجِمَاعُهُ أَشَدُّ من جِمَاعِ غَيْرِ الْخَصِيِّ فأما ( ( ( فأمر ) ) ) الْوَلَدِ فشيء ( ( ( شيء ) ) ) ليس من الذَّكَرِ إنَّمَا هو
____________________

(7/315)


بمنى يَخْرُجُ من الصُّلْبِ قال اللَّهُ عز وجل { يَخْرُجُ من بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } وَيَخْرُجُ فَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَمِنْ أَعْجَبِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَعَمَ أنه إنْ قُطِعَ أَوَّلًا ثُمَّ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ بَعْدُ فَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وفي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَإِنْ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ قَبْلُ ثُمَّ قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وفي الذَّكَرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فَإِنْ قالوا فَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الدِّيَةَ في الذَّكَرِ إذَا ذَهَبَ الْأُنْثَيَانِ لِأَنَّ أَدَاتَهُ التي يُحْبِلُ بها الْأُنْثَيَانِ فَهَلْ في الْأُنْثَيَيْنِ مَنْفَعَةٌ أو جَمَالٌ غير أَنَّهُمَا أَدَاةٌ لِلذَّكَرِ فَإِنْ قالوا لَا قِيلَ لهم أَرَأَيْتُمْ الذَّكَرَ إذَا اُسْتُؤْصِلَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَبْقَى منه شَيْءٌ يَصِلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فَتَحْبَلُ بِهِ لِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ في الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ إذْ الْأُنْثَيَانِ إذَا كَانَتَا أَدَاةَ الذَّكَرِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا دِيَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَلَا جَمَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَا أَدَاةً لِلذَّكَرِ وقد ذَهَبَ الذَّكَرُ وَالذَّكَرُ فيه مَنْفَعَةٌ بِالْجِمَاعِ فَأَبْطَلْتُمْ فيه الدِّيَةَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وهو الذي له الْأَدَاةُ وَأَثْبَتُّمُوهَا في الْأُنْثَيَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُمَا أَدَاةٌ لِغَيْرِهِمَا وقد بَطَلَتَا بِأَنْ ذَهَبَ الشَّيْءُ الذي هُمَا أَدَاةٌ له وَالذَّكَرُ لَا يَبْطُلُ بِذَهَابِ أَدَاتِهِ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ وَتَنَالُ منه فَإِنْ قالوا فَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا على الْأَسْمَاءِ وَالْأُنْثَيَانِ قَائِمَتَانِ قِيلَ فَهَكَذَا الذَّكَرُ قَائِمٌ وَهَكَذَا احْتَجَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ في التَّسْوِيَةِ بين الْأَصَابِعِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَكُلِّ ما لَزِمَهُ الِاسْمُ ولم نَلْتَفِتْ إلَى مَنَافِعِهِمَا كَذَا كان يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقِفُوا في الذَّكَرِ وَهَكَذَا قُلْنَا وَأَنْتُمْ الْيَدُ الْيُمْنَى الْبَاطِشَةُ الْكَاتِبَةُ الرَّفِيقَةُ كَالْيَدِ الْيُسْرَى الضَّعِيفَةِ التي لَا تَبْطِشُ وَلَا تَكْتُبُ فَأَمَّا الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ فإن مَالِكًا أخبرنا عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّهُ قَضَى في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَصْلُ ما تَذْهَبُونَ إلَيْهِ زَعَمْتُمْ أَنْ لَا تُخَالِفُوا الْوَاحِدَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَوْ قُلْتُمْ في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ كُنْتُمْ وَافَقْتُمْ زَيْدَ بن ثَابِتٍ إذْ لم نَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَهُ فإذا قُلْتُمْ قد يَحْتَمِلُ قَوْلُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنْ يَكُونَ اجْتَهَدَ فيها فَرَأَى الِاجْتِهَادَ فيها قَدْرَ خُمُسِهَا قِيلَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ ذلك وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِهِ فَأَمَّا كُلُّ نَافِذَةٍ في عُضْوٍ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قال هذا أَكْثَرَ من سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَجِرَاحُ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ الرَّأْسِ فيها حُكُومَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في أَنْ جِرَاحَ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ الرَّأْسِ قِيلَ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ من الْإِبِلِ وكان الذي أَحْفَظُ عن بَعْضِ من أَحْفَظُ عنه مِمَّنْ لَقِيت أَنَّ الْمُوضِحَةَ إنَّمَا تَكُونُ في الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْوَجْهُ رَأْسٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ قُطِعَا مَعًا وَإِنْ كان يَتَفَرَّقُ في الْوُضُوءِ وكان الرَّأْسَ إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ الْوَجْهُ فَلَوْ قِسْت الْمُوضِحَةَ في الضِّلْعِ على الْمُوضِحَةِ في الرَّأْسِ قَضَيْت بِنِصْفِ عُشْرِ بَعِيرٍ لِأَنِّي أقضى في الضِّلْعِ إذَا كُسِرَ بِبَعِيرٍ وَذَلِكَ أَنِّي أقضى في الرَّأْسِ إذَا كُسِرَ ولم يَكُنْ مَأْمُومًا بِعَشْرٍ من الْإِبِلِ فَيَدْخُلُ على أَحَدٍ إنْ قال هذا الْقَوْلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قضي في الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ من الْإِبِلِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ في الْبَدَنِ دَاخِلَةٌ في الْمُوضِحَةِ التي قَضَى فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا دخل عليه أَنْ يُخَالِفَ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قَاسَ الْمُوضِحَةَ في الْجَسَدِ أو يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فيقول قَوْلًا مُحَالًا فَيَجْعَلُ في الْمُوضِحَةِ في الضِّلْعِ خَمْسًا من الْإِبِلِ وَالضِّلْعُ نَفْسُهُ لو كُسِرَ لم يَكُنْ فيه إلَّا بَعِيرٌ وفي الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) حفظى عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ في كل ما دُونَ الْمُوضِحَةِ من الْجِرَاحِ وفي الضِّلْعِ وَالتَّرْقُوَةِ حُكُومَةٌ - * بَابُ دِيَةِ الْأَضْرَاسِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه في كل ضِرْسٍ خَمْسٌ من الْإِبِلِ مُقَدِّمُ الْفَمِ ومؤخرة سَوَاءٌ وقال بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ منهم مَالِكُ بن أَنَسٍ وقال بَعْضُهُمْ في كل ضِرْسٍ بَعِيرٌ وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ سَعِيدًا قال لو كُنْت أنا أنا لَجَعَلْت في الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ أخبرنا محمد بن أَبَانَ بن صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عن حَمَّادٍ عن النَّخَعِيِّ في الْأَسْنَانِ في كل سِنٍّ نِصْفُ الْعُشْرِ مُقَدِّمُ الْفَمِ وَمُؤَخِّرُهُ سَوَاءٌ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أخبره أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ ما في الضِّرْسِ فقال بن عَبَّاسٍ
____________________

(7/316)


إنَّ فيه خَمْسًا من الْإِبِلِ قال فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى بن عَبَّاسٍ فقال أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فقال بن عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنَّك لَا تَعْتَبِرُ ذلك إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ أخبرنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن شُرَيْحٍ قال الْأَسْنَانُ عَقْلُهَا سَوَاءٌ في كل سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَأَخْبَرَنَا بُكَيْر بن عَامِرٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قال الْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ في كل سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَالْأَضْرَاسُ أَسْنَانٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت قِيلَ له قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي السِّنِّ خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَكَانَتْ الضِّرْسُ سِنًّا في فَمٍ لَا تَخْرُجُ من اسْمِ السِّنِّ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تُسَمَّى بِاسْمٍ دُونَ السِّنِّ قِيلَ وَكَذَلِكَ الثَّنِيَّتَانِ يُمَيَّزَانِ من الرَّبَاعِيَتَيْنِ وَالرَّبَاعِيَتَانِ تُمَيَّزَانِ من الثَّنِيَّتَيْنِ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا تُفَرِّقُ بَيْنَهَا بِالتَّمْيِيزِ فَاجْعَلْ أَيَّ هذا شِئْت سِنًّا وَاحْكُمْ في غَيْرِهِ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ منه فَإِنْ قال لَا هِيَ عِظَامٌ بَادِيَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مُجْتَمِعَةٌ مَخْلُوقَةٌ في الْفَمِ قِيلَ وَهَكَذَا الْأَضْرَاسُ وَهَكَذَا الْأَصَابِعُ مُجْتَمِعَةٌ في كَفٍّ مُتَبَايِنَةِ الْأَسْمَاءِ من إبْهَامٍ وَمِسْبَحَةٍ وَوُسْطَى وَبِنْصِرٍ وَخِنْصَرٍ ثُمَّ اسْتَوَى بَيْنَهَا من قِبَلِ جِمَاعِ الْأَصَابِعِ مع تَبَايُنِ مَنْفَعَتِهَا وَالضِّرْسُ أَنْفَعُ في الْمَأْكُولِ من الثَّنِيَّتَيْنِ وَالثَّنِيَّتَانِ أَنْفَعُ في إمْسَاكِ اللِّسَانِ من الضِّرْسِ فَأَمَّا ما ذَهَبَ إلَيْهِ محمد بن الْحَسَنِ فَلَوْ لم تَكُنْ فيه حُجَّةٌ غَيْرُ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ لم يَكُونُوا عِنْدَهُ حُجَّةً فَأَمَّا ما روى عن بن عَبَّاسٍ فَلَوْ ذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ عُمَرَ يُخَالِفُهُ هل كانت عليه حُجَّةٌ بِتَقْلِيدِ بن عَبَّاسٍ إلَّا وَعَلَيْهِ له بِتَقْلِيدِ عُمَرَ حُجَّةٌ - * بَابُ جِرَاحِ الْعَبْدِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كُلُّ شَيْءٍ يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ من يَدٍ أو رِجْلٍ أو عَيْنٍ أو مُوضِحَةٍ أو مُنَقِّلَةٍ أو مَأْمُومَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ من قِيمَتِهِ على مِقْدَارِ ذلك من الْحُرِّ في كل قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ له أَرْشٌ مَعْلُومٌ من الْحُرِّ السِّنُّ وَالْمُوضِحَةُ وما سِوَى ذلك فَفِي مُوضِحَتِهِ أَرُشُّهَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وفي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ عَيْنُهُ وفي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وفي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ في مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ وفي مُنْقِلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ من ثَمَنِهِ وَمَأْمُومَتُهُ وَجَائِفَتُهُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ فَوَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ في هذه الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ وَقَالُوا فِيمَا سِوَى ذلك ما نَقَصَ من ثَمَنِهِ قال محمد بن الْحَسَنِ كَيْفَ جَازَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَتَحَكَّمُوا في هذا فَيَخْتَارُوا هذه الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ من بَيْنِ الْخِصَالِ أَرَأَيْت لو أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قالوا فَنَحْنُ نَزِيدُ خُصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وقال أَهْلُ الشَّامِ فَإِنَّا نَزِيدُ ثَلَاثَ خِصَالٍ أُخَرَ ما الذي يُرَدُّ بِهِ عليهم فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْصِفَ الناس وَلَا يَتَحَكَّمَ فَيَقُولَ قُولُوا بِقَوْلِي ما قُلْت من شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيمَا قالوا من هذا بِأَثَرٍ فننقاد ( ( ( فتنقاد ) ) ) له وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ في هذا أَثَرٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بين هذه الْأَشْيَاءِ فَلَوْ كان عِنْدَهُمْ جَاءُونَا بِهِ فيما سَمِعْنَا من آثَارِهِمْ فإذا لم يَكُنْ هذا فَيَنْبَغِي الْإِنْصَافُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هذا على ما قال أبو حَنِيفَةَ في الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا شيئا وَاحِدًا فَيَكُونُ في ذلك كُلِّهِ من هذه الْخِصَالِ أو غَيْرِهَا ما نَقَصَ من الْعَبْدِ من قِيمَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ أخبرنا الثِّقَةُ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِقَوْلِ بن الْمُسَيِّبِ نَقُولُ فقال لي بَعْضُ من يُخَالِفُنِي فيه نَقُولُ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ سِلْعَةً فما نَقَصَتْ جِرَاحَتُهُ من ثَمَنِهِ كان في جِرَاحَتِهِ كما نَقُول ذلك في الْمَتَاعِ أَرَأَيْت إذْ كُنْت تَزْعُمُ أَنَّ عَقْلَ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ بَالِغًا ما بَلَغَ فَلِمَ لم تَقُلْ هَكَذَا في الْبَعِيرِ يُقْتَلُ وَالْمَتَاعُ يَهْلِكُ قُلْت قُلْته من قِبَلِ ما يَلْزَمُك مِثْلُهُ زَعَمْت أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنَّ جِرَاحَهَا بِقَدْرِ دِيَتِهَا كَجِرَاحِ الرَّجُلِ في قَدْرِ دِيَتِهِ وَقُلْت لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُخَالِفُنَا من أَصْحَابِنَا أنت تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّ جِرَاحَهُمْ في دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ فلما كنا نَحْنُ وَأَنْتُمْ نَقُولُ دِيَةَ الْعَبْدِ
____________________

(7/317)


ثَمَنُهُ خَبَرًا لم يَكُنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ في جِرَاحِهِ إلَّا هَكَذَا لِأَنَّا لم نُبْطِلْ الْجِرَاحَ بِاخْتِلَافِ الدِّيَاتِ قال فَهَلْ يُجَامِعُ الْبَعِيرَ وَالْمَتَاعُ في رَقَبَتِهِ بِثَمَنِهِ قُلْنَا نعم دِيَتُهُ ثَمَنُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَهَكَذَا الْحُرُّ يُجَامِعُ الْبِرْذَوْنَ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ وَلَكِنَّهُ في الْبِرْذَوْنِ قِيمَتُهُ فَإِنْ قال ما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلِمَ قِسْته على الْحُرِّ دُونَ الدَّابَّةِ قُلْنَا بِمَا لَا تُخَالِفُنَا فيه مِمَّا يَدُلُّ عليه كِتَابُ اللَّهِ قَضَى اللَّهُ في النَّفْسِ تُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ وَتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَقَضَى بِمِثْلِ ذلك في الْمُعَاهِدِ فَجَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ في الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ رَقَبَتَيْنِ وَالدِّيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ في الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ رَقَبَتَيْنِ وَدِيَتَاهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ كان على قَاتِلِهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ يُعْتِقُهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّقَبَةَ في الْقَتْلِ حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا الرَّقَبَةُ في النَّفْسِ مع الْقِيمَةِ وَالْمَتَاعُ قِيمَةٌ لَا رَقَبَةَ مَعَهَا أَوَرَأَيْت لو لم يَكُنْ عليه من الدَّلَالَةِ ما وَصَفْت وَجَهِلْنَا هذا أو عَمِينَا عنه فَكَانَ يُجَامِعُ الْبَعِيرَ في أَنَّ فيه قِيمَةً وفي الْمَتَاعِ قِيمَةً وَيُجَامِعُ الْأَحْرَارَ في أَنَّ فيه كَفَّارَةً وفي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ كان بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وإذا جَرَحَهُ كان بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ عِنْدَنَا وفي أَنَّ عليه ما على الْحُرِّ في بَعْضِ الْحُدُودِ وَأَنَّ عليه الْفَرَائِضَ من الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْكَفِّ عن الْمَحَارِمِ أَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ على الْعَالَمِينَ إذَا كان آدَمِيًّا أَنْ يَقِيسُوهُ على الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَقِيسُوهُ على الْبَهَائِمِ وَلَا على الْمَتَاعِ وَأَصْلُ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا لو كان شَيْءٌ له أَصْلَانِ وَآخَرُ لَا أَصْلَ فيه فَأَشْبَهَ الذي لَا أَصْلَ فيه أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ في مَعْنَيَيْنِ وَالْآخَرَ في مَعْنًى كان الذي أَشْبَهَهُ في مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عليه من الذي أَشْبَهَهُ في مَعْنًى وَاحِدٍ فَهُوَ آدَمِيٌّ مُجَامِعٌ للادميين فِيمَا وَصَفْت وَلَيْسَ من الْبَهَائِمِ وَلَا الْمَتَاعِ الذي لَا فَرْضَ عليه بِسَبِيلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ الْحُجَّةُ على أَصْحَابِنَا وَعَلَى من يُخَالِفُنَا من أَصْحَابِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في بَعْضِ هذا وَلَيْسَ من شَيْءٍ يَدْخُلُ عليهم في أَصْلِ قَوْلِهِمْ إلَّا الْجِرَاحَ وَيَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ منه لِأَنَّهُمْ يَقُصُّونَ الْعَبْدَ من الْحُرِّ في النَّفْسِ أَمَّا من قال من أَصْحَابِنَا مُوضِحَتُهُ وَمَأْمُومَتُهُ وَمُنَقِّلَتُهُ وَجَائِفَتُهُ في ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ فَهَذَا لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَقَدْ خَرَجَ فيه من جَمِيعِ أَقَاوِيلِ بَنِي آدَمَ من الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ ما قال مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ منه وَإِنَّهُ خَالَفَ ما روى عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ فإنه روى عنه ما وَصَفْنَا من أَنَّ عَقْلَ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ وروى عن غَيْرِهِ وَلَا نَرَاهُ أَرَادَ إلَّا الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُمْ قالوا يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَلَا هو قَوَّمَهُ سِلْعَةً وَلَا هو جَعَلَ عَقْلَهُ في ثَمَنِهِ فَخَرَجَ من قَوْلِ الْمُتَّفِقِينَ وَالْمُخْتَلِفِينَ - * بَابُ الْقِصَاصِ بين الْمَمَالِيكِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا قِصَاصَ بين الْمَمَالِيكِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إلَّا في النَّفْسِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْقِصَاصُ بين الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَتِهِ بين الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا كَجُرْحِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مُتَعَمِّدًا فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ له غَيْرُ ذلك إلَّا أَنْ يَعْفُوَ فَإِنْ عَفَا رَجَعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ إلَى مَوْلَاهُ وَلَا سَبِيلَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عليه وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ مولى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَعْطَى ثَمَنَ الْمَقْتُولِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ فإذا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عليه غَيْرُ ذلك وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ أَنْ يَقْتُلَهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ في الْقِصَاصِ بين الْعَبِيدِ في قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهُ ذلك بِمَنْزِلَتِهِ في الْقَتْلِ قال محمد بن الْحَسَنِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْعَبْدَ عَمْدًا وَجَبَ عليه الْقِصَاصُ يَنْبَغِي لِمَنْ قال ( 1 ) هذا الْوَجْهَ أَنْ يَقُولَ في الْحُرِّ يُقْتَلُ الْحُرُّ عَمْدًا أَنَّ ولى الْمَقْتُولِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ أَرَأَيْتُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فقال الْقَاتِلُ اُقْتُلْ أو دَعْ ليس لَك غَيْرُ ذلك فأبي وَلِيُّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلَ أَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ أَوَرَأَيْت لو أَنَّ
____________________

(7/318)


رَجُلًا حُرًّا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ حُرٍّ عَمْدًا فقال الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ آخُذُ دِيَةَ اليد ( ( ( العبد ) ) ) فقال الْقَاطِعُ اقْطَعْ أو دَعْ أَكَانَ يُجْبَرُ الْقَاطِعُ على أَنْ يُعْطِيَهُ دِيَةَ الْيَدِ ليس هذا بِشَيْءٍ وَلَيْسَ له إلَّا الْقِصَاصُ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ قال اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } فما استطيع فيه الْقِصَاصَ فَلَيْسَ فيه إلَّا الْقِصَاصُ كما قال اللَّهُ عز وجل وَلَيْسَ فيه دِيَةٌ وَلَا مَالٌ وما كان من خَطَأٍ فَعَلَيْهِ ما سَمَّى اللَّهُ في الْخَطَأِ من الدِّيَةِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى أَهْلِهِ فَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ هذا فَهُوَ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ في نَفْسِ الْعَبْدِ وَغَيْرِ ذلك فَمَنْ وَجَبَ له الْقِصَاصُ في عَبْدٍ أو حُرٍّ لم يَكُنْ له أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى عَقْلٍ وَمَنْ وَجَبَ له عَقْلٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَوَدٍ في حُرٍّ وَلَا مَمْلُوكٍ فَمَنْ فَرَّقَ بين الْمَمْلُوكِ في هذا وَبَيْنَ الْحُرِّ فَلْيَأْتِ عليه بِالْبُرْهَانِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل النَّاطِقِ وَمِنْ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } إلَى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وقال الشَّافِعِيُّ فَسَمِعْت من أرضي من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يقول كان في أَهْلِ الْإِنْجِيلِ إذَا قَتَلُوا الْعَقْلُ ولم يَكُنْ فِيهِمْ قِصَاصٌ وكان في أَهْلِ التَّوْرَاةِ الْقِصَاصُ ولم يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في هذه الْأُمَّةِ بِأَنَّ في الْعَمْدِ الدِّيَةَ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ أو الْقِصَاصَ إنْ شَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } إلَى قَوْلِهِ { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قال الشَّافِعِيُّ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَيِّنٌ في التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى بِهِ عن التَّأْوِيلِ وقد ذُكِرَ عن بن عَبَّاسٍ بَعْضُهُ ولم أَحْفَظْ عنه بَعْضَهُ فقال وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أنه أَنْزَلَ فِيمَا فيه الْقِصَاصُ وكان بَيِّنًا أَنَّ ذلك إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هو لِمَنْ له الْقَوَدُ وكان بَيِّنًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ لِأَنَّهُ لو كان وَلِيُّ الدَّمِ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ لم يَبْقَ له غَيْرُهُ لم يَكُنْ له إذَا ذَهَبَ حَقُّهُ ولم تَكُنْ دِيَةٌ يَأْخُذُهَا شَيْءٌ يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُؤَدَّى إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ وقال اللَّهُ عز وجل { ذلك تَخْفِيفٌ من رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ تَخْفِيفُ الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ وقال { وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } أَنْ يَمْتَنِعَ بها من الْقَتْلِ فلم يَكُنْ الْمَالُ ( 1 ) إذَا كان الْوَلِيُّ في حَالٍ يَسْقُطُ عنه الْقَوَدُ إذَا أَرَادَ قال وَرَوَى سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ في تَفْسِيرِ هذه الْآيَةِ شَبِيهًا بِمَا وَصَفْت في أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ مَعْنَاهُ أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ عن بن أبي ذِئْبٍ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عن أبي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من قُتِلَ له قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فلهم الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمْ الْقَوَدُ أخبرنا الثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله أو مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعًا يَدُلَّانِ دَلَالَةً لَا إشْكَالَ فيها أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَقْتَصَّ أو يَعْفُوَ الْقَتْلَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ أَيَّ ذلك شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَ ليس إلَى الْقَاتِلِ من ذلك شَيْءٌ وإذا كان هذا في النَّفْسِ كان فِيمَا دُونَ النَّفْسِ من الْجِرَاحِ هَكَذَا وكان ذلك لِلرَّجُلِ في عَبْدِهِ فإذا قُتِلَ عبد رَجُلٍ فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْتُلَ أو يَكُونَ له قِيمَةُ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ في عُنُقِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ فَإِنْ أَدَّاهَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ مُتَطَوِّعًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إلَّا ذلك إذَا عَفَا الْقِصَاصَ وَإِنْ أبي سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا لم يُجْبَرْ عليها وَبِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ فَإِنْ كان ثَمَنُهُ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أو ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إلَّا ذلك وَإِنْ كان فيه فَضْلٌ رُدَّ على سَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ قال وإذا بَانَ الْفَضْلُ في الْعَبْدِ الْقَاتِلِ خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بين أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ حتى يُوَفَّى هذا ثَمَنَهُ ويبقي هذا على ما بقى من مِلْكِهِ أو يُبَاعَ كُلُّهُ فَيُرَدَّ عليه فَضْلُهُ وَأَحْسَبُهُ سَيَخْتَارُ بَيْعَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ ذلك أَكْثَرُ لِثَمَنِهِ وَكُلُّ نَفْسَيْنِ أَبَدًا قُتِلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَعَلْت الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنِّي إذَا جَعَلْت الْقِصَاصَ في النَّفْسِ التي هِيَ أَكْثَرُ كان جَمِيعُ الْبَدَنِ فَأَنَا مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ أُقَيِّدَ في
____________________

(7/319)


الْأَقَلِّ من الْبَدَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فيه خَبَرٌ يَلْزَمُ يُخَالِفُ هذا وَلَا خَبَرَ فيه يَلْزَمُ يُخَالِفُ هذا وَالْكِتَابُ يَدُلُّ على هذا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل حين ذَكَرَ الْقِصَاصَ جُمْلَةً قال { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } إلَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وقد احْتَجَّ بهذا محمد بن الْحَسَنِ على أَصْحَابِنَا وهو حُجَّةٌ عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ له إنْ كان الْعَبْدُ مِمَّنْ دخل في هذه الْآيَةِ فلم يُفَرِّقْ اللَّهُ بين الْقِصَاصِ في الْجُرُوحِ وَالنَّفْسِ وَإِنْ كان غير دَاخِلٍ في هذه الْآيَةِ فَاجْعَلْ الْعَبْدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَعِيرَيْنِ لَا يقص ( ( ( يقتص ) ) ) أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ فَأَمَّا ما أَدْخَلَ محمد بن الْحَسَنِ على من أَدْخَلَ عليه من أَصْحَابِنَا من أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْخِيَارَ في أَنْ يَقْتُلَ أو يَأْخُذَ ثَمَنَ عَبْدِهِ ولم يَجْعَلُوا ذلك في الْأَحْرَارِ وَلَا فَرْقَ بين الْعَبِيدِ والإحرار فَكَمَا قال يَدْخُلُ عليه منه ما أُدْخِلَ غير أَنَّهُمْ قد أَصَابُوا في الْعَبْدِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِنْ كَانُوا قد غَفَلُوا عنهما في الْأَحْرَارِ وهو غَفَلَ عنه فِيهِمَا جميعا وَاحْتَجَّ محمد بن الْحَسَنِ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ في الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وفي الْخَطَأِ الدِّيَةَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ من جَعَلَ في الْعَمْدِ الدِّيَةَ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ فَإِنْ كان هذا كما ذُكِرَ كان مِمَّنْ قد دخل في خِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان زَعَمَ من حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا يَكُونَ في عَمْدٍ مَالٌ فَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُدُودِ التي يَقْذِفُ بها المرء الْمَرْءُ فَلَا يَكُونُ عليه مَالٌ بِقَذْفِهِ إنَّمَا يَكُونُ عليه عُقُوبَةٌ في بَدَنِهِ فَيَلْزَمُهُ فِيمَا لَا يُقَيَّدُ منه من الْعَمْدِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلَا يَجْعَلَ فيه مَالًا فَإِنْ قال إنَّمَا أَجْعَلُ فيه الْمَالَ إذَا لم أَسْتَطِعْ فيه الْقَوَدَ قُلْنَا فَمَنْ اسْتَثْنَى لَك هذا إنْ كان أَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ كما وَصَفْت في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وقد يَكُونُ الدَّمُ بين مِائَةٍ فَيَعْفُو أَحَدُهُمْ أو يُصَالِحُ فَيَجْعَلُ مُحَمَّدٌ الدِّيَةَ لِلْبَاقِينَ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ منها فَقَدْ جَعَلَ أَيْضًا في الْعَمْدِ الذي يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ مَالًا رَضِيَهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ أو لم يَرْضَوْهُ فَإِنْ قال فَإِنَّمَا جَعَلْنَا فيه مَالًا حين دَخَلَهُ الْعَفْوُ فَكَانَ يَلْزَمُهُ على أَصْلِ قَوْلِهِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْ يَجْعَلَهُ كَالرَّجُلَيْنِ قُذِفَ أَبُوهُمَا فَأَيُّهُمَا قام بِالْحَدِّ فَلَهُ الْحَدُّ وَلَوْ عَفَا الْآخَرُ لم يَكُنْ له عَفْوٌ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كان الْأَحْرَارُ يَعْفُونَ بِشِرْكِهِمْ في الدَّمِ فَحَقْنُ الدَّمِ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ لم يَكُنْ للاخرين مَالٌ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ لهم مَالٌ إنَّمَا وَجَبَ لهم ضَرْبَةُ سَيْفٍ فَلَا تَتَحَوَّلُ مَالًا فَإِنْ قال فَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هذا مَعِي قُلْت أَجَلْ على ما وَصَفْت من حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على خِلَافِ ما قُلْت أنت كُلُّهُ وَذَلِكَ للاثار - * بَابُ دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَعَلَى من قَتَلَهُ من الْمُسْلِمِينَ الْقَوَدُ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قال محمد بن الْحَسَنِ قد رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وقال أنا أَحَقُّ من أوفي بِذِمَّتِهِ قال مُحَمَّدٌ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن عبد الرحمن بن الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذلك إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أنا أَحَقُّ من أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ فَكَانَ يقول بهذا الْقَوْلِ فَقِيهُهُمْ رَبِيعَةُ بن أبي عبد الرحمن وقد قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ فما ( ( ( وفرق ) ) ) فرق بين قَتْلِ الْغِيلَةِ وَقَتْلِ غَيْرِ الْغِيلَةِ وقد بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِ رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ غِيلَةً من أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ بِهِ وقد بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَنَّهُ كان يقول إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ قُتِلَ بِهِ فَأَمَّا ما قالوا في الدِّيَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل أَصْدَقُ الْقَوْلِ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ في كِتَابِهِ فقال { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْمِيثَاقِ فقال { وَإِنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فَجَعَلَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً ولم يَقُلْ في أَهْلِ الْمِيثَاقِ نِصْفُ الدِّيَةِ كما قال أَهْلُ
____________________

(7/320)


الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْمِيثَاقِ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ فَجَعَلَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ وَالْأَحَادِيثُ في ذلك كَثِيرَةٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الْكَافِرِ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَرَوَى ذلك أَفْقَهُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ في زَمَانِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فذكر أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ في عَهْدِ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فلما كان مُعَاوِيَةُ جَعَلَهَا مِثْلَ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فإن الزُّهْرِيَّ كان أَعْلَمَهُمْ في زَمَانِهِ بِالْأَحَادِيثِ فَكَيْفَ رَغِبُوا عَمَّا رَوَاهُ أَفْقَهُهُمْ إلَى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ أخبرنا بن الْمُبَارَكِ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ قال حدثني من شَهِدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِذِمِّيٍّ بِكِتَابِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أخبرنا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ عن أَبَانَ بن تَغْلِبَ عن الْحَسَنِ بن مَيْمُونٍ عن عبد اللَّهِ بن عبد اللَّهِ مولى بَنِي هَاشِمٍ عن أبي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ قال أتى عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه بِرَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ قال فَقَامَتْ عليه الْبَيِّنَةُ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَجَاءَ أَخُوهُ فقال قد عَفَوْت عنه قال فَلَعَلَّهُمْ هَدَّدُوك أو فَرَّقُوك قال لَا وَلَكِنَّ قَتْلَهُ لَا يَرُدُّ عَلَيَّ أَخِي وَعَوَّضُونِي فَرَضِيت قال أنت أَعْلَمُ من كانت له ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا أخبرنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ قال دِيَةُ الْمُعَاهِدِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ حدثنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي بَكْرِ بن وَائِلٍ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الْحِيرَةِ فَكَتَبَ فيه عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنْ يُدْفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا وَإِنْ شاؤوا عَفَوْا فَدُفِعَ الرَّجُلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ إلَى رَجُلٍ يُقَال له حُنَيْنٌ من أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بَعْدَ ذلك إنْ كان الرَّجُلُ لم يُقْتَلْ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَرَأَوْا أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُمْ من الدِّيَةِ أخبرنا محمد بن يَزِيد قال أخبرنا سُفْيَانُ بن حُسَيْنٍ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ بن شاس الْجُذَامِيَّ قَتَلَ رَجُلًا من أَنْبَاطِ الشَّامِ فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَكَلَّمَهُ الزُّبَيْرُ وَنَاسٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَهَوْهُ عن قَتْلِهِ قال فَجَعَلَ دِيَتَهُ أَلْفَ دِينَارٍ أخبرنا محمد بن يَزِيد قال أخبرنا سُفْيَانُ بن حُسَيْنٍ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ قال دِيَةُ كل مُعَاهِدٍ في عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَأَخْبَرَنَا بن عبد اللَّهِ عن الْمُغِيرَةِ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ سَوَاءٌ أخبرنا خَالِدٌ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ مثله إلَّا أَنَّهُ لم يذكر الْمَجُوسِيَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وقد خَالَفَنَا في هذا غَيْرُ وَاحِدٍ من بَعْضِ الناس وَغَيْرِهِمْ وَسَأَلَنِي بَعْضُهُمْ وَسَأَلْته وَسَأَحْكِي ما حَضَرَنِي منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فقال ما حُجَّتُك في أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ فَقُلْت ما لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ دَفْعُهُ مِمَّا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيْضًا ثُمَّ الْأَخْبَارُ عَمَّنْ بَعْدَهُ فَقَالُوا وَأَيْنَ ما فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ من الْأَحْكَامِ فَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فما لَا أَسْأَلُ عنه وَلَكِنْ أَسْأَلُ عن أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقِيلَ له يَحْضُرُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ قِتَالَ الْكُفَّارِ فنعطى نَحْنُ وَأَنْتَ الْمُؤْمِنَ السَّهْمَ وَنَمْنَعُهُ الْكَافِرَ وَإِنْ كان أَعْظَمَ غِنَاءً منه وَنَأْخُذُ ما أَخَذْنَا من مُسْلِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ صَدَقَةً يُطَهِّرُهُ اللَّهُ بها وَيُزْكِيه وَيُؤْخَذُ ذلك من الْكُفَّارِ صَغَارًا قال اللَّهُ تَعَالَى { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَوَجَدْت الْكُفَّارَ في حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ في مَوْضِعِ الْعُبُودِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ صِنْفًا مَتَى قَدَرَ عليهم تَعَبَّدُوا وَتُؤْخَذُ منهم أَمْوَالُهُمْ لَا يُقْبَلُ منهم غَيْرُ ذلك وَصِنْفًا يُصْنَعُ ذلك بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِعْطَاءُ الْجِزْيَةِ إذَا لَزِمَهُمْ فَهُوَ صِنْفٌ من الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من كان خَوَلًا لِلْمُسْلِمِينَ في حَالٍ أو كان خَوَلًا لهم بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يؤدى جِزْيَةً فَيَكُونَ كَالْعَبْدِ الْمُخَارِجِ في بَعْضِ حَالَاتِهِ كُفُؤًا لِلْمُسْلِمِينَ وقد فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمَا بهذا وَبِأَنْ أَنْعَمَ على الْمُسْلِمِينَ فَأَحَلَّ لهم حَرَائِرَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَرَّمَ الْمُؤْمِنَاتِ على جَمِيعِ الْكَافِرِينَ مع ما يَفْتَرِقُونَ فيه سِوَى هذا قال إنَّ فِيمَا دُونَ هذا لَفَرْقًا وَلَكِنْ
____________________

(7/321)


ما السُّنَّةُ قُلْت أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن أبي حُسَيْنٍ عن عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ قال هذا مُرْسَلٌ قُلْت نعم وقد يَصِلُهُ غَيْرُهُمْ من أَهْلِ الْمَغَازِي من حديث عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ فيه حَدِيثٌ من أَحْسَنِ إسْنَادِكُمْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن بن أبي جُحَيْفَةَ قال سَأَلْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَقُلْت هل عِنْدَكُمْ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ فقال لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يؤتى اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا في الْقُرْآنِ وما في الصَّحِيفَةِ قُلْت وما في الصَّحِيفَةِ قال الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قال هذا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عِنْدَنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ غير أَنَّا تَأَوَّلْنَاهُ وَرَوَى سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ عَنَى الْكُفَّارَ من أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لهم لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ حَلَالٌ فَأَمَّا من مَنَعَ دَمَهُ الْعَهْدُ فيقتل ( ( ( فيقول ) ) ) من قَتَلَهُ بِهِ فَقُلْنَا حَدِيثُ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا هو عَلَيْك مع هذه الْأَحَادِيثِ قال فما مَعْنَاهُ قُلْنَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ثُمَّ إنْ كان قال وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ فَإِنَّمَا قال وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ إذْ سَقَطَ الْقَوَدُ بين الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لهم قَتْلُ من له عَهْدٌ من الْكَافِرِينَ قال فَيَحْتَمِلُ معني غير هذا قُلْنَا لو احْتَمَلَهُ كان هذا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قال وما يَدُلُّك على أَنَّهُ الظَّاهِرُ قُلْنَا لِأَنَّ ذَوِي الْعَهْدِ من الْكَافِرِينَ كُفَّارٌ قال فَهَلْ من سُنَّةٍ تُبَيِّنُ هذا قُلْنَا نعم وَفِيهِ كِفَايَةٌ قال وَأَيْنَ هِيَ قُلْت قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَهَلْ زَعَمْت أَنَّ هذا على الْكَافِرِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ قد تَأَوَّلْت فيه مِثْلَ ما تَأَوَّلْت في الحديث الْآخَرِ قال لَا وَلَكِنَّهَا على الْكَافِرِينَ من كَانُوا من أَهْلِ الْعَهْدِ أو ( ( ( وغيرهم ) ) ) غيرهم لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ قُلْنَا وَلَا تَجِدُ بُدًّا إذَا كان هذا صَوَابًا عِنْدَك من أَنْ تَقُولَ مِثْلَ ذلك في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ أو يَكُونُ ذلك صَوَابًا فَتَرُدُّ هذا فَتَقُولُ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إذَا كان من أَهْلِ الْعَهْدِ وَلَا يَرِثُهُ إذَا كان من أَهْلِ الْحَرْبِ فَتُبَعِّضُهُ كما بَعَّضْت حَدِيثَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قال ما أَقُولُهُ قُلْنَا لِمَ أَلِأَنَّ الحديث لَا يَحْتَمِلُهُ قال بَلَى هو يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُهُ قُلْنَا فَكَذَلِكَ ظَاهِرُ ذلك الحديث على غَيْرِ ما تَأَوَّلْت وقد زَعَمْت أَنَّ مُعَاذًا وَمُعَاوِيَةَ وَرَّثَا مُسْلِمًا من كَافِرٍ ثُمَّ تَرَكْت الذي رَوَيْت نَصًّا عنهما وَقُلْت لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ مُتَأَوِّلًا حُجَّةً على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَأْتِيك بِنَفْسِهِ فَلَا تَقْبَلُهُ منه وَتَقُولُ رَجُلٌ من التَّابِعِينَ لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قال فَلَيْسَ بهذا وَحْدَهُ قُلْته قُلْنَا وقد يَلْزَمُك في هذا تَرْكُ ما ذَهَبْت إلَيْهِ لِأَنَّك إذَا ( 1 ) لم تَقِدْ الْمُسْلِمَ من الْحَرْبِيِّ لِلْعِلَّةِ التي ذَكَرْت فَقَدْ لَا تَقِيدُهُ وَلَهُ عَهْدٌ قال وَأَيْنَ قُلْت الْمُسْتَأْمَنُ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ لَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَلَهُ عَهْدٌ هو بِهِ حَرَامُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَوْ لم يَلْزَمْك حُجَّةٌ إلَّا هذا لَزِمَتْك قال وَيُقَالُ لِهَذَا مُعَاهِدٌ قُلْنَا نعم لِعَهْدِ الْأَمَانِ وَهَذَا مُؤْمِنٌ قال فَيَدُلُّ على هذا بِكِتَابٍ أو سُنَّةٍ قُلْنَا نعم قال اللَّهُ عز وجل { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ } فَجَعَلَ لهم عَهْدًا إلَى مُدَّةٍ ولم يَكُونُوا أُمَنَاءَ بِجِزْيَةٍ كَانُوا أُمَنَاءَ بِعَهْدٍ وَوَصَفَهُمْ بِاسْمِ الْعَهْدِ وَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه بِأَنَّ من كان عِنْدَهُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إلَى مُدَّتِهِ قال ما كنا نَذْهَبُ إلَّا أَنَّ الْعَهْدَ عَهْدُ الْأَبَدِ قُلْنَا فَقَدْ أَوْجَدْنَاك الْعَهْدَ إلَى مُدَّةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال اللَّهُ { وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } فَجَعَلَ له الْعَهْدَ إلَى سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَبُلُوغِ مَأْمَنِهِ وَالْعَهْدُ الذي وَصَفْت على الْأَبَدِ إنَّمَا هو إلَى مُدَّةٍ إلَى الْمُعَاهِدِ نَفْسِهِ ما اسْتَقَامَ بها
____________________

(7/322)


كانت له فإذا نَزَعَ عنها كان مُحَارِبًا حَلَالَ الدَّمِ وَالْمَالِ فَأَقَدْت الْمُعَاهِدَ الذي الْعَهْدُ فيه إلَى الْمُشْرِكِ ولم تَقِدْ الْمُعَاهِدَ الذي عُقِدَ له الْعَهْدُ إلَى مُدَّةٍ بِمُسْلِمٍ ثُمَّ هُمَا جميعا في الْحَالَيْنِ مَمْنُوعَا الدَّمِ وَالْمَالِ عِنْدَك مُعَاهَدَيْنِ أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ أَقِيدُ الْمُعَاهِدَ إلَى مُدَّةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ مَمْنُوعُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَجَاهِلٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ بِهِ وَلَا أُقِيدُ الْمُعَاهِدَ الْمُقِيمَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِهِ فَقَدْ رضى الْعَهْدَ على ما لم يَرْضَهُ عليه ذلك أَلَا يَكُونَ أَحْسَنَ حُجَّةً مِنْك قال فَإِنَّا قد رَوَيْنَا من حديث بن الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ قُلْت أَفَرَأَيْت لو كنا نَحْنُ وَأَنْتَ نُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِمَنْ رَوَاهُ فَرُوِيَ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِخِلَافِهِ أَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِنَا أَنْ نُثْبِتَهُ الذي ثَبَتْنَاهُ وقد عَرَفْنَا من رَوَاهُ بِالصِّدْقِ أو الذي ثَبَتْنَاهُ بِالظَّنِّ قال بَلْ الذي ثَبَتْنَاهُ مُتَّصِلًا فَقُلْت فَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ وَحَدِيثُ بن الْبَيْلَمَانِيِّ مُنْقَطِعٌ وَحَدِيثُ بن الْبَيْلَمَانِيِّ خَطَأٌ وَإِنَّ ما رَوَاهُ بن الْبَيْلَمَانِيِّ فِيمَا بَلَغَنَا أَنَّ عَمْرَو بن أُمَيَّةَ قَتَلَ كَافِرًا كان له عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وكان الْمَقْتُولُ رَسُولًا فَقَتَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ وَلَوْ كان ثَابِتًا كُنْت أنت قد خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ مَعًا حَدِيثَ بن الْبَيْلَمَانِيِّ ( 3 ) وَاَلَّذِي قَتَلَهُ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ قبل بَنِي النَّضِيرِ وَقَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ وَخُطْبَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ عَامَ الْفَتْحِ قُلْت فَلَوْ كان كما تَقُولُ كان مَنْسُوخًا قال فلم لم تَقْبَلْ بِهِ وَتَقُولُ هو مَنْسُوخٌ وَقُلْت هو خَطَأٌ قُلْت عَاشَ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَهْرًا طَوِيلًا وَأَنْتَ إنَّمَا تَأْخُذُ الْعِلْمَ من بَعْدُ ليس لَك بِهِ مِثْلُ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِنَا وَعَمْرٌو قَتَلَ اثْنَيْنِ وَدَاهُمَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَزِدْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرًا على أَنْ قال قَتَلْت رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنِّي عَهْدٌ لَأُدِيَنَّهُمَا قال فَإِنَّمَا قُلْت هذا مع ما ذَكَرْنَا بِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ في رَجُلٍ من بَنِي شَيْبَانَ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الْحِيرَةِ وَكَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَ ذلك لَا تَقْتُلُوهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت لو كَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ وَقُتِلَ ولم يَرْجِعْ عنه أَكَانَ يَكُونُ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قال لَا قُلْنَا فَأَحْسَنُ حَالِك أَنْ تَكُونَ احْتَجَجْت بِغَيْرِ حُجَّةٍ أَرَأَيْت لو لم يَكُنْ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ نُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَيْك بِهِ ولم يَكُنْ فيه إلَّا ما قال عُمَرُ أَكَانَ عُمَرُ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ ثُمَّ يَرْجِعُ عنه إلَّا عن عِلْمٍ بَلَغَهُ هو أَوْلَى من قَوْلِهِ فَهَذَا عَلَيْك أو أَنْ يَرَى أَنَّ الذي رَجَعَ إلَيْهِ أَوْلَى بِهِ من الذي قال فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَاجِعًا أَوْلَى أَنْ تَصِيرَ إلَيْهِ قال فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُ بِالدِّيَةِ قُلْنَا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخِيفَهُ بِالْقَتْلِ وَلَا يَقْتُلَهُ قال ليس هذا في الحديث قُلْنَا وَلَيْسَ ما قُلْت في الحديث قال فَقَدْ رَوَيْتُمْ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ في مُسْلِمٍ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا إنْ كان الْقَاتِلُ قَتَّالًا فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ كان غير قَتَّالٍ فَذَرُوهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ قُلْنَا فَقَدْ رَوَيْنَاهُ فَإِنْ شِئْت فَقُلْ هو ثَابِتٌ وَلَا نُنَازِعُك فيه قال فَإِنْ قُلْته قُلْت فَاتَّبَعَ عُمَرُ كما قال فَأَنْتَ لَا تَتَّبِعُهُ فِيمَا قال وَلَا فِيمَا قُلْنَا فَنَسْمَعُك تَحْتَجُّ بِمَا عَلَيْك قال فَيَثْبُتُ عِنْدَكُمْ عن عُمَرَ في هذا شَيْءٌ قُلْت لَا وَلَا حَرْفٌ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَاتٌ أو ضِعَافٌ أو تَجْمَعُ الِانْقِطَاعَ وَالضَّعْفَ جميعا قال فَقَدْ رَوَيْنَا فيه أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه أَمَرَ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ كَافِرًا أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ إلَيْهِ نَاسٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنَعُوهُ فَوَدَّاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ ولم يَقْتُلْهُ فَقُلْت هذا من حديث من يَجْهَلُ فَإِنْ كان غير ثَابِتٍ فَدَعْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَإِنْ كان ثَابِتًا فَعَلَيْك فيه حُكْمٌ وَلَك فيه آخَرُ فَقُلْ بِهِ حتى نَعْلَمَ أَنَّك قد اتَّبَعْته على ضَعْفِهِ قال وما على فيه قُلْنَا زَعَمْت أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ نَاسٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَهَذَا عُثْمَانُ في أُنَاسٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُجْتَمَعِينَ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ فَكَيْفَ خَالَفْتُمْ قال فَقَدْ أَرَادَ قَتْلَهُ قُلْنَا فَقَدْ رَجَعَ فَالرُّجُوعُ أَوْلَى بِهِ قال فَقَدْ رَوَيْنَا عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ كانت في عَهْدِ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ دِيَةَ مُسْلِمٍ تَامَّةً حتى جَعَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ في بَيْتِ الْمَالِ قُلْنَا أَفَتَقْبَلُ عن الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن أبي بَكْرٍ أو عن عُمَرَ أو عن عُثْمَانَ فَنَحْتَجُّ عَلَيْك بِمُرْسَلِهِ قال ما يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ من
____________________

(7/323)


أَحَدٍ وَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَقَبِيحُ الْمُرْسَلِ قُلْنَا وإذا أَبَيْت أَنْ تَقْبَلَ الْمُرْسَلَ فَكَانَ هذا مُرْسَلًا وكان الزُّهْرِيُّ قَبِيحَ الْمُرْسَلِ عِنْدَك أَلَيْسَ قد رَدَدْته من وَجْهَيْنِ قال فَهَلْ من شَيْءٍ يَدُلُّ على خِلَافِ حديث الزُّهْرِيِّ فيه قُلْنَا نعم إنْ كُنْت صَحَّحْته عن الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّا لَا نَعْرِفُهُ عن الزُّهْرِيِّ كما تقول ( ( ( نقول ) ) ) قال وما هو قُلْت أخبرنا فُضَيْلُ بن عِيَاضٍ عن مَنْصُورِ بن الْمُعْتَمِرِ عن ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وفي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ قال أَرْسَلْنَا إلَى سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عن دِيَةِ الْمُعَاهِدِ فقال قَضَى فيه عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ قال فَقُلْنَا فَمَنْ قَبْلَهُ قال فَحَسْبُنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوهُ آخِرًا قال سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ عن عُمَرَ مُنْقَطِعٌ قُلْنَا إنَّهُ لَيَزْعُمُ أَنَّهُ قد حَفِظَ عنه ثُمَّ تَزْعُمُونَهُ أَنْتُمْ أَنَّهُ خَاصَّةٌ وهو عن عُثْمَانَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ قال فَبِهَذَا قُلْت قُلْت نعم وَبِغَيْرِهِ قال فَلِمَ قال أَصْحَابُك نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ قُلْت رَوَيْنَا عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَدِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ قال فَلِمَ لَا تَأْخُذُ بِهِ أنت قُلْت لو كان مِمَّنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ لَأَخَذَنَا بِهِ وما كان في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قُلْنَا فَيَكُونُ لنا مِثْلُ ما لهم قال نعم قال فَعِنْدَهُمْ فيه رِوَايَةٌ غَيْرُ ذلك قُلْت له نعم شَيْءٌ يَرْوُونَهُ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قال هذا أَمْرٌ ضَعِيفٌ قُلْنَا فَقَدْ تَرَكْنَاهُ قال فإن من حُجَّتِنَا فيه أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وقال { وَإِنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فلما سَوَّيْت وَسَوَّيْنَا بين قَتْلِ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ في الرَّقَبَةِ بِحُكْمِ اللَّهِ كان يَنْبَغِي لنا أَنْ نُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا في الدِّيَةِ قُلْنَا الرَّقَبَةُ مَعْرُوفَةٌ فِيهِمَا والديه جُمْلَةٌ لَا دَلَالَةً على عَدَدِهَا في تَنْزِيلِ الْوَحْيِ فَإِنَّمَا قُبِلَتْ الدَّلَالَةُ على عَدَدِهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِطَاعَتِهِ أو عَمَّنْ بَعْدَهُ إذَا لم يَكُنْ مَوْجُودًا عنه قال ما في كِتَابِ اللَّهِ عَدَدُ الدِّيَةِ قُلْنَا فَفِي سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَدُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ وَعَنْ عُمَرَ من الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَبِلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْإِبِلَ وَعَنْ عُمَرَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ إذَا لم يَكُنْ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ قال نعم قُلْنَا فَهَكَذَا قَبِلْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَدَدَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَعَنْ عُمَرَ عَدَدَ دِيَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ إذَا لم يَكُنْ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ نَعْرِفُهُ أَرَأَيْت إذَا عَشَوْت إلَى أَنَّ كِلْتَيْهِمَا اسْمُ دِيَةٍ أَفِي فَرْضِ اللَّهِ من قَتَلَ الْمُؤْمِنَ الدِّيَةُ وَالرَّقَبَةُ وَمَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلُ ذلك لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في ذلك قال نعم فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على من قَتَلَهَا تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةً مُسَلَّمَةً قُلْنَا فلما ذَكَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ فيه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَدِيَةٌ هل سَوَّى بَيْنَهُمَا في الدِّيَةِ الْمُسَلَّمَةِ قال لَا قُلْنَا وَهِيَ أَوْلَى بِمُسَاوَاتِهِ مع الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فإن مُؤْمِنًا يَحْتَمِلُ مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنَةً كما يَحْتَمِلُ الْمُؤْمِنِينَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ( 3 ) وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ ذُكِرَ مُنْفَرِدًا فيه أَوَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْجَنِينَ أَلَيْسَ عليه فيه كَفَّارَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ قال بَلَى قُلْت لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى مُؤْمِنٍ قال نعم قُلْت فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ دِيَتَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وهو مُسَاوٍ في الرَّقَبَةِ أو رَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْعَبْدَ أَلَيْسَ عليه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا قال بَلَى قُلْت فَفِيهِ دِيَةٌ أو هِيَ قِيمَتُهُ قال بَلْ هِيَ قِيمَتُهُ وَإِنْ كانت عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أو أَكْثَرَ قُلْت فَتَرَى الدِّيَاتِ إذَا لَزِمَتْ وكان عليه أَنْ يؤدى دِيَاتِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ وَأَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً في كل وَاحِدٍ منهم سَوَاءٌ فيه أَعْلَاهُمْ وَأَدْنَاهُمْ سَاوَيْت بين دِيَاتِهِمْ قال لَا قُلْت فَلِمَ أَرَدْت أَنْ تسوى بين الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ إذَا اسْتَوَيَا في الرَّقَبَةِ وَأَنْ تُلْزِمَ قَاتِلَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَةً ولم تُسَوِّ بين الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى أَنْ تسوى بَيْنَهُمْ من الْكُفَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ من يَذْهَبُ مَذْهَبَ بَعْضِ الناس أن مِمَّا قَتَلْنَا بِهِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ وَالْحُرَّ بِالْعَبْدِ آيَتَيْنِ قُلْنَا فَاذْكُرْ إحْدَاهُمَا فقال إحْدَاهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل في كِتَابِهِ { وَكَتَبْنَا عليهم فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ }
____________________

(7/324)


قُلْت وما أخبرنا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ على أَهْلِ التَّوْرَاةِ حَكَمَ بَيْنَنَا قال نعم حتى يُبَيِّنَ أَنَّهُ قد نَسَخَهُ عَنَّا فلما قال { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } لم يَجُزْ إلا أَنْ تَكُونَ كُلُّ نَفْسٍ بِكُلِّ نَفْسٍ إذَا كانت النَّفْسُ الْمَقْتُولَةُ مُحَرَّمَةً أَنْ تُقْتَلَ قُلْنَا فَلَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَحْتَجَّ عَلَيْك بِأَكْثَرَ من قَوْلِك إنَّ هذه الْآيَةَ عَامَّةٌ فَزَعَمْت أَنَّ فيها خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُفْرَدَةً وَحُكْمًا سَادِسًا جَامِعًا فَخَالَفْت جَمِيعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْكَامِ التي بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْحُكْمُ ( 3 ) الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ جَمَعْتهمَا في مَوْضِعَيْنِ في الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ وَالرَّجُلِ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ فَزَعَمْت أَنَّ عَيْنَهُ ليس بِعَيْنِهَا وَلَا عَيْنَ الْعَبْدِ وَلَا أَنْفَهُ بِأَنْفِهَا وَلَا أَنْفَ الْعَبْدِ وَلَا أُذُنَهُ بِأُذُنِهَا وَلَا أُذُنَ الْعَبْدِ وَلَا سِنَّهُ بِسِنِّهَا وَلَا سِنَّ الْعَبْدِ وَلَا جُرُوحَهُ كُلَّهَا بِجُرُوحِهَا وَلَا جُرُوحَ الْعَبْدِ وقد بَدَأْت أَوَّلًا بِاَلَّذِي زَعَمْت أَنَّك أَخَذْت بِهِ فَخَالَفْته في بَعْضٍ وَوَافَقْته في بَعْضٍ فَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ ابْنَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَكُلُّ هذه نُفُوسٌ مُحَرَّمَةٌ قال اتَّبَعْت في هذا أَثَرًا قُلْنَا فَتُخَالِفُ الْأَثَرَ الْكِتَابَ قال لَا قُلْنَا فَالْكِتَابُ إذًا على غَيْرِ ما تَأَوَّلْت فَلِمَ فَرَّقْت بين أَحْكَامِ اللَّهِ عز وجل على ما تَأَوَّلْت قال بَعْضُ من حَضَرَهُ دَعْ هذا فَهُوَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ قال وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } فَقَوْلُهُ { فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } دَلَالَةٌ على أَنَّ من قُتِلَ مَظْلُومًا فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ قِيلَ له فَيُعَادُ عَلَيْك ذلك الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ في الِابْنِ يَقْتُلُهُ أَبُوهُ وَالْعَبْدِ يَقْتُلُهُ سَيِّدُهُ وَالْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ قال فلى من كل هذا مَخْرَجٌ قُلْت فَاذْكُرْ مَخْرَجَك قال إنْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ إلَى الْوَلِيِّ كان الْأَبُ وَلِيًّا فلم يَكُنْ له أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ كان له بن بَالِغٌ أَتُخْرِجُ الْأَبَ من الْوِلَايَةِ وَتَجْعَلُ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ قال لَا أَفْعَلُ قُلْت فَلَا تُخْرِجْهُ بِالْقَتْلِ من الْوِلَايَةِ قال لَا قُلْت فما تَقُولُ في بن عَمٍّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ وهو وَلِيُّهُ وَوَارِثُهُ لو لم يَقْتُلْهُ وكان له بن عَمٍّ هو أَبْعَدُ منه أَفَتَجْعَلُ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَقْرَبَ قال نعم قُلْنَا وَمِنْ أَيْنَ وَهَذَا وَلِيُّهُ وهو قَاتِلٌ قال الْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ من الْوِلَايَةِ قُلْنَا وَالْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ من الْوِلَايَةِ قال نعم قُلْنَا فَلِمَ لم تُخْرِجْ الْأَبَ من الْوِلَايَةِ وَأَنْتَ تُخْرِجُهُ من الْمِيرَاثِ قال اتَّبَعْت في الْأَبِ الْأَثَرَ قُلْنَا فَالْأَثَرُ يَدُلُّك على خِلَافِ ما قُلْت قال فَاتَّبَعْت فيه الْإِجْمَاعَ قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّك على خِلَافِ ما تَأَوَّلْت فيه الْقُرْآنَ قُلْنَا فَالْعَبْدُ يَكُونُ له بن حُرٌّ فَيَقْتُلُهُ مَوْلَاهُ أَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ من الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ لِابْنِهِ أَنْ يَقْتُلَ مَوْلَاهُ قال لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت فَالْمُسْتَأْمَنُ يَكُونُ معه ابْنُهُ أَيَكُونُ له أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ الذي قَتَلَهُ قال لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت أَفَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ على خِلَافِ الْكِتَابِ قال لَا قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ إذًا يَدُلُّك على أَنَّك قد أَخْطَأْت في تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَقُلْنَا له لم يَجْمَعْ مَعَك أَحَدٌ على أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ إلَّا من مَذْهَبُهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ فَكَيْفَ جَعَلْت إجْمَاعَهُمْ حُجَّةً وقد زَعَمْت أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا في أَصْلِ ما ذَهَبُوا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْعَقْلِ على الرَّجُلِ خَاصَّةً - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ من الْجِنَايَاتِ الْمُوضِحَةَ وَالسِّنَّ فما فَوْقَ ذلك وما كان دُونَ ذلك فَهُوَ في مَالِ الْجَانِي لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شيئا من ذلك حتى يَبْلُغَ الثُّلُثَ فإذا بَلَغَ الثُّلُثَ عَقَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَكَذَلِكَ ما زَادَ على الثُّلُثِ فَهُوَ على الْعَاقِلَةِ وقال محمد بن الْحَسَنِ قد جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأُصْبُعِ عَشْرًا من الْإِبِلِ وفي السِّنِّ خَمْسًا من الْإِبِلِ وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسًا فَجَعَلَ ذلك في مَالِ الرَّجُلِ أو على عَاقِلَتِهِ وَذَلِكَ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ مُجْتَمَعٌ في الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فلم يُفَرِّقْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْضَ ذلك من بَعْضٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَ ذلك عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لو كان في هذا افْتِرَاقٌ لَأَوْجَبَ على الْعَاقِلَةِ ما وَجَبَ عليها وَأَوْجَبَ في مَالِ الرَّجُلِ ما وَجَبَ عليه ليس الْأَمْرُ هَكَذَا
____________________

(7/325)


وَلَكِنَّ أَدْنَى شَيْءٍ فَرَضَ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُوضِحَةَ وَالسِّنَّ فَجَعَلَ ذلك على الْعَاقِلَةِ وما كان دُونَ ذلك فَهُوَ على الْجَانِي في مَالِهِ وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا بَطْنَ الْأُخْرَى فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في ذلك بِغُرَّةٍ على الْعَاقِلَةِ فقال أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ من الْعَاقِلَةِ كَيْفَ ندى من لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا هذا من إخْوَانِ الْكُهَّانِ فَالْجَنِينُ قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ولم يَقْضِ بِهِ في مَالِهَا وَإِنَّمَا حَكَمَ في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ فَعَدَلَ ذلك بِخَمْسِينَ دِينَارًا ليس فيه اخْتِلَافٌ بين أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَهَذَا أَقَلُّ من ثُلُثِ الدِّيَةِ وقد جَعَلَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك ما قَبْلَهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فيه أخبرنا أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قال تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ كُلَّهُ إلَّا ما كان دُونَ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ مِمَّا ليس فيه أَرْشٌ مَعْلُومٌ أخبرنا محمد بن أَبَانَ بن صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ قال لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شيئا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ كان دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ أخبرنا محمد بن أَبَانَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ ضَرَّتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدِيَتِهَا على الْعَاقِلَةِ وَقَضَى في الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ على الْعَاقِلَةِ فقالت الْعَاقِلَةُ أَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيمَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلُّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَجْعٌ كَسَجْعِ الْجَاهِلِيَّةِ أو شِعْرٌ كَشِعْرِهِمْ كما قُلْت لَكُمْ فيه غُرَّةُ عَبْدٍ أو أَمَةٍ فَهَذَا قد قَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ وهو أَقَلُّ من ثُلُثِ الدِّيَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْعَقْلُ عَقْلَانِ فَعَقْلُ الْعَمْدِ في مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ قَلَّ أو كَثُرَ وَعَقْلُ الْخَطَأِ على عَاقِلَةِ الْجَانِي قَلَّ ذلك الْعَقْلُ أو كَثُرَ لِأَنَّ من غَرِمَ الْأَكْثَرَ غَرِمَ الْأَقَلَّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من شَيْءٍ يَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ له نعم ما وَصَفْت أَوَّلًا كَافٍ منه إذَا كان أَصْلُ حُكْمِ الْعَمْدِ في مَالِ الْجَانِي فلم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ في أَنَّهُ فيه قَلَّ أو كَثُرَ ثُمَّ كان أَصْلُ حُكْمِ الْخَطَأِ في الْأَكْثَرِ في مَالِ الْعَاقِلَةِ فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في الْأَقَلِّ فَإِنْ قال فَهَلْ من خَبَرٍ نُصَّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ نعم قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ وَلَا يَجُوزُ لو لم يَكُنْ عنه خَبَرٌ غَيْرُ هذا إذْ سُنَّ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ على الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَطَأٍ عليها أو يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ فَيَقُولَ كان أَصْلُ الْجِنَايَاتِ على جَانِيهَا فلما قضي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ في الْخَطَأِ قُلْنَا ما بَلَغَ أَنْ يَكُونَ دِيَةً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وما نَقَصَ من الدِّيَةِ فَعَلَى جَانِيهِ وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ وَلَا تَعْقِلُ دُونَهُ أَفَرَأَيْت إنْ قال له إنْسَانٌ تَعْقِلُ التِّسْعَةَ الْأَعْشَارِ أو الثُّلُثَيْنِ أو النِّصْفَ وَلَا تَعْقِلُ دُونَهُ فما حُجَّتُهُ عليه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من خَبَرٍ يَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ نعم قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِهِ على الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَحَدِيثُهُ في أَنَّهُ قَضَى في الْجَنِينِ على الْعَاقِلَةِ أَثْبَتُ إسْنَادًا من أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ وإذا قَضَى بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ حين كانت دِيَةً وَنِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا من الْخَطَأِ فَكَذَلِكَ يقضى بِكُلِّ خَطَأٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كان دِرْهَمًا وَاحِدًا وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه يقضى عليهم بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَلَا يقضى عليهم بِمَا دُونَهُ وَيَلْزَمُهُ في هذا مِثْلَ ما لَزِمَ من قال يقضى عليهم بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلَا يقضى عليهم بِمَا دُونَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإنه قد احْتَجَّ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ وَأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ قِيلَ له فَإِنْ كُنْت إنَّمَا اتَّبَعْت الْخَبَرَ فَقُلْت أجعل الْجِنَايَاتِ على جَانِيهَا إلَّا ما كان فيه خَبَرٌ لَزِمَك لِأَحَدٍ إنْ عَارَضَك أَنْ تَقُولَ وإذا جَنَى جَانٍ ما فيه دِيَةٌ أو ما فيه نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَهِيَ على عَاقِلَتِهِ وإذا جَنَى ما هو أَقَلُّ من دِيَةٍ
____________________

(7/326)


وَأَكْثَرُ من نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ فَفِي مَالِهِ حتى تَكُونَ امْتَنَعَتْ من الْقِيَاسِ عليه وَرَدَدْت ما ليس فيه خَبَرٌ نُصَّ إلَى الْأَصْلِ من أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ على جَانِيهَا وَإِنْ رَدَدْت الْقِيَاسَ عليه فَلَا بُدَّ من وَاحِدٍ من وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ لم يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذلك هَدْرًا لَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ كما تَكُونُ اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ أو يَكُونُ إذَا جَنَى جِنَايَةً اجْتَهَدْت فيها الرَّأْيَ فَقَضَيْت فيها بِالْعَقْلِ قِيَاسًا على الذي قَضَى فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْجِنَايَاتِ فإذا كان حَقٌّ أَنْ يقضى في الْجِنَايَاتِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ قِيَاسًا فَالْحَقُّ أَنْ يقضى على الْعَاقِلَةِ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ ما كانت قَلَّتْ أو كَثُرَتْ لَا يَجُوزُ إلَّا ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ الناس عَابَ شيئا إلَّا شَرَكَ في طَرَفٍ منه إلَّا أَنَّهُ قد يُحْسِنُ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَعَلَّ فيه مُؤْنَةً على من جَهِلَ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ فَأَمَّا من عَلِمَهَا فَلَيْسَتْ عليه ( ( ( عليها ) ) ) مُؤْنَةٌ فيها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقال بَعْضُ من ذَهَبَ إلَى أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ عليهم الثُّلُثَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الثُّلُثَ يَفْدَحُ وما دُونَهُ لَا يَفْدَحُ قُلْنَا فَلِمَ لم تَجْعَلْ هذا في دَمِ الْعَمْدِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لو لَزِمَهُ مِائَةُ دِيَةٍ عَمْدًا لم يَكُنْ عليهم أَنْ يُعِينُوهُ فيها بِفَلْسٍ أو رَأَيْت لو كانت الْعِلَّةُ فيه ما وَصَفْت فَجَنَى جَانِيَانِ أَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ بِدِرْهَمٍ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ أَمَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ لِلْمُعْسِرِ بِهِ أَفْدَحَ من أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ لِلْمُوسِرِ بها الذي لَا يَكُونُ جُزْءًا من أَلْفٍ جزءا من مَالِهِ فَلَوْ كان الْأَمْرُ كما وَصَفْت كان يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَر في حَالِ الْجَانِي فَإِنْ كانت جِنَايَتُهُ دِرْهَمًا فَفَدْحُهُ جَعَلْته على الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كانت جِنَايَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلَا تَفْدَحُهُ لم تَجْعَلْ على الْعَاقِلَةِ منها شيئا فَإِنْ قال لو قُلْت هذا خَرَجْت من السُّنَّةِ قِيلَ قد خَرَجْت من السُّنَّةِ ولم تَقُلْ ذَا وَلَا شيئا له وَجْهٌ قال بَعْضُهُمْ فإن يحيى بن سَعِيدٍ قال من الْأَمْرِ الْقَدِيمِ أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قُلْنَا الْقَدِيمُ قد يَكُونُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَلْزَمُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ من الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ قَوْلُهُمْ فَمِنْ أَيِّ هذا هو قال أَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَأَرْفَعُهَا قُلْت أَفَنَتْرُكُ الْيَقِينَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ لِظَنٍّ ليس مِمَّا أُمِرْنَا بِهِ لو لم يَكُنْ في هذا إلَّا الْقِيَاسُ ما تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلظَّنِّ وَلَئِنْ أَدْخَلْت التُّهْمَةَ على الرِّوَايَةِ على الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ ذلك لَكُمْ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ على الذي أَلْقَى كَلِمَةَ ظَنٍّ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُدْخَلَةً وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ من ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ يَذْهَبُ إلَّا إلَى ظَنٍّ يُمْكِنُ عليه مِثْلَ ما أَمْكَنَ فَيَسْتَوِي هو وَغَيْرُهُ في حُجَّتِهِ وَيَكُونُ الْيَقِينُ أَبَدًا من رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ أَصْحَابِهِ عليه وَكَذَلِكَ يَكُونُ عليه الْقِيَاسُ فما حُجَّةُ من كان عليه الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي قَطَعَ اللَّهُ بِهِ الْعُذْرَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وَقَوْلَ عَوَامِّ أَهْلِ الْبُلْدَانِ من الْفُقَهَاءِ إلَّا ما وَصَفْت من ظَنٍّ هو وَغَيْرُهُ فيه يَسْتَوِيَانِ وَلَوْ كان الظَّنُّ له دُونَ غَيْرِهِ ما كان الظَّنُّ وَحْدَهُ يَقُومُ مَقَامَهَا فَكَيْفَ إذَا كان يُمْكِنُ غَيْرُهُ فيه مِثْلَ ما يُمْكِنُهُ وكان يُخَالِفُ الْيَقِينَ من الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْخَبَرُ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْجَنِينِ على الْعَاقِلَةِ قِيلَ أخبرنا الثِّقَةُ وهو يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ - * بَابُ الْحُرِّ إذَا جَنَى على الْعَبْدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه في الْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً إنَّ على عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِذَلِكَ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَيُنْقَصُ من ذلك ما تُقْطَعُ فيه الْكَفُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَدٌ من الْعَبِيدِ إلَّا وفي الْأَحْرَارِ من هو خَيْرٌ منه وَلَا يُجَاوِزُ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَإِنْ كان خَيْرًا فَاضِلًا ما فُرِضَ من الدِّيَاتِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِ الْعَبْدِ من قِيمَةِ الْعَبْدِ شيئا وَإِنَّمَا ذلك على الْقَاتِلِ في مَالِهِ بَالِغًا ما بَلَغَ إنْ كانت قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ أو أَكْثَرَ من ذلك لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ من السِّلَعِ وقال محمد بن الْحَسَنِ إذَا كان الْعَبْدُ سِلْعَةً من السِّلَعِ بِمَنْزِلَةِ
____________________

(7/327)


الْمَتَاعِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ على عَبْدٍ قَتَلَ عَبْدًا قَوَدٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا فَلَا قَوَدَ فيها وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ في الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَإِنْ كانت الْقِيمَةُ أَكْثَرَ من ذلك فَيَنْبَغِي إنْ قَتَلَ رَجُلٌ مولى الْعَبْدِ أَنْ تَكُونَ فيه الدِّيَةُ وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ كانت فيه دِيَتَانِ إذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا فَيَكُونُ في الْعَبْدِ من الدِّيَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ في سَيِّدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْعَبْدِ يُقْتَلُ فيه قِيمَتُهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَهَذَا يروي عن عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَوْ لم يُرْوَ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا كانت لنا فيه حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا فيه بِأَنْ يَزْعُمَ أَنَّ فيه قِيمَتَهُ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ دِيَةَ الْحُرِّ فَيُنْقِصُهُ منها عَشَرَةَ دَرَاهِمِ فإذا كان الْعَبْدُ يُقْتَلُ وَقِيمَتُهُ تِسْعَةُ آلَافٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ فَلَا يُنْقَصُ عن قَاتِلِهِ منها شَيْءٌ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا على أَنَّهُمْ إنَّمَا يُؤَدُّونَ قِيمَةً في بَعِيرٍ قُتِلَ أو مَتَاعٍ اُسْتُهْلِكَ وَمَتَى رَأَوْا رَجُلًا يَغْرَمُ الْأَكْثَرَ ويجنى جِنَايَةً فَيُبْطَلُ عنه بَعْضُهَا فَأَمَّا ما ذَهَبَ إلَيْهِ محمد بن الْحَسَنِ من أَنَّ في الْأَحْرَارِ من هو خَيْرٌ من الْعَبِيدِ أَفَرَأَيْت خَيْرَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ وَشَرَّ الْمَجُوسِ عِنْدَهُ كَيْفَ سَوَّى بين دِيَاتِهِمْ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الدِّيَاتِ لَيْسَتْ على الْخَيْرِ وَلَا على الشَّرِّ وَأَنَّهَا مُؤَقَّتَاتٌ فَيُؤَدِّي في مَجُوسِيٍّ سَارِقٍ فَاسِقٍ مُنْقَطِعِ الْأَطْرَافِ في السَّرِقَةِ ما يُؤَدِّي في خَيْرِ مُسْلِمٍ على ظَهْرِ الْأَرْضِ فَإِنْ كانت حُجَّتُهُ وفي الْأَحْرَارِ من هو خَيْرٌ من الْعَبِيدِ حُجَّةً فَهِيَ عليه في الْمَجُوسِيِّ قد يَكُونُ في الْعَبِيدِ من هو خَيْرٌ من الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ مَعًا وَالتَّقْوَى وَالْخَيْرُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَكُونُ كَافِرٌ أَبَدًا خَيْرًا من مُسْلِمٍ فَأَمَّا قَوْلُهُ لو قَتَلَ رَجُلٌ مولى الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ عليه لو قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَبَعِيرَهُ أَنَّ عليه أَنْ يؤدى في الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلْبَعِيرِ أَقَلَّ مِمَّا يُؤَدِّي في الْبَعِيرِ فَإِنْ كان بهذا يَصِيرُ الْبَعِيرُ خَيْرًا من الْمُسْلِمِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ بَهِيمَةً خَيْرٌ من مُسْلِمٍ وَإِنْ كان هذا ليس من الْخَيْرِ وَلَا من الشَّرِّ في شَيْءٍ وَكَانَتْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ مُؤَقَّتَةً لَا يُنْقِصُ منها شَرُّ الناس وَلَا يَزِيدُ فيها خَيْرُهُمْ وكان ما اسْتَهْلَكَ من شَيْءٍ من الْمَالِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ فَكَيْفَ لم يَقُلْ هذا في الْعَبِيدِ وَكَيْفَ إذَا نَقَصَ الْعَبِيدُ لم يُنْقِصْ الْإِبِلَ وَكَيْفَ إذَا نَقَصَ من دِيَةِ الْعَبْدِ لم يُنْقِصْ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ النُّقْصَانِ أَرَأَيْت لو قال له رَجُلٌ آخَرُ أَنْقِصْهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فأجعله نِصْفَ امْرَأَةٍ لِأَنَّ حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّهَا أو قال له رَجُلٌ آخَرُ لَا بَلْ أجعل دِيَتَهُ مُؤَقَّتَةً كما قد تَكُونُ دِيَةُ الْأَحْرَارِ مُؤَقَّتَةً أَلَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ أَقْرَبَ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِمْ عِلَّةٌ تَشْتَبِهُ إذَا كان لَا شُبْهَةَ لِقَوْلِهِ أَنْقِصْهُ ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ أو رَأَيْت لو قال آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ ما تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ أو قال آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ ذلك أَقَلُّ ما انْتَهَى إلَيْهِ النبي في الْجِرَاحِ ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ هذا كُلَّهُ ليس من طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَلَا طَرِيقِ الدِّيَةِ أو رَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ مُكَاتَبًا وَعَبْدًا لِلْمُكَاتَبِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ عَبْدِهِ تِسْعَةُ آلَافٍ أَلَيْسَ يُجْعَلُ في عبد الْمُكَاتَبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُجْعَلُ في سَيِّدِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِشَيْءٍ له وَجْهٌ وَلَا شَيْءٍ إلَّا وهو يُخْطِئُ في أَكْثَرَ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كانت حَجَّتُهُ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَهُ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ من التَّابِعِينَ لَيْسُوا بِحُجَّةٍ على أَحَدٍ - * بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه من قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً أو عَمْدًا فإنه لَا يَرِثُ من الدِّيَةِ وَلَا من الْقَوَدِ وَلَا من غَيْرِهِ شيئا وَوَرِثَ ذلك أَقْرَبُ الناس من الْمَقْتُولِ بَعْدَ الْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا أو صَبِيًّا فإنه لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ إذْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عنهما وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ في الْقَتْلِ عَمْدًا وَقَالُوا في الْقَتْلِ خطا لَا يَرِثُ من الدِّيَةِ وَيَرِثُ من مَالِهِ وقال محمد بن الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَّقُوا بين دِيَتِهِ وَمَالِهِ يَنْبَغِي إنْ وَرِثَ من مَالِهِ أَنْ يَرِثَ من دِيَتِهِ هل رَأَيْتُمْ وَارِثًا وَرِثَ من مِيرَاثِ رَجُلٍ مِيرَاثًا من بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ إمَّا أَنْ يَرِثَ هو من ذلك كُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَرِثَ من ذلك شيئا أخبرنا أبو حَنِيفَةَ
____________________

(7/328)


عن حَمَّادٍ عن النَّخَعِيِّ قال لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ خَطَأً أو عَمْدًا وَلَكِنْ يَرِثُهُ أَوْلَى الناس بِهِ بَعْدَهُ أخبرنا عَبَّادُ بن الْعَوَّامِ قال أخبرنا الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً فلم يُوَرِّثْهُ وقال لَا يَرِثُ قَاتِلٌ شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُدْخَلُ على مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ من قَوْلِهِ إنَّهُ يُوَرِّثُ الصَّبِيَّ وَالْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ إذَا قَتَلَا شَبِيهٌ بِمَا أُدْخِلَ على أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ هو لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا في الْمَوْضِعِ الذي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فيه هو يَزْعُمُ أَنَّ على عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةَ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ الدِّيَةَ وهو يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا مَأْثَمَ على قَاتِلِ خَطَأٍ إذَا تَعَمَّدَ غير الذي قَتَلَ مِثْلَ أَنْ يرمى صَيْدًا وَلَا يرمى إنْسَانًا فَيَعْرِضَ الْإِنْسَانُ فَيُصِيبَهُ السَّهْمُ وَهَذَا عِنْدَهُ مِمَّا رُفِعَ عنه الْقَلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَضَعَ اللَّهُ عن أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يُدْخِلُ على أَصْحَابِنَا ما أُدْخِلَ عليهم من أَنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ قَاتِلَ الْخَطَأِ من الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ وَهِيَ لو كانت في مَالِ الْقَاتِلِ لم تَعْدُ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كان لِأَبِيهِ عليه دَيْنٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَرِثَهُ من مَالِهِ وَوَرِثَهُ من الدَّيْنِ الذي عليه لِأَنَّهُ مَالٌ له وَلَيْسَ في الْفَرْقِ بين أَنْ يَرِثَ قَاتِلُ الْخَطَأِ وَلَا يَرِثَ قَاتِلُ الْعَمْدِ خَبَرٌ يُتَّبَعُ إلَّا خَبَرُ رَجُلٍ فإنه يَرْفَعُهُ وَلَوْ كان ثَابِتًا كانت الْحُجَّةُ فيه وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ له شَيْءٌ وَيَرِدَ آخَرُ لَا مُعَارِضَ له - * بَابُ قتل ( ( ( القصاص ) ) ) الغيلة وغيرها ( ( ( القتل ) ) ) وعفو الأولياء - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه من قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا قَتْلَ غِيلَةٍ أو غير غِيلَةٍ فَذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا وَإِنْ شاؤوا عَفَوْا وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ من غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ فإنه يُقْتَلُ وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عنه وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَقْتُلُ فيه الْقَاتِلُ وقال محمد بن الْحَسَنِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل أَصْدَقُ من غَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ إنَّهُ كان مَنْصُورًا } وقال عز وجل { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } إلَى قَوْلِهِ { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فلم يُسَمِّ في ذلك قَتْلَ الْغِيلَةِ وَلَا غَيْرَهَا فَمَنْ قُتِلَ وَلِيُّهُ فَهُوَ وَلِيُّهُ في دَمِهِ دُونَ السُّلْطَانِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ من ذلك شَيْءٌ أخبرنا أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أتى بِرَجُلٍ قد قَتَلَ عَمْدًا فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فقال بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه كانت لهم النَّفْسُ فلما عَفَا هذا أَحْيَا النَّفْسَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ حتى يَأْخُذَ غَيْرُهُ قال فما تَرَى قال أَرَى أَنْ تَجْعَلَ الدِّيَةَ عليه في مَالِهِ وَتَرْفَعَ حِصَّةَ الذي عَفَا فقال عُمَرُ وأنا أَرَى ذلك أخبرنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن النَّخَعِيِّ قال من عَفَا من ذِي سَهْمٍ فَعَفْوُهُ عَفْوٌ فَقَدْ أَجَازَ عُمَرُ وبن مَسْعُودٍ الْعَفْوَ من أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ ولم يَسْأَلُوا أَقَتْلُ غِيلَةٍ كان ذلك أو غَيْرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ من قُتِلَ في حِرَابَةٍ أو صَحْرَاءَ أو مِصْرٍ أو مُكَابَرَةً أو قُتِلَ غِيلَةً على مَالٍ أو غَيْرِهِ أو قُتِلَ نَائِرَةً فَالْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ من ذلك شَيْءٌ إلَّا الْأَدَبَ إذَا عَفَا الْوَلِيُّ - * باب القصاص في القتل - * قال أبو حنيفة لا قصاص على قالت إلا قاتل قتل بسلاح وقال أهل المدينة القود بالسلاح فإذا قتل القاتل بشيء لا يعاش من مثله يقع موقع السلاح أو أشد فهو بمنزلة السلاح وإذا ضربه فلم يزل يضربه ولم يقلع عنه حتى يجيء من ذلك شيء لا يعيش هو من مثله أو يقع موقع السلاح أو أشد فهذا أيضا فيه القصاص قال محمد بن الحسن من قال القصاص في السوط والعصا فقد ترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المعروف وخطبته يوم فتح مكة حين خطب
____________________

(7/329)


ألا إن قتيل الخطأ العمد مثل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها فإذا كان ما تعمد به من عصا أو حجر فقتله به ففيه القصاص بطل هذا الحديث فلم يكن له معنى إلا أن قتيل الخطأ العمد هو ما تعمد ضربه بالسوط أو بالعصا أو نحو ذلك فأتى على نفسه فإن كان الأمر كما قال أهل المدينة فقد بطلت الدية في شبه العمد إذا كان كل شيء تعمدت به النفس من صغير أو كبير فقتلت به كان فيه القصاص فالدية في شبه العمد في أي شيء فرضت إنما هو خطأ في قول أهل المدينة أو عمد فشبه العمد الذي غلظت فيه الدية أي شيء هو في النفس ما ينبغي أن يكون لشبه العمد في النفس معنى في قولهم أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل في عمية في رميا تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود يده فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل ( قال الشافعي ) القتل ثلاثة وجوه قتل عمد وهو ما عمد المرء بالحديد الذي هو أوحى في الإتلاف وبما الأغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة الضرب وتتابعه أو عظم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد والخطأ كلما ضرب الرجل أو رمى يريد شيئا وأصاب غيره فسواء كان ذلك بحديد أو غيره وشبه العمد وهو ما عمد بالضرب الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على يد الضارب فهذا العمد في الفعل الخطأ في القتل وهو الذي تعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها ( قال الشافعي ) أخبرنا عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفه في بطونها أولادها ( قال الشافعي ) فاحتج محمد بن الحسن على من احتج عليه من أصحابنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا وتركه فإن كانت فيه عليهم حجة فهي عليه لأنه يزعم أن دية شبه العمد أرباع خمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة فأول ما يلزم محمدا في هذا أن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دية شبه العمد أربعون خلفة في بطونها أولادها وهو لا يجعل خلفة واحدة فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد حدد خلافه وإن كان ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس ينصف من احتج بشيء إذا احتج عليه بمثله قال هو غير ثابت عنده وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل ما قلتا في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة من حديث سلام بن سليم ومن حديث آخر ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة وروى عن عمر بن الخطاب في شبه العمد مثل ما قلنا وخالف ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روى عن علي وعن عمر واحتج عليهم بخلافهم ما قد خالف هو بعضه فإن كانت له عليهم به حجة فهي عليه معهم - * باب الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه في الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ بِسِلَاحٍ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ إنَّهُ لَا قَوَدَ على الْمُمْسِكِ وَالْقَوَدُ على الْقَاتِلِ وَلَكِنَّ الْمُمْسِكَ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ في السِّجْنِ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنْ أَمْسَكَهُ وهو يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا بِهِ جميعا وقال محمد بن الْحَسَنِ كَيْفَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ ولم يَقْتُلْ وإذا أَمْسَكَهُ وهو يَرَى أَنْ لَا يُرِيدَ قَتْلَهُ
____________________

(7/330)


فَتَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ قالوا لَا إنَّمَا نَقْتُلُهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قِيلَ لهم فَلَا نَرَى الْقَوَدَ في قَوْلِكُمْ يَجِبُ على الْمُمْسِكِ إلَّا بِظَنِّهِ وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا دَلَّ على رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَاَلَّذِي دَلَّ يَرَى أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ إنْ قَدَرَ عليه أَيُقْتَلُ الدَّالُّ وَالْقَاتِلُ جميعا وقد دَلَّ عليه في مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَتَخَلَّصَ منه يَنْبَغِي في قَوْلِكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الدَّالَّ كما تَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَالْآمِرُ يَنْبَغِي في قَوْلِكُمْ أَنْ يُقْتَلَا جميعا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا حَبَسَ امْرَأَةً لِرَجُلٍ حتى زَنَى بها أَيُحَدَّانِ جميعا أو يُحَدُّ الذي فَعَلَ الْفِعْلَ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَيُرْجَمَانِ جميعا يَنْبَغِي لِمَنْ قال يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ أَنْ يَقُولَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جميعا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا سَقَى رجلا خَمْرًا أَيُحَدَّانِ جميعا حَدَّ الْخَمْرِ أَمْ يُحَدُّ الشَّارِبُ خَاصَّةً أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يفترى على رَجُلٍ فَافْتَرَى عليه أَيُحَدَّانِ جميعا أَمْ يُحَدُّ الْقَاذِفُ خَاصَّةً يَنْبَغِي في قَوْلِكُمْ أَنْ يُحَدَّا جميعا هذا ليس بِشَيْءٍ لَا يُحَدُّ إلَّا الْفَاعِلُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ وَلَكِنَّ على الْآخَرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قال أخبرنا عبد الْمَلِكِ بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال في رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا وَأَمْسَكَهُ آخَرُ فقال يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ في السِّجْنِ حتى يَمُوتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّ اللَّهُ الناس على الْفِعْلِ نَفْسَهُ وَجَعَلَ فيه الْقَوَدَ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } وقال { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } فَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ من خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ على الْقَاتِلِ نَفْسِهِ وَرَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بقتل ( ( ( يقتل ) ) ) فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } ولم أَجِدْ أَحَدًا من خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يُقْتَدَى بِهِ حَدَّ أَحَدًا قَطُّ على غَيْرِ فِعْلِ نَفْسِهِ أو قَوْلِهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَبَسَ رَجُلًا لِرَجُلِ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ وَعُوقِبَ الْحَابِسُ وَلَا يَجُوزُ في حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَتَلْت الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ أَنْ أَقْتُلَ الْحَابِسَ بِالْحَبْسِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ الْقَتْلِ وَمَنْ قَتَلَ هذا فَقَدْ أَحَالَ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ إذ قال { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } فَالْقِصَاصُ أَنْ يُفْعَلَ بِالْمَرْءِ مِثْلُ ما فَعَلَ وَقُلْنَا أَرَأَيْت الْحَابِسَ إذَا اقْتَصَصْنَا منه وَالْقِصَاصُ هو أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ ما فَعَلَ هل ثَمَّ قَتْلٌ فَيُقْتَلُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَمَّ حَبْسٌ وَالْحَبْسُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ فيها قِصَاصٌ فَيُعَزَّرُ عليها وَسَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ أو لَا يَقْتُلَهُ وَلَوْ كان الْحَبْسُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَتْلِ إذَا نَوَى الْحَابِسُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَحْبُوسَ انْبَغَى لو لم يُقْتَلْ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ قد فَعَلَ الْفِعْلَ الذي يُقِيمُهُ مَقَامَ الْقَتْلِ مع النِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ على خِلَافِ ما قال صَاحِبُنَا وَعَلَى ما قال محمد بن الْحَسَنِ في الْجُمْلَةِ وَعَامَّةُ ما أَدْخَلَ مُحَمَّدٌ على صَاحِبِنَا يَدْخُلُ وَأَكْثَرُ منه وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ لَا يَسْلَمُ من أَنْ يَغْفُلَ في مَوْضِعٍ آخَرِ فَيَدْخُلَ في أَكْثَرَ مِمَّا عَابَ على صَاحِبِنَا فَيَكُونَ جَمِيعُ ما احْتَجَّ بِهِ على صَاحِبِنَا في هذا الْمَوْضِعِ حُجَّةً عليه فَإِنْ قال قَائِلٌ وما ذلك قِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْمًا لو قَطَعُوا الطَّرِيقَ فَقَتَلُوا وَلَهُمْ قَوْمٌ رِدْءٌ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ ما فَعَلَ هَؤُلَاءِ من الْقَتْلِ قُتِلَ الْقَاتِلُونَ بِقَتْلِهِمْ وَالرَّادُّونَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا بِقُوَّتِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ أو رَوَيْت في هذا شيئا فلم يذكر رِوَايَةً فَقُلْت له أَرَأَيْت رَجُلًا شَدِيدًا أَرَادَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَنْ يَقْتُلَهُ فقال لِرَجُلٍ شَدِيدٍ لَوْلَا ضَعْفِي قَتَلْت فُلَانًا فقال أنا أُكَتِّفُهُ لَك فَكَتَّفَهُ وَجَلَسَ على صَدْرِهِ وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ حتى أَبْرَزَ مَذْبَحَهُ وَأَعْطَى الضَّعِيفَ سِكِّينًا فَذَبَحَهُ فَزَعَمْت أَنَّك تَقْتُلُ الذَّابِحَ لِأَنَّهُ هو الْقَاتِلُ وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَعُونَةِ هذا الذي كان سَبَبَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ الناس على الْفِعْلِ أَكَانَ هذا أَعْوَنَ على قَتْلِ هذا أو الرِّدْءَ على قَتْلِ من مَرَّ في الطَّرِيقِ ثُمَّ تَقُولُ في الرِّدْءِ لو كَانُوا حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ الْقَوْمَ
____________________

(7/331)


وَيُعَزِّزُونَهُمْ وَيُقَوُّونَهُمْ لم يَكُنْ عليهم شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرُ فَمَنْ حَدَّ لَك حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ قال فَصَاحِبُكُمْ يقول مَعِي مِثْلُ هذا في الرِّدْءِ يُقْتَلُونَ قُلْت فَتَقُومُ لَك بهذا حُجَّةٌ على غَيْرِك إنْ كان قَوْلُك لَا يَكُونُ حُجَّةً أَفَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِنَا الذي تَسْتَدْرِكُ عليه مِثْلَ هذا حُجَّةً قال فَلَا تقوله ( ( ( تقله ) ) ) قُلْت لَا ولم أَجِدْ أَحَدًا يَعْقِلُ يَقُولُهُ وَمَنْ قَالَهُ خَرَجَ من حُكْمِ الْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَلَزِمَهُ كَثِيرٌ مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ فَلَوْ كُنْت إذَا احْتَجَجْت في شَيْءٍ أو عِبْته سَلِمْت منه كان ( قال الشَّافِعِيُّ ) وروى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْمُمْسِكُ حتى يَمُوتَ وهو لَا يَحْبِسُهُ حتى يَمُوتَ فَخَالَفَ ما احْتَجَّ بِهِ - * باب القود بين الرجل والنساء - * قال أبو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ بين الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا في النَّفْسِ وَكَذَلِكَ أخبرنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ قال محمد بن الْحَسَنِ أَرَأَيْتُمْ الْمَرْأَةَ في الْعَقْلِ أَلَيْسَتْ على النِّصْفِ من دِيَةِ الرَّجُلِ قالوا بَلَى قِيلَ لهم فَكَيْفَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا وَيَدُهُ ضِعْفُ يَدِهَا في الْعَقْلِ قالوا أنت تَقُولُ مِثْلَ هذا أنت تَقْتُلُهُ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ على النِّصْفِ من دِيَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لهم لَيْسَتْ النَّفْسُ كَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لو قَتَلُوا رَجُلًا ضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ حتى قتلوه قُتِلُوا بِهِ جميعا وَلَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لم تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ النَّفْسُ وَالْجِرَاحُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّا نَقْطَعُ يَدَيْ رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ فَأَخْبِرُونَا عن رَجُلَيْنِ قَطَعَا يَدَ رَجُلٍ جميعا جَزَّهَا أَحَدُهُمَا من أَعْلَاهَا وَالْآخَرُ من أَسْفَلِهَا حتى الْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ في النِّصْفِ منها أَتُقْطَعُ يَدُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قُطِعَ نِصْفُ يَدِهِ ليس هذا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى على أَحَد ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قُتِلَ بها وإذا قَطَعَ يَدَهَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا فإذا كانت النَّفْسُ التي هِيَ الْأَكْثَرُ بِالنَّفْسِ فَاَلَّذِي هو أَقَلُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِمَا هو أَقَلُّ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ من الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّ من قَتَلَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بها وَعَقْلُهَا نِصْفُ عَقْلِهِ قال محمد بن الْحَسَنِ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَدِيَةُ الْحُرِّ عِنْدَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَعَلَّ دِيَةَ الْعَبْدِ خَمْسَةُ دَنَانِيرِ فَلَوْ كان تَفَاوُتُ الدِّيَةِ يَمْنَعُ الْقَتْلَ لم يُقْتَلْ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ في الْعَبْدِ عِنْدَهُ إلَّا أَقَلُّ من دِيَةِ حُرٍّ وَلَا عَبْدٌ بِعَبْدٍ إذَا كان الْقَاتِلُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ من الْمَقْتُولِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ في النَّفْسِ ليس من مَعْنَى الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي له أَنْ يَقُولَ في الْجِرَاحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهَا ذِكْرًا وَاحِدًا فلم يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا في هذا الْمَوْضِعِ الذي حَكَمَ بها فيه فقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } إلَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } فلم يُوجِبْ في النَّفْسِ شيئا من الْقَوَدِ إلَّا أَوْجَبَ فِيمَا سَمَّى مثله فإذا زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ من حُجَّتِهِ أَنَّ عَشَرَةً يَقْتُلُونَ رَجُلًا وَاحِدًا فَيُقْتَلُونَ بِهِ وَلَوْ قَطَعُوا يَدَهُ لم تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلَوْ قالوا معه قَوْلَهُ لم تَكُنْ عليهم حُجَّةٌ بَلْ كانت عليه بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ على أَنْ يَقْتُلُوهُ فإذا جَعَلْت الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم يَقْتُلُ كَأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ على الْكَمَالِ فَكَذَلِكَ فَاجْعَلْ عليهم عَشْرَ دِيَاتٍ إذَا قَتَلُوا إنْسَانًا فَإِنْ قُلْت مَعْنَى الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْنَى الدِّيَةِ قُلْنَا وَكَذَلِكَ في النَّفْسِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت نعم قالوا لَك لَا نَسْمَعُ ما احْتَجَجْت بِهِ إلَّا عَلَيْك مع أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ أو من قَطَعَ منهم يَدَيْنِ بِيَدٍ وإذا يَدَيْنِ بِيَدٍ فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا قَاسُوهَا على النَّفْسِ فَقَالُوا إذَا أَفَاتَا شيئا لَا يَرْجِعُ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ التي لَا تَرْجِعُ قَضَيْنَا عَلَيْهِمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا في الْإِفَاتَةِ قَضَاءَ كل من فَعَلَ فِعْلًا على الِانْفِرَادِ
____________________

(7/332)


- * بَابُ الْقِصَاصِ في كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا قِصَاصَ على أَحَدٍ كَسَرَ يَدًا أو رِجْلًا لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قَوَدَ في عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ وقال أَهْلُ الْمَدِينَةِ من كَسَرَ يَدًا أو رِجْلًا أُقِيدَ منه وَلَا يَعْقِلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُقَادُ حتى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ وقال محمد بن الْحَسَنِ الْآثَارُ في أَنَّهُ لَا قَوَدَ في عَظْمٍ أَكْثَرَ من ذلك أخبرنا محمد بن أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ قال ليس في عَظْمٍ قِصَاصٌ إلَّا السِّنَّ وقال أبو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ في شَيْءٍ من ذلك وفي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ وفي الْكَسْرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ في مَالِهِ ولم أَكُنْ لِأَضَعَ الْحَدِيدَ في غَيْرِ الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا فيه الْقَاطِعُ وَلَا أَقْتَصُّ من عَظْمٍ فَلِذَلِكَ جَعَلْت في ذلك الدِّيَةَ قال وقد اجْتَمَعْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ في مَأْمُومَةٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى الْقَوَدَ في الْعِظَامِ أَنْ يَرَى ذلك في الْمَأْمُومَةِ لِأَنَّهَا عَظْمٌ كُسِرَ فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ ولم يُصِبْ الدِّمَاغَ وَيَنْبَغِي له أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ في الْمُنَقِّلَةِ الْقَوَدَ وَإِنْ اقْتَصَّ من عَظْمِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ ولم يُقْتَصَّ من كَسْرِ عَظْمِ الرَّأْسِ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا افْتِرَاقٌ وَيَنْبَغِي له أَيْضًا أَنْ يَقْتَصَّ من الْهَاشِمَةِ وَهِيَ الشَّجَّةُ التي هَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ فَإِنْ لم يَقْتَصَّ من هذا فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ في كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وقد قال مَالِكُ بن أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه ذَاتَ يَوْمٍ كنا لَا نَقُصُّ من الْأَصَابِعِ حتى قَصَّ منها عبد الْعَزِيزِ بن الْمُطَّلِبِ قَاضٍ عليهم فَقَصَصْنَا منها فَلَيْسَ يَعْدِلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ في الْأَشْيَاءِ بِمَا عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ في بِلَادِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْقُولٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل في الْقِصَاصِ إذْ قال جَلَّ وَعَلَا { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةَ إنَّمَا هو إفَاتَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَهَذَا سَوَاءٌ وفي قَوْلِهِ { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } إنَّمَا هو أَنْ يُفْعَلَ بِالْجَارِحِ مِثْلَ ما فَعَلَ بِالْمَجْرُوحِ فَلَا نَقْصَ من وَاحِدٍ إلَّا في شَيْءٍ يُفَاتُ من الذي أَفَاتَ مِثْلَ عَيْنٍ وَسِنٍّ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَغَيْرِ هذا مِمَّا يُفَاتُ فَهَذَا يُفَاتُ إفَاتَةَ النَّفْسِ أو جُرِحَ فَيُؤْخَذُ من الْجَارِحِ كما أَخَذَ من الْمَجْرُوحِ فإذا كان على الِابْتِدَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدِرُ على أَنَّهُ يَقُصُّ منه فَلَا يُزَادُ فيه وَلَا يُنْقَصُ اقْتَصَّ منه وإذا كان لَا يَقْدِرُ على ذلك فَلَا قِصَاصَ فيه قال وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ لَا يُقِصَّ منه كَسْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ دُونَ عَظْمِهِمَا حَائِلًا من جِلْدٍ وَعُرُوقٍ وَلَحْمٍ وَعَصَبٍ مَمْنُوعٌ إلَّا بِمَا وَجَبَ عليه فَلَوْ استيقنا ( ( ( استبقينا ) ) ) أنا نَكْسِرَ عَظْمَهُ كما كَسَرَ عَظْمَهُ لَا نَزِيدُ فيه وَلَا نَنْقُصُ فَعَلْنَا وَلَكِنَّا لَا نَصِلُ إلَى الْعَظْمِ حتى نَنَالَ مِمَّا دُونَهُ مِمَّا وَصَفْت مِمَّا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ مِمَّا هو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ مِمَّا نَالَ من غَيْرِهِ وَالثَّانِي أنا لَا نَقْدِرَ على أَنْ يَكُونَ كَسْرٌ كَكَسْرٍ أَبَدًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ من الْوَجْهَيْنِ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْهَاشِمَةُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ فيها قِصَاصٌ من حَيْثُ إنَّ من جَنَاهَا فَقَدْ شَقَّ بها اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَنَشُقُّ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ كما شَقَّهُ وَنُهَشِّمُ الْعَظْمَ أو نَنْقُلهُ أو نَؤُمُّهُ فَنَخْرِقُهُ فَإِنْ قال لَا يَقْدِرُ على الْعَظْمِ وهو بَارِزٌ فَهُوَ لم يَتَعَذَّرْ دُونَهُ فَكَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ على الْعَظْمِ دُونَهُ غَيْرُهُ - * كتاب سير الأوزاعي - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ محمد بن إدْرِيسَ قال قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا غَنِمَ جُنْدٌ من الْمُسْلِمِينَ غَنِيمَةً في أَرْضِ الْعَدُوِّ من الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَقْتَسِمُونَهَا حتى يُخْرِجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَحُوزُوهَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ لم يَقْفِلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من غَزْوَةٍ أَصَابَ فيها مَغْنَمًا إلَّا خمسة وَقَسَّمَهُ قبل أَنْ يَقْفِلَ من ذلك غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَخَيْبَرَ وَتَزَوَّجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ حين افْتَتَحَهَا صَفِيَّةَ وَقَتَلَ كِنَانَةَ بن الرَّبِيعِ وَأَعْطَى أَخِيهِ دِحْيَةَ ثُمَّ لم يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ على ذلك بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ جُيُوشُهُمْ في أَرْضِ الرُّومِ في خِلَافَةِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَخِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا وفي أَرْضِ الشِّرْكِ حين هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَقُتِلَ الْوَلِيدُ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم افْتَتَحَ بِلَادَهُمْ
____________________

(7/333)


وَظَهَرَ عليهم فَصَارَتْ بِلَادُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ الْوَلِيدُ بن عُقْبَةَ فَأَخَذَ صَدَقَاتِهِمْ وَعَلَى هذه الْحَالِ كانت خَيْبَرُ حين افْتَتَحَهَا وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَعَامَلَهُمْ على النَّخْلِ وَعَلَى هذا كانت حُنَيْنٌ وَهَوَازِنُ ولم يُقَسِّمْ فَيْءَ حُنَيْنٍ إلَّا بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ عن الطَّائِفِ حين سَأَلَهُ الناس وَهُمْ بِالْجِعْرَانَةِ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ فإذا ظَهَرَ الْإِمَامُ على دَارٍ وَأَثْخَنَ أَهْلَهَا فيجرى حُكْمُهُ عليها فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَسِّمَ الْغَنِيمَةَ فيها قبل أَنْ يَخْرُجَ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَإِنْ كان مُغِيرًا فيها لم يَظْهَرْ عليها ولم يَجْرِ حُكْمُهُ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ فيها غَنِيمَةً أو فَيْئًا من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُحْرِزْهُ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لو دخل جَيْشٌ من جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا لهم شَارَكُوهُمْ في تِلْكَ الْغَنِيمَةِ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لو اسْتَنْقَذُوا ما في أَيْدِيهِمْ ثُمَّ غَنِمَهُ جَيْشٌ آخَرُ من جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذلك لم يُرَدَّ على الْأَوَّلِينَ منه شَيْءٌ وَأَمَّا ما ذَكَرَ عن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لم يَزَالُوا يَقْسِمُونَ مَغَانِمَهُمْ في خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في أَرْضِ الْحَرْبِ فإن هذا ليس يُقْبَلُ إلَّا عن الرِّجَالِ الثِّقَاتِ فَعَمَّنْ هذا الْحَدِيثُ وَعَمَّنْ ذَكَرَهُ وَشَهِدَهُ وَعَمَّنْ رَوَى وَنَقُولُ أَيْضًا إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَسْمُهُ جَائِزٌ فَإِنْ لم يَكُنْ معه حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عليها الْمَغْنَمَ أو احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا أو كانت عِلَّةً فَقَسَّمَ لها الْمَغْنَمَ وَرَأَى أَنَّ ذلك أَفْضَلُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ جَائِزٌ غير أَنَّ أَحَبَّ ذلك إلَيْنَا وَأَفْضَلَهُ أَنْ لَا يُقَسِّمَ شيئا من ذلك إذَا لم يَكُنْ بِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ حتى يُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قال أبو يُوسُفَ عن مجالد ( ( ( مجاهد ) ) ) بن سَعِيدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ إنِّي قد أَمْدَدْتُك بِقَوْمٍ فَمَنْ أَتَاك منهم قبل تَنْفُقُ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ في الْغَنِيمَةِ قال أبو يُوسُفَ وَهَذَا يُعْلِمُ أَنَّهُمْ لم يُحْرِزُوا ذلك في أَرْضِ الْحَرْبِ قال محمد بن إِسْحَاقَ سُئِلَ عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ عن الْأَنْفَالِ فقال فِينَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُنْزِلَتْ { يَسْأَلُونَك عن الْأَنْفَالِ } الْآيَةَ انْتَزَعَهُ الله مِنَّا حين اخْتَلَفْنَا وَسَاءَتْ أَخْلَاقُنَا فَجَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل إلَى رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ لم يُحْرِزُوهُ وَيُخْرِجُوهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُقَسِّمْ غَنَائِمَ بَدْرٍ إلَّا من بَعْدِ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ وَالدَّلِيلُ على ذلك أَنَّهُ ضَرَبَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ في ذلك بِسَهْمٍ سَهْمٍ فَقَالَا وَأَجْرُنَا فقال وَأَجْرُكُمَا ولم يَشْهَدَا وَقْعَةَ بَدْرٍ أَشْيَاخُنَا عن الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يُقَسِّمْ غَنِيمَةً في دَارِ الْحَرْبِ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقْضُونَ بِالْقَضَاءِ فَيُقَالُ لهم عَمَّنْ فَيَقُولُونَ بهذا جَرَتْ السُّنَّةُ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَضَى بِهِ عَامِلُ السُّوقِ أو عَامِلٌ ما من الْجِهَاتِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ على هذا كانت الْمَقَاسِمُ في زَمَانِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما وَهَلُمَّ جَرًّا غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا الْكَلْبِيُّ من حَدِيثٍ رَفَعَهُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بن جَحْشٍ إلَى بَطْنِ نَخْلَةَ فَأَصَابَ هُنَالِكَ عَمْرَو بن الْحَضْرَمِيَّ وَأَصَابَ أَسِيرًا أو اثْنَيْنِ وَأَصَابَ ما كان مَعَهُمْ من أُدْمٍ وَزَيْتٍ وَتِجَارَةٍ من تِجَارَةِ أَهْلِ الطَّائِفِ فَقَدِمَ بِذَلِكَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يُقَسِّمْ ذلك عبد اللَّهِ بن جَحْشٍ حتى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في ذلك { يَسْأَلُونَك عن الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فيه قُلْ قِتَالٌ فيه } كَبِيرٌ حتى فَرَغَ من الأية فَقَبَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَغْنَمَ وَخَمَّسَهُ محمد بن إِسْحَاقَ عن مَكْحُولٍ عن الحرث بن مُعَاوِيَةَ قال قِيلَ لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ إنَّ شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ بَاعَ غَنَمًا وَبَقَرًا أَصَابَهَا بِقَنْسَرِينَ نَحَلَهَا الناس وقد كان الناس يَأْكُلُونَ ما أَصَابُوا من الْمَغْنَمِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَبِيعُونَهُ فقال مُعَاذٌ لِمَ ( 1 ) شُرَحْبِيلُ إذَا لم يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجِينَ إلَى لُحُومِهَا فَقَوُوا على ( 3 ) خَلَّتِهَا فَلْيَبِيعُوهَا فَلْيَكُنْ ثَمَنُهَا في الْغَنِيمَةِ وَالْخُمُسِ وَإِنْ كان الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجِينَ إلَى لُحُومِهَا فَلْتُقْسَمْ عليهم فَيَأْكُلُونَهَا فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصَابَ أَمْوَالَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَفِيهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَقَسَّمَهَا وَأَخَذَ الْخُمُسَ وقد كان رسول اللَّهِ
____________________

(7/334)


صلى اللَّهُ عليه وسلم يُطْعِمُ الناس ما أَصَابُوا من الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وما احْتَجَّ بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي لَا يَخْتَلِفُونَ في أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَسَّمَ غير مَغْنَمٍ في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَمَّا ما احْتَجَّ بِهِ أبو يُوسُفَ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَهَرَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ إسْلَامٍ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَغَارَ عليهم وَهُمْ غَارُّونَ في نِعَمِهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ في دَارِهِمْ سَنَةَ خَمْسٍ وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَهَا بِزَمَانٍ وَإِنَّمَا بَعَثَ إلَيْهِمْ الْوَلِيدَ بن عُقْبَةَ مُصَدِّقًا سَنَةَ عَشْرٍ وقد رَجَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَنْهُمْ وَدَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ فما عَلِمْته كان فيها مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وما صَالَحَ إلَّا الْيَهُودَ وَهُمْ على دِينِهِمْ إنَّ ما حَوْلَ خَيْبَرَ كُلَّهُ دَارُ حَرْبٍ وما عَلِمْت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَرِيَّةً قفلت ( ( ( فقلت ) ) ) من مَوْضِعِهَا حتى تُقَسِّمَ ما ظَهَرَتْ عليه وَلَوْ كان الْأَمْرُ كما قال لَكَانَ قد أَجَازَ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَالِي بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَدَخَلَ فِيمَا عَابَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال من جَاءَك منهم قبل تَنَفُّقِ الْقَتْلَى فَأَسْهِمْ له فَهُوَ إنْ لم يَكُنْ ثَابِتًا دَاخِلٌ فِيمَا عَابَ على الْأَوْزَاعِيِّ فإنه عَابَ عليه غير الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ ما عَلِمْت الْأَوْزَاعِيُّ قال عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا إلَّا ما هو مَعْرُوفٌ وَلَقَدْ اُحْتُجَّ على الْأَوْزَاعِيِّ بِحَدِيثِ رِجَالٍ وهو يَرْغَبُ عن الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ فَإِنْ كان حَدِيثُ مُجَالِدٍ ثَابِتًا فَهُوَ يُخَالِفُهُ هو يَزْعُمُ أَنَّ الْمَدَدَ إذَا جَاءَهُ وَلَمَّا يَخْرُجْ الْمُسْلِمُونَ من بِلَادِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلَى نُظَرَاؤُهُمْ لم يُنْفِقُوا وَلَا يُنْفِقُونَ بَعْدَ ذلك بِأَيَّامٍ لم يَكُنْ لهم سَهْمٌ مع أَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ كانت الْغَنِيمَةُ عِنْدَهُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِينَ دُونَ الْمَدَدِ إذَا نَفَقَتْ الْقَتْلَى انْبَغَى أَنْ يعطى الْمَدَدَ ما بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَنْفُقَ الْقَتْلَى قال وَبَلَغَنِي عنه أَنَّهُ قال وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلَادِ الْحَرْبَ كان جَائِزًا وَهَذَا تَرْكٌ لِقَوْلِهِ وَدُخُولٌ فِيمَا عَابَ على الْأَوْزَاعِيِّ وَبَلَغَنِي عنه أَنَّهُ قال وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ جاء الْمَدَدُ قبل تَنْفُقُ الْقَتْلَى لم يَكُنْ لِلْمُدَدِ شَيْءٌ وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَحُجَّتُهُ عليه بِحَدِيثٍ عن عُمَرَ لَا يَأْخُذُ بِهِ وَيَدَعُهُ من كل وَجْهٍ وقد بَلَغَنِي عنه أَنَّهُ قال وَإِنْ نَفَقَتْ الْقَتْلَى وَهُمْ في بِلَاد الْحَرْبِ لم يَخْرُجُوا منها ولم يَقْتَسِمُوا شِرْكَهُمْ الْمَدَدُ وَكُلُّ هذا الْقَوْلِ خُرُوجٌ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَا لِلْمَدَدِ وَكَذَلِكَ رَوَى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَأَمَّا ما احْتَجَّ بِهِ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُقَسِّمْ غَنَائِمَ بَدْرٍ حتى وَرَدَ الْمَدِينَةَ وما ثَبَتَ من الحديث بِأَنْ قال وَالدَّلِيلُ على ذلك أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما ولم يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنْ كان كما قَالَهُ فَهُوَ يُخَالِفُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنْ ليس للامام أَنْ يعطى أَحَدًا لم يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَلَيْسَ كما قال غَنِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَنَائِمَ بَدْرٍ بِسَيْرِ شِعْبٍ من شِعَابِ الصفراء ( ( ( الصحراء ) ) ) قَرِيبٍ من بَدْرٍ وَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ كما يروى عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ قبل تَنْزِلَ الْآيَةُ في سُورَةِ الْأَنْفَالِ فلما تَشَاحُّوا عليها انْتَزَعَهَا اللَّهُ من أَيْدِيهِمْ بِقَوْلِهِ عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلُّهَا خَالِصَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ لم يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ من مَالِهِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } بَعْدَ غَنِيمَةِ بَدْرٍ ولم يَعْلَمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِخَلْقٍ لم يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَنْ أَعْطَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا من مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لَا من شَيْءٍ من أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَأَمَّا ما اُحْتُجَّ بِهِ من وَقْعَةِ عبد اللَّهِ بن جَحْشٍ وبن الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قبل بَدْرٍ وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ في آخِرِ يَوْمٍ من الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقَفُوا فِيمَا صَنَعُوا حتى نَزَلَتْ { يَسْأَلُونَك عن الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فيه } وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَهُ فيه الْأَوْزَاعِيُّ بِسَبِيلٍ
____________________

(7/335)


- * أَخْذُ السِّلَاحِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ السِّلَاحَ من الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيُقَاتِلَ بِهِ حتى يَفْرُغَ من الْحَرْبِ ثُمَّ يَرُدَّهُ في الْمَغْنَمِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُقَاتِلُ ما كان الناس في مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ بِرَدِّهِ الْفَرَاغَ من الْحَرْبِ فَيُعَرِّضُهُ لِلْهَلَاكِ وَانْكِسَارِ سِنِّهِ من طُولِ مُكْثِهِ في دَارِ الْحَرْبِ وروى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إيَّاكَ وإيا ( ( ( إياك ) ) ) الْغُلُولَ أَنْ تَرْكَبَ الدَّابَّةَ حتى يَحْسِرَ قبل أَنْ يُؤَدَّى إلَى الْمَغْنَمِ أو تَلْبَسَ الثَّوْبَ حتى يَخْلُقَ قبل أَنْ تَرُدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ قال أبو يُوسُفَ قد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وَلِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَعَانِي وَوُجُوهُ تَفْسِيرٍ لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ إلَّا من أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عليه فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا على من يَفْعَلُ ذلك وهو عنه غنى يبقى بِذَلِكَ على دَابَّتِهِ وَعَلَى ثَوْبِهِ أو يَأْخُذُ ذلك يُرِيدُ بِهِ الْحَاجَةَ فَأَمَّا رَجُلٌ مُسْلِمٌ في دَارِ الْحَرْبِ ليس معه دَابَّةٌ وَلَيْسَ مع الْمُسْلِمِينَ فَضْلٌ يَحْمِلُونَهُ إلَّا دَوَابُّ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ فإذا كان هذا فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ تَرْكُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِيبِهِ إنْ شاؤوا وَإِنْ كَرِهُوا وَكَذَلِكَ هذه الْحَالُ في السِّلَاحِ وَالْحَالُ في السِّلَاحِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ لو تَكَسَّرَتْ سُيُوفُهُمْ أو ذَهَبَتْ وَلَهُمْ غَنَاءٌ في الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذُوا سُيُوفًا من الْغَنِيمَةِ فَيُقَاتِلُوا بها ما دَامُوا في الْحَرْبِ أَرَأَيْت إنْ لم يَحْتَاجُوا إلَيْهَا في مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَاحْتَاجُوا إلَيْهَا بَعْدَ ذلك بِيَوْمَيْنِ وَأَغَارَ عليهم الْعَدُوُّ يَقُومُونَ هَكَذَا في وَجْهِ الْعَدُوِّ بِغَيْرِ سِلَاحٍ أَرَأَيْت لو كان الْمُسْلِمُونَ كلهم على حَالِهِمْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ يَسْتَأْسِرُونَ هذا الرَّأْيُ تَوْهِينٌ لِمَكِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِجُنُودِهِمْ وَكَيْفَ يَحِلُّ هذا ما دَامَ في الْمَعْمَعَةِ وَيَحْرُمُ بَعْدَ ذلك وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الثِّقَاتِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عن الرِّجَالِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْفِقْهِ الْمَأْمُونِينَ عليه أَنَّهُ كان يَغْنَمُ الْغَنِيمَةَ فيها الطَّعَامُ فَيَأْكُلُ أَصْحَابُهُ منها إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ شيئا يَأْخُذُهُ وَحَاجَةُ الناس إلَى السِّلَاحِ في دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَى الدَّوَابِّ وَإِلَى الثِّيَابِ أَشَدُّ من حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ أبو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عن مُحَمَّدِ بن أبي الْمُجَالِدِ عن بن أبي أَوْفَى قال كنا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ يأتى أَحَدُنَا إلَى الطَّعَامِ من الْغَنِيمَةِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان أبو حَنِيفَةَ إنَّمَا جَعَلَ السِّلَاحَ وَالثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ قِيَاسًا على الطَّعَامِ من غنى يَجِدُ ما يشرى بِهِ طَعَامًا أو فَقِيرٍ لَا يَجِدُ ما يشرى بِهِ أُحِلَّ لهم أَكْلُهُ وَأَكْلُهُ اسْتِهْلَاكٌ له فَهُوَ إنْ أَجَازَ لِمَنْ يَجِدُ ما يشترى بِهِ طَعَامًا أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَاسَ السِّلَاحَ وَالدَّوَابَّ عليه جَعَلَ له أَنْ يَسْتَهْلِكَ الطَّعَامَ وَيَتَفَكَّهَ بِرُكُوبِ الدَّوَابِّ كما يَتَفَكَّهُ بِالطَّعَامِ فَيَأْكُلُ فَالُوذًا وَيَأْكُلُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَإِنْ اجْتَزَأَ بِالْخُبْزِ الْيَابِسِ بِالْمِلْحِ وَالْجُبُنِ وَاللَّبَنِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالدَّوَابِّ اسْتِهْلَاكَهَا وَيَأْخُذَ السِّلَاحَ من بِلَادِ الْعَدُوِّ فَيَتَلَذَّذَ بِالضَّرْبِ بها غَيْرِ الْعَدُوِّ كما ( ( ( وكما ) ) ) يَتَلَذَّذُ بِالطَّعَامِ لِغَيْرِ الْجُوعِ وكان يَلْزَمُهُ إذَا خَرَجَ بِالدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ من بِلَادِ الْعَدُوِّ أَنْ يَجْعَلَهُ مِلْكًا له في قَوْلِ من قال يَكُونُ ما بقى من الطَّعَامِ مِلْكًا له وَلَا أَحْسَبُ من الناس أَحَدًا يُجِيزُ هذا وكان له بَيْعُ سِلَاحِهِ وَدَوَابِّهِ وَأَخْذُ سِلَاحٍ وَدَوَابَّ كما تَكُونُ له الصَّدَقَةُ بِطَعَامِهِ وَهِبَتِهِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ من بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَدْ كان كَثِيرٌ من الناس على هذا وَيَصْنَعُونَ مثله في دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لو نَزَعْت سَهْمًا من جَبَلٍ من بِلَادِ الْعَدُوِّ ما كُنْت بِأَحَقَّ بِهِ من أَخِيك وما أَعْلَمُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ إلَّا مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ مَعْقُولًا لِأَنَّهُ يَحِلُّ في حَالِ الضَّرُورَةِ الشَّيْءُ فإذا انْقَضَتْ الضَّرُورَةُ لم يَحِلَّ وما عَلِمْت قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَلَا خَبَرًا
____________________

(7/336)


- * سَهْمُ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَتَفْضِيلِ الْخَيْلِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ سَهْمٌ له وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ وَيُضْرَبُ لِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَسْهَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدُ لَا يَخْتَلِفُونَ فيه وقال أبو حَنِيفَةَ الْفَرَسُ وَالْبِرْذَوْنُ سَوَاءٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ كان أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ حتى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ قال أبو يُوسُفَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكْرَهُ أَنْ تُفَضَّلَ بَهِيمَةٌ على رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَيُجْعَلَ سَهْمُهَا في الْقَسْمِ أَكْثَرَ من سَهْمِهِ فَأَمَّا الْبَرَاذِينُ فما كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُ هذا وَلَا يُمَيِّزُ بين الْفَرَسِ وَالْبِرْذَوْنِ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفِ الذي لَا تَخْتَلِفُ فيه الْعَرَبُ أَنْ تَقُولَ هذه الْخَيْلُ وَلَعَلَّهَا بَرَاذِينُ كُلُّهَا أو جُلُّهَا وَيَكُونُ فيها المقاريف أَيْضًا وَمِمَّا نَعْرِفُ نَحْنُ في الْحَرْبِ أَنَّ الْبَرَاذِينَ أَوْفَقُ لِكَثِيرٍ من الْفَرَسَانِ من الْخَيْلِ في لِينِ عِطْفِهَا وَقَوَدِهَا وَجَوْدَتِهَا مِمَّا لم يُبْطِلْ الْغَايَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ على هذا كانت أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ فَهَذَا كما وَصَفَ من أَهْلِ الْحِجَازِ أو رَأْي بَعْضِ مَشَايِخِ الشَّامِ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَلَا التَّشَهُّدَ وَلَا أُصُولَ الْفِقْهِ صَنَعَ هذا فقال الْأَوْزَاعِيُّ بهذا مَضَتْ السُّنَّةُ وقال أبو يُوسُفَ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ غَيْرِهِ من أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَبِهَذَا أَخَذَ أبو يُوسُفَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ في الْفَارِسِ أَنَّ له ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُخْبِرْنَا عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ لِلْفَارِسِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا ما حَكَى أبو يُوسُفَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً على رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَلَوْ لم يَكُنْ في هذا خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَكَانَ مَحْجُوجًا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً على مُسْلِمٍ خَطَأٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ كان إذَا كان أَعْطَى بِسَبَبِ الْفَرَسِ سَهْمَيْنِ كان مُفَضِّلًا على الْمُسْلِمِ إذْ كان إنَّمَا يعطى الْمُسْلِمَ سَهْمًا انْبَغَى له أَنْ لَا يُسَوِّيَ الْبَهِيمَةَ بِالْمُسْلِمِ وَلَا يُقَرِّبَهَا منه وَإِنَّ هذا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يعطى الْفَارِسَ سَهْمًا له وَسَهْمَيْنِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل نَدَبَ إلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ فقال جَلَّ وَعَزَّ { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاط الْخَيْلِ } فإذا أَعْطَاهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما وَصَفْنَا فَإِنَّمَا سَهْمَا الْفَرَسِ لِرَاكِبِهِ لَا لِلْفَرَسِ وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ بِعَنَائِهِ وَالْمُؤْنَةُ عليه فيه وما مَلَّكَهُ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْأَوْزَاعِيِّ الْفَرَسَ على الْهَجِينِ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَجْمَعُهُمَا فإن سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن الْأَسْوَدِ بن قَيْسٍ عن عَلِيِّ بن الْأَقْمَرِ قال أَغَارَتْ الْخَيْلُ بِالشَّامِ فَأَدْرَكَتْ الْخَيْلُ من يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ ضُحًى وَعَلَى الْخَيْلِ الْمُنْذِرُ بن أبي حَمْصَةَ الْهَمْدَانِيُّ فَفَضَّلَ الْخَيْلَ على الْكَوَادِنِ وقال لَا أَجْعَلُ ما أَدْرَكَ كما لم يُدْرِكْ فَبَلَغَ ذلك عُمَرَ فقال ( 1 ) هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لقد أَذْكَرَتْ بِهِ أَمْضُوهَا على ما قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يَرْوُونَ في هذا أَحَادِيثَ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا أَثْبَتُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أبو يُوسُفَ فَإِنْ كان فِيمَا احْتَجَّ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عليه وَلَكِنْ هذه مُنْقَطِعَةٌ وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ من هذا التَّسْوِيَةُ بين الْخَيْلِ الْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْمَقَارِيفِ وَلَوْ كنا نُثْبِتُ مِثْلَ هذا ما خَالَفْنَاهُ وقال أبو حَنِيفَةَ إذَا كان الرَّجُلُ في الدِّيوَانِ رَاجِلًا وَدَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا يُقَاتِلُ عليه وَأُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وهو فَارِسٌ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ له إلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وقال الْأَوْزَاعِيُّ لم يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِيوَانٌ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ وَتَتَابَعَ على ذلك أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وقال أبو يُوسُفَ ليس فِيمَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ حُجَّةٌ وَنَحْنُ أَيْضًا نُسْهِمُ لِلْفَارِسِ
____________________

(7/337)


كما قال فَهَلْ عِنْدَهُ أَثَرٌ مُسْنَدٌ عن الثِّقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ سَهْمَ فَارِسٍ لِرَجُلٍ غَزَا معه رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَعَارَ أو اشْتَرَى فَرَسًا فَقَاتَلَ عليه عِنْدَ الْقِتَالِ وَيُفَسِّرُهَا هَكَذَا وَعَلَيْهِ في هذا أَشْيَاءُ أَرَأَيْت لو قَاتَلَ عليه بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ بَاعَهُ من آخَرِ فَقَاتَلَ عليه سَاعَةً أَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُضْرَبُ لهم بِسَهْمِ فَرَسٍ وَإِنَّمَا هو فَرَسٌ وَاحِدٌ هذا لَا يَسْتَقِيمُ وَإِنَّمَا تُوضَعُ الْأُمُورُ على ما يَدْخُلُ عليه الْجُنْدُ فَمَنْ دخل فَارِسًا أَرْضَ الْحَرْبِ فَهُوَ فَارِسٌ وَمَنْ دخل رَاجِلًا فَهُوَ رَاجِلٌ على ما عليه الدَّوَاوِينُ مُنْذُ زَمَنِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إلَى يَوْمِك هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وقد زَعَمَ أبو يُوسُفَ أَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ على ما قال وَعَابَ على الْأَوْزَاعِيِّ أَنْ يَقُولَ قد جَرَتْ السُّنَّةُ بِغَيْرِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ مُفَسِّرَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا بِغَيْرِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ وَلَا خَبَرٍ ثَابِتٍ ثُمَّ قال الْأَمْرُ كما جَرَى عليه الدِّيوَانُ مُنْذُ زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وهو لَا يُخَالِفُ في أَنَّ الدِّيوَانَ مُحْدَثٌ في زَمَانِ عُمَرَ وَأَنَّهُ لم يَكُنْ دِيوَانٌ في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أبي بَكْرٍ وَلَا صَدْرٍ من خِلَافَةِ عُمَرَ وَأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا دَوَّنَ الدِّيوَانَ حين كَثُرَ الْمَالَ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ فَهَذَا الدَّلِيلُ على ما قال الْأَوْزَاعِيُّ لِأَنَّهُ لَا يُسْهَمُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ فإذا لم يَكُنْ حَاضِرُ الْقِتَالِ فَارِسًا فَكَيْفَ يُعْطَى بِفَرَسِهِ ما لَا يُعْطَى بِبَدَنِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ قَاتَلَ هذا عليه يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا أَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ سَهْمَ فَارِسٍ فَلَا يُعْطَى بِفَرَسٍ في مَوْضِعَيْنِ كما لَا يُعْطَى لو قَاتَلَ في مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً فَلَا يُعْطَى بِشَيْءٍ وَاحِدٍ في مَوْضِعَيْنِ وَالسَّهْمُ لِلْفَارِسِ الْمَالِكِ لَا لِمَنْ اسْتَعَارَ الْفَرَسَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ فَارِسًا الْقِتَالَ وَلَوْ بَعَّضْنَا بَيْنَهُمْ سَهْمَ الْفَرَسِ ما زِدْنَاهُ على سَهْمِ فَرَسٍ وَاحِدٍ كما لو أَسْهَمْنَا لِلرَّاجِلِ وَمَاتَ لم نَزِدْ وَرَثَتَهُ على سَهْمٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ لو خَرَجَ سَهْمُهُ إلَى بَعِيرٍ اقْتَسَمُوهُ فقال بَعْضُ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ إنِّي إنَّمَا أَسْهَمْت لِلْفَارِسِ إذَا دخل بِلَادَ الْحَرْبِ فَارِسًا لِلْمُؤْنَةِ التي كانت عليه في بِلَادِ الْإِسْلَامِ قُلْنَا فما تَقُولُ إنْ اشْتَرَى فَرَسًا قبل أَنْ يُفْرَضَ عليه الدِّيوَانُ في أَدْنَى بِلَادِ الْحَرْبِ بِسَاعَةٍ قال يَكُونُ فَارِسًا إذَا ثَبَتَ في الدِّيوَانِ قُلْنَا فما تَقُولُ في خُرَاسَانِيٍّ أو يَمَانِيٍّ قَادَ فَرَسًا من بِلَادِهِ حتى أتى بِلَادَ الْعَدُوِّ فَمَاتَ فَرَسُهُ قبل أَنْ تَنْتَهِيَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ قال فَلَا يُسْهَمُ له سَهْمُ فَرَسٍ قُلْنَا فَقَدْ أَبْطَلْت مُؤْنَةَ هَذَيْنِ في الْفَرَسِ وَهَذَانِ أَكْثَرُ مُؤْنَةً من الذي اشْتَرَاهُ قبل الدِّيوَانِ بِسَاعَةٍ وقال أبو حَنِيفَةَ في الرَّجُلِ يَمُوتُ في دَارِ الْحَرْبِ أو يُقْتَلُ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ له بِسَهْمٍ في الْغَنِيمَةِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَسْهَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ فَاجْتَمَعَتْ أَئِمَّةُ الهدى على الْإِسْهَامِ لِمَنْ مَاتَ أو قُتِلَ وقال أبو يُوسُفَ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن الزُّهْرِيِّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَضْرِبْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ معه بِسَهْمٍ في شَيْءٍ من الْمَغَانِمِ قَطُّ وَأَنَّهُ لم يَضْرِبْ لِعُبَيْدَةَ بن الحرث في غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ قبل أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ وقال أبو يُوسُفَ ما قَالَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ كما قال وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ حَالٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ وقد أَسْهَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في بَدْرٍ ولم يَشْهَدْهَا فقال وأجرى يا رَسُولَ اللَّهِ قال وَأَجْرُك قال وَأَسْهَمَ أَيْضًا لِطَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ في بَدْرٍ ولم يَشْهَدْهَا فقال وَأَجْرِي فقال وَأَجْرُك وَلَوْ أَنَّ إمَامًا من أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَشْرَكَ قَوْمًا لم يَغْزُوا مع الْجُنْدِ لم يَتَّسِعْ ذلك له وكان مُسِيئًا فيه وَلَيْسَ للائمة في هذا ما لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِأَحَدٍ من الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ قُتِلَ يوم بَدْرٍ وَلَا يوم حُنَيْنٍ وَلَا يوم خَيْبَرَ وقد قُتِلَ بها رَهْطٌ مَعْرُوفُونَ فما نَعْلَمُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ منهم وَهَذَا ما لَا يَخْتَلِفُ فيه فَعَلَيْك من الحديث بِمَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ وَإِيَّاكَ وَالشَّاذَّ منه فإنه حدثنا بن أبي كَرِيمَةَ عن أبي جَعْفَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ دَعَا الْيَهُودَ فَسَأَلَهُمْ فَحَدَّثُوهُ حتى كَذَبُوا على عِيسَى فَصَعِدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/338)


الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ الناس فقال إنَّ الحديث سَيَفْشُو عَنِّي فما أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي وما أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عَنِّي مِسْعَرُ بن كِدَامٍ وَالْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن الْبَخْتَرِيِّ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال إذَا أَتَاكُمْ الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَظُنُّوا أَنَّهُ الذي هو أَهْدَى وَاَلَّذِي هو أَتْقَى وَاَلَّذِي هو أَحْيَا أَشْعَثُ بن سَوَّارٍ وَإِسْمَاعِيلُ بن أبي خَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن قَرَظَةَ بن كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قال أَقْبَلْت في رَهْطٍ من الْأَنْصَارِ إلَى الْكُوفَةِ فَشَيَّعَنَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يمشى حتى انْتَهَيْنَا إلَى مَكَان قد سَمَّاهُ ثُمَّ قال هل تَدْرُونَ لِمَ مَشَيْت مَعَكُمْ يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قالوا نعم لِحَقِّنَا قال إنَّ لَكُمْ الْحَقَّ وَلَكِنَّكُمْ تَأْتُونَ قَوْمًا لهم دوى بِالْقُرْآنِ كدوى النَّحْلِ فَاقْتُلُوا الرِّوَايَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا شَرِيكُكُمْ فقال قَرَظَةُ لَا أُحَدِّثُ حَدِيثًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَدًا كان عُمَرُ فِيمَا بَلَغَنَا لَا يَقْبَلُ الحديث عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَوْلَا طُولُ الْكِتَابِ لَأَسْنَدْت الحديث لَك وكان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا يَقْبَلُ الحديث عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالرِّوَايَةُ تَزْدَادُ كَثْرَةً وَيُخْرِجُ منها ما لَا يَعْرِفُ وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَلَا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَلَا السُّنَّةَ فَإِيَّاكَ وَشَاذَّ الحديث وَعَلَيْك بِمَا عليه الْجَمَاعَةُ من الحديث وما يَعْرِفُهُ الْفُقَهَاءُ وما يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقِسْ الْأَشْيَاءَ على ذلك فما خَالَفَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ حدثنا الثِّقَةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه إنِّي لَأُحَرِّمُ ما حَرَّمَ الْقُرْآنُ وَاَللَّهِ لَا يُمْسِكُونَ على بِشَيْءٍ فَاجْعَلْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الْمَعْرُوفَةَ لَك إمَامًا قَائِدًا وَاتَّبِعْ ذلك وَقِسْ عليه ما يَرِدُ عَلَيْك مِمَّا لم يُوَضَّحْ لَك في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ حدثنا الثِّقَةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِسْمَةِ هَوَازِنَ أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ سَأَلُوهُ فقال أَمَّا ما كان لي وَلِبَنِي عبد الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَأَسْأَلُ لَكُمْ الناس إذَا صَلَّيْت الظُّهْرَ فَقُومُوا وَقُولُوا إنَّا نَتَشَفَّعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَامُوا فَفَعَلُوا ذلك فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَّا ما كان لي وَلِبَنِي عبد الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فقال الْمُهَاجِرُونَ وما كان لنا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ مِثْلَ ذلك وقال عَبَّاسُ بن مِرْدَاسٍ أَمَّا ما كان لي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ فَلَا وَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ أَمَّا ما كان لنا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال الْأَقْرَعُ بن حَابِسٍ أَمَّا ما كان لي وَلِبَنِي تَمِيمٍ فَلَا وقال عُيَيْنَةُ أَمَّا ما كان لي وَلِبَنِي فَزَارَةَ فَلَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من تَمَسَّكَ بِحِصَّتِهِ من هذا السَّبْيِ فَلَهُ بِكُلِّ رَأْسٍ سِتُّ فَرَائِضَ من أَوَّلِ فَيْءٍ نُصِيبُهُ فَرَدُّوا إلَى الناس أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فَرَدَّ الناس ما كان في أَيْدِيهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا حَالٌ لَا تُشْبِهُ حَالَ الناس وَلَوْ أَنَّ إمَامًا أَمَرَ جُنْدًا أَنْ يَدْفَعُوا ما في أَيْدِيهِمْ من السَّبْيِ إلَى أَصْحَابِ السَّبْيِ بِسِتِّ فَرَائِضَ كُلُّ رَأْسٍ لم يَجُزْ ذلك له ولم يَنْفُذْ ولم يَسْتَقِمْ وَلَا تُشْبِهُ الْأَئِمَّةُ في هذا وَالنَّاسُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا قد نهى عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَهَذَا حَيَوَانٌ بِعَيْنِهِ بِحَيَوَانٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا ما ذُكِرَ من أَمْرِ بَدْرٍ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُسْهِمْ لِعُبَيْدَةَ بن الحرث فَهُوَ عليه إنْ كان كما زَعَمَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ أُحْرِزَتْ وَعَاشَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ وهو يَزْعُمُ في مِثْلِ هذا أَنَّ له سَهْمًا فَإِنْ كان كما قال فَقَدْ خَالَفَهُ وَلَيْسَ كما قال قَسَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْغَنِيمَةَ وَأَعْطَى عُبَيْدَةَ سَهْمَهُ وهو حَيٌّ ولم يَمُتْ عُبَيْدَةُ إلَّا بَعْدَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فَأَمَّا ما ذَكَرَ من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَلِطَلْحَةِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَدْ فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَسْهَمَ لِسَبْعَةٍ أو ثَمَانِيَةٍ من أَصْحَابِهِ لم يَشْهَدُوا بَدْرًا وَإِنَّمَا نَزَلَ تَخْمِيسُ الْغَنِيمَةِ وقسم ( ( ( نفل ) ) ) الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ أَعْطَاهُمْ من سَهْمِهِ كَسُهْمَانِ من شَهِدَ فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ عِنْدَنَا فَكَمَا وَصَفْت قال اللَّهُ
____________________

(7/339)


عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } فَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } بَعْد بَدْرٍ على ما وَصَفْت لَك يَرْفَعُ خُمُسَهَا وَيُقَسِّمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَافِرًا على من حَضَرَ الْحَرْبَ من الْمُسْلِمِينَ إلَّا السَّلَبَ فإنه سُنَّ أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ في الْإِقْبَالِ فَكَانَ السَّلَبُ خَارِجًا منه وَإِلَّا الصَّفِيَّ فإنه قد اُخْتُلِفَ فيه فَقِيلَ كان يَأْخُذُهُ من سَهْمِهِ من الْخُمُسِ وَإِلَّا الْبَالِغِينَ من السَّبْيِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّ فِيهِمْ سُنَنًا فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَفَادَى بِبَعْضِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَالْإِمَامُ في الْبَالِغِينَ من السَّبْيِ مُخَيَّرٌ فِيمَا حَكَيْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّهُ فِيهِمْ فَإِنْ أَخَذَ من أَحَدٍ منهم فِدْيَةً فَسَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ اسْتَرَقَّ منهم أَحَدًا فَسَبِيلُ الْمَرْقُوقِ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ أَقَادَ بِهِمْ بِقَتْلٍ أو فَادَى بِهِمْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فَقَدْ خَرَجُوا من الْغَنِيمَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ كما وَصَفْت وَأَمَّا قَوْلُهُ في سَبْيِ هَوَازِنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَوْهَبَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ فَكَمَا قال وَذَلِكَ يَدُلُّ على أَنَّهُ يُسْلِمُ للمسلمين ( ( ( كالمسلمين ) ) ) حُقُوقَهُمْ من ذلك إلَّا ما طَابُوا عنه أَنْفُسًا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَمِنَ سِتَّ فَرَائِضَ بِكُلِّ سَبْيٍ شَحَّ بِهِ صَاحِبُهُ فَكَمَا قال ولم يُكْرِهْهُمْ على أَنْ يَحْتَالُوا عليه بِسِتِّ فَرَائِضِ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا ثَمَنًا عن رِضًا مِمَّنْ قَبْلَهُ ولم يَرْضَ عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ عَجُوزًا وقال أُعَيِّرُ بها هَوَازِنَ فما أَخْرَجَهَا من يَدِهِ حتى قال له بَعْضُ من خَدَعَهُ عنها أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَك فَوَاَللَّهِ لقد أَخَذْتهَا ما ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ وَلَا جَدُّهَا بِمَاجِدٍ فقال حَقًّا ما تَقُولُ قال إي وَاَللَّهِ قال فَأَبْعَدَهَا اللَّهُ وَأَبَاهَا ولم يَأْخُذْ بها عِوَضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً فَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد كان عليه أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَنْ لَا يروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا من الثِّقَاتِ وقد أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَاسْتَسْلَفَ بَعِيرًا وَقَضَى مثله وإذا زَعَمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُذْرَعُ وَلَا يُعْلَمُ إلَّا بِصِفَةٍ وقد تَقَعُ الصِّفَةُ على الْبَعِيرَيْنِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً في الْكِتَابَةِ وَمَهْرِ النِّسَاءِ وَالدِّيَاتِ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بها في الدِّيَاتِ بِصِفَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَقَدْ أَجَازَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَسِيئَةً فَكَيْفَ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُجِيزُهَا نَسِيئَةً وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجَازُوهَا في الْكِتَابَةِ وَمُهُورِ النِّسَاءِ نَسِيئَةً فَقَدْ رَغِبَ عَمَّا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ وَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فيه وَأَمَّا ما ذَكَرَ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُمْسِكَنَّ الناس على بِشَيْءٍ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لهم إلَّا ما أَحَلَّ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ عليهم إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ فما أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا قَطُّ فيه حُكْمٌ إلَّا بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ بِهِ وَكَذَلِكَ ما حَرَّمَ شيئا قَطُّ فيه حُكْمٌ إلَّا بِمَا حَرَّمَ بِذَلِكَ أَمْرٌ وَكَذَلِكَ اُفْتُرِضَ عليه قال اللَّهُ عز وجل { فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك إنَّك على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَفَرَضَ عليه الِاسْتِمْسَاكَ بِمَا أوحى إلَيْهِ وَشَهِدَ له أَنَّهُ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ قال { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ من نَشَاءُ من عِبَادِنَا وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَضَ عليه اتِّبَاعَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَشَهِدَ له بِأَنَّهُ هَادٍ مُهْتَدٍ وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ له قَوْلُهُ لَا يُمْسِكَنَّ الناس عَلَيَّ بِشَيْءٍ فإن اللَّهَ أَحَلَّ له أَشْيَاءَ حَظَرَهَا على غَيْرِهِ مِثْلَ عَدَدِ النِّسَاءِ وَأَنْ ياتهب ( ( ( يتهب ) ) ) الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَفَرَضَ عليه أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عن غَيْرِهِ مِثْلَ فَرْضُهُ عليه أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ ولم يَفْرِضْ هذا على غَيْرِهِ فقال لَا يُمْسِكَنَّ الناس عَلَيَّ بِشَيْءٍ يَعْنِي مِمَّا خُصَّ بِهِ دُونَهُمْ فإن نِكَاحَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعٍ وَلَا يَحِلُّ لهم أَنْ يَبْلُغُوهُ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِهِمْ إلَى الْأَرْبَعِ وَلَا يَجِبُ عليهم ما وَجَبَ عليه من تَخْيِيرِ نِسَائِهِ لِأَنَّهُ ليس بِفَرْضٍ عليهم فَأَمَّا ما ذَهَبَ إلَيْهِ من إبْطَالِ الحديث وَعَرْضِهِ على الْقُرْآنِ فَلَوْ كان كما ذَهَبَ إلَيْهِ كان مَحْجُوجًا بِهِ وَلَيْسَ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ الْحَدِيثُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُبَيِّنٌ مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا ثُمَّ يُلْزِمُ الناس ما سن بِفَرْضِ اللَّهِ فَمَنْ قَبِلَ عن رسول اللَّهِ
____________________

(7/340)


صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَنْ اللَّهِ عز وجل قَبِلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَانَ ذلك في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ قال اللَّهُ عز وجل { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } الْآيَةَ وقال عز وجل { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَبَيَّنَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن سَالِمٍ أبي النَّضْرِ قال أخبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن أبيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ما أَعْرِفَنَّ ما جاء أَحَدَكُمْ الْأَمْرُ من أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أو نَهَيْت عنه فيقول لَا نَدْرِي ما هذا ما وَجَدْنَا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَخَذْنَا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان كما قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دخل من رَدَّ الحديث عليه ما احْتَجَّ بِهِ على الْأَوْزَاعِيِّ فلم يَجُزْ له الْمَسْحُ على الْخُفَّيْنِ وَلَا تَحْرِيمُ جَمْعِ ما بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا تَحْرِيمُ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَغَيْرُ ذلك قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا دخل الْجَيْشُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَغَنِمُوا غَنِيمَةً ثُمَّ لَحِقَهُمْ جَيْشٌ آخَرُ قبل أَنْ يَخْرُجُوا بها إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَدَدًا لهم ولم يَلْقَوْا عَدُوًّا حتى خَرَجُوا بها إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُمْ شُرَكَاءُ فيها وقال الْأَوْزَاعِيُّ قد كانت تَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ من الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ الرُّومِ وَلَا تُشَارِكُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا صَاحِبَتَهَا في شَيْءٍ أَصَابَتْهُ من الْغَنِيمَةِ لَا يُنْكِرُ ذلك منهم وَالِي جَمَاعَةٍ وَلَا عَالِمٌ وقال أبو يُوسُفَ حدثنا الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ يوم حُنَيْنٍ إلَى أَوْطَاسٍ فَقَاتَلَ من بها مِمَّنْ هَرَبَ من حُنَيْنٍ وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ سَبَايَا وَغَنَائِمَ فلم يَبْلُغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا قَسَّمَ من غَنَائِمِ أَهْلِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بين أَهْلِ أَوْطَاسٍ وَأَهْلِ حُنَيْنٍ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ ذلك غَنِيمَةً وَاحِدَةً وَفَيْئًا وَاحِدًا وَحَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عن عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَزِيَادِ بن عِلَاقَةَ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ قد أَمْدَدْتُك بِقَوْمٍ فَمَنْ أَتَاك منهم قبل أَنْ تَنْفُقَ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ في الْغَنِيمَةِ محمد بن إِسْحَاقَ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه بَعَثَ عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ في خَمْسَمِائَةٍ من الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا لِزِيَادِ بن لَبِيدٍ وللمهاجر ( ( ( وللمهاجرين ) ) ) بن أبي أُمَيَّةَ فَوَافَقُوا الْجُنْدَ قد افْتَتَحَ الْبُحْثُرَ في الْيَمَنِ فَأَشْرَكَهُمْ زِيَادُ بن لَبِيدٍ وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا في الْغَنِيمَةِ وقال أبو يُوسُفَ فما كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْرِفُ السُّنَّةَ وَالسِّيرَةَ يَجْهَلُ هذا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو غَزَا أَرْضَ الرُّومِ جُنْدٌ فَدَخَلَ فَأَقَامَ في بَعْضِ بِلَادِهِمْ ثُمَّ فَرَّقَ السَّرَايَا وَتَرَكَ الْجُنْدَ رِدْءًا لهم لَوْلَا هَؤُلَاءِ ما اقْتَرَبَ السَّرَايَا أَنْ يَبْلُغُوا حَيْثُ بَلَغُوا وما أَظُنُّهُ كان لِلْمُسْلِمِينَ جُنْدٌ عَظِيمٌ في طَائِفَةٍ أَخْطَأَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هذا فِيهِمْ وما سَمِعْنَا بِأَحَدٍ منهم قَسَّطَ الْغَنَائِمَ مُفْتَرِقَةً على كل سَرِيَّةٍ أَصَابَتْ شيئا ما أَصَابَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى احْتَجَّ أبو يُوسُفَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ إلَى أَوْطَاسٍ فَغَنِمَ غَنَائِمَ فلم يُفَرِّقْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين من كان مع أبي عَامِرٍ وَهَذَا كما قال وَلَيْسَ مِمَّا قال الْأَوْزَاعِيُّ وَخَالَفَهُ هو فيه بِسَبِيلِ أبو عَامِرٍ كان في جَيْشِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعَهُ بِحُنَيْنٍ فَبَعَثَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في اتِّبَاعِهِمْ وَهَذَا جَيْشٌ وَاحِدٌ كُلُّ فِرْقَةٍ منهم رِدْءٌ لِلْأُخْرَى وإذا كان الْجَيْشُ هَكَذَا فَلَوْ أَصَابَ الْجَيْشُ شيئا دُونَ السَّرِيَّةِ أو السَّرِيَّةُ شيئا دُونَ الْجَيْشِ كَانُوا فيه شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ وَبَعْضُهُمْ رِدْءٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَسَارُوا أَيْضًا في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَكَذَلِكَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ من الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَى فِيمَا أَصَابُوا فَأَمَّا جَيْشَانِ مُفْتَرِقَانِ فَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ شيئا وَلَيْسَا بِجَيْشٍ وَاحِدٍ وَلَا أَحَدُهُمَا رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ مُقِيمٌ له عليه وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُشْرِكَ أَهْلَ طَرَسُوسَ وَغَذْقَذُونَةَ من دخل بِلَادَ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُمْ قد يُعِينُونَهُمْ أو يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ حين يَنَالُونَ نُصْرَتَهُمْ في أَدْنَى بِلَادِ الرُّومِ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكُ الْجَيْشُ الْوَاحِدُ الدَّاخِلُ وَاحِدًا وَإِنْ تَفَرَّقَ في مِيعَادِ اجْتِمَاعٍ في مَوْضِعٍ وَأَمَّا ما احْتَجَّ بِهِ من حديث مُجَالِدٌ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فَمَنْ أَتَاك منهم قبل تَنْفُقُ الْقَتْلَى
____________________

(7/341)


فَأَشْرِكْهُمْ في الْغَنِيمَةِ فَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عن عُمَرَ وَلَوْ ثَبَتَ عنه كنا أَسْرَعَ إلَى قَبُولِهِ منه وهو إنْ كان يُثْبِتُهُ عنه فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ هو يَزْعُمُ أَنَّ الْجَيْشَ لو قَتَلُوا قَتْلَى وَأَحْرَزُوا غَنَائِمَهُمْ بُكْرَةً وَأَخْرَجُوا الْغَنَائِمَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَشِيَّةً وَجَاءَهُمْ الْمَدَدُ وَالْقَتْلَى يَتَشَحَّطُونَ في دِمَائِهِمْ لم يَشْرَكُوهُمْ وَلَوْ قَتَلُوهُمْ فنفقوا وَجَاءُوا وَالْجَيْشُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ قد أَحْرَزُوا الْغَنَائِمَ بَعْدَ الْقَتْلِ بِيَوْمٍ وَقَبْلَ مَقْدَمِ الْجَيْشِ الْمَدَدِ بِأَشْهُرٍ شَرِكُوهُمْ فَخَالَفَ عُمَرُ في الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَاحْتَجَّ بِهِ فَأَمَّا ما روى عن زِيَادِ بن لَبِيدٍ أَنَّهُ أَشْرَكَ عِكْرِمَةَ فإن زِيَادًا كَتَبَ فيه إلَى أبي بكر فكتب أبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ فَكَلَّمَ زِيَادٌ أَصْحَابَهُ فَطَابُوا نَفْسًا أَنْ أَشْرَكُوا عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابَهُ مُتَطَوِّعِينَ عليهم وَهَذَا قَوْلُنَا وهو يُخَالِفُهُ وَيُرْوَى عنه خِلَافُ ما رَوَاهُ عنه أَهْل الْعِلْمِ بِالْغَزْوِ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْمَرْأَةِ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَنْفَعُ الناس لَا يُسْهَمُ لها وَيُرْضَخُ لها وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَسْهَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ الْفِقْهَ يَجْهَلُ هذا ما يَعْلَمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ في شَيْءٍ من غزوة وما جاء في هذا من الْأَحَادِيثِ كَثِيرٌ لَوْلَا طُولُ ذلك لَكَتَبْت لَك من ذلك شيئا كَثِيرًا وَمُحَمَّدُ بن إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلُ بن أُمَيَّةَ عن بن هُرْمُزَ قال كَتَبَ نَجْدَةُ إلَى بن عَبَّاسٍ كان النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَتَبَ إلَيْهِ بن عَبَّاسٍ كان النِّسَاءُ يَغْزُونَ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان يُرْضِخُ لَهُنَّ من الْغَنِيمَةِ ولم يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَالْحَدِيثُ في هذا كَثِيرٌ وَالسُّنَّةُ في هذا مَعْرُوفَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كما قال أبو حَنِيفَةَ يُرْضِخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهِمُ وَالْحَدِيثُ في هذا كَثِيرٌ وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه من حِجَازِيِّينَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن يَزِيدَ بن هُرْمُزَ أَنَّهُ أخبره أَنَّ بن عَبَّاسٍ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ كَتَبْت تَسْأَلُنِي هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَقَدْ كان يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَذَكَرَ كَلِمَةً أُخْرَى وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فلم يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَلَكِنْ يُحْذَيْنَ من الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى حديث رَجُلٍ ثِقَةٍ وهو مُنْقَطِعٌ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَزَا بِيَهُودِ وَنِسَاءٍ من نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَضَرَبَ لِلْيَهُودِ وَلِلنِّسَاءِ بِمِثْلِ سُهْمَانِ الرِّجَالِ وَالْحَدِيثُ الْمُنْقَطِعُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَنَا وَإِنَّمَا اعْتَمَدْنَا على حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وقد رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي قَبْلَنَا يُوَافِقُونَ بن عَبَّاسٍ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُقَاتِلُ مَعَهُمْ الْعَدُوَّ لَا يُسْهَمُ لهم وَلَكِنْ يُرْضَخُ لهم وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَسْهَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ غَزَا معه من يَهُودَ وَأَسْهَمَ وُلَاةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ لِمَنْ اسْتَعَانُوا بِهِ على عَدُوِّهِمْ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما كُنْت أحسب ( ( ( أحب ) ) ) أَحَدًا من أَهْلِ الْفِقْهِ يَجْهَلُ هذا وَلَا يَشُكُّ الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ قال اسْتَعَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَهُودِ قَيْنُقَاعَ فَرَضَخَ لهم ولم يُسْهِمْ لهم وَالْحَدِيثُ في هذا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ وَالسُّنَّةُ فيه مَعْرُوفَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ وَعُذْرُ الْأَوْزَاعِيِّ فيه ما وَصَفْت قبل هذا وقد رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي يَزْعُمُونَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا رَضَخَ لِمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ من الْمُشْرِكِينَ وقد رَوَى فيه حَدِيثًا مَوْصُولًا لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ - * سُهْمَانُ الْخَيْلِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه في الرَّجُلِ يَكُونُ معه فَرَسَانِ لَا يُسْهَمُ له إلَّا لِوَاحِدٍ وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ للفرسين ( ( ( لفرسين ) ) ) وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ من ذلك وَعَلَى ذلك أَهْلُ الْعِلْمِ وَبِهِ عَمِلَتْ الْأَئِمَّةُ قال أبو يُوسُفَ لم يَبْلُغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/342)


وَلَا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَرَسَيْنِ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وكان الْوَاحِدُ عِنْدَنَا شَاذًّا لَا نَأْخُذُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِذَلِكَ عَمِلَتْ الْأَئِمَّةُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَهَذَا مثل قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَلَيْسَ يَقْبَلُ هذا وَلَا يَحْمِلُ هذا الْجُهَّالُ فَمَنْ الْإِمَامُ الذي عَمِلَ بهذا وَالْعَالِمُ الذي أَخَذَ بِهِ حتى نَنْظُرَ أَهُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يُحْمَلَ عنه مَأْمُونٌ هو على الْعِلْمِ أو لَا وَكَيْفَ يُقَسَّمُ لِلْفَرَسَيْنِ وَلَا يُقَسَّمُ لِثَلَاثَةٍ من قِبَلِ مَاذَا وَكَيْفَ يُقَسَّمُ لِلْفَرَسِ الْمَرْبُوطِ في مَنْزِلِهِ لم يُقَاتِلْ عليه وَإِنَّمَا قَاتَلَ على غَيْرِهِ فَتَفَهَّمْ في الذي ذَكَرْنَا وَفِيمَا قال الْأَوْزَاعِيُّ وَتَدَبَّرْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْفَظُ عَمَّنْ لَقِيت مِمَّنْ سَمِعْت منه من أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُسْهِمُونَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا آخُذُ أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن يحيى بن عَبَّادٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كان يَضْرِبُ في الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ له وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمٍ في ذوى الْقُرْبَى سَهْمِ أُمِّهِ صَفِيَّةَ يَعْنِي يوم خَيْبَرَ وكان سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ يَهَابُ أَنْ يَذْكُرَ يحيى بن عَبَّادٍ وَالْحُفَّاظُ يَرْوُونَهُ عن يحيى بن عَبَّادٍ وَرَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ له وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ فَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى قَبُولِ هذا عن مَكْحُولٍ مُنْقَطِعًا وَهِشَامُ بن عُرْوَةَ أَحْرَصُ لو أُسْهِمَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ لِفَرَسَيْنِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فَأَشْبَهُ إذَا خَالَفَهُ مَكْحُولٌ أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ في حديث أبيه منه بِحِرْصِهِ على زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان حَدِيثُهُ مَقْطُوعًا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فَهُوَ كَحَدِيثِ مَكْحُولٍ وَلَكِنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَهْلِ الْمَغَازِي فَقُلْنَا إنَّهُمْ لم يَرْوُوا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ ولم يَخْتَلِفُوا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَضَرَ خَيْبَرَ بِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ لِنَفْسِهِ السَّكْبِ وَالظَّرِبِ وَالْمُرْتَجِزِ ولم يَأْخُذْ منها إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُسْهَمُ لِصَبِيٍّ في الْغَنِيمَةِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لهم وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ بِخَيْبَرَ لِصَبِيٍّ في الْغَنِيمَةِ وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ في أَرْضِ الْحَرْبِ وقال أبو يُوسُفَ ما سَمِعْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لِصَبِيٍّ وَإِنَّ هذا لَغَيْرِ مَعْرُوفٍ عن أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كان هذا في شَيْءٍ من الْمَغَازِي ما خفى عَلَيْنَا محمد بن إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلُ بن أُمَيَّةَ عن رَجُلٍ أَنَّ بن عَبَّاسٍ كَتَبَ إلي نَجْدَةَ في جَوَابِ كِتَابِهِ كَتَبْت تَسْأَلُنِي عن الصَّبِيِّ مَتَى يَخْرُجُ من الْيُتْمِ وَمَتَى يُضْرَبُ له بِسَهْمٍ فإنه يَخْرُجُ من الْيُتْمِ إذَا احْتَلَمَ وَيُضْرَبُ له بِسَهْمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُدِّثْنَا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أو عُبَيْدِ اللَّهِ شَكَّ أبو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال عُرِضْت على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ فلم يُجِزْنِي وَعُرِضْت عليه يوم الْخَنْدَقِ وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي قال نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِذَلِكَ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ في الْمُقَاتِلَةِ فَلَوْ كان هذا كما قال الْأَوْزَاعِيُّ لأجازه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ وما أَحَدٌ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وُلِدَ له وَلَدٌ في سَفَرٍ من أَسْفَارِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا محمد بن أبي بَكْرٍ فإن أَسْمَاءَ وَلَدَتْهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ من هذه الْأَحَادِيثِ وَالْفُتْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ غَزْوَهُمْ وَمُقَامَهُمْ فيه كان أَقَلَّ مُدَّةٍ من أَنْ يَتَفَرَّغُوا لِلنِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ في هذا مِثْلُ الْحُجَّةِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلُ في النِّسَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ يُرْضَخُ لِلْغِلْمَانِ وَلَا يُسْهَمُ لهم وَلَا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ وَيُرْضَخُ قال أبو حَنِيفَةَ في رَجُلٍ من الْمُشْرِكِينَ يُسْلِمُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ له بِسَهْمٍ إلَّا أَنْ يَلْقَى الْمُسْلِمُونَ قِتَالًا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ وقال الْأَوْزَاعِيُّ من أَسْلَمَ في دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَ إلي اللَّهِ وَإِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ قبل أَنْ يَقْتَسِمُوا غَنَائِمَهُمْ فَحَقَّ على الْمُسْلِمِينَ إسْهَامُهُ وقال أبو يُوسُفَ فَكِّرْ في قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَفْتَى في جَيْشٍ من الْمُسْلِمِينَ دخل في دَارِ الْحَرْبِ مَدَدًا لِلْجَيْشِ الذي فيها أَنَّهُمْ لَا يُشْرَكُونَ في الْمَغَانِمِ وقال في هذا أَشْرِكْهُ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بعد ما غَنِمُوا وَالْجَيْشُ الْمُسْلِمُونَ الْمَدَدُ الَّذِينَ شَدَّدُوا ظُهُورَهُمْ وَقَوَّوْا من ضَعْفِهِمْ وَكَانُوا رِدْءًا لهم وَعَوْنًا لَا يُشْرِكُونَهُمْ وَيُشْرِكُ الذي
____________________

(7/343)


قَاتَلَهُمْ وَدَفَعَهُمْ عن الْغَنِيمَةِ بِجَهْدِهِ وَقُوَّتِهِ حتى أَعَانَ اللَّهُ عليه فلما رَأَى ذلك أَسْلَمَ فَأَخَذَ نَصِيبَهُ سُبْحَانَ اللَّهِ ما أَشَدَّ هذا الْحُكْمَ وَالْقَوْلَ وما نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَحَدًا من السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِمِثْلِ هذا وَبَلَغَنَا أَنَّ رَهْطًا أَسْلَمُوا من بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ولم يَبْلُغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ منهم في الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْلُومٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْغَزَوَاتِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أخبرنا الثِّقَةُ من أَصْحَابِنَا عن يحيى بن سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عن شُعْبَةَ بن الْحَجَّاجِ عن قَيْسِ بن مُسْلِمٍ عن طَارِقِ بن شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه شَيْءٌ يَثْبُتُ ما روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَحْضُرُنِي حفظة فَمَنْ شَهِدَ قِتَالًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَخَرَجَ من دَارِ الْحَرْبِ أو كان مع الْمُسْلِمِينَ مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ أو عَبْدًا فَأُعْتِقَ وَجَاءَ من حَيْثُ جاء شَرِكَ في الْغَنِيمَةِ وَمَنْ لم يَأْتِ حتى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِنْ لم تُحْرَزْ الْغَنَائِمُ لم يَشْرَكْ في شَيْءٍ من الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا كانت لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَشْرَكَ في الْغَنِيمَةِ من لم يَحْضُرْ الْقِتَالَ وَيَكُونُ رِدْءًا لِأَهْلِ الْقِتَالِ غَازِيًا مَعَهُمْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِمَنْ قَارَبَ بِلَادَ الْعَدُوِّ من الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مَجْمُوعُونَ على الْغَوْثِ لِمَنْ دخل بِلَادَ الْحَرْبِ من الْمُسْلِمِينَ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في التَّاجِرِ يَكُونُ في أَرْضِ الْحَرْبِ وهو مُسْلِمٌ وَيَكُونُ فيها الرَّجُلُ من أَهْلِ الْحَرْبِ قد أَسْلَمَ فَيَلْحَقَانِ جميعا بِالْمُسْلِمِينَ بعد ما يُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمَا إذْ لم يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالًا بَعْدَ لِحَاقِهِمَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهُمَا وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَيْفَ يُسْهَمُ لِهَذَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِلْجُنْدِ الَّذِينَ هُمْ رِدْءٌ لهم وَمَعُونَةٌ ما أَشَدَّ اخْتِلَافَ هذا الْقَوْلِ وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لم يَبْلُغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن أَحَدٍ من السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسُوا عِنْدَنَا مِمَّنْ يُسْهَمُ لهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في التَّاجِرِ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ في بِلَادِ الْحَرْبِ يَلْتَقِيَانِ بِالْمُسْلِمِينَ لَا يُسْهَمُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَلْقَيَا مع الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا فَيَشْتَرِكَانِ فِيمَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِنَا الْأَوَّلِ وكان يَنْبَغِي لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا قال هذا أَنْ يَقُولَهُ في الْمَدَدِ فَقَدْ قال في الْمَدَدِ خِلَافَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْمَدَدَ يُشْرِكُونَ الْجَيْشَ ما لم يَخْرُجْ بِالْغَنِيمَةِ من بِلَادِ الْحَرْبِ فَإِنْ قال على أُولَئِكَ عَنَاءٌ لم يَكُنْ على هَذَيْنِ فَقَدْ يَنْبَعِثُونَ من أَقْصَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِسَاعَةٍ وَلَا يَجْعَلُ لهم شيئا فَلَوْ جَعَلَ لهم ذلك بِالْعَنَاءِ جَعَلَهُ ما لم تُقْسَمْ الْغَنِيمَةُ وَلَوْ جَعَلَهُ بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ كما جَعَلَهُ في الْأَوَّلِينَ لم يَجْعَلْهُ إلَّا بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ فَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ قال أبو حَنِيفَةَ في الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَيَأْخُذُ سَلَبَهُ لَا يَنْبَغِي للامام أَنْ يُنَفِّلَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ صَارَ من الْغَنِيمَةِ قال الْأَوْزَاعِيُّ مَضَتْ السُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ عِلْجًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَعَمِلَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ إلَى الْيَوْمِ وقال أبو يُوسُفَ حدثنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال إذَا نَفَلَ الْإِمَامُ أَصْحَابَهُ فقال من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ جَائِزٌ وَهَذَا النَّفَلُ وَأَمَّا إنْ لم يُنَفِّلْ الْإِمَامُ شيئا من هذا فَلَا يُنَفَّلُ أَحَدٌ دُونَ أَحَدٍ وَالْغَنِيمَةُ كُلُّهَا بين جَمِيعِ الْجُنْدِ على ما وَقَعَتْ عليه الْمَقَاسِمُ وَهَذَا أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ من أَنْ يَشُكَّ فيه أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْقَوْلُ فيها ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وَأَقُولُ قَوْلَهُ أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرِو بن كَثِيرِ بن أَفْلَحَ عن أبي مُحَمَّدٍ مولى أبي قَتَادَةَ عن أبي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يوم حُنَيْنٍ من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا مُخَالِفَ له عَلِمْته عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ لِأَنَّهُ وَجَدَ سَلَبَ قَتِيلٍ أبي قَتَادَةَ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَخْرَجَهُ من يَدَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ على خِلَافِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الحديث يَدُلُّ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَقُلْ هذا قبل الْحَرْبِ إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَالسَّلَبُ لِمَنْ قَتَلَ مُقْبِلًا في الْحَرْبِ مُبَارِزًا أو غير
____________________

(7/344)


مُبَارِزٍ قَالَهُ الْإِمَامُ أو لم يَقُلْهُ وَهَذَا حُكْمٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحُكْمُ من سَنَّهُ بَعْدَهُ قد قَالَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم بِئْرِ مَعُونَةَ وقد قَالَهُ من بَعْدَهُ من الْأَئِمَّةِ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الْأَسْوَدِ بن قَيْسٍ عن رَجُلٍ من قَوْمِهِ يُسَمَّى بِشْرَ بن عَلْقَمَةَ قال بَادَرْت رَجُلًا يوم الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يَأْخُذُ الْعَلَفَ فَيَفْضُلُ معه شَيْءٌ بعد ما يَخْرُجُ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كانت الْغَنِيمَةُ لم تُقَسَّمْ أَعَادَهُ فيها وَإِنْ كانت قد قُسِّمَتْ بَاعَهُ فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ كان الْمُسْلِمُونَ يَخْرُجُونَ من أَرْضِ الْحَرْبِ بِفَضْلِ الْعَلَفِ وَالطَّعَامِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَقْدَمُونَ بِهِ على أَهْلِيهِمْ وَبِالْقَدِيدِ ويهدى بَعْضٌ إلَى بَعْضٍ لَا يُنْكِرُهُ إمَامٌ وَلَا يَعِيبُهُ عَالِمٌ وَإِنْ كان أَحَدٌ منهم بَاعَ شيئا منه قبل أَنْ تُقَسَّمَ الْغَنَائِمَ أَلْقَى ثَمَنَهُ في الْغَنِيمَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عن ذلك الْجَيْشِ وقال أبو يُوسُفَ أَبَا عَمْرٍو ما أَشَدَّ اخْتِلَافَ قَوْلِك تُشَدِّدُ فِيمَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ في دَارِ الْحَرْبِ من السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ إذَا كان من الْغَنِيمَةِ وَتَنْهَى عن السِّلَاحِ إلَّا في مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَتُرَخِّصُ في أَنْ يَخْرُجَ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ من الْغَنِيمَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُهْدِيهِ إلَى صَاحِبِهِ هذا مُخْتَلِفٌ فَكَيْفَ ضَاقَ الْأَوَّلُ مع حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ وَاتَّسَعَ هذا لهم وَهُمْ في بُيُوتِهِمْ وَالْقَلِيلُ من هذا وَالْكَثِيرُ مَكْرُوهٌ يُنْهَى عنه أَشَدَّ النَّهْيِ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحِلُّ لي من فَيْئِكُمْ وَلَا هذه وَأَخَذَ وَبَرَةً من سَنَامِ بَعِيرٍ إلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فإن الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ على أَهْلِهِ يوم الْقِيَامَةِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ بِكُبَّةٍ من شَعَرٍ فقال هَبْ هذا إلى أَخِيطُ بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لي أَدْبَرَ فقال أَمَّا نَصِيبِي منه فَهُوَ لَك فقال إذَا بَلَغْت هذا فَلَا حَاجَةَ لي فيها وقد بَلَغَنَا نَحْوٌ من هذا من الْآثَارِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْفُوظَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَكَيْفَ يُرَخِّصُ أبو عَمْرٍو في الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ يُنْتَفَعُ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا قَوْلُ أبي يُوسُفَ يُضَيِّقُ أبو عَمْرٍو في السِّلَاحِ وَيُوَسِّعُ في الطَّعَامِ فإن أَبَا عَمْرٍو لم يَأْخُذْ الْفَرْقَ بين السِّلَاحِ وَالطَّعَامِ من رَأْيِهِ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّمَا أَخَذَهُ من السُّنَّةِ وما لَا اخْتِلَافَ فيه من جَوَازِ الطَّعَامِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ أَنْ يَأْكُلَهُ غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ قَدَرَ على سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ غِنًى عنه أَنْ يَرْكَبَ وَلَا يَتَسَلَّحَ السِّلَاحَ وَبِكُلِّ هَذَيْنِ مَضَتْ السُّنَّةُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فإن الذي قال الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِفَضْلِ الطَّعَامِ لِلْقِيَاسِ إذَا كان يَأْخُذُ الطَّعَامَ في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ له دُونَ غَيْرِهِ من الْجَيْشِ فَفَضَلَ منه شَيْءٌ إنَّمَا فَضَلَ من شَيْءٍ قد كان له دُونَ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ لم يَجُزْ له أَنْ يَحْبِسَ ذلك بَعْدَ خُرُوجِهِ من بِلَادِ الْعَدُوِّ لم يُخْرِجْهُ منه إلَّا أَدَاؤُهُ إلَى الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُ لِلْجَيْشِ كُلِّهِمْ وَلِأَهْلِ الْخُمُسِ لَا يُخْرِجُهُ منه التَّصَدُّقُ بِهِ لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ قال لَا أَجِدُ أَهْلَ الْجَيْشِ وَوَجَدَ أَمِيرَ الْجَيْشِ أو الْخَلِيفَةَ أَدَّاهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يَقَعُ على الْجَارِيَةِ من الْغَنِيمَةِ أَنَّهُ يُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَيُؤْخَذُ منه الْعُقْرُ وَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا من الْغَنِيمَةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ وكان من سَلَفَ من عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ عليه أَدْنَى الْحَدَّيْنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَمَهْرُ قِيمَةٍ عَدْلٍ وَيُلْحِقُونَهَا وَوَلَدَهَا بِهِ لِمَكَانِهِ الذي له فيها من الشِّرْكِ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان له فيها نَصِيبٌ على ما قال الْأَوْزَاعِيُّ فَلَا حَدَّ عليه وَفِيهَا الْعُقْرُ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ في جَارِيَةٍ بين اثْنَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قال لَا حَدَّ عليه وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال ادْرَءُوا الْحُدُودَ عن الْمُسْلِمِينَ ما اسْتَطَعْتُمْ فإن الْإِمَامَ أن يُخْطِئْ في الْعَفْوِ خَيْرٌ من أَنْ يُخْطِئَ في الْعُقُوبَةِ فإذا وَجَدْتُمْ لِمُسْلِمٍ مَخْرَجًا فَادْرَءُوا عنه الْحَدَّ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنَا نحوا ( ( ( نحو ) ) ) من ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ كان هذا الرَّجُلُ زَانِيًا فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ إنْ كان مُحْصَنًا وَالْجَلْدُ إنْ كان غير مُحْصَنٍ وَلَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ لِمَا جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَالْعَاهِرُ
____________________

(7/345)


الزَّانِي وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الزَّانِي أَبَدًا وَلَا يَكُونُ عليه الْمَهْرُ وهو زَانٍ أَرَأَيْت رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ وَشَهِدَتْ عليه الشُّهُودُ بِذَلِكَ وَأَمْضَى عليه الْإِمَامُ الْحَدَّ أَيَكُونُ عليه مَهْرٌ وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ منه وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَجَمَ غير وَاحِدٍ وَعَنْ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَالسَّلَفِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُودَ على الزُّنَاةِ ولم يَبْلُغْنَا عن أَحَدٍ منهم أَنَّهُ قَضَى مع ذلك بِمَهْرٍ وَلَا أَثْبَتَ منه نَسَبَ الْوَلَدِ حدثنا أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالصَّدَاقُ الصَّدَاقُ دَرْءُ الْحَدِّ وَبَلَغَنَا عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في غَيْرِ حَدِيثٍ في الْمَرْأَةِ يُؤْتَى بها وقد فَجَرَتْ فَتَقُولُ جُعْت فَأَعْطَانِي وَتَقُولُ الْأُخْرَى عَطِشْت فَسَقَانِي كُلُّ وَاحِدَةٍ منها تَقُولُ هذا وَإِنْ كان هذا الذي وطىء الْجَارِيَةَ له نَصِيبٌ فيها فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُدْرَأَ عنه الْحَدُّ أَرَأَيْت الذي وطىء الْجَارِيَةَ له فيها نَصِيبٌ لو أَعْتَقَ جَمِيعَ السَّبْيِ أَكَانَ يَجُوزُ عِتْقُهُ فِيهِمْ وَلَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ عليهم سَبِيلٌ فَإِنْ كان عِتْقُهُ يَجُوزُ في جَمَاعَتِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ حَيْثُ جَعَلَ غَنِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ مَوْلًى لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما عَلِمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ احْتَجَّ بِحَرْفٍ من هذا إلَّا عليه زَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَقَعَ بِالْجَارِيَةِ من السَّبْيِ لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ نَسَبٌ وَلَا يُؤْخَذُ منه مَهْرٌ لِأَنَّهُ زِنًا وَيُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ بن عُمَرَ قال في رَجُلٍ وَقَعَ على جَارِيَةٍ له فيها نَصِيبٌ يُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَاقِعَ على الْجَارِيَةِ له فيها شِرْكٌ فإن بن عُمَرَ قال في الرَّجُلِ يَقَعُ على الْجَارِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرِ عليه الْعُقْرُ وَيُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَنَحْنُ وهو نُلْحِقُ الْوَلَدَ بِهِ فَلَوْ قَاسَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَاقِعَ على الْجَارِيَةِ من الْجَيْشِ على الْوَاقِعِ على الْجَارِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَحِقَ النَّسَبَ وَجَعَلَ عليه الْمَهْرَ وَدَرَأَ عنه الْحَدَّ وَإِنْ جَعَلَهُ زَانِيًا كما قال لَزِمَهُ أَنْ يَحُدَّهُ إنْ كان ثَيِّبًا حَدَّ الزنى بِالرَّجْمِ وَحَدَّهُ حَدَّ الْبِكْرِ إنْ كان بِكْرًا فَجَعَلَهُ زَانِيًا غير زَانٍ وَقِيَاسًا على شَيْءٍ وَخَالَفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ما قَاسَهَا عليه وَالْأَوْزَاعِيُّ ذَهَبَ في أَدْنَى الْحَدَّيْنِ إلَى شَيْءٍ روى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في مَوْلَاةٍ لِحَاطِبٍ زَنَتْ فَاسْتَهَلَّتْ بالزنى فرأي أنها تَجْهَلُهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ فَضَرَبَهَا مِائَةً وَهِيَ ثَيِّبٌ وما احْتَجَّ بِهِ من أَنَّ الرَّجُلَ من الْجَيْشِ لو أَعْتَقَ لم يَجُزْ عِتْقُهُ حُجَّةٌ عليه وهو أَيْضًا لَا يقول في عِتْقِ الرَّجُلِ من الْجَيْشِ قَوْلًا مُسْتَقِيمًا فَزَعَمَ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا أَحْرَزُوا الْغَنِيمَةَ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ من الْجَيْشِ لم يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنْ كان له فِيهِمْ شِرْكٌ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ وَيَقُولُ فَإِنْ قُسِّمُوا بين أَهْلِ كل رَايَةٍ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ من أَهْلِ الرَّايَةِ جَازَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَجَعَلَهُ مَرَّةً شَرِيكًا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَأُخْرَى شَرِيكًا لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ - * في المرأة تسبي ثم يسبى زوجها - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ تَعَالَى في الْمَرْأَةِ إذَا سُبِيَتْ ثُمَّ سبى زَوْجُهَا بَعْدَهَا بِيَوْمٍ وَهُمَا في دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمَا على النِّكَاحِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ ما كَانَا في الْمَقَاسِمِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ فَشَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ أو زَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ بعد ما يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ على ذلك مَضَى الْمُسْلِمُونَ وَنَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وقال أبو يُوسُفَ إنَّمَا بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا وَأَزْوَاجُهُمْ في دَارِ الْحَرْبِ وأحرزوهم دُونَ أَزْوَاجِهِمْ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى من الْفَيْءِ حتى يَضَعْنَ وغير الحبالى ( ( ( الحيالى ) ) ) حتى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ سُبِيَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا وَصَارَا مَمْلُوكَيْنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَكَيْفَ يَجْمَعُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ في قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ على ذلك النِّكَاحِ فَهُوَ إذَا كان صَحِيحًا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَحَدًا غَيْرَهُ وَلَا يطأها ( ( ( يطؤها ) ) ) هو وَإِنْ كان النِّكَاحُ قد انْتَقَضَ فَلَيْسَ يَسْتَطِيعُ
____________________

(7/346)


أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سبي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبْيَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَسَرَ من رِجَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَقَسَّمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ حتى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حتى تَحِيضَ ولم يَسْأَلْ عن ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا هل سُبِيَ زَوْجٌ مع امْرَأَتِهِ وَلَا غَيْرُهُ وقال وإذا استؤمين ( ( ( استؤمن ) ) ) بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَاسْتُبْرِئَتْ أَرْحَامُهُنَّ بِحَيْضَةٍ فَفِي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ في تَصْيِيرَهُنَّ إماءا ( ( ( إماء ) ) ) بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قطعا ( ( ( قطع ) ) ) لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَلَيْسَ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكْثَرَ من استيمائهن ( ( ( استئمانهن ) ) ) بَعْدَ حُرِّيَّتِهِنَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأبو يُوسُفَ قد خَالَفَ الْخَبَرَ وَالْمَعْقُولَ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ بَلْ أنتظر بِاَلَّتِي سُبِيَتْ أَنْ يَخْلُوَ رَحِمُهَا فَإِنْ جاء زَوْجُهَا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَتْ ولم يُسْبَ مَعَهَا كَانَا على النِّكَاحِ وَإِلَّا حَلَّتْ وَلَا أَنْتَظِرُ بِاَلَّتِي سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ ثُمَّ أُصِيبُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا قد أُرِقَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَحَالُ حُكْمِهِ كما حَالُ حُكْمِهَا أَمَا كان أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لو جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا من أبي يُوسُفَ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ سبى أَحَدُهُمَا فَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أُخْرِجَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ إنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا في الْعِدَّةِ وقد اسْتَرَدَّهَا زَوْجُهَا وَهِيَ في عِدَّتِهَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فإنه كان قد قَدِمَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمُهَاجِرِينَ نِسْوَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهُنَّ ازواجهن قبل أَنْ تَمْضِيَ الْعِدَّةُ فَرَدَّهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَيْهِمْ قال أبو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هذا يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوَّلِ زَعَمَ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ وَطِئَهَا وَهِيَ في دَارِ الْحَرْبِ بَعْدُ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ على زَوْجِهَا وروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ ذلك فَكَيْفَ اسْتَحَلَّ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا وَقَعَ السِّبَاءُ وَأُخْرِجَ بِهِنَّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الناس في السَّبَايَا أَنْ لَا تُوطَأَ الْحَبَالَى حتى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حتى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كان عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ كان أَزْوَاجُهُنَّ أَحَقَّ بِهِنَّ فيها إنْ جاؤوا ولم يَأْمُرْ بِوَطْئِهِنَّ في عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ أَكْثَرُ من ذلك وَلَكِنْ ليس عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ وَلَا حَقَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ فِيهِنَّ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَبْرِئُونَهُنَّ كما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ ليس ( ( ( وليس ) ) ) فيه اخْتِلَافٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ في جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَأْبَقُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ في الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أو قَبْلَهَا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ أَسَرُوهُ فَأَصَابَهُ سَيِّدُهُ قبل الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كان أَبَقَ منهم وهو مُسْلِمٌ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ رَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ أبي قُتِلَ وَإِنْ أَبَقَ وهو كَافِرٌ خَرَجَ من سَيِّدِهِ ما كان يَمْلِكُهُ وَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَوْ كان أُخِذَ أَسِيرًا لم يَحِلَّ قَتْلُهُ وَرُدَّ على صَاحِبِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وقال أبو يُوسُفَ لم يَرْجِعْ هذا الْعَبْدُ عن الْإِسْلَامِ في شَيْءٍ من الْوُجُوهِ ولم تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ على ذلك وَإِنَّمَا كان وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَحُوزَ الْمُشْرِكُونَ الْعَبْدَ إلَيْهِمْ كما يَحُوزُونَ الْعَبْدَ الذي اشْتَرَوْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ في الصَّلْبِ فلم تَمْضِ بهذا سُنَّةٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ فِيمَا نَعْلَمُ ولم يَبْلُغْنَا ذلك في مِثْلِ هذا وَإِنَّمَا الصَّلْبُ في قَطْعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قال حدثنا الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ عن مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في عَبْدٍ وَبَعِيرٍ أَحْرَزَهُمَا الْعَدُوُّ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِصَاحِبِهِمَا إنْ أَصَبْتهمَا قبل الْقِسْمَةِ فَهُمَا لَك قال عُبَيْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ في عَبْدٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ على صَاحِبِهِ قال وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَعْقِدُ عليهم أَوَّلُهُمْ وَيَرُدُّ عليهم لقطاءهم ( ( ( لقطاؤهم ) ) )
____________________

(7/347)


قال أبو يُوسُفَ فَهَذَا عِنْدَنَا على الْعَبْدِ الْآبِقِ وَشِبْهِهِ وَقَوْلُهُ وَيَرُدُّ مُتَسَرِّيهِمْ على قَاعِدِهِمْ فَهَذَا عِنْدَنَا في الْجَيْشِ إذَا غَنِمَتْ السَّرِيَّةُ رَدَّ الْجَيْشُ على الْفُقَرَاءِ الْقُعَّدِ فِيهِمْ بهذا الحديث وقال أبو يُوسُفَ الذي يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ وقد أَحْرَزُوهُ وَمَلَكُوهُ فإذا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَالْقَوْلُ فيه ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا أَبَقَ إلَيْهِمْ فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ لو حَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ على الْإِسْلَامِ لم يَلْحَقُوا بِالْعَدُوِّ فَقَاتَلُوا وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عليهم فَأَخَذُوهُمْ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى مَوَالِيهِمْ فَأَمَّا الصَّلْبُ فَلَيْسَ يَدْخُلُ فِيمَا ها هنا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَّقَ أبو حَنِيفَةَ بين الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ وَالْعَبْدِ يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا لِسَيِّدِهِمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا وَحَالُهُمْ قَبْلُ يُقَسَّمَانِ وَحَالُهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ وَإِنْ كان لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا قبل الْقَسْمِ أَخَذَهُمَا بَعْدَهُ وقد قال هذا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ لم يَكُنْ له أَخْذُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِثَمَنٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرَ إلَّا بِثَمَنٍ قال أبو حَنِيفَةَ إذَا كان السَّبْيُ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَاعُوا من أَهْلِ الْحَرْبِ فَيَتَقَوَّوْا قال الْأَوْزَاعِيُّ كان الْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ بِبَيْعِ السَّبَايَا بَأْسًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ بَيْعَ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وقال أبو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ منهم رَجُلٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ لِأَنَّهُمْ قد خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو مَاتَ من الصِّبْيَانِ صبى ليس معه أَبَوَاهُ وَلَا أَحَدُهُمَا صَلَّيْت عليه لِأَنَّهُ في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وفي دَارِهِمْ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَقَدْ صَارُوا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَرَأَيْت تَاجِرًا مُسْلِمًا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِرَقِيقٍ لِلْمُسْلِمِينَ كُفَّارٍ أو رَقِيقٍ من رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ رِجَالًا وَنِسَاءً أَكُنْت تَدَعُهُ وَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ هذا مِمَّا يَتَكَثَّرُونَ وَتَعْمُرُ بِلَادُهُمْ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أَتْرُكُ تَاجِرًا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ بِشَيْءٍ من السِّلَاحِ وَالْحَدِيدِ وَشَيْءٍ من الْكُرَاعِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ في الْقِتَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قد صَارُوا مع الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ في مُلْكِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَنُوا وَلَا يُصْنَعُ بِهِمْ ما يُقَرِّبُ إلَى الْفِتْنَةِ وَأَمَّا مُفَادَاةُ الْمُسْلِمِ بِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا سبي الْمُسْلِمُونَ رِجَالًا وَنِسَاءً وَصِبْيَانُهُمْ مَعَهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا من أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا بَأْسَ في الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ بِأَنْ يَمُنَّ عليهم أو يفادى بِهِمْ وَيُؤْخَذَ منهم على أَنْ يُخْلُوا وَاَلَّذِي قال أبو يُوسُفَ من هذا خِلَافُ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أُسَارَى يَوْمِ بَدْرٍ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ من بَعْضِهِمْ وَمَنَّ على بَعْضٍ ثُمَّ أَسَرَ بَعْدَهُمْ بِدَهْرٍ ثُمَامَةَ بن أُثَالٍ فَمَنَّ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو مُشْرِكٌ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ وَمَنَّ على غَيْرِ وَاحِدٍ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ وَوَهَبَ الزُّبَيْرَ ( 1 ) بن بَاطَا لِثَابِتِ بن قَيْسِ بن شِمَاسٍ لِيَمُنَّ عليه فَسَأَلَ الزُّبَيْرُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَبَعَثَ بِثُلُثٍ إلَى نَجْدٍ وَثُلُثٍ إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثٍ قِبَلَ الشَّامِ فَبِيعُوا في كل مَوْضِعٍ من الْمُشْرِكِينَ وَفَدَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الصِّبْيَانُ إذَا صَارُوا إلَيْنَا ليس مع وَاحِدٍ منهم أَحَدُ وَالِدَيْهِ فَلَا نَبِيعُهُمْ منهم وَلَا يُفَادَى بِهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ ما كَانُوا مَعَهُمْ فإذا تَحَوَّلُوا إلَيْنَا وَلَا وَالِدَ مع أَحَدٍ منهم فإن حُكْمَهُ حُكْمُ مَالِكِهِ وَأَمَّا قَوْلُ أبي يُوسُفَ يَقْوَى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ فَقَدْ يَمُنُّ اللَّهُ عليهم بِالْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ إلَيْهِ فَيَمُنُّ على غَيْرِهِمْ بِهِمْ وَهَذَا مِمَّا يَحِلُّ لنا أَرَأَيْت صِلَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالْمَالِ وَإِطْعَامَهُمْ الطَّعَامَ أَلَيْسَ بِأَقْوَى لهم في كَثِيرٍ من الْحَالَاتِ من بَيْعِ عَبْدٍ أو عَبْدَيْنِ منهم وقد أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أبي بَكْرٍ فقالت إنَّ أُمِّي أَتَتْنِي وَهِيَ رَاغِبَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ أَفَأَصِلُهَا قال نعم وَأَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
____________________

(7/348)


وسلم لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَكَسَا ذَا قَرَابَةٍ له بِمَكَّةَ وقال اللَّهُ عز وجل وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا مع ما وَصَفْت من بَيْعِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمُشْرِكِينَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَمَّا الْكُرَاعُ وَالسِّلَاحُ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ في بَيْعِهِمَا وهو لَا يُجِيزُ أَنْ نَبِيعَهُمَا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى فَأَخْرَجُوهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ رِجَالًا وَنِسَاءً وَصِبْيَانًا وَصَارُوا في الْغَنِيمَةِ فقال رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ أو اثْنَانِ قد كنا أَمَّنَّاهُمْ قبل أَنْ يُؤْخَذُوا أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ على ذلك لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عن فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ وقال الْأَوْزَاعِيُّ هُمْ مُصَدَّقُونَ على ذلك وَأَمَانُهُمْ جَائِزٌ على جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَعْقِدُ على الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ ولم يَقُلْ إنْ جاء على ذلك بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لهم قال أبو يُوسُفَ لِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَعَانٍ وَوُجُوهٌ لَا يُبْصِرُهَا إلَّا من أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عليها وَهَذَا من ذلك إنَّمَا مَعْنَى الحديث عِنْدَنَا يَعْقِدُ على الْمُسْلِمِينَ أَوَّلُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ الْقَوْمُ يَغْزُونَ قَوْمًا فَيَلْتَقُونَ فَيُؤَمِّنُ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ الْمُشْرِكِينَ أو يُصَالِحُهُمْ على أَنْ يَكُونُوا ذِمَّةً فَهَذَا جَائِزٌ على الْمُسْلِمِينَ كما أَمَّنَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا غَنِيمَةً أَحْرَزَهَا الْمُسْلِمُونَ فقال رَجُلٌ منهم قد كُنْت أَمَّنْتهمْ قبل الْغَنِيمَةِ فإنه لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَأَيْت إنْ كان إذَا غَزَا فَاسِقًا غير مَأْمُونٍ على قَوْلِهِ أَرَأَيْت إنْ كانت امْرَأَةً فقالت ذلك تُصَدَّقُ أَرَأَيْت إنْ قال ذلك عَبْدٌ أو ( ( ( أوصى ) ) ) صبي أَرَأَيْت إنْ قال ذلك رَجُلٌ من أَهْلِ الذِّمَّةِ اسْتَعَانَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ في حَرْبِهِمْ له فِيهِمْ أَقْرِبَاءُ أَيُصَدَّقُ أو كان مُسْلِمًا له فِيهِمْ قَرَابَاتٌ أَيُصَدَّقُ فَلَيْسَ يُصَدَّقُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ وَهَلْ جاء الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال يَعْقِدُ لهم أَدْنَاهُمْ في مِثْلِ هذا مُفَسَّرًا هَكَذَا قد جاء الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُخَالِفًا لِهَذَا عن الثِّقَةِ ادَّعَى رَجُلٌ وهو في أُسَارَى بَدْرٍ أَنَّهُ كان مُسْلِمًا فلم يَقْبَلْ ذلك منه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَرَى عليه الْفِدَاءُ وَأُخِذَ ما كان معه في الْغَنِيمَةِ ولم يَحْسُبْ له من الْفِدَاءِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ أَمَّا ما ظَهَرَ من أَمْرِك فَكَانَ عَلَيْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَالُهُمْ قبل أَنْ يَمْلِكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مُخَالَفَةُ حَالِهِمْ بعد ما يَمْلِكُونَهُمْ فإذا قال رَجُلٌ مُسْلِمٌ أو امْرَأَةٌ قد أَمَّنْتهمْ قبل أَنْ يَصِيرُوا في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ تُخْرِجُهُمْ من أَيْدِي مَالِكِيهِمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَكِنْ إنْ قام شَاهِدَانِ فَشَهِدَا أَنَّ رَجُلًا أو امْرَأَةً من الْمُسْلِمِينَ أَمَّنَهُمْ قبل أَنْ يَصِيرُوا أَسْرَى فَهُمْ آمِنُونَ أَحْرَارٌ وإذا أَبْطَلْنَا شَهَادَةَ الذي أَمَّنَهُمْ فَحَقُّهُ منهم بَاطِلٌ لَا يَكُونُ له أَنْ يَمْلِكَهُ وقد زَعَمَ أَنْ لَا مِلْكَ له عليه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * حَالُ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَفِيهِمْ أَطْفَالُهُمْ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَصَرَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوَّهُمْ فَقَامَ الْعَدُوُّ على سُورِهِمْ مَعَهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ يَتَتَرَّسُونَ بِهِمْ قال يَرْمُونَهُمْ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ يَعْمِدُونَ بِذَلِكَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ بِذَلِكَ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ قال الْأَوْزَاعِيُّ يَكُفُّ الْمُسْلِمُونَ عن رَمْيِهِمْ فَإِنْ بَرَزَ أَحَدٌ منهم رَمَوْهُ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ } حتى فَرَغَ من الْآيَةِ فَكَيْفَ يرمى الْمُسْلِمُونَ من لَا يَرَوْنَهُ من الْمُشْرِكِينَ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأَوَّلَ الْأَوْزَاعِيُّ هذه الْآيَةَ في غَيْرٍ وَلَوْ كان يَحْرُمُ رَمْيُ الْمُشْرِكِينَ وَقِتَالُهُمْ إذَا كان مَعَهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ لَحَرُمَ ذلك أَيْضًا منهم إذَا كان مَعَهُمْ أَطْفَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَقَدْ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالصِّبْيَانِ وقد حَاصَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ وَأَهْلَ خَيْبَرَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَأَجْلَبَ الْمُسْلِمُونَ عليهم فِيمَا بَلَغَنَا أَشَدَّ ما قَدَرُوا عليه وَبَلَغَنَا أَنَّهُ نَصَبَ على أَهْلِ الطَّائِفِ الْمَنْجَنِيقَ فَلَوْ كان يَجِبُ على الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عن الْمُشْرِكِينَ إذَا كان في مَيْدَانِهِمْ الْأَطْفَالُ لَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/349)


عن قَتْلِهِمْ لم يُقَاتَلُوا لِأَنَّ مَدَائِنَهُمْ وَحُصُونَهُمْ لَا تَخْلُو من الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي وَالصَّغِيرِ وَالْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ وَهَذَا من أَمْرِ الطَّائِفِ وَغَيْرِهَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسِيرَتِهِ ثُمَّ لم يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حُصُونِ الْأَعَاجِمِ قَبْلَنَا على ذلك لم يَبْلُغْنَا عن أَحَدٍ منهم أَنَّهُ كَفَّ عن حِصْنٍ بِرَمْيٍ وَلَا غَيْرِهِ من الْقُوَّةِ لِمَكَانِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلِمَكَانِ من لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمَنْ ظَهَرَ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا ما اُحْتُجَّ بِهِ من قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ وَمَنْ نهى عن قَتْلِهِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَغَارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارَيْنِ في نَعَمِهِمْ وَسُئِلَ عن أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ من نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فقال هُمْ منهم يعنى صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الدَّارَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا دَارُ شِرْكٍ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الدَّمُ بِالْإِيمَانِ كان الْمُؤْمِنُ في دَارِ حَرْبٍ أو دَارِ إسْلَامٍ وقد جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيه إذَا قُتِلَ الْكَفَّارَةَ وَتُمْنَعُ الدَّارُ من الْغَارَةِ إذَا كانت دَارَ إسْلَامٍ أو دَارَ أَمَانٍ بِعَقْدٍ يَعْقِدُ عَقْدَهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغِيرَ عليها وَلَهُ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ من حَلَّ دَمُهُ بِغَيْرِ غَارَةٍ على الدَّارِ فلما كان الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ نهى عن قَتْلِهِمْ لَا مَمْنُوعِي الدِّمَاءِ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا إسْلَامِ آبَائِهِمْ وَلَا مَمْنُوعِي الدِّمَاءِ بِأَنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا نهى عن قَصْدِ قَتْلِهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ إذَا عُرِفَ مَكَانُهُمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ فَإِغَارَتُهُ وَأَمْرُهُ بِالْغَارَةِ وَمَنْ أَغَارَ لم يَمْتَنِعْ من أَنْ يُصِيبَ وَقَوْلُهُ هُمْ منهم يعنى أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِيهِمْ أَيْ أَنَّهُمْ لم يُحْرِزُوا بِالْإِسْلَامِ وَلَا الدَّارِ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْته أَنَّ من أَصَابَهُمْ في الْغَارَةِ فَلَا كَفَّارَةَ عليه فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَحَرَامُ الدَّمِ حَيْثُ كان وَمَنْ أَصَابَهُ إثم بِإِصَابَتِهِ إنْ عَمَدَهُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ عَرَفَهُ فَعَمَدَ إلَى إصَابَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ إنْ لم يَعْرِفْهُ فَأَصَابَهُ وَسَبَبُ تَحْرِيمِ دَمِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ تَحْرِيمِ دَمِ الْكَافِرِ الصَّغِيرِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُمَا مُنِعَا من الْقَتْلِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَاَلَّذِي نَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُنِعَا له أَنْ يَتَحَوَّلَا فَيَصِيرَا رقيقين ومصيرهما رَقِيقَيْنِ أَنْفَعُ من قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُ لَا نِكَايَةَ لَهُمَا فَيُقْتَلَانِ لِلنِّكَايَةِ فَإِرْقَاقُهُمَا أَمْثَلُ من قَتْلِهِمَا وَاَلَّذِي تَأَوَّلَ الْأَوْزَاعِيُّ يَحْتَمِلُ ما تَأَوَّلَهُ عليه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُ عَنْهُمْ بِمَا سَبَقَ في عِلْمِهِ من أَنَّهُ أَسْلَمَ منهم طَائِفَةٌ طَائِعِينَ وَاَلَّذِي قال الْأَوْزَاعِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا إذَا لم يَكُنْ بِنَا ضَرُورَةٌ إلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ وإذا كنا في سَعَةٍ من أَنْ لَا نُقَاتِلَ أَهْلَ حِصْنٍ غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ كان تَرْكُهُمْ إذَا كان فِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ أَوْسَعَ وَأَقْرَبَ من السَّلَامَةِ من الْمَأْثَمِ في إصَابَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ وَلَكِنْ لو اُضْطُرِرْنَا إلَى أَنْ نَخَافَهُمْ على أَنْفُسِنَا إنْ كَفَفْنَا عن حَرْبِهِمْ قَاتَلْنَاهُمْ ولم نَعْمَدْ قَتْلَ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَصَبْنَاهُ كَفَّرْنَا وما لم تَكُنْ هذه الضَّرُورَةُ فَتَرْكُ قِتَالِهِمْ أَقْرَبُ من السَّلَامَةِ وَأَحَبُّ إلى - * ما جاء في أَمَانِ الْعَبْدِ مع مَوْلَاهُ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْعَبْدُ يُقَاتِلُ مع مَوْلَاهُ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَمَانُهُ جَائِزٌ أَجَازَهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ولم يَنْظُرْ كان يُقَاتِلُ أَمْ لَا وقال أبو يُوسُفَ في الْعَبْدِ الْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ ليس لِعَبْدٍ أَمَانٌ وَلَا شَهَادَةٌ في قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يشترى شيئا وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَكَيْفَ يَكُونُ له أَمَانٌ يَجُوزُ على جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِعْلُهُ لَا يَجُوزُ على نَفْسِهِ أَرَأَيْت لو كان عَبْدًا كَافِرًا وَمَوْلَاهُ مُسْلِمٌ هل يَجُوزُ أَمَانُهُ أَرَأَيْت إنْ كان عَبْدًا لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَأَسْلَمَ ثُمَّ أَمَّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ جميعا هل يَجُوزُ ذلك أَرَأَيْت إنْ كان عَبْدًا مُسْلِمًا وَمَوْلَاهُ ذِمِّيٌّ فَأَمَّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ هل يَجُوزُ أَمَانُهُ ذلك حدثنا عَاصِمُ بن سُلَيْمَانَ عن الْفَضْلِ بن يَزِيدَ قال كنا مُحَاصِرِي حِصْنِ قَوْمٍ فَعَمَدَ عَبْدٌ لِبَعْضِهِمْ فَرَمَى بِسَهْمٍ فيه أَمَانٌ فَأَجَازَ ذلك عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَهَذَا عِنْدَنَا مُقَاتِلٌ على ذلك يَقَعُ الْحَدِيثُ وفي النَّفْسِ من إجازه ( ( ( إجازته ) ) ) أَمَانَهُ إنْ كان
____________________

(7/350)


يُقَاتِلُ ما فيها لَوْلَا هذا الْأَثَرُ ما كان له عِنْدَنَا أَمَانٌ قَاتَلَ أو لم يُقَاتِلْ أَلَا تَرَى الحديث عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وهو عِنْدَنَا في الدِّيَةِ إنَّمَا هُمْ سَوَاءٌ وَدِيَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ دِيَةَ الْحُرِّ وَرُبَّمَا كانت دِيَتُهُ لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا إنَّمَا هو على الْأَحْرَارِ وَلَا تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ مع دِمَاءِ الْأَحْرَارِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَبَوْا سَبْيًا فَأَمَّنَ صَبِيٌّ منهم بعد ما تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ وهو في دَارِ الْحَرْبِ أَهْلَ الشِّرْكِ جَازَ ذلك على الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْتَقِيمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وهو مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَثَرُ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وما قال أبو يُوسُفَ لَا يُثْبِتُ إبْطَالَ أَمَانِ الْعَبْدِ وَلَا إجَازَتِهِ أَرَأَيْت حُجَّتَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُسْلِمُونَ يَدٌ وَاحِدَةٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلَيْسَ الْعَبْدُ من الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ أَدْنَى الْمُؤْمِنِينَ أو رَأَيْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه حين أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ ولم يَسْأَلْ يُقَاتِلُ أو لَا يُقَاتِلُ أَلَيْسَ ذلك دَلِيلًا على أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَهُ على أَنَّهُ من الْمُؤْمِنِينَ أو رَأَيْت حُجَّتَهُ بِأَنَّ دَمَهُ لَا يُكَافِئُ دَمَهُ فَإِنْ كان إنَّمَا عَنَى أَنَّ مَعْنَى الحديث أَنَّ مُكَافَأَةَ الدَّمِ بِالدِّيَةِ فَالْعَبْدُ الذي يُقَاتِلُ هو عِنْدَهُ قد يَبْلُغُ هو بِدِيَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمِ وَيَجْعَلُهُ أَكْثَرَ من دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كان الْأَمَانُ يَجُوزُ على الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ خَارِجًا من الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كان يُجِيزُهُ على الْإِسْلَامِ فَالْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ دَاخِلًا في الْإِسْلَامِ وَإِنْ كان يُجِيزُهُ على الْقِتَالِ فَهُوَ يُجِيزُ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ وَأَمَانُ الرَّجُلِ الْمَرِيضِ وَالْجَبَانِ وهو لَا يُقَاتِلُ وما عَلِمْته بِذَلِكَ يَحْتَجُّ إلَّا لِلْأَوْزَاعِيِّ على نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ حتى سَكَتَ وَإِنْ كان يُجِيزُ الْأَمَانَ على الدِّيَاتِ انْبَغَى أَنْ لَا يُجِيزَ أَمَانَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ دِيَتَهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ يَكُونُ أَكْثَرَ دِيَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا من الْحُرَّةِ أَضْعَافًا فَإِنْ قال هذا لِلْمَرْأَةِ دِيَةٌ فَكَذَلِكَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ دِيَةٌ فَإِنْ أَرَادَ مُسَاوَاتَهُمَا بِثَمَنِ الْحُرِّ فَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ يسوي خَمْسِينَ دِرْهَمًا عِنْدَهُ جَائِزُ الْأَمَانِ وَالْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ ثَمَنَ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً غَيْرُ جَائِزَةٍ وهو أَقْرَبُ من دِيَةِ الْحُرِّ عن الْمَرْأَةِ - * وَطْءُ السَّبَايَا بِالْمِلْكِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْإِمَامُ قد قال من أَصَابَ شيئا فَهُوَ له فَأَصَابَ رَجُلٌ جَارِيَةً لَا يَطَؤُهَا ما كان في دَارِ الْحَرْبِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ له أَنْ يَطَأَهَا وَهَذَا حَلَالٌ من اللَّهِ عز وجل بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَطِئُوا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَصَابُوا من السَّبَايَا في غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قبل أَنْ يَقْفِلُوا وَلَا يَصْلُحُ للامام أَنْ يُنَفِّلَ سَرِيَّةً ما أَصَابَتْ وَلَا يُنَفِّلَ سِوَى ذلك إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كان يُنَفِّلُ في الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ قال أبو يُوسُفَ ما أَعْظَمَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ في قَوْلِهِ هذا حَلَالٌ من اللَّهِ أَدْرَكْت مَشَايِخَنَا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ في الْفُتْيَا أَنْ يَقُولُوا هذا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلَّا ما كان في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بَيِّنًا بِلَا تَفْسِيرٍ حدثنا بن السَّائِبِ عن رَبِيعِ بن خَيْثَمٍ وكان من أَفْضَلِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قال إيَّاكُمْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ هذا أو رَضِيَهُ فَيَقُولَ اللَّهُ له لم أُحِلَّ هذا ولم أَرْضَهُ وَيَقُولَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَيَقُولَ اللَّهُ كَذَبْت لم أُحَرِّمْ هذا ولم أَنَّهُ عنه وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عن أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَفْتَوْا بِشَيْءٍ أو نَهَوْا عنه قالوا هذا مَكْرُوهٌ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا نَقُولُ هذا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ فما أَعْظَمَ هذا قال أبو يُوسُفَ وَأَمَّا ما ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ من الْوَطْءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ خَصْلَةٍ يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ في دَارِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ من السَّبْيِ شيئا قبل أَنْ يُخْرِجُوهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أخبرنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن مَكْحُولٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ نهى أَنْ يُوطَأَ السَّبْيُ
____________________

(7/351)


من الْفَيْءِ في دَارِ الْحَرْبِ أخبرنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَّلَ سَعْدَ بن مُعَاذٍ يوم بَنِي قُرَيْظَةَ سَيْفَ بن أبي الْحَقِيقِ قبل الْقِسْمَةِ وَالْخُمُسِ وقال أبو يُوسُفَ أَرَأَيْت رَجُلًا أَغَارَ وَحْدَهُ فَأَرَقَّ جَارِيَةً أَيُرَخَّصُ له في وَطْئِهَا قبل أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ولم يُحْرِزْهَا فَكَذَلِكَ الْبَابُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا النَّفَلُ الذي ذَكَرَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخُمُسِ فَقَدْ نَقَضَهُ بِمَا رَوَى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يُنَفِّلُ في الْبَدْأَةِ الرُّبْعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ ولم يذكر أَنَّ هذا بَعْدَ الْخُمُسِ وَصَدَقَ وقد بَلَغَنَا هذا وَلَيْسَ فيه الْخُمُسُ فَأَمَّا النَّفَلُ قبل الْخُمُسِ فَقَدْ نَفَّلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَنِيمَةَ بَدْرٍ فِيمَا بَلَغَنَا قبل أَنْ تُخَمَّسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَسَّمَ الْإِمَامُ الْفَيْءَ في دَارِ الْحَرْبِ وَدَفَعَ إلَى رَجُلٍ في سَهْمِهِ جَارِيَةً فَاسْتَبْرَأَهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَبِلَادُ الْحَرْبِ لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ من الْفُرُوجِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وقد غَزَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ بِامْرَأَةٍ أو امْرَأَتَيْنِ من نِسَائِهِ وَالْغَزْوُ بِالنِّسَاءِ أَوَّلًا لو كان فيه مَكْرُوهٌ بِأَنْ يُخَافَ على الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يُؤْتَى بِهِنَّ بِلَادَ الْحَرْبِ فَيُسْبَيْنَ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ من رَجُلٍ أَصَارَ جَارِيَةً في ملكة في بِلَادِ الْحَرْبِ يَغْلِبُونَ عليها فَيُسْتَرَقَّ وَلَدٌ إنْ كان في بَطْنِهَا وَلَيْسَ هذا كما قال أبو يُوسُفَ وهو كما قال الْأَوْزَاعِيُّ قد أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ الْمُسْلِمَاتِ وَمَنْ كان من سِبَائِهِمْ وما نِسَاؤُهُمْ إلَّا كَهُمْ فإذا غَزَوْا أَهْلَ قُوَّةٍ بِجَيْشٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْزُوا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كانت الْغَارَةُ التي إنَّمَا يُغِيرُ فيها الْقَلِيلُ على الْكَثِيرِ فَيَغْنَمُونَ من بِلَادِهِمْ إنَّمَا يَنَالُونَ غِرَّةً وينجون ( ( ( وينحبون ) ) ) رَكْضًا كَرِهْت الْغَزْوَ بِالنِّسَاءِ في هذا الْحَالِ وَأَمَّا ما ذَكَرَ أبو يُوسُفَ من النَّفَلِ فإن الْخُمُسَ في كل ما أَوْجَفَ عليه الْمُسْلِمُونَ من صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ إلَّا السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ في الْإِقْبَالِ الذي جَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ قَتَلَ وَأَمَّا ما ذَكَرَ من أَمْرِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا كانت الْأَنْفَالُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( ( ( وقال ) ) ) اللَّهُ عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } فَرَدَّهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ نَزَلَ عليه مُنْصَرَفَهُ من بَدْرٍ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } فَجَعَلَ اللَّهُ له وَلِمَنْ سمى معه الْخُمُسَ وَجَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ أَوْجَفَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بِالْحُضُورِ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ - * بَيْعُ السَّبْيِ في دَارِ الْحَرْبِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حتى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قال الْأَوْزَاعِيُّ لم يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَايَعُونَ السَّبَايَا في أَرْضِ الْحَرْبِ ولم يَخْتَلِفْ في ذلك اثْنَانِ حتى قُتِلَ الْوَلِيدُ قال أبو يُوسُفَ ليس يُؤْخَذُ في الْحُكْمِ في الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِمِثْلِ هذا أَنْ يَقُولَ لم يَزَلْ الناس على هذا فَأَكْثَرُ ما لم يَزَلْ الناس عليه مِمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي مِمَّا لو فَسَّرْته لَك لَعَرَفْته وَأَبْصَرْته عليه الْعَامَّةُ مِمَّا قد نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا يُؤْخَذُ في هذا بِالسُّنَّةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ السَّلَفِ من أَصْحَابِهِ وَمِنْ قَوْمٍ فُقَهَاءٍ وإذا كان وَطْؤُهَا مَكْرُوهًا فَكَذَلِكَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لم يُحْرِزْهَا بَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَسَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْوَالَ خَيْبَرَ بِخَيْبَرَ وَجَمِيعُ مَالِهَا دَارُ شِرْكٍ وَهُمْ غطفان وَدَفَعَهَا إلَى يَهُودَ وَهُمْ له صُلْحُ مُعَامَلَةٍ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهَا بَعْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْفُسُهُمْ بِهِ وَقَسَّمَ سَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وما حَوْلَهُ دَارُ كُفْرٍ وَوَطِئَ الْمُسْلِمُونَ وَلَسْنَا نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَفَلَ من غَزَاةٍ حتى يُقَسِّمَ السَّبْيَ فإذا قَسَّمَ السَّبْيَ فَلَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وَإِصَابَتِهِ وَالِابْتِيَاعُ أَخَفُّ من الْقَسْمِ وَلَا يَحْرُمُ في بِلَادِ الْحَرْبِ بَيْعُ رَقِيقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرِهِ
____________________

(7/352)


- * الرَّجُلُ يَغْنَمُ وَحْدَهُ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ من الْمَدِينَةِ أو من الْمِصْرِ فَأَغَارَا في أَرْضِ الْحَرْبِ فما أَصَابَا بها فَهُوَ لَهُمَا وَلَا يُخَمَّسُ قال الْأَوْزَاعِيُّ إذَا خَرَجَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُمَا وَحَرَمَهُمَا وَإِنْ شَاءَ خَمَّسَ ما أَصَابَا ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا وقد كان هَرَبَ نَفَرٌ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا أُسَارَى في أَرْضِ الْحَرْبِ بِطَائِفَةٍ من أَمْوَالِهِمْ فَنَفَّلَهُمْ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ ما خَرَجُوا بِهِ بَعْدَ الْخُمُسِ وقال أبو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا ذَكَرَ في أَوَّلِ هذا الْكِتَابِ أَنَّ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِذَلِكَ وهو مع الْجُنْدِ وَالْجَيْشِ إنَّمَا قوى على قَتْلِهِ بِهِمْ وَهَذَا الْوَاحِدُ الذي ليس معه جُنْدٌ وَلَا جَيْشٌ إنَّمَا هو لِصٌّ أَغَارَ يُخَمَّسُ ما أَصَابَ فَالْأَوَّلُ أَحْرَى أَنْ يُخَمَّسَ وَكَيْفَ يُخَمَّسُ فَيْئًا مع هذا ولم يُوجِفْ عليه الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم فما أَوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } وقال { ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ من أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } فَجَعَلَ الْفَيْءَ في هذه الْآيَةِ لِهَؤُلَاءِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ هذا الذي ذَهَبَ وَحْدَهُ حتى أَصَابَ فَهُوَ له ليس معه فيه شَرِيكٌ وَلَا خُمُسٌ وقد خَالَفَ قَوْلَهُ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ هَؤُلَاءِ أَسْرَى أَرَأَيْت قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَأَغَارُوا في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ انْفَلَتُوا من أَيْدِيهِمْ وَخَرَجُوا بِغَنِيمَةٍ فَهَلْ يَسْلَمُ ذلك لهم أَرَأَيْت إنْ خَرَجَ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ يَحْتَطِبُونَ أو يَتَصَيَّدُونَ أو لِعَلَفٍ أو لِحَاجَةٍ فَأَسَرَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ انْفَلَتُوا من أَيْدِيهِمْ بِغَنِيمَةٍ هل تَسْلَمُ لهم وَإِنْ ظَفِرُوا بِتِلْكَ الْغَنِيمَةِ قبل أَنْ يَأْسِرَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ هل تَسْلَمُ لهم فَإِنْ قال بِهِ فَقَدْ نَقَضَ قَوْلَهُ وَإِنْ قال لَا فَقَدْ خَالَفَ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلًا من الْأَنْصَارِ سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بن أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فإذا سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَاحِدَ يَتَسَرَّى وَحْدَهُ وَأَكْثَرَ منه من الْعَدَدِ لِيُصِيبَ من الْعَدُوِّ غِرَّةً بِالْحِيلَةِ أو يَعْطَبَ فَيَعْطَبَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَحُكْمُ اللَّهِ بِأَنَّ ما أَوْجَفَ عليه الْمُسْلِمُونَ فيه الْخُمُسُ وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْمُوجِفِينَ فَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْمُوجِفَيْنِ وَكَثِيرُهُمْ لهم أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ما أَوْجَفُوا عليه وَالسَّلَبُ لِمَنْ قَتَلَ منهم وَالْخُمُسُ بَعْدَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ الْقَلِيلُ إلَى الْكَثِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَسَبِيلُ ما أَوْجَفُوا عليه بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَسَبِيلِ ما أَوْجَفُوا عليه بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ من خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كان في مَعْنَى السَّارِقِ زَعَمْنَا أَنَّ جُيُوشًا لو خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كانت سُرَّاقًا وَأَنَّ أَهْلَ حِصْنٍ من الْمُسْلِمِينَ لو جَاءَهُمْ الْعَدُوُّ فَحَارَبُوهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانُوا سُرَّاقًا وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِسُرَّاقٍ بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ الْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ الْمُؤَدُّونَ ما اُفْتُرِضَ عليهم من النَّفِيرِ وَالْجِهَادِ وَالْمُتَنَاوِلُونَ نَافِلَةَ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ فَأَمَّا ما احْتَجَّ بِهِ من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فما أَوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } وَحُكْمُ اللَّهِ في أَنَّ ما لَا يوجفون عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ سمى معه فَإِنَّمَا أُولَئِكَ قَوْمٌ قَاتَلُوا بِالْمَدِينَةِ بَنِي النَّضِيرِ فَقَاتَلُوهُمْ بين بُيُوتِهِمْ لَا يوجفون بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ولم يُكَلِّفُوا مُؤْنَةً ولم يُفْتَتَحُوا عَنْوَةً وَإِنَّمَا صَالَحُوا وكان الْخُمُسُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ التي تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لو أَوْجَفُوا الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالِصًا يضعها ( ( ( يضمها ) ) ) حَيْثُ يَضَعُ مَالَهُ ثُمَّ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ على أَنَّ ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من ذلك فَهُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُومُ بَعْدَهُ مُقَامَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كانت حُجَّةُ أبي يُوسُفَ في اللَّذَيْنِ دَخَلَا سَارِقَيْنِ أَنَّهُمَا لم يُوجِفَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كان يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يُخَمَّسُ ما أَصَابَا وَتَكُونُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا
____________________

(7/353)


مُوجِفَانِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُوجِفَيْنِ أنبغى أَنْ يَقُولَ هذا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أو الَّذِينَ زَعَمَ أَنَّهُمْ ذُكِرُوا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سُورَةِ الْحَشْرِ فما قال بِمَا تَأَوَّلَ وَلَا بِكِتَابٍ في الْخُمُسِ فإن اللَّهَ عز وجل أَثْبَته في كل غَنِيمَةٍ تَصِيرُ من مُشْرِكٍ أَوْجَفَ عليها أو لم يُوجِفْ - * في الرَّجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ من الْعَسْكَرِ فَيُصِيبَانِ جَارِيَةً فَيَتَبَايَعَانِهَا - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا خَرَجَ رَجُلَانِ مُتَطَوِّعَانِ من عَسْكَرٍ فَأَصَابَا جَارِيَةً وَالْعَسْكَرُ في دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا حِصَّةَ الْآخَرِ منه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي وقال الْأَوْزَاعِيُّ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ فإن وَطْأَهُ إيَّاهَا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ له كان على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعْدَهُ وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ غَدَوْا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَفِيَّةُ إلَى جَانِبِهِ فَقَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ هل في بِنْتِ حُيَيٍّ من بَيْعٍ فقال إنَّهَا قد أَصْبَحَتْ كَنَّتَكُمْ فَاسْتَدَارَ الْمُسْلِمُونَ حتى وَلَّوْا ظُهُورَهُمْ وقال أبو يُوسُفَ إنَّ خَيْبَرَ كانت دَارَ إسْلَامٍ فَظَهَرَ عليها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَرَى عليها حُكْمُهُ وَعَامَلَهُمْ على الْأَمْوَالِ فَلَيْسَ بِشَبِيهِ خَيْبَرَ ما يَذْكُرُ الْأَوْزَاعِيُّ وما يَعْنِي بِهِ وقد نَقَضَ قَوْلُهُ في هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ حَيْثُ زَعَمَ في الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ وَيُؤْخَذُ ما مَعَهُمْ ثُمَّ زَعَمَ ها هنا أَنَّهُ جَائِزٌ في الرَّجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد وَصَفْنَا أَمْرَ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا في الْوَطْءِ في الْمَسَائِلِ قبل هذا وَلَيْسَ هذا كما قَالَا وهو أَنَّ اللَّذَيْنِ أَصَابَا الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ لَهُمَا الْخُمُسُ فيها لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ له في سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ الْحَشْرِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا فَيُقَاسِمُهُمَا الْإِمَامُ بِالْقِيمَةِ وَالْبَيْعِ كما يَفْعَلُ الشُّرَكَاءُ ثُمَّ يَكُونُ وَطْؤُهَا لِمَنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا في بِلَادِ الْحَرْبِ كان أو غَيْرِهَا - * إقَامَةُ الْحُدُودِ في دَارِ الْحَرْبِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا غَزَا الْجُنْدُ أَرْضَ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فإنه لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ في عَسْكَرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامَ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ أو ما أَشْبَهَهُ فَيُقِيمَ الْحُدُودَ في عَسْكَرِهِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ من أُمِّرَ على جَيْشٍ وَإِنْ لم يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرٍ من الْأَمْصَارِ أَقَامَ الْحُدُودَ في عَسْكَرِهِ غير الْقَطْعِ حتى يَقْفُلَ من الدَّرْبِ فإذا قَفَلَ قَطَعَ وقال أبو يُوسُفَ ولم يُقِمْ الْحُدُودَ غير الْقَطْعِ وما لِلْقَطْعِ من بَيْنِ الْحُدُودِ إذَا خَرَجَ من الدَّرْبِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ ليس بِأَمِيرِ مِصْرٍ وَلَا مَدِينَةٍ إنَّمَا كان أَمِيرَ الْجُنْدِ في غَزْوِهِمْ فلما خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ عَنْهُمْ أخبرنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن مَكْحُولٍ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّهُ قال لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ وَالْحُدُودُ في هذا كُلِّهِ سَوَاءٌ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن ثَوْرِ بن يَزِيدَ عن حَكِيمِ بن عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بن سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وإلي عُمَّالِهِ أَنْ لَا يُقِيمُوا حَدًّا على أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في أَرْضِ الْحَرْبِ حتى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ وَكَيْفَ يُقِيمُ أَمِيرُ سَرِيَّةٍ حَدًّا وَلَيْسَ هو بِقَاضٍ وَلَا أَمِيرٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ أَوَرَأَيْت الْقُوَّادَ الَّذِينَ على الْخُيُولِ أو أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ يُقِيمُونَ الْحُدُودَ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ هُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقِيمُ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْحُدُودَ حَيْثُ كان من الْأَرْضِ إذَا ولى ذلك فَإِنْ لم يُوَلَّ فَعَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ على الْحَدِّ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَشْهُودِ عليه إلَى الْإِمَامِ والى ذلك بِبِلَادِ الْحَرْبِ أو بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا فَرْقَ بين دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ على خَلْقِهِ من الْحُدُودِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الزَّانِي الثَّيِّبِ الرَّجْمَ وَحَدَّ اللَّهُ الْقَاذِفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لم يَسْتَثْنِ من كان في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا في بِلَادِ الْكُفْرِ ولم يَضَعْ عن أَهْلِهِ شيئا من فَرَائِضِهِ ولم يُبِحْ لهم شيئا مِمَّا حَرَّمَ عليهم
____________________

(7/354)


بِبِلَادِ الْكُفْرِ ما هو إلَّا ما قُلْنَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وهو مِمَّا يَعْقِلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عليه أَنَّ الْحَلَالَ في دَارِ الْإِسْلَامِ حَلَالٌ في بِلَادِ الْكُفْرِ وَالْحَرَامَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَرَامٌ في بِلَادِ الْكُفْرِ فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ على ما شَاءَ منه وَلَا تَضَعُ عنه بِلَادُ الْكُفْرِ شيئا أو أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْحُدُودَ بِالْأَمْصَارِ وَإِلَى عُمَّالِ الْأَمْصَارِ فَمَنْ أَصَابَ حَدًّا بِبَادِيَةٍ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَالْحَدُّ سَاقِطٌ عنه وَهَذَا مِمَّا لم أَعْلَمْ مُسْلِمًا يَقُولُهُ وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا في الْمِصْرِ وَلَا والى لِلْمِصْرِ يوم يُصِيبُ الْحَدَّ كان لِلْوَالِي الذي يَلِي بعد ما أَصَابَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ عَامِلُ الْجَيْشِ إنْ ولى الْحَدَّ أَقَامَهُ وَإِنْ لم يُوَلَّ الْحَدَّ فَأَوَّلُ من يَلِيهِ يُقِيمُهُ عليه وَكَذَلِكَ هو في الْحُكْمِ وَالْقَطْعِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْقَطْعِ سَوَاءٌ فَأَمَّا قَوْلُهُ يَلْحَقُ بِالْمُشْرِكِينَ فَإِنْ لَحِقَ بِهِمْ فَهُوَ أَشْقَى له وَمَنْ تَرَكَ الْحَدَّ خَوْفَ أَنْ يَلْحَقَ الْمَحْدُودُ بِبِلَادِ الْمُشْرِكِينَ تَرَكَهُ في سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَالِحِهِمْ التي اتَّصَلَتْ بِبِلَادِ الْحَرْبِ مِثْلَ طَرَسُوسَ وَالْحَرْبِ وما أَشْبَهَهُمَا وما روى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه مُنْكَرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وهو يَعِيبُ أَنْ يُحْتَجَّ بِحَدِيثٍ غَيْرِ ثَابِتٍ وَيَقُولُ حدثنا شَيْخٌ وَمَنْ هذا الشَّيْخُ يقول مَكْحُولٌ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ - * ما عَجَزَ الْجَيْشُ عن حَمْلِهِ من الْغَنَائِمِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ من مَتَاعٍ أو غَنَمٍ فَعَجَزُوا عن حَمْلِهِ ذَبَحُوا الْغَنَمَ وَحَرَقُوا الْمَتَاعَ وَحَرَقُوا لُحُومَ الْغَنَمِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ نهى أبو بَكْرٍ أَنْ تُعْقَرَ بَهِيمَةٌ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَأَخَذَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتُهُمْ حتى إنْ كان عُلَمَاؤُهُمْ لَيَكْرَهُونَ لِلرَّجُلِ ذَبْحَ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ لِيَأْكُلَ طَائِفَةً منها وَيَدَعَ سَائِرَهَا وَبَلَغَنَا أَنَّهُ من قَتَلَ نَحْلًا ذَهَبَ رُبُعُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَقَرَ جَوَادًا ذَهَبَ رُبُعُ أَجْرِهِ وقال أبو يُوسُفَ قَوْلُ اللَّهِ في كِتَابِهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ قال اللَّهُ { ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } وَاللِّينَةُ فِيمَا بَلَغَنَا النَّخْلَةُ وَكُلُّ ما قُطِعَ من شَجَرِهِمْ وَحُرِّقَ من نَخْلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ فَهُوَ من الْعَوْنِ عليهم وَالْقُوَّةِ وقال اللَّهُ عز وجل { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ } وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَرِّقُوا النَّخْلَ وَالشَّجَرَ لِأَنَّ الصَّائِفَةَ كانت تَغْزُو كُلَّ عَامٍ فَيَتَقَوَّوْنَ بِذَلِكَ على عَدُوِّهِمْ وَلَوْ حَرَّقُوا ذلك خَافُوا أَنْ لَا تَحْمِلَهُمْ الْبِلَادُ وَاَلَّذِي في تَخْرِيبِ ذلك من خِزْيِ الْعَدُوِّ وَنِكَايَتِهِمْ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَبْلَغُ ما يَتَقَوَّى بِهِ الْجُنْدُ في الْقِتَالِ حدثنا بَعْضُ مَشَايِخِنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ حين حَاصَرَ الطَّائِفَ أَمَرَ بِكَرْمٍ لِبَنِي الْأَسْوَدِ بن مَسْعُودٍ أَنْ يُقْطَعَ حتى طَلَبَ بَنُو الْأَسْوَدِ إلَى أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَطْلُبُوا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا يَقْلَعَهَا فَكَفَّ عنها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا كُلُّ ما لَا رُوحَ فيه لِلْعَدُوِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُخَرِّبُوهُ بِكُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُعَذَّبًا إنَّمَا الْمُعَذَّبُ ما يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قد قَطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا وَقَطَعَ من أَعْنَابِ الطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لقى فيها حَرْبًا وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ فَإِنْ زَعَمَ أنها قِيَاسٌ على ما لَا رُوحَ فيه فَلْيَقُلْ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَرِّقُوهَا كما لهم أَنْ يُحَرِّقُوا النَّخْلَ وَالْبُيُوتَ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ذَبَحُوا ما يُذْبَحُ منها فإنه إنَّمَا أَحَلَّ ذَبْحَهَا لِلْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن صُهَيْبٍ مولى عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بها قِيلَ وما حَقُّهَا قال أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فيرمى بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَةِ عن أَكْلِهَا فَقَدْ أَحَلَّ إمَاتَةَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتُلَ ما كان فيه ضَرَرٌ لِضَرَرِهِ وما كان فيه الْمَنْفَعَةُ لِلْأَكْلِ منه وَحَرَّمَ أَنْ تُعَذَّبَ التي لَا تَضُرُّ لِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ فإذا ذَبَحْنَا غَنَمَ الْمُشْرِكِينَ في غَيْرِ الْمَوْضِعِ الذي نَصِلُ فيه إلَى أَكْلِ لُحُومِهَا
____________________

(7/355)


فيه فَهُوَ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا فلم نَشُكَّ في أَنْ يَتَقَوَّى بها الْمُشْرِكُونَ حين ذَبَحْنَاهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَطْعًا لِقُوتِهِمْ فَإِنْ قال فَفِي ذَبْحِهَا قَطْعٌ لِلْمَنْفَعَةِ لهم فيها في الْحَيَاةِ قِيلَ قد تَنْقَطِعُ الْمَنْفَعَةُ عَنْهُمْ بِأَبْنَائِهِمْ لو ذَبَحْنَاهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَالرُّهْبَانُ لو ذَبَحْنَاهُمْ فَلَيْسَ كُلُّ ما قَطَعَ الْمَنْفَعَةَ وَبَلَغَ غَيْظَهُمْ حَلَّ لنا فما حَلَّ لنا منه فَعَلْنَاهُ وما حَرُمَ عَلَيْنَا تَرَكْنَاهُ وما شَكَكْنَا فيه أَنَّهُ يَحِلُّ أو يَحْرُمُ تَرَكْنَاهُ وإذا كان يَحِلُّ لنا لو أَطْعَمْنَاهُمْ من طَعَامِنَا فَلَيْسَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا لو تَرَكْنَا أَشْيَاءَ لهم إذَا لم نَقْدِرْ على حَمْلِهَا كما ليس بِمُحَرَّمٍ عَلَيْنَا أَنْ نَتْرُكَ مَسَاكِنَهُمْ أو نَخِيلَهُمْ لَا نُحَرِّقُهَا فإذا كان مُبَاحًا أَنْ نَتْرُكَ هذا لهم وَكُنَّا مَمْنُوعِينَ أَنْ نَقْتُلَ ذَا الرُّوحِ الْمَأْكُولِ إلَّا لِلْمَنْفَعَةِ بِالْأَكْلِ كان الْأَوْلَى بِنَا أَنْ نَتْرُكَهُ إذَا كان ذَبْحُهُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ - * قَطْعُ أَشْجَارِ الْعَدُوِّ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِقَطْعِ شَجَرِ الْمُشْرِكِينَ وَنَخِيلِهِمْ وَتَحْرِيقِ ذلك لِأَنَّ اللَّهُ عز وجل يقول { ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ } وقال الْأَوْزَاعِيُّ أبو بَكْرٍ يَتَأَوَّلُ هذه الْآيَةَ وقد نهى عن ذلك وَعَمِلَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وقال أبو يُوسُفَ أخبرنا الثِّقَةُ من أَصْحَابِنَا عن أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ إذَا غَلَبُوا على دَارٍ من دُورِهِمْ أَحْرَقُوهَا فَكَانَ بَنُو قُرَيْظَةَ يَخْرُجُونَ فَيَنْقُضُونَهَا وَيَأْخُذُونَ حِجَارَتَهَا لِيَرْمُوا بها الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ الْمُسْلِمُونَ نَخْلًا من نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا } قال وَأَخْبَرَنَا محمد بن إِسْحَاقَ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ قال لَمَّا بَعَثَ أبو بَكْرٍ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ إلَى طُلَيْحَةَ وَبَنِي تَمِيمٍ قال أَيَّ وَادٍ أو دَارٍ غَشِيتَهَا فَأَمْسِكْ عنها إنْ سَمِعْتَ أَذَانًا حتى تَسْأَلَهُمْ ما يُرِيدُونَ وما يَنْقِمُونَ وَأَيَّ دَارٍ غَشَيْتَهَا فلم تَسْمَعْ منها أَذَانًا فَشُنَّ عليهم الْغَارَةَ وَاقْتُلْ وَحَرِّقْ وَلَا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نهى عن ذلك بِالشَّامِ إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَظْهَرُونَ عليها وَيَبْقَى ذلك لهم فَنَهَى عنه لِذَلِكَ فِيمَا نَرَى لَا أَنَّ تَخْرِيبَ ذلك وَتَحْرِيقَهُ لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ من مِثْلِ هذا تَوْجِيهٌ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن عُبَادَةَ بن نُسَيٍّ عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ إنَّ الرُّومَ يَأْخُذُونَ ما حَسَرَ من خَيْلِنَا فيستلقحونها وَيُقَاتِلُونَ عليها أَفَنَعْقِرُ ما حَسَرَ من خَيْلِنَا قال لَيْسُوا بِأَهْلٍ أَنْ يَنْقُصُوا مِنْكُمْ إنَّمَا هُمْ غَدًا رِقَّكُمْ وَأَهْلُ ذِمَّتِكُمْ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَشُكُّونَ في الظَّفَرِ عليهم وَأَنَّ الْأَمْرَ في أَيْدِيهِمْ لِمَا رَأَوْا من الْفَتْحِ فَأَمَّا إذَا اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَامْتَنَعُوا فَإِنَّا نَأْمُرُ بِحَسِيرِ الْخَيْلِ أَنْ يُذْبَحَ ثُمَّ يُحَرَّقُ لَحْمُهُ بِالنَّارِ حتى لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا يَتَقَوَّوْنَ منه بِشَيْءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ نُعَذِّبَهُ أو نَعْقِرَهُ لِأَنَّ ذلك مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَطَّعُ النَّخْلُ وَيُحَرَّقُ وَكُلُّ ما لَا رُوحَ فيه كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَعَلَّ أَمْرَ أبي بَكْرٍ بِأَنْ يَكُفُّوا عن أَنْ يَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا إنَّمَا هو لِأَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخْبِرُ أَنَّ بِلَادَ الشَّامِ تُفْتَحُ على الْمُسْلِمِينَ فلما كان مُبَاحًا له أَنْ يَقْطَعَ وَيَتْرُكَ اخْتَارَ التَّرْكَ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وقد قَطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم بَنِي النَّضِيرِ فلما أَسْرَعَ في النَّخْلِ قِيلَ له قد وَعَدَكهَا اللَّهُ فَلَوْ اسْتَبْقَيْتهَا لِنَفْسِك فَكَفَّ الْقَطْعَ اسْتِبْقَاءً لَا أَنَّ الْقَطْعَ مُحَرَّمٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد تَرَكَ في بَنِي النَّضِيرِ قِيلَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ بَعْدَ هذا كُلِّهِ وَآخَرُ غَزَاةٍ لَقِيَ فيها قِتَالًا
____________________

(7/356)


- * بَابُ ما جاء في صَلَاةِ الْحَرَسِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْحَرَسُ يَحْرُسُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَدْخُلَهَا الْعَدُوِّ فَكَانَ في الْحَرَسِ من يَكْتَفِي بِهِ فَالصَّلَاةُ أَحَبُّ إلى قال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ حَارِسَ الْحَرَسِ يُصْبِحُ وقد أَوْجَبَ ( 1 ) في ما لم يَمْضِ في هذا الْمُصَلَّى مِثْلَ هذا الْفَضْلِ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى حَرَسٍ فَالْحَرْسُ أَفْضَلُ من الصَّلَاةِ فإذا كان في الْحَرَسِ من يَكْفِيهِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ فَالصَّلَاةُ لِأَنَّهُ قد يَحْرُسُ أَيْضًا وهو في الصَّلَاةِ حتى لَا يَغْفُلَ عن كَثِيرٍ مِمَّا يَجِبُ عليه من ذلك فَيَجْمَعُ أَجْرَهُمَا جميعا أَفْضَلُ أخبرنا محمد بن إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَزَلَ وَادِيًا فقال من يَحْرُسُنَا في هذا الْوَادِي اللَّيْلَةَ فقال رَجُلَانِ نَحْنُ فَأَتَيَا رَأْسَ الْوَادِي وَهُمَا مُهَاجِرِيٌّ وَأَنْصَارِيٌّ فقال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيْك فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا أَوَّلَهُ وَالْآخَرُ آخِرَهُ فَنَامَ أَحَدُهُمَا وَقَامَ الْحَارِسُ يُصَلِّي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان المصلى وِجَاهَ النَّاحِيَةِ التي لَا يَأْتِي الْعَدُوُّ إلَّا منها وَكَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَشْغَلُ طَرْفَهُ وَلَا سَمْعَهُ عن رُؤْيَةِ الشَّخْصِ وَسَمَاعِ الْحِسِّ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُصَلٍّ حَارِسٌ وَزَائِدٌ أَنْ يَمْتَنِعَ بِالصَّلَاةِ من النُّعَاسِ وَإِنْ كانت الصَّلَاةُ تَشْغَلُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ حتى يُخَافَ تَضْيِيعُهُ فَالْحِرَاسَةُ أَحَبُّ إلى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرَسُ جَمَاعَةً فيصلى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَالصَّلَاةُ أَعْجَبُ إلَى إذَا بقى من الْحَرَسِ من يكفى وإذا كان الْعَدُوُّ في غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً أَنْ يصلى بَعْضُهُمْ أَحَبُّ إلى لِأَنَّ ثَمَّ من يَكْفِيهِ وَإِنْ كان وَحْدَهُ وَالْعَدُوُّ في غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَالْحِرَاسَةُ أَحَبُّ إلى من الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ من الْحِرَاسَةِ - * خَرَاجُ الْأَرْضِ - * وَسُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الْجِزْيَةَ على خَرَاجِ الْأَرْضِ فقال لَا إنَّمَا الصَّغَارُ خَرَاجُ الْأَعْنَاقِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من بدل ( ( ( يدل ) ) ) طَائِعًا فَلَيْسَ مِنَّا وقال عبد اللَّهِ بن عُمَرَ وهو الْمُرْتَدُّ على عَقِبَيْهِ وَأَجْمَعَتْ الْعَامَّةُ من أَهْلِ الْعِلْمِ على الْكَرَاهِيَةِ لها وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كان لِعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَلِخَبَّابِ بن الْأَرَتِّ وَلِلْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ خَرَاجٍ حدثنا مُجَالِدٌ عن عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عن عُتْبَةَ بن فَرْقَدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قال لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا من أَرْضِ السَّوَادِ فقال عُمَرُ أَكُلَّ أَصْحَابِهَا أَرْضَيْتَ قال لَا قال فَأَنْتَ فيها مِثْلُ صَاحِبِهَا حدثنا بن أبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ بن عتيبة ( ( ( عتبة ) ) ) أَنَّ دَهَاقِينَ السَّوَادِ من عُظَمَائِهِمْ أَسْلَمُوا في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ فَفَرَضَ عُمَرُ على الَّذِينَ أَسْلَمُوا في زَمَانِهِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَبْلُغْنَا عن أَحَدٍ منهم أَنَّهُ أَخْرَجَ هَؤُلَاءِ من أَرْضِهِمْ وَكَيْفَ الْحُكْمُ في أَرْضِ هَؤُلَاءِ أَيَكُونُ الْحُكْمُ لهم أَمْ لِغَيْرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الصَّغَارُ الذي لَا شَكَّ فيه فَجِزْيَةُ الرَّقَبَةِ التي يُحْقَنُ بها الدَّمُ وَهَذِهِ لَا تَكُونُ على مُسْلِمٍ وَأَمَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ فَلَا يَبِينُ أَنَّهُ صَغَارٌ من قِبَلِ أَنْ لَا يُحْقَنَ بِهِ الدَّمُ الدَّمُ مَحْقُونٌ بِالْإِسْلَامِ وهو يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وقد اتَّخَذَ أَرْضَ الْخَرَاجِ قَوْمٌ من أَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ احْتِيَاطًا
____________________

(7/357)


- * شِرَاءُ أَرْضِ الْجِزْيَةِ - * وَسُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَشْتَرِي أَرْضًا من أَرْضِ الْجِزْيَةِ فقال هو جَائِزٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم تَزَلْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عن ذلك وَيَكْتُبُونَ فيه وَيَكْرَهُهُ عُلَمَاؤُهُمْ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد أَجَبْتُكَ في هذا - * الْمُسْتَأْمَنُ في دَارِ الْإِسْلَامِ - * وَسُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن قَوْمٍ من أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِلتِّجَارَةِ فَزَنَى بَعْضُهُمْ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو سَرَقَ هل يُحَدُّ قال لَا حَدَّ عليه وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ لإنه لم يُصَالِحْ ولم تَكُنْ له ذِمَّةٌ قال الْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقَامُ عليه الْحُدُودُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ ليس تُقَامُ عليه الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجْرِي عليهم أَرَأَيْت إنْ كان رَسُولًا لِمَلَكِهِمْ فَزَنَى أَتَرْجُمُهُ أَرَأَيْت إنْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ منهم مُسْتَأْمَنَةٍ أَتَرْجُمُهَا أَرَأَيْت إنْ لم أَرْجُمْهُمَا حتى عَادَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا بِأَمَانٍ ثَانِيَةً أمضى عَلَيْهِمَا ذلك الْحَدَّ أَرَأَيْت إنْ سُبِيَا أيمضى عَلَيْهِمَا حَدَّ الْحُرِّ أَمْ حَدَّ الْعَبْدِ وَهُمَا رَقِيقٌ لِرَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ أَرَأَيْت إنْ لم يَخْرُجَا ثَانِيَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ وَأَسْلَمَاهُمَا أو صَارَا ذِمَّةً أَيُؤْخَذَانِ وَإِنْ أُخِذُوا بِذَلِكَ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْنَا أَنُقِيمُ عليهم الْحَدَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا خَرَجَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَصَابُوا حُدُودًا فَالْحُدُودُ عليهم وَجْهَانِ فما كان منها لِلَّهِ لَا حَقَّ فيه للادميين فَيَكُونُ لهم عَفْوُهُ وَإِكْذَابُ شُهُودٍ شَهِدُوا لهم بِهِ فَهُوَ مُعَطَّلٌ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فيه لِمُسْلِمٍ إنَّمَا هو لِلَّهِ وَلَكِنْ يُقَالُ لهم لم تُؤْمَنُوا على هذا فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وكان يَنْبَغِي للامام إذَا أَمَّنَهُمْ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُمْ حتى يَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ أَصَابُوا حَدًّا أَقَامَهُ عليهم وما كان من حَدٍّ لِلْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عليهم أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لو قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ فإذا كنا مُجْتَمِعِينَ على أَنْ نُقَيِّدَ منهم حَدَّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ للادميين كان عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم كُلَّ ما كان دُونَهُ من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلُ الْقِصَاصِ في الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا وَمِثْلُ الْحَدُّ في الْقَذْفِ وَالْقَوْلُ في السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقْطَعُوا وَيَغْرَمُوا من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل مَنَعَ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالْقَطْعِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ غَرَّمُوا من اسْتَهْلَكَ مَالًا غير السَّرِقَةِ وَهَذَا مَالٌ مُسْتَهْلَكٌ فَغَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا عليه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَغْرَمَ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَالَ للادميين وَالْقَطْعُ لِلَّهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما فَرْقٌ بين حُدُودِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قِيلَ أَرَأَيْت اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ الْمُحَارِبَ وَذَكَرَ حَدَّهُ ثُمَّ قال { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم } ولم يَخْتَلِفْ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ في أَنَّ رَجُلًا لو أَصَابَ لِرَجُلٍ دَمًا أو مَالًا ثُمَّ تَابَ أُقِيمَ عليه ذلك فَقَدْ فَرَّقْنَا بين حُدُودِ اللَّهِ عز وجل وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بهذا وَبِغَيْرِهِ - * بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ في أَرْضِ الْحَرْبِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لو أَنَّ مُسْلِمًا دخل أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَبَاعَهُمْ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجْرِي عليهم فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِرِضًا منهم فَهُوَ جَائِزٌ قال الْأَوْزَاعِيُّ الرِّبَا عليه حَرَامٌ في أَرْضِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد وَضَعَ من رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ما أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ من ذلك وكان أَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ الْمُسْلِمُ أَكْلَ الرِّبَا في قَوْمٍ قد حَرَّمَ
____________________

(7/358)


اللَّهُ تَعَالَى عليه دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وقد كان الْمُسْلِمُ يُبَايِعُ الْكَافِرَ في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَسْتَحِلُّ ذلك وقال أبو يُوسُفَ الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَحِلُّ هذا وَلَا يَجُوزُ وقد بَلَغَتْنَا الْآثَارُ التي ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ في الرِّبَا وَإِنَّمَا أَحَلَّ أبو حَنِيفَةَ هذا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حدثنا عن مَكْحُولٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا رِبَا بين أَهْلِ الْحَرْبِ وقال أبو يُوسُفَ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ ( 3 ) في قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ لم يَتَقَابَضُوا ذلك حتى يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَبْطَلَهُ وَلَكِنَّهُ كان يقول إذَا تَقَابَضُوا في دَارِ الْحَرْبِ قبل أَنْ يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ كما قال الْأَوْزَاعِيُّ وأبو يُوسُفَ وَالْحُجَّةُ كما احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ وما احْتَجَّ بِهِ أبو يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ ليس بِثَابِتٍ فَلَا حُجَّةَ فيه - * في أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ وَتَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في أُمِّ وَلَدٍ أَسْلَمَتْ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وليس ( ( ( ليس ) ) ) بها حَمْلٌ أنها تُزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلَا عِدَّةَ عليها وقال الْأَوْزَاعِيُّ أَيُّ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ بِدِينِهَا فَحَالُهَا كَحَالِ الْمُهَاجِرَاتِ لَا تُزَوَّجُ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ لَا ثَلَاثَ حِيَضٍ - * الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ في أَرْضِ الْحَرْبِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَخَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عليها وَلَوْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا لم يَقَعْ عليها طَلَاقُهُ قال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُهَاجِرَاتِ قَدِمْنَ على رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَزْوَاجُهُنَّ بِمَكَّةَ مُشْرِكُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ منهم فَأَدْرَكَ امْرَأَتَهُ في عِدَّتِهَا رَدَّهَا عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى على أُمِّ الْوَلَدِ الْعِدَّةُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعِدَّةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا يَتَزَوَّجْنَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ وَلَا سَبِيلَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَلَا لِلْمَوَالِي عَلَيْهِنَّ آخِرَ الْأَبَدِ أخبرنا الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَدَّ زَيْنَبَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَإِنَّمَا قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّبَايَا يُوطَأْنَ إذَا اسْتُبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فقال السَّبَاءُ وَالْإِسْلَامُ سَوَاءٌ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حدثنا الْحَجَّاجُ عن الْحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمَا وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ خَاصَمُوا في عَبِيدٍ خَرَجُوا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَعْتَقَهُمْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا خَرَجَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ من دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةً وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ لم تُزَوَّجْ حتى تنقضى عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا مُسْلِمًا قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهُمَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لو خَرَجَ زَوْجُهَا قَبْلَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مُسْلِمَةً كَانَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا في دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بين دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ في هذا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو كَانَا في دَارِ الْحَرْبِ وقد أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لم يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حتى يُسْلِمَ الْآخَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ الْمُسْلِمُ فَيَكُونَا على النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّكَاحِ كِتَابِيَّةً فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ الدَّارَ في هذا وَغَيْرَ الدَّارِ سَوَاءٌ قِيلَ أَسْلَمَ أبو سُفْيَانَ بن حَرْبٍ بِمَرٍّ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةَ وَهِيَ دَارُ إسْلَامٍ وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كَافِرَةٌ مُقِيمَةٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدٌ في الْعِدَّةِ
____________________

(7/359)


فَأَقَرَّهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على النِّكَاحِ وَأَسْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ وَهُمَا مُقِيمَانِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا إلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرَيْنِ بِالْيَمَنِ يَجُوزُ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَا وَأَزْوَاجُهُمَا في الْعِدَّةِ فَأَقَرَّهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَا أَنْ يَكُونَ يروى حَدِيثًا يُخَالِفُ بَعْضَهُ وإذا خَرَجَتْ أُمُّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ مُسْلِمَةً لم تُنْكَحْ حتى ينقضى اسْتِبْرَاؤُهَا وَهِيَ حَيْضَةٌ لَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ مُخَالِفَةٌ لِلزَّوْجَةِ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ فإذا خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ من دَارِ الْكُفْرِ فَقَدْ عَتَقَتْ أَعْتَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا من عَبِيدِ الطَّائِفِ خَرَجُوا مُسْلِمِينَ وَسَأَلَ سَادَاتُهُمْ بعد ما أَسْلَمُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ ولم يَرُدَّهُمْ ولم يُعَوِّضْهُمْ منهم غير أَنَّ من أَصْحَابِنَا من زَعَمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من خَرَجَ إلَيْنَا من عَبْدٍ فَهُوَ حُرٌّ فقال إذَا قال ذلك الْإِمَامُ أَعْتَقَهُمْ وإذا لم يَقُلْ أَجْعَلُهُمْ على الرِّقِّ وَمِنْهُمْ من قال يَعْتِقُونَ قَالَهُ الْإِمَامُ أو لم يَقُلْهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ إذَا خَرَجَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَهِيَ حُرَّةٌ ( 1 ) وَلَوْ سَبَقَتْ سَيِّدَهَا الْحُرَّةُ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ من رِقِّ حَالِ الْمَسْبِيَّةِ اُسْتُؤْمِيَتْ وَاسْتِرْقَاقُهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَكْثَرُ من انْفِسَاخِ ما بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ عليها وَكَذَلِكَ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَبْيِ هَوَازِنَ ولم يَسْأَلْ عن ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا أولا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ تَخْرُجُ مَمْلُوكَةً فَتَصِيرَ حُرَّةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بين اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ هذه تُسْتَرَقُّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَتِلْكَ تَعْتِقُ بَعْدَ الرِّقِّ - * الْحَرْبِيَّةُ تُسْلِمُ فَتُزَوَّجُ وَهِيَ حَامِلٌ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كانت الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ التي جَاءَتْ من دَارِ الْحَرْبِ حَامِلًا فَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ ذلك في السَّبَايَا فَأَمَّا الْمُسْلِمَاتُ فَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ أَحَقُّ بِهِنَّ إذَا أَسْلَمُوا في الْعِدَّةِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَزَوُّجَهُنَّ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا قَاسَ أبو حَنِيفَةَ هذا على السَّبَايَا على قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى من الْفَيْءِ حتى يَضَعْنَ قال فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَاتُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لم تُوطَأْ بِالْمِلْكِ حتي تَضَعَ وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً فَنُكِحَتْ قبل أَنْ تَضَعَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وإذا خَرَجَ زَوْجُهَا قبل أَنْ تَضَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بها ما كانت الْعِدَّةُ وَهَذِهِ مُعْتَدَّةٌ وَهَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى - * في الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في رَجُلٍ من أَهْل دَارِ الْحَرْبِ تَزَوَّجَ خَمْسَ نِسْوَةٍ في عُقْدَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ هو وَهُنَّ جميعا وَخَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وقال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّهُ قال أَيَّتَهنَّ شَاءَ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ كما قال وقد بَلَغَنَا من هذا ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وهو عِنْدَنَا شَاذٌّ وَالشَّاذُّ من الحديث لَا يُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لم يُحِلَّ إلَّا نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فما كان من فَوْقِ ذلك كُلِّهِ فَحَرَامٌ من اللَّهِ في كِتَابِهِ فَالْخَامِسَةُ وَنِكَاحُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ سَوَاءٌ في ذلك كُلِّهِ حَرَامٌ فَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا تَزَوَّجَ أُمًّا وَابْنَتَهَا أَكُنْتُ أَدَعُهُمَا على النِّكَاحِ أو تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ في عُقْدَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَسْلَمُوا أَكُنْت أَدَعُهُمَا على النِّكَاحِ وقد دخل بِالْأُمِّ وَالْبِنْتِ أو بِالْأُخْتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْخَمْسُ في عُقْدَةٍ وَلَوْ كُنَّ في عَقْدٍ مُتَفَرِّقَاتٍ جَازَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَفَارَقَ الْآخِرَةَ أخبرنا الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في ذلك نُثْبِتُ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ وَنُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/360)


أخبرنا الثِّقَةُ أَحْسَبُهُ بن عُلَيَّةَ فَإِنْ لَا يَكُنْ بن عُلَيَّةَ فَالثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ أخبرنا الثِّقَةُ عن عبد الرحمن بن أبي الزِّنَادِ عن عبد الْمَجِيدِ بن عَوْفٍ عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ الديلي ( ( ( الديلمي ) ) ) قال أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ وَاحِدَةً فَعَمِدْتُ إلَى عَجُوزٍ أَقْدَمِهِنَّ عَاقِرٍ عِنْدِي مُنْذُ خَمْسِينَ أو سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ كَلِّمْنَا على حديث الزُّهْرِيِّ وَأَعْفِنَا من حديث نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ الديلى قلت ما ذَاكَ فافعل قال فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قال له أَمْسِكْ الْأَوَائِلَ وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ قلت وَتَجِدُهُ في الحديث أو تَجِدُ عليه دَلَالَةً منه قال لَا وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ قُلْت وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قال له أَمْسِكْ أَرْبَعًا إنْ كُنَّ شَبَابًا وَفَارِقْ الْعَجَائِزَ أو أَمْسِكْ الْعَجَائِزَ وَفَارِقْ الشَّبَابَ قال قَلَّ كُلُّ كَلَامٍ إلَّا وهو يَحْتَمِلُ وَلَكِنَّ الحديث على ظَاهِرِهِ قُلْنَا فَظَاهِرُ الحديث بِخِلَافِ ما قُلْتُمْ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه حَدِيثٌ كُنْت قد أَخْطَأْت أَصْلَ قَوْلِك قال وَأَيْنَ قُلْت في النِّكَاحُ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وَتَمَامٌ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تَنْظُرُ في الْعُقْدَةِ وَتَنْظُرُ في التَّمَامِ فَتَقُولُ أَنْظُرُ كُلَّ نِكَاحٍ مَضَى في الشِّرْكِ فَإِنْ كان في الْإِسْلَامِ أَجَزْتُهُ فَأُجِيزُهُ وَإِنْ كان لو كان في الْإِسْلَامِ لم أُجِزْهُ فَأَرُدُّهُ تَرَكْتُ أَصْلَ قَوْلِك قال فَأَنَا أَقُولُهُ وَلَا أَدَعُ أَصْلَ قَوْلِي قُلْت أَفَرَأَيْتَ غَيْلَانَ أَلَيْسَ بِوَثَنِيٍّ وَنِسَاؤُهُ وَثَنِيَّاتٌ وَشُهُودُهُ وَثَنِيُّونَ قال أَجَلْ قُلْت فَلَوْ كان في الْإِسْلَامِ فَتَزَوَّجَ بِشُهُودٍ وَثَنِيِّينَ أو وَلِيٍّ وثنى أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ قال لَا قُلْت فَأَحْسَنُ حَالِهِ في النِّكَاحِ حَالٌ لو ابْتَدَأَ فيها النِّكَاحَ في الْإِسْلَامِ رَدَدْته مع أَنَّا نُرْوَى أَنَّهُمْ قد يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وفي الْعِدَّةِ وما جَازَ في أَهْلِ الشِّرْكِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَمَّا ما قُلْت إنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فَنَفْسَخُهُ كُلُّهُ وَنُكَلِّفُهُ بِأَنْ يَبْتَدِئَ النِّكَاحَ في الْإِسْلَامِ وَإِمَّا أَنْ لَا تَنْظُرَ إلَى الْعُقْدَةِ وَتَجْعَلَهُ مَعْفُوًّا لهم كما عفى لهم ما هو أَعْظَمُ منه من الشِّرْكِ وَالدِّمَاءِ وَالتِّبَاعَاتِ وَتَنْظُرَ إلَى ما أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ من الْأَزْوَاجِ فَإِنْ كُنَّ عَدَدًا أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ أَمَرْته بِفِرَاقِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بين أَكْثَرِ من أَرْبَعٍ وَإِنْ كُنَّ أُخْتَيْنِ أَمَرْته بِفِرَاقِ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فَتَكُونُ قد عَفَوْت الْعُقْدَةَ وَنَظَرْت إلَى ما أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ مِنْهُنَّ فَإِنْ كان يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهُ في الْإِسْلَامِ أَقْرَرْته معه وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ رَدَدْته كما حَكَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيمَا أَدْرَكَ من الْمُحَرَّمِ قال اللَّهُ عز وجل { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وَوَضَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ ولم يُقْبَضْ ولم يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا في الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَكَذَا حَكَمَ في الْأَزْوَاجِ عَفَا الْعُقْدَةَ وَنَظَرَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَمْلُوكًا بِالْعُقْدَةِ فما حل ( ( ( أحل ) ) ) فيه من الْعَدَدِ أَقَرَّهُ وما حُرِّمَ من الْعَدَدِ نهى عنه - * في الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَشْتَرِي دَارًا أو غَيْرَهَا - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه عن رَجُلٍ مُسْلِمٍ دخل دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى دَارًا أو أَرْضًا أو رَقِيقًا ثِيَابًا فَظَهَرَ عليه الْمُسْلِمُونَ قال أَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ فَهُوَ لِلرَّجُلِ الذي اشْتَرَاهُ وقال الْأَوْزَاعِيُّ فَتَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً فَخَلَّى بين الْمُهَاجِرِينَ وَأَرْضِهِمْ وَدُورِهِمْ بِمَكَّةَ ولم يَجْعَلْهَا فَيْئًا قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَفَا عن مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وقال من أَغْلَقَ عليه بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دخل الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دخل دَارَ أبي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَنَهَى عن الْقَتْلِ إلَّا نَفَرًا قد سَمَّاهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدًا فَيَقْتُلَ وقال لهم حين اجْتَمَعُوا في الْمَسْجِدِ ما تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ قالوا خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وبن أَخٍ كَرِيمٍ قال اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ ولم يَجْعَلْ شيئا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا من مَتَاعِهِمْ فَيْئًا وقد أَخْبَرْتُك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/361)


ليس في هذا كَغَيْرِهِ فَهَذَا من ذلك وَتَفَهَّمْ فِيمَا أَتَاك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن لِذَلِكَ وُجُوهًا وَمَعَانِيَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الذي دخل دَارَ الْحَرْبِ فَالْقَوْلُ فيه كما قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ وَالرَّقِيقُ لِلَّذِي اشْتَرَى وَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ فَيْءٌ لِأَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ لَا تُحَوَّلُ وَلَا يَحُوزُهَا الْمُسْلِمُ وَالْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ تُحْرَزُ وَتُحَوَّلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وَلَكِنَّهُ لم يَصْنَعْ في الْحَجَّةِ بِمَكَّةَ وَلَا أبو يُوسُفَ شيئا لم يَدْخُلْهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَنْوَةً وَإِنَّمَا دَخَلَهَا سِلْمًا وقد سَبَقَ لهم أَمَانٌ وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ في قَتْلِهِمْ هُمْ أَبْعَاضُ قَتَلَةِ خُزَاعَةَ وَلَيْسَ لهم بِمَكَّةَ دُورٌ وَلَا مَالٌ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ هَرَبُوا إلَيْهَا فَأَيَّ شَيْءٍ يَغْنَمُ مِمَّنْ لَا مَالَ له وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَالِدُ بن الْوَلِيدِ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ فلم يُعْقَدْ لهم أمان ( ( ( الأمان ) ) ) وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَءُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا قبل أَنْ يَظْهَرُوا لهم حِمَى شَيْءٍ وَمَنْ لم يُسْلِمْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ وَدُخُولِ دَارِهِ وقد تَقَدَّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَغْلَقَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ فَمَالُ من يَغْنَمُ مَالُ من له أَمَانٌ وَلَا غَنِيمَةَ على مَالِ هذا وما يقتدى فِيمَا صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمَا صَنَعَ أَرَأَيْت حين قُلْنَا نَحْنُ وهو في رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِهِ إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بين أَنْ يَقْتُلَهُمْ أو يفادى بِهِمْ أو يَمُنَّ عليهم أو يَسْتَرِقَّهُمْ أَلَيْسَ إنَّمَا قُلْنَا ذلك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَارَ فِيهِمْ بِهَذِهِ السِّيرَةِ كُلِّهَا أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا أَحَدٌ بِمِثْلِ ما عَارَضَ بِهِ أبو يُوسُفَ فقال ليس لِإِمَامٍ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا شَيْءٌ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا ما ليس لِلنَّاسِ أو قال في كل ما فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من إعْطَاءِ السَّلَبِ وَقَسْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ليس هذا للامام هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُعَلِّمَ بَيَّنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فما فَعَلَ فَهُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهُ فَكَذَلِكَ هِيَ على أبي يُوسُفَ وَلَوْ دخل رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً فَتَرَكَ لهم أَمْوَالَهُمْ قُلْنَا فِيمَا ظَهَرَ عليه عَنْوَةً لنا أَنْ نَتْرُكَ له مَالَهُ كما لنا في الْأُسَارَى أَنْ نَحْكُمَ فِيهِمْ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً كما حَكَمَ فِيهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ قد خَصَّ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَشْيَاءَ قِيلَ كُلُّهَا مُبَيَّنَةٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو فِيهِمَا مَعًا وَلَوْ جَازَ إذْ كان مَخْصُوصًا بِشَيْءٍ فَيُبَيِّنُهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُقَالَ في شَيْءٍ لم يُبَيِّنْهُ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّهُ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الناس لَعَلَّ هذا من الْخَاصِّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَازَ ذلك في كل حُكْمِهِ فَخَرَجَتْ أَحْكَامُهُ من أَيْدِينَا وَلَكِنْ لم يَجْعَلْ اللَّهُ هذا لِأَحَدٍ حتى يُبَيِّنَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَاصٌّ وقد أَسْلَمَ ابْنَا سَعْيَة القرظيان من بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَائِمٌ عليهم قد حَصَرَهُمْ فَتَرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَهُمَا دُورَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا من النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَاَلَّذِي قال أبو حَنِيفَةَ من هذا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَغْنَمَ مَالَ الْمُسْلِمِ وقد مَنَعَهُ اللَّهُ بِدِينِهِ وَكَيْفَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ مَالَهُ بِكَيْنُونَتِهِ في بِلَادِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يَغْنَمَ كُلَّ ما عليه من ثِيَابِهِ وفي يَدَيْهِ من مَالِهِ وَرَقِيقِهِ أَرَأَيْتَ لو قال رَجُلٌ لَا تَغْنَمْ دُورَهُ وَلَا أَرَضُوهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على تَحْوِيلِهِمَا بِحَالٍ فَتَرْكُهُ إيَّاهَا ليس بِرِضًا بِأَنْ يُقِرَّهَا بين الْمُشْرِكِينَ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَيَغْنَمَ كُلَّ مَالٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يُحَوِّلَهُ من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو عَرْضٍ من الْعُرُوضِ لِأَنَّ تَرْكَهُ ذلك في بِلَادِ الْعَدُوِّ الَّذِينَ هو بين أَظْهُرِهِمْ رِضًا منه بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا ما الْحُجَّةُ عليه هل هِيَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ عز وجل مَنَعَ بِالْإِسْلَامِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا فَحَيْثُ كَانُوا فَحُرْمَةُ الْإِسْلَامِ لهم ثَابِتَةٌ في تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَوْ جَازَ هذا عِنْدَنَا جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ الْمُسْلِمُ بين ظَهْرَانَيْ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ من حَوْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَّقَ بِالْإِسْلَامِ بين أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ
____________________

(7/362)


- * اكْتِسَابُ الْمُرْتَدِّ الْمَالَ في رِدَّتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عليه عن الْمُرْتَدِّ عن الْإِسْلَامِ إذَا اكْتَسَبَ مَالًا في رِدَّتِهِ ثُمَّ قُتِلَ على الرِّدَّةِ فقال ما اكْتَسَبَ في بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ دَمَهُ حَلَالٌ فَحَلَّ مَالُهُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالُ الْمُرْتَدِّ الذي كان في دَارِ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي اُكْتُسِبَ في الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بين وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا هذا فِيمَا كان له قبل الرِّدَّةِ وقال أبو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ ما اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ في الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذلك لَا يَكُونُ فَيْئًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ ما اكْتَسَبَ الْمُرْتَدُّ في رِدَّتِهِ أو كان له قبل الرده سَوَاءٌ وهو فَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنَعَ الدِّمَاءَ بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعَ الْأَمْوَالَ بِاَلَّذِي مَنَعَ بِهِ الدِّمَاءَ فإذا خَرَجَ الرَّجُلُ من الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يُبَاحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ كما كان يَكُونُ مُبَاحًا قبل أَنْ يُسْلِمَ يُبَاحُ معه مَالُهُ وكان أَهْوَنَ من دَمِهِ لِأَنَّهُ كان مَمْنُوعًا تَبَعًا لِدَمِهِ فلما هَتَكْت حُرْمَةَ الدَّمِ كانت حُرْمَةُ الْمَالِ أَهْتَكَ وَأَيْسَرَ من الدَّمِ وَلَيْسَ قَتْلُنَا إيَّاهُ على الرِّدَّةِ كَقَتْلِنَا إيَّاهُ على الزناولا الْقَتْلُ وَلَا الْمُحَارَبَةُ تِلْكَ حُدُودٌ لَسْنَا نُخْرِجُهُ بها من أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وهو فيها وَارِثٌ مَوْرُوثٌ كما كان قبل أَنْ يُحْدِثَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمُرْتَدُّ الْمُرْتَدُّ يَعُودُ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْقَوْلِ بِالشِّرْكِ وقال أبو حَنِيفَةَ يَكُونُ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ من الْمُسْلِمِينَ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ ما الْحُجَّةُ لَكُمْ في هذا فَقَالُوا رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ من الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا أَمَّا الْحُفَّاظُ مِنْكُمْ فَلَا يَرْوُونَ إلَّا قَتْلَهُ وَلَا يَرْوُونَ في مِيرَاثِهِ شيئا وَلَوْ كان ثَابِتًا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ نَرْوِي عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أو مُسْلِمًا قال بَلْ كَافِرٌ قُلْنَا فَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَرِثَ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسْلِمًا قال فَإِنْ قُلْت لَا يَذْهَبُ مِثْلُ هذا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وَأَقُولُ بهذا الحديث وَأَقُولُ إنَّمَا عني بِهِ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قُلْنَا فَيُعَارِضُك غَيْرُك بِمَا هو أَقْوَى عَلَيْك في الْحُجَّةِ من هذا فيقول إنَّ عَلِيًّا قد أَخْبَرَ بِحَدِيثِ الْأَشْجَعِيِّينَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حديث بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَاتَّهَمَهُ وَرَدَّهُ وقال بِخِلَافِهِ وقال معه بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو كما قُلْت لو ثَبَتَ وَزَعَمْت أَنَّ عَمَّارًا حَدَّثَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَرَدَّهُ عليه عُمَرُ وَأَقَامَ على أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ هو وبن مَسْعُودٍ وَتَأَوَّلَ بن مَسْعُودٍ فيه الْقُرْآنَ فَزَعَمْت أَنَّ قَوْلَ من قال كان أَوْلَى من قَوْلِ من رَدَّهُ وهو كما قُلْت فَكَيْفَ لم تَقُلْ بِمِثْلِ هذا في حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَأَنْتَ لَا تروى عن على أَنَّهُ سمعة من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عنه وقد روى عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا من ذِمِّيٍّ فقال نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كما تَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَحِلُّ لهم نِسَاؤُنَا أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ بهذا وقال لَا يَذْهَبُ على مُعَاذٍ شَيْءٌ حَفِظَهُ أُسَامَةُ وَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَرَادَ بهذا مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَا يَكُونُ هذا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ له شُبْهَةٌ مِنْك أو رَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفٌ في الْمِيرَاثِ حُكْمَ الْمُشْرِكِ غَيْرُهُ لِمَ لم تُوَرِّثْهُ هو من وَرَثَتِهِ من الْمُسْلِمِينَ كما تُوَرِّثُهُمْ منه فَتَكُونُ قد قُلْتَ قَوْلًا وَاحِدًا أَخْرَجْتَهُ فيه من جُمْلَةِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا ثَبَتَ له من حُرْمَةِ
____________________

(7/363)


الْإِسْلَامِ فما قُلْت فيه بِمَا رَوَيْت عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لِأَنَّهُ لم يَقُلْ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ وإذا وَرِثَ عَقَلْنَا أَنَّهُ يُوَرِّثُهُ وَلَا بِمَا رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لَا يَخْتَلِفُونَ في أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ غير ما ادَّعَيْت في الْمُرْتَدِّ وَكَذَلِكَ قالوا في الْمَمْلُوكِينَ وَإِنَّمَا وَرَّثُوا في هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ من يُوَرَّثُونَ منه ولم يَتَحَكَّمُوا فَيُوَرِّثُونَ من رَجُلٍ وَلَا يُوَرِّثُونَهُ - * ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ كان يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ ليس بِمَنْزِلَتِهِ لَا يُتْرَكُ الْمُرْتَدُّ حتى يُقْتَلَ أو يُسْلِمَ وقال الْأَوْزَاعِيُّ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ من تَوَلَّى قَوْمًا فَهُوَ منهم وكان الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أَكَلُوا ما وَجَدُوا في بُيُوتِهِمْ من اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَدِمَاؤُهُمْ حَلَالٌ وقال أبو يُوسُفَ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَطَعَامِهِمْ كُلِّهِ فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَيْسَ يُشْبِهُ أَهْلَ الْكِتَابِ في هذا وَإِنْ وَالَاهُمْ أَلَا تَرَى أَنِّي أَقْبَلُ من أَهْلِ الْكِتَابِ جميعا وَمِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الْجِزْيَةَ وَلَا أَقْبَلُ من الْمُرْتَدِّ الْجِزْيَةَ وَالسُّنَّةُ في الْمُرْتَدِّ مُخَالِفَةً لِلسُّنَّةِ في الْمُشْرِكِينَ وَالْحُكْمُ فيه مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِيهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لو ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لم يَجُزْ ذلك وَكَذَلِكَ لو تَزَوَّجَهَا نَصْرَانِيٌّ لم يَجُزْ ذلك أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً جَازَ ذلك أخبرنا الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ سُئِلَ عن ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ فِكْرَهُ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ وقال لَا بَأْسَ بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وقال أبو يُوسُفَ فَالْمُرْتَدُّ أَشَدُّ من ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ - * الْعَبْدُ يَسْرِقُ من الْغَنِيمَةِ - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن الْعَبْدِ يَسْرِقُ من الْغَنِيمَةِ وَسَيِّدُهُ في ذلك الْجَيْشِ أَيُقْطَعُ قال لَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعَبْدَ ليس له من الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ سَيِّدَهُ لو أَعْتَقَ شيئا من ذلك السَّبْيِ وَلَهُ فِيهِمْ نَصِيبٌ كان عِتْقُهُ بَاطِلًا وقد بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قَطَعَ رَقِيقًا سَرَقُوا من دَارِ الْإِمَارَةِ وقال أبو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ في ذلك حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن مَيْمُونِ بن مِهْرَانَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ عَبْدًا من الْجَيْشِ سَرَقَ من الْخُمُسِ فلم يَقْطَعْهُ وقال مَالُ اللَّهِ بَعْضُهُ في بَعْضٍ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عن النَّابِغَةِ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ مِغْفَرًا من الْمَغْنَمِ فلم يَقْطَعْهُ وقال أبو يُوسُفَ وَعَلَى هذا جَمَاعَةُ فُقَهَائِنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فيه أَمَّا قَوْلُهُ لَا حَقَّ له في الْمَغْنَمِ فَقَدْ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَضَخَ لِلْعَبِيدِ في الْمَغْنَمِ ولم يَضْرِبْ لهم بِسَهْمٍ حدثنا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عن عُمَيْرٍ مولى آبِي اللَّحْمِ عن الْعَبْدِ الذي أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم خَيْبَرَ يَسْأَلُهُ قال فقال لي تَقَلَّدْ هذا السَّيْفَ فَتَقَلَّدْتُهُ فَأَعْطَانِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ ما قال أبو حَنِيفَةَ ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْأَحْرَارِ بِالسُّهْمَانِ وَرَضَخَ لِلْعَبِيدِ فإذا سَرَقَ أَحَدٌ حَضَرَ الْمَغْنَمَ شيئا لم أَرَ عليه قَطْعًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ
____________________

(7/364)


- * الرَّجُلُ يَسْرِقُ من الْغَنِيمَةِ لِأَبِيهِ فيها سَهْمٌ - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن الرَّجُلِ يَسْرِقُ من الْغَنِيمَةِ وقد كان أَبُوهُ في ذلك الْجُنْدِ أو أَخُوهُ أو ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ أو امْرَأَةٌ سَرَقَتْ من ذلك وَزَوْجُهَا في الْجُنْدِ فقال لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُقْطَعُونَ وَلَا يَبْطُلُ الْحَدُّ عَنْهُمْ وقال أبو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُونَ وَهَؤُلَاءِ وَالْعَبِيدُ في ذلك سَوَاءٌ أَرَأَيْت رَجُلًا سرق ( ( ( يسرق ) ) ) من أبيه أو أَخِيهِ أو امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا هل يُقْطَعُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ ليس يُقْطَعُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ وقد جاء الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنت وَمَالُك لِأَبِيك فَكَيْفَ يُقْطَعُ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان السَّارِقُ من هَؤُلَاءِ شَهِدَ الْمَغْنَمَ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَلَا يُقْطَعُ الرَّجُلُ وَلَا أَبُوهُ فِيمَا سَرَقَ من مَالِ ابْنِهِ أو أبيه لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فيه فَأَمَّا الْمَرْأَةُ يَحْضُرُ زَوْجُهَا الْغَنِيمَةَ أو الْأَخُ وَغَيْرُهُ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ سُرَّاقٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ لو سَرَقَ من صَاحِبِهِ شيئا لم يَأْتَمِنْهُ عليه قَطَعْتُهُ - * الصَّبِيُّ يسبي ثُمَّ يَمُوتُ - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن الصَّبِيِّ يسبي وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَعَا في سَهْمِ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وهو كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْغُلَامُ قبل أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ فقال لَا يُصَلَّى عليه وهو على دِينِ أبيه لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ مَوْلَاهُ أَوْلَى من أبيه يُصَلَّى عليه وقال لو لم يَكُنْ معه أَبُوهُ وَخَرَجَ أَبُوهُ مُسْتَأْمَنًا لَكَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَبِيعَهُ من أبيه وقال أبو يُوسُفَ إذَا لم يُسْبَ معه أَبُوهُ كان مُسْلِمًا ليس لِمَوْلَاهُ أَنْ يَبِيعَهُ من أبيه إذَا دخل بِأَمَانٍ وهو يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ السَّبْيُ وَيُرَدَّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ في مَسْأَلَةٍ قبل هذا فَالْقَوْلُ في هذا ما قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان معه أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا فَهُوَ على دِينِهِ حتى يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وإذا لم يَكُنْ معه أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُسْلِمٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سبي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ فَبَاعَهُمْ من الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَرَى أبو الشَّحْمِ الْيَهُودِيُّ أَهْلَ بَيْتٍ عَجُوزٍ وَوَلَدِهَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا بقى من السَّبَايَا أَثْلَاثًا ثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَبِيعُوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْإِبِلِ وَالْمَالِ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وقد يَحْتَمِلُ هذا أَنْ يَكُونَ من أَجْلِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَطْفَالِ مَعَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في الْأَطْفَالِ من لَا أُمَّ له فإذا سُبُوا مع أُمَّهَاتِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا من الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ لو سُبُوا مع آبَائِهِمْ وَلَوْ مَاتَ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ قبل أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلَامَ لم يَكُنْ لنا أَنْ نُصَلِّيَ عليهم وَهُمْ على دِينِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ إذَا كان السَّبَاءُ مَعًا وَلَنَا بَيْعُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ من الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّا قد حَكَمْنَا عليهم بِأَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ عليهم إذَا تَرَكْنَا الصَّلَاةَ عليهم كما حَكَمْنَا بِهِ وَهُمْ مع آبَائِهِمْ لَا فَرْقَ بين ذلك إذَا لَزِمَهُمْ حُكْمُ الشِّرْكِ كان لنا بَيْعُهُمْ من الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قد اسْتَوْهَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَارِيَةً بَالِغَةً من أَصْحَابِهِ فَفَدَى بها رَجُلَيْنِ - * الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُسْبَيَانِ هل يَطَؤُهُمَا سَيِّدُهُمَا إذَا دخل بِأَمَانٍ - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن الْمُدَبَّرَةِ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَدَخَلَ سَيِّدُهُمَا بِأَمَانٍ فقال إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهُمَا إنْ لَقِيَهُمَا لِأَنَّهُمَا له وَلِأَنَّهُمْ لم يَحُوزُوهُمَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَطَأَ فَرْجًا يَطَؤُهُ الْمَوْلَى سِرًّا وَالزَّوْجُ الْكَافِرُ عَلَانِيَةً وَلَوْ لَقِيَهَا وَلَيْسَ لها زَوْجٌ ما كان له أَنْ يَطَأَهَا حتى يُخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَيَخْرُجَ بها وَلَوْ كان له وَلَدٌ منها
____________________

(7/365)


كَانُوا أَمْلَكَ بِهِ منه وقال أبو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هذا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا قال الْأَوْزَاعِيُّ في غَيْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ السَّبْيَ في دَارِ الْحَرْبِ وَكَرِهَ أَنْ يَطَأَ أُمَّ الْوَلَدِ التي لَا شَأْنَ له في مِلْكِهَا كَيْفَ هذا قال أبو يُوسُفَ كان أبو حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أو مُدَبَّرَتَهُ أو أَمَتَهُ في دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ مُقَامٍ وَكُرِهَ له الْمُقَامُ فيها وَكُرِهَ له أَنْ يَكُونَ له فيها نَسْلٌ على قِيَاسِ ما قال في مُنَاكَحَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ كان يقول أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ ليس يَمْلِكُهُمَا الْعَدُوُّ وكان يقول إنْ وَطِئَهُمَا في دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ وطىء ما يَمْلِكُ ولم يَكُنْ يقول إنْ كان لها زَوْجٌ هُنَالِكَ يَطَؤُهَا إن لِمَوْلَاهَا أَنْ يَطَأَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَعَمَ أبو يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا رَوَى عنه أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بِوَطْءِ السَّبْيِ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وهو كما قال الْأَوْزَاعِيُّ وقد وطىء أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَعَرَّسَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصَفِيَّةَ بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ غَيْرُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَالسَّبْيُ قد جَرَى عليهم الرِّقُّ وَانْقَطَعَتْ الْعِصَمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ من يَمْلِكُهُمْ بِنِكَاحٍ أو شِرَاءٍ وَكَرِهَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وأبو حَنِيفَةَ كان أَوْلَى أَنْ يَكْرَهَ هذا في أَصْلِ قَوْلِهِ من الْأَوْزَاعِيِّ من قِبَلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا ما يَزْعُمُ أَنَّ شَاهِدَيْنِ لو شَهِدَا على رَجُلٍ بِزُورٍ أَنَّهُ طَلَّقَ أمرأته ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كان لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْكِحَهَا حَلَالًا وهو يَعْلَمُ أنها زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ ما مَلَكَتْ يَمِينُهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُنْسَبَ في تَنَاقُضِ الْقَوْلِ في هذا من الْأَوْزَاعِيِّ وَلَيْسَ هو كما قال الْأَوْزَاعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَتَهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ من الْمُسْلِمِينَ شيئا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لو ظَفِرُوا بِشَيْءٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ وَحَضَرَ صَاحِبُهُ قبل الْقَسْمِ كان أَحَقَّ بِهِ من الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عليه وَلَوْ كان الْعَدُوُّ مَلَكُوهُ مِلْكًا تَامًّا ما كان إلَّا لِمَنْ أَوْجَفَ عليه كما يَكُونُ سَائِرُ مِلْكِهِمْ غير أَنَّا نُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا شَرِكَهُ في بُضْعِ جَارِيَتِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَتَوَقَّى وَطَأْهَا لِلْوَلَدِ - * الرَّجُلُ يَشْتَرِي أَمَتَهُ بعد ما يُحْرِزُهَا الْعَدُوُّ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَطَأَهَا وقال الْأَوْزَاعِيُّ يَطَؤُهَا وقال أبو يُوسُفَ قال أبو حَنِيفَةَ لَا يَطَؤُهَا وكان يَنْهَى عن هذا أَشَدَّ النَّهْيِ وَيَقُولُ قد أَحْرَزَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَلَوْ أَعْتَقُوهَا جَازَ عِتْقُهُمْ فَكَيْفَ يَطَؤُهَا مَوْلَاهَا وَلَيْسَتْ هذه كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ يَمْلِكُونَ الْأَمَةَ وَلَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ من الْمُشْرِكِينَ بعد ما يُحْرِزُونَهَا فَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يَطَأَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا كما لَا يَطَؤُهَا لو نُكِحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا وَأُصِيبَتْ حتى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وقد صَارَتْ إلَى من كان يَسْتَحِلُّهَا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ على أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ شيئا مِلْكًا صَحِيحًا لِمَا وَصَفْتُ من أَنَّهُ يُوجِفُ على ما أَحْرَزُوا الْمُسْلِمُونَ فَيَمْلِكُونَهُ مِلْكًا يَصِحُّ عن الْمُشْرِكِينَ فيأتى صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقَسَّمَ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ من الْمُوجِفِينَ عليه وَكَيْفَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ على الْمُسْلِمِينَ وقد مَنَعَ اللَّهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِدِينِهِ وَخَوَّلَهُمْ عَدُوَّهُمْ من الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مَتَى قَدَرُوا عليها أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من يَمْلِكُونَهُ مَتَى قَدَرُوا عليه أَنْ يَمْلِكَ عليهم هذا مُحَالٌ أَنْ يَمْلِكَ على من أَمْلِكُهُ مَتَى قَدَرْت عليه وَلَوْ أَعْتَقُوا جَمِيعَ ما أَحْرَزُوا من رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لم يَجُزْ لهم عِتْقٌ وإذا كان الْغَاصِبُ من الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ له الْعِتْقُ فِيمَا غَصَبَ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ له ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ قد رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له فَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ كان من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ له مِلْكُهُ فَهُوَ له فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ أَرَأَيْتَ لو اسْتَرَقُّوا أَحْرَارًا من الْمُسْلِمِينَ فَأَسْلَمُوا عليهم أَيَكُونُونَ لهم
____________________

(7/366)


فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَيَدُلُّ هذا على خِلَافِك الْحَدِيثُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كما قُلْنَا فَإِنْ قال ما هذا الذي يَجُوزُ لهم مِلْكُهُ قِيلَ مِثْلُ ما كان يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مِلْكُهُ فَإِنْ قال فَأَيْنَ ذلك قِيلَ مِثْلُ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ لهم وَأَخْذِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فَذَلِكَ لهم جَائِزٌ حَلَالٌ فَإِنْ سبي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ فَهُوَ له لِأَنَّهُ أَخَذَ رَقَبَةً وَمَالًا غير مَمْنُوعٍ وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِينَ فمما مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ حتى لو أَنَّ مُسْلِمًا أَخَذَ منه شيئا كان عليه رَدُّهُ ولم يَكُنْ له مِلْكُهُ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ على الْمُسْلِمِ من الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ - * الْحَرْبِيُّ يُسْلِمُ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بها مَالٌ - * قال أبو حَنِيفَةَ في الرَّجُلِ من أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بها مَالٌ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ على تِلْكَ الدَّارِ إنَّهُ يُتْرَكُ له ما كان له في يَدَيْهِ من مَالِهِ وَرَقِيقِهِ وَمَتَاعِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وما كان من أَرْضٍ أو دَارٍ فَهُوَ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ إذَا كانت كَافِرَةً فإذا كانت حُبْلَى فما في بَطْنِهَا فَيْءٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ كانت مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ ظَهَرَ عليها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ وَفِيهَا رِجَالٌ مُسْلِمُونَ فلم يَقْبِضْ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَارًا وَلَا أَرْضًا وَلَا امْرَأَةً وَأَمَّنَ الناس وَعَفَا عَنْهُمْ قال أبو يُوسُفَ قد نَقَضَ الْأَوْزَاعِيُّ حُجَّتَهُ هذه أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد عَفَا عن الناس كُلِّهِمْ وَأَمَّنَهُمْ الْكَافِرَ منهم وَالْمُؤْمِنَ ولم يَكُنْ في مَكَّةَ غَنِيمَةٌ وَلَا فَيْءٌ فَهَذِهِ لَا تُشْبِهُ الدَّارَ التي تَكُونَ فَيْئًا يَقْتَسِمُهَا الْمُسْلِمُونَ بِمَا فيها ( قال الشَّافِعِيّ ) الذي قال الْأَوْزَاعِيُّ كما قال إلَّا أَنَّهُ لم يَصْنَعْ شيئا في احْتِجَاجِهِ بِمَكَّةَ وقد بَيَّنَّاهَا في مَسْأَلَةٍ قبل هذه فَتَرَكْنَا تَكْرِيرَهَا وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ في هذا أَنَّ ابنى سَعْيَةَ القرظيين خَرَجَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامُهُمَا دِمَاءَهُمَا وَجَمِيعَ أَمْوَالِهِمَا من النَّخْلِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ في بنى قُرَيْظَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِزَ لهم الْإِسْلَامُ الدِّمَاءَ ولم يُؤْسَرُوا ولم يُحْرِزْ لهم الْأَمْوَالَ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِزَ لهم بَعْضَ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ أَرَأَيْتَ لو لم يَكُنْ في هذا خَبَرٌ أَمَا كان الْقِيَاسُ إذَا صَارَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُحْرِزُ له الْإِسْلَامُ من دَمِهِ وَمَالِهِ أو يُقَالَ يَكُونُ غير مُحْرِزٍ له من مَالِهِ إلَّا ما لم يَكُنْ يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ أَمَّا ما يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ من ثِيَابِهِ وَمَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ فَلَا لِأَنَّ تَرْكَهُ إيَّاهُ في بِلَادِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ رِضًا منه بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا إذْ أَمْكَنَهُ تَحْوِيلُهُ فلم يُحَوِّلْهُ أَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَشَدَّ من قَوْلِ من قال يُحْرَزُ له جَمِيعُ مَالِهِ إلَّا ما لَا يَسْتَطِيعُ تَحْوِيلَهُ هذا الْقَوْلُ خَارِجٌ من الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ وَالسُّنَّةِ - * الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ يُسْلِمُ في دَارِ الْإِسْلَامِ - * قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الرَّجُلِ من أَهْلِ الْحَرْبِ يَخْرُجُ مُسْتَأْمَنًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُ فيها ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ على الدَّارِ التي فيها أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ هُمْ فَيْءٌ أَجْمَعُونَ وقال الْأَوْزَاعِيُّ يُتْرَكُ له أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ كما تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ معه من الْمُسْلِمِينَ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ حين ظَهَرَ على مَكَّةَ قال أبو يُوسُفَ ليس في هذا حُجَّةٌ على أبي حَنِيفَةَ وقد تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الشِّرْكِ مِمَّنْ أَهْلُهُ بِمَكَّةَ أَمْوَالَهُمْ وَعِيَالَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذه مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ الذي كان مُشْرِكًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ يُحْرِزَ له دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِيَالَهُ الَّذِينَ لم يَبْلُغُوا من وَلَدِهِ من الْمُسْلِمِ في بِلَادِ الشِّرْكِ فَكَيْفَ يُتْرَكُ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَالِهِ وَلَا يُتْرَكُ لِهَذَا الذي هو خَيْرٌ حَالًا منه بَعْضُ مَالِهِ بَلْ جَمِيعُ مَالِهِ كُلِّهِ له وَكُلُّ مَوْلُودٍ
____________________

(7/367)


له لم يَبْلُغْ مَتْرُوكٌ له وَكُلُّ بَالِغٍ من وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ يُسْبَى لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ لَا حُكْمُهُ وَمَنْ أَحْرَزَ له الْإِسْلَامُ دَمَهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه أَحْرَزَ له الْإِسْلَامُ مَالَهُ وَمَالُهُ أَصْغَرُ قَدْرًا من دَمِهِ وَالْحُجَّةُ في هذا مِثْلُ الْحُجَّةِ في الْأُولَى وقد أَصَابَ الْأَوْزَاعِيُّ فيها وَحُجَّتُهُ بِمَكَّةَ وَأَهْلِهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ لَيْسَتْ مَكَّةُ من هذا بِسَبِيلٍ لَا في هذه وَلَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لو كان ( ( ( كال ) ) ) هذا الرَّجُلُ أَسْلَمَ في دَارِ الْحَرْبِ كان له وَلَدُهُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ على دِينِهِ وما سِوَى ذلك من أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَهُوَ فَيْءٌ وقال الْأَوْزَاعِيُّ حَالُ هذا كَحَالِ الْمُهَاجِرِينَ من مَكَّةَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَرُدُّ إلَيْهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ كما رَدَّهُ لِأُولَئِكَ قال أبو يُوسُفَ قد فَرَغْنَا من الْقَوْلِ في هذا وَالْقَوْلُ فيه كما قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَوْلُ فيه ما قال الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحُجَّةُ فيه مِثْلَ الْحُجَّةِ في الأوليين ( ( ( الأولين ) ) ) - * الْمُسْتَأْمَنُ يُسْلِمُ وَيَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وقد اسْتَوْدَعَ مَالَهُ - * قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لو كان أَخَذَ من مَالِهِ شيئا فَاسْتَوْدَعَهُ رَجُلًا من أَهْلِ الْحَرْبِ كان فَيْئًا أَيْضًا وقال الْأَوْزَاعِيُّ لَا وَاحْتَجَّ في ذلك بِصُنْعِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ وقال أَحَقُّ من اقتدى بِهِ وَتُمُسِّكَ بِسُنَّتِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال شُرَيْحٌ إنَّ السُّنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ هذا فَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا ما أَخَذْتُمْ بِالْأَثَرِ وقال أبو يُوسُفَ ليس يُشْبِهُ الناس رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يُشْبِهُ الْحُكْمُ في الْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْحُكْمَ في الْعَرَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ منهم جِزْيَةٌ وَلَا يُقْبَلُ منهم إلَّا الْإِسْلَامُ أو الْقَتْلُ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ من مُشْرِكِي الْأَعَاجِمِ وَأَنَّ إمَامًا لو ظَهَرَ على مَدِينَةٍ من مَدَائِنِ الرُّومِ أو غَيْرِهَا من أَهْلِ الشِّرْكِ حتى تَصِيرَ فَيْئًا أو غَنِيمَةً في يَدِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْتِكَ منها شيئا وَلَا يَصْرِفَهَا عن الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا كان الْإِسْلَامُ على ( 1 ) وَلَيْسَ هَكَذَا فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال في مَكَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا فلم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قبلى وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وقد سبي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبْيَ هَوَازِنَ وسبي يوم بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيَوْمَ خَيْبَرَ في غَزَوَاتٍ من غَزَوَاتِهِ ظَهَرَ على أَهْلِهَا وسبي ولم يَصْنَعْ في شَيْءٍ من ذلك ما صَنَعَ في مَكَّةَ لو كان الْأَمْرُ على ما صَنَعَ في مَكَّةَ ما جَازَ لِأَحَدٍ من الناس أَنْ يَسْبِيَ أَحَدًا أَبَدًا وَلَا كانت غَنِيمَةٌ وَلَا فَيْءٌ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَكَّةَ على غَيْرِ ما عليه الْمَقَاسِمُ وَالْمَغَانِمُ فَتَفَهَّمْ حَدِيثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَغْنَمْ من مَكَّةَ غَنِيمَةً من كَافِرٍ وَلَا مُسْلِمٍ وَلَا سبي منها لَا من عِيَالِ مُسْلِمٍ وَلَا من عِيَالِ كَافِرٍ وَعَفَا عَنْهُمْ جميعا وقد جَاءَتْهُ هَوَازِنُ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ ما أَخْبَرْتُ بِهِ وَفَدَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ من السَّبْيِ كُلُّ رَأْسٍ بِسِتَّةِ فَرَائِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ في هذا غير الْقَوْلِ في أَهْلِ مَكَّةَ وما صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ حَقٌّ كما صَنَعَ ليس لِأَحَدٍ بَعْدَهُ في مِثْلِ هذا ما له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قد كَثُرَ التَّرَدُّدُ في مَكَّةَ وَالْأَمْرُ فيها على خِلَافِ ما قَالَا مَعًا وقد بَيَّنَّا هذا ولم تَخْتَلِفْ سُنَنُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطُّ ولم يُسْتَنَّ إلَّا بِمَا عُلِمَ من بَعْدِهِ أَنْ يُسْتَنَّ إلَّا ما بَيَّنَ اللَّهُ له أَنَّهُ جَعَلَهُ له خَالِصًا دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَّنَهُ هو عليه السَّلَامُ ولم يَخْتَلِفْ فيه من بَعْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحُكْمُ في الْعَرَبِ غَيْرُ الْحُكْمِ في الْعَجَمِ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مَكَّةَ دَارُ حَرْبٍ وَهِيَ دَارُ مَحْرَمٍ فَزَعَمَ أَنَّ النبي
____________________

(7/368)


صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ فيها خِلَافَ حُكْمِهِ في الْعَرَبِ وَهَوَازِنَ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ ولم يَحْكُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في شَيْءٍ من ذلك وَلَا غَيْرِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَ وَلَكِنَّهُ سبي من ظَفِرَ بِهِ عَنْوَةً وَغَنِمَهُ من عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ ولم يَسْبِ عَرَبِيًّا وَلَا عَجَمِيًّا تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ الظَّفَرَ بِهِ وَلَا قبل أَمَانِهِ وَتَرَكَ قِتَالِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَمِنْهُمْ من قال الْأَمَانُ وَلَا شَيْءَ لهم بها فَيُؤْخَذُ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ من غَيْرِ أَهْلِهَا لجأوا ( ( ( لجئوا ) ) ) إلَيْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من الْعَرَبِ فَنَحْنُ كنا على هذا أَحْرَصَ لَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ في غَيْرِ ما قال فلم يَكُنْ لنا أَنْ نَقُولَ إلَّا الْحَقَّ وقد أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من أُكَيْدِرٍ الْغَسَّانِيِّ وَيَرْوُونَ أَنَّهُ صَالَحَ رِجَالًا من الْعَرَبِ على الْجِزْيَةِ فَأَمَّا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَمِنْ بَعْدِهِ الْخُلَفَاءُ إلَى الْيَوْمِ فَقَدْ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ من بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخِ وَهَرَاةَ وَخَلِيطٍ من خَلِيطِ الْعَرَبِ وَهُمْ إلَى السَّاعَةِ مُقِيمُونَ على النَّصْرَانِيَّةِ فَضَعَّفَ عليهم الصَّدَقَةَ وَذَلِكَ جِزْيَةٌ وَإِنَّمَا الْجِزْيَةُ على الْأَدْيَانِ لَا على الْإِنْسَانِ وَلَوْلَا أَنْ نَأْثَمَ بتمنى الْبَاطِلِ وَدِدْنَا أَنَّ الذي قال أبو يُوسُفَ كما قال وَأَنْ لَا يجرى صَغَارٌ على عَرَبِيٍّ وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل أَجَلُّ في أَعْيُنِنَا من أَنْ نُحِبَّ غير ما قَضَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/369)


3 (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَعَالَى { وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } إلَى قَوْلِهِ { يَخْتَصِمُونَ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ من الْمُدْحَضِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَصْلُ الْقُرْعَةِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل في قِصَّةِ الْمُقْتَرِعِينَ على مَرْيَمَ وَالْمُقَارِعِي يُونُسَ مُجْتَمِعَةً فَلَا تَكُونُ الْقُرْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا بين قَوْمٍ مُسْتَوِينَ في الْحُجَّةِ وَلَا يَعْدُو وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْمُقْتَرِعُونَ على مَرْيَمَ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا سَوَاءً في كَفَالَتِهَا فَتَنَافَسُوهَا فلما كان أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ منهم أَرْفَقُ بها لِأَنَّهَا لو صُيِّرَتْ عِنْدَ كل وَاحِدٍ منهم يَوْمًا أو أَكْثَرَ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلُ ذلك كان أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَضَرَّ بها من قِبَلِ أَنَّ الْكَافِلَ إذَا كان وَاحِدًا كان أَعْطَفَ له عليها وَأَعْلَمَ بِمَا فيه مَصْلَحَتِهَا لِلْعِلْمِ بِأَخْلَاقِهَا وما تَقْبَلُ وما تَرُدُّ وما يَحْسُنُ بِهِ اغْتِذَاؤُهَا فَكُلُّ من اعْتَنَفَ كَفَالَتَهَا كَفَلَهَا غير خَابِرٍ بِمَا يُصْلِحُهَا وَلَعَلَّهُ لَا يَقَعُ على صَلَاحِهَا حتى تَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ فَيَعْتَنِفَ من كَفَالَتِهَا ما اعْتَنَفَ غَيْرُهُ وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ وَذَلِكَ أَنَّ وِلَايَةَ وَاحِدٍ إذَا كانت صَبِيَّةً غير مُمْتَنِعَةٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ منه من عَقْلٍ يَسْتُرُ ما يَنْبَغِي سِتْرُهُ كان أَكْرَمَ لها وَأَسْتَرَ عليها أَنْ يَكْفُلَهَا وَاحِدٌ دُونَ الْجَمَاعَةِ ( قال ) وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كَافِلٍ وَيَغْرَمُ من بقى مُؤْنَتَهَا بِالْحِصَصِ كما تَكُونُ الصَّبِيَّةُ عِنْدَ خَالَتِهَا وَعِنْدَ أُمِّهَا وَمُؤْنَتُهَا على من عليه مُؤْنَتُهَا ( قال ) وَلَا يَعْدُو الَّذِينَ اقْتَرَعُوا على كَفَالَةِ مَرْيَمَ أَنْ يَكُونُوا تَشَاحُّوا على كَفَالَتِهَا وهو أَشْبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أو يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالَتَهَا فَاقْتَرَعُوا أَيُّهُمْ تَلْزَمُهُ فإذا رضى من شَحَّ على كَفَالَتِهَا أَنْ يُمَوِّنَهَا لم يُكَلَّفْ غَيْرُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ من مُؤْنَتِهَا شيئا بِرِضَاهُ بِالتَّطَوُّعِ بِإِخْرَاجِ ذلك من مَالِهِ ( قال ) وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كان فَالْقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمْ ما يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ وَتُخَلِّصُ له ما يَرْغَبُ فيه لِنَفْسِهِ وَتَقْطَعُ ذلك عن غَيْرِهِ مِمَّنْ هو في مِثْلِ حَالِهِ ( قال ) وَهَكَذَا مَعْنَى قُرْعَةِ يُونُسَ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا وَقَفَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَقَالُوا ما يَمْنَعُهَا من أَنْ تَجْرِيَ إلَّا عِلَّةٌ بها وما عِلَّتُهَا إلَّا ذُو ذَنْبٍ فيها فَتَعَالَوْا نَقْتَرِعُ فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ على يُونُسَ عليه السَّلَامُ فَأَخْرَجُوهُ منها وَأَقَامُوا فيها وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى الْقُرْعَةِ في الَّذِينَ اقْتَرَعُوا على كَفَالَةِ مَرْيَمَ لِأَنَّ حَالَ الرُّكْبَانِ كانت مُسْتَوِيَةً وَإِنْ لم يَكُنْ في هذا حُكْمٌ يُلْزِمُ أَحَدَهُمْ في مَالِهِ شيئا لم يَلْزَمْهُ قبل الْقُرْعَةِ وَيُزِيلُ عن آخَرَ شيئا كان يَلْزَمُهُ فَهُوَ يُثْبِتُ على بَعْضٍ حَقًّا وَيُبَيِّنُ في بَعْضٍ أَنَّهُ بَرِيءٌ منه كما كان في الَّذِينَ اقْتَرَعُوا على كَفَالَةِ مَرْيَمَ غُرْمٌ وَسُقُوطُ غُرْمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُرْعَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كل مَوْضِعٍ أَقْرَعَ فيه في مِثْلِ مَعْنَى الَّذِينَ اقْتَرَعُوا على كَفَالَةِ مَرْيَمَ سَوَاءٌ لَا يُخَالِفُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَقْرَعَ بين مَمَالِيكَ أُعْتِقُوا مَعًا فَجَعَلَ الْعِتْقَ تَامًّا لِثُلُثِهِمْ وَأَسْقَطَ عن ثُلُثَيْهِمْ بِالْقُرْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ في مَرَضِهِ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ فَجَازَ عِتْقُهُ في مَالِهِ ولم يَجُزْ في مَالِ غَيْرِهِ فَجَمَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعِتْقَ في ثُلُثِهِ ولم يُبَعِّضْهُ كما يَجْمَعُ الْقَسْمَ بين أَهْلِ الْمَوَارِيثِ وَلَا يُبَعِّضُ عليهم وَكَذَلِكَ كان إقْرَاعُهُ لِنِسَائِهِ أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ في الْحَضَرِ فلما كان السَّفَرُ كان مَنْزِلَةً يَضِيقُ فيها الْخُرُوجُ بِكُلِّهِنَّ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ
____________________
1- * كِتَابُ الْقُرْعَةِ

(8/3)


فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها معه وَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِهَا في غَيْبَتِهِ بها فإذا حَضَرَ عَادَ لِلْقَسْمِ لِغَيْرِهَا ولم يَحْسِبْ عليها أَيَّامَ سَفَرِهَا وَكَذَلِكَ قَسَّمَ خَيْبَرَ فَكَانَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ ثُمَّ أَقْرَعَ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ على جُزْءٍ مُجْتَمِعٍ كان له بِكَمَالِهِ وَانْقَطَعَ منه حَقُّ غَيْرِهِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عن غَيْرِهِ ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن إسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عن يَزِيدَ بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ عن مَكْحُولٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لها عِنْدَ الْمَوْتِ ليس لها مَالٌ غَيْرَهُمْ فَأَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن رَجُلٍ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ إمَّا قال أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ ليس له شَيْءٌ غَيْرَهُمْ وَإِمَّا قال أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ ليس له مَالٌ غَيْرَهُمْ فَبَلَغَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال فيه قَوْلًا شَدِيدًا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ فَذَكَر الحديث ( أخبرنا ) بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن أبي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قَضَى في رَجُلٍ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقِهِ وَفِيهِمْ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ رِجَالًا منهم خَارِجَةُ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ قال أبو الزِّنَادِ وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عن الْحَسَنِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ فَكَانَ له مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عليه قِيمَةُ الْعَدْلِ فأعطى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ ( قال الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كان مُوسِرًا فإنه يُقَوَّمُ عليه بِأَعْلَى الْقِيمَةِ وَيَعْتِقُ وَرُبَّمَا قال قِيمَةٌ لَا وَكْسَ فيها وَلَا شَطَطَ ( أخبرنا ) بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن أبي الزِّنَادِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقِهِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ أَبَانُ بن عُثْمَانَ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن أَنَّ رَجُلًا في زَمَانِ أَبَانَ بن عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا له جميعا لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرَهُمْ فَأَمَرَ أَبَانُ بن عُثْمَانَ بِذَلِكَ الرَّقِيقِ فَقُسِمُوا أَثْلَاثًا ثُمَّ أَسْهَمَ بَيْنَهُمْ على أَيِّهِمْ خَرَجَ سَهْمُ الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُ فَخَرَجَ السَّهْمُ على أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ قال مَالِكٌ ذلك أَحْسَنُ ما سَمِعْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ وبن الْمُسَيِّبِ مُوَافِقٌ قَوْلَ بن عُمَرَ في الْعِتْقِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ حكى فِيهِمَا وَلَا في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُمْ إنْ كان أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ في حَيَاتِهِ فَهَكَذَا فِيمَا أَرَى الحديث فَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ على مَعَانٍ منها أَنَّ عِتْقَ الْبَتَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لم يَصِحَّ الْمَرِيضُ قبل الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ كَعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فلما أَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ الثُّلُثَ وَأَرَقَّ الثُّلُثَيْنِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الْمُعْتِقَ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم مَالَهُ وَرَدَّ مَالَ غَيْرِهِ كما لو كان الرَّقِيقُ لِرَجُلٍ فَبَاعَ ثُلُثَهُمْ أو وَهَبَهُ فَقَسَمْنَاهُمْ ثُمَّ أَقْرَعْنَا فَأَعْطَيْنَا الْمُشْتَرِيَ إذَا رضي الثُّلُثَ بِحِصَصِهِمْ أو الْمَوْهُوبَ له الثُّلُثَ وَالشَّرِيكَ الثُّلُثَيْنِ بِالْقُرْعَةِ إذَا خَرَجَ سَهْمُ الْمُشْتَرِي أو الْمَوْهُوبِ كان له ما خَرَجَ عليه سَهْمُهُ وما بقى لِشَرِيكِهِ فَكَانَ الْعِتْقُ إذَا كان فِيمَا يُتَحَرَّى خُرُوجًا من مِلْكٍ كما كانت الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ خُرُوجًا من مِلْكٍ فَكَانَ سَبِيلُهُمْ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِمْ الْقَسْمُ ( قال ) وَلَوْ صَحَّ الْمُعْتِقُ من مَرَضِهِ عَتَقُوا كلهم حين صَارَ مَالِكًا لهم غير مَمْنُوعٍ منهم وَذَلِكَ مَرَضٌ لَا يَدْرِي أَيَمُوتُ منه أو يَعِيشُ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ وَهُمْ يُخْرَجُونَ من ثُلُثِهِ عَتَقُوا كلهم فلما مَاتَ وَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ وَأَرَقَّ الثُّلُثَيْنِ كان مِثْلَ مَعْنَى حديث بن عُمَرَ لَا يُخَالِفُهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَعْتَقَ شِقْصًا له في عَبْدٍ وكان له مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عليه قِيمَةَ عَدْلٍ فأعطى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ فإذا كان الْمُعْتِقُ
____________________

(8/4)


الشِّقْصَ له في الْعَبْدِ إذَا كان مُوسِرًا فَدَفَعَ الْعِوَضَ من مَالِهِ إلَى شَرِيكِهِ عَتَقَ عليه وإذا لم يَدْفَعْ الْعِوَضَ عَتَقَ منه ما عَتَقَ وكان الْمَالِكُ الشَّرِيكُ معه على مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِهِ إذَا أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ لم يَخْرُجْ من يَدِ شَرِيكِهِ مَالُهُ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ وإذا أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ تَمَّ الْعِتْقُ وكان لِشَرِيكِهِ الْعِوَضُ فأعطى مِثْلَ ما خَرَجَ منه وَتَمَّ الْعِتْقُ وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْحَدِيثَيْنِ يُبْطِلُ الِاسْتِسْعَاءَ بِكُلِّ حَالٍ وَيَتَّفِقَانِ في ثَلَاثَةِ مَعَانٍ إبْطَالُ الِاسْتِسْعَاءِ وَثُبُوتُ الرِّقِّ بَعْدَ الْعِتْقِ في حَالِ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ وَنَفَاذُ الْعِتْقِ إنْ كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ثُمَّ يَنْفَرِدُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ وبن الْمُسَيِّبِ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عِتْقَ الْبَتَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لم يَصِحَّ صَاحِبُهُ وَصِيَّةٌ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ وذلك ( ( ( ولك ) ) ) أَنَّ الْمَمَالِيكَ لَيْسُوا بِذَوِي قَرَابَةٍ لِلْمُعْتِقِ وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ وَالْمَمَالِيكُ عَجَمٌ وَهَذَا يَدُلُّ على خِلَافِ ما قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } مَنْسُوخَةٌ بِالْمَوَارِيثِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا جُوِّزَ بها الثُّلُثُ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ في أَنْ لَا يُجَاوَزَ بِالْوَصَايَا الثُّلُثُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لو شَاءَ رَجُلٌ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَشَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على سَعْدٍ ولم يُعْلِمْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُثِ وفي هذا حُجَّةٌ لنا على من زَعَمَ أَنَّ من لم يَدَعْ وَارِثًا يُعْرَفُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ فَحَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ يَدُلُّ على خَمْسَةِ مَعَانٍ وَحَدِيثُ نَافِعٍ يَدُلُّ على ثَلَاثَةٍ كُلُّهَا في حديث عِمْرَانَ - * بَاب الْقُرْعَةِ في الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه كانت قُرْعَةُ الْعَرَبِ قِدَاحًا يَعْمَلُونَهَا منحوته مُسْتَوِيَةً ثُمَّ يَضَعُونَ على كل قَدَحٍ منها عَلَامَةَ رَجُلٍ ثُمَّ يُحَرِّكُونَهَا ثُمَّ يَقْبِضُونَ بها على جُزْءٍ مَعْلُومٍ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عليه كان له ( قال ) وَأَحَبُّ الْقُرْعَةِ إلَيَّ وَأَبْعَدُهَا من أَنْ يَقْدِرَ الْمُقْرِعُ فيها على الْحَيْفِ فِيمَا أَرَى أَنْ يَقْطَعَ رِقَاعًا صِغَارًا مُسْتَوِيَةً فَيَكْتُبُ في كل رُقْعَةٍ اسْمَ ذِي السَّهْمِ حتى يَسْتَوْظِفَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُجْعَلُ في بَنَادِقَ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهَا فَإِنْ لم يَقْدِرْ على ذلك إلَّا بِوَزْنٍ وُزِنَتْ ثُمَّ تُسْتَجَف قَلِيلًا ثُمَّ تُلْقَى في ثَوْبِ رَجُلٍ لم يَحْضُرْ الْكِتَابَ وَلَا إدْخَالَهَا في الْبَنَادِقِ وَيُغَطَّى عليها ثَوْبُهُ ثُمَّ يُقَالُ أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً فإذا أَخْرَجَهَا فُضَّتْ وَقَرَأَ اسْمَ صَاحِبِهَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْجُزْءَ الذي أَقْرَعَ عليه ثُمَّ يُقَالُ أُقْرِعَ على السَّهْمِ الذي يَلِيه ثُمَّ هَكَذَا ما بقى من السُّهْمَانِ شَيْءٌ حتى يَنْفَدَ وَهَكَذَا في الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فإذا مَاتَ مَيِّتٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا قد أَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ أو اقتصر بِعِتْقِهِ على الثُّلُثِ أو أَعْتَقَ ثُلُثَيْهِمْ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَكَتَبَ سَهْمَ الْعِتْقِ في وَاحِدٍ وَسَهْمَا الرِّقِّ في اثْنَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ الذي يُخْرِجُ السِّهَامَ فَقِيلَ أَخْرِجْ على هذا الْجُزْءِ وَيُعَرَّفُ الذي يَخْرُجُ عليه فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ الْجُزْءُ الذي أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ عليه وبقى الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَكَانَا اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا ثُمَّ قُلْنَا أَخْرِجْ على هَؤُلَاءِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ له وَالْبَاقِي لِلثَّانِي فَإِنْ كان وَرَثَتُهُ اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ على الرَّقِيقِ أَخَذَ جزءه ( ( ( جزأه ) ) ) الذي خَرَجَ عليه وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ وَكَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَخَذْنَا الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بَقِيَا رَقِيقَيْنِ وَاسْتَأْنَفْنَا قسمهم ( ( ( فأقرعنا ) ) ) ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ قُرْعَةً جَدِيدَةً مُسْتَأْنَفَةً وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ أَوَّلًا على جُزْءٍ رَقُّوا ثُمَّ قِيلَ أَخْرِجْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ على الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقُوا وَرَقَّ الثَّالِثُ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ على الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقَ الْجُزْءُ الثَّالِثُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ جَهَدَ قَاسِمُهُمْ على تَعْدِيلِهِمْ فَضَمَّ الْقَلِيلَ الثَّمَنِ إلَى الْكَثِيرِ الثَّمَنِ حتى يَعْتَدِلُوا فَإِنْ لم يَعْتَدِلُوا لِتَفَاوُتِ قِيَمِهِمْ فَكَانُوا سِتَّةَ مَمَالِيكَ قِيمَةُ وَاحِدٍ منهم مِائَةٌ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جَعَلَ الْوَاحِدَ جُزْءًا وَالِاثْنَيْنِ جُزْءًا وَالثَّلَاثَةَ جُزْءًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ منهم في الْعِتْقِ عَتَقَ وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ سَهْمُ الِاثْنَيْنِ أو الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ بِالْقِيَمِ اسْتَوَتْ قِيَمُهُمْ أو اخْتَلَفَتْ وَإِنْ كان الْوَاحِدُ قِيمَتُهُ مائتين ( ( ( مائتان ) ) ) وَالِاثْنَانِ قِيمَتُهُمَا خمسين ( ( ( خمسون ) ) ) وَالثَّلَاثَةُ قِيمَتُهُمْ خمسين ( ( ( خمسون ) ) ) أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ عَتَقَ منه الثُّلُثُ من جَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ نِصْفُ
____________________

(8/5)


الْعَبْدِ وبقى نِصْفُهُ وَالْجُزْءَانِ رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ على الِاثْنَيْنِ عَتَقَا ثُمَّ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ فأقرع ( ( ( أقرع ) ) ) بين الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ يَبْدَأُ تَجْزِئَتُهُمْ أَثْلَاثًا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالْعِتْقِ عَتَقَ منه ما بقى من الثُّلُثِ وَرَقَّ ما بقى منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ بقى من الثُّلُثِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَخَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ على الْوَاحِدِ عَتَقَ منه ما بقى من حِصَّةِ الْعِتْقِ وَإِنْ خَرَجَ على اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ وَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعًا جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ على وَاحِدٍ عَتَقَ كُلُّهُ أو ما حَمَلَ ما بقى من الْعِتْقِ منه فَإِنْ عَتَقَ كُلُّهُ وَفَضَلَ فَضْلٌ أَقْرَعَ بين الَّذِينَ بَقُوا معه في جُزْئِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ قد صَارَ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ حتى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ وَلَا تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ أَبَدًا من سَهْمِ الَّذِينَ خَرَجَ لهم سَهْمُ الْعِتْقِ أَوَّلًا حتى تَكْمُلَ فِيهِمْ الْحُرِّيَّةُ فَإِنْ عَتَقَ وَاحِدٌ منهم ثُمَّ أَقَرَعَ بين من بقى فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ على اثْنَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ في الْعِتْقِ عَتَقَ أو عَتَقَ منه ما حَمَلَ الثُّلُثَ فَإِنْ عَتَقَ كُلُّهُ وبقى من الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ ما حَمَلَ الثُّلُثُ من الْبَاقِي مِنْهُمَا وإذا كَانُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفِي الْقِيَمِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَخَرَجَ سَهْمُ الْقُرْعَةِ على جُزْءٍ منهم وَلَهُمْ عَدَدٌ لَا يَحْتَمِلُهُمْ الثُّلُثُ أَقْرَعَ بين الْجُزْءِ الذي خَرَجَ عليهم سَهْمُ الْعِتْقِ فَأُعْتِقَ من خَرَجَ سَهْمُهُ منهم فَإِنْ بقى من الْعِتْقِ شَيْءٌ أَقْرَعَ بين من بقى من الْجُزْءِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْجُزْءَ من الِاثْنَيْنِ عَادَ رَقِيقًا وَلَا تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ من الْجُزْءِ الذي خَرَجَ له أَوَّلًا سَهْمُ الْعِتْقِ حتى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ أو يَفْضُلَ فَضْلٌ من الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْجُزْءَانِ الْبَاقِيَانِ فيه سَوَاءً تُبْتَدَأُ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمْ فَيُجَزَّءُونَ أَثْلَاثًا فَإِنْ لم يَكُنْ الْبَاقُونَ رَقِيقًا إلَّا اثْنَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ له سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ منه بِقَدْرِ ما بقى من الْعِتْقِ وَأَرَقَّ ما بقى وَلَا تُبْتَدَأُ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمْ أَبَدًا إلَّا على تَجْزِئَةِ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ ما أَمْكَنَ ذلك وَإِنْ كان الْمُعْتَقَانِ اثْنَيْنِ لَا مَالَ له غَيْرُهُمَا فَهَذَانِ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ منه ما حَمَلَ ثُلُثَ الْمَالِ فَإِنْ خَرَجَ على قَلِيلِ الْقِيمَةِ فَأُعْتِقُ كُلُّهُ وبقى من الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ من الْبَاقِي ما بقى من الثُّلُثِ وَرَقَّ ما بقى منه وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدَهُمَا أَنْ يُجْعَلُوا أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْوَاحِدِ أو الِاثْنَيْنِ عَتَقَ ثُمَّ جُزِّئَ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ فَأُعِيدَ فِيهِمْ الْقُرْعَةُ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ منه ما حَمَلَ الثُّلُثَ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ اثْنَيْنِ وَلَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ له الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْبَاقِي فَإِنْ عَتَقَ وبقى من الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ من الْبَاقِي بِقَدْرِ ما حَمَلَ الثُّلُثُ منه وكان ما بقى رَقِيقًا وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ كانت قِيَمُ الَّذِينَ جَزَّأَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَوَاءً لِأَنَّهُ لَا يُعْتِقُ اثْنَيْنِ وَيُرِقُّ أَرْبَعَةً إلَّا وَالِاثْنَانِ الثُّلُثُ كَامِلًا لَا زِيَادَةَ فيه وَلَا نَقْصَ وَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً جَعَلَهُمْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ حتى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُجَزِّئَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً قِيَمُهُمْ سَوَاءٌ ضُمَّ الْوَاحِدُ إلَى اثْنَيْنِ منهم فَإِنْ خَرَجَ له سَهْمُ الْعِتْقِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِكَمَالِهِ وكان ما بقى من الْعِتْقِ فِيمَنْ لم يَخْرُجْ سَهْمُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِمَعْنَى السُّنَّةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ أو لم تَخْتَلِفْ وَذَلِكَ أَنِّي جَعَلْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم حِصَّةً من الْقُرْعَةِ فإذا صَارَتْ على الثَّلَاثَةِ أَعَدْتُ عليهم الْقُرْعَةَ فَإِنْ وَقَعَتْ على الِاثْنَيْنِ عَتَقَا وَاسْتَأْنَفْت الْقُرْعَةَ على الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ من السَّبْعَةِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ أو اتَّفَقَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً أو أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَبَدًا أَنْ يُقْرَعَ بين الرَّقِيقِ قَلُّوا أو كَثُرُوا إلَّا على ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو الرَّقِيقُ الَّذِينَ أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيَمُهُمْ سَوَاءً أو ضُمَّ الْأَقَلُّ ثَمَنًا إلَى الْأَكْثَرِ حتى إذَا اعْتَدَلَتْ قِيَمُهُمْ فَهُوَ كما أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ على ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وقد كان يُمْكِنُ فِيهِمْ كانت قِيَمُهُمْ سَوَاءً أو مُخْتَلِفَةً أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ على سِتَّةِ أَسْهُمٍ كما يُقْرَعُ بين الْوَرَثَةِ فإذا خَرَجَ سَهْمُ وَاحِدٍ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ على من بقى حتى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ وكان ذلك أَحَبَّ إلَى الرَّقِيقِ لِأَنَّهُ إنْ يُقْرَعَ على الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ مَرَّتَيْنِ أَحَبَّ إلَيْهِمْ من أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ مَرَّةً وَقُرْعَةً مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثٍ لا ضَرَرَ فيها على الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ في مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ إلَّا الثُّلُثُ فلما
____________________

(8/6)


أَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ على ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لم يَجُزْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ إلَّا على ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ وَعَدَدُهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ جَازَ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ جَازَ إذَا اتَّفَقَتْ قِيَمُهُمْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ عَدَدِ الرَّقِيقِ كما يُقْرَعُ على قَدْرِ عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ بين الرَّقِيقِ لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَةِ لِلْقَسْمِ قد تَخْتَلِفُ في مَوْضِعٍ وَإِنْ اتَّفَقَتْ في غَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يُضَمُّ الْقَلِيلُ الثَّمَنِ إلَى كَثِيرِهِ أَفَرَأَيْت إذَا فَعَلَتْ هذا في الْعِتْقِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِيمَا يُقْسَمُ بين الْوَرَثَةِ قُلْنَا بِالْقِيمَةِ قِيلَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ فَكَانَ ما يَبْقَى منهم مُتَبَايِنُ الْقِيمَةِ فَفِي عَبْدٍ ثَمَنٌ أَلْفٌ وَعَبْدَيْنِ ثَمَنٌ خَمْسُمِائَةٍ وَالْوَرَثَةُ رَجُلَانِ قِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْأَوَّلِ على الْوَاحِدِ رَدَّ على أَخِيهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ خَرَجَ على اثْنَيْنِ أَخَذَ من صَاحِبِهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ قال صَاحِبُهُ ليس عِنْدِي أَخَذَ الْعَبْدَيْنِ وكان شَرِيكُهُ في الْعَبْدِ الذي صَارَ في يَدِهِ بِقَدْرِ ما بقى له حتى يستوفى نِصْفَ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ له رُبْعُ الْعَبْدِ وللاخر ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهَكَذَا قِيمَةُ كل ما اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ من أَرْضٍ وَثِيَابٍ وَدَارٍ وَغَيْرِ ذلك بين الْوَرَثَةِ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَصِحُّ أَنْ تَنْظُرَ قِيَمَهُمْ فإذا كانت كما وَصَفْتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُقْرَعَ على ما وَصَفْنَا فَأَيُّكُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ على كَثِيرِ الثَّمَنِ رُدَّ ما فيه من فَضْلِ الْقِيمَةِ وَأَيُّكُمْ خَرَجَ على قَلِيلِ الثَّمَنِ أَخَذَهُ وما بقى من الْقِيمَةِ فَإِنْ رَضُوا مَعًا بهذا أقرعنا ( ( ( فأقرعنا ) ) ) وَإِنْ لم يَرْضَوْا قُلْنَا أَنْتُمْ قَوْمٌ لَكُمْ ما لَا يَعْتَدِلُ في الْقَسْمِ فَكَأَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ ما لَا يَنْقَسِمُ فَأَنْتُمْ على مَوَارِيثِكُمْ فيه حتى تَصْطَلِحُوا على ما أَحْبَبْتُمْ أو تَبِيعُوا فَتَقْسِمُوا الثَّمَنَ وَلَا نُكْرِهُكُمْ على الْبَيْعِ وَبِهَذَا أَقُولُ فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ لم تَقُلْ بِالْقِيمَةِ على الرَّقِيقِ فإذا خَرَجَ سَهْمُ الْكَثِيرِ الثَّمَنِ عَتَقَ كُلُّهُ وَصَارَ عليه ما بقى دَيْنًا لِلْوَرَثَةِ إنْ رضى ذلك الْعَبْدُ قِيلَ لَا يُشْبِهُ الرَّقِيقُ الْوَرَثَةَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا مَالَ لهم وَلَوْ كان لهم مَالٌ كان لِمَالِكِيهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ أُخْرِجَ عَبْدًا بقى فيه نِصْفُهُ رَقِيقًا إلَى الْحُرِّيَّةِ وَأُحِيلُ عليه وَارِثًا مَالِكًا له بِدَيْنٍ لَعَلَّهُ لَا يَأْخُذُهُ أَبَدًا بِغَيْرِ رِضَاهُ وأنا لو خَالَفْتُ حَدِيثَ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ وبن عُمَرَ وبن الْمُسَيِّبِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَدَخَلَتْ في الِاسْتِسْعَاءِ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ على ما أَقْسِمْ بين الْوَرَثَةِ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُخْطِئُهُ من قال هذا الْقَوْلَ قِيلَ إنَّمَا يَقْسِمُ على الْوَرَثَةِ بِالْقِيَمِ ويزاد ( ( ( وتزاد ) ) ) عليهم وَيَزْدَادُونَ بِرِضَاهُمْ فإذا أَسْخَطُوا أُشْرِكَ بَيْنَهُمْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ ما احْتَمَلَهُ بِالْقِيمَةِ وَالْعَبِيدُ لَا أَمْوَالَ لهم يَرْضَوْنَ بِأَنْ يُعْطُوهَا وَنَحْنُ لَا نُجْبِرُ من له حَقٌّ في مِيرَاثٍ من رَقِيقٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ شيئا ويعطى معه أو يعطى إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ ما اعْتَدَلَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِيمَةِ فإذا اخْتَلَفَتْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أُعْتِقَ بِالْقِيمَةِ حتى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً قِيَمُهُمْ سَوَاءٌ وكان خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِمْ يَخْرُجُونَ أَحْرَارًا جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فإذا خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّ على حُرٍّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ حتى يَخْرُجَ سَهْمُ الرِّقِّ على وَاحِدٍ وَيَعْتِقَ الْبَاقُونَ وَالْجُزْءَانِ اللَّذَانِ لم يَخْرُجْ عَلَيْهِمَا سَهْمُ الرِّقِّ حُرَّانِ وَسَوَاءٌ في الْقُرْعَةِ الرَّقِيقُ الذين ( ( ( الذي ) ) ) أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَاَلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا كان الرَّقِيقُ مُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ مَعًا أو كَانُوا مُعْتَقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعًا وَلَوْ كان له رَقِيقٌ قد أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ وَآخَرِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بُدِئَ بِاَلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ الْبَتَاتِ حتى لَا يَبْقَى منهم أَحَدٌ فَإِنْ لم يَفْضُلْ من الثُّلُثِ شَيْءٌ لم يَعْتِقْ من الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَحَدٌ وَسَوَاءٌ كَانُوا مُدَبَّرِينَ أو مُوصًى بِعِتْقِهِمْ وَإِنْ فَضَلَ عن الْمُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ من الثُّلُثِ شَيْءٌ أُقْرِعَ بين الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ فاعتق من خَرَجَ عليه سَهْمُ الْعِتْقِ كما وَصَفْت في الْقُرْعَةِ قبل هذا وَإِنَّمَا سَوَّيْنَا بين الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ أَنَّهُ كان له في الْمُدَبَّرِينَ الرُّجُوعُ وَأَنَّهُ لَا تَجْرِي فِيهِمْ حُرِّيَّةٌ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَخُرُوجُهُمْ من الثُّلُثِ وَكَانَتْ حَالُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَالْمُدَبِّرَيْنِ حَالُهُمْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُونَ عِنْدَنَا لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يَعْتِقُ بِالْمَوْتِ وَيَرِقُّ إنْ أَحَبَّ صَاحِبُهُ في حَيَاتِهِ وَلَوْ رَجَعَ في الْمُدَبَّرِينَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ قبل يَمُوتُ كان ذلك له
____________________

(8/7)


- * بَاب عِتْق الْمَمَالِيكِ مع الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فإذا كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بِيعَ الرَّقِيقُ وَلَا يَعْتِقُ منهم أَحَدٌ وَلَوْ كان عليه دَيْنٌ يُحِيطُ بِبَعْضِ مَالِهِ جُزِّئَ الرَّقِيقُ أَجْزَاءً ثُمَّ كُتِبَ سَهْمُ الْعِتْقِ وَسَهْمُ الرِّقِّ على قَدْرِ الدَّيْنِ عليه فَإِنْ كان الدَّيْنُ ثُلُثًا كُتِبَ الدَّيْنُ سَهْمًا وَالْعِتْقُ سَهْمَيْنِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه سَهْمُ الدَّيْنِ فَهُوَ سَهْمُ الرِّقِّ فَيُبَاعُونَ فَيُوَفَّى ما عليه من دَيْنِهِ وَإِنْ وَقَعَ على جُزْءٍ وَكَانُوا أَكْثَرَ من دَيْنِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ بِالْعِتْقِ وَالرِّقِّ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه سَهْمُ الرِّقِّ بِيعَ فيه فَإِنْ بقى منه شَيْءٌ جُزِّئَ الْبَاقِي منهم مع الْبَاقِينَ ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ بَيْنَهُمْ الْقُرْعَةُ كَأَنَّهُ لم يَتْرُكْ غَيْرَهُمْ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ على جُزْءٍ أَقَلَّ من دَيْنِهِ بِيعُوا ثُمَّ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ على من بقى حتى يُبَاعَ له بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَهَكَذَا إنْ كان دَيْنُهُ أَكْثَرَ من الثُّلُثِ زِيدَ له في سِهَامِ الرِّقِّ وَالْقُرْعَةِ حتى يستوفى حَقَّهُ وَيُبْدَأُ أَبَدًا بِسَهْمِ الرِّقِّ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَقْرَعْت بِالْعِتْقِ وَالرِّقِّ ثُمَّ بِعْت من خَرَجَتْ عليه قُرْعَةُ الرِّقِّ ولم تَعْتِقْ من خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ قِيلَ له إنَّ الدَّيْنَ أَوْلَى من الْعِتْقِ فلما كَانُوا مُسْتَوِينَ في الْعِتْقِ وَالرِّقِّ لم أُمَيِّزْ بَيْنَهُمْ إلَّا بِالْقُرْعَةِ فإذا خَرَجْت قُرْعَةُ الرِّقِّ بريء من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِثُبُوتِ الرِّقِّ من الْعِتْقِ فَبِعْته وكان من بقى مُسْتَوِينَ في الْعِتْقِ وَالرِّقِّ لِلْوَرَثَةِ فَأَعَدْت الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَمَنْ خَرَجَتْ عليه قُرْعَةُ الرِّقِّ رَقَّ فَإِنْ تَرَكَ عَبْدًا وَاحِدًا أَعْتَقَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِيعَ منه بِقَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ ما يَبْقَى منه وَرَقَّ ثُلُثَاهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ ولم أَعْلَمْ عليه دَيْنًا غير الذي قَضَيْت بِهِ فَأَعْتَقْت ثُلُثَهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ عليه دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمْ رَدَدْت عِتْقَهُمْ وَبِعْتُهُمْ في الدَّيْنِ عليه وَكَذَلِكَ أَبِيعُ من في يَدِ الْوَرَثَةِ منهم وَأَخَذْت كُلَّ مَالٍ في أَيْدِيهمْ إذَا اغْتَرَقَهُ الدَّيْنُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تَرُدُّ الْحُكْمَ وقد كان صَوَابًا قُلْت كان صَوَابًا على الظَّاهِرِ عِنْدَنَا فلما صَارَ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّ ما حَكَمْنَا أَوَّلًا بِهِ على غَيْرِ ما حَكَمْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ ولم نَرُدَّ ظَاهِرًا لِبَاطِنٍ مُغَيَّبٍ وَإِنَّمَا رَدَدْنَا الْحُكْمَ بِالظَّاهِرِ لِظَاهِرِ حُكْمٍ أَحَقَّ منه وَلَوْ كان الذي ظَهَرَ عليه من الدَّيْنِ لَا يُحِيطُ بِرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ عُدْتُ فَأَقْرَعْتُ بَيْنَهُمْ قُرْعَةَ الرِّقِّ وَقُرْعَةَ الْعِتْقِ وَبَدَأْتُ بِقُرْعَةِ الْعِتْقِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه رَدَدْت عِتْقَهُ وَبِعْتُهُ أو بِعْت منه ما يُقْضَى بِهِ دَيْنُ الْمَيِّتِ فإذا فَعَلْتَ حَالَ الْحُكْمِ في بَعْضِ أَمْرِهِمْ كَأَنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَ اثْنَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ وَدَفَعْت إلَى الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً قِيمَتُهُمْ مِائَتَانِ ثُمَّ ثَبَتَ على الْمَيِّتِ مِائَةُ دِينَارٍ فَإِنْ كان الْوَارِثُ وَاحِدًا فَاخْتَارَ إخْرَاجَ الْمِائَةِ فَأَخْرَجَهَا نَقَصَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ وَنَقَصْتَ من عِتْقِ اللَّذَيْنِ عَتَقَا ما زَادَ على الثُّلُثِ ثُمَّ أَقْرَعْت بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ الرِّقِّ وَسَهْمِ الْعِتْقِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه سَهْمُ الرِّقِّ أَرْقَقْت منه ما جَاوَزَ الثُّلُثَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا عَتَقَا وَثُلُثُ الْمَيِّتِ في الظَّاهِرِ مِائَةُ دِينَارٍ ثُمَّ صَارَ ثُلُثُ الْمَيِّتِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثَيْ دِينَارٍ وَاَلَّذِينَ لهم الدَّيْنُ خَرَجَ لهم سَهْمُ الْعِتْقِ بِكَمَالِهِ حُرًّا وَصَارَ بَعْضُ الذي خَرَجَ عليه سَهْمُ الرِّقِّ حُرًّا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقْنَا منه ما بقى من ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثَا سَهْمٍ من خَمْسِينَ سَهْمًا وَإِنْ كان الْوَرَثَةُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا نَقَصْنَا قَسْمَ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ وَبِعْنَا منهم حتى يُوَفَّى الْغَرِيمُ حَقَّهُ ثُمَّ عُدْنَا بِالْقُرْعَةِ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ على الِاثْنَيْنِ كما وَصَفْت ثُمَّ اسْتَأْنَفْنَا الْقَسْمَ بين الْوَرَثَةِ على من بقى مِمَّنْ كان في أَيْدِيهمْ من الرَّقِيقِ وَعَلَى من بقى من الْعَبِيدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُمْ الْمُرَقِّ بَعْضُهُمْ فَقَسَمْنَاهُمْ قَسْمًا مُسْتَأْنَفًا بِالْقِيمَةِ وَكُلَّمَا ظَهَرَ عليه دَيْنٌ صَنَعْنَا بِهِ كما وَصَفْت من نَقْضِ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ في الْمَسْأَلَةِ قبل هذا وَلَوْ لم يَظْهَرْ عليه دَيْنٌ وَلَكِنْ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبِيدِ الَّذِينَ في أَيْدِي الْوَرَثَةِ نَقَضْنَا الْقَسْمَ وَعُدْنَا على الْعِتْقِ فَنَقَصْنَا بَعْضَهُ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ نُقِصَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ عَتَقَا بقى الْآخَرُ حُرًّا وَأَقْرَعنَا بين اللَّذَيْنِ في أَيْدِي الْوَرَثَةِ فَأَعْتَقْنَا مِمَّنْ خَرَجَتْ له قُرْعَةُ الْعِتْقِ ما بقى من الثُّلُثِ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَهُمْ فَاسْتَأْنَفْنَاهُ جَدِيدًا
____________________

(8/8)


- * بَابُ الْعِتْقِ ثُمَّ يَظْهَرُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَلَوْ أَرْقَقْنَا ثُلُثَيْهِمْ وَأَعْتَقْنَا الثُّلُثَ ثُمَّ ظَهَرَ له مَالٌ يُخْرَجُونَ مَعًا فيه من الثُّلُثِ أَعْتَقْنَا من أَرْقَقْنَا منهم وَدَفَعْنَا إلَى الْوَرَثَةِ مَالَهُمْ كان قبل الْمُعْتَقِ وَدَفَعْنَا إلَى الْمَمَالِيكِ ما اكْتَسَبُوا بَعْدَ عِتْقِ الْمَالِكِ إيَّاهُمْ وما كان لِلرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ من مَالٍ في أَيْدِيهمْ وَأَيْدِي غَيْرِهِمْ قبل عِتْقِ الْمَيِّتِ عِتْقَ بَتَاتٍ أو قبل مَوْتِ الْمُعْتِقِ عِتْقَ تَدْبِيرٍ أو وَصِيَّةٍ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ كُلُّهُ كَأَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَهُ وَيُحْسَبُ الرَّقِيقُ وما أُخِذَ مِمَّا في أَيْدِيهمْ من الْمَالِ ثُمَّ يُعْتَقُ منهم ثُلُثُ جَمِيعِ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ فَإِنْ اكْتَسَبَ الرَّقِيقُ الْمُعْتَقُونَ عِتْقَ بَتَاتٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ مَالًا أو وُهِبَ لهم أو أَفَادُوهُ بِوَجْهٍ أو الرَّقِيقُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَدْبِيرٍ أو غَيْرِهِ أحصى جَمِيعُ ما اكْتَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم ثُمَّ نُظِرَ إلَى ما تَرَكَ الْمَيِّتُ فَإِنْ تَرَكَ من الْمَالِ ما يُخْرِجُ جَمِيعَ الرَّقِيقِ من ثُلُثِهِ عَتَقُوا كلهم وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ما أَفَادَ وَاكْتَسَبَ لَا يُحْسَبُ من مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لم يُحْسَبْ فَكَانَ الرَّقِيقُ لَا يَخْرُجُونَ مَعًا من ثُلُثِ مَال الْمَيِّتِ فأحصى مَالُ كل وَاحِدٍ منهم وَوُقِفَ ثُمَّ حَسَبَ قِيمَةَ الرَّقِيقِ وَالْمُعْتَقِينَ وَجَمِيعُ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ فَكَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا وَرَقِيقًا يُسَوُّونَ أَلْفًا وكان من يَعْتِقُ من الرَّقِيقِ ثُلُثَيْهِمْ وَذَلِكَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ كَامِلًا فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقْنَا ثُلُثَيْهِمْ وَخَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ اكْتَسَبُوهَا وَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَرْقَقْنَا ثُلُثَ الرَّقِيقِ وَاسْتَخْرَجْنَا ما في أَيْدِيهمْ مِمَّا أَفَادُوا وَاكْتَسَبُوا فَكَانَ مِائَةً اكْتَسَبَهَا مَمْلُوكَانِ فَزَادَ مَالُ الْمَيِّتِ فَأَقْرَعْنَا بين الْمَمَالِيكِ الْبَاقِينَ حتى نستوظف ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَأَيُّ مَمَالِيكِهِ خَرَجَ عليهم سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ أو عَتَقَ منه ما حَمَلَ ما بقى من الثُّلُثِ وإذا عَتَقَ كُلُّهُ انْبَغَى أَنْ أُرْجِعَ إلَيْهِ مَالَهُ الذي دَفَعْتُهُ إلَى الْوَرَثَةِ وإذا دَفَعْت ذلك إلَيْهِ فَكَانَ ذلك يُنْقِصُ مَالَ الْمَيِّتِ حتى لَا يَخْرُجَ من الثُّلُثِ حَسَبْت مَالَهُ وَقِيمَتَهُ ثُمَّ أُعْتِقُ منه بِقَدْرِ ما عَتَقَ وَدَفَعْت إلَيْهِ من مَالِهِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه فَإِنْ عَتَقَ نِصْفُهُ أَعْطَيْته نِصْفَ مَالِهِ أو ثُلُثَهُ أَعْطَيْته ثُلُثَ مَالِهِ فَكَانَ مَوْقُوفًا في يَدَيْهِ يَأْكُلُهُ في يَوْمِهِ الذي يَفْرُغُ فيه لِنَفْسِهِ من خِدْمَةِ مَالِكِهِ وَعَلَى هذا الْأَصْلِ حِسَابُ ما زَادَ من مَالِ الْمَيِّتِ وَنَقَصَ - * بَابُ كَيْفَ قِيَمُ الرَّقِيقُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا كان الرَّقِيقُ أُعْتِقُوا عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِ الْمُعْتِقِ أو رَقِيقٌ أُعْتِقُوا بِتَدْبِيرٍ أو وَصِيَّةٍ فَمَاتَ الْمُدَبِّرُ أو الموصى ولم يَرْفَعْ إلَى الْحَاكِم حتى تَغَيَّرَتْ قِيَمُ الرَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ أو نُقْصَانٍ فَالْقَوْلُ في قِيَمِ الرَّقِيقِ أَنَّهُمْ يُقَوَّمُونَ في يَوْمٍ وَقَعَ لهم الْعِتْقُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَتِهِمْ وَلَا نُقْصَانِهِمْ بَعْدَ ذلك وَذَلِكَ أَنَّ الرَّقِيقَ الَّذِينَ عَتَقُوا عِتْقَ بَتَاتٍ كان الْعِتْقُ لهم تَامًّا لو عَاشَ وَتَامًّا لو مَاتَ فَخَرَجُوا من الثُّلُثِ وَوَاقِعٌ على جَمَاعَتِهِمْ إنَّمَا يُرَدُّونَ بِأَنْ لَا يَدَعَ الْمَيِّتُ ما لا يَخْرُجُونَ بِهِ فَيُرَدُّونَ أو يُرَدُّ منهم من رُدَّ فإذا تَمَّ عِتْقُ بَعْضِهِمْ وَرُدَّ في بَعْضٍ فَإِنَّمَا أُعْتِقُوا بِالْعِتْقِ الْمُتَقَدِّمِ في حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لَا أَنَّ أَيَّهمْ يَعْتِقُ بِالْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقُرْعَةِ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ كَأَنَّهُمْ عَتَقُوا يَوْمئِذٍ وَلَا أَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْقَعَتْ لِمُعْتَقٍ عِتْقًا لم يَكُنْ له وَلَا زَادَتْهُ ما لم يَسْتَوْجِبْ إنَّمَا فَرَّقَتْ بين الْعِتْقِ وَالرِّقِّ فَأَمَّا زِيَادَةٌ في شَيْءٍ بِأَمْرٍ لم يَكُنْ فَلَا وَلَكِنَّهُ تَمْيِيزٌ بين من يَرِقُّ وَيَعْتِقُ مِمَّنْ وَقَعَ له الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ فإذا كان هذا هَكَذَا انبغى أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ يوم يَقَعُ الْعِتْقُ لَا يوم يَقَعُ الْحُكْمُ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُونَ وَالْمُعْتَقُونَ بِوَصِيَّةٍ فَقِيمَتُهُمْ يوم يَمُوتُ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لهم يَوْمئِذٍ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ إنْ كان الْمُعْتَقُونَ إمَاءً أو كان فِيهِمْ إمَاءٌ حَبَالَى قَوَّمَهُنَّ حَبَالَى فَإِنْ اسْتَأْخَرَتْ قِيَمُهُنَّ
____________________

(8/9)


إلَى أَنْ يَلِدْنَ فَقِيمَتُهُنَّ حَبَالَى وَأَيَّتُهُنَّ عَتَقَتْ فَوَلَدُهَا حُرٌّ مَعَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ لها الْقُرْعَةُ وَهِيَ حَامِلٌ فَكَانَ حُكْمُ حَمْلِهَا حُكْمُهَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا وَلَوْ كان زَايَلَهَا قبل الْعِتْقِ كان حُكْمُهُ غير حُكْمِهَا وَهَكَذَا كُلُّ من رَقَّ مِنْهُنَّ رَقَّ مَعَهَا وَلَدُهَا لَا حُكْمَ لِلْوَلَدِ إلَّا حُكْمُ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ ثُمَّ عَتَقَتْ كان وَلَدُهَا أَحْرَارًا مِثْلَهَا وَلَوْ وَلَدَتْ قبل أَنْ تَعْتِقَ عِتْقَ بَتَاتٍ كان وَلَدُهَا كَغَيْرِهِ من رَقِيقِ سَيِّدِهَا وما كان في أَيْدِي هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ عِتْقَ بَتَاتٍ عِنْدَ الْمَوْتِ أو الْمُعْتَقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ من مَالٍ قبل أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ على الْمُعْتَقِينَ فَهُوَ كُلُّهُ مَالٌ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ فَيُؤْخَذُ فَيَكُونُ مِيرَاثًا كما تَرَكَ من مَالٍ سِوَاهُ وَكَذَلِكَ أَرْشُ كل جِنَايَةٍ جُنِيَتْ على أَحَدٍ منهم قبل وُقُوعِ الْعِتْقِ ( 1 ) وَإِنْ لم يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكُلُّ ما وُهِبَ لهم أو صَارَ لهم من أُجْرَةٍ وَمَهْرِ جَارِيَةٍ وَغَيْرِ ذلك فَكُلُّهُ مَالٌ من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ قبل وُقُوعِ الْعِتْقِ لهم وَهُمْ رَقِيقٌ وَمَالُ الرَّقِيقِ لِمَالِكِهِ وَلَوْ زَوَّجَ أَمَةً منهم بِمِائَةِ دِينَارٍ فلم يَدْخُلْ بها الزَّوْجُ حتى أَعْتَقَهَا فَالْمِائَةُ لِلسَّيِّدِ إذَا دخل بها أو مَاتَ عنها وَالْمِائَةُ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ كَامِلَةً وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَيَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْمِائَةِ وَيَكُونُ الْخَمْسُونَ لِلسَّيِّدِ ( قال ) وما أَفَادَ الْعَبِيدُ الْمُعْتَقُونَ وَالْإِمَاءُ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ من كَسْبٍ وَهِبَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِ ذلك وُقِفَ وَمَنَعُوهُ فَإِنْ خَرَجُوا من الثُّلُثِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ التي كَسَبُوا وَأَفَادُوا أو صَارَتْ لهم بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان ( ( ( كانت ) ) ) أَمْوَالَ أَحْرَارٍ لم يَمْلِكْهَا الْمَيِّتُ قَطُّ فَيُدْفَعُ إلَى كل وَاحِدٍ منهم مَالُهُ وَإِنْ لم يَخْرُجُوا كلهم من الثُّلُثِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ وَقَعَتْ له الْحُرِّيَّةُ عَتَقَ وَصُيِّرَ إلَيْهِ مَالُهُ الذي صَارَ له بَعْدَ وُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ بِالْكَلَامِ بها في عِتْقِ الْبَتَاتِ أو مَوْتِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ وَصَارَ من معه رَقِيقًا فَأَخَذَ ما في أَيْدِيهمْ من الْأَمْوَالِ وما وَجَبَ لهم من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَلَكُوهُ فإذا أُخِذَ فَقَدْ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ وإذا زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتِقَ ما حَمَلَ ثُلُثُ الزِّيَادَةِ من الرَّقِيقِ فَعَلَيْنَا نَقْضُ قَسْمِ الرَّقِيقِ الَّذِينَ قَسَمْنَاهُمْ بين الْوَرَثَةِ وَالِاقْتِرَاعُ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عليه سَهْمُ الْعِتْقِ أَعْتَقْنَاهُ أو ما حَمَلَ ما يَبْقَى من ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَصَارَ ما بقى من الرَّقِيقِ وما بَقِيَ من أَحَدِهِمْ إنْ عَتَقَ بَعْضُهُ مَمَالِيكَ فَإِنْ أَرَادُوا الْوَرَثَةُ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا أَعَدْنَا قِسْمَتَهُمْ مُسْتَقْبَلًا كَأَنَّا وَجَدْنَا مَالَ الْمَيِّتِ زَادَ بِمَا في أَيْدِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ الَّذِينَ خَرَجَ عليهم الرِّقُّ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ فَكَانَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ منها أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ الْمَيِّتُ أَلْفًا فَصَارَ لهم من الْعِتْقِ الْخُمُسَانِ على مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّا نُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فإذا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ من الرَّقِيقِ على وَاحِدٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ ولم يَكُنْ كَسَبَ شيئا نَأْخُذُهُ من يَدِهِ عَتَقَ وَرَقَّ من بقى وَصَحَّ الْمَعْنَى فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ على وَاحِدٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ أَوْقَعنَا له الْعِتْقَ وإذا نَظَرْنَا فَكُنَّا قد أَخَذْنَا من مَالِهِ شيئا كان عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهُ عليه فَكَأَنَّا أَخَذْنَا من كَسْبِهِ أَرْبَعَمِائَةٍ فإذا أَرَدْنَا رَدَّهَا عليه وَجَدْنَا مَالَ الْمَيِّتِ يَنْقُصُ فَيَنْقُصُ عِتْقُهُمْ فَنَقِفُ الْأَرْبَعَمِائَةِ وَنَعْتِقُ منه ثُلُثَ ثَمَانِمِائَةٍ فَيَكُون ثُلُثَاهُ حُرًّا وَثُلُثُهُ مَمْلُوكًا ثُمَّ يَكُونُ له ثُلُثَا أَرْبَعِمِائَةٍ ثُمَّ نَزِيدُهُ في الْعِتْقِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ أَرْبَعِمِائَةٍ فإذا تَمَّ زِدْنَاهُ في الْعِتْقِ شيئا ثُمَّ زِدْنَاهُ عليه من ذلك بِقَدْرِهِ حتى يَصِيرَ إلَيْهِ من كَسْبِهِ وَمَالِهِ بِقَدْرِ ما يَعْتِقُ منه إنْ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ صَيَّرْنَا إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَالِهِ ثُمَّ رَدَدْنَا ما بقى من كَسْبِهِ مِيرَاثًا لِلْوَارِثِ وَهَذَا من الدُّورِ وَأَصْلُ هذا أَنْ تَنْظُرَ أَبَدًا إلَى الرَّقِيقِ إذَا عَجَزَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ فَأَعْتَقْتَ نِصْفَهُمْ بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان فَأَحْسِبُ ثُلُثَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ أُعْتِقُ مِمَّنْ يَبْقَى من الرَّقِيقِ الْمُعْتَقِينَ بِقَدْرِ ما زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ
____________________

(8/10)


- * بَابُ تَبْدِئَةِ بَعْضِ الرَّقِيقِ على بَعْضٍ في الْعِتْقِ في الْحَيَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال في مَرَضِهِ غُلَامِي هذا حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ قال بَعْدُ وَغُلَامِي هذا حُرٌّ ثُمَّ قال بَعْدُ لِآخَر ذلك وَلَيْسَ له مَالٌ غَيْرَهُمْ وَقَفْنَا أَمْرَهُمْ فَإِنْ مَاتَ أَعْتَقْنَا الْأَوَّلَ فَإِنْ كان الثُّلُثَ كَامِلًا عَتَقَ كُلُّهُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من الثُّلُثِ عَتَقَ منه ما حَمَلَ الثُّلُثَ دُونَ ما بَقِيَ وَالْعَبْدَانِ معه وَإِنْ كان أَقَلَّ من الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ وَعَتَقَ من الثَّانِي ما حَمَلَ الثُّلُثَ فَإِنْ خَرَجَ الثَّانِي من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ وبقى فَضْلٌ في الثُّلُثِ عَتَقَ الْفَضْلُ من الثَّالِثِ وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ والمسئلة ( ( ( والمسألة ) ) ) بِحَالِهَا كان الْقَوْلُ كما وَصَفْت فَإِنْ قال مَعَهُمْ وَأَعْتِقُوا الرَّابِعَ وَصِيَّةً أو إذَا مِتُّ أو كان الرَّابِعُ مُدَبَّرًا كان الْقَوْلُ فيها كما وَصَفْت وَبُدِئَ عِتْقُ الْبَتَاتِ لِأَنَّهُ وَقَعَ في الْحَيَاةِ على كل عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَدْبِيرٍ أو وَصِيَّةٍ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ لِأَنَّ له أَنْ يَرْجِعَ فيه ما كان حَيًّا وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ فَضَلَ عن ثُلُثِهِ فَضْلٌ عن الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ عَتَقَ من الْمُدَبَّرِ أو مِمَّنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ما حَمَلَ الثُّلُثُ وَرَقَّ ما بقى وَكَذَلِكَ لو قال سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ وَزِيَادٌ حُرٌّ وَقَفْنَا عِتْقَهُمْ فإذا مَاتَ بَدَأْنَا بِسَالِمٍ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قد كانت وَقَعَتْ له قبل غَانِمٍ إنْ عَاشَ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ غَانِمٌ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ زِيَادٌ أو ما حَمَلَ الثُّلُثُ منه وإذا بُدِئَ عِتْقُ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ عِتْقَ الْبَتَاتُ كان كما وَصَفْت لَك لَا قُرْعَةَ إذَا كان تَبْدِئَةً لِأَنَّ عِتْقَ كل وَاحِدٍ منهم يَقَعُ بِالْكَمَالِ على مَعْنَى إنْ عَاشَ الْمُعْتِقُ أو يَخْرُجُ الْمُعْتَقُ من الثُّلُثِ إنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وما جَنَى على الرَّقِيقِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ من جِنَايَةِ فَهِيَ موقوفه حتى يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ كان حُرًّا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عليه كَالْجِنَايَةِ على الْحُرِّ وَمَوْقُوفَةٌ وما أَصَابَ في تِلْكَ الْحَالِ من حَدٍّ فإذا خَرَجَ سَهْمُهُ حُدَّ فيه حَدُّ الْأَحْرَارِ فإذا شَهِدَ في تِلْكَ الْحَالِ وُقِفَتْ شَهَادَتُهُ فإذا عَتَقَ جَازَتْ وما وَرِثَ في تِلْكَ الْحَالِ وُقِفَ فإذا خَرَجَ سَهْمُهُ فَكَالْحُرِّ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ وَيَجْرِي الْوَلَاءُ وَيَرِثُ وَيُورَثُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَقَعَتْ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ في عِتْقِ الْبَتَاتِ وَالْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ في مَوْتِ الْمُعْتَقِ في التَّدْبِيرِ وَعِتْقِ الْوَصِيَّةِ وَهَكَذَا إنْ جَنَوْا وُقِفَتْ جِنَايَتُهُمْ فَأَيُّهُمْ عَتَقَ عَقَلَتْ عنه عَاقِلَتُهُ من قَرَابَتِهِ فَإِنْ لم يَحْتَمِلُوا فَمَوَالِيه وَأَيُّهُمْ رَقَّ فَجِنَايَتُهُ جِنَايَةُ عَبْدٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ أو يُبَاعَ منه في الْجِنَايَةِ ما تُؤَدَّى بِهِ أو تأتى على جَمِيعِ ثَمَنِهِ ( قال ) وَلَوْ كان الْجَانِي بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَقِينَ فَعَتَقَ بِالْقُرْعَةِ نِصْفُهُ قِيلَ لِمَالِكِهِ إنْ شِئْت فافتد ( ( ( فاقتد ) ) ) النِّصْفَ الذي تَمْلِكُ بِنِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ تَامًّا وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْك ما تَمْلِكُ منه حتى تُؤَدِّيَ نِصْفَ جَمِيعِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كان في نِصْفِهِ فَضْلٌ عن نِصْفِ الْجِنَايَةِ بِيعَ بِقَدْرِ نِصْفِ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ يُبَاعَ كُلُّهُ وَيُرَدَّ عَلَيْك الْفَضْلُ من ثَمَنِهِ وكان ما بقى من نِصْفِ الْجِنَايَةِ في مَالٍ إنْ اكْتَسَبَهُ في يَوْمِهِ الذي يَكُونُ فيه لِنَفْسِهِ يُؤْخَذُ منه الْفَضْلُ عن مَصْلَحَتِهِ في نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وما بقى دَيْنٌ عليه مَتَى عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهِ فَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ مَمَالِيكَ ليس له مَالٌ غَيْرَهُمْ وَمَاتَ فلم يُقْرِعْ بَيْنَهُمْ حتى مَاتَ منهم وَاحِدٌ أو اثْنَانِ أُقْرِعَ على الْمَوْتَى وَالْأَحْيَاءِ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحَيِّ حُرًّا عَتَقَ وَأَعْطَى كُلَّ مَالٍ أَفَادَهُ من يَوْمِ تَكَلَّمَ سَيِّدُهُ بِالْعِتْقِ وكان الْمَيِّتَانِ رَقِيقَيْنِ إنْ كانت قِيمَتُهُمَا سَوَاءً فَإِنْ كان لِلْمَيِّتَيْنِ مَالٌ أحصى فَكَأَنَّهُمَا تَرَكَا أَلْفًا كَسَبَاهَا بَعْدَ كَلَامِ السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ فَزَادَ مَالُ الْمَيِّتِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَخَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ على أَحَدِهِمَا فَحَسَبْنَا كَمْ يَعْتِقُ منه بِتِلْكَ الْخَمْسِمِائَةِ التي كانت لِلْمُسْتَفِيدِ كَأَنَّهُ قِيمَةُ خَمْسِمِائَةٍ فَوَجَدْنَاهُ ثُلُثَهُ ثُمَّ نَظَرْنَا إلَى الْخَمْسِمِائَةِ الدِّرْهَمِ التي كَسَبَهَا بَعْدَ عِتْقِ سَيِّدِهِ فَأَعْطَيْنَاهُ ثُلُثَهَا وهو مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ وبقى ثُلُثَاهَا وهو ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَزِدْنَاهُ في مَالِ الْمَيِّتِ فَكُنَّا إذَا زِدْنَاهُ في الْعِتْقِ رَجَعَ عَلَيْنَا بِفَضْلِ ما أَخَذْنَا من مَالِهِ فَانْتَقَصْنَاهُ من الْعِتْقِ قال أبو يَعْقُوبَ يُقَدَّرُ ذلك على أَنْ يَعْتِقَ منه ما يَكُونُ له من مَالِهِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه غَيْرُ مَحْسُوبٍ ذلك من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ذلك إنَّمَا نحسبه ( ( ( تحسبه ) ) ) نَصِيبَ حُرٍّ فَهُوَ له دُونَ السَّيِّدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال بَعْضُ من يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ في الرَّقِيقِ يُعْتَقُونَ
____________________

(8/11)


فَلَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ يُقَوَّمُونَ يوم يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيَمِهِمْ يوم يَكُونُ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْقُرْعَةِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا لم يَدْرِ أَيَّهمْ عَتَقَ وَلَا أَيَّهمْ رَقَّ وَلَيْسَتْ في وَاحِدٍ منهم حُرِّيَّةٌ تَامَّةٌ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقُرْعَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ مَاتَ منهم لم يَعْتِقْ وَمَاتَ رَقِيقًا وَأَخَذَ مَالَهُ وَرَثَةُ سَيِّدِهِ فَأَقْرَعَ بين الْأَحْيَاءِ كَأَنَّهُ لم يَدَعْ رَقِيقًا غَيْرَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْعَبْدُ بين ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ منه وهو مُوسِرٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُوقَفُ عِتْقُهُ فَإِنْ وُجِدَ له مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ من مَالِهِ أَحَبَّ أو كَرِهَ قِيمَتَهُ وبان عِتْقَهُ بِالدَّفْعِ ( قال ) وَسَوَاءٌ في الْعِتْقِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْمُرْتَفِعُ وَالْمُتَّضِعُ من الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ لَا افْتِرَاقَ في ذلك وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ لَمَّا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ وكان له مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَوَّمَ عليه قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ فَبَيَّنَ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ إذَا كان له مَالٌ وَالْقِيمَةُ في مَالِهِ وَإِنْ لم يَرْضَ شُرَكَاؤُهُ بِالْعِتْقِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ عِتْقَهُ إذَا كان ذَا مَالٍ وَدُفِعَتْ قِيمَتُهُ إخْرَاجًا له من أَيْدِي مَالِكِيهِ معه أَحَبُّوا أو كَرِهُوا فإذا كان هذا هَكَذَا وَقَعَ الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِلْمُعْتِقِ وَالْغُرْمُ لَازِمٌ له في قِيمَةِ مِلْكِ شُرَكَائِهِ من الْعَبْدِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَلَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ من شُرَكَائِهِ أو كلهم بَعْدَ ما يَقَعُ عليه عِتْقُهُ بِالْقَوْلِ لم يَقَعْ عليه لِأَنَّهُ خَارِجٌ عن مِلْكِهِ تَامُّ الْعِتْقِ على الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من دَفْعِ الثَّمَنِ وَيُقَالُ لَك الثَّمَنُ فَإِنْ شِئْت فَخُذْهُ وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ وَالْوَلَاءُ لِلَّذَيْنِ سَبَقَا بِالْعِتْقِ وَلَوْ أَعْتَقَا جميعا مَعًا لَزِمَهُمَا الْعِتْقُ وكان الْوَلَاءُ لَهُمَا وَالْغُرْمُ لِشَرِيكٍ إنْ كان مَعَهُمَا عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ فَأَمَّا إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُ الْمُعْتِقِينَ من مُوسِرٍ فَالْعِتْقُ تَامٌّ وَالْوَلَاءُ له وما كان من عِتْقٍ بَعْدَهُ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وهو عِتْقُ ما لَا يَمْلِكُ وَإِنْ كان أَحَدُ شُرَكَائِهِ غَائِبًا تَمَّ الْعِتْقُ وَوُقِفَ حَقُّهُ له حتى يَقْدَمَ أو يُوَكِّلَ من يَقْبِضُهُ فَإِنْ أَقَامَ الْغَائِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَقْتٍ قبل الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَهُ الْحَاضِرُ وكان هو مُوسِرًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ حُرًّا وَإِنْ كان مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ منه وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَعَتَقَ الْبَاقِيَ على الْحَاضِرِ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ قِيمَتَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ وَاحِدٌ ثُمَّ آخَرُ وُقِفَ الْعِتْقُ مِنْهُمَا فَإِنْ كان الْأَوَّلُ مُوسِرًا دَفَعَ ثَمَنَهُ وَعَتَقَ عليه وكان عِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا عَتَقَ على الثَّانِي نَصِيبُهُ فَإِنْ كان مُوسِرًا عَتَقَ عليه نَصِيبُ صَاحِبِهِ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ وكان الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ ما أَعْتَقَ لِلْأَوَّلِ الثُّلُثُ وللاخر الثُّلُثَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ جَعَلَ على الذي يُعْتِقُ نَصِيبًا له في عَبْدٍ أَنْ يَعْتِقَ عليه كُلُّهُ إذَا كان مُوسِرًا مَدْفُوعًا من مَالِهِ إلَى شُرَكَائِهِ قَضَى على الْمُعْتِقِ الْآخَرِ بِذَلِكَ وَالْقَضَاءُ بِقَلِيلِ الْغُرْمِ إذَا أَعْتَقَ أَوْلَى من الْقَضَاءِ بِكَثِيرِهِ أو في مِثْلِ مَعْنَاهُ وفي قَضَاءِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَوْلِهِ فَكَانَ له مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عليه دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أن على الْمَرْءِ إذَا فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ لِغَيْرِهِ إخْرَاجَ شَيْءٍ من مَالِهِ أَنْ يَخْرُجَ منه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَقُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا مَالَ له غَيْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَأَمَّا في مَالِ الناس فَهَذَا صَحِيحٌ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَاسَ عليه ما جَعَلَ اللَّهُ من مَالِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْمُعْتِقِ شِرْكًا له في عَبْدٍ فإذا كان حِينَئِذٍ مُوسِرًا ثُمَّ قُوِّمَ عليه بعد ما أَعْسَرَ كان حُرًّا وَأُتْبِعَ بِمَا ضَمِنَ منه ولم أَلْتَفِتْ إلَى تَغَيُّرِ حَالِهِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي وَقَعَ عليها فيها الْحُكْمُ فَإِنْ كان مِمَّنْ يَضْمَنُ ضَمِنَ وَهَذَا الْقَوْلُ الذي يَصِحُّ فيه الْقِيَاسُ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ ولم نَجِدْ له حين أَعْتَقَ إلَّا مِائَةً أَعْتَقْنَا منه خُمُسَ النِّصْفِ فَعَتَقَ نِصْفُهُ وَعُشْرُهُ وكان ما بقى منه رَقِيقًا وَهَكَذَا كُلَّمَا قَصُرَ عن مَبْلَغِ قِيمَةِ شَرِيكِهِ عَتَقَ منه بِقَدْرِ ما وُجِدَ لِلْمُعْتِقِ وَرَقَّ ما بقى منه مِمَّا لم يَحْتَمِلْهُ مَالُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ شِقْصًا من عَبْدٍ في صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل يُقَوَّمُ عليه قُوِّمَ عليه في جَمِيعِ مَالِهِ إذَا كان الْعِتْقُ وهو مُوسِرٌ لَأَنْ يُخْرَجَ من مَالِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عليه بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا وَاجِدَ الْمَالِ يَدْفَعُ يوم أَعْتَقَ وَلَا يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ من حُرٍّ لَزِمَهُ في الصِّحَّةِ كما لو جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ مَاتَ لم يَمْنَعْهُ الْمَوْتُ من أَنْ يُحْكَمَ بها في مَالِهِ أو على عَاقِلَتِهِ وَسَوَاءٌ أَخَّرَ ذلك
____________________

(8/12)


أو قَدَّمَ وَكَذَلِكَ لو كان الْعَبْدُ له خَالِصًا فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ كان حُرًّا كُلُّهُ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ منه وَلَوْ لم يَدَعْ مَالًا غَيْرَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ في الصِّحَّةِ وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ عن مَالِهِ وَمَتَى أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ وكان له مَالٌ يَعْتِقُ منه قُوِّمَ عليه يَوْمئِذٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ وَعَتَقَ كُلُّهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَلَا مَالَ له فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ وَيَعْتِقُ منه ما يَمْلِكُ الْمُعْتِقَ وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ ذلك لم يُقَوَّمْ عليه وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أو قَبْلَهُ إنَّمَا أنظر إلَى الْحَالِ التي يُعْتِقُ بها فَإِنْ كان مُوسِرًا دَافِعًا عَتَقَ في قَوْلِ من يَرَى الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَالدَّفْعِ وَيُعْتِقُ في قَوْلِ من يَرَى الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ دَافِعًا إذَا كان مُوسِرًا يوم أَعْتَقَ وَإِنْ كان غير مُوسِرٍ دَافِعٍ لم يُعْتِقْ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ وَقَعَ الْحُكْمُ وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قال في الْمُعْتِقِ شِرْكًا له في عَبْدٍ إنْ كان مُوسِرًا قُوِّمَ عليه قِيمَةُ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَخْرُجُ من مِلْكِ الذي لم يُعْتِقْ بِعِتْقِ شَرِيكِهِ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ مُوسِرًا دَافِعًا لِقِيمَتِهِ وَهَذَا في قَوْلِ من قال لَا يُعْتِقُ إلَّا بِالدَّفْعِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ يُعْتِقُ بِالْيُسْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ دَافِعًا بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا غير دَافِعٍ وإذا أَخْرَجَهُ من مِلْكِ الْمُعْتَقِ عليه بِأَمْرَيْنِ الْيُسْرُ وَالدَّفْعُ لم يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ من مِلْكِهِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ وهو قَوْلٌ يَجِدُ من قَالَهُ مَذْهَبًا وَأَصَحُّ في الْقِيَاسِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمُعْتِقِ حين يَقَعُ الْعِتْقُ فَإِنْ كان مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَقَدْ وَقَعَ الْعِتْقُ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ وَإِنْ أَعْدَمَ بَعْدُ أُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ كانت الْمُعْتَقَةُ جَارِيَةً حُبْلَى يوم أُعْتِقَ بَعْضُهَا فلم تُقَوَّمْ حتى وَلَدَتْ قُوِّمَتْ حُبْلَى وَعَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا لِأَنَّهَا كانت حُبْلَى يوم أُعْتِقَتْ فَيَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا ليس بِمُنْفَصِلٍ عنها وَلَوْ زَعَمْت أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ يوم يَكُونُ الْحُكْمُ انْبَغَى أَنْ لَا يَعْتِقَ الْوَلَدُ مَعَهَا لِأَنَّهُ لم يُعْتِقْ الْوَلَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَعْتَقَ جَارِيَةً سَاعَةَ وَلَدَتْ لم يَعْتِقْ وَلَدُهَا مَعَهَا إنَّمَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا إذَا كانت حُبْلَى فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُ وَلَدِ غَيْرِهَا - * عِتْقُ الشِّرْكِ في الْمَرَضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه عِتْقَ بَتَاتٍ ثُمَّ مَاتَ كان في ثُلُثِهِ ما أَعْتَقَ منه لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَأَمْرُهُ في ثُلُثِهِ كَأَمْرِ الصَّحِيحِ في كل مَالِهِ لَا يَخْتَلِفُ إذَا أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ من عَبْدٍ له سَهْمًا من مِائَةِ سَهْمٍ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَثُلُثُهُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عليه كُلُّهُ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عليه وهو حَيٌّ مَالِكٌ لِثُلُثِ مَالِهِ أو كُلِّهِ وكان كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ كُلَّهُ وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ مَمْلُوكٍ له بَعْدَ مَوْتِهِ لم يَعْتِقْ منه إلَّا ما عَتَقَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِالْمَوْتِ وهو لَا يَمْلِكُ شيئا يوم يُقَوَّمُ عليه فيه كُلُّهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِوَارِثِهِ إلَّا ما أُخِذَ من ثُلُثِهِ فلما لم يَأْخُذْ من عَبْدِهِ إلَّا ثُلُثَهُ كان لَا مَالَ له يُقَوَّمُ عليه فيه الْعَبْدُ فَيَعْتِقُ بِالْقِيمَةِ وَالدَّفْعِ - * اخْتِلَافُ الْمُعْتِقِ وَشَرِيكِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ شِرْكًا له في عَبْدٍ ولم يَتَرَافَعَا إلَى السُّلْطَانِ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ فَحَكَمَ عليه السُّلْطَانُ بِالْقِيمَةِ يوم أَعْتَقَ فَاخْتَلَفَا في الْقِيمَةِ يوم وَقَعَ الْعِتْقُ فقال الْمُعْتِقُ كانت قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ وقال الْمُعْتَقُ عليه كانت قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ وَاجِدٌ دَافِعٌ فإذا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بهذا لم يُؤْخَذْ من مَالِهِ إلَّا ما زَعَمَ هو أَنَّهُ لَزِمَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ وَلَا يَخْرُجُ مِلْكُهُ من يَدِهِ إلَّا بِمَا رضى كما يَكُونُ إذَا أختلفا في الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ وفي هذا سُنَّةٌ وهو لَا يَصِحُّ قِيَاسًا على الْبَيْعِ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كان قَائِمًا فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْعَبْدِ أو أَخْذُهُ بِمَا قال الْبَائِعُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ هَا هُنَا رَدُّ الْعِتْقِ وَلَكِنْ لو قال قَائِلٌ في هذا إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا وكان على الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ كما يَكُونُ على الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْفَائِتِ إذَا اخْتَلَفَا
____________________

(8/13)


في ثَمَنِهِ كان مَذْهَبًا وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الذي له الْغُرْمُ الْعَبْدُ خَبَّازٌ أو كَاتِبٌ أو يَصْنَعُ صِنَاعَةً تَزِيدُ في عَمَلِهِ وقال الْمُعْتِقُ ليس كَذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ وُجِدَ كان يَصْنَعُ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ أُقِيمَ بِصِنَاعَتِهِ وَإِنْ لم يُوجَدْ ذلك لم يُؤْخَذْ بِقَوْلِ الذي له الْغُرْمُ وكان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عليه زِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كانت صِنَاعَتُهُ مِمَّا يَحْدُثُ في مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ التي تَرَافَعَا فيها من يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ وَلَوْ قال الْمُعْتِقُ أَعْتَقْتُ هذا الْعَبْدَ وهو آبِقٌ أو سَارِقٌ أو مَعِيبٌ عَيْبًا لَا يُرَى في بَدَنِهِ وقال الذي له الْغُرْمُ ليس بِآبِقٍ وَلَا سَارِقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وهو على الْبَرَاءَةِ من الْعَيْبِ حتى يَعْلَمَ الْعَيْبَ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لَا يُرَى فيه عَيْبٌ وهو يدعى فيه عَيْبًا يَطْرَحُ عنه بَعْضَ ما لَزِمَهُ وَمَنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ في هذا وَغَيْرِهِ فقال الذي يُخَالِفُهُ وهو يَعْلَمُ أن ما قُلْت كما قُلْت فَأَحْلَفُوهُ أَحَلَفْنَاهُ على دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ في الْيَمِينِ ولم نُعْطِهِ إذَا تَرَكَهَا على ما ادَّعَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَعْتَقْت الْعَبْدَ وهو آبِقٌ فَقُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الذي له الْغُرْمُ فَإِنْ قال الْمُعْتِقُ هو يَعْلَمُ أَنَّهُ آبِقٌ أُحْلِفَ كما وَصَفْت وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ يَعْلَمُ ما لَا يُوجَدُ عليه بَيِّنَةً وما أَشْبَهَ هذا وَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ مَيِّتًا أو غَائِبًا فَاخْتَلَفَا فيه فقال الْمُعْتِقُ هو عَبْدٌ أَسْوَدُ زِنْجِيٌّ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وقال الْمُعْتَقُ عليه هو عَبْدٌ بَرْبَرِيٌّ أو فَارِسِيٌّ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الذي يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يأتى الذي له الْغُرْمُ بِبَيِّنَةٍ على ما قال أو يَحْلِفَ له الْمُعْتِقُ إنْ أَرَادَهُ وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ وَاخْتَلَفَا في ثَمَنِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ مع يَمِينِهِ وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ بَرْبَرِيٌّ وقيمته ( ( ( قيمته ) ) ) أَلْفٌ لو كان ظَاهِرًا وَخَمْسُمِائَةٍ لو كان غير ظَاهِرٍ وَادَّعَى الْمُعْتِقُ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الذي له الْغُرْمُ إلَّا أَنْ يأتى الْمُعْتِقُ بِبَيِّنَةٍ على ما ادَّعَى وَإِنْ شَاءَ أَحَلَفْنَاهُ على ما ذَكَرَ إنْ قال هو يَعْلَمُ ما قُلْت إنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُعْتِقُ على الْقِيمَةِ إذَا لم يذكر عَيْبًا وقال قِيمَةُ السِّلْعَةِ كَذَا لِمَا يَكُونُ مِثْلُهُ قِيمَةً لِمِثْلِ الْعَبْدِ بِلَا عَيْبٍ فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ عَيْبًا فَالْغُرْمُ لَازِمٌ وهو مُدَّعٍ طَرْحَهُ أو طَرْحَ بَعْضِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هِيَ على الْبَرَاءَةِ من الْعَيْبِ حتى يَعْلَمَ عَيْبًا - * بَابُ من يَعْتِقُ على الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا عَلِمَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَمَنْ مَلَكَ أَبَاهُ أو جَدَّهُ أو ابْنَهُ أو بن ابْنِهِ وَإِنْ تَبَاعَدَ أو جَدًّا من قِبَلِ أَبٍ أو أُمٍّ أو وَلَدًا من بن أو بِنْتٍ وَإِنْ تَبَاعَدَ مِمَّنْ يَصِيرُ إلَيْهِ نَسَبُ الْمَالِكِ من أَبٍ أو أُمٍّ أو يَصِيرُ إلَى الْمَالِكِ نَسَبُهُ من أَبٍ أو أُمٍّ حتى يَكُونَ الْمَالِكُ وَلَدًا أو وَالِدًا بِوَجْهٍ عَتَقَ عليه حين يَصِحُّ مِلْكُهُ له وَلَا يَعْتِقُ عليه غَيْرُ من سَمَّيْت لَا أَخٌ وَلَا أُخْتٌ وَلَا زَوْجَةٌ وَلَا غَيْرُهُمْ من ذَوِي الْقَرَابَةِ وَمَنْ مَلَكَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عليه شِقْصًا بِهِبَةٍ أو شِرَاءٍ أو أَيِّ وَجْهٍ ما مَلَكَهُ من وُجُوهِ الْمِلْكِ سِوَى الْمِيرَاثِ عَتَقَ عليه الشِّقْصُ الذي مَلَكَهُ وَقُوِّمَ عليه ما بقى منه إنْ كان مُوسِرًا وَعَتَقَ عليه وَإِلَّا عَتَقَ منه ما مَلَكَ وَرَقَّ ما بقى لِغَيْرِهِ وإذا كان الرَّجُلُ إذَا مَلَكَ أَحَدًا يَعْتِقُ عليه بِالْمِلْكِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَبَدًا إذَا مَلَكَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ وهو إذَا مَلَكَ من يَعْتِقُ عليه وقد كان قَادِرًا على أَنْ لَا يَمْلِكَهُ في حُكْمِ الْمُعْتِقِ شِرْكًا له في عَبْدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ وهو إذَا وَهَبَ له أو أَوْصَى له بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَكُلَّ ما مَلَكَ غير الْمِيرَاثِ فَقَبُولُهُ في الْحَالِ التي له رَدُّهُ فيها كَاشْتِرَائِهِ شِقْصًا منه وَشِرَاؤُهُ وَقَبُولُهُ كَعِتْقِهِ وَلَكِنَّهُ لو وَرِثَ بَعْضَ من يَعْتِقُ عليه لم يَكُنْ له رَدُّ الْمِيرَاثِ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ أَنْ أَلْزَمَ الْأَحْيَاءَ مِلْكَ الْمَوْتَى على ما فَرَضَ لهم فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ مِلْكَ الْمِيرَاثِ وَلَوْ وَرِثَ عَبْدًا زَمِنًا أو أَعْمَى كان عليه نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ هَكَذَا مِلْكٌ غَيْرُ الْمِيرَاثِ ما سِوَى الْمِيرَاثِ يَدْفَعُ فيه الْمَرْءُ الْمِلْكَ عن نَفْسِهِ وإذا مَلَكَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عليه شِقْصًا عَتَقَ عليه ما مَلَكَ منه ولم يُقَوَّمْ عليه ما بقى منه لِأَنَّهُ لم يَجْرِ مِلْكُهُ بِنَفْسِهِ إنَّمَا مَلَكَهُ من حَيْثُ ليس له دَفْعُهُ وَسَوَاءٌ كان الذي يَمْلِكُ فَيَعْتِقُ عليه مُسْلِمًا أو كَافِرًا أو صَغِيرًا أو كَبِيرًا لَا اخْتِلَافَ في ذلك
____________________

(8/14)


وَلَوْ وَرِثَ صَبِيٌّ لم يَبْلُغْ أو مَعْتُوهٌ لَا يَعْقِلُ أو مولى عليه أَبًا أو من يَعْتِقُ عليه عَتَقَ على كل وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ من مَلَكَ بِالْمِيرَاثِ وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ شِقْصًا بِالْمِيرَاثِ عَتَقَ عليهم الشِّقْصُ ولم يَعْتِقْ غَيْرُهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُمْ لم يَكُونُوا يَقْدِرُونَ على رَدِّ ذلك الْمِلْكِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أو مَعْتُوهًا وُهِبَ له أَبُوهُ أو ابْنُهُ أو أوصى له بِهِ أو تُصُدِّقَ بِهِ عليه وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ وَلَهُ وَلِيٌّ كان على وَلِيِّهِ قَبُولُ هذا كُلِّهِ له وَيَعْتِقُ عليه حين يَقْبَلُهُ وَلَوْ تُصُدِّقَ عليه بِنِصْفِهِ أو ثُلُثِهِ أو أوصى له بِهِ أو وُهِبَ له وَالصَّبِيُّ أو الْمَعْتُوهُ مُعْسِرَانِ كان لِوَلِيِّهِ قَبُولُ ذلك عليه وَعَتَقَ منه ما صَارَ إلَيْهِ من أبيه أو وَلَدِهِ وَإِنْ كان مُوسِرًا فَوُهِبَ له نِصْفُ ابْنِهِ أو نِصْفُ أبيه لم يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ ذلك وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عليه النِّصْفُ وَيَكُونُ مُوسِرًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ على الْمُوسِرِ عِتْقَ ما يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ هذا كُلَّهُ له من قِبَلِ أَنَّ قَبُولَهُ ضَرَرٌ على مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فيه عَاجِلَةٌ وما كان هَكَذَا لم يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَهُ له فَإِنْ قَبِلَهُ فَقَبُولُهُ مَرْدُودٌ عنه لِأَنَّ في قَبُولِهِ ضَرَرًا على الصَّبِيِّ أو ضَرَرًا على شَرِيكِ الصَّبِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَعْتِقَ على الْمَالِكِ الشَّرِيكِ بِقِيمَةٍ يَأْخُذُهَا فإذا لم يَأْخُذْ الْقِيمَةَ عَتَقَ عليه بِغَيْرِ حَقٍّ حتى يَصِحَّ مِلْكُهُ عليه - * أَحْكَامُ التَّدْبِيرِ - * بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بن عبد الْعَزِيزِ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول إنَّ أَبَا مَذْكُورٍ رَجُلًا من بَنِي عُذْرَةَ كان له غُلَامٌ قِبْطِيٌّ فَأَعْتَقَهُ عن دَبْرٍ منه وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سمع بِذَلِكَ الْعَبْدِ فَبَاعَ الْعَبْدَ وقال إذَا كان أحدكم فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كان له فَضْلٌ فَلْيَبْدَأْ مع نَفْسِهِ بِمَنْ يَعُولُ ثُمَّ إنْ وَجَدَ بَعْدَ ذلك فَضْلًا فَلْيَتَصَدَّقْ على غَيْرِهِمْ وقد زَادَ مُسْلِمٌ في الحديث شيئا هو نَحْوٌ من سِيَاقِ حديث اللَّيْثِ بن سَعْدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ وَحَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ قال أَعْتَقَ رَجُلٌ من بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا له عن دَبْرٍ فَبَلَغَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ فقال لَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من يَشْتَرِيه مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بن عبد اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ قال ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عليها فَإِنْ فَضَلَ عن نَفْسِك شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذَوِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عن ذَوِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يُرِيدُ عن يَمِينِك وَشِمَالِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَجُلًا من بَنِي عُذْرَةَ يَعْنِي حُلَفَاءَ أو جِيرَانًا في عِدَادِهِمْ في الْأَنْصَارِ وقال مَرَّةً رَجُلًا مِنَّا يَعْنِي بِالْحَلِفِ وهو أَيْضًا منهم بِالنَّسَبِ وَنَسَبَهُ أُخْرَى إلَى قَبِيلَةٍ كما سَمَّاهُ مَرَّةً ولم يُسَمِّهِ أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا له عن دَبْرٍ ولم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من يَشْتَرِيه مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بن عبد اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهُ الثَّمَنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِنَحْوِ حديث حَمَّادِ بن زَيْدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وَعَنْ أبي الزُّبَيْرِ سَمِعَا جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا له ليس له مَالٌ غَيْرَهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من يَشْتَرِيه مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بن عبد اللَّهِ النَّحَّامُ قال عَمْرٌو وَسَمِعَتْ جَابِرًا يقول عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلٍ في إمَارَةِ بن الزُّبَيْرِ وزاد أبو الزُّبَيْرِ يُقَالُ له يَعْقُوب ( قال الشَّافِعِيُّ ) هَكَذَا سَمِعْت منه عَامَّةَ دَهْرِي===

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...