Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم 4.محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

 

4.

كتاب الأم 4.محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } فَذَكَرَهُ مَرَّةً ولم يُرَدِّدْ ذِكْرَهُ مَرَّةً أُخْرَى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ حَجَّ الْعَبْدُ تَطَوُّعًا يَأْذَنُ له سَيِّدُهُ بِحَجٍّ لَا أَجَرَ نَفْسَهُ وَلَا حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ يَخْدُمُهُمْ قال سَمِعْنَا أَنَّهُ إذَا عَتَقَ حَجَّ لَا بُدَّ أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ أَنَّ أَبَاهُ كان يقول تُقْضَى حَجَّةُ الصَّغِيرِ عنه حتى يَعْقِلَ فإذا عَقَلَ وَجَبَتْ عليه حَجَّةٌ لَا بُدَّ منها وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ أَيْضًا ( قَالَا ) وَأَخْبَرَنَا بن جُرَيْجٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ هذا عن بن عَبَّاسٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ فَلَيْسَ له مَنْعُهُ أَنْ يُتِمَّ على إحْرَامِهِ وَلَهُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ لِمُبْتَاعِهِ مَنْعُهُ أَنْ يُتِمَّ إحْرَامَهُ وَلِمُبْتَاعِهِ الْخِيَارُ إذَا كان لم يَعْلَمْ بِإِحْرَامِهِ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بيته ( ( ( بينه ) ) ) وَبَيْنَ حَبْسِهِ لِمَنْفَعَتِهِ إلَى أَنْ ينقضى إحْرَامُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّانِ إذَا أَذِنَ لَهُمَا أَبُوهُمَا فَأَحْرَمَا لم يَكُنْ له حَبْسُهُمَا ( قال ) وَلَوْ أَصَابَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ فَبَطَلَ حَجُّهُ لم يَكُنْ لِسَيِّدِهِ حَبْسُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَمْضِيَ في حَجٍّ فَاسِدٍ مُضِيَّهُ في حَجٍّ صَحِيحٍ وَلَوْ أَذِنَ له في الْحَجِّ فَأَحْرَمَ فَمَنَعَهُ مَرَضُ لم يَكُنْ له حَبْسُهُ إذَا صَحَّ عن أَنْ يُحِلَّ بِطَوَافٍ وَإِنْ أَذِنَ له في حَجٍّ فلم يُحْرِم كان له مَنْعُهُ ما لم يُحْرِمْ ( قال ) وَإِنْ أَذِنَ له أَنْ يَتَمَتَّعَ أو يَقْرِنَ فَأَعْطَاهُ دَمًا للمتعه أو الْقِرَانِ لم يُجْزِ عنه لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شيئا فإذا مَلَّكَهُ شيئا فَإِنَّمَا مِلْكُهُ لِلسَّيِّدِ فَلَا يجزئ عنه ما لَا يَكُونُ له مَالِكًا بِحَالٍ وَعَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ ما كان مَمْلُوكًا فَإِنْ لم يَصُمْ حتى عَتَقَ وَوَجَدَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْوَاجِدِ وَالثَّانِي لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ له وَلَا عليه في الْوَقْتِ الذي أَصَابَ فيه شَيْءٌ إلَّا الصَّوْمُ ولو أَذِنَ له في الْحَجِّ فَأَفْسَدَهُ كان على سَيِّدِهِ أَنْ يَدَعَهُ يُتِمُّ عليه ولم يَكُنْ له على سَيِّدِهِ أَنْ يَدَعَهُ يَقْضِيهِ فَإِنْ قَضَاهُ أَجْزَأَ عنه من الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ إذَا عَتَقَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لم يَأْذَنْ لِلْعَبْدِ سَيِّدُهُ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِهِ كان أَحَبَّ إلى أَنْ يَدَعَهُ يُتِمُّهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَهُ حَبْسُهُ وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه إذَا حَبَسَهُ سَيِّدُهُ عن إتْمَامِ حَجِّهِ شَاةً يُقَوِّمُهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَوِّمُ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا ثُمَّ يُحِلُّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحِلُّ وَلَا شَيْءَ عليه حتى يَعْتِقَ فَيَكُونُ عليه شَاةٌ وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فَتَمَتَّعَ فَمَاتَ الْعَبْدُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال إذَا أَذِنْت لِعَبْدِك فَتَمَتَّعَ فَمَاتَ فَاغْرَمْ عنه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين ما يجزئ الْعَبْدَ حَيًّا من إعْطَاءِ سَيِّدِهِ عنه وما يُجْزِيهِ مَيِّتًا فَنَعَمْ أَمَّا ما أَعْطَاهُ حَيًّا فَلَا يَكُونُ له إخْرَاجُهُ من مِلْكِهِ عنه حَيًّا حتى يَكُونَ الْمُعْطَى عنه مَالِكًا له وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ مَالِكًا وَهَكَذَا ما أعطى عن الْحُرِّ بِإِذْنِهِ أو وَهَبَهُ لِلْحُرِّ فَأَعْطَاهُ الْحُرُّ عن نَفْسِهِ قد مَلَكَ الْحُرُّ في الْحَالَيْنِ وَلَوْ أَعْطَى عن حُرٍّ بَعْدَ مَوْتِهِ أو عَبْدٍ لم يَكُنْ الْمَوْتَى يَمْلِكُونَ شيئا أَبَدًا أَلَا تَرَى أَنَّ من وَهَبَ لهم أو أَوْصَى أو تَصَدَّقَ عليهم لم يَجُزْ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُمْ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عن أُمِّهِ وَلَوْلَا ذلك لَمَا جَازَ ما وَصَفْت لَك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُهُمْ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ إذَا احْتَلَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ويروي عن عُمَرَ في الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ مِثْلُ مَعْنَى هذا الْقَوْلِ فَيَجْتَمِعُ الْمَمْلُوكُ وَغَيْرُ الْبَالِغِينَ وَالْعَبْدُ في هذا الْمَعْنَى وَيَتَفَرَّقَانِ فِيمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في حَجِّهِ - * الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ - *

(2/112)


- * بَابُ كَيْفَ الِاسْتِطَاعَةُ إلَى الْحَجِّ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِطَاعَةُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَطِيعًا بِبَدَنِهِ وَاجِدًا من مَالِهِ ما يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ فَتَكُونُ اسْتِطَاعَتُهُ تَامَّةً وَيَكُونُ عليه فَرْضُ الْحَجِّ لَا يُجْزِيهِ ما كان بهذا الْحَالِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَهُ عن نَفْسِهِ وَالِاسْتِطَاعَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ مُضْنُوًّا في بَدَنِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ على مَرْكَبٍ فَيَحُجَّ على الْمَرْكَبِ بِحَالٍ وهو قَادِرٌ على من يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عنه بِطَاعَتِهِ له أو قَادِرٌ على مَالٍ يَجِدُ من يَسْتَأْجِرُهُ بِبَعْضِهِ فَيَحُجَّ عنه فَيَكُونُ هذا مِمَّنْ لَزِمَتْهُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ كما قَدَرَ وَمَعْرُوفٌ في لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَكُونُ بِالْبَدَنِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يقول أنا مُسْتَطِيعٌ لَأَنْ أَبْنِيَ دَارِي يَعْنِي بيده ويعنى بِأَنْ يَأْمُرَ من يَبْنِيهَا بِإِجَارَةٍ أو يَتَطَوَّعُ بِبِنَائِهَا له وَكَذَلِكَ مُسْتَطِيعٌ لَأَنْ أَخِيطَ ثَوْبِي وَغَيْرُ ذلك مِمَّا يَعْمَلُهُ هو بِنَفْسِهِ وَيَعْمَلُهُ له غَيْرُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْحَجُّ على الْبَدَنِ وَأَنْتَ تَقُولُ في الْأَعْمَالِ على الْأَبَدَانِ إنَّمَا يُؤَدِّيهَا عَامِلُهَا بِنَفْسِهِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فيصلى الْمَرْءُ قَائِمًا فَإِنْ لم يَقْدِرْ صلى جَالِسًا أو مُضْطَجِعًا وَلَا يصلى عنه غَيْرُهُ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الصَّوْمِ قَضَاهُ إذَا قَدَرَ أو كَفَّرَ ولم يَصُمْ عنه غَيْرُهُ وَأَجْزَأَ عنه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّرَائِعُ تَجْتَمِعُ في مَعْنَى وَتَفْتَرِقُ في غَيْرِهِ بِمَا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ عز وجل بَيْنَهَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو بِمَا اجْتَمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لم يَكُنْ فِيهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ
أخبرنا سُفْيَانُ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يحدث عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً من خَثْعَمَ سَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إنَّ فريضه اللَّهِ في الْحَجِّ على عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ على رَاحِلَتِهِ فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عنه فقال لها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم قال سُفْيَانُ هَكَذَا حَفِظْته عن الزُّهْرِيِّ
وَأَخْبَرَنِيهِ عَمْرُو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ وزاد فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذلك فقال نعم كما ( ( ( مثل ) ) ) لو كان عليه دَيْنٌ فَقَضَيْته نَفَعَهُ فَكَانَ فِيمَا حَفِظَ سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ ما بَيَّنَ أَنَّ أَبَاهَا إذَا أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ على رَاحِلَتِهِ أَنَّ جَائِزًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَحُجَّ عنه وَلَدٌ أو غَيْرُهُ وَأَنَّ لِغَيْرِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عنه فَرْضًا إنْ كان عليه في الْحَجِّ إذَا كان غير مُطِيقٍ لِتَأْدِيَتِهِ بِبَدَنِهِ فَالْفَرْضُ لَازِمٌ له وَلَوْ لم يَلْزَمْهُ لَقَالَ لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا فَرِيضَةَ على أَبِيك إذَا كان إنَّمَا أَسْلَمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ على الرَّاحِلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَالَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ إنَّمَا يَعْمَلُ الْمَرْءُ عن نَفْسِهِ ثُمَّ بَيَّنَ سُفْيَانَ عن عَمْرٍو عن الزُّهْرِيِّ في الحديث ما لم يَدَعْ بَعْدَهُ في قَلْبِ من ليس بِالْفَهْمِ شيئا فقال في الحديث فقالت له أَيَنْفَعُهُ ذلك يا رَسُولَ اللَّهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم كما لو كان على أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته نَفَعَهُ وَتَأْدِيَةُ الدَّيْنِ عَمَّنْ عليه حَيًّا وَمَيِّتًا فَرْضٌ من اللَّهِ عز وجل في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَرْأَةَ أَنَّ تَأْدِيَتَهَا عنه فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَافِعَةٌ له كما يَنْفَعُهُ تَأْدِيَتُهَا عنه دَيْنًا لو كان عليه وَمَنْفَعَتُهُ إخْرَاجُهُ من المأثم وَإِيجَابُ أَجْرِ تَأْدِيَتِهِ الْفَرْضَ له كما يَكُونُ ذلك في الدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مِمَّا جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُ وَنَحْنُ نَجْمَعُ بِالْقِيَاسِ بين ما أَشْبَهَ في وَجْهٍ وَإِنْ خَالَفَهُ في وَجْهٍ غَيْرِهِ إذَا لم يَكُنْ شيئا ( ( ( شيء ) ) ) أَشَدَّ مُجَامَعَةً له منه فَيَرَى أَنَّ الْحُجَّةَ تَلْزَمُ بِهِ الْعُلَمَاءَ فإذا جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين شَيْئَيْنِ فَالْفَرْضُ أَنْ يُجْمَعَ بين ما جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسل

(2/113)


بَيْنَهُ وَفِيهِ فَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لِلصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ عنه حتى يُصَلِّيَهَا جَالِسًا إنْ لم يَقْدِرْ على الْقِيَامِ أو مُضْطَجِعًا أو مُومِيًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ وَأَنَّ الصَّوْمَ إنْ لم يَقْدِرْ عليه قَضَاهُ فَإِنْ لم يَقْدِرْ على قَضَاءٍ كَفَّرَ وَالْفَرْضُ على الْأَبَدَانِ مُجْتَمِعٌ في أَنَّهُ لَازِمٌ في حَالٍ ثُمَّ يَخْتَلِفُ بِمَا خَالَفَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ بِمَا يُفَرِّقُ بِهِ أَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو بَعْضُ من هو دُونَهُمْ فَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا وَلَا يُجِيزُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ يَزْعُمُ أَنَّ من نسى فَتَكَلَّمَ في صَلَاةٍ لم تَفْسُدْ عليه صَلَاتُهُ وَمِنْ نسى فَأَكَلَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّ من جَامَعَ في الْحَجِّ أَهْدَى وَمَنْ جَامَعَ في شَهْرِ رَمَضَانَ تَصَدَّقَ وَمَنْ جَامَعَ في الصَّلَاةِ فَلَا شَيْءَ عليه وَيُفَرِّقُ بين الْفَرَائِضِ فِيمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَعِلَّتُهُ في الْفَرْقِ بَيْنَهَا خَبَرٌ وَإِجْمَاعٌ فإذا كانت هذه عِلَّتَهُ فَلِمَ رَدَّ مِثْلَ الذي أَخَذَ بِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال كان الْفَضْلُ بن عَبَّاسٍ رَدِيفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ من خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَتَنْظُرُ إلَيْهِ فَجَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فريضه اللَّهِ على عِبَادِهِ في الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ على الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عنه فقال نعم وَذَلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عن بن جُرَيْجٍ قال قال بن شِهَابٍ حدثني سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ عن الْفَضْلِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً من خَثْعَمَ قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أبي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ عليه في الْحَجِّ وهو شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ على ظَهْرِ بَعِيرِهِ قال فَحُجِّي عنه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عَمْرُو بن أبي سَلَمَةَ عن عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عن عبد الرحمن بن الحرث الْمَخْزُومِيِّ عن زَيْدِ بن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ عن أبيه عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ من خَثْعَمَ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أبي شَيْخٌ كَبِيرٌ قد أَفْنَدَ وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ على عِبَادِهِ في الْحَجِّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا فَهَلْ يجزئ عنه أَنْ أُؤَدِّيَهَا عنه فقال نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَهَّزَ من هو بِهَذِهِ الْحَالِ رَجُلًا فَحَجَّ عنه ثُمَّ أَتَتْ له حَالٌ يَقْدِرُ فيها على الْمَرْكَبِ لِلْحَجِّ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ لم تُجْزِ تِلْكَ الْحَجَّةُ عنه وكان عليه أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حتى مَاتَ أو صَارَ إلَى حَالٍ لَا يَقْدِرُ فيها على الْحَجِّ وَجَبَ عليه أَنْ يَبْعَثَ من يَحُجُّ عنه إذَا بَلَغَ تِلْكَ الْحَالَ أو مَاتَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يجزئ عنه حَجُّ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ لَا يَجِدَ السَّبِيلَ فإذا وَجَدَهَا وَجَبَ عليه الْحَجُّ وكان مِمَّنْ فُرِضَ عليه بِبَدَنِهِ أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ تِلْكَ الْحَالَ وما أَوْجَبَ على نَفْسِهِ من حَجٍّ في نَذْرٍ وَتَبَرُّرٍ فَهُوَ مِثْلُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ وَيَحُجُّهُ عنه غَيْرُهُ إذَا جَازَ أَنْ يَحُجَّ عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ جَازَ ذلك فِيمَا أَوْجَبَ على نَفْسِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي حديث عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيَانٌ أَنَّ عليه أَدَاءَهَا إنْ قَدَرَ وَإِنْ لم يَقْدِرْ أَدَّاهَا عنه فَأَدَاؤُهَا إيَّاهَا عنه يُجْزِيهِ وَالْأَدَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا لَزِمَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن حَنْظَلَةَ بن أبي سُفْيَانَ قال سَمِعْت طَاوُسًا يقول أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةٌ فقالت إنَّ أُمِّيَّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ فقال حُجِّي عن أُمِّك
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا يقول لَبَّيْكَ عن فُلَانٍ فقال إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عنه وَإِلَّا فَاحْجُجْ عَنْك
وروى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِشَيْخٍ كَبِيرٍ لم يَحْجُجْ إنْ شِئْت فَجَهِّزْ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْك

(2/114)


- * بَابُ الْخِلَافِ في الْحَجِّ عن الْمَيِّتِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أَعْلَمُ أَحَدًا نُسِبَ إلَى عِلْمٍ بِبَلَدٍ يُعْرَفُ أَهْلُهُ بِالْعِلْمِ خَالَفَنَا في أَنْ يُحَجَّ عن الْمَرْءِ إذَا مَاتَ الْحَجَّةَ الْوَاجِبَةَ عنه إلَّا بَعْضُ من أَدْرَكْنَا بِالْمَدِينَةِ وَأَعْلَامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَكَابِرُ من مَاضِي فُقَهَائِهِمْ تَأْمُرُ بِهِ مع سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَمَرَ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وبن عَبَّاسٍ بِهِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاَلَّذِي قال لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ قَالَهُ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ سِوَى ما رَوَى الناس عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من غَيْرِ روايته ( ( ( ذلك ) ) ) أَنَّهُ أَمَرَ بَعْضَ من سَأَلَهُ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحْتَجَّ له بَعْضُ من قال بِقَوْلِهِ بِأَنَّ بن عُمَرَ قال لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ وهو يَرْوِي عن بن عُمَرَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ حَدِيثًا يُخَالِفُ بن عُمَرَ فيها منها ما يَدَعُهُ لِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْهَا ما يَدَعُهُ لِمَا جاء عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ومنها ( ( ( منها ) ) ) ما يَدَعُهُ لِقَوْلِ رَجُلٍ من التَّابِعِينَ وَمِنْهَا ما يَدَعُهُ لِرَأْيِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ أَنْ يُحِلَّ قَوْلَ بن عُمَرَ عِنْدَهُ في هذا الْمَحَلِّ ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُجَّةً على السُّنَّةِ وَلَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً على قَوْلِ نَفْسِهِ وكان من حُجَّةِ من قال بهذا الْقَوْلِ أَنْ قال كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ رَجُلٌ عن غَيْرِهِ وَلَيْسَ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا اتِّبَاعُهَا بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل كَيْفَ وَالْمَسْأَلَةُ في شَيْءٍ قد ثَبَتَتْ فيه السُّنَّةُ مالا يَسَعُ عَالِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ جَازَ هذا لِأَحَدٍ جَازَ عليه مِثْلُهُ فَقَدْ يُثْبِتُ الذي قال هذا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءَ بِأَضْعَفَ من إسْنَادِ أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْضَ الناس أَنْ يَحُجَّ عن بَعْضٍ وَلَهُ في هذا مُخَالِفُونَ كَثِيرٌ منها الْقَطْعُ في رُبْعِ دِينَارٍ وَمِنْهَا بَيْعُ الْعَرَايَا وَمِنْهَا النَّهْيُ عن بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَأَضْعَافُ هذه السُّنَنِ فَكَيْفَ جَازَ له على من خَالَفَهُ أَنْ يُثْبِتَ الْأَضْعَفَ وَيَرُدَّ على غَيْرِهِ الْأَقْوَى وَكَيْفَ جَازَ له أَنْ يَقُولَ بِالْقَسَامَةِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فيها عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ يُخَالِفُهُ فيها وَأَعْطَى فيها بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ الدَّمَ وَعَظِيمَ الْمَالِ وهو لَا يُعْطِي بها جُرْحًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا أَقَلَّ من الْمَالِ في غَيْرِهَا فَإِنْ قال ليس في السُّنَّةِ قِيَاسٌ وَلَا عَرْضٌ على الْعَقْلِ فَحَدِيثُ حَجِّ الرَّجُلِ عن غَيْرِهِ أَثْبَتُ من جَمِيعِ ما ذَكَرْت وَأَحْرَى أَنْ لَا يَبْعُدَ عن الْعَقْلِ بعد ما وَصَفْت من الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ عَادَ فقال بِمَا عَابَ من حَجِّ الْمَرْءِ عن غَيْرِهِ حَيْثُ لو تَرَكَهُ كان أَجْوَزَ له وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فقال إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَجَّ عنه حُجَّ عنه من مَالِهِ وَأَصْلُ مَذْهَبِهِ أَنْ لَا يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ كما لَا يصلى أَحَدٌ عن أَحَدٍ وقد سَأَلْت بَعْضَ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ فَقُلْت أَرَأَيْت لو أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُصَلَّى أو يُصَامَ عنه بِإِجَارَةٍ أو نَفَقَةٍ غَيْرِ إجَارَةٍ أو تَطَوُّعٍ إيصام أو يُصَلَّى عنه قال لَا وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَقُلْت له فإذا كان إنَّمَا أَبْطَلَ الْحَجَّ لِأَنَّهُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَكَيْفَ أَجَازَ أَنْ يَحُجَّ الْمَرْءُ عن غَيْرِهِ بِمَالِهِ ولم يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ فيه كما أَبْطَلَهَا قال أَجَازَهَا الناس قُلْت فَالنَّاسُ الَّذِينَ أَجَازُوهَا أَجَازُوا أَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ إذَا أَفْنَدَ وَإِنْ مَاتَ بِكُلِّ حَالٍ وَأَنْتَ لم تُجِزْهَا على ما أَجَازُوهَا عليه مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ولم تُبْطِلْهَا إبْطَالَك الْوَصِيَّةَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فلم يَكُنْ عِنْدَهُ فيها سُنَّةٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا مَعْقُولٌ بَلْ كان عِنْدَهُ خِلَافُ هذا كُلِّهِ وَخِلَافُ ما احْتَجَّ بِهِ عن بن عُمَرَ فما عَلِمْته إذْ قال لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ اسْتَقَامَ عليه وَلَا أَمَرَ بِالْحَجِّ في الْحَالِ التي أَمَرَ بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَصْحَابُهُ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وما عَلِمْت من رَدَّ الْأَحَادِيثَ من أَهْلِ الْكَلَامِ تَرَوَّحُوا من الْحُجَّةِ عَلَيْنَا إلَى شَيْءٍ تَرَوُّحَهُمْ إلَى إبْطَالِ من أَبْطَلَ أَصْحَابُنَا أَنْ يَحُجَّ الْمَرْءُ عن الْآخَرِ حَيْثُ أَبْطَلَهَا وَأَشْيَاءَ ق

(2/115)


تَرَكَهَا من السُّنَنِ وَلَا شَغَبَ فيه شَغَبَهُ في هذا فَقُلْنَا لِبَعْضِ من قال ذلك لنا مَذْهَبُك في التَّرَوُّحِ إلَى الْحُجَّةِ بهذا مَذْهَبُ من لَا عِلْمَ له أو من له عِلْمٌ بِلَا نَصَفَةٍ فقال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت ما تَرَوَّحْتَ إلَيْهِ من هذا أَهُوَ قَوْلُ أَحَدٍ يُلْزَمُ قَوْلُهُ فَأَنْتَ تُكْبِرُ خِلَافَهُ أو قَوْلُ آدمى قد يَدْخُلُ عليه ما يَدْخُلُ على الْآدَمِيِّينَ من الْخَطَأِ قال بَلْ قَوْلُ من يَدْخُلُ عليه الْخَطَأُ قُلْنَا فَتَرْكُهُ بِأَنْ يَحُجَّ الْمَرْءُ عن غَيْرِهِ حَيْثُ تَرْكُهُ مَرْغُوبٌ عنه غَيْرُ مَقْبُولٍ منه عندنا ( ( ( عندما ) ) ) قال فَهُوَ من أَهْلِ نَاحِيَتِكُمْ قُلْنَا وما زَعَمْنَا أَنَّ أَحَدًا من أَهْلِ زَمَانِنَا وَنَاحِيَتِنَا بريء من أَنْ يُغْفَلَ وَإِنَّهُمْ لِكَالنَّاسِ وما يَحْتَجُّ مُنْصِفٌ على امريء ( ( ( امرئ ) ) ) بِقَوْلِ غَيْرِهِ إنَّمَا يَحْتَجُّ على الْمَرْءِ بِقَوْلِ نَفْسِهِ - * بَابُ الْحَالِ التي يَجِبُ فيها الْحَجُّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ لم يَكُنْ في مَالِهِ سَعَةٌ يَحُجُّ بها من غَيْرِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَهُوَ لَا يَجِدُ السَّبِيلَ وَلَكِنْ إنْ كان ذَا عَرَضٍ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ عَرَضِهِ أو الِاسْتِدَانَةُ فيه حتى يَحُجَّ فَإِنْ كان له مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَقُوتُ أَهْلِهِ بِقَدْرِ ما يَرْجِعُ من الْحَجِّ إنْ سَلِمَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كان له قُوتُ أَهْلِهِ أو ما يَرْكَبُ بِهِ لم يَجْمَعْهُمَا فَقُوتُ أَهْلِهِ أَلْزَمُ له من الْحَجِّ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يَجِبُ عليه الْحَجُّ حتى يَضَعَ لِأَهْلِهِ قُوتَهُمْ في قَدْرِ غَيْبَتِهِ وَلَوْ آجَرَ رَجُلٌ نَفْسَهُ من رَجُلٍ يَخْدُمُهُ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ معه أَجْزَأَتْ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَنْتَقِضْ من عَمَلِ الْحَجِّ بِالْإِجَارَةِ شَيْءٌ إذَا جاء بِالْحَجِّ بِكَمَالِهِ وَلَا يَحْرُمُ عليه أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ من عَمَلِ الْحَجِّ شيئا كما يَقُومُ بِأَمْرِ نَفْسِهِ إذَا جاء بِمَا عليه وَكَمَا يَتَطَوَّعُ فَيَخْدُمُ غَيْرَهُ لِثَوَابٍ أو لِغَيْرِ ثَوَابٍ
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فقال أو آجُرُ نَفْسِي من هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنْسُكَ مَعَهُمْ الْمَنَاسِكَ ألى إجر فقال بن عَبَّاسٍ نعم { أُولَئِكَ لهم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وَلَوْ حَجَّ رَجُلٌ في حُمْلَانِ غَيْرِهِ وَمُؤْنَتِهِ أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وقد حَجَّ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَرٌ حَمَلَهُمْ فَقَسَمَ بين عَوَامِّهِمْ غَنَمًا من مَالِهِ فَذَبَحُوهَا عَمَّا وَجَبَ عليهم وَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَلَكُوا ما أَعْطَاهُمْ من الْغَنَمِ فَذَبَحُوا ما مَلَكُوا وَمِنْ كَفَاهُ غَيْرُهُ مُؤْنَتَهُ أَجْزَأَتْ عنه مُتَطَوِّعًا أو بِأُجْرَةٍ لم يَنْتَقِضْ حَجُّهُ إذَا أتى بِمَا عليه من الْحَجِّ وَمُبَاحٌ له أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ وَيَقْبَلَ الصِّلَةَ غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا الصله لَا تَحْرُمُ على أَحَدٍ من الناس إنَّمَا تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ على بَعْضِ الناس وَلَيْسَ عليه إذَا لم يَجِدْ مَرْكَبًا أَنْ يَسْأَلَ وَلَا يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وأنما السَّبِيلُ الذي يُوجِبُ الْحَجَّ أَنْ يَجِدَ الْمُؤْنَةَ وَالْمَرْكَبَ من شَيْءٍ كان يَمْلِكُهُ قبل الْحَجِّ أو في وَقْتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ما أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ الْحَجِّ مَاشِيًا إذَا قَدَرَ عليه ولم يَقْدِرْ على مَرْكَبٍ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ وَالرَّجُلُ فيه أَقَلُّ عُذْرًا من الْمَرْأَةِ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَهُ عليه لِأَنِّي لم أَحْفَظْ عن أَحَدٍ من الْمُفْتِينَ أَنَّهُ أَوْجَبَ على أَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وقد رَوَى أَحَادِيثَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنْ لَا يَجِبَ الْمَشْيُ على أَحَدٍ إلَى الْحَجِّ وَإِنْ أَطَاقَهُ غير أَنَّ منها مُنْقَطِعَةً وَمِنْهَا ما يَمْتَنِعُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ من تَثْبِيتِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن إبْرَاهِيمَ بن يَزِيدَ عن مُحَمَّدِ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ قال قَعَدْنَا إلَى عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فَسَمِعْته يقول سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ما الْحَاجُّ فقال الشَّعِثُ التَّفِلُ فَقَامَ آخَرُ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قال الْعَجُّ وَالثَّجُّ فَقَامَ آخَرُ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ ما السَّبِيلُ فقال زَادٌ وَرَاحِلَةٌ ( قال )
وروى عن شَرِيكِ بن أبي نِمْرٍ عَمَّنْ سمع أَنَسَ بن مَالِكٍ يحدث عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ - * بَابُ الِاسْتِسْلَافِ لِلْحَجِّ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن طَارِقِ بن عبد الرحمن عن عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى صَاحِبِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال سَأَلْته عن الرَّجُلِ لم يَحُجَّ أَيَسْتَقْرِضُ لِلْحَجِّ قال لَا

(2/116)


- * بَابُ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من شَيْءٍ يُشْبِهُ غير ما ذَكَرْت قِيلَ نعم ما لَا يُخَالِفُنَا فيه أَحَدٌ عَلِمْته من أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْحَقُّ وَتَثْبُتُ عليها الدَّعْوَى بِبَلَدٍ لَا قَاضِيَ بِهِ فَتُجْلَبُ من ذلك الْبَلَدِ وَلَعَلَّ الدَّعْوَى تَبْطُلُ عنها أو تأتى بِمَخْرَجٍ من حَقٍّ لو ثَبَتَ عليها مَسِيرَةُ أَيَّامٍ مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إذَا كانت مَعَهَا امْرَأَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال في الْمُعْتَدَّاتِ { وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } فَقِيلَ يُقَامُ عليها الْحَدُّ فإذا كان هذا هَكَذَا فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ لم يَمْنَعْهَا الْخُرُوجَ من حَقٍّ لَزِمَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ هَكَذَا وكان خُرُوجُهَا فَاحِشَةً فَهِيَ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ حَقٍّ أَلْزَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ لم يَخْتَلِفْ الناس فِيمَا عَلِمْته أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَخْرُجُ من بَيْتِهَا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عليها وَكُلِّ حَقٍّ لَزِمَهَا وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على أنها تَخْرُجُ من بَيْتِهَا لِلنِّدَاءِ كما أَخْرَجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فإذا كان الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ يَدُلَّانِ مَعًا وَالْإِجْمَاعُ في مَوْضِعٍ على أَنَّ الْمَرْأَةَ في الْحَالِ التي هِيَ مَمْنُوعَةٌ فيها من خُرُوجٍ إلَى سَفَرٍ أو خُرُوجٍ من بَيْتِهَا في الْعِدَّةِ إنَّمَا هو على أنها مَمْنُوعَةٌ مِمَّا لَا يَلْزَمُهَا وَلَا يَكُونُ سَبِيلًا لِمَا يَلْزَمُهَا وما لها تَرْكُهُ فَالْحَجُّ لَازِمٌ وَهِيَ له مُسْتَطِيعَةٌ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَمَعَهَا امْرَأَةٌ فَأَكْثَرُ ثِقَةً فإذا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْمَحِيضَ أو اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا مَالَ لها تُطِيقُ بِهِ الْحَجَّ يُجْبَرُ أَبَوَاهَا وَلَا ولى لها وَلَا زَوْجُ الْمَرْأَةِ على أَنْ يُعْطِيَهَا من مَالِهِ ما يُحِجُّهَا بِهِ ( قال ) وَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ الْحَجَّ مَاشِيًا وكان مِمَّنْ يُطِيقُ ذلك لم يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لِوَلِيِّهِ مَنْعُهُ من ذلك ( قال ) وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ مَاشِيَةً كان لِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا من الْمَشْيِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا ( قال ) وإذا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ قَادِرَةً بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا على الْحَجِّ فَأَرَادَ وَلِيُّهَا مَنْعَهَا من الْحَجِّ أو أَرَادَهُ زَوْجُهَا مَنَعَهَا منه ما لم تُهِلَّ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ فَرْضٌ بِغَيْرِ وَقْتٍ إلَّا في الْعُمْرِ كُلِّهِ فَإِنْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ بِإِذْنِهِ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا وَإِنْ أَهَلَّتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه تَخْلِيَتَهَا وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ لو تَطَوَّعَتْ فَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ أَنَّ عليه تَخَلَّيْتهَا من قِبَلِ أَنَّ من دخل في الْحَجِّ مِمَّنْ قَدَرَ عليه لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ منه وَلَزِمَهُ غير أنها إذَا تَنَفَّلَتْ بِصَوْمٍ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا وَلَزِمَهُ عِنْدِي في قَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ ذلك في الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ كَمَنْ أُحْصِرَ فَتَذْبَحُ وَتُقَصِّرُ وَتُحِلُّ وَيَكُونُ ذلك لِزَوْجِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ وَمُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْمَرْأَة تُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيَمْنَعُهَا زَوْجُهَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَصْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَمْنَعَهَا فَإِنْ كان وَاجِبًا عليه أَنْ لَا يَمْنَعَهَا كان قد أَدَّى ما عليه وَأَنَّ له تَرْكَهُ إيَّاهَا أَدَاءَ الْوَاجِبِ وَإِنْ كان تَطَوُّعًا أُجِرَ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * الْخِلَافُ في هذا الْبَابِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ إلَى مَعْنًى سَأَصِفُ ما كَلَّمَنِي بِهِ وَمَنْ قال قَوْلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ على الْمُسْتَطِيعِ إذَا لَزِمَهُ في وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ فيه فَتَرَكَهُ في أَوَّلِ ما يُمْكِنُهُ كان آثِمًا بِتَرْكِهِ وكان كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وهو يَقْدِرُ على صَلَاتِهَا حتى ذَهَبَ الْوَقْتُ وكان إنَّمَا يُجْزِئُهُ حَجُّهُ بَعْدَ أَوَّلِ سَنَةٍ من مَقْدِرَتِهِ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان فِيمَا يروي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَدُلُّ على أَنَّ السَّبِيلَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَجِدُهُمَا وَكَانَتْ مع ثِقَةٍ من النِّسَاءِ في طَرِيقٍ مَأْهُولَةٍ آمِنَةٍ فَهِيَ مِمَّنْ عليه الْحَجُّ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَسْتَثْنِ فِيمَا يُوجِبُ الْحَجَّ إلَّا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَإِنْ لم تَكُنْ مع حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ثِقَةٍ من النِّسَاءِ فَصَاعِدًا لم تَخْرُجْ مع رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ وَلَا مَحْرَمَ لها منهم وقد بَلَغَنَا عن عَائِشَةَ وبن عُمَرَ وبن الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِنَا في أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ لِلْحَجِّ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال سُئِلَ عَطَاءٌ عن امْرَأَةٍ ليس مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجَ مَعَهَا وَلَكِنْ مَعَهَا وَلَائِدُ وَمَوْلَيَاتٌ يَلِينَ إنْزَالَهَا وَحِفْظَهَا وَرَفْعَهَا قال نعم فَلْتَحُجَّ

(2/117)


قَضَاءً كما تَكُونُ الصَّلَاةُ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ قَضَاءً ثُمَّ أَعْطَانَا بَعْضُهُمْ ذلك في الصَّلَاةِ إذَا دخل وَقْتُهَا الْأَوَّلُ فَتَرَكَهَا فَإِنْ صَلَّاهَا في الْوَقْتِ وَفِيمَا نَذَرَ من صَوْمٍ أو وَجَبَ عليه بِكَفَّارَةٍ أو قَضَاءٍ فقال فيه كُلِّهِ مَتَى أَمْكَنَهُ فَأَخَّرَهُ فَهُوَ عَاصٍ بِتَأْخِيرِهِ ثُمَّ قال في الْمَرْأَةِ يُجْبَرُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا على تَرْكِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَقَالَهُ معه غَيْرُهُ مِمَّنْ يفتى وَلَا أَعْرِفُ فيه حُجَّةً إلَّا ما وَصَفْت من مَذْهَبِ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي بَعْضُهُمْ فَصِفْ لي وَقْتَ الْحَجِّ فَقُلْت الْحَجُّ ما بين أَنْ يَجِبَ على من وَجَبَ عليه إلَى أَنْ يَمُوتَ أو يَقْضِيَهُ فإذا مَاتَ عَلِمْنَا أَنَّ وَقْتَهُ قد ذَهَبَ قال ما الدَّلَالَةُ على ذلك قُلْت ما وَصَفْت من تَأْخِيرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ وَكَثِيرٍ مِمَّنْ معه وقد أَمْكَنَهُمْ الْحَجُّ قال فَمَتَى يَكُونُ فَائِتًا قُلْت إذَا مَاتَ قبل أَنْ يُؤَدِّيَهَا أو بَلَغَ مالا يَقْدِرُ على أَدَائِهِ من الْإِفْنَادِ قال فَهَلْ يقضي عنه قُلْت نعم قال أَفَتُوجِدُنِي مِثْلَ هذا قُلْت نعم يَكُونُ عليه الصَّوْمُ في كل ما عَدَا شَهْرَ رَمَضَانَ فإذا مَاتَ قبل أَنْ يُؤَدِّيَهُ وقد أَمْكَنَهُ كَفَّرَ عنه لِأَنَّهُ كان قد أَمْكَنَهُ فَتَرَكَهُ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُمْكِنَهُ لم يُكَفِّرْ عنه لِأَنَّهُ لم يُمْكِنْهُ أَنْ يُدْرِكَهُ قال أَفَرَأَيْت الصَّلَاةَ قُلْت مُوَافِقَةٌ لِهَذَا في مَعْنًى مُخَالِفَةٌ له في آخَرَ قال وما الْمَعْنَى الذي تُوَافِقُهُ فيه قُلْت إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتَيْنِ أَوَّلٌ وَآخَرُ فَإِنْ أَخَّرَهَا عن الْوَقْتِ الْأَوَّلِ كان غير مُفَرِّطٍ حتى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْآخَرُ فإذا خَرَجَ الْوَقْتُ قبل أَنْ يصلى كان آثِمًا بِتَرْكِهِ ذلك وقد أَمْكَنَهُ غير أَنَّهُ لَا يصلى أَحَدٌ عن أَحَدٍ قال وَكَيْفَ خَالَفْت بَيْنَهُمَا قُلْت بِمَا خَالَفَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي صَوْمًا وَلَا تَقْضِي صَلَاةً وَلَا تُصَلِّي وَتَحُجُّ وَأَنَّ من أَفْسَدَ صَلَاتَهُ بِجِمَاعٍ أَعَادَ بِلَا كَفَّارَةٍ في شَيْءٍ منها وَأَنَّ من أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ كَفَّرَ وَأَعَادَ وَأَنَّ من أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ كَفَّرَ غير كَفَّارَةِ الصِّيَامِ وَأَعَادَ قال قد أَرَى افْتِرَاقَهُمَا فَدَعْ ذِكْرَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تَقُلْ في الْمَرْأَةِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيَمْنَعُهَا وَلِيُّهَا أَنَّهُ لَا حَجَّ عليها وَلَا دَمَ إذْ لم يَكُنْ لها ذلك وَتَقُولُ ذلك في الْمَمْلُوكِ قُلْت إنَّمَا أَقُولُ لَا حَجَّ عليها وَلَا دَمَ على من كان لَا يَجُوزُ له بِحَالٍ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا في الْوَقْتِ الذي يُحْرِمُ فيه وَالْإِحْرَامُ لِهَذَيْنِ جَائِزٌ بِأَحْوَالٍ أو حَالٍ لَيْسَا مَمْنُوعَيْنِ منه بِالْوَقْتِ الذي أَحْرَمَا فيه إنَّمَا كَانَا مَمْنُوعَيْنِ منه بِأَنَّ لِبَعْضِ الْآدَمِيِّينَ عَلَيْهِمَا الْمَنْعَ وَلَوْ خَلَّاهُمَا كان إحْرَامًا صَحِيحًا عنهما مَعًا فَإِنْ قال فَكَيْفَ قُلْت لَيُهْرِيقَا الدَّمَ في مَوْضِعِهِمَا قُلْت نَحَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ في الْحِلِّ إذْ أُحْصِرَ فَإِنْ قال وَيُشْبِهُ هذا الْمُحْصَرَ قِيلَ لَا أَحْسِبُ شيئا أَوْلَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال لي نَفَرٌ منهم نَسْأَلُك من أَيْنَ قُلْت في الْحَجِّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ وقد أَمْكَنَهُ فَإِنْ جَازَ ذلك جَازَ لَك ما قُلْت في الْمَرْأَةِ قُلْت اسْتِدْلَالًا مع كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بِالْحُجَّةِ اللَّازِمَةِ قالوا فَاذْكُرْهَا قُلْت نعم نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَأَمَّرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ على الْحَاجِّ وَتَخَلَّفَ هو عن الْحَجِّ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ من تَبُوكَ لَا مُحَارِبًا وَلَا مَشْغُولًا وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ قَادِرِينَ على الْحَجِّ وَأَزْوَاجُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كان هذا كما تَقُولُونَ لم يَتَخَلَّفْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن فَرْضٍ عليه لِأَنَّهُ لم يَصِلْ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ التي يُقَالُ لها حَجَّةُ الْوَدَاعِ ولم يَدَعْ مُسْلِمًا يَتَخَلَّفُ عن فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى عليه وهو قَادِرٌ عليه وَمَعَهُمْ أُلُوفٌ كلهم قَادِرٌ عليه لم يَحُجَّ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَصَلَّى جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم في وَقْتَيْنِ وقال ما بين هَذَيْنِ وَقْتٌ وقد أَعْتَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْعَتَمَةِ حتى نَامَ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ وَلَوْ كان كما تَصِفُونَ صَلَّاهَا حين غَابَ الشَّفَقُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها إنْ كان لَيَكُونُ على الصَّوْمُ من شَهْرِ رَمَضَانَ فما أَقْدِرُ على أَنْ أَقْضِيَهُ حتى شَعْبَانَ وروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا وزوجها ( ( ( زوجها ) ) ) شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ

(2/118)


أَنْ يُقَاسَ عليه من الْمُحْصَرِ وهو في بَعْضِ حَالَاتِهِ في أَكْثَرَ من مَعْنَى الْمُحْصَرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْصَرَ مَانِعٌ من الأدميين بِخَوْفٍ من الْمَمْنُوعِ فَجَعَلَ له الْخُرُوجَ من الْإِحْرَامِ وَإِنْ كان الْمَانِعُ من الْآدَمِيِّينَ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ فإذا كان لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ مَانِعٌ من الْآدَمِيِّينَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَانَا مُجَامِعَيْنِ له في مَنْعِ بَعْضِ الْآدَمِيِّينَ وفي أَكْثَرَ منه من أَنَّ الْآدَمِيَّ الذي مَنَعَهُمَا له مَنْعُهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ قَاسَهُ على ما يَلْزَمُهُ من هدى الْمُتْعَةِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ } فَلَوْ لم يَجِدْ هَدْيًا ولم يَصُمْ لم يَمْنَعْهُ ذلك من أَنْ يُحِلَّ من عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ وَيَكُونُ عليه بَعْدَهُ الهدى أو الطَّعَامُ فَيُقَالُ إذَا كان لِلْمُحْصَرِ أَنْ يُحِلَّ بِدَمٍ يَذْبَحُهُ فلم يَجِدْهُ حَلَّ وَذَبَحَ مَتَى وَجَدَ أو جاء بِالْبَدَلِ من الذَّبْحِ إذَا كان له بَدَلٌ وَلَا يَحْبِسُ للهدى حَرَامًا على أَنْ يُحِلَّ في الْوَقْتِ الذي يُؤْمَرُ فيه بِالْإِحْلَالِ وَقَاسَهُ من وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا على ما يَلْزَمُهُ من جَزَاءِ الصَّيْدِ فإن اللَّهَ تَعَالَى يقول { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } فيقول إنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا ذَكَرَ الهدى في هذا الْمَوْضِعِ وَجَعَلَ بَدَلَهُ غَيْرَهُ وَجَعَلَ في الْكَفَّارَاتِ أَبْدَالًا ثُمَّ ذَكَرَ في الْمُحْصَرِ الدَّمَ ولم يذكر غَيْرَهُ كان شَرْطُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْإِبْدَالَ في غَيْرِهِ مِمَّا يَلْزَمُ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يَجْعَلَ ما أُنْزِلَ مِمَّا يَلْزَمُ في النُّسُكِ مُفَسَّرًا دَلِيلًا على ما أُنْزِلَ مُجْمَلًا فَيَحْكُمُ في الْمُجْمَلِ حُكْمَ الْمُفَسَّرِ كما قُلْنَا في ذِكْرِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ في قَتْلٍ مِثْلُهَا رَقَبَةٌ في الظِّهَارِ وَإِنْ لم يذكر مُؤْمِنَةً فيه وَكَمَا قُلْنَا في الشُّهُودِ حين ذُكِرُوا عُدُولًا وَذُكِرُوا في مَوْضِعٍ آخَرَ فلم يَشْتَرِطْ فِيهِمْ الْعُدُولَ هُمْ عُدُولٌ في كل مَوْضِعٍ على ما شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى في الْغَيْرِ حَيْثُ شَرَطَهُ فَاسْتَدْلَلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على أَنَّ حُكْمَ الْمُجْمَلِ حُكْمُ الْمُفَسَّرِ إذَا كَانَا في مَعْنًى وَاحِدٍ وَالْبَدَلُ ليس بِزِيَادَةٍ وقد يأتى مَوْضِعٌ من حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا نَقُولُ هذا فيه هذا ليس بِالْبَيِّنِ أَنَّ لَازِمًا أَنْ نَقُولَ هذا في دَمِ الْإِحْصَارِ كُلَّ الْبَيَانِ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وهو مُجْمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّةِ من زَوْجٍ له عليها الرَّجْعَةُ تُهِلُّ بِالْحَجِّ إنْ رَاجَعَهَا فَلَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ لم يُرَاجِعْهَا مَنَعَهَا حتى تنقضى الْعِدَّةُ فإذا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَهِيَ مَالِكَةٌ لِأَمْرِهَا وَيَكُونُ لها أَنْ تُتِمَّ على الْحَجِّ وَهَكَذَا الْمَالِكَةُ لِأَمْرِهَا الثَّيِّبُ تُحْرِمُ يُمْنَعُ وَلِيُّهَا من حَبْسِهَا وَيُقَالُ لِوَلِيِّهَا إنْ شِئْت فَاخْرُجْ مَعَهَا وَإِلَّا بَعَثْنَا بها مع نِسَاءٍ ثِقَاتٍ فَإِنْ لم تَجِدْ نِسَاءَ ثِقَةٍ لم يَكُنْ لها في سَفَرٍ أَنْ تَخْلُوَ بِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةَ مَعَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تُبْطِلْ إحْرَامَهَا إذَا أَحْرَمَتْ في الْعِدَّةِ قُلْت إذَا كانت تَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ بِحَالٍ لم أُعَجِّلْ بِإِبْطَالِهِ حتى أَعْلَمَ أَنْ لَا تَجِدَ السَّبِيلَ إلَيْهِ وَإِنْ أَهَلَّتْ في عِدَّةٍ من وَفَاةٍ أو هِيَ قد أتى على طَلَاقِهَا لَزِمَهَا الْإِهْلَالُ وَمَنَعَهَا الْخُرُوجَ حتى تُتِمَّ عِدَّتَهَا فَإِنْ انْقَضَتْ خَرَجَتْ فَإِنْ أَدْرَكَتْ حَجًّا وَإِلَّا حَلَّتْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لَا تَجْعَلُهَا مُحْصَرَةً بِمَانِعِهَا قُلْت له مَنْعُهَا إلَى مُدَّةٍ فإذا بَلَغَتْهَا لم يَكُنْ له مَنْعُهَا وَبُلُوغُهَا أَيَّامٍ يأتى عليها ليس مَنْعُهَا بِشَيْءٍ إلَى غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لها الْخُرُوجُ حتى يأذن لها فإذا بلغتها لم يكن لغيرها سبيل عليها بمنعها منه والعبد إذا منعه سيده لم يكن عليه تخليته فإن قِيلَ قد يَعْتِقُ قيل ( ( ( قبل ) ) ) عِتْقِهِ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ غَيْرُهُ له أو لَا يُحْدِثُهُ وَلَيْسَ كَالْمُعْتَدَّةِ فِيمَا لِمَانِعِهَا من مَنْعِهَا فان ( ( ( فلو ) ) ) أَهَلَّ عَبْدٌ بِحَجٍّ فَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ حَلَّ وَإِنْ عَتَقَ بعد ما يُحِلُّ فَلَا حَجَّ عليه إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ عَتَقَ قبل أَنْ يُحِلَّ مَضَى في إحْرَامِهِ كما يُحْصَرُ الرَّجُلُ بِعَدُوٍّ فَيَكُونُ له أَنْ يُحِلَّ فَإِنْ لم يُحِلَّ حتى يَأْمَنَ الْعَدُوَّ لم يَكُنْ له أَنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْعَبْدِ يُهِلُّ بِالْحَجِّ من غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يَدَعَهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ مَنْعُهُ وإذا مَنَعَهُ فَالْعَبْدُ كَالْمُحْصَرِ لَا يَجُوزُ فيه إلَّا قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَنْ ليس عليه إلَّا دَمٌ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَيُحِلُّ إذَا كان عَبْدًا غير وَاجِدٍ لِلدَّمِ وَمَتَى عَتَقَ وَوَجَدَ ذَبَحَ وَمَنْ قال هذا في الْعَبْدِ قَالَهُ في الْحُرِّ يُحْصَرُ بِالْعَدُوِّ وهو لَا يَجِدُ شيئا يَحْلِقُ وَيُحِلُّ وَمَتَى أَيْسَرَ أَدَّى الدَّمَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَإِنْ وَجَدَ الطَّعَامَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِلَّا صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَالْعَبْدُ بِكُلِّ حَالٍ ليس بِوَاجِدٍ فَيَصُومُ

(2/119)


يُحِلَّ وكان عليه أَنْ يَمْضِيَ في إحْرَامِهِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَالِكَةً لِأَمْرِهَا أَهَلَّتْ بِحَجٍّ ثُمَّ نُكِحَتْ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا من الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا قبل أَنْ يَكُونَ له مَنْعُهَا وَلَا نَفَقَةَ لها عليه في مُضِيِّهَا وَلَا في إحْرَامِهَا في الْحَجِّ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كان مَعَهَا في حَجِّهَا أو لم يَكُنْ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ وَلَا الْمُحْرِمِ ( قال الرَّبِيعُ ) هذه الْمَسْأَلَةُ فيها غَلَطٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يقول لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ وَلَا الْمُحْرِمِ فلما أَهَلَّتْ هذه بِحَجٍّ ثُمَّ نُكِحَتْ كان نِكَاحُهَا بَاطِلًا ولم يَكُنْ لها زَوْجٌ يَمْنَعُهَا وَتَمْضِي في حَجِّهَا وَلَيْسَ لها زَوْجٌ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لها لِأَنَّهَا لَيْسَتْ في أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا حَكَى هذا الْقَوْلَ في قَوْلِ من يُجِيزُ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ فَأَمَّا قَوْلُهُ فإنه لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَلَا الْمُحْرِمَةِ وَهَذَا له في كِتَابِ الشِّغَارِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا احْتَلَمَ الْغُلَامُ أو حَاضَتْ الْجَارِيَةُ وَإِنْ لم يَسْتَكْمِلَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أو اسْتَكْمَلَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قبل الْبُلُوغِ وَهُمَا غَيْرُ مَغْلُوبَيْنِ على عُقُولِهِمَا وَاجِدَانِ مَرْكَبًا وَبَلَاغًا مُطِيقَانِ الْمَرْكَبَ غير مَحْبُوسَيْنِ عن الْحَجِّ بِمَرَضٍ وَلَا سُلْطَانٍ وَلَا عَدُوٍّ وَهُمَا في الْوَقْتِ الذي بَلَغَا فيه قَادِرَانِ بِمَوْضِعٍ لو خَرَجَا منه فَسَارَا بِسَيْرِ الناس قَدْرًا على الْحَجِّ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ فَإِنْ لم يَفْعَلَا حتى مَاتَا فَقَدْ لَزِمَهُمَا الْحَجُّ وَعَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عليه في وَقْتٍ يُجْزِئُ عنهما لو مَضَيَا فيه حتى يُقْضَى عنهما الْحَجُّ وَإِنْ كَانَا بِمَوْضِعٍ يَعْلَمَانِ أَنْ لو خَرَجَا عِنْدَ بُلُوغِهِمَا لم يُدْرِكَا الْحَجَّ لِبُعْدِ دَارِهِمَا أو دُنُوِّ الْحَجِّ فلم يَخْرُجَا لِلْحَجِّ ولم يَعِيشَا حتى أتى عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِمَا وَمَنْ لم يَجِبْ الْحَجُّ عليه فَيَدَعُهُ وهو لو حَجَّ أَجْزَأَهُ لم يَكُنْ عليه قَضَاؤُهُ وَلَوْ كَانَا إذَا بَلَغَا فَخَرَجَا يَسِيرَانِ سَيْرًا مُبَايِنًا لِسَيْرِ الناس في السُّرْعَةِ حتى يَسِيرَا مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ في سَيْرِ الْعَامَّةِ في يَوْمٍ وَمَسِيرَةَ ثَلَاثٍ في يَوْمَيْنِ لم يَلْزَمْهُمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَسِيرَا سَيْرًا يُخَالِفُ سَيْرَ الْعَامَّةِ فَهَذَا كُلُّهُ لو فَعَلَا كان حَسَنًا وَلَوْ بَلَغَا عَاقِلَيْنِ ثُمَّ لم يَأْتِ عَلَيْهِمَا مَخْرَجُ أَهْلِ بِلَادِهِمَا حتي غَلَبَ على عُقُولِهِمَا ولم تَرْجِعْ إلَيْهِمَا عُقُولُهُمَا في وَقْتٍ لو خَرَجَا فيه أَدْرَكَا حَجًّا لم يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُحَجَّ عنهما وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمَا أَنْ يُحَجَّ عنهما إذَا أتى عَلَيْهِمَا وَقْتٌ يَعْقِلَانِ فيه ثُمَّ لم تَذْهَبْ عُقُولُهُمَا حتى يأتى عَلَيْهِمَا وَقْتٌ لو خَرَجَا فيه إلَى الْحَجِّ بَلَغَاهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرْقٌ بين الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ وَبَيْنَ الْمَغْلُوبِ بِالْمَرَضِ قِيلَ الْفَرَائِضُ على الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ زَائِلَةٌ في مدته ( ( ( مدتها ) ) ) كُلِّهَا وَالْفَرَائِضُ على الْمَغْلُوبِ بِالْمَرَضِ الْعَاقِلِ على بَدَنِهِ غَيْرُ زَائِلَةٍ في مُدَّتِهِ وَلَوْ حَجَّ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ لم يُجْزِ عنه لَا يجزئ عَمَلٌ على الْبَدَنِ لَا يَعْقِلُ عَامِلُهُ قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } وَلَوْ حَجَّ الْعَاقِلُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَرَضِ أَجْزَأَ عنه وَلَوْ كان بُلُوغُهُمَا في عَامِ جَدْبٍ الْأَغْلَبُ فيه على الناس خَوْفُ الْهَلَكَةِ بِالْعَطَشِ في سَفَرِ أَهْلِ نَاحِيَةٍ هُمَا فيها أو لم يَكُنْ ما لَا بُدَّ لهم منه من عَلَفٍ مَوْجُودٍ فيه أو في خَوْفٍ من عَدُوٍّ لَا يَقْوَى جَمَاعَةٌ حَاجٌّ مِصْرُهُمَا عليه أو اللُّصُوصُ كَذَلِكَ أَشْبَهَ هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ من أَرَادَ فيه الْحَجَّ غير مُسْتَطِيعٍ له فَيَكُونُ غير لَازِمٍ له بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُمْكِنَهُ الْحَجُّ بِتَغَيُّرِ هذا لم يَكُنْ عليه حَجٌّ وَكَذَلِكَ لو حَجَّ أَوَّلَ ما بَلَغَ فاحصر بِعَدُوٍّ فَنَحَرَ وَحَلَّ دُونَ مَكَّةَ وَرَجَعَ فلم يُمْكِنْهُ الْحَجُّ حتى يَمُوتَ لم يَكُنْ عليه حَجٌّ وَلَوْ كان ما وَصَفْت من الْحَائِلِ في الْبِرِّ وكان يَقْدِرُ على الرُّكُوبِ في الْبَحْرِ فَيَكُونُ له طَرِيقًا أَحْبَبْت له ذلك وَلَا يَبِينُ لي أَنَّهُ يَجِبُ عليه رُكُوبُ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ من رُكُوبِ الْبَحْرِ خَوْفُ الْهَلَكَةِ وَلَوْ بَلَغَا مَغْلُوبَيْنِ على عُقُولِهِمَا فلم يُفِيقَا فتأتى عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ يَعْقِلَانِ فيها وَيُمْكِنُهُمَا الْحَجُّ لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا وإذا بَلَغَا مَعًا فَمَنَعَا الْحَجَّ بِعَدُوٍّ حَائِلٍ بين أَهْلِ نَاحِيَتِهِمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَى وَلِيِّ السَّفِيهَةِ الْبَالِغَةِ إذَا تَطَوَّعَ لها ذُو مَحْرَمٍ وكان لها مَالٌ أَنْ يُعْطِيَهَا من مَالِهَا ما تَحُجُّ بِهِ إذَا شَاءَتْ ذلك وكان لها ذُو مَحْرَمٍ يَحُجُّ بها أو خَرَجَتْ مع نِسَاءٍ مُسْلِمَاتٍ - * بَابُ الْمُدَّةِ التي يَلْزَمُ فيها الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُ - *

(2/120)


مَعًا وَبَيْنَ الْحَجِّ ثُمَّ لم يَأْتِ عَلَيْهِمَا مُدَّةُ وَقْتِ الْحَجِّ يَقْدِرَانِ هُمَا وَلَا غَيْرُهُمَا من أَهْلِ نَاحِيَتِهِمَا فيه على الْحَجِّ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِمَا يُقْضَى عنهما أن مَاتَا قبل تَمَكُّنِهِمَا أو أَحَدٍ من أَهْلِ نَاحِيَتِهِمَا من الْحَجِّ وَلَوْ حِيلَ بَيْنَهُمَا خَاصَّةً بِحَبْسٍ عَدُوٍّ أو سُلْطَانٍ أو غَيْرِهِ وكان غَيْرُهُمَا يَقْدِرُ على الْحَجِّ ثُمَّ مَاتَا ولم يَحُجَّا كان هَذَانِ مِمَّنْ عليه الِاسْتِطَاعَةُ بِغَيْرِهِمَا وَيُقْضَى الْحَجُّ عنهما وَكَذَلِكَ لو كان حُبِسَ بِبَلَدِهِ أو في طَرِيقِهِ بِمَرَضٍ أو زَمَنٍ لَا بِعِلَّةِ غَيْرِهِ وَعَاشَ حتى الْحَجِّ غير صَحِيحٍ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يَصِحَّ وَجَبَ عليه الْحَجُّ وَجِمَاعُ هذا أَنْ يَكُونَ الْبَالِغَانِ إذَا لم يَقْدِرَا بِأَيِّ وَجْهٍ ما كانت الْقُدْرَةُ بِأَبْدَانِهِمَا وَهُمَا قَادِرَانِ بِأَمْوَالِهِمَا وفي نَاحِيَتِهِمَا من يَقْدِرُ على الْحَجِّ غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَا قبل أَنْ يَحُجَّا فَقَدْ لَزِمَهُمَا الْحَجُّ إنَّمَا يَكُونُ غير لَازِمٍ لَهُمَا إذَا لم يَقْدِرْ أَحَدٌ من أَهْلِ نَاحِيَتِهِمَا على الْحَجِّ بِبَعْضِ ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ ما خَالَفَ بين هذا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ بِمَا ذَكَرْت من عَدُوٍّ وَحَدَثٍ قِيلَ ذلك لَا يَجِدُ السَّبِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى الْحَجِّ وَلَا إلَى أَنْ يَحُجَّ عنه غَيْرُهُ من نَاحِيَتِهِ من قِبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ في مَعْنَاهُ في خَوْفِ الْعَدُوِّ وَالْهَلَكَةِ بِالْجَدْبِ وَالزَّمِنِ وَالْمَرَضِ وَإِنْ كان مَعْذُورًا بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ عنه صَحِيحٌ غَيْرُهُ وَمِثْلُ هذا أَنْ يَحْبِسَهُ سُلْطَانٌ عن حَجٍّ أو لُصُوصٌ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ يَقْدِرُ على الْحَجِّ فَيَمُوتُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عنه وَالشَّيْخُ الْفَانِي أَقْرَبُ من الْعُذْرِ من هَذَيْنِ وقد وَجَبَ عليه أَنْ يَحُجَّ عنه إذَا وُجِدَ من يَحُجُّ عنه - * بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ بِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَجِّ الْوَاجِبِ أَنْ يَحُجَّ الْمَرْءُ عن غَيْرِهِ فَاحْتَمَلَ الْقِيَاسُ على هذا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ على خَلْقِهِ فَرْضَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْضٌ على الْبَدَنِ وَالْآخَرُ فَرْضٌ في الْمَالِ فلما كان ما فَرَضَ اللَّهُ على الْأَبَدَانِ عليها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَثْعَمِيَّةَ بِالْحَجِّ عن أَبِيهَا دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ { من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَطِيعَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَعْجِزَ عنه بِنَفْسِهِ بِعَارِضِ كِبَرٍ أو سَقَمٍ أو فِطْرَةِ خِلْقَةٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا على الثُّبُوتِ على الْمَرْكَبِ وَيَكُونُ من يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عنه إمَّا بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ إيَّاهُ وهو وَاجِدٌ له وَإِمَّا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيَجِبُ عليه أَنْ يُعْطِيَ إذَا وَجَدَ أو يَأْمُرَ إنْ أُطِيعَ وَهَذِهِ إحْدَى الِاسْتِطَاعَتَيْنِ وَسَوَاءٌ في هذا الرَّجُلِ يُسَلِّمُ وَلَا يَقْدِرُ على الثُّبُوتِ على الْمَرْكَبِ أو الصَّبِيِّ يَبْلُغُ كَذَلِكَ أو الْعَبْدِ يُعْتَقُ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عليه إنْ قَدَرَ على الثُّبُوتِ على الْمَحْمَلِ بِلَا ضَرَرٍ وكان وَاجِدًا له أو لِمَرْكَبِ غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ على غَيْرِهِ أَنْ يَرْكَبَ الْمَحْمَلَ أو ما أَمْكَنَهُ الثُّبُوتُ عليه من الْمَرْكَبِ وَإِنْ كان وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ لَا يَجِدُ مُطِيعًا وَلَا مَالًا فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ بِالْبَدَنِ وَلَا بِالطَّاعَةِ فَلَا حَجَّ عليه وَجِمَاعُ الطَّاعَةِ التي تُوجِبُ الْحَجَّ وَتَفْرِيعُهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْمُرَ فَيُطَاعُ بِلَا مَالٍ وَالْآخَرُ أَنْ يَجِدَ مَالًا يَسْتَأْجِرُ بِهِ من يُطِيعُهُ فَتَكُونُ إحْدَى الطَّاعَتَيْنِ وَلَوْ تَحَامَلَ فَحَجَّ أَجْزَأَتْ عنه وَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ أَجْرًا مِمَّنْ يَخِفُّ ذلك عليه وَلَمَّا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَرْأَةَ أَنْ تَحُجَّ عن أَبِيهَا إذْ أَسْلَمَ وهو لَا يَسْتَمْسِكُ على الرَّاحِلَةِ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ عليه الْفَرْضَ إذَا كان مُسْتَطِيعًا بِغَيْرِهِ إذَا كان في هذه الْحَالِ وَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ الْحَجُّ عنه لِأَنَّهُ في أَكْثَرَ من مَعْنَى هذا الذي لو تَكَلَّفَ الْحَجَّ بِحَالٍ أَجْزَأَهُ وَالْمَيِّتُ لَا يَكُونُ فيه تَكَلُّفٌ أَبَدًا - * بَابُ الْحَالِ التي يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ فيها الرَّجُلُ عن غَيْرِهِ - *

(2/121)


لَا يَتَجَاوَزُهَا مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُصْرَفُ عنها إلَى غَيْرِهَا بِحَالٍ وكان الْمَرِيضُ يصلى كما رأي وَيَغْلِبُ على عَقْلِهِ فَيَرْتَفِعُ عنه فَرْضُ الصَّلَاةِ وَتَحِيضُ الْمَرْأَةُ فَيَرْتَفِعُ عنها فَرْضُ الصَّلَاةِ في وَقْتِ الْغَلَبَةِ على الْعَقْلِ وَالْحَيْضِ وَلَا يجزئ الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ صَلَاةٌ صَلَّاهَا وهو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ لَا تُجْزِيهَا صَلَاةٌ صَلَّتْهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يصلى عنهما غَيْرُهُمَا في حَالِهِمَا تِلْكَ فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَرْءَ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ كان هذا كما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَكُلُّ ما وَجَبَ على الْمَرْءِ بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وكان ما سِوَى هذا من حَجِّ تَطَوُّعٍ أو عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُجَّهُ عن أَحَدٍ وَلَا يَعْتَمِرَ في حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَنْ قال هذا كان وَجْهًا مُحْتَمَلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لو أَوْصَى رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عنه تَطَوُّعًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كما لو أَوْصَى أَنْ يصلى عنه بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إنْ حَجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ بِوَصِيَّةٍ فَهِيَ في ثُلُثِهِ وَالْإِجَارَةُ عليه فَاسِدَةٌ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيمَا أُخِذَ من الْإِجَارَةِ على هذا وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَجْرَ مِثْلِهِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ مِمَّا أَخَذَ عليه وَيَلْحَقُ بِالْفَضْلِ إنْ كان نَقَصَهُ كما يقول في كل إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ وَالْآخَرُ أَنْ لَا أُجْرَةَ له لِأَنَّ عَمَلَهُ عن نَفْسِهِ لَا عن غَيْرِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَمَرَ الْمَرْءَ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ في الْوَاجِبِ دَلَّ هذا على أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ على الْأَبَدَانِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ما لَا يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ عن غَيْرِهِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْمِلُهُ عنه غَيْرُهُ مِثْلُ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَالْآخَرُ النُّسُكُ من الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَكُونُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْمَلَهُ عن غَيْرِهِ مُتَطَوِّعًا عنه أو وَاجِبًا عليه إذَا صَارَ في الْحَالِ التي لَا يَقْدِرُ فيها على الْحَجِّ وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ له أَنْ يَتَطَوَّعَ عنه وَالْمُتَطَوِّعُ عنه يَقْدِرُ على الْحَجِّ لِأَنَّ الْحَالَ التي أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها بِالْحَجِّ عنه هِيَ الْحَالُ التي لَا يَقْدِرُ فيها على أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لو تَطَوَّعَ عنه وهو يَقْدِرُ على الْحَجِّ لم يُجْزِ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فلما كان هو لو تَطَوَّعَ عن نَفْسِهِ كانت حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِهَا فَتَطَوَّعَ عنه غَيْرُهُ لم يُجْزِ عنه وقد ذَهَبَ عَطَاءٌ مَذْهَبًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ يجزئ عنه أَنْ يَتَطَوَّعَ عنه بِكُلِّ نُسُكٍ من حَجٍّ أو عُمْرَةٍ إنْ عَمِلَهُمَا مُطِيقًا له أو غير مُطِيقٍ وَذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن يَزِيدَ مولى عَطَاءٍ قال رُبَّمَا أَمَرَنِي عَطَاءٌ أَنْ أَطُوفَ عنه (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الطَّوَافَ من النُّسُكِ وَأَنَّهُ يجزئ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ عن غَيْرِهِ في أَيِّ حَالٍ ما كان وَلَيْسَ نَقُولُ بهذا وَقَوْلُنَا لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ إلَّا وَالْمَعْمُولُ عنه غَيْرُ مُطِيقٍ الْعَمَلَ بِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى أَنْ يُطِيقَ بِحَالٍ أو بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لو تَطَوَّعَ عنه رَجُلٌ وَالْمُتَطَوَّعُ عنه يَقْدِرُ على الْحَجِّ لم يُجْزِ الْمَحْجُوجَ عنه ( قال ) وَمَنْ وُلِدَ زَمَنًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ على مَرْكَبٍ مُحَمَّلٍ وَلَا غَيْرِهِ أو عَرَضَ ذلك له عِنْدَ بُلُوغِهِ أو كان عَبْدًا فَعَتَقَ أو كَافِرًا فَأَسْلَمَ فلم تَأْتِ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فيها الْحَجُّ حتى يَصِيرَ بِهَذِهِ الْحَالِ وَجَبَ عليه إنْ وَجَدَ من يَحُجُّ عنه بِإِجَارَةٍ أو غَيْرِ إجَارَةٍ وإذا أَمْكَنَهُ مَرْكَبُ مَحْمَلٍ أو شِجَارٍ أو غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِبَدَنِهِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الثُّبُوتِ على بَعِيرٍ أو دَابَّةٍ إلَّا في مَحْمَلٍ أو شِجَارٍ وَكَيْفَمَا قَدَرَ على الْمَرْكَبِ وَأَيِّ مَرْكَبٍ قَدَرَ عليه فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ ( قال ) وَمَنْ كان صَحِيحًا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ فلم يَحُجَّ حتى عَرَضَ له هذا كان له أَنْ يَبْعَثَ من يَحُجُّ عنه لِأَنَّهُ قد صَارَ إلَى الْحَالِ التي أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَحُجَّ فيها عَمَّنْ بَلَغَهَا ( قال ) وَلَوْ كان بِهِ مَرَضٌ يُرْجَى الْبُرْءُ منه لم أَرَ له أَنْ يَبْعَثَ أَحَدًا يَحُجُّ عنه حتى يَبْرَأَ فَيَحُجَّ عن نَفْسِهِ أو يَهْرَمَ فَيُحَجَّ عنه أو يَمُوتَ فَيُحَجَّ عنه بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين هذا الْمَرِيضِ المضني وَبَيْنَ الْهَرِمِ أو الزَّمِنِ قِيلَ له لم يَصِر

(2/122)


أَحَدٌ عَلِمْته بَعْدَ هَرَمٍ لَا يَخْلِطُهُ سَقَمٌ غَيْرُهُ إلَى قُوَّةٍ يَقْدِرُ فيها على الْمَرْكَبِ وَالْأَغْلَبُ من أَهْلِ الزَّمَانَةِ أَنَّهُمْ كَالْهَرِمِ وَأَمَّا أَهْلُ السَّقَمِ فَنَرَاهُمْ كَثِيرًا يَعُودُونَ إلَى الصِّحَّةِ ( قال ) وَلَوْ حَجَّ رَجُلٌ عن زَمِنٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ زَمَانَتُهُ ثُمَّ عَاشَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ كان عليه أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ لِأَنَّا إنَّمَا أَذِنَّا له على ظَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ فلما أَمْكَنَتْهُ الْمَقْدِرَةُ على الْحَجِّ لم يَكُنْ له تَرْكُهُ وهو يَقْدِرُ على أَنْ يَعْمَلَهُ بِبَدَنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَلَوْ بَعَثَ السَّقِيمُ رَجُلًا يَحُجُّ عنه فَحَجَّ عنه ثُمَّ برأ وَعَاشَ بَعْدَ الْبُرْءِ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ فيها فلم يَحُجَّ حتى مَاتَ كان عليه الْحَجُّ وَكَذَلِكَ الزَّمِنُ وَالْهَرِمُ ( قال ) وَالزَّمَنُ وَالزَّمَانَةُ التي لَا يُرْجَى الْبُرْءُ منها وَالْهَرَمُ في هذا الْمَعْنَى ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ الْمَرِيضُ فَلَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ أَحَدًا يَحُجُّ عنه وَنَأْمُرُ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ أَنْ يَبْعَثَا من يَحُجُّ عنهما فَإِنْ بَعَثَ الْمَرِيضُ من يَحُجُّ عنه ثُمَّ لم يَبْرَأْ حتى مَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُجْزِئَ عنه لِأَنَّهُ قد بَعَثَ في الْحَالِ التي ليس له أَنْ يَبْعَثَ فيها وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ آخُذُ وَالثَّانِي أنها مُجْزِيَةٌ عنه لِأَنَّهُ قد حَجَّ عنه حُرٌّ بَالِغٌ وهو لَا يُطِيقُ ثُمَّ لم يَصِرْ إلَى أَنْ يَقْوَى على الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ حَجَّ عنه غَيْرُهُ فَيَحُجُّ عن نَفْسِهِ - * بَابُ من ليس له أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا يقول لَبَّيْكَ عن فُلَانٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عن فُلَانٍ وَإِلَّا فَاحْجُجْ عن نَفْسِك ثُمَّ اُحْجُجْ عنه
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ قال سمع بن عَبَّاسٍ رَجُلًا يقول لَبَّيْكَ عن شُبْرُمَةَ فقال بن عَبَّاسٍ وَيْحَك وما شُبْرُمَةُ قال فذكر قَرَابَةً له فقال أَحَجَجْت عن نَفْسِك فقال لَا قال فَاحْجُجْ عن نَفْسِك ثُمَّ اُحْجُجْ عن شُبْرُمَةَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَثْعَمِيَّةَ بِالْحَجِّ عن أَبِيهَا فَفِي ذلك دَلَائِلُ منها ما وَصَفْنَا من أنها إحْدَى الِاسْتِطَاعَتَيْنِ وإذا أَمَرَهَا بِالْحَجِّ عنه فَكَانَ في الْحَالِ التي أَمَرَ فيها بِالْحَجِّ عنه وكان كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عنه فَأَبَانَ أَنَّ الْعَمَلَ عن بَدَنِهِ في حَالِهِ تِلْكَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَهُ عنه غَيْرُهُ فَيُجْزِئُ عنه وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ في هذا الْمَعْنَى فَسَوَاءٌ من حَجَّ عنه من ذِي قَرَابَةٍ أو غَيْرِهِ وإذا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةً تَحُجُّ عن رَجُلٍ وَهُمَا مُجْتَمِعَانِ في الْإِحْرَامِ كُلِّهِ إلَّا اللَّبُوسَ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في بَعْضِهِ فَالرَّجُلُ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ حَجُّهُ عن الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ من الْمَرْأَةِ عن الرَّجُلِ وَكُلٌّ جَائِزٌ مع ما روى عن طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا كَتَبْنَا مِمَّا يُسْتَغْنَى فيه بِنَصِّ الْخَبَرِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لم يَجِبْ عليه الْحَجُّ إلَّا وهو غَيْرُ مُطِيقٍ بِبَدَنِهِ لم يَكُنْ على أَحَدٍ غَيْرِهِ وَاجِبًا أَنْ يَحُجَّ عنه وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَحُجَّ عنه ذُو رَحِمِهِ وَإِنْ كان ليس عليه أو يَسْتَأْجِرَ من يَحُجُّ عنه من كان وَلَوْ كان فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ على زَادٍ وَمَرْكَبٍ وَإِنْ كان بَدَنُهُ صَحِيحًا فلم يَزَلْ كَذَلِكَ حتى أَيْسَرَ قبل الْحَجِّ بِمُدَّةٍ لو خَرَجَ فيها لم يُدْرِكْ الْحَجَّ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يأتى عليه حَجٌّ آخَرُ لم يَجِبْ عليه حَجٌّ يُقْضَى وَلَوْ أَيْسَرَ في وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُ فيه الْحَجُّ فَأَقَامَ مُوسِرًا إلَى أَنْ يأتى عليه أَشْهُرُ الْحَجِّ ولم يَدْنُ الْوَقْتُ الذي يَخْرُجُ فيه أَهْلُ بَلَدِهِ لِمُوَافَاةِ الْحَجِّ حتى صَارَ لَا يَجِدُ زَادًا وَلَا مَرْكَبًا ثُمَّ مَاتَ قبل حَجِّهِ ذلك أو قبل حَجٍّ آخَرَ يُوسِرُ فيه لم يَكُنْ عليه حَجٌّ إنَّمَا يَكُونُ عليه حَجٌّ إذَا أتى عليه وَقْتُ حَجٍّ بَعْدَ بُلُوغٍ وَمَقْدِرَةٍ ثُمَّ لم يَحُجَّ حتى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَلَوْ كان مُوسِرًا مَحْبُوسًا عن الْحَجِّ وَجَبَ عليه أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ غَيْرُهُ أو يَحُجَّ عنه بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِع

(2/123)


- * بَابُ الْإِجَارَةِ على الْحَجِّ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلَ يَحُجُّ عنه إذَا كان لَا يَقْدِرُ على الْمَرْكَبِ لِضَعْفِهِ وكان ذَا مَقْدِرَةٍ بِمَالِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَهُ وَالْإِجَارَةُ على الْحَجِّ جَائِزَةٌ جَوَازُهَا على الْأَعْمَالِ سِوَاهُ بَلْ الْإِجَارَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على الْبِرِّ خَيْرٌ منها على ما لَا بِرَّ فيه وَيَأْخُذُ من الْإِجَارَةِ ما أَعْطَى وَإِنْ كَثُرَ كما يَأْخُذُهَا على غَيْرِهِ لَا فَرْقَ بين ذلك وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عنه فَقَرَنَ عنه كان دَمُ الْقِرَانِ على الْأَجِيرِ وكان زَادُ الْمَحْجُوجِ عنه خَيْرًا لِأَنَّهُ قد جاء بِحَجٍّ وزاد معه عُمْرَةً وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ يَحُجُّ عنه أو عن غَيْرِهِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ وَالْحَجُّ عنه من حَيْثُ شُرِطَ أَنْ يُحْرِمَ عنه وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ على أَنْ يَقُولَ تَحُجُّ عنه من بَلَدِ كَذَا حتى يَقُولَ تُحْرِمُ عنه من مَوْضِعِ كَذَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ من كل مَوْضِعٍ فإذا لم يَقُلْ هذا فَالْإِجَارَةُ مَجْهُولَةٌ وإذا وَقَّتَ له مَوْضِعًا يُحْرِمُ منه فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ فَلَا إجَارَةَ له في شَيْءٍ من سَفَرِهِ وَتُجْعَلُ الْإِجَارَةُ له من حِينِ أَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ الذى وَقَّتَ له إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْحَجَّ فَإِنْ أَهَلَّ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ لم تُحْسَبْ الْإِجَارَةُ إلَّا من الْمِيقَاتِ وَإِنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ غير مُحْرِمٍ فَمَاتَ قبل أَنْ يُحْرِمَ فَلَا إجَارَةَ له لِأَنَّهُ لم يَعْمَلْ في الْحَجِّ وَإِنْ مَاتَ بعد ما أَحْرَمَ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ حُسِبَتْ له الْإِجَارَةُ من يَوْمِ أَحْرَمَ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ ولم تُحْسَبْ له من الْمِيقَاتِ إذَا لم يُحْرِمْ منه لِأَنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ فيه وَإِنْ خَرَجَ لِلْحَجِّ فَتَرَكَ الْإِحْرَامَ وَالتَّلْبِيَةَ وَعَمِلَ عَمَلَ الْحَجِّ أو لم يَعْمَلْهُ إذَا قال لم أُحْرِمْ بِالْحَجِّ أو قال اعْتَمَرْت ولم أَحُجَّ أو قال اُسْتُؤْجِرْت على الْحَجِّ فَاعْتَمَرْت فَلَا شَيْءَ له وَكَذَلِكَ لو حَجَّ فَأَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ تَارِكٌ للاجارة مُبْطِلٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ عنه على أَنْ يُحْرِمَ من مَوْضِعٍ فَأَحْرَمَ منه ثُمَّ مَاتَ في الطَّرِيقِ فَلَهُ من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما مَضَى من سَفَرِهِ أو اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يُهِلَّ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ فَفَعَلَ فَقَدْ قَضَى بَعْضَ ما اسْتَأْجَرَهُ عليه وإذا اسْتَأْجَرَهُ فَإِنَّمَا عليه أَنْ يُحْرِمَ من الْمِيقَاتِ وَإِحْرَامُهُ قبل الْمِيقَاتِ تَطَوُّعٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَحُجَّ عنه من الْيَمَنِ فَاعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الذي اُسْتُؤْجِرَ عليه فَأَهَلَّ بِحَجٍّ عن الذي اسْتَأْجَرَهُ فَلَا يُجْزِيهِ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ عن نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ الذي شَرَطَ أَنْ يُهِلَّ منه فَيُهِلُّ عنه بِالْحَجِّ منه فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ من دُونِ الْمِيقَاتِ فَكَانَ عليه أَنْ يُهِلَّ فَبَلَغَ الْمِيقَاتَ فَأَهَلَّ منه بِالْحَجِّ عنه أَجْزَأَ عنه وَإِلَّا أَهَرَاقَ دَمًا وَذَلِكَ من مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَرُدُّ من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما يُصِيبُ ما بين الْمِيقَاتِ والموضع ( ( ( الموضع ) ) ) الذي أَحْرَمَ منه لِأَنَّهُ شَيْءٌ من عَمَلِهِ نَقَصَهُ وَلَا يُحْسَبُ الدَّمُ على الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ بِعَمَلِهِ كان وَيُجْزِئُهُ الْحَجُّ على كل حَالٍ شَرَطَ عليه أَنْ يُهِلَّ من دُونِ الْمِيقَاتِ أو من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ أو منه وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ الْأَجِيرُ في الْحَجِّ لم يَأْمُرْهُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ مِمَّا يَجِبُ عليه فيه الْفِدْيَةُ فَالْفِدْيَةُ عليه في مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ عن نَفْسِهِ من مِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ عن الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يَقْضِيَ الْحَجَّ كان له من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما عَمِلَ من الْحَجِّ وقد قِيلَ لَا أَجْرَ له إلَّا أَنْ يُكْمِلَ الْحَجَّ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ في الْحَاجِّ عن الرَّجُلِ لَا يَسْتَوْجِبُ من الْإِجَارَةِ شيئا إلَّا بِكَمَالِ الْحَجِّ وَهَذَا قَوْلٌ يُتَوَجَّهُ وَالْقِيَاسُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لِكُلٍّ حَظًّا من الْإِجَارَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَحُجُّ عنه فَأَفْسَدَ الْحَجَّ كان عليه أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ ما اسْتَأْجَرَهُ بِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يقضى عن نَفْسِهِ من قَابِلٍ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَاجًّا عن غَيْرِهِ حَجًّا فَاسِدًا وإذا صَارَ الْحَجُّ الْفَاسِدُ عن نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ عن نَفْسِهِ فَلَوْ حَجَّهُ عن غَيْرِهِ كان عن نَفْسِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْإِجَارَةَ على قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ رَدَّهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ عن غَيْرِهِ وَلَوْ كان إنَّمَا أَصَابَ في الْحَجِّ ما عليه فيه الْفِدْيَةُ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ كانت عليه الْفِدْيَةُ فِيمَا أَصَابَ وَالْإِجَارَةُ له وَلَوْ أستأجره لِلْحَجِّ فَأُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَفَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ دخل فَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ أَنَّ له من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما بين أَنْ أَهَلَّ من الْمِيقَاتِ إلَى بُلُوغِهِ الْمَوْضِعَ الذي حُبِسَ في

(2/124)


في سَفَرِهِ لِأَنَّ ذلك ما بَلَغَ من سَفَرِهِ في حَجِّهِ الذي له الْإِجَارَةُ حتى صَارَ غير حَاجٍّ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْإِجَارَةَ على الْحَجِّ وَصَارَ يَخْرُجُ من الْإِحْرَامِ بِعَمَلٍ ليس من عَمَلِ الْحَجِّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا على أَنْ يَحُجَّ عنه فَاعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ عن الْمُسْتَأْجِرِ خَرَجَ إلَى مِيقَاتِ الْمَحْجُوجِ عنه فَأَهَلَّ عنه منه لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَهَرَاقَ دَمًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عن رَجُلٍ فَاعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِيقَاتِ الْمَحْجُوجِ عنه الذي شَرَطَ أَنْ يُهِلَّ عنه منه إنْ كان الْمِيقَاتُ الذي وَقَّتَ له بِعَيْنِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ عنه أَجْزَأَتْ عن الْمَحْجُوجِ عنه فَإِنْ تَرَكَ مِيقَاتَهُ وَأَحْرَمَ من مَكَّةَ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وكان عليه دَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ من مَالِهِ وَرَجَعَ عليه مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ بِقَدْرِ ما تَرَكَ مِمَّا بين الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَتَمَتَّعَ عنه فَأَفْرَدَ أَجْزَأَتْ الْحَجَّةُ عنه وَرَجَعَ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ من الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ على عَمَلَيْنِ فَعَمِلَ أَحَدَهُمَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يُفْرِدَ فَقَرَنَ عنه كان زَادُهُ عُمْرَةً وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمُ الْقِرَانِ وهو كَرَجُلٍ اُسْتُؤْجِرَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا فَعَمِلَهُ وزاد آخَرَ معه فَلَا شَيْءَ له في زِيَادَةِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بها وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَقْرِنَ عنه فَأَفْرَدَ الْحَجَّ أَجْزَأَ عنه الْحَجُّ وَبَعَثَ غَيْرَهُ يَعْتَمِرُ عنه إنْ كانت الْعُمْرَةُ الْوَاجِبَةُ وَرَجَعَ عليه بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ من الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ على عَمَلَيْنِ فَعَمِلَ أَحَدَهُمَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَحُجَّ عنه فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عن نَفْسِهِ وَحَجَّةٍ عن الْمُسْتَأْجِرِ رَدَّ جَمِيعَ الْإِجَارَةِ من قِبَلِ أَنَّ سَفَرَهُمَا وَعَمَلَهُمَا وَاحِدٌ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ من الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَلَا يأتى بِعَمَلِ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ له أَنْ يَنْوِيَ جَامِعًا بين عَمَلَيْنِ أَحَدُهُمَا عن نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عن غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَعًا عن الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ نَوَى أَحَدَهُمَا عن نَفْسِهِ فَصَارَا مَعًا عن نَفْسِهِ لِأَنَّ عَمَلَ نَفْسِهِ أَوْلَى بِهِ من عَمَلِ غَيْرِهِ إذَا لم يَتَمَيَّزْ عَمَلُ نَفْسِهِ من عَمَلِ غَيْرِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عن مَيِّتٍ فَأَهَلَّ بِحَجٍّ عن مَيِّتٍ ثُمَّ نَوَاهُ عن نَفْسِهِ كان الْحَجُّ عن الذي نَوَى الْحَجَّ عنه وكان الْقَوْلُ في الْأُجْرَةِ وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُبْطِلٌ لها الترك ( ( ( لترك ) ) ) حَقِّهِ فيها وَالْآخَرُ أنها له لِأَنَّ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ رَجُلًا يَحُجُّ عن أَبَوَيْهِمَا فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ عنهما مَعًا كان مُبْطِلًا لِإِجَارَتِهِ وكان الْحَجُّ عن نَفْسِهِ لَا عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ عن نَفْسِهِ وَعَنْهُمَا أو عن أَحَدِهِمَا كان عن نَفْسِهِ وَبَطَلَتْ إجَارَتُهُ وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وقد وَجَبَتْ عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ولم يَحُجَّ قَطُّ فَتَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ قد حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَحُجَّ عنه فَحَجَّ عنه أَجْزَأَ عنه ثُمَّ لم يَكُنْ لِوَصِيِّهِ أَنْ يُخْرِجَ من مَالِهِ شيئا لِيَحُجَّ عنه غَيْرُهُ وَلَا أَنْ يعطى هذا شيئا لِحَجِّهِ عنه لِأَنَّهُ حَجَّ عنه مُتَطَوِّعًا وإذا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَحُجَّ عن أَبِيهَا وَرَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عن أُمِّهِ وَرَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عن أبيه لَنَذَرَ نَذْرَهُ أَبُوهُ دَلَّ هذا دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْرِمَ الْمَرْأَةُ عن الرَّجُلِ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه هذا كان أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ عن الْمَرْأَةِ أَوْلَى من قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ أَكْمَلُ إحْرَامًا من الْمَرْأَةِ وَإِحْرَامُهُ كَإِحْرَامِ الرَّجُلِ فَأَيُّ رَجُلٍ حَجَّ عن امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ حَجَّتْ عن امْرَأَةٍ أو عن رَجُلٍ أَجْزَأَ ذلك الْمَحْجُوجَ عنه إذَا كان الْحَاجُّ قد حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ - * بَابُ من أَيْنَ نَفَقَةُ من مَاتَ ولم يَحُجَّ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ وطاوس ( ( ( وطاووس ) ) ) أَنَّهُمَا قَالَا الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ من رَأْسِ الْمَالِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال غَيْرُهُمَا لَا يُحَجُّ عنه إلَّا أَنْ يوصى فَإِنْ أَوْصَى حُجَّ عنه من ثُلُثِهِ إذَ

(2/125)


بَلَغَ ذلك الثُّلُثَ وبديء ( ( ( وبدئ ) ) ) على الْوَصَايَا لِأَنَّهُ لَازِمٌ فَإِنْ لم يُوصِ لم يُحَجَّ عنه من ثُلُثٍ وَلَا من غَيْرِهِ إذَا أَنْزَلْت الْحَجَّ عنه وَصِيُّهُ حَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا ولم يَبْدَأْ غَيْرَهُ من الْوَصَايَا وَمَنْ قال هَكَذَا فَكَانَ يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ بَدَأَ عليه ( قال ) وَالْقِيَاسُ في هذا أَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ من رَأْسِ الْمَالِ فَمَنْ قال هذا قَضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ عنه بِأَقَلَّ ما يَقْدِرُ عليه وَذَلِكَ أَنْ يُسْتَأْجَرَ رَجُلٌ من أَهْلِ مِيقَاتِهِ أو قُرْبِهِ لِتَخِفَّ مُؤْنَتُهُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ رَجُلٌ من بَلَدِهِ إذَا كان بَلَدُهُ بَعِيدًا إلَّا أَنْ يُبَدَّلَ ذلك بِمَا يُوجَدُ بِهِ رَجُلٌ قَرِيبٌ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ في الْحَجِّ بِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ وَرَآهُ دَيْنًا عليه وَقَالَهُ في كل ما كان في مَعْنَاهُ وَقَالَهُ في كل ما أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل عليه فلم يَكُنْ له مَخْرَجٌ منه إلَّا بِأَدَائِهِ ولم يَكُنْ له خِيَارٌ فيه مِثْلُ زَكَاةِ الْمَالِ وما كان لَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا وَاجِبًا عليه شَاءَ أو كَرِهَ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ هو لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ إنَّمَا وَجَبَتْ لهم من رَأْسِ الْمَالِ وَهَذَا من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَمَرَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى صِنْفٍ منهم بِعَيْنِهِ فَجَمَعَ أَنْ وَجَبَ وُجُوبَ الْحَجِّ بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل وأن كان كما وَصَفْت لِلْآدَمِيّين وَمَنْ قال هذا بَدَأَ هذا على جَمِيعِ ما معه من الْوَصَايَا وَالتَّدْبِيرِ وَحَاصَّ بِهِ أَهْلَ الدَّيْنِ قبل الْوَرَثَةِ إذَا جَعَلَهُ اللَّهُ وَاجِبًا وُجُوبَ ما لِلْآدَمِيِّينَ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ قال هذا قَالَهُ في الْحَجِّ إنْ لم يَبْلُغْ إلَّا مَرِيضًا ثُمَّ لم يَصِحَّ حتى مَاتَ مَرِيضًا أَنَّهُ وَاجِبٌ عليه لَا وَصِيَّةٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ على الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ فَأَمَّا ما لَزِمَهُ من كَفَّارَةِ يَمِينٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ في ثُلُثِهِ كَالْوَصَايَا وَقِيلَ بَلْ لَازِمٌ وما لَزِمَهُ من شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ من نَذْرٍ أو كَفَّارَةِ قَتْلٍ أو ظِهَارٍ وهو وَاجِدٌ فَقَدْ يُخَالِفُ ما لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد كان ولم يَجِبْ عليه فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ على نَفْسِهِ فَيَخْتَلِفَانِ في هذا وَيَجْتَمِعَانِ في أَنَّهُ قد أَوْجَبَ كُلًّا مِنْهُمَا فَأَوْجَبَ هذا وَأَوْجَبَ إقْرَارَ الْآدَمِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُمَا لَازِمَانِ مَعًا وأنا استخير اللَّهَ تَعَالَى فيه - * بَابُ الْحَجِّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ أَنْ يَنْوِيَ الرَّجُلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِيهِمَا كما أُحِبُّ له في كل وَاجِبٍ عليه غَيْرِهِمَا فَإِنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ولم يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا أو يَنْوِي أَنْ يَكُونَ عن غَيْرِهِ أو أَحْرَمَ فقال إحْرَامِي كَإِحْرَامِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ عنه فَكَانَ فُلَانٌ مُهِلًّا بِالْحَجِّ كان في هذا كُلِّهِ حَاجًّا وَأَجْزَأَ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قُلْت
فإن مُسْلِمَ بن خَالِدٍ وَغَيْرَهُ أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرنا عَطَاءٌ أَنَّهُ سمع جَابِرًا يقول قَدِمَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه من سِعَايَتِهِ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَ أَهْلَلْت يا عَلِيُّ قال بِمَا أَهَلَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كما أنت قال وَأَهْدَى له عَلِيٌّ هَدْيًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ وهو يحدث عن حَجَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى إذَا أتى الْبَيْدَاءَ فَنَظَرْت مَدَّ بصرى من بَيْنِ رَاكِبٍ وَرَاجِلٍ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ وَرَائِهِ كلهم يُرِيدُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ يَلْتَمِسُ أَنْ يَقُولَ كما يقول رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْوِي إلَّا الْحَجَّ وَلَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ وَلَا يَعْرِفُ الْعُمْرَةَ فلما طُفْنَا فَكُنَّا عِنْدَ الْمَرْوَةِ قال أَيُّهَا الناس من لم يَكُنْ معه هدى فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً وَلَوْ اسْتَقْبَلْت من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْت ما أَهْدَيْت فَحَلَّ من لم يَكُنْ معه هدى
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مَنْصُورِ بن عبد الرحمن عن صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالت خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من كان معه هدى فَلْيُقِمْ على إحْرَامِهِ وَمَنْ لم يَكُنْ معه هدى فَلْيُحْلِلْ ولم يَكُنْ معى هدى فَحَلَلْت وكان مع الزُّبَيْرِ هدى فلم يُحْلِلْ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَة

(2/126)


عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقَيْنَ من ذِي الْقِعْدَةِ لَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فلما كنا بِسَرِفٍ أو قَرِيبًا منها أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من لم يَكُنْ معه هدى أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فلما كنا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت ما هذا قالوا ذَبَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن نِسَائِهِ قال يحيى فَحَدَّثْت بِهِ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ فقال جَاءَتْك وَاَللَّهِ بِالْحَدِيثِ على وَجْهِهِ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ وَالْقَاسِمُ مِثْلَ مَعْنَى حديث سُفْيَانَ لَا يُخَالِفُ مَعْنَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ بن محمد ( ( ( حمد ) ) ) عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّتِهِ لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ حتى إذَا كنا بِسَرِفٍ أو قَرِيبًا منها حِضْت فَدَخَلَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا أبكى فقال مَالَك أَنُفِسْت فَقُلْت نعم فقال إنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ على بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي ما يقضى الْحَاجُّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قالت وَضَحَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ
أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا بن طَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بن مَيْسَرَةَ وَهِشَامُ بن حُجَيْرٍ سَمِعُوا طَاوُسًا يقول خَرَجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمَدِينَةِ لَا يسمى حَجًّا وَلَا عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عليه الْقَضَاءُ وهو بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ من كان منهم أَهَلَّ ولم يَكُنْ معه هدى أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وقال لو اسْتَقْبَلْت من أمرى ما اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الهدى وَلَكِنَّنِي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَسُقْت هَدْيِي فَلَيْسَ لي مَحِلٌ دُونَ مَحِلِ هَدْيِي فَقَامَ إلَيْهِ سُرَاقَةُ بن مَالِكٍ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لنا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ أَعُمْرَتُنَا هذه لِعَامِنَا هذا أَمْ لِأَبَدٍ فقال لَا بَلْ لِأَبَدٍ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال وَدَخَلَ على من الْيَمَنِ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَ أَهْلَلْت فقال أَحَدُهُمَا عن طاوس ( ( ( طاووس ) ) ) إهْلَالَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال الْآخَرُ لَبَّيْكَ حَجَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَبَّى عَلِيٌّ وأبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِالْيَمَنِ وَقَالَا في تَلْبِيَتِهِمَا إهْلَالٌ كَإِهْلَالِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَهُمَا بِالْمُقَامِ على إحْرَامِهِمَا فَدَلَّ هذا على الْفَرْقِ بين الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عن أَحَدٍ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَ فَرِيضَةً بِعَيْنِهَا وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَيُجْزِئُ بِالسُّنَّةِ الْإِحْرَامُ فلما دَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُهِلَّ وَإِنْ لم يَنْوِ حَجًّا بِعَيْنِهِ وَيُحْرِمَ بِإِحْرَامِ الرَّجُلِ لَا يَعْرِفُهُ دَلَّ على أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ مُتَطَوِّعًا ولم يَحُجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ كانت حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ وَلَمَّا كان هذا كان إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ عن غَيْرِهِ ولم يُهْلِلْ بِالْحَجِّ عن نَفْسِهِ كانت الْحَجَّةُ عن نَفْسِهِ وكان هذا مَعْقُولًا في السُّنَّةِ مكتفي بِهِ عن غَيْرِهِ وقد ذَكَرْت فيه حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَأْيًا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما مُتَّصِلًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ رَجُلٌ عن رَجُلٍ إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ مُسْلِمٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه عَبْدٌ بَالِغٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ بَالِغٍ إذَا كان حَجُّهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا يُجْزِئُ عنهما من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لم يُجْزِ عن غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَأَمْرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَوَاءٌ فَيُعْتَمَرُ عن الرَّجُلِ كما يُحَجُّ عنه وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يَعْتَمِرَ عنه إلَّا من اعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ من بَالِغٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ ولم يَحُجَّ فَأَمَرَهُ رَجُلٌ يَحُجَّ عنه وَيَعْتَمِرَ فَحَجَّ عنه وَاعْتَمَرَ أَجْزَأَتْ الْمُعْتَمِرَ عنه الْعُمْرَةُ ولم تُجْزِ عنه الْحَجَّةُ وَهَكَذَا لو حَجَّ عن نَفْسِهِ ولم يَعْتَمِرْ فَحَجَّ عن غَيْرِهِ وَاعْتَمَرَ أَجْزَأَتْ الْمَحْجُوجَ عنه الْحَجَّةُ ولم تُجْزِ عنه الْعُمْرَةُ وَيُجْزِيهِ أَيُّ النُّسُكَيْنِ كان الْعَامِلُ عَمِلَهُ عن نَفْسِهِ ثُمَّ عَمِلَهُ عنه وَلَا يُجْزِيهِ النُّسُكُ الذي لم يَعْمَلْهُ الْعَامِلُ عن نَفْسِهِ وإذا كان مِمَّنْ له أَنْ يَبْعَثَ من يَحُجُّ عنه وَيَعْتَمِرَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَرَجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ فَعَقَدُوا الْإِحْرَامَ ليس على حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا قِرَانٍ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ الْقَضَاءُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَ من لَا هدى معه أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً وَمَنْ معه هدى أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا

(2/127)


رَجُلًا وَاحِدًا يُقْرِنُ عنه وَأَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ اثْنَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ يَحُجُّ هذا عنه وَيَعْتَمِرُ هذا عنه وَكَذَلِكَ امْرَأَتَيْنِ أو امْرَأَةً وَرَجُلًا ( قال ) وَهَذَا في فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كما وَصَفْت يجزئ رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عن رَجُلٍ وقد قِيلَ إذَا أَجْزَأَ في الْفَرْضِ أَجْزَأَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِالْحَجِّ عنه وقد قِيلَ يَحُجُّ الْفَرْضَ فَقَطْ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَحُجُّ عنه نَافِلَةً وَلَا يَعْتَمِرُ نَافِلَةً (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ رَجُلٌ عن رَجُلٍ إلَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَمَنْ قال هذا قال الدَّلَالَةُ عليه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِالْحَجِّ عن الرَّجُلِ في الْحَالِ التي لَا يَقْدِرُ فيها الْمَحْجُوجُ عنه أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا في أَنَّ رَجُلًا لو حَجَّ عن رَجُلٍ يَقْدِرُ على الْحَجِّ لَا يجزئ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فإذا كان هذا عِنْدَهُمْ هَكَذَا دَلَّ على أَنَّهُ إنَّمَا عُذِرَ في حَالِ الضَّرُورَةِ بِتَأْدِيَةِ الْفَرْضِ وما جَازَ في الضَّرُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا لم يُجْزِ ما لم يَكُنْ ضَرُورَةً مثله + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَهَلَّ رَجُلٌ بِحَجٍّ فَفَاتَهُ فَحَلَّ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لم يُجْزِ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْهَا ولم تُجْزِ عنه من عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا عُمْرَةِ نَذْرٍ عليه لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُمْرَةٍ وَإِنَّمَا كان حَجًّا لم يَجُزْ له أَنْ يُقِيمَ عليه لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَجَّ سُنَّةً فَلَا يَدْخُلُ في حَجِّ سُنَّةٍ غَيْرِهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كان إهْلَالُهُ عُمْرَةً يُجْزِئُ عنه من عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْإِهْلَالِ إلَّا بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ فلما أَهَلَّ في وَقْتٍ كانت الْعُمْرَةُ فيه مُبَاحَةً وَالْحَجُّ مَحْظُورًا كان مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَ هذا كَالْمُهِلِّ بِالْحَجِّ وَالْحَجُّ مُبَاحٌ له فَيَفُوتُهُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ ذلك الْحَجِّ كان حَجًّا وَابْتِدَاءُ هذا الْحَجِّ كان عُمْرَةً وإذا أَجْزَأَتْ الْعُمْرَةُ بِلَا نِيَّةٍ لها أنها عُمْرَةٌ أَجْزَأَتْ إذَا أَهَلَّ بِحَجٍّ وكان إهْلَالُهُ عُمْرَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ من قِبَلِ أنها تَصْلُحُ في كل شَهْرٍ وَالْحَجُّ يَفُوتُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا في وَقْتٍ وَاحِدٍ من السَّنَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ في عَامٍ فَحَبَسَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو غَيْرُ ذلك ما خَلَا الْعَدُوُّ أَقَامَ حَرَامًا حتى يُحِلَّ مَتَى حَلَّ ولم تَفُتْهُ الْعُمْرَةُ مَتَى وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ فَعَمِلَ عَمَلَهَا ( قال ) وَلَوْ حَجَّ رَجُلٌ عن رَجُلٍ بِلَا إجَارَةٍ ثُمَّ أَرَادَ الْإِجَارَةَ لم يَكُنْ له وكان مُتَطَوِّعًا عنه وَأَجْزَأَتْ عنه حَجَّتُهُ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَعْتَمِرُ عنه في شَهْرٍ فَاعْتَمَرَ في غَيْرِهِ أو على أَنْ يَحُجَّ عنه في سَنَةٍ فَحَجَّ في غَيْرِهَا كانت له الْإِجَارَةُ وكان مُسِيئًا بِمَا فَعَلَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ على الْحَجِّ وَعَلَى الْعُمْرَةِ وَعَلَى الْخَيْرِ كُلِّهِ وَهِيَ على عَمَلِ الْخَيْرِ أَجْوَزُ منها على ما ليس بِخَيْرٍ وَلَا بِرٍّ من الْمُبَاحِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في جَوَازِ الْإِجَارَةِ على تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْخَيْرِ قِيلَ
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمِ بن دِينَارٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِسُورَةٍ من الْقُرْآنِ ( قال ) وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ إلَّا بماله قِيمَةٌ من الْإِجَارَاتِ وَالْأَثْمَانِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى رَجُلٌ لم يَحُجَّ أَنْ يَحُجَّ عنه وَارِثٌ ولم يُسَمِّ شيئا أَحَجَّ عنه الْوَارِثُ بِأَقَلَّ ما يُوجَدُ بِهِ أَحَدٌ يَحُجُّ عنه فَإِنْ لم يَقْبَلْ ذلك فَلَا يُزَادُ عليه وَيَحُجُّ عنه غَيْرُهُ بِأَقَلَّ ما يُوجَدُ من يَحُجُّ عنه بِهِ مِمَّنْ هو أَمِينٌ على الْحَجِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَرُدُّ عن الْوَارِثِ وَصِيَّةً بهذا إنَّمَا هذه إجَازَةٌ وَلَكِنْ لو قال أَحَجُّوهُ بِكَذَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قال يَحُجُّ الْمَرْءُ عن الْمَرْءِ مُتَطَوِّعًا قال إذَا كان أَصْلُ الْحَجِّ مُفَارِقًا لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وكان الْمَرْءُ يَعْمَلُ عن الْمَرْءِ الْحَجَّ فَيُجْزِي عنه بَعْدَ مَوْتِهِ وفي الْحَالِ التي لَا يُطِيقُ فيها الْحَجَّ فَكَذَلِكَ يَعْمَلُهُ عنه مُتَطَوِّعًا وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ النُّسُكِ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يَزِيدَ مولى عَطَاءٍ قال رُبَّمَا قال لي عَطَاءٌ طُفْ عَنِّي

(2/128)


أَبْطَلَ كُلَّ ما زَادَ على أَقَلِّ ما يُوجَدُ بِهِ من يَحُجُّ عنه فَإِنْ قَبِلَ ذلك لم أُحِجَّ عنه غَيْرَهُ ( قال ) وَلَوْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ يَحُجُّ بها عنه فَإِنْ حَجَّ فَذَلِكَ له وما زَادَ على أَجْرِ مِثْلِهِ وَصِيَّةٌ فَإِنْ امْتَنَعَ لم يُحِجَّ عنه أَحَدًا لَا بِأَقَلَّ ما يُوجَدُ بِهِ من يَحُجُّ عنه وَلَوْ قال أَحِجُّوا عَنِّي من رَأْيِ فُلَانٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فرأي فُلَانٌ أَنْ يَحُجَّ عنه وَارِثٌ له لم يَحُجَّ عنه الْوَارِثُ إلَّا بِأَقَلَّ ما يُوجَدُ بِهِ من يَحُجَّ عنه فَإِنْ أبي قِيلَ لِفُلَانٍ رَأْيُ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنْ فَعَلَ أَجَزْنَا ذلك وَإِنْ لم يَفْعَلْ أَحَجَجْت عنه رَجُلًا بِأَقَلَّ ما يُوجَدُ بِهِ من يَحُجُّ عنه ( قال ) وَلَوْ قال رَجُلٌ أَوَّلُ وَاحِدٍ يَحُجُّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَحَجَّ عنه غَيْرُ وَارِثٍ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَإِنْ حَجَّ عنه وَارِثٌ فَلَهُ أَقَلُّ ما يُوجَدُ بِهِ من يَحُجُّ عنه وما زَادَ على ذلك مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عنه أو يَعْتَمِرُ بِمَا شَاءَ كان ذلك مَالًا من مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا أحج ( ( ( حج ) ) ) عنه أو اعْتَمَرَ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَحُجَّ عنه فَأَفْسَدَ الْحَجَّ لم يَقْضِ ذلك من الرَّجُلِ الْحَجَّ وكان عليه أَنْ يَرُدَّ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا وَكَذَلِكَ لو أَخْطَأَ الْعَدَدَ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَكَذَلِكَ الْفَسَادُ في الْعُمْرَةِ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عنه أو يَعْتَمِرُ فَاصْطَادَ صَيْدًا أو تَطَيَّبَ أو فَعَلَ في الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ شيئا تَجِبُ فيه الْفِدْيَةُ فَدَى ذلك من مَالِهِ وَكَانَتْ له الْإِجَارَةُ وأنظر إلَى كل ما كان يَكُونُ حَجُّهُ لو حَجَّ عن نَفْسِهِ قَاضِيًا عنه وَعَلَيْهِ فيه كَفَّارَةٌ حَجَّ عن غَيْرِهِ جَعَلَتْهُ قَاضِيًا عن غَيْرِهِ وَلَهُ الْإِجَارَةُ كَامِلَةً في مَالِهِ وَعَلَيْهِ في مَالِهِ فِدْيَةُ كل ما أَصَابَ ( قال ) وَهَكَذَا وَلِيُّ الْمَيِّتِ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحُجّ عن الْمَيِّتِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عنه فَقَرَنَ عنه كان زَادُهُ خَيْرًا له ولم يَنْقُصْهُ وَعَلَيْهِ في مَالِهِ دَمُ الْقِرَانِ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَحُجُّ عنه فَاعْتَمَرَ أو يَعْتَمِرُ فَحَجَّ رَدَّ الْإِجَارَةَ لِأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَمَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ عَمِلَ عن نَفْسِهِ غير ما أَمَرَ بِهِ وَالْحَجُّ غَيْرُ الْعُمْرَةِ وَالْعُمْرَةُ غَيْرُ الْحَجِّ ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَحُجُّ عنه فَاعْتَمَرَ ثُمَّ عَادَ فَحَجَّ عنه من مِيقَاتِهِ أَجْزَأَتْ عنه ( قال ) وَلَوْ اعْتَمَرَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ لم تَكُنْ حَجَّتُهُ كَامِلَةً عن غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِ الْمَحْجُوجِ عنه يَحُجُّ عنه من مِيقَاتِهِ فَإِنْ تَرَكَ ذلك وَحَجَّ من دُونِ مِيقَاتِهِ أَهَرَاقَ دَمًا وَأَجْزَأَتْ عنه ( قال ) وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ حَاجًّا عن رَجُلٍ فَسَلَكَ غير طَرِيقِ الْمَحْجُوجِ عنه وَأَتَى على مِيقَاتٍ في طَرِيقِهِ غير مِيقَاتِ الرَّجُلِ فَأَهَلَّ منه وَمَضَى على حَجِّهِ أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال ) وَيُجْزِي الْحَاجَّ عن الرَّجُلِ أَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عنه عِنْدَ إحْرَامِهِ وَإِنْ لم يَتَكَلَّمْ بِهِ أَجْزَأَ عنه كما يُجْزِئُهُ ذلك في نَفْسِهِ وَالْمُتَطَوِّعُ بِالْحَجِّ عن الرَّجُلِ كَالْمُسْتَأْجِرِ في كل أَمْرِهِ يُجْزِيهِ في كل ما أَجْزَأَهُ في كل ويفسد عليه في كُلَّ ما أَفْسَدَ عليه في كُلٍّ إلَّا أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَا يَرُدُّ إجَارَةً لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْهَا ( قال ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا يَحُجُّ عنه أو عن مَيِّتٍ فَحَجَّ ولم يَكُنْ حَجَّ عن نَفْسِهِ أَجْزَأَتْ عنه ولم تُجْزِ عنهما وَرَدَّ الْإِجَارَةَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْوَصِيُّ لِلْمَيِّتِ إذَا لم يُحِجَّ الْمَيِّتُ بَعْضَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عنه أَوْصَى بِذَلِكَ الْمَيِّتُ أو لم يُوصِ وَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ منه وَإِنْ كان الْمُسْتَأْجِرُ وَارِثًا أو غير وَارِثٍ فَسَوَاءٌ وَيُحَجُّ عن الْمَيِّتِ الْحَجَّةُ وَالْعُمْرَةُ الْوَاجِبَتَانِ أَوْصَى بِهِمَا أو لم يُوصِ كما يُؤَدَّى عنه الْوَاجِبُ عليه من الدَّيْنِ وَإِنْ لم يُوصِ بِهِ ( قال ) وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْحَاجِّ اخْتَرْت أَنْ يُعْطَاهُ فُقَرَاءُ الْحَاجِّ وَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ أَنْ يُعْطَاهُ غَنِيٌّ منهم ( قال ) وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عنه تَطَوُّعًا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذلك جَائِزٌ وَالْآخَرُ أَنَّ ذلك غَيْرُ جَائِزٍ كما لو أَوْصَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ عنه من يصلى عنه لم يَجُزْ وَمَنْ قال لَا يَجُوزُ رَدَّ وَصِيَّتَهُ فَجَعَلَهَا مِيرَاثًا ( قال ) وَلَوْ قال رَجُلٌ
____________________

(2/129)


لِرَجُلٍ حُجَّ عن فُلَانٍ الْمَيِّتِ بِنَفَقَتِك دَفَعَ إلَيْهِ النَّفَقَةَ أو لم يَدْفَعْهَا كان هذا غير جَائِزٍ لِأَنَّ هذه أُجْرَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ حَجَّ أَجْزَأَتْ عنه وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَسَوَاءٌ كان الْمُسْتَأْجِرُ وَارِثًا أو غير وَارِثٍ أَوْصَى بِذَلِكَ الْمَيِّتُ أو لم يُوصِ بِهِ غير أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِوَارِثٍ لم يَجُزْ أَنْ يُعْطَى من الْإِجَارَةِ ما زَادَ على أُجْرَةِ مِثْلِهِ من الْفَضْلِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ - * بَابُ ما يؤدي عن الرَّجُلِ الْبَالِغِ الْحَجُّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَلَغَ غُلَامٌ أو عَتَقَ مَمْلُوكٌ أو أَسْلَمَ كَافِرٌ بِعَرَفَةَ أو مُزْدَلِفَةَ فَأَحْرَمَ أَيْ هَؤُلَاءِ صَارَ إلَى هذه الْحَالِ بِالْحَجِّ ثُمَّ وافي عَرَفَةَ قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ من لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَاقِفًا بها أو غير وَاقِفٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَأَجْزَأَ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ وَالْغُلَامُ الذي لم يَبْلُغْ بِالْحَجِّ يَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهِمَا فَرْضَ الْحَجِّ أو النَّافِلَةَ أو لَا نِيَّةَ لَهُمَا ثُمَّ عَتَقَ هذا وَبَلَغَ هذا قبل عَرَفَةَ أو بِعَرَفَةَ أو بِمُزْدَلِفَةَ أو أَيْنَ كَانَا فَرَجَعَا إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَجْزَأَتْ عنهما من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ احْتَاطَا بِأَنْ يُهْرِيقَا دَمًا كان أَحَبَّ إلى وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَكُونَ ذلك عَلَيْهِمَا وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَوْ أَحْرَمَ من مِيقَاتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِعَرَفَةَ لم يَكُنْ له بُدٌّ من دَمٍ يُهْرِيقُهُ لِأَنَّ إحْرَامَهُ ليس بِإِحْرَامٍ وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قبل عَرَفَةَ ثُمَّ عَتَقَ فَوَافَى عَرَفَةَ لم تُجْزِ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ قد كان يَجِبُ عليه تَمَامُهَا لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ وَهِيَ تَجُوزُ له وَإِنْ لم تُجْزِ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فإذا أَفْسَدَهَا مَضَى فيها فَاسِدَةً وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَيُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ إذَا قَضَاهَا فَالْقَضَاءُ عنه يُجْزِيهِ من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ لم يَبْلُغْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ يُصِيبُ امْرَأَتَهُ قبل عَرَفَةَ ثُمَّ يَحْتَلِمُ بِعَرَفَةَ يمضى في حَجِّهِ وَلَا أَرَى هذه الْحَجَّةَ مُجْزِئَةً عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ جَعَلَ له حَجًّا فَالْحَاجُّ إذَا جَامَعَ أَفْسَدَ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَبَدَنَةٌ فإذا جاء بِبَدَلٍ وَبَدَنَةٍ أَجْزَأَتْ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ( قال ) وَلَوْ أَهَلَّ ذِمِّيٌّ أو كَافِرٌ ما كان هذا بِحَجٍّ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَسْلَمَ قبل عَرَفَةَ وَبَعْدَ الْجِمَاعِ فَجَدَّدَ إحْرَامًا من الْمِيقَاتِ أو دُونِهِ وَأَهْرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَجْزَأَتْ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا في حَالِ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ كان غير مُحْرِمٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَصَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْبَالِغُ إلَى أَنْ يَحُجَّ أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا مَقْدِرَةَ له بِذَاتِ يَدِهِ فَحَجَّ مَاشِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ بِتَكَلُّفِهِ شيئا له الرُّخْصَةُ في تركة وَحَجَّ في حِينٍ يَكُونُ عَمَلُهُ مُؤَدِّيًا عنه وَكَذَلِكَ لو آجَرَ نَفْسَهُ من رَجُلٍ يَخْدُمُهُ وَحَجَّ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ بن عَبَّاسٍ فقال أواجر نَفْسِي من هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنْسُكَ مَعَهُمْ الْمَنَاسِكَ هل يُجْزِئُ عَنِّي فقال بن عَبَّاسٍ نعم { أُولَئِكَ لهم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } قال وَكَذَلِكَ لو حَجَّ وَغَيْرُهُ يَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ لِأَنَّهُ حَاجٌّ في هذه الْحَالَاتِ عن نَفْسِهِ لَا عن غَيْرِهِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو حَجَّ في عَامٍ أَخْطَأَ الناس فيه يوم عَرَفَةَ لِأَنَّ حَجَّهُمْ يوم يَحُجُّونَ كما فِطْرُهُمْ يوم يُفْطِرُونَ وَأَضْحَاهُمْ يوم يُضَحُّونَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كُلِّفُوا الظَّاهِرَ فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَهَكَذَا لو أَصَابَ رَجُلٌ أَهْلَهُ بَعْدَ الرمى وَالْحِلَاقِ كانت عليه بَدَنَةٌ وكان حَجُّهُ تَامًّا وَهَكَذَا لو دخل عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَخَرَجَ منها قبل مَغِيبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَتْ عنه حَجَّتُهُ وَأَهْرَاقَ دَمًا وَهَكَذَا كُلُّ ما فَعَلَ مِمَّا ليس له في إحْرَامِهِ غَيْرُ الْجِمَاعِ كَفَّرَ وَأَجْزَأَتْ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ - * بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَالْمَمْلُوكِ يَعْتِقُ وَالذِّمِّيُّ يُسْلِمُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال

(2/130)


زَعَمْت أَنَّهُ كان في إحْرَامِهِ غير مُحْرِمٍ أَفَكَانَ الْفَرْضُ عنه مَوْضُوعًا قِيلَ لَا بَلْ كان عليه وَعَلَى كل أَحَدٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ عز وجل وَبِرَسُولِهِ وَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى على نَبِيِّهِ غير أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ وما لم أَعْلَمْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فيه أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ أَسْلَمَ ائتنف ( ( ( استأنف ) ) ) الْفَرَائِضَ من يَوْمِ أَسْلَمَ ولم يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ ما فَرَّطَ فيه في الشِّرْكِ منها وإن الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ ما قَبْلَهُ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اسْتَقَامَ فلما كان إنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْأَعْمَالَ وَلَا يَكُونُ عَامِلًا عَمَلًا يُكْتَبُ له إلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كان ما كان غير مَكْتُوبٍ له من إحْرَامِهِ ليس إحْرَامًا وَالْعَمَلُ يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الصَّغِيرِ له حَجٌّ فَفِي ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُ حَاجٌّ وَأَنَّ حَجَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَكْتُوبٌ له - * بَابُ الرَّجُلِ يَنْذُرُ الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا مَاتَ ولم يَقْضِ النَّذْرَ وَلَا الْوَاجِبَ قضى عنه الْوَاجِبُ أَوَّلًا فَإِنْ كان في مَالِهِ سَعَةٌ أو كان له من يَحُجُّ عنه قَضَى النَّذْرَ عنه بَعْدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ حَجَّ عنه رَجُلٌ بِإِجَارَةٍ أو تَطَوُّعٍ ينوى عنه قَضَاءَ النَّذْرِ كان الْحَجُّ الْوَاجِبُ عليه ثُمَّ قَضَى عنه النَّذْرَ بَعْدَهُ إذَا كان إحْرَامُ غَيْرِهِ عنه إذَا أَرَادَ تَأْدِيَةَ الْفَرْضِ عنه يَقُومُ مَقَامَ إحْرَامِ نَفْسِهِ عنه في الْأَدَاءِ عنه فَكَذَلِكَ هو في النَّذْرِ عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ حَجَّ عنه رَجُلَانِ هذا الْفَرْضَ وَهَذَا النَّذْرَ كان أَحَبَّ إلى وَأَجْزَأَ عنه - * بَابُ الْخِلَافِ في هذا الْبَابِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا الْبَابِ فقال نَحْنُ نُوَافِقُكَ على أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَجَّ تَطَوُّعًا أو بِغَيْرِ نِيَّةٍ كان ذلك عِنْدَنَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِلْآثَارِ وَالْقِيَاسِ فيه وَلِأَنَّ التَّطَوُّعَ ليس بِوَاجِبٍ عليه أَفَرَأَيْتَ الْوَاجِبَ عليه من النَّذْرِ إنْ كان وَاجِبًا وَفَرْضُ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاجِبًا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّذْرَ وهو وَاجِبٌ كان الْحَجُّ الْوَاجِبُ كما قُلْته في التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ غير تَطَوُّعٍ فَقُلْت له زَعَمْته بِأَنَّهُ إذَا كان مُسْتَطِيعًا من حِينِ يَبْلُغُ إلَى أَنْ يَمُوتَ فلم يَكُنْ وَقْتُ حَجٍّ يأتى عليه إلَّا وَفَرْضُ الْحَجِّ لَازِمٌ له بِلَا شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ ولم يَكُنْ النَّذْرُ لَازِمًا له إلَّا بَعْدَ إيجَابِهِ فَكَانَ في نَفْسِهِ بِمَعْنَى من حَجَّ تَطَوُّعًا وكان الْوَاجِبُ بِكُلِّ حَالٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّمُ من الذي لم يَجِبْ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ فَإِنْ قال ما يُشْبِهُ النَّذْرَ من النَّافِلَةِ قِيلَ له إذَا دخل فيه بَعْدَ حَجِّ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عليه أَنْ يُتِمَّهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كان إذَا دخل فيه كان في حُكْمِهِ في أَنَّهُ يُتِمُّهُ كمبتديء ( ( ( كمبتدئ ) ) ) حَجِّ الْإِسْلَامِ يَنْوِيهِ كان دُخُولُهُ فيه لم يُوجِبْهُ عليه إنَّمَا أَوْجَبَ على نَفْسِهِ فَرْضًا عليه وَغَيْرُهُ لو أَوْجَبَهُ عليه فآمره بِالْخُرُوجِ منه كما آمره بِالْخُرُوجِ من الْحَجِّ بِالطَّوَافِ وآمره بِقَضَائِهِ فقال فَإِنَّكَ رَوَيْتَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ سُئِلَا فقال أَحَدُهُمَا قَضَيْتُهُمَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لِمَنْ نَذَرَ حَجًّا فَحَجُّهُ قَضَاءُ النَّذْرِ وَالْحَجُّ الْمَكْتُوبُ وقال الْآخَرُ هذه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلْيَلْتَمِسْ وَفَاءَ النَّذْرِ فَقُلْت فَأَنْتَ تُخَالِفُهُمَا جميعا فَتَزْعُمُ أَنَّ هذا النَّذْرُ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا تُخَالِفُ قال وَأَنْتَ تُخَالِفُ أَحَدَهُمَا فقلت إنْ خَالَفْته خَالَفْته بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَأُوَافِقُ الْآخَرَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن الثَّوْرِيِّ عن زَيْدِ بن جُبَيْرٍ قال إنِّي لَعِنْدَ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ إذْ سُئِلَ عن هذه فقال هذه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلْيَلْتَمِسْ أَنْ يقضى نَذْرَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ أَوْجَبَ على نَفْسِهِ حَجًّا أو عُمْرَةً بِنَذْرٍ فَحَجَّ أو اعْتَمَرَ يُرِيدُ قَضَاءَ حَجَّتِهِ أو عُمْرَتِهِ التي نَذَرَ كان حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ التي نَوَى بها قَضَاءَ النَّذْرِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ كان عليه قَضَاءُ حَجَّةِ النَّذْرِ بَعْدَ ذلك

(2/131)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فَاخْتَلَفَ الناس في الْعُمْرَةِ فقال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ وَقَالَهُ سَعِيدُ بن سَالِمٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أخبره عن مُعَاوِيَةَ بن إِسْحَاقَ عن أبي صَالِحَ الْحَنَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ فَقُلْت له أَثَبَتَ مِثْلُ هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هو مُنْقَطِعٌ وهو وَإِنْ لم تَثْبُتْ بِهِ الْحُجَّةُ فإن حُجَّتَنَا في أنها تَطَوُّعٌ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } ولم يذكر في الْمَوْضِعِ الذي بَيَّنَ فيه إيجَابَ الْحَجِّ إيجَابَ الْعُمْرَةِ وَأَنَّا لم نَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ أُمِرَ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ عن مَيِّتٍ فَقُلْت له قد يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا مَعًا وَفَرْضُهُ إذَا كان في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَثْبُتُ ثُبُوتُهُ في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وأقيموا ( ( ( أقيموا ) ) ) الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } ثُمَّ قال { إنَّ الصَّلَاةَ كانت على الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } فَذَكَرَهَا مَرَّةً مع الصَّلَاةِ وَأَفْرَدَ الصَّلَاةَ مَرَّةً أُخْرَى دُونَهَا فلم يَمْنَعْ ذلك الزَّكَاةَ أَنْ تَثْبُتَ وَلَيْسَ لَك حُجَّةٌ في قَوْلِك لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أُمِرَ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ عن مَيِّتٍ إلَّا عَلَيْك مِثْلُهَا لِمَنْ أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ بِأَنْ يَقُولَ وَلَا نَعْلَمُ من السَّلَفِ أَحَدًا ثَبَتَ عنه أَنَّهُ قال لَا تُقْضَى عُمْرَةٌ عن مَيِّتٍ وَلَا هِيَ تَطَوُّعٌ كما قُلْت فَإِنْ كان لَا نَعْلَمُ لَك حُجَّةً كان قَوْلُ من أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا من السَّلَفِ ثَبَتَ عنه أَنَّهُ قال هِيَ تَطَوُّعٌ وَأَنْ لَا تُقْضَى عن مَيِّتٍ حُجَّةٌ عَلَيْك ( قال ) وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ أَشْبَهَ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْآيَةَ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } إذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ في تَرْكِهَا ( قال ) وَهَذَا قَوْلٌ يَحْتَمِلُ إيجَابَهَا إنْ كان يُرِيدُ أَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ إيجَابَهَا وَأَنَّ بن عَبَّاسٍ ذَهَبَ إلَى إيجَابِهَا ولم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ من الْأَئِمَّةِ وَيُحْتَمَلُ تَأْكِيدُهَا لَا إيجَابُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي هو أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً فإن اللَّهَ عز وجل قَرَنَهَا مع الْحَجِّ فقال { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ قبل أَنْ يَحُجَّ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّ إحْرَامَهَا وَالْخُرُوجَ منها بِطَوَافٍ وَحِلَاقٍ وَمِيقَاتٍ وفي الْحَجِّ زِيَادَةُ عَمَلٍ على الْعُمْرَةِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى إذَا لم يَكُنْ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ وَمَعَ ذلك قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده إنَّهَا لِقَرِينَتِهَا في كِتَابِ اللَّهِ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ }
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال ليس من خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَالَهُ غَيْرُهُ من مَكِّيِّينَا وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ منهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِرَانِ الْعُمْرَةِ مع الْحَجِّ هَدْيًا وَلَوْ كان أَصْلُ الْعُمْرَةِ تَطَوُّعًا أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرِنَ الْعُمْرَةَ مع الْحَجِّ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُدْخِلُ في نَافِلَةٍ فَرْضًا حتى يَخْرُجَ من أَحَدِهِمَا قبل الدُّخُولِ في الْآخَرِ وقد يَدْخُلُ في أَرْبَعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم نَرَ عَمَلَيْنِ وَجَبَا عليه فلم يَكُنْ له تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الِابْتِدَاءِ يجزئ عنه أَنْ يأتى بِأَحَدِهِمَا فَنَقُولُ هذا في الْحَجِّ يَنْذُرُهُ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كان قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وبقى عليه حَجَّةُ نَذْرِهِ فَحَجَّ مُتَطَوِّعًا فَهِيَ حَجَّةُ النَّذْرِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بِحَجٍّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَاجِبٌ وإذا أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ من الْحَجَّةِ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّا نَجْعَلُ ما تَطَوَّعَ بِهِ هو الْوَاجِبُ عليه من الْفَرْضِ فَكَذَلِكَ إذَا تَطَوَّعَ وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ من نَذْرٍ لَا فَرْقَ بين ذلك - * بَابٌ هل تَجِبُ الْعُمْرَةُ وُجُوبَ الْحَجِّ - *

(2/132)


رَكَعَاتٍ وَأَكْثَرَ نَافِلَةً قبل أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ وَلَيْسَ ذلك في مَكْتُوبَةٍ وَنَافِلَةٍ من الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ بِالتَّمَتُّعِ أو الْقِرَانِ هدى إذَا كان أَصْلُ الْعُمْرَةِ تَطَوُّعًا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ حُكْمَ ما لَا يَكُونُ إلَّا تَطَوُّعًا بِحَالٍ غَيْرُ حُكْمِ ما يَكُونُ فَرْضًا في حَالٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةً أَنْ تَقْضِيَ الْحَجِّ عن أَبِيهَا ولم يُحْفَظْ عنه أَنْ تقضى الْعُمْرَةَ عنه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ قد يَكُونُ في الحديث فَيُحْفَظُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَيُحْفَظُ كُلُّهُ فيؤدي بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَيُجِيبُ عَمَّا يَسْأَلُ عنه ويستغنى أَيْضًا بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْحَجَّ إذَا قضى عنه فَسَبِيلُ الْعُمْرَةِ سَبِيلُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما يُشْبِهُ ما قُلْت قِيلَ رَوَى عنه طَلْحَةُ أَنَّهُ سُئِلَ عن الْإِسْلَامِ فقال خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَذَكَرَ الصِّيَامَ ولم يذكر حَجًّا وَلَا عُمْرَةً من الْإِسْلَامِ وَغَيْرَ هذا ما يُشْبِهُ هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما وَجْهُ هذا قِيلَ له ما وَصَفْت من أَنْ يَكُونَ في الْخَبَرِ فيؤدي بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ أو يُحْفَظُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ أو يُكْتَفَى بِعِلْمِ السَّائِلِ أو يكتفي بِالْجَوَابِ عن الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يَعْلَمُ السَّائِلُ بَعْدُ وَلَا يؤدي ذلك في مَسْأَلَةِ السَّائِلِ ويؤدي في غَيْرِهِ ( قال ) وإذا أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ فَالْمِيقَاتُ لها كَالْمِيقَاتِ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةُ في كل شَهْرٍ من السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَنَّا نَنْهَى الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ أَنْ يَعْتَمِرَ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ مَعْكُوفٌ على عَمَلِ الْحَجِّ وَلَا يَخْرُجُ منه إلَى الْإِحْرَامِ حتى يَفْرُغَ من جَمِيعِ عَمَلِ الْإِحْرَامِ الذي أَفْرَدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَحُجَّ رَجُلٌ فَتَوَقَّى الْعُمْرَةَ حتى تَمْضِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كان وَجْهًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَجَائِزٌ له لِأَنَّهُ في غَيْرِ إحْرَامٍ نَمْنَعُهُ بِهِ من غَيْرِهِ لِإِحْرَامِ غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُجْزِيه أَنْ يَقْرِنَ الْحَجَّ مع الْعُمْرَةِ وَتَجْزِيهِ من الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ عليه وَيُهَرِيق دَمًا قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } فَالْقَارِنُ أَخَفُّ حَالًا من الْمُتَمَتِّعِ الْمُتَمَتِّعُ إنَّمَا أَدْخَلَ عُمْرَةً فَوَصَلَ بها حَجًّا فَسَقَطَ عنه مِيقَاتُ الْحَجِّ وقد سَقَطَ عن هذا وَأَدْخَلَ الْعُمْرَةَ في أَيَّامِ الْحَجِّ وقد أَدْخَلَهَا الْقَارِنُ وزاد الْمُتَمَتِّعُ أَنْ تَمَتَّعَ بِالْإِحْلَالِ من الْعُمْرَةِ إلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَلَا يَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ في أَكْثَرِ من حَالِ الْقَارِنِ فِيمَا يَجِبُ عليه من الهدى ( قال ) وتجزي ( ( ( وتجزئ ) ) ) الْعُمْرَةُ قبل الْحَجِّ وَالْحَجُّ قبل الْعُمْرَةِ من الْوَاجِبَةِ عليه ( قال ) وإذا اعْتَمَرَ قبل الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حتى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَنْشَأَهُ من مَكَّةَ لَا من الْمِيقَاتِ ( قال ) وَإِنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَأَرَادَ الْعُمْرَةَ بَعْدَ الْحَجِّ خَرَجَ من الْحَرَمِ ثُمَّ أَهَلَّ من أَيْنَ شَاءَ وَسَقَطَ عنه بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بها من أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ من مِيقَاتِهَا وَلَا مِيقَاتَ لها دُونَ الْحِلِّ كما يَسْقُطُ مِيقَاتُ الْحَجِّ إذَا قَدَّمَ الْعُمْرَةَ قَبْلَهُ لِدُخُولِ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ وَأَحَبَّ إلَى أَنْ يَعْتَمِرَ من الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ منها فَإِنْ أخطاه ذلك اعْتَمَرَ من التَّنْعِيمِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ منها وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذلك اعْتَمَرَ من الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بها وَأَرَادَ الْمَدْخَلَ لِعُمْرَتِهِ منها
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سمع عَمْرَو بن دِينَارٍ يقول سَمِعْت عَمْرَو بن أَوْسٍ الثَّقَفِيَّ يقول أخبرني عبد الرحمن بن أبي بَكْرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ فَيُعْمِرَهَا من التَّنْعِيمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَائِشَةُ كانت قَارِنَةً فَقَضَتْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْوَاجِبَتَيْنِ عليها وَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْصَرِفَ بِعُمْرَةٍ غَيْرِ مَقْرُونَةٍ بِحَجٍّ فَسَأَلَتْ ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَائِلِهِ عن الطِّيبِ وَالثِّيَابِ افْعَلْ في عُمْرَتِك ما كُنْت فَاعِلًا في حَجَّتِك
( أخبرنا ) مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ قال بن جُرَيْجٍ ولم يُحَدِّثْنِي عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن كِتَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ شيئا إلَّا قُلْت له أَفِي شَكٍّ أَنْتُمْ من أَنَّهُ كِتَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا

(2/133)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَ بِإِعْمَارِهَا فَكَانَتْ لها نَافِلَةً خَيْرًا وقد كانت دَخَلَتْ مَكَّةَ بِإِحْرَامٍ فلم يَكُنْ عليها رُجُوعٌ إلَى الْمِيقَاتِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن إسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عن مُزَاحِمٍ عن عبد الْعَزِيزِ بن عبد اللَّهِ بن خَالِدٍ عن مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ أو مُحَرِّشٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ من الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا فَاعْتَمَرَ وَأَصْبَحَ بها كَبَائِتٍ أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ هذا الْحَدِيثُ بهذا الْإِسْنَادِ وقال بن جُرَيْجٍ هو مُحَرِّشٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَائِشَةُ كانت قَارِنَةً في ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ اعْتَمَرَتْ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِعْمَارِهَا بَعْدَ الْحَجِّ فَكَانَتْ لها عُمْرَتَانِ في شَهْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ قبل الْجِعْرَانَةِ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ فَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِعُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَكَانَ وَإِنْ دخل مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَرْبِ فَلَيْسَتْ عُمْرَتُهُ من الْجِعْرَانَةِ قَضَاءً وَلَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ وَالْمُتَطَوِّعُ يَتَطَوَّعُ بِالْعُمْرَةِ من حَيْثُ شَاءَ خَارِجًا من الْحَرَمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَهَلَّ رَجُلٌ بِحَجٍّ فَفَاتَهُ خَرَجَ من حَجِّهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وكان عليه حَجٌّ قَابِلٌ والهدى ولم تَجُزْ هذه عنه من حَجَّةٍ وَلَا عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ من الْحَجِّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ لَا أَنَّهُ أبتدأ عُمْرَةً فَتَجْزِي عنه من عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ عليه - * بَاب الْوَقْتِ الذي تَجُوزُ فيه الْعُمْرَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يُهِلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ في السَّنَةِ كُلِّهَا يوم عَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى وَغَيْرَهَا من السَّنَةِ إذَا لم يَكُنْ حَاجًّا ولم يَطْمَعْ بِإِدْرَاكِ الْحَجِّ وَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْحَجِّ أَحْبَبْت له أَنْ يَكُونَ إهْلَالُهُ بِحَجٍّ دُونَ عُمْرَةٍ أو حَجٍّ مع عُمْرَةٍ وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَاعْتَمَرَ جَازَتْ الْعُمْرَةُ وَأَجْزَأَتْ عنه عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَةٌ إنْ كان أَوْجَبَهَا على نَفْسِهِ من نَذْرٍ أو أَوْجَبَهُ تَبَرَّرَ أو اعْتَمَرَ عن غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ في أَيَّامِ الْحَجِّ قِيلَ قد أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ فَأَدْخَلَتْ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ فَوَافَتْ عَرَفَةَ وَمِنًى حَاجَةً مُعْتَمِرَةً وَالْعُمْرَةُ لها مُتَقَدِّمَةٌ وقد أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه هَبَّارَ بن الْأَسْوَدِ وَأَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ في يَوْمِ النَّحْرِ وكان مُهِلًّا بِحَجٍّ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَيَحِلَّ فَهَذَا عَمَلُ عُمْرَةٍ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فإن أَعْظَمَ الْأَيَّامِ حُرْمَةً أَوْلَاهَا أَنْ يَنْسَك فيها لِلَّهِ تَعَالَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يُنْهَى أَحَدٌ أَنْ يَعْتَمِرَ يوم عَرَفَةَ وَلَا لَيَالِي مِنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا فَلَا يُدْخِلُ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ وَلَا يَعْتَمِرُ حتى يُكْمِلَ عَمَلَ الْحَجِّ كُلَّهُ لِأَنَّهُ مَعْكُوفٌ بِمِنًى على عَمَلٍ من عَمَلِ الْحَجِّ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصَابَ بن جُرَيْجٍ لِأَنَّ وَلَدَهُ عِنْدَنَا يقول بَنُو مُحَرِّشٍ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَائِشَةَ طَوَافُك بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك
( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن عَطَاءٍ عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وَرُبَّمَا قال سُفْيَانُ عن عَطَاءٍ عن عَائِشَةَ وَرُبَّمَا قال إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَائِشَةَ

(2/134)


الرَّمْيِ وَالْإِقَامَةِ بِمِنًى طَافَ لِلزِّيَارَةِ أو لم يَطُفْ فَإِنْ اعْتَمَرَ وهو في بَقِيَّةٍ من إحْرَامِ حَجِّهِ أو خَارِجًا من إحْرَامِ حَجِّهِ وهو مُقِيمٌ على عَمَلٍ من عَمَلِ حَجِّهِ فَلَا عُمْرَةَ له وَلَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ في وَقْتٍ لم يَكُنْ له أَنْ يُهِلَّ بها فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفِيمَا وَصَفْت من عُمْرَةِ عَائِشَةَ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرِهَا في ذِي الْحِجَّةِ وفي أَنَّهُ اعْتَمَرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ بَيَانٌ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَجُوزُ في زَمَانِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وإذا جَازَتْ في شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَايَلَتْ مَعْنَى الْحَجِّ الذي لَا يَكُونُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَصَلُحَتْ في كل شَهْرٍ وَحِينَ أَرَادَهُ صَاحِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِغَيْرِهَا من حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَلَا يُدْخِلُ إحْرَامًا بِغَيْرِهِ عليه قبل أَنْ يُكْمِلَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَهَلَّ رَجُلٌ بِعُمْرَةٍ كان له أَنْ يُدْخِلَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ ما لم يَدْخُلْ في الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فإذا دخل فيه فَلَيْسَ له أَنْ يُدْخِلَ عليه الْحَجَّ وَلَوْ فَعَلَ لم يَلْزَمْهُ حَجٌّ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ في الْخُرُوجِ من عُمْرَتِهِ في وَقْتٍ ليس له إدْخَالُ الْحَجِّ فيه على عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ كان إهْلَالُهُ بِحَجٍّ لم يَكُنْ له أَنْ يُدْخِلَ عليه الْعُمْرَةَ وَلَوْ فَعَلَ لم يَكُنْ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ وَلَا عليه فِدْيَةٌ ( قال ) وَمَنْ لم يَحُجَّ اعْتَمَرَ في السَّنَةِ كُلِّهَا وَمَنْ حَجَّ لم يُدْخِلْ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ حتى يُكْمِلَ عَمَلَ الْحَجِّ وهو آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إنْ أَقَامَ إلَى آخِرِهَا وَإِنْ نَفَرَ النَّفَرَ الْأَوَّلَ فَاعْتَمَرَ يَوْمئِذٍ لَزِمَتْهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ عليه لِلْحَجِّ عَمَلٌ وَلَوْ أَخَّرَهُ كان أَحَبَّ إلى وَلَوْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ في يَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ولم يَنْفِرْ كان إهْلَالُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَعْكُوفٌ على عَمَلٍ من عَمَلِ الْحَجِّ فَلَا يَخْرُجُ منه إلَّا بِكَمَالِهِ وَالْخُرُوجُ منه ( قال ) وَخَالَفَنَا بَعْضُ حِجَازِيِّينَا فقال لَا يَعْتَمِرُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَهَذَا خِلَافُ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ أَعَمْرَ عَائِشَةَ في شَهْرٍ وَاحِدٍ من سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ وَخِلَافُ فِعْلِ عَائِشَةَ نَفْسِهَا وعلى بن أبي طَالِبٍ وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ رضي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعُمْرَةُ في السَّنَةِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِرَ الرَّجُلُ في السَّنَةِ مِرَارًا وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ من الْمَكِّيِّينَ وَأَهْلِ الْبُلْدَانِ غير أَنَّ قَائِلًا من الْحِجَازِيِّينَ كَرِهَ الْعُمْرَةَ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وإذا كانت الْعُمْرَةُ تَصْلُحُ في كل شَهْرٍ فَلَا تُشْبِهُ الْحَجَّ الذي لَا يَصْلُحُ إلَّا في يَوْمٍ من شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إنْ لم يُدْرِكْ فيه الْحَجَّ فَاتَ إلَى قَابِلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَاسَ عليه وَهِيَ تُخَالِفُهُ في هذا كُلِّهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ له عَائِشَةُ مِمَّنْ لم يَكُنْ معه هدى وَمِمَّنْ دخل في أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً فَعَرِكَتْ فلم تَقْدِرْ على الطَّوَافِ لِلطَّمْثِ فَأَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ فَكَانَتْ قَارِنَةً وَكَانَتْ عُمْرَتُهَا في ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ سَأَلَتْهُ أَنْ يُعْمِرَهَا فَأَعْمَرَهَا في ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَتْ هذه عُمْرَتَيْنِ في شَهْرٍ فَكَيْفَ يُنْكِرُ أَحَدٌ بَعْدَ أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعُمْرَتَيْنِ في شَهْرٍ يَزْعُمُ أَنْ لَا تَكُونَ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي حُسَيْنٍ عن بَعْضِ وَلَدِ أَنَسِ بن مَالِكٍ قال كنا مع أَنَسِ بن مَالِكٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال في كل شَهْرٍ عُمْرَةٌ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ في سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَرَّةً من الْجُحْفَةِ أخبرنا سُفْيَانُ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَتْ في سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ قال صَدَقَةٌ فَقُلْت هل عَابَ ذلك عليها أَحَدٌ فقال سُبْحَانَ اللَّهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَحْيَيْت
أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ قال اعْتَمَرَ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَعْوَامًا في عَهْدِ بن الزُّبَيْرِ مَرَّتَيْنِ في كل عَامٍ
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن عبدالمجيد عن حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ قال سُئِلَ عَطَاءٌ عن الْعُمْرَةِ في كل شَهْرٍ قال نعم

(2/135)


اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَوَامِّ الناس وَأَصْلُ قَوْلِهِ إنْ كان قَوْلُهُ إن الْعُمْرَةَ تَصْلُحُ في كل السَّنَةِ فَكَيْفَ قَاسَهَا بِالْحَجِّ الذي لَا يَصْلُحُ إلَّا في يَوْمٍ من السَّنَةِ وَأَيُّ وَقْتٍ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ من الشُّهُورِ فَإِنْ قال أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَكَيْفَ لم يَعْتَمِرْ في أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِرَارًا وَقَوْلُ الْعَامَّةِ على ما قُلْنَا - * بَابُ من أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ حَفِظْنَا عنه لم نَعْلَمْ منهم اخْتِلَافًا يَقُولُونَ إذَا أَهَلَّ بِحَجٍّ ثُمَّ فَاتَهُ عَرَفَةُ لم يَقُمْ حَرَامًا وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ ثُمَّ قَضَى الْحَجَّ الْفَائِتَ له لم يَجُزْ أَبَدًا في الذي لم يَفُتْهُ الْحَجُّ أَنْ يُقِيمَ حَرَامًا بَعْدَ الْحَجِّ بِحَجٍّ وإذا لم يَجُزْ لم يَجُزْ إلَّا سُقُوطُ إحْدَى الْحَجَّتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد روى من وَجْهٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إذَا أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ فَهُوَ مُهِلٌّ بِحَجٍّ وَتَابَعَهُ الْحَسَنُ بن أبي الْحَسَنِ ( قال ) وَالْقَوْلُ في الْعُمْرَتَيْنِ هَكَذَا وَكَمَالُ الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْحِلَاقُ وَأَمْرُهُمْ من فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يَحِلَّ بِطَوَافٍ وسعى وَحِلَاقٍ ويقضى يَدُلَّانِ مَعًا على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ من فَاتَهُ الْحَجُّ قد يَقْدِرُ أَنْ يُقِيمَ حَرَامًا إلَى قَابِلٍ وَلَا أَرَاهُمْ أَمَرُوهُ بِالْخُرُوجِ من إحْرَامِهِ بِالطَّوَافِ وَلَا يُقِيمُ حَرَامًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا خَرَجَ من حَجِّهِ بعمل ( ( ( يعمل ) ) ) عُمْرَةً فَلَيْسَ أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً وَلَا يَصِيرُ عُمْرَةً وقد ابتدأه ( ( ( ابتدأ ) ) ) حَجًّا في وَقْتٍ يَجُوزُ فيه الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْحَجُّ عُمْرَةً جَازَ أَنْ يَكُونَ من ابْتَدَأَ فَأَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ مُهِلًّا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَدَأَ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ولم يَجُزْ لِمَنْ قال يَصِيرُ حَجُّهُ عُمْرَةً إلَّا ما وَصَفْت من أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ فَأَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ فَهُوَ مُهِلٌّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَأَمَّا من أَهَلَّ بِحَجٍّ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه بَعْدَ إهْلَالِهِ بِهِ حَجًّا فَبَيَّنَ في كل حَالٍ أَنْ لَا يَكُونَ مُدْخِلًا حَجًّا على حَجٍّ وَلَا تَكُونُ عُمْرَةٌ مع حَجٍّ كما لو ابْتَدَأَ فَأَدْخَلَ عُمْرَةً على حَجٍّ لم تدخل ( ( ( يدخل ) ) ) عليه وَلَوْ جَازَ أَنْ يَصْرِفَ الْحَجَّ عُمْرَةً جَازَ أَنْ تُصْرَفَ الْعُمْرَةَ حَجًّا فَيَكُونُ من أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مُهِلًّا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَصَرَفْنَا إحْرَامَهُ إلَى الذي يَجُوزُ له وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ من هذا غَيْرُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ من أَنَّ من أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ فَهُوَ مُهِلٌّ بِحَجٍّ وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ فَهُوَ مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا أو حَجَّ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه حَجًّا آخَرَ قبل أَنْ يُكْمِلَ الْحَجَّ فَهُوَ مُهِلٌّ بِحَجٍّ وَاحِدٍ وَلَا شَيْءَ عليه في الثَّانِي من فِدْيَةٍ وَلَا قَضَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ ( قال ) وَإِكْمَالُ عَمَلِ الْحَجِّ أَنْ لَا يَبْقَى عليه طَوَافٌ وَلَا حِلَاقٌ وَلَا رمى وَلَا مُقَامٌ بِمِنًى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ قُلْت هذا قِيلَ كان عليه في الْحَجِّ أَنْ يأتى بِعَمَلِهِ على كَمَالِهِ فَيُدْخِلُ فيه حَرَامًا وَيَكُونُ كَمَالُهُ أَنْ يُخْرِجَ منه حَلَالًا من يَوْمِ النَّحْرِ من بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْدَ النَّحْرِ من كُلِّهِ بِكَمَالِهِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَجَّتَيْنِ وَقُلْنَا أَكْمَلَ إحْدَاهُمَا أَمَرْنَاهُ بِالْإِحْلَالِ وهو مُحْرِمٌ بِحَجٍّ وَلَوْ قُلْنَا له لَا تَخْرُجُ من إحْرَامِ أَحَدِهِمَا إلَّا بِخُرُوجِك من الْآخَرِ بِكَمَالِهِ قُلْنَا له ائْتِ بِبَعْضِ عَمَلِ الْحَجِّ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ قال وما يبقي عليه من عَمَلِ الْحَجِّ قِيلَ الْحِلَاقُ فَأَمَرْنَاهُ أَنْ لَا يُكْمِلَ الْحَجَّ انْتِظَارًا لِلَّذِي بَعْدَهُ وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ أَنْ يُقَالَ له أَقِمْ في بَلَدِك أو في مَكَّةَ وَلَا تُعْمِلْ لِأَحَدِ حجيك حتى تُعْمِلَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا كما يُقَالُ لِلْقَارِنِ فَيَكُونُ إنَّمَا عَمِلَ بِحَجٍّ وَاحِدٍ وَبَطَلَ الْآخَرُ وَلَوْ قُلْنَا بَلْ يَعْمَلُ لِأَحَدِهِمَا وَيَبْقَى مُحْرِمًا بِالْآخَرِ قُلْنَا فَهُوَ لم يُكْمِلْ عَمَلَ أَحَدِهِمَا وَأَكْمَلَ عَمَلَ الْآخَرِ فَكَيْفَ يَجِبُ عليه في أَحَدِهِمَا ما سَقَطَ عنه في الْآخَرِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يَحِلُّ من أَحَدِهِمَا قِيلَ فلم يَلْزَمْهُ أَدَاءُ الْآخَرِ إذَا جَازَ له أَنْ يَخْرُجَ من الْأَوَّلِ لم يَدْخُلْ في غَيْرِهِ إلَّا بِتَجْدِيدِ دُخُولٍ فيه

(2/136)


- * بَابُ الْخِلَافِ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد حكى لي عنهما مَعًا أَنَّهُمَا قَالَا من أَجْمَعَ صِيَامَ يَوْمَيْنِ فَصَامَ أَحَدَهُمَا فَلَيْسَ عليه الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ من الْأَوَّلِ وَهَكَذَا من فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فَكَبَّرَ يَنْوِي صَلَاتَيْنِ لم يَكُنْ إلَّا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ ولم يَلْزَمْهُ صَلَاتَانِ مَعًا لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ في الْآخَرِ إلَّا من بَعْدِ الْخُرُوجِ من الْأُولَى ( قال ) وَكَذَلِكَ لو نَوَى صَلَاتَيْنِ تَطَوُّعًا مِمَّا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ فإذا كان هذا هَكَذَا في الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَكَيْفَ لم يَكُنْ عِنْدَهُمَا هَكَذَا في الْحَجِّ مع أَنَّهُ يُلْزِمُهُمَا أَنْ يَدَعَا قَوْلَهُمَا في الْحَجِّ إنْ زَعَمَا أَنَّ الْحَجَّ يَصِيرُ عُمْرَةً إذَا فَاتَتْ عَرَفَةُ أَشْبَهَ أَنْ يُلْزِمَهُمَا إذَا كان الْإِحْرَامُ بِحَجَّتَيْنِ لَازِمًا أَنْ يَقُولَا هو حَجٌّ وَعُمْرَةٌ قَالَا يَقْضِي أَحَدُهُمَا أو لم يَقُولَاهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا قُلْنَا لَا يَقْرِنُ بين عَمَلَيْنِ إلَّا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ يُدْخِلُ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ وَلَا يُدْخِلُ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ إذَا بَدَأَ بِالْحَجِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا نَجْمَعَ بين عَمَلَيْنِ فلما جَمَعَ بَيْنَهُمَا في حَالٍ سَلِمَ لِلْخَبَرِ في الْجَمْعِ بَيْنِهِمَا ولم يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا إلَّا على ما جاء فيه الْخَبَرُ لَا يُخَالِفُهُ وَلَا يَقِيسُ عليه - * في الْمَوَاقِيتِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ من الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ من قَرْنٍ قال بن عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ من يَلَمْلَمَ
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال أَمَرَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلَ الشَّامِ من الْجُحْفَةِ وَأَهْلَ نَجْدٍ من قَرْنٍ قال بن عُمَرَ أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأُخْبِرْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ من يَلَمْلَمَ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال قام رَجُلٌ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ في الْمَسْجِدِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ من أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ قال يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ من الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ من قَرْنٍ قال لي نَافِعٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ من يَلَمْلَمَ ( قال )
وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يَسْأَلُ عن الْمُهِلِّ فقال سَمِعْت ثُمَّ انْتَهَى أُرَاهُ يُرِيدُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ من الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْعِرَاقِ من ذَاتِ عِرْقٍ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ من قَرْنٍ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ من يَلَمْلَمَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يُسَمِّ جَابِرُ بن عبد اللَّهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سمع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال بن سِيرِينَ يروي عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ مُرْسَلًا أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سمع غير عُمَرَ بن الْخَطَّابِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذا ( ( ( ذات ) ) ) عِرْقٍ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَمَنْ سَلَكَ نَجْدًا من أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ
أخبرنا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وخالفنا ( ( ( وخلافنا ) ) ) رَجُلَانِ من الناس فقال أَحَدُهُمَا من أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ لَزِمَتَاهُ فإذا أَخَذَ في عَمَلِهِمَا فَهُوَ رَافِضٌ لِلْآخَرِ وقال الْآخَرُ هو رَافِضٌ لِلْآخَرِ حين ابْتَدَأَ الْإِهْلَالَ وَأَحْسِبُهُمَا قَالَا وَعَلَيْهِ في الرَّفْضِ دَمٌ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ

(2/137)


مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال فَرَاجَعْت عَطَاءً فَقُلْت إن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَعَمُوا لم يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْقٍ ولم يَكُنْ أَهْلُ الْمَشْرِقِ حِينَئِذٍ قال كَذَلِكَ سَمِعْنَا أَنَّهُ وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ أو الْعَقِيقَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ قال ولم يَكُنْ عِرَاقٌ وَلَكِنْ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ولم يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَكِنَّهُ يأبي إلَّا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَهُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه قال لم يُوَقِّتْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَاتَ عِرْقٍ ولم يَكُنْ حِينَئِذٍ أَهْلُ مَشْرِقٍ فَوَقَّتَ الناس ذَاتَ عِرْقٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ مُرْسَلًا وَذَاتُ عِرْقٍ شَبِيهٌ بِقَرَنٍ في الْقُرْبِ وَأَلَمْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَحْرَمَ منها أَهْلُ الْمَشْرِقِ رَجَوْت أَنْ يَجْزِيَهُمْ قِيَاسًا على قَرْنٍ وَيَلَمْلَمُ وَلَوْ أَهَلُّوا من الْعَقِيقِ كان أَحَبَّ إلى
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن طَاوُسٍ عن أبيه قال وَقَّتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هذه الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ آتٍ أتى عليها من غَيْرِ أَهْلِهَا مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كان أَهْلُهُ من دُونِ الْمِيقَاتِ فليهل ( ( ( فليهلل ) ) ) من حَيْثُ يُنْشِئُ حتى يَأْتِيَ ذلك على أَهْلِ مَكَّةَ
أخبرنا الثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَوَاقِيتِ مِثْلَ مَعْنَى حديث سُفْيَانُ في الْمَوَاقِيتِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن الْقَاسِمِ بن مَعْنٍ عن لَيْثٍ عن عَطَاءٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال وَقَّتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِّ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ يَبْدَأُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ قال لِيَسْتَمْتِعْ الْمَرْءُ بِأَهْلِهِ وَثِيَابِهِ حتى يأتى كَذَا وَكَذَا لِلْمَوَاقِيتِ قُلْت أَفَلَمْ يَبْلُغْك أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا بَلَغُوا كَذَا وَكَذَا أَهَلُّوا قال لَا أَدْرِي - * بَابُ تَفْرِيعِ الْمَوَاقِيتِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ قال قال ولم يُسَمِّ عَمْرٌو الْقَائِلَ إلَّا أَنَّا نُرَاهُ بن عَبَّاسٍ الرَّجُلُ يُهِلُّ من أَهْلِهِ وَمِنْ بعد ما يُجَاوِزُ أَيْنَ شَاءَ وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ رَأَى بن عَبَّاسٍ يَرُدُّ من جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غير مُحْرِمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وإذا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ من دُونِ مِيقَاتِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِيقَاتِهِ فَهُوَ مُحْرِمٌ في رُجُوعِهِ ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَمَرْته بِالرُّجُوعِ وقد أَلْزَمْته إحْرَامًا قد ابْتَدَأَهُ من دُونِ مِيقَاتِهِ أَقُلْت ذلك اتِّبَاعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ أَمْ خَبَرًا من غَيْرِهِ أو قِيَاسًا قُلْت هو وَإِنْ كان اتِّبَاعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ أَنَّهُ في مَعْنَى السُّنَّةِ فَإِنْ قال فَاذْكُرْ السُّنَّةَ التي هو في مَعْنَاهَا قُلْت أَرَأَيْت إذْ وَقَّتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَوَاقِيتَ لِمَنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً أَلَيْسَ الْمُرِيدُ لَهُمَا مَأْمُورًا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا من الْمِيقَاتِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِإِتْيَانِ الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ وَالْعَمَلِ معه قال بَلَى قُلْت أفتراه مَأْذُونًا له قبل بُلُوغِ الْمِيقَاتِ أَنْ يَكُونَ غير مُحْرِمٍ قال بَلَى قُلْت أَفَتَرَاهُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا له أَنْ يَكُونَ بَعْضُ سَفَرِهِ حَلَالًا وَبَعْضُهُ حَرَامًا قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَأَحْرَمَ أو لم يُحْرِمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ منه أَمَا أتى بِمَا أُمِرَ بِهِ من أَنْ يَكُونَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كما قال طَاوُسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قال لم يُوَقِّتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ شيئا فَاِتَّخَذَ الناس بِحِيَالِ قَرْنِ ذَاتِ عِرْقٍ
أخبرنا الثِّقَةُ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ

(2/138)


مُحْرِمًا من الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَحِلَّ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَعَمَلِ غَيْرِهِ قال بَلَى وَلَكِنَّهُ إذَا دخل في إحْرَامٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ فَقَدْ لَزِمَهُ إحْرَامُهُ وَلَيْسَ بمبتديء ( ( ( بمبتدئ ) ) ) إحْرَامًا من الْمِيقَاتِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ من أَهَلَّ من دُونِ مِيقَاتِهِ أَمَرْنَاهُ بِالرُّجُوعِ إلَى مِيقَاتِهِ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فإذا طَافَ بِالْبَيْتِ لم نَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ وَأَمَرْنَاهُ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الرُّجُوعِ إلَى مِيقَاتِهِ بِعُذْرٍ أو تَرَكَهُ عَامِدًا لم نَأْمُرْهُ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى شَيْءٍ دُونَ مِيقَاتِهِ وَأَمَرْنَاهُ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا وهو مُسِيءٌ في تَرْكِهِ أَنْ يَرْجِعَ إذَا أَمْكَنَهُ عَامِدًا وَلَوْ كان مِيقَاتُ الْقَوْمِ قَرْيَةً فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ في الْإِهْلَالِ أَنْ لَا يَخْرُجَ من بُيُوتِهَا حتى يُحْرِمَ وَأَحَبُّ إلى إنْ كانت بُيُوتُهَا مُجْتَمِعَةً أو مُتَفَرِّقَةً أَنْ يَتَقَصَّى فَيُحْرِمُ من أَقْصَى بُيُوتِهَا مِمَّا يَلِي بَلَدَهُ الذي هو أَبْعَدُ من مَكَّةَ وَإِنْ كان وَادِيًا فَأَحَبَّ إلَى أَنْ يُحْرِمَ من أَقْصَاهُ وَأَقْرَبُهُ بِبَلَدِهِ وَأَبْعَدُهُ من مَكَّةَ وَإِنْ كان ظُهْرًا من الْأَرْضِ فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ في ذلك أَنْ يُهِلَّ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ الظُّهْرِ أو الْوَادِي أو الْوَضْعُ أو الْقَرْيَةُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مَوْضِعَهَا فَيُهِلُّ منه وَأَحَبُّ إلى أَنْ يُحْرِمَ من أَقْصَاهُ إلَى بَلَدِهِ الذي هو أَبْعَدُ من مَكَّةَ فإنه إذَا أتى بهذا فَقَدْ أَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ يَقِينًا أو زَادَ وَالزِّيَادَةُ لَا تَضُرُّ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَرْيَةَ نُقِلَتْ فَيُحْرِمُ من الْقَرْيَةِ الْأُولَى وَإِنْ جَاوَزَ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ رَجَعَ أو أَهَرَاقَ دَمًا
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ قال رأي سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ من مِيقَاتِ ذَاتِ عِرْقٍ فَأَخَذَ بيده حتى أَخْرَجَهُ من الْبُيُوتِ وَقَطَعَ بِهِ الْوَادِي وَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قال هذه ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَكَ بَحْرًا أو بَرًّا من غَيْرِ وَجْهِ الْمَوَاقِيتِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ مُتَأَخِّيًا وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَحْتَاطَ فَيُحْرِمَ من وَرَاءِ ذلك فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَهَلَّ بعد ما جَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ كان كَمَنْ جَاوَزَهَا فَرَجَعَ أو أَهَرَاقَ دَمًا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال من سَلَكَ بَحْرًا أو بَرًّا من غَيْرِ جِهَةِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَمَنْ سَلَكَ كَدَاءَ من أَهْلِ نَجِدْ وَالسَّرَاةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ من قَرْنٍ وَذَلِكَ قبل أَنْ يأتى ثَنِيَّةَ كَدًى وَذَلِكَ أَرْفَعُ من قَرْنٍ في نَجْدٍ وَأَعْلَى وَادِي قَرْنٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت إنَّهُ لَا يَضِيقُ عليه أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ قبل الْمِيقَاتِ كما لَا يَضِيقُ عليه لو أَحْرَمَ من أَهْلِهِ فلم يَأْتِ الْمِيقَاتَ إلَّا وقد تَقَدَّمَ بِإِحْرَامِهِ لِأَنَّهُ قد أتى بِمَا أُمِرَ بِهِ من أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا من الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَحِلَّ بِالطَّوَافِ وَعَمَلِ الْحَجِّ وإذا كان هذا هَكَذَا كان الذي جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ في مَعْنَى هذا في أَنَّهُ قد أتى على الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا ثُمَّ كان بَعْدُ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَطُوفَ وَيَعْمَلَ لِإِحْرَامِهِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ على نَفْسِهِ سَفَرًا بِالرُّجُوعِ وَالزِّيَادَةُ لَا تُؤْثِمُهُ وَلَا تُوجِبُ عليه فِدْيَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال أَفَرَأَيْت من كان أَهْلُهُ من دُونِ الْمِيقَاتِ أو كان من أَهْلِ الْمِيقَاتِ قُلْت سَفَرُ ذلك كُلِّهِ إحْرَامٌ وَحَالُهُ إذَا جَاوَزَ أَهْلَهُ حَالُ من جَاوَزَ الْمِيقَاتَ يَفْعَلُ ما أَمَرْنَا بِهِ من جَاوَزَ الْمِيقَاتَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَمْرُو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ من شَاءَ أَهَلَّ من بَيْتِهِ وَمَنْ شَاءَ اسْتَمْتَعَ بِثِيَابِهِ حتى يأتى مِيقَاتَهُ وَلَكِنْ لَا يُجَاوِزُهُ إلَّا مُحْرِمًا يعنى مِيقَاتَهُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال الْمَوَاقِيتُ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَوَاءٌ وَمَنْ شَاءَ أَهَلَّ من وَرَائِهَا وَمَنْ شَاءَ أَهَلَّ منها وَلَا يُجَاوِزُهَا إلَّا مُحْرِمًا وَبِهَذَا نَأْخُذُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال وَمَنْ أَخْطَأَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ من مِيقَاتِهِ أو عَمَدَ ذلك فَلْيَرْجِعْ إلَى مِيقَاتِهِ فليهل ( ( ( فليهلل ) ) ) منه إلَّا أَنْ يَحْبِسَهُ أَمْرٌ يُعْذَرُ بِهِ من وَجَعٍ أو غَيْرِهِ أو يَخْشَى أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ إنْ رَجَعَ فَلْيُهْرِقْ دَمًا وَلَا يَرْجِعْ وَأَدْنَى ما يُهْرِيقُ من الدَّمِ في الْحَجِّ أو غَيْرِهِ شَاةٌ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت الذي يُخْطِئُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ من مِيقَاتِهِ ويأتى وقد أَزِفَ الْحَجُّ فَيُهْرِيقُ دَمًا أَيَخْرُجُ مع ذلك من الْحَرَمِ فَيُهِلَّ بِالْحَجِّ من الْحِلِّ قال لَا ولم يَخْرُجْ خَشْيَةَ الدَّمِ الذي يُهْرِيقُ

(2/139)


وَجِمَاعُ ذلك ما قال عَطَاءٌ أَنْ يُهِلَّ من جاء من غَيْرِ جِهَةِ الْمَوَاقِيتِ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ وَحَدِيثُ طَاوُسٍ في الْمَوَاقِيتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْضَحُهَا مَعْنًى وَأَشَدُّهَا غِنًى عَمَّا دُونَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أتى على الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ قال عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أتى عَلَيْهِنَّ من غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً وكان بَيِّنًا فيه إن عِرَاقِيًّا أو شَامِيًّا لو مَرَّ بِالْمَدِينَةِ يُرِيدُ حَجًّا أو عُمْرَةً كان مِيقَاتُهُ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَإِنْ مَدَنِيًّا لو جاء من الْيَمَنِ كان مِيقَاتُهُ يَلَمْلَمَ وإن قَوْلَهُ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ إنَّمَا هو لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ من بِلَادِهِمْ وَيَكُونُ ذُو الْحُلَيْفَةِ طَرِيقُهُمْ وَأَوَّلُ مِيقَاتٍ يَمُرُّونَ بِهِ وَقَوْلُهُ وَأَهْلُ الشَّامِّ من الْجُحْفَةِ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ من بِلَادِهِمْ وَالْجُحْفَةُ طَرِيقُهُمْ وَأَوَّلُ مِيقَاتٍ يَمُرُّونَ بِهِ لَيْسَتْ الْمَدِينَةَ وَلَا ذُو الْحُلَيْفَةِ طَرِيقَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْرُجُوا إلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ في أَهْلِ نَجْدٍ وَالْيَمَنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم خَارِجٌ من بَلَدِهِ وَكَذَلِكَ أَوَّلُ مِيقَاتٍ يَمُرُّونَ بِهِ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ أَنَّ أَهْلَ نَجْدٍ الْيَمَنِ يَمُرُّونَ بِقَرْنٍ فلما كانت طَرِيقُهُمْ لم يُكَلَّفُوا أَنْ يَأْتُوا يَلَمْلَمَ وَإِنَّمَا مِيقَاتُ يَلَمْلَمَ لِأَهْلِ غَوْرِ الْيَمَنِ تُهِمّهَا مِمَّنْ هِيَ طَرِيقُهُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ لم يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ثُمَّ بَدَا له من الْفَرْعِ فَأَهَلَّ منه أو جاء الْفَرْعُ من مَكَّةَ أو غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا له الْإِهْلَالُ فَأَهَلَّ منها ولم يَرْجِعْ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وهو رَوَى الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَوَاقِيتِ فَلَوْ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أتى الطَّائِفَ لِحَاجَتِهِ عَامِدًا لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ منها كَذَلِكَ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً حتى قَارَبَ الْحَرَمَ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ أَهَلَّ من مَوْضِعِهِ ذلك ولم يَرْجِعْ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ قال إذَا مَرَّ الْمَكِّيُّ بِمِيقَاتِ أَهْلِ مِصْرَ فَلَا يُجَاوِزْهُ إلَّا مُحْرِمًا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال طَاوُسٌ فَإِنْ مَرَّ الْمَكِّيُّ على الْمَوَاقِيتِ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَا يَخْلُفْهَا حتى يَعْتَمِرَ - * بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ لِغَيْرِ إرَادَةِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } إلَى قَوْلِهِ { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْمَثَابَةُ في كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَوْضِعُ يَثُوبُ الناس إلَيْهِ وَيَئُوبُونَ يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ منه وقد يُقَالُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ في الحديث غَيْرُ ما قُلْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لو كان على أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْنَ كَانُوا فَأَرَادُوا الْحَجَّ أَنْ يُهِلُّوا من ذِي الْحُلَيْفَةِ رَجَعُوا من الْيَمَنِ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَرَجَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ من الْمَدِينَةِ إنْ أَرَادُوا منها الْحَجَّ إلَى يَلَمْلَمَ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ ما قُلْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وهو مَوْجُودٌ في الحديث مَعْقُولٌ فيه وَمَعْقُولٌ في الحديث في قَوْلِهِ وَلِكُلِّ آتٍ أتى عليها ما وَصَفْت وَقَوْلُهُ مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً أَنَّهُنَّ مَوَاقِيتُ لِمَنْ أتى عليهم يُرِيدُ حَجًّا أو عُمْرَةً فَمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ من حَيْثُ يَبْدُو له وكان ذلك مِيقَاتَهُ كما يَكُونُ مِيقَاتَ أَهْلِهِ الَّذِينَ أنشأوا ( ( ( أنشئوا ) ) ) منه يُرِيدُونَ الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ حين أنشأوا ( ( ( أنشئوا ) ) ) منه وَهَذَا مَعْنَى أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً لِأَنَّ هذا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلِكُلِّ آتٍ أتى عَلَيْهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً فَهَذِهِ إنَّمَا أَرَادَ الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ بعد ما جَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ فَأَرَادَ وهو مِمَّنْ دُونَ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوبَةِ وَأَرَادَهُ وهو دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْمَوَاقِيتِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ كان أَهْلُهُ دُونَ الْمَوَاقِيتِ فَمِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ حتى يأتى ذلك على أَهْلِ مَكَّةَ فَهَذَا جُمْلَةُ الْمَوَاقِيتِ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ من الْفَرْعِ

(2/140)


ثَابَ إلَيْهِ اُجْتُمِعَ إلَيْهِ فَالْمَثَابَةُ تَجْمَعُ الِاجْتِمَاعَ وَيَئُوبُونَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ منه وَمُبْتَدَئِينَ قال وَرَقَةُ بن نَوْفَلٍ يَذْكُرُ الْبَيْتَ % مَثَابًا لافناء الْقَبَائِلِ كُلِّهَا % تَخْبُ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ الذَّوَامِلُ % وقال خِدَاشُ بن زُهَيْرٍ النَّصْرِيُّ % فما بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وتدعي % وَيُلْحَقُ منهم أَوَّلُونَ وَآخِرُ % وقال اللَّهُ عز وجل { أو لم يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ الناس من حَوْلِهِمْ } يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ آمِنًا من صَارَ إلَيْهِ لَا يُتَخَطَّفُ اخْتِطَافَ من حَوْلَهُمْ وقال لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ { وَأَذِّنْ في الناس بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كل ضَامِرٍ يَأْتِينَ من كل فَجٍّ عَمِيقٍ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ مِمَّا نَدَبُوا بِهِ إلَى إتْيَانِ الْحَرَمِ بِالْإِحْرَامِ قال وروى عن بن أبي لَبِيدٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّهُ قال لَمَّا أَهَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ من الْجَنَّةِ طَأْطَأَهُ فَشَكَا الْوَحْشَةَ إلَى أَصْوَاتِ الْمَلَائِكَةِ فقال يا رَبِّ مَالِي لَا أَسْمَعُ حِسَّ الْمَلَائِكَةِ فقال خَطِيئَتُك يا آدَم وَلَكِنْ اذْهَبْ فإن لي بَيْتًا بِمَكَّةَ فائته ( ( ( فأته ) ) ) فَافْعَلْ حَوْلَهُ نحو ما رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَفْعَلُونَ حَوْلَ عَرْشِي فَأَقْبَلَ يَتَخَطَّى مَوْضِعَ كل قَدَمِ قَرْيَةٍ وما بَيْنَهُمَا مَفَازَةٌ فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّدْمِ فَقَالُوا بَرَّ حَجَّكَ يا آدَم لقد حَجَجْنَا هذا الْبَيْتَ قَبْلَك بِأَلْفَيْ عَامٍ
أخبرنا أبن عُيَيْنَةَ عن بن أبي لَبِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أو غَيْرِهِ قال حَجَّ آدَم فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فقالت بَرَّ نُسُكُكَ يا آدَم لقد حَجَجْنَا قَبْلَك بِأَلْفَيْ عَامٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كما قال وَرَوَى عن أبي سَلَمَةَ وَسُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ كان يَشُكُّ في إسْنَادِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُحْكَى أَنَّ النَّبِيِّينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فإذا أَتَوْا الْحَرَمَ مَشَوْا إعْظَامًا له وَمَشَوْا حُفَاةً ولم يَحْكِ لنا عن أَحَدٍ من النَّبِيِّينَ وَلَا الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ أَنَّهُ جاء أَحَدٌ الْبَيْتَ قَطُّ إلَّا حَرَامًا ولم يَدْخُلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَكَّةَ عَلِمْنَاهُ إلَّا حَرَامًا إلَّا في حَرْبِ الْفَتْحِ فَبِهَذَا قُلْنَا إنَّ سُنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى في عِبَادِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَرَمُ إلَّا حَرَامًا وَبِأَنَّ من سَمِعْنَاهُ من عُلَمَائِنَا قالوا فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْبَيْتَ يَأْتِيه مُحْرِمًا بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ ( قال ) وَلَا أَحْسَبُهُمْ قَالُوهُ إلَّا بِمَا وَصَفْت وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ وَجْهَ دُخُولِ الْحَرَمِ فقال { لقد صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمَنِينَ مُحَلِّقِينَ رؤوسكم ( ( ( رءوسكم ) ) ) وَمُقَصِّرِينَ } قال فَدَلَّ على وَجْهِ دُخُولِهِ لِلنُّسُكِ وفي الْأَمْنِ وَعَلَى رُخْصَةِ اللَّهِ في الْحَرْبِ وَعَفْوِهِ فيه عن النُّسُكِ وَأَنَّ فيه دَلَالَةً على الْفَرْقِ بين من يَدْخُلُ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا من الْبُلْدَان وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْبُلْدَان تَسْتَوِي لِأَنَّهَا لَا تُدْخَلُ بِإِحْرَامٍ وَإِنَّ مَكَّةَ تَنْفَرِدُ بِأَنَّ من دَخَلَهَا مُنْتَابًا لها لم يَدْخُلْهَا إلَّا بِإِحْرَامٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إلَّا أَنَّ من أَصْحَابِنَا من رَخَّصَ لِلْحَطَّابِينَ وَمِنْ مَدْخَلِهِ إيَّاهَا لِمَنَافِعِ أَهْلِهَا وَالْكَسْبِ لِنَفْسِهِ وَرَأَيْت أَحْسَنَ ما يُحْمَلُ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَسَمِعْت بَعْضَ من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بهذا إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ وَقَفَ على الْمَقَامِ فَصَاحَ صَيْحَةً عِبَادَ اللَّهِ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فَاسْتَجَابَ له حتى من في أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدَ دَعْوَتِهِ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ ووافاه ( ( ( ووقاه ) ) ) من وَافَاهُ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ دَاعِي رَبِّنَا لَبَّيْكَ وقال اللَّهُ عز وجل { وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } الْآيَةَ فَكَانَ ذلك دَلَالَةُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فِينَا وفي الْأُمَمِ على أَنَّ الناس مَنْدُوبُونَ إلَى إتْيَانِ الْبَيْتِ بِإِحْرَامٍ وقال اللَّهُ عز وجل { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } وقال { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من الناس تَهْوِي إلَيْهِمْ }

(2/141)


هذا الْقَوْلُ إلَى أَنَّ انْتِيَابَ هَؤُلَاءِ مَكَّةَ انْتِيَابُ كَسْبٍ لَا انْتِيَابُ تَبَرُّرٍ وَأَنَّ ذلك مُتَتَابِعٌ كَثِيرٌ مُتَّصِلٌ فَكَانُوا يُشْبِهُونَ الْمُقِيمِينَ فيها وَلَعَلَّ حَطَّابِيهِمْ كَانُوا مَمَالِيكَ غير مَأْذُونٍ لهم بِالتَّشَاغُلِ بِالنُّسُكِ فإذا كان فَرْضُ الْحَجِّ على الْمَمْلُوكِ سَاقِطًا سَقَطَ عنه ما ليس بِفَرْضٍ من النُّسُكِ فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَفِيهِمْ هذا الْمَعْنَى الذي ليس في غَيْرِهِمْ مِثْلُهُ وَإِنْ كانت الرُّخْصَةُ لهم لِمَعْنَى أَنَّ قَصْدَهُمْ في دُخُولِ مَكَّةَ ليس قَصْدَ النُّسُكِ وَلَا التَّبَرُّرَ وَأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ أَنَّ دُخُولَهُمْ شَبِيهٌ بِالدَّائِمِ فَمَنْ كان هَكَذَا كانت له الرُّخْصَةُ فَأَمَّا الْمَرْءُ يأتى أَهْلَهُ بِمَكَّةَ من سَفَرٍ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَنَّهُ ليس في وَاحِدٍ من الْمَعْنِيِّينَ فَأَمَّا الْبَرِيدُ يَأْتِي بِرِسَالَةٍ أو زَوْرِ أَهْلِهِ وَلَيْسَ بِدَائِمِ الدُّخُولِ فَلَوْ اسْتَأْذَنَ فَدَخَلَ مُحْرِمًا كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفِيهِ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ عنه ذلك وَمَنْ دخل مَكَّةَ خَائِفًا الْحَرْبَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنْ قال وَأَيْنَ قِيلَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } فَأَذِنَ لِلْمُحْرِمِينَ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ أَنْ يَحِلُّوا لِخَوْفِ الْحَرْبِ فَكَانَ من لم يُحْرِمْ أَوْلَى إنْ خَافَ الْحَرْبَ أَنْ لَا يُحْرِمَ من مُحْرِمٍ يَخْرُجُ من إحْرَامِهِ وَدَخَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ غير مُحْرِمٍ لِلْحَرْبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ عليه إذَا دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِعَدُوٍّ وَحَرْبٍ أَنْ يَقْضِيَ إحْرَامَهُ قِيلَ لَا إنَّمَا يَقْضِي ما وَجَبَ بِكُلِّ وَجْهٍ فَاسِدٍ أو تَرَكَ فلم يُعْمَلْ فَأَمَّا دُخُولُهُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فلما كان أَصْلُهُ أَنَّ من شَاءَ لم يَدْخُلْهَا إذَا قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ كان أَصْلُهُ غير فرض ( ( ( قرض ) ) ) فلما دَخَلَهَا مُحِلًّا فَتَرَكَهُ كان تَارِكًا لِفَضْلٍ وَأَمْرٍ لم يَكُنْ أَصْلُهُ فَرْضًا بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَقْضِيهِ فَأَمَّا إذَا كان فَرْضًا عليه إتْيَانُهَا لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أو نَذْرٍ نَذَرَهُ فَتَرَكَهُ إيَّاهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَهُ أو يُقْضَى عنه بَعْدَ مَوْتِهِ أو في بُلُوغِ الْوَقْتِ الذي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ فيه على الْمَرْكَبِ وَيَجُوزُ عِنْدِي لِمَنْ دَخَلَهَا خَائِفًا من سُلْطَانٍ أو أَمْرٍ لَا يَقْدِرُ على دَفْعِهِ تَرَكَ الْإِحْرَامَ إذَا خَافَهُ في الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَإِنْ لم يَخَفْهُ فِيهِمَا لم يَجُزْ له وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ الْمَدَنِيِّينَ من قال لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ بن عُمَرَ دخل مَكَّةَ غير مُحْرِمٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَاحِدٌ وَمَنْ قَرَنَ أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يُدْخِلَ عليها حَجَّةً فَذَلِكَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فإذا افْتَتَحَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ دخل في الْعَمَلِ الذي يُخْرِجُهُ من الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَدْخُلَ في إحْرَامٍ ولم يَسْتَكْمِلْ الْخُرُوجَ من إحْرَامٍ قَبْلَهُ فَلَا يُدْخِلُ إحْرَامًا على إحْرَامٍ ليس مُقِيمًا عليه وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ فإذا أَخَذَ في الطَّوَافِ فَأَدْخَلَ عليه الْحَجَّ لم يَكُنْ بِهِ مُحْرِمًا ولم يَكُنْ عليه قَضَاؤُهُ وَلَا فِدْيَةٌ لِتَرْكِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ كان له أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عليها حَجًّا قِيلَ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ من إحْرَامِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ في صَلَاةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وبن عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ وَمَعَهُ ما وَصَفْنَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَخَلَهَا عَامَ الْفَتْحِ غير مُحْرِمٍ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَخَلَهَا كما وَصَفْنَا مُحَارِبًا فَإِنْ قال أَقِيسُ على مَدْخَلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ له أَفَتَقِيسُ على أحصار النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحَرْبِ فَإِنْ قال لَا لِأَنَّ الْحَرْبَ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا قِيلَ وَهَكَذَا افْعَلْ في الْحَرْبِ حَيْثُ كانت لَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا في مَوْضِعٍ وَتَجْمَعْ بَيْنَهُمَا في آخَرَ - * بَابُ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ مع الْحَجِّ - *

(2/142)


وَلَا صَوْمٍ وَقِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ أَهَلَّتْ عَائِشَةُ وَأَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقَضَاءُ فَأَمَرَ من لم يَكُنْ معه هدى أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً فَكَانَتْ مُعْتَمِرَةً بِأَنْ لم يَكُنْ مَعَهَا هدى فلما حَالَ الْمَحِيضُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِحْلَالِ من عُمْرَتِهَا وَرَهِقَهَا الْحَجُّ أَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُدْخِلَ عليها الْحَجَّ فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ قَارِنَةً فَبِهَذَا قُلْنَا يُدْخِلُ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ ما لم يَفْتَتِحْ الطَّوَافَ وَذَكَرْت له قِرَانَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فإذا قال جَائِزٌ قِيلَ أَفَيَجُوزُ هذا في صَلَاتَيْنِ أَنْ تُقْرَنَا أو في صَوْمَيْنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ بين ما تُفَرِّقُ أنت بَيْنَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ إذَا كانت السُّنَّةُ أَنَّهُمَا نُسُكَانِ يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا في الْآخَرِ وَيَفْتَرِقَانِ في أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا زَادَ إحْرَامًا أَكْثَرَ من إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فإذا أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ زَادَ إحْرَامًا أَقَلَّ من إحْرَامِ الْحَجِّ وَهَذَا وَإِنْ كان كما وَصَفْت فَلَيْسَ بِفَرْقٍ يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا على الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُقَاسُ ما هو أَبْعَدُ منه وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً في الْفَرْقِ بين هذا إلَّا ما وَصَفْت من أَنَّهُ الذي أَحْفَظُ عَمَّنْ سَمِعْت عنه مِمَّنْ لَقِيت وقد يُرْوَى عن بَعْضِ التَّابِعِينَ وَلَا أَدْرِي هل يَثْبُتُ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه شَيْءٌ أَمْ لَا فإنه قد روى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَلَيْسَ يَثْبُتُ وَمَنْ رَأَى أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَمِرًا فَلَا يجزئ عنه من عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا هدى عليه وَلَا شَيْءَ لِتَرْكِهَا وَمَنْ رأي له أَنْ يُدْخِلَ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ رأي أَنْ يجزئ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وإذا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى الْحَجِّ أَنْشَأَ الْحَجَّ من مَكَّةَ وإذا أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَرَادَ الْعُمْرَةَ أَنْشَأَ الْعُمْرَةَ من أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إذَا خَرَجَ من الْحَرَمِ وقد أَجِدُهُمَا إذَا أَقَامَ عَامَهُمَا بِمَكَّةَ أَهَلَّ كَإِهْلَالِ أَهْلِ الْآفَاقِ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى مَوَاقِيتِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت قِيلَ أَهَلَّ عَامَّةُ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم معه بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَمَرَهُمْ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ إذَا تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى من مَكَّةَ فَكَانَتْ الْعُمْرَةُ إذَا حَجَّ قَبْلَهَا قِيَاسًا على هذا ولم أَعْلَمْ في هذا خِلَافًا من أَحَدٍ حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيته فَإِنْ قال قَائِلٌ قد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدَ الرحمن بن أبي بَكْرٍ يُعْمِرُ عَائِشَةَ من التَّنْعِيمِ فَعَائِشَةُ كان إحْرَامُهَا عُمْرَةً فَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ من مكه وَعُمْرَتُهَا من التَّنْعِيمِ نَافِلَةٌ فَلَيْسَتْ في هذا حُجَّةٌ عِنْدَنَا لِمَا وَصَفْنَا وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ من خَارِجِ الْحَرَمِ فَذَلِكَ مجزيء ( ( ( مجزئ ) ) ) عنه فَإِنْ لم يَكُنْ دخل قَبْلَهَا بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَكَانَتْ عُمْرَتَهُ الْوَاجِبَةَ رَجَعَ إلَى مِيقَاتِهِ وهو مُحْرِمٌ في رُجُوعِهِ ذلك وَلَا شَيْءَ عليه إذَا جاء مِيقَاتُهُ مُحْرِمًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ أَهَرَاقَ دَمًا فَكَانَتْ عُمْرَتُهُ الْوَاجِبَةُ عليه مُجَزِّئَةً عنه وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ من مَكَّةَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا لم يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لم يَكُنْ حَلَالًا وكان عليه أَنْ يَخْرُجَ فَيُلَبِّيَ بِتِلْكَ الْعُمْرَةِ خَارِجًا من الْحَرَمِ ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَلَا شَيْءَ عليه إنْ لم يَكُنْ حَلَقَ وَإِنْ كان حَلَقَ أَهَرَاقَ دَمًا وَإِنْ كان أَصَابَ النِّسَاءَ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِعُمْرَتِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُلَبِّيَ خَارِجًا من الْحَرَمِ ثُمَّ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرَ أو يَحْلِقَ وَيَنْحَرَ بَدَنَةً ثُمَّ يقضى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ عليه عُمْرَةً فإن أَكْثَرَ من لَقِيتُ وَحَفِظْتُ عنه يقول ليس ذلك له وإذا لم يَكُنْ ذلك له فَلَا شَيْءَ عليه في تَرْكِ الْعُمْرَةِ من قَضَاءٍ وَلَا فِدْيَةٍ

(2/143)


هذه الْعُمْرَةَ إذَا أَفْسَدَهَا بِعُمْرَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَإِنَّمَا خُرُوجُهُ من الْحَرَمِ لِهَذِهِ الْعُمْرَةِ الْمُفْسِدَةِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ هذه عُمْرَةٌ وَيُهْرِيقُ دَمًا لها وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنَّهُ لو أَهَلَّ بِحَجٍّ من مَكَّةَ ولم يَكُنْ دخل مَكَّةَ مُحْرِمًا ولم يَرْجِعْ إلَى مِيقَاتِهِ أَهَرَاقَ دَمًا لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ وَأَجْزَأَتْ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ الْحَجُّ من مَكَّةَ لِأَنَّ عِمَادَ الْحَجِّ في غَيْرِ الْحَرَمِ وَذَلِكَ عَرَفَةُ وَجَمِيعُ عَمَلِ الْعُمْرَةِ سِوَى الْوَقْتِ في الْحَرَمِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يبتدأ ( ( ( يبتدئ ) ) ) من مَوْضِعِ مُنْتَهَى عَمَلِهَا وَعِمَادِهِ وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ من مِيقَاتِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ أو يُقِيمَ بِمَوْضِعِهِ وَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَلَكِنْ أُحِبُّ له أَنْ يَمْضِيَ لِوَجْهِهِ فَيَقْصِدَ قَصْدَ نُسُكِهِ ( قال ) وَكَذَلِكَ أَكْرَهُ له أَنْ يَسْلُكَ غير طريقه مِمَّا هو أَبْعَدُ منها لِغَيْرِ أَمْرٍ يَنُوبُهُ أو رِفْقٍ بِهِ فَإِنْ نَابَهُ أَمْرٌ أو كانت طَرِيقٌ أَرْفَقَ من طَرِيقٍ فَلَا أَكْرَهُ ذلك له وَلَا فِدْيَةَ في أَنْ يَعْرُجَ وأن كان لِغَيْرِ عُذْرٍ وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ في سَنَةٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ أو في بَلَدِهِ أو في طَرِيقٍ سَنَةً أو سَنَتَيْنِ كان على إحْرَامِهِ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَكَانَتْ هذه الْعُمْرَةُ مجزئه عنه لِأَنَّ وَقْتَ الْعُمْرَةِ في جَمِيعِ السَّنَةِ وَلَيْسَتْ كَالْحَجِّ الذي إذَا فَاتَ في عامة ذلك لم يَكُنْ له الْمُقَامُ على إحْرَامِهِ وَخَرَجَ منه وَقَضَاهُ وَأَكْرَهُ هذا له للتغرير ( ( ( للتعزير ) ) ) بِإِحْرَامِهِ وَلَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفِيقًا ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ طَافَ مُفِيقًا أَجْزَأَتْ عنه وَعِمَادُ الْعُمْرَةِ الْإِهْلَالُ وَالطَّوَافُ وَلَا يَضُرُّ الْمُعْتَمِرَ ما بَيْنَهُمَا من ذَهَابِ عَقْلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له الْحُجَّةُ في هذا أَنَّا لم نَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُهِلَّ قبل أَنْ يأتى مِيقَاتُهُ وَلَا في أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْإِهْلَالَ من مِيقَاتِهِ ولم يَرْجِعْ إلَيْهِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ وقال أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُهْرِيقُ دَمًا وقال أَقَلُّهُمْ لَا شَيْءَ عليه وَحَجُّهُ مجزيء ( ( ( مجزئ ) ) ) عنه وَمِنْ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ فيه أَنْ قالوا في التَّارِكِ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى وَتَارِكِ مُزْدَلِفَةَ يُهْرِيقُ دَمًا وَقُلْنَا في الْجِمَارِ يَدَعُهَا يُهَرِيق دَمًا فَجَعَلْنَا وَجَعَلُوا الْإِبْدَالَ في أَشْيَاءَ من عَمَلِ الْحَجِّ دَمًا ( قال ) واذا جَاوَزَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتًا أتى عليه يُرِيدُ حَجًّا أو عُمْرَةً ثُمَّ أَهَلَّ دُونَهُ فَمِثْلُ غَيْرِهِ يَرْجِعُ أو يُهْرِيقُ دَمًا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ قُلْت هذا في الْمَكِّيِّ وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ عليه دَمَ الْمُتْعَةِ قِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { ذلك لِمَنْ لم يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَائِلٌ لِمَ جَعَلْتَ على من جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غير مُحْرِمٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إنْ لم يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ قُلْت له لَمَّا أُمِرَ في حَجِّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا من مِيقَاتِهِ وكان في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا بين مِيقَاتِهِ وَالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَلَا يَكُونُ عليه في ابْتِدَائِهِ الْإِحْرَامَ من أَهْلِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا قُلْت له ارْجِعْ حتى تَكُونَ مُهِلًّا في الْمَوْضِعِ الذي أُمِرْت أَنْ تَكُونَ مُهِلًّا بِهِ على الِابْتِدَاءِ وَإِنَّمَا قُلْنَاهُ مع قَوْلِ بن عَبَّاسٍ لِمَا يُشْبِهُ من دَلَالَةِ السُّنَّةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت إنْ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ لِخَوْفِ فَوْتٍ وَلَا غَيْرِ عُذْرٍ بِذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ أَهَرَاقَ دَمًا عليه قُلْت له لَمَّا جَاوَزَ ما وَقَّتَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَرَكَ أَنْ يأتى بِكَمَالِ ما عليه أَمَرْنَاهُ أَنْ يأتى بِالْبَدَلِ مِمَّا تَرَكَ فَإِنْ قال فَكَيْفَ جَعَلْت الْبَدَلَ من تَرْكِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ في عَمَلٍ يُجَاوِزُهُ وَمُجَاوَزَتُهُ الشَّيْءَ ليس له ثُمَّ جَعَلْت الْبَدَلَ منه دَمًا يُهْرِيقُهُ وَأَنْتَ إنَّمَا تَجْعَلُ الْبَدَلَ في غَيْرِ الْحَجِّ شيئا عليه فَتَجْعَلُ الصَّوْمَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةَ بِالصَّلَاةِ قُلْت إنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مُخَالِفَانِ الْحَجَّ مُخْتَلِفَانِ في أَنْفُسِهِمَا قال فأني اخْتِلَافُهُمَا قُلْت يَفْسُدُ الْحَجُّ فيمضى فيه ويأتى بِبَدَنَةِ وَالْبَدَلِ وَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ فيأتى بِالْبَدَلِ وَلَا يَكُونُ عليه كَفَّارَةٌ وَيَفُوتُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وهو مُحْرِمٌ فَيَخْرُجُ من الْحَجِّ بِطَوَافٍ وسعى وَيُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ في وَقْتٍ فَيَخْرُجُ الْوَقْتُ فَلَا يَخْرُجُ منها وَيَفُوتُهُ الْحَجُّ فَلَا يَقْضِيه إلَّا في مِثْلِ يَوْمِهِ من سَنَتِهِ وَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَيَقْضِيهَا إذَا ذَكَرَهَا من سَاعَتِهِ وَيَفُوتُهُ الصَّوْمُ فَيَقْضِيه من غَدٍ وَيُفْسِدُهُ عِنْدَنَا عِنْدَك بِقَيْءٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ عليه كَفَّارَةٌ وَيَعُودُ له وَيُفْسِدُهُ بِجِمَاعٍ فَيَجِبُ عليه عِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ وَجَدَهُ وَبَدَلٌ مع اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا سِوَى ما سَمَّيْنَا فَكَيْفَ تَجْمَعُ بين الْمُخْتَلِفِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ

(2/144)


- * بَابُ الْغُسْلِ للاهلال - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ وَحَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه قال حدثنا جَابِرُ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وهو يحدث عن حَجَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فلما كنا بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْغُسْلِ وَالْإِحْرَامِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ من أَهْلِ أُفُقٍ فَخَرَجَتَا طَاهِرَتَيْنِ فَحَدَثَ لَهُمَا نِفَاسٌ أو حَيْضٌ أو كَانَتَا نَفْسَاوَيْنِ أو حَائِضَيْنِ بِمِصْرِهِمَا فَجَاءَ وَقْتُ حَجِّهِمَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَا مُحْرِمَتَيْنِ بِتِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ قَدَرَتَا إذَا جَاءَتَا مِيقَاتَهُمَا أَنْ تَغْتَسِلَا فَعَلَتَا وَإِنْ لم تَقْدِرَا وَلَا الرَّجُلُ على مَاءٍ أَحْبَبْت لهم أَنْ يَتَيَمَّمُوا مَعًا ثُمَّ يُهِلُّوا بِالْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ وَلَا أُحِبُّ لِلنُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ أَنْ تُقَدِّمَا إحْرَامَهُمَا قبل مِيقَاتِهِمَا وَكَذَلِكَ إنْ كان بَلَدُهُمَا قَرِيبًا آمِنًا وَعَلَيْهِمَا من الزَّمَانِ ما يُمْكِنُ فيه طَهُورُهُمَا وَإِدْرَاكُهُمَا الْحَجَّ بِلَا مُفَاوَتَةٍ وَلَا عِلَّةٍ أَحْبَبْت اسْتِئْخَارَهُمَا لِتُطَهِّرَهَا فَتُهِلَّا طَاهِرَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا من دُونِ الْمَوَاقِيتِ أو من أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا مُقِيمَتَيْنِ بِمَكَّةَ لم تَدْخُلَاهَا مُحْرِمَتَيْنِ فَأَمَرَتْهُمَا بِالْخُرُوجِ إلَى مِيقَاتِهِمَا بِحَجٍّ أَحْبَبْت إذَا كان عَلَيْهِمَا وَقْتٌ أَنْ لَا تَخْرُجَا إلَّا طَاهِرَتَيْنِ أو قُرْبٍ تَطَهُّرِهِمَا لِتُهِلَّا من الْمِيقَاتِ طَاهِرَتَيْنِ وَلَوْ أَقَامَتَا بِالْمِيقَاتِ حتى تَطْهُرَا كان أَحَبَّ إلى وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَتْهُمَا بِالْخُرُوجِ لِعُمْرَةٍ قبل الْحَجِّ وَعَلَيْهِمَا ما لَا يَفُوتُهُمَا معه الْحَجُّ أو من أَهْلِهَا أَحْبَبْت لَهُمَا أَنْ تُهِلَّا طَاهِرَتَيْنِ وَإِنْ أَهَلَّتَا في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مُبْتَدِئَتَيْ وَغَيْرَ مُبْتَدِئَتَيْ سَفَرٍ غير طَاهِرَتَيْنِ أَجْزَأَ عنهما وَلَا فِدْيَةَ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكُلُّ ما عَمِلَتْهُ الْحَائِضُ من عَمَلِ الْحَجِّ عَمِلَهُ الرَّجُلُ جُنُبًا وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ لَا يَعْمَلَهُ كُلَّهُ إلَّا طَاهِرًا وَكُلُّ عَمَلِ الْحَجِّ تَعْمَلُهُ الْحَائِضُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ من الرِّجَالِ إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالصَّلَاةَ فَقَطْ - * بَابُ الْغُسْلِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن إبْرَاهِيمَ بن عبد اللَّهِ بن حُنَيْنٍ عن أبيه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فقال عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وقال الْمِسْوَرُ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَأَرْسَلَنِي بن عَبَّاسٍ إلَى أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ بين الْقَرْنَيْنِ وهو يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ قال فَسَلَّمْت فقال من هذا فَقُلْت أنا عبد اللَّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْك بن عَبَّاسٍ أَسْأَلُك كَيْفَ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِمٌ قال فَوَضَعَ أبو أَيُّوبَ يَدَيْهِ على الثَّوْبِ فَطَأْطَأَ حتى بَدَا لي رَأْسُهُ ثُمَّ قال لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِهْلَالِ لِلرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَكُلِّ من أَرَادَ الْإِهْلَالَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَمَعْقُولٌ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا دخل الْمَرْءُ في نُسُكٍ لم يَكُنْ له فيه أَنْ يَدْخُلَهُ إلَّا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَةِ وَأَنْ يَتَنَظَّفَ له لِامْتِنَاعِهِ من إحْدَاثِ الطِّيبِ في الْإِحْرَامِ وإذا اخْتَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِامْرَأَةٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ لَا يُطَهِّرُهَا الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ فَاخْتَارَ لها الْغُسْلَ كان من يُطَهِّرُهُ الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ أَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ له أو في مِثْلِ مَعْنَاهُ أو أَكْثَر منه وإذا ( ( ( وإذ ) ) ) أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْمَاءَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ وَهِيَ في الْحَالِ التي أَمَرَهَا أَنْ تُهِلَّ فيها مِمَّنْ لَا تَحِلُّ له الصَّلَاةُ فَلَوْ أَحْرَمَ من لم يَغْتَسِلْ من جُنُبٍ أو غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ أو حَائِضٌ أو نُفَسَاءِ أَجْزَأَ عنه الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ إذَا كان يَدْخُلُ في الْإِحْرَامِ وَالدَّاخِلُ فيه مِمَّنْ لَا تَحِلُّ له الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ جَازَ أَنْ يُدْخِلَ فيه كُلَّ من لَا تَحِلُّ له الصَّلَاةُ من الْمُسْلِمِينَ في وَقْتِهِ الذي دخل فيه وَلَا يَكُونُ عليه فيه فِدْيَةٌ وَإِنْ كُنْت أَكْرَهُ ذلك له وَأَخْتَارُ له الْغُسْلَ وما تَرَكْت الْغُسْلَ للاهلال قط وَلَقَدْ كُنْت أَغْتَسِلُ له مَرِيضًا في السَّفَرِ وَإِنِّي أَخَافُ ضَرَرَ الْمَاءِ وما صَحِبْت أَحَدًا أقتدى بِهِ فَرَأَيْته تَرَكَهُ وَلَا رَأَيْت منهم أَحَدًا عَدَا بِهِ أَنْ رَآهُ اخْتِيَارًا

(2/145)


اُصْبُبْ فَصَبَّ على رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بيده فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قال هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَفْعَلُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بن يَعْلَى أخبره عن أبيه يَعْلَى بن أُمَيَّةَ أَنَّهُ قال بينا ( ( ( بينما ) ) ) عُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَغْتَسِلُ إلَى بَعِيرٍ وأنا أَسْتُرُ عليه بِثَوْبٍ إذْ قال عُمَرُ يا يعلي اُصْبُبْ على رَأْسِي فَقُلْت أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَاَللَّهِ لَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شُعْثًا فَسَمَّى اللَّهَ ثُمَّ أَفَاضَ على رَأْسِهِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا تَمَاقَلُوا بين يَدَيْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وهو بِسَاحِلٍ من السَّوَاحِلِ وَعُمَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ فلم يُنْكِرْهُ عليهم
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قال رُبَّمَا قال لي عُمَرُ بن الْخَطَّابِ تَعَالَ أُبَاقِيَك في الْمَاءِ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال الْجُنُبُ الْمُحْرِمُ وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ إذَا اغْتَسَلَ ذلك ( ( ( دلك ) ) ) جِلْدَهُ إنْ شَاءَ ولم يُدَلِّكْ رَأْسَهُ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له لِمَ يُدَلِّكْ جِلْدَهُ إنْ شَاءَ وَلَا يُدَلِّكُ رَأْسَهُ قال من أَجْلِ أَنَّهُ يَبْدُو له من جِلْدِهِ ما لَا يَبْدُو له من رَأْسِهِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن نَافِعٍ عن أَسْلَمَ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال تَمَاقَلَ عَاصِمُ بن عُمَرَ وَعَبْدُ الرحمن بن زَيْدٍ وَهُمَا مُحْرِمَانِ وَعُمَرُ يَنْظُرُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ دُخُولَ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ وَالْغُسْلُ مُبَاحٌ لِمَعْنَيَيْنِ لِلطَّهَارَةِ وَالتَّنْظِيفِ وَكَذَلِكَ هو في الْحَمَّامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُدَلِّكُ الْوَسَخَ عنه في حَمَّامٍ كان أو غَيْرِهِ وَلَيْسَ في الْوَسَخِ نُسُكٌ وَلَا أَمْرٌ نهى عنه وَلَا أَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُدْخِلَ رَأْسَهُ في مَاءٍ سُخْنٍ وَلَا بَارِدٍ جَارٍ وَلَا ناقع ( ( ( نافع ) ) ) - * بَابُ الْمَوْضِعِ الذي يُسْتَحَبُّ فيه الْغُسْلُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ لِلدُّخُولِ في الْإِهْلَالِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَلِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ سِوَى يَوْمِ النَّحْرِ وَأَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ بين هذا عِنْدَ تَغَيُّرِ الْبَدَنِ بِالْعَرَقِ وَغَيْرِهِ تَنْظِيفًا لِلْبَدَنِ وَكَذَلِكَ أُحِبُّهُ لِلْحَائِضِ وَلَيْسَ من هذا وَاحِدٌ وَاجِبٌ وروي
عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ بن أبي فَرْوَةَ عن عُثْمَانَ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَاتَ بِذِي طُوًى حتى صلى الصُّبْحَ ثُمَّ اغْتَسَلَ بها وَدَخَلَ مَكَّةَ وَرَوَى عن أُمِّ هَانِئٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَيَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ من غَيْرِ جَنَابَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَيُدَلِّكُ جَسَدَهُ بِالْمَاءِ وما تَغَيَّرَ من جَمِيعِ جَسَدِهِ لِيُنَقِّيَهُ وَيُذْهِبَ تَغَيُّرَهُ بِالْمَاءِ وإذا غَسَلَ رَأْسَهُ أَفْرَغَ عليه الْمَاءَ إفْرَاغًا وَأَحَبُّ إلى إنْ لم يَغْسِلْهُ من جَنَابَةٍ أَنْ لَا يُحَرِّكُهُ بِيَدَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ في ذلك ضِيقٌ وإذا غَسَلَهُ من جَنَابَةٍ أَحْبَبْت أَنْ يَغْسِلَهُ بِبُطُونِ أَنَامِلِهِ وَيَدَيْهِ وَيُزَايِلُ شَعْرَهُ مُزَايَلَةً رَفِيقَةً وَيُشْرِبُ الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِهِ وَلَا يَحُكَّهُ بِأَظْفَارِهِ وَيَتَوَقَّى أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا فَإِنْ حَرَّكَهُ تَحْرِيكًا خَفِيفًا أو شَدِيدًا فَخَرَجَ في يَدَيْهِ من الشَّعْرِ شَيْءٌ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَلَا يَجِبُ عليه أَنْ يَفْدِيَهُ حتى يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ قَطَعَهُ أو نَتَفَهُ بِفِعْلِهِ وَكَذَلِكَ ذلك في لِحْيَتِهِ لِأَنَّ الشَّعْرَ قد يُنْتَتَفُ وَيَتَعَلَّقُ بين الشَّعْرِ فإذا مَسَّ أو حَرَّكَ خَرَجَ الْمُنْتَتَفُ منه وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِسِدْرٍ وَلَا خِطْمِيٍّ لِأَنَّ ذلك برجله ( ( ( يرجله ) ) ) فَإِنْ فَعَلَ أَحْبَبْت لو افْتَدَى وَلَا أَعْلَمُ ذلك وَاجِبًا وَلَا يُغَطِّسُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ في الْمَاءِ إذَا كان قد لَبَّدَهُ مِرَارًا لِيَلِينَ عليه وَيُدَلِّكُ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ دَلْكًا شَدِيدًا إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ليس في بَدَنِهِ من الشَّعْرِ ما يَتَوَقَّى كما يتوقاه ( ( ( يتوفاه ) ) ) في رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَإِنْ قَطَعَ من الشَّعْرِ شيئا من دَلْكِهِ إيَّاهُ فَدَاهُ - * بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ الْحَمَّامَ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال

(2/146)


بِنْتِ أبي طَالِبٍ وَرَوَى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عليا ( ( ( علي ) ) ) بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه كان يَغْتَسِلُ بِمَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ حين يَقْدَمُ قبل أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَرَوَى عن صَالِحِ بن مُحَمَّدِ بن رائدة ( ( ( زائدة ) ) ) عن أُمِّ ذَرَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تعالى عنها كانت تَغْتَسِلُ بِذِي طُوًى حين تَقْدَمُ مَكَّةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا خَرَجَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا لم يَدْخُلْ مَكَّةَ حتى يَغْتَسِلَ وَيَأْمُرَ من معه فَيَغْتَسِلُوا - * بَابُ ما يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ من الثِّيَابِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سمع عَمْرَو بن دِينَارٍ يقول سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بن زَيْدٍ يقول سَمِعْت بن عَبَّاسٍ يقول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْطُبُ وهو يقول إذَا لم يَجِدْ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وإذا لم يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَجُلَا أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهُ ما يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ من الثِّيَابِ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَإِنْ لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حتى يَكُونَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ من الثِّيَابِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أو وَرْسٍ وقال من لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) اسْتَثْنَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْنِ وَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا تَقْطَعُ الْمَرْأَةُ الْخُفَّيْنِ وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارَ وَالدِّرْعَ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَضَرُورَةِ الرَّجُلِ وَلَيْسَتْ في هذا كَالرَّجُلِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال في كِتَابِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه من لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا قُلْت أَتَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ كِتَابُ عَلِيٍّ قال ما أَشُكُّ أَنَّهُ كِتَابُهُ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ لم يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ فَهُمَا سَوَاءٌ غير أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ من السَّرَاوِيلِ شيئا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَأْمُرْ بِقَطْعِهِ وَأَيَّهُمَا لَبِسَ ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ ذلك نَعْلَيْنِ لَبِسَ النَّعْلَيْنِ وَأَلْقَى الْخُفَّيْنِ وَإِنْ وَجَدَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ إزَارًا لَبِسَ الْإِزَارَ وَأَلْقَى السَّرَاوِيلَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ افْتَدَى
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ أنها كانت تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشْبَعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ ليس فيها زَعْفَرَانٌ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ قال أَبْصَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ علي عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجَيْنِ وهو مُحْرِمٌ فقال ما هذه الثِّيَابُ فقال عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه ما إخال أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ فَسَكَتَ عُمَرُ - * بَابُ ما تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ من الثِّيَابِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول لَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ ثِيَابَ الطِّيبِ وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَلَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يفتى النِّسَاءَ إذَا أَحْرَمْنَ أَنْ يَقْطَعْنَ الْخُفَّيْنِ حتى أَخْبَرَتْهُ صَفِيَّةُ عن عَائِشَةَ أنها كانت تُفْتِي النِّسَاءَ أَنْ لَا يَقْطَعْنَ فَانْتَهَى عنه

(2/147)


وَلَيْسَ فيه فَلْيَقْطَعْهُمَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال من لم يَكُنْ له إزَارٌ وَلَهُ تُبَّانٌ أو سَرَاوِيلُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قال سَعِيدُ بن سَالِمٍ لَا يُقْطَعُ الْخُفَّانِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَى أَنْ يُقْطَعَا لِأَنَّ ذلك في حديث بن عُمَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ في حديث بن عَبَّاسٍ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ حَافِظٌ وَلَيْسَ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ شيئا لم يُؤَدِّهِ الْآخَرُ إمَّا عَزَبَ عنه وَإِمَّا شَكَّ فيه فلم يُؤَدِّهِ وَإِمَّا سَكَتَ عنه وَإِمَّا أَدَّاهُ فلم يُؤَدِّ عنه لِبَعْضِ هذه الْمَعَانِي اخْتِلَافًا وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ إلَّا ما بَيَّنَّا أَنَّا تدعه ( ( ( ندعه ) ) ) وَالسُّنَّةُ ثُمَّ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ تَدُلُّ على أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ الْمُحْرِمَيْنِ يَجْتَمِعَانِ في اللُّبْسِ وَيَفْتَرِقَانِ فَأَمَّا ما يَجْتَمِعَانِ فيه فَلَا يَلْبَسُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ وإذا لم يَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ لِأَنَّهُمَا طِيبٌ فَصَبْغُ الثَّوْبِ بِمَاءِ الْوَرْدِ أو الْمِسْكِ أو الْعَنْبَرِ أو غَيْرِ ذلك من الطِّيبِ الذي هو أَطْيَبُ من الْوَرْسِ أو مِثْلِهِ أو ما يُعَدُّ طِيبًا كان أَوْلَى أَنْ لَا يَلْبَسَانِهِ كان ذلك مِمَّا له لَوْنٌ في الثَّوْبِ أو لم يَكُنْ له إذَا كانت له رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ تُوجَدُ وَالثَّوْبُ جَافٌّ أو رَطْبٌ وَلَوْ أَخَذَ مَاءَ وَرْدٍ فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا فَكَانَ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ منه وَالثَّوْبُ جَافٌّ أو مَبْلُولٌ لِأَنَّهُ أَثَرٌ طَيِّبٌ في الثَّوْبِ لم يَلْبَسْهُ الْمُحْرِمَانِ وَكَذَلِكَ لو صَعِدَ له زَعْفَرَانٌ حتى يَبْيَضَّ لم يَلْبَسْهُ الْمُحْرِمَانِ وَكَذَلِكَ لو غُمِسَ في نُضُوحٍ أو ضِيَاعٍ أو غَيْرِ ذلك وَكَذَلِكَ لو عَصَرَ له الرَّيْحَانَ الْعَرَبِيَّ أو الْفَارِسِيَّ أو شيئا من الرَّيَاحِينِ التي كُرِهَ لِلْمُحْرِمِ شَمُّهَا فَغَمَسَ في مَائِهِ لم يَلْبَسْهُ الْمُحْرِمَانِ وَجِمَاعُ هذا أَنْ يَنْظُرَ إلَى كل ما كان طِيبًا لَا يَشُمُّهُ الْمُحْرِمُ فإذا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ اُسْتُخْرِجَ نِيئًا كان أو مَطْبُوخًا ثُمَّ غُمِسَ فيه الثَّوْبُ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَلَا لِلْمُحْرِمَةِ لُبْسُهُ وما كان مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ شَمَّهُ من نَبَاتِ الْأَرْضِ الذي لَا يُعَدُّ طِيبًا وَلَا رَيْحَانًا مِثْلَ الْإِذْخِرِ وَالضُّرُوِّ وَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَالْبَشَامِ وما أَشْبَهَهُ أو ما كان من النَّبَاتِ الْمَأْكُولِ الطَّيِّبِ الرِّيحِ مِثْلَ الْأُتْرُجِّ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ فَعُصِرَ مَاؤُهُ خَالِصًا فَغَمَسَ فيه الثَّوْبَ فَلَوْ تَوَقَّاهُ الْمُحْرِمَانِ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ لَبِسَاهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَيَجْتَمِعَانِ في أَنْ لَا يَتَبَرْقَعَانِ وَلَا يَلْبَسَانِ الْقُفَّازَيْنِ وَيَلْبَسَانِ مَعًا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ مُشْبَعًا كان أو غير مُشْبَعٍ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنْ لم يُمْنَعْ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ لِلَوْنِهِ وَأَنَّ اللَّوْنَ إذَا لم يَكُنْ طِيبًا لم يَصْنَعْ شيئا وَلَكِنْ إنَّمَا نهى عَمَّا كان طِيبًا وَالْعُصْفُرُ ليس بِطِيبٍ وَاَلَّذِي أُحِبُّ لَهُمَا مَعًا أَنْ يَلْبَسَا الْبَيَاضَ وَأَكْرَهُ لَهُمَا كُلَّ شُهْرَةٍ من عُصْفُرٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا إنْ لَبِسَا غير الْمُطَيَّبِ وَيَلْبَسَانِ الْمُمَشَّقَ وَكُلَّ صِبَاغٍ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَوْ تَرَكَا ذلك وَلَبِسَا الْبَيَاضَ كان أَحَبُّ إلى الذي يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ أَمَّا الذي يُقْتَدَى بِهِ فَلِمَا قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَرَاهُ الْجَاهِلُ فَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الصَّبْغَ وَاحِدٌ فَيَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِالطِّيبِ وَأَمَّا الذي لَا يُقْتَدَى بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ حين يَتْرُكُ مُسْتَحَقًّا بِإِحْرَامِهِ وَهَذَا وَإِنْ كان كما وَصَفْت فَالْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرُ الْمُقْتَدَى بِهِ يَجْتَمِعَانِ فَيَتْرُكُ الْعَالِمُ عِنْدَ من جَهِلَ الْعِلْمَ مُسْتَحَقًّا بِإِحْرَامِهِ وإذا رأي الْجَاهِلَ فلم يُنْكِرْ عليه الْعَالِمُ رَأَى من يَجْهَلُ أَنَّهُ لم يُقِرَّ الْجَاهِلُ إلَّا وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْعَالَمِ فيقول الْجَاهِلُ قد رَأَيْت فُلَانًا الْعَالِمَ رأي من لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَصَحِبَهُ فلم يُنْكِرْ عليه ذلك ثُمَّ تُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ لها لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَلَا تَقْطَعْهُمَا وَتَلْبَسُهُمَا وَهِيَ تَجِدُ نَعْلَيْنِ من قِبَلِ أَنَّ لها لُبْسُ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالسَّرَاوِيلِ وَلَيْسَ الْخُفَّانِ بِأَكْثَرَ من وَاحِدٍ من هذا وَلَا أُحِبُّ لها أَنْ تَلْبَسَ نَعْلَيْنِ وَتُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ إحْرَامُهَا في وَجْهِهَا وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ في رَأْسِهِ فَيَكُون

(2/148)


لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ كُلِّهِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَكُونُ ذلك لِلْمَرْأَةِ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كانت بَارِزَةً تُرِيدُ السِّتْرَ من الناس أَنْ ترخى جِلْبَابَهَا أو بَعْضَ خِمَارِهَا أو غير ذلك من ثِيَابِهَا من فَوْقِ رَأْسِهَا وَتُجَافِيهِ عن وَجْهِهَا حتى تُغَطِّيَ وَجْهَهَا مُتَجَافِيًا كَالسَّتْرِ على وَجْهِهَا وَلَا يَكُونُ لها أَنْ تَنْتَقِبَ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ قال تدلى عليها من جِلْبَابِهَا وَلَا تَضْرِبُ بِهِ قُلْت وما لَا تَضْرِبُ بِهِ فَأَشَارَ إلى كما تُجَلْبِبُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى ما علي خَدِّهَا من الْجِلْبَابِ فقال لَا تُغَطِّيهِ فَتَضْرِبُ بِهِ على وَجْهِهَا فَذَلِكَ الذي يَبْقَى عليها وَلَكِنْ تَسْدُلُهُ على وَجْهِهَا كما هو مَسْدُولًا وَلَا تُقَلِّبُهُ وَلَا تَضْرِبُ بِهِ وَلَا تَعْطِفُهُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه قال لِتُدْلِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبَهَا على وَجْهِهَا وَلَا تَنْتَقِبُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَرْفَعُ الثَّوْبَ من أَسْفَلَ إلَى فَوْقٍ وَلَا تغطى جَبْهَتَهَا وَلَا شيئا من وَجْهِهَا إلَّا ما لَا يَسْتَمْسِكُ الْخِمَارُ إلَّا عليه مِمَّا يَلِي قِصَاصَ شَعْرِهَا من وَجْهِهَا مِمَّا يُثَبِّتُ الْخِمَارَ وَيَسْتُرُ الشَّعْرَ لِأَنَّ الْخِمَارَ لو وُضِعَ على قِصَاصِ الشَّعْرِ فَقَطْ انْكَشَفَ الشَّعْرُ وَيَكُونُ لها الِاخْتِمَارُ وَلَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ التَّعَمُّمُ وَلَا يَكُونُ له لُبْسُ الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا وَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَكُونُ له لُبْسُ السَّرَاوِيلِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إزَارًا فَيَلْبَسُهُ وَلَا يَقْطَعُ منه شيئا وَيَكُونُ ذلك لها وَيَلْبَسَانِ رَقِيقَ الوشى وَالْعَصْبَ وَدَقِيقَ الْقُطْنِ وَغَلِيظَهُ وَالْمَصْبُوغَ كُلَّهُ بِالْمَدَرِ لِأَنَّ الْمَدَرَ ليس بِطِيبٍ وَالْمَصْبُوغَ بِالسِّدْرِ وَكُلَّ صَبْغٍ عَدَا الطِّيبِ وإذا أَصَابَ الثَّوْبَ طِيبٌ فبقى رِيحُهُ فيه لم يَلْبَسَاهُ وكان كَالصَّبْغِ وَلَوْ صُبِغَ ثَوْبٌ بِزَعْفَرَانٍ أو وَرْسٍ فَذَهَبَ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ أو الْوَرْسِ من الثَّوْبِ لِطُولِ لُبْسٍ أو غَيْرِهِ وكان إذَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا الْمَاءُ حَرَّكَ رِيحَهُ شيئا وَإِنْ قَلَّ لم يَلْبَسْهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ كان الْمَاءُ إذَا أَصَابَهُمَا لم يُحَرِّكْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَوْ غُسِلَا كان أَحَبَّ إلى وَأَحْسَنَ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَبْقَى في النَّفْسِ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَإِنْ لم يُغْسَلَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَ لُبْسُهُمَا إذَا كَانَا هَكَذَا لِأَنَّ الصِّبَاغَ ليس بِنَجَسٍ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِالْغُسْلِ ذَهَابَ الرِّيحِ فَإِنْ ذَهَبَ الرِّيحُ بِغَيْرِ غُسْلٍ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَ وَلَوْ كان أَمَرَهُ أَنْ لَا يَلْبَسَ من الثِّيَابِ شيئا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أو الْوَرْسُ بِحَالٍ كان إنْ مَسَّهُ ثُمَّ ذَهَبَ لم يَجُزْ لُبْسُهُ بَعْدَ غَسَلَاتٍ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ إذَا كان الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ مَوْجُودًا في ذلك الْحِينِ فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما قُلْت مَوْجُودٌ من ذلك في الْخَبَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو صُبِغَ ثَوْبٌ بَعْدَ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ بِسِدْرٍ أو سَوَادٍ فَكَانَا إذَا مَسَّهُمَا الْمَاءُ لم يَظْهَرْ لِلزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ رِيحٌ كان له لُبْسُهُمَا وَلَوْ كان الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ إذَا مَسَّهُمَا الْمَاءُ يَظْهَرُ لَهُمَا شَيْءٌ من رِيحِ الزَّعْفَرَانِ أو الْوَرْسِ لم يَلْبَسْهُمَا وَلَوْ مَسَّ زَعْفَرَانٌ أو وَرْسٌ بَعْضَ الثَّوْبِ لم يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ حتى يُغْسَلَ وَيَعْقِدَ الْمُحْرِمُ عليه إزَارَهُ لِأَنَّهُ من صَلَاحِ الْإِزَارِ وَالْإِزَارُ ما كان مَعْقُودًا وَلَا يَأْتَزِرُ ذَيْلَيْنِ ثُمَّ يَعْقِدُ الذَّيْلَيْنِ من وَرَائِهِ وَلَا يَعْقِدُ رِدَاءَهُ عليه وَلَكِنْ يَغْرِزُ طَرَفَيْ رِدَائِهِ إنْ شَاءَ في إزَارِهِ أو في سَرَاوِيلِهِ إذَا كان الرِّدَاءُ مَنْشُورًا فَإِنْ لَبِسَ شيئا مِمَّا قُلْت ليس له لُبْسُهُ ذَاكِرًا عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له لُبْسُهُ افْتَدَى وَقَلِيلُ لُبْسِهِ له وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فَإِنْ قَنَعَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ذَاكِرًا عَالِمًا أو انْتَقَبَتْ الْمَرْأَةُ أو لَبِسَتْ ما ليس لها أَنْ تَلْبَسَهُ فَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَلَا يَعْصِبُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ من عِلَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك لِبَاسًا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْمُحْرِمِ يلوى الثَّوْبَ على بَطْنِهِ من ضَرُورَةٍ أو من بَرْدٍ قال إذَا لَوَاهُ من ضَرُورَةٍ فَلَا فِدْيَةَ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن هِشَامِ بن حُجَيْرٍ عن طَاوُسٍ قال رَأَيْت بن عُمَرَ يَسْعَى بِالْبَيْتِ وقد حَزَمَ على بَطْنِهِ بِثَوْبٍ
أخبرنا سَعِيد

(2/149)


بن سَالِمٍ عن إسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أخبره أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ لم يَكُنْ عَقَدَ الثَّوْبَ عليه إنَّمَا غَرَزَ طَرَفَيْهِ على إزَارِهِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن مُسْلِمِ بن جُنْدُبٍ قال جاء رَجُلٌ يَسْأَلُ بن عُمَرَ وأنا معه قال أُخَالِفُ بين طَرَفَيْ ثَوْبِي من وَرَائِي ثُمَّ أَعْقِدُهُ وأنا مُحْرِمٌ فقال عبد اللَّهِ لَا تَعْقِدُ شيئا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَعْقِدُ طَرَفَيْهِ من وَرَائِهِ إلَّا من ضَرُورَةٍ فَإِنْ فَعَلَ من ضَرُورَةٍ لم يَفْتَدِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى رَجُلًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ أَبْرَقَ فقال انْزِعْ الْحَبْلَ مَرَّتَيْنِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في الْمُحْرِمِ يَجْعَلُ الْمِكْتَلَ على رَأْسِهِ فقال نعم لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَسَأَلْته عن الْعِصَابَةِ يَعْصِبُ بها الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فقال لَا الْعِصَابَةُ تَكْفِتُ شَعْرًا كَثِيرًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بِلُبْسِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ لِلْمُحْرِمِ بَأْسًا ما لم يَجِدْ رِيحَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَمَّا الْعُصْفُرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ فإذا كان إذَا مَسَّهُ الْمَاءُ ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ فَلَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ لَبِسَهُ افْتَدَى
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني الْحَسَنُ بن مُسْلِمٍ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أنها قالت كنا عِنْدَ عَائِشَةَ إذْ جَاءَتْهَا امْرَأَةٌ من نِسَاءِ بَنِي عبد الدَّارِ يُقَالُ لها تَمْلِكُ فقالت يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ ابْنَتِي فُلَانَةَ حَلَفَتْ أنها لَا تَلْبَسُ حُلِيَّهَا في الْمَوْسِمِ فقالت عَائِشَةُ قُولِي لها إنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُقْسِمُ عَلَيْك إلَّا لَبِسْت حُلِيَّك كُلَّهُ أخبرنا سَعِيدٌ عن مُوسَى بن عُبَيْدَةَ عن أَخِيهِ عبد اللَّهِ بن عُبَيْدَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن دِينَارٍ قَالَا من السُّنَّةِ أَنْ تَمْسَحَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِشَيْءٍ من الْحِنَّاءِ وَلَا تُحْرِمُ وَهِيَ عَفَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ أُحِبُّ لها ( قال ) إنْ اخْتَضَبَتْ الْمُحْرِمَةُ وَلَفَّتْ على يَدَيْهَا رَأَيْت أَنْ تَفْتَدِيَ وَأَمَّا لو مَسَحَتْ يَدَيْهَا بِالْحِنَّاءِ فإنى لَا أَرَى عليها فِدْيَةً وَأَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ زِينَةٍ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ نَاسًا سَأَلُوهُ عن الْكُحْلِ الأثمد لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ الذي ليس فيه طِيبٌ قال أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ تَخَشُّعٍ وَعِبَادَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْكُحْلُ في الْمَرْأَةِ أَشَدُّ منه في الرَّجُلِ فَإِنْ فَعَلَا فَلَا أَعْلَمُ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِدْيَةً وَلَكِنْ إنْ كان فيه طِيبٌ فَأَيُّهُمَا اكْتَحَلَ بِهِ افْتَدَى
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ إذَا رَمِدَ وهو مُحْرِمٌ أَقَطَرَ في عَيْنَيْهِ الصَّبْرُ إقْطَارًا وَأَنَّهُ قال يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِأَيِّ كُحْلٍ إذَا رَمَدَ ما لم يَكْتَحِلْ بِطِيبٍ وَمِنْ غَيْرِ رَمَدٍ بن عُمَرَ الْقَائِلُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا بَأْسَ أَنْ يَرْتَدِيَ الْمُحْرِمُ وَيَطْرَحَ عليه الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْفَرْوَ وَغَيْرَ ذلك ما لم يَلْبَسْهُ لِبَاسًا وهو كَالرِّدَاءِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ وَثِيَابَ غَيْرِهِ وَيَلْبَسَ غير ما أَحْرَمَ فيه من الثِّيَابِ ما لم يَكُنْ من الثِّيَابِ الْمَنْهِيُّ عن لُبْسِهَا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال وَلْيَلْبَسْ الْمُحْرِمُ من الثِّيَابِ ما لم يُهِلَّ فيه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بِالْمُمَشَّقِ لِلْمُحْرِمِ بَأْسًا أَنْ يَلْبَسَهُ وقال إنَّمَا هو مَدَرَةٌ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَاجًا ما لم يَزُرَّهُ عليه فَإِنْ زَرَّهُ عليه عَمْدًا افْتَدَى كما يفتدى إذَا تَقَمَّصَ عَمْدًا

(2/150)


- * بَابُ لُبْسِ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ لِلْمُحْرِمِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الرَّجُلُ قبل إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ ما يَجِدُ من الطِّيبِ غالبة ( ( ( غالية ) ) ) وَمُجْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا ما نهى عنه الرَّجُلُ من التَّزَعْفُرِ وَلَا بَأْسَ على الْمَرْأَةِ في التَّطَيُّبِ بِمَا شَاءَتْ من الطِّيبِ قبل الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا بَعْدَ ما يَرْمِيَانِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيَحْلِقُ الرَّجُلُ وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ قبل الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالْحُجَّةُ فيه ما وَصَفْنَا من تَطَيُّبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَالَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالْمُجْمَرِ وَغَيْرِهِ من الطِّيبِ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ وَابْتَدَأَ الطِّيبَ حَلَالًا وهو مُبَاحٌ له وَبَقَاؤُهُ عليه ليس بِابْتِدَاءٍ منه له وَكَذَلِكَ إنْ كان الطِّيبُ دُهْنًا أو غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَحْرَمَ فَمَسَّ من الطِّيبِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ بيده أو أَمَسَّهُ جَسَدَهُ وهو ذَاكِرٌ لِحُرْمَتِهِ غير جَاهِلٍ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي له افْتَدَى وَكُلُّ ما سَمَّى الناس طِيبًا في هذه الْحَالِ من الْأَفَاوِيهِ وَغَيْرِهَا وَكُلُّ ما كان مَأْكُولًا إنَّمَا يُتَّخَذُ لِيُؤْكَلَ أو يُشْرَبَ لِدَوَاءٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ كان طَيِّبَ الرِّيحِ وَيَصْلُحُ في الطِّيبِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَشَمِّهِ وَذَلِكَ مِثْلُ المصطكا ( ( ( المصطكى ) ) ) والزنحبيل ( ( ( والزنجبيل ) ) ) والدار صيني وما أَشْبَهَ هذا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَعْلُوفٍ أو حَطَبٍ من نَبَاتِ الْأَرْضِ مِثْلَ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ والأذخر وما أَشْبَهَ هذا فَإِنْ شَمَّهُ أو أَكَلَهُ أو دَقَّهُ فَلَطَّخَ بِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْمِنْطَقَةَ وَلَوْ جَعَلَ في طَرَفِهَا سُيُورًا فَعَقَدَ بَعْضَهَا على بَعْضٍ لم يَضُرَّهُ وَيَتَقَلَّدُ الْمُحْرِمُ السَّيْفَ من خَوْفٍ وَلَا فِدْيَةَ عليه وَيُتَنَكَّبُ الْمُصْحَفَ - * بَابُ الطِّيبِ للاحرام - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ قال قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ ما حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن سَالِمٍ قال قالت عَائِشَةُ أنا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال سَالِمٌ وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قبل أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه قال سَمِعْت عَائِشَةَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا تَقُولُ أنا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ لِإِحْرَامِهِ حين أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالت طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ لِحُرْمِهِ حين أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُثْمَانَ بن عُرْوَةَ قال سَمِعْت أبي يقول سَمِعْت عَائِشَةَ تَقُولُ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِحَرَمِهِ وَلِحِلِّهِ فَقُلْت لها بِأَيِّ الطِّيبِ فقالت بِأَطْيَبِ الطِّيبِ وقال عُثْمَانُ ما رَوَى هِشَامٌ هذا الحديث إلَّا عَنِّي
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن إبْرَاهِيمَ عن الْأَسْوَدِ عن عَائِشَةَ قالت رَأَيْت وَبِيصَ الطِّيبِ في مُفَارِقِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ثَلَاثٍ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عُمَرَ بن عبد اللَّهِ بن عُرْوَةَ أَنَّهُ سمع الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ يُخْبِرَانِ عن عَائِشَةَ أنها قالت طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيْ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ أَنَّهُ سمع عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ تَقُولُ طَيَّبْت أبى عِنْدَ إحْرَامِهِ بِالسُّكِّ وَالذَّرِيرَةِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن حَسَنِ بن زَيْدٍ عن أبيه أَنَّهُ قال رَأَيْت بن عَبَّاسٍ مُحْرِمًا وَأَنَّ على رَأْسِهِ لَمِثْلَ الرُّبِّ من الْغَالِيَةِ

(2/151)


يده ( ( ( جسده ) ) ) فَلَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّهُ ليس بِطِيبٍ وَلَا دُهْنٍ وَالرَّيْحَانُ عِنْدِي طِيبٌ وما طَيَّبَ من الْأَدْهَانِ بِالرَّيَاحِينِ فبقى طِيبًا كان طِيبًا وما رُبِّبَ بها عِنْدِي طِيبٌ إذَا بقى طِيبًا مِثْلَ الزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْكَاذِي وَالْبَانِ الْمَنْشُوشِ وَلَيْسَ الْبَنَفْسَجُ بِطِيبٍ إنَّمَا يُرَبَّبُ لِلْمَنْفَعَةِ لَا لِلطِّيبِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَشُمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَالدُّهْنَ وَالطِّيبَ فقال لَا
أُخْبِرْنَا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال ما أَرَى الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ إلَّا طِيبًا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما مَسَّ الْمُحْرِمُ من رَطْبِ الطِّيبِ بِشَيْءٍ من بَدَنِهِ افْتَدَى وَإِنْ مَسَّ بيده منه شيئا يَابِسًا لَا يَبْقَى له أَثَرٌ في يَدِهِ وَلَا له رِيحٌ كَرِهْته له ولم أَرَ عليه الْفِدْيَةَ وَإِنَّمَا يفتدى ( ( ( يفدي ) ) ) من الشَّمِّ خَاصَّةً بِمَا أَثَّرَ من الطِّيبِ من الشَّمِّ لِأَنَّ غَايَةَ الطِّيبِ لِلتَّطَيُّبِ وَإِنْ جَلَسَ إلَى عَطَّارٍ فَأَطَالَ أو مَرَّ بِهِ فَوَجَدَ رِيحَ الطِّيبِ أو وَجَدَ رِيحَ الْكَعْبَةِ مُطَيَّبَةً أو مُجْمَرَةً لم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ وَإِنْ مَسَّ خَلُوقَ الْكَعْبَةِ جَافًّا كان كما وَصَفْت لَا فِدْيَةَ عليه فيه لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وَلَا يَبْقَى رِيحُهُ في بَدَنِهِ وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ وَإِنْ مَسَّ الْخَلُوقَ رَطْبًا افْتَدَى وَإِنْ انْتَضَحَ عليه أو تَلَطَّخَ بِهِ غير عَامِدٍ له غَسَلَهُ وَلَا فِدْيَةَ عليه وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ ثَوْبَهُ وَلَوْ عَقَدَ طِيبًا فَحَمَلَهُ في خِرْقَةٍ أو غَيْرِهَا وَرِيحُهُ يَظْهَرُ منها لم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ وَكَرِهْته له لِأَنَّهُ لم يَمَسَّ الطِّيبَ نَفْسَهُ وَلَوْ أَكَلَ طِيبًا أو اسْتَعَطَ بِهِ أو احْتَقَنَ بِهِ افْتَدَى وإذا كان طَعَامٌ قد خَالَطَهُ زَعْفَرَانٌ أَصَابَتْهُ نَارٌ أو لم تُصِبْهُ فأنظر فَإِنْ كان رِيحُهُ يُوجَدُ أو كان طَعْمُ الطِّيبِ يَظْهَرُ فيه فَأَكَلَهُ الْمُحْرِمُ افْتَدَى وَإِنْ كان لَا يَظْهَرُ فيه رِيحٌ وَلَا يُوجَدُ له طَعْمٌ وَإِنْ ظَهَرَ لَوْنُهُ فَأَكَلَهُ الْمُحْرِمُ لم يَفْتَدِ لِأَنَّهُ قد يَكْثُرُ الطِّيبُ في الْمَأْكُولِ وَيَمَسُّ النَّارَ فَيَظْهَرُ فيه رِيحُهُ وَطَعْمُهُ وَيَقِلُّ وَلَا تَمَسُّهُ نَارٌ فَلَا يَظْهَرُ فيه طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ وَإِنَّمَا الْفِدْيَةُ وَتَرْكُهَا من قِبَلِ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ وَلَيْسَ لِلَّوْنِ مَعْنًى لِأَنَّ اللَّوْنَ ليس بِطِيبٍ وَإِنْ حَشَا الْمُحْرِمُ في جُرْحٍ له طِيبًا افْتَدَى وَالْأَدْهَانُ دُهْنَانِ دُهْنٌ طِيبٌ فَذَلِكَ يفتدى صَاحِبُهُ إذَا دَهَنَ بِهِ من جَسَدِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ بِالطِّيبِ وَالزَّنْبَقِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ ( قال ) وَدُهْنٌ ليس بِطِيبٍ مِثْلِ سَلِيخَةِ الْبَانِ غَيْرِ الْمَنْشُوشِ وَالشِّبْرِقِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ فَذَلِكَ إنْ دَهَنَ بِهِ أَيَّ جَسَدِهِ شَاءَ غير رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ أو أَكَلَهُ أو شَرِبَهُ فَلَا فِدْيَةَ عليه فيه وَإِنْ دَهَنَ بِهِ رَأْسَهُ أو لِحْيَتَهُ افْتَدَى لِأَنَّهُمَا في مَوْضِعِ الدُّهْنِ وَهُمَا يُرَجِّلَانِ وَيَذْهَبُ شَعَثُهُمَا بِالدُّهْنِ فَأَيُّ دُهْنٍ أَذْهَبَ شَعْثَهُمَا وَرَجَّلَهُمَا بَقَّى فِيهِمَا طِيبًا أو لم يُبَقِّ فَعَلَى الْمُدَّهِنِ بِهِ فِدْيَةٌ وَلَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ بِعَسَلٍ أو لَبَنٍ لم يَفْتَدِ لِأَنَّهُ لَا طِيبَ وَلَا دُهْنَ إنَّمَا هو يُقَذِّرُ لَا يُرَجِّلُ وَلَا يهنيء ( ( ( يهنئ ) ) ) الرَّأْسَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال يَدْهُنُ الْمُحْرِمُ قَدَمَيْهِ إذَا تَشَقَّقَتْ بِالْوَدَكِ ما لم يَكُنْ طِيبًا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عن الْمُحْرِمِ يَتَشَقَّقُ رَأْسُهُ أَيَدْهُنُ الشِّقَاقَ منه بِسَمْنٍ قال لَا وَلَا بِوَدَكٍ غَيْرِ السَّمْنِ إلَّا أَنْ يفتدى فَقُلْت له إنَّهُ ليس بِطِيبٍ قال وَلَكِنَّهُ يُرَجِّلُ رَأْسَهُ قال فَقُلْت له فإنه يَدْهُنُ قَدَمَهُ إذَا تَشَقَّقَتْ بِالْوَدَكِ ما لم يَكُنْ طِيبًا فقال إنَّ الْقَدَمَ لَيْسَتْ كَالشَّعْرِ إنَّ الشَّعْرَ يُرَجَّلُ قال عَطَاءٌ وَاللِّحْيَةُ في ذلك مِثْلُ الرَّأْسِ - * بَابُ لُبْسِ الْمُحْرِمِ وَطِيبِهِ جَاهِلًا - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن صَفْوَانَ بن يعلي بن أُمَيَّةَ عن أبيه قال كنا عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَةٌ يَعْنِي جُبَّةً وهو مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْت بِالْعُمْرَةِ وَهَذِهِ عَلَيَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما كُنْت تَصْنَعُ في حَجِّك قال كُنْت أَنْزِعُ هذه الْمُقَطَّعَةَ وَأَغْسِلُ هذا الْخَلُوقَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما كُنْت صَانِعًا في حَجِّك فَاصْنَعْهُ في عُمْرَتِ

(2/152)



أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان يقول من أَحْرَمَ في قَمِيصٍ أو جُبَّةٍ فَلْيَنْزِعْهَا نَزْعًا وَلَا يَشُقَّهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقد أَهَلَّ من مِيقَاتِهِ وَالْجُبَّةُ لَا تَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ مُهِلًّا وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَحْسَبُ من نهى الْمُحْرِمَ عن التَّطَيُّبِ قبل الْإِحْرَامِ وَالْإِفَاضَةِ بَلَغَهُ هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الْخَلُوقِ عنه وَنَزْعِ الْجُبَّةِ وهو مُحْرِمٌ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عن الطِّيبِ لِأَنَّ الْخَلُوقَ كان عِنْدَهُ طِيبًا وخفى عليهم ما رَوَتْ عَائِشَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عَلِمُوهُ فَرَأَوْهُ مُخْتَلِفًا فَأَخَذُوا بِالنَّهْيِ عن الطِّيبِ وَإِنَّمَا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الْخَلُوقِ عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ نهى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرني إسْمَاعِيلُ الذي يُعْرَفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ قال أخبرني عبد الْعَزِيزِ بن صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّ حَدِيثَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَاحِبِ الْجُبَّةِ بِغَسْلِ الْخَلُوقِ يَحْتَمِلُ ما وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يبقى عليه الطِّيبَ وَإِنْ كان قبل الْإِحْرَامِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ كان كما قُلْت كان مَنْسُوخًا فَإِنْ قال وما نَسَخَهُ قُلْنَا حَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَعْرَابِيِّ بِالْجِعْرَانَةِ وَالْجِعْرَانَةُ في سَنَةِ ثَمَانٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أنها طَيَّبَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِحِلِّهِ وَحَرَمِهِ في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ فَإِنْ قال فَقَدْ نهى عنه عُمَرُ قُلْنَا لَعَلَّهُ نهى عنه على الْمَعْنَى الذي وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال أَفَلَا تَخَافُ غَلَطَ من رَوَى عن عَائِشَةَ قِيلَ هُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يُغَلَّطُوا مِمَّنْ رَوَى عن بن عُمَرَ عن عُمَرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَى هذا عن بن عُمَرَ عن عُمَرَ رَجُلٌ أو اثْنَانِ وَرَوَى هذا عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سِتَّةٌ أو سَبْعَةٌ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى أَنْ لَا يُغَلَّطُوا من الْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَكُلٌّ عِنْدَنَا لم يَغْلَطْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَازَ إذَا خَالَفَ ما روى عن عُمَرَ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الطِّيبِ أَنْ يُخَافَ غَلَطُ من رَوَى هذا الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَازَ أَنْ يُخَافَ غَلَطُ من رَوَى هذا عن عُمَرَ وإذا كان عِلْمُنَا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَطَيَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ كَرِهَ عِلْمًا وَاحِدًا من جِهَةِ الْخَبَرِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُتْرَكُ بِحَالٍ إلَّا لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا لِقَوْلِ غَيْرِهِ وقد خَالَفَ عُمَرَ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا وقد يَتْرُكُ من يَكْرَهُ الطِّيبَ للاحرام وَالْإِحْلَالِ لِقَوْلِ عُمَرَ أَقَاوِيلَ لِعُمَرَ لِقَوْلِ الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَقَاوِيلُ لِعُمَرَ لَا يُخَالِفُهُ فيها أَحَدٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُخَالِفُ عُمَرُ لرأى نَفْسِهِ فإذا كان يُصْنَعُ هذا في بَعْضِ قَوْلِ عُمَرَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَدَعَ السُّنَّةَ التي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى على الْخَلْقِ اتِّبَاعَهَا لِقَوْلِ من يَفْعَلُ في قَوْلِهِ مِثْلَ هذا لَعَمْرِي لَئِنْ جَازَ له أَنْ يَأْخُذَ بِهِ فَيَدَعُ السُّنَّةَ بِخِلَافِهِ فما لَا سُنَّةَ عليه فيه أَضْيَقُ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَخْرُجَ من خِلَافِهِ وهو يَكْثُرُ خِلَافُهُ فِيمَا لَا سُنَّةَ فيه وَلِمَا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّائِلَ بِأَنْ يَنْزِعَ الْجُبَّةَ عنه وَيَغْسِلَ الصُّفْرَةَ ولم يَأْمُرْهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسُّنَّةُ كما قال عَطَاءٌ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ صَاحِبَ الْجُبَّةِ أَنْ يَنْزِعَهَا ولم يَأْمُرْهُ بِشَقِّهَا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ من مِيقَاتِهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ ثُمَّ سَارَ أَمْيَالًا ثُمَّ ذَكَرَهَا فَنَزَعَهَا أَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مِيقَاتِهِ فَيُحْدِثَ إحْرَامًا قال لَا حَسْبُهُ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ

(2/153)


بِالْكَفَّارَةِ قُلْنَا من لَبِسَ ما ليس له لُبْسُهُ قبل الْإِحْرَامِ جَاهِلًا بِمَا عليه في لُبْسِهِ أو نَاسِيًا لِحَرَمِهِ ثُمَّ يَثْبُتُ عليه أَيُّ مُدَّةٍ ما ثَبَتَ عليه بَعْدَ الْإِحْرَامِ أو ابْتَدَأَ لُبْسَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ جَاهِلًا بِمَا عليه في لُبْسِهِ أو نَاسِيًا لِحَرَمِهِ أو مُخْطِئًا بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ فَيَلْبَسَهُ نَزَعَ الْجُبَّةَ وَالْقَمِيصَ نَزْعًا ولم يَشُقَّهُ وَلَا فِدْيَةَ عليه في لُبْسِهِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ قِيَاسًا عليه إنْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ لِمَا وَصَفْنَا من الصُّفْرَةِ وَإِنْ كان لِلطِّيبِ فَهُوَ أَكْثَرُ أو مِثْلُهُ والصفرة ( ( ( والصفر ) ) ) جَامِعَةٌ لِأَنَّهَا طِيبٌ وَصُفْرَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ قُلْت هذا في النَّاسِي وَالْجَاهِلِ في اللُّبْسِ وَالطِّيبِ ولم تَقُلْهُ فِيمَنْ جَزَّ شَعْرَهُ أو قَتَلَ صَيْدًا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْته خَبَرًا وَقِيَاسًا وَأَنَّ حاله في اللُّبْسِ وَالطِّيبِ مُخَالَفَةُ حَالِهِ في جَزِّ الشَّعْرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنْ قال فما فَرَّقَ بين الطِّيبِ وَاللُّبْسِ وَقَتَلَ الصَّيْدَ وَجَزَّ الشَّعْرَ وهو جَاهِلٌ في ذلك كُلِّهِ قِيلَ له الطِّيبُ وَاللُّبْسُ شَيْءٌ إذَا أَزَالَهُ عنه زَالَ فَكَانَ إذَا أَزَالَهُ كَحَالِهِ قبل أَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ لم يُتْلِفْ شيئا حَرُمَ عليه أَنْ يُتْلِفَهُ ولم يُزِلْ شيئا حُرِّمَ عليه إزَالَتُهُ إنَّمَا أَزَالَ ما أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ مِمَّا ليس له أَنْ يَثْبُتَ عليه وَقَاتِلُ الصَّيْدِ أَتْلَفَ ما حُرِّمَ عليه في وَقْتِهِ ذلك إتْلَافَهُ وَجَازَ الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ أَزَالَ بِقَطْعِهِ ما هو مَمْنُوعٌ من إزَالَتِهِ في ذلك الْوَقْتِ وَالْإِزَالَةُ لِمَا ليس له إزَالَتُهُ إتْلَافٌ وفي الْإِتْلَافِ لِمَا نهى عن إتْلَافِهِ عِوَضٌ خَطَأً كان أو عَمْدًا لِمَا جَعَلَ اللَّهُ في إتْلَافِ النَّفْسِ خَطَأً من الدِّيَةِ وَلَيْسَ ذلك غير ( ( ( غيره ) ) ) في الْإِتْلَافِ كَهُوَ في الْإِتْلَافِ وَلَكِنَّهُ إذَا فَعَلَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له وَذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ وَغَيْرَ مخطيء ( ( ( مخطئ ) ) ) فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ في قَلِيلِ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَكَثِيرِهِ على ما وَصَفْت في الْبَابِ قبل هذا وَلَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أو جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَهُ فَتَرَكَهُ عليه سَاعَةً وقد أَمْكَنَهُ إزَالَتَهُ عنه بِنَزْعِ ثَوْبٍ أو غَسْلِ طِيبٍ افْتَدَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الثَّوْبَ وَالطِّيبَ عليه بَعْدَ ذَهَابِ الْعُذْرِ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ نَزْعُ الثَّوْبِ لِعِلَّةِ مَرَضٍ أو عَطَبٍ في بَدَنِهِ وَانْتَظَرَ من يَنْزِعُهُ فلم يَقْدِرْ عليه فَهَذَا عُذْرٌ وَمَتَى أَمْكَنَهُ نَزْعُهُ نَزَعَهُ وَإِلَّا افْتَدَى إذَا تَرَكَهُ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَا يفتدى إذَا نَزَعَهُ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَوْ لم يُمْكِنْهُ غَسْلُ الطِّيبِ وكان في جَسَدِهِ رَأَيْت أَنْ يَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ فَإِنْ لم يَجِدْ خِرْقَةً فَبِتُرَابٍ إنْ أَذْهَبَهُ فَإِنْ لم يُذْهِبْهُ فَبِشَجَرٍ أو حَشِيشٍ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه أو قَدَرَ فلم يُذْهِبْهُ فَهَذَا عُذْرٌ وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْمَاءُ غَسَلَهُ وَلَوْ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا إنْ غَسَلَهُ بِهِ لم يَكْفِهِ لِوُضُوئِهِ غَسَلَهُ بِهِ وَتَيَمَّمَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِهِ وَلَا رُخْصَةَ له في تَرْكِهِ إذَا قَدَرَ على غَسْلِهِ وَهَذَا مُرَخَّصٌ له في التَّيَمُّمِ إذَا لم يَجِدْ مَاءً وَلَوْ غَسَلَ الطِّيبَ غَيْرُهُ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ غَسَلَهُ هو بيده لم يَفْتَدِ من قِبَلِ أَنَّ عليه غَسْلَهُ وَإِنْ مَاسَّهُ فَإِنَّمَا مَاسَّهُ لِيُذْهِبَهُ عنه لم يُمَاسَّهُ لِيَتَطَيَّبَ بِهِ وَلَا يُثْبِتُهُ وَهَكَذَا ما وَجَبَ عليه الْخُرُوجُ منه خَرَجَ منه كما يَسْتَطِيعُ وَلَوْ دخل دَارَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنٍ لم يَكُنْ جَائِزًا له وكان عليه الْخُرُوجُ منها ولم أَزْعُمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْخُرُوجِ منها وَإِنْ كان يمشى فِيمَا لم يُؤْذَنْ له فيه لِأَنَّ مَشْيَهُ لِلْخُرُوجِ من الذَّنْبِ لَا لِلزِّيَادَةِ فيه فَهَكَذَا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ الْوَقْتِ الذي يَجُوزُ فيه الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ } إلَى قَوْلِهِ { في الْحَجِّ }
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يَسْأَلُ عن الرَّجُلِ يُهِلُّ بِالْحَجِّ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ فقال لَا أخبرنا الرَّبِيعُ قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِنَافِعٍ أَسَمِعْت عبد اللَّهِ بن عُمَرَ يسمى شُهُورَ الْحَجِّ فقال نعم كان يسمى شَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّة

(2/154)


قُلْت لِنَافِعٍ فَإِنْ أَهَلَّ إنْسَانٌ بِالْحَجِّ قَبْلَهُنَّ قال لم أَسْمَعْ منه في ذلك شيئا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال طَاوُسٌ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جاء مُهِلًّا بِالْحَجِّ في شَهْرِ رَمَضَانَ كَيْفَ كُنْت قَائِلًا له قال أَقُولُ له اجْعَلْهَا عُمْرَةً
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرنا عُمَرُ بن عَطَاءٍ عن عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قال لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا في أَشْهُرِ الْحَجِّ من أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يلبى بِحَجٍّ ثُمَّ يُقِيمَ - * بَابُ هل يسمى الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ عِنْدَ الْإِهْلَالِ أو تكفى النِّيَّةُ مِنْهُمَا - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَمَّى الْمُحْرِمُ ذلك لم أَكْرَهْهُ إلَّا أَنَّهُ لو كان سُنَّةً سَمَّاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو من بَعْدَهُ وَلَوْ لَبَّى الْمُحْرِمُ فقال لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وهو يُرِيدُ حَجَّةً كان مُفْرِدًا وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً كان مُعْتَمِرًا وَلَوْ سَمَّى عُمْرَةً وهو يُرِيدُ حَجًّا كان حَجًّا وَلَوْ سَمَّى عُمْرَةً وهو يُرِيدُ قِرَانًا كان قِرَانًا إنَّمَا يَصِيرُ أَمْرُهُ إلَى النِّيَّةِ إذَا أَظْهَرَ التَّلْبِيَةَ مَعَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا لم يَكُنْ له نِيَّةٌ أَنْ يَكُونَ عليه أَكْثَرُ من لَفْظِهِ وَذَلِكَ أَنَّ هذا عَمَلٌ لِلَّهِ خَالِصًا لَا شَيْءَ لِأَحَدٍ من الْآدَمِيِّينَ غَيْرُهُ فيه فَيُؤْخَذُ فيه بِمَا ظَهَرَ من قَوْلِهِ دُونَ نِيَّتِهِ وَلَوْ لَبَّى رَجُلٌ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً لم يَكُنْ حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا كما لو كَبَّرَ لَا يُرِيدُ صَلَاةً لم يَكُنْ دَاخِلًا في الصَّلَاةِ وَلَوْ أَكَلَ سَحَرًا لَا يُرِيدُ صَوْمًا لم يَكُنْ دَاخِلًا في الصَّوْمِ وَكَذَلِكَ لو لم يَأْكُلْ يَوْمًا كَامِلًا وَلَا ينوى صَوْمًا لم يَكُنْ صَائِمًا وروى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ لقى رَكْبًا بِالسَّاحِلِ مُحْرِمِينَ فَلَبَّوْا فَلَبَّى بن مَسْعُودٍ وهو دَاخِلٌ إلَى الْكُوفَةِ وَالتَّلْبِيَةُ ذِكْرٌ من ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل لَا يَضِيقُ على أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ وَلَا يُوجِبُ على أَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ في إحْرَامٍ إذَا لم يَنْوِهِ - * بَاب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك قال نَافِعٌ كان عبد اللَّهِ بن عُمَرَ يَزِيدُ فيها لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك وَذَكَرَ الْمَاجِشُونُ عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه قال كان من تَلْبِيَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كما رَوَى جَابِرٌ وبن عُمَرَ كانت أَكْثَرُ تَلْبِيَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَيْنَا من الْأَحَادِيثِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلِيلٌ على أَنَّ نِيَّةَ الْمُلَبِّي كَافِيَةٌ له من أَنْ يُظْهِرَ ما يُحْرِمُ بِهِ كما تَكُونُ نِيَّةُ المصلى مَكْتُوبَةً أو نَافِلَةً أو نَذْرًا كَافِيَةً له من إظْهَارِ ما يَنْوِي منها بِأَيِّ إحْرَامٍ نَوَى وَنِيَّةُ الصَّائِمِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو حَجَّ أو اعْتَمَرَ عن غَيْرِهِ كَفَتْهُ نِيَّتُهُ من أَنْ يسمى أَنَّ حَجَّهُ هذا عن غَيْرِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن سَعِيدِ بن عبد الرحمن أَنَّ جَابِرَ بن عبد اللَّهِ قال ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في تَلْبِيَتِهِ حَجًّا قَطُّ وَلَا عُمْرَةً

(2/155)


وَهِيَ التي أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ تَلْبِيَةَ الْمُحْرِمِ لَا يَقْصُرُ عنها وَلَا يُجَاوِزُهَا إلَّا أَنْ يُدْخِلَ ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه مِثْلُهَا في الْمَعْنَى لِأَنَّهَا تَلْبِيَةٌ وَالتَّلْبِيَةُ إجَابَةٌ فَأَبَانَ أَنَّهُ أَجَابَ إلَهَ الْحَقِّ بِلَبَّيْكَ أَوَّلًا وَآخِرًا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُظْهِرُ من التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك قال حتى إذَا كان ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عنه كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ ما هو فيه فَزَادَ فيها لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ قال بن جُرَيْجٍ وَحَسِبْت أَنَّ ذلك يَوْمُ عَرَفَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِمَا أَمَرَ بِهِ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نأمر ( ( ( فأمر ) ) ) الرِّجَالَ الْمُحْرِمِينَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ أَصْحَابَهُ هُمْ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا جَهْدَهُمْ ما لم يَبْلُغْ ذلك أَنْ يَقْطَعَ أَصْوَاتَهُمْ فكانا نَكْرَهُ قَطْعَ أَصْوَاتِهِمْ وإذا كان الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِالتَّلْبِيَةِ الرِّجَالُ فَكَانَ النِّسَاءُ مَأْمُورَاتٍ بِالسَّتْرِ فأن لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمَرْأَةِ أَحَدٌ أَوْلَى بها وَأَسْتَرُ لها فَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَتُسْمِعُ نَفْسَهَا - * بَابُ أَيْنَ يُسْتَحَبُّ لُزُومُ التَّلْبِيَةِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن سَابِطٍ قال كان سَلَفُنَا لَا يَدَعُونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَرْبَعٍ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ حتى تَنْضَمَّ وَعِنْدَ إشْرَافِهِمْ على الشَّيْءِ وَهُبُوطِهِمْ من بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَعِنْدَ هُبُوطِهِمْ من الشَّيْءِ الذي يُشْرِفُونَ منه وَعِنْدَ الصَّلَاةِ إذَا فَرَغُوا منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما رَوَى بن سَابِطٍ عن السَّلَفِ هو مُوَافِقٌ ما روى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وإذا كانت التَّلْبِيَةُ بَرًّا أُمِرَ الْمُلَبُّونَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ فَأَوْلَى الْمَوَاضِعِ أَنْ يُرْفَعَ الصَّوْتُ بِهِ مُجْتَمَعُ الناس حَيْثُ كَانُوا من مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَسْوَاقِ وَاضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَأَيْنَ كان اجْتِمَاعُهُمْ لما ( ( ( بما ) ) ) يَجْمَعُ من ذلك من طَاعَتِهِمْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَأَنَّ مَعْنَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ كَمَعْنَى رَفْعِهِ بِالْأَذَانِ الذي لَا يَسْمَعُهُ شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ له بِهِ وَإِنَّ في ذلك تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِ له يُحْدِثُ له الرَّغْبَةَ في الْعَمَلِ لِلَّهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ أو بَعْضِهَا وَيُؤْجَرُ له الْمُنَبِّهُ له إلَيْهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ تَلْبِيَةٌ كَتَلْبِيَتِهِ التي رُوِيَتْ عنه وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ لَا عَيْشُ الدُّنْيَا وَلَا ما فيها وَلَا يَضِيقُ على أَحَدٍ في مِثْلِ ما قال بن عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ من تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ مع التَّلْبِيَةِ غير أَنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي أَنْ يُفْرِدَ ما رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من التَّلْبِيَةِ وَلَا يَصِلَ بها شيئا إلَّا ما ذُكِرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُعَظِّمُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ بَعْدَ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن الْقَاسِمِ بن مَعْنٍ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن عبد اللَّهِ بن أبي سَلَمَةَ أَنَّهُ قال سمع سَعْدٌ بَعْضَ بَنِي أَخِيهِ وهو يُلَبِّي يا ذَا الْمَعَارِجِ فقال سَعْدٌ الْمَعَارِجُ إنَّهُ لِذُو الْمَعَارِجِ وما هَكَذَا كنا نُلَبِّي على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن خَلَّادِ بن السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أو من مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أو بِالْإِهْلَالِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا

(2/156)


- * بَابُ الْخِلَافِ في رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ في الْمَسَاجِدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنِي عن مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُلَبِّي الْمُحْرِمُ وهو جُنُبٌ فقال نعم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّلْبِيَةُ ذِكْرٌ من ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل فَيُلَبِّي الْمَرْءُ طَاهِرًا وَجُنُبًا وَغَيْرَ مُتَوَضِّئٍ وَالْمَرْأَةُ حَائِضًا وَجُنُبًا وَطَاهِرًا وفي كل حَالٍ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَائِشَةَ وَعَرَكَتْ افْعَلِي ما يَفْعَلُ الْحَاجُّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَالتَّلْبِيَةُ مِمَّا يَفْعَلُ الْحَاجُّ - * بَابُ ما يُسْتَحَبُّ من الْقَوْلِ في أَثَرِ التَّلْبِيَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أستحب إذَا سَلَّمَ المصلى أَنْ يلبى ثَلَاثًا وأستحب إذَا فَرَغَ من التَّلْبِيَةِ أَنْ يُتْبِعَهَا الصَّلَاةَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَسْأَلَ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَالتَّعَوُّذَ من النَّارِ اتِّبَاعًا وَمَعْقُولًا أَنَّ الْمُلَبِّيَ وَافِدُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْطِقَهُ بِالتَّلْبِيَةِ مَنْطِقُهُ بِإِجَابَةِ دَاعِي اللَّهِ وَأَنَّ تَمَامَ الدُّعَاءِ وَرَجَاءَ إجَابَتِهِ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى في إثْرِ كَمَالِ ذلك بِالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذَ من النَّارِ فإن ذلك أَعْظَمُ ما يَسْأَلُ وَيَسْأَلُ بَعْدَهَا ما أَحَبَّ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن صَالِحِ بن مُحَمَّدِ بن زَائِدَةَ عن عُمَارَةَ بن خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ عن أبيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان إذَا فَرَغَ من تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعْفَاهُ بِرَحْمَتِهِ من النَّارِ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ كان يَأْمُرُ إذَا فَرَغَ من التَّلْبِيَةِ أَنْ يصلى على مُحَمَّدٍ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا يَرْفَعُ الملبى صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ في مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إلَّا في مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى فَهَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ الحديث ثُمَّ لَا يَكُونُ له مَعْنًى يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ إذْ حكى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَمَتَى كانت التَّلْبِيَةُ من الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي له أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بها وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ يَرْفَعُهَا في حَالٍ دُونَ حَال جَازَ عليه أَنْ يَقُولَ يَرْفَعُهَا حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ يَخْفِضَهَا وَيَخْفِضَهَا حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ يَرْفَعُهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِأَحَدٍ وفي حديث بن سَابِطٍ عن السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدَعُونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ دَلِيلٌ على أَنَّهُمْ وَاظَبُوا عليها عِنْدَ اجْتِمَاعِ الناس وإذا تَحَرَّوْا اجْتِمَاعَ الناس على الطَّرِيقِ كانت الْمَسَاجِدُ أَوْلَى أَنْ يَجْهَرُوا بِذَلِكَ فيها أو في مِثْلِ مَعْنَاهَا أَرَأَيْت الْأَذَانَ أَيُتْرَكُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ في مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ فَإِنْ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ قد أَمَرَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ قِيلَ وَكَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ بِهِ أَرَأَيْت لو لم يَعْلَمْ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ شيئا أَكَانَتْ التَّلْبِيَةُ تَعْدُو أَنْ يُرْفَعَ الصَّوْتُ بها مع الْجَمَاعَاتِ فَكُلُّ جَمَاعَةٍ في ذلك سَوَاءٌ أو يَنْهَى عنها في الْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ ذلك يُشْغِلُ المصلى عن صَلَاتِهِ فَهِيَ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى أَوْلَى أَنْ لَا يُرْفَعَ عليهم الصَّوْتُ أو مِثْلِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان ذلك كَرَاهِيَةَ رَفْعِ الصَّوْتِ في الْمَسَاجِدِ أَدَبًا وَإِعْظَامًا لها فَأَوْلَى الْمَسَاجِدِ أَنْ يُعَظَّمَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ مِنًى لِأَنَّهُ في الْحَرَمِ - * بَابُ التَّلْبِيَةِ في كل حَالٍ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن مُحَمَّدِ بن أبي حُمَيْدٍ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُكْثِرُ من التَّلْبِيَةِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يُلَبِّي رَاكِبًا وَنَازِلًا وَمُضْطَجِعًا

(2/157)


- * بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ في الْحَجِّ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بضباعة بِنْتِ الزُّبَيْرِ فقال أَمَّا تُرِيدِينَ الْحَجَّ فقالت إنِّي شَاكِيَةٌ فقال لها حِجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال قالت لي عَائِشَةُ هل تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت فَقُلْت لها مَاذَا أَقُولُ فقالت قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسْتَنِي بِحَابِسٍ فَهِيَ عُمْرَةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رؤوسكم ( ( ( رءوسكم ) ) ) حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم أَسْمَعْ مِمَّنْ حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُخَالِفًا في أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حين أُحْصِرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَحَالَ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقَ وَرَجَعَ حَلَالًا ولم يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَلَا أَصْحَابُهُ إلَّا عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَحْدَهُ وَسَنَذْكُرُ قِصَّتَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل إيَّاهُمْ أَنْ لَا يَحْلِقُوا حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ وَأَمْرَهُ من ( ( ( ومن ) ) ) كان بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الِاسْتِثْنَاءِ لم أُعَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ ما ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فيه أَنْ يَكُونَ المستثني مُخَالِفًا غير المستثني من مُحْصَرٍ بِعَدُوٍّ أو مَرَضٍ أو ذَهَابِ مَالٍ أو خَطَأِ عَدَدٍ أو تَوَانٍ وكان إذَا اشْتَرَطَ فَحُبِسَ بِعَدُوٍّ أو مَرَضٍ أو ذَهَابِ مَالٍ أو ضَعْفٍ عن الْبُلُوغِ حَلَّ في الْمَوْضِعِ الذي حُبِسَ فيه بِلَا هدى وَلَا كَفَّارَةِ غَيْرِهِ وَانْصَرَفَ إلَى بِلَادِهِ وَلَا قَضَاءَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ لم يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَيَحُجُّهَا وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَأْمُرْ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ على ما يَأْمُرُ بِهِ وكان حَدِيثُ عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ يُوَافِقُهُ في مَعْنَى أنها أَمَرَتْ بِالشَّرْطِ وكان وَجْهُ أَمْرِهَا بِالشَّرْطِ إنْ حُبِسَ عن الْحَجِّ فَهِيَ عُمْرَةٌ أَنْ يَقُولَ إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ عن الْحَجِّ وَوَجَدْت سَبِيلًا إلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ فَهِيَ عُمْرَةٌ وكان مَوْجُودًا في قَوْلِهَا أَنَّهُ لَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ لم يُثْبِتْ حَدِيثَ عُرْوَةَ لِانْقِطَاعِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتَمَلَ أَنْ يَحْتَجَّ في حديث عَائِشَةَ لِأَنَّهَا تَقُولُ إنْ كان حَجٌّ وَإِلَّا فَهِيَ عُمْرَةٌ وقال أَسْتَدِلُّ بانها لم تَرَهُ يَحِلُّ إلَّا بِالْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ وَلَوْ كانت إذَا ابْتَدَأَتْ أَنْ تَأْمُرَهُ بِشَرْطٍ رَأَتْ له أَنْ يَحِلَّ بِغَيْرِ وُصُولٍ إلَى الْبَيْتِ أَمَرَتْهُ بِهِ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاشْتِرَاطَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ على الْحَاجِّ الْقَضَاءُ إذَا حَلَّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كما روى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيمَنْ قال هذا أَنْ يُدْخِلَ عليه خِلَافَ عَائِشَةَ إذْ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ وَالْجَمْعُ بين من اشْتَرَطَ ولم يَشْتَرِطْ فَلَا يَكُونُ لِلشَّرْطِ مَعْنًى وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فيه وَلَوْ جَرَّدَ أَحَدٌ خِلَافَ عَائِشَةَ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ وَيَهْدِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَذْهَبُ إلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ يَذْهَبُ في إبْطَالِهِ إلَى شَيْءٍ عَالٍ أَحْفَظُهُ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عن الِاسْتِثْنَاءِ في الْحَجِّ فَأَنْكَرَهُ وَمَنْ أَبْطَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَعَمِلَ رَجُلٌ بِهِ فَحَلَّ من حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَأَصَابَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ جَعَلَهُ مُفْسِدًا وَجَعَلَ عليه الْكَفَّارَةَ فِيمَا أَصَابَ وَأَنْ يَعُودَ حَرَامًا حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَقْضِيَ حَجًّا إنْ كان أَحْرَمَ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ إنْ كان أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ - * بَابُ الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ - *

(2/158)


بِفِدْيَةٍ سَمَّاهَا وقال عز وجل { فإذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } الْآيَةَ وما بَعْدَهَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ على الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ قَضَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يذكر عليه قَضَاءً وَذَكَرَ فَرَائِضَ في الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ أَمْرِهِ ( قال ) وَاَلَّذِي أَعْقِلُ في أَخْبَارِ أَهْلِ الْمَغَازِي شَبِيهٌ بِمَا ذَكَرْت من ظَاهِرِ الْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّا قد عَلِمْنَا في متواطيء ( ( ( متواطئ ) ) ) أَحَادِيثِهِمْ أَنْ قد كان مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ اعْتَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَتَخَلَّفَ بَعْضُهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ في نَفْسٍ وَلَا مَالٍ عَلِمْته وَلَوْ لَزِمَهُمْ الْقَضَاءُ لَأَمَرَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَتَخَلَّفُوا عنه وما تَخَلَّفُوا عن أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي تَوَاطُؤٍ أخبار ( ( ( أخبر ) ) ) أَهْلُ الْمَغَازِي وما وَصَفْت من تَخَلُّفِ بَعْضِ من أَحُصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ مَوْضِعٌ من الْأَرْضِ منه ما هو في الْحِلِّ وَمِنْهُ ما هو في الْحَرَمِ فَإِنَّمَا نحر ( ( ( نجر ) ) ) الهدى عِنْدَنَا في الْحِلِّ وَفِيهِ مَسْجِدُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي بُويِعَ فيه تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { لقد رضي اللَّهُ عن الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَك تَحْتَ الشَّجَرَةِ } فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَنَقُولُ من أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ حَلَّ حَيْثُ يُحْبَسُ في حِلٍّ كان أو حَرَمٍ وَنَحَرَ أو ذَبَحَ هَدْيًا وَأَقَلُّ ما يَذْبَحُ شَاةٌ فَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ في بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ أَجْزَأَتْهُمْ أَخْرَجُوا مَعًا ثَمَنَهَا أو أَحَدُهُمْ وَوَهَبَ لهم حِصَصَهُمْ منها قبل ذَبْحِهَا فَذَبَحُوهَا فَأَمَّا إنْ ذَبَحَهَا ثُمَّ وَهَبَ لهم حِصَصَهُمْ منها فَهِيَ له وَلَا تَجْزِيهِمْ وَلَا قَضَاءَ على الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ إذَا خَرَجَ من إحْرَامِهِ وَالْحَصْرُ قَائِمٌ عليه فَإِنْ خَرَجَ من إحْرَامِهِ وَالْعَدُوُّ بِحَالِهِ ثُمَّ زَالَ الْعَدُوُّ قبل أَنْ يَنْصَرِفَ فَكَانُوا على رَجَاءٍ من الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِإِذْنِ الْعَدُوِّ لهم أو زَوَالِهِمْ عن الْبَيْتِ أَحْبَبْت أَنْ لَا يُعَجِّلُوا بِالْإِحْلَالِ وَلَوْ عَجَّلُوا بِهِ ولم يَنْتَظِرُوا جَازَ لهم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ الْمُحْصَرُ مُتَأَنِّيًا لِأَيِّ وَجْهٍ ما كان أو مُتَوَانِيًا في الْإِحْلَالِ فَاحْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عليه فيه الْفِدْيَةُ فَفَعَلَهُ افْتَدَى لِأَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى نَزَلَتْ في كَعْبِ بن عُجْرَةَ وهو مُحْصَرٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما قَوْلُ اللَّهِ عز وجل في الْحُدَيْبِيَةِ { حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا السُّنَّةُ فَتَدُلُّ على أَنَّ مَحِلَّهُ في هذا الْمَوْضِعِ نَحْرُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ في الْحِلِّ فَإِنْ قال فَقَدْ قال اللَّهُ عز وجل في الْبُدْنِ { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } قِيلَ ذلك إذَا قَدَرَ على أَنْ يَنْحَرَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَهُوَ مَحِلُّهَا فَإِنْ قال فَهَلْ خَالَفَك أَحَدٌ في هدى الْمُحْصَرِ قِيلَ نعم عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ كان يَزْعُمُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ في الْحَرَمِ فَإِنْ قال فبأى شَيْءٍ رَدَدْت ذلك وَخَبَرُ عَطَاءٍ وَإِنْ كان مُنْقَطِعًا شَبِيهٌ بِخَبَرِك عن أَهْلِ الْمَغَازِي قُلْت عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ يَذْهَبُونَ إلَى أَنْ مَحَلَّ الهدى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ خَالَفَنَا يقول لَا يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ وَلَا مَرَضٍ حتى يَبْلُغَ الهدى الْحَرَمَ فَيُنْحَرُ فيه لِمَا وَصَفْت من ذِكْرِهِمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَنْحَرْ إلَّا في الْحَرَمِ فَإِنْ قال فَهَلْ من شَيْءٍ يُبَيِّنُ ما قُلْت قُلْت نعم إذَا زَعَمُوا وَزَعَمْنَا أَنَّ الْحَرَمَ مُنْتَهَى الهدى بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ نَحَرَ فيه فَقَدْ أَجْزَأَ عنه وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّ هدى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَبْلُغْ الْحَرَمَ فَإِنْ قال وَأَيْنَ ذلك قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عن الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَحَلِّهِ هَا هُنَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذَا أُحْصِرَ نَحْرُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ كما وَصَفْت وَمَحَلُّهُ في غَيْرِ الْإِحْصَارِ الْحَرَمُ وهو كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَاسِعٌ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال الْمُحْصَرُ بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَهُمَا الْخُرُوجُ من الْإِحْرَامِ وقال عُمْرَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم التي اعْتَمَرَ بَعْدَ حَصْرِهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ التي أُحْصِرَ بها أَلَا تَرَى أنها تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَعُمْرَةَ الْقِصَاصِ فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ إنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَاسِعٌ فَهِيَ تَقُولُ اقْتَضَيْت ما صُنِعَ بِي
____________________

(2/159)


وَاقْتَصَصْت ما صُنِعَ بِي فَبَلَغْت ما مُنِعْت مِمَّا يَجِبُ لي وما لَا يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَبْلُغَهُ وَإِنْ وَجَبَ لي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَهَذَا قَوْلُ رَجُلٍ لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قُلْت ما زَعَمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُك لَوْلَا دَلَالَةُ الْقُرْآنِ وَأَخْبَارُ أَهْلِ الْمَغَازِي وما تَدُلُّ عليه السُّنَّةُ فقال قد سَمِعْت ما ذَكَرْت من السُّنَّةِ ولم تُسْنِدْ فيه حَدِيثًا بَيِّنًا فَقُلْت وَلَا أنت أَسْنَدْت فيه حَدِيثًا في أَنَّ عُمْرَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُقَالُ لها عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَإِنَّمَا عِنْدَك فيها أَخْبَارُهُمْ فَكَانَ لي دَفْعُ ما عَلِمْت ولم تُقِمْ فيه حَدِيثًا مُسْنَدًا مِمَّا يَثْبُتُ على الِانْفِرَادِ ولم يَكُنْ إذَا كان مَعْرُوفًا مُتَوَاطِئًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَإِنْ لم يَكُنْ لي دَفْعُك عنه بهذا لم يَكُنْ لَك دَفْعِي عن أَنَّهُ تَخَلَّفَ بَعْضُ من شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فقال ما يُقْنِعُنِي هذا الْجَوَابُ فَادْلُلْنِي على الدَّلَالَةِ من الْقُرْآنِ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه بِمِثْلِ ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } قال فَمِنْ حُجَّتِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { قِصَاصٌ } وَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِوَاجِبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له إنَّ الْقِصَاصَ وَإِنْ كان يَجِبُ لِمَنْ له الْقِصَاصُ فَلَيْسَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا عليه أَنْ يَقْتَصَّ قال وما دَلَّ على ذلك قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ } أَفَوَاجِبٌ على من جُرِحَ أَنْ يَقْتَصَّ مِمَّنْ جَرَحَهُ أو مُبَاحٌ له أَنْ يَقْتَصَّ وَخَيْرٌ له أَنْ يَعْفُوَ قال له أَنْ يَعْفُوَ وَمُبَاحٌ له أَنْ يَقْتَصَّ وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه بِمِثْلِ ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فَلَوْ أَنَّ مُعْتَدِيًا مُشْرِكًا اعْتَدَى عَلَيْنَا كان لنا أَنْ نعتدى عليه بِمِثْلِ ما اعْتَدَى عَلَيْنَا ولم يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ قال ذلك على ما وَصَفْت فَقُلْت فَهَذَا يَدُلُّك على ما وَصَفْت وما قال مُجَاهِدٌ من أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَقَصَّهُ منهم فَدَخَلَ عليهم في مِثْلِ الشَّهْرِ الذي رَدُّوهُ فيه وَلَيْسَتْ فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ دُخُولَهُ كان وَاجِبًا عليه من جِهَةِ قَضَاءِ النُّسُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ الْوَاجِبُ فيه وَغَيْرُ الْوَاجِبِ خَبَرًا وَالْخَبَرُ يَدُلُّ على مِثْلِ ما وَصَفْنَا من أَنَّهُ ليس بِوَاجِبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أُحْصِرَ في مَوْضِعٍ كان له أَنْ يَرْجِعَ عن مَوْضِعِهِ الذي أُحْصِرَ فيه وَيَحِلُّ فإذا أَمِنَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ كان له أَنْ يُتِمَّ على الِانْصِرَافِ قَرِيبًا كان أو بَعِيدًا إلَّا أَنِّي إذَا أَمَرْته بِالْخُرُوجِ من إحْرَامِهِ عَادَ كَمَنْ لم يُحْرِمْ قَطُّ غير أَنِّي أُحِبُّ له إذَا كان قَرِيبًا أو بَعِيدًا أَنْ يَرْجِعَ حتى يَصِلَ إلَى ما صُدَّ عنه من الْبَيْتِ وَاخْتِيَارِي له في ذلك بِالْقُرْبِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كان الرُّجُوعُ له مُبَاحًا فَتَرْكُ الرُّجُوعِ كان فيه وَحْشَةٌ أَكْثَرُ بهذا الْمَعْنَى وَإِنْ كان الرَّاجِعُ من بُعْدٍ أَعْظَمَ أَجْرًا وَلَوْ أَبَحْت له أَنْ يَذْبَحَ وَيَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَيَنْصَرِفَ فَذَبَحَ ولم يَحْلِقْ حتى يَزُولَ الْعَدُوُّ لم يَكُنْ له الْحِلَاقُ وكان عليه الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ لم يَحِلَّ حتى صَارَ غير مَحْصُورٍ وهو مَأْجُورٌ في الذَّبْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ من يقول لَا يَكْمُلُ إحْلَالُ الْمُحْرِمِ إلَّا بِالْحِلَاقِ وَمَنْ قال يَكْمُلُ إحْلَالُهُ قبل الْحِلَاقِ وَالْحِلَاقُ أَوَّلُ الْإِحْلَالِ قال إذَا ذَبَحَ فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَ عليه إذَا ذَبَحَ أَنْ يَمْضِيَ على وَجْهِهِ وَلَوْ أُحْصِرَ وَمَعَهُ هدى قد سَاقَهُ مُتَطَوِّعًا بِهِ أو وَاجِبًا عليه قبل الْإِحْصَارِ فَلَهُ ذَبْحُهُ في مَكَانِهِ كما ذَبَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَدْيَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وقد أَوْجَبَهُ قبل أَنْ يُحْصَرَ وإذا كان عليه أَنْ يَحِلَّ بِالْبَيْتِ فَمَنَعَهُ فَحَلَّ دُونَهُ بِالْعُذْرِ كان كَذَلِكَ الهدى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ له نَحْرُهُ حَيْثُ حُبِسَ وَعَلَيْهِ الهدى لِإِحْصَارِهِ سِوَى ما وَجَبَ قبل أَنْ يُحْصَرَ من هدى وَجَبَ عليه بِكُلِّ حَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَجَبَ عليه هدى في فَوْرِهِ ذلك فلم يَكُنْ معه كان له أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَذْبَحَهُ مَكَانَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ من هذا أنها إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقِصَاصِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل اقْتَصَّ لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَخَلَ عليهم كما مَنَعُوهُ لَا على أَنَّ ذلك وَجَبَ عليه قال أَفَتَذْكُرُ في ذلك شيئا فَقُلْت نعم أخبرنا سُفْيَانُ عن مُجَاهِدٍ

(2/160)


وَلَوْ كان وَجَبَ عليه قبل ذلك كان ذلك له وَلَوْ أَخَّرَ هَدْيَهُ لِيَبْعَثَ بِهِ إذَا ذَهَبَ الْحَصْرُ كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّهُ شَيْءٌ لم يَجِبْ عليه في فَوْرِهِ وَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ فَوْرِهِ كَتَأْخِيرِهِ بعد ما وَجَبَ عليه ( قال ) وَلَوْ أُحْصِرَ وَلَا هدى معه اشْتَرَى مَكَانَهُ هَدْيًا وَذَبَحَهُ وَحَلَّ وَلَوْ وُهِبَ له أو مَلَكَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان فَذَبَحَهُ أَجْزَأَ عنه فَإِنْ كان مُوسِرًا لَأَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا ولم يَجِدْ هَدْيًا مَكَانَهُ أو مُعْسِرًا بهدى وقد أُحْصِرَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَحِلُّ إلَّا بهدى وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْدِرُ عليه فإذا لم يَقْدِرْ على شَيْءٍ خَرَجَ مِمَّا عليه وكان عليه أَنْ يأتى بِهِ إذَا قَدَرَ عليه وَمَنْ قال هذا قال يَحِلُّ مَكَانَهُ وَيَذْبَحُ إذَا قَدَرَ فَإِنْ قَدَرَ على أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ لم يَجُزْ أَنْ يَذْبَحَ إلَّا بها وَإِنْ لم يَقْدِرْ ذَبَحَ حَيْثُ يَقْدِرُ ( قال ) وَيُقَالُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا هدى وَيُقَالُ يُجْزِئْهُ إذَا لم يَجِدْ هَدْيًا إطْعَامٌ أو صِيَامٍ فَإِنْ لم يَجِدْ الطَّعَامَ كان كَمَنْ لم يَجِدْ الهدى وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الصِّيَامِ كان كَمَنْ لم يَجِدْ هَدْيًا وَلَا طَعَامًا وإذا قَدَرَ أَدَّى أَيَّ هذا كان عليه وَإِنْ أُحْصِرَ عَبْدٌ قد أَذِنَ له سَيِّدُهُ في الْحَجِّ وَالْعَبْدُ لَا مَالَ له وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ تُقَوَّمُ له الشَّاةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَالْقَوْلُ في إحْلَالِهِ قبل الصَّوْمِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحِلَّ قبل الصَّوْمِ وَالْآخَرُ لَا يَحِلُّ حتى يَصُومَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُهُمَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَالرُّجُوعِ لِلْخَوْفِ أَشْبَهَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِالْمُقَامِ على الْخَوْفِ لِلصَّوْمِ وَالصَّوْمُ يَجْزِيهِ في كل مَوْضِعٍ وإذا أُحْصِرَ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو عَدَدٌ كَثِيرٌ بِعَدُوٍّ مُشْرِكِينَ كَالْعَدُوِّ الذي أُحْصِرَ بِهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ فَكَانَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ على قِتَالِهِمْ أو لم تَكُنْ كان لهم الِانْصِرَافُ لِأَنَّ لهم تَرْكُ الْقِتَالِ إلَّا في النَّفِيرِ أو أَنْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَإِنْ كان النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعَ عَنْهُمْ اخْتَرْت ذلك لهم وَإِنْ كان النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ قتالهم ( ( ( قتلاهم ) ) ) اخْتَرْت قِتَالَهُمْ وَلُبْسَ السِّلَاحِ وَالْفِدْيَةِ وإذا أَحُصِرُوا بِغَيْرِ مُشْرِكِينَ اخْتَرْت الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ بِكُلِّ حَالٍ بَعْدَ الْإِحْلَالِ من الْإِحْصَارِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْإِحْصَارَ بِالْمُسْلِمِينَ إحْصَارٌ يَحِلُّ بِهِ الْمُحْرِمُ إذْ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أُحْصِرَ بِمُشْرِكِينَ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ اللَّهُ الْإِحْصَارَ بِالْعَدُوِّ مُطْلَقًا لم يُخَصِّصْ فيه إحْصَارًا بِكَافِرٍ دُونَ مُسْلِمٍ وكان الْمَعْنَى الذي ( ( ( للذي ) ) ) في الشِّرْكِ الْحَاضِرِ الذي أَحَلَّ بِهِ الْمُحْصَرُ الْخُرُوجَ من الْإِحْرَامِ خَوْفًا أَنْ يَنَالَ الْعَدُوُّ من الْمُحْرِمِ ما يَنَالُ عَدُوُّهُ فَكَانَ مَعْقُولًا في نَصِّ السُّنَّةِ أَنَّ من كان بِهَذِهِ الْحَالِ كان لِلْمُحْرِمِ عُذْرٌ بِأَنْ يَخْرُجَ من إحْرَامِهِ بِهِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ في الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا فقال إنْ صُدِدْت عن الْبَيْتِ صَنَعْنَا كما صَنَعْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يعنى أَحْلَلْنَا كما أَحْلَلْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلُ بن عُمَرَ هذا في مِثْلِ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت لِأَنَّهُ إنَّمَا كان بِمَكَّةَ بن الزُّبَيْرِ وَأَهْلُ الشَّامِ فَرَأَى أَنَّهُمْ إنْ مَنَعُوهُ أو خَافَهُمْ إنْ لم يَمْنَعُوهُ أَنْ يُنَالَ في غِمَارِ الناس فَهُوَ في حَالِ من أُحْصِرَ فَكَانَ له أَنْ يَحِلَّ وَإِنْ أُحْصِرَ بِمُشْرِكِينَ أو غَيْرِهِمْ فَأَعْطَوْهُمْ الْأَمَانَ على أَنْ يَأْذَنُوا لهم في أَنْ يَحِلُّوا لم يَكُنْ لهم الرُّجُوعُ وَكَانُوا كَغَيْرِ مُحْصَرِينَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَا يُوثَقُ بِأَمَانِهِ وَيُعْرَفُ غَدْرُهُمْ فَيَكُونُ لهم الِانْصِرَافُ إذَا كَانُوا هَكَذَا بَعْدَ الْإِحْلَالِ وَلَوْ كَانُوا مِمَّنْ يُوثَقُ بِأَمَانِهِ بَعْدُ فَأَعْطَوْهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيَحِلُّ على جُعْلٍ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ لم أَرَ أَنْ يُعْطُوهُمْ شيئا لِأَنَّ لهم عُذْرًا في الْإِحْصَارِ يَحِلُّ لهم بِهِ الْخُرُوجُ من الْإِحْرَامِ وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَنَالَ مُشْرِكٌ من مُسْلِمٍ أَخْذَ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْمَأْخُوذُ منهم الصَّغَارَ وَلَوْ فَعَلُوا ما حُرِّمَ ذلك عليهم وَإِنْ كَرِهْته لهم كما لَا يَحْرُمُ عليهم ما وَهَبُوا الْمُشْرِكِينَ من أَمْوَالِهِمْ وَمُبَاحٌ لِلْمُحْصَرِ قِتَالُ من مَنَعَهُ من الْبَيْتِ من الْمُشْرِكِينَ وَمُبَاحٌ له الأنصراف عَنْهُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فَقَاتَلَهُم

(2/161)


وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَلَوْ قَاتَلَهُمْ الْمُحْصَرُ فَقَتَلَ وَجَرَحَ وَأَصَابَ دَوَابَّ أنسية فَقَتَلَهَا لم يَكُنْ عليه في ذلك غُرْمٌ وَلَوْ قَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ لهم صَيْدًا يَمْلِكُونَهُ جَزَاهُ بمثله ولم يَضْمَنْ لهم شيئا وَلَوْ كان الصَّيْدُ لِمَنْ هو بين ظَهْرَانِيهِمْ من الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُهُمْ فَأَصَابَهُ جَزَاهُ بمثله وَضَمِنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ بِدَارِ حَرْبٍ فَيُبَاحُ ما فيها وَلَوْ كان الْوَحْشُ لِغَيْرِ مَالِكٍ جَزَاهُ الْمُحْرِمُ بمثله إنْ شَاءَ مَكَانَهُ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِدْيَةَ الرَّأْسِ في مَكَانِهِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بها كَعْبًا وَجَعَلَ الهدى في مَكَانِهِ وَنَحَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما سَاقَ من الهدى تَطَوُّعًا في مَكَانِهِ فَيَكُونُ حَالُ الْإِحْصَارِ غير حَالِ الْوُصُولِ وَلَوْ كَرِهْت أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الْبَيْتِ لم أَكْرَهْ ذلك إلَّا لَأَنْ يَحْدُثَ عليه حَدَثٌ فَلَا يقضي عنه وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ فَأَرَادُوا الْإِحْلَالَ ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ لم أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ غير مُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أو في الْمَوْضِعِ الذي أُحْصِرُوا فيه فَكَانَ الْمُحْرِمُ يُؤَمِّلُ انْصِرَافَهُمْ وَيَأْمَنُهُمْ في مَكَانِهِ لم أَرَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَيَّامًا ثَلَاثًا وَلَوْ زَادَ كان أَحَبَّ إلى وَلَوْ انْصَرَفَ بَعْدَ إحْلَالِهِ ولم يُتِمَّ ثَلَاثًا جَازَ له ذلك لِأَنَّ مَعْنَى انْصِرَافِ الْعَدُوِّ مُغَيَّبٌ وقد يُرِيدُونَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يُرِيدُونَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وانما كان مُقَامُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ مُرَاسَلَةَ الْمُشْرِكِينَ وَمُهَادَنَتَهُمْ وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ دُونَ مَكَّةَ وكان لِلْحَاجِّ طَرِيقٌ على غَيْرِ الْعَدُوِّ رَأَيْت أَنْ يَسْلُكُوا تِلْكَ الطَّرِيقَ إنْ كَانُوا يَأْمَنُونَ بها ولم يَكُنْ لهم رُخْصَةٌ في الْإِحْلَالِ وَهُمْ يَأْمَنُونَ فيها أَنْ يَصِلُوا إلَى الْبَيْتِ وَيَقْدِرُوا فَإِنْ كانت طَرِيقُهُمْ التي يَأْمَنُونَ فيها بَحْرًا لَا بَرًّا لم يَلْزَمْهُمْ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مَخُوفُ تَلَفٍ وَلَوْ فَعَلُوا كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ كان طَرِيقُهُمْ بَرًّا وَكَانُوا غير قَادِرِينَ عليه في أَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ كان لهم أَنْ يَحِلُّوا إذَا كَانُوا غير قَادِرِينَ على الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ مُحْصَرِينَ بِعَدُوٍّ فَإِنْ كان طَرِيقُهُمْ بَرًّا يَبْعُدُ وَكَانُوا قَادِرِينَ على الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَبَدَانِ وكان الْحَجُّ يَفُوتُهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ لم يَكُنْ لهم أَنْ يَحِلُّوا حتى يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْإِحْلَالِ من الْحَجِّ الطَّوَافُ وَالْقَوْلُ في أَنَّ عليهم الْإِعَادَةُ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عليهم وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ لِلْحَجِّ عليهم لِأَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ منه بِعَدُوٍّ وقد جاؤوا بِمَا عليهم مِمَّا قَدَرُوا من الطَّوَافِ وَمَنْ قال هذا قال وَعَلَيْهِمْ هدى لِفَوْتِ الْحَجِّ وهو الصَّحِيحُ في الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عليهم حَجًّا وَهَدْيًا وَهُمْ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مِمَّنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ إذَا صَارُوا إلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ وَلِهَذَا وَجْهٌ وَلَوْ وَصَلُوا إلَى مَكَّةَ وَأُحْصِرُوا فَمُنِعُوا عَرَفَةَ حَلَّوْا بِطَوَافٍ وسعى وَحِلَاقٍ وَذَبْحٍ وكان الْقَوْلُ في هذا كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَسَوَاءٌ الْمَكِّيُّ الْمُحْصَرُ إنْ أَقْبَلَ من أُفُقٍ مُحْرِمًا وَغَيْرُ الْمَكِّيِّ يَجِبُ على كُلٍّ ما يَجِبُ على كُلٍّ وَإِنْ أُحْصِرَ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ عن عَرَفَةَ فَهُوَ كَالْغَرِيبِ يُحْصَرُ بِمَكَّةَ عن عَرَفَةَ يَذْبَحَانِ وَيَطُوفَانِ وَيَسْعَيَانِ وَيَحِلَّانِ وَالْقَوْلُ في قَضَائِهِمَا كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ قبل مَسْأَلَتِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا من مَكَّةَ إذَا كان إهلاله بِالْحَجِّ وَلَوْ أَهَلَّا من مَكَّةَ فلم يَطُوفَا حتى أُخْرِجَا منها أو أَحُصِرَا في نَاحِيَتِهِمَا وَمُنِعَا الطَّوَافَ كَانَا كَمَنْ أُحْصِرَ خَارِجًا منها فى الْقِيَاسِ وَلَوْ تَرَبَّصَا لَعَلَّهُمَا يَصِلَانِ إلَى الطَّوَافِ كان احْتِيَاطًا حَسَنًا وَلَوْ أُحْصِرَ حَاجٌّ بَعْدَ عَرَفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ أو بِمِنًى أو بِمَكَّةَ فَمَنَعَ عَمَلَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَالطَّوَافَ كان له أَنْ يَذْبَحَ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَيَحِلَّ إذَا كان له الْخُرُوجُ من الْإِحْرَامِ كُلِّهِ كان له الْخُرُوجُ من بَعْضِهِ فَإِنْ كانت حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَحَلَّ إلَّا النِّسَاءَ قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كانت غير حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا قَضَاءَ عليه لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ بِعَدُوٍّ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ عن الْإِحْلَالِ حتى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفَ بِهِ وَيُهْرِيقَ دَمًا لِتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الْجِمَارِ وَدَمًا لِتَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى لَيَالِي مِنًى أَجْزَأَ ذلك عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَتَى طَافَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ بَعْدَ ذلك لِأَنَّهُ لو فَعَلَ هذا كُلَّهُ بَعْدَ إحْصَارٍ ثُمَّ أَهَرَاقَ له دَمًا أَجْزَأَ عنه من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ صَيْدًا فَدَاهُ وَإِنَّمَا يَفْسُدُ عليه أَنْ يجزئ عنه من حَجَّةِ
____________________

(2/162)


الْإِسْلَامِ النِّسَاءُ فَقَطْ لِأَنَّ الذي يُفْسِدُ الْحَجَّ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا فَعَلَ فيه وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ وَالْمَحْبُوسُ أَيَّ حَبْسٍ ما كان نَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ منه فَإِنْ كَانُوا مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَصَابُوا النِّسَاءَ قبل يَحِلُّونَ فَهُمْ مُفْسِدُونَ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِمْ مَعًا بَدَنَةٌ وَحَجٌّ بَعْدَ الْحَجِّ الذي أَفْسَدُوهُ وإذا أَصَابُوا ما فيه الْفِدْيَةُ كانت عليهم الْفِدْيَةُ ما لم يَحِلُّوا فإذا حَلُّوا فَهُمْ كَمَنْ لم يُحْرِمْ - * بَابُ الْإِحْصَارِ بِغَيْرِ حَبْسِ الْعَدُوِّ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يُهِلُّ بِالْحَجِّ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ فَيَمْنَعُهُ وَالِدَاهُ أو أَحَدُهُمَا أَرَى وَاسِعًا له أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ الْمُحْصَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إذَا كانت حَجَّةُ تَطَوُّعٍ فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ إذَا أَهَلَّ بها مَضَى فيها ولم يَكُنْ لِوَاحِدٍ من وَالِدِيهِ مَنْعُهُ بَعْدَ ما لَزِمَتْهُ وَأَهَلَّ بها فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت الْعَدُوَّ إذَا كان مَانِعًا مَخُوفًا فَأَذِنْت لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحِلَّ بِمَنْعِهِ أَفَتَجِدُ أَبَا الرَّجُلِ وَأُمَّهُ وَسَيِّدَ الْعَبْدِ وَزَوْجَ الْمَرْأَةِ في مَعْنَاهُ قِيلَ له نعم هُمْ في مَعْنَاهُ في أَنَّهُمْ مَانِعُونَ وفي أَكْثَرِ من مَعْنَاهُ في أَنَّ لهم الْمَنْعَ وَلَيْسَ لِلْعَدُوِّ الْمَنْعُ وَمُخَالِفُونَ له في أَنَّهُمْ غَيْرُ مَخُوفِينَ خَوْفَهُ فَإِنْ قال كَيْفَ جَمَعْت بَيْنَهُمْ وَهُمْ مُفْتَرِقُونَ في مَعْنًى وَإِنْ اجْتَمَعُوا في مَعْنًى غَيْرِهِ قُلْت اجْتَمَعُوا في مَعْنًى وراد ( ( ( وارد ) ) ) هَؤُلَاءِ أَنَّ لهم الْمَنْعُ وَحَفِظْت عن غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ غير حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ كان لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا وَحَفِظَتْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ فَكَانَ هذا على التَّطَوُّعِ دُونَ الفريضه وَكَانَتْ إذَا لم يَحِلَّ لها الصَّوْمُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَكَانَ له أَنْ يُفْطِرَهَا وَإِنْ صَامَتْ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ لها الصَّوْمُ وكان هَكَذَا الْحَجُّ وكان سَيِّدُ الْعَبْدِ أَقْدَرَ عليه من زَوْجِ الْمَرْأَةِ على الْمَرْأَةِ وكان حَقُّ أَحَدِ وَالِدَيْ الرَّجُلِ أَعْظَمُ عليه من حَقِّ الزَّوْجِ على الْمَرْأَةِ وَطَاعَتُهُمَا أَوْجَبَ فَبِهَذَا قُلْت ما وَصَفْت - * بَابُ الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم أَسْمَعْ مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ في أنها نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ إحْصَارُ عَدُوٍّ فَكَانَ في الْحَصْرِ إذْنُ اللَّهِ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ فيه بِمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى ثُمَّ بَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الذي يَحِلُّ منه الْمُحْرِمُ الْإِحْصَارُ بِالْعَدُوِّ فَرَأَيْت أَنَّ الْآيَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ عَامَّةٌ على كل حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ إلَّا من اسْتَثْنَى اللَّهُ ثُمَّ سَنَّ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْحَصْرِ بِالْعَدُوِّ وكان الْمَرِيضُ عِنْدِي مِمَّنْ عليه عُمُومُ الْآيَةِ وَقَوْلُ بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ يُوَافِقُ مَعْنَى ما قُلْت وَإِنْ لم يَلْفِظُوا بِهِ إلَّا كما حَدَّثَ عَنْهُمْ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ بن عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ لَا حَصْرَ يَحِلُّ منه الْمُحْصَرُ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مِثْلَ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّهُ قال من حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فإنه لَا يَحِلُّ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّهُ قال الْمُحْصَرُ لَا يَحِلُّ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَحَبَسَهُ سُلْطَانٌ فَإِنْ كان لِحَبْسِهِ غَايَةٌ يَرَى أَنَّهُ يَدْرِك مَعَهَا الْحَجَّ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ آمِنَةً بِمَكَّةَ لم يَحْلِلْ فَإِنْ أُرْسِلَ مَضَى وَإِنْ كان حَبْسُهُ مَغِيبًا عنه لَا تُدْرَى غَايَتُهُ أو كانت له غَايَةٌ لَا يَدْرِك مَعَهَا الْحَجَّ إذَا أُرْسِلَ أو لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَى بَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَحِلَّ كما يَحِلُّ الْمُحْصَرُ وَالْقِيَاسُ في هذا كُلِّهِ أَنَّهُ مُحْصَرٌ كَحَصْرِ الْعَدُوِّ وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ تُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيَمْنَعُهَا زَوْجُهَا وَمِثْلُهَا الْعَبِيدُ يُهِلُّونَ فَيَمْنَعُهُمْ ساداتهم ( ( ( سادتهم ) ) )

(2/163)


وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ من لُبْسِ الثِّيَابِ التي لَا بُدَّ له منها صَنَعَ ذلك وَافْتَدَى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ أَيُّ مَرَضٍ ما كان وَسَوَاءٌ ذَهَبَ عَقْلُهُ أو ( ( ( فيما ) ) ) لم يَذْهَبْ وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى دَوَاءٍ يداوى بِهِ دووى وَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَدَى عنه فِدْيَةَ ذلك الدَّوَاءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَمَرْت الذَّاهِبَ الْعَقْلَ أَنْ يفتدى عنه وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عنه في حاله ( ( ( حال ) ) ) تِلْكَ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّمَا يُدَاوِيه من يَعْقِلُ وَالْفِدْيَةُ لَازِمَةٌ بِأَنَّ فَاعِلَهَا يَعْقِلُ وَهِيَ على الْمُدَاوِي له في مَالِهِ إنْ شَاءَ ذلك الْمُدَاوِي لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ من الْمُدَاوِي على الْمُدَاوَى وَإِنْ غَلَبَ الْمُحْرِمُ على عَقْلِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه جَزَاءَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِإِصَابَةِ الصَّيْدِ جَزَاءٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كما يَلْزَمُهُ لو قَتَلَهُ لِرَجُلٍ وَالْقَاتِلُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ لِرَجُلٍ مَالًا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَيَحْتَمِلُ حَلْقُهُ شَعْرَهُ هذا الْمَعْنَى في الْوَجْهَيْنِ جميعا وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا شَيْءَ عليه من قِبَلِ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه وَأَصْلُ الصَّيْدِ ليس بِمُحَرَّمٍ وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِنَّمَا جُعِلَ هذا عُقُوبَةٌ على من أَتَاهُ تَعَبُّدًا لِلَّهِ وَالْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ في حَالِ غَلَبَتِهِ وَلَيْسَ كَأَمْوَالِ الناس الْمَمْنُوعَةِ بِكُلِّ حَالٍ كَالْمُبَاحِ إلَّا في حَالٍ ( قال ) وَلَوْ أَصَابَ امْرَأَتَهُ احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وكان أَخَفَّ لِأَنَّهُ ليس في إصَابَتِهِ لِامْرَأَتِهِ إتْلَافٌ لِشَيْءٍ فَأَمَّا طِيبُهُ وَلُبْسُهُ فَلَا شَيْءَ عليه فيه من قِبَلِ أَنَّا نَضَعُهُ عن الْجَاهِلِ الْعَاقِلِ وَالنَّاسِي الْعَاقِلِ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُوضَعَ عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس في وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلَافٌ لِشَيْءٍ وقد يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ من الْمَغْلُوبِ الْعَقْلِ أَنْ يُقَاسَ على هذا لِأَنَّهُ ليس بِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إذَا غَلَبَ على عَقْلِهِ كَيْفَ لم تَزْعُمْ أَنَّهُ خَارِجٌ من الْإِحْرَامِ كما أَنَّهُ خَارِجٌ من الصَّلَاةِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ اخْتِلَافُهُمَا قِيلَ يَحْتَاجُ المصلى إلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا في صَلَاتِهِ عَاقِلًا لها وَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لها كُلُّهَا لِأَنَّ كُلَّهَا عَمَلٌ لَا يَجْزِيه غَيْرُهُ وَالْحَاجُّ يَجُوزُ له كَثِيرٌ من عَمَلِ الْحَجِّ وهو جُنُبٌ وَتَعْمَلُهُ الْحَائِضُ كُلَّهُ إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما أَقَلُّ ما يجزى الْحَاجَّ أَنْ يَكُونَ فيه عَاقِلًا قِيلَ له عَمَلُ الْحَجِّ على ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ يُحْرِمَ وهو يَعْقِلُ وَيَدْخُلُ عَرَفَةَ في وَقْتِهَا وهو يَعْقِلُ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وهو يَعْقِلُ فإذا جَمَعَ هذه الْخِصَالَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فيما بَيْنَهَا فَعَمِلَ عنه أَجْزَأَ عنه حَجُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في دُخُولِ عَرَفَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في مَكِّيٍّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ أو غَرِيبٍ دَخَلَهَا مُحْرِمًا فَحَلَّ ثُمَّ أَقَامَ بها حتى أَنْشَأَ الْحَجَّ منها فَمَنَعَهُمَا مَرَضٌ حتى فَاتَهُمَا الْحَجُّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَانِ أو يُقَصِّرَانِ فإذا كان قَابِلٌ حَجَّا وَأَجْزَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْرُجَ من الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا مُعْتَمِرَيْنِ قَطُّ إنَّمَا يَخْرُجَانِ بِأَقَلِّ ما يَخْرُجُ بِهِ من عَمَلِ الْحَجِّ إذَا لم يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَعْمَلَا بِعَرَفَةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَذَلِكَ طَوَافٌ وسعى وَأَخْذٌ من شَعْرِهِ فَإِنْ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يعنى الْمُحْصَرَ بِالْمَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ وَمَرْوَان بن الْحَكَمِ وبن الزُّبَيْرِ أَفْتَوْا بن حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ وَأَنَّهُ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وهو مُحْرِمٌ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ له منه ويفتدى فإذا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ من إحْرَامِهِ وكان عليه أَنْ يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا ويهدى
أخبرنا مَالِكٌ عن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عن رَجُلٍ من أَهْلِ الْبَصْرَةِ كان قَدِيمًا أَنَّهُ قال خَرَجْت إلَى مَكَّةَ حتى إذَا كُنْت بِالطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي فَأُرْسِلْت إلَى مَكَّةَ وَبِهَا عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهم ( ( ( عنهما ) ) ) وَالنَّاسُ فلم يُرَخِّصْ لي أَحَدٌ في أَنْ أَحِلَّ فَأَقَمْت على ذلك الْمَاءِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَلْت بِعُمْرَةٍ
أخبرنا إسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ عن رَجُلٍ كان قَدِيمًا وَأَحْسَبُهُ قد سَمَّاهُ وَذَكَرَ نَسَبَهُ وَسَمَّى الْمَاءَ الذي أَقَامَ بِهِ الدَّثْنَةُ وَحَدَّثَ شَبِيهًا بِمَعْنَى حديث مَالِكٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عن عَائِشَةَ أنها كانت تَقُولُ الْمُحْرِمُ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ

(2/164)


قَائِلٌ فَكَيْفَ بِمَا روى عن عُمَرَ من هذا قِيلَ له على مَعْنَى ما قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قال لِسَائِلِهِ اعْمَلْ ما يَعْمَلُ الْمُعْتَمِرُ ولم يَقُلْ له إنَّك مُعْتَمِرٌ وقال له اُحْجُجْ قَابِلًا وَأَهْدِ وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لم يَكُنْ عليه حَجٌّ وكان مُدْرِكًا لِلْعُمْرَةِ وفي أَمْرِهِ وَأَمْرِنَا إيَّاهُ بِحَجٍّ قَابِلٍ دَلَالَةٌ على أَنَّ إحْرَامَهُ حَجٌّ وَأَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ عُمْرَةً وَلَوْ انْقَلَبَ عُمْرَةً لم يَجُزْ أَنْ نأمره ( ( ( تأمره ) ) ) بِحَجٍّ قَابِلٍ قَضَاءً وَكَيْفَ يَقْضِي ما قد انْقَلَبَ عنه وَلَكِنْ أمره بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ فَائِتٌ له وقد جاء من فَاتَهُ الْحَجُّ فَسَأَلَ عُمَرَ وهو يَنْحَرُ وَلَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ قد دخل الْحَرَمَ قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ من لَيْلَةِ النَّحْرِ فَلَوْ كان حَجُّهُ صَارَ عُمْرَةً حين طَلَعَ الْفَجْرُ من لَيْلَةِ النَّحْرِ وكان الْحَجُّ فَائِتًا لَأَمَرَهُ عُمَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ إلَى الْحِلِّ فَيُلَبِّيَ منه وَلَكِنَّهُ كما وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا كَقَوْلِ من قال صَارَ عُمْرَةً وَإِنَّمَا قَوْلُ من قال صَارَ عُمْرَةً بِغَلَطٍ إلَى قَوْلِهِ يعنى صَارَ عَمَلُهُ عُمْرَةً وَسَقَطَ بَعْضُ عَمَلِ الْحَجِّ إذَا فَاتَتْ عَرَفَةُ وَلَوْ كان صَارَ عُمْرَةً أَجْزَأَ عنه من عُمْرَةٍ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَةٍ لو نَذَرَهَا فَنَوَاهَا عِنْدَ فَوْتِ الْحَجِّ له وهو لَا يجزى من وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَحُبِسَ عن الْحَجِّ بِمَرَضٍ أو ذَهَابِ عَقْلٍ أو شَغْلٍ أو تَوَانٍ أو خَطَأِ عَدَدٍ ثُمَّ أَفَاقَ من الْمَرَضِ في حِينِ يَقْدِرُ على إتْيَانِ الْبَيْتِ لم يَحْلِلْ من شَيْءٍ من إحْرَامِهِ حتى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ عَامَهُ الذي أَحْرَمَ فيه لم يَحْلِلْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ فَاتَهُ حَجُّ عَامِهِ الذي أَحْرَمَ فيه حَلَّ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحَلَقَ أو قَصَّرَ فَإِنْ كان إهْلَالُهُ بِحَجٍّ فَأَدْرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان إهْلَالُهُ بِحَجٍّ فَفَاتَهُ خَرَجَ منه بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ أو بَعْدَ ذلك وما اسْتَيْسَرَ من الهدى وَإِنْ كان قَارِنًا فَأَدْرَكَ الْحَجَّ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَالْعُمْرَةَ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَجَّ بِالطَّوَافِ والسعى وَالْحَلْقِ أو التَّقْصِيرِ وكان عليه أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَقْرُونَيْنِ لَا يَزِيدُ على ذلك شيئا كما إذَا فَاتَهُ صَلَاةٌ أو صَوْمٌ أو عُمْرَةٌ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَقْضِيَ ذلك بمثله لَا يَزِيدُ على قَضَائِهِ شيئا غَيْرَهُ وإذا فَاتَهُ الْحَجُّ فَجَاءَ بَعْدَ عَرَفَةَ لم يَقُمْ بِمِنًى ولم يَعْمَلْ من عَمَلِ الْحَجِّ شيئا وقد خَرَجَ من عَمَلِ الْحَجِّ مُفْرِدًا كان أو قَارِنًا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ من طَوَافٍ وسعى وَحَلْقٍ أو تَقْصِيرٍ وَحَجٌّ قَابِلٌ أَحَبُّ إلى فَإِنْ أَخَّرَ ذلك فَأَدَّاهُ بَعْدُ أَجْزَأَ عنه كما يُؤَخِّرُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَعْوَامًا فَيُؤَدِّيهَا عنه مَتَى أَدَّاهَا وَإِنْ اُضْطُرَّ قبل الْإِحْلَالِ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عليه فيه فِدْيَةٌ إذَا كان مُحْرِمًا أو أَصَابَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وكان إذَا لم يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ كَامِلَ الْإِحْرَامِ قبل فَوْتِ الْحَجِّ وَبَعْدَهُ يَجِبُ عليه الْفِدْيَةُ فِيمَا فيه فِدْيَةٌ وَالْفَسَادُ فِيمَا فيه فَسَادٌ لَا يَخْتَلِفُ ذلك لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ عليه وَلَوْ كان مِمَّنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَحِلُّ بهدى يَبْعَثُ بِهِ فَبَعَثَ بهدى وَنَحْرٍ أو ذَبْحٍ عنه وَحَلَّ كان كَمَنْ حَلَّ ولم يَبْعَثْ بهدى ولم يَنْحَرْ ولم يَذْبَحْ عنه حَرَامًا بِحَالِهِ وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَرَامًا بِحَالِهِ وَلَوْ صَحَّ وقد بَعَثَ بهدى فَمَضَى إلَى الْبَيْتِ من فَوْرِهِ ذلك وقد ذَبَحَ الهدى لم يَجُزْ ذلك الهدى عنه من شَيْءٍ وَجَبَ عليه في إحْرَامِهِ فِدْيَةٌ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ لِأَنَّهُ ذَبَحَهُ عَمَّا لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ الهدى قبل أَنْ يَذْبَحَ فَحَبَسَهُ كان ذلك له ما لم يَتَكَلَّمْ بِإِيجَابِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الهدى قبل أَنْ يَنْحَرَ أو يَذْبَحَ وقد أَوْجَبَهُ بِكَلَامٍ يُوجِبُهُ كان وَاجِبًا أَنْ يَذْبَحَ وكان كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وكان كَمَنْ أَوْجَبَهُ تَطَوُّعًا وكان كَمَنْ أَعْتَقَ عن شَيْءٍ لم يَلْزَمْهُ فيه الْعِتْقُ فَالْعِتْقُ مَاضٍ تَطَوُّعًا وَلَوْ لم يُوجِبْ الهدى بِكَلَامٍ وَبَعَثَ بِهِ فَأَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَذْبَحَ كان مَالًا من مَالِهِ وَلَوْ لم يُوجِبْهُ بِكَلَامٍ وَقَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ وَبَعَثَ بِهِ فَأَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَذْبَحَ فَمَنْ قال نِيَّتُهُ في هَدْيِهِ وَتَجْلِيلِهِ وَتَقْلِيدِهِ وَإِعْلَامِهِ أَيْ عَلَامَاتِ الْحَجِّ أَعْلَمُهُ يُوجِبُهُ عليه كان كَالْكَلَامِ بِهِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلُ أَشْبَهَ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْعَمَلِ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَمَلِ في
____________________

(2/165)


نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّينَ فلم يُوجِبْ عليه لِلْآدَمِيِّينَ الا ما تَكَلَّمَ بِهِ ولم يَلْزَمْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إلَّا ما تَكَلَّمَ بِهِ مِمَّا يَكُون فيه الْكَلَامُ وقال فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل تَجْزِيهِ النِّيَّةُ وَالْعَمَلُ كما تَجْزِيهِ في الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ولم يَتَكَلَّمْ بِفَرْضِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا حَجٍّ إلَّا أَنَّهُ نَوَاهُ وَعَمِلَهُ وَالْمَكِّيُّ يُهِلُّ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ أو الْحِلُّ من مِيقَاتٍ أو غَيْرِ مِيقَاتٍ ثُمَّ يَمْرَضُ أو يَغْلِبُ على عَقْلِهِ أو يَفُوتُهُ الْحَجُّ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان مِثْلَ الْغَرِيبِ لَا يُزَايِلُهُ يَحِلُّ بِطَوَافٍ وسعى وَحَلْقٍ أو تَقْصِيرٍ وَيَكُونُ عليه حَجٌّ بَعْدَ حَجِّهِ الذي فَاتَهُ وَأَنْ يهدى ما اسْتَيْسَرَ من الهدى شَاةً - * بَابُ فَوْتِ الْحَجِّ بِلَا حَصْرِ عَدُوٍّ وَلَا مَرَضٍ وَلَا غَلَبَةٍ على الْعَقْلِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وفي حديث يحيى عن سُلَيْمَانَ دَلَالَةٌ عن عُمَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ مُعْتَمِرٍ لَا أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ وَإِنْ كان الذي يَفُوتُهُ الْحَجَّ قَارِنًا حَجَّ قَارِنًا وَقَرَنَ وَأَهْدَى هَدْيًا لِفَوْتِ الْحَجِّ وَهَدْيًا لِلْقِرَانِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُقِيمَ إلَى قَابِلٍ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لم يَكُنْ ذلك له وإذا لم يَكُنْ ذلك له فَهَذَا دَلَالَةٌ على ما قُلْنَا من أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ مَعْلُومَاتٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ حُظِرَ الْحَجُّ في غَيْرِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تَقُلْ أَنَّهُ يُقِيمُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ إلَى قَابِلٍ قِيلَ لِمَا وَصَفْت من الْآيَةِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ وبن عُمَرَ وما لَا أَعْلَمُ اخْتَلَفُوا فيه وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لو كان له أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ إلَى أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا كان عليه الْمُقَامُ ولم يَكُنْ له الْخُرُوجُ من عَمَلٍ يَقْدِرُ على الْمُقَامِ فيه حتى يُكْمِلَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَا كَذَلِكَ الْعُمْرَةَ وَكُلُّ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ كان له الْمُقَامُ فيها كان عليه أَنْ يُقِيمَ فيها حتى يُكْمِلَهَا إذَا كانت مِمَّا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس وَبَعْضُ مَكِّيِّينَا في مَحْبُوسٍ عن الْحَجِّ بِمَرَضٍ فَقَالُوا هو وَالْمُحْصَرُ بعدو ( ( ( بعد ) ) ) لا يَفْتَرِقَانِ في شَيْءٍ وقال ذلك بَعْضُ من لَقِيت منهم وقال يَبْعَثُ الْمُحْصَرُ بالهدى وَيُوَاعِدُهُ الْمَبْعُوثُ بالهدى معه يَوْمًا يَذْبَحُهُ فيه عنه وقال بَعْضُهُمْ يَحْتَاطُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ بَعْدَ مَوْعِدِهِ ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ ثُمَّ يَحِلُّ وَيَعُودُ إلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ إحْرَامِهِ الذي فَاتَهُ وقال بَعْضُ مَكِّيِّينَا كما فَاتَهُ لَا يَزِيدُ عليه وقال بَعْضُ الناس بَلْ إنْ كان مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجًّا وَعُمْرَةً لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً وَأَحْسَبُهُ قال فَإِنْ كان قَارِنًا فَحَجًّا وَعُمْرَتَيْنِ لِأَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من فَاتَهُ الْحَجُّ لَا بِحَصْرِ الْعَدُوِّ وَلَا مَحْبُوسًا بِمَرَضٍ وَلَا ذَهَابِ عَقْلٍ بِأَيِّ وَجْهٍ ما فَاتَهُ من خَطَأِ عَدَدٍ أو إبْطَاءٍ في مَسِيرِهِ أو شَغْلٍ أو تَوَانٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وَالْمَرِيضُ وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ يَفُوتُهُ الْحَجَّ يَجِبُ على كُلٍّ الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحِلَاقُ أو التَّقْصِيرُ وما وَجَبَ على بَعْضِهِمْ وَجَبَ على كُلٍّ غير أَنَّ الْمُتَوَانِي حتى يَفُوتَهُ الْحَجُّ آثِمٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عنه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من أَثَرٍ فِيمَا قُلْت قُلْت نعم في بَعْضِهِ وَغَيْرُهُ في مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قال من أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ من الْحَاجِّ فَوَقَفَ بِحِيَالِ عَرَفَةَ قبل أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ لم يُدْرِكْ عَرَفَةَ فَيَقِفُ بها قبل أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَلْيَطُفْ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلِقْ أو يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ وَإِنْ كان معه هدى فَلْيَنْحَرْهُ قبل أَنْ يَحْلِقَ فإذا فَرَغَ من طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أو يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ قَابِلًا فَلْيَحْجُجْ إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيَهْدِ في حَجِّهِ فَإِنْ لم يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال أخبرني سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَرَجَ حَاجًّا حتى إذَا كان بِالْبَادِيَةِ من طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ وَأَنَّهُ قَدِمَ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ يَوْم النَّحْرِ فذكر ذلك له فقال له اصْنَعْ كما يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قد حَلَلْت فإذا أَدْرَكَك الْحَجُّ قَابِلًا حُجَّ وَأَهْدِ ما اسْتَيْسَرَ من الهدى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنْ هَبَّارَ بن الْأَسْوَدِ جاء وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فقال له عُمَرُ اذْهَبْ فَطُفْ وَمَنْ مَعَك وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كان مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أو قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فإذا كان قَابِلٌ حُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ

(2/166)


حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً وَإِنْ كان مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً وقال لي بَعْضُ من ذَهَبَ إلَى هذا الْقَوْلِ لَا نُخَالِفُك في أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ نَزَلَتْ في الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّهُ إحْصَارُ عَدُوٍّ أَفَرَأَيْت إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُحْصَرِ بِمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى ثُمَّ سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّبْحَ وَالْإِحْلَالَ كَيْفَ لم تَجْعَلْ الْمُحْصَرَ بِالْمَرَضِ قِيَاسًا على الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ أَنْ تَحْكُمَ له حُكْمَك له فَقُلْت له الْأَصْلُ على الْفَرْضِ إتْمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ وَالرُّخْصَةِ في الْإِحْلَالِ لِلْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ فَقُلْنَا في كُلٍّ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل ولم نَعْدُ بِالرُّخْصَةِ مَوْضِعَهَا كما لم نَعْدُ بِالرُّخْصَةِ الْمَسْحَ على الْخُفَّيْنِ ولم نَجْعَلْ عِمَامَةً وَلَا قُفَّازَيْنِ قِيَاسًا على الْخُفَّيْنِ فقال فَهَلْ يَفْتَرِقُ الاحصار ( ( ( الحصار ) ) ) بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ قُلْت نعم قال وَأَيْنَ قُلْت الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ خَائِفٌ الْقَتْلَ على نَفْسِهِ إنْ أَقْدَمَ عليه وَغَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ منه إذَا أَقْدَمَ عليه وقد رَخَّصَ لِمَنْ لقى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَتَحَرَّفَ لِلْقِتَالِ أو يَتَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ فإذا فَارَقَ الْمُحْصَرُ مَوْضِعَهُ رَاجِعًا صَارَ إلَى حَالٍ أَحْسَنَ من حَالِهِ في التَّقَدُّمِ وَالْمُقَامِ لِمُزَايِلَةِ الْخَوْفِ إلَى الْأَمْنِ وَالْمَرِيضُ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي لَا هو خَائِفٌ بَشَرًا وَلَا صَائِرٌ بِالرُّجُوعِ إلَى أَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ وَلَا حَالٌ يَنْتَقِلُ عنه إلَّا رَجَاءَ الْبِرِّ وَاَلَّذِي يَرْجُوهُ في تَقَدُّمِهِ رَجَاؤُهُ في رُجُوعِهِ وَمُقَامِهِ حتى يَكُونَ الْحَالُ بِهِ مُعْتَدِلًا له في الْمُقَامِ وَالتَّقَدُّمِ إلَى الْبَيْتِ وَالرُّجُوعِ فَالْمَرِيضُ أَوْلَى أَنْ لَا يُقَاسَ على الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ من الْعِمَامَةِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَالْبُرْقُعِ على الْخُفَّيْنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَجْهَلَ ما وَصَفْنَا من الْأَصْلِ في إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّ المستثني الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَقُلْنَا الْحَبْسُ ما كان كَالْعَدُوِّ جَازَ لنا لو ضَلَّ رَجُلٌ طَرِيقًا أو أَخْطَأَ عَدَدًا حتى يَفُوتَهُ الْحَجُّ أَنْ يَحِلَّ فقال بَعْضُهُمْ إنَّا إنَّمَا اعْتَمَدْنَا في هذا على الشَّيْءِ رَوَيْنَاهُ عن بن مَسْعُودٍ وَبِهِ قُلْنَا قلت لو لم يُخَالِفْهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ سَمَّيْنَا أنا قُلْنَا بِقَوْلِهِ أَمَا كُنْتَ مَحْجُوجًا بِهِ قال وَمِنْ أَيْنَ قلت أَلَسْنَا وَإِيَّاكُمْ نَزْعُمُ أَنَّ رَجُلَيْنِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو اخْتَلَفَا فَكَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ كان الْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ بِالْقُرْآنِ فَقَوْلُنَا أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ بِمَا وَصَفْتُ لَك أو رَأَيْتَ لو لم نَسْتَدِلَّ على قَوْلِنَا وَقَوْلِك بِالْقُرْآنِ وكان قَوْلُنَا أَصَحَّ في الِابْتِدَاءِ وَالْمُتَعَقَّبِ من قَوْلِك أَكَانَ قَوْلُنَا أَوْلَى أَنْ يُذْهَبَ إلَيْهِ قال بَلَى إنْ كان كما تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كما أَقُولُ وَمَعَنَا ثَلَاثَةٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَثَلَاثَةٌ أَكْثَرُ عَدَدًا من وَاحِدٍ قال فَأَيْنَ هو أَصَحُّ قلت أَرَأَيْت إذَا مَرِضَ فَأَمَرْتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بهدى وَيُوَاعِدَهُ يَوْمًا يَذْبَحُ فيه عنه الهدى ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ وَيَحِلُّ أَلَسْتَ قد أَمَرْتَهُ بِأَنْ يَحِلَّ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ الهدى لم يَبْلُغْ مَحِلَّهُ وَأَنْتَ تَعِيبُ على الناس أَنْ يَأْمُرُوا أَحَدًا بِالْخُرُوجِ من شَيْءٍ لَزِمَهُمْ بِالظُّنُونِ قال فَإِنَّا لَا نَقُولُ بِظَنٍّ وَلَكِنْ بِالظَّاهِرِ قُلْت الظَّاهِرُ في هذا ظَنٌّ وَلَوْ خَرَجَ الظَّاهِرُ في هذا من أَنْ يَكُونَ ظَنًّا كُنْتَ أَيْضًا مُتَنَاقِضَ الْقَوْلِ فيه قال وَمِنْ أَيْنَ قلت إذَا كان الْحُكْمُ في أَمْرِكَ الْمَرِيضَ بِالْإِحْلَالِ بِالْمَوْعِدِ بِذَبْحِ الهدى وكان الظَّاهِرُ عِنْدَك أَنَّهُ قد حَلَّ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ أَنَّ الهدى عَطِبَ أو ضَلَّ أو سُرِقَ وقد أَمَرْتَهُ بِالْإِحْلَالِ فَحَلَّ وَجَامَعَ وَصَادَ ( قال ) يَكُونُ عليه جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةُ وَيَعُودُ حَرَامًا كما كان قلت وَهَكَذَا لو بَعَثَ الهدى عِشْرِينَ مَرَّةً وَأَصَابَهُ مِثْلُ هذا قال نعم قلت أَفْلَسْتَ قد أَبَحْتَ له الْإِحْلَالَ ثُمَّ جَعَلْتَ عليه الْفِدْيَةَ فِيمَا أَبَحْتَ له وَالْفَسَادَ فيه وَجَعَلْتَهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ حَلَالًا أَيَّامًا وَحَرَامًا أَيَّامًا فَأَيُّ قَوْلٍ أَشَدُّ تَنَاقُضًا وَأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ من هذا وَأَيُّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ من قَوْلٍ أَوْلَى أَنْ تَرُدَّهُ الْعُقُولُ من هذا وقال أَيْضًا في الرَّجُلِ تَفُوتُهُ عَرَفَةَ ويأتى يَوْمُ النَّحْرِ فقال كما قُلْنَا يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ ثُمَّ خَالَفَنَا فقال لَا هدى عليه وروي فيه حَدِيثًا عن عُمَرَ أَنَّهُ لم يذكر فيه أَمْرٌ بالهدى قال وَسَأَلْتُ زَيْدَ بن ثَابِتٍ بَعْدَ ذلك بِعِشْرِينَ سَنَةً فقال كما قال عُمَرُ وقال قد رَوَيْنَا هذا عن عُمَرَ ( قال ) فَإِلَى قَوْلِ من ذَهَبْتُمْ فقلت رَوَيْنَا عن عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا من أَمَرَهُ بالهدى قال رَوَيْتُمُوهُ
____________________

(2/167)


مُنْقَطِعًا وَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ قُلْنَا فَحَدِيثُك الْمُتَّصِلُ يُوَافِقُ حَدِيثَنَا عن عُمَرَ وَيَزِيدُ عليه الهدى وَاَلَّذِي يَزِيدُ في الحديث أَوْلَى بِالْحِفْظِ من الذي لم يَأْتِ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك قال لَا أُثْبِتُهُ لَك بِالْحَالِ عن عُمَرَ مُنْقَطِعًا فَهَلْ تَرْوِيه عن غَيْرِ عُمَرَ قُلْنَا نعم عن بن عُمَرَ كما قُلْنَا مُتَّصِلًا قال فَكَيْفَ اخْتَرْتَ ما رَوَيْتَ عن بن عُمَرَ على ما رَوَيْنَا عن عُمَرَ قُلْنَا رَوَيْنَا عن عُمَرَ مِثْلَ رِوَايَتِنَا عن بن عُمَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ مُتَّصِلًا قال أَفَذَهَبْتَ فِيمَا اخْتَرْت من قَوْلِ بن عُمَرَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ تَقْلِيدِ بن عُمَرَ فَيَكُونُ لنا تَقْلِيدُ عُمَرَ على بن عُمَرَ فقلت له نعم ذَهَبْتَ إلَى ما يَلْزَمُك أنت خَاصَّةً أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُ الناس حتى يَكُونَ عَلَيْكَ تَرْكُ قَوْلِكَ لِقَوْلِنَا قال وَأَيْنَ قُلْت له زَعَمْت أَنَّ الْحَائِضَ إذَا لم تَطْهُرْ إلَى عَرَفَةَ وَهِيَ مُعْتَمِرَةٌ رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وأهراقت لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ دَمًا وكان عليها قَضَاؤُهَا ثُمَّ قُلْتُمْ هذا فِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ من الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ قال قد قُلْتُهُ في الْحَائِضِ وَفِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ من الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ ثُمَّ شَكَكْتُ في الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ وأنا ثَابِتٌ على الْحَائِضِ بِمَا رَوَيْنَا فيها فَقُلْت له وَلِمَ شَكَكْت هل كان عليها أَنْ تَهْرِيقَ دَمًا عِنْدَك إلَّا لِفَوْتِ الْعُمْرَةِ قال فَإِنْ قُلْت ليس لِفَوْتِ الْعُمْرَةِ قلت فَقُلْ ما شِئْتَ قال لِخُرُوجِهَا من الْعُمْرَةِ بِلَا فَوْتٍ لِأَنَّهَا لو شَاءَتْ أَقَامَتْ على الْعُمْرَةِ قلت فما تَقُولُ إنْ لم يُرْهِقْهَا الْحَجُّ فَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ من الْعُمْرَةِ بِدَمٍ تَهْرِيقُهُ ثُمَّ تَحُجُّ وَتَقْضِي الْعُمْرَةَ قال ليس ذلك لها قُلْت فَهَلْ أَمَرْتَهَا بِالْخُرُوجِ من الْعُمْرَةِ إلَّا بِفَوْتِهَا عِنْدَك وَهِيَ لو أَقَامَتْ على الْعُمْرَةِ لم يَكُنْ عليها شَيْءٌ وَالْحَاجُّ عِنْدَك إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لم يَكُنْ له الْمُقَامُ على الْحَجِّ وكان قد خَرَجَ منه قَبْلُ يُكْمِلُهُ كما خَرَجَتْ الْحَائِضُ من الْعُمْرَةِ قبل تُكْمِلُهَا فَلِمَ جَعَلْتَ على الْحَائِضِ دَمًا لِخُرُوجِهَا قبل إكْمَالِ الْإِحْرَامِ الذي لَزِمَهَا ولم تَجْعَلْ ذلك على الْحَاجِّ وقد خَرَجَ منه قبل إكْمَالِ الْإِحْرَامِ الذي لَزِمَهُ وَاجْتَمَعَا في هذا الْمَعْنَى وفي أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ ما خَرَجَا منه فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا في الدَّمِ وَقُلْتُمْ عن بن عُمَرَ أن رَجُلًا لو كان عليه صَوْمٌ من شَهْرِ رَمَضَانَ فَنَسِيَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَمَضَانُ آخَرُ فَصَامَهُ أَنَّهُ يَصُومُ بَعْدَهُ ما عليه من الشَّهْرِ لِرَمَضَانَ الذي نسى وَيَتَصَدَّقُ عن كل يَوْمٍ على مِسْكِينٍ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِالصَّوْمِ في مَوْضِعِهِ فَالْحَاجُّ يَفُوتُهُ الْحَجُّ في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَأَوْلَى أَنْ تَقُولُوا بِهِ فيه وَخَالَفَنَا أَيْضًا فقال إنْ كان الذي فَاتَهُ الْحَجُّ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ حَجّ وَعُمْرَةٌ وَإِنْ كان قَارِنًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَتَانِ فقلت له أَقَلْتَ هذا خَبَرًا أَمْ قِيَاسًا فلم يذكر خَبَرًا نَرَاهُ وَلَا عِنْدَهُ هو إذَا أَنْصَفَ حُجَّةً قال قلته قِيَاسًا قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْتَهُ قال إنَّ عُمَرَ قال اعْمَلْ ما يَعْمَلُ الْمُعْتَمِرُ فَدَلَّ هذا على أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً فقلت له لَمَّا لم يَكُنْ يَخْرُجُ من الْإِحْرَامِ إلَّا بِطَوَافٍ وسعى في حَجٍّ كان أو عُمْرَةٍ وكان الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ كَمَالَ ما يَخْرُجُ بِهِ من الْعُمْرَةِ وَعَرَفَةَ وَالْجِمَارِ وَمِنًى وَالطَّوَافُ كَمَالُ ما يَخْرُجُ بِهِ من الْحَجِّ فَكَانَ إذَا فَاتَتْهُ عَرَفَةُ لَا حَجَّ له وَلَا عَمَلَ عليه من عَمَلِ الْحَجِّ فَقِيلَ اُخْرُجْ بِأَقَلَّ ما يَخْرُجُ بِهِ من الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ عَمَلُ مُعْتَمِرٍ لَا أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً أَرَأَيْت لو كانت عليه عُمْرَةٌ وَاجِبَةٌ فَنَوَى بهذا الْحَجَّ عُمْرَةً فَفَاتَتْهُ أيقضى الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ عنه قال لَا لِأَنَّهُ عَقَدَهُ حَجًّا قُلْت فإذا عَقَدَهُ حَجًّا لم يَصِرْ عِنْدَك عُمْرَةً تَجْزِي عنه قال لَا فَقُلْت فَمِنْ أَيْنَ زَعَمْتَ أَنَّهُ عُمْرَةٌ وهو لَا يجزئ عنه من عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَوْ ابْتَدَأَ بِإِحْرَامِهِ ابْتَدَأَ الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ عليه وَقُلْتُ له وَلَوْ كان صَارَ عُمْرَةً كان أَبْعَدَ لِقَوْلِك أَنْ لَا تَقُولَ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ لِأَنَّهُ قد قَضَى الْعُمْرَةَ وَإِنَّمَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَعُمْرَةٌ فقال إنَّمَا قُلْته لِأَنَّ الْحَجَّ تَحَوَّلَ عُمْرَةً فَفَاتَهُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ فقلت له ما أَعْلَمُكَ تُورِدُ حُجَّةً إلَّا كانت عَلَيْك أَرَأَيْتَ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ مَتَى صَارَ عُمْرَةً قال بَعْدَ عَرَفَةَ قُلْت فَلَوْ ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ بَعْدَ عَرَفَةَ بِعُمْرَةٍ أَيَكُونُ غير مُحْرِمٍ بها أو مُحْرِمًا يَجْزِيه الْعَمَلُ عنها وَلَا يَقْضِيهَا قال فَنَقُولُ مَاذَا قلت أَيُّهُمَا قُلْتَ فَقَدْ لَزِمَك تَرْكُ ما احْتَجَجْتَ بِهِ قال فَدَعْ هذا قلت أَقَاوِيلُك مُتَبَايِنَةٌ قال وَكَيْفَ قلت رَوَيْتَ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ من فَاتَهُ الْحَجَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ أو يَحْلِقُ وَيَحُجُّ
____________________

(2/168)


قَابِلًا وَقُلْت لو كان عليه هدى أَمَرَهُ بِهِ ورددت ( ( ( وردت ) ) ) رِوَايَتُنَا عنه أَنَّهُ أَمَرَ بالهدى فَإِنْ قُلْتَ هِيَ مَقْطُوعَةٌ فَكَيْفَ إذَا كان في رِوَايَتِكَ عنه أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجٍّ قَابِلٍ ولم يَأْمُرْهُ بِعُمْرَةٍ فَلِمَ لَا تَقُولُ لَا عُمْرَةَ عليه اتِّبَاعًا لِقَوْلِ عُمَرَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَرِوَايَتِنَا عن بن عُمَرَ ما أَعْلَمُك إلَّا قَصَدْتَ قَصْدَ خِلَافِهِمْ مَعًا ثُمَّ خَالَفْتَهُمْ بِمُحَالٍ فَقُلْتَ لِرَجُلٍ فَاتَهُ الْحَجُّ عَلَيْك عُمْرَةٌ وَحَجٌّ وَهَلْ رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ فَاتَهُ شَيْءٌ فَكَانَ عليه قَضَاءُ ما فَاتَهُ وَآخَرُ معه وَالْآخَرُ ليس الذي فَاتَهُ لِأَنَّ الْحَجَّ ليس عُمْرَةٌ وَالْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِحَجٍّ - * بَابُ هدى الذي يَفُوتُهُ الْحَجُّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اغْتَسَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ لِدُخُولِ مَكَّةَ وهو حَلَالٌ يُصِيبُ الطِّيبَ فَلَا أَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَرَكَ الِاغْتِسَالَ لِيَدْخُلَهَا حَرَامًا وهو في الْحَرَمِ لَا يُصِيبُ الطِّيبَ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ لم يَكُنْ عليه فيه فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ ليس من الْغُسْلِ الْوَاجِبِ - * بَابُ الْقَوْلِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وقال اللَّهُمَّ زِدْ هذا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ من شَرَفِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال حَدَّثْت عن مِقْسَمٍ مولى عبد اللَّهِ بن الحرث عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال تُرْفَعُ الْأَيْدِي في الصَّلَاةِ وإذا رَأَى الْبَيْتَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَبِجُمْعٍ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ وَعَلَى الْمَيِّتِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبيه أَنَّهُ كان حين يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ يقول اللَّهُمَّ أنت السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا رأي الْبَيْتَ أَنْ يَقُولَ ما حَكَيْتُ وما قال من حَسَنٍ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي - * بَابُ ما جاء في تَعْجِيلِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِين يَدْخُلَ مَكَّةَ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لَمَّا دخل رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَكَّةَ لم يَلْوِ ولم يَعْرُجْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لم يَبْلُغْنَا أَنَّهُ حين دخل مَكَّةَ لَوَى لِشَيْءٍ وَلَا عَرَجَ في حَجَّتِهِ هذه وَلَا عُمْرَتِهِ كُلِّهَا حتى دخل الْمَسْجِدَ وَلَا صَنَعَ شيئا حين دخل الْمَسْجِدَ لَا رَكَعَ وَلَا صَنَعَ غير ذلك حتى بَدَأَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ هذا أَجْمَعُ في حَجِّهِ وفي عُمْرَتِهِ كُلِّهَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ فِيمَنْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَقَدِمَ الْمَسْجِدَ لَأَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَلَا يُمْنَعُ الطَّوَافَ وَلَا يُصَلِّي تَطَوُّعًا حتى يَطُوفَ وَإِنْ وَجَدَ الناس في الْمَكْتُوبَةِ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يصلى بَعْدَهَا شيئا حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ جاء قبل الصَّلَاةِ فَلَا يَجْلِسُ وَلَا يَنْتَظِرُهَا وَلْيَطُفْ فَإِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ طَوَافَهُ فَلْيُتِمَّ بَعْدُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ يَسُوقُ هَدْيًا وَاجِبًا أو هدى تَطَوُّعٍ يَنْحَرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا يجزئ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عنه من هدى الْإِحْصَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ عليه الْوَاجِبُ بِوُجُوبِهِ وَالتَّطَوُّعُ بِإِيجَابِهِ قبل أَنْ يَلْزَمَهُ هدى الْإِحْصَارِ فإذا أُحْصِرَ فَعَلَيْهِ هدى سِوَاهُمَا يَحِلُّ بِهِ فَأَمَّا من فَاتَهُ الْحَجُّ بِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَجْزِيهِ الهدى حتى يَبْلُغَ الْحَرَمَ - * بَابُ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ - *

(2/169)


عن بن جُرَيْجٍ قال قلت لِعَطَاءٍ أَلَا أَرْكَعُ قبل تِلْكَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ لم أَكُنْ رَكَعْت رَكْعَتَيْنِ قال لَا إلَّا رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ إنْ لم تَكُنْ رَكْعَتَهُمَا فَارْكَعْهُمَا ثُمَّ طُفْ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ شَأْنًا من غَيْرِهِمَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْمَرْأَةُ تَقْدَمُ نَهَارًا قال ما أُبَالِي إنْ كانت مَسْتُورَةً أَنْ تَقْدَمَ نَهَارًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا اخْتِلَافَ أَنَّ حَدَّ مَدْخَلِ الطَّوَافِ من الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّ إكْمَالَ الطَّوَافِ إلَيْهِ وَأُحِبُّ اسْتِلَامَهُ حين يَدْخُلُ الرَّجُلُ الطَّوَافَ فَإِنْ دخل الطَّوَافَ في مَوْضِعٍ فلم يُحَاذِ بِالرُّكْنِ لم يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بيده من مَوْضِعٍ فلم يُحَاذِ الرُّكْنَ لم يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ بِحَالٍ لِأَنَّ الطَّوَافَ على الْبَدَنِ كُلِّهِ لَا على بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ وإذا حَاذَى الشَّيْءَ من الرُّكْنِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ اعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاذَى بِشَيْءٍ من الرُّكْنِ في السَّابِعِ فَقَدْ أَكْمَلَ الطَّوَافَ وَإِنْ قَطَعَهُ قبل أَنْ يُحَاذِي بِشَيْءٍ من الرُّكْنِ وَإِنْ اسْتَلَمَهُ فلم يُكْمِلْ ذلك الطَّوَافَ - * بَابُ ما يُقَالُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال أُخْبِرْتُ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ إذَا اسْتَلَمْنَا الْحَجَرَ قال قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِمَا جاء بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ هَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ بَعْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وما ذَكَرَ اللَّهَ بِهِ وَصَلَّى على رَسُولِهِ فَحَسَنٌ - * بَابُ ما يَفْتَتِحُ بِهِ الطَّوَافَ وما يَسْتَلِمُ من الْأَرْكَانِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ وَأُحِبُّ أَنْ يُقَبِّلَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَإِنْ اسْتَلَمَهُ بيده قَبَّلَ يَدَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بيده وَيُقَبِّلَهَا وَلَا يُقَبِّلُهُ لِأَنِّي لم أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَبَّلَ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَإِنْ قَبَّلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا آمُرُهُ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَلَوْ اسْتَلَمَهُمَا أو ما بين الْأَرْكَانِ من الْبَيْتِ لم يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَلَا فِدْيَةٌ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُقْتَدَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبَّلَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَكَذَلِكَ أُحِبُّ وَيَجُوزُ اسْتِلَامُهُ بِلَا تَقْبِيلٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِمَا قال عَطَاءٌ كُلُّهُ آخُذُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ فَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ قَدَرَ على الطَّوَافِ أَنْ يَبْدَأَ بِشَيْءٍ قبل الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نسى مَكْتُوبَةً فيصلها ( ( ( فيصليها ) ) ) أو يَقْدَمَ في آخِرِ مَكْتُوبَةٍ فَيَخَافُ فَوْتَهَا فَيَبْدَأُ بِصَلَاتِهَا أو خَافَ فَوْتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيَبْدَأُ بِهِمَا أو نسى الْوِتْرَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ فإذا جاء وقد مُنِعَ الناس الطَّوَافَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ إذَا مُنِعَ الطَّوَافُ فَإِنْ جاء وقد أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ جاء وقد تَقَارَبَتْ إقَامَةُ الصَّلَاةِ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيمَا أَحْبَبْتُ من التَّعْجِيلِ حين يَقْدَمُونَ لَيْلًا سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ هُمْ إذَا قَدِمُوا نَهَارًا إلَّا امْرَأَةً لها شَبَابٌ وَمَنْظَرٌ فَإِنِّي أُحِبُّ لِتِلْكَ تُؤَخِّرُ الطَّوَافَ حتى اللَّيْلِ لِيَسْتُرَ اللَّيْلُ منها - * بَابُ من أَيْنَ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ عن أبي وَائِلٍ عن مَسْرُوقٍ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَآهُ بَدَأَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عن يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطَوَافً وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ أتى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ قال يلبى الْمُعْتَمِرُ حين يَفْتَتِحُ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أو غير مُسْتَلِمٍ

(2/170)


لِأَنَّهُ قد اسْتَلَمَهُ وَاسْتِلَامُهُ دُونَ تَقْبِيلِهِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي جَعْفَرٍ قال رَأَيْت بن عَبَّاسٍ جاء يوم التَّرْوِيَةِ مُسَبِّدًا رَأْسَهُ فَقَبَّلَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَجَدَ عليه ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عليه ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عليه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
أخبرنا سَعِيدٌ عن حَنْظَلَةَ بن أبي سُفْيَانَ عن طَاوُسٍ أَنَّهُ كان لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ إلَّا أَنْ يَرَاهُ خَالِيًا قال وكان إذَا اسْتَلَمَهُ قَبَّلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَسَجَدَ عليه على أَثَرِ كل تقبيله (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذي فَعَلَ بن عَبَّاسٍ أَحَبُّ إلى لِأَنَّهُ كان يَرْوِيهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد رَوَاهُ عُمَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسَ تَرْكُ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَدُلُّ على أَنَّ مِنْهُمَا مَهْجُورًا وَكَيْفَ يُهْجَرُ ما يُطَافُ بِهِ وَلَوْ كان تَرْكُ اسْتِلَامِهِمَا هِجْرَانًا لَهُمَا لَكَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِ ما بين الْأَرْكَانِ هِجْرَانًا لها - * بَابُ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِلَامِ في الْوِتْرِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عُثْمَانَ بن الْأَسْوَدِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كان لَا يَكَادُ أَنْ يَدَعَ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ في كل وِتْرٍ من طَوَافِهِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن طَاوُسٍ أَنَّهُ قال اسْتَلِمُوا هذا لنا خَامِسٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أُحِبُّ الِاسْتِلَامَ في كل وِتْرٍ أَكْثَرُ مِمَّا أَسْتَحِبُّ في كل شَفْعٍ فإذا لم يَكُنْ زِحَامٌ أَحْبَبْت الِاسْتِلَامَ في كل طَوَافٍ - * الِاسْتِلَامُ في الزِّحَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأُحِبُّ الِاسْتِلَامَ حين أبتديء ( ( ( أبتدئ ) ) ) بِالطَّوَافِ بِكُلِّ حَالٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرَّجُلُ إذَا لم يُؤْذِ ولم يُؤْذَ بِالزِّحَامِ وَيَدَعُ إذَا أُوذِيَ أو آذَى بِالزِّحَامِ وَلَا أُحِبُّ الزِّحَامَ إلَّا في بَدْءِ الطَّوَافِ وَإِنْ زَاحَمَ فَفِي الْآخِرَةِ وَأَحْسَبُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأنا أُحِبُّ إذَا أَمْكَنَنِي ما صَنَعَ بن عَبَّاسٍ من السُّجُودِ على الرُّكْنِ لِأَنَّهُ تَقْبِيلٌ وَزِيَادَةُ سُجُودٍ لِلَّهِ تَعَالَى وإذا اسْتَلَمَهُ لم يَدَعْ تَقْبِيلَهُ وَإِنْ تَرَكَ ذلك تَارِكٌ فَلَا فِدْيَةَ عليه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ هل رَأَيْت أَحَدًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ قال نعم رَأَيْت جَابِرَ بن عبد اللَّهِ وبن عُمَرَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ إذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ قُلْت وبن عَبَّاسٍ قال نعم حَسِبْت كَثِيرًا قُلْت هل تَدَعُ أنت إذَا اسْتَلَمْت أَنْ تُقَبِّلَ يَدَك قال فَلِمَ أَسْتَلِمْهُ إذًا ( قال الشافعى ) وإذا تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ لم أُحِبَّ ذلك له وَلَا شَيْءَ عليه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن إبْرَاهِيمَ بن نَافِعٍ قال طُفْتُ مع طَاوُسٍ فلم يَسْتَلِمْ شيئا من الْأَرْكَان حتى فَرَغَ من طَوَافِهِ - * الرُّكْنَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن مُوسَى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عن مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ القرظى أَنَّ رَجُلًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَمْسَحُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَيَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِبَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ منه مَهْجُورًا وكان بن عَبَّاسٍ يقول { لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }

(2/171)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَبْدِ الرحمن أَصَبْتَ أَنَّهُ وَصْفٌ له أَنَّهُ اسْتَلَمَ في غَيْرِ زِحَامٍ وَتَرَكَ في زِحَامٍ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَقُولَ له أَصَبْتَ في فِعْلٍ وَتَرْكٍ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ الْحَالُ في الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِلَامَ في جَمِيعِ طَوَافِهِ وهو يُمْكِنُهُ أو اسْتَلَمَ وهو يُؤْذِي وَيُؤْذَى بِطَوَافِهِ لم أُحِبَّهُ له وَلَا فِدْيَةَ وَلَا إعَادَةَ عليه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال إذَا وَجَدْتَ على الرُّكْنِ زِحَامًا فَانْصَرِفْ وَلَا تَقِفْ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن أبي حُسَيْنٍ عن مَنْبُوذِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن أُمِّهِ أنها كانت عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها فَدَخَلَتْ عليها مَوْلَاةٌ لها فقالت لها يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا فقالت لها عَائِشَةُ لَا أَجَرَك اللَّهُ لَا أَجَرَك اللَّهُ تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ أَلَا كَبَّرْت وَمَرَرْت
أخبرنا سَعِيدٌ عن عُثْمَانَ بن مِقْسَمٍ الريي ( ( ( الربي ) ) ) عن عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أنها قالت كان أبي يقول لنا إذَا وَجَدْتُنَّ فُرْجَةً من الناس فَاسْتَلِمْنَ وَإِلَّا فَكَبِّرْنَ وَامْضِينَ فلما قالت عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَسَعْدٌ آمُرُ الرِّجَالَ إذَا اسْتَلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَا يُزَاحِمُوهُنَّ وَيَمْضُوا عَنْهُنَّ لِأَنِّي أَكْرَهُ لِكُلٍّ زِحَامًا عليه وَأُحِبُّ إذَا أَمْكَنَ الطَّائِفُ الِاسْتِلَامَ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَيْنِ الْحَجَرَ وَالْيَمَانِيَّ وَيَسْتَلِمَهُمَا بيده وَيُقَبِّلُ يَدَهُ وَأُحِبُّ إذَا أَمْكَنَهُ الْحَجَرُ أَنْ يُقَبِّلَهُ بِفِيهِ وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ بيده فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَمَرَتْ بِتَقْبِيلِ الْحَجَرِ ولم تَأْمُرْ بِتَقْبِيلِ الْيَمَانِيِّ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبَّلَ الرُّكْنَ وَأَنَّهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَرَأَيْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ يُقَبِّلُونَ هذا وَيَسْتَلِمُونَ هذا فَإِنْ قال فَلَوْ قَبَّلَهُ مُقَبِّلٌ قُلْت حَسَنٌ وأى الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غير أَنَّا إنَّمَا نَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ وَأَنْ نَفْعَلَ ما فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ فَإِنْ قال فَكَيْفَ لم تَأْمُرْ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ قُلْنَا له لَا نَعْلَمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَلَمَهُمَا وَرَأَيْنَا أَكْثَرَ الناس لَا يَسْتَلِمُونَهُمَا فَإِنْ قال فَإِنَّا نَرَى ذلك قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الْحُجَّةُ في تَرْكِ اسْتِلَامِهِمَا فَهِيَ كَتَرْكِ اسْتِلَامِ ما بقى من الْبَيْتِ فَقُلْنَا نَسْتَلِمُ ما رؤى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ دُونَ ما لم يُرَ يَسْتَلِمُهُ وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِيهِمَا فَنَرَى أَنَّ الْبَيْتَ لم يُتَمَّمْ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَكَانَا كَسَائِرِ الْبَيْتِ إذَا لم يَكُونَا مُسْتَوْظَفًا بِهِمَا الْبَيْتُ فَإِنْ مَسَحَهُمَا رَجُلٌ كما يَمْسَحُ سَائِرَ الْبَيْتِ فَحَسَنٌ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرني مُوسَى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عن مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنْ بن عَبَّاسٍ كان يَمْسَحُ على الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ وكان بن الزُّبَيْرِ يَمْسَحُ على الْأَرْكَانِ كُلِّهَا وَيَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِبَيْتِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ منه مَهْجُورًا وكان بن عَبَّاسٍ يقول { لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان بن عَبَّاسٍ يُخْبِرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتِلَامَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ دُونَ الشَّامِيِّينَ وَبِهَذَا نَقُولُ وَقَوْلُ بن الزُّبَيْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ من بَيْتِ اللَّهِ مَهْجُورًا وَلَكِنْ لم يَدَّعِ أَحَدٌ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ هِجْرَةً لِبَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ اسْتَلَمَ ما اسْتَلَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمْسَكَ عَمَّا أَمْسَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اسْتِلَامِهِ وقد تَرَكَ اسْتِلَامَ ما سِوَى الْأَرْكَانِ من الْبَيْتِ فلم يَكُنْ أَحَدٌ تَرَكَهُ على أَنْ هَجَرَ من بَيْتِ اللَّهِ شيئا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن أبي مُسْلِمٍ عن إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ قال ذَكَرَ بن طَاوُسٍ قال كان لَا يَدَعُ الرُّكْنَيْنِ أَنْ يَسْتَلِمَهُمَا قال لَكِنْ أَفْضَلُ منه كان يَدَعُهُمَا أَبُوهُ - * الْقَوْلُ في الطَّوَافِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن يحيى بن عُبَيْدٍ مولى السَّائِبِ عن أبيه عن السَّائِبِ أَنَّهُ سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسل

(2/172)


فِيمَا بين رُكْنِ بَنِي جُمَحَ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ { رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وَهَذَا من أَحَبِّ ما يُقَالُ في الطَّوَافِ إلى وَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ في كُلِّهِ - * بَابُ إقْلَالِ الْكَلَامِ في الطَّوَافِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن حَنْظَلَةَ بن أبي سُفْيَانَ عن طَاوُسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول سَمِعْت بن عُمَرَ يقول أَقِلُّوا الْكَلَامَ في الطَّوَافِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ في صَلَاةٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ مُجَاهِدًا كان يَقْرَأُ الْقُرْآنَ في الطَّوَافِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأنا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ في الطَّوَافِ وقد بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَكَلَّمَ في الطَّوَافِ وَكَلَّمَ فَمَنْ تَكَلَّمَ في الطَّوَافِ فَلَا يَقْطَعُ الْكَلَامُ طَوَافَهُ وَذِكْرُ اللَّهِ فيه أَحَبُّ إلى من الحديث فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ إذَا أَبَحْتَ الْكَلَامَ في الطَّوَافِ اسْتَحْبَبْت إقْلَالَهُ وَالْإِقْبَالَ على ذِكْرِ اللَّهِ فيه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ إنِّي لَأُحِبُّ الْإِقْلَالَ من الْكَلَامِ في الصَّحْرَاءِ وَالْمَنَازِلِ وفي غَيْرِ مَوْضِعِ مَنْسَكٍ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل لِتَعُودَ مَنْفَعَةُ الذِّكْرِ على الذَّاكِرِ أو يَكُونُ الْكَلَامُ في شَيْءٍ من صَلَاحِ أَمْرِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا في الصَّحْرَاءِ وَالْبُيُوتِ فَكَيْفَ قُرْبَ بَيْتِ اللَّهِ مع عَظِيمِ رَجَاءِ الثَّوَابِ فيه من اللَّهِ فَإِنْ قال فَهَلْ من دَلِيلٍ من الْآثَارِ على ما قُلْت قُلْت نعم ما ذَكَرْت لَك عن بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وَأَسْتَحِبُّ الْقِرَاءَةَ في الطَّوَافِ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ ما تَكَلَّمَ بِهِ الْمَرْءُ - * بَابُ الِاسْتِرَاحَةِ في الطَّوَافِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِرَاحَةِ في الطَّوَافِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا بِالِاسْتِرَاحَةِ في الطَّوَافِ وَذَكَرَ الِاسْتِرَاحَةَ جَالِسًا - * الطَّوَافُ رَاكِبًا - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول طَافَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ على رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ الناس وَأَشْرَفَ لهم لِأَنَّ الناس غَشَوْهُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ على رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بمحجنه ( ( ( بمحجته ) ) )
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن أبي ذِئْبٍ عن شُعْبَةَ مولى بن عَبَّاسٍ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا فَقُلْت لِمَ قال لَا أَدْرِي قال ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الْأَحْوَصِ بن حَكِيمٍ قال رأيت أَنَسَ بن مَالِكٍ يَطُوفُ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا على حِمَارٍ وَطَافَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا من غَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِفَ لِلنَّاسِ لِيَسْأَلُوهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ في هذا الْمَوْضِعِ من الناس وَأَكْثَرُ ما طَافَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِنُسُكِهِ مَاشِيًا فَأَحَبُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَهَبَ إلَى اسْتِحْبَابِ قِلَّةِ الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ في صَلَاةٍ في طَاعَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فيها إلَّا بِطَهَارَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كان يَقْطَعُهُ عِنْدَهُ نهى عن قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال طُفْتُ خَلْفَ بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ فما سَمِعْت وَاحِدًا مِنْهُمَا مُتَكَلِّمًا حتى فَرَغَ من طَوَافِهِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن إبْرَاهِيمَ بن نَافِعٍ الْأَعْوَرِ قال طُفْت مع طَاوُسٍ وَكَلَّمْته في الطَّوَافِ فَكَلَّمَنِي
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ الْكَلَامَ في الطَّوَافِ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ منه إلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ

(2/173)


إلى أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا إلَّا من عِلَّةٍ وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا من غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا إعَادَةَ عليه وَلَا فِدْيَةَ - * بَابُ الرُّكُوبِ من الْعِلَّةِ في الطَّوَافِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرَ جَابِرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ لِيَرَاهُ الناس وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لم يَطُفْ من شَكْوَى وَلَا أَعْلَمُهُ اشْتَكَى صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّتِهِ تِلْكَ وقد قال سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ طَافَ من شَكْوَى وَلَا أَدْرِي عَمَّنْ قَبِلَهُ وَقَوْلُ جَابِرٍ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ من قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَمَّا سَبْعُهُ الذي طَافَ لِمَقْدِمِهِ فَعَلَى قَدَمَيْهِ لِأَنَّ جَابِرًا المحكى عنه فيه أَنَّهُ رَمَلَ منه ثَلَاثَةً وَمَشَى أَرْبَعَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ يحكى عنه الطَّوَافَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا في رُبُعٍ وَاحِدٍ وقد حُفِظَ عنه أَنَّ سَعْيَهُ الذي رَكِبَ فيه في طَوَافِهِ يوم النَّحْرِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَهْجُرُوا بِالْإِفَاضَةِ وَأَفَاضَ في نِسَائِهِ لَيْلًا على رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ وَأَحْسَبُهُ قال وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ - * بَابُ الِاضْطِبَاعِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ حين طَافَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ لِيَسْعَى ثُمَّ قال لِمَنْ نُبْدِي الْآنَ مَنَاكِبَنَا وَمَنْ نُرَائِي وقد أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَاَللَّهِ على ذلك لَأَسْعَيَنَّ كما سَعَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ يعنى رَمَلَ مُضْطَبِعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ على مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حتى يَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ بَارِزًا حتى يُكْمِلَ سبعه فإذا طَافَ الرَّجُلُ مَاشِيًا لَا عِلَّةَ بِهِ تَمْنَعُهُ الرَّمَلَ لم أُحِبَّ أَنْ يَدَعَ الِاضْطِبَاعَ مع دُخُولِهِ الطَّوَافَ وَإِنْ تَهَيَّأَ بِالِاضْطِبَاعِ قبل دُخُولِهِ الطَّوَافَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كان في إزَارٍ وَعِمَامَةٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُدْخِلَهُمَا تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَلِكَ إنْ كان مُرْتَدِيًا بِقَمِيصٍ أو سَرَاوِيلَ أو غَيْرِهِ وَإِنْ كان مُؤْتَزِرًا لَا شَيْءَ على مَنْكِبَيْهِ فَهُوَ بَادِي الْمَنْكِبَيْنِ لَا ثَوْبَ عليه يَضْطَبِعُ فيه ثُمَّ يَرْمُلُ حين يَفْتَتِحُ الطَّوَافَ فَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ في بَعْضِ السَّبْعِ اضْطَبَعَ فِيمَا بقى منه وَإِنْ لم يَضْطَبِعْ بِحَالٍ كَرِهْته له كما أَكْرَهُ له تَرْكَ الرَّمَلِ في الْأَطْوَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَا فِدْيَةَ عليه وَلَا إعَادَةَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَرْمُلُ من الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثُمَّ يقول هَكَذَا فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَمَلَ من سبعه ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ خَبَبًا ليس بَيْنَهُنَّ مشى
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعَى في عُمَرِهِ كُلِّهِنَّ الْأَرْبَعِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا أَنَّهُمْ رَدُّوهُ في الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ من الْحُدَيْبِيَةِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال سَعَى أبو بَكْرٍ عَامَ حَجَّ إذْ بَعَثَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا يَسْعَوْنَ كَذَلِكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّمَلُ الْخَبَبُ لَا شِدَّةُ السَّعْيِ ثَلَاثَةُ أَطْوَافٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِوُقُوفٍ إلَّا أَنْ يَقِفَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ ثُمَّ يمضى خَبَبًا فإذا كان زِحَامٌ لَا يُمْكِنُهُ معه أَنْ يَخُبَّ فَكَانَ إنْ وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ فإذا وَجَدَ الْفُرْجَةَ رَمَلَ وَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَكْرَهُ رُكُوبَ الْمَرْأَةِ في الطَّوَافِ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا حَمْلَ الناس إيَّاهَا في الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ من عِلَّةٍ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْمَرْءُ الدَّابَّةَ حَوْلَ الْبَيْتِ فَإِنْ فَعَلَ فَطَافَ عليها أَجْزَأَهُ

(2/174)


كان لَا يَطْمَعُ بِفُرْجَةٍ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ أَحْبَبْت أَنْ يَصِيرَ حَاشِيَةً في الطَّوَافِ فَيُمْكِنَهُ أَنْ يَرْمُلَ فإنه إذَا صَارَ حَاشِيَةً أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْمُلَ وَلَا أُحِبُّ تَرْكَ الرَّمَلِ وَإِنْ كان إذَا صَارَ حَاشِيَةً مَنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ أَنْ يَرْمُلَ رَمَلَ إذَا أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ وَمَشَى إذَا لم يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ سَجِيَّةَ مَشْيِهِ ولم أُحِبَّ أَنْ يَثِبَ من الْأَرْضِ وُثُوبَ الرَّمَلِ وَإِنَّمَا يمشى مَشْيًا وَيَرْمُلُ أَوَّلَ ما يَبْتَدِئُ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ في الطَّوَافِ الْأَوَّلِ رَمَلَ في الطَّوَافَيْنِ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الرَّمَلَ في الطَّوَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ رَمَلَ في الطَّوَافِ بَعْدَهُمَا وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ في الثَّلَاثَةِ لم يَقْضِهِ في الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ في وَقْتٍ فإذا مَضَى ذلك الْوَقْتُ لم يَضَعْهُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ ولم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ وَلَا إعَادَةٌ لِأَنَّهُ جاء بِالطَّوَافِ وَالطَّوَافُ هو الْفَرْضُ فإن تَرَكَ الذِّكْرَ فِيهِمَا لم نُحِبَّهُ وَلَا إعَادَةَ عليه وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ في بَعْضِ طَوَافٍ رَمَلَ فِيمَا بقى منه لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَّقَ ما بين سبعه فَرْقَيْنِ فَرْقًا رَمَلَ فيه وَفَرْقًا مَشَى فيه فَلَا يَرْمُلُ حَيْثُ مَشَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَحَبُّ إلى لو لم يَمْشِ حَيْثُ رَمَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَافَ الرَّجُلُ بِالصَّبِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ وَإِنْ طَافَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرَ على أَنْ يَرْمُلَ بِهِ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ وإذا طَافَ النَّفَرُ بِالرَّجُلِ في مِحَفَّةٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرُوا على الرَّمَلِ أَنْ يَرْمُلُوا وإذا طَافَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فلم يُؤْذِ أَحَدًا أَحْبَبْت أَنْ يَحُثَّ دَابَّتَهُ في مَوْضِعِ الرَّمَلِ وَهَذَا كُلُّهُ في الرِّجَالِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَرْكُ الرَّمَلِ عَامِدًا ذَاكِرًا وَسَاهِيًا وَنَاسِيًا وَجَاهِلًا سَوَاءٌ لَا يُعِيدُ وَلَا يفتدى من تَرَكَهُ غير أَنِّي أَكْرَهُهُ لِلْعَامِدِ وَلَا مَكْرُوهَ فيه على سَاهٍ وَلَا جَاهِلٍ وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ طَوَافُ نُسُكٍ قبل عَرَفَةَ وَبَعْدَهَا وفي كل حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا كان الطَّوَافُ الذي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ قَدِمَ حَاجًّا أو قَارِنًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ زَارَ يوم النَّحْرِ أو بَعْدَهُ لم يَرْمُلْ لِأَنَّهُ طَافَ الطَّوَافَ الذي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّمَا طَوَافُهُ بَعْدَهُ لِتَحِلَّ له النِّسَاءُ وَإِنْ قَدِمَ حَاجًّا فلم يَطُفْ حتى يَأْتِيَ مِنًى رَمَلَ في طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خُثَيْمٍ أَنَّهُ رَأَى مُجَاهِدًا يَرْمُلُ يوم النَّحْرِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّك قد تَقُولُ في أَشْيَاءَ يَتْرُكُهَا الْمَرْءُ من نُسُكِهِ يُهْرِيقَ دَمًا فَكَيْفَ لم تَأْمُرْهُ في هذا بِأَنْ يُهْرِيقَ دَمًا قُلْت إنَّمَا آمُرُهُ إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ نَفْسَهُ قال أَفَلَيْسَ هذا عَمَلَ نَفْسِهِ قُلْت لَا الطَّوَافُ الْعَمَلُ وَهَذَا هَيْئَةٌ في الْعَمَلِ فَقَدْ أتى بِالْعَمَلِ على كَمَالِهِ وَتَرَكَ الْهَيْئَةَ فيه وَالسُّجُودُ وَالرُّكُوعُ الْعَمَلُ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ فِيهِمَا لم يَكُنْ تَارِكًا لِعَمَلٍ يَقْضِيهِ كما يقضى سَجْدَةً لو تَرَكَهَا أو تَفْسُدُ بها عليه صَلَاتُهُ لو خَرَجَ منها قبل أَنْ يُكْمِلَهَا بَلْ التَّسْبِيحُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كان أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ من قِبَلِ أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْقَوْلُ عَمَلٌ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ هَيْئَةٌ أَخَفُّ من التَّسْبِيحِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( قال ) وإذا رَمَلَ في الطَّوَافِ فَاشْتَدَّ عليه الزِّحَامُ تَحَرَّكَ حَرَكَةَ مَشْيِهِ يُقَارِبُ وَإِنَّمَا منعنى من أَنْ أَقُولَ له يَقِفُ حتى يَجِدَ فُرْجَةً أَنَّهُ يُؤْذَى بِالْوُقُوفِ من خَلْفَهُ وَلَا أَطْمَعُ له أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً بين يَدَيْهِ فَلَوْ كان في غَيْرِ مَجْمَعٍ فَازْدَحَمَ الناس لِفَتْحِ بَابِ الْكَعْبَةِ أو عَارَضَ الطَّوَافَ حَيْثُ لَا يُؤْذَى بِالْوُقُوفِ من خَلْفَهُ وَيَطْمَعُ أَنْ يَنْفَرِجَ له ما بين يَدَيْهِ أَمَرْتُهُ أَنْ يَقِفَ حتى يَنْفَرِجَ ما بين يَدَيْهِ فَيُمْكِنَهُ أَنْ يَرْمُلَ وَمَتَى أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ رَمَلَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَدْنُوَ من الْبَيْتِ في الطَّوَافِ وَإِنْ بَعُدَ عن الْبَيْتِ وَطَمِعَ أَنْ يَجِدَ السَّبِيلَ إلَى الرَّمَلِ أَمَرْته بِالْبُعْدِ - * بَابٌ في الطَّوَافِ بِالرَّاكِبِ مَرِيضًا أو صَبِيًّا وَالرَّاكِبِ على الدَّابَّةِ - *

(2/175)


- * بَابٌ ليس على النِّسَاءِ سعى - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال ليس على النِّسَاءِ سعى بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً أَتَسْعَى النِّسَاءُ فَأَنْكَرَهُ نُكْرَةً شَدِيدَةً
أخبرنا سَعِيدٌ عن رَجُلٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قال رَأَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها النِّسَاءَ يَسْعَيْنَ بِالْبَيْتِ فقالت أَمَا لَكُنَّ فِينَا أُسْوَةٌ ليس عَلَيْكُنَّ سعى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَكْرَهُ من ذلك ما كَرِهَ مُجَاهِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } فسمى طَوَافًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى جماعه طَوَافًا - * بَابُ كَمَالِ الطَّوَافِ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلَمْ تَرَيْ إلَى قَوْمِكَ حين بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عن قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَرُدُّهَا على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ قال لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ لَرَدَدْتُهَا على ما كانت عليه فقال عبد اللَّهِ بن عُمَرَ لَئِنْ كانت عَائِشَةُ سَمِعَتْ هذا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لم يَتِمَّ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ
أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا هِشَامُ بن حُجَيْرٍ عن طَاوُسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قال عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال الْحِجْرُ من الْبَيْتِ قال اللَّهُ عز وجل { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وقد طَافَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَرَاءِ الْحِجْرِ
أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا عبد اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ قال أخبرني أبي قال أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى شَيْخٍ من بَنِي زُهْرَةَ فَجِئْتُ معه إلَى عُمَرَ وهو في الْحِجْرِ فَسَأَلَهُ عن وِلَادٍ من وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ فقال الشَّيْخُ أَمَّا النُّطْفَةُ فَمِنْ فُلَانٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَعَلَى فِرَاشِ فُلَانٍ فقال عُمَرُ صَدَقْتَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ فلما وَلَّى الشَّيْخُ دَعَاهُ عُمَرُ فقال أَخْبِرْنِي عن بِنَاءِ الْبَيْتِ فقال إنَّ قُرَيْشًا كانت تَقَوَّتْ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَعَجَزُوا فَتَرَكُوا بَعْضَهَا في الْحِجْرِ فقال له عُمَرُ صَدَقْتَ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ قال ما حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ الناس من وَرَائِهِ إلَّا إرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الناس الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ من قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ من الْكَعْبَةِ في الْحِجْرِ نَحْوًا من سِتَّةِ أَذْرُعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ من وَرَاءِ الْحِجْرِ فَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ لم يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ الذي سَلَكَ فيه الْحِجْرَ وَإِنْ طَافَ على جِدَارِ الْحِجْرِ لم يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ لم يُكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وكان كُلُّ طَوَافٍ طَافَهُ على شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أو في الْحِجْرِ أو على جِدَارِ الْحِجْرِ كما لم يَطُفْ وإذا ابْتَدَأَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ يَدَعُهُ عن يَسَارِهِ وَيَطُوفُ فَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَتَرَكَهُ عن يَمِينِهِ وَطَافَ فَقَدْ نَكَّسَ الطَّوَافَ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا وَمَنْ طَافَ سَعَا على ما نَهَيْتُ عنه من نَكْسِ الطَّوَافِ أو على شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أو في الْحِجْرِ أو على جِدَارِهِ كان في حُكْمِ من لم يَطُفْ وَلَا يَخْتَلِفَانِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا رَمَلَ على النِّسَاءِ وَلَا سعى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا اضْطِبَاعَ وَإِنْ حُمِلْنَ لم يَكُنْ على من حَمَلَهُنَّ رَمَلٌ بِهِنَّ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مِنْهُنَّ تَحْمِلُهَا الْوَاحِدَةُ وَالْكَبِيرَةُ تُحْمَلُ في مِحَفَّةٍ أو تَرْكَبُ دَابَّةً وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ مُفَارِقَانِ لِلِاسْتِتَارِ - * بَابٌ لَا يُقَالُ شَوْطٌ وَلَا دَوْرٌ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ شَوْطٌ دَوْرٌ لِلطَّوَافِ وَلَكِنْ يقول طَوَافٌ طَوَافَيْنِ

(2/176)


- * بَابُ ما جاء في مَوْضِعِ الطَّوَافِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ - * بَابٌ في حَجِّ الصَّبِيِّ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن إبْرَاهِيمَ بن عُقْبَةَ عن كُرَيْبٍ مولى بن عَبَّاسٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ في مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لها هذا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كان مَعَهَا فقالت أَلِهَذَا حَجٌّ قال نعم وَلَكِ أَجْرٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن مَالِكِ بن مِغْوَلٍ عن أبي السَّفَرِ قال قال بن عَبَّاسٍ أَيُّهَا الناس أَسْمِعُونِي ما تَقُولُونَ وَافْهَمُوا ما أَقُولُ لَكُمْ أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قبل أَنْ يُعْتَقَ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ وَإِنْ عَتَقَ قبل أَنْ يَمُوتَ فَلْيَحْجُجْ وَأَيُّمَا غُلَامٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قبل أَنْ يُدْرِكَ فَقَدْ قَضَى عنه حَجَّهُ وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ أخبرنا سَعِيدٌ وَمُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال وَتُقْضَى حَجَّةُ الْعَبْدِ عنه حتى يُعْتَقَ فإذا عَتَقَ وَجَبَتْ عليه من غَيْرِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ في الْعَبْدِ وَمَنْ لم يَبْلُغْ وقد بُيِّنَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَنَا هَكَذَا وَقَوْلُهُ فإذا عَتَقَ فَلْيَحْجُجْ يَدُلُّ على أنها لو أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لم يَأْمُرْهُ أَنْ يَحُجَّ إذَا عَتَقَ وَيَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَرَاهَا وَاجِبَةً عليه في عُبُودِيَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَغَيْرَهُ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا يَرَوْنَ فَرْضَ الْحَجِّ على أَحَدٍ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } - * بَابٌ في الطَّوَافِ مَتَى يُجْزِئُهُ وَمَتَى لَا يُجَزِّئهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ فَمَنْ طَافَ في الْمَسْجِدِ من دُونِ السِّقَايَةِ وَزَمْزَمَ أو من وَرَائِهِمَا أو وَرَاءِ سِقَايَاتِ الْمَسْجِدِ التي أُحْدِثَتْ فَحُفَّ بها الْمَسْجِدُ حتى يَكُونَ الطَّائِفُ من وَرَائِهَا كُلِّهَا فَطَوَافُهُ مجزيء ( ( ( مجزئ ) ) ) عنه لِأَنَّهُ في مَوْضِعِ الطَّوَافِ وَأَكْثَرُ الطَّائِفِينَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ بِالنَّاسِ الطَّائِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ وَإِنْ خَرَجَ من الْمَسْجِدِ فَطَافَ من وَرَائِهِ لم يُعْتَدَّ بِشَيْءٍ من طَوَافِهِ خَارِجًا من الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ في غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَجَزْت هذا له أَجَزْت له الطَّوَافَ لو طَافَهُ وهو خَارِجٌ من الْحَرَمِ أو في الْحَرَمِ وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا لم يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِكْمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ من وَرَاءِ الْحِجْرِ وَوَرَاءِ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ من بَطْنِ الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَكَذَلِكَ لو طَافَ على شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ الطَّوَافَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَغَيْرِهِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الشَّاذَرْوَانُ فَأَحْسَبُهُ مُنْشَأً على أَسَاسِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مُقْتَصِرًا بِالْبُنْيَانِ عن استيظافه فإذا كان هذا هَكَذَا كان الطَّائِفُ عليه لم يَسْتَكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا طَافَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا الْحِجْرُ فإن قُرَيْشًا حين بَنَتْ الْكَعْبَةَ اسْتَقْصَرَتْ من قَوَاعِدِ ابراهيم فَتُرِكَ في الْحِجْرِ أَذْرُعٌ من الْبَيْتِ فَهَدَمَهُ بن الزُّبَيْرِ وَابْتَنَاهُ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَهَدَمَ الْحَجَّاجُ زِيَادَةَ بن الزُّبَيْرِ التي اسْتَوْظَفَ بها الْقَوَاعِدَ وَهَمَّ بَعْضُ الْوُلَاةِ بِإِعَادَتِهِ على الْقَوَاعِدِ فَكَرِهَ ذلك بَعْضُ من أَشَارَ عليه وقال أَخَافُ أَنْ لَا يأتى وَالٍ إلَّا أَحَبَّ أَنْ يُرَى له في الْبَيْتِ أَثَرٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْبَيْتُ أَجَلُّ من أَنْ يُطْمَعَ فيه وقد أَقَرَّهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ

(2/177)


أولا أَحْسَبُ حدا ( ( ( أحدا ) ) ) يَطُوفُ بِهِ مَنْكُوسًا لِأَنَّ بِحَضْرَتِهِ من يُعَلِّمُهُ لو جَهِلَ وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَعَلَيْهِ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلَا يَنْوِي ذلك الطَّوَافَ الْوَاجِبَ وَلَا ينوى بِهِ نَافِلَةً أو نَذْرًا عليه من طَوَافِهِ كان طَوَافُهُ هذا طَوَافَهُ الْوَاجِبَ وَهَكَذَا ما عَمِلَ من عَمَلِ حَجٍّ أو عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ يُرِيدُ بِهِ نَافِلَةً فَيَكُونُ فَرْضًا كان في بَعْضِ عَمَلِهِ أَوْلَى أَنْ يَجْزِيَهُ وَلَوْ طَافَ بَعْضَ طَوَافِهِ ثُمَّ أغمى عليه قبل إكْمَالِهِ فَطِيفَ بِهِ ما بقى عليه من الطَّوَافِ لَا يَعْقِلُهُ من إغْمَاءٍ أو جُنُونٍ أو عَارِضٍ ما كان أو اُبْتُدِئَ بِهِ في الطَّوَافِ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ لم يَجْزِهِ حتى يَكُونَ يَعْقِلُ في السَّبْعِ كُلِّهِ كما لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ حتى يَعْقِلَ في الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَلَوْ طَافَ وهو يَعْقِلُ ثُمَّ أغمى عليه قبل كَمَالِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذلك ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَالطَّوَافَ قَرِيبًا كان أو بَعِيدًا وَلَوْ طَافَ على بَعِيرٍ أو فَرَسٍ أَجْزَأَهُ وقد كَثُرَ الناس وَاِتَّخَذُوا من يَحْمِلُهُمْ فَيَكُونُ أَخَفَّ على من معه في الطَّوَافِ من أَنْ يَرْكَبَ بَعِيرًا أو فَرَسًا وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ من الثِّيَابِ كان طَوَافُهُ مُجْزِئًا عنه وَكَانَتْ عليه الْفِدْيَةُ فِيمَا لَبِسَ مِمَّا ليس له لُبْسُهُ وهو مُحْرِمٌ وَهَكَذَا الطَّوَافُ مُنْتَقِبًا أو مُتَبَرْقِعًا - * بَابُ الْخِلَافِ في الطَّوَافِ على غَيْرِ طَهَارَةٍ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت أَجَلْ قال فَلَا أَقُولُهُ وَأَقُولُ هو كَغَيْرِهِ من عَمَلِ الْحَجِّ قُلْت فَلِمَ أَمَرْتَ من طَافَ على غَيْرِ وُضُوءٍ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ وَأَنْتَ تَأْمُرُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ على غَيْرِ وُضُوءٍ قال فَإِنْ قُلْت لَا يُعِيدُ قُلْت إذًا تُخَالِفُ السُّنَّةَ قال فَإِنْ قُلْت إنَّمَا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ قُلْت فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْجُنُبَ قال فَلَا أَقُولُ هذا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ كَالصَّلَاةِ وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَلَكِنَّ الْجُنُبَ أَشَدُّ حَالًا من غَيْرِ المتوضيء ( ( ( المتوضئ ) ) ) قُلْت أو تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا في الصَّلَاةِ قال لَا قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ شِئْت فَقُلْ وَلَا تَعْدُو أَنْ تُخَالِفَ السُّنَّةَ وَقَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أو تَقُولُ لَا يَطُوفُ بِهِ إلَّا طَاهِرٌ فَيَكُونُ تَرْكُك أَنْ تَأْمُرَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَيْثُ كان وَيَكُونُ كَمَنْ لم يَطُفْ تَرْكًا لِأَصْلِ قَوْلِك - * بَابُ كَمَالِ عَمَلِ الطَّوَافِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ وَأَخْبَرَنَا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان إذَا طَافَ في الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ أَوَّلَ ما يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ يصلى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَقَلَّ من سَبْعَةِ أَطْوَافٍ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ فلم يُكْمِلْ الطَّوَافَ وَإِنْ طَافَ بَعْدَهُ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ في حُكْمِ من لم يَسْعَ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ سَبْعٍ تَامٍّ بِالْبَيْتِ وَإِنْ كان مُعْتَمِرًا فَصَدَرَ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كما كان يَرْجِعُ فَيَبْتَدِئُ أَنْ يَطُوفَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَزَعَمَ بَعْضُ الناس أَنَّ الطَّوَافَ لَا يجزئ إلَّا طَاهِرًا وَأَنَّ الْمُعْتَمِرَ وَالْحَاجَّ إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عليه على غَيْرِ وُضُوءٍ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فَإِنْ بَلَغَ بَلَدَهُ لم يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ طَافَ جُنُبًا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ من بَلَدِهِ حَيْثُ كان فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ أَيَعْدُو الطَّوَافَ قبل الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ كما قُلْنَا لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إلَّا من تَحِلُّ له الصَّلَاةُ أو يَكُونَ كَذِكْرِ اللَّهِ وَعَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ غير الطَّوَافِ قال إنْ قُلْت هو كَالصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يجزئ إلَّا بِوُضُوءٍ قُلْت فَالْجُنُبُ وَغَيْرُ المتوضيء ( ( ( المتوضئ ) ) ) سَوَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا غَيْرُ طَاهِرٍ وكل ( ( ( وكلا ) ) ) غَيْرُ جَائِزٍ له الصَّلَاةُ

(2/178)


سَبْعًا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ وَإِنْ كان حَلَقَ قبل ذلك فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحِلَاقِ قبل أَنْ يَحِلَّ وَلَا أُرَخِّصُ له في قَطْعِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إلَّا من عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَعُودَ فَيَبْنِيَ على طَوَافِهِ من حَيْثُ قُطِعَ عليه فَإِنْ بَنَى من مَوْضِعٍ لم يَعُدْ فيه إلَى الْمَوْضِعِ الذي قُطِعَ عليه منه ألغى ذلك الطَّوَافُ ولم يُعْتَدَّ بِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الذي يَشُكُّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا أَنْ يصلى رَكْعَةً فَكَانَ في ذلك إلْغَاءُ الشَّكِّ وَالْبِنَاءُ على الْيَقِينِ فَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ في شَيْءٍ من الطَّوَافِ صَنَعَ مِثْلَ ما يَصْنَعُ في الصَّلَاةِ فَأَلْغَى الشَّكَّ وَبَنَى على الْيَقِينِ إلَّا أَنَّهُ ليس في الطَّوَافِ سُجُودُ سَهْوٍ وَلَا كَفَّارَةٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ في وُضُوئِهِ في الطَّوَافِ فَإِنْ كان على يَقِينٍ من وُضُوئِهِ وَشَكَّ من حَدَثِهِ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ كما تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ فَإِنْ كان على يَقِينٍ من حَدَثِهِ وفي شَكٍّ من وُضُوئِهِ لم يَجْزِهِ الطَّوَافُ كما لَا تَجْزِيهِ الصَّلَاةُ - * بَابُ الطَّوَافِ في الثَّوْبِ النَّجِسِ وَالرُّعَافِ وَالْحَدَثِ وَالْبِنَاءِ على الطَّوَافِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا طَافَ في ثَوْبٍ نَجِسٍ أو على جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ أو في نَعْلَيْهِ نَجَاسَةٌ لم يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ بِتِلْكَ الْحَالِ كما لَا يُعْتَدُّ في الصَّلَاةِ وكان في حُكْمِ من لم يَطُفْ وَانْصَرَفَ فَأَلْقَى ذلك الثَّوْبَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ عن جَسَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتَأْنَفَ لَا يَجْزِيهِ من الطَّهَارَةِ في نَفْسِهِ وَبَدَنِهِ وما عليه إلَّا ما يَجْزِيهِ في الصَّلَاةِ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فكالمصلى في الطَّهَارَةِ خَاصَّةً وَإِنْ رَعَفَ أو قَاءَ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ عنه وَالْقَيْءَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَكَذَلِكَ إنْ غَلَبَهُ حَدَثٌ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَبَنَى وَأَحَبُّ إلى في هذا كُلِّهِ لو اسْتَأْنَفَ ( قال ) وَلَوْ طَافَ بِبَعْضِ ما لَا تَجْزِيهِ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ سَعَى أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَعْتَدَّ بِالسَّعْيِ حتى يُكْمِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حتى يَطُوفَ وَيَسْعَى هذا الطَّوَافَ على الطَّهَارَةِ وَجِمَاعُ هذا أَنْ يَكُونَ من طَافَ بِغَيْرِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ في نَفْسِهِ وَلِبَاسِهِ فَهُوَ كَمَنْ لم يَطُفْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْتَارَ إنْ قَطَعَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ فَتَطَاوَلَ رُجُوعُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فإن ذلك احْتِيَاطٌ وقد قِيلَ لو طَافَ الْيَوْمَ طَوَافًا وَغَدًا آخَرَ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ وَقْتٍ - * بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ عَرَفَةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ على طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّوَافَ بَعْدَ قَضَاءِ التَّفَثِ وَاحْتَمَلَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أو يُصِيبُهُ زِحَامٌ فَيَقِفُ فلا يَكُونُ ذلك قَطْعًا أو يعيى ( ( ( يعيا ) ) ) فَيَسْتَرِيحُ قَاعِدًا فَلَا يَكُونُ ذلك قَطْعًا أو يَنْتَقِضُ وضوؤه فَيَخْرُجُ فَيَتَوَضَّأُ وَأَحَبُّ إلى إذَا فَعَلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَلَا يبنى على طَوَافِهِ وقد قِيلَ يبنى وَيَجْزِيهِ إنْ لم يَتَطَاوَلْ فإذا تَطَاوَلَ ذلك لم يَجْزِهِ إلَّا الِاسْتِئْنَافُ وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ إلَّا في الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ الطَّوَافِ وَيَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ في الْمَسْجِدِ وَإِنْ حَالَ دُونَ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ نِسَاءٌ أو جَمَاعَةُ نَاسٍ أو سِقَايَاتٌ أو أَسَاطِينُ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ ما لم يَخْرُجْ من الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ فَطَافَ لم يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ خَارِجًا من الْمَسْجِدِ قَلَّ أو كَثُرَ وَلَوْ أَجَزْتُ له أَنْ يَطُوفَ خَارِجًا من الْمَسْجِدِ أَجَزْتُ له أَنْ يَطُوفَ من وَرَاءِ الْجِبَالِ إذَا لم يَخْرُجْ من الْحَرَمِ فَإِنْ خَرَجَ من بَابٍ من أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دخل من آخَرَ فَإِنْ كان الْبَابُ الذي دخل منه يأتى علي الْبَابِ الذي خَرَجَ منه اُعْتُدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ قد أتى على الطَّوَافِ وَرَجَعَ في بَعْضِهِ وَإِنْ كان لَا يأتى عليه لم يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ - * بَابُ الشَّكِّ في الطَّوَافِ - *

(2/179)


أَنْ تَكُونَ على الطَّوَافِ بَعْدَ مِنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ حِلَاقِ الشَّعْرِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَذَلِكَ قَضَاءُ التَّفَثِ وَذَلِكَ أَشْبَهَ مَعْنَيَيْهَا بها لِأَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ مِنًى وَاجِبٌ على الْحَاجِّ وَالتَّنْزِيلُ كَالدَّلِيلِ على إيجَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ هَكَذَا طَوَافُ الْوَدَاعِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وفي أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَائِضَ أَنْ تَنْفِرَ قبل أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ دَلَالَةٌ على أَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لَا يُفْسِدُ حَجًّا وَالْحَجُّ أَعْمَالٌ مُتَفَرِّقَةٌ منها شَيْءٌ إذَا لم يَعْمَلْهُ الْحَاجُّ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا للاحرام وَعَرَفَةَ فَأَيُّ هذا تَرَكَ لم يَجْزِهِ عنه حَجُّهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِنْهَا ما إذَا تَرَكَهُ لم يَحِلَّ من كل إحْرَامِهِ وكان عليه أَنْ يَعْمَلَهُ في عُمُرِهِ كُلِّهِ وَذَلِكَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الذي يَحِلُّ بِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ رَجَعَ من بَلَدِهِ وكان مُحْرِمًا من النِّسَاءِ حتى يَقْضِيَهُ وَمِنْهَا ما يَعْمَلُ في وَقْتٍ فإذا ذَهَبَ ذلك الْوَقْتُ كُلُّهُ لم يَكُنْ له وَلَا عليه عَمَلُهُ وَلَا بَدَّلَهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مِثْلُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِ مِنًى ورمى الْجِمَارِ وَمِنْهَا ما إذَا تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ سَقَطَ عنه الدَّمُ وَلَوْ لم يَرْجِعْ لَزِمَهُ الدَّمُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمِيقَاتِ في الْإِحْرَامِ وَمِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طَوَافُ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ أُمِرَ بِهِمَا مَعًا فَتَرَكَهُمَا فَلَا يَتَفَرَّقَانِ عِنْدِي فِيمَا يَجِبُ عليه من الْفِدْيَةِ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا على مُزْدَلِفَةَ وَالْجِمَارُ وَالْبَيْتُوتَةُ لَيَالِي مِنًى لِأَنَّهُ نُسُكٌ قد تَرَكَهُ وقد أخبرنا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال من نسى من نُسُكِهِ شيئا أو تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنْ قال قَائِلٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَطَوَافُ الْإِحْلَالِ من الْإِحْرَامِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَمَلَانِ في غَيْرِ وَقْتٍ مَتَى جاء بِهِمَا الْعَامِلُ أَجْزَأَ عنه فَلِمَ لم تَقِسْ الطَّوَافَ بِالطَّوَافِ قِيلَ له بِالدَّلَالَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالدَّلَالَةِ بِمَا لَا أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ قِيلَ له لَمَّا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَرْخَصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ لو كان كَالطَّوَافِ للاحلال من الْإِحْرَامِ لم يُرَخِّصْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْحَائِضِ في تَرْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَأَلَ عن صَفِيَّةَ أَطَافَتْ بَعْدَ النَّحْرِ فَقِيلَ نعم فقال فَلْتَنْفِرْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إلْزَامُهَا الْمَقَامَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ النَّحْرِ وَتَخْفِيفُ طَوَافِ الْوَدَاعِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُخَفَّفُ مالا يَحِلُّ الْمُحْرِمُ إلَّا بِهِ أو لا تَرَى أَنَّ من طَافَ بَعْدَ الْجَمْرَةِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلَاقِ حَلَّ له النِّسَاءُ وهو إذَا حَلَّ له النِّسَاءُ خَارِجٌ من إحرم الْحَجَّ بِكَمَالِ الْخُرُوجِ وَمَنْ خَرَجَ من إحْرَامِ الْحَجِّ لم يُفْسِدْهُ عليه ما تَرَكَهُ بَعْدَهُ وَكَيْفَ يُفْسِدُ ما خَرَجَ منه وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْمِيقَاتِ لَا يُفْسِدُ حَجًّا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَنَّ من دُونَ الْمِيقَاتِ يُهِلُّ فَيَجْزِي عنه وَالشَّيْءُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ إذَا تَرَكَ ما لَا يجزئ أَحَدًا غَيْرُ فِعْلِهِ وقد يجزئ عَالِمًا أَنْ يُهِلُّوا دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا كان أَهْلُوهُمْ دُونَهُ وَيَدُلُّ على أَنَّ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ لَيَالِي مِنًى وَتَرْكَ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ - * بَابُ تَرْكِ الْحَائِضِ الْوَدَاعَ - *
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها قالت حَاضَتْ صَفِيَّةُ بَعْدَ ما أَفَاضَتْ فَذَكَرْت حَيْضَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كانت نَزَلَتْ في الطَّوَافِ بَعْدَ مِنًى دَلَّ ذلك على إبَاحَةِ الطِّيبِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قال كان الناس يَنْصَرِفُونَ في كل وَجْهٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ قال أَمَرَ الناس أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ من الْحَاجِّ حتى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فإن آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ

(2/180)


لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ ما أَفَاضَتْ قال فَلَا إذًا
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فَذَكَرْت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْت إنَّهَا قد كانت أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذلك فقال فَلَا إذًا
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ يوم النَّحْرِ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ حَيْضَتَهَا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْت إنَّهَا قد كانت أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذلك قال فَلْتَنْفِرْ إذًا
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَقِيلَ إنَّهَا قد حَاضَتْ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا فَقَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قد أَفَاضَتْ قال فَلَا إذًا أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ قال عُرْوَةُ قالت عَائِشَةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذلك فلم يَقْدَمْ الناس نِسَاءَهُمْ إنْ كان لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَوْ كان ذلك الذي يقول لَأَصْبَحَ ب منى أَكْثَرُ من سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن الْحَسَنِ بن مُسْلِمٍ عن طَاوُسٍ قال كُنْت مع بن عَبَّاسٍ إذْ قال له زَيْدُ بن ثَابِتٍ أتفتى أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قبل أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ قال نعم قال فَلَا تُفْتِ بِذَلِكَ قال فقال بن عَبَّاسٍ إمَّا لَا فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ هل أَمَرَهَا بِذَلِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَرَجَعَ إلَيْهِ زَيْدُ بن ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ ما أَرَاك إلَّا قد صَدَقْت
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي حُسَيْنٍ قال اخْتَلَفَ بن عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ في الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ فقال بن عَبَّاسٍ تَنْفِرُ وقال زَيْدٌ لَا تَنْفِرُ فقال له بن عَبَّاسٍ سَلْ فَسَأَلَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَصَوَاحِبَاتِهَا قال فَذَهَبَ زَيْدٌ فَلَبِثَ عنه ثُمَّ جَاءَهُ وهو يَضْحَكُ فقال الْقَوْلُ ما قُلْت
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت إذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يوم النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذلك لم تَنْتَظِرْ بِهِنَّ أَنْ يَطْهُرْنَ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ كانت تَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يُعَجِّلْنَ الْإِفَاضَةَ مَخَافَةَ الْحَيْضِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وَإِبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ عن طَاوُسٍ قال جَلَسْت إلَى بن عُمَرَ فَسَمِعْته يقول لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَقُلْت ماله أَمَا سمع ما سمع أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَلَسْت إلَيْهِ من الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَسَمِعْته يقول زَعَمُوا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْبَحْرُ اسْمٌ جَامِعٌ فَكُلُّ ما كَثُرَ مَاؤُهُ وَاتَّسَعَ قِيلَ هذا بَحْرٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالْبَحْرُ الْمَعْرُوفُ الْبَحْرُ هو الْمَالِحُ قِيلَ نعم وَيَدْخُلُ فيه الْعَذْبُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنْ قال فَهَلْ من دَلِيلٍ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَأَنَّ بن عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سمع الْأَمْرَ بِالْوَدَاعِ ولم يَسْمَعْ الرُّخْصَةَ لِلْحَائِضِ فقال بِهِ على الْعَامِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي له وَلِمَنْ سمع عَامًا أَنْ يَقُولَ بِهِ فلما بَلَغَهُ الرُّخْصَةُ لِلْحَائِضِ ذَكَرَهَا
وَأَخْبَرَنَا عن بن شِهَابٍ قال جَلَتْ عَائِشَةُ لِلنِّسَاءِ عن ثَلَاثٍ لَا صَدْرَ لِحَائِضٍ إذَا أَفَاضَتْ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ ثُمَّ حَاضَتْ قبل الصَّدْرِ وإذا طَافَتْ الْمَرْأَةُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ الذي يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ حَاضَتْ نَفَرَتْ بِغَيْرِ وَدَاعٍ وَلَا فِدْيَةَ عليها وَإِنْ طَهُرَتْ قبل أَنْ تَنْفِرَ فَعَلَيْهَا الْوَدَاعُ كما يَكُونُ على التي لم تَحِضْ من النِّسَاءِ وَإِنْ خَرَجَتْ من بُيُوتِ مَكَّةَ كُلِّهَا قبل أَنْ تَطْهُرَ ثُمَّ طَهُرَتْ لم يَكُنْ عليها الْوَدَاعُ وَإِنْ طَهُرَتْ في الْبُيُوتِ كان عليها الْوَدَاعُ وَكَذَلِكَ لو رَأَتْ الطُّهْرَ فلم تَجِدْ مَاءً كان عليها الْوَدَاعُ كما تَكُونُ عليها الصَّلَاةُ فَإِنْ كانت مُسْتَحَاضَةً طَافَتْ في الْأَيَّامِ التي تصلى فيها فَإِنْ بَدَأَتْ بها الِاسْتِحَاضَةُ قُلْنَا لها تَقِفُ حتى تَعْلَمَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا فَنَفَرَتْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْيَوْمَ الذي نَفَرَتْ فيه يوم طُهْرٍ كان عليها دَمٌ لِتَرْكِ الْوَدَاعِ وَإِنْ كان يَوْمُ حَيْضٍ لم يَكُنْ عليها دَمٌ - * بَابُ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ - *

(2/181)


في كِتَابِ اللَّهِ قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز وجل { وما يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } فَفِي الْآيَةِ دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْبَحْرَ الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ وَأَنَّ صَيْدَهُمَا مَذْكُورٌ ذِكْرًا وَاحِدًا فَكُلُّ ما صِيدَ في مَاءٍ عَذْبٍ أو بَحْرٍ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ مِمَّا يَعِيشُ في الْمَاءِ لِلْمُحْرِمِ حَلَالٌ وَحَلَالٌ اصْطِيَادُهُ وَإِنْ كان في الْحَرَمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ صَيْدِ الْبَحْرِ الْحَلَالِ لِلْمُحْرِمِ لَا يَخْتَلِفُ وَمَنْ خُوطِبَ بِإِحْلَالِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَطَعَامِهِ عَقَلَ أَنَّهُ إنَّمَا أُحِلَّ له ما يَعِيشُ في الْبَحْرِ من ذلك وَأَنَّهُ أُحِلَّ كُلُّ ما يَعِيشُ في مائة لِأَنَّهُ صَيْدُهُ وَطَعَامُهُ عِنْدَنَا ما ألقى وَطَفَا عليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ إلَّا هذا الْمَعْنَى أو يَكُونُ طَعَامُهُ في دَوَابِّ تَعِيشُ فيه فَتُؤْخَذُ بِالْأَيْدِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ كَتَكَلُّفِ صَيْدِهِ فَكَانَ هذا دَاخِلًا في ظَاهِرِ جُمْلَةِ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من خَبَرٍ يَدُلُّ على هذا قِيلَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سئل عن صَيْدِ الْأَنْهَارِ وَقِلَاتِ الْمِيَاهِ أَلَيْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ قال بَلَى وَتَلَا { هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا }
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ إنْسَانًا سَأَلَ عَطَاءً عن حِيتَانِ بِرْكَةِ القسرى وَهِيَ بِئْرٌ عَظِيمَةٌ في الْحَرَمِ أَتُصَادُ قال نعم وَلَوَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا منه - * بَابُ أَصْلِ ما يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ من الْوَحْشِ وَيُحَرَّمُ عليه - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يجزئ الصَّيْدُ من قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً فَإِنْ قال قَائِلٌ إيجَابُ الْجَزَاءِ في الْآيَةِ على قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَكَيْفَ أَوْجَبْته على قَاتِلِهِ خَطَأً قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّ إيجَابَ الْجَزَاءِ على قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا لَا يَحْظُرُ أَنْ يُوجِبَ على قَاتِلِهِ خَطَأً فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا أَوْجَبْت في الْعَمْدِ بِالْكِتَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْت الْجَزَاءَ في الْخَطَأِ قِيلَ أَوْجَبْته في الْخَطَأِ قِيَاسًا على الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قال فَأَيْنَ الْقِيَاسُ على الْقُرْآنِ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل في قَتْلِ الْخَطَأِ { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وقال { وإن كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فلما كانت النَّفْسَانِ مَمْنُوعَتَيْنِ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَهْدِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمَا بِالْخَطَأِ دِيَتَيْنِ وَرَقَبَتَيْنِ كان الصَّيْدُ في الْإِحْرَامِ مَمْنُوعًا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَحُرِّمَ { عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } وكان لِلَّهِ فيه حُكْمٌ فِيمَا قُتِلَ منه عَمْدًا بِجَزَاءٍ مِثْلِهِ وكان الْمَنْعُ بِالْكِتَابِ مُطْلَقًا عَامًّا على جَمِيعِ الصَّيْدِ وكان الْمَالِكُ لِمَا وَجَبَ بِالصَّيْدِ أَهْلَ الْحَرَمِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } ولم أَعْلَمْ بين الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافًا أَنَّ ما كان مَمْنُوعًا أَنْ يُتْلَفَ من نَفْسِ إنْسَانٍ أو طَائِرٍ أو دَابَّةٍ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ فَأَصَابَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل صَيْدَ الْبَحْرِ جُمْلَةً وَمُفَسَّرًا فَالْمُفَسَّرُ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل يَدُلُّ على مَعْنَى الْمُجْمَلِ منه بِالدَّلَالَةِ الْمُفَسِّرَةِ الْمُبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فلما أَثْبَتَ اللَّهُ عز وجل إحْلَالَ صَيْدِ الْبَحْرِ وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ ما كَانُوا حُرُمًا دَلَّ على أَنَّ الصَّيْدَ الذي حُرِّمَ عليهم ما كَانُوا حُرُمًا ما كان أَكْلُهُ حَلَالًا لهم قبل الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حُرِّمَ بِالْإِحْرَامِ خَاصَّةً إلَّا ما كان مُبَاحًا قَبْلَهُ فَأَمَّا ما كان مُحَرَّمًا على الْحَلَالِ فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَفَّ منه وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مَعْنَى ما قُلْت وَإِنْ كان بَيِّنًا في الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال خَمْسٌ من الدَّوَابِّ لَا جُنَاحَ على من قَتَلَهُنَّ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ - * بَابُ قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً - *

(2/182)


إنْسَانٌ عَمْدًا فَكَانَ على من أَصَابَهُ فيه ثَمَنٌ يُؤَدَّى لِصَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ فِيمَا أَصَابَ من ذلك خَطَأً لَا فَرْقَ بين ذلك إلَّا الْمَأْثَمُ في الْعَمْدِ فلما كان هذا كما وَصَفْت مع أَشْبَاهٍ له كان الصَّيْدُ كُلُّهُ مَمْنُوعًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فلما كان الصَّيْدُ مُحَرَّمًا كُلُّهُ في الْإِحْرَامِ وكان اللَّهُ عز وجل حَكَمَ في شَيْءٍ منه بِعَدْلٍ بَالِغِ الْكَعْبَةِ كان كَذَلِكَ كُلُّ مَمْنُوعٍ من الصَّيْدِ في الْإِحْرَامِ لَا يَتَفَرَّقُ كما لم يُفَرِّقْ الْمُسْلِمُونَ بين الْغُرْمِ في الْمَمْنُوعِ من الناس وَالْأَمْوَالِ في الْعَمْدِ والخطأ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمَنْ قال هذا مَعَك قِيلَ الْحُجَّةُ فيه ما وَصَفْت وَهِيَ عِنْدَنَا مُكْتَفًى بها وقد قَالَهُ مِمَّنْ قَبْلَنَا غَيْرُنَا قال فَاذْكُرْهُ قُلْت
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قُلْت له فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ قال نعم يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال رَأَيْت الناس يَغْرَمُونَ في الخطأ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا أَوْطَآ الضَّبَّ مُخْطِئَيْنِ بِإِيطَائِهِ وَأَوْطَآهُ عَامِدَيْنِ له فقال لي قَائِلٌ هل ذَهَبَ أَحَدٌ في هذا خِلَافَ مَذْهَبِك فَقُلْت نعم قال فَاذْكُرْهُ قُلْت
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال كان مُجَاهِدٌ يقول وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا غير نَاسٍ لِحُرُمِهِ وَلَا مَرِيدًا غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ فَقَدْ أُحِلَّ وَلَيْسَتْ له رُخْصَةٌ وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحُرُمِهِ أو أَرَادَ غَيْرَهُ فأخطا بِهِ فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ عنه من النَّعَمِ قال فما يَعْنِي بِقَوْلِهِ فَقَدْ أُحِلَّ قُلْت أَحْسَبُهُ يَذْهَبُ إلَى أُحِلَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ قال أَفَتَرَاهُ يُرِيدُ أُحِلَّ من إحْرَامِهِ قُلْت ما أَرَاهُ وَلَوْ أَرَادَهُ كان مَذْهَبُ من أَحْفَظُ عنه خِلَافَهُ ولم يَلْزَمْ بِقَوْلِهِ حُجَّةٌ قال فما جِمَاعُ مَعْنَى قَوْلِهِ في الصَّيْدِ قُلْت إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ الْعَمْدُ الذي لَا يَخْلِطُهُ خَطَأٌ وَيُكَفَّرُ الْعَمْدُ الذي يَخْلِطُهُ الْخَطَأُ ( قال ) فَنَصُّهُ قُلْت يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إنْ عَمَدَ قَتْلَهُ ونسى إحْرَامَهُ فَفِي هذا خَطَأٌ من جِهَةِ نِسْيَانِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ عَمَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَفِي هذا خَطَأٌ من جِهَةِ الْفِعْلِ الذي كان بِهِ الْقَتْلُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِحُرُمِهِ فَذَلِكَ الذي يُحْكَمُ عليه وَمَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِحُرُمِهِ لم يُحْكَمْ عليه قال عَطَاءٌ يُحْكَمُ عليه وبقول ( ( ( ويقول ) ) ) عَطَاءٌ نَأْخُذُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ أَحَدٌ قُلْت نعم قال غَيْرُهُمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ يُحْكَمُ على من قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يُحْكَمُ على من قَتَلَهُ خَطَأً بِحَالٍ - * بَابُ من عَادَ لِقَتْلِ الصَّيْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا فَحُكِمَ عليه ثُمَّ عَادَ لِآخَرَ قال يُحْكَمُ عليه كُلَّمَا عَادَ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَمِنْ أَيْنَ قُلْته قُلْت إذَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْكَمَ عليه بِإِتْلَافِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْكَمَ عليه بِإِتْلَافِ الثَّانِي وَكُلِّ ما بَعْدَهُ كما يَكُونُ عليه لو قَتَلَ نَفْسًا دِيَتُهُ وَأَنْفُسًا بَعْدَهُ دِيَةٌ دِيَةٌ في كل نَفْسٍ وَكَمَا يَكُونُ عليه لو أَفْسَدَ مَتَاعًا لِأَحَدٍ ثُمَّ أَفْسَدَ مَتَاعًا لِآخَرَ ثُمَّ أَفْسَدَ مَتَاعًا كَثِيرًا بَعْدَهُ قِيمَةُ ما أَفْسَدَ في كل حَالٍ فَإِنْ قال فما قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه } فَفِي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما يَبْلُغُ عِلْمِي أَنَّ فيه دَلَالَةً على ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ فما مَعْنَاهُ قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ ما مَعْنَاهُ أَمَّا الذي يُشْبِهُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَنْ يَجِبَ عليه بِالْعَوْدِ النِّقْمَةُ وقد تَكُونُ النِّقْمَةُ بِوُجُوهٍ في الدُّنْيَا الْمَالُ وفي الْآخِرَةِ النَّارُ فَإِنْ قال فَهَلْ تَجِدُ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت في غَيْرِ هذه الْآيَةِ أو على ما يُشْبِهُهُ قِيلَ نعم قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ له الْعَذَابُ يوم الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فيه مُهَانًا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ شَيْءٌ أَعْلَى من هذا قِيلَ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ هذا الْمَعْنَى وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَإِنْ قال ما هو قُلْت
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الْمَلِكِ بن قَرِيبٍ

(2/183)


وَجَعَلَ اللَّهُ الْقَتْلَ على الْكُفَّارِ وَالْقَتْلَ على الْقَاتِلِ عَمْدًا وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعَفْوَ عن الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ إنْ شَاءَ ولى الْمَقْتُولِ وَجَعَلَ الْحَدَّ على الزَّانِي فلما أَوْجَبَ اللَّهُ عليهم النِّقْمَةَ بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ في الْآخِرَةِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا وَجَعَلَ الْحَدَّ على الزَّانِي فلما أَوْجَبَ اللَّهُ عليهم الْحُدُودَ دَلَّ هذا على أَنَّ النِّقْمَةَ في الْآخِرَةِ لَا تُسْقِطُ حُكْمَ غَيْرِهَا في الدُّنْيَا قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فلم يَخْتَلِفْ الناس في أَنَّهُمَا كُلَّمَا زَنَيَا بَعْدَ الْحَدِّ جُلِدَا فَكَانَ الْحَقُّ عليهم في الزنى الْآخَرِ مِثْلُهُ في الزنى الْأَوَّلِ وَلَوْ انْبَغَى أَنْ يُفَرِّقَا كان في الزنى الْآخَرِ وَالْقَتْلِ الْآخَرِ أَوْلَى ولم يُطْرَحْ فَإِنْ قال أَفَرَأَيْت من طَرَحَهُ على مَعْنَى أَنَّهُ عَمْدُ مَأْثَمٍ فَأَوَّلُ ما قَتَلَ من الصَّيْدِ عَمْدًا يَأْثَمُ بِهِ فَكَيْفَ حُكِمَ عليه فَقُلْت حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عليه فيه وَلَوْ كان كما تَقُولُ كان أَوْلَى أَنْ لَا يُعْرَضَ له في عَمْدِ الْمَأْثَمِ فإذا كان الِابْتِدَاءُ على أَنَّهُ عَمْدُ مَأْثَمٍ فَالثَّانِي مِثْلُهُ فَإِنْ قال فَهَلْ قال هذا مَعَك أَحَدٌ غَيْرُك قِيلَ نعم فَإِنْ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت
أخبرنا سَعِيدٌ عن مُحَمَّدِ بن جَابِرٍ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ عَمْدًا يُحْكَمُ عليه كُلَّمَا قَتَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه } قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ فَأَمَّا عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ فَيَذْهَبُ إلَى { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } في الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ عَادَ في الْإِسْلَامِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لِقَتْلِ صَيْدٍ مَرَّةً فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } قال عَفَا اللَّهُ عَمَّا كان في الْجَاهِلِيَّةِ قُلْت وَقَوْلُهُ { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه } قال وَمَنْ عَادَ في الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه وَعَلَيْهِ في ذلك الْكَفَّارَةُ قال وَإِنْ عَمَدَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قُلْت له هل في الْعَوْدِ من حَدٍّ يُعْلَمُ قال لَا قُلْت أَفَتَرَى حَقًّا على الْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ فيه قال لَا ذَنْبٌ أَذْنَبَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ويفتدى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان كُلُّ ما أُرِيدَ بِهِ هدى من مِلْكِ بن آدَمَ هَدْيًا كانت الْأَنْعَامُ كُلُّهَا وَكُلُّ ما أَهْدَى فَهُوَ بِمَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ خفى عن أَحَدٍ أَنَّ هذا هَكَذَا ما انْبَغَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَخْفَى عليه إذَا كان الصَّيْدُ إذَا جَزَى بِشَيْءٍ من النَّعَمِ لَا يُجْزِئُ فيه إلَّا أَنْ يجزى ( ( ( يجزئ ) ) ) بِمَكَّةَ فَعُلِمَ أَنَّ مَكَّةَ أَعْظَمُ أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى حُرْمَةً وَأَوْلَاهُ أَنْ تُنَزَّهَ عن الدِّمَاءِ لَوْلَا ما عَقَلْنَا من حُكْمِ اللَّهِ في أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِينَ بِمَكَّةَ فإذا عَقَلْنَا هذا عن اللَّهِ عز وجل فَكَانَ جَزَاءُ الصَّيْدِ بِطَعَامٍ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا بِمَكَّةَ وَكَمَا عَقَلْنَا عن اللَّهِ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ في مَوْضِعَيْنِ من الْقُرْآنِ بِالْعَدْلِ وفي مَوَاضِعَ فلم يذكر الْعَدْلَ وَكَانَتْ الشَّهَادَاتُ وَإِنْ افْتَرَقَتْ تَجْتَمِعُ في أَنَّهُ يُؤْخَذُ بها اكْتَفَيْنَا أنها كُلَّهَا بِالْعَدْلِ ولم نَزْعُمْ أَنَّ الْمَوْضِعَ الذي لم يذكر اللَّهُ عز وجل فيه الْعَدْلَ مَعْفُوٌّ عن الْعَدْلِ فيه فَلَوْ أَطْعَمَ في كَفَّارَةِ صَيْدٍ بِغَيْرِ مَكَّةَ لم يُجْزِ عنه وَأَعَادَ الْإِطْعَامَ بِمَكَّةَ أو بِ مِنًى فَهُوَ من مَكَّةَ لِأَنَّهُ لِحَاضِرِ الْحَرَمِ وَمِثْلُ هذا كُلُّ ما وَجَبَ على مُحْرِمٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ من فِدْيَةِ أَذًى أو طِيبٍ أو لُبْسٍ أو غَيْرِهِ لَا يُخَالِفُهُ في شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّهُ من جِهَةِ النُّسُكِ وَالنُّسُكُ إلَى الْحَرَمِ وَمَنَافِعُهُ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِينَ الْحَرَمَ ( قال ) وَمَنْ حَضَرَ الْكَعْبَةَ حين يَبْلُغُهَا الهدى من النَّعَمِ أو الطَّعَامِ من مِسْكِينٍ كان له أَهْلٌ بها أو غَرِيبٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْا بِحَضْرَتِهَا وَإِنْ قَلَّ فَكَانَ يعطى بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يعطى مَسَاكِينَ الْغُرَبَاءِ دُونَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَسَاكِينَ أَهْلَ مَكَّةَ دُونَ مَسَاكِينَ الْغُرَبَاءِ وَأَنْ يَخْلِطَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ آثَرَ بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ الْحُضُورَ وَالْمَقَامَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُعَاقِبُهُ الْإِمَامُ فيه لِأَنَّ هذا ذَنْبٌ جُعِلَتْ عُقُوبَتُهُ فَدِيَتَهُ إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهُ يأتى ذلك عَامِدًا مُسْتَخِفًّا - * بَابُ أَيْنَ مَحَلُّ هدى الصَّيْدِ - *

(2/184)


لَكَانَ كَأَنَّهُ أَسْرَى إلَى الْقَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال هذا أَحَدٌ يُذْكَرُ قَوْلُهُ قِيلَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يحكم به ذوا عدل منكم هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } قال من أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ في حَرَمٍ يُرِيدُ الْبَيْتَ كَفَّارَةُ ذلك عِنْدَ الْبَيْتِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال له مَرَّةً أُخْرَى يَتَصَدَّقُ الذي يُصِيبُ الصَّيْدَ بِمَكَّةَ قال اللَّهُ عز وجل { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } قال فَيَتَصَدَّقُ بِمَكَّةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى { أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } الْآيَةَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ما قَوْلُهُ { أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } قال إنْ أَصَابَ ما عَدْلُهُ شَاةٌ فَصَاعِدًا أُقِيمَتْ الشَّاةُ طَعَامًا ثُمَّ جَعَلَ مَكَانَ كل مُدٍّ يَوْمًا يَصُومُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كما قال عَطَاءٌ وَبِهِ أَقُولُ وَهَكَذَا بَدَنَةٌ إنْ وَجَبَتْ وَهَكَذَا مُدٌّ إنْ وَجَبَ عليه في قِيمَةِ شَيْءٍ من الصَّيْدِ صَامَ مَكَانَهُ يَوْمًا وَإِنْ أَصَابَ من الصَّيْدِ ما قِيمَتُهُ أَكْثَرُ من مُدٍّ وَأَقَلُّ من مُدَّيْنِ صَامَ يَوْمَيْنِ وَهَكَذَا كُلُّ ما لم يَبْلُغْ مُدًّا صَامَ مَكَانَهُ يَوْمًا
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ هذا الْمَعْنَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت مَكَانَ الْمُدِّ صِيَامُ يَوْمٍ وما زَادَ على مُدٍّ مِمَّا لَا يَبْلُغُ مُدًّا آخَرَ صَوْمُ يَوْمٍ قُلْت قُلْته مَعْقُولًا وَقِيَاسًا فَإِنْ قال فَأَيْنَ الْقِيَاسُ بِهِ وَالْمَعْقُولُ فيه قُلْت أَرَأَيْت إذَا لم يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً أَنْ يَدَعَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا تمرة ( ( ( ثمرة ) ) ) أو لُقْمَةً لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مُجْزِيَةٌ لَا تُعَطَّلُ بِقِلَّةِ قِيمَتِهَا ثُمَّ جَعَلَ فيها قِيمَتَهَا فإذا بَدَا له أَنْ يَصُومَ هل يَجِدُ من الصَّوْمِ شيئا يَجْزِيهِ أَبَدًا أَقَلَّ من يَوْمٍ فَإِنْ قال لَا قُلْت فَبِذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ أَقَلَّ ما يَجِبُ من الصَّوْمِ يَوْمٌ وَعَقَلْنَا وَقِسْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا كان لَا يَتَبَعَّضُ فَأَوْقَعَ إنْسَانٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ لَزِمَتْهُ تَطْلِيقَةٌ وَعَقَلْنَا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ إذَا كانت نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فلم تَتَبَعَّضْ الْحَيْضَةُ نِصْفَيْنِ فَجَعَلْنَا عِدَّتَهَا حَيْضَتَيْنِ - * بَابُ الْخِلَافِ في عَدْلِ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال لي بَعْضُ الناس إذَا صَامَ عن جَزَاءِ الصَّيْدِ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وإذا أَطْعَمَ منه في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ وقال هل رَوَيْت في هذا عن أَصْحَابِك شيئا يُوَافِقُ قَوْلَنَا وَيُخَالِفُ قَوْلَك قُلْت نعم
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ مُجَاهِدًا كان يقول مَكَانَ كل مُدَّيْنِ يَوْمًا فقال وَكَيْفَ لم تَأْخُذْ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَخَذْتَ بِقَوْلِ عَطَاءٍ يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ حَيْثُ وَجَبَ إطْعَامُهُ مُدًّا إلَّا في فِدْيَةِ الْأَذَى فَإِنَّك قُلْت يُطْعِمُهُ مُدَّيْنِ وَلِمَ لم تَقُلْ إذْ قُلْت في فِدْيَةِ الْأَذَى يُطْعِمُهُ مُدَّيْنِ في كل مَوْضِعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له يَجْمَعُ بين مَسْأَلَتَيْك جَوَابٌ وَاحِدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قال فَاذْكُرْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ نَحْنُ وَأَنْتَ وَمَنْ نَسَبْنَاهُ مَعَنَا إلَى الْفِقْهِ فَالْفَرْضُ عليه في تَأْدِيَةِ ما يَجِبُ عليه من أَنْ لَا يَقُولَ إلَّا من حَيْثُ يَعْلَمُ وَيُعْلَمُ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ أَحْكَامَ رَسُولِهِ من وَجْهَيْنِ يَجْمَعُهُمَا مَعًا أَنَّهُمَا تَعَبُّدٌ ثُمَّ في التَّعَبُّدِ وَجْهَانِ فَمِنْهُ تَعَبُّدٌ لِأَمْرٍ أَبَانَ اللَّهُ عز وجل أو رَسُولُهُ سَبَبَهُ فيه أو في غَيْرِهِ من كِتَابِهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ فَذَلِكَ الذي قُلْنَا بِهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا هو في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَمِنْهُ ما هو تَعَبُّدٌ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عز شَأْنُهُ مِمَّا عَلَّمَهُ وَعَلَّمْنَا حُكْمَهُ ولم نَعْرِفْ فيه ما عَرَفْنَا مِمَّا أَبَانَ لنا في كِتَابِهِ أو على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَدَّيْنَا الْفَرْضَ في الْقَوْلِ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ إلَيْهِ ولم نَعْرِفْ في شَيْءٍ له مَعْنًى فَنَقِيسُ عليه وَإِنَّمَا قِسْنَا على ما عَرَفْنَا ولم يَكُنْ لنا عِلْمٌ إلَّا ما عَلَّمَنَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فقال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُرِيدُ عَطَاءً ما وَصَفْت من الطَّعَامِ وَالنَّعَمُ كُلُّهُ هدى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابٌ كَيْفَ يَعْدِلُ الصِّيَامَ - *

(2/185)


هذا كُلُّهُ كما وَصَفْت لم أَسْمَعْ أَحَدًا من أَهْلِ التَّكْشِيفِ قال بِغَيْرِهِ فقفنى منه على أَمْرٍ أَعْرِفُهُ فإن أَصْحَابَنَا يُعْطُونَ هذه الْجُمْلَةَ كما وَصَفْت لَا يُغَادِرُونَ منها حَرْفًا وَتَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُهُمْ إذَا فَرَّعُوا عليها فَقُلْت فاقبل منهم الصَّوَابَ واردد ( ( ( وأرد ) ) ) عليهم الْغَفْلَةَ قال إنَّ ذلك لَلَازِمٌ لي وما يَبْرَأُ آدمى رَأَيْته من غَفْلَةٍ طَوِيلَةٍ وَلَكِنْ انصب لِمَا قُلْت مِثَالًا فَقُلْت أَرَأَيْت إذْ حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ قُلْنَا وَقُلْت قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا وهو لو كان حَيًّا كانت فيه أَلْفُ دِينَارٍ أو مَيِّتًا لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ وهو لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا أو حَيًّا فَكَانَ مُغَيَّبَ الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ إذَا جَنَى عليه فَهَلْ قِسْنَا عليه مُلَفَّفًا أو رَجُلًا في بَيْتٍ يُمْكِنُ فِيهِمَا الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ وَهُمَا مُغَيَّبَا الْمَعْنَى قال لَا قُلْت وَلَا قِسْنَا عليه شيئا من الدِّمَاءِ قال لَا قُلْت وَلِمَ قال لِأَنَّا تَعَبَّدْنَا بِطَاعَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه ولم نَعْرِفْ سَبَبَ ما حَكَمَ له بِهِ قُلْت فَهَكَذَا قُلْنَا في الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا عِمَامَةٌ وَلَا بُرْقُعٌ وَلَا قُفَّازَانِ قال وَهَكَذَا قُلْنَا فيه لِأَنَّ فيه فَرْضَ وُضُوءٍ وَخُصَّ منه الْخُفَّانِ خَاصَّةً فَهُوَ تَعَبُّدٌ لَا قِيَاسَ عليه قُلْت وَقِسْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ إذْ قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ أَنَّ الْخِدْمَةَ كَالْخَرَاجِ قال نعم قُلْت لِأَنَّا عَرَفْنَا أَنَّ الْخَرَاجَ حَادِثٌ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمِنَهُ منه ولم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ قال نعم وفي هذا كِفَايَةٌ من جُمْلَةِ ما أَرَدْت وَدَلَالَةٌ عليه من أَنَّ سُنَّةً مَقِيسٌ عليها وَأُخْرَى غَيْرُ مَقِيسٍ عليها وَكَذَلِكَ الْقَسَامَةُ لَا يُقَاسُ عليها غَيْرُهَا وَلَكِنْ أخبرني بِالْأَمْرِ الذي له اخْتَرْت أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا إلَّا في فِدْيَةِ الْأَذَى إذَا تَرَكَ الصَّوْمَ فَإِمَّا أَنْ يَصُومَ مَكَانَ كل مُدٍّ يَوْمًا فَيَكُونُ صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ مُدٍّ فَإِنْ ثَبَتَ لَك الْمُدُّ فصحيح ( ( ( صحيح ) ) ) لَا أَسْأَلُك عنه إلَّا فِيمَا قُلْت أن صَوْمَ الْيَوْمِ يَقُومُ مَقَامَ إطْعَامِ مِسْكِينٍ فَقُلْت له حَكَمَ اللَّهُ عز وجل على الْمُظَاهِرِ إذَا عَادَ لِمَا قال { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } { فمن لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ من قبل أن يتماسا فمن لم يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ إمْسَاكَ الْمُظَاهِرِ عن أَنْ يَأْكُلَ سِتِّينَ يَوْمًا كَإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِهَذَا الْمَعْنَى صِرْت إلَى أَنَّ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كل يَوْمٍ قال فَهَلْ من دَلِيلٍ مع هذا قُلْت نعم أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُصِيبَ لِأَهْلِهِ نَهَارًا في شَهْرِ رَمَضَانَ هل تَجِدُ ما تُعْتِقُ قال لَا فَسَأَلَهُ هل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فقال لَا فَسَأَلَهُ هل تَقْدِرُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فقال لَا فَأَعْطَاهُ عَرَقَ تَمْرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ على سِتِّينَ مِسْكِينًا فَأَدَّى المؤدى لِلْحَدِيثِ أَنَّ في الْعَرَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قال أو عِشْرِينَ وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الْعَرَقَ يُعْمَلُ على خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِيَكُونَ الْوَسْقُ بِهِ أَرْبَعَةً فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ إطْعَامَ الْمِسْكِينِ مُدُّ طَعَامٍ وَمَكَانَ إطْعَامِ الْمِسْكِينِ صَوْمُ يَوْمٍ قال أَمَّا صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ كل مِسْكِينٍ فَكَمَا قُلْت وَأَمَّا إطْعَامُ الْمِسْكِينِ مُدًّا فإذا قال أو عِشْرِينَ صَاعًا قُلْت فَهَذَا مُدٌّ وَثُلُثٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قال فَلِمَ لَا تَقُولُ بِهِ قُلْت فَهَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَطُّ قال إلَّا مُدًّا أو مُدَّيْنِ قال لَا قُلْت فَلَوْ كان كما قُلْت أنت كُنْت أنت قد خَالَفْته وَلَكِنَّهُ احْتِيَاطٌ من الْمُحْدَثِ وَهَذَا كما قُلْت في الْعَرَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَعَلَى ذلك كانت تُعْمَلُ فِيمَا أخبرني غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْيَمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا مَعَايِيرَ كَالْمَكَايِيلِ على خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا بِالتَّمْرِ قال فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْكَفَّارَةَ في الطَّعَامِ وَإِصَابَةِ الْمَرْأَةِ تَعَبُّدٌ لِأَمْرٍ قد عَرَفْته وَعَرَفْنَاهُ مَعَك فَأَبِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ في فِدْيَةِ الْأَذَى وَغَيْرِهَا تَعَبُّدٌ لَا يُقَاسُ عليه قُلْت أَلَيْسَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِكَعْبِ بن عُجْرَةَ في الطَّعَامِ فَرَقًا بين سِتَّةِ مَسَاكِينَ فَكَانَ ذلك مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ قال بَلَى قُلْت وَأَمَرَهُ فقال أو صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قال بَلَى قُلْت وقال أو اُنْسُكْ شَاةً قال بَلَى قُلْت فَلَوْ قِسْنَا الطَّعَامَ على الصَّوْمِ أَمَا نَقُولُ صَوْمُ يَوْمٍ مَكَانَ إطْعَامِ مِسْكِينَيْنِ قال بَلَى قُلْت وَلَوْ قِسْنَا الشَّاةَ بِالصَّوْمِ كانت شَاةٌ عَدْلَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قال بَلَى قُلْت وقد قال اللَّهُ عز وجل في الْمُتَمَتِّعِ { فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ } فَجَعَلَ الْبَدَلَ من
____________________

(2/186)


شَاةٍ صَوْمَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قال نعم وَقُلْت قال اللَّهُ عز وجل { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } الْآيَةَ فَجَعَلَ الرَّقَبَةَ مَكَانَ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ قال نعم قُلْت وَالرَّقَبَةُ في الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ سِتِّينَ يَوْمًا قال نعم وقد بَانَ أَنَّ صَوْمَ سِتِّينَ يَوْمًا أَوْلَى بِالْقُرْبِ من الرَّقَبَةِ من صَوْمِ عَشَرَةٍ وَبَانَ لي أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْلَى بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ منه بِإِطْعَامِ مِسْكِينَيْنِ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ جُوعُ يَوْمٍ وَإِطْعَامَ مِسْكِينٍ إطْعَامُ يَوْمٍ فَيَوْمٌ بِيَوْمٍ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عليه من يَوْمَيْنِ بِيَوْمٍ وَأَوْضَحُ من أنه ( ( ( أنها ) ) ) أَوْلَى الْأُمُورِ بِالْقِيَاسِ قال فَهَلْ فيه من أَثَرٍ أَعْلَى من قَوْلِ عَطَاءٍ قُلْت نعم أخبرنا مَالِكٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَالْغَنِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ عن هذا الْقَوْلُ إذَا كان كما وَصَفْت غنى بِمَا لَا يُعِيدُ وَلَا يُبْدِي كَيْف جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدٍّ مُخْتَلِف أَرَأَيْت لو قال له إنْسَانٌ هِيَ بِمُدٍّ أَكْبَرَ من مُدِّ هِشَامٍ أَضْعَافًا وَالطَّعَامُ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما سِوَاهُ بِمُدٍّ مُحْدَثٍ الذي هو أَكْبَرُ من مُدِّ هِشَامٍ أو رَأَيْت الْكَفَّارَاتِ إذْ نَزَلَتْ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَيْفَ جَازَ أَنْ تَكُونَ بِمُدِّ رَجُلٍ لم يُخْلَقْ أَبُوهُ وَلَعَلَّ جَدَّهُ لم يُخْلَقْ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا قال الناس هِيَ مُدَّانِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فما أَدْخَلَ مُدًّا وَكَسْرًا هذا خُرُوجٌ من قَوْلِ أَهْلِ الدُّنْيَا في الْكَفَّارَاتِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا أَيْضًا أَنَّ على غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من الْكَفَّارَاتِ أَكْثَرَ مِمَّا على أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِيهِمْ أَوْسَعُ منه بِالْمَدِينَةِ قال فما قُلْت لِمَنْ قال هذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَرَأَيْت الَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْفَثَّ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ اللَّبَنَ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْحَنْظَلَ وَاَلَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْحِيتَانِ لَا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهَا وَاَلَّذِينَ السِّعْرُ عِنْدَهُمْ أَغْلَى منه بِالْمَدِينَةِ بِكَثِيرٍ كَيْفَ يُكَفِّرُونَ يَنْبَغِي في قَوْلِهِمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَقَلَّ من كَفَّارَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيُكَفِّرُونَ من الدُّخْنِ وهو نَبَاتٌ يَقْتَاتُهُ بَعْضُ الناس في الْجَدْبِ وَيَنْبَغِي إذَا كان سِعْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْخَصَ من سِعْرِ أَهْلِ بَلَدٍ أَنْ يَكُونَ من يُكَفِّرُ في زَمَانِ غَلَاءِ السِّعْرِ بِبَلَدٍ أَقَلَّ كَفَّارَةً من أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنْ كان إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ هذا لِغَلَاءِ سِعْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ له هل رَأَيْت من فَرَائِضِ اللَّهِ شيئا خُفِّفَ عن أَحَدٍ أو اخْتَلَفُوا في صَلَاةٍ أو زَكَاةٍ أو حَدٍّ أو غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت فما يَنْبَغِي أَنْ يُعَارَضَ بِقَوْلِ من قال هذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَزَعَمَ زَاعِمٌ غَيْرُ قَائِلِ هذا أَنَّهُ قال الطَّعَامُ حَيْثُ شَاءَ الْمُكَفِّرُ في الْحَجِّ وَالصَّوْمِ كَذَلِكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له لَئِنْ زَعَمْت أَنَّ الدَّمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ ما يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ إلَّا بِمَكَّةَ كما قُلْت لِأَنَّهُمَا طَعَامَانِ قال فما حُجَّتُك في الصَّوْمِ قُلْت أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ من صَوْمِهِ ثَلَاثٌ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ ولم يَكُنْ في الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينَ الْحَرَمِ وكان على بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ - * بَابٌ هل لِمَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِغَيْرِ النَّعَمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } إلَى قَوْلِهِ { صِيَامًا } فَكَانَ الْمُصِيبُ مَأْمُورًا بِأَنْ يَفْدِيَهُ وَقِيلَ له { من النَّعَمِ يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ له الْخِيَارَ بِأَنْ يفتدى بِأَيِّ ذلك شَاءَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُخْرِجَ من وَاحِدٍ منها وكان
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُك من أَهْلِ نَاحِيَتِك فَقُلْت نعم زَعَمَ منهم زَاعِمٌ ما قُلْت من أَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا بِمُدِّ هِشَامٍ قال فَلَعَلَّ مُدَّ هِشَامٍ مدين ( ( ( مدان ) ) ) فَيَكُونُ أَرَادَ قَوْلَنَا مُدَّيْنِ وَإِنَّمَا جَعَلَ مُدَّ هِشَامٍ عَلَمًا قُلْت لَا مُدُّ هِشَامٍ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو مُدٌّ وَنِصْفٌ

(2/187)


هذا أَظْهَرَ مَعَانِيهِ وَأَظْهَرُهَا الْأَوْلَى بِالْآيَةِ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بهدى إنْ وَجَدَهُ فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَطَعَامٌ فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَصَوْمٌ كما أَمَرَ في التَّمَتُّعِ وَكَمَا أَمَرَ في الظِّهَارِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ كَعْبَ بن عُجْرَةَ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ في فِدْيَةِ الْأَذَى وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْمَوْلَى أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَإِنْ احْتَمَلَ الْوَجْهَ الْآخَرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال ما ذَهَبْت إلَيْهِ غَيْرُك قِيلَ نعم
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } قال عَطَاءٌ فَإِنْ أَصَابَ إنْسَانٌ نَعَامَةً كان عليه إنْ كان ذَا يَسَارٍ أَنْ يهدى جَزُورًا أو عَدْلَهَا طَعَامًا أو عَدْلَهَا صِيَامًا أَيَّتَهُنَّ شَاءَ من أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَجَزَاءٌ } كَذَا وَكَذَا وَكُلُّ شَيْءٍ في الْقُرْآنِ أو أو فَلْيَخْتَرْ منه صَاحِبُهُ ما شَاءَ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ قَدَرَ على الطَّعَامِ أَلَا يَقْدِرُ على عَدْلِ الصَّيْدِ الذي أَصَابَ قال تَرْخِيصُ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُ الْجَزُورِ وَهِيَ الرُّخْصَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَمَا قال بن جُرَيْجٍ وَعَمْرٌو في الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ قال أَحَدٌ ليس هو بِالْخِيَارِ فقال نعم
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن الْحَسَنِ بن مُسْلِمٍ قال من أَصَابَ من الصَّيْدِ ما يَبْلُغُ فيه شَاةً فَذَلِكَ الذي قال اللَّهُ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَأَمَّا { أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } فَذَلِكَ الذي لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فيه هدى الْعُصْفُورِ يُقْتَلُ فَلَا يَكُونُ فيه هدى قال أو { عَدْلُ ذلك صِيَامًا } عَدْلُ النَّعَامَةِ وَعَدْلُ الْعُصْفُورِ قال بن جُرَيْجٍ فَذَكَرْت ذلك لِعَطَاءٍ فقال عَطَاءٌ كُلُّ شَيْءٍ في الْقُرْآنِ أو أو يَخْتَارُ منه صَاحِبُهُ ما شَاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِقَوْلِ عَطَاءٍ في هذا أَقُولُ قال اللَّهُ عز وجل في جَزَاءِ الصَّيْدِ { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا } وقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ } وروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لِكَعْبِ بن عُجْرَةَ أَيَّ ذلك فَعَلْت أَجْزَأَك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجَدْتُهُمَا مَعًا فِدْيَةً من شَيْءٍ أُفِيتَ قد مُنِعَ الْمُحْرِمُ من إفَاتَتِهِ الْأَوَّلُ الصَّيْدُ وَالثَّانِي الشَّعْرُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ ما أَفَاتَهُ الْمُحْرِمُ سِوَاهُمَا مما ( ( ( كما ) ) ) نهى عن إفَاتَتِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وهو بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَفْدِيَهُ من النَّعَمِ أو الطَّعَامِ أو الصَّوْمِ أَيَّ ذلك شَاءَ فَعَلَ كان وَاجِدًا وَغَيْرَ وَاجِدٍ قال اللَّهُ عز وجل { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ ليس بِإِفَاتَةِ شَيْءٍ جَعَلَ اللَّهُ عز وجل فيه الهدى فما فَعَلَ الْمُحْرِمُ من فِعْلٍ تَجِبُ عليه فيه الْفِدْيَةُ وكان ذلك الْفِعْلُ ليس بِإِفَاتَةِ شَيْءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ من النَّعَمِ إنْ بَلَغَ النَّعَمَ وَلَيْسَ له أَنْ يَفْدِيَهُ بِغَيْرِ النَّعَمِ وهو يَجِدُ النَّعَمَ وَذَلِكَ مِثْلُ طِيبِ ما تَطَيَّبَ بِهِ أو لُبْسِ ما ليس له لُبْسُهُ أو جَامَعَ أو نَالَ من امْرَأَتِهِ أو تَرَكَ من نُسُكِهِ أو ما في مَعْنَى هذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فما مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ } قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الظَّاهِرُ فإنه مَأْذُونٌ بِحِلَاقِ الشَّعْرِ لِلْمَرَضِ وَالْأَذَى في الرَّأْسِ وَإِنْ لم يَمْرَضْ فإذا جَعَلْت عليه في مَوْضِعِ الْفِدْيَةِ النَّعَمَ فَقُلْت لَا يَجُوزُ إلَّا من النَّعَمِ ما كانت مَوْجُودَةً فَأَعْوَزَ المفتدى من النَّعَمِ لِحَاجَةٍ أو انْقِطَاعٍ من النَّعَمِ فَكَانَ يَقْدِرُ على طَعَامٍ قُوِّمَ الذي وَجَبَ عليه دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ على كل مِسْكِينٍ بِمُدٍّ وَإِنْ أَعْوَزَ من الطَّعَامِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا جَعَلْنَا إلَيْهِ ذلك كان له أَنْ يَفْعَلَ أَيَّةَ شَاءَ وَإِنْ كان قَادِرًا على الْيَسِيرِ معه وَالِاخْتِيَارُ وَالِاحْتِيَاطُ له أَنْ يفدى بِنَعَمٍ فَإِنْ لم يَجِدْ فَطَعَامٌ وَأَنْ لَا يَصُومَ إلَّا بَعْدَ الْإِعْوَازِ مِنْهُمَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ } له أَيَّتَهُنَّ شَاءَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال كُلُّ شَيْءٍ في الْقُرْآنِ أو أو له أَيَّةُ شَاءَ قال بن جُرَيْجٍ إلَّا في قَوْلِهِ { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فيها

(2/188)


صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا قِسْته على هذه الْمُتْعَةِ فَكَيْفَ لم تَقُلْ فيه ما قُلْت في الْمُتَمَتِّعِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ قِسْته عليه في أَنَّهُ جَامَعَهُ في أَنَّهُ فِعْلٌ لَا إفَاتَةٌ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَدَنَةً على قَدْرِ عِظَمِ ما أَصَابَ وَشَاةً دُونَ ذلك فلما كان يَنْتَقِلُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ بِقَدْرِ عِظَمِ ما أَصَابَ فَارَقَ في هذا الْمَعْنَى هدى الْمُتْعَةِ الذي لَا يَكُونُ على أَحَدٍ إذَا وَجَدَ أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ منه وَإِنْ زَادَ عليه كان مُتَطَوِّعًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } إلَى قَوْلِهِ { عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّ الْكِتَابُ على أَنْ يَصُومَ في الْحَجِّ وكان مَعْقُولًا في الْكِتَابِ أَنَّهُ في الْحَجِّ الذي وَجَبَ بِهِ الصَّوْمُ وَمَعْقُولًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ في الْحَجِّ لَا قَبْلَهُ في شُهُورِ الْحَجِّ وَلَا غَيْرِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } فَإِنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ في شَوَّالٍ أو ذِي الْقَعْدَةِ أو ذِي الْحِجَّةِ كان له أَنْ يَصُومَ حين يَدْخُلُ في الْحَجِّ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ من الْحَجِّ حتى يَصُومَ إذَا لم يَجِدْ هَدْيًا وَأَنْ يَكُونَ آخِرَ ماله من الْأَيَّامِ في آخِرِ صِيَامِهِ الثَّلَاثَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ من الْغَدِ من يَوْمِ عَرَفَةَ من الْحَجِّ وَيَكُونُ في يَوْمٍ لَا صَوْمَ فيه يَوْمِ النَّحْرِ وَهَكَذَا روى عن عَائِشَةَ وبن عُمَرَ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها ( ( ( عنهما ) ) ) في الْمُتَمَتِّعِ إذَا لم يَجِدْ هَدْيًا ولم يَصُمْ قبل يَوْمِ عَرَفَةَ فَلْيَصُمْ أَيَّامَ مِنًى
أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه مِثْلَ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وهو مَعْنَى ما قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُشْبِهُ الْقُرْآنَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاخْتَلَفَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بن دِينَارٍ في وُجُوبِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا يَجِبُ عليه الصَّوْمُ حتى يُوَافِيَ عَرَفَةَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ وقال عَمْرُو بن دِينَارٍ إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَجَبَ عليه الصَّوْمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِقَوْلِ عَمْرِو بن دِينَارٍ نَقُولُ وهو أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ الْخَبَرِ عن عَائِشَةَ وبن عُمَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ مَاتَ من سَاعَتِهِ أو بَعْدُ قبل أَنْ يَصُومَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه دَمَ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عليه لِأَنَّهُ لم يَصُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ عنه وَهَذَا قَوْلٌ يُحْتَمَلُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا دَمَ عليه وَلَا صَوْمَ لِأَنَّ الْوَقْتَ الذي وَجَبَ عليه فيه الصَّوْمُ وَقْتٌ زَالَ عنه فَرْضُ الدَّمِ وَغَلَبَ على الصَّوْمِ فَإِنْ كان بقى مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ فيها فَفَرَّطَ تَصَدَّقَ عنه مَكَانَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ حِنْطَةً لِأَنَّ السَّبْعَةَ لَا تَجِبُ عليه إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ مَاتَ ولم يَصُمْ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَ تَصَدَّقَ عنه في الثَّلَاثِ وما أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ من السَّبْعِ فَتَرَكَهُ يَوْمًا كان ذلك أو أَكْثَرَ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ قِيَاسًا وَمَعْقُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ مِنًى نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن صَوْمِ أَيَّامِ مِنًى وَلَا نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خاصا ( ( ( خاصة ) ) ) إذَا لم يَكُنْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةٌ بِأَنَّ نَهْيَهُ إنَّمَا هو على ما لَا يَلْزَمُ من الصَّوْمِ وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من قال يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ أَيَّامَ مني ذَهَبَ عليه نَهْيُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنها فَلَا أَرَى أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ مِنًى وقد كُنْت أَرَاهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجَدْت أَيَّامَ مِنًى خَارِجًا من الْحَجِّ يَحِلُّ بِهِ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ النِّسَاءُ فلم يَجُزْ أَنْ أَقُولَ هذا في الْحَجِّ وهو خَارِجٌ منه وَإِنْ بقى عليه بَعْضُ عَمَلِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يَحْتَمِلُ اللِّسَانُ أَنْ يَكُونَ في الْحَجِّ قِيلَ نعم يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ ما بقى عليه من الْحَجِّ شَيْءٌ احْتِمَالًا مُسْتَكْرَهًا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ إذَا لم يَطُفْ الطَّوَافَ الذي يَحِلُّ بِهِ من حَجِّهِ النِّسَاءُ شَهْرًا أو شَهْرَيْنِ يَصُومُهُنَّ على أَنَّهُ صَامَهُنَّ في الْحَجِّ ( قال ) وَلَوْ جَازَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ مِنًى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَصِرْنَا بِالطَّعَامِ وَالصَّوْمِ إلَى الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ في الْقُرْآنِ من كَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ وَالْقَتْلِ وَالْمُصِيبِ أَهْلَهُ في شَهْرِ رَمَضَانَ وَمِنْ هذا تَرْكُ البيتوته بِ مِنًى وَتَرْكُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْخُرُوجُ قبل أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ من عَرَفَةَ وَتَرْكُ الْجِمَارِ وما أَشْبَهَهُ - * الْإِعْوَازُ من هدى الْمُتْعَةِ وَوَقْتُهُ - *

(2/189)


جَازَ فيها يوم النَّحْرِ لِأَنَّهُ منهى عن صَوْمِهِ وَصَوْمِهَا وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن صَوْمِهَا مَرَّةً كَنَهْيِهِ عن صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ مَرَّةً وَمِرَارًا - * بَابُ الْحَالِ التي يَكُونُ الْمَرْءُ فيها مَعُوزًا بِمَا لَزِمَهُ من فِدْيَةٍ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ هَكَذَا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ إنْ كانت الْفِدْيَةُ شيئا وَجَبَتْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يفتدى في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ إصْلَاحَ كل عَمَلٍ فيه كما يَكُونُ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ فيها وَإِنْ كان هذا يُفَارِقُ الصَّلَاةَ بِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ الْحَجِّ وَإِصْلَاحُ الصَّلَاةِ من الصَّلَاةِ فَالِاخْتِيَارُ فيه ما وَصَفْت وقد روى أَنَّ بن عَبَّاسٍ أَمَرَ رَجُلًا يَصُومُ وَلَا يفتدى وَقَدَّرَ له نَفَقَتَهُ فَكَأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ يَجْزِيهِ في سَفَرِهِ لَسَأَلَهُ عن يُسْرِهِ وَلَقَالَ آخَرُ هذا حتى تصير ( ( ( يصير ) ) ) إلَى مَالِكٍ إنْ كُنْت مُوسِرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَنْظُرُ إلَى حَالِ من وَجَبَتْ عليه الْفِدْيَةُ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ في ذلك الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ فَإِنْ كان وَاجِدًا لِلْفِدْيَةِ التي لَا يَجْزِيهِ إذَا كان وَاجِدًا غَيْرَهَا جَعَلْتهَا عليه لَا مَخْرَجَ له منها فإذا جَعَلْتهَا عليه فلم يَفْتَدِ حتى أَعْوَز كان دَيْنًا عليه حتى يُؤَدِّيَهُ مَتَى قَدَرَ عليه وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَصُومَ احْتِيَاطًا لَا إيجَابًا ثُمَّ إذَا وَجَدَ أَهْدَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان غير قَادِرٍ تَصَدَّقَ فَإِنْ لم يَقْدِرْ صَامَ فَإِنْ صَامَ يَوْمًا أو أَكْثَرَ ثُمَّ أَيْسَرَ في سَفَرِهِ أو بَعْدُ فَلَيْسَ عليه أَنْ يهدى وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ ( قال ) وَإِنْ كان مَعُوزًا حين وَجَبَتْ فلم يَتَصَدَّقْ ولم يَصُمْ حتى أَيْسَرَ أَهْدَى وَلَا بُدَّ له لِأَنَّهُ مبتديء ( ( ( مبتدئ ) ) ) شيئا فَلَا يَبْتَدِئُ صَدَقَةً وَلَا صَوْمًا وهو يَجِدُ هَدْيًا ( قال ) وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وهو مَعُوزٌ في سَفَرِهِ ولم يَفْتَدِ حتى أَيْسَرَ ثُمَّ أَعْوَزَ كان عليه هدى لَا بُدَّ له لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ من الهدى إلَى غَيْرِهِ حتى أَيْسَرَ فَلَا بُدَّ من هدى وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَصُومَ احْتِيَاطًا لَا وَاجِبًا وإذا جَعَلْت الهدى عليه دَيْنًا فَسَوَاءٌ بَعَثَ بِهِ من بَلَدِهِ أو اشْتَرَى له بِمَكَّةَ فَنَحَرَ عنه لَا يجزئ عنه حتى يَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَيَقْضِيهِ حَيْثُ شَاءَ إذَا أَخَّرَهُ عن سَفَرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عليه من أَيِّ وَجْهٍ كان من دَمٍ أو طَعَامٍ لَا يَجْزِيهِ إلَّا بِمَكَّةَ - * فِدْيَةُ النَّعَامِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ وَزَيْدَ بن ثَابِتٍ وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قالوا في النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ من الْإِبِلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت فَبِقَوْلِهِمْ إنَّ في النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَبِالْقِيَاسِ قُلْنَا في النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ لَا بهذا فإذا أَصَابَ الْمُحْرِمُ نَعَامَةً فَفِيهَا بَدَنَةٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ فَكَانَتْ ذَاتَ جَنِينٍ حين سَمَّيْتهَا أنها جَزَاءُ النَّعَامَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ فَمَاتَ وَلَدُهَا قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّهُ أَغْرَمَهُ قال لَا قُلْت فَابْتَعْتهَا وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَأَهْدَيْتهَا فَمَاتَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا حَجَّ الرَّجُلُ وقد وَجَبَتْ عليه بَدَنَةٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَخْرُجَ منها إذَا كان قَادِرًا عليها فَإِنْ قَدَرَ على الهدى لم يُطْعِمْ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الهدى أَطْعَمَ وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ والهدى إلَّا بِمَكَّةَ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَامَ حَيْثُ شَاءَ وَلَوْ صَامَ في فَوْرِهِ ذلك كان أَحَبَّ إلى
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في صِيَامِ المفتدى ما بَلَغَنِي في ذلك شَيْءٌ وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَهُ في فَوْرِهِ ذلك
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال كان مُجَاهِدٌ يقول فِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ في حَجِّهِ ذلك أو عُمْرَتِهِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بن مُوسَى قال في المفتدى بَلَغَنِي أَنَّهُ فِيمَا بين أَنْ صَنَعَ الذي وَجَبَتْ عليه فيه الْفِدْيَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَحِلَّ إنْ كان حَاجًّا أَنْ يَنْحَرَ وَإِنْ كان مُعْتَمِرًا بِأَنْ يَطَّوَّفَ

(2/190)


وَلَدُهَا قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّهُ أَغْرَمَهُ قال لَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّ بَيْضَةً من الصَّيْدِ جُزْءٌ منها لِأَنَّهَا تَكُونُ صَيْدًا وَلَا أَعْلَمُ في هذا مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيت وَقَوْلُ عَطَاءٍ هذا يَدُلُّ على أَنَّ الْبَيْضَةَ تُغَرِّمُ وَأَنَّ الْجَاهِلَ يَغْرَمُ لِأَنَّ هذا إتْلَافٌ قِيَاسًا على قَتْلِ الخطأ وَبِهَذَا نَقُولُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ يُصَابُ من قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِمَّا له مِثْلٌ من النَّعَمِ وَدَاخِلٌ فِيمَا له قِيمَةٌ من الطَّيْرِ مِثْلُ الْجَرَادَةِ وَغَيْرِهَا قِيَاسًا على الْجَرَادَةِ فإن فيها قِيمَتَهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ تَرْوِي فيها شيئا عَالِيًا قال أَمَّا شَيْءٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ فَلَا فَقُلْت فما هو فقال
أخبرني الثِّقَةُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ قِيمَتُهَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سَعِيدِ بن بَشِيرٍ عن قَتَادَةَ عن عبد اللَّهِ بن الْحُصَيْنِ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قال في بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ صَوْمُ يَوْمٍ أو إطْعَامُ مِسْكِينٍ
أخبرنا سَعِيدٌ عن سَعِيدِ بن بَشِيرٍ عن قَتَادَةَ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ مثله فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ كان في بَيْضَةِ النَّعَامَةِ فَرْخٌ فقال لي كُلُّ ما أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِمَّا لَا مِثْلَ له من النَّعَمِ وَلَا أَثَرَ فيه من الطَّائِرِ فَعَلَيْهِ فيه قِيمَتُهُ بِالْمَوْضِعِ الذي أَصَابَهُ فيه وَتُقَوِّمُهُ عليه كما تُقَوِّمُهُ لو أَصَابَهُ وهو لِإِنْسَانٍ فَتُقَوَّمُ الْبَيْضَةُ لَا فَرْخَ فيها قِيمَةَ بَيْضَةٍ لَا فَرْخَ فيها وَالْبَيْضَةُ فيها فَرْخٌ قِيمَةَ بَيْضَةٍ فيها فَرْخٌ وهو أَكْثَرُ من قِيمَةِ بَيْضَةٍ لَا فَرْخَ فيها قُلْت فَإِنْ كانت الْبَيْضَةُ فَاسِدَةً قال تُقَوِّمُهَا فَاسِدَةً إنْ كانت لها قِيمَةٌ وَتَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ لها قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْك فيها قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَيَأْكُلُهَا الْمُحْرِمُ قال لَا لِأَنَّهَا من الصَّيْدِ وقد يَكُونُ منها صَيْدٌ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَالصَّيْدُ مُمْتَنِعٌ وهو غَيْرُ مُمْتَنِعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد يَكُونُ من الصَّيْدِ ما يَكُونُ مَقْصُوصًا وَصَغِيرًا فَيَكُونُ غير مُمْتَنِعٍ وَالْمُحْرِمُ يجزيه ( ( ( يجزئه ) ) ) إذَا أَصَابَهُ فَقُلْت إنَّ ذلك قد كان مُمْتَنِعًا أؤ يُؤَوَّلُ إلَى الِامْتِنَاعِ قال وقد تُؤَوَّلُ الْبَيْضَةُ إلَى أَنْ يَكُونَ منها فَرْخٌ ثُمَّ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَمْتَنِعَ - * الْخِلَافُ في بَيْضِ النَّعَامِ - * فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَخَالَفَك أَحَدٌ في بَيْضِ النَّعَامَةِ قال نعم قُلْت قال مَاذَا قال قال قَوْمٌ إذَا كان في النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ فَتُحْمَلُ على الْبَدَنَةِ وَرُوِيَ هذا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه من وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مثله وَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهُ وَبِأَنَّ من وَجَبَ عليه شَيْءٌ لم يُجْزِهِ بِمَغِيبٍ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بِقَائِمٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك غَيْرُهُ قال نعم رَجُلٌ كَأَنَّهُ سمع هذا الْقَوْلَ فَاحْتَذَى عليه قُلْت وما قال فيه قال عليه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ كما يَكُونُ في جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأَمَةِ قُلْت أَفَرَأَيْت لِهَذَا وَجْهًا قال لَا الْبَيْضَةُ إنْ كانت جَنِينًا كان لم يَصْنَعْ شيئا من قِبَلِ أنها مُزَايِلَةٌ لِأُمِّهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَفْسِهَا وَالْجَنِينُ لو خَرَجَ من أُمِّهِ ثُمَّ قَتَلَهُ إنْسَانٌ وهو حَيٌّ كانت فيه قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ فَإِنْ شِئْت فَاجْعَلْ الْبَيْضَةَ في حَالِ مَيِّتٍ أوحى فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وما لِلْبَيْضَةِ وَالْجَنِينِ إنَّمَا حُكْمُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ عَطَاءً يَرَى في النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَبِقَوْلِهِ نَقُولُ في الْبَدَنَةِ وَالْجَنِينِ في كل مَوْضِعٍ وَجَبَتْ فيه بَدَنَةٌ فَأَوْجَبَتْ جَنِينًا مَعَهَا فَيُنْحَرُ مَعَهَا وَنَقُولُ في كل صَيْدٍ يُصَادُ ذَاتَ جَنِينٍ فَفِيهِ مِثْلُهُ ذَاتُ جَنِينٍ - * بَابُ بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إنْ أَصَبْت بَيْضَ نَعَامَةٍ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي غَرِمْتهَا تُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى

(2/191)


الْبَيْضَةِ حُكْمُ نَفْسِهَا فَلَا يَجُوزُ إذَا كانت لَيْسَتْ من النَّعَمِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ فيها بِقِيمَتِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَدُلُّ على أَنَّ الْمِثْلَ على مُنَاظَرَةِ الْبَدَنِ فلم يَجْزِ فيه إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِثْلِ ما قَتَلَ من دَوَابِّ الصَّيْدِ فإذا جَاوَزَ الشَّاةَ رَفَعَ إلَى الْكَبْشِ فإذا جَاوَزَ الْكَبْشَ رَفَعَ إلَى بَقَرَةٍ فإذا جَاوَزَ الْبَقَرَةَ رَفَعَ إلَى بَدَنَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ شَيْءٌ مِمَّا يُؤَدِّي من دَوَابِّ الصَّيْدِ بَدَنَةً وإذا كان أَصْغَرَ من شَاةٍ ثَنِيَّةٍ أو جَذَعَةٍ خَفَضَ إلَى أَصْغَرَ منها فَهَكَذَا الْقَوْلُ في دَوَابِّ الصَّيْدِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن إسْرَائِيلَ عن أبي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عن الضَّحَّاكِ بن مُزَاحِمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال في بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأَرْوَى دُونَ الْبَقَرَةِ الْمُسِنَّةِ وَفَوْقَ الْكَبْشِ وَفِيهِ عَضْبٌ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَيَّ ذلك شَاءَ فَدَاهُ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَتَلَ حِمَارَ وَحْشٍ صَغِيرًا أو ثَيْتَلًا صَغِيرًا فَدَاهُ بِبَقَرَةٍ صَغِيرَةٍ وَيُفْدَى الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ( قال ) وإذا أَصَابَ أَرْوَى صَغِيرَةً خَفَضْنَاهُ إلَى أَصْغَرَ منه من الْبَقَرِ حتى يَجْعَلَ فيه مالا يَفُوتُهُ وَهَكَذَا ما فَدَى من دَوَابِّ الصَّيْدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كان ما أُصِيبَ من الصَّيْدِ بَقَرَةً رقوب ( ( ( رقوبا ) ) ) فَضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ ما في بَطْنِهَا حَيًّا فَمَاتَ فَدَاهُمَا بِبَقَرَةٍ وَوَلَدِ بَقَرَةٍ مَوْلُودٍ وَهَكَذَا هذا في كل ذَاتِ حَمْلٍ من الدَّوَابِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا وَمَاتَتْ أُمُّهُ فَأَرَادَ فِدَاءَهُ طَعَامًا يُقَوَّمُ الْمُصَابُ منه مَاخِضًا بمثله من النَّعَمِ مَاخِضًا وَيُقَوَّمُ ثَمَنُ ذلك الْمِثْلِ من النَّعَمِ طَعَامًا - * بَابُ الضَّبُعِ - *
أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه من مُفْتِينَا الْمَكِّيِّينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في صِغَارِ الضَّبُعِ صِغَارُ الضَّأْنِ
وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما يقول في الضَّبُعِ كَبْشٌ
حدثنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عِكْرِمَةَ مولى بن عَبَّاسٍ قال أَنْزَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَبُعًا صَيْدًا وَقَضَى فيها كَبْشًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لو انْفَرَدَ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَقَدْ قال لي ( ( ( للقائل ) ) ) قائل ما في هذه الْبَيْضَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ غَيْرُ حَيَوَانٍ وَلِلْمُحْرِمِ أَكْلُهَا وَلَكِنَّ هذا خِلَافُ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ - * بَابُ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَالثَّيْتَلِ وَالْوَعِلِ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ يُصِيبُ بَقَرَةَ الْوَحْشِ أو حِمَارَ الْوَحْشِ فقال في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقَرَةٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْت هذا فقال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ }

(2/192)


لِأَنَّ مُسْلِمَ بن خَالِدٍ
أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن بن أبي عَمَّارٍ قال بن أبي عَمَّارٍ سَأَلْت جابرا ( ( ( جابر ) ) ) بن عبد اللَّهِ عن الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ قال نعم قُلْت أَتُؤْكَلُ قال نعم قُلْت سَمِعْته من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وَالْغَزَالُ لَا يَفُوتُ الْعَنْزَ
أخبرنا سَعِيدٌ عن إسْرَائِيلَ بن يُونُسَ عن أبي إِسْحَاقَ عن الضَّحَّاكِ بن مُزَاحِمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال في الظَّبْيِ تَيْسٌ أَعْفَرُ أو شَاةٌ مُسِنَّةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يفدى الذُّكْرَانَ بِالذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثَ بِالْإِنَاثِ مِمَّا أُصِيبَ وَالْإِنَاثُ في هذا كُلِّهِ أَحَبُّ إلى أَنْ يفدى بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَصْغُرُ عن بَدَنِ الْمَقْتُولِ فيفدى الذَّكَرَ ويفدى بِاَلَّذِي يَلْحَقُ بِأَبْدَانِهِمَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن إسْرَائِيلَ بن يُونُسَ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا بِالطَّائِفِ أَصَابَ ظَبْيًا وهو مُحْرِمٌ فَأَتَى عَلِيًّا فقال أهد كَبْشًا أو قال تَيْسًا من الْغَنَمِ قال سَعِيدٌ وَلَا أَرَاهُ إلَّا قال تَيْسًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ لِمَا وَصَفْت قَبْلَهُ مِمَّا يَثْبُتُ فَأَمَّا هذا فَلَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْغَزَالِ شَاةٌ - * بَابُ الْأَرْنَبِ - *
أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَضَى في الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن إسْرَائِيلَ بن يُونُسَ عن أبي إِسْحَاقَ عن الضَّحَّاكِ بن مُزَاحِمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال في الْأَرْنَبِ شَاةٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قال في الْأَرْنَبِ شَاةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ من الْغَنَمِ يَقَعُ عليها اسْمُ شَاةٍ فَإِنْ كان عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ أَرَادَا صَغِيرَةً فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَلَوْ كَانَا أَرَادَا مُسِنَّةً خَالَفْنَاهُمَا وَقُلْنَا قَوْلَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وما رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ من أَنَّ فيها عَنَاقًا دُونَ الْمُسِنَّةِ وكان أَشْبَهَ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وقد روى عن عَطَاءٍ ما يُشْبِهُ قَوْلَهُمَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن الرَّبِيعِ بن صُبَيْحٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّهُ قال في الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ أو حَمَلٌ - * بَابٌ في الْيَرْبُوعِ - *
أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ بن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أخبرنا سَعِيدٌ عن الرَّبِيعِ بن صُبَيْحٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّهُ قال في الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ - * بَابُ الثَّعْلَبِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان يقول في الثَّعْلَبِ شَاةٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَيَّاشِ بن عبد اللَّهِ بن مَعْبَدٍ أَنَّهُ كان يقول في الثَّعْلَبِ شَاةٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا بَيَانٌ أَنَّهُ إنَّمَا يفدى ما يُؤْكَلُ من الصَّيْدِ دُونَ ما لَا يُؤْكَلُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ عليا ( ( ( علي ) ) ) بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهَا كَبْشٌ إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ - * بَابٌ في الْغَزَالِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَضَى في الْغَزَالِ بِعَنْزٍ

(2/193)


- * بَابُ الضَّبِّ - *
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مُخَارِقٍ عن طَارِقِ بن شِهَابٍ قال خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ له أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَقَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا على عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فقال له عُمَرُ اُحْكُمْ فيه يا أَرْبَدُ فقال أنت خَيْرٌ مِنِّي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فقال له عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فيه ولم آمُرْك أَنْ تُزَكِّيَنِي فقال أَرْبَدُ أَرَى فيه جَدْيًا قد جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فقال عُمَرُ فَذَاكَ فيه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الضَّبِّ شَاةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ عَطَاءٍ إنْ كان يُؤْكَلُ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يُفْدَى ما يُؤْكَلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُ الْوَبَرَ فَفِيهِ جَفْرَةٌ وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ من جَفْرَةٍ بُدْنًا
أخبرنا سَعِيدٌ أَنَّ مُجَاهِدًا قال في الْوَبَرِ شَاةٌ - * بَابُ أُمِّ حُبَيْنٍ - *
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن أبي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ قَضَى في أُمِّ حُبَيْنٍ بِحَمَلَانٍ من الْغَنَمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يعنى حَمَلًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهَا فَهِيَ كما روى عن عُثْمَانَ يُقْضَى فيها بِوَلَدِ شَاةٍ حَمَلٌ أو مِثْلُهُ من الْمَعْزِ مِمَّا لَا يَفُوتُهُ - * بَابُ دَوَابِّ الصَّيْدِ التي لم تُسَمَّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ دَابَّةٍ من الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ سَمَّيْنَاهَا فَفِدَاؤُهَا على ما ذكرنا ( ( ( ذكر ) ) ) وَكُلُّ دَابَّةٍ من دَوَابِّ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ لم نُسَمِّهَا فَفِدَاؤُهَا قِيَاسًا على ما سَمَّيْنَا فِدَاءَهُ منها لَا يُخْتَلَفُ فِيمَا صَغُرَ عن الشَّاةِ منها أَوْلَادُ الْغَنَمِ يُرْفَعُ في أَوْلَادِ الْغَنَمِ بِقَدْرِ ارْتِفَاعِ الصَّيْدِ حتى يَكُونَ الصَّيْدُ مُجْزِيًا بِمِثْلِ بدنه من أَوْلَادِ الْغَنَمِ أو أَكْبَرَ بدنا منه شيئا وَلَا يجزئ دَابَّةٌ من الصَّيْدِ إلَّا من النَّعَمِ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت وَالْعَرَبُ تَقُولُ للابل الْأَنْعَامُ وَلِلْبَقَرِ الْبَقَرُ وَلِلْغَنَمِ الْغَنَمُ قِيلَ هذا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى كما وَصَفْت فإذا جَمَعْتهَا قُلْت نَعَمًا كُلَّهَا وَأَضَفْت الْأَدْنَى منها إلَى الْأَعْلَى وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بها وقد قال اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّهُ عَنَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالضَّأْنَ وَهِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ قال اللَّهُ تَعَالَى { من الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ } الْآيَةَ وقال { وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } فَهِيَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ وَهِيَ الأنسية التي منها الضَّحَايَا وَالْبُدْنُ التي يَذْبَحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَكُونُ ذلك من غَيْرِهَا من الْوَحْشِ - * فِدْيَةُ الطَّائِرِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى قَوْلِهِ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمِثْلُ من النَّعَمِ إلَّا فِيمَا له مِثْلٌ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كان عَطَاءٌ أَرَادَ شَاةً صَغِيرَةً فَبِذَلِكَ نَقُولُ وَإِنْ كان أَرَادَ مُسِنَّةً خَالَفْنَاهُ وَقُلْنَا بِقَوْلِ عُمَرَ فيه وكان أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ - * بَابُ الْوَبَرِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْوَبَرِ إنْ كان يُؤْكَلُ شَاةٌ

(2/194)


وَالْمِثْلُ لِدَوَابِّ الصَّيْدِ لِأَنَّ النَّعَمَ دَوَابُّ رَوَاتِعُ في الْأَرْضِ وَالدَّوَابُّ من الصَّيْدِ كَهِيَ في الرُّتُوعِ في الْأَرْضِ وَأَنَّهَا دَوَابُّ مَوَاشٍ لَا طَوَائِرُ وَأَنَّ أَبْدَانَهَا تَكُونُ مِثْلَ أَبْدَانِ النَّعَمِ وَمُقَارِبَةً لها وَلَيْسَ شَيْءٌ من الطَّيْرِ يوافق ( ( ( بوافق ) ) ) خَلْقَ الدَّوَابِّ في حَالٍ وَلَا مَعَانِيهَا مَعَانِيهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تَفْدِي الطَّائِرَ وَلَا مِثْلَ له من النَّعَمِ قِيلَ فِدْيَتُهُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ ثُمَّ الْآثَارِ ثُمَّ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَإِنْ قال فَأَيْنَ الِاسْتِدْلَال بِالْكِتَابِ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ في التَّحْرِيمِ وَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل أَمَرَ فِيمَا له مِثْلٌ منه أَنْ يُفْدَى بمثله فلما كان الطَّائِرُ لَا مِثْلَ له من النَّعَمِ وكان مُحَرَّمًا وَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقضى بِقَضَاءٍ في الزَّرْعِ بِضَمَانِهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَقْضُونَ فِيمَا كان مُحَرَّمًا أَنْ يُتْلَفَ بِقِيمَتِهِ فَقَضَيْت في الصَّيْدِ من الطَّائِرِ بِقِيمَتِهِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ في الْكِتَابِ وَقِيَاسًا على السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَجَعَلْت تِلْكَ الْقِيمَةَ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ له الْمِثْلَ من الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ المقضى بِجَزَائِهِ لِأَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ مَعًا لَا مَالِكَ لَهُمَا أُمِرَ بِوَضْعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُمَا فِيمَنْ بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ من الْمَسَاكِينَ وَلَا أَرَى في الطَّائِرِ إلَّا قِيمَتَهُ بِالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ فِيمَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * فِدْيَةُ الْحَمَامِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن أبي حُسَيْنٍ عن عبد اللَّهِ بن كَثِيرٍ الدَّارِيِّ عن طَلْحَةَ بن أبي حَفْصَةَ عن نَافِعِ بن عبدالحرث ( ( ( عبد ) ) ) قال قَدِمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ مَكَّةَ فَدَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ على وَاقِفٍ في الْبَيْتِ فَوَقَعَ عليه طَيْرٌ من هذا الْحَمَامِ فَأَطَارَهُ فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فلما صلى الْجُمُعَةَ دَخَلْت عليه أنا وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ فقال اُحْكُمَا عَلَيَّ في شَيْءٍ صَنَعْته الْيَوْمَ إنِّي دَخَلْت هذه الدَّارَ وَأَرَدْت أَنْ أَسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَلْقَيْت رِدَائِي على هذا الْوَاقِفِ فَوَقَعَ عليه طَيْرٌ من هذا الْحَمَامِ فَخَشِيت أَنْ يُلَطِّخَهُ بِسُلْحِهِ فَأَطَرْته عنه فَوَقَعَ على هذا الْوَاقِفِ الْآخَرِ فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فَوَجَدْت في نَفْسِي أَنِّي أَطَرْته من مَنْزِلَةٍ كان فيها آمِنًا إلَى مَوْقِعَةٍ كان فيها حَتْفُهُ فَقُلْت لِعُثْمَانَ كَيْفَ تَرَى في عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفْرَاءَ نَحْكُمُ بها على أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قال إنى أَرَى ذلك فَأَمَرَ بها عُمَرُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ عُثْمَانَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن حُمَيْدٍ قَتَلَ بن له حَمَامَةً فَجَاءَ بن عَبَّاسٍ فقال له ذلك فقال بن عَبَّاسٍ اذْبَحْ شَاةً فَتَصَدَّقْ بها قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَمِنْ حَمَامِ مَكَّةَ قال نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) من أَصَابَ من حَمَامِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ حَمَامَةً فَفِيهَا شَاةٌ اتِّبَاعًا لِهَذِهِ الْآثَارِ التي ذَكَرْنَا عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وبن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَعَاصِمِ بن عُمَرَ وَعَطَاءٍ وبن الْمُسَيِّبِ لَا قِيَاسًا - * في الْجَرَادِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن أبي عَمَّارٍ أخبره أَنَّهُ أَقْبَلَ مع مُعَاذِ بن جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ في أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ من بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حتى إذَا كنا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ على نَارٍ يصطلى مَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ من جَرَادٍ فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَمَلَّهُمَا ونسى إحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَ إحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ دخل الْقَوْمُ على عُمَرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي قَوْلِ بن عَبَّاسٍ دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ في حَمَامِ مَكَّةَ شَاةً وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالْفِدَاءِ على الْمَسَاكِينِ وإذا قال يَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِي كُلَّهُ لَا بَعْضَهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءٍ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في الْحَمَامَةِ شَاةٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قال مُجَاهِدٌ أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ بِحَمَامَةٍ فَأُطِيرَتْ فَوَقَعَتْ على الْمَرْوَةِ فَأَخَذَتْهَا حَيَّةً فَجَعَلَ فيها شَاةً

(2/195)


بن الْخَطَّابِ وَدَخَلْت مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ على عُمَرَ فقال عُمَرُ من بِذَلِكَ أَمَرَك يا كَعْبُ قال نعم قال إنَّ حِمْيَرَ تُحِبُّ الْجَرَادَ قال ما جَعَلْت في نَفْسِك قال دِرْهَمَيْنِ قال بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ من مِائَةِ جَرَادَةٍ اجْعَلْ ما جَعَلْت في نَفْسِك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ وَجَدْت مَذَاهِبَهُمْ تُفَرِّقُ بين الْحَمَامِ وَبَيْنَ الْجَرَادَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنْ ليس يَسْوَى حَمَامُ مَكَّةَ شَاةً وإذا كان هذا هَكَذَا فَإِنَّمَا فيه اتباعهم لِأَنَّا لَا نَتَوَسَّعُ في خِلَافِهِمْ إلَّا إلَى مِثْلِهِمْ ولم نَعْلَمْ مِثْلَهُمْ خَالَفَهُمْ وَالْفَرْقُ بين حَمَامِ مَكَّةَ وما دُونَهُ من صَيْدِ الطَّيْرِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ لَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يُقَالَ بِمَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ من أَنَّ الْحَمَامَ عِنْدَهُمْ أَشْرَفُ الطَّائِرِ وَأَغْلَاهُ ثَمَنًا بِأَنَّهُ الذي كانت تُؤْلَفُ في مَنَازِلِهِمْ وَتَرَاهُ أَعْقَلَ الطَّائِرِ وَأَجْمَعَهُ لِلْهِدَايَةِ بِحَيْثُ يُؤْلَفُ وَسُرْعَةُ الْأُلْفَةِ وَأَصْوَاتُهُ التي لها عِنْدَهُمْ فَضْلٌ لِاسْتِحْسَانِهِمْ هَدِيرَهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بها لِأَصْوَاتِهَا وَإِلْفِهَا وَهِدَايَتِهَا وَفِرَاخِهَا وَكَانَتْ مع هذا مَأْكُولَةً ولم يَكُنْ شَيْءٌ من مَأْكُولِ الطَّائِرِ يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَهَا إلَّا لَأَنْ يُؤْكَلَ فَيُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ من الطَّائِرِ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ حَمَامَةً فَفِيهِ شَاةٌ وَذَلِكَ الْحَمَامُ نَفْسُهُ وَالْيَمَامُ وَالْقَمَارِيُّ وَالدَّبَّاسِيُّ وَالْفَوَاخِتُ وَكُلُّ ما أَوْقَعَتْ الْعَرَبُ عليه اسْمَ حَمَامَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد كان من الْعَرَبِ من يقول حَمَامُ الطَّائِرِ نَاسُ الطَّائِرِ أَيْ يَعْقِلُ عَقْلَ الناس وَذَكَرَتْ الْعَرَبُ الْحَمَامَ في أَشْعَارِهَا فقال الْهُذَلِيُّ % وَذَكَّرَنِي بُكَايَ علي تَلِيدٍ % حَمَامَةَ أَنْ تَجَاوَبَتْ الْحَمَامَا % وقال الشَّاعِرُ % أَحِنُّ إذَا حَمَامَةُ بَطْنِ وَجٍّ % تَغَنَّتْ فَوْقَ مَرْقَبَةٍ حُنَيْنًا % وقال جَرِيرٌ % إنِّي تُذَكِّرُنِي الزُّبَيْرَ حَمَامَةٌ % تَدْعُو بِمِدْفَعِ رَامَتَيْنِ هَدِيلًا % قال الرَّبِيعُ وقال الشَّاعِرُ % وَقَفْت على الرَّسْمِ الْمُحِيلِ فَهَاجِنِي % بُكَاءُ حَمَامَاتٍ على الرَّسْمِ وُقَّعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في هذا الحديث دَلَائِلُ منها إحْرَامُ مُعَاذٍ وَكَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ من بَيْتِ الْمَقْدِسِ وهو وَرَاءَ الْمِيقَاتِ بِكَثِيرٍ وَفِيهِ أَنَّ كَعْبًا قَتَلَ الْجَرَادَتَيْنِ حين أَخَذَهُمَا بِلَا ذَكَاةٍ وَهَذَا كُلُّهُ قد قُصَّ على عُمَرَ فلم يُنْكِرْهُ وَقَوْلُ عُمَرَ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ من مِائَةِ جَرَادَةٍ أَنَّك تَطَوَّعْت بِمَا ليس عَلَيْك فَافْعَلْهُ مُتَطَوِّعًا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بُكَيْرِ بن عبد اللَّهِ بن الْأَشَجِّ قال سَمِعْت الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ يقول كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عن جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وهو مُحْرِمٌ فقال فيها قَبْضَةٌ من طَعَامٍ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا رَأَى عليه قِيمَةَ الْجَرَادَةِ وَأَمَرَهُ بالإحتياط وفي الْجَرَادَةِ قِيمَتُهَا في الْمَوْضِعِ الذي يُصِيبُهَا فيه كان تَمْرَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجَدْت مَذْهَبَ عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ في الْجَرَادَةِ أَنَّ فيها قِيمَتَهَا وَوَجَدْت كَذَلِكَ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ في دَوَابِّ الصَّيْدِ مثله من النَّعَمِ بِلَا قِيمَةٍ لِأَنَّ الضَّبُعَ لَا يَسْوَى كَبْشًا وَالْغَزَالَ قد يَسْوَى عَنْزًا وَلَا يَسْوَى عَنْزًا وَالْيَرْبُوعَ لَا يسوي جَفْرَةً وَالْأَرْنَبَ لَا يسوي عَنَاقًا قَلَّمَا رَأَيْتهمْ ذَهَبُوا في دَوَابِّ الصَّيْدِ على تَقَارُبِ الْأَبْدَانِ لَا الْقِيَمِ لِمَا وَصَفْت وَلِأَنَّهُمْ حَكَمُوا في بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ شَتَّى وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيَمِ لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانُ وَلَقَالُوا فيه قِيمَتُهُ كما قالوا في الْجَرَادَةِ وَوَجَدْت مَذَاهِبَهُمْ مُجْتَمِعَةً على الْفَرْقِ بين الْحُكْمِ في الدَّوَابِّ وَالطَّائِرِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ في الدَّوَابِّ مِثْلًا من النَّعَمِ وفي الْجَرَادَةِ من الطَّائِرِ قِيمَةٌ وَفِيمَا دُونَ الْحَمَامِ

(2/196)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيُقَالُ فِيمَا وَقَعَ عليه اسْمُ الْحَمَامِ من الطَّائِرِ فيه شَاةٌ لِهَذَا الْفَرْقِ بِاتِّبَاعِ الْخَبَرِ عَمَّنْ سَمَّيْت في حَمَامِ مَكَّةَ وَلَا أَحْسَبُهُ يُذْهَبُ فيه مَذْهَبٌ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ من هذا الْمَذْهَبِ وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ ما لم يَقَعْ عليه اسْمُ حَمَامَةٍ مِمَّا دُونَهَا أو فَوْقَهَا فَفِيهِ قِيمَتُهُ في الْمَوْضِعِ الذي يُصَابُ فيه - * الْخِلَافُ في حَمَامِ مَكَّةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ في حَمَامِ مَكَّةَ شَاةً وما سِوَاهُ من حَمَامٍ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ من الطَّائِرِ قِيمَتَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَدْخُلُ على الذي قال في حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ إنْ كان إنَّمَا جَعَلَهُ لِحُرْمَةِ الْحَمَامِ نَفْسِهِ أَنْ يَجْعَلَ على من قَتَلَ حَمَامَ مَكَّةَ خَارِجًا من الْحَرَمِ وفي غَيْرِ إحْرَامٍ شَاةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا شَيْءَ في حَمَامِ مَكَّةَ إذَا قَتَلَ خَارِجًا من الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ وإذا كان هذا مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَهُ فَلَيْسَ لِحَمَامِ مَكَّةَ إلَّا ما لِحَمَامِ غَيْرِ مَكَّةَ وَإِنْ كان ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ جُمِعَ أَنَّهُ في الْحَرَمِ وَمِنْ حَمَامِ مَكَّةَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ هذا في كل صَيْدٍ غَيْرِهِ قُتِلَ في الْحَرَمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الصَّيْدَ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ الْقَارِنُ في الْحَرَمِ كَالصَّيْدِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ الْمُفْرِدُ أو الْمُعْتَمِرُ خَارِجًا من الْحَرَمِ وما قال من هذا قَوْلٌ إذَا كُشِفَ لم يَكُنْ له وَجْهٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ في حَمَامِ الْحَرَمِ فيه شَاةٌ وَلَا يَكُونُ في غَيْرِ حَمَامِ الْحَرَمِ شَاةٌ إذَا كان قَوْلُهُ إنَّ حَمَامَ الْحَرَمِ إذَا أُصِيبَ خَارِجًا منه في غَيْرِ إحْرَامٍ فَلَا شَيْءَ فيه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ أَنَّهُ قال إنْ أَصَابَ الْمُحْرِمُ حَمَامَةً خَارِجًا من الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنْ أَصَابَ من حَمَامِ الْحَرَمِ في الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَجْهٌ من الْقَوْلِ الذي حَكَيْت قَبْلَهُ وَلَيْسَ له وَجْهٌ يَصِحُّ من قِبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ في حَمَامِ مَكَّةَ إذَا أُصِيبَ خَارِجًا من الْحَرَمِ وفي غَيْرِ إحْرَامٍ فِدْيَةً وَلَا أَحْسَبُهُ يقول هذا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُهُ وقد ذَهَبَ عَطَاءٌ في صَيْدِ الطَّيْرِ مَذْهَبًا يُتَوَجَّهُ وَمَذْهَبُنَا الذي حَكَيْنَا أَصَحُّ منه لِمَا وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في كل شَيْءٍ صِيدَ من الطَّيْرِ الْحَمَامَةِ فَصَاعِدًا شَاةٌ وفي الْيَعْقُوبِ وَالْحَجَلَةِ وَالْقَطَاةِ وَالْكَرَوَانُ وَالْكُرْكِيِّ وبن الْمَاءِ وَدَجَاجَةِ الْحَبَشِ وَالْخَرَبِ شَاةٌ شَاةٌ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت الْخَرَبَ فإنه أَعْظَمُ شَيْءٍ رَأَيْته قَطُّ من صَيْدِ الطَّيْرِ أَيُخْتَلَفُ أَنْ يَكُونَ فيه شَاةٌ قال لَا كُلُّ شَيْءٍ من صَيْدِ الطَّيْرِ كان حَمَامَةً فَصَاعِدًا فَفِيهِ شَاةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ على عَطَاءٍ لِمَا وَصَفْنَا وَأَنَّهُ كان يَلْزَمُهُ إذَا جَعَلَ في الْحَمَامَةِ شَاةً لَا لِفَضْلِ الْحَمَامَةِ وَمُبَايَنَتِهَا ما سِوَاهَا أَنْ يَزِيدَ فِيمَا جَاوَزَهَا من الطَّائِرِ عليها لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا هذا إذَا لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِمَا فَرَّقْنَا بِهِ بَيْنَهُمَا
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ شَاةٌ شَاةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَامَّةُ الْحَمَامِ ما وَصَفْت ما عَبَّ في الْمَاءِ عَبًّا من الطَّائِرِ فَهُوَ حَمَامٌ وما شَرِبَهُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَشُرْبِ الدَّجَاجِ فَلَيْسَ بِحَمَامٍ وَهَكَذَا
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ - * بَيْضُ الْحَمَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وفي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ من الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَبِيضُ من الصَّيْدِ الذي يُؤَدِّي فيه قِيمَتَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كما قُلْنَا في بَيْضِ النَّعَامَةِ بِالْحَالِ التي يَكْسِرُهَا بها فَإِنْ كَسَرَهَا لافرخ فيها فَفِيهَا قِيمَةُ بَيْضَةٍ وَإِنْ كَسَرَهَا وَفِيهَا فَرْخٌ فَفِيهَا قِيمَةُ بَيْضَةٍ فيها فَرْخٌ لو كانت لِإِنْسَانٍ فَكَسَرَهَا غَيْرُهُ وَإِنْ كَسَرَهَا فَاسِدَةً فَلَا شَيْءَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) مع شِعْرٍ كَثِيرٍ قَالُوهُ فيها ذَهَبُوا فيه إلَى ما وَصَفْت من أَنَّ أَصْوَاتِهَا غِنَاءٌ وَبُكَاءٌ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ ذلك في شَيْءٍ من الطَّائِرِ غَيْرُ ما وَقَعَ عليه اسْمُ الْحَمَامِ

(2/197)


عليه فيها كما لَا يَكُونُ عليه شَيْءٌ فيها لو كَسَرَهَا لِأَحَدٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَى عَطَاءً أَرَادَ بِقَوْلِهِ هذا الْقِيمَةَ يوم قَالَهُ فَإِنْ كان أَرَادَ هذا فَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ قِيمَتُهَا في كل ما كَسَرْت وَإِنْ كان أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هذا حُكْمًا فيها فَلَا نَأْخُذُ بِهِ - * الطَّيْرُ غَيْرُ الْحَمَامِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لم أَرَ الضُّوَعَ أو الضِّوَعَ شَكَّ الرَّبِيعُ فَإِنْ كان حَمَامًا فَفِيهِ شَاةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الضُّوَعُ طَائِرٌ دُونَ الْحَمَامِ وَلَيْسَ يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَمَامِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ وفي كل طَائِرٍ أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ غير حَمَامٍ فَفِيهِ قِيمَتُهُ كان أَكْبَرَ من الْحَمَامِ أو أَصْغَرَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال في الصَّيْدِ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَرَجَ الطَّائِرُ من أَنْ يَكُونَ له مِثْلٌ وكان مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ دَاخِلٌ في التَّحْرِيمِ فَالْمِثْلُ فيه بِالْقِيمَةِ إذَا كان لَا مِثْلَ له من النَّعَمِ وَفِيهِ أَنَّ هذا قِيَاسٌ على قَوْلِ عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ في الْجَرَادَةِ وَقَوْلِ من وَافَقَهُمْ فيها وفي الطَّائِرِ دُونَ الْحَمَامِ وقد قال عَطَاءٌ في الطَّائِرِ قَوْلًا إنْ كان قَالَهُ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ ثَمَنُ الطَّائِرِ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا وَإِنْ كان قَالَهُ تَحْدِيدًا له خَالَفْنَاهُ فيه لِلْقِيَاسِ على قَوْلِ عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وَقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ في الْجَرَادِ وَأَحْسَبُهُ عَمَدَ بِهِ إلَى أَنْ يُحَدَّدَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَدَّدَ إلَّا بِكِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَمْرٍ لم يُخْتَلَفْ فيه أو قِيَاسٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ لم يُخْتَلَفْ في حَمَامِ مَكَّةَ ما فَدَيْنَاهُ بِشَاةٍ لِأَنَّهُ ليس بِقِيَاسٍ وَبِذَلِكَ تَرَكْنَا على عَطَاءٍ تَحْدِيدَهُ في الطَّائِرِ فَوْقَ الْحَمَامِ وَدُونَهُ وفي بَيْضِ الْحَمَامِ ولم نَأْخُذْ ما أَخَذْنَا من قَوْلِهِ إلَّا بِأَمْرٍ وَافَقَ كِتَابًا أو سُنَّةً أو أَثَرًا لَا مُخَالِفَ له أو قِيَاسًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما حَدُّ ما قال عَطَاءٌ فيه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قال لي عَطَاءٌ في الْعَصَافِيرِ قَوْلًا بَيَّنَ لي فيه وَفَسَّرَ قال أَمَّا الْعُصْفُورُ فَفِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ قال عَطَاءٌ وَأَرَى الْهُدْهُدَ دُونَ الْحَمَامَةِ وَفَوْقَ الْعُصْفُورِ فَفِيهِ دِرْهَمٌ قال عَطَاءٌ وَالْكُعَيْتُ عُصْفُورٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَمَّا قال من هذا تَرَكْنَا قَوْلَهُ إذَا كان في عُصْفُورٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَهُ وفي هُدْهُدٍ دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ بين الْحَمَامَةِ وَبَيْنَ الْعُصْفُورِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ في الْهُدْهُدِ لِقُرْبِهِ من الْحَمَامَةِ أَكْثَرَ من دِرْهَمٍ قال بن جُرَيْجٍ قال عَطَاءٌ فَأَمَّا الْوَطْوَاطُ وهو فَوْقَ الْعُصْفُورِ وَدُونَ الْهُدْهُدِ فَفِيهِ ثُلُثَا دِرْهَمٍ - * بَابُ الْجَرَادِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال سَمِعْت عَطَاءً يقول سئل بن عَبَّاسٍ عن صَيْدِ الْجَرَادِ في الْحَرَمِ فقال لَا وَنَهَى عنه قال أنا قُلْت له أو رَجُلٌ من الْقَوْمِ فإن قَوْمَك يَأْخُذُونَهُ وَهُمْ مُحْتَبُونَ في الْمَسْجِدِ فقال لَا يَعْلَمُونَ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ مثله إلَّا أَنَّهُ قال مُنْحَنُونَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمُسْلِمٌ أَصْوَبُهُمَا وَرَوَى الْحُفَّاظُ عن بن جُرَيْجٍ مُنْحَنُونَ
أخبرنا سَعِيدٌ وَمُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْجَرَادَةِ يَقْتُلُهَا وهو لَا يَعْلَمُ قال إذًا يَغْرَمُهَا الْجَرَادَةُ صَيْدٌ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرنا بُكَيْر بن عبد اللَّهِ قال سَمِعْت الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ يقول كُنْت جَالِسًا عِنْدَ بن عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عن جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وهو مُحْرِمٌ فقال بن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ عَطَاءٍ في بَيْضِ الْحَمَامِ خِلَافُ قَوْلِنَا فيه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ كَمْ في بَيْضَةِ حَمَامِ مَكَّةَ ( قال ) نِصْفُ دِرْهَمٍ بين الْبَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَإِنْ كَسَرْت بَيْضَةً فيها فَرْخٌ فَفِيهَا دِرْهَمٌ

(2/198)


عَبَّاسٍ فيها قَبْضَةٌ من طَعَامٍ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ عُمَرَ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ من مِائَةِ جَرَادَةٍ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَرَى في الْجَرَادِ إلَّا قِيمَتَهُ وَقَوْلُهُ اجْعَلْ ما جَعَلْت في نَفْسِك أَنَّك هَمَمْت بِتَطَوُّعٍ بِخَيْرٍ فَافْعَلْ لَا أَنَّهُ عَلَيْك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدُّبَّا جَرَادٌ صِغَارٌ فَفِي الدباة منه أَقَلُّ من تَمْرَةٍ إنْ شَاءَ الذي يَفْدِيهِ أو لُقْمَةٍ صَغِيرَةٍ وما فَدَى بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ منه
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عن الدُّبَّا أَقْتُلُهُ قال لَا هَا اللَّهِ إذًا فَإِنْ قَتَلْته فَاغْرَمْ قُلْت ما أَغْرَمُ قال قَدْرَ ما تَغْرَمُ في الْجَرَادَةِ ثُمَّ اقدر قَدْرَ غَرَامَتِهَا من غَرَامَةِ الْجَرَادَةِ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ قَتَلْت وأنا حَرَامٌ جَرَادَةً أو دُبَّا وأنا لَا أَعْلَمُهُ أو قَتَلَ ذلك بَعِيرِي وأنا عليه قال اغْرَمْ كُلَّ ذلك تُعَظِّمْ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان الْمُحْرِمُ على بَعِيرِهِ أو يَقُودُهُ أو يَسُوقُهُ غَرِمَ ما أَصَابَ بَعِيرُهُ منه وَإِنْ كان بَعِيرُهُ مُتَفَلِّتًا لم يَغْرَمْ ما أَصَابَ بَعِيرُهُ منه
أخبرنا سَعِيدٌ عن طَلْحَةَ بن عَمْرٍو عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في جَرَادَةٍ إذَا ما أَخَذَهَا الْمُحْرِمُ قَبْضَةٌ من طَعَامٍ - * بَيْضُ الْجَرَادِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كَسَرَ بَيْضَ الْجَرَادِ فَدَاهُ وما فَدَى بِهِ كُلَّ بَيْضَةٍ منه من طَعَامٍ فَهُوَ خَيْرٌ منها وَإِنْ أَصَابَ بَيْضًا كَثِيرًا احْتَاطَ حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَدَّى قِيمَتَهُ أو أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ قِيَاسًا على بَيْضِ كل صَيْدٍ - * بَابُ الْعِلَلِ فِيمَا أَخَذَ من الصَّيْدِ لِغَيْرِ قَتْلِهِ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في إنْسَانٍ أَخَذَ حَمَامَةً يُخَلِّصُ ما في رِجْلِهَا فَمَاتَتْ قال ما أَرَى عليه شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ إذَا أَخَذَهَا لِيُخَلِّصَهَا من شَيْءٍ ما كان من في هِرٍّ أو سَبْعٍ أو شِقِّ جِدَارٍ لَحَجَّتْ فيه أو أَصَابَتْهَا لَدْغَةٌ فَسَقَاهَا تِرْيَاقًا أو غَيْرَهُ لِيُدَاوِيَهَا وكان أَصْلُ أَخْذِهَا لِيَطْرَحَ ما يَضُرُّهَا عنها أو يَفْعَلَ بها ما يَنْفَعُهَا لم يَضْمَنْ وقال هذا في كل صَيْدٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قال رَجُلٌ هو ضَامِنٌ له وَإِنْ كان أَرَادَ صَلَاحًا فَقَدْ تَلِفَ على يَدَيْهِ كان وَجْهًا مُحْتَمَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ بَيْضَةُ حَمَامَةٍ وَجَدْتهَا على فِرَاشِي فقال أَمِطْهَا عن فِرَاشِك قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ وَكَانَتْ في سَهْوَةٍ أو في مَكَان في الْبَيْتِ كَهَيْئَةِ ذلك مُعْتَزِلٍ قال فَلَا تُمِطْهَا
أخبرنا سَعِيدٌ عن طَلْحَةَ عن عَطَاءٍ قال لَا تُخْرِجْ بَيْضَةَ الْحَمَامَةِ الْمَكِّيَّةِ وَفَرْخَهَا من بَيْتِك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلٌ وَبِهِ آخُذُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ وَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ من أَنَّ له أَنْ يُزِيلَ عن فِرَاشِهِ إذَا لم يَكْسِرْهُ فَلَوْ فَسَدَتْ بِإِزَالَتِهِ بِنَقْلِ الْحَمَامِ عنها لم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ وَيُحْتَمَلُ إنْ فَسَدَتْ بِإِزَالَتِهِ أَنْ تَكُونَ عليه فِدْيَةٌ وَمَنْ قال هذا قال الْحَمَامُ لو وَقَعَ على فِرَاشِهِ فَأَزَالَهُ عن فِرَاشِهِ فَتَلِفَ بِإِزَالَتِهِ عن فِرَاشِهِ كانت عليه فيه فِدْيَةٌ كما أَزَالَ عُمَرُ الْحَمَامَ عن رِدَائِهِ فَتَلِفَ بِإِزَالَتِهِ فَفَدَاهُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُهُ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ إنَّمَا فيها الْقِيمَةُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ يقول تَحْتَاطُ فَتُخْرِجُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْك بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُك أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْك
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ عن عبد اللَّهِ بن أبي عَمَّارٍ أخبره أَنَّهُ أَقْبَلَ مع مُعَاذِ بن جَبَلٍ وَكَعْبٌ رَوَى الحديث وهو معاذ ( ( ( معاد ) ) )

(2/199)


عَطَاءٍ أَنَّهُ قال وَإِنْ كان جَرَادٌ أو دُبَّا وقد أَخَذَ طَرِيقَك كُلَّهَا وَلَا تَجِدُ مَحِيصًا عنها وَلَا مَسْلَكًا فَقَتَلْته فَلَيْسَ عَلَيْك غُرْمٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُهُ هذا يُشْبِهُ قَوْلَهُ في الْبَيْضَةِ تُمَاطُ عن الْفِرَاشِ وقد يَحْتَمِلُ ما وَصَفْت من أَنَّ هذا كُلَّهُ قِيَاسٌ على ما صَنَعَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ في إزَالَتِهِ الْحَمَامَ عن رِدَائِهِ فَأَتْلَفَتْهُ حَيَّةٌ فَفَدَاهُ - * نَتْفُ رِيشِ الطَّائِرِ - *
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن مُجَاهِدٍ عن أبيه وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَا من نَتَفَ رِيشَ حَمَامَةٍ أو طَيْرٍ من طَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِقَدْرِ ما نَتَفَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ يُقَوِّمُ الطَّائِرَ عَافِيًا وَمَنْتُوفًا ثُمَّ يَجْعَلُ فيه قَدْرَ ما نَقَصَهُ من قِيمَتِهِ ما كان يَطِيرُ مُمْتَنِعًا من أَنْ يُؤْخَذَ وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك فَإِنْ تَلِفَ بَعْدُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ ما فيه لَا بِمَا ذَهَبَ منه لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ تَلِفَ من نَتْفِهِ وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ عليه إذَا طَارَ مُمْتَنِعًا حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ مَاتَ من نَتْفِهِ ( قال ) وَإِنْ كان الْمَنْتُوفُ من الطَّائِرِ غير مُمْتَنِعٍ فَحَبَسَهُ في بَيْتِهِ أو حَيْثُ شَاءَ فَأَلْقَطَهُ وَسَقَاهُ حتى يَطِيرَ مُمْتَنِعًا فَدَى ما نَقَصَ النَّتْفُ منه وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَخَّرَ فِدَاءَهُ فلم يَدْرِ ما يَصْنَعُ فَدَاهُ احْتِيَاطًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَفْدِيَهُ حتى يَعْلَمَهُ تَلِفَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَصَابَهُ في حَالِ نَتْفِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ فيه التَّالِفُ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ طَارَ طَيَرَانًا غير مُمْتَنِعٍ بِهِ كان كَمَنْ لَا يَطِيرُ في جَمِيعِ جَوَابِنَا حتى يَكُونَ طَيَرَانُهُ طَيَرَانًا مُمْتَنِعًا وَمَنْ رَمَى طَيْرًا فَجَرَحَهُ جُرْحًا يَمْتَنِعُ معه أو كَسَرَهُ كَسْرًا لَا يَمْتَنِعُ معه فالجواب ( ( ( الجواب ) ) ) فيه كَالْجَوَابِ في نَتْفِ رِيشِ الطَّائِرِ سَوَاءً لَا يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَبَسَهُ حتى يُجْبَرَ وَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا قُوِّمَ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا ثُمَّ غَرِمَ فَضْلَ ما بين قِيمَتَيْهِ من قِيمَةِ جَزَائِهِ وَإِنْ كان جَبْرَ أَعْرَجَ لَا يَمْتَنِعُ فداه كُلُّهُ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ غير مُمْتَنِعٍ بِحَالٍ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إنْ رَمَى حَرَامٌ صَيْدًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ لم يَدْرِ ما فَعَلَ الصَّيْدُ فَلْيَغْرَمْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا احْتِيَاطٌ وهو أَحَبُّ إلى
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَرَاهُ عن عَطَاءٍ قال في حَرَامٍ أَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَمَاتَ بعد ما أَرْسَلَهُ يَغْرَمُهُ قال سَعِيدُ بن سَالِمٍ إذَا لم يَدْرِ لَعَلَّهُ مَاتَ من أَخْذِهِ إيَّاهُ أو مَاتَ من إرْسَالِهِ له
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إنْ أَخَذَتْهُ ابْنَتُهُ فَلَعِبَتْ بِهِ فلم يَدْرِ ما فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْزِيَهُ وَلَا شَيْءَ عليه في الْقِيَاسِ حتى يَعْلَمَهُ تَلِفَ - * الْجَنَادِبُ وَالْكَدْمُ - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ كَيْفَ تَرَى في قَتْلِ الْكَدْمِ وَالْجُنْدُبِ أَتَرَاهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادَةِ قال لَا الْجَرَادَةُ صَيْدٌ يُؤْكَلُ وَهُمَا لَا يُؤْكَلَانِ وَلَيْسَتَا بِصَيْدٍ فَقُلْت أَقْتُلُهُمَا فقال ما أُحِبُّ فَإِنْ قَتَلْتهمَا فَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كَانَا لَا يُؤْكَلَانِ فَهُمَا كما قال عَطَاءٌ سَوَاءٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَا وَإِنْ قُتِلَا فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا وَكُلُّ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَفْدِيهِ الْمُحْرِمُ - * قَتْلُ الْقُمَّلِ - *
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ قال سَمِعْت مَيْمُونَ بن مِهْرَانَ قال كُنْت عِنْدَ بن عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فقال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي إنْ وَطِئْته فَأَمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ فَتَغْرَمَهُ لَا بُدَّ

(2/200)


أَخَذْت قَمْلَةً فَأَلْقَيْتهَا ثُمَّ طَلَبْتهَا فلم أَجِدْهَا فقال بن عَبَّاسٍ تِلْكَ ضَالَّةٌ لَا تبتغي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالصِّئْبَانُ كَالْقُمَّلِ فِيمَا أَكْرَهُ من قَتْلِهَا وَأُجِيزُ - * الْمُحْرِمُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ الصَّغِيرَ أو النَّاقِصَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فالمثل ( ( ( والمثل ) ) ) مِثْلُ صِفَةِ ما قَتَلَ وَشَبَهُهُ الصَّحِيحُ بِالصَّحِيحِ وَالنَّاقِصُ بِالنَّاقِصِ وَالتَّامُّ بِالتَّامِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَحْتَمِلُ الْآيَةُ إلَّا هذا وَلَوْ تَطَوَّعَ فَأَعْطَى بِالصَّغِيرِ وَالنَّاقِصِ تَامًّا كَبِيرًا كان أَحَبَّ إلى وَلَا يَلْزَمُهُ ذلك
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت لو قَتَلْت صَيْدًا فإذا هو أَعْوَرُ أو أَعْرَجُ أو مَنْقُوصٌ فَمِثْلُهُ أَغْرَمُ إنْ شِئْت قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له وَوَافٍ أَحَبُّ إلَيْك قال نعم
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال إنْ قَتَلْت وَلَدَ ظَبْيٍ فَفِيهِ وَلَدُ شَاةٍ مِثْلُهُ أو قَتَلْت وَلَدَ بَقَرَةٍ وحشى فَفِيهِ وَلَدُ بَقَرَةٍ أنسى مِثْلُهُ قال فَإِنْ قَتَلْت وَلَدَ طَائِرٍ فَفِيهِ وَلَدُ شَاةٍ مِثْلُهُ فَكُلُّ ذلك على ذلك - * ما يَتَوَالَدُ في أَيْدِي الناس من الصَّيْدِ وَأَهِلَ بِالْقُرَى - *
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت كُلَّ صَيْدٍ قد أَهِلَ بِالْقُرَى فَتَوَالَدَ بها من صَيْدِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ أَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ قال نعم وَلَا تَذْبَحْهُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ وَلَا ما وُلِدَ في الْقَرْيَةِ أَوْلَادُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهَا
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عُمَرَ ولم يَسْمَعْهُ منه أَنَّهُ كان يَرَى دَاجِنَةَ الطَّيْرِ وَالظِّبَاءِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) بهذا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا هذا وَلَوْ جَازَ إذَا تَحَوَّلَتْ حَالُ الصَّيْدِ عن التَّوَحُّشِ إلَى الِاسْتِئْنَاسِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهُ حُكْمَ الإنسى جَازَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُهُ وَأَنْ يضحى بِهِ وَيَجْزِي بِهِ ما قَتَلَ من الصَّيْدِ وَجَازَ إذَا تَوَحَّشَ الإنسى من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالشَّاءِ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا يَجْزِيهِ الْمُحْرِمُ لو ذَبَحَهُ أو قَتَلَهُ وَلَا يضحى بِهِ وَلَا يجزئ بِهِ غَيْرَهُ وَلَكِنَّ كُلَّ هذا على أَصْلِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَكَ الوحشى في الْوَلَدِ أو الْفَرْخِ لم يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ كُلَّهُ كَامِلًا وَأَيَّ أَبَوَيَّ الْوَلَدِ وَالْفَرْخِ كان أُمًّا أو أَبًا وَذَلِكَ أَنْ يَنْزُوَ حِمَارٌ وحشى أَتَانًا أَهْلِيَّةً أو حِمَارٌ أهلى أَتَانًا وَحْشِيَّةً فَتَلِدُ أو يَعْقُوبُ دَجَاجَةً أو دِيكٌ يَعْقُوبَةَ فَتَبِيضُ أو تُفْرِخُ فَكُلُّ هذا إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَدَاهُ من قِبَلِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ منه على الْمُحْرِمِ يَخْتَلِطُ بِالْحَلَالِ له لَا يَتَمَيَّزُ منه وَكُلُّ حَرَامٍ اخْتَلَطَ بِحَلَالٍ فلم يَتَمَيَّزْ منه حُرِّمَ كَاخْتِلَاطِ الْخَمْرِ بِالْمَأْكُولِ وما أَشْبَهُ هذا وَإِنْ أَشْكَلَ على قَاتِلٍ شَيْءٌ من هذا أَخَلَطَهُ وحشى أو لم يَخْلِطْهُ أو ما قَتَلَ منه وحشى أو إنسى فَدَاهُ احْتِيَاطًا ولم يَجِبْ فِدَاؤُهُ حتى يَعْلَمَ أَنْ قد قَتَلَ وَحْشِيًّا أو ما خَالَطَهُ وحشى أو كَسَرَ بَيْضَ وحشى أو ما خَالَطَهُ وحشى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) من قَتَلَ من الْمُحْرِمِينَ قَمْلَةً ظَاهِرَةً على جَسَدِهِ أو أَلْقَاهَا أو قَتَلَ قَمْلًا حَلَالٌ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَالْقَمْلَةُ لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَوْ كانت صَيْدًا كانت غير مَأْكُولَةٍ فَلَا تُفْدَى وَهِيَ من الْإِنْسَانِ لَا من الصَّيْدِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا أَخْرَجَهَا من رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا أو طَرَحَهَا افْتَدَى بِلُقْمَةٍ وَكُلُّ ما افْتَدَى بِهِ أَكْثَرُ منها وَإِنَّمَا قُلْنَا يُفْتَدَى إذَا أَخْرَجَهَا من رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا أو طَرَحَهَا لِأَنَّهَا كَالْإِمَاطَةِ لِلْأَذَى فَكَرِهْنَاهُ كَرَاهِيَةَ قَطْعِ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ

(2/201)


- * مُخْتَصَرُ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ وَرَاءَ الْمَدِينَةِ من أَهْلِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا من الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ تِهَامَةَ الْيَمَنُ يَلَمْلَمُ وَأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَكُلِّ نَجْدٍ قَرْنٌ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلَوْ أَهَلُّوا من الْعَقِيقِ كان أَحَبَّ إلى وَالْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ من مَرَّ عليها مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أو عُمْرَةً فَلَوْ مَرَّ مَشْرِقِيٌّ أو مَغْرِبِيٌّ أو شامى أو مِصْرِيٌّ أو غَيْرُهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ كانت مِيقَاتَهُ وَهَكَذَا لو مَرَّ مَدَنِيٌّ بِمِيقَاتٍ غَيْرِ مِيقَاتِهِ ولم يَأْتِ من بَلَدِهِ كان مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ أَهْلِ الْبَلَدِ الذي مَرَّ بِهِ وَالْمَوَاقِيتُ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ ( قال ) وَمَنْ سَلَكَ على غَيْرِ الْمَوَاقِيتِ بَرًّا أو بَحْرًا أَهَلَّ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ ويتأخى ( ( ( ويتأخر ) ) ) حتى يُهِلَّ من جُدُرِ الْمَوَاقِيتِ أو من وَرَائِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُهِلَّ أَحَدٌ من وَرَاءِ الْمَوَاقِيتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ حتى يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ أَهْرَاقَ دَمًا ( قال ) وإذا كان الْمِيقَاتُ قَرْيَةً أَهَلَّ من أَقْصَاهَا مِمَّا يلى بَلَدَهُ وَهَكَذَا إذَا كان الْمِيقَاتُ وَادِيًا أو ظَهْرًا أَهَلَّ من أَقْصَاهُ مِمَّا يَلِي بَلَدَهُ من الذي هو أَبْعَدُ من الْحَرَمِ وَأَقَلُّ ما عليه فيه أَنْ يُهِلَّ من الْقَرْيَةِ لَا يَخْرُجُ من بُيُوتِهَا أو من الْوَادِي أو من الظَّهْرِ إلَّا مُحْرِمًا وَلَوْ أَنَّهُ أتى على مِيقَاتٍ من الْمَوَاقِيتِ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ لم يُحْرِمْ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يُحْرِمَ أَحْرَمَ من الْمَوْضِعِ الذي بَدَا له وَذَلِكَ مِيقَاتُهُ وَمَنْ كان أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ مِمَّا يلى الْحَرَمَ فَمِيقَاتُهُ من حَيْثُ يَخْرُجُ من أَهْلِهِ لَا يَكُونُ له أَنْ يُجَاوِزَ ذلك إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ جَاوَزَهُ غير مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بعد ما جَاوَزَهُ رَجَعَ حتى يُهِلَّ من أَهْلِهِ وكان حَرَامًا في رُجُوعِهِ ذلك وَإِنْ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ أَهْرَاقَ دَمًا - * الطَّهَارَةُ للاحرام - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَجْتَمِعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في اللَّبُوسِ في الْإِحْرَامِ في شَيْءٍ وَيَفْتَرِقَانِ في غَيْرِهِ فَأَمَّا ما يَجْتَمِعَانِ فيه فَلَا يَلْبَسُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِطِيبٍ وَلَا ثَوْبًا فيه طِيبٌ وَالطِّيبُ الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ وَغَيْرُ ذلك من أَصْنَافِ الطِّيبِ وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبًا من ذلك شَيْءٌ فَغُسِلَ حتى يَذْهَبَ رِيحُهُ فَلَا يُوجَدُ له رِيحٌ إذَا كان الثَّوْبُ يَابِسًا أو مَبْلُولًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهُ وَإِنْ لم يَذْهَبْ لَوْنُهُ وَيَلْبَسَانِ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ كُلَّهَا بِغَيْرِ طِيبٍ مِثْلَ الصَّبْغِ بِالسَّدَرِ وَالْمَدْرِ وَالسَّوَادِ وَالْعُصْفُرِ وَإِنْ نَفَّضَ وَأَحَبُّ إلى في هذا كُلِّهِ أَنْ يَلْبَسَ الْبَيَاضَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ تَكُونَ ثِيَابُهُمَا جُدُدًا أو مَغْسُولَةً وَإِنْ لم تَكُنْ جُدُدًا وَلَا مَغْسُولَةً فَلَا يَضُرُّهُمَا وَيَغْسِلَانِ ثِيَابَهُمَا وَيَلْبَسَانِ من الثِّيَابِ ما لم يُحْرِمَا فيه ثُمَّ لَا يَلْبَسُ الرَّجُلُ عِمَامَةً وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا خُفَّيْنِ وَلَا قَمِيصًا وَلَا ثَوْبًا مَخِيطًا مِمَّا يَلْبَسُ بِالْخِيَاطَةِ مِثْلَ الْقَبَاءِ وَالدُّرَّاعَةِ وما أَشْبَهَهُ وَلَا يَلْبَسُ من هذا شيئا من حَاجَةٍ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لم يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ ولم يَقْطَعْهُ وإذا لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَطَعَهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ
أخبرنا سُفْيَانُ قال سَمِعْت عَمْرَو بن دِينَارٍ يقول سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاءِ يقول سَمِعْت بن عَبَّاسٍ يقول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا لم يَجِدْ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وإذا لم يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْغُسْلَ للاحرام فَإِنْ لم يَفْعَلُوا فَأَهَلَّ رَجُلٌ على غَيْرِ وُضُوءٍ أو جُنُبًا فَلَا إعَادَةَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ وما كانت الْحَائِضُ تَفْعَلُهُ كان لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْعَلَهُ جُنُبًا وَغَيْرَ مُتَوَضِّئٍ - * اللُّبْسُ للاحرام - *

(2/202)


عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ يَلْبَسُ خُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَأْمُرْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكَفَّارَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ الْقُفَّازَيْنِ كان سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقُفَّازَيْنِ في الْإِحْرَامِ وَلَا تَتَبَرْقَعُ الْمُحْرِمَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمُحْرِمُ لم يَقْرَبْ طِيبًا وَغَسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ولم يَلْبَسْ قَمِيصًا وَخَمَّرَ وَجْهَهُ ولم يُخَمِّرْ رَأْسَهُ يُفْعَلُ بِهِ في الْمَوْتِ كما يَفْعَلُ هو بِنَفْسِهِ في الْحَيَاةِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال كنا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَخَرَّ رَجُلٌ مُحْرِمٌ عن بَعِيرِهِ فَوَقَصَ فَمَاتَ فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا فإنه يُبْعَثُ يوم الْقِيَامَةِ مهلا ( ( ( مهللا ) ) ) أو مُلَبِّيًا
قال سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بن أبي جُرَّةَ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وزاد فيه وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ فَعَلَ بِابْنٍ له مَاتَ مُحْرِمًا شَبِيهًا بهذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ على الْمَحْمَلِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْأَرْضِ بِمَا شَاءَ ما لم يَمَسَّ رَأْسَهُ - * الطِّيبُ للاحرام - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ وَهِشَامِ بن عُرْوَةَ أو عُثْمَانَ بن عُرْوَةَ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ وَعَبْدِ الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ لِإِحْرَامِهِ قبل أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وزاد عُثْمَانُ بن عُرْوَةَ عن أبيه قُلْت بِأَيِّ شَيْءٍ قالت بِأَطْيَبِ الطِّيبِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن عَجْلَانَ عن عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أنها طَيَّبَتْ أَبَاهَا للاحرام بِالسُّكِّ وَالذَّرِيرَةِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن حَسَنِ بن زَيْدٍ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا وقد سَمِعْته من الْحَسَنِ عن أبيه قال رَأَيْت بن عَبَّاسٍ مُحْرِمًا وفي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الرُّبِّ من الْغَالِيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُحْرِمَانِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِأَقْصَى غَايَةِ الطِّيبِ الذي يَبْقَى من غَالِيَةٍ وَنَضُوحٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الطِّيبَ كان في الْإِحْلَالِ وَإِنْ بقى في الْإِحْرَامِ شَيْءٌ فَالْإِحْرَامُ شَيْءٌ أُحْدِثَ بَعْدَهُ وإذا أَحْرَمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَطَيَّبَا وَلَا أَنْ يَمَسَّا طِيبًا فَإِنْ مَسَّاهُ بِأَيْدِيهِمَا عَامِدَيْنِ وكان يَبْقَى أَثَرُهُ وَرِيحُهُ فَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذلك وَكَثِيرُهُ وَإِنْ كان يَابِسًا وكان لَا يَبْقَى له أَثَرٌ فَإِنْ بقى له رِيحٌ فَلَا فِدْيَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَا عِنْدَ الْعَطَّارِ وَيَدْخُلَا بَيْتَهُ وَيَشْتَرِيَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ شَيْءٍ غَيْرِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ لَبِسَهُ وَافْتَدَى وَالْفِدْيَةُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو نَسْكُ شَاةٍ أو صَدَقَةٌ على سِتَّةِ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْخِمَارَ وَالْخُفَّيْنِ وَلَا تَقْطَعُهُمَا وَالسَّرَاوِيلَ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالدِّرْعَ وَالْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَحَرَمَهَا من لُبْسِهَا في وَجْهِهَا فَلَا تُخَمِّرُ وَجْهَهَا وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا فَإِنْ خَمَّرَتْ وَجْهَهَا عَامِدَةً افْتَدَتْ وَإِنْ خَمَّرَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ عَامِدًا افْتَدَى وَلَهُ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تجافى الثَّوْبَ عن وَجْهِهَا تَسْتَتِرُ بِهِ وتجافى الْخِمَارَ ثُمَّ تَسْدُلَهُ على وَجْهِهَا لَا يَمَسُّ وَجْهَهَا وَيَلْبَسُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الْمِنْطَقَةَ لِلدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَوْقَ الثِّيَابِ وَتَحْتَهَا ( قال ) وَإِنْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ ما ليس لَهُمَا أَنْ يَلْبَسَاهُ نَاسِيَيْنِ أو تَطَيَّبَا نَاسِيَيْنِ لِإِحْرَامِهِمَا أو جَاهِلَيْنِ لِمَا عَلَيْهِمَا في ذلك غَسَلَا الطِّيبَ وَنَزَعَا الثِّيَابَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءٍ عن صَفْوَانَ بن يَعْلَى عن أبيه أَنَّ أَعْرَابِيًّا جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وعليه مُقْطَعَةً وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فقال أَحْرَمْت بِعُمْرَةٍ وعلى ما تَرَى فقال النبي ما كُنْت فَاعِلًا في حَجِّك قال أَنْزِعُ الْمِنْطَقَةَ وأغسل هذه الصُّفْرَةَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَافْعَلْ في عُمْرَتِك ما تَفْعَلُ في حَجِّك

(2/203)


الطِّيبَ ما لم يَمَسَّاهُ بِشَيْءٍ من أَجْسَادِهِمَا وَأَنْ يَجْلِسَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجَمَّرُ وَأَنْ يَمَسَّاهَا ما لم تَكُنْ رَطْبَةً فَإِنْ مَسَّاهَا وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أنها رَطْبَةٌ فَعَلِقَتْ بِأَيْدِيهِمَا غَسَلَا ذلك وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ عَمَدَا أَنْ يَمَسَّاهَا رَطْبَةً فَعَلِقَتْ بِأَيْدِيهِمَا افْتَدَيَا وَلَا يَدْهُنَانِ وَلَا يَمَسَّانِ شيئا من الدُّهْنِ الذي يَكُونُ طَيِّبًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ وَالزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْأَدْهَانِ التي فيها الْأَبْقَالُ وَإِنْ مَسَّا شيئا من هذا عَامِدَيْنِ افْتَدَيَا وَإِنْ شَمَّا الرَّيْحَانَ افْتَدَيَا وَإِنْ شَمَّا من نَبَاتِ الْأَرْضِ ما يَكُونُ طِيبًا مِمَّا لَا يَتَّخِذُهُ الناس طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَا التُّفَّاحَ أو شَمَّاهُ أو الْأُتْرُجَّ أو السَّفَرْجَلَ أو ما كان طَعَامًا فَلَا فِدْيَةَ فيه وَإِنْ أَدْخَلَا الزَّعْفَرَانَ أو الطِّيبَ في شَيْءٍ من الطَّعَامِ فَكَانَ يُوجَدُ رِيحُهُ أو طَعْمُهُ أو يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَأَكَلَاهُ افْتَدَيَا وَإِنْ لم يُوجَدْ رِيحُهُ وَلَا طَعْمُهُ وَلَا يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ قد صَارَ مُسْتَهْلَكًا في الطَّعَامِ وَسَوَاءٌ كان نِيئًا أو نَضِيجًا لَا فَرْقَ بين ذلك وَيُدْهِنَانِ جَمِيعَ أَجْسَادِهِمَا بِكُلِّ ما أَكَلَا مِمَّا ليس بِطِيبٍ من زَيْتٍ وَشَيْرَقٍ وَسَمْنٍ وَزُبْدٍ وَسَقْسَقٍ ويستعطان ( ( ( ويستطيعان ) ) ) ذلك إذَا اجْتَنَبَا أَنْ يَدْهُنَا الرَّأْسَ أو يَدْهُنَ الرَّجُلُ اللِّحْيَةَ فإن هَذَيْنِ مَوْضِعُ الدَّهْنِ فَإِنْ دَهَنَ الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ الرَّأْسَ أو الرَّجُلُ اللِّحْيَةَ بِأَيِّ هذا كان افْتَدَى وَإِنْ احْتَاجَا إلَى أَنْ يَتَدَاوَيَا بِشَيْءٍ من الطِّيبِ تَدَاوَيَا بِهِ وَافْتَدَيَا ( قال ) وَكُلُّ ما كَرِهْت لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّهُ أو يَلْبَسَهُ من طِيبٍ أو شَيْءٍ فيه طِيبٌ كَرِهْت له النَّوْمَ عليه وَإِنْ نَامَ عليه مُفْضِيًا إلَيْهِ بِجِلْدِهِ افْتَدَى وَإِنْ نَامَ وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ فَلَا فِدْيَةَ عليه - * التَّلْبِيَةُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَكْفِيهِ النِّيَّةُ في هذا كُلِّهِ من أَنْ يسمى حَجًّا أو عُمْرَةً فَإِنْ سَمَّى قبل الْإِحْرَامِ أو معه فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وهو يُرِيدُ عُمْرَةً فَهُوَ عُمْرَةٌ وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ وهو يُرِيدُ حَجًّا فَهُوَ حَجٌّ وَإِنْ لَبَّى لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَيْسَ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَإِنْ لَبَّى يَنْوِي الْإِحْرَامَ وَلَا يَنْوِي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَهُ الْخِيَارُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَإِنْ لَبَّى وقد نَوَى أَحَدَهُمَا فنسى فَهُوَ قَارِنٌ لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذلك لِأَنَّهُ إنْ كان مُعْتَمِرًا فَقَدْ جاء بِالْعُمْرَةِ وزاد حَجًّا وَإِنْ كان حَاجًّا فَقَدْ جاء بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَإِنْ كان قَارِنًا فَقَدْ جاء بِالْقِرَانِ وإذا لَبَّى قال لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ على هذا في التَّلْبِيَةِ حَرْفًا إلَّا أَنْ يَرَى شيئا يُعْجِبُهُ فيقول لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فإنه لَا يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ زَادَ في التَّلْبِيَةِ حَرْفًا غير هذا عِنْدَ شَيْءٍ رَآهُ فَأَعْجَبَهُ وإذا فَرَغَ من التَّلْبِيَةِ صلى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَهُ بِرَحْمَتِهِ من النَّارِ فإنه يروي ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) ويلبى قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَنَازِلًا وَجُنُبًا وَمُتَطَهِّرًا وَعَلَى كل حَالٍ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ في جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَغَيْرِهَا وفي كل مَوْضِعٍ من الْمَوَاضِعِ وَلَيْسَ على الْمَرْأَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ لِتُسْمِعَ نَفْسَهَا وكان السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ وَالْهُبُوطِ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وفي الْأَسْحَارِ وفي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَنَحْنُ نحبه ( ( ( نبيحه ) ) ) على كل حَالٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُحْرِمَ كان مِمَّنْ حَجَّ أو لم يَكُنْ فَوَاسِعٌ له أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَوَاسِعٌ له أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَوَاسِعٌ له أَنْ يُفْرِدَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يُفْرِدَ لِأَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْرَدَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ

(2/204)


- * الصَّلَاةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَرَهُ يُهِلُّ حتى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإن أَهَلَّ قبل ذلك أو أَهَلَّ في إثْرِ مَكْتُوبَةٍ إذَا صلى أو في غَيْرِ إثْرِ صَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ويلبى الْحَاجُّ وَالْقَارِنُ وهو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وفي كل حَالٍ وإذا كان إمَامًا فَعَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ ويلبى في الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ وبعد ما يَدْفَعُ وَبِالْمُزْدَلِفَةِ وفي مَوْقِفِ مُزْدَلِفَةَ وَحِينَ يَدْفَعُ من مُزْدَلِفَةَ إلَى أَنْ يرمى الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ قال أخبرني الْفَضْلُ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْدَفَهُ من جَمْعٍ إلَى مِنًى فلم يَزَلْ يُلَبِّي حتى رَمَى الْجَمْرَةَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن أبي حَرْمَلَةَ عن كُرَيْبٍ عن بن عَبَّاسٍ عن الْفَضْلِ بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى بن مَسْعُودٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وَلَبَّى عُمَرُ حتى رَمَى الْجَمْرَةَ وَمَيْمُونَةُ زَوْجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى رَمَتْ الْجَمْرَةَ وبن عَبَّاسٍ حتى رَمَى الْجَمْرَةَ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ ( قال ) ويلبى الْمُعْتَمِرُ حتى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أو غير مُسْتَلِمٍ
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ قال يلبى الْمُعْتَمِرُ حتى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أو غير مُسْتَلِمٍ ( قال ) وَسَوَاءٌ في التَّلْبِيَةِ من أَحْرَمَ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ أو الْمِيقَاتِ أو دُونَهُ أو الْمَكِّيُّ أو غَيْرُهُ - * الْغُسْلُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمُحْرِمُ مُتَبَرِّدًا أو غير مُتَبَرِّدٍ يُفْرِغُ الْمَاءَ على رَأْسِهِ وإذا مَسَّ شَعْرَهُ رَفَقَ بِهِ لِئَلَّا يَنْتِفَهُ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْقِعَ في الْمَاءِ وَيَغْمِسَ رَأْسَهُ اغْتَسَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحْرِمًا
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قال رُبَّمَا قال لي عُمَرُ تَعَالَ أُمَاقِلُكَ في الْمَاءِ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ أخبرنا سُفْيَانُ أَنَّ ابْنًا لِعُمَرَ وبن أَخِيهِ تَمَاقَلَا في الْمَاءِ بين يَدَيْهِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فلم يَنْهَهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ
أخبرنا الثِّقَةُ إمَّا سُفْيَانُ وَإِمَّا غَيْرُهُ عن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ دخل حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وهو مُحْرِمٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن أبي نَجِيحٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ أَمَرَ بِوَسَخٍ في ظَهْرِهِ فَحُكَّ وهو مُحْرِمٌ - * غَسْلُ الْمُحْرِمِ جَسَدَهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدَلِّكَ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَيَحُكَّهُ حتى يُدْمِيَهُ إنْ شَاءَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأُحِبُّ إذَا حَكَّهُمَا أَنْ يَحُكَّهُمَا بِبُطُونِ أَنَامِلِهِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الشَّعْرَ وَإِنْ حَكَّهُمَا أو مَسَّهُمَا فَخَرَجَ في يَدَيْهِ من شَعْرِهِمَا أو شَعْرِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ أَحْبَبْت له أَنْ يفتدى احْتِيَاطًا وَلَا فِدْيَةَ عليه حتى يَعْلَمَ أَنَّ ذلك خَرَجَ من فِعْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ الشَّعْرُ سَاقِطًا في الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فإذا مَسَّهُ تَبِعَهُ وَالْفِدْيَةُ في الشَّعْرَةِ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حِنْطَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ على مِسْكِينٍ وفي الِاثْنَتَيْنِ مُدَّانِ على مِسْكِينَيْنِ وفي الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا دَمٌ وَلَا يُجَاوِزُ بِشَيْءٍ من الشَّعْرِ وَإِنْ كَثُرَ دَمٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ أَحْبَبْت له أَنْ يصلى نَافِلَةً ثُمَّ يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ فإذا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَائِمَةً وَتَوَجَّهَتْ لِلْقِبْلَةِ سَائِرَةً أَحْرَمَ وَإِنْ كان مَاشِيًا فإذا تَوَجَّهَ مَاشِيًا أَحْرَمَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لهم فإذا رُحْتُمْ مُتَوَجِّهِينَ إلَى مِنًى فَأَهِلُّوا

(2/205)


- * ما لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ الْمُحْرِمُ من ضَرُورَةٍ أو غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَحْلِقُ الشَّعْرَ وَكَذَلِكَ يَفْتَحُ الْعِرْقَ وَيَبُطُّ الْجُرْحَ وَيَقْطَعُ الْعُضْوَ لِلدَّوَاءِ وَلَا شَيْءَ عليه في شَيْءٍ من ذلك فَلَوْ احْتَاطَ إذَا قَطَعَ عُضْوًا فيه شَعْرٌ افْتَدَى كان أَحَبَّ إلى وَلَيْسَ ذلك عليه بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ لم يَقْطَعْ الشَّعْرَ إنَّمَا قَطَعَ الْعُضْوَ الذي له أَنْ يَقْطَعَهُ وَيَخْتَتِنُ الْمُحْرِمُ وَيُلْصِقُ عليه الدَّوَاءَ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ حَجَّ أَغْلَفُ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ دَاوَى شيئا من قُرْحِهِ وَأَلْصَقَ عليه خِرْقَةً أو دَوَاءً فَلَا فِدْيَةَ عليه في شَيْءٍ من الْجَسَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك في الرَّأْسِ فَتَكُونَ عليه الْفِدْيَةُ - * ما ليس لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ شيئا من شَعْرِهِ وَلَا شيئا من أَظْفَارِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفُرٌ من أَظْفَارِهِ فبقى مُتَعَلِّقًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ ما انْكَسَرَ من الظُّفُرِ وكان غير مُتَّصِلٍ بِبَقِيَّةِ الظُّفُرِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُقْطَعَ منه شَيْءٌ موتصل ( ( ( متصل ) ) ) بِالْبَقِيَّةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ليس بِثَابِتٍ فيه وإذا أَخَذَ ظُفُرًا من أَظْفَارِهِ أو بَعْضَ ظُفُرٍ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَإِنْ أَخَذَ ظُفُرًا ثَانِيًا أَطْعَمَ مِسْكِينَيْنِ فَإِنْ أَخَذَ ثَلَاثَةً في مَقَامٍ وَاحِدٍ أَهْرَاقَ دَمًا وَإِنْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً أَطْعَمَ عن كل ظُفُرٍ مُدًّا وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ وَسَوَاءٌ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ في الْأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَذْهَبُ فَلَا يَعُودُ وَلَا بَأْسَ على الْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ أَظْفَارَ الْمَحِلِّ وَأَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ وَلَيْسَ لَلْمَحِلِّ أَنْ يَقْطَعَ أَظْفَارَ الْمُحْرِمِ وَلَا يَحْلِقَ شَعْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ على الْمُحْرِمِ وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُحْرِمِ والمحرم رَاقِدٌ أو مُكْرَهٌ افْتَدَى الْمُحْرِمُ وَرَجَعَ بِالْفِدْيَةِ على الْمَحِلِّ - * بَابُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَيْدُ الْبَرِّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ يُؤْكَلُ وَكُلُّ ما أُكِلَ منه فَهُوَ صِنْفَانِ طَائِرٌ وَدَوَابُّ فما أَصَابَ من الدَّوَابِّ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ من الْمَقْتُولِ من الصَّيْدِ شَبَهًا من النَّعَمِ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُجْزَى بِهِ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وفي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي الثَّيْتَلِ بَقَرَةٌ وفي الْغَزَالِ عَنْزٌ وفي الضَّبُعِ كَبْشٌ وفي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وفي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وفي صِغَارِ أَوْلَادِهَا صِغَارُ أَوْلَادِ هذه فإذا أُصِيبَ من هذا أعور ( ( ( عور ) ) ) أو مَكْسُورٌ فَدَى مثله أَعْوَرَ أو مَكْسُورًا وَأَنْ يَفْدِيَهُ بِصَحِيحٍ أَحَبُّ إلى
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وفي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ بن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ عن أبيه بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَضَى في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرٍ أو جَفْرَةٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُخَارِقٍ عن طَارِقٍ أَنَّ أَرْبَدَ أَوْطَأَ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَأَتَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ فقال عُمَرُ ما تَرَى فقال جدى قد جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فقال عُمَرُ فَذَاكَ فيه
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن أبي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في أُمِّ حُبَيْنٍ بِحَمَلَانٍ من الْغَنَمِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ

(2/206)


وَالْحَمْلَانُ الْحَمَلُ
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال لو كان مَعِي حُكْمٌ لَحَكَمْت في الثَّعْلَبِ بجدى
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في صِغَارِ الصَّيْدِ صِغَارُ الْغَنَمِ وفي الْمَعِيبِ منها الْمَعِيبُ من الْغَنَمِ وَلَوْ فَدَاهَا بِكِبَارٍ صِحَاحٍ من الْغَنَمِ كان أَحَبَّ إلى ( قال ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ صَيْدًا فَجَرَحَهُ فلم يَدْرِ أَمَاتَ أَمْ عَاشَ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ عِنْدِي فيه قِيمَةُ ما نَقَصَهُ الْجُرْحُ فَإِنْ كان ظَبْيًا قُوِّمَ صَحِيحًا وَنَاقِصًا فَإِنْ نَقَصَهُ الْعُشْرَ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ من ثَمَنِ شَاةٍ وَهَكَذَا إنْ كان بَقَرَةً أو نَعَامَةً وَإِنْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ بَعْدُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ مَجْرُوحَةٌ وَإِنْ فَدَاهُ بِصَحِيحَةٍ كان أَحَبَّ إلى وَأَحَبُّ إلى إذَا جَرَحَهُ فَغَابَ عنه أَنْ يَفْدِيَهُ احْتِيَاطًا وَلَوْ كَسَرَهُ كان هَكَذَا عليه أَنْ يُطْعِمَهُ حتى يَبْرَأَ وَيَمْتَنِعَ فَإِنْ لم يَمْتَنِعْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ وَلَوْ أَنَّهُ ضَرَبَ ظَبْيًا مَاخِضًا فَمَاتَ كان عليه قِيمَةُ شَاةٍ مَاخِضٍ يَتَصَدَّقُ بها من قِبَلِ أنى لو قُلْت له اذبح شَاةً مَاخِضًا كانت شَرًّا من شَاةٍ غَيْرِ مَاخِضٍ لِلْمَسَاكِينِ فإذا أَرَدْت الزِّيَادَةَ لهم لم أَزْدَدْ لهم ما أُدْخِلَ بِهِ النَّقْصُ عليهم وَلَكِنِّي أَزْدَادُ لهم في الثَّمَنِ وَأُعْطِيهِمُوهُ طَعَامًا ( قال ) وإذا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الذي عليه جَزَاؤُهُ جَزَاهُ إنْ شَاءَ بمثله فَإِنْ لم يُرِدْ أَنْ يَجْزِيهِ بمثله قُوِّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ وإذا أَرَادَ الصِّيَامَ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ وَلَا بِاللَّحْمِ إلَّا بِمَكَّةَ أو مِنًى فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ أو مِنًى أَعَادَ بِمَكَّةَ أو مِنًى وَيَجْزِيهِ في فَوْرِهِ ذلك قبل أَنْ يَحِلَّ وبعد ما يَحِلَّ فَإِنْ صَدَرَ ولم يَجْزِهِ بَعَثَ بِجَزَائِهِ حتى يجزى عنه فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ صَامَ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ في صِيَامِهِ وإذا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ خَطَأً أو عَمْدًا جَزَاهُ وإذا أَصَابَ صَيْدًا جَزَاهُ ثُمَّ كُلَّمَا عَادَ جَزَى ما أَصَابَ فَإِنْ أَصَابَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَلَا زِيَادَةَ عليه في الْأَكْلِ وَبِئْسَ ما صَنَعَ وإذا أَصَابَ الْمُحْرِمَانِ أو الْجَمَاعَةُ صَيْدًا فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الْمَلِكِ بن قَرِيبٍ عن بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى هو وَرَجُلٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَالِكٌ هو عبد الرحمن بن عَوْفٍ على رَجُلَيْنِ أَوْطَآ ظَبْيًا فقتلاه ( ( ( ففتلاه ) ) ) بِشَاةٍ
وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن زِيَادٍ مولى بَنِي مَخْزُومٍ وكان ثِقَةً أَنَّ قَوْمًا حُرُمًا أَصَابُوا صَيْدًا فقال لهم بن عُمَرَ عَلَيْكُمْ جَزَاءٌ فَقَالُوا على كل وَاحِدٍ مِنَّا جَزَاءٌ أَمْ عَلَيْنَا كُلِّنَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ فقال بن عُمَرَ إنَّهُ لَمُغَرَّرٌ بِكُمْ بَلْ عَلَيْكُمْ كُلِّكُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الطَّائِرُ صِنْفَانِ حَمَامٌ وَغَيْرُ حَمَامٍ فما كان منه حَمَامًا ذَكَرًا أو أُنْثَى فَفِدْيَةُ الْحَمَامَةِ منه شَاةٌ اتِّبَاعًا وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تفرق بين الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ من الطَّائِرِ وَتَقُولُ الْحَمَامُ سَيِّدُ الطَّائِرِ وَالْحَمَامُ كُلُّ ما هَدَرَ وَعَبَّ في الْمَاءِ وَهِيَ تُسَمِّيهِ أَسْمَاءَ جَمَاعَةِ الْحَمَامِ وَتَفَرَّقَ بِهِ بَعْدُ أَسْمَاءٌ وَهِيَ الْحَمَامُ وَالْيَمَامُ وَالدَّبَّاسِيُّ وَالْقَمَارِيُّ وَالْفَوَاخِتُ وَغَيْرُهُ مِمَّا هَدَرَ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى في حَمَامَةٍ من حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال ذلك عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَنَافِعُ بن عبدالحرث ( ( ( عبد ) ) ) وَعَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ وَعَاصِمُ بن عُمَرَ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ ( قال ) وَهَذَا إذَا أُصِيبَتْ بِمَكَّةَ أو أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ ( قال ) وما كان من الطَّائِرِ ليس بِحَمَامٍ ففية قِيمَتُهُ في الْمَوْضِعِ الذي يُصَابُ فيه قُلْت أو كثرت ( ( ( كسرت ) ) )
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بُكَيْرِ بن عبد اللَّهِ عن الْقَاسِمِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عن مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً فقال يَتَصَدَّقُ بِقَبْضَةٍ من طَعَامٍ وقال بن عَبَّاسٍ وَلْيَأْخُذَنَّ بقبضه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في النَّفَرِ يَشْتَرِكُونَ في قَتْلِ الصَّيْدِ قال عليهم كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ( قال ) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَهَذَا مِثْلٌ وَمَنْ قال عليه مِثْلَانِ فَقَدْ خَالَفَ مَعْنَى الْقُرْآنِ - * طَائِرُ الصَّيْدِ - *

(2/207)


جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ على ذلك رأى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما فَدَى من الصَّيْدِ فَبَاضَ مِثْلُ النَّعَامَةِ وَالْحَمَامَةِ وَغَيْرِهَا فَأُصِيبَ بَيْضُهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ في الْمَوْضِعِ الذي يُصَابُ فيه كَقِيمَتِهِ لو أُصِيبَ لِإِنْسَانٍ وما أُصِيبَ من الصَّيْدِ لِإِنْسَانٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَتُهُ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ لِصَاحِبِهِ وَجَزَاؤُهُ لِلْمَسَاكِينِ وما أَصَابَ الْمُحْرِمُ من الصَّيْدِ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ قَارِنًا كان أو مُفْرِدًا أو مُعْتَمِرًا فَجَزَاؤُهُ وَاحِدٌ لَا يُزَادُ عليه في تَبَاعُدِ الْحَرَمِ عليه لِأَنَّ قَلِيلَ الْحَرَمِ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ إذا ( ( ( إذ ) ) ) مُنِعَ بها الصَّيْدُ وَكُلُّ ما أَصَابَ الْمُحْرِمُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ من إحْرَامِهِ مِمَّا عليه فيه الْفِدْيَةُ فَدَاهُ وَخُرُوجُهُ من الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ والسعى وَالْحَلْقِ أو التَّقْصِيرِ وَخُرُوجُهُ من الْحَجِّ خُرُوجَانِ فَالْأَوَّلُ الرَّمْيُ وَالْحِلَاقُ فَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا خَارِجًا من الْحَرَمِ لم يَكُنْ عليه جَزَاؤُهُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ من جَمِيعِ إحْرَامِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَهَكَذَا لو طَافَ بِالْبَيْتِ أو حَلَقَ بَعْدَ عَرَفَةَ وَإِنْ لم يَرْمِ وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ما لم يَصِدْهُ أو يُصَدْ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن أبي يحيى عن عَمْرِو بن أبي عَمْرٍو مولى الْمُطَّلِبِ عن الْمُطَّلِبِ بن عبد اللَّهِ بن حَنْطَبٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَحْمُ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَكُمْ في الْإِحْرَامِ ماله تَصِيدُوهُ أو يُصَدْ لَكُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن عَمْرِو بن أبي عَمْرٍو عن رَجُلٍ من بَنِي سَلِمَةَ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَحْمُ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَكُمْ في الْإِحْرَامِ ما لم تَصِيدُوهُ أو يُصَدْ لَكُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) بن أبي يحيى أَحْفَظُ من الدَّرَاوَرْدِيِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا صِيدَ من أَجْلِهِ صَيْدٌ فَذَبَحَهُ غَيْرُهُ فَأَكَلَهُ هو أَكَلَ مُحَرَّمًا عليه ولم يَكُنْ عليه جَزَاؤُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَهُ بِقَتْلِهِ وهو لم يَقْتُلْهُ وقد يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فَلَا يَكُونُ عليه جَزَاءٌ وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا على صَيْدٍ أو أَعْطَاهُ سِلَاحًا أو حَمَلَهُ على دَابَّةٍ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ لم يَكُنْ عليه جَزَاءٌ وكان مُسِيئًا كما أَنَّهُ لو أَمَرَهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ كان الْقِصَاصُ على الْقَاتِلِ لَا على الْآمِرِ وكان الْآمِرُ آثِمًا ( قال ) وَلَوْ صَادَ حَلَالٌ صَيْدًا فَاشْتَرَاهُ منه مُحْرِمٌ أو اتَّهَبَهُ فَذَبَحَهُ كان عليه جَزَاؤُهُ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ له وَالْحَلَالُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ في الْحَرَمِ مِثْلُ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُهُ في الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَيَجْزِيهِ إذَا قَتَلَهُ - * قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قَطَعَ من شَجَرِ الْحَرَمِ شيئا جَزَاهُ حَلَالًا كان أو حَرَامًا وفي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وفي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَيُرْوَى هذا عن بن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ الشَّجَرَ في غَيْرِ الْحَرَمِ لِأَنَّ الشَّجَرَ ليس بِصَيْدٍ - * ما لَا يُؤْكَلُ من الصَّيْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ من الصَّيْدِ صِنْفَانِ صِنْفٌ عَدُوٌّ عَادٍ فَفِيهِ ضَرَرٌ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ فَيَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَيَبْدَأُ هذا الْمُحْرِمُ وَيَقْتُلُ صِغَارَهُ وَكِبَارَهُ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مُبَاحٌ وَيَبْتَدِئُهُ وَإِنْ لم يَضُرَّهُ وَصِنْفٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا ضَرَرَ له مِثْلُ الْبُغَاثَةَ وَالرَّخَمَةِ واللحكاء ( ( ( والحكاء ) ) ) وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلَانِ وَلَا أَعْلَمُ في مِثْلِ هذا قَضَاءً فَآمُرُهُ بِابْتِدَائِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّهُ ليس من الصَّيْدِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال عُمَرُ في الْجَرَادَةِ تَمْرَةٌ

(2/208)



أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لَا يفدى الْمُحْرِمُ من الصَّيْدِ إلَّا ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ( قال ) وَهَذَا مُوَافِقٌ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَيَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْقِرْدَانِ وَالْحَمْنَانِ وَالْحَلَمَ وَالْكَتَالَةَ وَالْبَرَاغِيثَ وَالْقُمَّلَانِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كان الْقُمَّلُ في رَأْسِهِ لم أُحِبَّ أَنْ يُفَلَّى عنه لِأَنَّهُ إمَاطَةُ أَذَى وَأَكْرَهُ له قَتْلَهُ وَآمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فيه بِشَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ منه من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وإذا ظَهَرَ له على جِلْدِهِ طَرَحَهُ وَقَتَلَهُ وَقَتَلَهُ من الْحَلَالِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مَيْمُونِ بن مِهْرَانَ قال جَلَسْت إلَى بن عَبَّاسٍ فَجَلَسَ إلَيْهِ رَجُلٌ لم أَرَ رَجُلًا أَطْوَلَ شَعْرًا منه فقال أَحْرَمْت وَعَلَيَّ هذا الشَّعْرُ فقال بن عَبَّاسٍ اشْتَمِلْ على ما دُونَ الْأُذُنَيْنِ منه قال قَبَّلْت امْرَأَةً لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي قال زَنَا فُوكَ قال رَأَيْت قَمْلَةً فَطَرَحْتهَا قال تِلْكَ الضَّالَّةُ لَا تبتغي
أخبرنا مَالِكٌ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن رَبِيعَةَ بن الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رأي عُمَرَ بن الْخَطَّابِ يَقُودُ بعير ( ( ( بعيرا ) ) ) له في طِينٍ بِالسُّقْيَا وهو مُحْرِمٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ { صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وقال اللَّهُ عز وجل { وما يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ ما كان فيه صَيْدٌ في بِئْرٍ كان أو مَاءٍ مُسْتَنْقَعٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ بَحْرٌ وَسَوَاءٌ كان في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ يُصَادُ وَيُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مِمَّا لم يُمْنَعْ بِحُرْمَةِ شَيْءٍ وَلَيْسَ صَيْدُهُ إلَّا ما كان يَعِيشُ فيه أَكْثَرِ عَيْشِهِ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّمَا يأوى إلَى أَرْضٍ فيه فَهُوَ من صَيْدِ الْبَرِّ إذَا أُصِيبَ جَزَى - * دُخُولُ مَكَّةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ في طَرَفِهَا ثُمَّ يمضى إلَى الْبَيْتِ وَلَا يُعَرِّجَ فَيَبْدَأَ بِالطَّوَافِ وَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ أو عَرَّجَ لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ عليه وإذا رَأَى الْبَيْتَ قال اللَّهُمَّ زِدْ هذا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ من شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا اللَّهُمَّ أنت السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ فإذا انْتَهَى إلَى الطَّوَافِ اضْطَبَعَ فَأَدْخَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَرَدَّهُ على مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ حتى يَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ إنْ قَدَرَ على اسْتِلَامِهِ وقال عِنْدَ اسْتِلَامِهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يمضى عن يمينة فَيَرْمُلُ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ من الْحِجْرِ إلَى الْحِجْرِ ليس بَيْنَهُمَا مشى ويمشى أَرْبَعَةً فَإِنْ كان الزِّحَامُ شيئا لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَرْمُلَ فَكَانَ إذَا وَقَفَ لم يُؤْذِ أَحَدًا وَقَفَ حتى يَنْفَرِجَ له ما بين يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمُلَ وَإِنْ كان يؤذى أَحَدًا في الْوُقُوفِ مَشَى مع الناس بِمَشْيِهِمْ وَكُلَّمَا انْفَرَجَتْ له فُرْجَةٌ رَمَلَ وَأَحَبُّ إلى لو تَطَرَّفَ حتى يَخْرُجَ من الناس حَاشِيَةٌ ثُمَّ يَرْمُلُ فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ في طَوَافٍ رَمَلَ في اثْنَيْنِ وَإِنْ تَرَكَهُ في اثْنَيْنِ رَمَلَ في وَاحِدٍ وَإِنْ تَرَكَهُ في الثَّلَاثَةِ لم يَقْضِ إذَا ذَهَبَ مَوْضِعُهُ لم يَقْضِهِ فِيمَا بقى وَلَا فِدْيَةَ عليه وَلَا إعَادَةَ وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أو عَامِدًا إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ في تَرْكِهِ عَامِدًا وَهَكَذَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بن عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ الْقُرَادَ وَالْحَلَمَةَ - * صَيْدُ الْبَحْرِ - *

(2/209)


الِاضْطِبَاعُ وَالِاسْتِلَامُ إنْ تَرَكَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَلَا إعَادَةَ عليه ( قال ) وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَسْتَلِمَ فِيمَا قَدَرَ عليه وَلَا يَسْتَلِمَ من الْأَرْكَانِ إلَّا الْحِجْرَ وَالْيَمَانِيُّ يَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ بيده ثُمَّ يُقَبِّلُهَا وَلَا يُقَبِّلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بيده وَيُقَبِّلُهَا وَيُقَبِّلُهُ إنْ أَمْكَنَهُ التَّقْبِيلُ ولم يَخَفْ على عَيْنَيْهِ وَلَا وَجْهِهِ أَنْ يُجْرَحَ وَأُحِبُّ كُلَّمَا حَاذَى بِهِ أَنْ يُكَبِّرَ وَأَنْ يَقُولَ في رَمَلِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَيَقُولَ في الْأَطْوَافِ الْأَرْبَعَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أنت الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ فإذا فَرَغَ من طَوَافِهِ صلى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَيَقْرَأُ في الْأُولَى بِ { قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وفي الْأُخْرَى بِ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ وَحَيْثُمَا صلى أَجْزَأَهُ وما قَرَأَ مع أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَا يَجْزِيهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَلَا الصَّلَاةُ إلَّا طَاهِرًا وَلَا يُجْزِئُهُ من الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَقَلُّ من سَبْعٍ تَامٍّ فَإِنْ خَرَجَ قبل سَبْعٍ فَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ألغى سَعْيُهُ حتى يَكُونَ سَعْيُهُ بَعْدَ سَبْعٍ كَامِلٍ على طَهَارَةٍ وَإِنْ قُطِعَ عليه الطَّوَافُ لِلصَّلَاةِ بَنَى من حَيْثُ قُطِعَ عليه وَإِنْ انْتَقَضَ وضوؤه أو رَعَفَ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى من حَيْثُ قَطَعَ وَهَكَذَا إنْ انْتَقَضَ وضوؤه وَإِنْ تَطَاوَلَ ذلك اسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ وَإِنْ شَكَّ في طَوَافِهِ فلم يَدْرِ خَمْسًا طَافَ أو أَرْبَعًا بَنَى على الْيَقِينِ وَأَلْغَى الشَّكَّ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنْ قد طَافَ سَبْعًا تَامًّا أو أَكْثَرَ - * الْخُرُوجُ إلَى الصَّفَا - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا من بَابِ الصَّفَا وَيَظْهَرَ فَوْقَهُ في مَوْضِعٍ يَرَى منه الْبَيْتَ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ فَيُكَبِّرَ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ على ما هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ على ما هَدَانَا وَأَوْلَانَا وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحيى وَيُمِيتُ بيده الْخَيْرُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَدْعُو ويلبى ثُمَّ يَعُودُ فيقول مِثْلَ هذا الْقَوْلِ حتى يَقُولَهُ ثَلَاثًا وَيَدْعُو فِيمَا بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ بِمَا بَدَا له في دِينٍ أو دُنْيَا ثُمَّ يَنْزِلُ يمشى حتى إذَا كان دُونَ الْمَيْلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ في رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ من سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا حتى يحاذى الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يمشى حتى يَرْقَى على الْمَرْوَةِ حتى يَبْدُوَ له الْبَيْتُ إنْ بَدَا له ثُمَّ يَصْنَعُ عليها ما صَنَعَ على الصَّفَا حتى يُكْمِلَ سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَأَقَلُّ ما عليه في ذلك أَنْ يستوفى ما بَيْنَهُمَا مَشْيًا أو سَعْيًا وَإِنْ لم يَظْهَرْ عَلَيْهِمَا وَلَا على وَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يُكَبِّرْ ولم يَدْعُ ولم يَسْعَ في السَّعْيِ فَقَدْ تَرَكَ فَضْلًا وَلَا إعَادَةَ وَلَا فِدْيَةَ عليه وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا في السَّعْيِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كان غير طَاهِرٍ جُنُبًا أو على غَيْرِ وُضُوءٍ لم يَضُرَّهُ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وهو يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دخل فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى من حَيْثُ قَطَعَ وَإِنْ رَعَفَ أو انْتَقَضَ وضوؤه انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَالسَّعْيُ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ لَا يجزئ غَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ رَجُلٌ حتى جاء بَلَدَهُ فَكَانَ مُعْتَمِرًا كان حَرَامًا من كل شَيْءٍ حتى يَرْجِعَ وَإِنْ كان حَاجًّا قد رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ كان حَرَامًا من النِّسَاءِ حتى يَرْجِعَ وَلَا يجزى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا سَبْعٌ كَامِلٌ فَلَوْ صَدَرَ ولم يُكْمِلْهُ سَبْعًا فَإِنْ كان إنَّمَا تَرَكَ من السَّابِعِ ذِرَاعًا كان كَهَيْئَتِهِ لو لم يَطُفْ وَرَجَعَ حتى يَبْتَدِئَ طَوَافًا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن الْمُؤَمَّلِ الْعَابِدِيُّ عن عُمَرَ بن عبد الرحمن بن محيصن عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قالت أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أب

(2/210)


تُجْزَأَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عبد الدَّارِ قالت دَخَلْت مع نِسْوَةٍ من قُرَيْشٍ دَارَ بن أبي الْحُسَيْنِ نَنْظُرُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَرَأَيْته يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ من شِدَّةِ السعى حتى إنى لَأَقُولُ إنِّي لَا أَرَى رُكْبَتَيْهِ وَسَمِعْته يقول اسْعَوْا فإن اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي نَجِيحٍ عن أبيه قال أخبرني من رأي عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه يَقُومُ في حَوْضٍ في أَسْفَلِ الصَّفَا وَلَا يَظْهَرُ عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الرَّجُلُ مُحْرِمًا فَطَافَ بِمُحْرِمٍ صَبِيٍّ أو كَبِيرٍ يَحْمِلُهُ يَنْوِي بِذَلِكَ أَنْ يقضى عن الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ طَوَافَهُ وَعَنْ نَفْسِهِ فَالطَّوَافُ طَوَافُ الْمَحْمُولِ لَا طَوَافُ الْحَامِلِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ لِأَنَّهُ كَمَنْ لم يَطُفْ - * ما يَفْعَلُ الْمَرْءُ بَعْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان الرَّجُلُ مُعْتَمِرًا فَإِنْ كان معه هدى أَحْبَبْت له إذَا فَرَغَ من الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْحَرَهُ قبل أَنْ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَيَنْحَرَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُمَا نَحَرَهُ من مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ حَلَقَ أو قَصَّرَ قبل أَنْ يَنْحَرَهُ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَيَنْحَرُ الهدى وَسَوَاءٌ كان الهدى وَاجِبًا أو تَطَوُّعًا وَإِنْ كان قَارِنًا أو حَاجًّا أَمْسَكَ عن الْحَلْقِ فلم يَحْلِقْ حتى يرمى الْجَمْرَةَ يوم النَّحْرِ ثُمَّ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ إلى وَإِنْ كان الرَّجُلُ أَصْلَعَ وَلَا شَعْرَ على رَأْسِهِ أو مَحْلُوقًا أَمَّرَ الْمُوسَى على رَأْسِهِ وَأَحَبُّ إلى لو أَخَذَ من لِحْيَتِهِ وَشَارِبَيْهِ حتى يَضَعَ من شَعْرِهِ شيئا لِلَّهِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هو في الرَّأْسِ لَا في اللِّحْيَةِ وَلَيْسَ على النِّسَاءِ حَلْقُ الشَّعْرِ وَيُؤْخَذُ من شُعُورِهِنَّ قَدْرُ أُنْمُلَةٍ وَيَعُمُّ بِالْأَخْذِ وَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ من ذلك أو من نَاحِيَةٍ من نَوَاحِي الرَّأْسِ ما كان ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا أَجْزَأَ عَنْهُنَّ وَعَنْ الرِّجَالِ وَكَيْفَمَا أَخَذُوا بِحَدِيدَةٍ أو غَيْرِهَا أو نَتْفًا أو قَرْضًا أَجْزَأَ إذَا وَقَعَ عليه اسْمُ أَخْذٍ وكان شَيْءٌ مَوْضُوعًا منه لِلَّهِ عز وجل يَقَعُ عليه اسْمُ جِمَاعِ شَعْرٍ وَذَلِكَ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا - * ما يَفْعَلُ الْحَاجُّ وَالْقَارِنُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ لِلْحَاجِّ وَالْقَارِنِ أَنْ يُكْثِرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وإذا كان يوم التَّرْوِيَةِ أَحْبَبْت أَنْ يَخْرُجَا إلَى مِنًى ثُمَّ يُقِيمَا بها حتي يُصَلِّيَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ يَغْدُوَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ على ثَبِيرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ على النِّسَاءِ رَمَلٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَمْشِينَ على هَيِّنَتِهِنَّ وَأُحِبُّ لِلْمَشْهُورَةِ بِالْجَمَالِ أَنْ تَطُوفَ وَتَسْعَى لَيْلًا وَإِنْ طَافَتْ بِالنَّهَارِ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا على وَجْهِهَا أو طَافَتْ في سِتْرٍ وَيَطُوفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيَيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَا مَحْمُولَيْنِ من عِلَّةٍ وَإِنْ طَافَا مَحْمُولَيْنِ من غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمَا وَلَا فِدْيَةَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ بِالْبَيْتِ على رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَهْجُرُوا بِالْإِفَاضَةِ وَأَفَاضَ في نِسَائِهِ لَيْلًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ أَظُنُّهُ قال وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ - * الرَّجُلُ يَطُوفُ بِالرَّجُلِ يَحْمِلُهُ - *

(2/211)


وَذَلِكَ أَوَّلُ بُزُوغِهَا ثُمَّ يَمْضِيَا حتى يَأْتِيَا عَرَفَةَ فَيَشْهَدَا الصَّلَاةَ مع الْإِمَامِ وَيَجْمَعَا بِجَمْعِهِ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَأُحِبُّ للامام مِثْلَ ما أَحْبَبْت لَهُمَا وَلَا يَجْهَرُ يَوْمئِذٍ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجُمُعَةٍ وَيَأْتِي الْمَسْجِدَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَجْلِسُ على الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فإذا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الأذان وَأَخَذَ هو في الْكَلَامِ وَخَفَّفَ الْكَلَامَ الْآخَرَ حتي يَنْزِلَ بِقَدْرِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ من الأذان فَيُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ فيصلى الظُّهْرَ ثُمَّ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ من الظُّهْرِ فيصلى الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْكَبَ فَيَرُوحَ إلَى الْمَوْقِفِ عِنْدَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ عِنْدُ الصَّخَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَيَدْعُوَ حتى اللَّيْلِ وَيَصْنَعُ ذلك الناس وَحَيْثُمَا وَقَفَ الناس من عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هذا الْمَوْقِفُ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ ويلبى في الْمَوْقِفِ وَيَقِفُ قَائِمًا وَرَاكِبًا وَلَا فَضْلَ عندى لِلْقِيَامِ على الرُّكُوبِ إنْ كانت معه دَابَّةٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَقْوَى فَلَا يَضْعُفُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْزِلَ فَيَقُومَ وَلَوْ نَزَلَ فَجَلَسَ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَحَيْثُمَا وَقَفَ من سَهْلٍ أو جَبَلٍ فَسَوَاءٌ وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ في عَرَفَةَ حتى يَكُونَ بِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَهَا وَإِنْ لم يَقِفْ ولم يَدْعُ فِيمَا بين الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ من لَيْلَةِ النَّحْرِ فَمَنْ لم يُدْرِكَ هذا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَأَحَبُّ إلى لو تَفَرَّغَ يَوْمئِذٍ لِلدُّعَاءِ وَلَوْ اتَّجَرَ أو تَشَاغَلَ عن الدُّعَاءِ لم يَفْسُدْ عليه حَجُّهُ ولم يَكُنْ عليه فيه فِدْيَةٌ وَلَوْ خَرَجَ من عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ كان عليه أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَالْفِدْيَةُ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا وَإِنْ خَرَجَ منها لَيْلًا بعد ما تَغِيبُ الشَّمْسُ ولم يَكُنْ وَقَفَ قبل ذلك نَهَارًا فَلَا فِدْيَةَ عليه وَعَرَفَةُ ما جَاوَزَ وَادِيَ عُرَنَةَ الذي فيه الْمَسْجِدُ وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ وَلَا وَادِي عُرَنَةَ من عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ على عَرَفَةَ كُلِّهَا مِمَّا يلى حَوَائِطَ بن عَامِرٍ وَطَرِيقَ الْحِصْنِ فإذا جَاوَزْت ذلك فَلَيْسَ من عَرَفَةَ وَإِنْ تَرَكَ الرَّجُلُ الْمُرُورَ بِ مِنًى في الْبُدَاءَةِ فَلَا شَيْءَ عليه وَكَذَلِكَ إنْ مَرَّ بها وَتَرَكَ الْمَنْزِلَ وَلَا يَدْفَعُ من عَرَفَةَ حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَيَبِينُ مَغِيبُهَا - * بَابُ ما يَفْعَلُ من دَفَعَ من عَرَفَةَ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأُحِبُّ إذَا دَفَعَ من عَرَفَةَ أَنْ يَسِيرَ على هَيِّنَتِهِ رَاكِبًا كان أو مَاشِيًا وَإِنْ سَارَ أَسْرَعَ من هَيِّنَتِهِ ولم يُؤْذِ أَحَدًا لم أَكْرَهْهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يؤذى فَإِنْ أَذَى فَلَا فِدْيَةَ عليه وَأُحِبُّ أَنْ يَسْلُكَ بين الْمَأْزِمَيْنِ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقَ ضَبٍّ فَلَا بَأْسَ عليه وَلَا يصلى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حتى يأتى الْمُزْدَلِفَةَ فَيُصَلِّيَهُمَا فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ ليس مَعَهُمَا أذان وَإِنْ أَدْرَكَهُ نِصْفُ اللَّيْلِ قبل أَنْ يأتى الْمُزْدَلِفَةَ صَلَّاهُمَا دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمُزْدَلِفَةُ من حِينِ يفضى من مأزمى عَرَفَةَ وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ من الْمُزْدَلِفَةِ إلَى أَنْ يأتى قَرْنَ مُحَسِّرٍ وَقَرْنُ مُحَسِّرٍ ما عن يَمِينِك وَشِمَالِك من تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالشِّعَابِ وَالشِّجَارِ كُلُّهَا من الْمُزْدَلِفَةِ وَمُزْدَلِفَةُ مَنْزِلٌ فإذا خَرَجَ منه رَجُلٌ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَإِنْ خَرَجَ قبل نِصْفِ اللَّيْلِ فلم يَعُدْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ افتدي وَالْفِدْيَةُ شَاةٌ يَذْبَحُهَا وَيَتَصَدَّقُ بها وَأُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ حتى يصلى الصُّبْحَ في أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ يَقِفَ على قُزَحٍ حتى يُسْفِرَ وَقَبْلَ تَطَلُّعِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَدْفَعَ وَحَيْثُمَا وَقَفَ من مُزْدَلِفَةَ أو نَزَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اسْتَأْخَرَ من مُزْدَلِفَةَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أو بَعْدَ ذلك كَرِهْت ذلك له وَلَا فِدْيَةَ عليه وَإِنْ تَرَكَ الْمُزْدَلِفَةَ فلم يَنْزِلْهَا ولم يَدْخُلْهَا فِيمَا بين نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ افْتَدَى وَإِنْ دَخَلَهَا في سَاعَةٍ من هذا الْوَقْتِ فَلَا فِدْيَةَ عليه ثُمَّ يَسِيرُ من الْمُزْدَلِفَةِ على هَيِّنَتِهِ كما وَصَفْت السَّيْرَ من عَرَفَةَ وَأُحِبُّ أَنْ يُحَرِّكَ في بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُحَمَّدِ بن قَيْسِ بن مَخْرَمَةَ وزاد أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَاجْتَمَعَا في الْمَعْنَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال كان أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدْفَعُونَ من عَرَفَةَ قبل أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرٍ كَيْمَا نُغِيرُ فَأَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى هذه وَقَدَّمَ هذه يَعْنِي قَدَّمَ الْمُزْدَلِفَةَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَخَّرَ عَرَفَةَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْس

(2/212)



( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَعِيدِ بن عبد الرحمن بن يَرْبُوعَ عن أبي الْحُوَيْرِثِ قال رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَاقِفًا على قُزَحٍ وهو يقول أَيُّهَا الناس أَصْبِحُوا أَيُّهَا الناس أَصْبِحُوا ثُمَّ دَفَعَ فَرَأَيْت فَخِذَهُ مِمَّا يَحْرِشُ بَعِيرَهُ بمحجنة
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ بن أبي يحيى أو سُفْيَانُ أو هُمَا عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ كان يُحَرِّكُ في بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَيَقُولُ % إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا % مُخَالِفًا دَيْنَ النَّصَارَى دِينُهَا %
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ أَنَّهُ سمع عُبَيْدَ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ يقول سَمِعْت بن عَبَّاسٍ يقول كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من ضَعَفَةِ أَهْلِهِ يعنى من الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى - * دُخُولُ مِنًى - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا وقد رَمَتْ الْجَمْرَةَ قبل الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ وَلَا يرمى يوم النَّحْر إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا وَيَرْمِيهَا رَاكِبًا وَكَذَلِكَ يَرْمِيهَا يوم النَّفْرِ رَاكِبًا ويمشى في الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَحَبُّ إلى وَإِنْ رَكِبَ فَلَا شَيْءَ عليه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرني أَيْمَنُ بن نَابِلٍ قال أخبرني قُدَامَةُ بن عبد اللَّهِ بن عَمَّارٍ الْكِلَابِيُّ قال رَأَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ على نَاقَتِهِ الصَّهْبَاءِ ليس ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَيْسَ قِيلَ إلَيْك إلَيْك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجَمْرَةِ يوم النَّحْرِ من مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ حَيْثُمَا أَخَذَهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ في أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا من حَيْثُ أَخَذَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُهُ من ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ من الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَخْرُجَ حَصَى الْمَسْجِدِ منه وَأَكْرَهُهُ من الْحَشِّ لِنَجَاسَتِهِ وَمِنْ كل مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَأَكْرَهُهُ من الْجَمْرَةِ لِأَنَّهُ حَصَى غَيْرِ مُتَقَبَّلٍ وَأَنَّهُ قد رَمَى بِهِ مَرَّةً وَإِنْ رَمَاهَا بهذا كُلِّهِ أَجْزَأَهُ ( قال ) وَلَا يجزئ الرمى إلَّا بِالْحِجَارَةِ وَكُلُّ ما كان يَقَعُ عليه اسْمُ حَجَرٍ من مَرْوِ أو مَرْمَرٍ أو حَجَرٍ بِرَامٍ أو كَذَّانَ أو صَوَّانٍ أَجْزَأَهُ وَكُلُّ ما لَا يَقَعُ عليه اسْمُ حَجَرٍ لَا يَجْزِيهِ مِثْلُ الْآجُرِّ وَالطِّينِ الْمَجْمُوعِ مَطْبُوخًا كان أو نِيئًا وَالْمِلْحِ وَالْقَوَارِيرِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا لَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْحِجَارَةِ فَمَنْ رَمَى بهذا أَعَادَ وكان كَمَنْ لم يَرْمِ وَمَنْ رَمَى الْجِمَارَ من فَوْقِهَا أو تَحْتِهَا أو بِحِذَائِهَا من أَيِّ وَجْهٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَلَا يرمى الْجِمَارَ في شَيْءٍ من أَيَّامِ مِنًى غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ رَمَاهَا قبل الزَّوَالِ أَعَادَ وَلَا يرمي منها شَيْءٌ بِأَقَلَّ من سَبْعِ حَصَيَاتٍ فَإِنْ رَمَاهَا بِسِتٍّ سِتٍّ أو كان معه حَصًى إحْدَى وَعِشْرُونَ فَرَمَى الْجِمَارَ ولم يَدْرِ أَيَّ جَمْرَةٍ رَمَى بِسِتٍّ عَادَ فَرَمَى الْأُولَى بِوَاحِدَةٍ حتى يَكُونَ على يَقِينٍ من أَنَّهُ قد أَكْمَلَ رَمْيَهَا بِسَبْعٍ ثُمَّ رَمَى الِاثْنَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ وَإِنْ رَمَى بِحَصَاةٍ فَأَصَابَتْ إنْسَانًا أو مَحْمَلًا ثُمَّ اسْتَنَتْ حتى أَصَابَتْ مَوْضِعَ الْحَصَى من الْجَمْرَةِ أَجْزَأَتْ عنه وَإِنْ وَقَعَتْ فَنَفَضَهَا الْإِنْسَانُ أو الْبَعِيرُ فَأَصَابَتْ مَوْقِفَ الْحَصَى لم تَجْزِ عنه وَلَوْ رَمَى إنْسَانٌ بِحَصَاتَيْنِ أو ثَلَاثٍ أو أَكْثَرَ في مَرَّةٍ لم يَكُنْ إلَّا كَحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يرمى سَبْعَ مَرَّاتٍ وَأَقَلُّ ما عليه في الرمى أَنْ يرمى حتى يُوقِعَ حَصَاهُ في مَوْضِعِ الْحَصَى وَإِنْ رَمَى بِحَصَاةٍ فَغَابَتْ عنه فلم يَدْرِ أَيْنَ وَقَعَتْ أَعَادَهَا ولم تَجْزِ عنه حتى يَعْلَمَ أنها قد وَقَعَتْ في مَوْضِعِ الْحَصَى ويرمى الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى يَعْلُوهُمَا عُلُوًّا وَمِنْ حَيْثُ رَمَاهُمَا أَجْزَأَهُ ويرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ من بَطْنِ الْوَادِي وَمِنْ حَيْثُ رَمَاهَا أَجْزَأَهُ وإذا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى تَقَدَّمَ عنها فَجَعَلَهَا في قَفَاهُ في الْمَوْضِعِ الذي لَا يَنَالُهُ ما تَطَايَرَ من الْحَصَى ثُمَّ وَقَفَ فَكَبَّرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أُحِبُّ أَنْ لَا يرمى أَحَدٌ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَأْسَ عليه أَنْ يرمى قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ إذَا رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ
أخبرنا دَاوُد بن عبد الرحمن وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال دَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم النَّحْرِ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَمَرَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ من جَمْعٍ حتى ترمى الْجَمْرَةَ وتوافى صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ وكان يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ
أخبرنا الثِّقَةُ عن هِشَامٍ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله

(2/213)


وَذَكَرَ اللَّهَ وَدَعَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذلك عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ الْوُسْطَى بِيَمِينٍ لِأَنَّهَا على أَكَمَةٍ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُ ذلك وَيَقِفُ في بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عن أَنْ يَنَالَهُ الْحَصَى وَلَا يَصْنَعُ ذلك عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَصْنَعُهُ في أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا وَإِنْ تَرَكَ ذلك فَلَا إعَادَةَ عليه وَلَا فِدْيَةَ وَلَا بَأْسَ إذَا رَمَى الرِّعَاءُ الْجَمْرَةَ يوم النَّحْرِ أَنْ يَصْدُرُوا وَيَدْعُوا الْمَبِيتَ بِ مِنًى وَيَبِيتُوا في إبِلِهِمْ وَيُقِيمُوا وَيَدْعُوا الرمى الْغَدَ من بَعْدِ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ يَأْتُوا بَعْدَ الْغَدِ من يَوْمِ النَّحْرِ وَذَلِكَ يَوْمُ النفر ( ( ( النحر ) ) ) الْأَوَّلُ فَيَبْتَدِئُوا فَيَرْمُوا لِلْيَوْمِ الْمَاضِي الذي أَعْيَوْهُ في الْإِبِلِ حتى إذَا أَكْمَلُوا الرمى أَعَادُوا على الْجَمْرَةِ الْأُولَى فَاسْتَأْنَفُوا رمى يَوْمِهِمْ ذلك فَإِنْ أَرَادُوا الصَّدْرَ فَقَدْ قَضَوْا ما عليهم من الرمى وَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْإِبِلِ أو أَقَامُوا بِمِنًى لَا يُرِيدُونَ الصَّدْرَ رَمَوْا الْغَدَ وهو يَوْمُ النَّفْرِ الْآخَرِ ( قال ) وَمَنْ نسى رمى جَمْرَةٍ من الْجِمَارِ نَهَارًا رَمَاهَا لَيْلًا وَلَا فِدْيَةَ عليه وَكَذَلِكَ لو نسى رمى الْجِمَارِ حتى يَرْمِيَهَا في آخِرِ أَيَّامِ مِنًى وَسَوَاءٌ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا نَسِيَهُ أو رَمَى الثَّلَاثَ إذَا رَمَى ذلك في أَيَّامِ الرمى فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ الرمى وقد بَقِيَتْ عليه ثَلَاثُ حَصَيَاتٍ لم يَرْمِ بِهِنَّ أو أَكْثَرَ من جَمِيعِ الرَّمْيِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ بَقِيَتْ عليه حَصَاةٌ فَعَلَيْهِ مُدٌّ وَإِنْ بَقِيَتْ حَصَاتَانِ فَمُدَّانِ وَإِنْ بَقِيَتْ عليه ثَلَاثٌ فَدَمٌ وإذا تَدَارَكَ عليه رَمْيَانِ ابْتَدَأَ الرمى الْأَوَّلَ حتى يُكْمِلَهُ ثُمَّ عَادَ فَابْتَدَأَ الْآخَرَ وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يرمى في مَقَامٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعَ عَشَرَةَ حَصَاةً فَإِنْ أَخَّرَ ذلك إلَى آخِرِ أَيَّامِ مِنًى فلم يُكْمِلْ جَمِيعَ ما عليه من الرمى إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ افْتَدَى كما وَصَفْت الْفِدْيَةُ في ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ فَصَاعِدًا دَمٌ وَلَا رمى إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو نَفَرَ يوم النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قد بقى عليه الرمى أَهْرَاقَ دَمًا وَلَوْ احْتَاطَ فَرَمَى لم أَكْرَهْ ذلك وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ قد قَطَعَ الْحَجَّ وَلَهُ الْقَطْعُ ويرمى عن الْمَرِيضِ الذي لَا يَسْتَطِيعُ الرمى وقد قِيلَ يرمى الْمَرِيضُ في يَدِ الذي يرمى عنه وَيُكَبِّرُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه فَإِنْ صَحَّ في أَيَّامِ مِنًى فَرَمَى ما رَمَى عنه أَحْبَبْت ذلك له فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه وَيُرْمَى عن الصبى الذي لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ فَإِنْ كان يَعْقِلُ أَنْ يرمى إذَا أُمِرَ رَمَى عن نَفْسِهِ وإذا رَمَى الرَّجُلُ عن نَفْسِهِ وَرَمَى عن غَيْرِهِ أَكْمَلَ الرمى عن نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ فَرَمَى عن غَيْرِهِ كما يَفْعَلُ إذَا تَدَارَكَ عليه رَمْيَانِ وَأُحِبُّ إذَا رَمَى أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حتى يَرَى بَيَاضَ ما تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ وَيُكَبِّرَ مع كل حَصَاةٍ وَإِنْ تَرَكَ ذلك فَلَا فِدْيَةَ عليه ( قال ) وإذا كان الْحَصَى نَجِسًا أَحْبَبْت غَسْلَهُ وكذلك إنْ شَكَكْت في نَجَاسَتِهِ لِئَلَّا يُنَجِّسَ الْيَدَ أو الْإِزَارَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَرَمَى بِهِ أَجْزَأَهُ ويرمى الْجِمَارَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ لَا يُجَاوِزُ ذلك
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رمي الْجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن مُحَمَّدٍ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث التَّيْمِيِّ عن رَجُلٍ من قَوْمِهِ من بَنِي تَيْمٍ يُقَالُ له مُعَاذٌ أو بن مُعَاذٍ رَأَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُنْزِلُ الناس بِمِنًى مَنَازِلَهُمْ وهو يقول ارْمُوا ارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْخَذْفُ ما خَذَفَ بِهِ الرَّجُلُ وَقَدْرُ ذلك أَصْغَرُ من الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا وَإِنْ رَمَى بِأَصْغَرَ من ذلك أو أَكْبَرَ كَرِهْت ذلك وَلَيْسَ عليه إعَادَة

(2/214)


- * ما يَكُونُ بِمِنًى غير الرَّمْيِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَفَاضَ قبل أَنْ يرمى فَطَافَ كان عليه أَنْ يرمى ولم يَكُنْ عليه إعَادَةُ الطَّوَافِ وَلَوْ أَخَّرَ الْإِفَاضَةَ حتي تمضى أَيَّامُ مِنًى أو بَعْدَ ذلك لم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ وَلَا وَقْتٌ لِلْعَمَلِ في الطَّوَافِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَبِيتُ أَحَدٌ من الْحَاجِّ إلَّا بِمِنًى وَمِنًى ما بين الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ الْعَقَبَةُ من مِنًى إلَى بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ بَطْنُ مُحَسِّرٍ من مِنًى وَسَوَاءٌ سَهْلُ ذلك وَجَبَلُهُ فِيمَا أَقْبَلَ على مِنًى فَأَمَّا ما أَدْبَرَ من الْجِبَالِ فَلَيْسَ من مِنًى وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ في تَرْكِ الْمَبِيتِ عن مِنًى إلَّا رِعَاءَ الْإِبِلِ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ دُونَ السِّقَايَاتِ وَلَا رُخْصَةَ فيها لِأَحَدٍ من أَهْلِ السِّقَايَاتِ إلَّا لِمَنْ ولى الْقِيَامَ عليها منهم وَسَوَاءٌ من اسْتَعْمَلُوا عليها من غَيْرِهِمْ أو هُمْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن سُلَيْمٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ من أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَبِيتُوا بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ مِثْله وزاد عَطَاءٌ من أَجْلِ سِقَايَتِهِمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاتَ عن مِنًى غير من سَمَّيْت تَصَدَّقَ في لَيْلَةٍ بِدِرْهَمٍ وفي لَيْلَتَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وفي ثَلَاثٍ بِدَمٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ إذَا كان الرَّجُلُ أَكْثَرَ لَيْلِهِ بِمِنًى أَنْ يَخْرُجَ من أَوَّلِ لَيْلِهِ أو آخِرِهِ عن مِنًى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لم يُفِضْ فَأَفَاضَ فَشَغَلَهُ الطَّوَافُ حتى يَكُونَ لَيْلُهُ أَكْثَرَهُ بِمَكَّةَ لم يَكُنْ عليه فِدْيَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ كان لَازِمًا له من عَمَلِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ كان له أَنْ يعمله ( ( ( يعمل ) ) ) في ذلك الْوَقْتِ وَلَوْ كان عَمَلُهُ إنَّمَا هو تَطَوُّعٌ افْتَدَى وَكَذَلِكَ لو كان إنَّمَا هو لِزِيَارَةِ أَحَدٍ أو حَدِيثِهِ وَمَنْ غَابَتْ له الشَّمْسُ يوم النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى ولم يَخْرُجْ منها نَافِرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ويرمى من الْغَدِ وَلَكِنَّهُ لو خَرَجَ منها قبل أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ نَافِرًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا مَارًّا أو زَائِرًا لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ إنْ بَاتَ ولم يَكُنْ عليه لو بَاتَ أَنْ يرمى من الْغَدِ - * طَوَافُ من لم يُفِضْ وَمَنْ أَفَاضَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قَدَّمَ طَوَافَهُ لِلْحَجِّ قبل عَرَفَةَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَا يَحِلُّ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَيْسَ عليه أَنْ يَعُودَ لِلصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَسَوَاءٌ كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا وَمَنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ حتى يَرْجِعَ من مِنًى فَلَا بُدَّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَسَوَاءٌ كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ سَوَاءٌ في كل أَمْرِهِمَا إلَّا أَنَّ على الْقَارِنِ دَمًا وَلَيْسَ ذلك على الْمُفْرِدِ وَلِأَنَّ الْقَارِنَ قد قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَى الْمُفْرِدِ إعَادَةُ عُمْرَتِهِ فَأَمَّا ما أَصَابَا مِمَّا عَلَيْهِمَا فيه الْفِدْيَةُ فَهُمَا فيه سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في هذا كُلِّهِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ في شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ على الرَّجُلِ أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ وَإِنْ طَافَ بَعْدَ مِنًى وَلَا يَكُونُ على الْمَرْأَةِ وَدَاعُ الْبَيْتِ إذَا طَافَتْ بَعْدَ مِنًى إنْ كانت حَائِضًا وَإِنْ كانت طَاهِرًا فَهِيَ مِثْلُ الرَّجُلِ لم يَكُنْ لها أَنْ تَنْفِرَ حتى تُوَدِّعَ الْبَيْتَ وإذا كانت لم تَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْدَ مِنًى لم يَكُنْ لها أَنْ تَنْفِرَ حتى تَطُوفَ وَلَيْسَ على كَرِيِّهَا وَلَا على رُفَقَائِهَا أَنْ يَحْتَسِبُوا عليها وَحَسَنٌ لو فَعَلُوا ( قال ) وإذا نَفَرَ الرَّجُلُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَكَانَ معه هدى أَنْ يَبْدَأَ فَيَنْحَرَهُ أو يَذْبَحَهُ ثُمَّ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ ثُمَّ يَأْكُلَ من لَحْمِ هَدْيِهِ ثُمَّ يُفِيضَ فَإِنْ ذَبَحَ قبل أَنْ يرمى أو حَلَقَ قبل أَنْ يَذْبَحَ أو قَدَّمَ نُسُكًا قبل نُسُكٍ مِمَّا يُعْمَلُ يوم النَّحْرِ فَلَا حَرَجَ وَلَا فِدْيَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن شِهَابٍ عن عِيسَى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو قال وَقَفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ لم أَشْعُرْ فَحَلَقْت قبل أَنْ أَذْبَحَ فقال اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ لم أَشْعُرْ فَنَحَرْت قبل أَنْ أرمى قال ارْمِ وَلَا حَرَجَ قال فما سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قال افْعَلْ وَلَا حَرَجَ

(2/215)


قبل أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ فَإِنْ كان قَرِيبًا وَالْقَرِيبُ دُونَ ما تقصر ( ( ( تقتصر ) ) ) فيه الصَّلَاةُ أَمَرْته بِالرُّجُوعِ وَإِنْ بَلَغَ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ بَعَثَ بِدَمٍ يُهْرَاقُ عنه بِمَكَّةَ فَلَوْ أَنَّهُ عَمَدَ ذلك كان مُسِيئًا ولم يَكُنْ ذلك مُفْسِدًا لِحَجِّهِ وَأَجْزَأَهُ من ذلك دَمٌ يُهْرِيقُهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قال أُمِرَ الناس أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ ( قال ) وَلَوْ طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عليه ثُمَّ نسى الرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَةَ حتى يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لم يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَهَكَذَا نقول ( ( ( تقول ) ) ) في كل عَمَلٍ يَصْلُحُ في كل مَوْضِعٍ وَالصَّلَاةُ في كل مَوْضِعٍ وكان عليه أَنْ يصلى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا من حِلٍّ أو حَرَمٍ - * الهدى - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الهدى من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شيئا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الذي سَمَّى صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا وَمَنْ لم يُسَمِّ شيئا أو لَزِمَهُ هدى ليس بِجَزَاءٍ من صَيْدٍ فَيَكُونُ عَدْلُهُ فَلَا يُجْزِيهِ من الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا الْمَعْزِ إلَّا ثنى فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ويجزى من الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ وَالْمَوْضِعُ الذي يَجِبُ عليه فيه الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ للهدى دُونَهُ إلَّا أَنْ يسمى الرَّجُلُ مَوْضِعًا من الْأَرْضِ فَيَنْحَرُ فيه هَدْيًا أو يُحْصَرُ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ فَيَنْحَرُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا هدى إلَّا في الْحَرَمِ لَا في غَيْرِ ذلك ( قال ) وَالِاخْتِيَارُ في الهدى أَنْ يَتْرُكَهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ نَعْلَيْنِ ثُمَّ يُشْعِرَهُ في الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَالْإِشْعَارُ في الهدى أَنْ يَضْرِبَ بِحَدِيدَةٍ في سَنَامِ الْبَعِيرِ أو سَنَامِ الْبَقَرِ حتى يُدْمِيَ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ في ذلك سَوَاءٌ وَلَا يُشْعِرُ الْغَنَمَ وَيُقَلِّدُ الرِّقَاعَ وَخَرِبَ الْقِرَبِ ثُمَّ يُحْرِمُ صَاحِبُ الهدى مَكَانَهُ وَإِنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وهو لَا يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا ( قال ) وإذا سَاقَ الهدى فَلَيْسَ له أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا من ضَرُورَةٍ وإذا اُضْطُرَّ إلَيْهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غير فَادِحٍ له وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ المعيي ( ( ( المعيا ) ) ) وَالْمُضْطَرَّ علي هَدْيِهِ وإذا كان الهدى أُنْثَى فَنَتَجَتْ فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لم يَتْبَعْهَا حَمَلَهُ عليها وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ من لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رى فَصِيلِهَا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يسقى أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا وَإِنْ حَمَلَ عليها من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا غَرِمَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ من لَبَنِهَا ما يُنْهِكُ فَصِيلَهَا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الذي شَرِبَ وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ أو وَجَّهَهَا بِكَلَامٍ فقال هذه هدى فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَا يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ منها كانت زَاكِيَةً أو غير زَاكِيَةٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ لم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في الهدى إلَى يَوْمِ يُوجَبُ فَإِنْ كان وَافِيًا ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذلك عَوَرٌ أو عَرَجٌ أو ما لَا يَكُونُ بِهِ وَافِيًا على الِابْتِدَاءِ لم يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ وَإِنْ كان يوم وَجَبَ ليس بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حتى يَصِيرَ وَافِيًا قبل أَنْ يُنْحَرَ لم يَجُزْ عنه ولم يَكُنْ له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مع نَحْرِهِ أو يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا فَلَا يجزئ عنه فيه إلَّا وَافٍ والهدى هَدْيَانِ هدى أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ فَذَلِكَ إذَا سَاقَهُ فَعَطِبَ فَأَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَنَحَرَهُ أَحْبَبْت له أَنْ يَغْمِسَ قِلَادَتَهُ في دَمِهِ ثُمَّ يَضْرِبَ بها صَفْحَتَهُ ثُمَّ يخلى بين الناس وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ فَإِنْ لم يَحْضُرْهُ أَحَدٌ تَرَكَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ عَطِبَ فلم يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ فَلَا بَدَلَ عليه في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ فَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَ أَنْ يُذَكِّيَهُ أو ذَكَّاهُ فَأَكَلَهُ أو أَطْعَمَهُ أَغْنِيَاءَ أو بَاعَهُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُ أَغْنِيَاءَ وَبَعْضَهُ مَسَاكِينَ أو أَكَلَ بَعْضَهُ وَخَلَّى بين الناس وَبَيْنَ ما بقى منه غَرِمَ قِيمَةَ ما أَكَلَ وما أَطْعَمَ الْأَغْنِيَاءَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وهدى وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ ما شَاءَ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بدله ( ( ( بذله ) ) ) بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ في مَوْضِعِهِ على مَسَاكِينَ كان عليه بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ م

(2/216)


أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حين عَطِبَ قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وإذا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الهدى معه أو الْقَارِنُ لِمُتْعَتِهِ أو قِرَانِهِ فَلَوْ تَرَكَهُ حتى يَنْحَرَهُ يوم النَّحْرِ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ قَدِمَ فَنَحَرَهُ في الْحَرَمِ أَجْزَأَ عنه من قِبَلِ أَنَّ على الناس فَرْضَيْنِ فَرْضٌ في الْأَبْدَانِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَفَرْضٌ في الأموال ( ( ( بالأموال ) ) ) فَيَكُونُ قبل الْوَقْتِ إذَا كان شيئا مِمَّا فيه الْفَرْضُ وَهَكَذَا إنْ سَاقَهُ مُفْرَدًا مُتَطَوِّعًا بِهِ وَالِاخْتِيَارُ إذَا سَاقَهُ مُعْتَمِرًا أَنْ يَنْحَرَهُ بعد ما يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْل أَنْ يَحْلِقَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَهُ من فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَالِاخْتِيَارُ في الْحَجِّ أَنْ يَنْحَرَهُ يعنى بَعْدَ أَنْ يرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَحَيْثُمَا نَحَرَهُ من مِنًى أو مَكَّةَ إذَا أَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كان عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بهدى صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى نَفْسِهِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ ما بين الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عنهما وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ ما ضُمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لم يُدْرِكَاهُ حتى فَاتَ تَصَدُّقُهُ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الهدى حَيًّا وكان على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حتى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيَهُ فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أو نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ ولم يَحُلْ بين الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حتى يُنْتِنَ كان عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ وَالنَّحْرُ يوم النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ من آخِرِ أَيَّامِهَا فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ فَلَا نَحْرَ إلَّا أَنَّ من كان عليه هدى وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً وَيَذْبَحُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ في الذَّبْحِ أو لَا يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ وَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وفي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان ذَبْحُهُ إيَّاهُ في غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غير مَعْقُولَةٍ فَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أو مُضْطَجِعَةً أَجْزَأَتْ عنه وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أو ذَبَحَ الْإِبِلَ كَرِهْت له ذلك وَأَجْزَأَتْ عنه وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا من حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يَهُودِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ على صَاحِبِهِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أو يَحْضُرَ الذَّبْحَ فإنه يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَمَّى اللَّهَ على النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ قال اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ منى أو تَقَبَّلْ عن فُلَانٍ الذي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلَا بَأْسَ وَأُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ من كَبِدِ ذَبِيحَتِهِ قبل أَنْ يُفِيضَ أو لَحْمِهَا وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ وَإِنَّمَا آمُرُهُ أَنْ يَأْكُلَ من التَّطَوُّعِ والهدى هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ فَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ وَاجِبًا على إنْسَانٍ ليس له حَبْسُهُ فَلَا يَأْكُلُ منه شيئا وَذَلِكَ مِثْلُ هدى الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ وَإِنْ أَكَلَ من الهدى الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ما أَكَلَ منه وَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ تَطَوُّعًا مِثْلُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا تَطَوُّعًا أَكَلَ منه وَأَطْعَمَ وَأَهْدَى وَادَّخَرَ وَتَصَدَّقَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَحْبِسَ إلَّا ثُلُثًا ويهدى ثُلُثًا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثٍ وَإِنْ لم يُقَلِّدْ هَدْيَهُ ولم يُشْعِرْهُ قَارِنًا كان أو غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا من مِنًى أو مَكَّةَ ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس على الهدى عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ على الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لهم وَإِنَّمَا هذا مَالٌ من أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّبْعَةُ الْمُتَمَتِّعُونَ في بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ وَكَذَلِكَ لو كَانُوا سَبْعَةً وَجَبَتْ على كل وَاحِدٍ منهم شَاةٌ أو مُحْصَرِينَ وَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم حِصَّتَهُ من ثَمَنِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ قال نَحَرْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَة

(2/217)


- * ما يُفْسِدُ الْحَجَّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْإِحْصَارُ الذي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فقال { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } نَزَلَتْ يوم الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَدُوٍّ وَنَحَرَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الْحِلِّ وقد قِيلَ نَحَرَ في الْحَرَمِ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ في الْحِلِّ وَبَعْضُهَا في الْحَرَمِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَصَدُّوكُمْ عن الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } وَالْحَرَامُ كُلُّهُ مَحِلُّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَحَيْثُمَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ قَرِيبًا كان أو بَعِيدًا بِعَدُوٍّ حَائِلٍ مُسْلِمٍ أو كَافِرٍ وقد أَحْرَمَ ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَيَحُجَّهَا وَهَكَذَا السُّلْطَانُ إنْ حَبَسَهُ في سِجْنٍ أو غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْبِسَاهُمَا وَلَيْسَ هذا لِلْوَالِدِ على الْوَلَدِ وَلَا لِلْوَلِيِّ على الْمَوْلَى عليه وَلَوْ تَأَنَّى الذي أُحْصِرَ رَجَاءَ أَنْ يُخَلَّى كان أَحَبَّ إلى فإذا رأي أَنَّهُ لَا يُخَلَّى حَلَّ وإذا حَلَّ ثُمَّ خلى فَأَحَبُّ إلى لو جَدَّدَ إحْرَامًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنِّي إذَا أَذِنْت له أَنْ يَحِلَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لم أَجْعَلْ عليه الْعَوْدَةَ وإذا لم يَجِدْ شَاةً يَذْبَحُهَا لِلْفُقَرَاءِ فَلَوْ صَامَ عَدْلَ الشَّاةِ قبل أَنْ يَحِلَّ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَحَلَّ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ عليه شَيْءٌ وَمَتَى أَصَابَهُ أَذًى وهو يَرْجُو أَنْ يخلى نَحَّاهُ عنه وَافْتَدَى في مَوْضِعِهِ كما يفتدى الْمُحْصَرُ إذَا خلى عنه في غَيْرِ الْحَرَمِ وكان مُخَالِفًا لِمَا سِوَاهُ لِمَنْ قَدَرَ على الْحَرَمِ ذلك لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ هَدْيُهُ الْحَرَمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ فِيمَا بين أَنْ يُهِلَّ إلَى أَنْ يُكْمِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ وإذا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِحَجٍّ أو بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ لم يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَ عَرَفَةَ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَاَلَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ الذي يُوجِبُ الْحَدَّ من أَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ شَيْءٌ غَيْرُ ذلك من عَبَثٍ وَلَا تَلَذُّذٍ وَإِنْ جاء الْمَاءُ الدَّافِقُ فَلَا شَيْءَ وما فَعَلَهُ الْحَاجُّ مِمَّا نهى عنه من صَيْدٍ أو غَيْرِهِ وإذا أَفْسَدَ رَجُلٌ الْحَجَّ مَضَى في حَجِّهِ كما كان يمضى فيه لو لم يُفْسِدْهُ فإذا كان قَابِلُ حَجَّ وَأَهْدَى بَدَنَةً تُجْزِي عنهما مَعًا وَكَذَلِكَ لو كانت امْرَأَتُهُ حَلَالًا وهو حَرَامٌ أَجْزَأَتْ عنه بَدَنَةٌ وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ حَرَامًا وكان هو حَلَالًا كانت عليه بَدَنَةٌ وَيُحِجُّهَا من قَابِلٍ من قِبَلِ أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِبَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِي عن كِلَيْهِمَا وَلَوْ وطيء مِرَارًا كان وَاحِدًا من قِبَلِ أَنَّهُ قد أَفْسَدَهُ مَرَّةً وَلَوْ وطيء نِسَاءً كان وَاحِدًا من قِبَلِ أَنَّهُ أَفْسَدَهُ مَرَّةً إلَّا أَنَّهُنَّ إنْ كُنَّ مُحْرِمَاتٍ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهُنَّ كُلَّهُنَّ ثُمَّ يَنْحَرَ عن كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً لِأَنَّ إحْرَامَ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ إحْرَامِ الْأُخْرَى وما تَلَذَّذَ بِهِ من امْرَأَتِهِ دُونَ ما وَصَفْت من شَيْءٍ من أَمْرِ الدُّنْيَا فَشَاةٌ تُجْزِيهِ فيه وإذا لم يَجِدْ الْمُفْسِدُ بَدَنَةً ذَبَحَ بَقَرَةً وَإِنْ لم يَجِدْ بَقَرَةً ذَبَحَ سَبْعًا من الْغَنَمِ وإذا كان مُعْسِرًا عن هذا كُلِّهِ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ له دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ أَطْعَمَ وَإِنْ كان مُعْسِرًا عن الطَّعَامِ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَهَكَذَا كُلُّ ما وَجَبَ عليه فَأَعْسَرَ بِهِ مِمَّا لم يَأْتِ فيه نَفْسِهِ نَصُّ خَبَرٍ صَنَعَ فيه هَكَذَا وما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ فَهُوَ على ما جاء فيه وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ وَلَا الهدى إلَّا بِمَكَّةَ وَمِنًى وَيَكُونُ الصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ في صِيَامِهِ - * الْإِحْصَارُ - *

(2/218)


- * الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وزاد أَحَدُهُمَا ذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ لم يَدْخُلْ عَرَفَةَ إلَّا مُغْمًى عليه لم يَعْقِلْ سَاعَةً وَلَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وهو بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ طِيفَ بِهِ وهو لَا يَعْقِلُ فلم يَطُفْ وَإِنْ أَحْرَمَ وهو لَا يَعْقِلُ فلم يُحْرِمْ وإذا عَقَلَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً أو عَقَلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ سَاعَةً وهو مُحْرِمٌ ثُمَّ أغمى عليه فِيمَا بين ذلك لم يَضُرَّهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ لم يَعْقِلْ حتى تَجَاوَزَ الْوَقْتُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ وَلَا يجزئ عنه في الطَّوَافِ وَلَا في الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا في هذا كُلِّهِ لِأَنَّ هذا عَمَلٌ لَا يُجْزِيهِ قَلِيلُهُ من كَثِيرِهِ وَعَرَفَةُ يُجْزِيهِ قَلِيلُهَا من كَثِيرِهَا وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ - * مُخْتَصَرُ الْحَجِّ الصَّغِيرِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) من سَلَكَ على الْمَدِينَةِ أَهَلَّ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ سَلَكَ على السَّاحِلِ أَهَلَّ من الْجُحْفَةِ وَمَنْ سَلَكَ بَحْرًا أو غير السَّاحِلِ أَهَلَّ إذَا حاذي الْجُحْفَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُهِلَّ من دُونِ ذلك إلَى بَلَدِهِ وَإِنْ جَاوَزَ رَجَعَ إلَى مِيقَاتِهِ وَإِنْ لم يَرْجِعْ أَهْرَاقَ دَمًا وَهِيَ شَاةٌ يَتَصَدَّقُ بها على الْمَسَاكِينِ ( قال ) وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كانت حَائِضًا أو نُفَسَاءَ أَنْ يَغْتَسِلَا للاحرام وَيَأْخُذَا من شُعُورِهِمَا وَأَظْفَارِهِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ لم يَفْعَلَا وَتَوَضَّآ أَجْزَأَهُمَا ( قال ) وَأُحِبُّ أَنْ يُهِلَّا خَلْفَ الصَّلَاةِ مَكْتُوبَةٍ أو نَافِلَةٍ وَإِنْ لم يَفْعَلَا وَأَهَلَّا على غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا ( قال ) وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ جَدِيدَيْنِ أو غَسِيلَيْنِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ ثِيَابًا كَذَلِكَ وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا فِيمَا لَبِسَا ما لم يَكُنْ مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أو وَرْسٍ أو طِيبٍ وَيَلْبَسُ الرَّجُلُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ أو ثَوْبًا نَظِيفًا يَطْرَحُهُ كما يَطْرَحُ الرِّدَاءَ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ وَأَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ وَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَخِيطًا وَلَا عِمَامَةً إلَّا أَنْ يَطْرَحَ ذلك على كَتِفَيْهِ أو ظَهْرِهِ طَرْحًا وَلَهُ أَنْ يغطى وَجْهَهُ وَلَا يغطى رَأْسَهُ وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقَمِيصَ وَالْخِمَارَ وَكُلَّ ما كانت تَلْبَسُهُ غير مُحْرِمَةٍ إلَّا ثَوْبًا فيه طِيبٌ وَلَا تُخَمِّرُ وَجْهَهَا وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا إلَّا أَنْ تُرِيدَ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فتجافى الْخِمَارَ ثُمَّ تَسْدُلُ الثَّوْبَ على وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا وَيَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ في الْقُبَّةِ وَالْكَنِيسَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيُبَدِّلَانِ ثِيَابَهُمَا التي أَحْرَمَا فيها وَيَلْبَسَانِ غَيْرَهَا ( قال ) وإذا مَاتَ الْمُحْرِمُ غُسِّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ولم يَقْرَبْ طِيبًا وَكُفِّنَ في ثَوْبَيْهِ ولم يُقَمَّصْ وَخُمِّرَ وَجْهُهُ ولم يُخَمَّرْ رَأْسُهُ ( قال ) وإذا مَاتَتْ الْمُحْرِمَةُ غُسِّلَتْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَقُمِّصَتْ وَأُزِّرَتْ وَشُدَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلى أَنَّ الْحَصْرَ الذي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل يَحِلُّ منه صَاحِبُهُ حَصْرُ الْعَدُوِّ فَمَنْ حُبِسَ بِخَطَأِ عَدَدٍ أو مَرَضٍ فَلَا يَحِلُّ من إحْرَامِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى دَوَاءٍ عليه فيه فِدْيَةٌ أو تَنْحِيَةُ أَذًى فَعَلَهُ وَافْتَدَى ويفتدى في الْحَرَمِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَيَبْعَثَ بهدى إلَى الْحَرَمِ فَمَتَى أَطَاقَ الْمُضِيَّ مَضَى فَحَلَّ من إحْرَامِهِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَإِنْ كان مُعْتَمِرًا فَلَا وَقْتَ عليه وَيَحِلُّ وَيَرْجِعُ وَإِنْ كان حَاجًّا فَأَدْرَكَ الْحَجَّ فَذَاكَ وَإِنْ لم يُدْرِكْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ وَهَكَذَا من أخطا الْعَدَدَ

(2/219)


رَأْسُهَا بِالْخِمَارِ وَكُشِفَ عن وَجْهِهَا ( قال ) وَلَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ قُفَّازَيْنِ وَلَا بُرْقُعًا ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ بِالْغَالِيَةِ وَالنُّضُوحِ وَالْمُجْمَرِ وما تَبْقَى رَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إنْ كان الطِّيبُ قبل الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ يَتَطَيَّبَانِ إذَا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ( قال ) وإذا أَخَذَا من شُعُورِهِمَا قبل الْإِحْرَامِ فإذا أَهَلَّا فَإِنْ شَاءَا قَرَنَا وَإِنْ شَاءَا أَفْرَدَا الْحَجَّ وَإِنْ شَاءَا تَمَتَّعَا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إلى ( قال ) وإذا تَمَتَّعَا أو قَرَنَا أَجْزَأَهُمَا أَنْ يَذْبَحَا شَاةً فَإِنْ لم يَجِدَاهَا صَامَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا بين أَنْ يُهِلَّا بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لم يَصُومَاهَا لم يَصُومَا أَيَّامَ مِنًى وَصَامَا ثَلَاثَةً بَعْدَ مِنًى بِمَكَّةَ أو في سَفَرِهِمَا وَسَبْعَةً بَعْدَ ذلك وَأَخْتَارُ لَهُمَا التَّمَتُّعَ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَا بِهِ كَفَتْهُمَا النِّيَّةُ وَإِنْ سَمَّيَاهُ فَلَا بَأْسَ - * التَّلْبِيَةُ - * لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك فإذا فَرَغَ من التَّلْبِيَةِ صلى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَهُ من سَخَطِهِ وَالنَّارِ وَيُكْثِرُ من التَّلْبِيَةِ وَيَجْهَرُ بها الرَّجُلُ صَوْتَهُ ما لم يَفْدَحْهُ وَتُخَافِتُ بها الْمَرْأَةُ وَأَسْتَحِبُّهَا خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَمَعَ الْفَجْرِ وَمَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَالْهُبُوطِ وَالْإِصْعَادِ وفي كل حَالٍ أُحِبُّهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يلبى على وُضُوءٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وتلبى الْمَرْأَةُ حَائِضًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ وَيُدَلِّك جَسَدَهُ من الْوَسَخِ وَلَا يُدَلِّك رَأْسَهُ لِئَلَّا يَقْطَعَ شَعْرَهُ وَأُحِبُّ له الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فإذا دَخَلَهَا أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَخْرُجَ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ( قال ) وَأُحِبُّ له إذَا رأي الْبَيْتَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ زِدْ هذا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَزِدْ من شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا وَأَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيَضْطَبِعَ بِثَوْبِهِ وهو أَنْ يُدْخِلَ رِدَاءَهُ من تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حتى يَبْرُزَ مَنْكِبُهُ ثُمَّ يُهَرْوِلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ من الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ويمشى أَرْبَعَةً وَيَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ وَلَا يَسْتَلِمَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ كان الزِّحَامُ كَثِيرًا مَضَى وَكَبَّرَ ولم يَسْتَلِمْ ( قال ) وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامُهُ في الطَّوَافِ { رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } فإذا فَرَغَ صلى خَلْفَ الْمَقَامِ أو حَيْثُمَا تَيَسَّرَ رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ { قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } وما قَرَأَ بِهِ مع أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يَصْعَدُ على الصَّفَا صُعُودًا لَا يَتَوَارَى عنه الْبَيْتُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحيى وَيُمِيتُ بيده الْخَيْرِ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَدْعُو في أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَيُعِيدُ هذا الْكَلَامَ بين أَضْعَافِ كَلَامِهِ حتى يَقُولَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَهْبِطَ عن الصَّفَا فإذا كان دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الذي في رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ من سِتَّةِ أَذْرُعٍ عَدَا حتى يحاذى الْمِيلَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يُظْهِرُ على الْمَرْوَةِ جَهْدَهُ حتى يَبْدُوَ له الْبَيْتُ إنْ بَدَا له ثُمَّ يَصْنَعُ عليها مِثْلَ ما صَنَعَ على الصَّفَا وما دَعَا بِهِ عليها أَجْزَأَهُ حتى يُكْمِلَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَإِنْ كان مُتَمَتِّعًا أَخَذَ من شَعْرِهِ وَأَقَامَ حَلَالًا فإذا أَرَادَ التَّوَجُّهَ إلَى مِنًى تَوَجَّهَ يوم التَّرْوِيَةِ قبل الظُّهْرِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا لِلْوَدَاعِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُتَوَجِّهًا من الْمَسْجِدِ ثُمَّ أتى مِنًى فَصَلَّى بها الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ غَدَا منها إلَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ حَيْثُ شَاءَ وَأَخْتَارُ له أَنْ يَشْهَدَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مع الْإِمَامِ وَيَقِفَ قَرِيبًا منه وَيَدْعُوَ وَيَجْتَهِدَ فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ وَسَارَ على هَيِّنَتِهِ حتى يأتى الْمُزْدَلِفَةَ فيصلى بها الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ يَغْدُوَ فَيَقِفَ ثُمَّ يَدْعُوَ وَيَدْفَعَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ إذَا أَسْفَرَ إسْفَارًا بَيِّنًا وَيَأْخُذَ حَصَى جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فيرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا بِهِنَّ ويرمى من بَطْنِ الْمَسِيلِ وَمِنْ حَيْثُ رَمَى أَجْزَأَهُ ثُمَّ قد حَلَّ له ما حَرَّمَ عليه الْحَجُّ إلَّا النِّسَاءَ ويلبى
____________________

(2/220)


حتى يرمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ ثُمَّ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فإذا طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا فَقَدْ حَلَّ له النِّسَاءُ وَإِنْ كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِحَالِهِ وَيَصْنَعَ ما وَصَفْت غير أَنَّهُ إذَا كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ إنْ طَافَ قبل مِنًى وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاحِدًا بَعْدَ عَرَفَةَ تَحِلُّ له النِّسَاءُ وَلَا يَعُودُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ لم يَطُفْ قبل مِنًى فَعَلَيْهِ بَعْدَ عَرَفَةَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأُحِبُّ له أَنْ يَغْتَسِلَ لرمى الْجِمَارِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَفَعَلَ عَمَلَ الْحَجِّ كُلَّهُ على غَيْرِ وُضُوءٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُهُ إلَّا الصَّلَاةَ وَالطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا طَاهِرًا فإذا كان بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَذَبَحَ شَاةً وجبت ( ( ( وجب ) ) ) عليه تصدق ( ( ( التصدق ) ) ) بِجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا ولم يَحْبِسْ منها شيئا وَإِنْ كانت نَافِلَةً تَصَدَّقَ منها وَأَكَلَ وَحَبَسَ وَيَذْبَحُ في أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَالنَّهَارُ أَحَبُّ إلى من اللَّيْلِ ويرمى الْجِمَارَ أَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا وَهِيَ ثَلَاثٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَلَا يَرْمِيهَا حتى تَزُولَ الشَّمْسُ في شَيْءٍ من أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأُحِبُّ إذَا رَمَى أَنْ يُكَبِّرَ مع كل حَصَاةٍ وَيَتَقَدَّمُ عن الْجَمْرَةِ الدُّنْيَا حَيْثُ يَرَى الناس يَقِفُونَ فَيَدْعُو وَيُطِيلُ قَدْرَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَيَفْعَلُ ذلك عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى وَلَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ في مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ حتى يرمى سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ من حَيْثُ شَاءَ إلَّا من مَوْضِعٍ نَجَسٍ أو مَسْجِدٍ أو من الْجِمَارِ فَإِنِّي أَكْرَهُ له أَنْ يَأْخُذَ من هذه الْمَوَاضِعِ ويرمى بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ وهو أَصْغَرُ من الْأَنَامِلِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُطَهِّرَ الْحَصَى قبل أَنْ يَحْمِلَهُ وَإِنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَذَلِكَ له وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ من الْيَوْمِ الثَّانِي أَقَامَ حتى يرمى الْجِمَارَ من يَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ تَتَابَعَ عليه رَمْيَانِ بِأَنْ يَنْسَى أو يَغِيبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يرمى فإذا فَرَغَ منه عَادَ فَرَمَى رَمْيًا ثَانِيًا وَلَا يرمى بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ في مَوْقِفٍ وَاحِدٍ فإذا صَدَرَ وَأَرَادَ الرَّحِيلَ عن مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا يُوَدِّعُ بِهِ الْبَيْتَ يَكُونُ آخِرَ كل عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فَإِنْ خَرَجَ ولم يَطُفْ بَعَثَ بِشَاةٍ تُذْبَحُ عنه وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في هذا سَوَاءٌ إلَّا الْحَائِضُ فَإِنَّهَا تَصْدُرُ بِغَيْرِ وَدَاعٍ إذَا طَافَتْ الطَّوَافَ الذي عليها وَأُحِبُّ له إذَا وَدَّعَ الْبَيْتَ أَنْ يَقِفَ في الْمُلْتَزَمِ وهو بين الرُّكْنِ وَالْبَابِ فيقول اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك وَالْعَبْدَ عَبْدُك وبن عبدك وبن أَمَتِك حَمَلَتْنِي على ما سَخَّرْت لي من خَلْقِك حتى سَيَّرْتنِي في بِلَادِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حتى أَعَنْتنِي على قَضَاءِ مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ قبل أَنْ تَنْأَى عن بَيْتِك دَارِي هذا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لي غير مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عن بَيْتِك اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي بِالْعَافِيَةِ في بَدَنِي وَالْعِصْمَةِ في دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي طَاعَتَك ما أَحْيَيْتنِي وما زَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْزَأَهُ (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الضَّحَايَا سُنَّةٌ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَمَنْ ضَحَّى فَأَقَلُّ ما يُجْزِيهِ الثنى من الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلَا يجزى جَذَعٌ إلَّا من الضَّأْنِ وَحْدَهَا وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ ما أَجْزَأَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُضَحُّوا إلَّا عن كل إنْسَانٍ بِشَاةٍ أو عن كل سَبْعَةٍ بِجَزُورٍ وَلَكِنَّهَا لَمَّا كانت غير فَرْضٍ كان الرَّجُلُ إذَا ضَحَّى في بَيْتِهِ كانت قد وَقَعَتْ ثَمَّ اسْمُ ضَحِيَّةٍ ولم تُعَطَّلْ وكان من تَرَكَ ذلك من أَهْلِهِ لم يَتْرُكْ فَرْضًا ( قال ) وَوَقْتُ الضَّحَايَا انْصِرَافُ الْإِمَامِ من الصَّلَاةِ فإذا إبطأ الْإِمَامُ أو كان الْأَضْحَى بِبَلَدٍ لَا إمَامَ بِهِ فَقَدْرُ ما تَحِلُّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يقضى صَلَاتَهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ على الْإِمَامِ إنْ أَبْطَأَ بِالصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا هو وَقْتُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا ما أُحْدِثَ بَعْدَهُ
____________________
1- * كِتَابُ الضَّحَايَا

(2/221)


وَإِنْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الذي أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ ضَحِيَّتِهِ بِضَائِنَةٍ جَذَعَةٍ فَهِيَ تُجْزِي وَإِنْ كان أَمَرَهُ بِجَذَعَةٍ غَيْرِ الضَّأْنِ فَقَدْ حُفِظَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال تُجْزِيك وَلَا تُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك وَأَمَّا سِوَى ما ذَكَرْت فَلَا يُعَدُّ ضَحَايَا حتى يَجْتَمِعَ السِّنُّ وَالْوَقْتُ وما بَعْدَهُ من أَيَّامٍ مِنًى خَاصَّةً فإذا مَضَتْ أَيَّامُ مِنًى فَلَا ضَحِيَّةَ وما ذُبِحَ يَوْمَئِذٍ فَهِيَ ذَبِيحَةٌ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالضَّحِيَّةِ في أَيَّامِ مني وَزَعَمْنَا أنها لَا تَفُوتُ لِأَنَّا حَفِظْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هذه أَيَّامُ نُسُكٍ ورمي فيها كُلِّهَا الْجِمَارَ وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ إذْ نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن أَيَّامِ مِنًى نَهَوْا عنها وَنَهَوْا عن الْعُمْرَةِ فيها من كان حَاجًّا لِأَنَّهُ في بَقِيَّةٍ من حَجِّهِ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا ضَحَّى في يَوْمِ النَّحْرِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ الْأَضْحَى وَإِنْ كان يجزئ فِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هذه أَيَّامُ نُسُكٍ فلما قال الْمُسْلِمُونَ ما وَصَفْنَا لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ كَالْيَوْمَيْنِ وَإِنَّمَا كَرِهْنَا أَنْ يضحى بِاللَّيْلِ على نَحْوِ ما كَرِهْنَا من الْحِدَادِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ سَكَنٌ وَالنَّهَارَ يَنْتَشِرُ فيه لِطَلَبِ الْمَعَاشِ فَأَحْبَبْنَا أَنْ يَحْضُرَ من يَحْتَاجُ إلَى لُحُومِ الضَّحَايَا لِأَنَّ ذلك أَجْزَلُ عن الْمُتَصَدِّقِ وَأَشْبَهَ أَنْ لَا يَجِدَ الْمُتَصَدِّقُ في مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ بُدًّا من أَنْ يَتَصَدَّقَ على من حَضَرَهُ لِلْحَيَاءِ مِمَّنْ حَضَرَهُ من الْمَسَاكِينِ وَغَيْرِهِمْ مع أَنَّ الذي يلى الضَّحَايَا يَلِيهَا بِالنَّهَارِ أَخَفُّ عليه وَأَحْرَى أَنْ لَا يُصِيبَ نَفْسَهُ بِأَذًى وَلَا يُفْسِدَ من الضَّحِيَّةِ شيئا وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ في ذلك مِثْلُ أَهْلِ مِنًى فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ ضَحَّى أَحَدٌ فَلَا ضَحِيَّةَ له - * بَابُ ما تُجْزِي عنه الْبَدَنَةُ من الْعَدَدِ في الضَّحَايَا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَانُوا مُحْصَرِينَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } فلما قال { فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } شَاةٌ فَأَجْزَأَتْ الْبَدَنَةُ عن سَبْعَةٍ مَحْصُورِينَ وَمُتَمَتِّعِينَ وَعَنْ سَبْعَةٍ وَجَبَتْ عليهم من قِرَانٍ أو جَزَاءِ صَيْدٍ أو غَيْرِ ذلك إذَا كانت على كل وَاحِدٍ منهم شَاةٌ لِأَنَّ هذا في مَعْنَى الشَّاةِ وَلَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم حِصَّتَهُ من ثَمَنِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وإذا مَلَكُوهَا بِغَيْرِ بَيْعٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وإذا مَلَكُوهَا بِثَمَنٍ وَسَوَاءٌ في ذلك كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أو غَيْرَهُمْ لِأَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانُوا من قَبَائِلَ شَتَّى وَشُعُوبٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَا تُجْزِئُ عن أَكْثَرَ من سَبْعَةٍ وإذا كَانُوا أَقَلَّ من سَبْعَةٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَهُمْ مُتَطَوِّعُونَ بِالْفَضْلِ كما تُجْزِي الْجَزُورُ عَمَّنْ لَزِمَتْهُ شَاةٌ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِفَضْلِهَا عن الشَّاةِ وإذا لم تُوجَدْ الْبَدَنَةُ كان عَدْلُهَا سَبْعَةً من الْغَنَمِ قِيَاسًا على هذا الحديث وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ وإذا زَعَمَ أَنَّهُ قد سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ فَهُوَ أَمِينٌ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوهَا وهو أَمِينٌ على أَكْثَرَ من هذا الْإِيمَانُ وَالصَّلَاةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ذَبْحٍ كان وَاجِبًا على مُسْلِمٍ فَلَا أُحِبُّ له أَنْ يولى ذَبْحَهُ النَّصْرَانِيَّ وَلَا أُحَرِّمُ ذلك عليه إنْ ذَبَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ له لَحْمُهُ فَذَبِيحَتُهُ أَيْسَرُ وَكُلُّ ذَبْحٍ ليس بِوَاجِبٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَهُ النَّصْرَانِيُّ وَالْمَرْأَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَقُولُ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّهُمْ نَحَرُوا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ

(2/222)


وَالصَّبِيُّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الذَّابِحُ الْقِبْلَةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلى وَإِنْ أَخْطَأَ أو نسى فَلَا شَيْءَ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ وإذا كانت الضَّحَايَا إنَّمَا هو دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَخَيْرُ الدِّمَاءِ أَحَبُّ إلى وقد زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا من تَقْوَى الْقُلُوبِ } اسْتِسْمَانُ الهدى وَاسْتِحْسَانُهُ وَسُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قال أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الضَّحَايَا الْجَذَعُ من الضَّأْنِ والثنى من الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ دُونَ هذا ضَحِيَّةً وَالضَّحِيَّةُ تَطَوُّعٌ سُنَّةٌ فَكُلُّ ما كان من تَطَوُّعٍ فَهُوَ هَكَذَا وَكُلُّ ما كان من جَزَاءِ صَيْدٍ صَغِيرٌ أو كَبِيرٌ إذَا كان مِثْلَ الصَّيْدِ أَجْزَأَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ مِثْلُ ما أُصِيبَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ بِحُجَجِهِ في كِتَابِ الْحَجِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقْتُ الْأَضْحَى قَدْرُ ما يَدْخُلُ الْإِمَامُ في الصَّلَاةِ حين تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَذَلِكَ إذَا بَرَزَتْ الشَّمْسُ فيصلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فإذا مَضَى من النَّهَارِ قَدْرُ هذا الْوَقْتِ حَلَّ الْأَضْحَى وَلَيْسَ الْوَقْتُ في عَمَلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الصَّلَاةَ فَيُقَدِّمُونَهَا قبل وَقْتِهَا أو يُؤَخِّرُونَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا أَرَأَيْت لو صلى رَجُلٌ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَخَطَبَ وَانْصَرَفَ مع الشَّمْسِ أو قَبْلَهَا أو أَخَّرَ ذلك إلَى الضُّحَى الْأَعْلَى هل كان يَجُوزُ أَنْ يضحى في الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أو يَحْرُمُ أَنْ يضحى قبل الْوَقْتِ الْآخَرِ لَا وَقْتَ في شَيْءٍ وَقَّتَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا وَقْتُهُ فَأَمَّا تَأَخُّرُ الْفِعْلِ وَتَقَدُّمُهُ عن فِعْلِهِ فَلَا وَقْتَ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الْبَوَادِي وَأَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ لهم أَئِمَّةٌ في هذا سَوَاءٌ وَلَا وَقْتَ إلَّا بِقَدْرِ صَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا صَلَاةُ من بَعْدَهُ فَلَيْسَ فيها وَقْتٌ لِأَنَّ منهم من يؤخرها ( ( ( يؤخر ) ) ) وَمِنْهُمْ من يُقَدِّمُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ في الْقَرْنِ نَقْصٌ فيضحى بِالْجَلْحَاءِ وإذا ضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ فَهِيَ أَبْعَدُ من الْقَرْنِ من مَكْسُورَةِ الْقَرْنِ وَسَوَاءٌ كان قَرْنُهَا يُدْمِي أو صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا خَوْفَ عليها في دَمِ قَرْنِهَا فَتَكُونُ بِهِ مَرِيضَةً فَلَا تُجْزِي من جِهَةِ الْمَرَضِ وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا هذا وَإِنْ كان قَرْنُهَا مَكْسُورًا كَسْرًا قَلِيلًا أو كَثِيرًا يُدْمِي أو لَا يُدْمِي فَهُوَ يجزئ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ شَاءَ من الْأَئِمَّةِ أَنْ يضحى في مُصَلَّاهُ ضحى وَمَنْ شَاءَ ضَحَّى في مَنْزِلِهِ وإذا صلى الْإِمَامُ فَقَدْ عَلِمَ من معه أَنَّ الضَّحِيَّةَ قد حَلَّتْ فَلَيْسُوا يَزْدَادُونَ عِلْمًا بِأَنْ يضحى وَلَا يُضَيِّقَ عليهم أَنْ يُضَحُّوا أَرَأَيْت لو لم يُضَحِّ على حَالٍ أو أَخَّرَ الضَّحِيَّةَ إلَى بَعْضِ النَّهَارِ أو إلَى الْغَدِ أو بَعْدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تُجْزِي الْمَرِيضَةُ أَيَّ مَرَضٍ ما كان بَيِّنًا في الضَّحِيَّةِ وإذا أَوْجَبَ الرَّجُلُ الشَّاةَ ضَحِيَّةً وَإِيجَابُهَا أَنْ يَقُولَ هذه ضَحِيَّةٌ ليس شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يضحى بها إيجَابًا فإذا أَوْجَبَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُبَدِّلَهَا بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ منها وَلَوْ أَبْدَلَهَا فَذَبَحَ التي أَبْدَلَ كان عليه أَنْ يَعُودَ فَيَذْبَحُ الْأُولَى ولم يَكُنْ له إمْسَاكُهَا وَمَتَى لم يُوجِبْهَا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ من أَنْ يضحى بها أَبْدَلَهَا أو لم يُبَدِّلْهَا كما يَشْتَرِي الْعَبْدَ يَنْوِي أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْمَالَ يَنْوِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَلَا يَكُونُ عليه أَنْ يُعْتِقَ هذا وَلَا يَتَصَدَّقَ بهذا وَلَوْ فَعَلَ كان خَيْرًا له ( قال ) وَلَا تُجْزِي الْجَرْبَاءُ وَالْجَرَبُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مَرَضٌ بَيِّنٌ مُفْسِدٌ لِلَّحْمِ وَنَاقِصٌ لِلثَّمَنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ قد أَوْجَبَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ ثَمَنِهَا أُضْحِيَّةً فيضحى بها فَإِنْ بَلَغَ ثَمَنُهَا أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَدَلٌ منها وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَمْلِكَ منه شيئا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وزاد شيئا لَا يَبْلُغُ ثَانِيَةً ضَحَّى بِالضَّحِيَّةِ وَأُسْلِكَ الْفَضْلُ مَسْلَكَ الضَّحِيَّةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحَبُّ إلى لو تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ نَقَصَ عن ضَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حتى يوفى ضَحِيَّةً لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكُ الضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ ضَحِيَّةٌ مِثْلُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الضَّحَايَا سُنَّةٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل إذَا كان نَفِيسًا كُلَّمَا عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ على الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كان أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ - * الضَّحَايَا الثَّانِي - *

(2/223)


لَا يَجِبُ تَرْكُهَا فَمَنْ ضَحَّى فَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ جَذَعُ الضَّأْنِ أو ثَنِيُّ الْمَعْزِ أو ثَنِيُّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلُ أَحَبُّ إلى أَنْ يضحى بها من الْبَقَرِ وَالْبَقَرُ أَحَبُّ إلى أَنْ يُضَحِّيَ بها من الْغَنَمِ وَكُلُّ ما غَلَا من الْغَنَمِ كان أَحَبَّ إلى مِمَّا رَخُصَ وَكُلُّ ما طَابَ لَحْمُهُ كان أَحَبَّ إلى مِمَّا يَخْبُثُ لَحْمُهُ ( قال ) وَالضَّأْنُ أَحَبُّ إلى من الْمَعْزِ وَالْعِفْرُ أَحَبُّ إلى من السُّودِ وَسَوَاءٌ في الضَّحَايَا أَهْلُ مِنًى وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ فإذا كانت الضَّحَايَا إنَّمَا هو دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَخَيْرُ الدِّمَاءِ أَحَبُّ إلى وقد زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ } اسْتِسْمَانُ الهدى وَاسْتِحْسَانُهُ وَسُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ فقال أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا كان نَفِيسًا كُلَّمَا عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ على الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كان أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ وقد قال اللَّهُ تَعَالَى في الْمُتَمَتِّعِ { فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ } وقال بن عَبَّاسٍ ما اسْتَيْسَرَ من الهدى شَاةٌ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْحَابَهُ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً شَاةً وكان ذلك أَقَلَّ ما يُجْزِيهِمْ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ أَدْنَى الدَّمِ فَأَعْلَاهُ خَيْرٌ منه وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ ما أَجْزَأَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُضَحُّوا إلَّا عن كل إنْسَانٍ بِشَاةٍ أو عن كل سَبْعَةٍ بِجَزُورٍ وَلَكِنَّهَا لَمَّا كانت غير فَرْضٍ كان الرَّجُلُ إذَا ضَحَّى في بَيْتِهِ فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ ضَحِيَّةٍ عليه ولم تُعَطَّلْ وكان من تَرَكَ ذلك من أَهْلِهِ لم يَتْرُكْ فَرْضًا وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يضحى عن امْرَأَةٍ وَلَا وَلَدٍ وَلَا نَفْسِهِ وقد بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا لِيَظُنَّ من رَآهُمَا أنها وَاجِبَةٌ وَعَنْ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَلَسَ مع أَصْحَابِهِ ثُمَّ أَرْسَلَ بِدِرْهَمَيْنِ فقال اشْتَرُوا بِهِمَا لَحْمًا ثُمَّ قال هذه أُضْحِيَّةُ بن عَبَّاسٍ وقد كان قَلَّمَا يَمُرُّ بِهِ يَوْمٌ إلَّا نَحَرَ فيه أو ذَبَحَ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مِثْلَ الذي روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا يَعْدُو الْقَوْلُ في الضَّحَايَا هذا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فَهِيَ على كل أَحَدٍ صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ لَا تُجْزِي غَيْرُ شَاةٍ عن كل أَحَدٍ فَأَمَّا ما سِوَى هذا من الْقَوْلِ فَلَا يَجُوزُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْجَبَ الضَّحِيَّةَ لم يَجُزَّ صُوفَهَا وما لم يُوجِبْهَا فَلَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا وَالضَّحِيَّةُ نُسُكٌ من النُّسُكِ مَأْذُونٌ في أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ في جَمِيعِ الضَّحِيَّةِ جِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَأَكْرَهُ بَيْعَ شَيْءٍ منه وَالْمُبَادَلَةُ بِهِ بَيْعٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ وَمِنْ أَيْنَ كَرِهْت أَنْ تُبَاعَ وَأَنْتَ لَا تَكْرَهُ أَنْ تُؤْكَلَ وَتُدَّخَرَ قِيلَ له لَمَّا كان نُسُكًا فَكَانَ اللَّهُ حَكَمَ في الْبُدْنِ التي هِيَ نُسُكٌ فقال عز وجل { فَكُلُوا منها وَأَطْعِمُوا } وَأَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَكْلِ الضَّحَايَا وَالْإِطْعَامِ كان ما أَذِنَ اللَّهُ فيه وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَأْذُونًا فيه فَكَانَ أَصْلُ ما أَخْرَجَ لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل مَعْقُولًا أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَالِكِهِ منه شَيْءٌ إلَّا ما أَذِنَ اللَّهُ فيه أو رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاقْتَصَرْنَا على ما أَذِنَ اللَّهُ عز وجل فيه ثُمَّ رَسُولُهُ وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ على أَصْلِ النُّسُكِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ من الْبَيْعِ فَإِنْ قال أَفَتَجِدُ ما يُشْبِهُ هذا قِيلَ نعم الْجَيْشُ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ الْغُلُولُ مُحَرَّمًا عليهم وَيَكُونُ ما أَصَابُوا من الْعَدُوِّ بَيْنَهُمْ وَأَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَصَابُوا في الْمَأْكُولِ لِمَنْ أَكَلَهُ فَأَخْرَجْنَاهُ من الْغُلُولِ إذَا كان مَأْكُولًا وَزَعَمْنَا أَنَّهُ إذَا كان مَبِيعًا إنَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَوْجَبَ الضَّحِيَّةَ فَوَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا كما يُوجِبُ الْبَدَنَةَ فَتُنْتِجُ فَيَذْبَحُ وَلَدَهَا مَعَهَا وإذا لم يُوجِبْهَا فَقَدْ كان له فيها إمْسَاكُهَا وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَإِنْ شَاءَ ذَبَحَهُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُبَدِّلَ الضَّحِيَّةَ بِمِثْلِهَا وَلَا دُونِهَا مِمَّا يجزئ فَقَدْ جَعَلَهَا في هذا الْمَوْضِعِ وَاجِبَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ في هذا الْمَوْضِعِ مِثْلَ ما قُلْنَا وَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ وَلَا له أَنْ يُبَدِّلَهَا بِمَا هو خَيْرٌ منها لِأَنَّهُ هَكَذَا يقول في كل ما أَوْجَبَ وَلَا تَعْدُو الضَّحِيَّةُ إذَا اُشْتُرِيَتْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ وَاجِبِ الهدى فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَدَّلَ بِأَلْفٍ مِثْلِهَا أو حُكْمُهَا حُكْمَ مَالِهِ يَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ ضَحِيَّةً وَإِنْ كان دُونَهَا وَيَحْبِسُهَا

(2/224)


غُلُولٌ وَإِنَّ على بَائِعِهِ رَدَّ ثَمَنِهِ ولم أَعْلَمْ بين الناس في هذا اخْتِلَافًا أَنَّ من بَاعَ من ضَحِيَّتِهِ جِلْدًا أو غَيْرَهُ أَعَادَ ثَمَنَهُ أو قِيمَةَ ما بَاعَ منه إنْ كانت الْقِيمَةُ أَكْثَرَ من الثَّمَنِ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فيه الضَّحِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَحَبُّ إلى كما الصَّدَقَةُ بِلَحْمِ الضَّحِيَّةِ أَحَبُّ إلى وَلَبَنُ الضَّحِيَّةِ كَلَبَنِ الْبَدَنَةِ إذَا أُوجِبَتْ الضَّحِيَّةُ لَا يَشْرَبُ منه صَاحِبُهُ إلَّا الْفَضْلَ عن وَلَدِهَا وما لَا يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كان أَحَبَّ إلى فإذا لم يُوجِبْ صَنَعَ ما شَاءَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ فَأَوْجَبَهَا أو لم يُوجِبْهَا فَمَاتَتْ أو ضَلَّتْ أو سُرِقَتْ فَلَا بَدَلَ عليه وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ من هدى تَطَوُّعٍ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ فَلَا يَكُونُ عليه بَدَلٌ إنَّمَا تَكُونُ الْأَبْدَالُ في الْوَاجِبِ وَلَكِنَّهُ إنْ وَجَدَهَا بعد ما أَوْجَبَهَا ذَبَحَهَا وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا كما يَصْنَعُ في الْبُدْنِ من الهدى تَضِلُّ وَإِنْ لم يَكُنْ أَوْجَبَهَا فَوَجَدَهَا لم يَكُنْ عليه ( ( ( علة ) ) ) ذَبْحِهَا وَلَوْ ذَبَحَهَا كان أَحَبَّ إلى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ فلم يُوجِبْهَا حتى أَصَابَهَا ما لَا تَجُوزُ معه بِحَضْرَةِ الذَّبْحِ قبل أَنْ يَذْبَحَهَا أو قبل ذلك لم تَكُنْ ضَحِيَّةٌ وَلَوْ أَوْجَبَهَا سَالِمَةً ثُمَّ أَصَابَهَا ذلك وَبَلَغَتْ أَيَّامَ الْأَضْحَى ضَحَّى بها وَأَجْزَأَتْ عنه إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الضَّحِيَّةِ في الْحَالِ التي أَوْجَبَهَا فيها وَلَيْسَ فِيمَا أَصَابَهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا شَيْءٌ يُسْأَلُ عنه أَحَدٌ إنَّمَا هِيَ حِينَئِذٍ ذَكِيَّةٌ مَذْبُوحَةٌ لَا عَيْنَ لها قَائِمَةً إلَّا وقد فَارَقَهَا الرُّوحُ لَا يَضُرُّهَا ما كَسَرَهَا وَلَا ما أَصَابَهَا وَإِلَى الْكَسْرِ تَصِيرُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا زَعَمْنَا أَنَّ الْعَرْجَاءَ وَالْعَوْرَاءَ لَا تَجُوزُ في الضَّحِيَّةِ كانت إذَا كانت عَوْرَاءَ أو لَا يَدَ لها وَلَا رِجْلَ دَاخِلَةً في هذا الْمَعْنَى وفي أَكْثَرَ منه وَلَيْسَ في الْقَرْنِ نَقْصٌ وإذا خُلِقَتْ لها أُذُنٌ ما كانت أَجْزَأَتْ وَإِنْ خُلِقَتْ لَا أُذُنَ لها لم تُجْزِ وَكَذَلِكَ لو جُدِعَتْ لم تُجْزِ لِأَنَّ هذا نَقْصٌ من الْمَأْكُولِ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَوْجَبَ الرَّجُلُ ضَحِيَّةً أو هَدْيًا فَذُبِحَا عنه في وَقْتِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَدْرَكَهُمَا قبل أَنْ يُسْتَهْلَكَ لَحْمُهَا أَجْزَأَتَا مَعًا عنه لِأَنَّهُمَا ذَكَاتَانِ وَمَذْبُوحَتَانِ في وَقْتٍ وكان له أَنْ يَرْجِعَ على الذي تَعَدَّى بِمَا بين قِيمَتِهِمَا قَائِمَتَيْنِ وَمَذْبُوحَتَيْنِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ في سَبِيلِ الهدى وفي سَبِيلِ الضَّحِيَّةِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وَإِنْ ذَبَحَ له شَاةً وقد اشْتَرَاهَا ولم يُوجِبْهَا في وَقْتِهَا وَأَدْرَكَهَا فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ ضَحِيَّةً لم تُجْزِ عنه وَرَجَعَ عليه بِمَا بين قِيمَتِهَا قَائِمَةً وَمَذْبُوحَةً وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَ لَحْمَهَا حَبَسَهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ أَوْجَبَهَا فَإِنْ فَاتَ لَحْمُهَا في هذا كُلِّهِ يَرْجِعُ على الذَّابِحِ بِقِيمَتِهَا حَيَّةً وكان عليه أَنْ يَبْتَاعَ بِمَا أَخَذَهُ من قِيمَةِ الْوَاجِبِ منها ضَحِيَّةً أو هَدْيًا وَإِنْ نَقَصَ عن ثَمَنِهَا زَادَهُ من عِنْدِهِ حتى يوفى أَقَلَّ ما يَلْزَمُهُ فَإِنْ زَادَ جَعَلَهُ كُلَّهُ في سَبِيلِ الضَّحِيَّةِ والهدى حتى لَا يَكُونَ حَبْسٌ مِمَّا أَخَذَ منها شيئا وَالْجَوَابُ في هذا كُلِّهِ كَالْجَوَابِ في حَاجَّيْنِ لو نَحَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى صَاحِبِهِ وَمُضَحِّيَيْنِ لو ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَهُ لِصَاحِبِهِ ما بين قِيمَةِ ما ذُبِحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا وَأَجْزَأَ عن كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيُهُ أو ضَحِيَّتُهُ إذَا لم تَفُتْ وَإِنْ اسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى صَاحِبِهِ أو ضَحِيَّتَهُ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ ما اسْتَهْلَكَ حَيًّا وكان على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ في كل وَاجِبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَاجُّ الْمَكِّيُّ وَالْمُنْتَوِي وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تُجْزِي الْعَوْرَاءُ وَأَقَلُّ الْبَيَاضِ في السَّوَادِ على النَّاظِرِ كان أو على غَيْرِهِ يَقَعُ بِهِ اسْمُ العورة ( ( ( العور ) ) ) الْبَيِّنِ وَلَا تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ وَأَقَلُّ الْعَرَجِ بَيِّنٌ أَنَّهُ عَرَجٌ إذَا كان من نَفْسِ الْخِلْقَةِ أو عَرَجٍ خَارِجٍ ثَابِتٍ فَذَلِكَ الْعَرَجُ الْبَيِّنُ ( قال ) وَمَنْ اشْتَرَى ضَحِيَّةً فَأَوْجَبَهَا أو أَهْدَى هَدْيًا ما كان فَأَوْجَبَهُ وهو تَامٌّ ثُمَّ عَرَضَ له نَقْصٌ وَبَلَغَ الْمَنْسَكَ أَجْزَأَ عنه إنَّمَا أَنْظُرُ في هذا كُلِّهِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُهُ فَيَخْرُجُ من مَالِهِ إلَى ما جَعَلَهُ له فإذا كان تَامًّا وَبَلَغَ ما جَعَلَهُ له أَجْزَأَ عنه بِتَمَامِهِ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَبُلُوغِهِ أَمَدَهُ وما اشْتَرَى من هذا فلم يُوجِبْهُ إلَّا بَعْدَ ما نَقَصَ فَكَانَ لَا يُجْزِئُ ثُمَّ أَوْجَبَهُ ذَبَحَهُ ولم يُجْزِ عنه لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ وهو غَيْرُ مجزيء ( ( ( مجزئ ) ) ) فما كان من ذلك لَازِمًا له فَعَلَيْهِ أَنْ يأتى بِتَامٍّ وما كان تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عليه بَدَلُهُ

(2/225)


مِمَّنْ يَجِدُ ضَحِيَّةً سَوَاءٌ كلهم لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ إنْ وَجَبَتْ على كل وَاحِدٍ منهم وَجَبَتْ عليهم كُلِّهِمْ وَإِنْ سَقَطَتْ عن وَاحِدٍ منهم سَقَطَتْ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَوْ كانت وَاجِبَةً على بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كان الْحَاجُّ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ عليه وَاجِبَةً لِأَنَّهَا نُسُكٌ وَعَلَيْهِ نُسُكٌ وَغَيْرُهُ لَا نُسُكَ عليه وَلَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَبَ على الناس إلَّا بِحَجَّةٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ إلَّا بمثلها ( ( ( بمثلهم ) ) ) وَلَسْت أُحِبُّ لِعَبْدٍ وَلَا أُجِيزُ له وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ أَنْ يُضَحُّوا لِأَنَّهُمْ لَا أَمْوَالَ لهم وَإِنَّمَا أَمْوَالُهُمْ لِمَالِكِيهِمْ وَكَذَلِكَ لَا أُحِبُّ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا أُجِيزُ له أَنْ يُضَحِّيَ لِأَنَّ مِلْكَهُ على مَالِهِ ليس بِتَامٍّ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ فَيَرْجِعُ مَالُهُ إلَى مَوْلَاهُ وَيُمْنَعُ من الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لم يَتِمَّ على مَالِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ يوم النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ النُّسُكِ وَإِنْ ضَحَّى في اللَّيْلِ من أَيَّامِ مِنًى أَجْزَأَ عنه وَإِنَّمَا أَكْرَهُ له أَنْ يضحى في اللَّيْلِ وَيَنْحَرَ الهدى لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا خَوْفُ الْخَطَأِ في الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ أو على نَفْسِهِ أو من يُقَارِبُهُ أو خَطَأِ الْمَنْحَرِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَسَاكِينَ لَا يَحْضُرُونَهُ في اللَّيْلِ حُضُورَهُمْ إيَّاهُ في النَّهَارِ فَأَمَّا لِغَيْرِ هذا فَلَا أَكْرَهُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنَّ أَيَّامَ مِنًى أَيَّامُ أَضْحَى كُلُّهَا قِيلَ كما كانت الْحُجَّةُ بِأَنَّ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يومى ( ( ( يوما ) ) ) ضَحِيَّةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ ذلك قِيلَ نَحَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَضَحَّى في يَوْمِ النَّحْرِ فلما لم يَحْظُرْ على الناس أَنْ يُضَحُّوا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ لم نَجِدْ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مُفَارِقًا لِلْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَنْسُكُ فيه ويرمى كما يَنْسُكُ ويرمى فِيهِمَا فَإِنْ قال فَهَلْ في هذا من خَبَرٍ قِيلَ نعم عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه دَلَالَةُ سُنَّةٍ + * كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ + * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ الذي إذَا أَشْلَى اسْتَشْلَى وإذا أَخَذَ حَبَسَ ولم يَأْكُلْ فإذا فَعَلَ هذا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كان مُعَلَّمًا يَأْكُلُ صَاحِبُهُ ما حَبَسَ عليه وَإِنْ قَتَلَ ما لم يَأْكُلْ فإذا أَكَلَ فَقَدْ قِيلَ يُخْرِجُهُ هذا من أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ من أَنْ يَأْكُلَ من الصَّيْدِ الذي أَكَلَ منه الْكَلْبُ لِأَنَّ الْكَلْبَ أَمْسَكَهُ على نَفْسِهِ وَإِنْ أَكَلَ منه صَاحِبُ الْكَلْبِ أَكَلَ من صَيْدِ غَيْرِ مُعَلَّمٍ وَيَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ أَكَلَ منه الْكَلْبُ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا صَارَ قَتْلُهُ ذَكَاةً فَأَكَلَ ما لم يَحْرُمْ أَكْلُهُ ما كان ذَكِيًّا كما لو كان مَذْبُوحًا فَأَكَلَ منه كَلْبٌ لم يَحْرُمْ وَطَرَحَ ما حَوْلَ ما أَكَلَ وَهَذَا قَوْلُ بن عُمَرَ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا تَرَكْنَا هذا لِلْأَثَرِ الذي ذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ أَنَّهُ سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقُول فإذا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ثَبَتَ الْخَبَرُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَجُزْ تَرْكُهُ لِشَيْءٍ وإذا قُلْنَا هذا في الْمُعَلَّمِ من الْكِلَابِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يضحى عَمَّا في الْبَطْنِ

(2/226)


فَأَخَذَ الْمُعَلَّمُ فَحَبَسَ بِلَا أَكْلٍ فَذَلِكَ يَحِلُّ وَإِنْ قَتَلَهُ يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ فَإِنْ حَبَسَ وَأَكَلَ فَذَلِكَ مَوْضِعُ تَرْكٍ فيه أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا فَصَارَ كَهُوَ على الِابْتِدَاءِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كما كان لَا يَحِلُّ على الِابْتِدَاءِ وَهَذَا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ وَيَصِحُّ فيه وَفِيهِ أَنَّ مُتَأَوِّلًا لو ذَهَبَ فقال إنَّ الْكَلْبَ إذَا كان نَجِسًا فَأَكَلَ من شَيْءٍ رَطْبٍ قد يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِي بَعْضُهُ في بَعْضٍ نَجَّسَهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ حتى يَكُونَ آكِلًا وَالْحَيَاةُ فيه وَالدَّمُ بِالرُّوحِ يَدُورُ فيه فَأَمَّا إذَا كان بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَدُورُ فيه دَمٌ وَإِنَّمَا يُنَجِّسُ حِينَئِذٍ مَوْضِعَ ما أَكَلَ منه وما قَارَبَهُ قال الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وَلَوْ نَجَّسَهُ كُلَّهُ كان له أَنْ يَغْسِلَهُ وَيَعْصِرَهُ كما يَغْسِلُ الثَّوْبَ وَيَعْصِرُ فَيَطْهُرُ وَيَغْسِلُ الْجِلْدَ فَيَطْهُرُ فَتَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ وَكَذَلِكَ تَذْهَبُ نَجَاسَةُ اللَّحْمِ فَيَأْكُلُهُ - * بَابُ صَيْدِ كل ما صِيدَ بِهِ من وَحْشٍ أو طَيْرٍ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ أو طائرة الْمُعَلَّمَيْنِ أَحْبَبْت له أَنْ يسمى فَإِنْ لم يُسَمِّ نَاسِيًا فَقَتَلَ أَكَلَ لِأَنَّهُمَا إذَا كان قَتْلُهُمَا كَالذَّكَاةِ فَهُوَ لو نسى التَّسْمِيَةَ في الذَّبِيحَةِ أَكَلَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ على اسْمِ اللَّهِ عز وجل وَإِنْ نسى وَكَذَلِكَ ما أَصَبْت بِشَيْءٍ من سِلَاحِك الذي يَمُورُ في الصَّيْدِ - * بَابُ إرْسَالِ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ الْكَلْبَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ كَلْبًا وَاحِدًا أو كَلْبَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أو طَائِرَيْنِ أو سَهْمَيْنِ فَأَصَابَا الصَّيْدَ ثُمَّ لم تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ فَلَا يُؤْكَلُ فَهُوَ كَذَبِيحَةِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فإذا دخل في الذَّبِيحَةِ ما لَا يَحِلُّ لم تَحِلَّ وَكَذَلِكَ لو أَعَانَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ وَسَوَاءٌ أَنَفَذَ السَّهْمُ أو الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ مَقَاتِلَهُ أو لم يَنْفُذْهَا إذَا أعانه ( ( ( أصابه ) ) ) على قَتْلِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ لِأَنَّ مَقَاتِلَهُ قد تُنْفَذُ فَيَحْيَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قد بَلَغَ منه ما يَبْلُغُ الذَّبْحُ التَّامُّ بِالْمَذْبُوحِ مِمَّا لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ طُرْفَةَ عَيْنٍ وَمِمَّا تَكُونُ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ كَحُشَاشَةِ رُوحِ الْحَيَاةِ التي يَتَتَامَّ خُرُوجُهُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى هذا فَلَا يَضُرُّهُ ما أَصَابَهُ لِأَنَّهُ قد أَصَابَهُ وهو مَيِّتٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَعْلِيمُ الْفَهْدِ وَكُلِّ دَابَّةٍ عُلِّمَتْ كَتَعْلِيمِ الْكَلْبِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا غير أَنَّ الْكَلْبَ أَنْجَسُهَا وَلَا نَجَاسَةَ في حَيٍّ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَتَعْلِيمُ الطَّائِرِ كُلُّهُ وَاحِدٌ الْبَازِي وَالصَّقْرُ وَالشَّاهِينِ وَالْعُقَابُ وَغَيْرُهَا وهو أَنْ يُجْمَعَ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُسْتَشْلَى فَيَطِيرَ وَيَأْخُذَ فَيَحْبِسَ فإذا فَعَلْت هذا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهِيَ مُعَلَّمَةٌ يُؤْكَلُ ما أَخَذَتْ وَقَتَلَتْ فَإِنْ أَكَلَتْ فَالْقِيَاسُ فيها كَهُوَ في الْكَلْبِ زَعَمَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ ما قَتَلَتْ وَإِنْ أَكَلَتْ وَزَعَمَ أنه إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ لَا يُؤْكَلُ وَزَعَمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلْبَ يَضْرِبُ وَالْبَازِي لَا يَضْرِبُ فإذا زَعَمَ أنها تَفْتَرِقُ في هذا فَكَيْفَ زَعَمَ أَنَّ الْبَازِيَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ حتى يَكُونَ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُسْتَشْلَى فَيَطِيرَ وَأَنَّهُ لو طَارَ من نَفْسِهِ فَقَتَلَ لم يُؤْكَلْ إذَا لم يَكُنْ مُعَلَّمًا أَفَرَأَيْت إذَا اسْتَجَازَ في مُعَلَّمَيْنِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أو جَمَعَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هل كانت الْحُجَّةُ عليه إلَّا كَهِيَ عليه - * بَابُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ عز وجل عِنْدَ إرْسَالِ ما يَصْطَادُ بِهِ - *

(2/227)


- * بَابُ إرْسَالِ الصَّيْدِ فَيَتَوَارَى عَنْك ثُمَّ تَجِدُ الصَّيْدَ مَقْتُولًا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما أَصْمَيْتَ ما قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وما أَنْمَيْت ما غَابَ عَنْك مَقْتَلُهُ فَإِنْ كان قد بَلَغَ وهو يَرَاهُ مِثْلَ ما وَصَفْت من الذَّبْحِ ثُمَّ تَرَدَّى فَتَوَارَى أَكَلَهُ فَأَمَّا إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ فَقَدْ يَعِيشُ بعد ما يَنْفُذُ بَعْضَ الْمَقَاتِلِ وَلَا يَجُوزُ فيه عِنْدِي إلَّا هذا إلَّا أَنْ يَكُونَ جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ فَإِنِّي أَتَوَهَّمُهُ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَقُومُ معه رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ فإن اللَّهَ عز وجل قَطَعَ الْعُذْرَ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَصَابَتْ الرَّمْيَةُ الصَّيْدَ والرامى لَا يَرَاهُ فَذَبَحَتْهُ أو بَلَغَتْ بِهِ ما شَاءَتْ لم يَأْكُلْهُ وَوَجَدَ بِهِ أَثَرًا من غَيْرِهَا أو لم يَجِدْهُ لِأَنَّهُ قد يَقْتُلُهُ ما لَا أَثَرَ له فيه وإذا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ ولم يَبْلُغْ سِلَاحُهُ منه أو مُعَلَّمُهُ منه ما يَبْلُغُ الذَّبْحُ من أَنْ لَا يَبْقَى فيه حَيَاةٌ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فلم يَذْبَحْهُ فَلَا يَأْكُلُهُ وَإِمْكَانُهُ أَنْ يَكُونَ ما يُذَكِّي بِهِ حَاضِرًا ويأتى عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَا يَذْبَحُهُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ ذَكَاتَانِ إحْدَاهُمَا ما قَدَرَ عليه فَذَلِكَ لَا يذكي إلَّا بِالنَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَالْأُخْرَى ما لم يُقْدَرُ عليه فيذكي بِمَا يُقْدَرُ عليه فإذا لم يَبْلُغْ ذَكَاتَهُ وَقَدَرَ عليه فَلَا يجزئ فيه إلَّا الذَّبْحُ أو النَّحْرُ فَإِنْ أَغْفَلَ السِّكِّينَ وَقَدَرَ على الذَّبْحِ فَرَجَعَ له فَمَاتَ لم يَأْكُلْهُ إنَّمَا يَأْكُلُهُ إذَا لم يَقْدِرْ من حِينِ يَصِيدُهُ على ذَكَاتِهِ وَلَوْ أَجَزْنَا له أَكْلَهُ بِالرُّجُوعِ بِلَا تَذْكِيَةٍ أَجَزْنَا له إنْ تَعَذَّرَ عليه ما يُذَكِّيهِ بِهِ يَوْمًا فَمَاتَ قبل أَنْ يَجِدَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ وإذا أَدْرَكْته وَمَعَك ما تُذَكِّيهِ بِهِ فلم يُمْكِنْك مَذْبَحُهُ ولم تُفَرِّطْ فيه حتى مَاتَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَمْكَنَك مَذْبَحُهُ فلم تُفَرِّطْ وَأَدْنَيْت السِّكِّينَ فَمَاتَ قبل أَنْ تَضَعَهَا على حَلْقِهِ فَكُلْهُ وَإِنْ وَضَعْتهَا على حَلْقِهِ ولم تُمِرَّهَا حتى مَاتَ ولم تَتَوَانَ فَكُلْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُك في شَيْءٍ من هذا ذَكَاتُهُ وَإِنْ أَمْرَرْتهَا فَكَلَّتْ وَمَاتَ فَلَا تَأْكُلْهُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ قد مَاتَ خَنْقًا وَالذَّكَاةُ التي إذَا بَلَغَهَا الذَّابِحُ أو الرَّامِي أو الْمُعَلَّمُ أَجْزَأَتْ من الذَّبْحِ أَنْ يَجْتَمِعَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لَا شَيْءَ دُونَ ذلك وَتَمَامُهَا الْوَدَجَيْنِ وَلَوْ قُطِعَ الْوَدَجَانِ ولم يُقْطَعْ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ لم تَكُنْ ذَكَاةً من قِبَلِ أَنَّ الْوَدَجَيْنِ قد يُقْطَعَانِ من الْإِنْسَانِ وَيَحْيَا وَأَمَّا الذَّكَاةُ فِيمَا لَا حَيَاةَ فيه إذَا قُطِعَ فَهُوَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ مِنْهُمَا فإذا أتى عَلَيْهِمَا حتى اُسْتُؤْصِلَا فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إبَانَةِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وإذا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ أو سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وهو يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَا يَرَى صَيْدًا وَنَوَى فَلَا يَأْكُلُ وَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ إلَّا مع عَيْنٍ تَرَاهُ وَهَكَذَا لو رَمَى صَيْدًا مُجْتَمِعًا وَنَوَى أَنَّهُ أَصَابَ أَكَلَ ما أَصَابَ منه وَلَوْ كان لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ إذَا رَمَى إلَّا ما نَوَى بِعَيْنِهِ كان الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ رَجُلًا لو أَرْسَلَ سَهْمًا على مِائَةِ طَيْرٍ أو كَلْبًا على مِائَةِ ظَبْيٍ لم يَقْتُلْهَا كُلَّهَا وإذا نَوَاهَا كُلَّهَا فَأَصَابَ وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ الْمُصَابُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ بِعَيْنِهِ وكان يَلْزَمُ من قال لَا يَأْكُلُ الصَّيْدَ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ من هذه شيئا لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُهَا كُلَّهَا فإذا أَحَاطَ الْعِلْمُ بهذا فَاَلَّذِي نَوَى بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ ما أَصَابَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أو حَجَرٌ أو بُنْدُقَةٌ أو شَيْءٌ غَيْرُ سِلَاحٍ لم يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَيَكُونُ مَأْكُولًا بِالذَّكَاةِ كما تُؤْكَلُ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ إذَا ذُكِّيَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَكْثَرُ ما تَكُونُ كِلَابُ الصَّيْدِ في غَيْرِ أَيْدِيهِمْ إلَّا أنها تَتْبَعُهُمْ وإذا اسْتَشْلَى الرَّجُلُ كَلْبَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ أو أَرْسَلَ عليه بَعْضَ الْمُعَلَّمَاتِ فَتَوَارَى عنه وَوَجَدَهُ قَتِيلًا فَالْخَبَرُ عن بن عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُ ما أُرْسِلَ عليه من دَوَابِّ الْأَرْضِ وقد سُئِلَ بن عَبَّاسٍ فقال له قَائِلٌ إنِّي أرمى فأصمى وأنمى فقال له بن عَبَّاسٍ كُلْ ما أَصْمَيْتَ وَدَعْ ما أَنْمَيْت

(2/228)


على الصَّيْدِ قَرِيبًا كان منه أو بَعِيدًا فَانْزَجَرَ وَاسْتَشْلَى بِاسْتِشْلَائِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أَكَلَ وَإِنْ قَتَلَهُ وكان كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ من يَدِهِ وَإِنْ كان الْكَلْبُ قد تَوَجَّهَ لِلصَّيْدِ قبل اسْتِشْلَاءِ صَاحِبِهِ فَمَضَى في سُنَنِهِ فَأَخَذَهُ فَلَا يَأْكُلْهُ إلَّا بِإِدْرَاكِ ذَكَاتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَزْجُرُهُ فَيَقِفَ أو يَنْعَرِجَ ثُمَّ يَسْتَشْلِيَهُ فَيَتَحَرَّكَ بِاسْتِشْلَائِهِ الْآخَرِ فَيَكُونُ قد تَرَكَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ وَاسْتَشْلَى بِاسْتِشْلَاءٍ مُسْتَأْنَفٍ فَيَأْكُلُ ما أَصَابَ كما يَأْكُلُهُ لو أَرْسَلَهُ فَيَقِفُ على الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كان في سُنَنِهِ فَاسْتَشْلَاهُ فلم يَحْدُثْ عَرْجَةٌ وَلَا وُقُوفًا وَازْدَادَ في سُنَنِهِ اسْتِشْلَاءً فَلَا يَأْكُلُ وَسَوَاءٌ في ذلك استشلاه ( ( ( استشلاء ) ) ) صَاحِبِهِ أو غَيْرِ صَاحِبِهِ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَمَى الرجل ( ( ( لرجل ) ) ) الصَّيْدَ أو طَعَنَهُ أو ضَرَبَهُ أو أَرْسَلَ إلَيْهِ كَلْبَهُ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أو قَطَعَ رَأْسَهُ أو قَطَعَ بَطْنَهُ وَصُلْبَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ من النِّصْفِ أَكَلَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ وَكُلُّ ما كان ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كان ذَكَاةً لِكُلِّ عُضْوٍ فيه وَلَكِنَّهُ لو قَطَعَ منه يَدًا أو رِجْلًا أو إرْبًا أو شيئا يُمْكِنُ لو لم يَزِدْ علي ذلك أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُ سَاعَةً أو مُدَّةً أَكْثَرَ منها بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدُ بِرَمْيَةٍ أَكَلَ ما كان بَاقِيًا فيه من أَعْضَائِهِ ولم يَأْكُلْ الْعُضْوَ الذي بَانَ منه وَفِيهِ الْحَيَاةُ التي يَبْقَى بَعْدَهَا لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ من حَيٍّ وَلَا يُؤْكَلُ ما قُطِعَ من حَيٍّ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ أو لم تُدْرَكْ وَلَوْ كان مَوْتُهُ من الْقَطْعِ الْأَوَّلِ أَكَلَهُمَا مَعًا وقال بَعْضُ الناس إذَا ضَرَبَهُ فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ قَطَعَهُ بِأَقَلَّ من النِّصْفِ فَكَانَ الْأَقَلُّ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أَكَلَ الذي يَلِي الرَّأْسَ ولم يَأْكُلْ الذي يَلِي الْعَجُزَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الضَّرْبَةُ التي مَاتَ منها ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كانت ذَكَاةً لِكُلِّهِ ولم يَصْلُحْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ دُونَ صَاحِبِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما كان يَعِيشُ في الْمَاءِ من حُوتٍ أو غَيْرِهِ فَأَخْذُهُ ذَكَاتُهُ لَا ذَكَاةَ عليه وَلَوْ ذَكَّاهُ لم يَحْرُمْ وَلَوْ كان من شَيْءٍ تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لَأَنْ يَسْتَعْجِلَ مَوْتَهُ ما كَرِهْته وَسَوَاءٌ من أَخَذَهُ من مَجُوسِيٍّ أو وَثَنِيٍّ لَا ذَكَاةَ له لِأَنَّهُ ذكى في نَفْسِهِ فَلَا يبالى من أَخْذِهِ وَسَوَاءٌ ما كان منه يَمُوتُ حين يَخْرُجُ من الْمَاءِ وما كان يَعِيشُ إذَا كان مَنْسُوبًا إلَى الْمَاءِ وَفِيهِ أَكْثَرُ عَيْشِهِ وإذا كان هَكَذَا فَسَوَاءٌ ما لَفَظَ الْبَحْرُ وَطَفَا من مَيْتَتِهِ وما أُخْرِجَ منه وقد خَالَفْنَا بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ مَيِّتًا وما أَخَذَهُ الْإِنْسَانُ مَيِّتًا قبل أَنْ يَطْفُوَ فإذا طَفَا فَلَا خَيْرَ فيه وَلَا أَدْرِي أَيَّ وَجْهٍ لِكَرَاهِيَةِ الطَّافِي وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على أَكْلِ ما لَفَظَ الْبَحْرُ مَيِّتًا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وهو يقول ذلك وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّى جَابِرًا أو غَيْرَهُ كَرِهَ الطَّافِي فاتبعنا فيه الْأَثَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْنَا لو كُنْتَ تَتْبَعُ الْآثَارَ أو السُّنَنَ حين تُفَرِّقُ بين الْمُجْتَمِعِ منها بِالِاتِّبَاعِ حَمِدْنَاك وَلَكِنَّك تَتْرُكُهَا ثَابِتَةً لَا مُخَالِفَ لها عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَتَأْخُذُ ما زَعَمْت بِرِوَايَةٍ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ الطَّافِيَ وقد أَكَلَ أبو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وهو رَجُلٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعَهُ زَعَمْتَ الْقِيَاسَ وَزَعَمْنَا السُّنَّةَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لو لم تَكُنْ سُنَّةٌ فقال الْوَاحِدُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلًا معه الْقِيَاسُ وَعَدَدٌ منهم قَوْلًا يُخَالِفُ كان عَلَيْنَا وَعَلَيْك اتِّبَاعُ الْقَوْلِ الذي يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وقد تَرَكْته في هذا وَمَعَهُ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَذَكَرَ أَيُّوبُ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكًا طَافِيًا - * بَابُ ما مَلَكَهُ الناس من الصَّيْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما كان له أَصْلٌ في الْوَحْشِ وكان في أَيْدِي الناس منه شَيْءٌ قد مَلَكُوهُ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ في يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الظِّبَاءِ وَالْأَرْوَى وما أَشْبَهَهُ وَالْقَمَارِيِّ وَالدَّبَّاسِيِّ وَالْحَجَلِ وما أَشْبَهَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَصَيْدُ الصَّبِيِّ أَسْهَلُ من ذَبِيحَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْكَلَامُ وَالذَّكَاةُ بِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَتِهِ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَأَتَى منه على ما يَكُونُ ذَكَاةً وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَكُلُّ من تَجُوزُ ذَكَاتُهُ من نَصْرَانِيٍّ وَيَهُودِيٍّ

(2/229)


وَكُلُّ ما صَارَ إلَى رَجُلٍ من هذا بِأَنْ صَادَهُ أو صِيدَ له أو صَارَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فلم يَعْرِفْ له صَاحِبًا فَلَا بَأْسَ عليه فيه لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ وَلَا يَحْرُمُ عليه حتى يَعْلَمَ أَنَّ غَيْرَهُ قد مَلَكَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ أو بقى في يَدَيْهِ فَادَّعَاهُ مُدَّعٍ فَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَرُدَّهُ عليه أو قِيمَتَهُ وَالْحُكْمُ أَنْ ليس عليه تَصْدِيقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عليه وَكُلُّ ما كان في أَيْدِي الناس مِمَّا لَا أَصْلَ له في الْوَحْشِ مِثْلُ الْحَمَامِ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ فَهُوَ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَكَذَلِكَ لو أَصَابَهُ في الْجَبَلِ أو غَيْرِهِ قد فَرَّخَ فيه لم يَكُنْ له أَخْذُهُ من قِبَلِ أَنَّ أَفْرَاخَهُ لِمَالِكِ أُمَّهَاتِهِ كما لو أَصَابَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ مُبَاحَةً لم يَكُنْ له أَخْذُهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِمَالِكٍ وَهَذَا عِنْدَنَا كما وَصَفْت فَإِنْ كان بَلَدٌ فيه شَيْءٌ من هذا مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِغَيْرِ مَالِكٍ فَهُوَ كما وَصَفْت من الْحَجَلِ وَالْقَطَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا مَلَكَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ سَاعَةً ثُمَّ انْفَلَتَ منه فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ كان عليه رَدُّهُ إلَيْهِ كان ذلك من سَاعَةِ انْفَلَتَ منه فَأَخَذَهُ أو بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ لَا فَرْقَ بين ذلك وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هذا أو يَكُونُ حين زَايَلَ يد ( ( ( يدا ) ) ) لَا يَمْلِكُهُ فَلَوْ أَخَذَهُ من سَاعَتِهِ لم يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَأَمَّا يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ قَرِيبًا وَلَا يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ بَعِيدًا فَلَيْسَ هذا مِمَّا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ مُقَلَّدًا أو مُقَرَّطًا أو مَوْسُومًا أو بِهِ عَلَامَةٌ لَا يُحْدِثُهَا إلَّا الناس فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ له إلَّا بِمَا تَحِلُّ بِهِ ضَالَّةُ الْغَنَمِ وَذَلِكَ أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ لَا تغنى عن نَفْسِهَا قد تَحِلُّ بِالْأَرْضِ الْمُهْلَكَةِ وَيَغْرَمُهَا من أَخَذَهَا إذَا جاء صَاحِبُهَا وَالْوَحْشُ كُلُّهُ في مَعْنَى الْإِبِلِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حتى يأتى رَبُّهَا فَقُلْنَا كُلُّ ما كان مُمْتَنِعًا بِنَفْسِهِ يَعِيشُ بِغَيْرِ رَاعِيهِ كما يَعِيشُ البعير ( ( ( للبعير ) ) ) فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَالْوَحْشُ كُلُّهُ في هذا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ وَبَقَرَةُ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءُ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ ( قال ) وما يَدُلُّ عليه الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْآثَارُ ثُمَّ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يجزئ الْمُحْرِمَ من الصَّيْدِ شيئا ( ( ( شيء ) ) ) لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُجْزِي ما كان لَحْمُهُ مَأْكُولًا منه وَالْبَازِي وَالصَّوَائِدُ كُلُّهَا لَا تُؤْكَلُ لُحُومُهَا كما لَا تُؤْكَلُ لُحُومُ الْغِرْبَانِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ بَازًا لِإِنْسَانٍ مُعَلَّمًا ضَمِنَ له قِيمَتَهُ في الْحَالِ التي يَقْتُلُهُ بها مُعَلَّمًا كما يَقْتُلُ له الْعَبْدَ الْخَبَّازَ أو الصَّبَّاغَ أو الْكَاتِبَ فَيَضْمَنُ له قِيمَتَهُ في حَالِهِ التي قَتَلَهُ فيها وَيَقْتُلُ له الْبَعِيرَ النَّجِيبَ وَالْبِرْذَوْنَ الْمَاشِيَ فَيَضْمَنُ له قِيمَتَهُ في الْحَالِ التي قَتَلَهُ فيها وَلَا فِدْيَةَ في الْإِحْرَامِ عليه لِأَنَّهُ لو قَتَلَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ لم يَكُنْ عليه فيه فِدْيَةٌ وَلَوْ قَتَلَ له ظَبْيًا كانت عليه شَاةٌ يَتَصَدَّقُ بها على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَقِيمَتُهُ بَالِغَةٌ ما بَلَغَتْ لِصَاحِبِهِ كانت أَقَلَّ من شَاةٍ أو أَكْثَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِ الْكَلْبِ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ ضَارٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَكَذَا قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا وقال فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَقِيمَتُهُ بَيْعُ ذلك مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لَا يَكُونُ إلَّا مَرْدُودًا أَعْلَمُ بِذَلِكَ من سَاعَتِهِ أو بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ كما يَكُونُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وما لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ بِحَالٍ مَرْدُودًا وَلَيْسَ فيه إلَّا هذا أو ما قال الْمَشْرِقِيُّونَ بِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ كما يَجُوزُ ثَمَنُ الشَّاةِ فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ أَصْلَهُ مُحَرَّمٌ يَرُدُّهُ إنْ قَرُبَ وَلَا يَرُدُّهُ إنْ بَعُدَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَلَا يُعْذَرُ بِهِ وَلَوْ جَازَ هذا لِأَحَدٍ بِلَا خَبَرٍ يَلْزَمُ جَازَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِرَجُلَيْنِ بُرْجَانِ فَتَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامِ هذا إلَى بُرْجِ هذا فَلَازِمٌ له أَنْ يَرُدَّهُ كما يَرُدُّ ضَوَالَّ الْإِبِلِ إذَا أَوَتْ إلَى إبِلِهِ فَإِنْ لم يَعْرِفْهَا إلَّا بِادِّعَاءِ صَاحِبِهَا لها كان الْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا ادَّعَى ما لم يَعْرِفُهُ ادَّعَى ما ليس له وَالْحُكْمُ أَنْ لَا يُجْبَرَ على تَصْدِيقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا وَلَا نُحِبُّ له حَبْسَ شَيْءٍ يَشُكُّ فيه وَنَرَى له إعْطَاءَهُ ما عَرَفَ وتأخى ما لم يَعْرِفْ وَاسْتِحْلَالَ صَاحِبِهِ فِيمَا جَهِلَ وَالْجَوَابُ في الْحَمَامِ مِثْلُهُ في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالرَّقِيقِ

(2/230)


عليه أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا بَعُدَ وَلَا يَرُدُّهُ إذَا قَرُبَ فَإِنْ قال اسْتَحْسَنْت في هذا قِيلَ له وَنَحْنُ نَسْتَحْسِنُ ما اسْتَقْبَحْت وَنَسْتَقْبِحُ ما اسْتَحْسَنْت وَلَا يَحْرُمُ بَيْعُ حَيٍّ من دَابَّةٍ وَلَا طَيْرٍ وَلَا نَجَاسَةٍ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمَا نَجِسَانِ حَيَّيْنِ وَمَيِّتَيْنِ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا ثَمَنٌ بِحَالٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لَك على نَصْرَانِيٍّ حَقٌّ من أَيِّ وَجْهٍ ما كان ثُمَّ قضاكه من ثَمَنِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ تَعْلَمُهُ لم يَحِلَّ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ وَسَوَاءٌ في ذلك حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ فِيمَا قضاكه أو وَهَبَ لَك أو أَطْعَمَك كما لو كان لَك على مُسْلِمٍ حَقٌّ فَأَعْطَاك من مَالٍ غَصَبَهُ أو رِبًا أو بَيْعٍ حَرَامٍ لم يَحِلَّ لَك أَخْذُهُ وإذا غَابَ عَنْك مَعْنَاهُ من النَّصْرَانِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَكَانَ ما أَعْطَاك من ذلك أو أَطْعَمَك أو وَهَبَ لَك أو قَضَاك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَسِعَك أَنْ تَأْخُذَهُ على أَنَّهُ حَلَالٌ حتى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْوَرَعُ أَنْ تَتَنَزَّهَ عنه وَلَا يَعْدُو ما أَعْطَاك نَصْرَانِيٌّ من ثَمَنِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ بِحَقٍّ لَك أو تَطَوُّعٍ منه عَلَيْك أَنْ يَكُونَ حَلَالًا لَك لِأَنَّهُ حَلَالٌ له إذَا كان يَسْتَحِلُّهُ من أَصْلِ دِينِهِ أو يَكُونُ حَرَامًا عَلَيْك بِاخْتِلَافِ حُكْمِك وَحُكْمِهِ وَلَا فَرْقَ بين ما أَعْطَاك من ذلك تَطَوُّعًا أو بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا فَحَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَحَرَامُهُ عليهم وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ هو في الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَثَمَنُهُمَا مُحَرَّمَانِ على النَّصْرَانِيِّ كَهُوَ على الْمُسْلِمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لَا تَقُولُ إنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَالٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُهُمْ من اتِّخَاذِهِ وَالتَّبَايُعِ بِهِ قِيلَ قد أَعْلَمَنَا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ { لَا يُؤْمِنُونَ بالله وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } إلَى قَوْلِهِ { وَهُمْ صَاغِرُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَقَلَ عن اللَّهِ عز وجل أَنْ يَزْعُمَ أنها لهم حَلَالٌ وقد أخبرنا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عليها قُلْت نعم وَعَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ لنا أَنْ نُقِرَّهُمْ على الشِّرْكِ به وَاسْتِحْلَالِهِمْ شُرْبَهَا وَتَرْكِهِمْ دِينَ الْحَقِّ بِأَنْ نَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ قُوَّةً لِأَهْلِ دِينِهِ وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عليهم قَائِمَةٌ لَا مَخْرَجَ لهم منها وَلَا عُذْرَ لهم فيها حتى يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُحَرِّمُوا ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَكُلُّ ما صَادَهُ حَلَالٌ في غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ من حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ ليس في الصَّيْدِ كُلِّهِ وَلَا في شَيْءٍ منه حُرْمَةٌ يَمْنَعُ بها نَفْسَهُ إنَّمَا يُمْنَعُ بِحُرْمَةٍ من غَيْرِهِ من بَلَدٍ أو إحْرَامِ مُحْرِمٍ أو بِحُرْمَةٍ لِغَيْرِهِ من أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ مَالِكٌ فَأَمَّا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ - * بَابُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَلَّ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وكان طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ على إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كانت ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهِيَ حَلَالٌ وَإِنْ كان لهم ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عليه غير اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ أو يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لم يَحِلَّ هذا من ذَبَائِحِهِمْ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ صِنْفَانِ وقد أُبِيحَتْ مُطْلَقَةً قِيلَ قد يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فإذا زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ نسى اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لم تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وهو لَا يَدَعُهُ لِلشِّرْكِ كان من يَدَعُهُ على الشِّرْكِ أَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ وقد أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل لُحُومَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قَتَلَ كَلْبَ زَرْعٍ أو كَلْبَ مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ أو كَلْبَ الْحَرَسِ لم يَكُنْ عليه قِيمَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كان عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالنَّهْيِ عن ثَمَنِهِ وهو حَيٌّ لم يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ له ثَمَنٌ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وأنا إذَا أَغْرَمْت قَاتِلَهُ ثَمَنَهُ فَقَدْ جَعَلْت له ثَمَنًا حَيًّا وَذَلِكَ ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ له ثَمَنٌ في إحْدَى حَالَتَيْهِ كان ثَمَنُهُ في الْحَيَاةِ مَبِيعًا حين يَقْتَنِيهِ الْمُشْتَرِي لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ أُجَوِّزُ منه حين يَكُونُ لَا مَنْفَعَةَ فيه

(2/231)


الْبُدْنِ مُطْلَقَةً فقال { فإذا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا منها } وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ من الْبَدَنَةِ التي هِيَ نَذْرٌ وَلَا جَزَاءِ صَيْدِ وَلَا فِدْيَةٍ فَلِمَا احْتَمَلَتْ هذه الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا أنها خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ من وَجَبَ عليه شَيْءٌ في مَالِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا له أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا فلم نَجْعَلْ عليه الْكُلَّ إنَّمَا جَعَلْنَا عليه الْبَعْضَ الذي أَعْطَى فَهَكَذَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ على شَبِيهِ ما قُلْنَا - * ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْفُلْجَةِ مولى عُمَرَ أو بن سَعْدٍ الْفُلْجَةِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ عن عُبَيْدَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لم يَتَمَسَّكُوا من دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا خَيْرَ في ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في تَرْكِ ذَبَائِحِهِمْ فما يَجْمَعُهُمْ من الشِّرْكِ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَإِنْ قال فَقَدْ نَأْخُذُ منهم الْجِزْيَةَ قُلْنَا وَمِنْ الْمَجُوسِ وَلَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ وَمَعْنَى الذَّبَائِحِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْجِزْيَةِ فَإِنْ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ من أَثَرٍ يُفْزَعُ إلَيْهِ فَنَعَمْ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ بن أبي يحيى ثُمَّ لم أَكْتُبْهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَحَدِيثُ ثَوْرٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قِيلَ ثَوْرٌ رَوَى عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ ولم يُدْرِكْ ثَوْرٌ بن عَبَّاسٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على الذي رَوَاهُ عِكْرِمَةُ فَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عن ثَوْرٍ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ بهذا الحديث قال وما أَفْرَى الْأَوْدَاجَ غَيْرُ مُثَرِّدٍ ذُكِّيَ بِهِ غَيْرِ الظُّفُرِ وَالسِّنِّ فإنه لَا تَحِلُّ الذَّكَاةُ بِهِمَا لِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الذَّكَاةِ بِهِمَا - * الْمُسْلِمُ يَصِيدُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ في الْمُسْلِمِ يَصِيدُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ الْمُعَلَّمِ يُؤْكَلُ من قِبَلِ أَنَّ الصَّيْدَ قد جَمَعَ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحِلُّ بِهِمَا الصَّيْدُ وَهُمَا أَنَّ الصَّائِدَ الْمُرْسِلَ هو الذي تَجُوزُ ذَكَاتُهُ وَأَنَّهُ قد ذَكَّى بِمَا تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ وقد اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ يَحِلُّ بِهِمَا الصَّيْدُ وَسَوَاءٌ تَعْلِيمُ الْمَجُوسِيِّ وَتَعْلِيمُ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ ليس في الْكَلْبِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَتَأَدَّبَ بِالْإِمْسَاكِ على من أَرْسَلَهُ فإذا تَأَدَّبَ بِهِ فَالْحُكْمُ حُكْمُ الْمُرْسِلِ لَا حُكْمُ الْكَلْبِ وَكَذَلِكَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ يُرْسِلُهُ الْمَجُوسِيُّ فَيَقْتُلُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أَدَاةٌ من الْأَدَاةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَأَنَّهُمَا ذَهَبَا إلَى أَنَّهُمْ لَا يَضْبِطُونَ مَوْضِعَ الدِّينِ فَيَعْقِلُونَ كَيْفَ الذَّبَائِحُ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ الَّذِينَ أُوتُوهُ لَا من دَانَ بِهِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبِهَذَا نَقُولُ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ بهذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد رَوَى عِكْرِمَةُ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَتَأَوَّلَ { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنه منهم } وهو لو ثَبَتَ عن بن عَبَّاسٍ كان الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَوْلَى وَمَعَهُ الْمَعْقُولُ فَأَمَّا { ومن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنه منهم } فَمَعْنَاهَا على غَيْرِ حُكْمِهِمْ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في صَيْدِهِمْ من أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ أُكِلَ صَيْدُهُ وَمَنْ لم تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ لم يَحِلَّ صَيْدُهُ إلَّا بِأَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ - * ذَبْحُ نَصَارَى الْعَرَبِ - * ==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...