Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم مجلد 13.محمد بن إدريس الشافعي

 

13.

كتاب الأم   مجلد 13.محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204-

=* في السَّمْعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ نَقَصَ سَمْعُهُ كُلُّهُ فَكَانَ يُحَدُّ نَقْصُهُ بِحَدٍّ مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ آخَرَ حَدٍّ يُدْعَى منه فَيُجِيبُ كان له بِقَدْرِ ما نَقَصَ منه وَإِنْ كان لا يُحَدُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَلَا أَحْسَبُهُ يُحَدُّ بِحَالٍ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ بِإِحْدَى أُذُنَيْهِ وَكَانَتْ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ إذَا سُدَّتْ بِشَيْءٍ عُرِفَ ذَهَابُ سَمْعِ الْأُذُنِ الْأُخْرَى أَمْ لَا سُدَّتْ وَإِنْ كان ذلك لَا يُعْرَفُ قُبِلَ قَوْلِ الذي ادَّعَى أَنَّ سَمْعَهُ ذَهَبَ مع يَمِينِهِ وَقُضِيَ له بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ فإذا قُطِعَتَا فَفِيهِمَا الْقَوَدُ وفي السَّمْعِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ - * الرَّجُلُ يَعْمِدُ الرَّجُلَيْنِ بِالضَّرْبَةِ أو الرَّمْيَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَمَدَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مُصْطَفَّيْنِ قَائِمَيْنِ أو قَاعِدَيْنِ أو مُضْطَجِعَيْنِ بِضَرْبَةٍ تَعَمَّدَهُمَا بها بِسَيْفٍ أو بِمَا يَعْمَلُ بِهِ عَمَلَهُ فَقَتَلَهُمَا فَعَلَيْهِ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوَدُ وَلَوْ قال لم أَعْمِدْ إلَّا أَحَدَهُمَا فَسَبَقَ السَّيْفُ إلَى الْآخَرِ لم يُصَدَّقْ لِأَنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا وُقُوعًا وَاحِدًا وَلَوْ عَمَدَ أَنْ يَطْعَنَهُمَا بِرُمْحٍ وَالرُّمْحُ لَا يَصِلُ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ من الْآخَرِ أو ضَرَبَهُمَا بِسَيْفٍ وَأَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فقال عَمَدْتهمَا مَعًا وَقَتَلْتُهُمَا مَعًا كان عليه في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال حين رَمَى أو طَعَنَ أو ضَرَبَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَصِلُ ما صَنَعَ بِأَحَدِهِمَا إلَى الذي معه إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْأَوَّلِ عَمَدْت الْأَوَّلَ الذي طَعَنْته أو رَمَيْته أو ضَرَبَتْهُ ولم أَعْمِدْ الْآخَرَ كان عليه الْقَوَدُ في الْأَوَّلِ وَكَانَتْ على عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ في الْآخَرِ لِأَنَّ صِدْقَهُ بِمَا ادَّعَى يُمْكِنُ عليه وَلَوْ قال عَمَدْت الذي نَفَذَتْ إلَيْهِ الرَّمْيَةُ أو الطَّعْنَةُ آخِرًا ولم أَعْمَدْ الْأَوَّلَ وهو يَشْهَدُ عليه أَنَّهُ رَمَاهُ أو طَعَنَهُ أو ضَرَبَهُ وهو يَرَاهُ كان عليه الْقَوَدُ فِيهِمَا في الْأَوَّلِ بِالْعَمْدِ وَأَنَّهُ ادَّعَى ما لَا يَصَدَّقُ بمثله وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في الْآخَرِ بِقَوْلِهِ عَمَدْته + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عليه الْبَيْضَةُ وَالدِّرْعُ فَقَتَلَهُ بَعْدَ قَطْعِ جُنَّتِهِ أُقِيدَ منه وَإِنْ قال لم أُرِدْ إلَّا الْبَيْضَةَ وَالدِّرْعَ لم يَصْدُقْ إذَا كان عليه سِلَاحٌ فَهُوَ كَبَدَنِهِ - * النَّقْصُ في الْجَانِي الْمُقْتَصِّ منه - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَالْمَقْتُولُ صَحِيحٌ وَالْقَاتِلُ مَرِيضٌ أو أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ أو الرِّجْلَيْنِ أو أعمى أو بِهِ ضَرْبٌ من جُذَامٍ أو بَرَصٍ فقال أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ هذا نَاقِصٌ عن صَاحِبِنَا قِيلَ إذَا كان حَيًّا فَأَرَدْتُمْ الْقِصَاصَ فَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ لَا نُبَالِي بِجَذْمِهَا وَسَلَامَتِهَا كما لو قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وهو سَالِمٌ وَصَاحِبُكُمْ في هذه الْحَالِ أو أَكْثَرَ منها أَقَدْنَاكُمْ لِأَنَّهُ نَفْسٌ بِنَفْسٍ وَلَا يُنْظَرُ فيها إلَى أَطْرَافٍ ذَاهِبَةٍ وَلَا قَائِمَةٍ فَإِنْ قال وُلَاةُ الدَّمِ قد قَطَعَ هذا يَدَيْ صَاحِبِنَا وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ وَلَا يَدَ وَلَا رِجْلَ له فَأَعْطِنَا عِوَضًا من الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذْ لم يَكُونَا قِيلَ إنَّكُمْ إذَا قَتَلْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُمْ على إفَاتَتِهِ كُلِّهِ وَهَذِهِ الْأَطْرَافُ تَبَعٌ لِنَفْسِهِ وَلَا عِوَضَ لَكُمْ مِمَّا فَاتَ من أَطْرَافِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا قَوَدَ في ذَهَابِ السَّمْعِ لِأَنَّهُ لَا يُوَصِّلُ إلَى الْقَوَدِ فيه فإذا ذَهَبَ السَّمْعُ كُلُّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فقال قد صَمَمْت سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالصَّمَمِ فَإِنْ قالوا له مُدَّةٌ إنْ بَلَغَهَا ولم يَسْمَعْ تَمَّ صَمَمُهُ لم أَقْضِ له بِشَيْءٍ حتى يَبْلُغَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنْ قالوا مَالَهُ غَايَةٌ تُغُفِّلَ وَصِيحَ بِهِ فَإِنْ أَجَابَ في بَعْضِ ما تُغُفِّلَ بِهِ جَوَابَ من يَسْمَعُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَأُحْلِفَ الْجَانِي ما ذَهَبَ سَمْعُهُ فَإِنْ لم يُجِبْ عِنْدَ ما غُفِّلَ بِهِ أو عِنْدَ وُقُوعِ جَوَابِ من يَسْمَعُ أُحْلِفَ لقد ذَهَبَ سَمْعُهُ فإذا حَلَفَ فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَإِنْ أَحَطْنَا أَنَّ سَمْعَ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ يَذْهَبُ وَيَبْقَى سَمْعُ الْأُذُنِ الْأُخْرَى فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ نِصْفُ السَّمْعِ

(6/68)


كما لَا نَقْصَ عَلَيْكُمْ لو كان صَاحِبُكُمْ الْمَقْطُوعَ وَالْقَاتِلُ صَحِيحًا قُتِلَ بِهِ وَقَتْلُهُ إتْلَافٌ لِجَمِيعِ أَطْرَافِهِ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَعَدَا أَجْنَبِيٌّ على الْقَاتِلِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ عَمْدًا كان له الْقِصَاصُ أو أَخْذُ الْمَالِ إنْ شَاءَ وإذا أَخَذَ الْمَالَ فَلَا سَبِيلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ على الْمَالِ في حَالِهِ تِلْكَ حتى يُخَيَّرَ بين الْقِصَاصِ من الْقَتْلِ أو الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه خَطَأً لم يَكُنْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ سَبِيلٌ على الْمَالِ وَقِيلَ له إنْ شِئْت فَاقْتُلْ وَإِنْ شِئْت فَاخْتَرْ أَخْذَ الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا من أَيِّ مَالِهِ وَجَدَ دِيَاتٍ أو غَيْرَهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا ثُمَّ عَدَا أَجْنَبِيٌّ على الْقَاتِلِ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً ما كانت خُيِّرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ بين قَتْلِهِ بِحَالِهِ تِلْكَ وَإِنْ كان مَرِيضًا يَمُوتُ أو أَخَذَ الدِّيَةَ فَإِنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ فَلَهُ قَتْلُهُ وَلَا يُمْنَعُ من الْقَتْلِ بِالْمَرَضِ وَلَا الْعِلَّةِ ما كانت لِأَنَّ الْقَتْلَ وَحِيٌّ وَيَمْنَعُ من الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ ( 1 ) غَيْرُ الْقَتْلِ بِالْمَرَضِ إذَا لم يَكُنْ مَعَهَا قَتْلٌ بِالْمَرَضِ حتى يَبْرَأَ منه وإذا قَتَلَهُ مَرِيضًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ على الْجَانِي عليه ما فيه الْقَوَدُ من الْجِرَاحِ إنْ شاؤوا الْقَوَدَ وَإِنْ شاؤوا الْعَقْلَ وَإِنْ اخْتَارَ وَلِيُّ الدَّمِ قَتْلَهُ فلم يَقْتُلْهُ حتى مَاتَ من الْجِرَاحِ التي أَصَابَهُ بها الْأَجْنَبِيُّ فَلِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ في مَالِ الذي قَتَلَهُ وَلِأَوْلِيَاءِ الذي قَتَلَ الْقَتِيلَ الْأَوَّلَ وَقَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ آخِرًا على قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ أو أَخْذِ الدِّيَةِ فَإِنْ اقْتَصُّوا منه فَدِيَةُ الْأَوَّلِ في مَالِ قَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِقَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ مَالٌ فَسَأَلَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ وَرَثَةَ الْمَقْتُولِ الْآخِرِ الذي قَتَلَ صَاحِبَهُمْ أَخْذَ دِيَتِهِ لِيَأْخُذُوهَا لِصَاحِبِهِمْ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّ قَاتِلَهُ مُتَعَدٍّ عليه الْقِصَاصُ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل عليه بِالْقِصَاصِ منه بِأَنْ يُفْلِسَ لِأَهْلِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِدِيَةِ قَتِيلِهِمْ وَهَذَا هَكَذَا في الْجِرَاحِ لو قَطَعَ رَجُلٌ يُمْنَى رَجُلٍ فَقَطَعَ آخَرُ يُمْنَى الْقَاطِعِ وَلَا مَالَ لِلْقَاطِعِ الْمَقْطُوعَةِ يُمْنَاهُ فقال الْمَقْطُوعَةُ يُمْنَاهُ الْأَوَّلُ قد كانت يَمِينُ هذا لي أَقْتَصُّ منها وَلَا مَالَ له آخُذُهُ بِيَمِينِي وَلَهُ إنْ شَاءَ مَالٌ على قَاطِعِهِ فَاقْضُوا له بِهِ على قَاطِعِهِ لِآخُذَهُ منه وَلَا تَقْتَصُّوا له بِهِ فَيَبْطُلَ حَقِّي من الدِّيَةِ وهو لَا قِصَاصَ فيه وَلَا مَالَ له قِيلَ إنَّمَا جُعِلَ له الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ أو الْمَالِ فَإِنْ لم يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا لم نُجْبِرْهُ على ما أَرَدْت من الْمَالِ ( 2 ) وَأَبِيعُهُ يَدَيْهِ بَدَلَ فَمَتَى ما كان له مَالٌ فَخُذْهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَقٌّ أَفْلَسَ لك بِهِ وَلَوْ قال قد عَفَوْت الْقِصَاصَ وَالْمَالَ لم يُجْبَرْ على أَخْذِ الْمَالِ وَلَا الْقِصَاصِ إنَّمَا يَكُونُ له إنْ شَاءَ لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عليه وَإِنْ كان عليه حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ الْأُولَى أَنَّهُ قد وَقَفَ له مَالَ الْقَاطِعِ الْمَقْطُوعِ آخِرًا فإذا أُشْهِدَ بِذَلِكَ فَلِلْمَقْطُوعِ آخِرًا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَتَرَكَ الْمَالَ نُظِرَ فَإِنْ كان له مَالٌ يُؤَدِّي منه دِيَةَ يَدِ الذي قُطِعَ أُخِذَتْ من مَالِهِ دِيَةُ يَدِهِ وَجَازَ عَفْوُهُ وَإِلَّا لم يَجُزْ عَفْوُهُ الْمَالَ وَمَالُهُ مَوْقُوفٌ لِغُرَمَائِهِ - * الْحَالُ التي إذَا قَتَلَ بها الرَّجُلُ أُقِيدَ منه - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من جَنَى على رَجُلٍ يَسُوقُ يَرَى من حَضَرَهُ أَنَّهُ في السِّيَاقِ وَأَنَّهُ يُقْبَضُ مَكَانُهُ فَضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ بعد ما يُرَى أَنَّهُ يَمُوتُ وإذا رَأَى من حَضَرَهُ أَنَّهُ قد مَاتَ فَشَهِدُوا على ذلك ثُمَّ ذَبَحَهُ أو ضَرَبَهُ عُوقِبَ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَإِنْ أتى عليه رَجُلٌ قد جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ كَثُرَتْ أو قَلَّتْ يُرَى أَنَّهُ يُعَاشُ من مِثْلِهَا أو لَا يُرَى ذلك إلَّا أنها لَيْسَتْ مُجْهِزَةً عليه فَذَبَحَهُ مَكَانَهُ أو قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ أو شَدَخَ رَأْسَهُ مَكَانَهُ أو تَحَامَلَ عليه بِسِكِّينٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَهُوَ قَاتِلٌ عليه الْقَوَدُ وَعَقْلُ النَّفْسِ تَامًّا إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَعَلَى من جَرَحَهُ قَبْلَهُ الْقِصَاصُ في الْجِرَاحِ أو الْأَرْشُ وهو بَرِيءٌ من الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ فإن من قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لم يَعِش

(6/69)


وَإِنْ رَأَى أَنَّ فيه بَقِيَّةَ رُوحٍ فَهُوَ كما يَبْقَى من بَقَايَا الرُّوحِ في الذَّبِيحَةِ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ حتى يَتَعَلَّقَ بِجِلْدَةٍ أو قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا أو أَخْرَجَهَا من جَوْفِهِ فَقَطَعَهَا عُوقِبَ في هذه الْأَحْوَالِ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَالْقَاتِلُ الذي نَالَهُ بِالْجِرَاحِ قَبْلَهُ لَا يَمْنَعُهُ ما صَنَعَ هذا بِهِ من الْقَوَدِ إنْ كان قَوَدًا أو الْعَقْلِ وإذا أتى عليه قد قُطِعَ حُلْقُومُهُ دُونَ مَرِيئِهِ أو مَرِيئُهُ دُونَ حُلْقُومِهِ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا قد يَعِيشُ مِثْلُ هذا بِدَوَاءٍ أو غَيْرِ دَوَاءٍ نِصْفَ يَوْمٍ أو ثُلُثَهُ أو أَكْثَرَ فَهَذَا قَاتِلٌ وَبُرِّئَ الْأَوَّلُ الْجَارِحُ من الْقَتْلِ وَإِنْ قالوا ليس يَعِيشُ مِثْلُ هذا إنَّمَا فيه بَقِيَّةُ رُوحٍ إلَّا سَاعَةً أو أَقَلَّ من سَاعَةٍ حتى يَطْغَى فَالْقَاتِلُ الْأَوَّلُ وَهَذَا بَرِيءٌ من الْقَتْلِ وَهَكَذَا إذَا أَجَافَهُ فَخَرَقَ أَمْعَاءَهُ لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ بَعْدَ خَرْقِ المعا ( ( ( المعى ) ) ) ما لم يَقْطَعْ المعا ( ( ( المعى ) ) ) فَيُخْرِجُهُ من جَوْفِهِ قد خُرِقَ معا ( ( ( معى ) ) ) عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه من مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ ثَلَاثًا وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ في تِلْكَ الْحَالِ كان قَاتِلًا وَبُرِّئَ الذي جَرَحَهُ من الْقَتْلِ في الْحُكْمِ وَمَتَى جَعَلْت الْآخَرَ قَاتِلًا فَالْجَارِحُ الْأَوَّلُ بَرِيءٌ من الْقَتْلِ وَعَلَيْهِ الْجِرَاحُ خَطَأً كانت أو عَمْدًا فَالْخَطَأُ على عَاقِلَتِهِ وَالْعَمْدُ في مَالِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا أَنْ يَقْتَصُّوا منه إنْ كانت مِمَّا فيه الْقِصَاصُ وَمَتَى جَعَلْت الْأَوَّلَ الْقَاتِلَ فَلَا شَيْءَ على الْآخَرِ إلَّا الْعُقُوبَةُ وَالنَّفْسُ على الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ في هذا عَمْدُ الْآخَرِ وَخَطَؤُهُ إنْ كان عَمْدًا وَجَعَلْته قَاتِلًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كان خَطَأً وَجَعَلْته قَاتِلًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وإذا جَرَحَ رَجُلَانِ رَجُلًا جِرَاحَةً لم يُعَدَّ بها في الْقَتْلَى كما وَصَفْت من الذَّبْحِ وَقَطْعِ الْحَشْوَةِ وما في مَعْنَاهُ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ فَإِنْ كانت لَيْسَتْ بِإِجْهَازٍ عليه فَمَاتَ منها مَكَانَهُ قبل يَرْفَعَهَا فَهُوَ قَاتِلُهُ دُونَ الْجَارِحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ هذا مُدَّةً قَصِيرَةً أو طَوِيلَةً فَهُوَ شَرِيكٌ في قَتْلِهِ لِلَّذِينَ جَرَحَاهُ أَوَّلًا وَلَا يَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما نَالَهُ بِهِ إجْهَازًا عليه بِذَبْحٍ أو قَطْعِ حَشْوَةٍ أو ما في مَعْنَاهُ أو بِضَرْبَةٍ يَمُوتُ منها مَكَانَهُ وَلَا يَعِيشُ طرفة بَعْدَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَيْ الرَّجُلِ أو رِجْلَيْهِ أو بَلَغَ منه أَكْثَرَ من هذا ثُمَّ قَتَلَهُ أو بَلَغَ منه ما وَصَفْت أو أَكْثَرَ منه فلم يَبْرَأْ من شَيْءٍ من الْجِرَاحِ حتى أتى عليه فَذَبَحَهُ أو ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَرَادَ وُلَاتُهُ الدِّيَةَ فَإِنَّمَا لهم دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ نَفْسًا كانت الْجِرَاحُ كُلُّهَا تَبَعًا لها وَإِنْ أَرَادُوا الْقَوَدَ فَلَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كان عَمْدًا كما وَصَفْت وَفِعْلُ الْجَارِحِ إذَا كان وَاحِدًا في هذا مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ لو كَانَا اثْنَيْنِ وَلَوْ كان اللَّذَانِ جَرَحَاهُ الْجِرَاحَ الْأُولَى اثْنَيْنِ ثُمَّ أتى أَحَدُهُمَا فَقَتَلَهُ كان الْآخَرُ قَاتِلًا عليه الْقَتْلُ أو الْعَقْلُ تَامًّا وكان على الْأَوَّلِ نِصْفُ أَرْشِ الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَا جَرَحَاهُ جميعا وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِجِرَاحٍ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في جِرَاحِهِ التي انْفَرَدَ بها أو أَرْشُهَا تَامًّا لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُتْلَفَةً بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جِرَاحُهُ كَامِلَةً بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَكَذَلِكَ لو كان جَرَحَهُ رَجُلَانِ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثَالِثٌ فَالثَّالِثُ الْقَاتِلُ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ ما في الْجِرَاحِ من عَقْلٍ وَقَوَدٍ فَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً فبرأت ( ( ( فبرئت ) ) ) وَقَتَلَهُ بَعْدَ بُرْئِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جُرْح رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ لم يَبْرَأْ منها ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ بَعْدَهَا فَمَاتَ فقال أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَاتَ مَكَانَهُ من جِرَاحِ الْآخَرِ دُونَ جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى وُلَاةُ الدَّمِ ( 1 ) الْأَوَّلِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم يَأْتُوا بها فَهُوَ شَرِيكٌ في النَّفْسِ لهم قَتْلُهُ بِالشِّرْكِ فيها وَلَيْسَ لهم قَتْلُ اللَّذَيْنِ جَرَحَاهُ قَبْلُ بإبرائهموه أَنْ يَكُونَ مَاتَ إلَّا من جِنَايَةِ الْآخَرِ مَكَانَهُ دُونَ جِنَايَتِهِمْ وَلَهُمْ عليه الْقَوَدُ في الْجِرَاحِ أو أَرْشُهَا إنْ شَاءُوهُ ( 2 ) وإذا صَدَّقَهُمْ الضَّارِبُونَ الْأَوَّلُونَ أَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَةِ الْآخَرِ دُونَ جِنَايَتِهِمْ - * الْجِرَاحُ بَعْدَ الْجِرَاحِ - *

(6/70)


كان عليه في الْقَتْلِ ما على الْقَاتِلِ من جَمِيعِ الْعَقْلِ أو الْقِصَاصِ وفي الْجِرَاحِ ما على الْجَارِحِ من عَقْلٍ أو قِصَاصٍ إذَا بَرَأَتْ الْجِرَاحُ فَهِيَ جِنَايَةٌ غَيْرُ جِنَايَةِ الْقَتْلِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَبَرَأَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَأَرْشُ الْيَدَيْنِ وَإِنْ شاؤوا الْقِصَاصَ في الْيَدَيْنِ ثُمَّ دِيَةُ النَّفْسِ وَإِنْ شاؤوا الْقِصَاصَ في الْيَدَيْنِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَلَوْ كانت الْيَدَانِ لم تَبْرَآ حتى قَتَلَهُ كانت دِيَةً وَاحِدَةً وإن أَرَادُوا الدِّيَةَ أو قِصَاصٌ في النَّفْسِ وَالْيَدَيْنِ يَقْطَعُونَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ وَإِنْ قَتَلُوهُ ولم يَقْطَعُوا يَدَيْهِ فَلَا شَيْءَ لهم في الْيَدَيْنِ إذَا لم تَبْرَأْ الْجِرَاحُ فَالْجِرَاحُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ تَبْطُلُ إذَا قَتَلَ الْوَرَثَةُ الْقَاتِلَ وإذا أَخَذُوا دِيَةَ النَّفْسِ تَامَّةً وَلَا يَكُونُ لهم أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَيَأْخُذُوا دِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا لهم قَطْعُ يَدَيْهِ إذَا كَانُوا يُمِيتُونَهُ مَكَانَهُمْ بِالْقَتْلِ قِصَاصًا وَلَوْ قال الْجَانِي قَطَعْت يَدَيْهِ فلم تَبْرَأْ حتى قَتَلْته وقال أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَلْ بَرَأَتْ يَدَاهُ ثُمَّ قَتَلَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ منه حِينَئِذٍ دِيَتَانِ إنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَلَا تُؤْخَذُ منه الزِّيَادَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ عليه وَلَوْ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِأَنَّ يَدَيْهِ قد بَرَأَتَا لم يُقْبَلْ هذا منه حتى يَصِفُوا الْبُرْءَ فإذا أَثْبَتُوهُ بِمَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ بُرْءٌ قُبِلَ ذلك منهم فَإِنْ قالوا قد سَكَبَتْ مُدَّتُهُمَا أو ما أَشْبَهَ هذا لم يُقْبَلْ وإذا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ على الْبُرْءِ فقال الْجَانِي قد انْتَقَضَتَا بَعْدَ الْبُرْءِ وَأَكْذَبَهُ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمَا انْتَقَضَتَا من جِنَايَتِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ انه شَهِدَ لهم بِالْبُرْءِ فَلَا يُدْفَعُ عنه بِقَوْلِهِ - * الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ فَيَعْدُو عليه أَجْنَبِيٌّ فَيَقْتُلُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْإِسْرَافُ في الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ غير قَاتِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ لو قَضَى عليه بِالْقَتْلِ وَدَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَقَالُوا نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ قد كان لهم تَرْكُهُ من الْقَوَدِ وَأَيُّهُمْ شَاءَ تَرَكَهُ فَلَا يَكُونُ إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ وَالْإِمَامُ في هذا مُخَالِفٌ أَحَدَ وُلَاةِ الْمَيِّتِ يَقْتُلُهُ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ حَقًّا في دَمِهِ وَلَا حَقَّ للامام وَلَا غَيْرِهِ في دَمِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ الرَّجُلَ يَقْضِي عليه الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ في الزنى فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أو أَجْنَبِيٌّ هذا لَا شَيْءَ على قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَقْنُ دَمِ هذا أَبَدًا حتى يَرْجِعَ عن الْإِقْرَارِ بِكَلَامٍ إنْ كان قُضِيَ عليه بِإِقْرَارِهِ أو يَرْجِعَ الشُّهُودُ عن الشَّهَادَةِ إنْ كان قضى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا فَعَدَا عليه غَيْرُ وَارِثِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ قبل ( ( ( قيل ) ) ) يَثْبُتُ عليه بِبَيِّنَةٍ أو يقرأو ( ( ( يقر ) ) ) بعد ( ( ( وبعدما ) ) ) ما أَقَرَّ أو ثَبَتَ عليه بِبَيِّنَةٍ وقبل ( ( ( وقيل ) ) ) يُدْفَعُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ أو يَأْخُذُوا الدِّيَةَ أو يَعْفُوَ أو بَعْدَ ما دُفِعَ إلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ فَكُلُّ ذلك سَوَاءٌ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أَخْذَ الدِّيَةِ أو الْعَفْوَ وَلَوْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ وقال كُنْت أَرَى دَمَهُ مُبَاحًا لم يُدْرَأْ بها عنه الْقَوَدُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ الذي له الْقِصَاصُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ لم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا أَدَبٌ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلَوْ ادَّعَى على وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الذي له الْقِصَاصُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ أُحْلِفَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ما أَمَرَهُ فَإِنْ حَلَفَ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ في مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ لقد أَمَرَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ في مَالِهِ وَلَا مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ كان لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَأَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ ولم يَأْمُرْ بِهِ الْآخَرُ لم يُقْتَلْ بِهِ وكان لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ أَنْ يَأْخُذُوا نِصْفَ دِيَتِهِ من الْأَجْنَبِيِّ الذي قَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَلِلْوَارِثِ أَخْذُهَا من مَالِ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَهَا وَلَا تَرْجِعُ وَرَثَتُهُ على الْآمِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قد كان له أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا بِأَمْرِهِ وَلَوْ كان له وَارِثٌ وَاحِدٌ فقضى له بِالْقِصَاصِ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ على قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ الْقَوَدُ أو الدِّيَةُ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ في مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ دُونَ قَاتِلِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا أَقَرَّ عِنْدَهُ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِلَا قَطْعِ طَرِيقٍ عليه فَعَجَّلَ فَقَتَلَهُ كان على الْإِمَامِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَجْعَلْ للامام قَتْلَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ ذلك لِوَلِيِّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } الْآيَةَ

(6/71)


عليه بِشَهَادَةِ شُهُودٍ وَكَذَلِكَ يُخَالِفُ الْمُرْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ يَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أو الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّ دَمَ هَؤُلَاءِ مُبَاحٌ لِحَقِّ اللَّهِ عز وجل وَلَا حَقَّ لِآدَمِيٍّ فيه يُحَدُّ عليهم كَحَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ في أَخْذِ الدِّيَةِ من قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْعَفْوِ عنه كَسَبِيلِ وُلَاةِ الْقَتِيلِ إلَى الْعَفْوِ عن قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَمْدًا فَعَدَا عليه أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ بِالْمَقْتُولِ إمَّا بِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو صَبِيٌّ لم يَبْلُغْ وَإِمَّا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْمَقْتُولُ كَافِرٌ فَعَلَى الْقَاتِلِ إذَا كان هَكَذَا دِيَةُ الْمَقْتُولِ وَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ أَخْذُ الدِّيَةِ من قَاتِلِ قَاتِلِهِمْ فَإِنْ كان فيها وَفَاءٌ من دِيَةِ صَاحِبِهِمْ فَهِيَ لهم وَإِنْ كان فيها فَضْلٌ عن دِيَةِ صَاحِبِهِمْ رُدَّ على وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كانت تَنْقُصُ أَخَذُوا ما بَقِيَ من مَالِهِ وَإِنْ كانت على الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الذي أُخِذَتْ دِيَتُهُ دُيُونٌ من جِنَايَاتٍ وَغَيْرِهَا فَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ شُرَكَاؤُهُمْ في دِيَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسُوا بِأَحَقَّ بِدِيَتِهِ من أَهْلِ الدُّيُونِ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ دِيَتَهُ غَيْرُ دِيَتِهِ وهو مَالٌ من مَالِهِ لَيْسُوا بِأَحَقَّ بِهِ من غَيْرِهِمْ - * الْجِنَايَةُ على الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قُطِعَتْ الْيَدُ من مَفْصِلِ الْكَفِّ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قُطِعَتْ من السَّاعِدِ أو الْمِرْفَقِ أو ما بين السَّاعِدِ وَالْمِرْفَقِ فَفِيهَا نِصْفٌ لِلدِّيَةِ وَالزِّيَادَةُ على الْكَفِّ حُكُومَةٌ يُزَادُ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ ما يُزَادُ على الْكَفِّ وَلَا يَبْلُغُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ أَتَتْ على الْمَنْكِبِ دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ الْيَدُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَيَدُ الْأَعْسَرِ وَيَدُ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الرِّجْلَانِ إذَا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا من مَفْصِلِ الْكَعْبِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِنْ قُطِعَتْ من السَّاقِ أو الرُّكْبَةِ أو الْفَخِذِ حتى يَسْتَوْعِبَ الْفَخِذَ فَفِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ كما وَصَفْت في الْيَدَيْنِ وَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ على مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَا تَبْلُغُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ جَاءَتْ على الْوَرِكِ دِيَةُ رِجْلٍ تَامَّةٍ وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ بِالْمَنْكِبِ إو إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْوَرِكِ فلم يَكُنْ من وَاحِدٍ من الْقَطْعَيْنِ جَائِفَةٌ فَهُوَ كما وَصَفْت وَإِنْ كانت من وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِفَةٌ فَفِيهَا دِيَةُ الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَالْحُكُومَةُ في الزِّيَادَةِ وَدِيَةُ جَائِفَةٍ وَسَوَاءٌ رِجْلُ الْأَعْرَجِ إذَا كانت الْقَدَمُ سَالِمَةً فَقُطِعَتْ وَيَدُ الْأَعْسَرِ إذَا كانت الْكَفُّ سَالِمَةً وَرِجْلُ الصَّحِيحِ وَيَدُ غَيْرِ الْأَعْسَرِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فيها الدِّيَةُ إذَا كانت أَصَابِعُهَا الْخَمْسُ سَالِمَةً فَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا أَرْبَعًا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَحُكُومَةُ الْكَفِّ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ أُصْبُعٍ وَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا خَمْسًا إحْدَاهَا شَلَّاءُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَحُكُومَةُ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ الشَّلَّاءِ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ في الْكَفِّ ليس لها إلَّا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ وَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا سِتًّا فَفِيهَا دِيَتُهَا وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت فيها أُصْبُعَانِ زَائِدَتَانِ أو أَكْثَرُ يُزَادُ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْأَصَابِعِ الزَّوَائِدِ وَلَا تَخْتَلِفُ رِجْلُ الْأَعْرَجِ وَالصَّحِيحِ إلَّا في أَنْ يجنى على رِجْلَيْهِمَا فَيَزِيدُ عَرَجَ الْعَرْجَاءِ وَتَعْرَجُ الصَّحِيحَةُ فَتَكُونُ الْحُكُومَةُ في الصَّحِيحَةِ أَكْثَرُ فَأَمَّا إذَا قُطِعَتَا أو شُلَّتَا فَلَا تَخْتَلِفَانِ وإذا كانت الْيَدُ الشَّلَّاءُ فَقُطِعْت فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَالشَّلَلُ الْيُبْسُ في الْكَفِّ فَتَيْبَسُ الْأَصَابِعُ أو في الْأَصَابِعِ وَإِنْ لم تَيْبَسْ الْكَفُّ فإذا كانت الْأَصَابِعُ مُنْقَبِضَةً لَا تَنْبَسِطُ بِحَالٍ أو تَنْبَسِطُ إنْ مُدَّتْ فَإِنْ أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْقِبَاضِ بِغَيْرِ أَنْ تُقْبَضَ أو مُنْبَسِطَةً لَا تَنْقَبِضُ بِحَالٍ أو لَا تَنْقَبِضُ إلَّا أَنْ تُقْبَضَ فَإِنْ أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْبِسَاطِ بِغَيْرِ أَنْ تَنْبَسِطَ فَهِيَ شَلَّاءُ وَسَوَاءٌ في الْعَقْلِ كان الشَّلَلُ من اسْتِرْخَاءِ مَفْصِلِ الْكَفِّ أو الْأَصَابِعِ وَإِنْ كان الشَّلَلُ من اسْتِرْخَاءِ الذِّرَاعِ أو الْعَضُدِ أو الْمَنْكِبِ فَفِي شَلَلِ الْكَفِّ الدِّيَةُ وفي اسْتِرْخَاءِ ما فَوْقَهَا حُكُومَةٌ وإذا أُصِيبَتْ الْأَصَابِعُ فَكَانَتْ عَوْجَاءَ أو الْكَفُّ وَكَانَتْ عَوْجَاءَ وَأَصَابِعُهَا تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ جني عليها بعد ما أُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَهَكَذَا إنْ رُضِخَتْ الْأَصَابِعُ فَجُبِرَتْ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ غير أَنَّ أَثَرَ الرَّضْخِ فيها كَالْحَفْرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ وَإِنْ جني عليها بَعْدُ فَأُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ يَدُ الرَّجُلِ التَّامَّةُ الْبَاطِشَةُ الْقَوِيَّةُ وَيَدُ الرَّجُلِ الضَّعِيفَةُ الْقَبِيحَةُ الْمَكْرُوهَةُ الْأَطْرَافِ إذَ

(6/72)


كانت الْأَصَابِعُ سَالِمَةً من الشَّلَلِ وَسَوَاءٌ الْكَفُّ الْمُتَعَجِّرَةُ من خِلْقَتِهَا أو الْمُتَعَجِّرَةِ من مُصِيبَةٍ بها وَالْأَصَابِعُ إذَا سَلِمَتْ من الْيُبْسِ لم يُنْقِصْ أَرْشَهَا الشَّيْنُ وَالْقَوْلُ في الرِّجْلِ كَالْقَوْلِ في الْيَدِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ إذَا قُطِعَتْ رِجْلُ من لَا رِجْلَ له إلَّا وَاحِدَةٌ أو يَدُ من لَا يَدَ له إلَّا وَاحِدَةٌ أو من له يَدَانِ فَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وفي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خُلِقَتْ له في يُمْنَاهُ كَفَّانِ أو يَدَانِ مُنْفَصِلَتَانِ أو خُلِقَتَا في يُسْرَاهُ أو في يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ مَعًا حتى تَكُونَ له أَرْبَعَةُ أَيْدٍ نُظِرَ إلَيْهِمَا فَإِنْ كانت الْعَضُدُ وَالذِّرَاعُ وَاحِدَةً وَالْكَفَّانِ مُفْتَرِقَتَانِ في مَفْصِلٍ فَقَطَعَ التي يَبْطِشُ بها فَفِيهَا الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ إنْ كان قَطَعَهَا عَمْدًا وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُخْرَى التي لَا يَبْطِشُ بها كانت فيها حُكُومَةٌ وَجَعَلَتْهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ مع الْأَصَابِعِ من تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَإِنْ كان يَبْطِشُ بِهِمَا جميعا جُعِلَتْ الْيَدُ التَّامَّةُ التي هِيَ أَكْثَرُهُمَا بَطْشًا إنْ كان مَوْضِعُهَا من مَفْصِلِ الذِّرَاعِ مُسْتَقِيمًا على مَفْصِلٍ أو زَائِلًا عنه وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةَ إنْ كان مَوْضِعُهَا من مَفْصِلِ الذِّرَاعِ مُسْتَقِيمًا عليه أو زَائِلًا عنه وَإِنْ كان بَطْشُهُمَا سَوَاءً وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةً على مَفْصِلِ الذِّرَاعِ جَعَلْت الْمُسْتَقِيمَةَ الْيَدَ التي لها الْقَوَدُ وَتَمَامُ الْأَرْشِ وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةُ وَإِنْ كان مَوْضِعُهُمَا من مَفْصِلِ الذِّرَاعِ وَاحِدًا لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ اسْتِقَامَة على مَفْصِلِ الذِّرَاعِ من الْأُخْرَى وَلَا يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا إلَّا كَبَطْشِهِ بِالْأُخْرَى فَهَاتَانِ كَفَّانِ نَاقِصَتَانِ فَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ على الِانْفِرَادِ فَلَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَيُجْعَلُ فيها حُكُومَةٌ يُجَاوِزُ بها نِصْفَ دِيَةِ كَفٍّ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَةُ كَفٍّ وَيُجَاوِزُ فيها دِيَةَ كَفٍّ على ما وَصَفْت من أَنْ تُزَادَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على نِصْفِ دِيَةِ كَفٍّ وَهَكَذَا إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعٌ من أَصَابِعِهِمَا أو شُلَّتْ الْكَفُّ أو أُصْبُعٌ من أَصَابِعِهَا وَهَكَذَا لو كانت لَهُمَا ذِرَاعَانِ وَعَضُدَانِ وَأَصْلُ مَنْكِبٍ كان الْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِيهِمَا إذَا كانت لَهُمَا كَفَّانِ في ذِرَاعٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِزِيَادَةِ الْحُكُومَةِ في قَطْعِ الذِّرَاعَيْنِ أو الْعَضُدَيْنِ أو الذِّرَاعَيْنِ مع الْكَفَّيْنِ فَيُزَادُ في حُكُومَةِ ذلك بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ في أَلَمِهِ وَشَيْنِهِ وَلَوْ كان له كَفَّانِ في ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا نَاقِصَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا أو إحْدَاهُمَا زَائِدَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا او نَاقِصَتُهَا كانت الْكَفُّ مِنْهُمَا الْعَامِلَةُ دُونَ التي لَا تَعْمَلُ فَإِنْ كَانَتَا تَعْمَلَانِ فَالْكَفُّ مِنْهُمَا أَقْوَاهُمَا عَمَلًا فَإِنْ اسْتَوَتَا في الْعَمَلِ فَالْكَفُّ مِنْهُمَا الْمُسْتَقِيمَةُ الْمَخْرَجِ على الذِّرَاعِ وَإِنْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْكَفُّ مِنْهُمَا التَّامَّةُ دُونَ النَّاقِصَةِ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا زَائِدَةً وَالْأُخْرَى غير زَائِدَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِالْكَفِّ من الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ مَعًا وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ كَفَّانِ في ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى مُنْفَصِلَةٌ منها فَكَانَ يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى التي تَلِي الْعَمَلَ بَطْشًا ضَعِيفًا أو قَوِيًّا وَكَانَتْ سَالِمَةً وَلَا يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا كانت السُّفْلَى هِيَ الْكَفُّ التي فيها الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ تَامًّا وَالْعُلْيَا الزَّائِدَةُ فَإِنْ كان لَا يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى بِحَالٍ فَهِيَ كَالشَّلَّاءِ وَلَا تَكُونُ سَالِمَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا وهو يَتَنَاوَلُ بها وَإِنْ ضَعُفَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ كان يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا مِنْهُمَا كانت الْكَفُّ وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على الْبَطْشِ بها وَهِيَ فِيمَا تَرَى سَالِمَةٌ فَقُطِعَتْ لم يَكُنْ فيها قَوَدٌ وَلَا دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَلَا تَكُونُ أَبَدًا بَاطِشَةً بِالرُّؤْيَةِ دُونَ أَنْ يُشْهَدَ لها على بَطْشٍ أو ما في مَعْنَى الْبَطْشِ من قَبْضٍ وَبَسْطٍ وَتَنَاوُلِ شَيْءٍ - * الرِّجْلَيْنِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ قَدَمَانِ في سَاقٍ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا وَكَانَتْ أَصَابِعُهُمَا مَعًا سَالِمَةً لم تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِاسْمِ الْقَدَمِ من الْأُخْرَى وَأَيَّتُهُمَا قُطِعَتْ على الِانْفِرَادِ فَلَا قَوَدَ فيها وَفِيهَا حُكُومَةٌ يُجَاوِزُ بها نِصْفَ أَرْشِ الْقَدَمِ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَعَلَى قَاطِعِهِمَا الْقَوَدُ وَحُكُومَةٌ وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُولَى كان

(6/73)


فيها حُكُومَةٌ فَإِنْ قَطَعَ قَاطِعُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ وَهِيَ سَالِمَةٌ يَمْشِي عليها حين انْفَرَدَتْ كان عليه الْقِصَاصُ مع حُكُومَةِ الْأُولَى وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَلَا قِصَاصَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى كل وَاحِدٍ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من نِصْفِ أَرْشِ الرِّجْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال الذي قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا هَكَذَا أَقِدْنِي من بَعْضِ أَصَابِعِي لم أَقِدْهُ لِأَنَّ أَصَابِعَهُ لَيْسَتْ كَأَصَابِعِهِ وَلَوْ كانت الْقَدَمَانِ في سَاقٍ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةَ الْخِلْقَةِ على مَخْرَجِ السَّاقِ وفي الْأُخْرَى جَنَفٌ أو عِوَجٌ لِلْمَخْرَجِ عن عَظْمِ السَّاقِ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا فَالْقَدَمُ الْمُسْتَقِيمَةُ على مَخْرَجِ السَّاقِ وَفِيهَا الْقِصَاصُ وَالْأُخْرَى الزَّائِدَةُ لَا قِصَاصَ فيها وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كانت الْمُسْتَقِيمَةُ على مَخْرَجِ السَّاقِ أُقْصَرَ من الْخَارِجَةِ زَائِلَةً عن مَخْرَجِ السَّاقِ وكان يَطَأُ على الزَّائِلَةِ كُلِّهَا وطأ ( ( ( وطئا ) ) ) مُسْتَقِيمًا فَقُطِعَتْ لم أُعَجِّلْ بِالْقَوَدِ فيها حتى أَنْظُرَ فَإِنْ وطىء على الْأُخْرَى الْمُسْتَقِيمَةِ وَطْئًا مُسْتَقِيمًا كانت هِيَ الْقَدَمُ وَكَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الْمَانِعَةُ لها بِطُولِهَا فلما ذَهَبَتْ وطىء على هذه فَفِي الْأُولَى حُكُومَةٌ وَلَا قَوَدَ وفي هذه إنْ قُطِعَتْ بَعْدَ قَوَدٍ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم تُقْطَعْ وَلَكِنْ جني عليها فَأَشَلَّتْ فَصَارَ لَا يَطَأُ عليها جَعَلْتُ فيها دِيَةَ الْقَدَمِ تَامَّةً فَإِنْ قُطِعَتْ فَقَضَيْت فيها بِدِيَةِ الْقَدَمِ فَوَطِئَ على الْأُخْرَى بَعْدَ قَطْعِ التي جَعَلْت فيها الدِّيَةَ نَقَضْت الْحُكْمَ في الْأُولَى وَرَدَدْته بِفَضْلِ ما بين الْحُكُومَةِ وَالدِّيَةِ ( 1 ) فَأَخَذَتْ منهم حُكُومَةٌ وَرَدَدْت عليه ما بَقِيَ وَعَلِمْت حِينَئِذٍ أَنَّ هذه هِيَ الْقَدَمُ وَجَعَلْت في هذه الْقَوَدُ تَامًّا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ فيها إذَا قُطِعَتْ من السَّاقِ وَالْفَخِذِ كَالْقَوْلِ في الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ من الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ لَا يَخْتَلِفُ - * الْأَلْيَتَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَتْ أَلْيَتَا الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ اليتا الصَّبِيِّ فَأَيُّهُمْ قُطِعَتْ أَلْيَتَاهُ عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ أو صَغِيرُهُمَا فَسَوَاءٌ وَالْأَلْيَتَانِ كُلُّ ما أَشْرَفَ على الظَّهْرِ من الماكمتين إلَى ما أَشْرَفَ على اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ ( 2 ) وما قُطِعَ مِنْهُمَا فَبِحِسَابٍ وإذا كان يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ مِنْهُمَا فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ إنْ كان قَطَعَهُمَا عَمْدًا وما قُطِعَ من الْأَلْيَتَيْنِ فَفِيهِ بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وما شُقَّ مِنْهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ وما قُطِعَ من الْأَلْيَتَيْنِ فَبَانَ ثُمَّ نَبَتَ وَاسْتَخْلَفَ أو لم يَنْبُتْ فَسَوَاءٌ وَفِيمَا قُطِعَ فَأُبِينَ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وَلَوْ قُطِعَ فلم يُبَنْ ثُمَّ أُعِيدَ فَالْتَحَمَ كانت فيه حُكُومَةٌ وَهَذَا كَالشِّقِّ فيه يَلْتَئِمُ وَمُخَالِفٌ لِمَا بَانَ ثُمَّ نَبَتَ غَيْرُهُ وما بَانَ ثُمَّ أُعِيدَ بِنَفْسِهِ فَثَبَتَ فَالْتَأَمَ - * الْأُنْثَيَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَتْ أُنْثَيَا الرَّجُلِ أو الصَّبِيِّ أو الْخَصِيّ فَفِيهِمَا الْقَوَدُ إنْ كان الْقَطْعُ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ فَيَكُونُ له فِيهِمَا الدِّيَةُ وإذا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ الْيُسْرَى أو الْيُمْنَى وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ فَسَقَطَتْ الْأُخْرَى عَمْدًا كان عليه الْقِصَاصُ إنْ كان يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ من إحْدَاهُمَا وَتَثْبُتُ الْأُخْرَى وَعَقْلُ التي سَقَطَتْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَأَ رَجُلًا كما تُوجَأُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ كان يُدْرِكُ عِلْمَ ذلك أَنَّهُ إذَا وُجِئَ كان ذلك كَالشَّلَلِ في الْأُنْثَيَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كما تَكُونُ على الْجَانِي دِيَةُ يَدٍ لو ضُرِبَتْ يَدُ رَجُلٍ فَشُلَّتْ وَإِنْ كان لَا يُدْرِكُ عِلْمَهُ في الْمَجْنِيِّ عليه إلَّا بِقَوْلِ الْمَجْنِيِّ عليه فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ إنْ كان أَدْرَكَ عِلْمَ ذلك في غَيْرِهِ قَطُّ وإذا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ وَبَقِيَتْ الْجِلْدَةُ تَمَّ عَقْلُهُمَا وَالْقِصَاصُ فِيهِمَا وَإِنْ قَطَعَهُمَا بِالْجِلْدَةِ لم يَزِدْ عليه شَيْءٌ لِلْجِلْدَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَطَأْ على هذه بِحَالٍ كانت الْأُولَى الْقَدَمُ وكان فيها الْقَوَدُ إنْ أُصِيبَتْ وَدِيَةُ الْقَدَمِ تَامَّةٌ وفي هذه إنْ أُصِيبَتْ بَعْدُ حُكُومَةٌ

(6/74)


وَفِيهِمَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ وإذا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ ثُمَّ قُطِعَتْ الْجِلْدَةُ فَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وفي الْجِلْدَةِ الْحُكُومَةُ وإذا اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فقال الْجَانِي جَنَيْت عليه وهو مَوْجُوءٌ وقال الْمَجْنِيُّ عليه بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ لِأَنَّ هذا مِمَّا يَغِيبُ عن أَبْصَارِ الناس وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُ لهم - * الْجِنَايَةُ على رَكَبِ الْمَرْأَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ فَفِي كل أُصْبُعٍ قُطِعَتْ من رَجُلٍ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْخِنْصَرُ وَالْإِبْهَامُ وَالْوُسْطَى إنَّمَا الْعَقْلُ على الْأَسْمَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ وَأَصَابِعُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْفَانِي وَالشَّابِّ سَوَاءٌ وَالْإِبْهَامُ من أَصَابِعِ الْقَدَمِ مَفْصِلَانِ فإذا قُطِعَ مِنْهُمَا مَفْصِلٌ فَفِيهِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَلِمَا سِوَاهَا من الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فإذا قُطِعَ منها مِفْصَلٌ فَفِيهِ ثَلَاثٌ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَإِنْ خُلِقَ لِأَحَدٍ مَفَاصِلُ أَصَابِعِهِ سَوَاءٌ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مَفْصِلَانِ وَكَانَتْ أَصَابِعُهُ سَالِمَةً يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا وَيَبْطِشُ بها فَفِي كل مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ كان ذلك يُشِلُّهَا فَفِي أُصْبُعِهِ إذَا قُطِعَتْ حُكُومَةٌ وإذا كان لِأُصْبُعِ هذا مَفْصِلَانِ وَكَانَتْ سَالِمَةً فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ قَطَعَ إحْدَى أُنْمُلَتَيْهَا فَلَهُ إنْ شَاءَ الْقِصَاصُ من أُنْمُلَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ فَإِنْ كان في أُصْبُعِ الْقَاطِعِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ أَخَذَ مع الْقِصَاصِ سُدُسَ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَلَوْ خُلِقَ إنْسَانٌ له في أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ كانت في كل أُنْمُلَةٍ رُبُعُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ إنْ كانت أَصَابِعُهُ سَالِمَةً وإذا خُلِقْت له في أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ فَقَطَعَ رَجُلٌ منها أُنْمُلَةً عَمْدًا وَلَهُ في كل أُصْبُعٍ ثَلَاثُ أَنَامِلَ فَلَا قِصَاصَ عليه لِأَنَّ أُنْمُلَتَهُ أَزْيَدُ من أُنْمُلَةِ الْمُقْتَصِّ له وَلَوْ كان الْقَاطِعُ هو الذي له أَرْبَعُ أَنَامِلَ وَالْمَقْطُوعُ له ثَلَاثُ أَنَامِلَ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَأَرْشُ ما بين رُبُعِ أُنْمُلَةٍ وَثُلُثِهَا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ فيها أَرْبَعُ أَنَامِلَ أو فيها أُنْمُلَتَانِ فَكَانَتْ أَطْوَلَ من الْأَصَابِعِ مَعَهَا أو أَقْصَرَ منها وَهِيَ سَالِمَةٌ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُطِعَتْ إسكتا الْمَرْأَةِ وَهُمَا شَفْرَاهَا فَإِنْ قَطَعَهُ رَجُلٌ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ ليس له مِثْلُهُ فَإِنْ قَطَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ إنْ كان يُقْدَرُ على الْقِصَاصِ منه إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَتْهُ فَلَهَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ وفي أَحَدِ شَفْرَيْهَا إذَا أُوعِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وفي الشَّفْرَيْنِ الدِّيَةُ فَإِنْ قُطِعَ الشَّفْرَانِ وَأَعْلَى الرَّكَبِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ قُطِعَ الْأَعْلَى فَكَانَ الشَّفْرَانِ بِحَالِهِمَا فَفِي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ انْقَطَعَ الشَّفْرَانِ ( 1 ) مَعَهُمَا أو مَاتَا حتى يَصِيرَ ذلك فِيهِمَا كَالشَّلَلِ في الْيَدِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الْمَخْفُوضَةُ وَغَيْرُ الْمَخْفُوضَةِ فَإِنْ كانت امْرَأَةٌ مَقْطُوعَةَ الشَّفْرَيْنِ قد الْتَحَمَا فَقَطَعَ إنْسَانٌ ما الْتَحَمَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ في هذا شَفْرُ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالشَّابَّةِ لَا يَخْتَلِفُ وَسَوَاءٌ شَفْرُ الرَّتْقَاءِ التي لَا تُؤْتَى وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ تُؤْتَى وَكَذَلِكَ أَرْكَابهنَّ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ لَا تَخْتَلِفُ - * عَقْلُ الْأَصَابِعِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في كل أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ من الْإِبِلِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ بِإِسْنَادِهِ عن رَجُلٍ عن أبي مُوسَى قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ

(6/75)


وَلَيْسَتْ كَالسِّنِّ تَسْقُطُ فَيَسْتَخْلِفُ أَقْصَرَ من الْأَسْنَانِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ هَكَذَا تُخْلَقُ وَلَا تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ وَالْأَسْنَانُ تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ وإذا بَقِيَتْ في الْكَفِّ أُصْبُعٌ أو أُصْبُعَانِ أو ثَلَاثٌ أو أَرْبَعٌ فَقُطِعَتْ الْكَفُّ وَالْأَصَابِعُ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأَصَابِعِ تَامًّا وَحُكُومَةٌ تَامَّةٌ في الْكَفِّ لَا يَبْلُغُ بها أَرْشَ أُصْبُعٍ وَسَوَاءٌ كانت الْكَفُّ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ لَا يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ إذَا كانت مع أَصَابِعَ وَلَا يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فيها حُكُومَةٌ إلَّا بِأَنْ يُؤْخَذَ أَرْشُ الْيَدِ تَامًّا فَتَدْخُلُ الْكَفُّ مع الْأَصَابِعِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَدٌ تَامَّةٌ وإذا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا أو عَفَا أو اُقْتُصَّ منها ثُمَّ قُطِعَتْ الْكَفُّ فَفِيهَا حُكُومَةٌ على ما وَصَفْت الْحُكُومَاتِ وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ أو غَيْرَهُ وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على الْأَصَابِعِ عَمْدًا فَقَطَعَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ اُقْتُصَّ منه كما صَنَعَ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ ثُمَّ كَفُّهُ وَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه قطع ( ( ( فقطع ) ) ) أَصَابِعَهُ وَأَخَذَ منه أَرْشَ كَفِّهِ ( 1 ) وقال في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ أُنْمُلَتُهَا التي فيها الظُّفُرِ أُنْمُلَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ في كِلْتَيْهِمَا ظُفُرٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ اسْتِقَامَةٍ على خِلْقَةِ الْأَصَابِعِ من الْأُخْرَى وَلَا أَحْسَنَ حَرَكَةٍ من الْأُخْرَى فَقَطَعَ إنْسَانٌ إحْدَاهُمَا لم يَكُنْ عليه قِصَاصٌ وَكَانَتْ عليه حُكُومَةٌ تُجَاوِزُ نِصْفَ أَرْشِ أُنْمُلَةٍ وَإِنْ قَطَعَ هو أو غَيْرُهُ الثَّانِيَةَ كانت فيها حُكُومَةُ كالأولى ( ( ( الأولى ) ) ) وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَهُمَا مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَةُ أُصْبُعٍ وَحُكُومَةٌ في الزِّيَادَةِ فَلَوْ خُلِقَتْ له أَصَابِعُ عَشْرٌ في كَفٍّ كان الْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ فيه لو خُلِقَتْ له كَفَّانِ الْأَصَابِعُ الْمُسْتَقِيمَةُ على الْأَكْثَرِ من خِلْقَةِ الْآدَمِيِّينَ أَصَابِعُهُ إذَا كانت سَالِمَةً كُلُّهَا وَكَذَلِكَ لو خُلِقَتْ له أُصْبُعَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا بَاطِشَةً وَالْأُخْرَى غير بَاطِشَةٍ كانت الْبَاطِشَةُ أَوْلَى بِاسْمِ الْأُصْبُعِ وَلَوْ كان هذا في الرِّجْلَيْنِ كان هذا هَكَذَا إذَا كان يَطَأُ عليها كُلِّهَا فَإِنْ كان يَطَأُ على بَعْضِهَا وَلَا يَطَأُ على بَعْضٍ فإن الْأَصَابِعَ التي فيها عَشْرٌ عَشْرٌ هِيَ التي يَطَأُ عليها وَاَلَّتِي لَا يَطَأُ عليها زَوَائِدُ إذَا قُطِعَ منها شَيْءٌ كانت فيها حُكُومَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ وَلِآخَرَ مِثْلُهَا في مِثْلِ مَوْضِعِهَا فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ عَمْدًا فَقَطَعَ أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ قَطَعْت بها أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ إنْ شَاءَ إذَا كانت في مِثْلِ مَوْضِعِهَا وَإِنْ لم تَكُنْ في مِثْلِ مَوْضِعِهَا لم تُقْطَعْ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الزَّائِدَتَانِ فَكَانَتْ من الْقَاطِعِ أو الْمَقْطُوعِ أَتَمَّ كانت إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إذَا كانت مَفَاصِلُهُمَا وَاحِدَةً فَإِنْ كانت الزَّائِدَةُ من الْقَاطِعِ بِثَلَاثَةِ مَفَاصِلَ وَالزَّائِدَةُ من الْمَقْطُوعِ بِمَفْصِلٍ وَاحِدٍ أو مِثْلِ الثُّؤْلُولِ ( 2 ) وما أَشْبَهَهُ لم يُقْدَ وَكَانَتْ له حُكُومَةٌ وَإِنْ كانت من الْمَقْطُوعِ مِثْلُهَا من الْقَاطِعِ أو من الْقَاطِعِ مِثْلُهَا من الْمَقْطُوعِ فَلِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارُ بين الْقَوَدِ أو حُكُومَةٍ وَبَيْنَ الْأَرْشِ لِنَقْصِ أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ عن أُصْبُعِهِ وَالْحُكُومَةُ أَقَلُّ من حُكُومَتِهَا لو لم يَسْتَقِدْ - * أَرْشُ الْمُوضِحَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُوضِحَةُ في الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ وَمُؤَخَّرُهُ فيها وَأَعْلَى الْوَجْهِ وَأَسْفَلُهُ وَاللِّحَى الْأَسْفَلِ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ وما تَحْتَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ منها وما بَرَزَ من الْوَجْهِ كُلُّهَا سَوَاءٌ ما تَحْتَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ من الْمُوضِحَةِ وما يَخْرُجُ مِمَّا بين الْأُذُنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ في شَيْءٍ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ

(6/76)


الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ إلَّا في مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ يَبْدُوَانِ من الرَّجُلِ فَأَمَّا مُوضِحَةٌ في ذِرَاعٍ أو عُنُقٍ أو عَضُدٍ أو ضِلْعٍ أو صَدْرٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ فيها إلَّا حُكُومَةٌ وَالْمُوضِحَةُ على الِاسْمِ فما أُوضِحَ من صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ عن الْعَظْمِ فَفِيهِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ لَا يُزَادُ في كَبِيرٍ منها وَلَوْ أَخَذَتْ قُطْرَيْ الرَّأْسِ وَلَا يَنْقُصُ منها وَلَوْ لم يَكُنْ إلَّا قَدْرٌ مُحِيطٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ على كُلٍّ اسْمُ مُوضِحَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ ما في الرَّأْسِ من الشِّجَاجِ فَهُوَ على الْأَسْمَاءِ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشَيْءٍ فَشَجَّهُ شَجَّةً موتصلة فَأُوضِحَ بَعْضُهَا ولم يُوضَحْ بَعْضٌ كان فيها أَرْشُ مُوضِحَةٍ فَقَطْ وَكَذَلِكَ لو لم تَزِدْ على أَنْ خُرِقَ الْجِلْدُ من موضع ( ( ( موضح ) ) ) وَبُضِعَ من آخَرَ وَأُوضِحَ من آخَرَ فَفِيهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ هذه الشَّجَّةَ موتصلة (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا من الْجِلْدِ شَيْءٌ لم يَنْخَرِقْ ثُمَّ تَأَكَّلَ فَانْخَرَقَ كانت مُوضِحَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الشَّجَّةَ اتَّصَلَتْ من الْجِنَايَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فقال الْمَجْنِيُّ عليه أنت شَقَقْت الْمَوْضِعَ الذي لم يَكُنْ انْشَقَّ من رَأْسِي فَلِي مُوضِحَتَانِ وقال الْجَانِي بَلْ تَأَكَّلَ من جِنَايَتِي فَانْشَقَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ قد وَجَبَتْ له مُوضِحَتَانِ فَلَا يُبْطِلُهُمَا إلَّا إقْرَارُهُ أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ عليه وَلَا يُقَصُّ بِمُوضِحَةٍ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أو بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْعَظْمَ قد بَرَزَ حتى قَرَعَهُ الْمِرْوَدُ وَإِنْ لم يَرَ الْعَظْمَ لِأَنَّ الدَّمَ قد يَحُولُ دُونَهُ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُرَى أو شَاهِدٌ يَشْهَدُ على هذا وَيَمِينُ الْمُدَّعِي إذَا كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كانت عَمْدًا لم يُقْبَلْ فيها شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَلَا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إلَّا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وإذا اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه في الْمُوضِحَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أنها لم تُوضَحْ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَجْنِيِّ عليه الْبَيِّنَةُ - * الْهَاشِمَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد حَفِظْت عن عَدَدٍ لَقِيتُهُمْ وَذُكِرَ لي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا في الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ ( قال ) وَالْهَاشِمَةُ التي تُوضِحُ ثُمَّ تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَلَا يَلْزَمُ الْجَانِي هَاشِمَةً إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِمَا وَصَفْت من الْبَيِّنَةِ على أَنَّ الْعَظْمَ انْهَشَمَ فإذا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَزِمَتْهُ هَاشِمَةٌ وَلَوْ كانت الشَّجَّةُ كَبِيرَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوْضِعًا ( 1 ) أو مَوَاضِعَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ من الْعَظْمِ لم يَنْهَشِمْ كانت هَاشِمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كان بَيْنَهُمَا شَيْءٌ من الرَّأْسِ لم تَشْقُقْهُ وَالضَّرْبَةُ وَاحِدَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوَاضِعَ كان في كل مَوْضِعٍ منها انْفَصَلَ حتى لَا يَصِلَ بِهِ غَيْرُهُ مَجْرُوحًا بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ هَاشِمَةٌ وَهَذَا هَكَذَا في الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ - * الْمُنَقِّلَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّ في الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ من الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيَتْ لَا أَعْلَمُ فيها بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا وَالْمُنَقِّلَةُ التي تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حتى يَتَشَظَّى فَتُسْتَخْرَجُ عِظَامُهُ من الرَّأْسِ لِيَلْتَئِمَ وَإِنَّمَا قِيلَ لها الْمُنَقِّلَةُ لِأَنَّ عِظَامَهَا تُنَقَّلُ وقد يُقَالُ لها الْمَنْقُولَةُ وإذا نُقِلَ من عِظَامِهَا شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ من الْإِبِلِ وَذَلِكَ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ الْهَاشِمَةَ حتى يُنْقَلَ بَعْضُ عِظَامِهَا كما وَصَفْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَقِيَ من الْجِلْدِ شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ لم يَنْخَرِقْ وَإِنْ وَرِمَ فَاخْضَرَّ وَأُوضِحَ من مَوْضِعَيْنِ وَالْجِلْدُ الذي لم يَنْخَرِقْ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا كان مُوضِحَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لو كانت مَوَاضِحُ بَيْنَهُمَا فُصُولٌ لم تَنْخَرِقْ

(6/77)


- * الْمَأْمُومَةُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ من الشِّجَاجِ بِشَيْءٍ وَأَكْثَرُ قَوْلِ من لَقِيت أَنَّهُ ليس فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَأَنَّ في جَمِيعِ ما دُونَهَا حُكُومَةٌ قال وَبِهَذَا نَقُولُ - * الشِّجَاجُ في الْوَجْهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُوضِحَةُ في الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ لَا يُزَادُ إنْ شَانَتْ الْوَجْهَ وَهَكَذَا كُلُّ ما فيه الْعَقْلُ مُسَمًّى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ في الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ وفي اللِّحَى الْأَسْفَلِ وَجَمِيعِ الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ هِيَ في اللَّحْيَيْنِ وَحَيْثُ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ سَوَاءٌ وَلَوْ كانت في ( 1 ) الاحسة فَخَرَقَتْ إلَى الْفَمِ أو كانت في اللِّحَى فَخَرَقَتْ حتى تُنْفِذَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فيه ثُلُثَ النَّفْسِ لِأَنَّهَا قد خَرَقَتْ خَرْقَ الْآمَّةِ وَأَنَّهَا كانت في مَوْضِعٍ كَالرَّأْسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ليس فيها ذلك وَفِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا في الْهَاشِمَةِ لِأَنَّهَا لم تَخْرِقْ إلَى الدِّمَاغِ وَلَا جَوْفٍ فَتَكُونُ في مَعْنَى الْمَأْمُومَةِ أو الْجَائِفَةِ وإذا شَانَتْ الشِّجَاجُ التي فيها أَرْشٌ مَعْلُومٌ بِالْوَجْهِ لم يَزِدْ في شَيْنِ الْوَجْهِ شَيْءٌ وإذا كانت الشِّجَاجُ التي دُونَ الْمُوضِحَةِ كانت فيها حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بها بِحَالٍ قَدْرَ مُوضِحَةٍ وَإِنْ كان الشَّيْنُ أَكْثَرَ من قَدْرِ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا وَقَّتَ في الْمُوضِحَةِ خَمْسًا من الْإِبِلِ لم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْخَمْسُ فِيمَا هو أَقَلَّ منها وَكُلُّ جُرْحٍ عَدَا الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّمَا فيه حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةُ فَقَطْ - * الْجَائِفَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وفي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ وفي الْجَائِفَةِ الثُّلُثُ وَسَوَاءٌ كانت في الْبَطْنِ أو في الصَّدْرِ أو في الظَّهْرِ إذَا وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ أو الْجِنَايَةُ ما كانت إلَى الْجَوْفِ من أَيِّ نَاحِيَةٍ كانت من جَنْبٍ أو ظَهْرٍ أو بَطْنٍ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَلَوْ طُعِنَ في وَرِكِهِ فَجَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَلَوْ طُعِنَ في ثُغْرَةُ نَحْرِهِ فَجَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَلَوْ طُعِنَ في فَخِذِهِ فَمَضَتْ الطَّعْنَةُ حتى جَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ بِزِيَادَةِ الطَّعْنَةِ في الْفَخِذِ لِأَنَّ هذه جِنَايَةٌ جَمَعَتْ بين شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كما لو شَجَّهُ مُوضِحَةً في رَأْسِهِ فَمَضَتْ في رَقَبَتِهِ كانت فيها مُوضِحَةٌ وَحُكُومَةٌ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ في مَوْضِعِ الْجُرْحَيْنِ وَلَوْ طَعَنَ رَجُلٌ رَجُلًا في حَلْقِهِ أو في مَرِيئِهِ فَخَرَقَهُ كانت فيها جَائِفَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ وَكَذَلِكَ لو طَعَنَهُ في الشَّرَجِ فَخَرَقَهُ لِأَنَّ ذلك يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّ في الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ في الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَالْآمَّةُ التي تَخْرِقُ عَظْمَ الرَّأْسِ حتى تَصِلَ إلَى الدِّمَاغِ وَسَوَاءٌ قَلِيلٌ ما خَرَقَتْ منه أو كثيره كما وَصَفْت في الْمُوضِحَةِ وَلَا نُثْبِتُ مَأْمُومَةً إلَّا بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عليها كما وَصَفْت بِأَنَّهَا قد خَرَقَتْ الْعَظْمَ فإذا أَثْبَتُوا أنها قد خَرَقَتْ الْعَظْمَ حتى لم يَبْقَ دُونَ الدِّمَاغِ حَائِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَلْدَةَ دِمَاغٍ فَهِيَ آمَّةٌ وَإِنْ لم يُثْبِتُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الدِّمَاغَ - * ما دُونَ الْمُوضِحَةِ من الشِّجَاجِ - *

(6/78)


- * ما لَا يَكُونُ جَائِفَةً - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أو عُودًا في حَلْقِهِ أو مَوْضِعًا منه فَلَا يَكُونُ فيه ما في الْجَائِفَةِ وإذا لم يَزَلْ مَرِيضًا ضَمِنًا مِمَّا صَنَعَ بِهِ فَهُوَ قَاتِلٌ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ وإذا طَعَنَهُ جَائِفَةً فَأَنْفَذَهَا حتى خَرَجَتْ من الشِّقِّ الْآخَرِ أو رَدَّ الرُّمْحَ فيها فَجَافَهُ إلَى جَنْبِهَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ لم يَخْرِقْهُ فَهِيَ جَائِفَتَانِ وَهَكَذَا لو طَعَنَهُ بِرُمْحٍ فيه سِنَّانِ مُفْتَرِقٍ فَخَرَقَهُ خَرْقَيْنِ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ ولم يَخْرِقْ ما بين الْجَائِفَتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أُصِيبَ بَطْنُ رَجُلٍ فَخِيطَ فلم يَلْتَئِمْ حتى طَعَنَهُ رَجُلٌ فَفَتَقَ الْخِيَاطَةَ وَجَافَهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ الْتَأَمَ فَطَعَنَهُ في الْمَوْضِعِ الذي طُعِنَ فيه فَالْتَأَمَ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ وَهَذَا هَكَذَا في كل الْجِرَاحِ فَلَوْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً فلم تَلْتَئِمْ حتى شَجَّهُ رَجُلٌ عليها مُوضِحَةً كانت عليه حُكُومَةٌ وَلَوْ بَرَأَتْ وَالْتَأَمَتْ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ تَامٌّ وَالْقَوَدُ إنْ كانت الشَّجَّةُ عَمْدًا وَالِالْتِئَامُ يَلْتَصِقُ اللَّحْمُ وَيَعْلُوهُ الْجِلْدُ وَإِنْ ذَهَبَ شَعْرُ الْجِلْدِ أو كان الْجِلْدُ في الْبَطْنِ أو الرَّأْسِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ عَمَّا كان عليه قبل الْجِنَايَةِ وَعَمَّا عليه سَائِرُ الْجَسَدِ إذَا كان جِلْدًا مُلْتَئِمًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ فقال أَهْلُ الْعِلْمِ قد نَكَأَ ما في بَطْنِهِ من معا ( ( ( معى ) ) ) أو غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ ما نَالَهُ بِهِ فَصَارَ جَائِفَةً من حَدِيدٍ أو شَيْءٍ مُحَدَّدٍ يُشْبِهُ الْحَدِيدَ فَأَنْفَذَهُ مَكَانَهُ أو قَرْحٍ وَأَلَمٍ حتى يَصِيرَ جَائِفَةً فَعَلَيْهِ في هذا كُلِّهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَلَوْ كان لم يَزِدْهُ على أُكْرَةٍ ( 2 ) أو ما أَشْبَهَهَا إذَا أَثَّرَتْ ثُمَّ أَلَمٍ من مَوْضِعِ الْأَثَرِ حتى تَصِيرَ جَائِفَةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً عَدَتْ على امْرَأَةٍ عَذْرَاءَ فَافْتَضَّتْهَا فَإِنْ كانت أَمَةً فَعَلَيْهَا ما نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَإِنْ كانت حُرَّةً فَعَلَيْهَا حُكُومَةٌ بهذا الْمَعْنَى فَيُقَالُ أَرَأَيْت لو كانت أَمَةً تَسْوَى خَمْسِينَ من الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ في الْقِيمَةِ فَإِنْ قِيلَ الْعُشْرُ كانت عليها خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ قِيلَ أَكْثَرُ أو أَقَلُّ كان ذلك عليها وَكَذَلِكَ لو افْتَضَّهَا رَجُلٌ بِأُصْبُعِهِ أو بِشَيْءٍ غَيْرِ فَرْجِهِ فَإِنْ افْتَضَّهَا بِفَرْجِهِ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَحُكُومَةٌ على ما وَصَفْت لَا تَدْخُلُ في مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لو أَصَابَهَا ثَيِّبًا كان عليه مَهْرُ مِثْلِهَا عِوَضًا من الْجِمَاعِ الذي لم تَكُنْ هِيَ بِهِ زَانِيَةً وَلَا تُبْطِلُ الْمَعْصِيَةُ عنه الْجِنَايَةَ إذَا كانت مع الْجِمَاعِ وَلَوْ افْتَضَّهَا فَأَفْضَاهَا أو أَفْضَاهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ كانت عليه دِيَتُهَا لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ افْتَضَّتْهَا امْرَأَةٌ أو رَجُلٌ بعود ( ( ( يعود ) ) ) بِلَا جِمَاعٍ كانت عَلَيْهِمَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ هذا من مَعْنَى الْجَائِفَةِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْ في فَرْجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أو دُبُرِهَا عُودًا أو عَصَرَتْ بَطْنَهَا فَخَرَجَ منها خَلَاءٌ أو من فَرْجِهَا دَمٌ لم يَكُنْ شَيْءٌ من هذا في مَعَانِي الْجَائِفَةِ وَتُعَزَّرُ وَلَا شَيْءَ عليها وَكَذَلِكَ لو صَنَعَ هذا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ أو رَجُلٍ وَهَكَذَا لو أَدْخَلَ في حَلْقِهِ أو حَلْقِ امْرَأَةٍ شيئا حتى يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ عُزِّرَ ولم يَكُنْ في هذا ما في الْجَائِفَةِ وَلَوْ كانت بِرَجُلٍ جَائِفَةٌ فَأَدْخَلَ رَجُلٌ فيها أُصْبُعَهُ أو عَصَا أو جَرِيدًا حتى وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَإِنْ لم يَكُنْ زَادَ في الْجَائِفَةِ شيئا لم يَكُنْ عليه أَرْشٌ وَإِنْ كان زَادَ فيها ضَمِنَ ما زَادَ وَإِنْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ جَائِفَتَهُ التي لم تَكُنْ من جِنَايَتِهِ ثُمَّ شَقَّ في بَطْنِهِ شَقًّا إلَى الْجَوْفِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ وَإِنْ شَقَّ ما لَا يَبْلُغُ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَكَأَ في الْجَوْفِ شيئا فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ خَرَقَ بِالسِّكِّينِ الْأَمْعَاءَ ضَمِنَ النَّفْسَ كُلَّهَا إنْ مَاتَ وَلَا أَحْسِبُهُ يَعِيشُ إذَا خَرَقَ أَمْعَاءَهُ ( 1 ) وَإِنْ كان لَا يَعِيشُ بِخَرْقِ الْأَمْعَاءِ كَالذَّبْحِ وَإِنْ لم يَخْرِقْهُ وَنَكَأَ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلْت الْمَوْتَ من الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَجِنَايَتِهِ الثَّانِيَةِ

(6/79)


- * كَسْرُ الْعِظَامِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ فَشُلَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَلَوْ لم تَشْلُلْ وَبَرَأَتْ مُعْوَجَّةً أو نَاقِصَةً أو مَعِيبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَهَذَا هَكَذَا في الْكَفِّ إنْ بَرَأَتْ مُعْوَجَّةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ شُلَّ شَيْءٌ من الْأَصَابِعِ فَفِيمَا شَلَّ من الْأَصَابِعِ عَقْلُهُ تَامًّا وفي الْكَفِّ إنْ عِيبَتْ بِعِوَجٍ أو غَيْرِهِ حُكُومَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان هذا في الذِّرَاعِ فَبَرَأَتْ مُتَعَوِّجَةً فقال الْجَانِي خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَسْرِهَا لِتُجْبَرَ مُسْتَقِيمَةً لم يُكْرَهْ على ذلك الْمَكْسُورَةُ ذِرَاعُهُ وَجُعِلَتْ على الْجَانِي أو عَاقِلَتِهِ حُكُومَةٌ في جِنَايَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كَسَرَهَا بعد ما بَرِئَتْ مُتَعَوِّجَةً فَبَرَأَتْ مُسْتَقِيمَةً كانت له الْحُكُومَةُ بِحَالِهَا الْأُولَى مُتَعَوِّجَةً لِأَنَّ ذَهَابَ الْعِوَجِ من شَيْءٍ أَحْدَثَهُ بَعْدُ وَهَذَا هَكَذَا في كَسْرِ الْعِظَامِ كُلِّهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كَسَرَ يَدًا فَعُصِبَتْ غير أَنَّ الْيَدَ تَبْطِشُ نَاقِصَةَ الْبَطْشِ أو تَامَّتَهُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَنَقْصِ الْبَطْشِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ من الْأَصَابِعِ شَيْءٌ أو يُشَلَّ فَيَكُونُ فيه عَقْلُهُ تَامًّا وَكَذَلِكَ الْعِوَجُ وَكُلُّ عَيْبٍ كان مع هذا وَإِنْ كَسَرَ سَاقَهُ أو فَخِذَهُ فَبَرَأَتْ عَوْجَاءَ أو نَاقِصَةً يَبِينُ الْعِوَجُ فيها فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما نَقَصَ الْعِوَجُ وَكَذَلِكَ إنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أو شُلَّتْ أَصَابِعُ الْقَدَمِ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَفِيهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وإذا سَلِمَتْ الْأَصَابِعُ وَعِيبَتْ الْقَدَمُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْعَيْبِ وَنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ منه وَإِنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أو ما فَوْقَهَا إلَى الْفَخِذِ أو الْوَرِكِ وَبَرَأَتْ يَطَأُ عليها وطءا ( ( ( وطئا ) ) ) ضَعِيفًا فَفِيهَا حُكُومَةٌ فَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْأَلَمِ وَالنَّقْصِ وَالْعَيْبِ وَهَكَذَا إنْ قَصُرَتْ وَأَصَابِعُ الرَّجُلِ سَالِمَةً حتى لَا يَطَأَ بها الْأَرْضَ إلَّا مُعْتَمِدًا على شِقٍّ مُعَلِّقًا الرِّجْلَ الْأُخْرَى فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما نَالَهُ وَلَوْ أَصَابَهَا من هذا شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ معه على أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ وَيَبْسُطَهَا فَكَانَتْ مُنْقَبِضَةً لَا تَنْبَسِطُ أو مُنْبَسِطَةً لَا تَنْقَبِضُ وَلَا يَقْدِرُ على الْوَطْءِ عليها مُعْتَمِدًا على عَصًا وَلَا على شَيْءٍ بِحَالٍ تم ( ( ( ثم ) ) ) عَقَلَهَا وكان فيها خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ كان هذا من وَرِكٍ أو سَاقٍ أو قَدَمٍ أو فَخِذٍ إذَا لم يَقْدِرْ على الْوَطْءِ بِحَالٍ تَمَّ عَقَلَهَا وَلَوْ جني عليها بَعْدَ تَمَامِ عَقْلِهَا جَانٍ فَقَطَعَهَا كانت عليه حُكُومَةٌ ولم تَكُنْ عليه دِيَةُ رِجْلٍ تَامَّةٌ وَلَا قَوَدَ إنْ كانت جِنَايَتُهُ عليها عَمْدًا وَلَوْ جَنَى جَانٍ على رَجُلٍ أَعْرَجَ وَرِجْلُهُ سَالِمَةُ الْأَصَابِعِ يَطَأُ عليها فَقَطَعَهَا من الْمَفْصِلِ كان عليه الْقَوَدُ إنْ كانت جِنَايَتُهُ عَمْدًا فَإِنْ كانت خَطَأً فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ إنْ شَاءَ في الْعَمْدِ في مَالِ الْجَانِي وَنِصْفُهَا خَطَأٌ في أَمْوَالِ عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهَكَذَا الْأَعْسَرُ يُجْنَى على يَدِهِ سَالِمَةَ الْأَصَابِعِ وَالْبَطْشِ وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ فَضَرَبَ بين وَرِكَيْهِ أو ظَهْرِهِ أو رِجْلَيْهِ فَمَنَعَهُ الْمَشْيَ وَرِجْلَاهُ تَنْقَبِضَانِ وَتَنْبَسِطَانِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَمَتَى أَعْطَيْته الدِّيَةَ في شَيْءٍ من هذه الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ التي بها أَعْطَيْته الدِّيَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِهِ رَدَدْت بها ما أَخَذْت مِمَّنْ أَخَذْت منه الدِّيَةَ عليه وَلَوْ لم يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ وَلَكِنَّهُ مَنَعَهُ الْمَشْيَ إلَّا مُعْتَمِدًا أَعْرَجَ أو يَجُرُّ رِجْلَيْهِ فَعَلَى الْجَانِي حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ فإذا قُطِعَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال في التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وفي الضِّلْعِ جَمَلٌ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ما حُكِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فِيمَا وَصَفْت حُكُومَةً لَا تَوْقِيتَ عَقْلٍ فَفِي كل عَظْمٍ كُسِرَ من إنْسَانٍ غَيْرُ السِّنِّ حُكُومَةٌ وَلَيْسَ في شَيْءٍ منها أَرْشٌ مَعْلُومٌ وما يُؤْخَذُ في الْحُكُومَاتِ كُلِّهَا بِسَبَبِ الدِّيَاتِ في الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ من الْإِبِلِ لِأَنَّهَا من سَبَبِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وإذا جُبِرَ الْعَظْمُ مُسْتَقِيمًا لَا عَيْبَ فيه فَفِيهِ حُكُومَةٌ وإذا جُبِرَ مَعِيبًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضَرَرِهِ وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا جُبِرَ صَحِيحًا لَا عثم ( ( ( عتم ) ) ) فيه - * الْعِوَجُ وَالْعَرَجُ في كَسْرِ الْعِظَامِ - *

(6/80)


رِجْلُ هذا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ لِسَلَامَةِ الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ كان فيها مُعْتَمِدًا أو كان ضَعِيفًا كما تَكُونُ الدِّيَةُ تَامَّةٌ في الْعَيْنِ يُبْصِرُ بها وَإِنْ كان فيها ضَعْفٌ - * كَسْرُ الصُّلْبِ وَالْعُنُقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ذَهَبَ كَلَامُهُ كانت عليه الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَحُكُومَةٌ فِيمَا صَارَ إلَى عُنُقِهِ من الْجِنَايَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ صَارَ لَا يَسِيغُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا كان هذا لَا يَعِيشُ فِيمَا أَرَى فَيُتَرَبَّصُ بِهِ فَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ الدلة ( ( ( الدية ) ) ) وَإِنْ عَاشَ وَأَسَاغَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ - * كَسْرُ الصُّلْبِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ صُلْبَ الرَّجُلِ فَمَنَعَهُ أَنْ يَمْشِيَ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فَإِنْ مَشَى مُعْتَمِدًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ لم تَنْقُصْ مِشْيَتُهُ وَبَرَأَ مُسْتَقِيمًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ بَرَأَ مُعْوَجًّا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَيُزَادُ عليه في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الْعِوَجِ وَإِنْ ادَّعَى أَنْ قد أَذْهَبَ الْكَسْرُ جماعة فَإِنْ كانت لِذَلِكَ عَلَامَةٌ تُعْرَفُ بِوَصْفِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ تَامَّةٌ لَا حُكُومَةَ مَعَهَا لِأَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ إنَّمَا كان في الْعَيْبِ بِالصُّلْبِ وَالْجِمَاعُ ليس بِشَيْءٍ قَائِمٍ كَالْكَلَامِ بِاللِّسَانِ مع الرَّقَبَةِ وَلَكِنْ لو أَشَلَّ ذَكَرُهُ بِالْكَسْرِ أو قَطَعَهُ بِهِ كانت عليه دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جِنَايَةٌ على صُلْبٍ فَوَلَدَتْ على شَيْءٍ قَائِمٍ غَيْرِ الصُّلْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَكُنْ لِذَلِكَ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عليه وقال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أن مَعْلُومًا أَنَّ الْجِمَاعَ قد يَذْهَبُ من كَسْرِ الصُّلْبِ وكان إنْ تَرَبَّصَ وَقْتًا من الْأَوْقَاتِ فلم تَنْتَشِرْ آلَتُهُ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ لَا تَنْتَشِرُ تُرِكَ إلَى ذلك الْوَقْتِ فَإِنْ قال لم تَنْتَشِرْ حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَقْتٌ وَقِيلَ هذا قد يَذْهَبُ وَيَأْتِي حَلَفَ ما انْتَشَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ في ذَهَابِ الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ له الدِّيَةُ في ذَهَابِ الْجِمَاعِ إذَا كان يَعْلَمُ أَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ يَكُونُ من كَسْرِ الصُّلْبِ فإذا لم يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَهُ حُكُومَةٌ لَازِمَةٌ وَلَوْ كُسِرَ الصُّلْبُ قبل الذَّكَرِ حتى يَصِيرَ لَا يُجَامِعُ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ في الذَّكَرِ وَحُكُومَةٌ في الصُّلْبِ إنْ لم يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ بِحَالٍ - * النَّوَافِذُ في الْعِظَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَأَنْفَذَ لَحْمَهُ وَعَظْمَهُ حتى بَلَغَتْ ضَرْبَتُهُ الْمُخَّ أو خَرَقَتْ الْعَظْمَ حتى خَرَجَتْ من الشِّقِّ الْآخَرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا ثُلُثُ عَقْلِ الْعُضْوِ وَلَا ثُلُثَاهُ كانت الْحُكُومَةُ أَقَلَّ من ذلك أو أَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لو كَسَرَ الْعَظْمَ حتى يَسِيلَ مُخُّهُ أو أَشْظَاهُ حتى يَخْرُجَ مُخُّهُ وَيَنْكَسِرَ فَيَنْبُتَ مَكَانَهُ عَظْمٌ غَيْرُهُ كانت فيه حُكُومَةٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ جَنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ فَالْتَوَتْ عُنُقُهُ من جِنَايَتِهِ حتى يُقْلَبَ وجه ( ( ( وجهه ) ) ) فَيَصِيرَ كَالْمُلْتَفِتِ أو أَصَابَ ذلك رَقَبَتَهُ وَإِنْ لم يَعْوَجَّ وَجْهُهُ أو يَبِسَتْ رَقَبَتُهُ فَصَارَ لَا يَلْتَفِتُ أو يَلْفِتُ الْتِفَاتًا ضَعِيفًا وهو يُسِيغُ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَالرِّيقَ وَيَتَكَلَّمُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَمَبْلَغِ نَقْصِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ نَقَصَ ذلك كَلَامَهُ وَشَقَّ عليه معه إسَاغَةُ الْمَاءِ زِيدَ في الْحُكُومَةِ فَإِنْ مَنَعَهُ ذلك إسَاغَةَ الطَّعَامِ إلَّا أَنْ يُوجِرَهُ أو الْمَضْغَ إلَّا نُغَبًا نُغَبًا زِيدَ في الْحُكُومَةِ وَلَا يَبْلُغُ بها بِحَالٍ دِيَةً تَامَّةً وَلَوْ نَقَصَ ذلك من كَلَامِهِ حتى صَارَ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ كانت فيه من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما نَقَصَ من كَلَامِهِ وَحُكُومَةٌ لِمَا أَصَابَهُ سِوَاهُ لِأَنَّ ما أَصَابَهُ غَيْرُ الْكَلَامِ

(6/81)


- * ذَهَابُ الْعَقْلِ من الْجِنَايَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَخَ شيئا من جِلْدِ بَدَنِ رَجُلٍ فلم يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً وَعَادَ الْجِلْدُ فَالْتَأَمَ أو سَقَطَ الْجِلْدُ فَنَبَتَ جِلْدٌ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ كان عَمْدًا فَاسْتُطِيعَ الِاقْتِصَاصُ منه اُقْتُصَّ منه وَإِلَّا فَدِيَتُهُ في مَالِهِ وإذا بَرَأَ الْجِلْدُ مَعِيبًا زِيدَ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ عَيْبِ الْجِلْدِ مع ما نَالَهُ من الْأَلَمِ وَلَوْ كان هذا في رَأْسِهِ أو الْجَسَدِ أو فِيهِمَا مَعًا أو في بَعْضِهِمَا فَنَبَتَ الشَّعْرُ كانت فيه حُكُومَةٌ إنْ كان خَطَأً لَا يُبْلَغُ بها دِيَةٌ وَإِنْ لم يَنْبُتْ الشَّعْرُ غير أَنَّهُ إذَا لم يَنْبُتْ الشَّعْرُ زِيدَ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ مع الْأَلَمِ وَلَوْ أَفْرَغَ رَجُلٌ على رَأْسِ رَجُلٍ أو لِحْيَتِهِ حَمِيمًا أو نَتْفَهُمَا ولم تَنْبُتَا كانت عليه حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَلَوْ نَبَتَا أَرَقَّ مِمَّا كَانَا أو أَقَلَّ أو نَبَتَا وَافِرَيْنِ كانت عليه حُكُومَةٌ يُنْقَصُ منها إذَا كانت أَقَلَّ شينا ( ( ( شيئا ) ) ) وَيُزَادُ فيها إذَا كانت أَكْثَرَ شينا ( ( ( شيئا ) ) ) وَلَوْ حَلَقَهُ حَلَّاقٌ فَنَبَتَ شَعْرُهُ كما كان أو أَجْوَدَ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَالْحِلَاقُ ليس بِجِنَايَةٍ لِأَنَّ فيه نُسُكًا في الرَّأْسِ وَلَيْسَ فيه كَثِيرُ أَلَمٍ وهو وَإِنْ كان في اللِّحْيَةِ لَا يَجُوزُ فَلَيْسَ فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَسَرَ رَجُلٌ عَظْمًا من عِظَامِ رَجُلٍ أو جَنَى جِنَايَةً عليه ما كانت الْجِنَايَةُ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ كانت عليه الدِّيَةُ ولم يَكُنْ عليه بِالْجِنَايَةِ التي كانت سَبَبُ ذَهَابِ الْعَقْلِ أَرْشٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُهَا أَكْثَرَ من الدِّيَةِ فَيَكُونُ فيها الْأَكْثَرُ من الدِّيَةِ وَأَرْشُهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَيَشُجَّهُ مَأْمُومَةً أو يَنَالَ بِجَائِفَةٍ فَيَكُونُ عليه دِيَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ جَنَى عليه جِنَايَةً فَنَقَصَتْ عَقْلَهُ ولم تُذْهِبْهُ أو أَضْعَفَتْ لِسَانَهُ أو أَوْرَثَتْهُ فَزَعًا كان فيها حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها بِقَدْرِ ما نَالَهُ وَلَوْ جَنَى عليه جِنَايَةً في غَيْرِ يَدِهِ فَأَشَلَّتْ يَدَهُ كان فيها نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ كَأَنَّهَا كانت مَأْمُومَةً فَيُجْعَلُ فيها الثُّلُثُ وفي إشْلَالِ الْيَدِ النِّصْفُ وَإِنْ شُلَّتْ رِجْلُهُ مع يَدِهِ كانت في الْيَدِ وَالرِّجْلِ الدِّيَةُ وفي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ لها حُكْمٌ مَعْلُومٌ أَهْلَكَتْ عُضْوَيْنِ لَهُمَا حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ أَصَابَهُ بِمَأْمُومَةٍ فَأَوْرَثَتْهُ جُبْنًا أو فَزَعًا أو غَشْيًا إذَا فَزِعَ من رَعْدٍ أو غَيْرِهِ كانت فيها مع الْمَأْمُومَةِ حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ وإذا جَنَى عليه فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَفِي ذَهَابِ عَقْلِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كان مع ذَهَابِ عَقْلِهِ جَنَى عليه جِنَايَةً لها أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَعَلَيْهِ أَرْشُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مع الدِّيَةِ في ذَهَابِ الْعَقْلِ وَلَوْ صَاحَ عليه أو ذَعَرَهُ بِشَيْءٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ لم يَبِنْ لي أَنَّ عليه شيئا إذَا كان الْمَصِيحُ عليه بَالِغًا يَعْقِلُ شيئا وَكَذَلِكَ لو صَاحَ عليه وهو رَاكِبٌ دَابَّةً أو جِدَارًا فَسَقَطَ فَمَاتَ أو أَصَابَهُ شَيْءٌ لم يَبِنْ لي أَنَّ على الصَّائِحِ شيئا وَلَكِنْ لو صَاحَ على صَبِيٍّ أو مَعْتُوهٍ لَا يَعْقِلُ أو فَزَّعَهُ فَسَقَطَ من صَيْحَتِهِ ضَمِنَ ما أَصَابَهُ وَكَذَلِكَ لو ذَهَبَ عَقْلُ الصَّبِيِّ ضَمِنَ دِيَتَهُ وَالصِّيَاحُ في الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا كانت منه جِنَايَةً يَضْمَنُهَا الصَّائِحُ لِأَنَّهُمَا لَا يُفَرِّقَانِ بين الصِّيَاحِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ عَدَا رَجُلٌ على بَالِغٍ يَعْقِلُ بِسَيْفٍ فلم يَضْرِبْهُ بِهِ وَذَعَرَهُ ذُعْرًا أَذْهَبَ عَقْلَهُ لم يَبِنْ لي أَنَّ عليه دِيَةٌ من قِبَلِ أَنَّ هذا لم تَقَعْ بِهِ جِنَايَةٌ وَأَنَّ الْأَغْلَبَ من الْبَالِغِينَ أَنَّ مِثْلَ هذا لَا يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدَا على رَجُلٍ بِسَيْفٍ ولم يَنَلْهُ بِهِ وَجَعَلَ يَطْلُبُهُ وَالْمَطْلُوبُ يَهْرُبُ منه فَوَقَعَ من ظَهْرِ بَيْتٍ يَرَاهُ فَمَاتَ لم يَبِنْ لي أَنْ يَضْمَنَ هذا دِيَتَهُ لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ لو أَلْقَى نَفْسَهُ في مَاءٍ فَغَرِقَ أو نَارٍ فَاحْتَرَقَ أو بِئْرٍ فَمَاتَ وَإِنْ كان أَعْمَى او بَصِيرًا فَوَقَعَ فِيمَا يَخْفَى عليه مِثْلُ حُفْرَةٍ خَفِيَّةٍ أو شَيْءٍ خَفِيٍّ أو من ظَهْرِ بَيْتٍ فَانْخَسَفَ بِهِ فَمَاتَ ضَمِنْت عَاقِلَةُ الطَّالِبِ دِيَتَهُ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى هذا ولم يُحْدِثْ الْمَيِّتُ على نَفْسِهِ ما تَسْقُطُ بِهِ الْجِنَايَةُ عن الْجَانِي عليه وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ له بِدُبٍّ يَطْلُبُهُ إيَّاهُ أو أَسَدٍ فَأَكَلَهُ أو فَحْلٍ فَقَتَلَهُ أو لِصٍّ فَقَتَلَهُ لم يَضْمَنْ الطَّالِبُ شيئا لِأَنَّ الْجَانِي عليه غَيْرُهُ - * سَلْخُ الْجِلْدِ - *

(6/82)


كَثِيرُ أَلَمٍ وَلَا ذَهَابُ شَعْرٍ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الشَّعْرُ نَاقِصًا أو لم يَسْتَخْلِفْ كانت فيه حُكُومَةٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَقَ غير شَعْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فلم يَنْبُتْ أَيَّ مَوْضِعٍ كان الشَّعْرُ أو من امْرَأَةٍ كانت فيه حُكُومَةٌ بِقَدْرِ قِلَّةِ شَيْنِهِ وَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ من النَّبَاتِ من شَعْرِ الْجَسَدِ أو بَطْنٍ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ إنْ كان أَفْضَى إلَى أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ وَكَذَلِكَ هو من امْرَأَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمَسَّ ذلك من امْرَأَةٍ وَلَا يَرَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ وَكَذَلِكَ ما حَلَقَ من رِقَابِهِمَا من دُونِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ من الرَّجُلِ وَإِنْ كانت لِحْيَةُ رَجُلٍ مُنْتَشِرَةٌ في حَلْقِهِ فَحَلَقَهَا رَجُلٌ فلم تَنْبُتْ كانت عليه فيها حُكُومَةٌ وما قُلْت من هذا فيه حُكُومَةٌ فَلَيْسَتْ فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرَ من الْحُكُومَةِ في خِلَافِهِ وَإِنَّمَا قُلْت أن في شَعْرِ الْبَدَنِ إذَا لم يَنْبُتْ حُكُومَةٌ دُونَ الْحُكُومَاتِ في الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إذَا ذَهَبَ الشَّعْرُ لِأَنَّ أَثَرَ شَيْنِهِ على الرَّجُلِ دُونَ شَيْنِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَجُعِلَتْ في ذَهَابِهِ بِلَا أَثَرٍ في الْبَدَنِ لِأَنَّ نَبَاتَ الشَّعْرِ أَصَحُّ وَأَتَمُّ له وإذا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا ضَرْبًا لم يُذْهِبْ له شَعْرًا أو لم يُغَيِّرْ له بَشَرًا غير أَنَّهُ آلَمَهُ فَلَا حُكُومَةَ عليه فيه وَيُعَزَّرُ الضَّارِبُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ ظُفُرَ رَجُلٍ عَمْدًا فَإِنْ كان يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ اُقْتُصَّ منه وَإِنْ لم يَسْتَطِعْ منه الْقِصَاصَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ نَبَتَ صَحِيحًا غير مَشِينٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَ مَشِينًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ فيه إذَا نَبَتَ غَيْرُ نَاقِصٍ وَلَا مَشِينٍ وَإِنْ لم يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ قَبْلَهُ وَلَا يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ وَلَا دِيَةٌ قَدْرُ ما تَحْتَ الظُّفُرِ من الْأُنْمُلَةِ لِأَنَّ الظُّفُرَ لَا يَسْتَوْظِفُ الْأُنْمُلَةَ فَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهِ أَرْشَهُ لو قَطَعَ ما تَحْتَهُ ما تَحْتَهُ من الْأُنْمُلَةِ - * غَمُّ الرَّجُلِ وَخَنْقُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ خَنَقَ رَجُلٌ رَجُلًا أو غَمَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا أَثَرَ بِهِ منه لم يَكُنْ عليه فيه غُرْمٌ وَعُزِّرَ وَلَوْ حَبَسَهُ فَقَطَعَ بِهِ في ضِيقَتِهِ ولم يَنَلْهُ في يَدَيْهِ بِشَيْءٍ ولم يَمْنَعْهُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَقَدْ أَثِمَ وَيُعَزَّرُ وَلَا غُرْمَ عليه وَكُلُّ ما نَالَهُ من خَدْشٍ أو أَثَرٍ في يَدَيْهِ يَبْقَى فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كان أَثَرًا يَذْهَبُ مِثْلُ الْخَضِرَةِ من اللَّطْمَةِ فَلَا حُكُومَةَ - * الْحُكُومَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْجِنَايَاتُ التي فيها الْحُكُومَةُ كُلُّ جِنَايَةٍ كان لها أَثَرٌ بَاقٍ جُرْحٌ أو خَدْشٌ أو كَسْرُ عَظْمٍ أو وَرَمٌ بَاقٍ أو لَوْنٌ بَاقٍ فَأَمَّا كُلُّ ضَرْبٍ وَرِمَ أو لم يُورَمْ فلم يَبْقَ له أَثَرٌ فَلَا حُكُومَةَ فيه وَكُلُّ ما قُلْت فيه حُكُومَةٌ فَالْحُكُومَةُ فيه من وُجُوهٍ منها أَنْ يَجْرَحَهُ في رَأْسِهِ أو في وَجْهِهِ جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَيَبْرَأُ كَلْمُ الْمَجْرُوحِ فَأُقَدِّرُهُ من الْمُوضِحَةِ ثُمَّ أَنْظُرُ كَمْ قَدْرُ الْجُرْحِ الذي فيه الْحُكُومَةُ من الْمُوضِحَةِ فَإِنْ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ جُرْحُهُ قَدْرُ نِصْفِ مُوضِحَةٍ جُعِلَ فيه ما في نِصْفِ مُوضِحَةٍ فَإِنْ قالوا أَكْثَرُ أو أَقَلُّ جُعِلَ فيه بِقَدْرِ ما قالوا إنَّهُ مَوْقِعُهُ من الْمُوضِحَةِ في الْأَلَمِ وَبُطْءِ الْبُرْءِ وما أَشْبَهَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قالوا لَا نَدْرِي لِمَغِيبِ الْعَظْمِ وَأَنَّهُ قد يَكُونُ دُونَهُ لَحْمٌ كَثِيرٌ وَقَلِيلٌ كَمْ قَدْرُهَا من الْمُوضِحَةِ قِيلَ احْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا شَكَّ في أنها نِصْفُ مُوضِحَةٍ وقد نَشُكُّ في أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذلك قِيلَ فَهِيَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ غَيَّرَ جِلْدَهُ أو أَثَّرَ بِهِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَائِمَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ لِامْرَأَةٍ لِحْيَةٌ وَشَارِبَانِ أو أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَحَلَقَهُمَا رَجُلٌ أُدِّبَ وَكَانَتْ عليه حُكُومَةٌ أَقَلَّ منها في لِحْيَةِ الرَّجُلِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ من تَمَامِ خِلْقَةِ الرَّجُلِ وَهِيَ في الْمَرْأَةِ عَيْبٌ إلَّا أَنِّي جَعَلْت فيها حُكُومَةً لِلتَّعَدِّي وَالْأَلَمِ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) هذا إذَا لم يَنْبُتُ أو نَبَتَ نَاقِصًا فَأَمَّا إذَا نَبَتَ ولم يَكُنْ قُطِعَ من جُلُودِهِمَا شَيْءٌ فَلَيْسَ عليه إلَّا التَّعْزِيرُ ( قال الرَّبِيعُ ) وأنا اقول بِهِ - * قَطْعُ الْأَظْفَارِ - *

(6/83)


النِّصْفُ الذي لَا تَشُكُّونَ فيه وَلَا يُعْطَى منه بِالشَّكِّ شَيْءٌ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا شأن الْوَجْهَ أو الرَّأْسَ جُرْحٌ نُظِرَ في الْجُرْحِ كما وَصَفْت وَنُظِرَ في الشَّيْنِ مع الْجُرْحِ فَإِنْ كان الشَّيْنُ أَكْثَرَ أَرْشًا من الْجُرْحِ أُخِذَ بِالشَّيْنِ وَإِنْ كان الْجُرْحُ أَكْثَرَ أَرْشًا من الشَّيْنِ أُخِذَ بِالْجُرْحِ ولم يُزَدْ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ قِيلَ الشَّيْنُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أو أَكْثَرُ منه نَقَصَ من مُوضِحَةٍ شيئا ما كان الشَّيْنُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَبْلُغَ بِهِ مُوضِحَةً أَنَّ الْمُوضِحَةَ لو كانت فَشَانَتْ لم يَزِدْ على أَرْشِ مُوضِحَةٍ فإذا كان الشَّيْنُ مع ما هو أَقَلُّ من مُوضِحَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَبْلُغَ الشَّيْنُ مع الْجُرْحِ دُونَ مُوضِحَةٍ أَرْشَ مُوضِحَةٍ وَإِنْ كان الضَّرْبُ لم يَجْرَحْ وَبَقِيَ منه شَيْنٌ فَهَكَذَا أَوَّلًا يُؤْخَذُ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْنٌ لَا يَذْهَبُ بِحَالٍ أو يَنَالُ اللَّحْمَ بِمَا يُحَشِّفُهُ أو يُفَجِّرُ منه شيئا أو يَجْرَحُهُ فَإِنْ جَرَحَهُ في الرَّأْسِ أو الْوَجْهِ جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ قِيلَ لِأَهْلِ الْبَصَرِ بِذَلِكَ قَدِّرُوا لِذَلِكَ بِقَدْرِهِ من الْمُوضِحَةِ وَاحْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا نَشُكُّ في أنها نِصْفُ مُوضِحَةٍ وقد نَشُكُّ في أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذلك قِيلَ فَهِيَ النِّصْفُ الذي لَا تَشُكُّونَ فيه وَلَا يُعْطَى منه بِالشَّكِّ شَيْءٌ وإذا كان هَكَذَا أُخِذَ له أَرْشٌ وَإِنْ سَوَّدَ اللَّوْنَ أو خَضَّرَهُ سَوَادًا يَبْقَى أو خُضْرَةً كَذَلِكَ فَشَانَ الْوَجْهَ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قالوا صَارَ إلَى هذا بِمَوْتٍ من اللَّحْمِ أُخِذَ لِلشَّيْنِ فيه أَرْشٌ وَإِنْ قالوا هذا مُشْكِلٌ وَإِنْ بَلَغَ مُدَّةَ كَذَا ولم يذهب لم يَذْهَبْ أَبَدًا تُرِكَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ لم يَذْهَبْ أُخِذَ له أَرْشٌ وَمَتَى أُخِذَ له شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت غَيْرُ أَثَرِ الْجُرْحِ الذي يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ أَرْشًا ثُمَّ ذَهَبَ رَدَّ الْأَرْشَ الذي أُخِذَ له وما قُلْت من الْجِرَاحِ التي لَا قَدْرَ فيها وَكَسْرِ الْعِظَامِ وَالشَّيْنِ سَوَاءٌ في الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ يَقُومُ في دِيَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما يَقُومُ في ثَمَنِ الْمَمْلُوكِ وَيُحَدُّ في دِيَةِ كل وَاحِدٍ من الْأَحْرَارِ بِقَدْرِهَا فَيُحَدُّ في دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِقَدْرِ الْمُوضِحَةِ وفي دِيَةِ الْمَرْأَةِ بِقَدْرِ مُوضِحَتِهَا وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ فَيَكُونُ في مُوضِحَتِهِ وما دُونَ مُوضِحَتِهِ بِقَدْرِ دِيَتِهِ كان دِيَتُهُ ثَمَنًا له كما تَكُونُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِ ثَمَنًا له وإذا كان الْجُرْحُ في غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ في عُضْوٍ فيه أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ في جُرْحِهِ إذَا الْتَأَمَ إلَّا قَدْرُ الشَّيْنِ الْبَاقِي بَعْدَ الْتِئَامِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس في جِرَاحِ الْجَسَدِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ إلَّا الْجَائِفَةَ لِخَوْفِ تَلَفِهَا وإذا بَلَغَ شَيْنُ الْجُرْحِ الذي في الْعُضْوِ الذي فيه قَدْرٌ مَعْلُومٌ أَكْثَرُ من ذلك الْعُضْوِ نَقَصَتْ الْحُكُومَةُ على قَدْرِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْرَحَ في أُنْمُلَةٍ من أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو يَنْزِعُ له ظُفُرًا فَيَكُونُ أَرْشُ الشَّيْنِ فيها أَكْثَرَ من دِيَةِ الْأُنْمُلَةِ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ أُنْمُلَةٍ لِأَنَّهُ لو قُطِعَتْ أُنْمُلَتُهُ وَشَانَتْهُ لم يَزِدْ على قَدْرِهَا فَلَا يَبْلُغُ بِمَا هو دُونَهَا من شَيْنِهَا قَدْرَهَا وَلَوْ كان الْجُرْحُ في وَسَطِ الْأَنَامِلِ أو أَسَافِلِهَا وكان قَدْرُ شَيْنِهِ أَكْثَرَ من أَرْشِ أُنْمُلَةٍ لم يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ كما وَصَفْت وَإِنْ كان الْجُرْحُ في الْكَفِّ أو الْقَدَمِ فَشَانَ بِأَكْثَرَ من أَرْشِ الْكَفِّ أو الْقَدَمِ لم يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ كَفٍّ وَلَا قَدَمٍ لِأَنَّهُمَا لو قُطِعَتَا فَشَانَتَا لم يَزِدْ على أَرْشِهِمَا بِالشَّيْنِ شيئا فَلَا يَبْلُغُ بِمَا دُونَ قَطْعِهِمَا من الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا أَرْشَ قَطْعِهِمَا وَلَا شَلَلِهِمَا وَهَكَذَا إنْ كان في الذِّرَاعِ أو الْعَضُدِ أو السَّاقِ أو الْقَدَمِ لم يَبْلُغْ بِشَيْنِهِ قَدْرَ دِيَةِ يَدٍ تَامَّةٍ وَلَا رِجْلٍ تَامَّةٍ وَلَوْ كان الْجُرْحُ وَالشَّيْنُ أو أَحَدُهُمَا في جَمِيعِ الْبَدَنِ كُلِّهِ كان فيه ما شأن الْمَجْرُوحَ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْمَجْرُوحِ لِلشَّيْنِ إنْ كان حُرًّا ولا قِيمَتَهُ إنْ كان عَبْدًا لِأَنَّ في قَطْعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ حَدَّدْت في الشَّيْنِ الذي تُوَارِيهِ الثِّيَابُ فَقُلْت يَبْلُغُ بِهِ ما دُونَ الدِّيَةِ فَجَعَلْته في الْوَجْهِ الذي يَبْدُو الشَّيْنُ فيه أَقْبَحَ مَحْدُودًا بِمُوضِحَةٍ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ قُلْت لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ شَيْنٌ لَا جُرْحَ فيه أَرْشَ جُرْحٍ في مَوْضِعٍ من الْمَوَاضِعِ لَا يَبْلُغُ بِمُوضِحَةٍ ما أَبْلُغُ فيه شَيْنَ مُوضِحَةٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَهَا فَحَدَّدْت لو كان في مَوْضِعِهَا أَقَلَّ منها بِأَنْ لَا أَبْلُغَ بِهِ قَدْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بها ما لم يَبْلُغْهَا من الشَّيْنِ وَكَذَلِكَ قُلْت في كل جُرْحٍ وَشَيْنٍ بِعُضْوٍ له قَدْرٌ ولم أَحُدُّ الدِّيَاتِ على شَيْنِ مُوضِحَةٍ وَلَا أَلَمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ في الْأُذُنِ نِصْفَ الدِّيَةِ وفي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَتْ مَنْفَعَةُ الْأُذُنِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا قَرِيبًا من مَنْفَعَةِ الْيَدِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ في الْأُنْمُلَةِ ثَلَاثًا من الْإِبِلِ وَثُلُثًا وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وفي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَذَهَاب

(6/84)


الْأُنْمُلَةِ أَشْيَن وَأَضَرُّ من مُوضِحَةٍ وَهَاشِمَةٍ ومواضح وهواشم وَلَوْلَا ما وَصَفْت كان في الشَّيْنِ أَبَدًا ما نَقَصَ الشَّيْنُ كما يَكُونُ ذلك في مَتَاعٍ جني عليه فَنَقَصَ بِهِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ على أَيِّ دَابَّةٍ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ على نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ من صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ جِنَايَتُهُ على نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ له جِنَايَةُ غَيْرِهِ كما لو جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ كان على الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْقَوْمُ يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَيَرْجِعُ الْحَجَرُ عليهم فَيَقْتُلُ منهم رَجُلًا فَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً فَقَدْ مَاتَ من جِنَايَتِهِ على نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ التِّسْعَةِ مع نَفْسِهِ عليه فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ من جِنَايَتِهِ على نَفْسِهِ وَتُؤْخَذُ له جِنَايَةُ غَيْرِهِ عليه فَيُؤْخَذُ لِوَرَثَتِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ من الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ معه من عَاقِلَةِ كل وَاحِدٍ منهم عُشْرُ دِيَتِهِ وَسَوَاءٌ كان أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ على فِيلٍ وَالْآخَرُ على كَبْشٍ أو كَانَا على دَابَّتَيْنِ سَوَاءٌ وَمُتَفَاوِتَيْنِ وَإِنْ مَاتَتْ دَابَّتَاهُمَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ نِصْفَ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ اصْطَدَمَ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ كَانَا كَالْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ وَكَذَلِكَ الرَّاجِلَانِ يَصْطَدِمَانِ وَسَوَاءٌ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أو صَحِيحَيْنِ أو أَحَدُهُمَا أَعْمَى وَالْآخَرُ صَحِيحٌ يَضْمَنُ الْأَعْمَى من جِنَايَتِهِ ما يَضْمَنُ الْبَصِيرُ وَسَوَاءٌ غَلَبَتْهُمَا دَابَّتَاهُمَا أو غَلَبَتْ إحْدَاهُمَا أو لم تَغْلِبْهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ لو تَقَهْقَرَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَرَجَّعَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على عَقِبَيْهَا فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا أو فَعَلَتْ هذا دَابَّةُ أَحَدِهِمَا وكان الْآخَرُ مُقْبِلًا على دَابَّتِهِ وَلَوْ كان أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَالْآخَرُ حُرًّا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحُرِّ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وكان نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ في عُنُقِ الْعَبْدِ فَإِنْ كان في نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عن نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ دُفِعَ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنْ كان وَفَاءٌ فَهُوَ قِصَاصٌ وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كان فيه نَقْصٌ أُقِصَّ بِقَدْرِهِ وَلَا شَيْءَ على سَيِّدِ الْعَبْدِ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَأَمَّا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فإن الْجِنَايَةَ في رَقَبَتِهِ وَلَا شَيْءَ على سَيِّدِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ تُؤْخَذُ من عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَتُرَدُّ على وَرَثَةِ الْحُرِّ إنْ كان مِثْلَ نِصْفِ دِيَتِهِ أو أَقَلَّ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ لو كان حَيًّا فَيُتْبَعُ بِالْجِنَايَةِ فَأَمَّا إذَا كان زَائِدًا على نِصْفِ ( 2 ) قِيمَةِ الْحُرِّ فَهُوَ رَدٌّ على سَيِّدِهِ وَمَتَى أُخِذَ ( 3 ) من نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ رَجَعَ وَرَثَةُ الْحُرِّ وَأَخَذُوا نِصْفَ دِيَةِ قَتِيلِهِمْ فَإِنْ عَجَزَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَلَا شَيْءَ لهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْمُصْطَدِمَانِ عَبْدَيْنِ كان نِصْفُ قِيمَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في عُنُقِ صَاحِبِهِ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ من قِبَلِ أَنَّ الْجَانِيَيْنِ جميعا قد مَاتَا وَلَا يَضْمَنُ عنهما عَاقِلَةٌ وَلَا مَالَ لَهُمَا وَسَوَاءٌ في الِاصْطِدَامِ الْفَارِسَانِ اللَّذَانِ يَعْقِلَانِ وَالْمَعْتُوهَانِ والأعميان وَالْبَصِيرَانِ وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا أو أَحَدُهُمَا صَبِيًّا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كُسِرَ عَظْمٌ من الْعِظَامِ ثُمَّ جُبِرَ على غَيْرِ عثم ( ( ( عتم ) ) ) فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ أَلَمٍ أو جُرْحٍ أو ضَعْفٍ إنْ كان فيه وَإِنْ جُبِرَ على عَثْمٍ أو شَيْنٍ غَيْرِ الْعَثْمِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ على ما وَصَفْت لَا يَبْلُغُ بها دِيَةَ الْعَظْمِ لو قُطِعَ كان بِكَسْرِ أُنْمُلَةٍ أو بِكَسْرِ ذِرَاعٍ وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ شَيْنِ الْأُنْمُلَةِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ وَلَا بِحُكُومَةٍ لِلذِّرَاعِ أَرْشَ يَدٍ وَهَذَا هَكَذَا ( 1 ) في الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالْأَنْفِ وَالْفَخِذِ فَأَمَّا الضِّلَعُ إذَا كُسِرَ وَجُبِرَ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ جَائِفَةٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما فيه أَنْ يَصِيرَ منه الْجَائِفَةُ - * الْتِقَاءُ الْفَارِسَيْنِ - *

(6/85)


وَالْآخَرُ بَالِغًا إذَا كَانَا رَاكِبَيْ الدَّابَّتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا أو حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا أَبَوَاهُمَا أو وَلِيَّاهُمَا في النَّسَبِ إنْ لم يَكُنْ لَهُمَا أَبٌ فَإِنْ كان حَمَلَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ وَمِثْلُهُمَا لَا يَضْبِطُ الدَّابَّةَ فَدِيَةُ من أَصَابَا على عَاقِلَةِ الذي حَمَلَهُمَا لِأَنَّ حَمْلَهُمَا عُدْوَانٌ عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنُ ما أَصَابَا في حَمْلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْفَارِسُ أو الرَّاجِلُ وَاقِفًا في مِلْكِهِ أو غَيْرِ مِلْكِهِ أو مُضْطَجِعًا أو رَاقِدًا فَصَدَمَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ وَالْمَصْدُومُ يُبْصِرُ وَيَقْدِرُ على أَنْ يَنْحَرِفَ أو لَا يُبْصِرُ وَلَا يَقْدِرُ على أَنْ يَنْحَرِفَ أو أَعْمَى لَا يُبْصِرُ فَسَوَاءٌ وَدِيَةُ الْمَصْدُومِ مُغَلَّظَةٌ على عَاقِلَةِ الصَّادِمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كانت دِيَتُهُ هَدَرًا لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ انْحَرَفَ عن مَوْضِعِهِ فَالْتَقَى هو وَآخَرُ مُقْبِلَيْنِ فَصَدَمَهُ فَمَاتَا مُصْطَدِمَيْنِ فَنِصْفُ دِيَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على عَاقِلَةِ صَادِمِهِ لِأَنَّ له فِعْلًا في التَّحَرُّفِ وَلَوْ كان تَحَرُّفُهُ مُوَلِّيًا عنه فَكَانَ الْفَارِسُ أو الرَّاجِلُ الصَّادِمُ له كان كَهُوَ لو كان وَاقِفًا فَتَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّادِمِ دِيَتَهُ وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كان دَمُهُ هَدَرًا لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وإذا مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ من الِاصْطِدَامِ فَنِصْفُ ثَمَنِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الصَّادِمِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَضْمَنُ ثَمَنَ دَابَّةٍ - * اصْطِدَامُ السَّفِينَتَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اصْطَدَمَ السَّفِينَتَانِ فَكَسَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَمَاتَ من فِيهِمَا وَتَلِفَتْ حُمُولَتُهُمَا أو ما تَلِفَ مِنْهُمَا أو مِمَّا فِيهِمَا أو من إحْدَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ في حَالِهِ تِلْكَ بِأَمْرِ السَّفِينَةِ نِصْفَ كل ما أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أو لَا يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْ يُطِيعُهُ فَلَا يَصْرِفُهَا فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال الْقَوْلُ قَوْلُ الذي يَصْرِفُهَا في أنها غَلَبَتْهُ ولم يَقْدِرْ أَنْ يَصْرِفَهَا أو غَلَبَتْهَا رِيحٌ أو مَوْجٌ وإذا ضَمِنَ ضَمِنَ غير النَّفْسِ في مَالِهِ وَضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَكُونَ ذلك في عُنُقِهِ وَسَوَاءٌ كان الذي يَلِي تَصْرِيفَهَا مَالِكًا لها أو مُوَكَّلًا فيها أو مُتَعَدِّيًا في ضَمَانِ ما أَصَابَتْ إلَّا أَنَّهُ إذَا كان مُتَعَدِّيًا فيها ضَمِنَ ما أَصَابَهَا هِيَ وَأَصَابَتْ وَهَكَذَا إنْ صَدَمَتْ ولم تُصْدَمْ أو صَدَمَتْ وَصُدِمَتْ فَأَصَابَتْ وَأُصِيبَتْ فَسَوَاءٌ من ضِمْنِ رَاكِبِهَا بِكُلِّ حَالٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ غُلِبَ أو غُلِبَا وَمَنْ لم يَضْمَنْ إلَّا من قَدَرَ على تَصْرِيفِهَا فَتَرَكَهَا ضَمِنَ الذي لم يُغْلَبْ على تَصْرِيفِهَا وَجَعَلَهُ كَعَامِدِ الصَّدْمِ ولم يَضْمَنْ الْمَغْلُوبُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صُدِمَتْ سَفِينَةٌ بِغَيْرِ أَنْ يَعْمِدَ بها الصَّدْمَ لم يَضْمَنْ شيئا مِمَّا في سَفِينَتِهِ بِحَالٍ لِأَنَّ الَّذِينَ فيها دَخَلُوا غير مُتَعَدَّى عليهم وَلَا على أَمْوَالِهِمْ وإذا عَرَضَ لِرَاكِبِي السَّفِينَةِ ما يَخَافُونَ بِهِ التَّلَفَ عليها وَعَلَى من فيها وما فيها أو بَعْضُ ذلك فالقى أَحَدُهُمْ بَعْضَ ما فيها رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ فَإِنْ كان ما ألقي لِنَفْسِهِ فَمَالَهُ أَتْلَفَ فَلَا يَعُودُ بِشَيْءٍ منه على غَيْرِهِ وَإِنْ كان بَعْضُ ما أَلْقَى لِغَيْرِهِ ضَمِنَ ما أَلْقَى لِغَيْرِهِ دُونَ أَهْلِ السَّفِينَةِ فَإِنْ قال بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِرَجُلٍ منهم أَلْقِ مَتَاعَكَ فالقاه لم يَضْمَنْ له شيئا لِأَنَّهُ هو أَلْقَاهُ وَإِنْ قال أَلْقِهِ على أَنْ أَضْمَنَهُ فَأَذِنَ له فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ قال أَلْقِهِ على أَنْ أَضْمَنَهُ وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ فَأَذِنَ له بِذَلِكَ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ له دُونَ رُكَّابِ السَّفِينَةِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِضَمَانِهِ معه فَإِنْ خَرَقَ رَجُلٌ من السَّفِينَةِ شيئا أو ضَرَبَهُ فَانْخَرَقَ أو انْشَقَّ فَغَرَقَ أَهْلُ السَّفِينَةِ وما فيها ضَمِنَ ما فيها في مَالِهِ وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ كان الْفَاعِلُ هذا بها مَالِكًا لِلسَّفِينَةِ أو الْقَائِمَ بِأَمْرِهَا أو رَاكِبًا لها أو أَجْنَبِيًّا مَرَّ بها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاصْطِدَامُ الرَّجُلَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً سَوَاءٌ إلَّا في الْمَأْثَمِ وَلَا قَوَدَ في الصَّدْمَةِ وَهِيَ خَطَأُ عَمْدٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَالدِّيَةُ فيها إذَا كَانَا مُقْبِلَيْنِ مُغَلَّظَةٌ وإذا كَانَا مُدْبِرَيْنِ وَحَرَنَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَاصْطَدَمَا مُدْبِرَيْنِ غير مُقْبِلَيْنِ عَامِدَيْ الصَّدْمَةَ فَنِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا فَنِصْفُ دِيَةِ الذي أَقْبَلَ مُغَلَّظَةٌ وَنِصْفُ دِيَتِهِ إذَا كان مَاتَ من صَدْمَتِهِ وصدمة مُدْبِرٌ غَيْرُ مُغَلَّظَةٍ - * صَدْمَةُ الرَّجُلِ الْآخَرَ - *

(6/86)


- * جِنَايَةُ السُّلْطَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنِهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنهما فَأَشَارَ عليه بِدِيَةٍ وَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فقال عَزَمْت عَلَيْكَ لِتُقَسِّمَنَّهَا في قَوْمِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَقَعَ على الرَّجُلِ حَدٌّ فَضَرَبَهُ الْإِمَامُ وهو مَرِيضٌ أو في بَرْدٍ شَدِيدٍ أو حَرٍّ شَدِيدٍ كَرِهْت ذلك وَإِنْ مَاتَ من ذلك الضَّرْبِ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ كانت الْمَحْدُودَةُ امْرَأَةً كانت هَكَذَا إلَّا أنها إنْ كانت حَامِلًا لم يَكُنْ له حَدُّهَا لِمَا في بَطْنِهَا فَإِنْ حَدَّهَا فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَ ما في بَطْنِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فَأَجْهَضَتْ لم يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ ما في بَطْنِهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ عليها وَإِنَّمَا قُلْت ليس له أَنْ يَحُدَّهَا لِلَّذِي في بَطْنِهَا فَضَمَّنْته الْجَنِينَ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ ولم أُضَمِّنْهُ إيَّاهَا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتَلَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حَدَّ الْإِمَامُ رَجُلًا بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أو عَبْدٍ وَحُرٍّ أو ذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ أو شَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ في أَنْفُسِهِمَا أو غَيْرِ عَدْلَيْنِ على الْمَشْهُودِ عليه حين شَهِدَا فَمَاتَ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ خَطَأٌ في الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ عِنْدَهُ صَبِيٌّ أو مَعْتُوهٌ بِحَدٍّ فَحَدَّهُ ضَمِنَهُمَا إنْ مَاتَا وَمَنْ قُلْت يَضْمَنُهُ إنْ مَاتَ ضَمِنَ الْحُكُومَةَ في جَلْدِهِ أو أَثَرٍ إنْ بَقِيَ بِهِ وَعَاشَ وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ دِيَةَ يَدِهِ إنْ قَطَعَهُ وَكُلُّ ما قُلْت يَضْمَنُهُ من خَطَئِهِ فَالدِّيَةُ فيه على عَاقِلَتِهِ وإذا أَمَرَ الْجَالِدَ بِجَلْدِ الرَّجُلِ ولم يُوَقِّتْ له ضَرْبًا فَضَرَبَهُ الْجَالِدُ أَكْثَرَ من الْحَدِّ فَمَاتَ ضَمِنَ الْإِمَامُ دُونَ الْجَالِدِ فَإِنْ كان حَدُّهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَضْمَنَ الْإِمَامُ نِصْفَ دِيَتِهِ كما لو جَنَى رَجُلَانِ على رَجُلٍ أَحَدُهُمَا ضَرْبَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِينَ ضَرْبَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أو يَضْمَنُ سَهْمًا من أَحَدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا من دِيَتِهِ وَيَكُونُ كَوَاحِدٍ وَثَمَانِينَ قَتَلُوهُ فَيَغْرَمُ حِصَّتَهُ وَلَوْ قال له اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَأَخْطَأَ الْجَالِدُ فَزَادَهُ وَاحِدَةً ضَمِنَ الْجَالِدُ دُونَ الْإِمَامِ وَلَوْ قال له اجْلِدْهُ ما شِئْت أو ما رَأَيْت أو ما أَحْبَبْت أو ما لَزِمَهُ عِنْدَكَ فَتَعَدَّى عليه ضَمِنَ الْجَالِدُ الْعُدْوَانَ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَضْرِبَهُ أَمَامَهُ وَلَا يُسَمِّي له عَدَدًا وهو يُحْصِي عليه وَلَوْ كان الْإِمَامُ لِلْمَضْرُوبِ ظَالِمًا ضَمِنَ ما أَصَابَهُ من الضَّرْبِ بِأَمْرِهِ ولم يَضْمَنْهُ الْجَالِدُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْجَالِدُ أَنَّ الْإِمَامَ ظَالِمٌ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أنا أَضْرِبُ هذا ظَالِمًا أو يَقُولَ الْجَالِدُ قد عَلِمْت أَنَّهُ يَضْرِبُهُ ظَالِمًا بِلَا شُبْهَةٍ فَيَضْمَنُ الْجَالِدُ وَالْإِمَامُ مَعًا وَلَوْ قال الْجَالِدُ ضَرَبْته وأنا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا عليه وَعَلِمْت أَنَّ ذلك رَأْيَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ الْجَالِدُ وَلَيْسَ لِلضَّارِبِ أَنْ يَضْرِبَ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ما أَمَرَهُ بِهِ الْإِمَامُ حَقٌّ أو مُغَيَّبٌ عنه سَبَبُ ضَرْبِهِ أو يَأْمُرُهُ بِضَرْبِهِ فَيَكُونُ ذلك عِنْدَهُ على أَنَّهُ لم يَأْمُرْهُ إلَّا بِمَا لَزِمَ الْمَضْرُوبَ وإذا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِيمَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ السُّلْطَانُ حَدًّا من قَطْعٍ أو حَدَّ قَذْفٍ أو حَدَّ زِنًا ليس بِرَجْمٍ على رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ عَبْدٍ أو حُرٍّ فَمَاتَ من ذلك فَالْحَقُّ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِ ما لَزِمَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَصَّ منه في جُرْحٍ يُقْتَصُّ منه من مِثْلِهِ وإذا ضَرَبَ في خَمْرٍ أو سُكْرٍ من شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أو طَرَفِ ثَوْبٍ أو يَدٍ أو ما أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أو يَبْلُغُهَا وَلَا يُجَاوِزُهَا فَمَاتَ من ذلك فَالْحَقُّ قَتَلَهُ وما قُلْت الْحَقَّ قَتَلَهُ فَلَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ على الْإِمَامِ وَلَا على الذي يَلِي ذلك من الْمَضْرُوبِ وَلَوْ ضَرَبَهُ بِمَا وَصَفْت أَرْبَعِينَ أو نَحْوَهُ لم يَزِدْ عليه شيئا فَكَذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ من حَضَرَ ضَرْبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرُوا له فَكَانَ فِيمَا ذَكَرُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ أو نَحْوَهَا فَإِنْ ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ أو أَقَلَّ منها بِسَوْطٍ أو ضَرَبَهُ أَكْثَرَ من أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ أو غَيْرِ ذلك فَمَاتَ فَدِيَتُهُ على عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عَلِيِّ بن يحيى عن الْحَسَنِ أَنْ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال ما أَحَدٌ يَمُوتُ في حَدٍّ من الْحُدُودِ فَأَجِدُ في نَفْسِي منه شيئا إلَّا الذي يَمُوتُ في حَدِّ الْخَمْرِ فإنه شَيْءٌ أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ مَاتَ منه فَدِيَتُهُ إمَّا قال في بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا على عَاقِلَةِ الْإِمَامِ الشَّكُّ من الشَّافِعِيُّ

(6/87)


فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْإِمَامِ دِيَتَهُ وَهَكَذَا إنْ خَافَ الرَّجُلُ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ أو فَقَأَ عَيْنَهَا خَطَأً ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ نَفْسَهَا وَعَيْنَهَا فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت له أَنْ يُعَزِّرَ وَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِمَّا جَعَلْت له لم تَسْقُطْ عنه الدِّيَةُ قُلْت إنِّي قُلْت له إن يَفْعَلَ إبَاحَةً من جِهَةِ الرَّأْيِ وكان له في بَعْضِ التَّعْزِيرِ أَنْ يَتْرُكَ وَعَلَيْهِ في الْحَدِّ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَيْسَ له تَرْكُهُ بِحَالٍ وإذا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ عِنْدَ امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ الْمَرْأَةُ لِدُخُولِ الرُّسُلِ أو غَلَبَتِهِمْ أو انْتِهَارِهِمْ أو الذُّعْرِ من السُّلْطَانِ فَأَجْهَضَتْ فَعَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ دِيَةُ جَنِينِهَا إذَا كان ما أَحْدَثَهُ الرُّسُلُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كان الرُّسُلُ أَحْدَثُوا شيئا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ على عَوَاقِلِهِمْ دُونَ عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْقِطُ من الْفَزَعِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أو رَجُلًا بَعَثَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فَمَاتَ فَزَعًا لم تَضْمَنْ عَاقِلَةُ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَمُوتُ من فَزَعِ رسول السُّلْطَانِ وَلَوْ سَجَنَ السُّلْطَانُ رَجُلًا فَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أو أَحَدَهُمَا فَمَاتَ من سَاعَتِهِ لم يَضْمَنْ شيئا إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ أَنَّهُ مَاتَ من فَقْدِ ما مَنَعَهُ وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فيها من حَبَسَهَا عَطَشًا أو جُوعًا فَمَاتَ ضَمِنَهُ إذَا ادَّعَى وَرَثَتُهُ إنه مَاتَ من فَقْدِ ما مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو أَخَذَهُ فذكر جُوعًا أو عَطَشًا فَحَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ ( 1 ) من أَتَتْ عليه فيها من ذَكَرَ مِثْلَ جُوعِهِ أو عَطَشِهِ وَكَذَلِكَ لو حَبَسَهُ فَجَرَّدَهُ وَمَنَعَهُ الأدفية في بَرْدٍ أو حَرٍّ فَإِنْ كان الْبَرْدُ وَالْحَرُّ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ لم يَضْمَنْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَمُوتُ فَجْأَةً من غَيْرِ مَرَضٍ يُعْرَفُ وَلَا يَضْمَنُهُ حتى يَكُونَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَاتَ بِمَنْعِهِ إيَّاهُ مُدَّةً يَمُوتُ من مُنِعَ مِثْلَ ما مَنَعَهُ فيها فإذا كان لِرَجُلٍ سَلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أو أَكِلَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِ عُضْوِهِ الذي هِيَ فيه وَاَلَّذِي هِيَ بِهِ لَا يَعْقِلُ إمَّا صَبِيٌّ وَإِمَّا مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو عَاقِلٌ فَأَكْرَهَهُ على ذلك فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ في الْمُكْرَهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وقد قِيلَ عليه الْقَوَدُ في الذي لَا يَعْقِلُ وَقِيلَ لَا قَوَدَ على السُّلْطَانِ في الذي لَا يَعْقِلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ في مَالِهِ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) وَالصَّبِيُّ مِثْلُ الْمَعْتُوهِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هذا فَيُقَادُ منه إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك أَبَا صَبِيٍّ أو مَعْتُوهٍ لَا يَعْقِلُ أو وَلِيَّهُ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ وَيُدْرَأُ عنه الْقَوَدُ بِالشُّبْهَةِ وَلَوْ كان رَجُلٌ أَغْلَفُ أو امْرَأَةٌ لم تُخْفَضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِهِمَا فَعُذِرَا فَمَاتَا لم يَضْمَنْ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ قد كان عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا إلَّا أَنْ يُعْذِرَهُمَا في حَرٍّ شَدِيدٍ أو بَرْدٍ شَدِيدٍ يَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ من عُذِرَ في مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُمَا وَلَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلًا على أَنْ يَرْقَى نَخْلَةً أو يَنْزِلَ في بِئْرٍ فَرَقَى أو نَزَلَ فَسَقَطَ فَمَاتَ ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ وَعَقَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كَلَّفَهُ أَنْ يَفْعَلَ شيئا قد يَتْلَفُ من فَعَلَ مثله وَلَوْ كان كَلَّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ قَلِيلًا في أَمْرٍ يَسْتَعِينُ السُّلْطَانُ في مِثْلِهِ فَمَشَى فَمَاتَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هذا لَا يُمَاتُ من مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ بِأَنَّهُ مَاتَ منه فَيَضْمَنُهُ في مَالِهِ أو يَكُونُ مَعْلُومًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِثْلَ ما كَلَّفَهُ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ ذلك يُتْلِفُهُ وإذا كان هذا هَكَذَا ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ وقد قِيلَ يَضْمَنُ السُّلْطَانُ من هذا ما يَضْمَنُ من اسْتَعْمَلَ عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَمَّا كُلُّ أَمْرٍ ليس من صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ عليه رَجُلًا فَمَاتَ منه في ذلك الْأَمْرِ فَالسُّلْطَانُ ضَامِنٌ لدية من مَاتَ فيه - * مِيرَاثُ الدِّيَةِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ من دِيَةِ زَوْجِهَا شيئا حتى أخبره الضَّحَّاكُ بن سُفْيَانَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ من دِيَةِ زَوْجِهَا فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَر

(6/88)



( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ بن سُفْيَانَ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ من دِيَتِهِ قال بن شِهَابٍ وكان أَشْيَمُ قُتِلَ خَطَأً (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ في أَنْ يَرِثَ الدِّيَةَ في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ من وَرِثَ ما سِوَاهَا من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ عن الْمَيِّتِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنُوَرِّثُ الدِّيَةَ في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ من وَرِثَ ما سِوَاهَا من مَالِ الْمَيِّتِ وإذا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه وقد وَجَبَتْ دِيَتُهُ فَمَنْ مَاتَ من وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كانت له حِصَّتُهُ من دِيَتِهِ كَأَنَّ رَجُلًا جَنَى عليه في صَدْرِ النَّهَارِ فَمَاتَ وَمَاتَ بن له من آخِرِ النَّهَارِ فَأُخِذَتْ دِيَةُ أبيه في ثَلَاثِ سِنِينَ فَمِيرَاثُ الِابْنِ الذي عَاشَ بَعْدَهُ سَاعَةً قَائِمٌ في دِيَتِهِ كما يَثْبُتُ في دَيْنٍ لو كان لِأَبِيهِ وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ بن كَافِرٌ فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِقَلِيلٍ لم يَرِثْ منه شيئا لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وهو غَيْرُ وَارِثٍ له وَكَذَلِكَ لو كان عَبْدًا فَعَتَقَ أو كانت امْرَأَتُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ نَكَحَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ - * عَفْوُ الْمَجْنِيِّ عليه في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال إذَا جَنَى الرَّجُلُ جِنَايَةً خَطَأً فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عليه أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ لم يَمُتْ من الْجِنَايَةِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ فَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ تَجُوزُ من الثُّلُثِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ لِأَنَّهَا على عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كان الْجَانِي مُسْلِمًا مِمَّنْ لَا عَاقِلَةَ له كان الْعَفْوُ جَائِزًا لِأَنَّهَا على الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كان الْجَانِي نَصْرَانِيًّا أو يَهُودِيًّا من أَهْلِ الْجِزْيَةِ كان الْعَفْوُ جَائِزًا من قِبَلِ أنها على عَاقِلَتِهِ فَإِنْ كان الْجَانِي ذِمِّيًّا لَا يَجْرِي على عَاقِلَتِهِ الْحُكْمُ أو مُسْلِمًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ فَالدِّيَةُ في أَمْوَالِهِمَا مَعًا وَالْعَفْوُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ وَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهُمَا بها وَلَوْ كان الْجَانِي عَبْدًا فَعَفَا عنه الْمَجْنِيُّ عليه ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْعَفْوُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ لِلْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ كان الْمَجْنِيُّ عليه خَطَأً فقال قد عَفَوْت عن الْجَانِي الْقِصَاصَ لم يَكُنْ عَفْوًا عن الْمَالِ حتى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِعَفْوِهِ الْجِنَايَةَ الْعَفْوَ عن الْمَالِ لِأَنَّهُ قد يَرَى أَنَّ له قِصَاصًا وَكَذَلِكَ لو قال قد عَفَوْت عنه الْجِنَايَةَ وما يَحْدُثُ منها وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ كان حَيًّا ما عَفَا الْمَالَ الذي يَلْزَمُ بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا الْيَمِينُ هَكَذَا على عِلْمِهِمْ وَلَوْ قال قد عَفَوْت عنه ما يَلْزَمُهُ من الْأَرْشِ وَالْجِنَايَةِ كان عَفْوًا عن الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ له عَاقِلَةٌ يَجْرِي عليها الْحُكْمُ وَعَمَّنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ خَطَأً ولم يَكُنْ عَفْوًا عن الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد أَرَادَ بِقَوْلِهِ قد عَفَوْت عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ أو ما يَلْزَمُهُ من أَرْشٍ قد عَفَوْت ذلك عن عَاقِلَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ فإذا عَفَا ما لَا يَلْزَمُهُ لم يَكُنْ عَفْوًا وَلَا يَكُونُ عَفْوًا في هذا خَاصَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يَقُولَ قد عَفَوْت ما يَلْزَمُ لي على عَاقِلَتِهِ في أَرْشِ جِنَايَتِي أو ما يَلْزَمُ من أَرْشِ جِنَايَتِي إنْ كان مِمَّنْ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ جُرْحًا فَعَفَا أَرْشَهُ عَفْوًا صَحِيحًا ثُمَّ مَاتَ من الْجِرَاحِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ في أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ على قَدْرِ الْجُرْحِ بِالْمَوْتِ على أَرْشِ الْجُرْحِ كَأَنَّ الْجُرْحَ كان يَدًا فَعَفَا أَرْشَهَا ثُمَّ مَاتَ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ في نِصْفِ الدِّيَةِ من الثُّلُثِ وَيُؤْخَذُ نِصْفُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كان الْعَقْلُ يَلْزَمُ الْقَاتِلَ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْبَتَاتَ في مَعَانِي الْوَصَايَا فَلَا تَجُوزُ لِقَاتِلٍ فَإِنْ كانت الْجِرَاحُ خَطَأً تَبْلُغُ دِيَةَ نَفْسٍ أو أَكْثَرَ فَعَفَا أَرْشَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْعَفْوُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ قد عَفَا الذي وَجَبَ أو أَكْثَرَ منه ( قال ) وإذا جُرِحَ الْمَحْجُورُ عليه بَالِغًا أو مَعْتُوهًا أو صَبِيًّا فَعَفَا أَرْشَ الْجُرْحِ في الْخَطَأِ لم يَجُزْ عَفْوُهُ وَكَذَلِكَ في الْعَمْدِ الذي لَا يَكُونُ فيه الْقَوَدُ وَإِنْ عَفَا الْقَوَدَ جَازَ عَفْوُهُ فيه فَإِنْ عَفَا دِيَتَهُ في الْخَطَأِ عن عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ فَمَنْ أَجَازَ وَصِيَّتَهُ أَجَازَ هذا الْعَفْوَ في وَصِيَّتِهِ وَمَنْ لم يُجِزْهَا لم يُجِزْ هذا الْعَفْوَ بِحَال

(6/89)


- * القامة ( ( ( القسامة ) ) ) - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي لَيْلَى بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّهُ أخبره رِجَالٌ من كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ من جَهْدٍ أَصَابَهُمَا فَتَفَرَّقَا في حَوَائِجِهِمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن سَهْلٍ قد قُتِلَ وَطُرِحَ في فَقِيرٍ أو عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فقال أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاَللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حتى قَدِمَ على قَوْمِهِ فذكر ذلك لهم فَأَقْبَلَ هو وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وهو أَكْبَرُ منه وَعَبْدُ الرحمن بن سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ وهو الذي كان بِخَيْبَرَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُحَيَّصَةَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّا وَاَللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرحمن أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قالوا لَا قال فَتَحْلِفُ يَهُودُ قالوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حتى أُدْخِلَتْ عليهم الدَّارَ قال سَهْلٌ لقد رَكَضَتْنِي منها نَاقَةٌ حَمْرَاءُ ( 1 )
قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا الثَّقَفِيُّ قال حدثني يحيى بن سَعِيدٍ وَأَخْبَرَنَا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَى حديث مَالِكٍ إلَّا أَنَّ بن عُيَيْنَةَ كان لَا يُثْبِت أَقَدَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَنْصَارِيِّينَ في الْأَيْمَانِ أَمْ يَهُودَ فَيُقَالُ في الحديث إنَّهُ قَدَّمَ الْأَنْصَارِيِّينَ فَنَقُولُ فَهُوَ ذَاكَ أو ما أَشْبَهَ هذا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ فإذا كان مِثْلُ هذا السَّبَبِ الذي حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِالْقَسَامَةِ حَكَمْنَا بها وَجَعَلْنَا فيها الدِّيَةَ على الْمُدَّعَى عليهم فإذا لم يَكُنْ مِثْلُ ذلك السَّبَبِ لم نَحْكُمْ بها فَإِنْ قال قَائِلٌ وما مِثْلُ السَّبَبِ الذي حَكَمَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ كانت خَيْبَرُ دَارَ يَهُودَ التي قُتِلَ فيها عبد اللَّهِ بن سَهْلٍ مَحْضَةً لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْن الْأَنْصَارِ وَالْيَهُودِ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عبد اللَّهِ بن سَهْلٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَوُجِدَ قَتِيلًا قبل اللَّيْلِ فَكَادَ أَنْ يَغْلِبَ على من عَلِمَ هذا أَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ إلَّا بَعْضُ يَهُودَ وإذا كانت دَارُ قَوْمٍ مُجْتَمِعَةً لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانُوا أَعْدَاءً لِلْمَقْتُولِ أو قَبِيلَتِهِ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ فِيهِمْ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ إذَا كان مِثْلُ هذا الْمَعْنَى مِمَّا يَغْلِبُ على الْحَاكِمِ أَنَّهُ كما يَدَّعِي الْمُدَّعِي على جَمَاعَةٍ أو وَاحِدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَدْخُلَ نَفَرٌ بَيْتًا فَلَا يَخْرُجُونَ منه إلَّا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا في دَارٍ وَحْدَهُمْ أو في صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أو بَعْضُهُمْ وَكَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ بِصَحْرَاءَ أو نَاحِيَةٍ ليس إلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخْتَضِبٌ بِدَمِهِ في مَقَامِهِ ذلك أو يُوجَدَ قَتِيلٌ فَتَأْتِيَ بَيِّنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ من الْمُسْلِمِينَ من نَوَاحٍ لم يَجْتَمِعُوا فَيُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم على الِانْفِرَادِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَتُهُمْ ولم يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ وَإِنْ لم يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ في الشَّهَادَةِ أو يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ من هذا يَغْلِبُ على عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كما ادَّعَى وَلِيُّ الدَّمِ أو شَهِدَ من وَصَفْت وَادَّعَى وَلِيُّ الدَّمِ وَلَهُمْ إذَا كان ما يُوجِبُ الْقَسَامَةَ على أَهْلِ الْبَيْتِ أو الْقَرْيَةِ أو الْجَمَاعَةِ أَنْ يَحْلِفُوا على وَاحِدٍ منهم أو أَكْثَرَ فإذا أَمْكَنَ في الْمُدَّعَى عليه أَنْ يَكُونَ في جُمْلَةِ الْقَتَلَةِ جَازَ أَنْ يُقْسِمَ عليه وَحْدَهُ وَعَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ في جُمْلَتِهِمْ معه ( 2 ) دَعْوَى إذَا لم يَكُنْ معه ما وَصَفْت لَا يَجِبُ بها الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ في أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ في قَرْيَةٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أو يَمُرُّ بِهِمْ الْمَارَّةُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْضُ من يَمُرُّ وَيُلْقِيَهُ وإذا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عن مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا ذلك بِاعْتِرَافِ الْقَاتِل

(6/90)


أو بَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُمْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ غير ذلك من وُجُوهِ الْعِلْمِ التي لَا تَكُونُ شَهَادَةٌ بِقَطْعٍ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ وَيَقْبَلُ أَيْمَانَهُمْ مَتَى حَلَفُوا - * من يُقْسِمُ وَيُقْسَمُ فيه وَعَلَيْهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ في الْعَبْدِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ له على الْأَحْرَارِ أو عَبِيدِهِمْ غير أَنَّ الدِّيَةَ على الْأَحْرَارِ في اموالهم وَعَوَاقِلِهِمْ وَالدِّيَاتِ في رِقَابِ الْعَبِيدِ وَدِيَةُ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ ما كان وإذا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ في عَبْدٍ مَأْذُونٍ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرِ مَأْذُونٍ له فيها سَوَاءٌ وَالْقَسَامَةُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ قَسَامَةٌ لِأَنَّهُ ليس بِمَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُ وَالْقَسَامَةُ لِسَادَاتِهِمْ دُونَهُمْ وَإِنْ كان لِلْمَكَاتِبِ عَبْدٌ فَوَجَبَتْ له قَسَامَةٌ أَقْسَمَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ فَإِنْ لم يُقْسِمْ حتى يَعْجِزَ لم يَكُنْ له أَنْ يُقْسِمَ وهو مَمْلُوكٌ وكان لِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ وَعَجْزُهُ كَمَوْتِهِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ الذي يُقْسَمُ فيه لِسَيِّدِهِ بِالْمِيرَاثِ فَحَالُهُ كَحَالِ رَجُلٍ في هذا وَجَبَتْ له في عَبْدٍ له أو بن أو غَيْرِهِ قَسَامَةٌ فلم يُقْسِمْ حتى مَاتَ فَتُقْسِمُ وَرَثَتُهُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَيَمْلِكُونَ ما مَلَكَ وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا لِأُمِّ وَلَدٍ فلم يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حتى مَاتَ وَأَوْصَى بِثَمَنِ الْعَبْدِ لها لم تُقْسِمْ وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وكان لها ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لم تُقْسِمْ الْوَرَثَةُ لم يَكُنْ لها وَلَا لهم شَيْءٌ إلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عليهم وَلَوْ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لِرَجُلٍ في عَبْدٍ له فلم يُقْسِمْ حتى ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَكَفَّ الْحَاكِمُ عن أَمْرِهِ بِالْقَسَامَةِ فَإِنْ تَابَ أَقْسَمَ وَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ على الرِّدَّةِ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ له إنَّمَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَيْئًا وَلَوْ أَمَرَهُ مُرْتَدًّا فَأَقْسَمَ اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ كانت له وَإِنْ مَاتَ قبل الْإِسْلَامِ قُبِضَتْ فَيْئًا عنه وَلَوْ كانت الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ له في ابْنِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قبل أَنْ يُقْسِمَ كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْعَبْدِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ يُقْسِمَ وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ فَإِنْ تَابَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ على الرِّدَّةِ قَبَضَهَا فَيْئًا عنه وَلَوْ كان ابْنُهُ جُرِحَ فلم يَمُتْ حتى ارْتَدَّ أَبُوهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ رِدَّةِ الْأَبِ لم يَكُنْ الْأَبُ له وَارِثًا ولم يَكُنْ له أَنْ يُقْسِمَ وَأَقْسَمَ وَرَثَةُ الِابْنِ سِوَى الْأَبِ وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ إلَى الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له من مِيرَاثِ الِابْنِ شَيْءٌ وَلَوْ جُرِحَ رَجُلٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ مُرْتَدًّا وَوَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ وَارِثٌ له وَلَوْ جُرِحَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قبل يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ كانت فيه الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جُرِحَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ حُرًّا وَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَسَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ ما يَمْلِكُ سَيِّدُهُ الْمُعْتِقُ مِمَّا وَجَبَ في جِرَاحِهِ وَقَدْرَ ما يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ سُهْمَانَهُمْ من مِيرَاثِهِ كَأَنَّ سَيِّدَهُ مَلَكَ بِجِرَاحِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ فَيَحْلِفُ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فيها وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وإذا أُصِيبَ رَجُلٌ بِمَوْضِعٍ تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَإِنْ أُصِيبَ في ذلك الْمَوْضِعِ بِجُرْحٍ ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ الْجُرْحِ مُدَّةً طَوِيلَةً أو قَصِيرَةً صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كانت تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَإِنْ لم يَلْتَئِمْ الْجُرْحُ لم يَكُنْ فيه قَسَامَةٌ وَإِنْ مَاتَ وقال وَرَثَتُهُ لم يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ وقال الذي يُقْسِمُ بَلْ كان يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ وَلَهُمْ الْقَسَامَةُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قد كان يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ بَعْدَ الْجُرْحِ فَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَإِنَّمَا جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَ الْوَرَثَةِ في أَنَّهُ كان صَاحِبَ فِرَاشٍ ( 1 ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ليس بُدٌّ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ في الْقَسَامَةِ الْوَارِثُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ من كان منهم مُسْلِمًا أو كَافِرًا عَدْلًا أو غير عَدْلٍ وَمَحْجُورًا عليه وَالْقَسَامَةُ في الْمُسْلِمِينَ على الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكِينَ على الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فيما بَيْنَهُمْ مِثْلُهَا على الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْتَلِفُ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمَالِهِ إلَّا أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَةَ مُشْرِكٍ على مُسْلِمٍ وَلَا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ بِحَالٍ لِأَنَّ من حُكْمَ الْإِسْلَامِ إبْطَالُ أَخْذِ الْحُقُوقِ بِشَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ

(6/91)


الْقَسَامَةِ على النَّفْسِ إنْ فُلَانًا قَتَلَهَا إذَا كان لها سَبَبٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَوْ قال وَرَثَةُ الْمَيِّتِ لم يَزَلْ مَرِيضًا من الْجُرْحِ حتى مَاتَ فقال الْمُدَّعَى عليه إنَّهُ مَاتَ من غَيْرِ الْجُرْحِ أو قالوا ذلك في رَجُلٍ قَامَتْ له بَيِّنَةٌ أو اعْتِرَافٍ رَجُلٍ بِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا عَمْدًا أو خَطَأً وَقَامَتْ لهم بَيِّنَةٌ في هذا بِأَنَّهُ لم يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ جَعَلَتْ عليهم الْأَيْمَانُ في الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ لَمَاتَ من ذلك الْجُرْحِ وَجَعَلْت لهم في الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وفي الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ التي قَامَتْ بها الْبَيِّنَةُ أو أَقَرَّ بها الْجَانِي الْقَوَدَ إذَا أَقْسَمُوا لَمَاتَ منها وَمَنْ أَوْجَبْت له دِيَةَ نَفْسٍ بِيَمِينٍ أو أَوْجَبْت له أَنْ يَبْرَأَ من نَفْسٍ بِيَمِينٍ لم يَسْتَحِقَّ هذا ولم يَبْرَأْ من هذا بِأَقَلَّ من خَمْسِينَ يَمِينًا وَالْأَيْمَانُ في الدِّمَاءِ خِلَافُ الْأَيْمَانِ في الْحُقُوقِ وَهِيَ في جَمِيعِ الْحُقُوقِ يَمِينٌ يَمِينٌ وفي الدِّمَاءِ خَمْسُونَ يَمِينًا بِمَا سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقَسَامَةِ فلم نجز ( ( ( تجز ) ) ) في يَمِينِ دَمٍ يَبْرَأُ بها الْمُحَلَّفُ وَلَا يَأْخُذُ بها الْمُدَّعِي أَقَلَّ من خَمْسِينَ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْوَرَثَةُ يُقْسِمُونَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَجَبَتْ في رَجُلٍ قَسَامَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا فَامْتَنَعَ الْوَرَثَةُ من الْقَسَامَةِ فَسَأَلَ أَهْلَ الدَّيْنِ أو الْمُوصَى لهم أَنْ يُقْسِمُوا لم يَكُنْ ذلك لهم وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا الْمَجْنِيَّ عليه الذي وَجَبَ له على الْجَانِينَ الْمَالُ وَلَا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَ الْمَيِّتِ في مَالِهِ بِقَدْرِ ما فُرِضَ له منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَرَكَ الْقَتِيلُ وَارِثَيْنِ فَأَقْسَمَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَحَقَّ بِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا الْغُرَمَاءُ من يَدِهِ فَإِنْ فَضَلَ منها فَضْلٌ أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا ثُلُثَهَا من يَدِهِ ولم يَكُنْ لهم أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنْ أَقْسَمَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ من يَدِهِ ما في يَدِهِ حتى يَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ وَإِنْ اسْتَوْفُوهَا أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا الثُّلُثَ مِمَّا في يَدِهِ وَإِنْ كان لِلْغُرَمَاءِ مِائَةُ دِينَارٍ فَاسْتَوْفُوهَا من نِصْفِ الدِّيَةِ الذي وَجَبَ لِلَّذِي أَقْسَمَ أَوَّلًا ثُمَّ أَقْسَمَ الْآخَرُ رَجَعَ الْأَوَّلُ على الْآخَرِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلَا يَرْجِعُ عليه في الْوَصَايَا لِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا إنَّمَا يَأْخُذُونَ منه ثُلُثَ ما في يَدِهِ لَا كُلَّهُ كما يَأْخُذُهُ الْغُرَمَاءُ وَلَا يُقْسِمُ ذُو قَرَابَةٍ ليس بِوَارِثٍ وَلَا وَلِيُّ يَتِيمٍ من وَلَدِ الْمَيِّتِ حتى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَإِنْ مَاتَ الْيَتِيمُ قام وَرَثَتُهُ في ذلك مَقَامَهُ وَإِنْ طَلَبَ ذُو قَرَابَةٍ وهو غَيْرُ وَارِثٍ الْقَتِيلَ أَنْ يُقْسِمَ جَمِيعَ الْقَسَامَةِ لم يَكُنْ ذلك له فَإِنْ مَاتَ بن الْقَتِيلِ أو زَوْجَةٌ له أو أُمٌّ أو جَدَّةٌ فَوَرِثَهُ ذُو الْقَرَابَةِ كان له أَنْ يُقْسِمَ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا وَمَنْ وَجَبَتْ له الْقَسَامَةُ وهو غَائِبٌ أو مَخْبُولٌ أو صَبِيٌّ فلم يَحْضُرْ الْغَائِبُ أو حَضَرَ فلم يُقْسِمْ ولم يَبْلُغْ الصَّبِيُّ ولم يُفِقْ الْمَعْتُوهُ أو بَلَغَ هذا وَأَفَاقَ هذا فلم يُقْسِمُوا ولم يُبْطِلُوا حُقُوقَهُمْ في الْقَسَامَةِ حتى مَاتُوا قام وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ في أَنْ يُقْسِمُوا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ منهم وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ بن عُشْرَ مَالِ أبيه ثُمَّ يَمُوتَ فَيَرِثُهُ عَشْرَةٌ فَيَكُونَ على كل وَاحِدٍ من الْعَشَرَةِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ من قِبَلِ أَنَّ له عُشْرَ الْعَشْرِ من مِيرَاثِ الْقَتِيلِ وَعُشْرُ الْعُشْرِ وَاحِدٌ وَهَكَذَا هذا في غَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ يُقْسِمُونَ على قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي حديث بن أبي لَيْلَى ذِكْرُ أَخِي الْمَقْتُولِ وَرَجُلَيْنِ معه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لهم تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ فَكَيْفَ لَا يَحْلِفُ إلَّا وَارِثٌ قُلْت قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قال ذلك لِوَارِثِ الْمَقْتُولِ هو وَغَيْرُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قال ذلك لِوَارِثِهِ وَحْدَهُ تَحْلِفُونَ لِوَاحِدٍ أو قال ذلك لِجَمَاعَتِهِمْ يَعْنِي بِهِ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ إنْ كان مع أَخِيهِ الذي حَكَى أَنَّهُ حَضَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَارِثٌ غَيْرُهُ أو كان أَخُوهُ غير وَارِثٍ له وهو يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَرَثَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الدَّلَالَةُ على هذا فان جَمِيعَ حُكْمِ اللَّهِ وَسُنَنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُتِلَ الرَّجُلُ فَوَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا كَأَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ ( 1 ) النَّفْسُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا دِيَةَ الْمَقْتُولِ وَلَا يَمْلِكُ دِيَةَ الْمَقْتُولِ إلَّا وَارِثٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ على ما لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا من له الْمَالُ بِنَفْسِهِ أو من جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى له الْمَالَ من الْوَرَثَةِ

(6/92)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سِوَى الْقَسَامَةِ أَنَّ يَمِينَ الْمَرْءِ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَدْفَعُ بها الرَّجُلُ عن نَفْسِهِ كما يَدْفَعُ قَاذِفُ امْرَأَتِهِ الْحَدَّ عن نَفْسِهِ وَيَنْفِي بها الْوَلَدَ ( 1 ) وَكَمَا يَدْفَعُ بها الْحَقَّ عن نَفْسِهِ وَالْحَدَّ وَغَيْرَهُ وَفِيمَا يَأْخُذُ بها الرَّجُلُ مع شَاهِدٍ وَيَدَّعِي الْمَالَ فَيَنْكُلُ الْمُدَّعَى عليه وَتُرَدُّ عليه الْيَمِينُ فَيَأْخُذُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولُ صَاحِبِهِ ما ادَّعَى عليه لَا أَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ فَيَبْرَأُ غَيْرُهُ وَلَا يَحْلِفُ فَيَمْلِكُ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ شيئا فلما لم يَكُنْ في الحديث بَيَانٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بها لِغَيْرِ وَارِثٍ وَيَسْتَحِقُّ بها الْوَارِثُ لم يَجُزْ فيها وَاَللَّهُ اعلم إلَّا ان تَكُونَ في مَعَانِي ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بِهِ من الْأَيْمَانِ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ من أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شيئا - * بَيَانُ ما يُحْلِفُ عليه الْقَسَامَةَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجِبُ على أَحَدٍ حَقٌّ في الْقَسَامَةِ حتى تَكْمُلَ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَثُرَ الْوَرَثَةُ أو قَلُّوا وإذا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ وَارِثًا وَاحِدًا أَقْسَمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ وَإِنْ تَرَكَ وَارِثَيْنِ أو أَكْثَرَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أو غَائِبًا أو مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أو حَاضِرًا بَالِغًا فلم يَحْلِفْ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ لم يُحْبَسْ على غَائِبٍ وَلَا صَغِيرٍ ولم يَبْطُلْ حَقُّهُ من مِيرَاثِهِ من دَمِهِ بِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ من الْيَمِينِ وَلَا إكْذَابِهِ دَعْوَى أَخِيهِ وَلَا صِغَرِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ من وَجَبَتْ له الْقَسَامَةُ من صَاحِبُكَ فإذا قال فُلَانٌ قال فُلَانٌ وَحْدَهُ فَإِنْ قال نعم قال عَمْدًا أو خَطَأً فَإِنْ قال عَمْدًا سَأَلَهُ ما الْعَمْدُ فَإِنْ وَصَفَ ما يَجِبُ بمثله قِصَاصٌ لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَحْلَفَهُ على ذلك وَإِنْ وَصَفَ من الْعَمْدِ ما لَا يَجِبُ فيه قِصَاصٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ فيه الْعَقْلُ أَحْلَفَهُ على ذلك بَعْدَ إثْبَاتِهِ وَإِنْ قال قَتَلَهُ فُلَانٌ وَنَفَرٌ معه لم يُحْلِفْهُ حتى يُسَمِّيَ النَّفَرَ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُهُمْ وأنا أَحْلِفُ على هذا أَنَّهُ فِيمَنْ قَتَلَهُ لم يُحْلِفْهُ حتى يُسَمِّيَ عَدَدَ النَّفَرِ معه فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَحْلَفَهُ على الذي أَثْبَتَهُ وكان له عليه ثُلُثُ الدِّيَةِ أو على عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعُهَا وَإِنْ لم يُثْبِتْ عَدَدَهُمْ لم يَحْلِفْ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَلْزَمُ هذا الذي يَثْبُتُ وَلَا عَاقِلَتُهُ من الدِّيَةِ لو حَلَفَ عليه وَلَوْ عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ قبل أَنْ يَسْأَلَهُ عن هذا كان عليه أَنْ يُعِيدَ عليه الْيَمِينَ إذَا أَثْبَتَ كَمْ عَدَدُ من قَتَلَ معه وَلَوْ عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِ فُلَانٍ فُلَانًا ولم يَقُلْ عَمْدًا وَلَا خَطَأً أَعَادَ عليه عَدَدَ ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ لِأَنَّ حُكْمَ الدِّيَةِ في الْعَمْدِ أنها في مَالِهِ وفي الْخَطَأِ أنها على عَاقِلَتِهِ وَلَوْ عَجَّلَ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ مع غَيْرِهِ عَمْدًا ولم يَقُلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ لِقَتْلِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ عَجَّلَ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ مع غَيْرِهِ ولم يُسَمِّ عَدَدَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ معه أَعَادَ عليه الْأَيْمَانَ إذَا عَرَفَ الْعَدَدَ وَلَوْ أَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ وَثَلَاثَةٍ معه لم يُسَمِّهِمْ قَضَى عليه بِرُبُعِ الدِّيَةِ أو على عَاقِلَتِهِ فَإِنْ جاء بِوَاحِدٍ من الثَّلَاثَةِ فقال قد أَثْبَتَ هذا أَحْلَفَهُ أَيْضًا عليه عِدَّةَ ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ فَإِنْ كان هذا الْوَارِثُ وَحْدَهُ أَحْلَفَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا لِقَتْلِهِ مع هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ كان يَرِثُ النِّصْفَ فَنِصْفُ الْأَيْمَانِ ولم تُعَدَّ عليه الْأَيْمَانُ الْأُولَى ثُمَّ كُلَّمَا أَثْبَتَ وَاحِدًا معه أَعَادَ عليه ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ كما يَبْتَدِئُ اسْتِحْلَافَهُ على وَاحِدٍ لو كانت دَعْوَاهُ عليه مُنْفَرِدَةً وَإِنْ كان له وَارِثَانِ فَأَغْفَلَ الْحَاكِمُ بَعْضَ ما وَصَفْت أَنَّ عليه أَنْ يُحْلِفَهُ عليه أو أَحْلَفَهُ مُغْفِلًا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ جاء الْوَارِثُ الْآخَرُ فَحَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا أَعَادَ على الْأَوَّلِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا لأنها ( ( ( لأنه ) ) ) هِيَ التي تَلْزَمُهُ مع الْوَارِثِ معه وَإِنَّمَا أَحْلَفَهُ أَوَّلًا خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ من الدِّيَةِ إلَّا بها إذَا لم تَتِمَّ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ معه خَمْسِينَ يَمِينًا - * عَدَدُ الْأَيْمَانِ على كل حَالِفٍ - *

(6/93)


وَقِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ الْيَمِينَ أنت لَا تَسْتَوْجِبُ شيئا من الدِّيَةِ على الْمُدَّعَى عليهم وَلَا على عَوَاقِلِهِمْ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ شِئْت أَنْ تُعَجِّلَ فَتَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نُصِيبَكَ من الْمِيرَاثِ لَا يُزَادُ عليه قَبِلْت مِنْكَ وَإِنْ امْتَنَعْت فَدَعْ هذا حتى يَحْضُرَ مَعَكَ وَارِثٌ تُقْبَلُ يَمِينُهُ فَتَحْلِفَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا أو وَرَثَتُهُ فَتَكْمُلَ أَيْمَانُكُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِقَدْرِ ما يَجِبُ عليه من الْأَيْمَانِ أو أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ على وَارِثٍ في الْأَيْمَانِ على قَدْرِ حِصَّتِهِ من الْمِيرَاثِ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا ما وَصَفْت من أَنْ يَغِيبَ وَارِثٌ أو يَصْغُرَ أو يَنْكُلَ فَيُرِيدُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْيَمِينَ فَلَا يَأْخُذُ حَقَّهُ إلَّا بِكَمَالِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُزَادُ عليه في الْأَيْمَانِ في هذا الْمَوْضِعِ وَلَا يُجْبَرُ على الْأَيْمَانِ أو يَدَعَ الْمَيِّتُ ثَلَاثَ بَنِينَ فَتَكُونُ حِصَّةُ كل وَاحِدٍ منهم سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا إلَّا ثُلُثَ يَمِينٍ فَلَا يَجُوزُ في الْيَمِينِ كَسْرٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ سِتَّةَ عَشَرَ يَمِينًا وَعَلَيْهِ ثُلُثَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ آخَرُ سَبْعَةَ عَشَرَ ( 1 ) وَلَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَزِيَادَةً وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا فَيَكُونُ عليهم زِيَادَةُ يَمِينٍ بَيْنَهُمْ وَهَكَذَا من وَقَعَ عليه أو له كَسْرُ يَمِينٍ جَبَرَهَا وَإِنْ لم يَدَعْ الْقَتِيلُ وَارِثًا إلَّا ابْنَهُ أو أَبَاهُ أو أَخَاهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ الْمَالَ كُلَّهُ وَكُلُّ من مَلَكَ شيئا حَلَفَ عليه وَهَكَذَا لو لم يَدَعْ إلَّا ابْنَتَهُ وَهِيَ مَوْلَاتُهُ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ الْكُلَّ النِّصْفَ بِالنَّسَبِ وَالنِّصْفَ بِالْوَلَاءِ وَهَكَذَا لو لم يَدَعْ إلَّا زَوْجَةً وَهِيَ مَوْلَاتُه وإذا تَرَكَ أَكْثَرَ من خَمْسِينَ وَارِثًا سَوَاءٌ في مِيرَاثِهِ كَأَنَّهُمْ بَنُونَ مَعًا أو إخْوَةٌ مَعًا أو عُصْبَةٌ في ( 2 ) الْقُعْدَدِ إلَيْهِ سَوَاءٌ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم يَمِينًا وَإِنْ جَازُوا خَمْسِينَ أَضْعَافًا لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مَالًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ من الْمُدَّعَى عليه بِلَا يَمِينٍ منه وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شيئا وَلَوْ كانت فِيهِمْ زَوْجَةٌ فَوَرِثَتْ الرُّبُعَ أو الثُّمُنَ حَلَفَتْ رُبُعَ الْأَيْمَانِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا يُزَادُ عليها كَسْرُ يَمِينٍ أو ثُمُنَ الْأَيْمَانِ سَبْعَةَ أَيْمَانٍ يُزَادُ عليها كَسْرُ يَمِينٍ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كان على وَارِثٍ كَسْرُ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِيَمِينٍ تَامَّةٍ - * نُكُولُ الْوَرَثَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ في الْقَسَامَةِ وَمَنْ يدعي عليهم - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا كان لِلْقَتِيلِ وَارِثَانِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا من الْقَسَامَةِ لم يَمْنَعْ ذلك الْآخَرَ من أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ من الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْوَرَثَةُ عَدَدًا كَثِيرًا فَنَكَلُوا إلَّا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ إنْ كان الْمُقْسَمُ عليه عَدْلًا وَالْمُقْسِمُ غَيْرُ عَدْلٍ قُبِلَتْ قَسَامَتُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ فَالْعَدْلُ وَغَيْرُ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كما يَكُونُ لِلرَّجُلَيْنِ شَاهِدٌ وَلِلرِّجَالِ شَاهِدٌ فَيَمْتَنِعُ أَحَدُهُمْ أو أَكْثَرُهُمْ من الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ غَيْرُهُ منهم فَيَكُونُ لِلْحَالِفِ أَخْذُ حَقِّهِ كما يدعي على الرِّجَالِ حَقٌّ فَيُقِرُّ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُنْكِرُ بَعْضٌ فَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ وَيَبْرَأُ وَيُؤْخَذُ من الْمُقِرِّ ما أَقَرَّ بِهِ فإذا كانت على الرَّجُلِ في الْقَسَامَةِ أَيْمَانٌ فلم يُكْمِلْهَا حتى مَاتَ كان على الْوَرَثَةِ أَنْ يَبْتَدِئُوا الْأَيْمَانَ التي كانت على أَبِيهِمْ وَلَا يُحَاسَبُونَ بِأَيْمَانِهِ لِأَنَّ أَيْمَانَهُ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ وهو لم يَكُنْ يَأْخُذُ بِأَيْمَانِهِ شيئا حتى يُكْمِلَ ما عليه فيه وَلَوْ كان لم يَمُتْ وَلَكِنَّهُ لم يُكْمِلْ أَيْمَانَهُ حتى غُلِبَ على عَقْلِهِ فإذا أَفَاقَ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ من أَيْمَانِهِ ولم يَسْقُطْ من أَيْمَانِهِ الْمَاضِيَةِ شَيْءٌ من قِبَلِ أَنَّ عليه عَدَدَ شَيْءٍ فإذا أتى بِهِ مَجْمُوعًا أو مُفَرَّقًا عِنْدَ حَاكِمٍ فَقَدْ أَدَّى ما عليه وَلَوْ جاء بِهِ عِنْدَ حَاكِمَيْنِ وَيَجِبُ على الْحَاكِمِ أَنْ يُثْبِتَ له عَدَدَ ما حَلَفَ عِنْدَهُ قبل يَغْلِبَ على عَقْلِهِ وما حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ على بَعْضِ الْأَيْمَانِ ثُمَّ سَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يُنْظَرَ أَنْظَرَهُ فإذا جاء لِيَسْتَكْمِلَ الْأَيْمَانَ حُسِبَتْ له ما مَضَى منها عِنْدَهُ وإذا كان لِلْقَتِيلِ تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ وَارِثَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا على رَجُلٍ من أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ قال ما قَتَلَهُ كان فيه

(6/94)


قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ الْمُدَّعِي الذي لم يُبْرِئْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ على الْمُدَّعَى عليه نِصْفَ الدِّيَةِ إنْ كان عَمْدًا في مَالِهِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ كان خَطَأً وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال لو كان عَدْلًا فَشَهِدَ له أَنَّهُ كان في الْوَقْتِ الذي قُتِلَ فيه وَهُمْ يَتَصَادَقُونَ على الْوَقْتِ غَائِبًا بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ منه في ذلك الْوَقْتِ وَلَا في يَوْمٍ إلَى مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لم يُبَرَّأْ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ولو كان الْوَارِثَانِ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فَشَهِدَا له بهذا أو شَهِدَا على آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمَا ولم نَجْعَلْ فيه قَسَامَةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ ليس لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُقْسِمُوا على رَجُلٍ يُبَرِّئُهُ أَحَدُهُمْ إذَا كان الذي يُبَرِّئُهُ يَعْقِلُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ منهم مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو صَبِيٌّ لم يَبْلُغْ كان لِلْبَاقِينَ منهم أَنْ يَحْلِفُوا - * ما يُسْقِطُ حُقُوقَ أَهْلِ الْقَسَامَةِ من الِاخْتِلَافِ وما لَا يُسْقِطُهَا - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الْوَارِثَانِ فِيمَنْ تَجِبُ عليه الْقَسَامَةُ فَكَانَتْ دَعْوَاهُمَا مَعًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَا فيه بِحَالٍ لم يَسْقُطْ حَقُّهُمَا في الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هذا قَتَلَ أبي عبد اللَّهِ بن خَالِدٍ وَرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ وَيَقُولُ الْآخَرُ قَتَلَ أبي زَيْدٍ بن عَامِرٍ وَرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ قد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَيْدُ بن عَامِرٍ هو الرَّجُلُ الذي عَرَفَهُ الذي جَهِلَ عَبْدَ اللَّهِ بن خَالِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عبد اللَّهِ بن خَالِدٍ هو الرَّجُلُ الذي جَهِلَهُ الذي عَرَفَ زَيْدَ بن عَامِرٍ وَلَوْ قال الذي ادَّعَى على عبد اللَّهِ قد عَرَفْت زَيْدًا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مع عبد اللَّهِ وقال الذي عَرَفَ زَيْدًا قد عَرَفْت عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مع زَيْدٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ على الذي ادَّعَى عليه وَيَأْخُذَ منه رُبُعَ الدِّيَةِ وَمَنْ قال هذا قال حَقُّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ على رَجُلٍ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا بِإِكْذَابِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ في كل الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا الْقَتْلُ وفي كل وَاحِدٍ من الْوَارِثِينَ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَهْمُ أو يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ مع الذي ادَّعَى عليه قَاتِلًا غَيْرَهُ وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على غَيْرِ الذي أَبْرَأَهُ أَنَّهُ قَاتِلٌ مع الذي ثَبَتَ عليه كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ وَيَأْخُذَ منه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ حتى تَجْتَمِعَ دَعْوَاهُمَا على وَاحِدٍ فَيُقْسِمَانِ عليه وَمَنْ قال هذا قال هَذَانِ لَيْسَا كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ على رَجُلٍ فَأَكْذَبَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَتَهُ فَبَطَلَ حَقُّهُ وَصَدَّقَ الْآخَرُ بَيِّنَتَهُ فَأَخَذَ حَقَّهُ لِأَنَّ هذا الْحَقَّ أُخِذَ بِغَيْرِ قَوْلِ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ وَأَخَذَهُ بِشَهَادَةٍ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُولٌ مِثْلُهَا وَالْقَسَامَةُ حَقٌّ أُخِذَ بِدَلَالَةٍ وَأَيْمَانُهُمَا بها لِأَنَّهُمَا وَارِثَانِ له وَلَا يَأْخُذَانِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ وَمَنْ قال هذا قال لو أَنَّ وَارِثِينَ وَجَبَتْ لَهُمَا الْقَسَامَةُ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ على وَاحِدٍ من الذي اُدُّعِيَا عليه وَلَا على غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قد أَبْرَأَ غَيْرَهُ بِدَعْوَاهُ عليه وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ بِحَالٍ وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَالْآخَرُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ لو كان له مَعَهُمَا وَارِثٌ ثَالِثٌ فَادَّعَى على الذي ادَّعَيَا عليه وَحْدَهُ أو معه غَيْرُهُ لم يَكُنْ ذلك له وَلَوْ وَجَبَتْ لَهُمَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا على وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وقال الْآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ وَامْتَنَعَ من الْقَسَامَةِ كان لِلَّذِي أَثْبَتَ الْقَسَامَةَ عليه أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ لِأَنَّ امْتِنَاعَ أَخِيهِ من الْيَمِينِ ليس بِإِكْذَابٍ له فإذا لم يَكُنْ إكْذَابًا له فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى وَارِثَانِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمَا فقال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وقال الْآخَرُ قَتَلَهُ وَآخَرُ معه كان لِلَّذِي أَفْرَدَ الدَّعْوَى عليه وَحْدَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ منه رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْآخَرُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ رُبُعَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا على أَنَّ عليه نِصْفَ الدِّيَةِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا عليه كُلَّهَا وَلَا يُؤْخَذُ في هذا الْقَوْلِ إلَّا بِمَا اجْتَمَعَا عليه وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي ادَّعَى على الْبَاقِي أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ أَخَاهُ يُكَذِّبُهُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّه

(6/95)


- * الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ في الْقَسَامَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لم أُحَلِّفْ الْوَرَثَةَ حتى أَسْأَلَهُمْ أَعَمْدًا قَتَلَ صَاحِبُهُمْ أو خَطَأً فَإِنْ قالوا عَمْدًا أَحْلَفْتُهُمْ على الْعَمْدِ وَجَعَلْت لهم الدِّيَةَ في مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً مُغَلَّظَةً كَدِيَةِ الْعَمْدِ وَإِنْ قالوا خَطَأً أَحْلَفْتُهُمْ لِقَتْلِهِ خَطَأً ثُمَّ جَعَلْت الدِّيَةَ على عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ وَهَكَذَا إذَا كانت لِمُسْلِمِينَ على مُشْرِكِينَ أو لِمُشْرِكِينَ على مُسْلِمِينَ أو لِمُشْرِكِينَ على مُشْرِكِينَ أَحْرَارٍ لَا تَخْتَلِفُ فإذا كانت الْقَسَامَةُ على عَبْدٍ أو قَوْمٍ فِيهِمْ عَبْدٌ كانت الدِّيَةُ في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ في عُنُقِ الْعَبْدِ دُونَ مَالِ سَيِّدِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ وإذا أَقْسَمُوا أَبِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ أَعَادَ عليهم الْحَاكِمُ الْأَيْمَانَ ولم يَحْسِبْ لهم من أَيْمَانِهِمْ قبل اسْتِحْلَافِهِ لهم شيئا - * الْقَسَامَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَغَيْرِهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ لهم قَتِيلًا وَحْدَهُ وَأَخَذُوا منه الدِّيَةَ أو من عَاقِلَتِهِ ثُمَّ جاء شَاهِدَانِ بِمَا فيه الْبَرَاءَةُ لِلَّذِي أَقْسَمُوا عليه من قَتْلِ قَتِيلِهِمْ رَدَّ وُلَاةُ الْقَتِيلِ ما أَخَذُوا من الدِّيَةِ على من أَخَذُوهَا منه وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هذا الذي أَقْسَمُوا عليه كان يوم كَذَا من شَهْرِ كَذَا وَذَلِكَ الْقَاتِلُ بِمَكَّةَ وَالْقَتِيلُ بِالْمَدِينَةِ أو كان بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الْقَتِيلِ في يَوْمٍ وَلَا أَكْثَرَ أو يَشْهَدُونَ على أَنَّ فُلَانًا الذي أَقْسَمُوا عليه كان مَعَهُمْ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا قُتِلَ الْقَتِيلُ في هذا الْوَقْتِ أو ما في مَعْنَى هذا مِمَّا يُثْبِتُ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هذا الْمُقْسَمَ عليه بَرِيءٌ من قَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا رَجُلًا آخَرَ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ لم تُخْرَجْ الدِّيَةُ حتى يُنْظَرَ فَإِنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ على فُلَانٍ أُخْرِجَتْ الدِّيَةُ التي أُخِذَتْ بِالْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ إلَى من أُخِذَتْ منه وَإِنْ رُدَّتْ عن فُلَانٍ لم تُخْرَجْ التي أُخِذَتْ بِالْقَسَامَةِ بِشَهَادَةِ من لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ على رَجُلٍ بِعَدَاوَةٍ وَلَا بِأَنْ يَعْدِلَهُمْ من يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ أو يَدْفَعُ عنها وَلَا يُقْبَلُ شَاهِدَانِ من عَاقِلَةِ الْمُدَّعَى عليه إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً أَنْ يَبْتَدِئُوهَا بِمَا يُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عليه في الْخَطَأِ لِأَنَّ في ذلك بَرَاءَةً لهم مِمَّا يَلْزَمُهُمْ من الدِّيَةِ وقد قِيلَ إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا لم يُقْبَلْ ذلك لِلْمُدَّعَى عليه لِأَنَّ ذلك إبْرَاءٌ له من اسْمِ الْقَتْلِ وَلَا إنْ كان الشَّاهِدَانِ يَكُونَانِ إذَا شَهِدَا أبرءا ( ( ( أبرآ ) ) ) أَنْفُسَهُمَا من شَيْءٍ من الدِّيَةِ أو جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَهِدُوا على الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ هذا الْمُقْسَمَ عليه لم يَقْتُلْ أَبَاهُمْ أو أَنَّهُ كان غَيْرُ حَاضِرٍ قَتْلَ أَبِيهِمْ أو أَنَّهُ في الْيَوْمِ الذي قُتِلَ فيه أَبُوهُمْ كان لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُمْ أو أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا عليه عَارِفِينَ بِأَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ أَحَدٌ أُخِذَتْ الدِّيَةُ منهم وللامام تَعْزِيرُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا على أَنَّهُمْ قالوا إنْ كنا لَغُيَّبًا عن قَتْلِهِ قبل الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا لم يَرُدُّوا شيئا لِأَنِّي أَحْلَفْتُهُمْ وأنا أَعْلَمُهُمْ غُيَّبًا وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا قبل الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا أَنَّهُمْ قالوا ما نَحْنُ على يَقِينٍ من قَتْلِهِ كان لهم أَنْ يُقْسِمُوا لِأَنَّهُمْ قد يُصَدِّقُونَ الشُّهُودَ بِمَا لَا يَسْتَيْقِنُونَ وَإِنَّمَا الْيَقِينُ الْعِيَانُ لَا الشَّهَادَةُ وَلَوْ شَهِدُوا عليهم أَنَّهُمْ قالوا قد أَخَذْنَا منه الدِّيَةَ أو من عَاقِلَتِهِ الدِّيَةَ بِظُلْمٍ سُئِلُوا فَإِنْ قالوا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ لنا دِيَةً حَلَفُوا بِاَللَّهِ ما أَرَادُوا غير هذا وَقِيلَ لهم ليس هذا بِظُلْمٍ وَإِنْ سَمَّيْتُمُوهُ ظُلْمًا وَإِنْ لم يَحْلِفُوا على هذا حَلَفَ الْمُدَّعَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَقْطَعُوا الشَّهَادَةَ بِمَا يُبَيِّنُ بَرَاءَتَهُ لم يَكُنْ بَرِيئًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ بِبَلَدٍ فَيُقْتَلُ يوم الْجُمُعَةِ لَا يُدْرَى أَيُّ وَقْتٍ قُتِلَ فيه فَيَشْهَدُ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ أَنَّ هذا كان مَعَهُمْ يوم الْجُمُعَةِ طُولَ النَّهَارِ أو في بَعْضِ النَّهَارِ دُونَ بَعْضٍ أو في حَبْسٍ وَحَدِيدٍ أو مَرِيضًا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ في وَقْتٍ لم يَكُنْ مَعَهُمْ فيه وَيَنْفَلِتُ من السِّجْنِ وَالْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ في الْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ وهو مَرِيضٌ

(6/96)


عليه ما قَتَلَ صَاحِبَهُمْ وَرَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ قالوا أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا أَخَذْنَا الدِّيَةَ بِظُلْمٍ بِأَنَّا كَذَبْنَا عليه رَدُّوا الدِّيَةَ وَعُزِّرُوا وَلَوْ أَقْسَمَ الْوَرَثَةُ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَحْدَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ على الْقَاتِلِ الْمَشْهُودِ عليه دَمَ أَبِيهِمْ وَسَأَلُوا الْقَوَدَ بِهِ أو الدِّيَةَ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ قد زَعَمُوا أَنَّ قَاتِلَ أَبِيهِمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَأَبْرَءُوا منه غَيْرَهُ وَرَدُّوا ما أَخَذُوا من الدِّيَةِ بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّهُ قد شُهِدَ لِمَنْ أَخَذُوا منه الدِّيَةَ بِالْبَرَاءَةِ وَأَبْرَءُوهُ بِدَعْوَاهُمْ على غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتُوا أَيْضًا على دَعْوَاهُمْ على الْأَوَّلِ وَكَذَّبُوا الْبَيِّنَةَ لم يَأْخُذُوا من الْآخَرِ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ وَرَدُّوا ما أَخَذُوا من الْأَوَّلِ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قد شَهِدَا له بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمَا يُبَرِّئُهُ من دَمِ رَجُلٍ كما وَصَفْت ثُمَّ أَقَرَّ الْمَشْهُودُ له أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً لَزِمَهُ الدَّمُ كما أَقَرَّ بِهِ وإذا أَقَرَّ بِهِ خَطَأً لَزِمَهُ في مَالِهِ في ثَلَاثِ سِنِينَ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ أَقَرُّوا أَنَّ رَجُلًا لم يَقْتُلْ أَبَاهُمْ وَادَّعُوهُ على غَيْرِهِ وَأَقَرَّ الذي أَبْرَءُوهُ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ مُنْفَرِدًا فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ أَصْدَقُ عليه من إبْرَائِهِمْ له كَشَهَادَةِ من شَهِدَ له بِالْبَرَاءَةِ وَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ من قِبَلِ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ قد أَبْرَءُوهُ من دَمِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَوْا الْوَهْمَ في إبْرَائِهِ ثُمَّ قالوا أَثْبَتْنَا أَنَّكَ قَتَلْته أو لم يَدَّعُوهُ - * اخْتِلَافُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه في الدَّمِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْقَتِيلُ في مَحَلَّةِ قَوْمٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أو صَحْرَاءَ أو مَسْجِدٍ أو سُوقٍ أو مَوْضِعِ مَسِيرٍ إلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَا قَسَامَةَ فيه فَإِنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ على أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لم يَحْلِفْ لهم منهم إلَّا من أَثْبَتُوا بِعَيْنِهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ فَإِنْ أَثْبَتُوهُمْ كُلَّهُمْ وَادَّعَوْا عليهم وَهُمْ مِائَةٌ أو أَكْثَرُ وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ وَعَبِيدٌ مُسْلِمُونَ كلهم أو مُشْرِكُونَ كلهم أو فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ أُحْلِفُوا كلهم يَمِينًا يَمِينًا لِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ على خَمْسِينَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ من خَمْسِينَ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عليهم فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ لِأَنَّ على كل وَاحِدٍ منهم يَمِينًا وَكَسْرَ يَمِينٍ وَمَنْ كانت عليه كَسْرُ يَمِينٍ حَلَفَ يَمِينًا تَامَّةً وَلَيْسَ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ بِأَحَقَّ بِالْأَيْمَانِ من الْعَبِيدِ وَلَا الْعَبِيدُ من الْأَحْرَارِ وَلَا الرِّجَالُ من النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ من الرِّجَالِ كُلُّ بَالِغٍ فيها سَوَاءٌ وَإِنْ كان فِيهِمْ صَبِيٌّ ادَّعَوْا عليه لم يَحْلِفْ وإذا بَلَغَ حَلَفَ فَإِنْ مَاتَ قبل الْبُلُوغِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ منهم إلَّا وَاحِدًا ادَّعَوْا عليه بِنَفْسِهِ فإذا حَلَفُوا بَرِئُوا وإذا نَكَلُوا عن الْأَيْمَانِ حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ إنْ كانت عَمْدًا فَفِي أَمْوَالِهِمْ وَرِقَابِ الْعَبِيدِ منهم بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فيها وَإِنْ كانت خَطَأً فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَإِنْ كان وَلِيُّ الْقَتِيلِ ادَّعَى على اثْنَيْنِ منهم فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ من الْيَمِينِ بَرِيءَ الذي حَلَفَ وَحَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ على الذي نَكَلَ ثُمَّ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا بِمَا فيه الْقَوَدُ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ عليه في ثَلَاثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ما قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ عَمْدًا وكان له الْقَوَدُ وَهَكَذَا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالشَّيْءِ الذي إذَا قَتَلَهُ بِهِ لم يُقَدْ منه وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ خَطَأً فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ قَتَلَهُ هو وَغَيْرُهُ معه كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ ولم يَغْرَمْ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَا يَصْدُقُ على الذي زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ معه وَلَوْ قال قَتَلْته وَحْدِي عَمْدًا وأنا مَغْلُوبٌ على عَقْلِي بِمَرَضٍ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كان مَرِيضًا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَإِنْ لم يُعْلَمْ ذلك فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَلِيُّ الدَّمِ لَقَتَلَهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَهَكَذَا لو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فقال قَتَلْته وأنا مَغْلُوبٌ على عَقْلِي

(6/97)


إنْ كان عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كان خَطَأً لِأَنَّهُمْ إنَّمَا ادَّعَوْا أَنَّهُ قَاتِلٌ مع غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ في النُّكُولِ عن الْيَمِينِ الْمَحْجُورُ عليه وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عليه إذَا نَكَلَ منهم وَاحِدٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَكَذَلِكَ سَوَاءٌ في الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عليه وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عليه بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ منها ما يَلْزَمُ غير الْمَحْجُورِ عليه وَالْجِنَايَةُ خِلَافُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وقد قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ في الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ - * بَابُ الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ وَالدَّعْوَى في الدَّمِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ادَّعَوْا على جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ لَا يَحْلِفُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ على نَفْسِهِ فَإِنْ أَفَاقَ من الْعَتَهِ أُحْلِفَ وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ عَمَّا ادَّعَوْا عليه وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عليه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ وَإِنْ ادَّعَوْا على قَوْمٍ فِيهِمْ سَكْرَانُ لم يَحْلِفْ السَّكْرَانُ حتى يُفِيقَ ثُمَّ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عليه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْقَتِيلُ في دَارِ رَجُلٍ وَحْدَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا إذَا ادعى عليه الْقَتْلُ - * قَتْلُ الرَّجُلِ في الْجَمَاعَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْجَمَاعَةُ في مَسْجِدٍ أو مَجْمَعٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَازْدَحَمُوا فَمَاتَ رَجُلٌ منهم في الزِّحَامِ قِيلَ لِوَلِيِّهِ ادَّعِ على من شِئْت منهم فَإِنْ ادَّعَى على أَحَدٍ بعنيه ( ( ( بعينه ) ) ) أو جَمَاعَةٍ كانت في الْمَجْمَعِ الذي قُتِلَ فيه أو جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَاتِلَتَهُ بِزِحَامٍ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ وَحَلَفَ وَاسْتَحَقَّ على عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةَ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ ادَّعَاهُ على من لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَحَمَهُ بِالْكَثْرَةِ كَأَنْ يَكُونَ في الْمَسْجِدِ أَلْفٌ فَيَدَّعِيهِ عليهم فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كلهم زَحَمَهُ فَإِنْ لم يَدَّعِ على أَحَدٍ بِعَيْنِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَحَمَهُ لم يُعَرَّضْ لهم فيه ولم نَجْعَلْ فيه عَقْلًا وَلَا قَوَدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا إنْ قُتِلَ بين صَفَّيْنِ لَا يُدْرَى من قَتَلَهُ وَهَكَذَا قَتْلُ الْجَمَاعَاتِ في هذا كُلِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُدُّعِيَ على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فانكر الْمُدَّعَى عليه أَنْ يَكُونَ كان في الْمَوْضِعِ الذي قُتِلَ فيه الْقَتِيلُ لم يُقْسِمْ وَلِيُّ الدَّمِ عليه حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كان في ذلك الْمَوْضِعِ فإذا أَقَرَّ أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ فِيمَا تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ كان بِالْمَيِّتِ أَثَرُ سِلَاحٍ أو خَنْقٍ أو غَيْرُ ذلك أو لم يَكُنْ لِأَنَّهُ قد يُقْتَلُ بِمَا لَا أَثَرَ له فَإِنْ قال الْمُدَّعَى عليه الْقَتْلُ إنَّمَا مَاتَ مَيِّتُكَ من مَرَضٍ كان بِهِ أو مَاتَ فَجْأَةً أو بِصَاعِقَةٍ أو مِيتَةٌ ما كانت كان لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْقَسَامَةُ بِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ قد يُقْتَلُ بِمَا لَا أَثَرَ له وَلَوْ دَفَعْت الْقَسَامَةَ بهذا دَفَعْتهَا بِأَنْ يَقُولَ جَاءَنَا جَرِيحًا فَمَاتَ من جِرَاحِهِ عِنْدَنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ سَوَاءٌ في الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ وَالنُّكُولِ عن الْيَمِينِ فيها إلَّا في خَصْلَةٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ لَا قِصَاصَ فيها لم يُتْبَعْ فيها وَأُشْهِدَ الْحَاكِمُ بِإِقْرَارِهِ بها فَمَتَى عَتَقَ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا لِأَنَّهُ حين أَقَرَّ أَقَرَّ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ في مَالِ غَيْرِهِ وإذا صَارَ له مَالٌ كان إقْرَارُهُ فيه وإذا ادَّعَوْا على عَشَرَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ رُفِعَتْ حِصَّةُ الصَّبِيِّ عَنْهُمْ من الدِّيَةِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ وَأَخَذُوا منهم تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ فبرئ ( ( ( فبريء ) ) ) أو نَكَلَ فَحَلَفَ الْوَلِيُّ وَأَخَذَ منه الْعُشْرَ إذَا كان الْقَتْلُ عَمْدًا

(6/98)


- * نُكُولُ الْمُدَّعَى عليهم بِالدَّمِ عن الْأَيْمَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ادعي على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فلم يَنْكُلْ ولم يَحْلِفْ أو حَلَفَ فلم يُتِمَّ الْأَيْمَانَ التي يَبْرَأُ بها حتى يَمُوتَ لم يَكُنْ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ عليه الدَّمَ وَلَوْ نَكَلَ في حَيَاتِهِ عن الْيَمِينِ كان لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ عليه الدَّمَ - * بَابُ دَعْوَى الدَّمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اُدُّعِيَ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَحْدَهُ أو قَتَلَهُ هو وَغَيْرُهُ عَمْدًا فَقَدْ قِيلَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ يَبْرَأُ بِحِصَّتِهِ من الْأَيْمَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَمِينًا إذَا حَلَفَ مع الْمُدَّعَى عليه وإذا ادعى عليه جُرْحٌ أو جِرَاحٌ دُونَ النَّفْسِ فَقَدْ قِيلَ يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ على قَدْرِ الدِّيَةِ فَلَوْ اُدُّعِيَتْ عليه يَدٌ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَلَوْ اُدُّعِيَتْ عليه مُوضِحَةٌ حَلَفَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ - * بَابُ كَيْفَ الْيَمِينُ على الدَّمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اُدُّعِيَ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالِمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ ما قَتَلَ فُلَانًا وَلَا أَعَانَ على قَتْلِهِ وَلَا نَالَهُ من فِعْلِهِ وَلَا بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ وَلَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ من بَدَنِهِ وَلَا من فِعْلِهِ وَإِنَّمَا زِدْت هذا في الْيَمِينِ عليه احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قد يَرْمِي وَلَا يُرِيدُهُ فَتُصِيبُهُ الرَّمِيَّةُ أو يَرْمِي الشَّيْءَ فَيُصِيبُ رَمْيُهُ شيئا فَيَطِيرُ الذي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ عليه فَيَقْتُلَهُ وقد يَجْرَحُهُ فَيَرَى أَنَّ مِثْلَ ذلك الْجُرْحِ لَا يَقْتُلُهُ وَكَذَلِكَ يَضْرِبُهُ بِالشَّيْءِ فَلَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَرَى أَنَّ مِثْلَ ذلك يَقْتُلُهُ فَأُحَلِّفُهُ لِيَنْكُلَ فَيَلْزَمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ أو يَمْضِيَ عليه الْيَمِينُ فَيُبَرِّئَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ادَّعَى خَطَأً حَلَفَ هَكَذَا وزاد وَلَا أَحْدَثَ شيئا عَطِبَ بِهِ فُلَانٌ وَإِنَّمَا أَدْخَلْت هذا في يَمِينِهِ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْبِئْرَ فَيَمُوتُ فيها الرَّجُلُ وَيُحْدِثُ الْحَجَرَ في الطَّرِيقِ فَيَعْطَبُ بها الرَّجُلُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي عن الْيَمِينَيْنِ مَعًا أَنْ أُحَلِّفَهُ ما كان سَبَبًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ قد يُحْدِثُ غَيْرُهُ في الْمَقْتُولِ الشَّيْءَ فَيَأْتَنِفُ هو الْمُحْدِثُ فَيَقْتُلُهُ فَيَكُونَ سَبَبًا لِقَتْلِهِ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ وَلَا قَوَدَ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم أَجْعَلْ لِوُلَاةِ الدَّمِ الْأَيْمَانَ فَادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه خَمْسِينَ يَمِينًا ما قَتَلَهُ فإذا حَلَفَ بَرِيءَ من دَمِهِ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه وَإِنْ كان أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَارِثُ الْعَقْلَ وَيَأْخُذَهُ من مَالِهِ أو الْعَفْوَ عن الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ وَإِنْ لم يُقِرَّ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ قِيلَ لِلْوَارِثِ احْلِفْ خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَتَلَهُ وَلَكَ الْقَوَدُ كَهُوَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كان الْمُدَّعَى عليه الْقَتْلُ مَعْتُوهًا أو صَبِيًّا لم يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ في حَالِهِ تِلْكَ لم أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ فَإِنْ أَفَاقَ الْمَعْتُوهُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ أَحَلَفْتَهُ على دَعْوَى وَلِيِّ الدَّمِ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ أَقَرَّ لم يَكُنْ عليه الْقَوَدُ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عليه في مَالِهِ حَالَّةً إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا وَإِنْ كان الْقَتْلُ خَطَأً في ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه الدَّمَ عن الْيَمِينِ وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ من الْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ على الْمُدَّعَى عليه وَهَكَذَا الدَّعْوَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ من جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَوْ كانت الدَّعْوَى على رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ خَطَأً حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا على النَّاكِلِ وَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ عليه وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَيُرَدِّدُ الْأَيْمَانَ على الذي حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا حتى يَتِمَّ عليه خَمْسُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ لم يَحْلِفْ معه تَمَامَ خَمْسِينَ يَمِينًا وقد قِيلَ لَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لو حَلَفَا مَعًا إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا يُحْسَبُ له يَمِينُ غَيْرِهِ

(6/99)


- * يَمِينُ الْمُدَّعِي على الْقَتْلِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا هو وَآخَرُ معه خَطَأً حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرحمن الرَّحِيمِ ما قَتَلْت فُلَانًا وَحْدِي وَلَقَدْ ضَرَبَهُ مَعِي فُلَانٌ فَكَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ ضَرْبِنَا مَعًا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من أَنْ أُحَلِّفَهُ لَمَاتَ من ضَرْبِكُمَا مَعًا أَنَّهُ قد يَمُوتُ من ضَرْبِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا ضَرَبَاهُ فَمَاتَ فَمِنْ ضَرْبِهِمَا مَاتَ وإذا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَنَّ فُلَانًا ضَرَبَهُ وَهَذَا ذَبَحَهُ أو فَعَلَ بِهِ فِعْلًا لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ إلَّا كَحَيَاةِ الذَّبِيحِ أَحَلَفْتَهُ على ما ادَّعَى وَلِيُّ القتل ( ( ( القتيل ) ) ) - * يَمِينُ مُدَّعِي الدَّمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الْجَانِي على وَلِيِّ الدَّمِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ من غَيْرِ ضَرْبِهِ أَحَلَفْتُهُ على دَعْوَاهُ فَإِنْ قال أُحَلِّفَهُ ما زَالَ أَبُوهُ ضَمِنًا من ضَرْبِ فُلَانٍ لَازِمًا لِلْفِرَاشِ حتى مَاتَ من ضَرْبِهِ أَحَلَفْتَهُ وَإِنَّمَا أَحَلَفْتَهُ لَمَاتَ من ضَرْبِ فُلَانٍ أَنَّهُ قد يَلْزَمُ الْفِرَاشَ حتى يَمُوتَ من غَيْرِ مَرَضٍ وَيَلْزَمُ حتى يَمُوتَ بِحَدَثٍ يُحْدِثُ عليه آخَرُ أو جِنَايَةٍ يُحْدِثُهَا على نَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ على ما أَحَلَفْتَهُ عليه على الظَّاهِرِ من أَنَّهُ مَاتَ من ضَرْبِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حَلَفَ لَمَاتَ من ضَرْبِهِ ثُمَّ قال قد كان بَعْدَ ضَرْبِهِ بَرَأَ لم أَقْضِ له بِعَقْلٍ وَلَا قَوَدٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إن هذا يَحْدُثُ عليه مَوْتٌ من غَيْرِ ضَرْبِهِ إذَا أَقْبَلَ أو أَدْبَرَ وَلَوْ لم يَزِدْهُ السُّلْطَانُ على أَنْ لَا يَحْلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ ذلك لِأَنَّ كُلَّ ما وَصَفْت من صِفَةِ اللَّهِ عز وجل وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَافِيَةٌ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ على الْمُتَلَاعِنَيْنِ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ عز وجل في اللِّعَانِ - * التَّحَفُّظُ في الْيَمِينِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَتَحَفَّظْ الذي يُحَلِّفُ فيقول لِلْحَالِفِ وَاَللَّهِ لقد كان كَذَا وَكَذَا أو ما كان كَذَا فَإِنْ قال الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كان كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مَعًا يَمِينٌ وَلَوْ لَحَنَ الْحَالِفُ فقال وَاَللَّهُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ الْقَوْلَ حتى يُضْجِعَ وَلَوْ مَضَى على الْيَمِينِ بِغَيْرِ إضْجَاعٍ لم يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَإِنْ قال يَاللَّهِ بِالْيَاءِ لَكَانَ كَذَا لم يَقْبَلْ منه وَأَعَادَ عليه حتى يُدْخِلَ الْوَاوَ أو الْبَاءَ أو التَّاءَ وإذا نَسَّقَ الْيَمِينَ ثُمَّ وَقَفَ لِغَيْرِ عِيٍّ وَلَا نَفَسٍ قبل
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَجَبَتْ لِرَجُلٍ قَسَامَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالَمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ لقد قَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ ما شَرَكَهُ في قَتْلِهِ غَيْرُهُ وَإِنْ ادَّعَى على غَيْرِهِ معه حَلَفَ لَقَتَلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدَيْنِ بِقَتْلِهِ ما شَرَكَهُمَا فيه غَيْرُهُمَا وَإِنْ لم يَعْرِفْ الْحَالِفُ الذي قَتَلَهُ معه حَلَفَ لَقَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا وَآخَرُ معه لم يُشْرِكْهُمَا في قَتْلِهِ غَيْرُهُمَا فإذا أَثْبَتَ الْآخَرَ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ ولم تُجْزِئْهُ الْيَمِينُ الْأُولَى وَإِنْ كان الْحَالِفُ على الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ على رَجُلٍ جُرِحَ ثُمَّ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ حَلَفَ كما وَصَفْت لَقَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ لم يُشْرِكْهُ فيه غَيْرُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ بَرَأَ من الْجِرَاحَةِ أو مَاتَ من شَيْءٍ غَيْرِ جِرَاحَتِهِ التي جَرَحَهُ إيَّاهَا حَلَفَ ما بَرَأَ منها حتى تُوُفِّيَ منها - * يَمِينُ الْمُدَّعَى عليه من إقْرَارِهِ - *

(6/100)


أَنْ يُكْمِلَهَا ابْتَدَأَهَا الْحَاكِمُ عليه وَإِنْ وَقَفَ لِنَفَسٍ أو لِعِيٍّ لم يُعِدْ عليه ما مَضَى منها فَإِنْ حَلَفَ فَأَدْخَلَ الِاسْتِثْنَاءَ في شَيْءٍ من يَمِينِهِ ثُمَّ نَسَّقَ الْيَمِينَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ من أَوَّلِهَا حتى يُنَسِّقَهَا كُلَّهَا بِلَا اسْتِثْنَاءٍ - * عِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِنَّ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ إذَا وطىء الرَّجُلُ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ له فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ بِحَالِهَا لَا تَرِثُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَجِنَايَتُهَا وَالْجِنَايَةُ عليها جِنَايَةُ مَمْلُوكٍ وَكَذَلِكَ حُدُودُهَا وَلَا حَجَّ عليها فَإِنْ حَجَّتْ ثُمَّ عَتَقَتْ فَعَلَيْهَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَلَا تُخَالِفُ الْمَمْلُوكَ في شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا بَيْعُهَا وإذا لم يَجُزْ له بَيْعُهَا لم يَحِلَّ له إخْرَاجُهَا من مِلْكِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْعِتْقِ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ إذَا مَاتَ من رَأْسِ الْمَالِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَبِيعُوهَا عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْزِعَ أُمَّ وَلَدٍ مُدَبَّرِهِ وَعَبْدِهِ لِأَنَّهُ ليس لَهُمَا أَنْ يَتَسَرَّيَا وَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ إنَّمَا الْمَالُ لِلسَّيِّدِ وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ من كل مَمْلُوكٍ له أُمِّ وَلَدٍ أو مُدَبَّرٍ أو غَيْرِهِمَا ما خَلَا الْمُكَاتَبِ فإنه مَحُولٌ دُونَ رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ وما كان لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَيَأْخُذَهُ السَّيِّدُ مَرِيضًا وَصَحِيحًا وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يَأْخُذَهُ كان مَالًا من مَالِهِ مَوْرُوثًا عنه إذَا عَقَلْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ أَحْيَاءً فَقَدْ عَقَلْنَا عنه ثُمَّ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا ما كان مَالِكًا وما كان مَالِكًا فَهُوَ مَوْرُوثٌ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ أنها إنَّمَا تَمْلِكُهَا بعد ما تُعْتَقُ وَكَذَلِكَ وَصِيَّتُهُ لِمُدَبَّرِهِ إنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَخْرُجْ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ من الثُّلُثِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِوَرَثَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَلَدُ الذي تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ كُلُّ ما بَانَ له خَلْقٌ من سِقْطٍ من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ عَيْنٌ أو ظُفُرٌ أو إصْبَعٌ أو غَيْرُ ذلك فَإِنْ أَسْقَطَتْ شيئا مُجْتَمِعًا لَا يَبِينُ أَنْ يَكُونَ له خَلْقٌ سَأَلْنَا عُدُولًا من النِّسَاءِ فَإِنْ زَعَمْنَ أَنَّ هذا لَا يَكُونُ إلَّا من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ كانت بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ شَكَكْنَ لم تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بهذا الْحُكْمِ بِأَنْ يَنْكِحَهَا وَهِيَ في مِلْكِ غَيْرِهِ فَتَلِدُ ثُمَّ يَمْلِكُهَا وَوَلَدَهَا وَلَا بِحَبَلٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَلِدُ في مِلْكِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ قد جَرَى على وَلَدِهَا لِغَيْرِهِ وقد قال بَعْضُ الناس إذَا نَكَحَهَا مَمْلُوكَةً فَوَلَدَتْ له فَمَتَى مَلَكَهَا فَلَهَا هذا الْحُكْمُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وقد وَلَدَتْ منه وَلَوْ مَلَكَ انها ( ( ( ابنها ) ) ) عَتَقَ بِالنَّسَبِ فَإِنْ كان إنَّمَا أَعْتَقَهَا بِأَنَّ ابْنَهَا يُعْتَقُ عليه مَتَى مَلَكَهُ فَقَدْ عَتَقَ عليه ابْنُهَا ( 1 ) وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ وقد جَرَى عليها الرِّقُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا ما قُلْنَا فيها وهو تَقْلِيدٌ لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَفِيهِ أَنَّ الْمَوْلُودَ لم يَجْرِ عليه رِقٌّ وَهَذَا الْقَوْلُ الذي حَكَيْنَاهُ هو مُخَالِفٌ لِلْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ ( 2 ) فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ قَوْلُنَا إذَا وَلَدَتْ منه في مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ يقول لو حَبَلَتْ منه في مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ فَهَذَا لَا على اسْمِ أنها قد وَلَدَتْ له وَمَلَكَهَا كما قال من حَكَيْت قَوْلَهُ وَلَا على مَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ الذي تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لها بِهِ هذا الْحُكْمُ كان حَمْلُهُ في مِلْكِ سَيِّدِهَا الْوَاطِئِ لها وَيُزَوِّجُهَا من شَاءَ وَيُؤَاجِرُهَا غُرَمَاؤُهُ إنْ كانت لها صَنْعَةٌ فاما إنْ لم تَكُنْ لها صَنْعَةٌ فَلَا وَلَيْسَ لِلْمَكَاتِبِ أَنْ يَتَسَرَّى وَلَوْ فَعَلَ مُنِعَ لِأَنَّهُ ليس بِتَامِّ الْمِلْكِ وَلَوْ وَلَدَتْ له لم تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ بهذا الْوَلَدِ حتى يُعْتَقَ ثُمَّ يُحْدِثُ لها وطءا ( ( ( وطئا ) ) ) تَلِدُ منه بَعْدَ الْمِلْكِ

(6/101)


- * الْجِنَايَةُ على أُمِّ الْوَلَدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيْنَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى عليها جِنَايَةً فلم يَحْكُمْ بها الْحَاكِمُ حتى مَاتَ سَيِّدُهَا فَهِيَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا من قِبَلِ أَنَّ سَيِّدَهَا قد مَلَكَهَا بِالْجِنَايَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا إذَا عَتَقَتْ كان من حَلَالٍ أو حَرَامٍ وَلَوْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قبل سَيِّدِهَا كان أَوْلَادُهَا في يَدِ سَيِّدِهَا فإذا مَاتَ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كما كانت أُمُّهُمْ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وإذا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأُخِذَ بِالنَّفَقَةِ عليها وَأَنْ تَعْمَلَ له ما يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَمَتَى أَسْلَمَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُسْلِمَ فَهِيَ حُرَّةٌ بِمَوْتِهِ وقال بَعْضُهُمْ إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى في قِيمَتِهَا وَرُوِيَ عن الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ قال تَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا وقال غَيْرُهُمَا هِيَ حُرَّةٌ وَلَا تَسْعَى في شَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان إنَّمَا ذَهَبَ إلَى انه لم يَكُنْ له منها إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا فَحَرُمَتْ عليه الْإِصَابَةُ بِإِسْلَامِهَا فَهُوَ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ من أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَتْهُ وُهِبَ لها أو تُصُدِّقَ بِهِ عليها أو وَجَدَتْ كَنْزًا أو اكْتَسَبَتْهُ وَيَجْعَلُ له خِدْمَتَهَا وَبَعْضُ هذا أَكْثَرُ من رَقَبَتِهَا فَكَيْفَ أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ وَهَذَا لَا يَحِلُّ له وهو لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ وإذا لم يُبَعْ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ فَكَيْفَ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في الْحُكْمِ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أو الْمُسْلِمُ يَرْتَدُّ ( قال الرَّبِيعُ لَا تُبَاعُ ) أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ كما لَا تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا حَكَمْنَا أَنَّهُ مَحُولٌ دُونَهَا لم يُخَلَّ وَبَيْعَهَا كما لَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ ابْنِهِ وَلَا بين بَيْعِ مُكَاتَبِهِ وإذا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عن أُمِّ وَلَدِهِ أو أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عليها وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ كانت لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إلَيْنَا قِيَاسًا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا كانت بَرَاءَةً في الظَّاهِرِ فَالْحَمْلُ يَبِينُ في التي لَا تَحِيضُ في أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عليها شَهْرًا بَدَلًا من الْحَيْضَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَبِهِ يقول الشَّافِعِيُّ ( قال الرَّبِيعُ ) وإذا كانت لِلرَّجُلِ أُمُّ وَلَدٍ فَخُصِيَ أو انْقَطَعَ عنه الْجِمَاعُ فَلَيْسَ لها خِيَارٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ في حَالٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جني على أُمِّ الْوَلَدِ فَالْجِنَايَةُ عليها جِنَايَةٌ على أَمَةٍ تُقَوَّمُ أَمَةً مَمْلُوكَةً ثُمَّ يَكُونُ سَيِّدُهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عليها دُونَهَا يَعْفُوهَا إنْ شَاءَ أو يَسْتَقِيدُ إنْ كان فيها قَوَدٌ أو يَأْخُذُ الْأَرْشَ وإذا كانت هِيَ الْجَانِيَةُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهَا أو الْجِنَايَةَ لِلْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ أُخْرَى وقد أَخْرَجَ قِيمَتَهَا كُلَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إسْلَامُهُ بَدَنَهَا فَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عليه الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ على الْمَجْنِيِّ عليه الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فيها بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا ثُمَّ هَكَذَا إنْ جَنَتْ جِنَايَةً أُخْرَى رَجَعَ الْمَجْنِيُّ عليه الثَّالِثُ على الْأَوَّلَيْنِ فَكَانُوا شُرَكَاءَ في قِيمَتِهَا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ عليهم وَهَذَا قَوْلٌ يُتَوَجَّهُ وَيَدْخُلُ من قِبَلِ أَنَّهُ لو كان أَسْلَمَ بَدَنَهَا إلَى الْأَوَّلِ أَخْرَجَهَا من يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي ولم يَجْعَلْهُمَا شَرِيكَيْنِ فإذا قام قِيمَتَهَا مَقَامَ بَدَنِهَا فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا إلَى الْمَجْنِيِّ عليه الثَّانِي إذَا كان ذلك أَرْشُ جِنَايَتِهَا ثُمَّ يَصْنَعُ ذلك بها كُلَّمَا جَنَتْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهَا أو الْجِنَايَةَ فإذا عَادَتْ فَجَنَتْ وقد دَفَعَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لم يَرْجِعْ الْآخَرُ على الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ وَرَجَعَ الْآخَرُ على سَيِّدِهَا فَأَخَذَ منه الْأَقَلَّ من قِيمَتِهَا وَالْجِنَايَةَ وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ وَهَذَا قَوْلٌ يَدْخُلُ من قِبَلِ أَنَّهُ إنْ كان إنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْعَبْدِ يَجْنِي فَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةَ فَهَذِهِ لم يَعْتِقْهَا سَيِّدُهَا وَذَلِكَ إذَا عَادَ عَقَلَتْ عنه الْعَاقِلَةُ ولم يَعْقِلْ هو عنه وهو يَجْعَلُهُ يَعْقِلُ عن هذه ( قال الرَّبِيعُ )

(6/102)


- * مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( حدثنا الشَّافِعِيُّ ) إمْلَاءً قال أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ التي قضى عليها بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلُ على عَصَبَتِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ ما دُونَهُ وَقَوْلُ غَيْرِهِمْ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ ما كان له أَرْشٌ وإذا قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ خَطَأَ الْحُرِّ في الْأَكْثَرِ قَضَيْنَا بِهِ في الْأَقَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ إلَى أَنْ يقضى بِهِ فِيمَا قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً وَلَا يُجْعَلُ شيئا قِيَاسًا عليه وَهَذَا يَلْزَمُهُ في غَيْرِ مَوْضِعٍ قد بُيِّنَ في مَوْضِعِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال غَيْرُ أبي حَنِيفَةَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ ما دُونَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في هذا إلَّا ما قُلْنَا من أَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ إذَا كانت خَطَأً فَجَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّفْسِ على الْعَاقِلَةِ وَجَعَلَهَا في الْجَنِينِ وهو نِصْفُ عُشْرِ النَّفْسِ على الْعَاقِلَةِ وَفَرْقٌ بين حُكْمِهَا وَحُكْمِ الْعَمْدِ وَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَمْدَ الْحُرِّ في النَّفْسِ وما دُونَهَا وَفِيمَا اُسْتُهْلِكَ من مَالٍ في مَالِ نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَحُكْمُ ما أَصَابَ من حُرٍّ خَطَأً في نَفْسٍ على عَاقِلَتِهِ ( 2 ) إلَّا أَنْ يَكُونَ ما أَصَابَ من حُرٍّ من شَيْءٍ له أَرْشٌ على عَاقِلَتِهِ كما حَمَلْت الْأَكْثَرَ حَمَلْت الْأَقَلَّ إذَا كان من وَجْهٍ وَاحِدٍ وما ذَهَبَ إلَيْهِ أبو حَنِيفَةَ من أَنَّهُ يَقْضِي على الْعَاقِلَةِ بِمَا قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَقْضِي عليها بِغَيْرِهِ فَأَمَّا أنها تَعْقِلُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فلم نَعْلَمْ عِنْدَ من قَالَهُ فيه خَبَرًا يَثْبُتُ إلَّا رَأْيَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ رَأْيُهُمْ حُجَّةً فِيمَا لَا خَبَرَ فيه أو خَبَرٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ فِيمَا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا بِهِ وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّهُ قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يقضي بها على الْعَاقِلَةِ فَلْيَنْظُرْ من خَالَفَ فَإِنْ قال فَقَدْ أُثْبِتَ الْمُنْقَطِعَ كما قد أَثْبَتَّ الثَّابِتَ فَقَدْ رَوَى بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا ضَحِكَ في الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وهو يَعْرِفُ فَضْلَ الزُّهْرِيِّ في الْحِفْظِ على من روى هذا عنه
وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ لي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا وهو يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَهُ عِيَالَهُ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنت وَمَالُكَ لِأَبِيكَ وهو يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِمَّا لَعَلَّهُ لو جُمِعَ لَكَانَ كَثِيرًا من الْمُنْقَطِعِ فَإِنْ كان أَحَدٌ أَخْطَأَ بِتَرْكِ تَثْبِيتِ الْمُنْقَطِعِ فَقَدْ شَرَكَهُ في الخطأ وَتَفَرَّدَ دُونَهُ بِرَدِّ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) إنَّهُ لِيُرْوَى عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيِّنٌ في قَضَاءِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذا ( ( ( إذ ) ) ) قَضَى على امْرَأَةٍ أَصَابَتْ جَنِينًا بِغُرَّةٍ وَقَضَى على عَصَبَتِهَا بِأَنَّ عليهم ما أَصَابَتْ وَأَنَّ مِيرَاثَهَا لِوَلَدِهَا وَزَوْجِهَا ( 1 ) وأن الْعَقْلَ على الْعَاقِلَةِ وَإِنْ لم يَرِثُوا وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل له وَبَيِّنٌ إذْ قَضَى على عَصَبَتِهَا بِعَقْلِ الْجَنِينِ وَإِنَّمَا فيه غُرَّةٌ لَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ أَنَّ قِيمَتَهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وفي قَوْلِ غَيْرِنَا على أَهْلِ الذَّهَبِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ في سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَعْقِلُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسًا من الْإِبِلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وقد رَوَى هذا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عن عُبَيْدِ بن نَضْلَةَ عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ وَقَضَى بِهِ على عَاقِلَةِ الْجَانِيَةِ التي أَصَابَتْهُ

(6/103)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُتَّصِلًا كَثِيرًا عن الثِّقَاتِ ثُمَّ يَدَعُهُ ( 1 ) فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) مَرْدُودًا وَيَكُونُ الْمُنْقَطِعُ مَرْدُودًا حَيْثُ أَرَادَ ثَابِتًا حَيْثُ أَرَادَ الْعِلْمَ أَدَّى في هذا إلَى الذي يَزْعُمُ هذا إلَّا في الحديث - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ وَأَخْبَرَنَا يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ وقال بن شِهَابٍ وكان رِجَالٌ سِوَاهُ يَقُولُونَ يُقَوَّمُ سِلْعَةً (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ بن شِهَابٍ وَمِثْلَهُ حُجَّةً على سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَجْعَلَ قَوْلَ بن شِهَابٍ وَلَا قَوْلَ الْقَاسِمِ وَلَا قَوْلَ عَامَّةِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً على رأى نَفْسِهِ مع ما لو جُمِعَ من الحديث مَوْصُولًا كان كَثِيرًا فإذا جَازَ أَنْ يَكُونَ هذا مَرْدُودًا بِأَنَّ الْوَهْمَ قد يُمْكِنُ على عَدَدٍ كَثِيرٍ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ كلهم يُحِيلُهَا على الثِّقَةِ حتى يَبْلُغَ بها إلَى من سَمِعَهَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ من رَدَّ الحديث الْمُنْقَطِعَ لِأَنَّهُ لَا يدرى عَمَّنْ رَوَاهُ صَاحِبُهُ وقد خُبِّرَ من كَثِيرٍ منهم أَنَّهُمْ قد يَقْبَلُونَ الْأَحَادِيثَ مِمَّنْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا مِمَّنْ لَعَلَّهُمْ لَا يَكُونُونَ خَابِرِينَ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا من الثِّقَةِ وَلَا يَدْرُونَ عَمَّنْ قَبِلَهَا من قَبِلَهَا عنه وما زَالَ أَهْلُ الحديث في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ الرِّوَايَةَ التي يَحْتَجُّونَ بها وَيُحِلُّونَ بها وَيُحَرِّمُونَ بها إلَّا عَمَّنْ أَمِنُوا وإن يُحَدِّثُوا بها هَكَذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لم يَسْمَعُوهَا من ثَبْتٍ كان عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ يَسْأَلُ عن الشَّيْءِ فَيَرْوِيهِ عَمَّنْ قَبِلَهُ وَيَقُولُ سَمِعْته وما سَمِعْته من ثَبْتٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بِذَلِكَ مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عنه هذا في غَيْرِ قَوْلٍ وكان طَاوُسٌ إذَا حدثه رَجُلٌ حَدِيثًا قال إنْ كان الذي حَدَّثَكَ مَلِيًّا وَإِلَّا فَدَعْهُ يَعْنِي حَافِظًا ثِقَةً
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيٍّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّهُ قال إنِّي لَأَسْمَعُ الحديث أَسْتَحْسِنُهُ فما يَمْنَعُنِي من ذِكْرِهِ إلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْمَعَهُ سَامِعٌ فَيَقْتَدِي بِهِ أَسْمَعُهُ من الرَّجُلِ لَا أَثِقُ بِهِ قد حُدِّثَهُ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ وَأَسْمَعُهُ من الرَّجُلِ أَثِقُ بِهِ حُدِّثَهُ عَمَّنْ لَا أَثِقُ بِهِ وقال سَعِيدُ بن إبْرَاهِيمَ لَا يحدث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا الثِّقَاتُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال سَأَلْت ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن مَسْأَلَةٍ فلم يَقُلْ فيها شيئا فَقِيلَ له إنَّا لَنُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ بن إمَامِ هُدًى تُسْأَلُ عن أَمْرٍ ليس عِنْدَكَ فيه عِلْمٌ فقال أَعْظَمُ وَاَللَّهِ من ذلك عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ من عَرَفَ اللَّهَ وَعِنْدَ من عَقَلَ عن اللَّهِ أَنْ أَقُولَ ما ليس لي بِهِ عِلْمٌ أو أُخْبِرَ عن غَيْرِ ثِقَةٍ وكان بن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ من التَّابِعِينَ يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ في أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا عَمَّنْ عَرَفَ وما لَقِيت وَلَا عَلِمْت أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُخَالِفُ هذا الْمَذْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ من الناس الَّذِينَ قالوا هو سِلْعَةٌ وَخَالَفَ قَوْلَ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ لم يَحْكِ فيه بِالْمَدِينَةِ إلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ قال غير هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ فَزَعَمَ في مُوضِحَةِ الْعَبْدِ وَمُنَقِّلَتِهِ وَمَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ أنها في ثَمَنِهِ مِثْلُ جِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ وَزَعَمَ فِيمَا بَقِيَ من جِرَاحِهِ أنها مِثْلُ جِرَاحِ الْبَعِيرِ فيه ما نَقَصَهُ فَلَا بِقَوْلِ سَعِيدٍ وَلَا بِقَوْلِ الناس الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ الزُّهْرِيُّ

(6/104)


- * دِيَاتُ الْخَطَأِ - * - * دِيَاتُ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ عز وجل { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } فَأَحْكَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في تَنْزِيلِ كِتَابِهِ أَنَّ على قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَأَبَانَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَمْ الدِّيَةُ فَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِدِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً من الْإِبِلِ فَكَانَ هذا أَقْوَى من نَقْلِ الْخَاصَّةِ وقد رُوِيَ من طَرِيقِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ من الْإِبِلِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَلِيِّ بن زَيْدِ بن جُدْعَانَ عن الْقَاسِمِ بن رَبِيعَةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلَا إنَّ في قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأَ بِالسَّوْطِ أو الْعَصَا مِائَةٌ من الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عن الْقَاسِمِ بن رَبِيعَةَ عن عُقْبَةَ بن أَوْسٍ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يوم فَتْحِ مَكَّةَ أَلَا أن في قَتِيلِ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلِ السَّوْطِ أو الْعَصَا الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في النَّفْسِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ في الدِّيَاتِ في كِتَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في النَّفْسِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ أَفِي شَكٍّ أَنْتُمْ من أَنَّهُ كِتَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِائَةٌ من الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه تِلْكَ الدِّيَةَ على أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كان الذي أَصَابَهُ من الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيِّ إذَا أَصَابَهُ أَعْرَابِيٌّ مِائَةٌ من الْإِبِلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى في الْمُعَاهَدِ يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مع ما فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فلم يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ على قَاتِلِ الْكَافِرِ إلَّا بِدِيَةٍ وَلَا أَنْ يُنْقَصَ منها إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ فَقَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنهما في دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ في دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ كان يقول تُقَوَّمُ الدِّيَةُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم نَعْلَمْ أَحَدًا قال في دِيَاتِهِمْ أَقَلَّ من هذا وقد قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ من هذا فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كل وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عليه فَمَنْ قَتَلَ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ ذِمَّةٌ بِأَمَانٍ إلَى مُدَّةٍ أو ذِمَّةٌ بِإِعْطَاءِ جِزْيَةٍ أو أَمَانِ سَاعَةٍ فَقَتَلَهُ في وَقْتِ أَمَانِهِ من الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَمَنْ قَتَلَ مَجُوسِيًّا أو وَثَنِيًّا له أَمَانٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَذَلِكَ سِتُّ فَرَائِضَ وَثُلُثَا فَرِيضَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا دِيَةَ غَيْرَهَا كما فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) فَإِنْ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا وقد وُضِعَ هذا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * دِيَةُ الْمُعَاهَدِ - *

(6/105)


مُسْلِمٍ وَأَسْنَانُ الْإِبِلِ فِيهِمْ كَهِيَ في دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كان قَتَلَهُمْ عَمْدًا أو عَمْدَ خَطَأٍ فَخُمُسَا دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَلِفَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ نِصْفَيْنِ نِصْفٌ حِقَاقٌ وَنِصْفٌ جِذَاعٌ فإذا كان الْقَتْلُ خَطَأً مَحْضًا فَالدِّيَةُ أَخْمَاسٌ خَمْسٌ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ بَنَاتُ لَبُونٍ وَخَمْسٌ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٍ وَخَمْسٌ حِقَاقٌ وَخَمْسٌ جِذَاعٌ وَدِيَاتُ نِسَائِهِمْ على أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ كما تَكُونُ دِيَاتُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ على أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ وإذا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قضى عليهم بِمَا وَصَفْت يُقْضَى بِهِ بين الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى عَوَاقِلِ من جَرَى عليه الْحُكْمُ وقد وَصَفْت هذا في الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ في قَتْلِ الْعَمْدِ وإذا قُتِلَ لهم عَبْدٌ على دِينِهِمْ فَدِيَتُهُ ثَمَنُهُ بَالِغًا ما بَلَغَ وَإِنْ بَلَغَ دِيَاتِ مُسْلِمٍ ( قال ) وإذا كان وَاحِدٌ منهم قَاتِلًا لِمُسْلِمٍ قَتْلًا لَا قِصَاصَ فيه قُضِيَ عليه بِدِيَةِ مُسْلِمٍ كَامِلَةٍ على عَاقِلَتِهِ إنْ كان قَتْلُهُ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ كما يُقْضَى على عَاقِلَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لم يَكُنْ له عَاقِلَةٌ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ فَفِي مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَاخْتَارَ وَرَثَتُهُ الْعَقْلَ فَفِي مَالِ الْجَانِي كما قُلْنَا في الْمُسْلِمِينَ الْإِبِلُ أو قِيمَتُهَا إنْ لم تُوجَدْ في الْجِنَايَةِ وَالدِّيَةُ الإبل ( ( ( والإبل ) ) ) لَا غَيْرُهَا ما كانت الْإِبِلُ مَوْجُودَةً حَيْثُ كانت عَاقِلَةُ الْجَانِي وَالْمَحْكُومِ لهم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا في أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَذَلِكَ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ فإذا قَضَى في الْمَرْأَةِ بِدِيَةٍ فَهِيَ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وإذا قُتِلَتْ عَمْدًا فَاخْتَارَ أَهْلُهَا دِيَتَهَا فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ أَسْنَانُهَا أَسْنَانُ دِيَةِ عَمْدٍ وَسَوَاءٌ قَتَلَهَا رَجُلٌ أو نَفَرٌ أو امْرَأَةٌ لَا يُزَادُ في دِيَتِهَا على خَمْسِينَ من الْإِبِلِ وَجِرَاحُ الْمَرْأَةِ في دِيَتِهَا كَجِرَاحِ الرَّجُلِ في دِيَتِهِ لَا تَخْتَلِفُ فَفِي مُوضِحَتِهَا نِصْفُ ما في مُوضِحَةِ الرَّجُلِ وفي جَمِيعِ جِرَاحِهَا بهذا الْحِسَابِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في دِيَةِ الْمَرْأَةِ سِوَى ما وَصَفْت من الْإِجْمَاعِ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ فَنَعَمْ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِائَةٌ من الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ تِلْكَ الدِّيَةَ على أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا كانت من أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ أو سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فإذا كان الذي أَصَابَهَا من الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيَّةِ إذَا أَصَابَهَا الْأَعْرَابِيُّ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ فَقَضَى فيها عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَهَبَ عُثْمَانُ إلَى التَّغْلِيظِ لِقَتْلِهَا في الْحَرَمِ - * دِيَةُ الْخُنْثَى - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا حُكِمَ له بِذَلِكَ أو لم يُحْكَمْ فَدِيَتُهُ دِيَةُ الرَّجُلِ وإذا بَانَ أُنْثَى فَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ وإذا كان مُشْكِلًا فَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ جني عليه وهو مُشْكِلٌ فلم يَمُتْ حتى بَانَ ذَكَرًا فَدِيَتُهُ دِيَةُ رَجُلٍ وَكَذَلِكَ لو جني عليه جُرْحٌ فَبَرَأَ منه فَأُعْطِيَ أَرْشَهُ وهو مُشْكِلٌ على أَنَّهُ أُنْثَى ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا أُتِمَّ له أَرْشَ جُرْحِ رَجُلٍ وإذا اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْخُنْثَى وَالْجَانِي فقال الْجَانِي هو امْرَأَةٌ أو مُشْكِلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْخُنْثَى أو وَرَثَتِهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى فَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ وَالْجَانِي فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ بِمَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ذَكَرٌ وَالْجَانِي الْبَيِّنَةَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أُنْثَى طُرِحَتْ الْبَيِّنَتَانِ مَعًا في قَوْلِ من طَرَحَ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَكَافَأَتَا وكان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي وَلَوْ كان هذا وَالْخُنْثَى حَيٌّ ثُمَّ عَايَنَهُ الْحَاكِمُ فَرَآهُ ذَكَرًا قَضَى له بِأَرْشِ ذَكَرٍ وَلَوْ كانت بَيِّنَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْقِلُ عَوَاقِلُ الذِّمِّيِّينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ الْعَقْلَ عن جِنَايَتِهِمْ الْخَطَأَ كما تَعْقِلُ عَوَاقِلُ الْمُسْلِمِينَ - * دِيَةُ الْمَرْأَةِ - *

(6/106)


كما تُقْبَلُ على الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ ما أَدْرَكَ الْحَاكِمُ عِيَانَهُ وَأَدْرَكَهُ الشُّهُودُ وكان قَائِمًا بِعَيْنِهِ يوم يَشْهَدُ عليه عِنْدَ الْحَاكِمِ حتى يَكُونَ يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَنْ يُرِيَهُ الشُّهُودَ فَيَشْهَدُونَ منه على عِيَانٍ ثُمَّ آخَرِينَ بَعْدُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ عليه وَيُدْرِكُ الْحَاكِمُ الْعِيَانَ فيه كَشَهَادَةٍ في أَمْرٍ غَائِبٍ عن الْحَاكِمِ لَا يُدْرِكُ فيه مِثْلَ هذا وَلَا يَشْهَدُ منها إلَّا على أَمْرٍ مُنْقِضٍ لَا يَسْتَأْنِفُ الشُّهُودُ عِلْمَهُ وَلَا غَيْرُهُمْ - * دِيَةُ الْجَنِينِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ امْرَأَتَيْنِ من هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو وَلِيدَةٍ
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ يُقْتَلُ في بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو وَلِيدَةٍ فقال الذي قَضَى عليه كَيْفَ أَغْرَمُ ما لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا هذا من إخْوَانِ الْكُهَّانِ
أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ التي قَضَى عليها بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلَ على عَصَبَتِهَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال أَذْكَرَ اللَّهُ امرءا سمع من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْجَنِينِ شيئا فَقَامَ حَمَلُ بن مَالِكِ بن النَّابِغَةِ فقال كُنْت بين جَارِيَتَيْنِ لي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِغُرَّةٍ فقال عُمَرُ إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ في مِثْلِ هذا بِآرَائِنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ في الْجَنِينِ وَالْمَرْأَةِ التي قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَنِينِهَا بِغُرَّةِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فإذا كان الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أو هُمَا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ كان جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ من مُشْرِكٍ حُرٍّ أو عَبْدٍ من نِكَاحٍ أو زِنًا أو جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لَقِيطٍ من زَوْجٍ عَبْدٍ أو حُرٍّ أو زِنًا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ لِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَحُرِّيَّتِهَا وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ صَحِيحٍ أو مِلْكٍ فَاسِدٍ أو يَمْلِكُ شِقْصًا منها وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَنْكِحُهَا وَيَغُرُّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ لِأَنَّ من سَمَّيْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ وما قُلْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَأَيُّ جَنِينٍ جَعَلْته مُسْلِمًا بِكُلِّ حَالٍ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ جَعَلْته جَنِينَ مُسْلِمٍ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ بِهِ السِّقْطُ جَنِينًا فيه غُرَّةٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ من خَلْقِهِ شَيْءٌ يُفَارِقُ الْمُضْغَةَ أو الْعَلَقَةَ أُصْبُعٌ أو ظُفْرٌ أو عَيْنٌ أو ما بَانَ من خَلْقِ بن آدَمَ سِوَى هذا كُلِّهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ جَنَى جَانٍ على امْرَأَةٍ فَجَاءَتْ مَكَانَهَا أو بَعْدُ بِجَنِينٍ فقالت هذا الذي أَلْقَيْت وَأَنْكَرَ الْجَانِي لم يُقْبَلْ قَوْلُهَا وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أو أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا أَلْقَتْ هذا أو أَلْقَتْ جَنِينًا فَإِنْ شَهِدُوا أنها أَلْقَتْ شيئا ولم يُثْبِتُوا الشَّيْءَ وَجَاءَتْ بِجَنِينٍ فقالت هذا هو وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الذي أَلْقَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي عليها مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ لو أَلْقَتْهُ فَدَفَنَتْهُ ولم تُثْبِتْهُ الشُّهُودُ جَنِينًا بِأَنْ يَتَبَيَّنَ فيه خَلْقُ آدَمِيٍّ ولم تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ من رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَسْأَلْ عن الْجَنِينِ ذَكَرٌ هو أو أُنْثَى فإذا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ ذكر أن الْأَجِنَّةِ وَإِنَاثُهُمْ في أَنَّ في كل وَاحِدٍ منهم غُرَّةَ عَبْدٍ أو أَمَةٍ وفي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ دَلِيلٌ على أَنَّ الْحُكْمَ في الْجَنِينِ غَيْرُ الْحُكْمِ في أُمِّهِ وإذا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا وَعَاشَتْ أُمُّهُ فَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ كما يُورَثُ لو أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ يَرِثُهُ أَبَوَاهُ مَعً

(6/107)


أو أُمُّهُ إنْ لم يَكُنْ له أَبٌ ( 1 ) حرها ( ( ( ترثه ) ) ) مع من وَرِثَهُ مَعَهَا وَإِنْ لم يَخْرُجْ إلَّا من الضَّرْبِ الذي سَقَطَ بِهِ الْجَنِينُ فَلَا شَيْءَ لها في الضَّرْبِ لِأَنَّ الْأَلَمَ وَإِنْ وَقَعَ عليها فَالتَّلَفُ وَقَعَ على جَنِينِهَا في جَوْفِهَا وَإِنْ جَرَحَهَا جُرْحًا له أَرْشٌ أو فيه حُكُومَةٌ فَلَهَا أَرْشُ الْجِرَاحِ وَالْحُكُومَةِ فيه دُونَ ما في الْجَنِينِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عليها وَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ لها وَلِأَبِيهِ أو وَرَثَتِهِ إنْ لم يَكُنْ أَبُوهُ حَيًّا مَعَهَا ( قال ) وَبِهَذَا قُلْنَا إذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ أَجِنَّةً مَوْتَى قبل مَوْتِهَا وَبَعْدَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وفي كل جَنِينٍ منهم غُرَّةٌ وَلَهَا مِيرَاثُهَا مِمَّا أَلْقَتْهُ وَهِيَ حَيَّةٌ وما أَلْقَتْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لم تَرِثْهُ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ وَهِيَ تَرِثُهُ ولم يَرِثْهَا لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ حَيًّا فَيَرِثُهَا وَإِنَّمَا يَرِثُ الْأَحْيَاءُ وإذا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجْمَعُهُمَا شَيْءٌ من خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ لم يَلْزَمْ عَاقِلَتَهُ إلَّا دِيَةُ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ أَنْ تُلْقِيَ بَدَنَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ في رَأْسٍ وَاحِدٍ أو في رَقَبَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْ الصَّدْرَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَيَجْمَعُهُمَا رِجْلَانِ أو أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ ( 2 ) إلَّا أَنَّهُمَا لَا يفرقا ( ( ( يفرقان ) ) ) بِأَنْ خُلِقَا في الْجِلْدَةِ الْعُلْيَا أو فيها أو في أَكْثَرَ منها فَإِنْ خَرَجَا في جِلْدَةِ بَطْنٍ فَشُقَّتْ عنهما وَبَقِيَا بِبَدَنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فَهُمَا جَنِينَانِ فِيهِمَا غُرَّتَانِ وَلَوْ كَانَا نَاقِصَيْنِ أو أَحَدَهُمَا إذَا بَانَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ فَهُمَا جَنِينَانِ إذَا خُلِقَا مُتَفَرِّقَيْنِ وإذا أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ كَامِلَةٌ إنْ كان ذَكَرًا فَمِائَةٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَلَا تُعْرَفُ حَيَاةُ الْجَنِينِ إلَّا بِرَضَاعٍ أو اسْتِهْلَالٍ أو نَفَسٍ أو حَرَكَةٍ لَا تَكُونُ إلَّا حَرَكَةَ حَيٍّ وإذا أَلْقَتْهُ فَادَّعَتْ حَيَاتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي في أنها أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَعَلَى وَارِثِ الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَرَّ الْجَانِي على الْجَنِينِ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَأَنْكَرَتْ عَاقِلَتُهُ خُرُوجَهُ حَيًّا وَأَقَرَّتْ بِخُرُوجِهِ مَيِّتًا أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِخُرُوجِهِ ولم تُثْبِتْ له مَوْتًا وَلَا حَيَاةً ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ الْجَنِينِ مَيِّتًا وَضَمِنَ الْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ نَفْسٍ حَيَّةٍ إنْ كان ذَكَرًا ضَمِنَ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ وَذَلِكَ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ من الْإِبِلِ فإذا كان أُنْثَى فَتِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَةِ أُنْثَى وَذَلِكَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ من الْإِبِلِ ( قال ) وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَبَيِّنَةٌ أَنَّهُ سَقَطَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ التي شَهِدَتْ على الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ فَلَا يَعْلَمُهَا شُهُودٌ حَاضِرُونَ وَيَعْلَمُهَا آخَرُونَ فَيَشْهَدُونَ على أَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ خَارِجًا لم يَعْلَمُوا حَيَاتَهُ وَلَوْ كانت الْبَيِّنَةُ قَامَتْ على الْجَانِي بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَقَامَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ قال خَرَجَ مَيِّتًا وَلَيْسَ هذا وَلَا الْبَابُ قَبْلَهُ تَضَادًّا في الشَّهَادَةِ يَسْقُطُ بِهِ كُلَّهَا ( قال ) وإذا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ أَحَدَهُمَا قبل الْآخَرِ أو مَعًا فَشَهِدَ الشُّهُودُ على أَنَّهُمْ سَمِعُوا لِأَحَدِ الْجَنِينَيْنِ صَوْتًا أو رَأَوْا له حَرَكَةَ حَيَاةٍ ولم يُثْبِتُوا أَيَّهُمَا كان الْحَيَّ قُبِلَتْ شَهَادَاتُهُمْ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ الْجَانِي دِيَةُ جَنِينٍ حَيٍّ وَدِيَةُ جَنِينٍ مَيِّتٍ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ لَزِمَتْ الْعَاقِلَةُ في الْحَيِّ دِيَةُ نَفْسِ رَجُلٍ وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى وَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى لِأَنَّهَا الْيَقِينُ ولم أُعْطِ وَارِثَ الْجَنِينِ الْفَضْلَ بين دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِالشَّكِّ ( قال ) وَإِنْ أَقَرَّ الْجَانِي أَنَّ الذي خَرَجَ حَيًّا ذَكَرٌ أَعْطَتْ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ أُنْثَى وَالْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ رَجُلٍ وهو نِصْفُ دِيَةِ رَجُلٍ خَمْسِينَ من الْإِبِلِ وَيَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ جَنِينٍ غُرَّةٌ مع دِيَةِ الْحَيِّ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ وَأَلْقَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ الْجَنِينَ الذي خَرَجَ قبل مَوْتِهَا وَوَرِثَهَا الْجَنِينُ الذي خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا وَوَرِثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَثَتُهُ غَيْرُهَا لِأَنَّهَا لم تَرِثْهُ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ وَمَاتَ فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهَا وَوَرَثَةُ الْجَنِينِ فقال وَرَثَةُ الْجَنِينِ مَاتَتْ قبل مَوْتِ الْجَنِينِ فَوَرِثَهَا وقال وَرَثَتُهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْجَنِينِ فَوَرِثَتْهُ لم يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانُوا كَالْقَوْمِ يَمُوتُونَ لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا وَيَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْأَحْيَاءُ بَعْدَ يَمِينِ كل وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ على دَعْوَى صَاحِبِهِ ( قال ) وإذا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا
____________________

(6/108)


حَيًّا ثُمَّ جَنَى عليه رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَيْسَ على الْجَانِي عليه حين أُجْهِضَتْ أُمُّهُ دِيَةُ جَنِينٍ وَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ خَاصَّةً بِقَدْرِ الْأَلَمِ عليها في الْإِجْهَاضِ الذي هو شَبِيهٌ بِالْجُرْحِ ( قال ) وَلَوْ قَتَلَهُ الْجَانِي عليه عَمْدًا أو جَرَحَ أُمَّهُ جُرْحًا لَا أَرْشَ له كان عليه الْقَوَدُ وفي مَالِهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ وَلَوْ قَتَلَهُ خَطَأً كانت دِيَةُ النَّفْسِ على عَاقِلَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمُّهُ إنْ كانت هِيَ الْقَاتِلَةُ خَطَأً فَدِيَتُهُ على عَاقِلَتِهَا وَإِنْ كانت قَتَلَتْهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ في مَالِهَا وَكَذَلِكَ أَبُوهُ وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ وَلَدٌ من وَالِدٍ وَلَا يَرِثُ الْجَنِينَ وَاحِدٌ من الْقَاتِلِينَ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً وَسَوَاءٌ في أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ إذَا عَرَفَ حَيَاةَ الْجَنِينِ خَرَجَ لِتَمَامٍ أو أُجْهِضَ قبل التَّمَامِ ( قال ) وَالْمَرْأَةُ التي قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدِيَةِ الْجَنِينِ على عَاقِلَتِهَا عَمَدَتْ ضَرْبَ الْمَرْأَةِ بِعَمُودِ بَيْتِهَا فإذا جَنَى الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ على حَامِلٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أو حَيًّا فَمَاتَ وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ بِسَيْفٍ أو بِمَا يَكُونُ بمثله الْقَوَدُ فَلَا قَوَدَ في الْجَنِينِ وَإِنْ خَلَصَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْجَنِينِ فَأَجْهَضَتْهُ فَجِنَايَتُهُ في غَيْرِ حُكْمِ الْعَمْدِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَصْدُ من يُقَادُ لَا حَائِلَ دُونَهُ وإذا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا الْقَوَدُ وَإِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهَا الدِّيَةَ فَفِي مَالِ الْجَانِي إذَا كان ضَرَبَهَا بِمَا يُقَادُ من مِثْلِهِ وَإِنْ كان لَا يُقَادُ من مِثْلِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي الدِّيَةُ لِأَنَّ هذا يُشْبِهُ الْخَطَأَ الْعَمْدَ الذي حَكَمَ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يُقَادُ من الْجَانِي على أُمِّ الْجَنِينِ لِيُجْهِضَ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتَ لجنين ( ( ( الجنين ) ) ) عَمْدَ بَطْنِهَا أو فَرْجِهَا أو ظَهْرِهَا بِضَرْبٍ لِيَقْتُلَ وَلَدَهَا أو أَرَادَهُمَا عَمْدًا لِأَنَّ وَقْعَ الْجِنَايَةِ بِالْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ - * جَنِينُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى رَجُلٌ على امْرَأَةٍ عَمْدًا أو خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أو أَمَةٍ يُؤَدُّونَ أَيَّهُمَا شاؤوا من أَيِّ جِنْسٍ شاؤوا وَلَيْسَ لهم أَنْ يُؤَدُّوا ما فيه عَيْبٌ يَرُدُّ منه لو بِيعَ وَلَا خَصِيًّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عن غُرَّةٍ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهُ بِالْخِصَاءِ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ بِالْغُرَّةِ من عَبْدٍ أو أَمَةٍ وَلَا خُصْيَانِ نَعْلَمُهُمْ بِبِلَادِهِ وَلَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْغُرَّةَ مُسْتَغْنِيَةً بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ أو ثَمَانٍ وَلَا يُؤَدُّونَهَا في سِنٍّ دُونَ هذا السِّنِّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هذه السِّنِّ وَلَا يُخَيَّرُ الْمَوْلُودُ بين الْأَبَوَيْنِ إلَّا في هذه السِّنِّ وَلَا يُفَرَّقُ بين الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا في الْبَيْعِ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ إلَّا بِهَذِهِ السِّنِّ وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ في الْعَمْدِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ قِيمَةُ خَمْسٍ من الْإِبِلِ خُمُسَاهَا وهو بَعِيرَانِ قِيمَةُ خَلِفَتَيْنِ أَقَلَّ الْخَلِفَاتِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وهو قِيمَةُ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَحِقَاقٍ نِصْفَيْنِ من إبِلِ عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ لم تَكُنْ لهم إبِلٌ فَمِنْ إبِلِ بَلَدِهِ أو أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ منه وإذا كانت جِنَايَةُ الرَّجُلِ على جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَرَمَى غير أُمِّهِ فاصاب أُمَّهُ فَدِيَةُ الْجَنِينِ على عَاقِلَتِهِ غُرَّةٌ تُؤَدِّي عَاقِلَتُهُ أَيَّ غُرَّةٍ شاؤوا غير ما وَصَفْت أَنْ ليس لهم أَدَاؤُهُ وَقِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ من دِيَاتِ الْخَطَأِ ( قال ) وَهَذَا هَكَذَا في جَنِينِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ أو الْكِتَابِيَّةِ من سَيِّدِهَا يَجْنِي عليها الْحَرْبِيُّ الذي له أَمَانٌ وَجَنِينُ الذِّمِّيَّةِ يُجْنَى عليها من الْمُسْلِمِ الْحُرِّ وفي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا جَنَى على بَعْضِ أَجِنَّةِ من سَمَّيْت لَا يَخْتَلِفُ في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ ( قال ) فَيُؤَدِّي في الْخَطَأِ على أُمِّ الْجَنِينِ غُرَّةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ خَمْسٍ من الْإِبِلِ أَخْمَاسِ قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَقِيمَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَقِيمَةُ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَقِيمَةُ حِقَّةٍ وَقِيمَةُ جَذَعَةٍ وَلَيْسَ لهم أَنْ يُؤَدُّوا غُرَّةَ هَرِمَةٍ وَلَا ضَعِيفَةٍ عن الْعَمَلِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما يُرَادُ له الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ لِلنَّاسِ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لَا بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ ضَعِيفُهُ وإذا مُنِعَتْ من أَنْ تؤدى غُرَّةً مَعِيبَةً عَيْبًا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فَالْعَيْبُ بِالْكِبَرِ أَكْبَرُ من كَثِيرٍ من الْعُيُوبِ التي تُرَدُّ بها وإذا جَنَى الرَّجُلُ على جَنِينٍ فَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فقال مَاتَ من حَادِثٍ كان بَعْدَ الْجِنَايَةِ من غَيْرِي وقال وَرَثَتُهُ مَاتَ من الْجِنَايَةِ فَإِنْ كان مَاتَ مَكَانَهُ مَوْتًا يُعْلَمُ في الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا من الْجِنَايَةِ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ على عَاقِلَتِهِ وَإِنْ قِيلَ قد عَاشَ مُدَّةً وَإِنْ قَلَّتْ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ من غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ وَعَلَى وَرَثَةِ الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مَاتَ من الْجِنَايَةِ وَأَقْبَلُ على مَوْتِهِ ما أَقْبَلُ على أَنَّه

(6/109)


وَلَدٌ فَأَقْبَلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِيهِمْ وَارِثًا له ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنِّي لَا أَقْبَلُ عليه إلَّا شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ في مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ حَيًّا بَعْدَ ما يُولَدُ فَأَمَّا إذَا لم يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ قَبِلْت عليه شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَشْهَدْنَ على مَوْتِهِ بَعْدَ الْحَيَاةِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أُجْهِضَ الْجَنِينُ حَيًّا حَيَاةً لم تَتِمَّ لِجَنِينٍ أُجْهِضَ في مِثْلِهَا حَيَاةً قَطُّ كَأَنْ أُجْهِضَ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ تَامَّةٌ وَإِنْ أُجْهِضَ في حَالٍ يَتِمُّ فيه لِأَحَدٍ من الْأَجِنَّةِ حَيَاةٌ بِحَالٍ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وإذا خَرَجَ حَيًّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَيْفَ خَرَجَ إذَا عُرِفَتْ حَيَاتُهُ وَإِنْ كان ضَعِيفًا مُفْرِطًا وَإِنْ خَرَجَ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ فَإِنْ كان مِثْلُهُ يَعِيشُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ أو الْيَوْمَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وإذا شَهِدَ رِجَالٌ أَنَّهُ جَنَى على امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ولم يُثْبِتُوا أَحَيًّا أَمْ مَيِّتًا فقال الْجَانِي أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَغَيَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هو بِأَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا أو حَيًّا فَمَاتَ لَزِمَهُ في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ هذا اعْتِرَافٌ إذَا لم تُصَدِّقْهُ عَاقِلَتُهُ ولم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَوْ جَنَى جَانٍ على امْرَأَةٍ فقالت أَلْقَيْت جَنِينًا وقال الْجَانِي لم تُلْقِ شيئا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لو جَاءَتْ بِجَنِينٍ مَكَانَهَا مَيِّتًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ تَأْتِيَ بِجَنِينِ غَيْرِهَا وَلَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا فَقَتَلَهُ غَيْرُ الْجَانِي على أُمِّهِ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ ولم يَكُنْ على الْجَانِي على أُمِّهِ شَيْءٌ وَلَوْ قَتَلَهُ الْجَانِي على أُمِّهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ في مَالِهِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَحُكُومَةٌ في مَالِهِ بِجُرْحٍ إنْ أَصَابَ أُمَّهُ لَا أَرْشَ له مَعْلُومٌ لِأُمِّهِ دُونَ وَرَثَةِ الْجَنِينِ وإذا جَنَى على الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ مَكَانَهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي دِيَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يُصَدَّقُونَ أَنَّ إجْهَاضَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هذا من جِنَايَتِهِ وَلَوْ كانت تُطْلَقُ فجني عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فقال أَلْقَتْهُ من غَيْرِ جِنَايَتِي لَزِمَ عَاقِلَتَهُ دِيَةُ الْجَنِينِ كما لو كان مَرِيضًا في السِّيَاقِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَزِمَهُ عَمْدًا كان أو خَطَأً لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُطْلَقُ ثُمَّ يَذْهَبُ الطَّلْقُ عنها فَتُقِيمُ أَيَّامًا لَا تَلِدُ وَلَوْ كانت تُطْلِقُ فجني عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فقال لم تُلْقِهِ من جِنَايَتِي وَقَالَتْ أَسْقَطْتُهُ من جِنَايَتِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ دِيَةَ الْجَنِينِ حَيًّا ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْمَرْأَةِ وَالْقَوَابِلُ عِنْدَهَا أو لَسْنَ عِنْدَهَا وَهِيَ تُرَى تُطْلِقُ أو لَا تُطْلِقُ وَالْحَبَلُ بها ظَاهِرٌ فَمَاتَتْ وَسَكَنَتْ حَرَكَةُ ما في بَطْنِهَا ضَمِنَ الْأُمَّ ولم يَضْمَنْ الْجَنِينَ من قِبَلِ أَنِّي على غَيْرِ إحَاطَةٍ بِهِ أَنَّهُ جَنِينٌ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ وَلَوْ خَرَجَ منها شَيْءٌ يَبِينُ فيه خَلْقُ إنْسَانٍ من رَأْسٍ أو يَدٍ أو رِجْلٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّ الْجَنِينِ ولم تُخْرِجُ بَقِيَّةُ الْجَنِينِ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ لِأَنِّي قد عَلِمْت أَنَّهُ جَنَى على جَنِينٍ في بَطْنِهَا بِخُرُوجِ بَعْضِهِ وَلَا فَرْقَ بين خُرُوجِ بَعْضِهِ وَكُلِّهِ في عِلْمِي بِأَنَّهُ جَنَى على جَنِينٍ أَلَا تَرَى أنها لو أَلْقَتْ كَالْمُضْغَةِ يَبِينُ فيها شَيْءٌ من خَلْقِ الْإِنْسَانِ ضَمَّنْتُهُ جِنَايَتُهُ على جَنِينٍ كَامِلٍ وَيَضْمَنُ مَتَى خَرَجَ منها شَيْءٌ يَبِينُ بِهِ أَنَّهُ جَنَى على جَنِينٍ قبل مَوْتِهَا أو بَعْدَهُ وَلَوْ خَرَجَ من فَرْجِ امْرَأَةٍ رَأْسَا جَنِينَيْنِ أو أَرْبَعَةُ ايد لِجَنِينَيْنِ ولم يَخْرُجْ ما بَقِيَ منهما أَغْرَمْته جِنَايَةً على جَنِينٍ وَاحِدٍ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ يَجْمَعُ الرَّأْسَيْنِ شَيْءٌ من خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونَانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْهُمَا كَجَنِينٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ ذلك يُمْكِنُ فِيهِمَا وإذا قَضَيْتُ بِدِيَةٍ في جَنِينٍ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أو خَرَجَ مَيِّتًا فَعَلَى الْجَانِي عليه عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ( قال ) وإذا جني على امْرَأَةٍ فَخَرَجَ منها بَدَنَانِ في رَأْسٍ أو جَمَعَ جَنِينَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ من خِلْقَةِ آدَمِيٍّ فَاللَّازِمُ له فيه عِتْقُ رَقَبَةٍ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعْتِقَ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ لو خَرَجَ رَأْسَانِ من فَرْجِ امْرَأَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ ولم يَتَتَامَّ خُرُوجُهُمَا فَيُعْرَفَانِ لم أَقْضِ فِيهِمَا إلَّا بِدِيَةِ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَلَزِمَ الْجَانِي عِتْقُ رَقَبَةٍ وكان أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ في هذا الْمَعْنَى أَوْكَدُ عليه لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّأْسَيْنِ من بَدَنَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ ما لم يَعْلَمْ اجْتِمَاعَهُمَا بِمُعَايَنَتِهِ وَلَوْ اضْطَرَبَ شَيْءٌ في بَطْنِ أُمِّهِ فَمَاتَتْ أَحْبَبْتُ لِلْجَانِي أَنْ لَا يَدَعَ أَنْ يُعْتِقَ وَيَحْتَاطَ فَيُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَلَا يَبِينُ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَعْلَمْهُ وَلَدًا وإذا مَاتَتْ الْأُمُّ وَجَنِينُهَا أَعْتَقَ بِمَوْتِ الْأُمِّ رَقَبَةً وَبِمَوْتِ جَنِينِهَا أُخْرَ

(6/110)


- * جَنِينُ الذِّمِّيَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَمَةُ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَغَيْرُ الْمُعْتَقَةِ سَوَاءٌ أَجِنَّتُهُنَّ أَجِنَّةُ إمَاءٍ إذَا لم تَكُنْ أَجِنَّتُهُنَّ أَحْرَارًا بِمَا وَصَفْتُ من أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مَالِكٌ لها حُرٌّ أو زَوْجٌ حُرٌّ غَرَّتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَفِي جَنِينِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يوم جني عليها ( قال ) وَإِنَّمَا قلت هذا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا كان في قَضَائِهِ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا يُفَرَّقَ بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من الْأَجِنَّةِ لم يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بين الْجِنَايَةِ على الْجَنِينِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من الْمَمَالِيكِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِحَالٍ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَمَنْ قال في جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كان ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لو كان حَيًّا وإذا كان أُنْثَى عُشْرُ قِيمَتِهَا لو كانت حَيَّةً فَقَدْ فَرَّقَ بين ما جَمَعَ بَيْنَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) وإذا جني على الْأَمَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ من الْإِجْهَاضِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى كما يُقْتَلُ فَيَكُونُ فيه قِيمَتُهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ - * جَنِينُ الْأَمَةِ تَعْتِقُ وَالذِّمِّيَّةُ تُسْلِمُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْأَمَةِ الْحَامِلِ جِنَايَةً فلم تُلْقِ جَنِينَهَا حتى عَتَقَتْ أو على الذِّمِّيَّةِ جِنَايَةً فلم تُلْقِ جَنِينَهَا حتى أَسْلَمَتْ فَفِي جَنِينِهَا ما في جَنِينِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عليها كانت وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فَيَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِمَّا في جِنَايَتِهِ عليها وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَقَامَتْ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا فقالت أَلْقَيْته
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الذِّمِّيَّانِ الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ على دِينٍ وَاحِدٍ فَجَنَى على جَنِينِ امْرَأَةٍ منهم زَوْجُهَا على دِينِهَا فَخَرَجَ مَيِّتًا فَدِيَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ فَحُكْمُهُ لِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً أَجْعَلُ دِيَتَهُ أَبَدًا لِخَيْرِ أَبَوَيْهِ وَأَجْعَلُ دِيَتَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِ من أَبَوَيْهِ إنْ كان مِنْهُمَا مُسْلِمٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَتَكُونَ دِيَةُ جَنِينٍ مُسْلِمٍ وَمِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمُسْلِمَةُ أَسْلَمَتْ عِنْدَ ذِمِّيٍّ فَتُجْعَلُ دِيَةُ جَنِينِهَا دِيَةُ جَنِينِ مُسْلِمَةٍ وَمِثْلَ أَنْ تَكُونَ أَمَةً تُوطَأُ بِمِلْكِ سَيِّدِهَا فَتَكُونَ دِيَةُ جَنِينِهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ أبيه لِأَنَّ الْجَنِينَ حُرٌّ بَحْرِيَّة أبيه وَلَا يَكُونَ مِلْكًا لِأَبِيهِ وَلَوْ كان أَبُوهُ مَمْلُوكًا أو مُكَاتَبًا وطىء أَمَةً له فجني على جَنِينِهِ من أَمَةٍ له قبل عِتْقِ أبيه كان فيه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا فَضْلَ في الْحُكْمِ في الدِّيَةِ لِأَبِيهِ على أُمِّهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَهَكَذَا لو كانت مَجُوسِيَّةٌ أو وَثَنِيَّةٌ عِنْدَ نَصْرَانِيٍّ جَعَلْتُ في جَنِينِهَا ما في جَنِينِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ لِمَا وَصَفْتُ وَسَوَاءٌ جني على جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمٌ أو ذِمِّيٌّ أو حَرْبِيٌّ يُحْكَمُ على عَاقِلَتِهِ بِدِيَتِهِ إنْ كانت عَاقِلَتُهُ مِمَّنْ يَجْرِي عليه الْحُكْمُ وَإِلَّا حُكِمَ بِدِيَتِهِ في مَالِ الْجَانِي ( قال ) وَهَكَذَا جَنِينُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ أو يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ وَلَا يَعْلَمُ أنها مَمْلُوكَةٌ وَتَقُولُ إنَّهَا حُرَّةٌ فَفِيهِ دِيَةُ جَنِينِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيَّةً حَمَلَتْ فَجَنَى عليها جَانٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فقالت هو من زِنًا بِمُسْلِمٍ كانت فيه دِيَةُ جَنِينِ نَصْرَانِيَّةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بالزنى نَسَبُهُ وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على نَصْرَانِيَّةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فقالت كان أَبُوهُ مُسْلِمًا وقال الْجَانِي بَلْ كان ذِمِّيًّا أو لَا نَعْرِفُ له أَبًا لَزِمَهُ جَنِينُ نَصْرَانِيَّةٍ وَيَحْلِفُ ما كان أَبُوهُ مُسْلِمًا ( قال ) وَلَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ في ظَهْرِ حُرَّةٍ بِنِكَاحِ شُبْهَةٍ فَجَنَى رَجُلٌ على ما في بَطْنِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا جَعَلْتُ على الْقَاتِلِ جَنِينَ ذِمِّيَّةٍ من ذِمِّيٍّ فَإِنْ أُلْحِقَ الْجَنِينُ بِمُسْلِمٍ أَتْمَمْتُ عليه جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَإِنْ هو أُشْكِلَ فلم يَبِنْ لِأَيِّهِمَا هو لم أَجْعَلْ عليه إلَّا الْأَقَلَّ حتى أَعْرِفَ الْأَكْثَرَ - * جَنِينُ الْأَمَةِ - *

(6/111)


من الضَّرْبَةِ وقال لم تُلْقِهِ منها فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أنها لم تَزَلْ ضَمِنَةً من الضَّرْبَةِ أو لم تَزَلْ تَجِدُ الْأَلَمَ من الضَّرْبَةِ حتى أَلْقَتْ الْجَنِينَ فإذا جَاءَتْ بهذا أُلْزِمَتْ عَاقِلَتُهُ عَقْلَ الْجَنِينِ وإذا ضَرَبَهَا فَأَقَامَتْ على ذلك لَا تَجِدُ شيئا ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا لم يَضْمَنْهُ لِأَنَّهَا قد تُلْقِيهِ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ جَانِيًا عليه إذَا لم يَنْفَصِلْ عنها أَلَمُ الْجِنَايَةِ حتى تُلْقِيَهُ وَلَوْ أَقَامَتْ بِذَلِكَ أَيَّامًا وإذا كانت الْأَمَةُ بين اثْنَيْنِ فَجَنَى عليها أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَلْقَتْ من الْجِنَايَةِ جَنِينًا فَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَدَاءِ قِيمَتِهَا ضَمِنَ جَنِينَ حُرَّةٍ وَكَانَتْ مَوْلَاتُهُ وكان لِشَرِيكِهِ فيها نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ له في الْجَنِينِ لِأَنَّهُ ليس له وَلَاؤُهُ وَوَرِثَتْ أُمُّهُ ثُلُثَ دِيَتِهِ وَقَرَابَةُ مَوْلَاهُ الذي جَنَى عليه الثُّلُثَيْنِ إنْ لم يَكُنْ له نَسَبٌ يَرِثُهُ وَلَا يَرِثُ منه الْمَوْلَى شيئا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَجْنِي على جَنِينِ امْرَأَتِهِ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُ وَتَرِثُ أُمُّهُ الثُّلُثَ ( 1 ) وَإِخْوَتُهُ ما بَقِيَ فَإِنْ لم يَكُنْ له إخْوَةٌ فَقَرَابَةُ أبيه وَلَا يَرِثُهُ أَبُوهُ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وإذا أَلْقَتْ الْجَنِينَ وهو مُعْسِرٌ فَلِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمَّةِ لِأَنَّهُ جَنِينُ أَمَةٍ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على أَمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ثُمَّ عَتَقَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ثَانِيًا فَفِي الْأَوَّلِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ لِسَيِّدِهَا وفي الْآخَرِ ما في جَنِينِ حُرٍّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مَعَهَا - * حُلُولُ الدِّيَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصُّ السُّنَّةِ في قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَالْخَلِفَةُ هِيَ الْحَامِلُ من الْإِبِلِ وَقَلَّمَا تَحْمِلُ الْأَثْنِيَةُ فَصَاعِدًا فَأَيُّ نَاقَةٍ من إبِلِ الْعَاقِلَةِ حَمَلَتْ فَهِيَ خَلِفَةٌ وَهِيَ تُجْزِي في الدِّيَةِ ما لم تَكُنْ مَعِيبَةً ( قال ) وَلَا يجزئ في الْأَرْبَعِينَ إلَّا الْخَلِفَةُ وإذا رَآهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا هذه خَلِفَةٌ ثَنِيَّةٌ أَجْزَأَتْ في الدِّيَةِ وَجُبِرَ من له الدِّيَةُ على قَبُولِهَا فَإِنْ أَزَلَقَتْ قَبْلُ تُقْبَضُ لم تَجُزْ لِأَنَّهَا لم تُدْفَعْ خَلِفَةً فَإِنْ أُجْهِضَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْقَتْلُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ عَمْدٌ مَحْضٌ وَعَمْدٌ خَطَأٌ وَخَطَأٌ مَحْضٌ فَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ عَلِمْتُهُ في أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى فيه بِالدِّيَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ ( قال ) وَذَلِكَ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ من يَوْمِ مَاتَ الْقَتِيلُ فإذا مَاتَ الْقَتِيلُ وَمَضَتْ سَنَةٌ حَلَّ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَانِيَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّانِي ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَالِثَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّالِثُ وَلَا يُنْظَرُ في ذلك إلَى يَوْمِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَلَا إبْطَاءٍ بِبَيِّنَةٍ إنْ لم تُثْبِتْ زَمَانًا وَلَوْ لم يَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ من يَوْمِ الْقَتِيلِ أَخَذُوا مَكَانَهُمْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا قد حَلَّتْ عليهم ( قال ) وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن جَمَاعَةٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قالوا في الْخَطَأِ الْعَمْدِ هَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا مَعًا من الْخَطَأِ الذي لَا قِصَاصَ فيه بِحَالٍ فَأَمَّا الْعَمْدُ إذَا قُبِلَتْ فيه الدِّيَةُ وَعُفِيَ عن الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا حَالَّةٌ في مَالِ الْقَاتِلِ وَكَذَلِكَ الْعَمْدُ الذي لَا قَوَدَ فيه مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ أو غير الْمُسْلِمِ عَمْدًا وَهَكَذَا صَنَعَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في بن قَتَادَةَ الْمُدْلِجِيِّ أَخَذَ منه الدِّيَةَ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَالدِّيَةُ في الْعَمْدِ في مَالِ الْجَانِي وفي الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَالْخَطَأِ الْعَمْدِ على الْعَاقِلَةِ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ كما وَصَفْتُ وما لَزِمَ الْعَاقِلَةَ من دِيَةِ جُرْحٍ وكان الثُّلُثُ فما دُونَهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَهُ في مُضِيِّ سَنَةٍ من يَوْمِ جُرِحَ الْمَجْرُوحُ فَإِنْ كان أَكْثَرَ من الثُّلُثِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَ الثُّلُثَ في مُضِيِّ سَنَةٍ وما زَادَ على الثُّلُثِ مِمَّا قَلَّ أو كَثُرَ أَدَّتْهُ في مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الثُّلُثَيْنِ فما جَاوَزَ الثُّلُثَيْنِ فَهُوَ في مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا مَعْنَى السَّنَةِ وما لم يَخْتَلِفْ الناس فيه في أَصْلِ الدِّيَةِ - * أَسْنَانُ الْإِبِلِ في الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ - *

(6/112)


بعد ما تُقْبَضُ فَقَدْ أَجْزَأَتْ وَإِنْ دُفِعَتْ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ هِيَ خَلِفَةٌ ثُمَّ عَلِمَ أنها غَيْرُ خَلِفَةٍ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ رَدُّهَا وَأَخْذُهُمْ بِخَلِفَةٍ غَيْرِهَا وَإِنْ غَابَ أَهْلُ الْقَتِيلِ عليها فَقَالُوا لم تَكُنْ خَلِفَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مع أَيْمَانِهِمْ لِأَنَّهُ لم يَعْلَمْ أنها خَلِفَةٌ إلَّا بِالظَّاهِرِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا عِنْدِي إذَا قَبَضُوهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّغْلِيظُ كما قال عَطَاءٌ فَيُؤْخَذُ في مُضِيِّ كل سَنَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثُلُثُ خَلِفَةٍ وَعَشْرُ جِذَاعٍ وَعَشْرُ حِقَاقٍ وَيُجْبَرُ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَ نَاقَةٍ يَكُونُ شَرِيكًا له بها لَا يُجْبَرُ على قِيمَةٍ إنْ كان يَجِدُ الْإِبِلَ وَمِثْلُ هذا أَسْنَانُ دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا زَالَ فيه الْقِصَاصُ بِأَنْ لَا يَكُونَ على الْقَاتِلِ قِصَاصٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ أو يَقْتُلُ وهو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ أو صَبِيٍّ وَهَكَذَا أَسْنَانُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَذِي الرَّحِمِ وَمَنْ غَلُظَتْ فيه الدِّيَةُ لَا يُزَادُ على هذا في عَدَدِ الْإِبِلِ إنَّمَا الزِّيَادَةُ في أَسْنَانِهَا وَدِيَةُ الْعَمْدِ حَالَّةٌ كُلُّهَا في مَالِ الْقَاتِلِ - * سِنَانُ الْإِبِلِ في الْخَطَأِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ مُغَلَّظَةٌ منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بطونها ( ( ( بعضها ) ) ) أَوْلَادُهَا فَفِي ذلك دَلِيلٌ على أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ الذي لَا يَخْلِطُهُ عَمْدٌ مُخَالَفَةٌ هذه الدِّيَةَ وقد اخْتَلَفَ الناس فيها فَأُلْزِمَ الْقَاتِلُ عَدَدَ مِائَةٍ من الْإِبِلِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ ما لم يَخْتَلِفُوا فيه وَلَا أُلْزِمُهُ من أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا أَقَلَّ ما قالوا يَلْزَمُهُ لأن ( ( ( لأنه ) ) ) اسْمُ الْإِبِلِ يَلْزَمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ فَدِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَبَلَغَهُ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَأِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً - * في تَغْلِيظِ الدِّيَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَغْلِيظُ الدِّيَةِ ( 2 ) في الْعَمْدِ وَالْعَمْدِ الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَقَتْلِ ذِي الرَّحِمِ كما تَقَدَّمَ في الْعَمْدِ غَيْرِ الْخَطَأِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تُغَلَّظُ فِيمَا سِوَى هَؤُلَاءِ وإذا أَصَابَ ذَا رَحِمٍ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَهِيَ مَكَّةُ دُونَ الْبُلْدَانِ لم يَزِدْ في التَّغْلِيظِ على ما وَصَفْتُ قَلِيلُ التَّغْلِيظِ وَكَثِيرُهُ في الدِّيَةِ سَوَاءٌ فإذا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ قُوِّمَتْ على ما يَجِبُ من تَغْلِيظِهَا ( قال ) وَتُغَلَّظُ في الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا بِقَدْرِهَا في السِّنِّ كما تُغَلَّظُ في النَّفْسِ فَلَوْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا فَأَرَادَ الْمَشْجُوجُ الدِّيَةَ أَخَذَ من الشَّاجِّ خَلِفَتَيْنِ وَجَذَعَةً وَنِصْفَ جَذَعَةٍ وَحِقَّةً وَنِصْفَ حِقَّةٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ نِصْفُ حِقَّةٍ قلت يَكُونُ شَرِيكًا فيها له نِصْفِهَا وَلِلْجَانِي النِّصْفُ كما يَكُونُ الْبَعِيرُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هَكَذَا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِمَّا له أَرْشٌ بِاجْتِهَادٍ لَا يَخْتَلِفُ فَلَوْ شَجَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قالوا في الْبُدُنِ لَيْسَتْ خَلِفَةً فقال أَهْلُ الْعِلْمِ هِيَ خَلِفَةٌ أَلْزَمُوهَا حتى يَعْلَمَ أنها لَيْسَتْ خَلِفَةً وَالسِّتُّونَ التي مع الْأَرْبَعِينَ الْخَلِفَةُ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وقد رُوِيَ هذا عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو قَوْلُ عَدَدٍ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُفْتِينَ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ ( 1 ) تَغْلِيظُ الْإِبِلِ فقال مِائَةٌ من الْإِبِلِ من الْأَصْنَافِ كُلِّهَا من كل صِنْفٍ ثُلُثُهُ

(6/113)


هَاشِمَةً كانت له فيها عَشْرٌ من الْإِبِلِ أَرْبَعُ خَلِفَاتٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ وَثَلَاثُ جِذَاعٍ وَلَوْ شَجَّهُ مُنَقِّلَةً كانت له فيها خَمْسَ عَشْرَةَ سِتُّ خَلِفَاتٍ وَأَرْبَعُ جِذَاعٍ وَنِصْفٍ وَأَرْبَعُ حِقَاقٍ وَنِصْفٍ وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ كانت له خَمْسُونَ من الْإِبِلِ عِشْرُونَ خَلِفَةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَخَمْسَ عَشَرَ حِقَّةً وإذا وَجَبَتْ له الدِّيَةُ خَطَأً فَكَانَ أَرْشُ شَجَّةٍ مُوضِحَةٍ أُخِذَتْ منه على حِسَابِ أَصْلِ الدِّيَةِ كما وَصَفْتُ في الْعَمْدِ فَتُؤْخَذُ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وبن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ - * أَيُّ الْإِبِلِ على الْعَاقِلَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَامٌّ في أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَضَ الدِّيَةَ مِائَةً من الْإِبِلِ ثُمَّ قَوَّمَهَا عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه على أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَالْعِلْمُ مُحِيطٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عُمَرَ لَا يُقَوِّمُهَا إلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا وَلَعَلَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ الْحَالَّةَ كُلَّهَا في الْعَمْدِ وإذا قَوَّمَهَا عُمَرُ قِيمَةَ يَوْمِهَا فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ كُلَّمَا وَجَبَتْ على إنْسَانٍ قِيمَةَ يَوْمِهَا كما لو قُوِّمَتْ إبِلُ رَجُلٍ أَتْلَفَهَا رَجُلٌ شيئا ثُمَّ أَتْلَفَ آخَرُ بَعْدَهَا مِثْلَهَا قُوِّمَتْ بِسُوقِ يَوْمِهَا وَلَوْ قُوِّمَتْ سَرِقَةً لِيَقْطَعَ صَاحِبُهَا شيئا ثُمَّ سَرَقَ بَعْدَهَا آخَرُ مِثْلَهَا قُوِّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ يَوْمِهَا وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ لَا يَكُونَ قَوَّمَهَا إلَّا في حِينٍ وَبَلَدٍ هَكَذَا قِيمَتُهَا فيه حين أَعْوَزَتْ وَلَا يَكُونُ قَوَّمَهَا إلَّا بِرِضًا من الْجَانِي وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ كما يُقَوِّمُ ما أَعْوَزَ من الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ غَيْرَهَا وما تَرَاضَى بِهِ من له الْحَقُّ وَعَلَيْهِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ وَمَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِائَةٌ من الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه على أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قد حَفِظْتُ عن عَدَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قالوا لَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ غير إبِلِهِ وَلَا يُقْبَلُ منه دُونَهَا كان مَذْهَبُهُمْ أَنَّ إبِلَهُ أن كانت حِجَازِيَّةً لم يُكَلَّفْ ما هو خَيْرٌ منها وَإِنْ كانت مُهْرِيَّةً لم يُؤْخَذْ منه ما هو شَرٌّ منها ثُمَّ هَكَذَا ما كان بين الْحِجَازِيَّةِ وَالْمُهْرِيَّةِ من مُرْتَفِعِ الْإِبِلِ وَمُنْخَفِضِهَا وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَكَذَا إنْ كانت إبِلُهُ عَوَادِيَ أو أَوْرَاكَ أو خَمِيصَةً وإذا كان بِبَلَدٍ وَلَا إبِلَ له كُلِّفَ إبِلَ أَهْلِ ذلك الْبَلَدِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ ذلك الْبَلَدِ إبِلٌ كُلِّفَ إبِلَ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ وَيُجْبَرُ على أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِبِلَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى عليه بها فإذا كانت مَوْجُودَةً بِحَالٍ كَلِفَهَا كما يُكَلَّفُ ما سِوَاهَا من الْحُقُوقِ التي تَلْزَمُهُ إذَا وُجِدَتْ وإذا سَأَلَ الذي له الدِّيَةُ غير الْإِبِلِ أو سَأَلَهَا الذي عليه الدِّيَةُ لم يَكُنْ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُجْبَرَانِ على الْإِبِلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِغَيْرِ الْإِبِلِ فَيَجُوزُ لَهُمَا صَرْفُهَا إلَى ما تَرَاضَيَا بِهِ كما يَجُوزُ صَرْفُ الْحُقُوقِ إلَى ما يَتَرَاضَيَانِ عليه فَإِنْ كانت إبِلُ الْجَانِي وَإِبِلُ عَاقِلَتِهِ هِيَ مُبَايِنَةٌ لِإِبِلِ غَيْرِهِمْ فَإِنْ أَتَتْ عليها السَّنَةُ فَتَبْقَى عِجَافًا أو مَرْضَى أو جُرْبًا فإذا كان هَكَذَا قِيلَ لِلْجَانِي إنْ أَدَّيْتَ إلَيْهِ إبِلًا صِحَاحًا شَرْوَى إبِلِكَ أو خَيْرًا منها جُبِرَ على قَبُولِهَا مِنْكَ وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ عن إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُؤَدِّيَ شَرًّا من إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ لم يَكُنْ لَك وَلَا لهم أَنْ تُؤَدُّوا إلَّا شَرْوَاهَا ما كانت مَوْجُودَةً فَإِنْ لم تُوجَدْ قِيلَ أَدِّ قِيَمَ صِحَاحٍ غَيْرِ مَعِيبَةٍ مِثْلَ إبِلِكَ وإذا حَكَمْنَا عليه بِالْقِيمَةِ حَكَمْنَا بها على الْأَغْلَبِ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي بِهِ الْجَانِي إنْ كان دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمَ وَإِنْ كان دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرَ ولم يَحْكُمْ بِقِيمَةِ نَجْمٍ منها إلَّا بعد ما يَحِلُّ على صَاحِبِهِ فإذا قَوَّمْنَاهُ أَخَذْنَاهُ بِهِ مَكَانَهُ فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ أو مَطَلَ حتى يَجِدَ إبِلًا دَفَعَ الْإِبِلَ وَأُبْطِلَتْ الْقِيمَةُ فإذا حَلَّ نَجْمٌ آخَرُ قُوِّمَتْ الْإِبِلُ قِيمَةَ يَوْمِهَا - * إعْوَازُ الْإِبِلِ - *

(6/114)


كان الذي أَصَابَهُ من الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ ( قال ) وَهَذَا يَدُلُّ على ما وَصَفْتُ من أَنَّ عُمَرَ لم يُقَوِّمْ الدِّيَةَ على من يَجِدُ الْإِبِلَ ولم يُقَوِّمْهَا إلَّا عِنْدَ الْإِعْوَازِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيَّ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا لِوُجُودِ الْإِبِلِ وَأَخَذَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ من الْقَرَوِيِّ لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْتَلِفُ في الدِّيَةِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُقَوِّمُ الْإِبِلَ على أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَعَدْلَهَا من الْوَرِقِ وَيَقْسِمُهَا على أَثْمَانِ الْإِبِلِ فإذا غَلَتْ رَفَعَ في قِيمَتِهَا وإذا هَانَتْ نَقَصَ من قِيمَتِهَا على أَهْلِ الْقُرَى وَالثَّمَنُ ما كان
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال قَضَى أبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه على أَهْلِ الْقُرَى حين كَثُرَ الْمَالُ وَغَلَتْ الْإِبِلُ فَأَقَامَ مِائَةً من الْإِبِلِ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ إلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يقول على الناس أَجْمَعِينَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ على الْأَعْرَابِيُّ وَالْقَرَوِيُّ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قلت لِعَطَاءٍ الدِّيَةُ الْمَاشِيَةُ أو الذَّهَبُ قال كانت الْإِبِلَ حتى كان عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فَقَوَّمَ الْإِبِلَ بِعِشْرِينَ وَمِائَةٍ كل بَعِيرٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَرَوِيُّ أَعْطَى مِائَةَ نَاقَةٍ ولم يُعْطِ ذَهَبًا كَذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي عليه الدِّيَةُ أَنْ يُعْطِيَ فيها بَعِيرًا مَعِيبًا عَيْبًا يُرَدُّ من مِثْلِ ذلك الْعَيْبِ في الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إذَا قضي عليه بِشَيْءٍ بِصِفَةٍ فَبَيَّنَ أَنْ ليس له أَنْ يُؤَدِّيَ فيه مَعِيبًا كما يقضى عليه بِدِينَارٍ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ يقضى بِهِ عليه وَغَيْرُهُ لَا يَكُونُ له أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ وَهَذَا أَكْثَرُ من حديث الْخَاصَّةِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ من قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ على عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنهما بِأَنْ يَعْقِلَ عن مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عبد الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ لِأَنَّهُ ابْنُهَا ( قال ) وَعِلْمُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْقَاتِلِ وَالْجَانِي ما دُونَ الْقَتْلِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ من الْخَطَأِ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ لِأَبِيهِ حَمَلَ عليهم جِنَايَتَهُمْ على ما تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ احْتَمَلُوهَا لم تُرْفَعْ إلَى بَنِي جَدِّهِ وَهُمْ عُمُومَتُهُ فَإِنْ لم يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ لم يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّ أبيه ثُمَّ هَكَذَا تُرْفَعُ إذَا عَجَزَ عنها أَقَارِبُهُ إلَى أَقْرَبِ الناس بِهِ وَلَا تُرْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ وَدُونَهُمْ أَقْرَبُ منهم حتى يَعْجِزَ عنها من هو أَقْرَبُ منهم كَأَنَّ رَجُلًا من بَنِي عبد مَنَافٍ جَنَى فَحَمَلَتْ جِنَايَتَهُ بَنُو عبد مَنَافٍ فلم تَحْمِلْهَا بَنُو عبد مَنَافٍ فَتُرْفَعُ إلَى بَنِي قُصَيٍّ فَإِنْ لم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَتُؤْخَذُ الْإِبِلُ ما وُجِدَتْ وَتُقَوَّمُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ على ما وَصَفْت لِأَنَّ من لَزِمَهُ شَيْءٌ لم يُقَوَّمْ عليه وهو يُوجَدُ مِثْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ من لَزِمَهُ صِنْفٌ من الْعُرُوضِ لم يُؤْخَذْ منه إلَّا هو فَإِنْ أَعْوَزَ ما لَزِمَهُ من الصِّنْفِ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ يوم يَلْزَمُ صَاحِبَهُ وقد يَحْتَمِلُ تَقْوِيمَ الْإِبِلِ أَنْ يَكُونَ أَعْوَزَ من عليه الدِّيَةُ فَقُوِّمَتْ عليه أو كانت مَوْجُودَةً عِنْدَ غَيْرِهِ بِبَلَدِهِ فَقُوِّمَتْ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما رُوِيَ مِمَّا وَصَفْتُ من تَقْوِيمِ من قَوَّمَ الدِّيَةَ وَاَللَّهُ اعلم على ما ذَهَبْت إلَيْهِ ( قال ) وَالدِّيَةُ لَا تُقَوَّمُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كما لَا يُقَوَّمُ غَيْرُهَا إلَّا بِهِمَا وَلَوْ جَازَ أَنْ نُقَوِّمَهَا بِغَيْرِهَا جَعَلْنَا على أَهْلِ الْبَقَرِ الْبَقَرَ وَعَلَى أَهْلِ الشاءالشاء ( ( ( الشاة ) ) ) فَقَدْ رُوِيَ هذا عن عُمَرَ كما رُوِيَتْ عنه قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَجَعَلْنَا على أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ وَعَلَى الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ الْحُلَلَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ كما وَصَفْتُ الْإِبِلَ فإذا أَعْوَزَ فَالْقِيمَةُ قِيمَةُ ما لَا يُوجَدُ مِمَّا وَجَبَ على صَاحِبِهِ وَلَيْسَ ذلك إلَّا من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ ( قال ) وَإِنْ وَجَدَتْ الْعَاقِلَةُ بَعْضَ الْإِبِلِ أَخَذَ منها ما وُجِدَ وَقِيمَةُ ما لم تَجِدْ إذَا لم تَجِدْ الْوَفَاءَ منه بِحَالٍ وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ إبِلُ من وَجَبَتْ عليه الدِّيَةُ إنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ قُوِّمَتْ إبِلُهَا وَإِنْ كانت مِمَّا يَعْقِلُهَا الْجَانِي قُوِّمَتْ إبِلُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُ وَإِبِلُ الْعَاقِلَةِ - * الْعَيْبُ في الْإِبِلِ - *

(6/115)


تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كِلَابٍ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مُرَّةَ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كَعْبٍ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي لُؤَيٍّ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي غَالِبٍ فَإِنْ لم تحملها رفعت إلى بني فهر فإن لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مَالِكٍ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي النَّضْرِ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كِنَانَةَ كُلِّهَا ثُمَّ هَكَذَا حتى تَنْفَدَ قَرَابَتُهُ أو تُحْتَمَلُ الدِّيَةُ ( قال ) وَمَنْ في الدِّيوَانِ وَمَنْ ليس فيه من الْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ وَلَا دِيوَانَ حتى كان الدِّيوَانُ حين كَثُرَ الْمَالُ في زَمَنِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه - * ما تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ من الدِّيَةِ وَمَنْ يَحْمِلُهَا منهم - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَعْقِلُ الْمَوَالِي من أَعْلَى وَهُمْ الْمُعْتَقُونَ عن رَجُلٍ من الْمَوَالِي وَلِلْمُعْتَقِينَ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَإِنْ كانت له قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ عَقَلَتْ الْقَرَابَةُ وإذا نَفِدَ عَقَلَ الْمَوَالِيَ الْمُعْتَقُونَ فَإِنْ عَجَزُوا هُمْ وَعَوَاقِلُهُمْ عَقَلَ ما بَقِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لَا تَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ عن الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ كانت له قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ بُدِئَ بِهِمْ فَإِنْ عَجَزُوا عَقَلَ عنه مَوْلَاهُ الذي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقْرَبُ الناس إلَيْهِ كما يَعْقِلُونَ عن مَوْلَاهُ الذي أَعْتَقَهُ لو جَنَى وَهَكَذَا إذَا لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ من الْجَانِينَ قَرَابَةٌ عَقَلَ عنه الْمَوَالِي من أَعْلَى وَأَسْفَلَ على ما وَصَفْتُ وَإِنْ كان لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ مَوَالٍ من فَوْقَ وَمَوَالٍ من أَسْفَلَ لم يَعْقِلْ عنه مَوَالِيهِ من أَسْفَلَ وَعَقَلَ عنه مَوَالِيهِ من فَوْقَ فَإِنْ عَجَزُوا ولم تَكُنْ لهم عَاقِلَةٌ عَقَلَ عنه مَوَالِيهِ من أَسْفَلَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مَوَالِيهِ من فَوْقَ يَعْقِلُونَ عنه وَمَنْ فَوْقَهُمْ من مَوَالِيهِمْ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَأَهْلُ مِيرَاثِهِ من دُونِ مَوَالِيهِ من أَسْفَلَ ولم أَجْعَلْ على الْمَوَالِي من أَسْفَلَ عَقْلًا بِحَالٍ حتى لَا يُوجَدَ نَسَبٌ وَلَا مَوَالٍ من فَوْقَ بِحَالٍ ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ فإنه يَعْقِلُ عَنْهُمْ لَا لِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ وَلَكِنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عنه كما يَعْقِلُ عَنْهُمْ ( قال ) وَالسَّائِبَةَ مُعْتِقٌ كَالْمُعْتِقِ غَيْرِ السَّائِبَةِ - * عَقْلُ الْحُلَفَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْقِلُ الْحَلِيفُ بِالْحِلْفِ وَلَا يَعْقِلُ عنه بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ لَازِمٌ وَلَا أَعْلَمُهُ وَلَا يَعْقِلُ الْعَدِيدَ وَلَا يَعْقِلُ عنه وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَعْقِلُ بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ الذي هو نَسَبٌ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ وَالْعَقْلِ عنه مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ من الْحِلْفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لَا غير ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَحْمِلَانِ من الْعَقْلِ شيئا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ وَلَا يَحْمِلُهَا من الْبَالِغِينَ فَقِيرٌ فإذا قضي بها وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فلم يَحِلَّ نَجْمٌ منها حتى أَيْسَرَ أُخِذَ بها وَإِنْ قضي بها وهو غَنِيٌّ ثُمَّ حَلَّتْ وهو فَقِيرٌ طُرِحَتْ عنه إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يوم يَحِلُّ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْتُبَ إذَا حَكَمَ إنها على من احْتَمَلَ من عَاقِلَتِهِ يوم يَحِلُّ كُلُّ نَجْمٍ منها فَإِنْ عَقَلَ رَجُلٌ نَجْمًا ثُمَّ أَفْلَسَ في الثَّانِي تُرِكَ من ان يَعْقِلَ ثُمَّ إنْ أَيْسَرَ في الثَّالِثِ أَخَذَ بِذَلِكَ النَّجْمَ وَإِنْ حَلَّ النَّجْمُ وهو مِمَّنْ يَعْقِلُ ثُمَّ مَاتَ أُخِذَ من مَالِهِ لِأَنَّهُ قد كان وَجَبَ عليه بِالْحُلُولِ وَالْيُسْرِ وَالْحَيَاةِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنْ لَا يَحْمِلَ أَحَدٌ من الدِّيَةِ إلَّا قَلِيلًا وَأَرَى على مَذْهَبِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ من كَثُرَ مَالُهُ وَشُهِرَ من الْعَاقِلَةِ إذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ نِصْفَ دِينَارٍ وَمَنْ كان دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَلَا يُزَادُ على هذا وَلَا يُنْقَصُ عن هذا ويحملون ( ( ( يحملون ) ) ) إذَا عَقَلُوا الْإِبِلَ على قَدْرِ هذا حتى يَشْتَرِكَ النَّفَرُ في بَعِيرٍ فَيَقْبَلُ منهم إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ فَيُؤْخَذُ منه - * عَقْلُ الْمَوَالِي - *

(6/116)


- * عَقْلُ من لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَاقِلَةُ النَّسَبُ فإذا جَنَى الرَّجُلُ بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لم يَكُنْ مَضَى خَبَرٌ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ فَيَأْخُذُ عَاقِلَتُهُ بِالْعَقْلِ وَلَا يَحْمِلُهُ أَقْرَبُ الناس إلَى عَاقِلَتِهِ بِمَكَّةَ بِحَالٍ وَلَهُ عَاقِلَةٌ بِأَبْعَدَ منها وَإِنْ امْتَنَعَتْ عَاقِلَتُهُ من أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ جُوهِدُوا حتى يُؤْخَذَ منهم كما يُجَاهِدُونِ على كل حَقٍّ لَزِمَهُمْ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليهم لم يُؤْخَذْ من غَيْرِهِمْ وكان كَحَقٍّ عليهم غَلَبُوا عليه مَتَى قَدَرَ عليهم أَخَذَ منهم ( قال ) وقد قِيلَ يَحْمِلُهُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلَا يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ يَقْدُمُ وَلَا رَجُلٌ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ منه بِكِتَابٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كانت الْعَاقِلَةُ حَاضِرَةً فَغَابَ منهم رَجُلٌ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ أَخَذَ من مَالِهِ ما يَلْزَمُهُ وإذا كانت الْعَاقِلَةُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ بَعْضُهُمْ على ما وَصَفْتُ إن الرَّجُلَ يَحْتَمِلُ من الْعَقْلِ وَيَفْضُلُ وَكَانُوا حُضُورًا بِالْبَلَدِ وَأَمْوَالُهُمْ فَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُ الْوَالِي من بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفُضَّ ذلك عليهم حتى يَسْتَوُوا فيه وَإِنْ قَلَّ كُلُّ ما يُؤْخَذُ من كل وَاحِدٍ منهم وَإِنْ كان من يَحْضُرُ من الْعَاقِلَةِ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ غُيَّبٌ عن الْبَلَدِ فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ من الْحُضُورِ دُونَ الْغُيَّبِ عن الْبَلَدِ على الْمَعْنَى الذي وَصَفْتُ في مِثْلِ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا وَمَنْ ذَهَبَ إلَى هذا قال الْجِنَايَةُ من غَيْرِ من تُؤْخَذُ منه وَكُلٌّ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَاقِلَةٍ فأيهم ( ( ( رأيهم ) ) ) أُخِذَ منه فَهُوَ مُفْضٍ عليه مِمَّا أُخِذَ منه وَلَا يُؤْخَذُ حَاضِرٌ بِغَائِبٍ غَيْرِهِ ( قال ) وَلَا أَرُدُّ الذي أَخَذْت منه على من لم آخُذْ منه وَهَذَا يُشْبِهُ مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال لو تَغَيَّبَ بَعْضُ الْعَاقِلَةِ ولم يُوجَدْ له مَالٌ حَاضِرٌ ثُمَّ أُخِذَ الْعَقْلَ مِمَّنْ بَقِيَ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ وقال ( ( ( وقيل ) ) ) ذلك فيه لو كان حَاضِرًا وَامْتَنَعَ من أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَقْلَ وإذا كانت إبِلُ الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ منهم من إبِلِهِ وَيُجْبَرُونَ على أَنْ يَشْتَرِكَ النَّفَرُ في الْبَعِيرِ بِقَدْرِ ما يَلْزَمُهُمْ من الْعَقْلِ وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْحُرِّ خَطَأً فما لَزِمَهُ من دِيَةٍ أو أَرْشِ جِنَايَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ جَعَلْتهَا على الْعَاقِلَةِ وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْعَبْدِ خَطَأً فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَحْمِلَهُ الْعَاقِلَةُ عنه لِأَنَّهَا جِنَايَةُ حُرٍّ على نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَالثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ لَا دِيَةٌ وإذا جَنَى الْحُرُّ جِنَايَةَ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فيها بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا أو وَثَنِيًّا أو مُسْتَأْمَنًا فَالدِّيَةُ في مَالِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا وكان نُوبِيًا فَجَنَى فَلَا عَقْلَ على أَحَدٍ من النُّوبَةِ حتى يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَضَيْتُ عليه بِالْعَقْلِ بِالنَّسَبِ فَأَمَّا إنْ أَثْبَتُوا قُرَاهُمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّمَا يَكُونُ في الْقَرْيَةِ أَهْلُ النَّسَبِ لم أَقْضِ عليهم بِالْعَقْلِ بِحَالٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أو غَيْرِهَا لم تَثْبُتْ أَنْسَابُهُمْ وَكُلُّ من لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ من أَعْجَمِيٍّ أو لَقِيطٍ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ له وَلَاءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْقِلُوا عنه لِمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ من وِلَايَةِ الدِّينِ وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ منه إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ قَاطِعَةٌ بِمَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةَ على الْحُقُوقِ بِخِلَافِ ذلك وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ على دَفْعِ نَسَبٍ بِالسَّمَاعِ وإذا حَكَمْنَا على أَهْلِ الْعَهْدِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ في الْعَقْلِ حَكَمْنَا عليهم حُكْمَنَا على الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ ذلك عَوَاقِلُهُمْ الَّذِينَ يَجْرِي حُكْمُنَا عليهم فإذا كانت عَاقِلَةً لَا يَجْرِي حُكْمُنَا عليها أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذلك وما عَجَزَتْ عنه عَاقِلَةٌ إنْ كانت له أَلْزَمْنَاهُ في مَالِهِ دُونَ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ منهم وَلَا نَقْضِي بِهِ على أَهْلِ دِينِهِ إذَا لم يَكُونُوا عَصَبَةً له لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَلَا على الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ على الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا - * أَيْنَ تَكُونُ الْعَاقِلَةُ - *

(6/117)


لَا تَضْمَنُ الْعَاقِلَةُ منها وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ جَائِفَةً أو ما لَا قِصَاصَ فيه فَهُوَ في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وإذا جَنَى الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ جِنَايَةَ خَطَأٍ ضَمِنَتْهَا الْعَاقِلَةُ وَإِنْ جَنَيَا عَمْدًا فَقَدْ قِيلَ تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ كَالْخَطَأِ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَقِيلَ لَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَضَى أَنْ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ هذا أَنَّا إنْ قَضَيْنَا بِهِ عَمْدًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا يقضى بِدِيَةِ الْعَمْدِ حَالَّةً وَإِنْ قَضَيْنَا بها حَالَّةً فلم يَقْضِ على الْعَاقِلَةِ بِدِيَةٍ إلَّا في ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ بِحَالٍ - * جِمَاعُ الدِّيَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْأَنْفِ إذَا أوعى جَدْعًا مِائَةٌ من الْإِبِلِ وفي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وفي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا وفي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْيَدِ خَمْسُونَ وفي الرِّجْلِ خَمْسُونَ وفي كل أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وفي السِّنِّ خَمْسٌ وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ - * بَابُ دِيَةِ الْأَنْفِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَدِيثُ بن طَاوُسٍ في الْأَنْفِ أَبْيَنُ من حديث آلِ حَزْمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْفَ هو الْمَارِنُ لِأَنَّهُ غُضْرُوفٌ يَقْدِرُ على قَطْعِهِ بِلَا قَطْعٍ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْعَظْمُ فَلَا يَقْدِرُ على قَطْعِهِ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَضَرَرٍ على غَيْرِهِ من قَطْعٍ أو كَسْرٍ أو أَلَمٍ شَدِيدٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَمَذْهَبُ من لَقِيت أَنَّ في الْمَارِنِ الدِّيَةَ وإذا قُطِعَ بَعْضُ الْمَارِنِ فَأُبِينَ فَأَعَادَهُ الْمَجْنِيُّ عليه أو غَيْرُهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ عَقْلٌ تَامٌّ كما يَكُونُ لو لم يَعُدْ وَلَوْ لم يَلْتَئِمْ وَلَوْ قُطِعَتْ منه قِطْعَةٌ فلم تُوعَبْ وَتَدَلَّتْ فَأُعِيدَتْ فَالْتَأَمَتْ كان فيها حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا لم تُجْدَعْ إنَّمَا الْجَدْعُ الْقَطْعُ وإذا ضَرَبَ الْأَنْفَ فَاسْتُحْشِفَ حتى لَا يَتَحَرَّكَ غُضْرُوفُهُ وَلَا الْحَاجِزُ بين مَنْخِرَيْهِ وَلَا يَلْتَقِي مَنْخِرَاهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا أَرْشٌ تَامٌّ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ عليه في هذا عَمْدًا لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ وَلَوْ خُلِقَ هَكَذَا أو جُنِيَ عليه فَصَارَ هَكَذَا ثُمَّ قَطَعَ كانت فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من حُكُومَتِهِ إذَا اُسْتُحْشِفَ وما أَصَابَهُ من هذا الِاسْتِحْشَافِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما اصاب من الِاسْتِحْشَافِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَجْعَلَ اسْتِحْشَافَهُ كَشَلَلِ الْيَدِ أَنَّ في الْيَدِ مَنْفَعَةً تَعْمَلُ وَلَيْسَ في الْأَنْفِ اكثر من الْجَمَالِ أو سَدُّ مَوْضِعِهِ وَأَنَّهُ مَجْرَى لِمَا يَخْرُجُ من الرَّأْسِ وَيَدْخُلُ فيه فَكُلُّ ذلك قَائِمٌ فيه وَإِنْ كان قد نَقَصَ الِانْضِمَامُ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا على ما يَدْخُلُ الرَّأْسَ من السَّعُوطِ ولم يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ فيه إذَا اُسْتُحْشِفَ ثُمَّ قُطِعَ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وقد جَعَلْتُ في اسْتِحْشَافِهِ حُكُومَةً وهو نَاقِصٌ بِمَا وَصَفْتُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيمَا قُطِعَ من الْمَارِنِ فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ الْمَارِنِ إنْ قُطِعَ نِصْفُهُ فَفِيهِ النِّصْفُ أو ثُلُثُهُ فَفِيهِ الثُّلُثُ ( قال ) وَيُحْسَبُ بِقِيَاسِ مَارِنِ الْأَنْفِ نَفْسِهِ وَلَا يَفْضُلُ وَاحِدَةٌ من صَفْحَتَيْهِ على وَاحِدَةٍ وَلَا رَوْثَتُهُ على شَيْءٍ لو قُطِعَ من مُؤَخَّرِهِ وَلَا الْحَاجِزُ من مَنْخِرَيْهِ منه على ما سِوَاهُ وَإِنْ كان أَوْعَيْت الرَّوْثَةُ إلَّا الْحَاجِزَ كان فِيمَا أَوْعَيْت سِوَى الْحَاجِزِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما ذَهَبَ منه وإذا شُقَّ في الْأَنْفِ شَقٌّ ثُمَّ الْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فإذا شُقَّ فلم يَلْتَئِمْ فَتَبَيَّنَ انْفِرَاجُهُ أُعْطِيَ من دِيَةِ الْمَارِنِ بِقَدْرِ ما ذَهَبَ منه وَحُكُومَةٌ إنْ لم يَذْهَبْ منه شَيْءٌ ( قال ) وقد ( ( ( قد ) ) ) رُوِيَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه قال عِنْدَ أبي كِتَابٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه وفي الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ

(6/118)


- * الدِّيَةُ على الْمَارِنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كُسِرَ الْأَنْفُ ثُمَّ جُبِرَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَلَوْ جُبِرَ أَعْوَجُ كانت فيه الْحُكُومَةُ بِقَدْرِ عَيْبِ الْعِوَجِ وَلَوْ ضُرِبَ الْأَنْفُ فلم يُكْسَرْ لم يَكُنْ فيه حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ ليس بِجُرْحٍ وَلَا كَسْرِ عَظْمٍ وَلَوْ كُسِرَ الْأَنْفُ أو لم يُكْسَرْ فَانْقَطَعَ عن الْمَجْنِيِّ عليه أَنْ يَشُمَّ رِيحَ شَيْءٍ بِحَالٍ فَقَدْ قِيلَ فيه الدِّيَةُ وَمَنْ قال هذا قَالَهُ لو جُدِعَ وَذَهَبَ عنه الشَّمُّ فَجَعَلَ فيه الدِّيَةَ وفي الْجَدْعِ دِيَةٌ ( قال ) وَإِنْ كان ذَهَبَ الشَّمُّ عنه في وَقْتِ الْأَلَمِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدُ انْتَظَرْته حتى يَأْتِيَ ذلك الْوَقْتُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أُعْطِيَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ وَإِنْ جاء وقال لَا أَشُمُّ شيئا أُعْطِيَ الدِّيَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ما يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ بِحَالٍ وَإِنْ قال أَجِدُ رِيحَ ما اشْتَدَّتْ رَائِحَتُهُ وَحَدَّتْ وَلَا أَجِدُ رِيحَ ما لَانَتْ رَائِحَتُهُ وقد كُنْت أَجِدُهَا فَكَانَ يُعْلَمُ لِذَلِكَ قَدْرٌ جُعِلَ فيه بِقَدْرِهِ وَإِنْ كان لَا يُعْلَمُ له قَدْرٌ وَلَا أَحْسِبُهُ يُعْلَمُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما يَصِفُ منه وَيَحْلِفُ فيه كُلِّهِ وَإِنْ قُضِيَ له بِالدِّيَةِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ يَجِدُ رَائِحَةً قُضِيَ عليه بِرَدِّ الدِّيَةِ وَإِنْ مَرَّ بِرِيحٍ مَكْرُوهَةٍ فَوَضَعَ يَدَهُ على أَنْفِهِ فَقِيلَ قد ( ( ( وقد ) ) ) وَجَدَ الرَّائِحَةَ ولم يُقِرَّ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا لم يَرُدَّ الدِّيَةَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَضَعُ يَدَهُ على أَنْفِهِ ولم يَجِدْ شيئا من الرِّيحِ وَيَضَعُهَا حَاكًّا له وَمُمْتَخِطًا وَعَبَثًا وَمُحَدِّثًا نَفْسَهُ وَمِنْ غُبَارٍ أو غَيْرِهِ - * الدِّيَةُ في اللِّسَانِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قُطِعَ اللِّسَانُ قَطْعًا لَا قَوَدَ فيه خَطَأٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ وهو في مَعْنَى الْأَنْفِ وَمَعْنَى ما قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِدِيَةٍ من تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ وَأَنَّهُ ليس في الْمَرْءِ منه إلَّا وَاحِدٌ وَمَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيَتْهُ في أَنَّ في اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةَ وَاللِّسَانُ مُخَالِفٌ لِلْأَنْفِ في مَعَانٍ منها أَنَّهُ الْمُعَبِّرُ عَمَّا في الْقَلْبِ وَأَنَّ أَكْثَرَ مَنْفَعَتِهِ ذلك وَإِنْ كانت فيه الْمَنْفَعَةُ بِمَعُونَتِهِ على إمْرَارِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وإذا جُنِيَ على اللِّسَانِ فَذَهَبَ الْكَلَامُ من قَطْعٍ أو غَيْرِ قَطْعٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ لَقِيَتْهُ من أَهْلِ الْعِلْمِ في هذا خِلَافًا وإذا قُطِعَ من اللِّسَانِ شَيْءٌ لَا يُذْهِبُ الْكَلَامَ قِيسَ ثُمَّ كان فِيمَا قُطِعَ منه بِقَدْرِهِ من اللِّسَانِ فَإِنْ قُطِعَ حَذِيَّةٌ من اللِّسَانِ تَكُونُ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ من كَلَامِهِ قَدْرَ رُبُعِ الْكَلَامِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّ من رُبُعِ الْكَلَامِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ أَجْعَلُ عليه الْأَكْثَرَ من قِيَاسِ ما أُذْهِبَ من كَلَامِهِ أو لِسَانِهِ وإذا ذَهَبَ بَعْضُ كَلَامِ الرَّجُلِ اُعْتُبِرَ عليه بِأُصُولِ الْحُرُوفِ من التَّهَجِّي فَإِنْ نَطَقَ بِنِصْفِ التَّهَجِّي ولم يَنْطِقْ بِنِصْفِهِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ ما نَطَقَ بِهِ مِمَّا زَادَ أو نَقَصَ على النِّصْفِ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ وَسَوَاءٌ كُلُّ حَرْفٍ أَذْهَبَهُ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُطِعَ من الْعَظْمِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَارِنِ شَيْءٌ من الْمَارِنِ كانت فيه حُكُومَةٌ مع دِيَةِ الْمَارِنِ وَكَذَلِكَ لو قُطِعَ دُونَ الْمَارِنِ فَصَارَ جَائِفًا وَصَارَ الْمَارِنُ مُنْقَطِعًا منه فَإِنَّمَا فيه حُكُومَةٌ وَهَكَذَا لو قُطِعَ معه من مَحَاجِرِ الْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالْجَبْهَةِ شَيْءٌ لَا يُوَضِّحُ كانت فيه حُكُومَةٌ وَلَوْ أَوْضَحَ شَيْءٌ مِمَّا قُطِعَ من جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ كانت فيه مُوضِحَةٌ أو هَشْمٌ كانت فيه هَاشِمَةٌ وَكَذَلِكَ مُنَقِّلَةٌ وَلَوْ قَطَعَ ذلك قَطْعًا كانت فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من هذا كُلِّهِ لِأَنَّهُ أَزْيَدُ من الْمُنَقِّلَةِ وَلَا يَبِينُ أَنْ يَكُونَ فيه مَأْمُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى دِمَاغٍ وَالْوُصُولُ إلَى الدِّمَاغِ يَقْتُلُ كما يَكُونُ وُصُولُ الْجَائِفَةِ إلَى الْجَوْفِ يَقْتُلُ - * كَسْرُ الْأَنْفِ وَذَهَابُ الشَّمِّ - *

(6/119)


خَفَّ على اللِّسَانِ وَقَلَّ هِجَاؤُهُ أو ثَقُلَ على اللِّسَانِ وَكَثُرَ هِجَاؤُهُ كَالشِّينِ وَالصَّادِ وَالْأَلِفِ وَالتَّاءِ وَالرَّاءِ سَوَاءٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ منها حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ من الْعَدَدِ وَلَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا على بَعْضٍ في ثِقَلٍ وَخِفَّةٍ وَأَيُّ حَرْفٍ منها لم يُفْصِحْ بِهِ حين يَنْطِقُ بِهِ كما يَنْطِقُ بِهِ قبل أَنْ يُجْنَى عليه وَإِنْ خَفَّ لِسَانُهُ لَأَنْ يَنْطِقَ بِغَيْرِهِ يُرِيدُهُ فَهُوَ كما لم يَخِفَّ لِسَانُهُ بِأَنْ يَنْطِقَ بِهِ له أَرْشُهُ من الْعَقْلِ تَامًّا مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْطِقَ بِالرَّاءِ فَيَجْعَلَهَا بَاءً أو لَامًا وما في هذا الْمَعْنَى ( قال ) وَإِنْ نَطَقَ بِالْحَرْفِ مُبِينًا له غير أَنَّ لِسَانَهُ ثَقُلَ عَمَّا كان عليه قبل يُجْنَى عليه فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ جني على رَجُلٍ كان أَرَتَّ أو لَا يُفْصِحُ بِحَرْفٍ أو كان لِسَانُهُ يَخِفُّ بِهِ فَزَادَ في خِفَّتِهِ وَنَقَصَ عن إفْصَاحِهِ بِهِ أو زَادَ في رَتَّتِهِ أو لَثَغِهِ على ما كان في الْحَرْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا أَرْشُ الْحَرْفِ تَامًّا وإذا جني على لِسَانِ الْمُبَرْسَمِ الثَّقِيلِ وهو يُفْصِحُ بِالْكَلَامِ فَفِيهِ ما في لِسَانِ الْفَصِيحِ الْخَفِيفِ وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ على لِسَانِ الْأَعْجَمِيِّ وهو يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ على لِسَانِ الصَّبِيِّ وقد حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ أو بِشَيْءٍ يُعَبِّرُهُ اللِّسَانُ فَبَلَغَ أَنْ لَا يَنْطِقَ فَفِيهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْعَامَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْأَلْسِنَةَ نَاطِقَةٌ حتى يَعْلَمَ أنها لَا تَنْطِقُ وَإِنْ بَلَغَ أَنْ يَنْطِقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَلَا يَنْطِقَ بِبَعْضِهَا كان له من الدِّيَةِ بِقَدْرِ ما لَا يَنْطِقُ بِهِ وإذا جني على لِسَانِ رَجُلٍ كان يَنْطِقُ بِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ فَذَهَبَ مَنْطِقُهُ أو على لِسَانِ الْأَخْرَسِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على لِسَانِ الرَّجُلِ فقال جَنَيْتُ عليه وهو أَبْكَمُ أو يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ وَلَا يُفْصِحُ بِبَعْضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حتى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عليه بِأَنَّهُ كان يَنْطِقُ فإذا جاء بِذَلِكَ لم يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَنْ كان له لِسَانٌ نَاطِقٌ فَهُوَ يَنْطِقُ حتى يَعْلَمَ خِلَافَ ذلك وَهَكَذَا لو قال جَنَيْتُ عليه وهو أَعْمَى فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كان يُبْصِرُ لم يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهُ حَدَثَ على بَصَرِهِ ذَهَابٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ عُرِفَ الْمَجْنِيُّ عليه بِبُكْمٍ أو عَمًى ثُمَّ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّ بَصَرَهُ صَحَّ وَأَنَّ لِسَانَهُ فَصَحَ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي وَكُلِّفُوا هُمْ وَالْمَجْنِيُّ عليه الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بَصَرُهُ وَأَفْصَحَ بَعْدَ الْبَكَمِ فَإِنْ خُلِقَ لِلِسَانٍ طَرَفَانِ فَقَطَعَ رَجُلٌ أَحَدَ طَرَفَيْهِ فَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلَامَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما ذَهَبَ منه وَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلَامَ أو بَعْضَهُ فَأُخِذَتْ له الدِّيَةُ ثُمَّ نَطَقَ بَعْدَهَا رَدَّ ما أُخِذَ له من الدِّيَةِ وَإِنْ نَطَقَ بِبَعْضِ الْكَلَامِ الذي ذَهَبَ ولم يَنْطِقْ بِبَعْضٍ رَدَّ من الدِّيَةِ بِقَدْرِ ما نَطَقَ بِهِ من الْكَلَامِ ( قال ) وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ ولم يَذْهَبْ من الْكَلَامِ شَيْءٌ فَإِنْ كان الطَّرَفَانِ مُسْتَوِيِي الْمَخْرَجِ من حَيْثُ افْتَرَقَا كان فيه من الدِّيَةِ بِقِيَاسِ اللِّسَانِ رُبْعًا كان أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَإِنْ كان الْمَقْطُوعُ زَائِلًا عن حَدِّ مَخْرَجِ اللِّسَانِ ولم يَذْهَبْ من الْكَلَامِ شَيْءٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كانت الْحُكُومَةُ أَكْثَرَ من قَدْرِهِ من قِيَاسِ اللِّسَانِ لم يَبْلُغْ بِحُكُومَتِهِ قَدْرَ قِيَاسِ اللِّسَانِ وَإِنْ قَطَعَ الطَّرَفَانِ جميعا وَذَهَبَ الْكَلَامُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كان أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ في حُكْمِ الزَّائِدِ من اللِّسَانِ جَعَلَ فيه دِيَةً وَحُكُومَةً بِقَدْرِ الْأَلَمِ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ من بَاطِنِ اللِّسَانِ شيئا فَهُوَ كما قَطَعَ من ظَاهِرِهِ وَفِيهِ من الدِّيَةِ بِقَدْرِ ما مَنَعَ من الْكَلَامِ فَإِنْ لم يَمْنَعْ كَلَامًا فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ اللِّسَانِ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ من اللِّسَانِ شيئا لم يَمْنَعْ الْكَلَامَ أو يَمْنَعْ بَعْضَ الْكَلَامِ وَلَا يَمْنَعُ بَعْضَهُ كان فيه الْأَكْثَرُ مِمَّا مَنَعَ من الْكَلَامِ أو قِيَاسِ اللِّسَانِ - * اللَّهَاةُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ لَهَاةَ الرَّجُلِ عَمْدًا فَإِنْ كان يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ منها فَفِيهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ منها أو أَقْطَعَهَا خَطَأً فَفِيهَا حُكُومَة

(6/120)


- * دِيَةُ الذَّكَرِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَ ذَكَرُ الْخُنْثَى وُقِفَ فَإِنْ كان رَجُلًا فَكَانَ قَطْعُ ذَكَرِهِ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الدِّيَةَ وَإِنْ كان خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِنْ كان أُنْثَى فَفِي ذَكَرِهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ مَاتَ مُشْكِلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهُ أُنْثَى مع يَمِينِهِ وَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على وَرَثَةِ الْخُنْثَى يَحْلِفُونَ أَنَّهُ بَانَ ذَكَرًا قبل أَنْ يَمُوتَ وَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ بِأَنَّهُ بَانَ ذَكَرًا وَلَا الْجَانِي بِأَنَّهُ بَانَ أُنْثَى إلَّا بِأَنْ يَصِفَ الْحَالِفُ منهم ما إذَا كان كما يَصِفُ قضى بِهِ على ما يقول وَإِنْ قالوا مَعًا بَانَ ولم يَصِفُوا أو وَصَفُوا فأخطؤوا ( ( ( فأخطئوا ) ) ) وُقِفَ حتى يُعْلَمَ فَإِنْ لم يُعْلَمْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ عَدَا رَجُلٌ على خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ عَمْدًا فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ قِيلَ إنْ شِئْت وَقَفْنَاكَ فَإِنْ بِنْت ذَكَرًا أَقَدْنَاك بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لَك حُكُومَةً في الشَّفْرَيْنِ وَإِنْ بِنْت أُنْثَى فَلَا قَوَدَ لك عليه وَجَعَلْنَا لك دِيَةَ امْرَأَةٍ تَامَّةً في الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ مِتَّ قبل أَنْ تَبِينَ فَلَكَ دِيَةُ امْرَأَةٍ تَامَّةٌ وَحُكُومَةٌ لِأَنَّا على إحَاطَةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَطَعَ الذَّكَرَ فَأَوْعَبَ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْأَنْفِ لِأَنَّهُ من تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ وَأَنَّهُ ليس في الْمَرْءِ منه إلَّا وَاحِدٌ ولم أَعْلَمْ خِلَافًا في أَنَّ في الذَّكَرِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةُ تَامَّةً وقد يُخَالِفُ الْأَنْفَ في بَعْضِ أَمْرِهِ وإذا قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ فَأُوعِبَتْ فَفِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةً ولم أَعْلَمْ في هذا بين أَحَدٍ لَقِيَتْهُ خِلَافًا وَسَوَاءٌ في هذا ذَكَرُ الشَّيْخِ الْفَانِي الذي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ إذَا كان يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَاَلَّذِي لم يَأْتِ امْرَأَةً قَطُّ وَذَكَرُ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أُبِينَ من الْمَرْءِ سَالِمٌ ولم تَسْقُطْ فيه الدِّيَةُ بِضَعْفٍ في شَيْءٍ منه وَإِنَّمَا يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فيه دِيَةٌ تَامَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ كَالشَّلَلِ فَيَكُونَ مُنْبَسِطًا لَا يَنْقَبِضُ أو مُنْقَبِضًا لَا يَنْبَسِطُ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذلك من قُرْحٍ فيه أو غَيْرِهِ من عُيُوبِهِ جُذَامٍ أو بَرَصٍ أو عِوَجِ رَأْسٍ فَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ فيه بِوَاحِدٍ من هذا وَالْقَوْلُ في أَنَّ الذَّكَرَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فَلَا أُكَلِّفُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كان يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ إنْ ادَّعَى بِخِلَافِ ما قال الْمَجْنِيُّ عليه وإذا جَنَى الرَّجُلُ على ذَكَرِ الرَّجُلِ فَجَافَهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ أَيَّ جُرْحٍ كان فلم يَشُلَّهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ أَشَلَّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جُنِيَ على ذَكَرِ الْأَشَلِّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وإذا جني عليه فَقَطَعَ منه حِذْيَةً حتى يُبِينَهَا فَإِنْ كانت من نَفْسِ الذَّكَرِ دُونَ الْحَشَفَةِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَالْتَأَمَتْ أو لم يُعِدْهَا فَسَوَاءٌ فيها بِقَدْرِ حِسَابِهَا من الذَّكَرِ وَيُقَاسُ الذَّكَرُ في الطُّولِ وَالْعَرْضِ مَعًا في طُولِهِ وَعَرْضِهِ فيه الْحَشَفَةُ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ في الْحَشَفَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إنَّ الْحِسَابَ في الْجِنَايَةِ بِالْقِيَاسِ من الْحَشَفَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَتِمُّ في الْحَشَفَةِ لو قُطِعَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّ الذي يَلِي الْجِمَاعَ هِيَ فإذا ذَهَبَتْ فَسَدَ الْجِمَاعُ وَالثَّانِي أَنَّ فيها بِحِسَابِ الذَّكَرِ كُلِّهِ وَلَوْ قُطِعَ من الذَّكَرِ حِذْيَةٌ أو جَافَهَا فَكَانَ الْمَاءُ وَالْبَوْلُ يَنْصَبُّ منها كان فيها الْأَكْثَرُ مِمَّا ذَهَبَ من الذَّكَرِ بِالْقِيَاسِ أو الْحُكُومَةِ في نَقْصِ ذلك وَعَيْبِهِ في الذَّكَرِ وفي ذَكَرِ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ كما في ذَكَرِ الْحُرِّ دِيَتُهُ وَلَوْ زَادَ قَطْعُ الذَّكَرِ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَضْعَافًا وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على ذَكَرِ رَجُلٍ فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ ثُمَّ جَنَى عليه آخَرُ فَقَطَعَ ما بَقِيَ منه كان في حَشَفَتِهِ الدِّيَةُ وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةٌ وفي ذَكَرِ الْخَصِيِّ الدِّيَةُ تَامَّةً لِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِكَمَالِهِ وَالْأُنْثَيَانِ غَيْرُ الذَّكَرِ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على ذَكَرِ الرَّجُلِ فلم يُشْلَلْ وَانْقَبَضَ وَانْبَسَطَ وَذَهَبَ جِمَاعُهُ لم تَتِمَّ فيه الدِّيَةُ لِأَنَّ الذَّكَرَ ما كان سَالِمًا فَالْجِمَاعُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إلَّا من حَادِثٍ في غَيْرِ الذَّكَرِ وَلَكِنَّهُ لو انْقَبَضَ فلم يَنْبَسِطْ أو انْبَسَطَ فلم يَنْقَبِضْ كان هذا شَلَلًا وَكَانَتْ فيه الدِّيَةُ تَامَّةً - * ذَكَرُ الْخُنْثَى - *

(6/121)


من أَنَّكَ ذَكَرٌ أو أُنْثَى فَأَعْطَيْنَاك دِيَةَ أُنْثَى بِالشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ كُنْت ذَكَرًا أَعْطَيْنَاكَ دِيَةَ رَجُلٍ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةً بِالشَّفْرَيْنِ فَكَانَ ذلك أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْنَاك أَوَّلًا فَيُدْفَعُ إلَيْكَ ما لَا يُشَكُّ أَنَّهُ لك وَإِنْ كان لك أَكْثَرُ منه وَلَا يَدْفَعُ إلَيْكَ ما لَا يدرى لَعَلَّ لك أَقَلَّ منه وَهَكَذَا لو كان الْجَانِي على هذا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ امْرَأَةٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَرَادَ الْقَوَدَ لم يُقَدْ حتى يَتَبَيَّنَ أُنْثَى فَيُقَادَ في الشَّفْرَيْنِ وَتَكُونَ له حُكُومَةٌ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أو يَبِينَ ذَكَرًا فَيَكُونَ له دِيَتَانِ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةٌ في الشَّفْرَيْنِ وَلَا يَكُونَ له قَوَدٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَكَرٍ وَهِيَ وَإِنْ كانت قَطَعَتْ له شَفْرَيْنِ فَإِنَّمَا قَطَعَتْ شَفْرَيْنِ زَائِدَيْنِ في خِلْقَتِهِ إنْ كان ذَكَرًا لَا شَفْرَيْنِ كَشَفْرَيْهَا اللَّذَيْنِ هُمَا من تَمَامِ خِلْقَتِهَا وَلَوْ جَنَى عليه خُنْثَى مُشْكِلٌ مِثْلُهُ كان هَكَذَا لَا يُقَادُ حتى يَتَبَيَّنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه مَعًا فإذا كَانَا ذَكَرَيْنِ فَفِيهِمَا الْقَوَدُ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلَا قَوَدَ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَقَطَعَ له ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ وَشَفْرَيْنِ فَسَأَلَ عَقْلَ أَقَلِّ ما له أَعْطَيْته إيَّاهُ ثُمَّ إنْ بَانَتْ له زِيَادَةٌ زِيدَتْ وَذَلِكَ إنْ أَعْطَيْته دِيَةَ امْرَأَةٍ في الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَأَزِيدُهُ دِيَةَ رَجُلٍ وَنِصْفَ دِيَتِهِ حتى أُتِمَّ له بِالْأُنْثَيَيْنِ دِيَةً وَبِالذَّكَرِ دِيَةً وَأَنْظُرُ في حُكُومَةِ الذَّكَرِ التي أُخِذَتْ له أَوَّلًا وَالْأُنْثَيَيْنِ فإذا كانت أَكْثَرَ من حُكُومَةِ الشَّفْرَيْنِ رَدَدْت على الْجَانِي ما زَادَتْ حُكُومَةُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ على دِيَةِ الشَّفْرَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتهَا قِصَاصًا من الدِّيَةِ وَالنِّصْفِ الذي زِدْته إيَّاهَا ( قال ) وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ على خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالشَّفْرَيْنِ فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ كان كَجِنَايَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الْأُنْثَى وَلَا يُقَادُ حتى يَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَيُقَادَ من الذَّكَرِ وَيُحْكَمُ له على الْمَرْأَةِ بِالْأَرْشِ أَرْشِ امْرَأَةٍ أو يَتَبَيَّنُ امْرَأَةً فَيُقَادُ من الْمَرْأَةِ وَيُحْكَمُ على الرَّجُلِ بِالْأَرْشِ أَرْشِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خُلِقَ لِرَجُلٍ ذَكَرَانِ أَحَدَهُمَا يَبُولُ منه وَالْآخَرُ لَا يَبُولُ منه فَأَيُّهُمَا بَالَ منه فَهُوَ الذَّكَرُ الذي يقضى بِهِ وَتَكُونُ فيه الدِّيَةُ وفي الذي لَا يَبُولُ منه حُكُومَةٌ وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جميعا فَأَيُّهُمَا كان مَخْرَجُهُ أَشَدَّ اسْتِقَامَةً على مَخْرَجِ الذَّكَرِ فَهُوَ الذَّكَرُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا فَأَبْقَاهُمَا الذَّكَرَ فَإِنْ أَشْكَلَا فَلَا قَوَدَ له وفي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من نِصْفِ دِيَةِ ذَكَرٍ - * دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابَ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْيَدِ خَمْسُونَ وفي الرِّجْلِ خَمْسُونَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الحديث ما يُبَيِّنُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْنِي خَمْسِينَ من الْإِبِلِ ( قال ) وَهَذَا دَلِيلٌ على أَنَّ كُلَّ ما كان من تَمَامِ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ وكان يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ منه فَكَانَ في الْإِنْسَانِ منه اثْنَانِ فَفِي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْعَيْنُ الْعَمْشَاءُ الْقَبِيحَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ وَالْعَيْنُ الْحَسَنَةُ التَّامَّةُ الْبَصَرِ وَعَيْنُ الصَّبِيِّ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالشَّابِّ إنْ ذَهَبَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ أو بُخِقَتْ أو صَارَتْ قَائِمَةً من الْجِنَايَةِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وإذا ذَهَبَ بَصَرُهَا وَكَانَتْ قَائِمَةً فَبُخِقَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كان على سَوَادِ الْعَيْنِ بَيَاضٌ مُتَنَحٍّ عن النَّاظِرِ ثُمَّ فُقِئَتْ الْعَيْنُ كانت دِيَتُهَا كَامِلَةً وَلَوْ كان الْبَيَاضُ على بَعْضِ النَّاظِرِ كان فيها من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما صَحَّ من النَّاظِرِ وَأُلْغِيَ ما يُغَطَّى من النَّاظِرِ وَلَوْ كان الْبَيَاضُ رَقِيقًا يُبْصِرُ من وَرَائِهِ وَلَا يَمْنَعُ شيئا من الْبَصَرِ وَلَكِنَّهُ يَكِلُهُ كان كَالْعِلَّةِ من غَيْرِهِ وكان فيها الدِّيَةُ تَامَّةً وإذا نَقَصَ الْبَيَاضُ الْبَصَرَ ولم يَذْهَبْ كان فيه من الدِّيَةِ بِحِسَابِ نُقْصَانِهِ وَعِلَلُ الْبَصَرِ وَقِيَاسُ نَقْصِهِ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعَمْدِ وَسَوَاءٌ الْعَيْنُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنَّمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَيْنِ بِخَمْسِينَ وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَيْنُ الْأَعْوَر

(6/122)


لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ عَيْنًا وإذا فَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فقال فَقَأْتهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ وقال الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ إنْ كان حَيًّا أو أَوْلِيَاؤُهُ إنْ كان مَيِّتًا فَقَأَهَا صَحِيحَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَاقِئِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ أو أَوْلِيَاؤُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ بها في حَالٍ فإذا جاؤوا بها بِأَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها في حَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ لم يَشْهَدُوا أَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها في الْحَالِ التي فَقَأَهَا فيه حتى يَأْتِيَ الْفَاقِئُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فَقَأَهَا قَائِمَةً وَهَكَذَا إذَا فَقَأَ عَيْنَ الصَّبِيِّ فقال فَقَأْتهَا وَلَا يُبْصِرُ وقال أَوْلِيَاؤُهُ فَقَأَهَا وقد أَبْصَرَ فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَبْصَرَ بها بَعْدَ أَنْ وُلِدَ وَيَسَعُ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ على أَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها وَإِنْ لم يَتَكَلَّمْ إذَا رَأَوْهُ يُتْبِعُ الشَّيْءَ بِبَصَرِهِ وَتَطْرِفُ عَيْنَاهُ وَيَتَوَقَّاهُ وَهَكَذَا إنْ أَصَابَ الْيَدَ فقال أَصَبْتهَا شَلَّاءَ وقال الْمُصَابَةُ يَدُهُ صَحِيحَةً فَعَلَى الْمُصَابَةِ يَدُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أنها كانت في حَالٍ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فإذا جاء بها فَهِيَ على الصِّحَّةِ حتى يَأْتِيَ الْجَانِي بِالْبَيِّنَةِ أنها شُلَّتْ بَعْدَ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَأَصَابَهَا شَلَّاءَ وَهَكَذَا إذَا قَطَعَ ذَكَرَ الرَّجُلِ أو الصَّبِيِّ فقال قَطَعْته أَشَلَّ أو قال قد قُطِعَ بَعْضُهُ فَعَلَى الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ أو أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كان يَتَحَرَّكُ في حَالٍ فإذا جاء بها فَهِيَ على الصِّحَّةِ حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَشَلُّ بَعْدَ الصِّحَّةِ وإذا أَصَابَ عَيْنَ الرَّجُلِ الْقَائِمَةَ فَفِيهَا حُكُومَةٌ - * دِيَةُ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا نَتَفَ حَاجِبَا الرَّجُلِ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ فِيهِمَا فَإِنْ قَطَعَ جِلْدَتَهُمَا حتى يَذْهَبَ الْحَاجِبَانِ فَكَانَ يُقْدَرُ على قَطْعِ الْجِلْدِ كما قَطَعَ فَفِيهَا الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَ فَهُوَ في مَالِ الْجَانِي وَكَذَلِكَ إنْ كان قَطَعَهُمَا عَمْدًا وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ في مَالِ الْجَانِي وَفِيهِمَا حُكُومَةٌ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً إلَّا أَنْ يَكُونَ حين قَطَعَ جِلْدَهُمَا أَوْضَحَ عن الْعَظْمِ فَيَكُونُ فِيهِمَا الْأَكْثَرُ من مُوضِحَتَيْنِ أو حُكُومَةٍ وَهَكَذَا اللِّحْيَةُ وَالشَّارِبَانِ وَالرَّأْسُ يُنْتَفُ لَا قَوَدَ في النَّتْفِ وقد قِيلَ فيه حُكُومَةٌ إذَا نَبَتَ وَإِنْ لم يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ منها وَإِنْ قُطِعَ من هذا شَيْءٌ بِجِلْدَتِهِ كما وَصَفْت في الْحَاجِبَيْنِ فَفِيهِ الْأَكْثَرُ من حُكُومَةِ الشَّيْنِ وَمُوضِحَةٌ أو مَوَاضِحُ إنْ أَوْضَحَ مُوضِحَةً أو مَوَاضِحَ بَيْنَهُنَّ صِحَّةٌ من الرَّأْسِ أو اللِّحْيَةِ لم تُوضَحْ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال سَأَلْت عَطَاءً عن الْحَاجِبِ يَشِينُ قال ما سَمِعْت فيه بِشَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فيه حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ حَلْقُ الرَّأْسِ له قَدْرٌ قال لم أَعْلَمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا قَدْرَ في الشَّعْرِ مَعْلُومٌ وَفِيهِ إذَا لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ مَعِيبًا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ أو الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ - * دِيَةُ الْأُذُنَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْأُذُنَيْنِ إذَا اصْطَلَمَتَا فَفِيهَا الدِّيَةُ قِيَاسًا على ما قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِالدِّيَةِ من الِاثْنَيْنِ في الْإِنْسَانِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ في الْأُذُنِ إذَا اُسْتُوْعِبَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُصْطُلِمَتْ الْأُذُنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُمَا ولم يَصْطَلِمَا فَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ جُفُونَ الْعَيْنَيْنِ حتى يَسْتَأْصِلَهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ في كل جَفْنٍ رُبُعُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ في الْإِنْسَانِ وَهِيَ من تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَمِمَّا يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ قِيَاسًا على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ في بَعْضِ ما في الْإِنْسَانِ منه وَاحِدٌ الدِّيَةُ وفي بَعْضِ ما في الْإِنْسَانِ منه اثْنَانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ فَقَأَ الْعَيْنَيْنِ وَقَطَعَ جُفُونَهُمَا كان في الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وفي الْجُفُونِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ غَيْرُ الْجُفُونِ وَلَوْ نَتَفَ أَهْدَابَهُمَا فلم تَنْبُتْ كان فيها حُكُومَةٌ وَلَيْسَ في شَعْرِ الشَّفْرِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّ الشَّعْرَ بِنَفْسِهِ يَنْقَطِعُ فَلَا يَأْلَمُ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَنْبُتُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَلَا يُشْبِهُ ما يَجْرِي فيه الدَّمُ وَتَكُونُ فيه الْحَيَاةُ فَيَأْلَمُ الْمَجْنِيُّ عليه بِمَا نَالَهُ مِمَّا يُؤْلَمُ وما أُصِيبَ من جُفُونِ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ - * دِيَةُ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ - *

(6/123)


وَإِنْ ضُرِبَتَا فَاصْطُلِمَتَا وَذَهَبَ السَّمْعُ فَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَالسَّمْعِ الدِّيَةُ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ ( قال ) وَإِنْ كانت الْأُذُنَانِ مُسْتَحْشِفَتَيْنِ بِهِمَا من الِاسْتِحْشَافِ ما بِالْيَدِ من الشَّلَلِ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَا إذَا حُرِّكَتَا لم تَتَحَرَّكَا لِيَبَسٍ أو غُمِزَتَا بِمَا يُؤْلِمُ لم تَأْلَمَا فَقَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَإِنْ ضَرَبَهُمَا إنْسَانٌ صَحِيحَتَيْنِ فَصَيَّرَهُمَا إلَى هذه الْحَالِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دِيَتَهُمَا تَامَّةٌ كما تَتِمُّ دِيَةُ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِمَا حُكُومَةً لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا في حَرَكَاتِهِمَا كَالْمَنْفَعَةِ في حَرَكَةِ الْيَدِ إنَّمَا هُمَا جَمَالٌ فَالْجَمَالُ بَاقٍ وإذا قُطِعَ من الْأُذُنِ شَيْءٌ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ من أَعْلَاهَا كان أو أَسْفَلِهَا بِحِسَابِهِ من الْقِيَاسِ في الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا في إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ كان قَطْعُ بَعْضِهِ أَشْيَن من بَعْضٍ لم أَزِدْ فيه لِلشَّيْنِ وَلَا أَزِيدُ لِلشَّيْنِ فِيمَا جَعَلْت فيه أَرْشًا مَعْلُومًا شيئا في مَمْلُوكٍ وَلَا حُرٍّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ فَلَوْ لم يَشِنْ بِالْمُوضِحَةِ حُرٌّ ولم يَنْقُصْ ثَمَنُ مَمْلُوكٍ فَأَعْطَيْت الْحُرَّ خَمْسًا وَالْمَمْلُوكَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ بِلَا شَيْنٍ كُنْت أَعْطَيْت الْحُرَّ ما وُقِّتَ له من اسْمِ الْمُوضِحَةِ فِيمَا أُصِيبَ بِهِ وَالْعَبْدُ لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ فإذا أَعْطَيْتهمَا بما ( ( ( بمال ) ) ) لَا يَشِينُ وَلَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ فَإِنْ شأن وَنَقَصَ الثَّمَنُ لم يَجُزْ أَنْ أَزِيدَهُمَا شيئا فَأَكُونَ قد أَعْطَيْتهمَا مَرَّةً على ما وُقِّتَ لَهُمَا من الْجِرَاحِ وَمَرَّةً على الشَّيْنِ فَيَكُونُ هذا حُكْمًا مُخْتَلِفًا - * دِيَةُ الشَّفَتَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا ثَابِتَةٌ في عَظْمِ الرَّأْسِ وَالْأَسْنَانُ السُّفْلَى ثَابِتَةٌ في عَظْمِ اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فإذا قُلِعَ اللَّحْيَانِ من أَسْفَلَ مَعًا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنْ قُلِعَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ فَفِي الْمَقْلُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ وَسَقَطَ الْآخَرُ معه فَفِيهِمَا الدِّيَةُ مَعًا وفي الْأَسْنَانِ التي فِيهِمَا في كل سِنٍّ مع الدِّيَةِ في اللَّحْيَيْنِ وَلَيْسَتْ تُشْبِهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَسَوَاءٌ الْعُلْيَا مِنْهُمَا وَالسُّفْلَى وَكَذَلِكَ كُلُّ ما جَعَلْت فيه الدِّيَةَ من شَيْئَيْنِ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ فَالدِّيَةُ فيه على الْعَدَدِ لَا يُفَضَّلُ أَيْمَنُ منه على أَيْسَرَ وَلَا أَعْلَى منه على أَسْفَلَ وَلَا أَسْفَلَ على أَعْلَى وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَنَافِعِهِ وَلَا إلَى جَمَالِهِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِهِ وما قُطِعَ من الشَّفَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَ من الشَّفَتَيْنِ شَيْءٌ ثُمَّ قُطِعَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كان عليه فِيمَا قُطِعَ بِحِسَابِ ما قُطِعَ وفي الشَّفَتَيْنِ الْقَوَدُ إذَا قُطِعَتَا عَمْدًا وَسَوَاءٌ الشَّفَتَانِ الْغَلِيظَتَانِ وَالرَّقِيقَتَانِ وَالتَّامَّتَانِ وَالْقَصِيرَتَانِ إذَا كان قِصَرُهُمَا من خِلْقَتِهِمَا وَإِنْ أَصَابَ إنْسَانٌ شَفَتَيْنِ فَيَبِسَتَا حتى تَصِيرَا مُقَلَّصَتَيْنِ لَا تَنْطَبِقَانِ على الْأَسْنَانِ أو اسْتَرْخَتَا حتى تصيرا ( ( ( تصير ) ) ) لَا تُقَلَّصَانِ عن الْأَسْنَانِ إذَا كَشَّرَ أو ضَحِكَ أو عَمَدَ تَقْلِيصَهُمَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ فَإِنْ أَصَابَهُمَا جَانٍ فَكَانَتَا مُقَلَّصَتَيْنِ عن الْأَسْنَانِ بَعْضَ التَّقْلِيصِ لَا تَنْطَبِقَانِ عليها كُلِّهَا وَتَرْتَفِعَانِ إلَى فَوْقَ أو كَانَتَا مُسْتَرْخِيَتَيْنِ تَنْطَبِقَانِ على الْأَسْنَانِ وَلَا تَتَقَلَّصَانِ إلَى فَوْقَ كما تُقَلَّصُ الصَّحِيحَتَانِ كان فِيهِمَا من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما قَصَرَتَا عن بُلُوغِهِ مِمَّا يَبْلُغُهُ الشَّفَتَانِ السَّالِمَتَانِ يَرَى ذلك أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُونَ فيه إنْ كان نِصْفًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَإِنْ شَقَّ فِيهِمَا شَقًّا ثُمَّ الْتَأَمَ أو لم يَلْتَئِمْ ولم يُقَلَّصْ عن الْأَسْنَانِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ قُلِّصَ عن الْأَسْنَانِ شيئا حتى يَكُونَ كما قُطِعَ مِنْهُمَا فَإِنْ كان إذَا مُدَّ الْتَأَمَ وإذا أُرْسِلَ عَادَ فَهَذَا انْقِبَاضٌ لِافْتِرَاقِ الشَّفَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ منها فَلَيْسَ فيه عَقْلٌ مَعْلُومٌ وَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ وَلَوْ قَطَعَ من الشَّفَةِ شيء ( ( ( بشيء ) ) ) كان فيها بِحِسَابِ ما قَطَعَ وَالشَّفَةُ كُلُّ ما زَايَلَ جِلْدَ الذَّقَنِ وَالْخَدَّيْنِ من أَعْلَى وَأَسْفَلَ مستدايرا ( ( ( مستديرا ) ) ) بِالْفَمِ كُلِّهِ مِمَّا ارْتَفَعَ عن الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ فإذا قُطِعَ من ذلك شَيْءٌ طُولًا حُسِبَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَطُولُ الشَّفَةِ التي قُطِعَ منها الْعُلْيَا كانت أو السُّفْلَى ثُمَّ كان فيه بِحِسَابِ الشَّفَةِ التي قُطِعَ منها - * دِيَةُ اللَّحْيَيْنِ - *

(6/124)


الْأَسْنَانَ الْيَدُ فيها الْأَصَابِعُ في الْكَفِّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَفِّ وَالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ فإذا ذَهَبَتْ لم يَكُنْ فيها كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَاللَّحْيَانِ إذَا ذَهَبَا ذَهَبَتْ الْأَسْنَانُ وَهُمَا وِقَايَةُ اللِّسَانِ وَمَنْعًا لِمَا يَدْخُلُ الْجَوْفَ وَرَدُّ الطَّعَامِ حتى يَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ دُونَ الْأَسْنَانِ وَلَوْ لم يَكُنْ فِيهِمَا سِنٌّ فَذَهَبَا كانت فِيهِمَا الدِّيَةُ لِمَا وَصَفْت وَإِنْ ضُرِبَا فَيَبِسَا حتى لَا يَنْفَتِحَا وَلَا يَنْطَبِقَا كانت فِيهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لو انْفَتَحَا فلم يَنْطَبِقَا أو انْطَبَقَا فلم يَنْفَتِحَا كانت فِيهِمَا الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ في الْأَسْنَانِ لِأَنَّهُ لم يَجْنِ على الْأَسْنَانِ بِشَيْءٍ إنَّمَا جَنَى على اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ كانت مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ قد ذَهَبَتْ إذَا لم يَتَحَرَّكْ اللَّحْيَانِ وَإِنْ ضُرِبَ اللَّحْيَانِ فشانهما وَهُمَا يَنْطَبِقَانِ وَيَنْفَتِحَانِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةً - * دِيَةُ الْأَسْنَانِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في السِّنِّ خَمْسٌ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن أبيه عن أبن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال ) وَالدِّيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ على الْعَدَدِ لَا على الْمَنَافِعِ ( قال ) وفي سِنِّ من قد ثَغَرَ وَاسْتُخْلِفَ له من بَعْدِ سُقُوطِ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَإِنْ نَبَتَ بَعْدَ ذلك رَدَّ ما أَخَذَ من الْعَقْلِ وقد قِيلَ لَا يَرُدُّ شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ من أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ لم يَكُنْ له شَيْءٌ وإذا أَثْغَرَ الرَّجُلُ وَاسْتُخْلِفَتْ أَسْنَانُهُ فَكَبِيرُهَا وَمُتَرَاصِفُهَا وَصَغِيرُهَا وَتَامُّهَا وَأَبْيَضُهَا وَحَسَنُهَا سَوَاءٌ في الْعَقْلِ كما يَكُونُ ذلك سَوَاءٌ فِيمَا خُلِقَ من الْأَعْيُنِ وَالْأَصَابِعِ التي يَخْتَلِفُ حُسْنُهَا وَقُبْحُهَا وَأَمَّا إذَا نَبَتَتْ الْأَسْنَانُ مُخْتَلِفَةً يَنْقُصُ بَعْضُهَا عن بَعْضٍ نَقْصًا مُتَبَايِنًا نَقَصَ من أَرْشِ النَّاقِصَةِ بِحِسَابِ ما نَقَصَتْ عن قَرِينَتِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ تَنْقُصُ عن التي هِيَ قَرِينَتُهَا مِثْلُ أَنْ تَكُونَ كَنِصْفِهَا أو ثُلُثَيْهَا أو أَكْثَرَ فإذا تَفَاوَتَ النَّقْصُ فِيهِمَا فَنُزِعَتْ النَّاقِصَةُ مِنْهُمَا فَفِيهَا من الْعَقْلِ بِقَدْرِ نَقْصِهَا عن التي تَلِيهَا وَإِنْ كان نَقْصُهَا عن التي تَلِيهَا مُتَقَارِبًا كما يَكُونُ في كَثِيرٍ من الناس كَنَقْصِ الْأُشُرِ وَدُونِهِ فَنُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَهَكَذَا هذا في كل سِنٍّ نَقَصَتْ عن نَظِيرَتِهَا كَالرَّبَاعِيَتَيْنِ تَنْقُصُ إحْدَاهُمَا عن خِلْقَةِ الْأُخْرَى وَلَا تُقَاسُ الرَّبَاعِيَةُ بِالثَّنِيَّةِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّبَاعِيَةَ أَقْصَرُ من الثَّنِيَّةِ وَلَا أَعْلَى الْفَمِ من الثَّنَايَا وَغَيْرِهَا بِأَسْفَلِهِ لِأَنَّ ثَنِيَّةَ أَعْلَى الْفَمِ غَيْرُ ثَنِيَّةِ أَسْفَلِهِ وَتُقَاسُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى على مَعْنَى ما وَصَفْت وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ ثَنِيَّتَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مَخْلُوقَةً خِلْقَةَ ثَنَايَا الناس تَفُوتُ الرَّبَاعِيَةُ في الطُّولِ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَطُولُ بِهِ الثَّنِيَّةُ الرَّبَاعِيَةَ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى تَفُوتُهَا فَوْتًا دُونَ ذلك فَنُزِعَتْ التي هِيَ أَطْوَلُ كان فيها أَرْشُهَا تَامًّا وَفَوْتُهَا لِلْأُخْرَى التَّامَّةِ كَالْعَيْبِ فيها أو غَيْرِ الزِّيَادَةِ وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الزَّائِدَةُ أو أَصَابَتْ صَاحِبَتُهَا عِلَّةٌ فَزَادَتْ طُولًا أو نَبَتَتْ هَكَذَا فإذا أُصِيبَتْ هذه الطَّائِلَةُ أو التي تَلِيهَا الْأُخْرَى فَفِي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وإذا أُصِيبَ من وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا بِقِيَاسِهَا وَيُقَاسُ السِّنُّ عَمَّا ظَهَرَ من اللِّثَة منها فإذا أَصَابَ اللِّثَةَ مَرَضٌ فَانْكَشَفَتْ عن بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا انْكَشَفَتْ بِهِ عن غَيْرِهَا فَأُصِيبَتْ سِنُّ مِمَّا انْكَشَفَتْ عنها اللِّثَةُ فَيَبِسَتْ السِّنُّ بِمَوْضِعِ اللِّثَةِ قبل انْكِشَافِهَا فَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَرَ بين أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا في أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في السِّنِّ بِخَمْسٍ وَهَذَا أَكْثَرُ من خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ أَقُولُ فَالثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَغَيْرُهُ أَسْنَانٌ وفي كل وَاحِدٍ منها إذَا قُلِعَ خَمْسٌ من الْإِبِلِ لَا يَفْضُلُ منها سِنٌّ على سِنٍّ
أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُ مَاذَا في الضِّرْسِ فقال عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فيه خَمْسٌ من الْإِبِلِ قال فَرَدَّنِي إلَيْهِ مَرْوَانُ فقال أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فقال بن عَبَّاسٍ لو لم تَعْتَبِرْ ذلك إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ

(6/125)


جَهِلَ ذلك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما يُمْكِنُ مِثْلُهُ وإذا قال ما لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ لم يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأُعْطِيَ الْمَجْنِيُّ عليه على قَدْرِ ما بَقِيَ من لِثَتِهِ لم يَنْكَشِفْ عَمَّا بَقِيَ من أَسْنَانِهِ وَإِنْ انْكَشَفَتْ اللِّثَةُ عن جَمِيعِ الْأَسْنَانِ فَهَكَذَا أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ بِاللِّثَةِ مَرَضًا يَنْكَشِفُ مِثْلُهَا بمثله فَإِنْ جَهِلَ ذلك فَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فقال الْمَجْنِيُّ عليه هَكَذَا خُلِقَتْ وقال الْجَانِي بَلْ هذا عَارِضٌ من مَرَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ إنْ كان ذلك يَكُونُ في خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كان لَا يَكُونُ في خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حتى يَدَّعِيَ الْمَجْنِيُّ عليه ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ في خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أَسْنَانٌ قِصَارٌ كُلُّهَا من أَعْلَى وَالسُّفْلَى طِوَالٌ أو قِصَارٌ من أَسْفَلَ وَالْعُلْيَا طِوَالٌ أو قِصَارٌ فَسَوَاءٌ وَلَا تُعْتَبَرُ أَعَالِي الْأَسْنَانِ بِأَسَافِلِهَا في كل سِنٍّ قُلِعَتْ منها خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَكَذَلِكَ لو كان مُقَدَّمُ الْفَمِ من أَعْلَى طَوِيلًا وَالْأَضْرَاسُ قِصَارٌ أو مُقَدَّمُ الْفَمِ قَصِيرًا وَالْأَضْرَاسُ طِوَالٌ كانت في كل سِنٍّ أُصِيبَتْ له خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَيُعْتَبَرُ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ على مُقَدَّمِهِ فَلَوْ نَقَصَتْ ثَنَايَا رَجُلٍ عن رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا مُتَفَاوِتًا كما وَصَفْت نَقَصَ من دِيَةِ النَّاقِصِ منها بِقَدْرِهِ أو كانت ثَنِيَّتُهُ تَنْقُصُ عن رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَأُصِيبَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا بِقَدْرِ ما نَقَصَ منها أو كانت رَبَاعِيَتُهُ تَنْقُصُ عن ثَنِيَّتِهِ نُقْصَانًا لَا تَنْقُصُهُ الرَّبَاعِيَاتُ فَيَصْنَعُ فِيهِمَا هَكَذَا وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ في الْأَضْرَاسِ يَنْقُصُ بَعْضُهَا عن بَعْضٍ وَإِنَّمَا قُلْت هذا في الْأَسْنَانِ إنْ اخْتَلَفَتْ ولم أَقُلْهُ لو خُلِقَتْ كُلُّهَا قِصَارًا لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَكَذَا لَا يَكُونُ في الظَّاهِرِ إلَّا من مَرَضٍ حَادِثٍ عِنْدَ اسْتِخْلَافِ الذي يَثْغَرُ أو جِنَايَةٍ على الْأَسْنَانِ تَنْقُصُهَا وإذا كانت الْأَسْنَانُ مُسْتَوِيَةَ الْخَلْقِ وَمُتَقَارِبَةً فَالْأَغْلَبُ أَنَّ هذا في الظَّاهِرِ من نَفْسِ الْخِلْقَةِ بِلَا مَرَضٍ كما تَكُونُ نَفْسُ الْخِلْقَةِ بِالْقِصَرِ ( قال ) وَلَوْ خُلِقَتْ الْأَسْنَانُ طِوَالًا فَجَنَى عليها جَانٍ فَكَسَرَهَا من أَطْرَافِهَا فَانْتَقَصَ منها حتى يَبْقَى ما لو نَبَتَ لِرَجُلٍ كان من الْأَسْنَانِ تَامًّا فَجَنَى عليها إنْسَانٌ بَعْدَ هذا جِنَايَةً كان عليه في كل سِنٍّ منها بِحِسَابِ ما بَقِيَ منها وَيُطْرَحُ عنه بِحِسَابِ ما ذَهَبَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فِيمَا ذَهَبَ منها قبل الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ ما أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ - * ما يَحْدُثُ من النَّقْصِ في الْأَسْنَانِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ذَهَبَ حَدُّ السِّنِّ أو الْأَسْنَانِ بكلال لَا تُكْسَرُ ثُمَّ جني عليها فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَذَهَابُ أَطْرَافِهَا كَلَّالٍ لَا يَنْقُصُ فإذا ذَهَبَ من أَطْرَافِهَا ما جَاوَزَ الْحَدَّ أو من طَرَفٍ وَاحِدٍ منها نَقَصَ عن الْجَانِي عليها بِقَدْرِ ما ذَهَبَ منها وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَحَلَ سِنَّ رَجُلٍ أو ضَرَبَهَا فَأَذْهَبَ حَدَّهَا أو شيئا منها كان عليه من عَقْلِ السِّنِّ بِحِسَابِ ما ذَهَبَ منها وإذا أَخَذَ لِشَيْءٍ من حَدِّهَا أَرْشًا ثُمَّ جَنَى عليها جَانٍ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ نَقَصَ عن الْجَانِي من أَرْشِهَا بِحِسَابِ ما نَقَصَ منها وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عليها رَجُلٌ فعفي ( ( ( فعفا ) ) ) له عن الْأَرْشِ وإذا وَهِيَ فَمُ الرَّجُلِ من مَرَضٍ أو كِبَرٍ فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُهُ أو بَعْضُهَا فَرَبَطَهَا بِذَهَبٍ أو لم يَرْبِطْهَا بِهِ فَقَلَعَ رَجُلٌ الْمُضْطَرِبَةَ منها فَقَدْ قِيلَ فيها عَقْلُهَا تَامًّا وَقِيلَ فيها حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ فيها لو ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَاضْطَرَبَتْ ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَقَلَعَهَا وإذا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَنَغَضَتْ انْتَظَرَ بها قَدْرَ ما يقول أَهْلُ الْعِلْمِ بها أنها إذَا تُرِكَتْ فلم تَسْقُطْ لم تَسْقُطْ إلَّا من حَادِثٍ بَعْدَهُ فَإِنْ سَقَطَتْ فَعَلَيْهِ أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ لم تَسْقُطْ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَلَا يَتِمُّ فيها عَقْلُهَا حتى تَسْقُطَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَغَضَتْ سِنُّهُ ثُمَّ أَثْبَتَهَا فَثَبَتَتْ حتى لَا يُنْكِرَ شِدَّتَهَا وَلَا قُوَّتَهَا لم يَكُنْ على الْجَانِي عليها شَيْءٌ وَلَوْ نُزِعَتْ بَعْدُ كان فيها أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ قال لَيْسَتْ في الشِّدَّةِ كما كانت كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَهُ فيها حُكُومَةٌ على الذي أَنْغَضَهَا وَحُكُومَةٌ على النَّازِعِ وَقِيلَ أَرْشُهَا تَامًّا وَلَوْ نَدَرَتْ سِنُّ رَجُلٍ حتى يَخْرُجَ سِنْخُهَا فَلَا تُعَلَّقُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعَادَهَا فَثَبَتَتْ ثُمَّ قَلَعَهَا رَجُلٌ لم يَكُنْ على الْجَانِي الْآخَرِ أَرْشٌ وَلَا حُكُومَةٌ ولم يَكُنْ لِلَّذِي أَعَادَهَا إعَادَتُهَا لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ وَهَكَذَا لو وَضَعَ سِنَّ شَاةٍ أو بَهِيمَةٍ مِمَّا يُذَكَّى أو سِنَّ غَيْرِهِ مَكَانَ سِنٍّ ل

(6/126)


انْقَلَعَتْ فَقَلَعَهَا رَجُلٌ لم يَبِنْ أَنْ يَكُونَ عليه حُكُومَةٌ وقد قِيلَ في هذا حُكُومَةٌ وَهَكَذَا لو وَضَعَ مَكَانَهَا سِنَّ ذَهَبٍ أو سِنَّ ما كان وإذا قُلِعَتْ سِنُّ رَجُلٍ بعد ما يَثْغَرُ فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ لم يَرُدَّ عليه شيئا وَلَوْ جَنَى عليها جَانٍ آخَرُ فَقَلَعَهَا وقد نَبَتَتْ صَحِيحَةً لَا يُنْكِرُ منها قُوَّةً وَلَا لَوْنًا كان فيها أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا لو قُطِعَ لِسَانُ رَجُلٍ أو شَيْءٌ منه فَأَخَذَ له أَرْشًا ثُمَّ نَبَتَ لم يَرُدَّ شيئا من الْأَرْشِ فَإِنْ نَبَتَ صَحِيحًا كما كان قبل الْقَطْعِ فَجَنَى عليه جَانٍ فَفِيهِ الْأَرْشُ أَيْضًا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَ السِّنُّ وَاللِّسَانُ مُتَغَيِّرَيْنِ عَمَّا كَانَا عليه من فَصَاحَةِ اللِّسَانِ أو قُوَّةِ السِّنِّ أو لَوْنِهَا ثُمَّ قُلِعَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ - * الْعَيْبُ في أَلْوَانِ الْأَسْنَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ لم يَثْغَرْ انْتَظَرَ بِهِ فَإِنْ أَثْغَرَ فُوهُ كُلُّهُ ولم تَنْبُتْ السِّنُّ التي نُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وإذا نَبَتَتْ بِطُولِ التي نَظِيرَتُهَا أو مُتَقَارِبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ نَاقِصَةَ الطُّولِ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَبَتَتْ أَسْنَانُ الرَّجُلِ سُودًا كُلُّهَا أو ثَغَرَتْ سُودًا أو ما دُونَ السَّوَادِ من حُمْرَةٍ أو خُضْرَةٍ أو ما قَارَبَهَا وَكَانَتْ ثَابِتَةً لَا تُنْغِضُ وكان يَعَضُّ بِمُقَدَّمِهَا وَيَمْضُغُ بِمُؤَخَّرِهَا بِلَا أَلَمٍ يُصِيبُهُ فِيمَا عَضَّ أو مَضَغَ عليه منها فَجَنَى إنْسَانٌ على سِنٍّ منها فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَتْ بِيضًا ثُمَّ ثَغَرَتْ فَنَبَتَتْ سُودًا أو حُمْرًا أو خُضْرًا سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بها فَإِنْ قالوا لَا يَكُونُ هذا إلَّا من حَادِثِ مَرَضٍ في أُصُولِهَا فَجَنَى جَانٍ على سِنٍّ منها فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا يُبْلَغُ بها عَقْلُ سِنٍّ فَإِنْ أَشْكَلَ عليهم أو قالوا تَسْوَدُّ من غَيْرِ مَرَضٍ فَجَنَى إنْسَانٌ على سِنٍّ منها فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا إذَا نَبَتَتْ بِيضًا فَاسْوَدَّتْ من غَيْرِ جِنَايَةٍ وإذا نَبَتَتْ بِيضًا فَجَنَى عليها جَانٍ فَاسْوَدَّتْ ولم تَنْقُصْ قُوَّتُهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ اخْضَرَّتْ أو احْمَرَّتْ وَتَنْقُصُ كُلُّ حُكُومَةٍ فيها عن السَّوَادِ لِأَنَّ السَّوَادَ أَشْبَهُ وَإِنْ اصْفَرَّتْ من الْجِنَايَةِ جُعِلَ فيها أَقَلُّ من كل ما جُعِلَ في غَيْرِهَا واذا انْتَقَصَتْ قُوَّتُهَا مع تَغَيُّرِ لَوْنِهَا زِيدَ في حُكُومَتِهَا وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا نَبَتَتْ أَسْنَانُهُ بِيضًا ثُمَّ أَكَلَ شيئا يُحَمِّرُهَا أو يُسَوِّدُهَا أو يُخَضِّرُهَا ثُمَّ جَنَى عليها جَانٍ فَقَلَعَ منها سِنًّا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا لِأَنَّ بَيِّنًا أَنَّ هذا من غَيْرِ مَرَضٍ وإذا جَنَى رَجُلٌ على سِنِّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ مَكَانَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ آلَمَهَا ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ أو دَمِيَتْ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ وَإِنْ أَقَامَتْ مُدَّةً لم تَسْوَدَّ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قالوا هذا لَا يَكُونُ إلَّا من جِنَايَةِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا ادَّعَى ذلك الْمَجْنِيُّ عليه وَحَلَفَ وَإِنْ قالوا قد يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مع يَمِينِهِ وَلَا حُكُومَةَ عليه ( وقال ) في الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ مَنْفَعَةٌ بِالْمَضْغِ وَحَبْسِ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ وَاللِّسَانِ وَجَمَالٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْنِيَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ فَتَسْوَدَّ سِنُّهُ وَتَبْقَى لم يَذْهَبْ منها شَيْءٌ إلَّا حُسْنُ اللَّوْنِ فَأَجْعَلُ فيها الْأَرْشَ تَامًّا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بها أَكْثَرُ من الْجَمَالِ وقد بَقِيَ من جَمَالِهَا أَيْضًا سَدُّ مَوْضِعِهَا وَلَيْسَتْ كَالْيَدِ تُشَلُّ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ منها وَلَا كَالْعَيْنِ تُطْفَأُ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ منها أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَدَ إذَا شُلَّتْ ثُمَّ قُطِعَتْ أو الْعَيْنُ إذَا طَفِئَتْ فَفُقِئَتْ لم يَكُنْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا حُكُومَةٌ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ السَّوَادَ إذَا لم يُعْلَمْ أَنَّهُ من مَرَضٍ في السِّنِّ يُنْقِصُهَا لَا يَنْقُصُ عَقْلَهَا أني جَعَلْت ذلك كَالزَّرَقِ والشهولة وَالْعَمَشِ وَالْعَيْبُ في الْعَيْنِ لَا يَنْقُصُ عَقْلَهَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ في كل طَرَفٍ فيه عَمَلٌ وَجَمَالٌ أَكْثَرُ من الْجَمَالِ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على السِّنِّ السَّوْدَاءِ التي سَوَادُهَا من مَرَضٍ مَعْلُومٍ نَقَصَ عنه من عَقْلِهَا بِقَدْرِ ذلك على ما وَصَفْت - * أَسْنَانُ الصَّبِيِّ - *

(6/127)


التي تُقَارِبُهَا نَقْصًا مُتَفَاوِتًا كما وَصَفْت أُخِذَ له من أَرْشِهَا بِقَدْرِ نَقْصِهَا وَإِنْ نَبَتَتْ غير مُسْتَوِيَةِ النَّبْتَةِ بِعِوَجٍ كان إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أو خَارِجِهِ أو في شِقٍّ كانت فيها حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أو حَمْرَاءَ أو صَفْرَاءَ فَفِيهَا حُكُومَةٌ في كل وَاحِدٍ من هذا في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ كَثْرَةِ شَيْنِ السَّوَادِ على الْحُمْرَةِ وَالْحُمْرَةِ على الصُّفْرَةِ وَإِنْ نَبَتَتْ قَصِيرَةً عن التي تَلِيهَا بِمَا تَفُوتُ بِهِ سِنٌّ مِمَّا يَلِيهَا فَفِيهَا بِقَدْرِ ما نَقَصَهَا وَسَوَاءٌ كان النَّقْصُ في جَمِيعِ السِّنِّ أو بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ نَبَتَتْ مَفْرُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَفِيهَا بِحِسَابِ ما نَقَصَ مِمَّا بين الْفَرْقَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت نَاقِصَةَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ في شَيْنِهَا شَيْءٌ في هذا الْمَوْضِعِ وَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّهُ وَنَبَتَتْ له سِنٌّ زَائِدَةٌ مَعَهَا لم يَكُنْ عليه في نَبَاتِ السِّنِّ الزَّائِدَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَنْزُوعَةُ سِنَّهُ ولم يَسْتَخْلِفْ من فيه شَيْءٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ في سِنِّهِ حُكُومَةً لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنْ لو عَاشَ نَبَتَتْ وَالثَّانِي أن فيها خَمْسًا من الْإِبِلِ وَلَا يَخْرُجُ من أَنْ يَكُونَ هذا فيها حتى يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ من فيه ما إلَى جَنْبِ سِنِّهِ الْمَنْزُوعَةِ ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ فَإِنْ كان ما إلَى جَنْبِهَا اُسْتُخْلِفَ وَعَاشَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ مُدَّةً لَا تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا في الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ مَاتَ في وَقْتٍ تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا أو كانت إحْدَاهُمَا تَقَدَّمَتْ الْأُخْرَى بِأَنْ ثَغَرَتْ قَبْلَهَا كانت فيها حُكُومَةٌ في قَوْلِ من قال في سِنِّ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ قبل تَمَامِ نَبَاتِ سِنِّهِ حُكُومَةٌ وَدِيَةٌ في الْقَوْلِ الْآخَرِ وإذا ثَغَرَتْ سِنٌّ فَطَلَعَتْ فلم يَلْتَئِمْ طُلُوعُهَا حتى تَسْتَوِيَ بِنَظِيرَتِهَا حتى قَلَعَهَا رَجُلٌ آخَرُ انْتَظَرَ بها فَإِنْ نَبَتَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من حُكُومَتِهَا لو قُلِعَتْ قبل تَثْغَرَ وَإِنْ لم تَنْبُتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وقد قِيلَ فيها من الْعَقْلِ بِقَدْرِ ما أَصَابَ منها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُلِعَتْ السِّنُّ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وإذا اسْوَدَّتْ فَفِيهَا أَقَلُّ من الْحُكُومَةِ التي في قَلْعِهَا - * قَلْعُ السِّنِّ وَكَسْرُهَا - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كُسِرَتْ السِّنُّ من مَخْرَجِهَا فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَكَذَا لو قَلَعَهَا من سِنْخِهَا في كل وَاحِدَةٍ منها خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ كُسِرَتْ فَتَمَّ عَقْلُهَا ثُمَّ نَزَعَ إنْسَانٌ سِنْخَهَا فَفِيمَا نَزَعَ منها حُكُومَةٌ وَإِنْ كَسَرَ إنْسَانٌ نِصْفَ سِنِّ رَجُلٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ثُمَّ نَزَعَ آخَرُ السِّنَّ من سِنْخِهَا فَفِيهَا بِحِسَابِ ما بَقِيَ ظَاهِرًا من السِّنِّ وَحُكُومَةُ السِّنْخِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْحُكُومَةُ في السِّنْخِ إذَا تَمَّ عَقْلُ السِّنِّ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فَنُزِعَتْ بها السِّنُّ من السِّنْخِ وإذا ضَرَبَ رَجُلٌ السِّنَّ فَصَدَعَهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالنَّقْصِ لها وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ من سِنِّ الرَّجُلِ شيئا من ظَاهِرِهَا أو بَاطِنِهَا أو مِنْهُمَا جميعا فَفِي ذلك بِقَدْرِ ما نَقَصَ من السِّنِّ كَأَنَّهُ أَشْظَاهَا من ظَاهِرٍ أو بَاطِنٍ ولم يَقْصِمْ الْمَوْضِعَ الذي أَشْظَاهَا منه بها قِيسَ طُولُ ما أَشْظَى منها وَعَرْضُهُ فَكَانَ رُبُعَ السِّنِّ في الطُّولِ وَالْعَرْضِ ثُمَّ قِيسَ بِمَا يَلِيهِ فَكَانَ نِصْفَ ظَاهِرِ السِّنِّ وكان فيه ثَمَنَ ما في السِّنِّ وَعَلَى هذا الْحِسَابِ يَصْنَعُ بِمَا جَنَى عليه منها فَإِنْ أَشْظَاهَا حتى تَهَدَّمَ مَوْضِعُهُ من السِّنِّ قِيسَ ذلك بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ ولم يَنْظُرْ فيه إلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الذي هَدَمَهُ من السِّنِّ أو أَشْظَاهُ أَرَقَّ مِمَّا سِوَاهُ من السِّنِّ وَلَا أَغْلَظَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَاسْتَخْلَفَ فُوهُ ولم تَسْتَخْلِفْ فَأَخَذَ لها أَرْشَهَا ثُمَّ نَبَتَتْ رَدَّ الْأَرْشَ وإذا قُلِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَطَلَعَ بَعْضُهَا ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ قبل يَلْتَئِمَ طُلُوعُهَا فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ منها في قَوْلِ من قال يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَ قبل طُلُوعِهَا وَحُكُومَةٌ في قَوْلِ من لَا يُلْزِمُهُ في ذلك إلَّا حُكُومَةً - * السِّنُّ الزَّائِدَةُ - *

(6/128)


- * حَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَجَّتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً أو جَنَتْ عليه جِنَايَةً غير مُوضِحَةٍ عَمْدًا أو خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا على الْجِنَايَةِ كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالْمَهْرُ بَاطِلًا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا أَرْشُهَا في الْخَطَأِ وَلَا يَجُوزُ الْمَهْرُ من جِنَايَةٍ خَطَأٍ وَلَا عَمْدٍ من قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ وَتُقْبَلُ إبِلُهُمْ منها وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُمْ وَيُؤْخَذُ منهم أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ فإذا أَدُّوا أَعْلَى منها في السِّنِّ وما يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ له ما عليهم قُبِلَ منهم وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَالْمَهْرُ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَنَكَحَهَا عليها جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الْمَهْرُ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ إبِلٌ فَأَيُّ إبِلٍ أَدَّتْهَا من إبِلِ الْبَلَدِ بِسِنٍّ مَعْلُومَةٍ قُبِلَتْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ في الْبَيْعِ فإذا نَكَحَتْ على الْجِنَايَةِ في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ أو لم يُطَلِّقْهَا وإذا نَكَحَهَا على جِنَايَةِ عَمْدٍ بَطَلَ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عن الْقَوَدِ فَلَا سَبِيلَ إلَى قَتْلِهَا وَإِنْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا وَلَا إلَى الْقَوَدِ منها في شَيْءٍ من الْجِرَاحَةِ وَتُؤْخَذُ منها الدِّيَةُ في الْعَمْدِ حَالَّةً وَمِنْ عَاقِلَتِهَا في الْخَطَأِ وَلَهَا في مَالِهِ مَهْرُ مِثْلِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما قُلْت الدِّيَةُ أو نِصْفُهَا أو رُبُعُهَا إذَا أُصِيبَ من رَجُلٍ فَأُصِيبَ من امْرَأَةٍ فَفِيهِ من دِيَةِ الْمَرْأَةِ بِحِسَابِهِ من دِيَةِ الرَّجُلِ لَا تُزَادُ فيه الْمَرْأَةُ على قَدْرِهِ من أَرْشِهَا على الرَّجُلِ وَلَا الرَّجُلُ على الْمَرْأَةِ إذَا كَانَا سَوَاءً في الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ شَيْءٌ من الْمَرْأَةِ وَلَا الرَّجُلِ إلَّا الثَّدْيَيْنِ فإذا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الرَّجُلِ أو قُطِعَ ثَدْيَاهُ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وإذا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ أو اصْطَلَمَ ثَدْيَاهَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ لِأَنَّ في ثَدْيَيْهَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذلك في ثَدْيَيْ الرَّجُلِ وَلِثَدْيَيْهَا جَمَالٌ وَلِوَلَدِهَا فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ وَعَلَيْهَا بِهِمَا شَيْنٌ لَا يَقَعُ ذلك الْمَوْقِعَ من الرَّجُلِ في جَمَالِهِ وَلَا شَيْنَ عليه كَهِيَ وإذا ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ قبل أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا فولدة ( ( ( فولدت ) ) ) فلم يَأْتِ لها لَبَنٌ في ثَدْيِهَا الْمَضْرُوبِ وَحَدَثَ في الذي لم يُضْرَبْ أو لم يَحْدُثْ لها لَبَنٌ في ثَدْيَيْهَا مَعًا لم يُلْزَمْ الضَّارِبُ بِأَنْ لم يُحْدِثْ اللَّبَنَ في ثَدْيَيْهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ هذا لَا يَكُونُ إلَّا من جِنَايَتِهِ فَيُجْعَلُ فيه حُكُومَةٌ وإذا ضَرَبَ ثَدْيَاهَا وَفِيهِمَا لَبَنٌ فَذَهَبَ اللَّبَنُ فلم يَحْدُثْ بَعْدَ الضَّرْبِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لَا دِيَةٌ تَامَّةٌ فَإِنْ ضُرِبَ ثَدْيَاهَا فَعَابَا ولم يَسْقُطَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَلَوْ ضُرِبَا فَمَاتَا وَلَا يُعْرَفُ مَوْتُهُمَا إلَّا بِأَنْ لَا يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا ما يُؤْلِمُ الْجَسَدَ فَفِيهِمَا دِيَتُهُمَا تَامَّةٌ وفي أَحَدِهِمَا إذَا أَصَابَهُ ذلك نِصْفُ دِيَتِهِمَا وإذا اسْتَرْخَيَا فَكَانَا إذَا رَدَّ طَرَفَاهُمَا على آخِرِهِمَا لم يَنْقَبِضْ كانت في هذا حُكُومَةٌ هِيَ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ لو اجْتَمَعَ مع هذا أَنْ لَا يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا ما يُؤْلِمُ كان مَوْتًا وَعَيْبًا وَلَوْ قَطَعَ ثَدْيَ الْمَرْأَةِ فَجَافَهَا كانت فيه نِصْفُ دِيَتِهَا وَدِيَةُ جَائِفَةٍ وَلَوْ قُطِعَتْ ثَدْيَاهَا فَجَافَهُمَا كانت فِيهِمَا دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ جَائِفَتِهِمَا وَلَوْ فَعَلَ هذا بِرَجُلٍ كانت في ثَدْيَيْهِ حُكُومَةٌ وفي جَائِفَتِهِ جَائِفَةٌ وقد قِيلَ في ثَدْيِيِّ الرَّجُلِ الدِّيَةُ - * النِّكَاحُ على أَرْشِ الْجِنَايَةِ - *

(6/129)


(1) *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا من اللَّهِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال قَائِلُونَ كُلُّ من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ قُطِعَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ولم يُلْتَفَتْ إلَى الْأَحَادِيثِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ الناس قد احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا يُرَى من ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فما الْحُجَّةُ عليهم قال إذَا وُجِدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ كانت سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلِيلًا على مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا هذا كما وَصَفْت وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْقَطْعَ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا في مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَّفِقَانِ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت رُبُعَ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرْفَ كان على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وكان كَذَلِكَ بَعْدَهُ فَرَضَ عُمَرُ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَهْلِ الْوَرِقِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وأبو هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ في الدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن أبيه عن عَمْرَةَ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً في عَهْدِ عُثْمَانَ فَأَمَرَ بها عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ من صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ قال مَالِكٌ وَهِيَ الْأُتْرُجَّةُ التي يَأْكُلُهَا الناس
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قال سَمِعْت قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بن مَالِكٍ عن الْقَطْعِ فقال أَنَسٌ حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه قَطَعَ سَارِقًا في شَيْءٍ ما يَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أو قال ما يَسُرُّنِي أَنَّهُ لي بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ الناس هذه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحُدُّ أَنَّ الْقَطْعَ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَكَيْفَ قُلْت لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا في عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فصاعد ( ( ( فصاعدا ) ) ) قُلْت له وما حُجَّتُكَ في ذلك قال
رَوَيْنَا عن شَرِيكٍ عن مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ عن أَيْمَنَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا أو تعرف أَيْمَنَ أَمَّا أَيْمَنُ الذي رَوَى عنه عَطَاءٌ فَرَجُلٌ حَدَثٌ لَعَلَّهُ أَصْغَرُ من عَطَاءٍ رَوَى عنه عَطَاءٌ حَدِيثًا عن رَبِيعِ بن امْرَأَةِ كَعْبٍ عن كَعْبٍ فَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْحَدِيثُ الْمُنْقَطِعُ لَا يَكُونُ حُجَّةً قال فَقَدْ
رَوَيْنَا عن شَرِيكِ بن عبد اللَّهِ عن مُجَاهِدٍ عن أَيْمَنَ بن أُمِّ أَيْمَنَ أَخِي أُسَامَةَ لِأُمِّهِ قُلْت لَا عِلْمَ لك بِأَصْحَابِنَا أَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ قُتِلَ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ قبل مَوْلِدِ مُجَاهِدٍ ولم يَبْقَ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُحَدِّثَ عنه قال فَقَدْ
رَوَيْنَا عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ في ثَمَنِ الْمِجَنِّ قال عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو كانت قِيمَةُ الْمِجَنِّ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِينَارًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت هذا رَأْيٌ من عبد اللَّهِ بن عُمَرَ وفي رِوَايَةِ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ وَالْمَجَّانُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا سِلَعٌ يَكُونُ ثَمَنُ عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ وَدِرْهَمَيْنِ فإذا قَطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في رُبُعِ دِينَارٍ قَطَعَ في أَكْثَرَ عنه وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَمْرَو بن شُعَيْبٍ ليس مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ ( 2 ) وَتَتْرُكُ عَلَيْنَا أَشْيَاءَ رَوَاهَا تُوَافِقُ أَقَاوِيلَنَا وَتَقُولُ غَلَطٌ فَكَيْفَ تَرُدُّ رِوَايَتَهُ مَرَّةً وَتَحْتَجُّ بِهِ على
____________________
1- * كِتَابُ الْحُدُودِ وَصِفَةُ النَّفْيِ ( 1 )

(6/130)


أَهْلِ الْحِفْظِ وَالصِّدْقِ مع أَنَّهُ لم يَرْوِ شيئا يُخَالِفُ قَوْلَنَا قال فَقَدْ رَوَيْنَا قَوْلَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قُلْنَا
وَرَوَاهُ الزَّعَافِرِيُّ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالى عنه
وقد أخبرنا أَصْحَابُ جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَحَدِيثُ جَعْفَرٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ من حديث الزَّعَافِرِيِّ عن الشَّعْبِيِّ قال فَقَدْ رَوَيْنَا عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا في عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قُلْنَا فَقَدْ
رَوَى الثَّوْرِيُّ عن عِيسَى بن أبي عَزَّةَ عن الشَّعْبِيِّ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا في خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا أَقْرَبُ من أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عن عبد اللَّهِ من حديث المسعودي عن الْقَاسِمِ عن عبد اللَّهِ قال فَكَيْفَ لم تَأْخُذُوا بهذا قُلْنَا هذا حَدِيثٌ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا إذَا قَطَعَ في ثَلَاثِ دَرَاهِمَ قَطَعَ في خَمْسَةٍ وَأَكْثَرَ قال فَقَدْ رَوَيْنَا عن عُمَرَ أَنَّهُ لم يَقْطَعْ في ثَمَانِيَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت رَوَاهُ عن عُمَرَ بِحَدِيثٍ غَيْرِ صَحِيحٍ وقد رَوَاهُ مَعْمَرٌ عن عَطَاءٍ الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) عن عُمَرَ قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فلم يَرَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ لِأَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَائِلٌ لَا تُقْطَعُ يَدُ هذا وَكَيْفَ تُقْطَعُ يَدُ هذا ولم يَقُمْ عليه الْحَدُّ حتى مَلَكَ ما تُقْطَعُ فيه يَدُهُ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ لَا نَرْضَى بِتَرْكِ السُّنَّةِ حتى نُخْطِئَ مع تَرْكِهَا الْقِيَاسَ قال وما الْقِيَاسُ قُلْنَا مَتَى يَجِبُ الْحَدُّ على من سَرَقَ أَحِينَ سَرَقَ أَمْ حين يُقَامُ عليه الْحَدُّ قال بَلْ حين سَرَقَ قُلْنَا وَبِذَلِكَ قُلْت وَقُلْنَا لو أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ شيئا لم يَكُنْ الذي سَرَقَ يَسْوَى ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ فَحَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَسْتَثْبِتَ سَرِقَتَهُ فلم تَقُمْ عليه الْبَيِّنَةُ حتى صَارَتْ السَّرِقَةُ تَسْوَى ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ وَأَكْثَرُ قال لَا تُقْطَعُ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ يوم كان الْفِعْلُ قُلْنَا وَبِهَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لو سَرَقَ عَبْدٌ من سَيِّدِهِ فَحَبَسَهُ الْإِمَامُ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ لم يُقْطَعْ وَلَوْ كان مُكَاتَبًا سَرَقَ فَأَدَّى فَعَتَقَ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ حين سَرَقَ لم يَكُنْ عليه قَطْعٌ وَلَوْ قَذَفَ عَبْدٌ حُرًّا فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ حين فَرَغَ من الْقَذْفِ وَرُفِعَ إلَى الْإِمَامِ وهو حُرٌّ حُدَّ حَدَّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ يوم قُذِفَ وَكَذَلِكَ لو كان الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ سَاعَةَ قُذِفَ لم يَكُنْ له إذَا ارْتَفَعَ إلَى الْإِمَامِ حَدٌّ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَكَذَلِكَ إنْ زَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ مَكَانَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ حُدَّ حَدَّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحَدَّ إنما وَجَبَ عليه يوم زَنَى قال نعم قِيلَ فَسَارِقُ صَفْوَانَ سَرَقَ وَصَفْوَانُ مَالِكٌ وَوَجَبَ الْحَدُّ عليه وَحَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَفْوَانُ مَالِكٌ فَكَيْفَ دَرَأْت عَيْنَهُ قال إنَّ صَفْوَانَ إنَّمَا وَهَبَ له الْحَدَّ قِيلَ صَفْوَانُ وَهَبَ له رِدَاءَ نَفْسِهِ في الْخَبَرِ عنه قال فَإِنِّي أُخَالِفُ صَاحِبِي فَأَقُولُ إذَا قَضَى الْحَاكِمُ عليه ثُمَّ وَهَبَ له قُطِعَ وَإِنْ وَهَبَ له قبل يَقْضِي الْحَاكِمُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ خُرُوجَ حُكْمِ الْحَاكِمِ قبل مُضِيِّ الْحَدِّ كَمُضِيِّ الْحَدِّ قِيلَ وَهَذَا خَطَأٌ أَيْضًا قال وَمَنْ أَيْنَ قُلْنَا أَرَأَيْت لو اعْتَرَفَ السَّارِقُ أو الزَّانِي او الشَّارِبُ فَحَكَمَ الْإِمَامُ على الْمُعْتَرَفِينَ كُلِّهِمْ بِحُدُودِهِمْ فَذَهَبَ بِهِمْ من عِنْدَهُ لِتُقَامَ عليهم حُدُودُهُمْ فَرَجَعُوا قال لَا يُحَدُّونَ قُلْنَا أو ليس قد زَعَمْت أَنَّ خُرُوجَ حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمُضِيِّ الْحَدِّ قال ما هو مِثْلُهُ فَلِمَ فلما شَبَّهْته بِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ في أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهُ فَلَا إلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذَهَبَ من خَالَفَنَا وَلَا إلَى ما ذَهَبَ إلَيْهِ من تَرَكَ الحديث وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ - * السَّارِقُ تُوهَبُ له السَّرِقَةُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن صَفْوَانَ بن عبد اللَّهِ بن صَفْوَانَ أَنَّ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ قِيلَ له إنَّ من لم يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ الْمَدِينَةَ فَنَامَ في الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ من تَحْتِ رَأْسِهِ فَجَاءَ بِهِ صَفْوَانُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فقال صَفْوَانُ إنِّي لم أُرِدْ هذا يا رَسُولَ اللَّهِ هو عليه صَدَقَةٌ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَلَّا قبل أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ مِثْلَ مَعْنَى حديث بن شِهَابٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في امر صَفْوَانَ

(6/131)


- * ما جاء في أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ يَسْرِقُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ الْيُسْرَى وقد كان أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَذَكَرَ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ عن أبي بَكْرٍ مثله (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَائِلٌ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ ثُمَّ سَرَقَ حُبِسَ وَعُزِّرَ ولم يُقْطَعْ فَلَا يَقْدِرُ على أَنْ يَمْشِيَ قِيلَ قد رَوَيْنَا هذا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ في دَارِ الْهِجْرَةِ وَعُمَرُ يَرَاهُ وَيُشِيرُ بِهِ على أبي بَكْرٍ ( 1 ) وقد رُوِيَ عنه أَنَّهُ قَطَعَ أَيْضًا فَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ قِيلَ قَالَهُ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قُلْنَا فقدر ( ( ( فقد ) ) ) ويتم ( ( ( رويتم ) ) ) عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه في الْقَطْعِ أَشْيَاءَ مُسْتَنْكَرَةً وَتَرَكْتُمُوهَا عليه منها أَنَّهُ قَطَعَ بُطُونَ أَنَامِلِ صَبِيٍّ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَطَعَ الْقَدَمَ من نِصْفِ الْقَدَمِ وَكُلُّ ما رَوَيْتُمْ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الْقَطْعِ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَنَا فَكَيْفَ تَرَكْتُمُوهَا عليه لَا مُخَالِفَ له فيها وَاحْتَجَجْتُمْ بِهِ على سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم التي لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ مَعَهَا وَعَلَى أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ في دَارِ الْهِجْرَةِ وَعَلَى ما يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَرَأَيْت حين قال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } ولم يذكر الْيَدَ وَالرِّجْلَ إلَّا في الْمُحَارِبِ فَلَوْ قال قَائِلٌ يَعْتَلُّ بِعِلَّتِكُمْ أَقْطَعُ يَدَهُ وَلَا أَزِيدُ عليها لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ ذَهَبَ بَطْشُهُ وَمَشْيُهُ فَكَانَ مُسْتَهْلَكًا أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عليه إلَّا ما مَضَى من السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَإِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ هِيَ مَوَاضِعُ الْحَدِّ وَإِنْ تَلِفَتْ أَرَأَيْت حين حَدَّ اللَّهُ عز وجل الزَّانِيَ وَالْقَاذِفَ لو حُدَّ مَرَّةً ثُمَّ عَادَ أَلَيْسَ يُعَادُ له أَبَدًا ما عَادَ أَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ قد ضُرِبَ مَرَّةً فَلَا يُعَادُ له ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ لِلضَّرْبِ مَوْضِعٌ فَمَتَى كان الْمَوْضِعُ قَائِمًا حُدَّ عليه وَكَذَلِكَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ ما كان لِلْقَطْعِ مَوْضِعٌ أتى عليها وهو أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مُسْتَهْلَكٌ فَكَيْفَ لم يَمْتَنِعُوا من اسْتِهْلَاكِهِ وَاعْتَلُّوا في تَرْكِ قَطْعِ الْيُسْرَى بِالِاسْتِهْلَاكِ وَكَيْفَ حَدُّوا من وَجَبَ عليه الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَهَذَا أَقْصَى غَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَدَرَءُوا الْحُدُودَ هَا هُنَا لِعِلَّةِ الِاسْتِهْلَاكِ مع خِلَافِ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَكَيْفَ يَقْطَعُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لو قَطَعَ من أَرْبَعِ أُنَاسٍ يَدَيْنِ وَرَجُلَيْنِ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ إنَّهُ إذَا قَطَعَ من كل رَجُلٍ عُضْوًا منه بَقِيَ له ثَلَاثَةٌ وإذا أَتَيْت على أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ كان مُسْتَهْلَكًا فَلَا أَقْطَعُهُ إلَّا الْوَاحِدَ أو اثْنَيْنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قال اللَّهُ عز وجل { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } قال فَأَتَأَوَّلُ ما كانت حَالُ الْمُقْتَصِّ منه مِثْلَ حَالِ الْمُقْتَصِّ له وَأَقُولُ أنت لَا تَقُصُّ من جُرْحٍ وَاحِدٍ إذَا أَشْبَهَ الِاسْتِهْلَاكَ وَتَجْعَلُهُ دِيَةً وَالْإِتْيَانُ على قَوَائِمِهِ عَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ لِلْقِصَاصِ مَوْضِعًا فَكَذَلِكَ لِلْقَطْعِ مَوْضِعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ السِّنِّ التي إذَا بَلَغَهَا الْغُلَامُ قُطِعَتْ يَدُهُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال عُرِضْت على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عليه يوم الْخَنْدَقِ وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي قال نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فقال عُمَرُ هذا فَرْقٌ بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَتَبَ لِعُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ في الْمُقَاتِلَةِ وَلِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ في الذُّرِّيَّةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا قُلْنَا تُقَامُ الْحُدُودُ على من اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَإِنْ لم يَحْتَلِمْ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بين الْمُقَاتِلَةِ وَبَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقِتَالُ على من تَجِبُ عليه الْفَرَائِضُ وَمَنْ وَجَبَتْ عليه الْفَرَائِضُ وَجَبَتْ عليه الْحُدُودُ ولم أَعْلَمْ في هذا مُخَالِفًا وقد أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقِتَالِ بن خَمْسَ عَشْرَةَ فقال قَائِلٌ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ على الْغُلَامِ إذَا لم يَحْتَلِمْ حتى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَلَا عل

(6/132)


الْجَارِيَةِ حتى تَسْتَكْمِلَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَلَا أَدْرِي ما أَرَادَ بِهَذِهِ السِّنِينَ وَلَا إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ لَا أُقِيمُ عليه الْحَدَّ حتى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِأَنَّهَا السِّنُّ التي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما حُجَّتُهُ عليه أَرَأَيْت إذَا فَرَّقَ بين الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَهِيَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَالْغُلَامُ إذَا بَلَغَ الْحُلُمَ فَذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا ما الْحُجَّةُ فِيمَا قال من الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ في هذا وَقَالُوا قَوْلَنَا فيه فَقَالُوا يُقَامُ الْحَدُّ على من اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ بن عُمَرَ فيه - * في الثَّمَرِ الرَّطْبِ يُسْرَقُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ عن رَافِعِ بن خَدِيجٍ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ ( 1 )
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ عن عَمِّهِ وَاسِعِ بن حِبَّانَ عن رَافِعِ بن خَدِيجٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) احْتَجَّ بهذا الحديث بَعْضُ الناس وقال هذا حَدِيثُ رَافِعِ بن خَدِيجٍ يُخْبِرُ أَنْ لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ فَمِنْ هُنَا قُلْنَا لَا يُقْطَعُ في الثَّمَرِ الرَّطْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له إذَا ذَهَبْت هذا الْمَذْهَبَ فيه فَالثَّمَرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ من التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ أَفَتُسْقِطُ الْقَطْعَ عَمَّنْ سَرَقَ تَمْرًا في بَيْتٍ قال لَا قُلْنَا فَكَذَلِكَ الثَّمَرُ الرَّطْبُ الْمُحْرَزُ لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرِ يَقَعُ على هذا كما يَقَعُ على هذا قُلْت أَرَأَيْت الذِّمِّيَّيْنِ إذَا زَنَيَا أَتَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِحُكْمِهِمْ قال فَإِنْ قُلْت بِحُكْمِهِمْ قُلْنَا فَيَلْزَمُكَ أَنْ تُجِيزَ بَيْنَهُمْ ما وَصَفْنَا مِمَّا أَبْطَلَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَيَلْزَمُكَ إنْ كان في دِينِهِمْ أَنَّ من سَرَقَ من أَحَدٍ كان السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ أَنْ تَجْعَلَهُ له عَبْدًا قال لَا أَجْعَلُهُ عَبْدًا وَلَكِنْ أَقْطَعُهُ قُلْنَا فَأَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ مَرَّةً بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمَرَّةً بِحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَقُولُ إنَّكَ تُجِيزُ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَكَيْفَ حَكَمْت مَرَّةً بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَحَكَمْت مَرَّةً بِخِلَافِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ فقال قَوْلُنَا في الْيَهُودِيَّيْنِ يُرْجَمَانِ وَتُحْصِنُ الْيَهُودِيَّةُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ عَادَ فَوَافَقَهُمْ في أَنْ أَجَازَ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهَذَا في كِتَابٍ إلَى الطُّولِ ما هو - * بَابُ النَّفْيِ وَالِاعْتِرَافِ في الزنى - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَحَدُهُمَا يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وقال الْآخَرُ وهو أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وائذن ( ( ( وأذن ) ) ) لي في أَنْ أَتَكَلَّمَ قال تَكَلَّمْ قال قال إنَّ ابْنِي كان عَسِيفًا على هذا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ على ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت منه بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لي ثُمَّ إنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا على ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ على امْرَأَتِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُك فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ على امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا قُلْنَا وَفِيهِ الْحُجَّةُ في أَنْ يُرْجَمَ من اعْتَرَفَ مَرَّةً اذا ثَبَتَ عليها وقد رَوَى بن عُيَيْنَةَ بهذا الْإِسْنَادِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَوَى عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا غَيْرِ مُحْرَزٍ وَلَا في جُمَّارٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ وهو يُشْبِهُ حَدِيثَ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ

(6/133)


الْجَلْدَ وَالنَّفْيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِ مَاعِزٍ ولم يَحْضُرْهُ وَأَمَرَ أُنَيْسًا بِأَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا ولم يَقُلْ أَعْلِمْنِي لِأَحْضُرَهَا ولم أَعْلَمْهُ أَمَرَ بِرَجْمِهِمْ فَحَضَرَهُ وَلَوْ كان حُضُورُ الْإِمَامِ حَقًّا حَضَرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ يَأْتِي امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا ولم يَقُلْ أَعْلِمْنِي أَحْضُرُهَا وما عَلِمْت إمَامًا حَضَرَ رَجْمَ مَرْجُومٍ وَلَقَدْ أَمَرَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه بِرَجْمِ امْرَأَةٍ وما حَضَرَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُرْجَمُ الزَّانِي الثَّيِّبُ وَلَا يُجْلَدُ وَالْجَلْدُ مَنْسُوخٌ عن الثَّيِّبِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ } إلَى { سَبِيلًا } وَهَذَا قبل نُزُولِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَوَى الْحَسَنُ عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ فَهَذَا أَوَّلُ ما نَزَلَ الْجَلْدُ ثُمَّ قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه على الْمِنْبَرِ الرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَقٌّ على من زَنَى إذَا كان قد أَحْصَنَ ولم يذكر جَلْدًا وَرَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَاعِزًا ولم يَجْلِدْهُ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُنَيْسًا أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وَكُلُّ هذا يَدُلُّكَ على أَنَّ الْجَلْدَ مَنْسُوخٌ عن الثَّيِّبِ وَكُلُّ الْأَئِمَّةِ عِنْدَنَا رَجَمَ بِلَا جَلْدٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا أَنْفِي أَحَدًا فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ وَلِمَ رَدَدْت النَّفْيَ في الزنى وهو ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ وَالنَّاسِ عِنْدَنَا إلَى الْيَوْمِ قال رَدَدْته لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُسَافِرْ المراة سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ فَقُلْت له سَفَرُ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ حِيطَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا من الْأَسْفَارِ وقد نُهِيَتْ أَنْ تَخْلُوَ في الْمِصْرِ بِرَجُلٍ وَأُمِرَتْ بِالْقَرَارِ في بَيْتِهَا وَقِيلَ لها صَلَاتُكَ في بَيْتِكِ أَفْضَلُ لِئَلَّا تَعْرِضِي أَنْ تُفْتَتَنِي وَلَا يَفْتَتِنُ بِكَ أَحَدٌ وَلَيْسَ هذا مِمَّا يَلْزَمُهَا بِسَبِيلٍ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ يَسْتَخِفُّ بِخِلَافِ السُّنَّةِ لَا أَجْلِدُهَا يَمْجُنُ ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا تَرْكُ الْحُجَّةِ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ أو رَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت في النَّفْيِ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ ما هو من حَدِّ الزنى قال إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ في مَعْنَى أَنَّ في النَّفْيِ سَفَرًا قُلْنَا وإذا اجْتَمَعَ الْحَدِيثَانِ من الصِّنْفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ في مَعْنًى من الْمَعَانِي أَزَلْت أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ قال نعم قُلْنَا إذَا كان النَّفْيُ من أَثْبَتِ ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ عِنْدَنَا ( 1 ) أَنْ نَقُولَ كما قُلْت لَمَّا اجْتَمَعَا في أَنَّ فيه سَفَرًا أَبَحْنَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ قال لَا قُلْنَا فَلِمَ كان لك أَنْ تُزِيلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَكُونُ ذلك لنا عَلَيْكَ وَقُلْت أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت بِأَنَّكَ تَرَكْت النَّفْيَ لِأَنَّ فيه سَفَرًا مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إنْ زَنَتْ بِكْرٌ بِبَغْدَادَ فَجَلَدْتهَا فَجَاءَ أَبُوهَا وَإِخْوَتُهَا وَعَدَدٌ كَثِيرٌ كلهم مَحْرَمٌ لها فَقَالُوا قد فَسَدَتْ بِبَغْدَادَ وَأَهْلُهَا بِالْمَدَائِنِ وَأَنْتَ تُبِيحُ السَّفَرَ مع ذِي مَحْرَمٍ إلَى ما يَبْعُدُ وَتُبِيحُهُ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وقد اجْتَمَعَ لك الْأَمْرَانِ فَنَحْنُ ذَوُو مَحْرَمٍ فَتَنْفِيهَا عن بَغْدَادَ فَتَخْرُجُ مع ذِي مَحْرَمٍ إلَى شَهْرٍ قد تُبِيحُهُ لها مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَى أَهْلِهَا وَتُنَحِّيهَا عن بَلَدٍ قد فَسَدَتْ بِهِ وَلَا تَزَالُ بِذَلِكَ مُنْعِمًا عَلَيْنَا قال لَا أَنْفِيهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا أَنْفِيهَا قُلْنَا فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ اعْتَلَلْت بِهِمَا فَلَوْ كُنْت تَرَكْت النَّفْيَ لها من أَجْلِهِمَا نَفَيْتهَا في هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَقُلْنَا له أَرَأَيْت إنْ كانت بِبَادِيَةٍ لَا قَاضِيَ عِنْدَ قَرْيَتِهَا إلَّا على ثَلَاثِ لَيَالٍ أو أَكْثَرَ فَادَّعَى عليها مُدَّعٍ حَقًّا أو أَصَابَتْ حَدًّا قال تُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي قُلْنَا مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ قال نعم قُلْنَا فَقَدْ أَبَحْت لها أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ قال هذا يَلْزَمُهَا قُلْنَا فَهَذَا يَلْزَمُهَا بِرَأْيِكَ فَأَبَحْته لها وَمَنَعْتهَا منه فيما سَنَّ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَخْبَرَ بِهِ عن اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فيها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَ بَعْضُ الناس هذا الحديث فِيمَا وَصَفْت لك فقال لَا يُرْجَمُ بِاعْتِرَافِ مَرَّةٍ وَلَا يُرْجَمُ حتى يَعْتَرِفَ أَرْبَعًا وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُنَيْسًا إنْ اعْتَرَفَتْ أَنْ يَرْجُمَهَا وَأَمَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ وَخَالَفَهُ أَيْضًا فقال إذَا اعْتَرَفَ الزَّانِي فَالْحَقُّ على الْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ فَيَرْجُمَ ثُمَّ الناس وإذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ رَجَمَهُمْ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ الناس

(6/134)


أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت في الْمَرْأَةِ بِمَا اعْتَلَلْت بِهِ أَيَحْتَاجُ الرَّجُلُ إلَى ذِي مَحْرَمٍ قال لَا قُلْنَا فَلِمَ لم تَنْفِهِ قال إنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فإذا زَالَ عن أَحَدِهِمَا زَالَ عن الْآخَرِ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا من شُبَهِكُمْ التي تَعْتَلُّونَ بها وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مُخْطِئُونَ فيها أو ( 1 ) تَعْنُونَ مَوْضِعَ الْخَطَأِ قال وَكَيْفَ قُلْنَا ما نَقُولُ في ثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِبِكْرٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِأَمَةٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِمُسْتَكْرَهَةٍ قال على الثَّيِّبِ في هذا كُلِّهِ الرَّجْمُ وَعَلَى الْبِكْرِ مِائَةٌ وَعَلَى الْأَمَةِ خَمْسُونَ وَلَيْسَ على الْمُسْتَكْرَهَةِ شَيْءٌ قُلْنَا وَكَذَلِكَ إنْ كانت الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا وَمَنْ زَنَى بها عَبْدًا رُجِمَتْ وَجُلِدَ الْعَبْدُ خَمْسِينَ قال نعم قُلْنَا وَلِمَ أَلَيْسَ لِأَنَّكَ تُلْزِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّ نَفْسِهِ وَلَا تُزِيلُهُ عنه بِأَنْ يُشْرِكَهُ فيه غَيْرَهُ قال نعم قُلْت فَلِمَ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إذَا كان لَا يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ مَنْفِيًّا وَالنَّفْيُ حَدُّهُ قال فَقَدْ نَفَى عُمَرُ رَجُلًا وقال لَا أَنْفِي بَعْدَهُ قُلْت نَفَى عُمَرُ رَجُلًا في الْخَمْرِ وَالنَّفْيُ في السُّنَّةِ على الزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ وفي الْكِتَابِ على الْمُحَارِبِ وهو خِلَافُ نَفْيِهِمَا لَا على أَحَدٍ غَيْرِهِمْ فَإِنْ رَأَى عُمَرُ نَفْيًا في الْخَمْرِ ثُمَّ رَأَى أَنْ يَدَعَهُ فَلَيْسَ الْخَمْرُ بالزنى وقد نَفَى عُمَرُ في الزنى فَلِمَ لم تَحْتَجْ بِنَفْيِ عُمَرَ في الزنى وقد تَبَيَّنَّا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ ليس في احد مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان الْأَنْصَارُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُحِدُّونَ إمَاءَهُمْ وبن مَسْعُودٍ يَأْمُرُ بِهِ وأبو بَرْزَةَ حَدَّ وَلِيدَتَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا يَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَإِنَّمَا ذلك إلَى الْإِمَامِ وَاعْتَلُّوا فيه بِأَنْ قالوا إنْ كان صَاحِبُ الْأَمَةِ لَا يَعْقِلُ الْحَدَّ قُلْنَا إنَّمَا يُقِيمُ الْحَدَّ من يَعْقِلُهُ وَقُلْنَا لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا } قال الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُرَّةٌ غَيْرُ مِلْكِ يَمِينٍ قال ليس هذا بِحَدٍّ قُلْت فإذا أَبَاحَهُ اللَّهُ عز وجل فِيمَا ليس بِحَدٍّ فَهُوَ في الْحَدِّ الذي بِعَدَدٍ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَتَعَدَّى وَالْعُقُوبَةُ لَا حَدَّ لها فَكَيْفَ أَجَزْته في شَيْءٍ وَأَبْطَلْته في غَيْرِهِ قال رَوَيْنَا عن بن عَبَّاسٍ ما يُشْبِهُ قَوْلَنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال قَائِلٌ لَا أَرْجُمُ إلَّا بِالِاعْتِرَافِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ قُلْنَا وَإِنْ كُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ قال لَا يُحَدُّ قِيلَ فَهَذَا يَدُلُّكَ على فَرْقٍ بين الِاعْتِرَافِ وَالشَّهَادَةِ أو رَأَيْت إنْ قُلْت يَقُومُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ السَّارِقَ يَعْتَرِفُ مَرَّةً فَيُقْطَعُ وَكَيْفَ لَا تَقُولُ حتى يَعْتَرِفَ مَرَّتَيْنِ إنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ مَرَّةً أَلْزَمْتَهُ أَبَدًا فَجَعَلْت مَرَّةَ الِاعْتِرَافَ أَقْوَى من الْبَيِّنَةِ وَمَرَّةً أَضْعَفَ قال ليس الِاعْتِرَافُ من الْبَيِّنَةِ بِسَبِيلٍ وَلَكِنَّ الزُّهْرِيُّ رَوَى أَنَّهُ اعْتَرَفَ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قُلْنَا وقد رَوَى بن الْمُسَيِّبِ إنه اعْتَرَفَ مِرَارًا فَرَدَّدَهُ ولم يذكر عَدَدَهَا وَإِنَّمَا كان ذلك في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِجَهَالَةِ الناس بِمَا عليهم أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول في الْمُعْتَرِفِ أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ لَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا سَتَرَ اللَّهُ عز وجل عليه أتى يُقِرُّ بِذَنْبِهِ إلَّا وهو يَجْهَلُ حَدَّهُ أو لَا تَرَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اُغْدُ يا أُنَيْسُ على امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ولم يذكر عَدَدَ الِاعْتِرَافِ وَأَمَرَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ بِمِثْلِ ذلك ولم يَأْمُرْهُ بِعَدَدِ اعْتِرَافٍ - * ما جاء في حَدِّ الرَّجُلِ أَمَتَهُ إذَا زَنَتْ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ الله بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ ولم تُحْصَنْ فقال إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ قال بن شِهَابٍ لَا أَدْرِي أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أَمْ الرَّابِعَةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدَّتْ جَارِيَةً لها زَنَتْ

(6/135)


قُلْت أو في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قال لَا قُلْنَا فَلِمَ تَحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ عن بن عَبَّاسٍ بِمَعْرُوفٍ فقال لي بَعْضُ من يقول لَا يَحُدُّ الرَّجُلُ امته إذَا زَنَتْ إذَا تَرَكْت الناس يَحُدُّونَ إمَاءَهُمْ أَلَيْسَ في الناس الْجَاهِلُ أَفَيُوَلَّى الْجَاهِلُ حَدًّا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما إلَى الْعِلَّةِ بِالْجَهَالَةِ ذَهَبَ من رَدَّ هذا وَلَوْ كانت الْعِلَّةُ بِالْجَهَالَةِ مِمَّنْ يَحُدُّ إذًا لَأَجَازَهُ لِلْعَالِمِ دُونَ الْجَاهِلِ فَهُوَ لَا يُجِيزُهُ لِعَالِمٍ وَلَا لِجَاهِلٍ وقد رَدَّ أَقْوَى الْخَبَرَيْنِ وَأَخَذَ بِأَضْعَفِهِمَا وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ نَأْخُذُ بِهِ نَحْنُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ التَّوْفِيقَ - * بَابُ ما جاء في الضَّرِيرِ من خِلْقَتِهِ لَا من مَرَضٍ يُصِيبُ الْحَدَّ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ كِلَاهُمَا عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا قال أَحَدُهُمَا أَحْبَنُ وقال الْآخَرُ مُقْعَدٌ كان عِنْدَ جِوَارِ سَعْدٍ فاصاب امْرَأَةً حَبَلٌ فَرَمَتْهُ بِهِ فَسُئِلَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ قال أَحَدُهُمَا جُلِدَ بأثكال النَّخْلِ وقال الْآخَرُ بأثكول النَّخْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا كان الرَّجُلُ مضنوء الْخَلْقِ قَلِيلَ الِاحْتِمَالِ يَرَى أَنَّ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ في الْحَدِّ تَلَفٌ في الظَّاهِرِ ضُرِبَ بأثكال النَّخْلِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد حَدَّ حُدُودًا منها حُدُودٌ تَأْتِي على النَّفْسِ الرَّجْمُ وَالْقَتْلُ غَيْرُ الرَّجْمِ بِالْقِصَاصِ فَبَيَّنَهُمَا وَحَدٌّ بِالْجَلْدِ فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَيْفَ الْجَلْدُ وكان بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الضَّرْبَ لم يُرَدْ بِهِ التَّلَفُ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ النَّكَالُ لِلنَّاسِ عن الْمَحَارِمِ وَلَعَلَّهُ طَهُورٌ أَيْضًا فإذا كان مَعْرُوفًا عِنْدَ من يَحُدُّ أَنَّ حَدَّهُ لِلضَّرِيرِ تَلَفٌ لم يَضْرِبْ الْمَحْدُودَ بِمَا يُتْلِفُهُ وَضَرَبَهُ بِمَا ضَرَبَهُ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ قد يَتْلَفُ الصَّحِيحُ الْمُحْتَمِلُ فِيمَا يُرَى وَيَسْلَمُ غَيْرُ الْمُحْتَمِلِ قِيلَ إنَّمَا يُعْمَلُ من هذا على الظَّاهِرِ وَالْآجَالُ بِيَدِ اللَّهِ عز وجل + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْحُبْلَى وَالْمَرِيضُ فَيُؤَخَّرُ حَدُّهُمَا حتى تَضَعَ الْحُبْلَى وَيَبْرَأَ الْمَرِيضُ وَلَيْسَ كالمضنوء من خِلْقَتِهِ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال لَا أَعْرِفُ الْحَدَّ إلَّا وَاحِدًا وَإِنْ كان مضنوءا من خِلْقَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له لَمَّا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من زَنَتْ امته أَنْ يَحُدَّهَا كان ذلك لِكُلِّ من كانت له أَمَةٌ وَالْحَدُّ مُوَقَّتٌ مَعْرُوفٌ قال فَلَعَلَّهُ أَمَرَ بهذا أَهْلَ الْعِلْمِ قُلْت ما يَجْهَلُ ضَرْبَ خَمْسِينَ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَنَحْنُ نَسْأَلُك عن مِثْلِ هذا قال وما هو قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا خَافَ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ أو رَأَى منها بَعْضَ ما يَكْرَهُ في نَفْسِهِ أَلَهُ ضَرْبُهَا قال نعم قُلْت له وَلِمَ قال رَخَّصَ اللَّهُ عز وجل في ضَرْبِ النِّسَاءِ وَأَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ قُلْنَا فَإِنْ اعْتَلَّ عَلَيْك رَجُلٌ في ضَرْبِ الْمَرْأَةِ في النُّشُوزِ وَالْأَدَبِ بِمِثْلِ عِلَّتِك في الْحَدِّ وَأَكْثَرَ وقال الْحَدُّ مُؤَقَّتٌ وَالْأَدَبُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَإِنْ أَذِنْت لِغَيْرِ الْعَالَمِ في الضَّرْبِ خِفْت مُجَاوَزَتَهُ الْعَدَدَ قال يُقَالُ له أَدِّبْ وَلَا تُجَاوِزْ الْعَدَدَ قُلْنَا فقال وما الْعَدَدُ قال ما يَعْرِفُ الناس قُلْت وما يَعْرِفُونَ قال الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ وَدُونَ الْحَدِّ قُلْنَا قد يَكُونُ دُونَ الْحَدِّ ضَرْبَةً وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَتِسْعَةً وَسَبْعِينَ فَأَيَّ هذا يَضْرِبُهَا قال ما يَعْرِفُ الناس قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَك لَعَلَّهُ لم يُؤْذَنْ إلَّا لِلْعَالِمِ قال حَقُّ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ على أَهْلِهِمَا وَاحِدٌ قُلْنَا فَلِمَ عِبْت عَلَيْنَا بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من زَنَتْ أَمَتُهُ أَنْ يَحُدَّهَا ثُمَّ زَعَمْت أَنْ ليس لِلْعَالِمِ أَنْ يَحُدَّ أَمَتَهُ فَإِنْ اعْتَلَلْت بِجَهَالَةِ الْجَاهِلِ فَأَجِزْ لِلْعَالِمِ أَنْ يَحُدَّهَا وَأَنْتَ لَا تُجِيزُهُ وَإِنَّمَا أَدْخَلْت شُبْهَةً بِالْجَاهِلِ وَأَحَدٌ يَعْقِلُ لَا يَجْهَلُ خَمْسِينَ ضَرْبَةً غير مُبَرِّحَةٍ ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ أَجَزْت لِلْجَاهِلِينَ أَنْ يَضْرِبُوا نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ أَنْ تُوَقِّتَ ضَرْبًا فَإِنْ اتَّبَعْت في ذلك الْخَبَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تُجِزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَيْك لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ فَهُوَ عَامٌّ لِلْعَالِمِ وَلِغَيْرِهِ قال نعم قُلْنَا فَلِمَ لم تَتَّبِعْ الْخَبَرَ الذي هو أَصَحُّ منه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنْ يَحُدَّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَثْبَتَّ أَضْعَفَ الْخَبَرَيْنِ وَجَعَلْت الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ فِيهِمَا سَوَاءً بِالْخَبَرِ ثُمَّ مَنَعْت الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ أَنْ يَحُدَّ أَمَتَهُ ما يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ خَطَأُ قَوْلٍ بِأَكْثَرَ من هذا

(6/136)


قُلْت أَتَرَى الْحَدَّ أَكْثَرَ أَمْ الصَّلَاةَ قال كُلُّ فَرْضٍ قُلْنَا قد يُؤْمَرُ من لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ بِالْجُلُوسِ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ بِالْإِيمَاءِ وقد يُزِيلُ الْحَدَّ عَمَّنْ لَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ كَأَنَّ سَارِقًا سَرَقَ وَلَا يَدَيْنِ له وَلَا رِجْلَيْنِ فلم يَجِدْ الْحَاكِمُ إلَى أَخْذِ ما وَجَبَ عليه من الْقَطْعِ سَبِيلًا قال هذا اتِّبَاعٌ وَمَوَاضِعُ ضَرُورَاتٍ قُلْنَا وَجَلْدُ المضنوء بأثكال النَّخْلِ اتِّبَاعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الذي لَا يَنْبَغِي خِلَافُهُ وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ - * الشَّهَادَةُ في الزنى - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَفِي هذا ما يُبَيِّنُ أَنَّ شُهُودَ الزنى أَرْبَعَةٌ وَأَنْ ليس لِأَحَدٍ دُونَ الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُعَاقِبَ بِمَا رَأَى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا بِالشَّامِ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أو قَتَلَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِأَنْ يَسْأَلَ له عن ذلك عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه فَسَأَلَهُ فقال عَلِيٌّ إنَّ هذا لَشَيْءٌ ما هو بِأَرْضِ الْعِرَاقِ عَزَمْت عَلَيْكَ لَتُخْبِرنِي فَأَخْبَرَهُ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه أنا أبو الْحَسَنِ إن لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ قَبْلَنَا من أَهْلِ الْعِلْمِ فيه مُخَالِفًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ الناس إنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا في دَارِهِ فَقَامَ عليه أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ فقال وَجَدْته في دَارِي يُرِيدُ السَّرِقَةَ فَقَتَلْته نَظَرْنَا فَإِنْ كان الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ دَرَأْنَا عن الْقَاتِلِ الْقَتْلَ وَضَمَّنَّاهُ الدِّيَةَ وَإِنْ كان غير مَعْرُوفٍ بِالسَّرِقَةِ أَقَدْنَا وَلِيَّ الْقَتِيلِ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَأْذَنْ لِسَعْدِ بن عُبَادَةَ في رَجُلٍ لو وَجَدَهُ مع امْرَأَتِهِ حتى يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه يقول إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ فَكَيْفَ خَالَفْت سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَثَرَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال رَوَيْنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ أَهْدَرَهُ فَقُلْت له قد رَوَى عُمَرُ أَنَّهُ أَهْدَرَهُ فقال هذا قَتِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَا يُودَى أَبَدًا وَهَذَا عِنْدَنَا من عُمَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عِنْدَهُ على الْمَقْتُولِ أو على أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِمَا وَجَبَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ الْمَقْتُولُ قال ( 1 ) ها ( ( ( هل ) ) ) رَوَيْتُمْ هذا في الْخَبَرِ قُلْنَا قال فَالْخَبَرُ على ظَاهِرِهِ قُلْنَا فَأَنْتَ تُخَالِفُ ظَاهِرَهُ قال وَأَيْنَ قُلْنَا عُمَرُ لم يَسْأَلْ أَيُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بالزنى أَمْ لَا وَأَنْتَ لَا تُجِيزُ فِيمَنْ عُرِفَ بالزنى أَنْ يَعْقِلَ وَيُقْتَلَ بِهِ من قَتَلَهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ عليه بِبَيِّنَةٍ وَعُمَرُ لم يَجْعَلْ فيه دِيَةً وَأَنْتَ تَجْعَلُ فيه دِيَةً قال فَأَنَا إنَّمَا قِسْتُهُ على حُكْمٍ لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قُلْت وما ذلك الْحُكْمُ قال رَوَى عَمْرُو بن دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ في رَجُلٍ من بَنِي شَيْبَانَ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا من أَهْلِ الْحِيرَةِ إنْ كان الْقَاتِلُ مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ كان غير مَعْرُوفٍ بِالْقَتْلِ فَذَرُوهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ فَقُلْت وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَإِنْ كان ثَابِتًا عِنْدَكَ فَتَقُولُ بِهِ فقال لَا بَلْ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ لِلنَّصْرَانِيِّ كان مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ أو غير مَعْرُوفٍ بِهِ فَقُلْت له أَيَجُوزُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ في الزنى الشُّهُودُ أَقَلَّ من أَرْبَعَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا لم يَكْمُلُوا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ وَكَذَلِكَ حَكَمَ عليهم عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَجَلَدَهُمْ جَلْدَ الْقَذَفَة ولم أَعْلَمْ بين أَحَدٍ لَقِيَتْهُ بِبَلَدِنَا اخْتِلَافًا فِيمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةٍ وَأَنَّهُمْ إذَا لم يَكْمُلُوا أَرْبَعَةً حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَيْسَ هَكَذَا شَيْءٌ من الشَّهَادَاتِ غير شُهُودِ الزنى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بن عُبَادَةَ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم

(6/137)


لِأَحَدٍ يُنْسَبُ إلَى شَيْءٍ من الْعِلْمِ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ قِصَّةً رَوَاهَا عن رَجُلٍ لَيْسَتْ كما قَضَى بِهِ وَيُخَالِفُهَا ثُمَّ يَقِيسُ عليها إذَا تَرَكَهَا فِيمَا قَضَى بها فيه لم يَكُنْ له أَنْ يُشْبِهَ عليه غَيْرُهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَسْمَعْ في الْحُدُودِ حَدِيثًا أَبْيَنَ من هذا وقد رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال وما دريك ( ( ( يدريك ) ) ) لَعَلَّ الْحُدُودَ نَزَلَتْ كَفَّارَةً لِلذُّنُوبِ وهو يُشْبِهُ هذا وهو أَبْيَنُ منه وقد روى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا وهو غَيْرُ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ فِيمَا أَعْرِفُ وهو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ عز وجل ( قال ) وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ رَجُلًا في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصَابَ حَدًّا بِالِاسْتِتَارِ وَأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عنهما + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَنَحْنُ نُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ الْحَدَّ أَنْ يَسْتَتِرَ وَأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ عز وجل وَلَا يَعُودَ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فإن اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عن عِبَادِهِ - * بَابُ حَدِّ الذمتين ( ( ( الذميين ) ) ) إذَا زَنَوْا - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ الْكِتَابِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ } قَرَأَ إلَى { بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَفِي هذه الْآيَةِ بَيَانٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخِيَارَ في أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أو يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عليه إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَحْضِ الصَّادِقِ أَحْدَثَ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أَيْضًا تُخَطِّئُ الْقِيَاسَ الذي رَوَيْت عن عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُنْظَرَ في حَالِ الْقَاتِلِ أَمَعْرُوفٌ بِالْقَتْلِ فَيُقَادُ أو غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِهِ فَيُرْفَعُ عنه الْقَوَدُ وَأَنْتَ لم تَنْظُرْ في السَّارِقِ وَلَا إلَى الْقَاتِلِ إنَّمَا نَظَرْت إلَى الْمَقْتُولِ قال فما تَقُولُ قُلْت أَقُولُ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخَبَرِ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَالْأَمْرِ الذي يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قال وما يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ قُلْت أَمَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ فَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ فَيُسْأَلُ عنه بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَلَا يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وهو مَعْرُوفٌ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ بِالسَّرِقَةِ قال بَلَى قُلْت أَمَا يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ يَتُوبُ قال بَلَى قُلْت أَمَا يَكُونُ أَنْ يَدْعُوهُ رَجُلٌ لَضِغْنٍ منه عليه فيقول اعْمَلْ لي عَمَلَ كَذَا ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَيَقُولُ دخل عَلَيَّ قال بَلَى قُلْت وما يَكُونُ غير سَارِقٍ فَيَبْتَدِئُ السَّرِقَةَ فَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ وَأَنْتَ تُبِيحُ له قَتْلَهُ بِهِ قال بَلَى قُلْت فإذا كانت هذه الْحَالَاتُ وَأَكْثَرُ منها في الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ مُمْكِنَةً عِنْدَكَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ قُلْت ما قُلْت بِلَا كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ وَلَا قِيَاسٍ على أَثَرٍ قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنْ جاء عليه بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ على ما يَحِلُّ دَمُهُ أَهْدَرْته فلم أَجْعَلْ فيه عَقْلًا وَلَا قَوَدًا وَإِنْ لم يَأْتِ عليه بِشُهُودٍ أَقَصَصْت وَلِيَّهُ منه ولم أَقْبَلْ فيه قَوْلَهُ وَتَبِعْت فيه السُّنَّةَ ثُمَّ الْأَثَرَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه ولم أَجْعَلْ لِلنَّاسِ الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ من في أَنْفُسِهِمْ عليه شَيْءٌ ثُمَّ يَرْمُونَهُ بِسَرِقَةٍ كَاذِبِينَ - * بَابُ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن أبي إدْرِيسَ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ قال كنا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَجْلِسٍ فقال بَايَعُونِي على أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شيئا وَقَرَأَ عليهم الْآيَةَ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ من ذلك شيئا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ له وَمَنْ اصاب من ذلك شيئا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عليه فَهُوَ إلَى اللَّهِ عز وجل إنْ شَاءَ غَفَرَ له وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ

(6/138)


الْآيَةِ ما في التي قَبْلَهَا من أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ ( قال ) وَسَمِعْت من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يقول في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } إنْ حَكَمْت لَا عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ (1) { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ من حُكِمَ عليهم من أَهْلِ دِينِ اللَّهِ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فما حَكَمْنَا بِهِ على مُسْلِمٍ حَكَمْنَا بِهِ على من خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَحُكِمَ بِهِ عليهم وَلَهُمْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا قال عبد اللَّهِ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يُخَبِّئُ على الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِالْقِسْطِ ثُمَّ حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ بِالرَّجْمِ وَتِلْكَ سُنَّةٌ على الثَّيِّبِ الْمُسْلِمِ إذَا زَنَى وَدَلَالَةٌ على أَنْ ليس لِمُسْلِمٍ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ أَبَدًا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال لي قَائِلٌ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ عز وجل { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَقُلْت له النَّاسِخُ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن بَعْضِ أَصْحَابِهِ لَا مُخَالِفَ له أو أَمْرٍ أَجْمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ فَهَلْ مَعَكَ من هذا وَاحِدٌ قال لَا فَهَلْ مَعَك ما يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِيَارَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ قُلْت قد يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } إنْ حَكَمْت وقد رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِكَ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عن قَابُوسِ بن مُخَارِقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بن أبي بَكْرٍ كَتَبَ إلَيْهِ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه في مُسْلِمٍ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ أَنْ يُحَدَّ الْمُسْلِمُ وَتُدْفَعَ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان هذا ثَابِتًا عِنْدَكَ فَهُوَ يَدُلُّكَ على أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أو يَتْرُكَ الْحُكْمَ عليهم وَلَوْ كان الْحُكْمُ لَازِمًا للامام في حَالٍ لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ بينهم ( ( ( بينه ) ) ) في حَدٍّ وَاحِدٍ حُدَّ فيه الْمُسْلِمُ ولم تُحَدَّ الذِّمِّيَّةُ قال وَكَيْفَ لم تُحَدَّ الذِّمِّيَّةُ ( 1 ) من قِبَلِ انها لم تَرْضَ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَحْكُمَ فيها أو يَدَعَ الْحُكْمَ قال فما الْحَالُ التي يَلْزَمُهُ فيها أَنْ يَحْكُمَ لهم وَعَلَيْهِمْ قُلْت إذَا كانت بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ أو مُسْتَأْمَنٍ تَبَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلَا عليه إلَّا مُسْلِمٌ ( 2 ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَقَدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ أَمَانًا على مَالِهِ وَدَمِهِ حتى يَرْجِعَ أَنْ يَحْكُمَ عليه إلَّا مُسْلِمٌ قال فَهَذَا زِنًا وَاحِدٌ قد رَدَّ فيه عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه الذِّمِّيَّةَ على أَهْلِ دِينِهَا قُلْنَا إنَّهُ لم يَكُنْ لها بالزنى على الْمُسْلِمِ شَيْءٌ تَأْخُذُهُ منه وَلَا لِلْمُسْلِمِ عليها شَيْءٌ فَيَحْكُمُ لها وَعَلَيْهَا وَإِنَّمَا كان حُدَّ فَأَخَذَهُ إنْ كان حَدِيثُكُمْ ثَابِتًا عنه من الْمُسْلِمِ وَرَدَّ الذِّمِّيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا لِمَا وَصَفْنَا من أنها لم تَرْضَ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ في الْحُكْمِ لها وَعَلَيْهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال وقد رَوَى بَجَالَةُ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كَتَبَ فَرِّقُوا بين كل ذِي مَحْرَمٍ من الْمَجُوسِ وَانْهَوْهُمْ عن الزَّمْزَمَةِ فَكَيْفَ لم تَأْخُذُوا بِهِ فَقُلْت له بَجَالَةُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ ليس بِالْمَشْهُورِ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ جُزْءَ مُعَاوِيَةَ كان لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه عَامِلًا وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ فَإِنْ قُلْت ما قُلْنَا فَلِمَ تَحْتَجَّ بِأَمْرٍ قد عَلِمْت أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فيه وَإِنْ قُلْت بَلْ نَصِيرُ إلَى حديث بَجَالَةَ فَحَدِيثُ بَجَالَةَ مُوَافِقٌ لنا لِأَنَّ على عُمَرَ إنَّمَا حَمَلَهُمْ إنْ كان ما كان حَامِلًا عليه الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَحَارِمَ لَا يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الزَّمْزَمَةُ وَهَذَا يَدُلُّ إنْ كان ثَابِتًا على أَنَّهُمْ يُحْمَلُونَ على ما يُحْمَلُ عليه الْمُسْلِمُونَ فَحَمَلْتهمْ على ما يُحْمَلُ عليه الْمُسْلِمُونَ وَتَبِعْتهمْ كما تُتْبِعُ الْمُسْلِمِينَ قال لَا قُلْت فَقَدْ خَالَفْت ما رَوَيْت عن عُمَرَ قال فَإِنْ قُلْت أُتْبِعُهُمْ فِيمَا رَأَيْت أَنَّهُ تَبِعَهُمْ فيه عُمَرُ قُلْت وَلِمَ تُتْبِعُهُمْ أنت فيه إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عليهم قال نعم قُلْت فَكَذَلِكَ تُتْبِعُهُمْ في كل ما عَلِمْت أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم قال فَإِنْ قُلْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا بأن رَجَمَهُمَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل

(6/139)


أُتْبِعُهُمْ في هذا الذي رَوَيْت أَنَّ عُمَرَ تَبِعَهُمْ فيه خَاصَّةً قال قُلْت فَيَلْزَمُكَ أَنْ تُتْبِعَهُمْ في غَيْرِهِ إذَا عَلِمْتهمْ مُقِيمِينَ عليه وَأَنْ تَسْتَدِلَّ بِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا يُتْبِعُهُمْ في شَيْءٍ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم أَنْ يُتْبِعَهُمْ في مِثْلِهِ وَأَعْظَمُ منه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ عُمَرَ صَيَّرَهُمْ أَنْ حَكَمَ عليهم إلَى ما يَحْكُمُ بِهِ على الْمُسْلِمِينَ فَتَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ثُمَّ حَكَمَ بَيْنَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالرَّجْمِ وَهِيَ سُنَّتُهُ التي سَنَّ بين الْمُسْلِمِينَ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها لَأَقْضِيَنَّ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ زَعَمْت عن عُمَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ عليهم ما يَحْرُمُ على الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ دَفَعَ نَصْرَانِيَّةً إلَى أَهْلِ دِينِهَا فَكُلُّ ما زَعَمْنَا وَزَعَمْت حُجَّةٌ لنا وَكُلُّ ما زَعَمْت تَعْرِفُهُ وَلَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ حُجَّةٌ لنا وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَنَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ ما تَحْتَجُّ بِهِ قال منهم قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إذَا جَاءُوكَ مُجْتَمِعِينَ أو مُتَفَرِّقِينَ قُلْت أَمَّا مُتَفَرِّقِينَ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) } على أَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ ليس إنْ جَاءَك بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَدَلَّ على أَنَّ له الْخِيَارَ إذَا جَاءُوهُ في الْحُكْمِ أو الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ وَعَلَى أَنَّهُ إنْ حَكَمَ فَإِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بين الْمُسْلِمِينَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال لي بَعْضُ من يقول الْقَوْلَ الذي أَحْكِي خِلَافَهُ أنه ليس للامام أَنْ يَحْكُمَ على مُوَادِعَيْنِ وَإِنْ رَضِيَا حُكْمَهُ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا رَضِيَا حُكْمَ الْإِمَامِ فَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْحُكْمَ حَكَمَ عَلَيْهِمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد كان أَهْلُ الْكِتَابِ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مُوَادِعِينَ زَمَانًا وكان أَهْلُ الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ معه بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَكَّةَ وَنَجْرَانَ وَالْيَمَنِ يَجْرِي عليهم حُكْمُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ مع أبي بَكْرٍ حَيَاتَهُ ثُمَّ مع عُمَرَ صَدْرًا من خِلَافَتِهِ حتى أَجَلَاهُمْ عُمَرُ لما ( ( ( بما ) ) ) بَلَغَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ في وِلَايَتِهِ وَحَيْثُ تَجْرِي أَحْكَامُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالْيَمَنِ ثُمَّ مع عُثْمَانَ بن عَفَّانَ ثُمَّ مع عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه لم نَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ سَمَّيْنَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ في شَيْءٍ وَلَوْ حَكَمُوا بَيْنَهُمْ لَحُفِظَ بَعْضُ ذلك إنْ لم يُحْفَظْ كُلُّهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الذِّمَّةِ بَشَرٌ لَا يُشَكُّ بِأَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ وَيَتَطَالَبُونَ بِالْحُقُوقِ وَأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ أو بَعْضُهُمْ ما لهم وما عليهم وما نَشُكُّ أَنَّ الطَّالِبَ حَرِيصٌ على من يَأْخُذُ له حَقَّهُ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ حَرِيصٌ على من يَدْفَعُ عنه ما يَطْلُبُ بِهِ وَأَنَّ كُلًّا قد يُحِبُّ أَنْ يَحْكُمَ له من يَأْخُذُ له وَيَحْكُمُ عليه من يَدْفَعُ عنه وَأَنْ قد يَرْجُو كُلٌّ في حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعِلْمُ بحكمهم ( ( ( يحكمهم ) ) ) أو الْجَهَالَةُ بِهِ ما لَا يَرْجُو في حَاكِمِهِ وَأَنْ لو كان على حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ إذَا جَاءَهُمْ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ وإذا جَاءُوهُمْ مُسْتَجْمِعِينَ لَجَاءُوهُمْ في بَعْضِ الْحَالَاتِ مُسْتَجْمِعِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا في الْمُوَادِعَيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَ وَلَا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ إلَّا ما رَوَى بَجَالَةُ مِمَّا يُوَافِقُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَسِمَاكُ بن حَرْبٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه مِمَّا يُوَافِقُ قَوْلَنَا في أَنَّهُ ليس على الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ لم تُخَالِفَانَا غَيْرُ مَعْرُوفَتَيْنِ عِنْدَنَا وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ لَا نَكُونَ مِمَّنْ تَدْعُوهُ الْحُجَّةُ على من خَالَفَهُ إلَى قَبُولِ خَبَرِ من لَا يُثْبِتُ خَبَرَهُ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي بَعْضُ الناس فَإِنَّكَ إذَا أَبَيْت الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ رَجَعُوا إلَى حُكَّامِهِمْ فَحَكَمُوا بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ عِنْدَكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له وأنا إذَا أَبَيْت الْحُكْمَ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ ولم أَكُنْ أنا حَاكِمًا فما أنا من حُكْمِ حُكَّامِهِمْ أَتَرَى تَرْكِي أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ في دِرْهَمٍ لو تَظَالَمُوا فيه وقد أَعْلَمْتُكَ ما جَعَلَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْخِيَارِ في الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أو التَّرْكِ لهم وما أَوْجَدْتُكَ من الدَّلَائِلِ على أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِأَنْ لم يَحْكُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا من جاء بَعْدَهُ من أَئِمَّةِ الْهُدَى أو تَرَى تَرْكِي الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ أَعْظَمَ أَمْ تَرْكَهُمْ على الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنْ قُلْت فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم وقد عَلِمَ أَنَّهُمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَسْمَعْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يُخَالِفُ في أَنَّ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الزنى كَانَا مُوَادِعِينَ لَا ذِمِّيَّيْنِ

(6/140)


مُقِيمُونَ على الشِّرْكِ بِهِ مَعُونَةً لِأَهْلِ دَيْنِهِ فَإِقْرَارُهُمْ على ما هو أَقَلُّ من الشِّرْكِ أَحْرَى أَنْ لَا يَعْرِضَ في نَفْسِك منه شَيْءٌ إذَا أَقْرَرْنَاهُمْ على أَعْظَمِ الْأُمُورِ فَأَصْغَرُهَا أَقَلُّ من أَعْظَمِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له لَسْت شَرِيكَهُمْ في حُكْمِهِمْ وَإِنَّمَا وَفَّيْت لهم بِذِمَّتِهِمْ وَذِمَّتُهُمْ أَنْ يَأْمَنُوا في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُجْبَرُونَ على غَيْرِ دِينِهِمْ ولم يَزَالُوا يَتَحَاكَمُونَ إلَى حُكَّامِهِمْ بِرِضَاهُمْ فإذا امْتَنَعُوا من حُكَّامِهِمْ قُلْت لهم لم تُعْطُوا الْأَمَانَ على الِامْتِنَاعِ وَالظُّلْمِ فَاخْتَارُوا أَنْ تَفْسَخُوا الذِّمَّةَ أو تَرْجِعُوا إلَى من لم يَزَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ كان يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ مُنْذُ كُنْتُمْ فَإِنْ اخْتَارُوا فَسْخَ الذِّمَّةِ فَسَخْنَاهَا وَإِنْ لم يَفْعَلُوا وَرَجَعُوا إلَى حُكَّامِهِمْ فَكَذَلِكَ لم يَزَالُوا لَا يَمْنَعُهُمْ منه إمَامٌ قَبْلَنَا وَرُجُوعُهُمْ إلَيْهِمْ شَيْءٌ رَضُوا بِهِ لم نُشْرِكْهُمْ نَحْنُ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَدَدْنَاهُمْ إلَى حُكَّامِهِمْ لم يَكُنْ رَدُّنَا لهم مِمَّا يُشْرِكُهُمْ وَلَكِنَّهُ مَنْعٌ لهم من الِامْتِنَاعِ ( قال ) وَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَرَأَيْت لو أَغَارَ عليهم الْعَدُوُّ فَسَبَوْهُمْ فَمَنَعُوهُمْ من الشِّرْكِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ أَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَنْقِذُهُمْ إنْ قَوِيَتْ لِذِمَّتِهِمْ قال نعم قُلْت فَإِنْ قال قَائِلٌ إذَا اسْتَنْقَذْتهمْ وَرَجَعُوا آمَنِينَ أَشْرَكُوا وَشَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا الْخِنْزِيرَ فَلَا تَسْتَنْقِذُهُمْ فَتُشْرِكُهُمْ في ذلك ما الْحُجَّةُ قال الْحُجَّةُ أَنْ نَقُولَ أَسْتَنْقِذُهُمْ لِذِمَّتِهِمْ قُلْت فَإِنْ قال في أَيِّ ذِمَّتِهِمْ وَجَدْت أَنْ تَسْتَنْقِذَهُمْ هل تَجِدُ بِذَلِكَ خَبَرًا قال لَا وَلَكِنْ مَعْقُولٌ إذَا تَرَكْتهمْ آمَنِينَ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَلَيْك الدَّفْعَ عَمَّنْ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت فَإِنْ قُلْت أَدْفَعُ عَمَّا في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا لِغَيْرِهِمْ فَلَا قال إذَا جَعَلْت لِغَيْرِهِمْ الْأَمَانَ فيها كان عَلَيْكَ الدَّفْعُ عَنْهُمْ قُلْت وَحَالُهُمْ حَالُ الْمُسْلِمِينَ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ جَعَلْت علي الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَحَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ حَالَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ وَإِنْ اسْتَوَوْا في أَنَّ لهم الْمُقَامَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ لهم الْمُسْلِمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَازَ لنا الْقِتَالُ عَنْهُمْ وَنَحْنُ نَعْلَمُ ما هُمْ عليه من الشِّرْكِ وَاسْتِنْقَاذُهُمْ لو أُسِرُوا فَرَدُّهُمْ إلَى حُكَّامِهِمْ وَإِنْ حَكَمُوا بِمَا لَا نَرَى أَخَفُّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لنا وَاَللَّهُ اعلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي بَعْضُ الناس أَرَأَيْت إنْ أَجَزْت الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ كَيْفَ تَحْكُمُ قُلْت إذَا اجْتَمَعُوا على الرِّضَا بِي فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا أَحْكُمَ لِمَا وَصَفْت لك وَلِأَنَّ ذلك لو كان فَضْلًا حَكَمَ بِهِ من كان قَبْلِي فَإِنْ رَضِيت بِأَنَّهُ مُبَاحٌ لي لم أَحْكُمْ حتى أُعْلِمَهُمْ أَنِّي إنَّمَا أُجِيزُ بَيْنَهُمْ ما يَجُوزُ بين الْمُسْلِمِينَ وَأَرُدُّ بَيْنَهُمْ ما يُرَدُّ بين الْمُسْلِمِينَ وَأُعْلِمَهُمْ أَنِّي لَا أُجِيزُ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ فَإِنْ رَضُوا بهذا فَرَأَيْت أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمْت وَإِنْ لم يَرْضَوْا مَعًا لم أَحْكُمْ وَإِنْ حَكَمْت فَبِهَذَا أَحْكُمُ قال وما حُجَّتُكَ في أَنْ لَا تُجِيزَ شَهَادَتَهُمْ بَيْنَهُمْ قُلْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَقَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَالَةٌ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا عَنَى الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ ولم أَرَ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أنها على الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ من الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً دُونَ الْمَمَالِيكِ الْعُدُولِ وَالْأَحْرَارُ غَيْرُ الْعُدُولِ وإذا زَعَمَ الْمُسْلِمُونَ أنها على الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَالْمَمَالِيكُ الْعُدُولُ وَالْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ وَإِنْ لم يَكُونُوا عُدُولًا فَهُمْ خَيْرٌ من الْمُشْرِكِينَ كَيْفَمَا كان الْمُشْرِكُونَ في دِيَانَتِهِمْ فَكَيْفَ أُجِيزُ شَهَادَةَ الذي هو شَرٌّ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ الذي هو خَيْرٌ بِلَا كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ وَلَا أَمْرٍ اجْتَمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعْدَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ بِاَللَّهِ شِرْكًا أَسْجَدُهُمْ لِلصَّلِيبِ وَأَلْزَمُهُمْ لِلْكَنِيسَةِ فقال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول حين الْوَصِيَّةِ { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَللَّهُ اعلم بِمَعْنَى ما أَرَادَ من هذا وَإِنَّمَا يُفَسَّرُ ما احْتَمَلَ الْوُجُوهَ ما دَلَّتْ عليه سُنَّةٌ أو أَثَرٌ عن بَعْضِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا مُخَالِفَ له أو أَمْرٍ اجْتَمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ سَمِعْت من يَتَأَوَّلُ هذه الْآيَةَ على من غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ من الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ فيها بِقَوْلِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي قَائِلٌ فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَأْتُوا حُكَّامَهُمْ قُلْت أُخَيِّرُهُمْ بين أَنْ يَرْجِعُوا إلَيْهِمْ أو يَفْسَخُوا الذِّمَّةَ قال فإذا خَيَّرْتهمْ فَرَجَعُوا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بَيْنَهُمْ بِالْبَاطِلِ عِنْدَكَ فَأَرَاك قد شَرِكْتهمْ في حُكْمِهِمْ

(6/141)


اللَّهِ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ } إلَى { الْآثِمِينَ } فيقول الصَّلَاةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ يَتَأَثَّمُونَ من كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلَا صَلَاةَ لهم قَائِمَةٌ وَلَا يَتَأَثَّمُونَ من كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا عليهم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ قَوْلِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت لِمَنْ يُخَالِفُنَا في هذا فَيُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ما حُجَّتُكَ في إجَازَتِهَا فَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ } قُلْت له إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هذه الْآيَةَ في وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ في السَّفَرِ أَفَتُجِيزُهَا في وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ بِالسَّفَرِ قال لَا قُلْت أو تُحَلِّفُهُمْ إذَا شَهِدُوا قال لَا قُلْت وَلِمَ وقد تَأَوَّلْت أنها في وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ قال لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْت فَإِنْ نُسِخَتْ فِيمَا أُنْزِلَتْ فيه فَلِمَ تُثْبِتُهَا فِيمَا لم تَنْزِلْ فيه فقال لي بَعْضُ الناس فَإِنَّمَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَلِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَطْلُبَ الرِّفْقَ بِهِمْ فَتُخَالِفَ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل في ان الشُّهُودَ الَّذِينَ أُمِرُوا أَنْ يُقْبَلُوا هُمْ الْمُسْلِمُونَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له الْمَذْهَبُ الذي ذَهَبْت إلَيْهِ خَطَأٌ من وُجُوهٍ منها أَنَّهُ خِلَافُ ما زَعَمْت أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل من أَنَّ الشَّهَادَةَ التي يَحْكُمُ بها شَهَادَةُ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّا لم نَجِدْ أَحَدًا من أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ قَوْلُهُ أَجَازَ شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ خَطَأٌ في قَوْلِكَ طَلَبِ الرِّفْقِ بِهِمْ ( قال ) وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت عَبِيدًا عُدُولًا مُجْتَمَعِينَ في مَوْضِعِ صِنَاعَةٍ أو تِجَارَةٍ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِشَيْءٍ قال لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت إنَّهُمْ في مَوْضِعٍ لَا يَخْلِطُهُمْ فيه غَيْرُهُمْ قال وَإِنْ قُلْت فَإِنْ كَانُوا في سِجْنٍ قال وَإِنْ قُلْت فَأَهْلُ السِّجْنِ وَالْبَدْوُ الصَّيَّادُونَ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا غير مُعَدَّلِينَ وَلَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قال لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت فَإِنْ قالوا لك لَا يَخْلِطُنَا غَيْرُنَا وَإِنْ أُبْطِلَتْ شَهَادَتُنَا ذَهَبَتْ دِمَاؤُنَا وَأَمْوَالُنَا قال وَإِنْ ذَهَبَتْ فَأَنَا لم أُذْهِبْهَا قُلْت فَإِنْ قالوا فَاطْلُبْ الرِّفْقَ بِنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَةِ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ قال لَا أَطْلُبُ الرِّفْقَ لَكُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ قالوا لك وما حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى قال الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ الْمُسْلِمُونَ قُلْت فَالْعَبِيدُ الْعُدُولُ الَّذِينَ يُعْتَقُ أَحَدُهُمْ السَّاعَةَ فَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ أَقْرَبُ من الْعُدُولِ في كِتَابِ اللَّهِ أَمْ الذِّمِّيُّ الذي يُسْلِم فَتُجِيزُ إسْلَامَهُ قبل إجَازَةِ شَهَادَتِهِ قال بَلْ الْعَبْدُ الْعَدْلُ قُلْت فَلِمَ رَدَدْت الْأَقْرَبَ من شَرْطِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَجَزْت الْأَبْعَدَ منه لو كان أَحَدُهُمَا جَائِزًا جَازَ الْعَبْدُ ولم يَجُزْ الذِّمِّيُّ أو الْحُرُّ غَيْرُ الْعَدْلِ ولم يَجُزْ الذِّمِّيُّ وما من الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلَّا خَيْرٌ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَرُدَّ شَهَادَةَ مُسْلِمٍ بِأَنْ تَعْرِفَهُ يَكْذِبُ على بَعْضِ الْآدَمِيِّينَ وَتُجِيزُ شَهَادَةَ ذِمِّيٍّ وهو يَكْذِبُ على اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَائِلٌ فإن شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَتَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقُلْت له أَرَأَيْت شُرَيْحًا لو قال قَوْلًا لَا مُخَالِفَ له فيه مِثْلُهُ وَلَا كِتَابَ فيه أَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً قال لَا قُلْت فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ على الْكِتَابِ وَعَلَى الْمُخَالِفِينَ له من أَهْلِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ احْتَجَّ من يُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ } فقال من غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ فَكَيْفَ لم تُجِزْهَا فِيمَا ذَكَرْت فيه من الْوَصِيَّةِ على الْمُسْلِمِينَ في السَّفَرِ ( 1 ) كَيْفَ لم تُجِزْهَا من جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ إسْلَامٍ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ إذَا كان غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ فَجَازَ لك أَنْ تُجِيزَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ بِلَا خَبَرٍ يَلْزَمُ فَأَنَا أُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ نَبَذُوهُ وَبَدَّلُوهُ إنَّمَا ضَلُّوا بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ على شَيْءٍ فَلَزِمُوهُ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أخبرنا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ قد بَدَّلُوا ما الْحُجَّةُ عليهم فَإِنْ قال في أَهْلِ الْكِتَابِ من يَصْدُقُ وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَفِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ من يَصْدُقُ وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَيَعِفُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت من يَذْكُرُ أنها مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَأَيْت مُفْتِي أَهْلِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ يُفْتُونَ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ

(6/142)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال لي منهم قَائِلٌ فإذا حَكَمْت بَيْنَهُمْ أَبْطَلْت النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وهو جَائِزٌ بَيْنَهُمْ قُلْت نعم قال وَتُبْطِلُ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ قُلْت نعم قال وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أو غَيْرُهُمْ لهم لم تَقْضِ عليه بِثَمَنِهِ قُلْت نعم قال فَهِيَ أَمْوَالُهُمْ أنت تُقِرُّهُمْ يتمولونها قال فَقُلْت له إنَّ إقْرَارَهُمْ يتمولونها لَا يُوجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَحْكُمَ لهم بها قال وَكَيْفَ لَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَحْكُمَ لهم بِمَا تُقِرُّهُمْ عليه قُلْت له أَمَا أُقِرُّهُمْ على الشِّرْكِ وَأُقِرُّ عليه أَبْنَاءَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ قال بَلَى قُلْت فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ رَقِيقِهِمْ وَحَكَمْت عليه بِالْخُرُوجِ من مِلْكِهِ أَلَسْت أَحْمَدُهُ على الْإِسْلَامِ وَأُجْبِرُ السَّيِّدَ على بَيْعِهِ وَلَا أَدَعُهُ يَسْتَرِقُّهُ وَلَا أُعِيدُهُ إلَى الشِّرْكِ قال بَلَى قُلْت أَفْلَسْت أَقْرَرْته على شَيْءٍ ثُمَّ لم أَحْكُمْ له بِمَا أَقْرَرْته عليه وقد كان في حَالٍ مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) عليه قال بَلَى قُلْت أو ما أُقِرُّهُ على حُكْمِ حُكَّامِهِ وأنا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ قال بَلَى قُلْت وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنَّ من سَرَقَ شيئا لِرَجُلٍ كان السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ فَأُقِرَّهُمْ على ذلك إذَا رَضُوهُ أَفَرَأَيْت لو تَرَافَعُوا إلَيَّ أأحكم ( ( ( الحكم ) ) ) بِأَنَّ السَّارِقَ عَبْدٌ لِلْمَسْرُوقِ قال لَا قُلْت وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنْ ليس لِرَجُلٍ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً لَا يُطَلِّقُهَا وَمِنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ أَنْ ليس لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفَرَأَيْت لو تَرَافَعُوا إلَيَّ أَلْزَمْتهمْ ذلك قال لَا قُلْت فَأَرَاك تُقِرُّهُمْ على أَشْيَاءَ من أَحْكَامِهِمْ إذَا صَارُوا إلَيْكَ لم تَحْكُمْ لهم بها وَحَكَمْت عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْكَ وقد أَرْبَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ قال أَرُدُّ الرِّبَا قُلْت فَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْكَ وقد نَكَحَ الرَّجُلُ مَحْرَمَهُ في كِتَابِ اللَّهِ قال أَرُدُّ النِّكَاحَ قُلْت فَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْكَ مَجُوسِيَّانِ وقد أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ غَنَمًا قد اشْتَرَاهَا بين يَدَيْكَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَحَ فيها مِائَةَ أَلْفٍ على أَنْ يَقِذَهَا لهم فَوَقَذَهَا كُلَّهَا وَتِلْكَ عِنْدَهُ ذَكَاتُهَا فَأَحْرَقَهَا أَحَدُهُمْ أو مُسْلِمٌ فقال قد أَحْرَقَ هذا مَالِي الذي ابْتَعْته بين يَدَيْكَ وَأَرْبَحْت فيه بِمَحْضَرِكَ بِمِثْلِ ما ابْتَعْته بِهِ وهو مِائَةُ أَلْفٍ قال لَا يَغْرَمُ شيئا قال وَلِمَ هذا مَالِي تُقِرُّنِي عليه مُذْ كُنْت وَتِجَارَتِي أُحْرِقُهَا قال هذا حَرَامٌ قُلْت فَإِنْ قال لك أَرَأَيْت الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَحَلَالٌ هُمَا قال لَا قُلْت فَإِنْ قال فَلِمَ أَجَزْت بَيْعَهُمَا عِنْدَك وَحَكَمْت على من اسْتَهْلَكَهُمَا بِثَمَنِهِمَا أن كان ( ( ( كانا ) ) ) يَتَمَوَّلَانِ وَتُقِرُّهُمْ على تَمَوُّلِهِمَا وَهُمَا حَرَامٌ ولم تَحْكُمْ لي بِثَمَنِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ تُمَوَّلُ وقد كانت حَلَالًا قبل قَتْلِهَا عِنْدَكَ وَجِلْدُهَا حَلَالٌ إذَا دَبَغْته وَإِنْ كانت الْمَيْتَةُ وَالْخِنْزِيرُ لم تَكُنْ حَلَالًا قَطُّ عِنْدَك وَلَا يَكُونُ الْخِنْزِيرُ حَلَالًا بِحَالٍ أَبَدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي بَعْضُهُمْ قَوْلُنَا هذا مَدْخُولٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فما حُجَّتُكَ في قَوْلِكَ فَوَصَفْت له كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي حَكَمَ بِهِ بين الْمُسْلِمِينَ في الرَّجْمِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عن شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الذي أَنْزَلَ اللَّهُ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لم يَشِبَّ أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَبَدَّلُوا وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا { هذا من عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لهم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لهم مِمَّا يَكْسِبُونَ } أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الذي جَاءَكُمْ عن مَسْأَلَتِهِمْ وَاَللَّهِ ما رَأَيْنَا أَحَدًا منهم يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ وَقُلْت له أَمَرَنَا اللَّهُ عز وجل بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قد بَدَّلُوا كِتَابَهُ الذي أَنْزَلَ وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا { هذا من عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لهم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لهم مِمَّا يَكْسِبُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له تَرَكَ أَصْحَابُكَ ما وَصَفْنَا من حُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما عَلِمْت من خَالَفَنَا في الْحُكْمِ بين أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا تَرَكَ فيه التَّنْزِيلَ وَالسُّنَّةَ لِمَا روي فيه من الْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ عليه وما يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ثُمَّ لم يَمْتَنِعْ أَنْ جَهِلَ وَخَطَّأَ من عَلِمَ

(6/143)


عليه وسلم فإذا قِيلَ لهم لِمَ أَقَمْتُمْ الْحُدُودَ على الْمُعَاهِدِينَ وَإِنْ لم يَكُونُوا يَرَوْنَهَا في دِينِهِمْ وَأَبْطَلْتُمْ الْحُدُودَ في قَذْفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِنْ لم كَانُوا يَرَوْنَهَا بَيْنَهُمْ قالوا بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى على خَلْقِهِ وَاحِدٌ وَبِذَلِكَ أَبْطَلْنَا الزنى بَيْنَهُمْ وَنِكَاحَ الرَّجُلِ حَرِيمَهُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَإِنْ كان ذلك جَائِزًا بَيْنَهُمْ فإذا قِيلَ لهم فَحُكْمُ اللَّهِ عز وجل يَدُلُّ على أَنْ نحكم ( ( ( تحكم ) ) ) بَيْنَهُمْ حُكْمَنَا في الْإِسْلَامِ قالوا نعم فإذا قِيلَ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْنَهُمْ ثَمَنَ الْخِنْزِيرِ وَغَرَّمْتُمْ ثَمَنَهُ وَلَيْسَ من حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَجُوزَ ثَمَنُ الْحَرَامِ قالوا هِيَ أَمْوَالُهُمْ وقد أَبْطَلُوا أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بهذا الحديث وَغَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فيه بين أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن عَائِشَةَ أنها قالت سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْبِتْعِ فقال كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه خَرَجَ عليهم فقال إنِّي وَجَدْت من فُلَانٍ رِيحَ شَرَابِ الطِّلَاءِ وأنا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كان يُسْكِرُ جَلَدْته فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لَا أُوتَى بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا نَبِيذًا أو مُسْكِرًا إلَّا حَدَدْتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بَعْضُ الناس الْخَمْرُ حَرَامٌ وَالسُّكْرُ من كل الشَّرَابِ وَلَا يَحْرُمُ الْمُسْكِرُ حتى يَسْكَرَ منه وَلَا يُحَدُّ من شَرِبَ نَبِيذًا مُسْكِرًا حتى يُسْكِرَهُ فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ كَيْفَ خَالَفْت ما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَثَبَتَ عن عُمَرَ وَرُوِيَ عن عَلِيٍّ ولم يَقُلْ أَحَدٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ قال رَوَيْنَا فيه عن عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ فَضْلَ شَرَابِ رَجُلٍ حَدَّهُ قُلْنَا رَوَيْتُمُوهُ عن رَجُلٍ مَجْهُولٍ عِنْدَكُمْ لَا تَكُونُ رِوَايَتُهُ حُجَّةً قال وَكَيْفَ يُعْرَفُ الْمُسْكِرُ قُلْنَا لَا نَحُدُّ أَحَدًا أَبَدًا لم يَسْكَرْ حتى يَقُولَ شَرِبْت الْخَمْرَ أو يَشْهَدَ بِهِ عليه أو يَقُولَ شَرِبْت ما يُسْكِرُ أو يَشْرَبَ من إنَاءٍ هو وَنَفَرٌ فَيَسْكَرُ بَعْضُهُمْ فَيَدُلُّ ذلك على أَنَّ الشَّرَابَ مُسْكِرٌ فَأَمَّا إذَا غَابَ مَعْنَاهُ فَلَا يَضْرِبُ فيه حَدًّا وَلَا تَعْزِيرًا لِأَنَّهُ إمَّا الْحَدُّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُغَيَّبَ الْمَعْنَى وَمُغَيَّبُ الْمَعْنَى لَا يُحَدُّ فيه أَحَدٌ وَلَا يُعَاقَبُ إنَّمَا يُعَاقَبُ الناس على الْيَقِينِ وَفِيهِ كِتَابٌ كَبِيرٌ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يقول ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُقَالُ لِمَ قال إذَا شَرِبَ تِسْعَةً فلم يَسْكَرْ ثُمَّ شَرِبَ الْعَاشِرَ فَسَكِرَ فَالْعَاشِرُ هو حَرَامٌ فَقِيلَ له أَرَأَيْت لو شَرِبَ عَشَرَةً فلم يَسْكَرْ فَإِنْ قال حَلَالٌ قِيلَ له فَإِنْ خَرَجَ فَأَصَابَتْهُ الرِّيحُ فَسَكِرَ فَإِنْ قال حَرَامٌ قِيلَ أَفَرَأَيْت شيئا يَشْرَبُهُ رَجُلٌ حَلَالًا ثُمَّ صَارَ في بَطْنِهِ حَلَالًا فلما أَصَابَتْهُ الرِّيحُ قَلَبَتْهُ فَصَيَّرَتْهُ حَرَامًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وقال هذا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ على كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَخْتَلِفُ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ على قَوْلِهِمْ مع ما وَصَفْت لك من تَنَاقُضِهِ وَسَكَتُّ عن بَعْضٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا وَصَفْت لَك مِمَّا لم أَصِفْ - * حَدُّ الْخَمْرِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن قَبِيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ يَرْفَعُهُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قد شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ فَكَانَتْ رُخْصَةً ( قال ) سُفْيَانُ ثُمَّ قال الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بن الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلٍ كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بهذا الحديث

(6/144)


- * بَابُ ضَرْبِ النِّسَاءِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن إيَاسِ بن عبد اللَّهِ بن أبي ذُبَابٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قال فَأَتَاهُ عُمَرُ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ على أَزْوَاجِهِنَّ فائذن ( ( ( فأذن ) ) ) في ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لقد أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِضَرْبِهِنَّ إذَا خِيفَ نُشُوزُهُنَّ فقال { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } إلَى { سَبِيلًا } قال وَلَوْ تَرَكَ الضَّرْبَ كان أَحَبَّ إلَيَّ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ وإذا أَذِنَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ضَرْبِ الْحَرَائِرِ فَكَيْفَ عَابَ رَجُلٌ أَنْ يُقِيمَ سَيِّدُ الْأَمَةِ على أَمَتِهِ حَدَّ الزنى وقد جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهُ - * السَّوْطُ الذي يُضْرَبُ بِهِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بالزنى على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَعَا له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ قال فَوْقَ هذا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لم تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فقال بين هَذَيْنِ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قد رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجُلِدَ ثُمَّ قال أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يَبْدُ لنا صَفْحَتُهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ ليس مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ هو نَفْسُهُ حُجَّةٌ وقد رَأَيْت من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا من يَعْرِفُهُ وَيَقُولُ بِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَبْلُغْ في جَلْدِ الْحَدِّ أَنْ يَنْهَرَ الدَّمَ في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَلَا الْعُقُوبَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ إنْهَارَ الدَّمِ في الضَّرْبِ من أَسْبَابِ التَّلَفِ وَلَيْسَ يُرَادُ بِالْحَدِّ التَّلَفُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّكَالُ أو الْكَفَّارَةُ - * بَابُ الْوَقْتِ في الْعُقُوبَةِ وَالْعَفْوِ عنها - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد الْعَزِيزِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( 1 ) تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ عن عَثَرَاتِهِمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت من أَهْلِ الْعِلْمِ من يَعْرِفُ هذا الحديث وَيَقُولُ يُجَافَى الرَّجُلُ ذِي الْهَيْئَةِ عن عَثْرَتِهِ ما لم يَكُنْ حَدًّا ( قال ) وَذَوُو الهيآت ( ( ( الهيئات ) ) ) الَّذِينَ يُقَالُونَ عَثَرَاتِهِمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلَّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ عن أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَعَنَ اللَّهُ الْمُخْتَفِي وَالْمُخْتَفِيَةَ ( قال الرَّبِيعُ ) يَعْنِي النَّبَّاشَ وَالنَّبَّاشَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رُوِيَتْ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعُقُوبَاتِ وَتَوَقِّيَتِهَا تَرَكْنَاهَا لِانْقِطَاعِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِضَرْبِ النِّسَاءِ إذَا ذَئِرْنَ على أَزْوَاجِهِنَّ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ بِضَرْبِهِنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وقال اتَّقُوا الْوَجْهَ

(6/145)


- * صِفَةُ النَّفْيِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ منها وَلَدٌ فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ حتى يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ أو ثَمَانِ سِنِينَ فإذا بَلَغَ خُيِّرَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَعَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهُ ما أَقَامَ عِنْدَ أُمِّهِ فَإِنْ نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ فَالْجَدَّةُ مَكَانَ الْأُمِّ وَإِنْ كان لِلْجَدَّةِ زَوْجٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ لَا يُقْضَى لها بِالْوَلَدِ قال الرَّبِيعُ إنْ كان زَوْجُ الْجَدَّةِ جَدَّ الْغُلَامِ كان أَحَقَّ بِالْغُلَامِ وَإِنْ كان غير جَدِّهِ لم يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ ( قال ) وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ أو عُثْمَانَ قَضَى أَحَدُهُمَا في أَمَةٍ غَرَّتْ من نَفْسِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا غَرَّتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا بِنَفْسِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ كانت لِمَالِكِهَا وكان على الزَّوْجِ الْمَهْرُ بِالْإِصَابَةِ مِلْكًا لِلْمَالِكِ وكان أَوْلَادُهُ أَحْرَارًا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يوم وُلِدُوا لَا يوم يُؤْخَذُونَ لِأَنَّهُمْ لم يَقَعْ عليهم الرِّقُّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بن عُبَادَةَ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت رَجُلًا مع امْرَأَتِي أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ قُتِلَ مِمَّنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَوْ صَدَقَ الناس بهذا أَدْخَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَنْزِلَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قال وَجَدْتُهُ يَزْنِي بِامْرَأَتِي ( قال ) وَرُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا من إحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَرُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَا يَعْدُو الْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِ الْمُبَدِّلِ دِينَهُ بِالْكُفْرِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ وَالتَّبْدِيلِ تُوجِبُ عليه الْقَتْلَ وَإِنْ تَابَ كما يُوجَبُ عليه الْقَتْلُ من الزنى وَإِنْ تَابَ أو يَكُونَ مَعْنَاهُمَا من بَدَّلَ دِينَهُ أو كَفَرَ بَعْدَ إيمَانٍ فَأَقَامَ على الْكُفْرِ وَالتَّبْدِيلِ وَلَا فَرْقَ بين من بَدَّلَ دِينَهُ فَأَظْهَرَ دِينًا مَعْرُوفًا أو دِينًا غير مَعْرُوفٍ ( 1 ) فَإِنْ قال قَائِلٌ هو إذًا رَجَعَ عن النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ تَرَكَ الصَّلِيبَ وَالْكَنِيسَةَ فَقَدْ يَقْدِرُ على الْمُقَامِ على النَّصْرَانِيَّةِ مُسْتَخْفِيًا وَلَا يَعْلَمُ صِحَّةَ رُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل فَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ أو دِينٍ لَا يُظْهِرُهُ وقد كان الْمُنَافِقُونَ مُقِيمِينَ على إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِالْكُفْرِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك عَنْهُمْ فَتَوَلَّى حِسَابَهُمْ على سَرَائِرِهِمْ ولم يَجْعَلْ اللَّهُ عز وجل إلَى الْعِبَادِ أَنْ يَحْكُمُوا إلَّا على الظَّاهِرِ وَأَقَرَّهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَأَسْهَمَ لهم سَهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَضَرُوا الْحَرْبَ - * حَدُّ السَّرِقَةِ وَالْقَاطِعِ فيها وَحَدُّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَحَدُّ الزَّانِي - * حَدُّ السَّرِقَةِ
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا من اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) النَّفْيُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ منها نَفْيٌ نَصًّا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وهو قَوْلُ اللَّهِ عز وجل في الْمُحَارِبِينَ { أو يُنْفَوْا من الْأَرْضِ } وَذَلِكَ النَّفْيُ أَنْ يُطْلَبُوا فَيَمْتَنِعُوا فَمَتَى قُدِرَ عليهم أُقِيمَ عليهم حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَّا أَنْ يَتُوبُوا قبل أَنْ يُقْدَرَ عليهم فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ حَقُّ اللَّهِ وَتَثْبُتُ عليهم حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَالنَّفْيُ في السُّنَّةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو نَفْيُ الْبِكْرِ الزَّانِي يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً وقد رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ قَضَى بِالنَّفْيِ وَالْجَلْدِ على الْبِكْرِ وَالنَّفْيِ الثَّانِي أَنَّهُ يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرْسَلًا أَنَّهُ نَفَى مُخَنَّثَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا هِيتٌ وللاخر مَاتِعٌ وَيُحْفَظُ في أَحَدِهِمَا أَنَّهُ نَفَاهُ إلَى الْحِمَى وَأَنَّهُ كان في ذلك الْمَنْزِلِ حَيَاةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَيَاةَ أبي بَكْرٍ وَحَيَاةَ عُمَرَ وَأَنَّهُ شَكَا الضِّيقَ فَأَذِنَ له بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ في الْجُمُعَةِ يَوْمًا يَتَسَوَّقُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وقد رَأَيْت أَصْحَابَنَا يَعْرِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ بِهِ حتى لَا أَحْفَظَ عن أَحَدٍ منهم أَنَّهُ خَالَفَ فيه وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ كَثُبُوتِ نَفْيِ الزنى

(6/146)



( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ وَالْعُمَرِيُّ عن بن شِهَابٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا في مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَدِيثُ عُثْمَانَ يَدُلُّ على ما وَصَفْت من أَنَّ الدَّرَاهِمَ كانت اثْنَا عَشَرَ بِدِينَارٍ وَكَذَلِكَ أَقَامَ عُمَرُ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَدُلُّ حَدِيثُ عُثْمَانَ على أَنَّ الْقَطْعَ في الثَّمَرِ الرَّطْبِ صَلَحَ بِيَبَسٍ أو لم يَصْلُحْ لِأَنَّ الْأُتْرُجَّ لَا يَيْبَسُ فَكُلُّ ما له ثَمَنٌ هَكَذَا يُقْطَعُ فيه إذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ مُصْحَفًا كان أو سَيْفًا أو غَيْرَهُ مِمَّا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فَإِنْ سَرَقَ خَمْرًا أو خِنْزِيرًا لم يُقْطَعْ لِأَنَّ هذا حَرَامُ الثَّمَنِ وَلَا يُقْطَعُ في ثَمَنِ الطُّنْبُورِ وَلَا الْمِزْمَارِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سمع قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بن مَالِكٍ عن الْقَطْعِ فقال أَنَسٌ حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَطَعَ سَارِقًا في شَيْءٍ ما يَسُرُّنِي أَنَّهُ لي بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا غَيْرُ وَاحِدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فإذا أَخَذَ سَارِقٌ قُوِّمَتْ سَرِقَتُهُ في الْيَوْمِ الذي سَرَقَهَا فيه فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ نَقَصَتْ عن رُبُعِ دِينَارٍ لم يُقْطَعْ وَلَوْ حُبِسَ لِتَثْبُتَ الْبَيِّنَةُ عليه وَكَانَتْ يوم سَرَقَهَا لَا تَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ فلم تَصِحَّ الْبَيِّنَةُ حتى صَارَتْ تَسْوَى رُبُعًا لم يُقْطَعْ وَلَوْ قُوِّمَتْ يوم سَرَقَهَا بِرُبُعِ دِينَارٍ فَحُبِسَ لِتَصِحَّ عليه الْبَيِّنَةُ فَرَخُصَتْ حتى صَارَتْ لَا تَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ يوم سَرَقَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ما بَعْدَ سَرِقَتِهِ من غَلَاءِ السِّلْعَةِ وَرُخْصِهَا وما سَرَقَ من طَعَامٍ رَطْبٍ أو يَابِسٍ او خَشَبٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَحُوزُهُ الناس في مِلْكِهِمْ بسوى ( ( ( يسوى ) ) ) رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَالْأَصْلُ رُبُعُ دِينَارٍ فَلَوْ غَلَتْ الدَّرَاهِمُ حتى يَكُونَ دِرْهَمَانِ بِدِينَارٍ قُطِعَ في رُبُعِ دِينَارٍ وَإِنْ كان ذلك نِصْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ رَخُصَتْ حتى يَصِيرَ الدِّينَارُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قُطِعَ في رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَإِنَّمَا الدَّرَاهِمُ سِلْعَةٌ كَالثِّيَابِ وَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا فَلَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ أو ما يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ أو ما يَسْوَى عَشْرَ شِيَاهٍ كان يُقْطَعُ في الرُّبْعِ وَقِيمَتُهُ عَشْرُ شِيَاهٍ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ ما يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ وَذَلِكَ رُبُعُ شَاةٍ كان إنَّمَا يُقْطَعُ في رُبُعِ الدِّينَارِ وإذا كان الْأَصْلُ الدِّينَارَ فَالدَّرَاهِمُ عَرَضٌ من الْعُرُوضِ لَا يُنْظَرُ إلَى رُخْصِهَا وَلَا إلَى غَلَائِهَا وَالدِّينَارُ الذي يُقْطَعُ في رُبُعِهِ الْمِثْقَالُ فَلَوْ كان يَجُوزُ بِبَلَدٍ أَنْقَصَ منه لم يُقْطَعْ حتى يَكُونَ سَرَقَ ما يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ مِثْقَالًا لِأَنَّهُ الْوَزْنُ الذي كان على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم * وَلَا يُقْطَعُ حتى يَكُونَ سَرَقَ من حِرْزٍ وَيَكُونَ بَالِغًا يَعْقِلُ - * بَابُ السِّنِّ التي إذَا بَلَغَهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمَا الْحُدُودُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال عُرِضْت على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عليه عَامَ الْخَنْدَقِ وأنا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على من أَرَادَ اللَّهُ قَطْعَهُ من السُّرَّاقِ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في بَابٍ غَيْرِ هذا وَدَلَّتْ على من أَرَادَ قَطْعَهُ فَكَانَ من بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَحَدِيثُ بن عُمَرَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ رُبُعُ دِينَارٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن أبيه عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً في عَهْدِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه فَأَمَرَ بها عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ من صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ يَدَهُ قال مَالِكٌ هِيَ الْأُتْرُجَّةُ التي يَأْكُلُهَا الناس

(6/147)


بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي قال نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فقال عُمَرُ هذا فَرْقٌ بين الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ في الْمُقَاتِلَةِ وَلِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ في الذُّرِّيَّةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فأنظر أَبَدًا إلَى الْحَالِ التي يَسْرِقُ فيها السَّارِقُ فإذا سَرَقَ السَّرِقَةَ فَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حِرْزِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عليه حِينَئِذٍ فَإِنْ وُهِبَتْ السَّرِقَةُ لِلسَّارِقِ قبل الْقَطْعِ أو مَلَكَهَا بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ قُطِعَ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي سَرَقَ فيها وَالْحَالُ التي سَرَقَ فيها هو غَيْرُ مَالِكٍ لِلسِّلْعَةِ وَأَنْظُرُ إلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ كان في الْمَوْضِعِ الذي سُرِقَ فيه تَنْسِبُهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ في مِثْلِ ذلك الْمَوْضِعِ مُحْرَزٌ فَأَقْطَعُ فيه وَإِنْ كانت الْعَامَّةُ لَا تَنْسُبهُ إلَى أَنَّهُ في مِثْلِ ذلك الْمَوْضِعِ مُحْرَزٌ فَلَا يُقْطَعُ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرِدَاءُ صَفْوَانَ كان مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عليه فَمِثْلُهُ كُلُّ من كان في مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَاضْطَجَعَ على ثَوْبِهِ فَاضْطِجَاعُهُ حِرْزٌ له كان في صَحْرَاءَ أو حَمَّامٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْرَزُ في ذلك الْمَوْضِعِ وأنظر إلَى مَتَاعِ السُّوقِ فإذا ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ في مَوْضِعٍ بِيَاعَاتِهِ وَرُبِطَ بِحَبْلٍ أو جُعِلَ الطَّعَامُ في خَيْشٍ وَخِيطَ عليه فَسُرِقَ أَيْ هذا أُحْرِزَ بِهِ فَأَقْطَعُ فيه لِأَنَّ الناس مع شُحِّهِمْ على أَمْوَالِهِمْ هَكَذَا يُحْرِزُونَهُ وَأَيُّ إبِلِ الرَّجُلِ كانت تَسِيرُ وهو يَقُودُهَا فَقَطَرَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَسَرَقَ منها أو مِمَّا عليها شيئا قُطِعَ فيه وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَهَا في صَحْرَاءَ أو أَنَاخَهَا وَكَانَتْ بِحَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا قُطِعَ فيها وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ إذَا آوَاهَا إلَى الْمُرَاحِ فَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَاضْطَجَعَ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فَسُرِقَ منها شَيْءٌ قُطِعَ فيه لأن ( ( ( لأنه ) ) ) هَكَذَا إحْرَازُهَا وَكَذَلِكَ لو نَزَلَ في صَحْرَاءَ فَضَرَبَ فُسْطَاطًا وَآوَى فيه مَتَاعَهُ وَاضْطَجَعَ فيه فَإِنْ سُرِقَ الْفُسْطَاطُ وَالْمَتَاعُ من جَوْفِ الْفُسْطَاطِ فَأَقْطَعُ فيه لِأَنَّ اضْطِجَاعَهُ فيه حِرْزٌ لِلْمَتَاعِ وَالْفُسْطَاطِ إلَّا أَنَّ الْأَحْرَازَ تَخْتَلِفُ فَيُحْرَزُ بِكُلِّ ما يَكُونُ الْعَامَّةُ تُحْرِزُ بمثله وَالْحَوَائِطُ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِلنَّخْلِ وَلَا لِلثَّمَرَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا مُبَاحٌ يَدْخُلُ من جَوَانِبِهِ فَمَنْ سَرَقَ من حَائِطٍ شيئا من ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ لم يُقْطَعْ فإذا آوَاهُ الْجَرِينُ قُطِعَ فيه وَذَلِكَ أَنَّ الذي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْجَرِينَ حِرْزٌ وَأَنَّ الْحَائِطَ غَيْرُ حِرْزٍ فَلَوْ اضْطَجَعَ مُضْطَجِعٌ في صَحْرَاءَ وَضَعَ ثَوْبَهُ بين يَدَيْهِ أو تَرَكَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَتَاعَهُمْ في مَقَاعِدَ ليس عليها حِرْزٌ ولم يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ولم تُرْبَطْ أو أَلْقَى أَهْلُ الْأَسْوَاقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ بهذا الْقَوْلِ نَأْخُذُ قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } الْآيَةَ فَمَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ من الرِّجَالِ وَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ وَالْحَيْضُ من النِّسَاءِ خَرَجَ من الذُّرِّيَّةِ وَأُقِيمَ عليه الْحُدُودُ كُلُّهَا وَمَنْ أَبْطَأَ ذلك عنه وَاسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أُقِيمَتْ عليه الْحُدُودُ كُلُّهَا السَّرِقَةُ وَغَيْرُهَا - * بَابُ ما يَكُونُ حِرْزًا وَلَا يَكُونُ وَالرَّجُلُ تُوهَبُ له السَّرِقَةُ بعد ما يَسْرِقُهَا أو يَمْلِكُهَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن صَفْوَانَ بن عبد اللَّهِ أَنَّ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ قِيلَ له من لم يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ الْمَدِينَةَ فَنَامَ في الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ وَأَخَذَ رِدَاءَهُ من تَحْتِ رَأْسِهِ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فقال صَفْوَانُ إنِّي لم أُرِدْ هذا هو عليه صَدَقَةٌ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَلَّا قبل أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ
وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن طَاوُسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن يحيى عن عَمِّهِ وَاسِعِ بن حِبَّانَ أَنَّ رَافِعَ بن خَدِيجٍ أخبره أَنَّهُ سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُقْطَعُ الْيَدُ في ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ عن عَمِّهِ وَاسِعِ بن حِبَّانَ عن رَافِعِ بن خَدِيجٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي حُسَيْنٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ فإذا آوَاهُ الْجَرِينُ فَفِيهِ الْقَطْعُ

(6/148)


ما يُجْعَلُ مِثْلُهَا في السُّوقِ بِسَبَبٍ كَالْحَبَّاسِ الْكِبَارِ ولم يَضُمُّوهَا ولم يَحْزِمُوهَا أو أَرْسَلَ رَجُلٌ إبِلَهُ تَرْعَى أو تَمْضِي على الطَّرِيقِ لَيْسَتْ مَقْطُورَةً أو أَنَاخَهَا بِصَحْرَاءَ ولم يَضْطَجِعْ عِنْدَهَا أو ضَرَبَ فُسْطَاطًا لم يَضْطَجِعْ فيه فَسُرِقَ من هذا شَيْءٌ لم يُقْطَعْ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَرَى هذا حِرْزًا وَالْبُيُوتُ الْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فيها فَإِنْ سَرَقَ سَارِقٌ من بَيْتٍ مُغْلَقٍ فَتَحَ الْغَلْقَ أو نَقَبَ الْبَيْتَ أو قَلَعَ الْبَابَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ من حِرْزِهِ قَطَعَ وَإِنْ كان الْبَيْتُ مَفْتُوحًا فَدَخَلَ فَسَرَقَ منه لم يقطع ( ( ( يقع ) ) ) فَإِنْ كان على الْبَابِ الْمَفْتُوحِ حُجْرَةٌ مُغْلَقَةٌ أو دَارٌ مُغْلَقَةٌ فَسَرَقَ منها قُطِعَ وقد قِيلَ إنْ كانت دُونَهُ حُجْرَةٌ أو دَارٌ فَهَذَا حِرْزٌ وَإِنْ لم يَكُنْ مُغْلَقًا وَكَذَلِكَ بُيُوتُ السُّوقِ ما كانت مَفْتُوحَةً فَدَخَلَهَا دَاخِلٌ فَسَرَقَ منها لم يَقْطَعْ وَإِنْ كان فيها صَاحِبُهَا وَهَذِهِ خِيَانَةٌ لِأَنَّ ما في الْبُيُوتِ لَا يُحْرِزُهَا قُعُودٌ عنها ( قال الرَّبِيعُ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ يُحِيطُ بها كُلِّهَا أو يَكُونَ يَحْرُسُهَا فَأَغْفَلَهُ فَأَخَذَ منها ما يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا حَمَلُوا مَتَاعًا من بَيْتٍ وَالْمَتَاعُ الذي حَمَلُوهُ مَعًا فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَبَلَغَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ قُطِعُوا وَإِنْ لم يَبْلُغْ ذلك لم يُقْطَعُوا وَلَوْ حَمَلُوهُ مُتَفَرِّقًا فَمَنْ أَخْرَجَ منه شيئا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَمَنْ أَخْرَجَ ما لَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ لم يُقْطَعْ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ سَارِقٌ ثَوْبًا فَشَقَّهُ أو حُلِيًّا فَكَسَرَهُ أو شَاةً فَذَبَحَهَا في حِرْزِهَا ثُمَّ أَخْرَجَ ما سَرَقَ من ذلك قَوْمٌ ما أَخْرَجَ على ما أَخْرَجَهُ الثَّوْبُ مَشْقُوقٌ وَالْحُلِيُّ مَكْسُورٌ وَالشَّاةُ مَذْبُوحَةٌ فإذا بَلَغَ ذلك رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ في الْبَيْتِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ في الْحَالِ التي أَخْرَجَهُ بِهِ فيها من الْحِرْزِ فَإِنْ كان يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ لم يَسْوِ رُبُعَ دِينَارٍ في الْحَالِ التي أَخْرَجَهُ بها لم يُقْطَعْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا قبل أَنْ يَشُقَّهُ إنْ كان أَتْلَفَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَرَدُّ ما نَقَصَهُ الْخَرْقُ وَلَوْ دخل جَمَاعَةٌ الْبَيْتَ وَنَقَبُوهُ مَعًا ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ السَّرِقَةَ ولم يُخْرِجْهَا ( 1 ) دُونَ الذي لم يُخْرِجْهَا وَكَذَلِكَ لو كَانُوا جَمَاعَةً فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ على الْبَابِ أو في مَوْضِعٍ يَحْمِيهِمْ فَمَنْ أَخَذَ الْمَتَاعَ منهم قُطِعَ الذي أَخْرَجَ الْمَتَاعَ من جَوْفِ الْبَيْتِ ولم يُقْطَعْ من لم يُخْرِجْهُ من جَوْفِ الْبَيْتِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَمَنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا أو أَعْجَمِيًّا من حِرْزٍ قُطِعَ وَمَنْ سَرَقَ من يَعْقِلُ أو يَمْتَنِعُ لم يُقْطَعْ وَهَذِهِ خَدِيعَةٌ وَإِنْ سَرَقَ الصَّغِيرُ من غَيْرِ حِرْزٍ لم يُقْطَعْ وَيُقْطَعُ النَّبَّاشُ إذَا أَخْرَجَ الْكَفَنَ من جَمِيعِ الْقَبْرِ لِأَنَّ هذا حِرْزُ مِثْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ قبل أَنْ يُخْرِجَهُ من جَمِيعِ الْقَبْرِ لم يُقْطَعْ ما دَامَ لم يُفَارِقْ جَمِيعَ حِرْزِهِ - * بقطع ( ( ( قطع ) ) ) الْمَمْلُوكِ بِإِقْرَارِهِ وَقَطْعُهُ وهو آبِقٌ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن حَزْمٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أنها قالت خَرَجْت عَائِشَةُ إلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مولاتان لها وَغُلَامٌ لِبَنِي عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثْت مع المولاتين بِبُرْدِ مَرَاجِلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان بَيْتٌ عليه حُجْرَةٌ ثُمَّ دَارٌ فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ من الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةُ إلَى الدَّارِ وَالدَّارُ لِلْمَسْرُوقِ وَحْدَهُ لم يُقْطَعْ حتى يُخْرِجَهُ من جَمِيعِ الدَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ لِمَا فيها فَلَا يُقْطَعُ حتى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ من جَمِيعِ الْحِرْزِ وَلَكِنْ لو كانت الدَّارُ مُشْتَرَكَةً وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ من الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ قُطِعَ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَةَ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِوَاحِدٍ من السُّكَّانِ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ نَقَبَ رَجُلٌ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ من النَّقْبِ كُلِّهِ قُطِعَ وَلَوْ وَضَعَهُ في بَعْضِ النَّقْبِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَجُلٌ من خَارِجٍ لم يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّاخِلَ لم يُخْرِجْهُ من جَمِيعِ حِرْزِهِ وَلَا الْخَارِجِ ( قال ) وَإِخْرَاجُ الدَّاخِلِ إيَّاهُ من النَّقْبِ وَغَيْرِهِ إذَا صَيَّرَهُ في غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ وَرَمْيُهُ بِهِ إلَى الْفَجِّ يُوجِبُ عليه الْقَطْعَ

(6/149)


قد خِيطَ عليه خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قالت فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عنه فَاسْتَخْرَجَهُ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أو فَرْوَةً وَخَاطَ عليه فلما قَدِمَتْ المولاتان الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذلك إلَى أَهْلِهِ فلما فَتَقُوا عنه وَجَدُوا فيه اللِّبْدَ ولم يَجِدُوا فيه الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا المولاتين فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو كَتَبَتَا إلَيْهَا وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عن ذلك فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَبِهَذَا نَأْخُذُ فإذا سَرَقَ السَّارِقُ أَوَّلًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى من مَفْصِلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فإذا سَرَقَ الثَّانِيَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى من الْمَفْصِلِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ ثُمَّ إذَا سَرَقَ الثَّالِثَةَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى من مِفْصَلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فإذا سَرَقَ الرَّابِعَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى من الْمِفْصَلِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فإذا سَرَقَ الْخَامِسَةَ حُبِسَ وَعُزِّرَ وَيُعَزَّرُ كُلُّ من سَرَقَ إذَا كان سَارِقًا ( 1 ) من جَنَى يَدْرَأُ فيه الْقَطْعَ فإذا دُرِئَ عنه الْقَطْعُ عُزِّرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْطَعُ ما يُقْطَعُ بِهِ من خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عليه وَأَقَرَّ بِهِ من السَّلَامَةِ وكان الذي أَعْرَفُ من ذلك أَنْ يَجْلِسَ وَيُضْبَطَ ثُمَّ تُمَدُّ يَدُهُ بِخَيْطٍ حتى يَبِينَ مِفْصَلُهَا ثُمَّ يُقْطَعَ بِحَدِيدَةٍ حَدِيدَةٍ ثُمَّ يُحْسَمَ وَإِنْ وُجِدَ أَرْفَقَ وَأَمْكَنَ من هذا قُطِعَ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ إقَامَةُ الْحَدِّ لَا التَّلَفُ - * من يَجِبُ عليه الْقَطْعُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ وَلَا يُقَامُ حَدٌّ دُونَ الْقَتْلِ على امْرَأَةٍ حُبْلَى وَلَا مَرِيضٍ دَنِفٍ وَلَا بَيِّنِ الْمَرَضِ وَلَا في يَوْمٍ مُفْرِطِ الْبَرْدِ وَلَا الْحَرِّ وَلَا في أَسْبَابِ التَّلَفِ وَمِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ التي يُتْرَكُ إقَامَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا عِنْدَنَا كان مُحْرَزًا مع المولاتين فَسُرِقَ من حِرْزِهِ وَبِهَذَا نأخذ ( ( ( فأخذ ) ) ) بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ على نَفْسِهِ فِيمَا يَضُرُّهُ في بَدَنِهِ وَإِنْ نَقَصَ بِذَلِكَ ثَمَنُهُ وَنَقْطَعُ الْعَبْدَ لِأَنَّهُ سَرَقَ وقد أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِقَطْعِ السَّارِقِ وَنَقْطَعُهُ وَإِنْ كان آبِقًا وَلَا تَزِيدُهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ بِالْإِبَاقِ خَيْرًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ لِابْنِ عُمَرَ وهو آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عبد اللَّهِ إلَى سَعِيدِ بن الْعَاصِ وهو أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وقال لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ إذَا سَرَقَ فقال له بن عُمَرَ في أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْت هذا فَأَمَرَ بِهِ بن عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن رُزَيْقِ بن حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قد سَرَقَ فَكَتَبَ فيه إلَى عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ إنِّي كُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ لم يُقْطَعْ فَكَتَبَ عُمَرُ إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا من اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ فَاقْطَعْهُ - * قَطْعُ الْأَطْرَافِ كُلِّهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ على أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْلِ فيقول أبو بَكْرٍ وَأَبِيكَ ما لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ ثُمَّ أنهم افْتَقَدُوا حُلِيًّا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أبي بَكْرٍ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هذا الْبَيْتِ الصَّالِحِ فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جاء بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أو شَهِدَ عليه فَأَمَرَ بِهِ أبو بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وقال أبو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَدُعَاؤُهُ على نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي من سَرِقَتِهِ

(6/150)


الْحُدُودِ فيها إلَى الْبُرْءِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُ السَّارِقِ فَلَا يَبْرَأُ حتى يَسْرِقَ فَيُؤَخَّرَ حتى تَبْرَأَ يَدُهُ وَمِنْ ذلك أَنْ يُجْلَدَ الرَّجُلُ فَلَا يَبْرَأَ جَلْدُهُ حتى يُصِيبَ حَدًّا فَيُتْرَكَ حتى يَبْرَأَ جَلْدُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ قُرْحٍ أو مَرَضٍ أَصَابَهُ - * ما لَا يُقْطَعُ فيه من جِهَةِ الْخِيَانَةِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جاء بِغُلَامٍ له إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فقال اقْطَعْ يَدَ هذا فإنه سَرَقَ فقال له عُمَرُ مَاذَا سَرَقَ قال سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فقال عُمَرُ أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عليه قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال صَاحِبُنَا إذَا سَرَقَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ أو الْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا من الْبَيْتِ الذي هُمَا فيه لم يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ سَرَقَ غُلَامُهُ من امْرَأَتِهِ أو غُلَامُهَا منه وهو يَخْدُمُهُمَا لم يُقْطَعْ لِأَنَّ هذه خِيَانَةٌ فإذا سَرَقَ من امْرَأَتِهِ أو هِيَ منه من بَيْتٍ مُحْرَزٍ فيه لَا يَسْكُنَانِهِ مَعًا أو سَرَقَ عَبْدُهَا منه أو عَبْدُهُ منها وَلَيْسَ بِاَلَّذِي يَلِي خِدْمَتَهُمَا قُطِعَ أَيْ هَؤُلَاءِ سَرَقَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَذْهَبٌ وَأَرَاهُ يقول إنَّ قَوْلَ عُمَرَ خَادِمُكُمْ وَمَتَاعُكُمْ أَيْ الذي يَلِي خِدْمَتَكُمْ وَلَكِنَّ قَوْلَ عُمَرَ خَادِمُكُمْ يَحْتَمِلُ عَبْدُكُمْ فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على الِاحْتِيَاطِ أَنْ لَا يُقْطَعَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا وَلَا عَبْدٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَرَقَ من مَتَاعِ الْآخَرِ شيئا لِلْأَثَرِ وَالشُّبْهَةِ فيه ( قال ) وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مَتَاعَ أبيه وَأُمِّهِ وَأَجْدَادِهِ من قِبَلِهِمَا أو مَتَاعِ وَلَدِهِ أو وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ منهم وإذا كان في بَيْتٍ وَاحِدٍ ذَوُو رَحِمٍ أو غَيْرِ ذَوِي رَحِمٍ فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهَا خِيَانَةٌ وَكَذَلِكَ أُجَرَاؤُهُمْ مَعَهُمْ في مَنَازِلِهِمْ وَمَنْ يَخْدُمُهُمْ بِلَا أَجْرٍ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ من جِهَةِ الْخِيَانَةِ وَكَذَلِكَ من اسْتَعَارَ مَتَاعًا فَجَحَدَهُ أو كانت عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجَحَدَهَا لم يَكُنْ عليه فيها قَطْعٌ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ على من أَخْرَجَ مَتَاعًا من حِرْزٍ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَهَذَا وَجْهُ قَطْعِ السَّرِقَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْخِلْسَةُ لَيْسَتْ كَالسَّرِقَةِ فَلَا قَطْعَ فيها لِأَنَّهَا لم تُؤْخَذْ من حِرْزٍ وَلَيْسَتْ بِقَطْعٍ لِلطَّرِيقِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أُتِيَ بِإِنْسَانٍ قد اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَأَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بن ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عن ذلك فقال زَيْدٌ ليس في الْخِلْسَةِ قَطْعٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْكَنَ رَجُلٌ رَجُلًا في بَيْتٍ أو أَكْرَاهُ إيَّاهُ فَكَانَ يُغْلِقُهُ دُونَهُ ثُمَّ سَرَقَ رَبُّ الْبَيْتِ منه قُطِعَ وهو مِثْلُ الْغَرِيبِ يَسْرِقُ منه - * غُرْمُ السَّارِقِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا وُجِدَتْ السَّرِقَةُ في يَدِ السَّارِقِ قبل يُقْطَعَ رُدَّتْ إلَى صَاحِبِهَا وَقُطِعَ وَإِنْ كان أَحْدَثَ في السَّرِقَةِ شيئا يُنْقِصُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وما نَقَصَهَا ضَامِنٌ عليه يُتْبَعُ بِهِ وَإِنْ أَتْلَفَ السِّلْعَةَ قُطِعَ أَيْضًا وَكَانَتْ عليه قِيمَتُهَا يوم سَرَقَهَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إذَا فَاتَتْ وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَكُلُّ من أَتْلَفَ لِإِنْسَانٍ شيئا مِمَّا يُقْطَعُ فيه أو لَا يَقْطَعُ فَلَا فَرْقَ بين ذلك وَيَضْمَنُهُ من أَتْلَفَهُ وَالْقَطْعُ لِلَّهِ لَا يُسْقِطُ غُرْمُهُ ما أَتْلَفَ لِلنَّاسِ - * حَدُّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا } الْآيَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن صَالِحٍ مولى التَّوْأَمَةِ عن بن عَبَّاسٍ في قُطَّاعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَالْعَبْدُ إذَا سَرَقَ من مَتَاعِ سَيِّدِهِ مِمَّا أوتمن عليه أو لم يُؤْتَمَنْ أَحَقُّ أَنْ لَا يُقْطَعَ من قِبَلِ أَنَّ مَالَهُ أَخَذَ بَعْضُهُ بَعْضًا

(6/151)


الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا وإذا قَتَلُوا ولم يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا ولم يُصْلَبُوا وإذا أَخَذُوا الْمَالَ ولم يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ وإذا هَرَبُوا طُلِبُوا حتى يُوجَدُوا فَتُقَامَ عليهم الْحُدُودُ وإذا أَخَافُوا السَّبِيلَ ولم يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا من الْأَرْضِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُحَارِبُونَ الَّذِينَ هذه حُدُودُهُمْ الْقَوْمُ يَعْرِضُونَ بِالسِّلَاحِ لِلْقَوْمِ حتى يَغْصِبُوهُمْ مُجَاهَرَةً في الصحارى وَالطُّرُقِ ( قال ) وَأَرَى ذلك في دِيَارِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وفي الْقُرَى سَوَاءٌ إنْ لم يَكُنْ من كان في الْمِصْرِ أَعْظَمَ ذَنْبًا فَحُدُودُهُمْ وَاحِدَةٌ فاذا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِجَمَاعَةٍ أو وَاحِدٍ مُكَابَرَةً بِسِلَاحٍ فَاخْتَلَفَ أَفْعَالُ الْعَارِضِينَ فَكَانَ منهم من قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمِنْهُمْ من قَتَلَ ولم يَأْخُذْ مَالًا وَمِنْهُمْ من أَخَذَ مَالًا ولم يَقْتُلْ وَمِنْهُمْ من كَثَّرَ الْجَمَاعَةَ وَهَيَّبَ وَمِنْهُمْ من كان رِدْءًا لِلُّصُوصِ يَتَقَوَّوْنَ بِمَكَانِهِ أُقِيمَتْ عليهم الْحُدُودُ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ على ما وَصَفْت وَيَنْظُرُ إلَى من قَتَلَ منهم وَأَخَذَ مَالًا فَيَقْتُلُهُ وَيَصْلُبُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِقَتْلِهِ قبل صَلْبِهِ لِأَنَّ في صَلْبِهِ وَقَتْلِهِ على الْخَشَبَةِ تَعْذِيبًا له يُشْبِهُ الْمُثْلَةَ وقد قال غَيْرِي يُصْلَبُ ثُمَّ يُطْعَنُ فَيُقْتَلُ وإذا قَتَلَ ولم يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ وَدُفِعَ إلَى أَوْلِيَائِهِ فَيَدْفِنُوهُ أو يَدْفِنُهُ غَيْرُهُمْ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا ولم يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ حُسِمَتْ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ حُسِمَتْ في مَكَان وَاحِدٍ وَخُلِّيَ وَمَنْ حَضَرَ وَكَثَّرَ وَهَيَّبَ أو كان رِدْءًا يَدْفَعُ عَنْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَسَوَاءٌ افْتَرَقَتْ أَفْعَالُهُمْ كما وَصَفْت في مَقَامٍ وَاحِدٍ أو كانت جَمَاعَةٌ كَابَرَتْ فَفَعَلَتْ فِعْلًا وَاحِدًا مَثَلًا قَتْلٍ وَحْدَهُ أو قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ أو أَخْذِ مَالٍ بِلَا قَتْلٍ حُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ منهم حَدَّ مِثْلِهِ بِقَدْرِ فِعْلِهِ وَلَوْ هِيبُوا ولم يَبْلُغُوا قَتْلًا وَلَا أَخْذَ مَالٍ عُزِّرُوا وَلَوْ هِيبُوا وَجَرَحُوا أَقَصَّ منهم بِمَا فيه الْقِصَاصُ وَعُزِّرُوا وَحُبِسُوا وَلَوْ كان الْقَاتِلُ قَتَلَ منهم رَجُلًا وَجَرَحَ آخَرَ أَقُصُّ صَاحِبَ الْجُرْحِ منه ثُمَّ قُتِلَ وَكَذَلِكَ لو كان أَخَذَ الْمَالَ وَجَرَحَ أَقُصُّ صَاحِبَ الْجُرْحِ ثُمَّ قُطِعَ لَا تَمْنَعُ حُقُوقُ اللَّهِ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ في الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كانت الْجِرَاحُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه وَهِيَ عَمْدٌ فَأَرْشُهَا كُلُّهَا في مَالِ الْجَارِحِ يُؤْخَذُ دَيْنًا من مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَ أو قَطَعَ فَأَرَادَ أَهْلُ الْجِرَاحِ عَفْوَ الْجِرَاحِ فَذَلِكَ لهم وَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ عَفْوَ دِمَاءِ من قَتَلُوا لم يَكُنْ ذلك يَحْقِنُ دِمَاءَ من عَفَوْا عنه وكان على الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إذَا بَلَغَتْ جِنَايَتُهُمْ الْقَتْلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْفَظُ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا أَنَّهُ قال يُقْتَلُونَ وَإِنْ قَتَلُوا عَبْدًا أو ذِمِّيًّا على مَالٍ يَأْخُذُونَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقَتْلِ على غَيْرِ الْغِيلَةِ ( قال ) وَلِقَوْلِهِ هذا وَجْهٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى في الْأَرْضِ فَسَادًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إذَا نِيلَ هذا من عَبْدٍ أو ذِمِّيٍّ من الْمُحَارَبَةِ أو الْفَسَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا إذَا فَعَلُوا ما في مِثْلِهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كُنْت أَرَاهُ قد خَالَفَ سَبِيلَ الْقِصَاصِ في غَيْرِهِ لِأَنَّ دَمَ الْقَاتِلِ فيه لَا يُحْقَنُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عنه وَلَا يُصْلِحُهُ لو صَالَحَ فيه كان الصُّلْحُ مَرْدُودًا وَفِعْلُ الْمُصَالِحِ لِأَنَّهُ حَدٌّ من حُدُودِ اللَّهِ عز وجل ليس فيه خَبَرٌ يَلْزَمُ فَيُتْبَعُ وَلَا إجْمَاعٌ أَتَّبِعُهُ وَلَا قِيَاسٌ بِتَفَرُّقٍ فَيَصِحُّ وَإِنَّمَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فيه - * الشَّهَادَاتُ وَالْإِقْرَارُ في السَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِ ذلك - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُقَامُ على سَارِقٍ وَلَا مُحَارِبٍ حَدٌّ إلَّا بِوَاحِدٍ من وَجْهَيْنِ إمَّا شَاهِدَانِ عَدْلَانِ يَشْهَدَانِ عليه بِمَا في مِثْلِهِ الْحَدُّ وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يَثْبُتُ عليه حتى يُقَامَ عليه الْحَدُّ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الشَّاهِدَيْنِ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وهو مُوَافِقٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ فَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فَلَا حُدُودَ فِيهِمْ إلَّا الْقَتْلُ أو السِّبَاءُ وَالْجِزْيَةُ وَاخْتِلَافُ حُدُودِهِمْ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ على ما قال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم } فَمَنْ تَابَ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ عنه وَأُخِذَ بِحُقُوقِ بَنِي آدَمَ وَلَا يُقْطَعُ من قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إلَّا من أَخَذَ قِيمَةَ رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا على السُّنَّةِ في السَّارِقِ

(6/152)


السَّرِقَةِ حتى يَقُولَا سَرَقَ فُلَانٌ وَيُثْبِتَاهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ لم يُثْبِتَاهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ مَتَاعًا لِهَذَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ وَحَضَرَ الْمَسْرُوقُ منه يدعى ما قال الشَّاهِدَانِ فَإِنْ كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ لم يُقْطَعْ السَّارِقُ وَإِنْ لم يَحْضُرْ حَبَسَ السَّارِقَ حتى يَحْضُرَ فيدعى أو يُكَذِّبَ الشَّاهِدَيْنِ وإذا ادَّعَى مَرَّةً كَفَاهُ ما لم يَرْجِعْ بَعْدَهَا فإذا لم يَعْرِفَا الْقِيمَةَ شَهِدَا على الْمَتَاعِ بِعَيْنِهِ أو صِفَةٍ يُثْبِتَانِهَا أنها أَكْثَرُ ثَمَنًا من رُبُعِ دِينَارٍ وَيَقُولَانِ سَرَقَ من حِرْزٍ وَيَصِفَانِ الْحِرْزَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا غَيْرُ صِفَتِهِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ عِنْدَهُمَا حِرْزًا وَلَيْسَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِحِرْزٍ فإذا اجْتَمَعَ هذا أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ الشَّاهِدَانِ على قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنْ لم يُسَمُّوا أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ أَنَّهُمْ عَرَضُوا بِالسِّلَاحِ لِهَؤُلَاءِ أو لِهَذَا بِعَيْنِهِ وَأَخَافُوهُ بِالسِّلَاحِ وَنَالُوهُ بِهِ ثُمَّ فَعَلُوا ما فيه حَدٌّ فَإِنْ شَهِدُوا على أَخْذِ الْمَتَاعِ شَهِدُوا كما يَشْهَدُ شُهُودُ السَّارِقِ على مَتَاعٍ بِعَيْنِهِ أو بِقِيمَتِهِ أو بِصِفَتِهِ كما وَصَفْت في شَهَادَةِ السَّارِقِ وَيَحْضُرُ أَهْلُ الْمَتَاعِ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ من أَهْلِ رُفْقَتِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا لنا فَنَالُونَا وَأَخَذُوا مِنَّا أو من بَعْضِنَا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ وَيَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا لِهَؤُلَاءِ فَفَعَلُوا وَفَعَلُوا وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَلَيْسَ على الْإِمَامِ عِنْدِي أَنْ يَقِفَهُمْ فَيَسْأَلَهُمْ هل كُنْتُمْ فِيهِمْ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّهَادَةِ عليهم هَكَذَا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ لَا يَثْبُتُ أَيُّهُمْ فَعَلَ من أَيِّهِمْ لم يَفْعَلْ لم يُحَدُّوا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ حتى يَثْبُتَ الْفِعْلُ على فَاعِلٍ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَلَوْ أَقَرَّا بِقَتْلِ فُلَانٍ وَجَرْحِ فُلَانٍ وَأَخْذِ مَالِ فُلَانٍ أو بَعْضِ ذلك فَيَكْفِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما أَقَرَّ بِهِ على ما أَقَرَّ بِهِ فَيُحَدَّانِ مَعًا حَدَّهُمَا وَيُقْتَصُّ مِمَّنْ عليه الْقِصَاصُ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما يَلْزَمُهُ كما يَفْعَلُ بِهِ لو قَامَتْ بِهِ عليه بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَإِنْ أَقَرَّا بِمَا وَصَفْت ثُمَّ رَجَعَا قبل أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لم يَقُمْ عَلَيْهِمَا حَدُّ الْقَطْعِ وَلَا الْقَتْلِ وَلَا الصَّلْبِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَزِمَهُمَا حُقُوقُ الناس وَأُغْرِمَ السَّارِقُ قِيمَةَ ما سَرَقَ وَأُغْرِمَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قِيمَةَ ما أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ لِأَصْحَابِهِ وَإِنْ كان في إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا دَفَعَ إلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ منه الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عنه لِأَنَّهُ ليس بِالْحَدِّ يُقْتَلُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِاعْتِرَافٍ قد رَجَعَ عنه وَلَوْ ثَبَتَ على الِاعْتِرَافِ قُتِلَ ولم يَحْقِنْ دَمَهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ عنه وَإِنْ كان أَقَرَّ بِجُرْحٍ وكان يُقْتَصُّ منه اُقْتُصَّ منه وَإِنْ كان لَا يُقْتَصُّ منه أَخَذَ أَرْشَهُ من مَالِهِ وَلَوْ قال أَصَبْته بِذَلِكَ الْجُرْحِ خَطَأً أَخَذَ من مَالِهِ لَا تُعْقَلُ عَاقِلَتُهُ عنه اعْتِرَافًا وَلَوْ قُطِعَتْ بَعْضُ يَدِ السَّارِقِ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ رَجَعَ كَفَّ عن قَطْعِ ما بَقِيَ من يَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ هو بها على أَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا ذلك فَإِنْ شَاءَ من أَمْرِهِ قَطَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَلَا هو حِينَئِذٍ يُقْطَعُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ في الْحُدُودِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا يُقْبَلُ في السَّرِقَةِ وَلَا قَطْعِ الطَّرِيقِ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ وَلَا يُقْبَلُ فيه شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَكَذَلِكَ حتى يُبَيِّنُوا الْجَارِحَ وَالْقَاتِلَ وَآخِذَ الْمَتَاعِ بِأَعْيَانِهِمْ فَإِنْ لم يُوجَدْ شَاهِدَانِ فَجَاءَ رَبُّ السَّرِقَةِ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ سَرِقَتَهُ بِعَيْنِهَا أو قِيمَتِهَا يوم سُرِقَتْ إنْ فَاتَتْ لِأَنَّ هذا مَالٌ يَسْتَحِقُّهُ ولم يُقْطَعْ السَّارِقُ وَإِنْ جاء بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَخَذَ سَرِقَتَهُ بِعَيْنِهَا أو قِيمَتِهَا يوم سَرَقَهَا فإن هذا مَالٌ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فيه وَلَا يَخْتَلِفُ وَهَكَذَا يَفْعَلُ من طَلَبَ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ بِكُلِّ مَالٍ أَخَذُوهُ وَإِنْ طَلَبَ جُرْحًا يُقْتَصُّ منه وَجَاءَ بِشَاهِدٍ لم يُقْسَمْ في الْجِرَاحِ وَأُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه وَبَرِئَ وَإِنْ طَلَبَ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فيه وَجَاءَ بِشَاهِدٍ أُحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَإِنْ جاء بِشَاهِدٍ على سَرِقَتِهِ من حِرْزٍ أو غَيْرِ حِرْزٍ أُحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ السَّرِقَةَ أو قِيمَتَهَا إنْ لم تُوجَدْ وَلَا يُقْطَعُ أَحَدٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا يُقْتَصُّ منه من جُرْحٍ وَلَا بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ وَوَصْفِهَا وَقِيمَتِهَا وَكَانَتْ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ قُطِعَ قال الرَّبِيعُ يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَلَا يُقْطَعَ وَتُؤْخَذُ منه قِيمَةُ السِّلْعَةِ التي أَتْلَفَ على ما أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا

(6/153)


على الْعَيْبِ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُعْتَرِفِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَ لم تُقْطَعْ رِجْلُهُ إذَا كان لَا يُقَامُ عليه إلَّا بِاعْتِرَافِهِ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ عليه فَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ رُجُوعُهُ أو تَأَخَّرَ أو وَجَدَ أَلَمًا لِلْحَدِّ خَوْفًا منه أو لم يَجِدْهُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُمَا حُقُوقُ الناس كما وَصَفْت قبل هذه الْمَسْأَلَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ السَّارِقُ مِثْلُهُ قِيَاسًا عليه فَيَسْقُطُ عنه الْقَطْعُ وَيُؤْخَذُ بِغُرْمِ ما سَرَقَ وَإِنْ فَاتَ ما سَرَقَ - * حَدُّ الثَّيِّبِ الزَّانِي - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَحَدُهُمَا يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وقال الْآخَرُ وهو أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وائذن ( ( ( وأذن ) ) ) لي في أَنْ أَتَكَلَّمَ قال تَكَلَّمْ قال إنَّ ابْنِي كان عَسِيفًا على هذا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ على ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت منه بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ ثُمَّ إنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا على ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ على امْرَأَتِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا قال مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الأجير ( ( ( الأخير ) ) )
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال سَمِعْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه يقول الرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ على من زَنَى من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ عليه الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً زَنَيَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَتَاهُ رَجُلٌ وهو بِالشَّامِ فذكر له أَنَّهُ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَبَعَثَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ إلَى امْرَأَتِهِ يَسْأَلُهَا عن ذلك فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ حَوْلَهَا فذكر لها الذي قال زَوْجُهَا لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَهَا أنها لَا تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذلك لِتَنْزِعَ فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ وَثَبَتَتْ على الِاعْتِرَافِ فَأَمَرَ بها عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَرُجِمَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ فِعْلِ عُمَرَ نَأْخُذُ في هذا كُلِّهِ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حُرَّةً مُسْلِمَةً أو يَهُودِيَّةً أو نَصْرَانِيَّةً أو لم يَجِدْ طَوْلًا فَتَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهُوَ مُحْصَنٌ وإذا تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ أو الذِّمِّيَّةُ زَوْجًا حُرًّا أو عَبْدًا فَأَصَابَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَأَيُّهُمَا زَنَى أُقِيمَ عليه حَدُّ الْمُحْصَنِ بِمُحْصَنَةٍ أو بِكْرٍ أو أَمَةٍ أو مُسْتَكْرَهَةٍ وَسَوَاءٌ زَنَتْ الْمُحْصَنَةُ بِعَبْدٍ أو حُرٍّ أو مَعْتُوهٍ يُقَامُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ وَحَدُّ الْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ أَنْ يُرْجَمَا بِالْحِجَارَةِ حتى يَمُوتَا ثُمَّ يُغَسَّلَا وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا وَيُدْفَنَا وَلَا يَحْضُرُ الْإِمَامُ الْمَرْجُومِينَ وَلَا الشُّهُودَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد رَجَمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَدَّ اسْتِتَابَةِ الْمُحَارِبِ فقال عز وجل { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم } فَمَنْ أَخَافَ في الْمُحَارَبَةِ الطَّرِيقَ وَفَعَلَ فيها ما وَصَفْت من قَتْلٍ أو جُرْحٍ وَأَخْذِ مَالٍ أو بَعْضِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه فقال بَعْضُهُمْ كُلُّ ما كان لِلَّهِ عز وجل من حَدٍّ يَسْقُطُ فَلَا يُقْطَعُ وَكُلُّ ما كان للادميين لم يَبْطُلْ يُجْرَحُ بِالْجُرْحِ وَيُؤْخَذُ منه أَرْشُهُ إنْ لم يَكُنْ فيه قِصَاصٌ وَيُؤْخَذُ منه قِيمَةُ ما أَخَذَ وَإِنْ قَتَلَ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا وَإِنْ شاؤوا عَفَوْا وَلَا يُصْلَبُ وَإِنْ عَفَا جَازَ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ قِصَاصًا لَا حَدًّا وَبِهَذَا أَقُولُ وقال بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ عنه ما لِلَّهِ عز وجل وَلِلنَّاسِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ مَتَاعُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ

(6/154)


رَجُلًا وَامْرَأَةً ولم يَحْضُرْهُمَا ولم يَحْضُرْ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ أَحَدًا رَجَمَاهُ عَلِمْنَا وَلَا يَحْضُرُ ذلك الشُّهُودُ على الزَّانِي أَقَلُّ ما يَحْضُرُ حَدُّ الزَّانِي في الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ } - * وَشُهُودُ الزنى أَرْبَعَةٌ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَتَى رَجَعَ الْمُعْتَرِفُ مِنْهُمَا عن الْإِقْرَارِ بالزنى قُبِلَ منه ولم يُرْجَمْ ولم يُجْلَدْ وَإِنْ رَجَعَ بعد ما أَخَذَتْهُ الْحِجَارَةُ أو السِّيَاطُ كُفَّ عنه الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ ذَكَرَ عِلَّةً أو لم يَذْكُرْهَا وقال اللَّهُ عز وجل في الْإِمَاءِ فِيمَنْ أُحْصِنَ { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما على الْمُحْصَنَاتِ من الْعَذَابِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال من أَحْفَظُ عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ إحْصَانُهَا إسْلَامُهَا فإذا زَنَتْ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ جُلِدَتْ خَمْسِينَ لِأَنَّ الْعَذَابَ في الْجَلْدِ يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَبَعَّضُ في الرَّجْمِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَذَلِكَ أَنَّ حُدُودَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا تَخْتَلِفُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا سُنَّةِ نَبِيهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمَا مِثْلُ الْحُرَّيْنِ في أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ كما وَصَفْت في الْحُرَّيْنِ أو بِاعْتِرَافٍ يَثْبُتَانِ عليه لَا يُخَالِفَانِ في هذا الْحُرَّيْنِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في نَفْيِهِمَا فَمِنْهُمْ من قال لَا يُنْفَيَانِ كما لَا يُرْجَمَانِ وَلَوْ نُفِيَا نُفِيَا نِصْفَ سَنَةٍ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عز وجل فيه ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ينفى الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ نِصْفَ سَنَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يُقِيمَا عَلَيْهِمَا حَدَّ الزنى فإذا فَعَلَا لم يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ وَلَا نَحْكُمُ بين أَهْلِ الْكِتَابِ في الْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَأْتُونَا رَاغِبِينَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَنَا الْخِيَارُ أَنْ نَحْكُمَ أو نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَرَجَمْنَا الْحُرَّيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ في الزنى وَجَلَدْنَا الْبِكْرَيْنِ الحرين ( ( ( والحرين ) ) ) مِائَةً وَنَفَيْنَاهُمَا سَنَةً وَجَلَدْنَا الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ في الزنى خَمْسِينَ خَمْسِينَ مِثْلَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ - * ما يُدْرَأُ فيه الْحَدُّ في الزنى وما لَا يُدْرَأُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَكْرَهَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أُقِيمَ الْحَدُّ ولم يَقُمْ عليها لِأَنَّهَا مُسْتَكْرَهَةٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حُرَّةً كانت أو أَمَةً فإذا كانت الْأَمَةُ نَقَصَتْ الْإِصَابَةُ من ثَمَنِهَا شيئا قُضِيَ عليه مع الْمَهْرِ بِمَا نَقَصَ من ثَمَنِهَا وَكَذَلِكَ إنْ كانت حُرَّةً فَجَرَحَهَا جُرْحًا له أَرْشٌ قُضِيَ عليه بِأَرْشِ الْجُرْحِ مع الْمَهْرِ الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَالْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ من وَطْئِهِ كانت عليه دِيَةُ الْحُرَّةِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ وَالْمَهْرُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ مع امْرَأَةٍ فَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا وقال نَكَحْتهَا وأنا أَعْلَمُ أَنَّ لها زَوْجًا أو أنها في عِدَّةٍ من زَوْجٍ أو أنها ذَاتُ مَحْرَمٍ وأنا أَعْلَمُ أنها مُحَرَّمَةٌ في هذه الْحَالِ أُقِيمَ عليه حَدُّ الزَّانِي وَكَذَلِكَ إنْ قالت هِيَ ذلك فَإِنْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ بِأَنَّ لها زَوْجًا أو أنها في عِدَّةٍ أُحْلِفَ وَدُرِئَ عنه الْحَدُّ وَإِنْ قالت قد عَلِمْت أَنِّي ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا يَحِلُّ لي النِّكَاحُ أُقِيمَ عليها الْحَدُّ وَلَكِنْ إنْ قالت بَلَغَنِي مَوْتُ زَوْجِي وَاعْتَدَدْت ثُمَّ نَكَحَتْ دُرِئَ عنها الْحَدُّ وفي كل ما دَرَأْنَا فيه الْحَدَّ أُلْزِمُهُ الْمَهْرَ بِالْوَطْءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ زَنَى بِكْرٌ بِامْرَأَةٍ ثَيِّبٍ رُجِمَتْ الْمَرْأَةُ وَجُلِدَ الْبِكْرُ مِائَةً وَنُفِيَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْذَنُ له في الْبَلَدِ الذي خَرَجَ منه وينفى الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ الْحُرَّانِ مَعًا إذَا زَنَيَا وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ على الزَّانِي إلَّا بِأَنْ يَشْهَدَ عليه أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ عُدُولٌ ثُمَّ يَقِفَهُمْ الْحَاكِمُ حتى يُثْبِتُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذلك منه يَدْخُلُ في ذلك منها دُخُولَ الْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ فإذا أَثْبَتُوا ذلك حُدَّ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ حَدَّهُمَا أو بِاعْتِرَافٍ من الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فإذا اعْتَرَفَ مَرَّةً وَثَبَتَ عليها حُدَّ حَدَّهُ وَكَذَلِكَ هِيَ وَإِنْ اعْتَرَفَ هو وَجَحَدَتْ هِيَ أو اعْتَرَفَتْ هِيَ وَجَحَدَ هو أُقِيمَ الْحَدُّ على الْمُعْتَرِفِ مِنْهُمَا ولم يُقَمْ على الْآخَرِ وَلَوْ قال رَجُلٌ قد زَعَمْت أنها زَنَتْ بِي أو الْمَرْأَةُ قد زَعَمَ أَنِّي زَنَيْتُ بِهِ فَاجْلِدْهُ لي لم يَجْلِدْهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِحَدٍّ على غير ( ( ( غيره ) ) ) نَفْسُهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَإِنْ كان فيه قَذْفٌ لِغَيْرِهِ

(6/155)


- * بَابُ الْمُرْتَدِّ الْكَبِيرِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ) قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } وقال عز وجل { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وقال اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عن دِينِهِ فَيَمُتْ وهو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } الْآيَةَ وقال تَعَالَى { وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ من قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ من الْخَاسِرِينَ } أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلٍ عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } إلَى { يَفْقَهُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيَّنَ أَنَّ إظْهَارَ الْإِيمَانِ مِمَّنْ لم يَزَلْ مُشْرِكًا حتى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَمِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ ثُمَّ أَشْرَكَ بَعْدَ إظْهَارِهِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مَانِعٌ لِدَمِ من أَظْهَرَهُ في أَيِّ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ كان وَإِلَى أَيِّ كُفْرٍ صَارَ كُفْرٌ يُسِرُّهُ أو كُفْرٌ يُظْهِرُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَكُنْ لِلْمُنَافِقِينَ دِينٌ يُظْهَرُ كَظُهُورِ الدِّينِ الذي له أَعْيَادٌ وَإِتْيَانِ كَنَائِسَ إنَّمَا كان كُفْرٌ جُحِدَ وَتَعْطِيلٌ وَذَلِكَ بَيِّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَخْبَرَ عن الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من الْقَتْلِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الذي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فقال { ذلك بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدَ الْإِيمَانِ كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عنه أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ منه وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ على الْكُفْرِ قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ ما قالوا وَلَقَدْ قالوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ } فَأَخْبَرَ بِكُفْرِهِمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم يَجُزْ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ إحْدَاهُنَّ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ تُحِلُّ الدَّمَ كما يُحِلُّهُ الزنى بَعْدَ الْإِحْصَانِ أو تَكُونَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ تُحِلُّ الدَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُهُ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ إذَا لم يَتُبْ من الْكُفْرِ وقد وُضِعْت هذه الدَّلَائِلُ مَوَاضِعَهَا وَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في قَتْلِ من لم يُسْلِمْ من الْمُشْرِكِينَ وما أَبَاحَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ من أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقَتْلِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إذَا حُقِنَ الدَّمُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ أَبَاحَهُ بِالْخُرُوجِ منه أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الذي لم يَزَلْ كَافِرًا مُحَارِبًا وَأَكْبَرُ منه لِأَنَّهُ قد خَرَجَ من الذي حُقِنَ بِهِ دَمُهُ وَرَجَعَ إلَى الذي أُبِيحَ الدَّمُ فيه وَالْمَالُ وَالْمُرْتَدُّ بِهِ أَكْبَرُ حُكْمًا من الذي لم يَزَلْ مُشْرِكًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَحْبَطَ بِالشِّرْكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمَ قبل شِرْكِهِ وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَفَّرَ عَمَّنْ لم يَزَلْ مُشْرِكًا ما كان قَبْلَهُ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَانَ أَنَّ من لم يَزَلْ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ كَفَّرَ عنه ما كان قبل الشِّرْكِ وقال لِرَجُلٍ كان يُقَدِّمُ خَيْرًا في الشِّرْكِ أَسْلَمْت على ما سَبَقَ لك من خَيْرٍ وَأَنَّ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَنْ ظَفِرَ بِهِ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ وَمَنَّ على بَعْضِهِمْ وَفَادَى بِبَعْضٍ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ من بَعْضٍ فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَادَى بِمُرْتَدٍّ بَعْدَ إيمَانِهِ وَلَا يُمَنُّ عليه وَلَا تُؤْخَذُ منه فِدْيَةٌ وَلَا يُتْرَكُ بِحَالٍ حتى يُسْلِمَ أو يُقْتَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَحْرُمُ بِهِ الدَّمُ من الْإِسْلَامِ - *

(6/156)


وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ وَكَذَّبَ سَرَائِرَهُمْ بِجَحْدِهِمْ وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ في غَيْرِ آيَةٍ وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَكَانُوا على غَيْرِهِ قال جَلَّ وَعَزَّ { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لهم نَصِيرًا } فَأَخْبَرَ عز وجل عن الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ من أَسْرَارِ خَلْقِهِ ما لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ وَحَكَمَ فِيهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ في الدُّنْيَا بِأَنَّ ما أَظْهَرُوا من الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا بِهِ كَاذِبِينَ لهم جُنَّةٌ من الْقَتْلِ وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَبَيَّنَ على لِسَانِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ ما أَنْزَلَ في كِتَابِهِ من أَنَّ إظْهَارَ الْقَوْلِ بِالْإِيمَانِ جُنَّةٌ من الْقَتْلِ ( 1 ) أَقَرَّ من شَهِدَ عليه بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ أو لم يُقِرَّ إذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَإِظْهَارُهُ مَانِعٌ من الْقَتْلِ وَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا حَقَنَ اللَّهُ تَعَالَى دِمَاءَ من أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَنَّ لهم حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ من الْمُوَارَثَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَغَيْرِ ذلك من أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ بَيِّنًا في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل في الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ على أَحَدٍ بِخِلَافِ ما أَظْهَرَ من نَفْسِهِ وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا جَعَلَ لِلْعِبَادِ الْحُكْمَ على ما أَظْهَرَ لِأَنَّ أَحَدًا منهم لَا يَعْلَمُ ما غَابَ إلَّا ما عَلِمَهُ اللَّهُ عز وجل فَوَجَبَ على من عَقَلَ عن اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ الظُّنُونَ كُلَّهَا في الْأَحْكَامِ مُعَطَّلَةً فَلَا يَحْكُمُ على أَحَدٍ بِظَنٍّ وَهَكَذَا دَلَالَةُ سُنَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيْثُ كانت لَا تَخْتَلِفُ
أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن عَطَاءِ بن يَزِيدَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَدِيِّ بن الْخِيَارِ عن الْمِقْدَادِ بن الْأَسْوَدِ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ لَقِيت رَجُلًا من الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيْ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فقال أَسْلَمْت لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَقْتُلْهُ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قال ذلك بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَقْتُلْهُ فَإِنَّك إنْ قَتَلَتْهُ فإنه بِمَنْزِلَتِك قبل أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْتَأْذِنَ في قَتْلِ الْمُنَافِقِ إذ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ أَنَّ اللَّهَ نَهَاهُ عن قَتْلِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل بِأَنَّ الْإِيمَانَ جُنَّةٌ وَمُوَافِقٌ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحُكْمَ أَهْلِ الدُّنْيَا وقد أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ
أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ اللَّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ ما كَتَبْنَا قَبْلَهُ من كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ على ما ظَهَرَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَلِيُّ ما غَابَ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِقَوْلِهِ وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ وَكَذَلِكَ قال اللَّهُ عز وجل فِيمَا ذَكَرْنَا وفي غَيْرِهِ فقال { ما عَلَيْك من حِسَابِهِمْ من شَيْءٍ } وقال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه لِرَجُلٍ كان
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ هذا بِإِظْهَارِهِ الْإِيمَانَ في حَالِ خَوْفِهِ على دَمِهِ ولم يُبِحْهُ بِالْأَغْلَبِ أَنَّهُ لم يُسْلِمْ إلَّا مُتَعَوِّذًا من الْقَتْلِ بِالْإِسْلَامِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَطَاءِ بن يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَدِيِّ بن الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلًا سَارَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نَدْرِ ما سَارَّهُ بِهِ حتى جَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا هو يَسْتَأْذِنُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ من الْمُنَافِقِينَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال بَلَى وَلَا شَهَادَةَ له قال أَلَيْسَ يُصَلِّي قال بَلَى وَلَا صَلَاةَ له فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ

(6/157)


يَعْرِفُهُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ في دِينِهِ أَمُؤْمِنٌ أنت قال نعم قال إنِّي لِأَحْسِبك مُتَعَوِّذًا قال أَمَّا في الْإِيمَانِ ما أَعَاذَنِي فقال عُمَرُ بَلَى وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَجُلٍ هو من أَهْلِ النَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمْ معه حتى أَثْخَنَ الذي قال من أَهْلِ النَّارِ فَآذَتْهُ الْجِرَاحُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ولم يَمْنَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ من نِفَاقِهِ وَعُلِمَ إنْ كان عَلِمَهُ من اللَّهِ فيه من أَنْ حَقَنَ دَمَهُ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ - * تَفْرِيعُ الْمُرْتَدِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَوَاءٌ كَثُرَ ذلك منه حتى يَكُونَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أو مِرَارًا أو قَلَّ في حَقْنِ الدَّمِ وَإِيجَابُ حُكْمِ الْإِيمَانِ له في الظَّاهِرِ إلَّا أَنِّي أَرَى إذَا فَعَلَ هذا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَنْ يُعَزَّرَ وَسَوَاءٌ كان مَوْلُودًا على الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدُ عن الْإِسْلَامِ أو كان مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ ارْتَدَّ إلَى يَهُودِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ أو جَحْدٍ وَتَعْطِيلٍ وَدِينٍ لَا يُظْهِرُهُ فَمَتَى أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ في أَيِّ هذه الْأَحْوَالِ كان وَإِلَى أَيِّ هذه الْأَدْيَانِ صَارَ حُقِنَ دَمُهُ وَحُكِمَ له حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَمَتَى أَقَامَ على الْكُفْرِ في أَيِّ هذه الْأَحْوَالِ كان وَإِلَى أي هذه الْأَدْيَانِ صَارَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ حُكِمَ له حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ امْتَنَعَ منها وَأَقَامَ على الْكُفْرِ قُتِلَ مَكَانُهُ سَاعَةَ يَأْبَى إظْهَارَ الْإِيمَانِ وَلَوْ تُرِكَ قَتْلُهُ إذَا اُسْتُتِيبَ فَامْتَنَعَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أو سِتَّةً أو أَكْثَرَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ حَقَنَ ذلك دَمَهُ وَحُكِمَ له حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلَوْ ارْتَدَّ وهو سَكْرَانُ ثُمَّ تَابَ وهو سَكْرَانُ لم يَخْلُ حتى يُفِيقَ فَيَتُوبَ مُفِيقًا وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ لو أَبَى الْإِسْلَامَ سَكْرَانَ حتى يُفِيقَ فَيَمْتَنِعَ من التَّوْبَةِ مُفِيقًا فَيُقْتَلَ وإذا أَفَاقَ عُرِضَ عليه الْإِيمَانُ فإذا امْتَنَعَ من التَّوْبَةِ مُفِيقًا قُتِلَ وَلَوْ ارْتَدَّ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ بِغَيْرِ السُّكْرِ لم يَحْبِسْهُ الْوَالِي وَلَوْ مَاتَ بِتِلْكَ الْحَالِ لم يُمْنَعْ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَهُ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كانت في حَالٍ لَا يَجْرِي فيها عليه الْقَلَمُ وهو مُخَالِفٌ لِلسَّكْرَانِ في هذا الْمَوْضِعِ وَالسَّكْرَانُ لو ارْتَدَّ سَكْرَانَ ثُمَّ مَاتَ قبل يَتُوبَ كان مَالُهُ فَيْئًا وَلَوْ تَابَ سَكْرَانَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ تَابَ سَكْرَانَ لم أَعْجَلْ بِتَخْلِيَتِهِ حتى يُفِيقَ فَيَتُوبَ مُفِيقًا وَأَجْعَلُ تَوْبَتَهُ تَوْبَةً أَحْكُمُ له بها حُكْمَ الْإِسْلَامِ حتى يُفِيقَ فَإِنْ ثَبَتَ عليها فَهُوَ الذي أَطْلُبُ منه وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ إلَى الْكُفْرِ ولم يَتُبْ قُتِلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ارْتَدَّ مُفِيقًا ثُمَّ أُغْمِيَ عليه أو بُرْسِمَ أو خَبِلَ بَعْدَ الرِّدَّةِ لم يُقْتَلْ حتى يُفِيقَ فَيُسْتَتَابَ فَإِنْ امْتَنَعَ من التَّوْبَةِ وهو يَعْقِلُ قُتِلَ وَلَوْ مَاتَ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ ولم يَتُبْ كان مَالُهُ فَيْئًا ( قال ) وَسَوَاءٌ في الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ عليها الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَكُلُّ بَالِغٍ مِمَّنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وُلِدَ على الْإِيمَانِ أو الْكُفْرِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِقْرَارُ بِالْإِيمَانِ وَجْهَانِ فَمَنْ كان من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَمَنْ لَا دِينَ له يَدَّعِي أَنَّهُ دِينُ نُبُوَّةٍ وَلَا كِتَابَ فإذا شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وَمَتَى رَجَعَ عنه قُتِلَ ( قال ) وَمَنْ كان على دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ دِينَ مُوسَى وَعِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا وقد بَدَّلُوا منه وقد أَخَذَ عليهم فِيهِمَا الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَفَرُوا بِتَرْكِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَيُّ رَجُلٍ لم يَزَلْ مُشْرِكًا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ في أَيِّ حَالٍ كان لَا يَمْتَنِعُ فيها بِقَهْرِ من لَقِيَهُ ( 1 ) فَغَلَبَهُ له أو إيسَارٍ أو حَبْسٍ أو غَيْرِهِ حَقَنَ الْإِيمَانُ دَمَهُ وَأَوْجَبَ له حُكْمَ الْإِيمَانِ ولم يُقْتَلْ بِظَنِّ أَنَّهُ لم يُؤْمِنْ إلَّا مُضْطَرًّا خَائِفًا وفي مِثْلِ حَالِهِ من أَنَّهُ يَحْقِنُ دَمَهُ وَيُوجِبُ له حُكْمَ الْإِيمَانِ في الدُّنْيَا من آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَسَوَاءٌ شَهِدَ عليه بِالْكُفْرِ فَجَحَدَ وَأَقَرَّ بِالْإِيمَانِ أو شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عليه أو لم يَشْهَدْ عليه فَأَقَرَّ بِالْكُفْرِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَمَتَى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ لم يَحْلِفْ على ما تَقَدَّمَ منه من الْقَوْلِ بِالْكُفْرِ شَهِدَ عليه أو لم يَشْهَدْ وَحَقَنَ دَمَهُ بِمَا أَظْهَرَ من الْإِيمَانِ

(6/158)


الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِ دِينِهِ مع ما كَفَرُوا بِهِ من الْكَذِبِ على اللَّهِ قَبْلَهُ فَقَدْ قِيلَ لي إنَّ فِيهِمْ من هو مُقِيمٌ على دِينِهِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقُولُ لم يُبْعَثْ إلَيْنَا فَإِنْ كان فِيهِمْ أَحَدٌ هَكَذَا فقال أَحَدٌ منهم أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لم يَكُنْ هذا مُسْتَكْمِلَ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ حتى يَقُولَ وَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ حَقٌّ أو فَرْضٌ وَأَبْرَأُ مِمَّا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو دِينَ الْإِسْلَامِ فإذا قال هذا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فإذا رَجَعَ عنه اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ كان منهم طَائِفَةٌ تُعْرَفُ بِأَنْ لَا تُقِرَّ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا عِنْدَ الْإِسْلَامِ أو تَزْعُمُ أَنَّ من أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ لَزِمَهُ الْإِسْلَامُ فَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ اسْتَكْمَلُوا الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فَإِنْ رَجَعُوا عنه اُسْتُتِيبُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا ( قال ) وَإِنَّمَا يُقْتَلُ من أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ إذَا أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ ( قال ) فَمَنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ قبل الْبُلُوغِ وَإِنْ كان عَاقِلًا ثُمَّ ارْتَدَّ قبل الْبُلُوغِ أو بَعْدَهُ ثُمَّ لم يَتُبْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ إيمَانَهُ لم يَكُنْ وهو بَالِغٌ وَيُؤْمَرُ بِالْإِيمَانِ وَيُجْهَدُ عليه بِلَا قَتْلٍ إنْ لم يَفْعَلْهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وهو بَالِغٌ سَكْرَانُ من خَمْرٍ ثُمَّ رَجَعَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَوْ كان مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ بِسِوَى السُّكْرِ لم يُسْتَتَبْ ولم يُقْتَلْ إنْ أَبَى التَّوْبَةَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَتَهُ أَقَرَّا بِالْإِيمَانِ ثُمَّ ارْتَدَّا فلم يُعْرَفْ من رِدَّتِهِمَا إقْرَارُهُمَا كان بِالْإِيمَانِ أو عُرِفَ وَتُرِكَا على الشِّرْكِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أو بِلَادِ الشِّرْكِ ثُمَّ وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ قبل الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ أو بَعْدَ الرِّدَّةِ أو بعد ما رَجَعَا عن الرِّدَّةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا شَهِدَ على إقْرَارِهِمَا بِالْإِيمَانِ بَدِيئًا شَاهِدَانِ فَإِنْ نَشَأَ أَوْلَادُهُمَا الَّذِينَ لم يَبْلُغُوا قبل إسْلَامِهِمَا على الشِّرْكِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم قبل الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْعَقْلِ أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ وَجُبِرُوا عليه وَلَا يُقْتَلُونَ إنْ امْتَنَعُوا منه فإذا بَلَغُوا أُعْلِمُوا أَنَّهُمْ إنْ لم يُؤْمِنُوا قُتِلُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ فإذا لم يُؤْمِنُوا قُتِلُوا وَهَكَذَا إذَا لم يُظْهَرْ عليهم إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَسَوَاءٌ أَيُّ أَبَوَيْهِمْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ أو وُلِدَ بَعْدَ إقْرَارِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُقِرُّ بِالْإِسْلَامِ مِنْهُمَا على الْإِقْرَارِ بِهِ أو مُرْتَدٌّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَهَكَذَا إذَا أَسْلَمَ قبل بُلُوغِ الْوَلَدِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أو هُمَا ( قال ) وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ الْمُرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالشَّيْخُ الْفَانِي إذَا كَانُوا يَعْقِلُونَ ولم يَتُوبُوا وَلَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ حتى تَضَعَ ما في بَطْنِهَا ثُمَّ تُقْتَلَ إنْ لم تَتُبْ فإذا أَبَى الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّانِ الرُّجُوعَ إلَى الْإِيمَانِ قُتِلَ مَكَانَهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وقال فِيمَا يَحِلُّ الدَّمُ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ كانت الْغَايَةُ التي دَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ يُقْتَلَ فيها الْمُرْتَدُّ أَنْ يَمْتَنِعَ من الْإِيمَانِ ولم يَكُنْ إذَا تُؤُنِّيَ بِهِ ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الِامْتِنَاعُ من الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ قد يَمْتَنِعُ من التَّوْبَةِ بَعْدَ ثلاث ( ( ( ثلاثة ) ) ) وَيَتُوبُ مَكَانَهُ قبل ما يُؤْخَذُ وبعد ما يُؤْخَذُ وَمَنْ كان إسْلَامُهُ بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أو أَحَدِهِمَا فَأَبَى الْإِسْلَامَ هَكَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إنْ لم يُسْلِمْ قُتِلَ وَلَوْ تُؤُنِّيَ بِهِ سَاعَةً وَيَوْمًا كان أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَتَأَنَّى بِهِ من الْمُرْتَدِّ بَعْدَ إيمَانِ نَفْسِهِ - * الشَّهَادَةُ على الْمُرْتَدِّ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا ارْتَدَّ عن الْإِيمَانِ أو امْرَأَةً سُئِلَا فَإِنْ أَكْذَبَا الشَّاهِدَيْنِ قِيلَ لَهُمَا أشهدا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وتبرءا ( ( ( وتبرآ ) ) ) مِمَّا خَالَفَ الْإِسْلَامَ من الْأَدْيَانِ فَإِنْ أَقَرَّا بهذا لم يُكْشَفَا عن أَكْثَرَ منه وكان هذا تَوْبَةً مِنْهُمَا وَلَوْ أَقَرَّا وَتَابَا قُبِلَ مِنْهُمَ

(6/159)


- * مَالُ الْمُرْتَدِّ وَزَوْجَةُ الْمُرْتَدِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي بِأَنْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ في مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فيها ثَلَاثَ حِيَضٍ لم يُقْبَلْ منها وإذا ادَّعَتْ ذلك بَعْدَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فيها ثَلَاثَ حِيَضٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَاتَتْ ولم تَدَّعِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قبل يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ وهو مُشْرِكٌ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَانَا على النِّكَاحِ وَلَا يُتْرَكُ قبل يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ يُصِيبُهَا حتى يُسْلِمَ وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ ولم تَذْكُرْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ وَرِثَهَا وَلَوْ كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةُ كان الْقَوْلُ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ وَتَحْرُمُ عليه وَتَبِينُ منه وَتَثْبُتُ معه كَالْقَوْلِ لو كان هو الْمُرْتَدُّ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ لَا يَخْتَلِفُ في شَيْءٍ إلَّا أنها إذَا ارْتَدَّتْ عن الْإِيمَانِ فَلَا نَفَقَةَ لها في مَالِهِ في عِدَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهَا هِيَ التي حَرَّمَتْ فَرْجَهَا عليه وَكَذَلِكَ لو ارْتَدَّتْ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أو يَهُودِيَّةٍ لم تَحْلُلْ له لِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ عليها وَإِنْ ارْتَدَّ هو أَنْفَقَ عليها في عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا لم تَبِنْ منه إلَّا بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا وَأَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ كانت امْرَأَتَهُ وإذا كان يَلْزَمُهُ في التي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا بَعْدَ طَلَاقٍ نَفَقَتَهَا لِأَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا كانت هَكَذَا في مِثْلِ حَالِهَا في مِثْلِ هذه الْحَالِ أو أَكْثَرَ وإذا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ولم يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ بَانَتْ منه وَالْبَيْنُونَةُ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ ( 1 ) لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عليها وَإِنْ كان هو الْمُرْتَدُّ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْفَسْخَ جاء من قِبَلِهِ وَإِنْ كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَا شَيْءَ لها لِأَنَّ الْفَسْخَ جاء من قِبَلِهَا وَلَوْ ارْتَدَّ وَامْرَأَتُهُ يَهُودِيَّةٌ أو نَصْرَانِيَّةٌ كانت فِيمَا يَحِلُّ له منها وَيَحْرُمُ عليه وَيَلْزَمُهُ لها كَالْمُسْلِمَةِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أنها الْمُرْتَدَّةُ وهو الْمُسْلِمُ لم تَحِلَّ له حتى تُسْلِمَ أو تَرْجِعَ إلَى دِينِهَا الذي حَلَّتْ بِهِ من الْيَهُودِيَّةِ أو النَّصْرَانِيَّةِ ولم تَبِنْ منه إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ولم تُقْتَلْ هِيَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَسَوَاءٌ في هذا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أو الْعَبْدُ وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ أو الْأَمَةُ لَا يَخْتَلِفُونَ فيه وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَّقَهَا في حَالِ رِدَّتِهِ أو آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو قَذَفَهَا في عِدَّتِهَا أو كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَفَعَلَ ذلك وَقَفَ على ما فَعَلَ منه فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ وَقَعَ ذلك كُلُّهُ عليها وكان بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ وَإِنْ لم يَرْجِعْ حتى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أو تَمُوتَ لم يَقَعْ شَيْءٌ من ذلك عليها وَالْتَعَنَ لِيَدْرَأَ الْحَدَّ وَهَكَذَا إذَا كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةُ وهو الْمُسْلِمُ إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ على من قَذَفَ مُرْتَدَّةً وَلَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّ أو ارْتَدَّتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا في عِدَّتِهَا لم يَثْبُتْ عليها رَجْعَةٌ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إحْدَاثُ تَحْلِيلٍ له فإذا أَحْدَثَهُ في حَالٍ لَا يَحِلُّ له فيه لم يَثْبُتْ عليها وَلَوْ أَسْلَمَتْ أو أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ لم تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ عليها وَيُحْدِثُ لها بَعْدَهُ رَجْعَةً إنْ شَاءَ فَتَثْبُتُ عليها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ وَلَهُ زَوْجَةٌ أو امْرَأَةٌ عن الْإِسْلَامِ وَلَهَا زَوْجٌ فَغَفَلَ عنه أو حُبِسَ فلم يُقْتَلْ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ أو لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أو هَرَبَ عن بِلَادِ الْإِسْلَامِ فلم يُقْدَرْ عليه فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا حتى تَمْضِيَ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ قبل يَتُوبُ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قبل يَتُوبُ فَقَدْ بَانَتْ منه وَلَا سَبِيلَ له عليها وَبَيْنُونَتُهَا منه فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ في حَالٍ يُمْكِنُ فيها أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً بِحَالٍ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلَا سَبِيلَ له عليها إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ قالت بَعْدَ يَوْمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ قد أَسْقَطْت وَلَدًا قد بَانَ خَلْقُهُ أو شَيْءٌ من خَلْقِهِ وَرَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَجَحَدَ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا قال الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنها إذَا قالت أَسْقَطْت سِقْطًا بَانَ خَلْقُهُ أو بَعْضُ خَلْقِهِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهَا إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ على ما قالت لِأَنَّ هذا مَوْضِعٌ يُمْكِنُ أَنْ تَرَاهُ النِّسَاءُ فَيَشْهَدْنَ عليه

(6/160)


وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فقال رَجَعْت إلَى الْإِسْلَامِ أَمْسِ وَإِنَّمَا انْقَضَتْ عِدَّتُك الْيَوْمَ وَقَالَتْ رَجَعْت الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ رَجَعَ أَمْسِ وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ رَجَعَ أَمْسِ وَقَالَتْ انْقَضَتْ قبل أَمْسِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فقالت لم تَنْقَضِ عِدَّتِي إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ قالت بَعْدَهَا قد كانت انْقَضَتْ عِدَّتِي كانت زَوْجَتَهُ وَلَا تُصَدَّقُ بَعْدَ إقْرَارِهَا أنها لم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ وَلَوْ لم يُسْمَعْ منها في ذلك شَيْءٌ قبل رُجُوعِهِ فلما رَجَعَ قالت ( ( ( قلت ) ) ) مَكَانَهَا قد انْقَضَتْ عِدَّتِي كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا - * مَالُ الْمُرْتَدِّ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وكان حَاضِرًا بِالْبَلَدِ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرَاتٌ وَمُدَبَّرُونَ وَمُكَاتَبَاتٌ وَمُكَاتَبُونَ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانٌ وَمَالٌ سِوَى ذلك وُقِفَ ذلك كُلُّهُ عنه وَمُنِعَ إصَابَةَ أُمِّ وَلَدِهِ وَجَارِيَةٍ له غَيْرُهَا وَالْوَقْفُ أَنْ يُوضَعَ مَالُهُ سِوَى إنَاثِ الرَّقِيقِ على يَدَيْ عَدْلٍ وَرَقِيقُهُ من النِّسَاءِ على يَدَيْ عَدْلَةٍ من النِّسَاءِ وَيُؤْمَرُ من بَلَغَ من ذُكُورِ رَقِيقِهِ بِالْكَسْبِ وَيُنْفِقُ عليه من كَسْبِهِ وَيُؤْخَذُ فَضْلُ كَسْبِهِ وَتُؤْمَرُ ذَوَاتُ الصَّنْعَةِ من جَوَارِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ وَيُؤَاجِرُ من لَا صَنْعَةَ له مِنْهُنَّ من امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَمَنْ مَرِضَ من رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ لم يَبْلُغْ كَسْبًا أُنْفِقَ عليه من مَالِهِ حتى يُفِيقَ فَيَقْوَى على الْكَسْبِ أو يَبْلُغَ الْكَسْبَ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِالْكَسْبِ كما وَصَفْنَا وَإِنْ كان الْمُرْتَدُّ هَارِبًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أو غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ أو مُتَغَيِّبًا لَا يدرى أَيْنَ هو فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَيُبَاعُ عليه الْحَيَوَانُ كُلُّهُ إلَّا ما لَا يُوجَدُ السَّبِيلُ إلَى بَيْعِهِ من أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أو مُكَاتَبِيهِ أو مُرْضِعٍ لِوَلَدِهِ أو خَادِمٍ يَخْدُمُ زَوْجَةً له وَيُنْفِقُ على زَوْجَتِهِ وَصِغَارِ وَلَدِهِ وَزَمْنَاهُمْ وَمَنْ كان هو مَجْبُورًا على نَفَقَتِهِمْ من خدمه وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ من مَالِهِ وَيُؤْخَذُ كِتَابَةُ مُكَاتَبِيهِ وَيَعْتِقُونَ إذَا أَدَّوْا وَلَهُ وَلَاؤُهُمْ وَمَتَى رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ رَدَّ مَالَهُ عليه ولم يَرُدَّ ما بِيعَ من مَالِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَالْبَيْعُ نَظَرٌ لِمَنْ يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَالُ وفي حَالٍ لَا سَبِيلَ له فيها على الْمَالِ وإذا انْقَضَتْ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ قُطِعَتْ عنها النَّفَقَةُ ولم يَكُنْ له عليها سَبِيلٌ إذَا رَجَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ بُرْسِمَ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ تُرُبِّصَ بِهِ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةً فَإِنْ أَفَاقَ وَإِلَّا بِيعَ عليه كما يُبَاعُ على الْغَائِبِ الْهَارِبِ وما كُسِبَ في رِدَّتِهِ فَهُوَ كما مُلِكَ قبل الرِّدَّةِ إذَا قَدَرَ عليه فإذا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ كُلُّهُ وَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ قبل يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ خُمِّسَ مَالُهُ فَكَانَ الْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهَكَذَا نَصْرَانِيٌّ مَاتَ لَا وَارِثَ له يُخَمَّسُ مَالُهُ فَيَكُونُ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ قال وَرَثَةُ الْمُرْتَدِّ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسْلَمَ قبل يَمُوتَ كُلِّفُوا الْبَيِّنَةَ فإذا جاؤوا بها دُفِعَ إلَيْهِمْ مَالُهُ على مَوَارِيثِهِمْ وَإِنْ لم يَأْتُوا بها فَهُوَ على الرِّدَّةِ حتى تُعْلَمَ تَوْبَتُهُ وَإِنْ كانت الْبَيِّنَةُ مِمَّنْ يَرِثُهُ لم تُقْبَلْ وَكَذَلِكَ لو كان أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فقال مَتَى مِتُّ فَلِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَذَا ثُمَّ مَاتَ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا بِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لم يُقْبَلَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا جَوَازَ الْوَصِيَّةِ التي قد أُبْطِلَتْ بِرِدَّتِهِ وَلَوْ كان تَابَ ثُمَّ مَاتَ فَقِيلَ ارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ مُرْتَدًّا فَهُوَ على التَّوْبَةِ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِأَنَّ من عُرِفَ بِشَيْءٍ فَهُوَ عليه حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَلَوْ قَسَمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ في الْحَالَيْنِ حين مَاتَ وقد عُرِفَتْ رِدَّتُهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ على تَوْبَتِهِ رَجَعَ بها الْحَاكِمُ على من دَفَعَهَا إلَيْهِ حَيْثُ كَانُوا حتى يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ لو قَسَمَهَا في مَوْتِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على رِدَّتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَمَوْتِهِ مُرْتَدًّا رَجَعَ الْحَاكِمُ على وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَأَخَذَ منهم ما أَعْطَاهُمْ من مَالِهِ حتى يَصِيرَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْمُسْلِمِينَ
____________________

(6/161)


- * الْمُكْرَهُ على الرِّدَّةِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { من كَفَرَ بِاَللَّهِ من بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ فلم يُوقَفُ مَالُهُ فما صَنَعَ فيه فَهُوَ جَائِزٌ كما يَجُوزُ له في مَالِهِ ما صَنَعَ قبل الرِّدَّةِ فإذا وُقِفَ فَلَا سَبِيلَ له على إتْلَافِ شَيْءٍ من مَالِهِ بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ ما كان مَوْقُوفًا فَإِنْ أَعْتَقَ أو كَاتَبَ أو دَبَّرَ أو اشْتَرَى أو بَاعَ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَوْقُوفٌ لَا يَنْفُذُ منه شَيْءٌ في حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ ذلك كُلُّهُ إلَّا الْبَيْعَ فإذا فُسِخَ بَيْعُهُ فَقَدْ انْفَسَخَ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مُحَوَّلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ في الْحَالِ الذي أَحْدَثَ ذلك فيه حَوْلَ الْحَجْرِ إنَّمَا كان مَوْقُوفًا عنه لِيُقْتَلَ فَيَعْلَمَ أَنَّ مِلْكَهُ كان زَائِلًا عنه بِالرِّدَّةِ إنْ لم يَتُبْ حتى يَمُوتَ فَيَصِيرَ فَيْئًا أو يُسْلِمَ فَيَكُونَ على ما كان في مِلْكِهِ أو لا فلما أَسْلَمَ عَلِمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ فِيمَا يَمْلِكُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان في رِدَّتِهِ في يَدَيْهِ شَيْءٌ يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكٌ له ثُمَّ أَقَرَّ بِذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ كان لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ منه في حَالِ رِدَّتِهِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ ما أَقَرَّ بِهِ من الدَّيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ من مَالِهِ ما لَزِمَ الرَّجُلَ غير الْمُرْتَدِّ في مَالِهِ وَلَوْ قال في عَبْدٍ من عَبِيدِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ هذا عَبْدٌ اشْتَرَيْته أو وُهِبَ لي وهو حُرٌّ كان حُرًّا ولم يُنْتَظَرْ إسْلَامُهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا أَرُدُّ ما أَحْدَثَ إتْلَافَهُ بِلَا سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يُقَرِّبُهُ احْتِيَاطًا عليه لَا حَجْرًا عنه ( وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ ) أَنَّهُ إذَا حُجِرَ عليه فَهُوَ كَالْمَحْجُورِ في جَمِيعِ حَالَاتِهِ حتى يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيُفَكَّ عنه الْحَجْرُ - * جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الْمُرْتَدُّ في حَالِ رِدَّتِهِ على آدَمِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا في مِثْلِهَا قِصَاصٌ فَالْمَجْنِيُّ عليه بِالْخِيَارِ في أَنْ يَقْتَصَّ منه أو يَأْخُذَ قَدْرَ الْجِنَايَةِ من مَالِهِ الذي كان له قبل الرِّدَّةِ وما اكْتَسَبَ بَعْدَهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَكْرَهَهُ على الْكُفْرِ لم تَبِنْ منه امْرَأَتُهُ ولم يُحْكَمْ عليه بِشَيْءٍ من حُكْمِ الْمُرْتَدِّ قد أُكْرِهَ بَعْضُ من أَسْلَمَ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْكُفْرِ فَقَالَهُ ثُمَّ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فذكر له ما عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَ فيه هذا ولم يَأْمُرْهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا على الْمُرْتَدِّ وَلَوْ مَاتَ الْمُكْرَهُ على الْكُفْرِ ولم تَظْهَرْ له تَوْبَةٌ بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ انْفَلَتَ فَرَجَعَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ قِيلَ له أَظْهِرْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا كان مُرْتَدًّا بِامْتِنَاعِهِ من إظْهَارِ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ عليه الْحُكْمُ على الْمُرْتَدِّ وإذا أُسِرَ الرَّجُلُ أو كان مُسْتَأْمَنًا بِبِلَادِ الْعَدُوِّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ على أَنَّهُ كان يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ ولم يَشْهَدَا على نَفْسِ الرِّدَّةِ وَلَا على كَلَامٍ كُفْرٍ بَيِّنٍ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَ مَالَهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يُقِرُّوا بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِرِدَّتِهِ ولم يُقِرَّ بها بَعْضُهُمْ وَرِثَ الَّذِينَ لم يُقِرُّوا نَصِيبَهُمْ من مِيرَاثِهِ وَيُوقَفُ نَصِيبُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِرِدَّتِهِ حتى تُسْتَبَانَ رِدَّتُهُ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَغْنَمُ لِأَنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ على ما يَمْلِكُونَ وَلَا يُوقَفُ وَلَوْ شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَرْتَدُّ وَقَالَا ارْتَدَّ مُكْرَهًا أو ارْتَدَّ مَحْدُودًا أو ارْتَدَّ مَحْبُوسًا لم يُغْنَمْ مَالُهُ وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ قَالَا كان مخلى ( ( ( محليا ) ) ) آمِنًا حين ارْتَدَّ كانت تِلْكَ رِدَّةٌ وَغُنِمَ مَالُهُ وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَتُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لم يُقْبَلْ منهم إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ أَقَامُوا بَيِّنَةً على أَنَّهُمْ رَأَوْهُ في مُدَّةٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ قَبِلْت ذلك منهم وَوَرَّثْتهمْ مَالَهُ وَلَوْ كان هذا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْمُرْتَدُّ ليس في حَالِ ضَرُورَةٍ لم أَقْبَلْ هذا منهم حتى يَشْهَدَ عليه شَاهِدَانِ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ ولم أَقْبَلْ من وَرَثَتِهِ أَنَّهُ ارْتَدَّ مَسْجُونًا وَلَا مَحْدُودًا إذَا لم تَقْطَعْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ سُجِنَ وَحُدَّ لِيَرْتَدَّ - * ما أَحْدَثَ الْمُرْتَدُّ في حَالِ رِدَّتِهِ في مَالِهِ - *

(6/162)


وَكَذَلِكَ إنْ كانت عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها وَكَذَلِكَ ما أَحْرَقَ وَأَفْسَدَ لِآدَمِيٍّ كان في مَالِهِ لَا تُسْقِطُهُ عنه الرِّدَّةُ ( قال ) وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَهِيَ في مَالِهِ كما تَكُونُ على عَاقِلَتِهِ إلَى أَجَلِهَا فإذا مَاتَ فَهِيَ حَالَّةٌ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عنه شيئا جَنَاهُ في حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَهِيَ في مَالِهِ في ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنْ قُتِلَ أو مَاتَ على الرِّدَّةِ فَهِيَ حَالَّةٌ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ وهو مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ كانت عَمْدًا فَهِيَ كَجِنَايَتِهِ وهو مُرْتَدٌّ وَإِنْ كانت خَطَأً فَهِيَ على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَزِمَتْهُمْ إذْ جَنَى وهو مُسْلِمٌ وَلَوْ ارْتَدَّ وَقَتَلَ فَأَرَادَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ كان ذلك له وإذا قَتَلَهُ وهو على الرِّدَّةِ فَمَالُهُ لِمَنْ وَصَفْته من الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لو قَطَعَ أو جَرَحَ أَقْصَصْنَا منه ثُمَّ قَتَلْنَاهُ على الرِّدَّةِ فَإِنْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَقَتَلَهُ على الرِّدَّةِ أو مَاتَ عليها قبل الْقِصَاصِ فَلِوَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَرْحِ عَمْدًا عَقْلُ النَّفْسِ وَالْجِرَاحُ في مَالِ الْجَانِي الْمُرْتَدِّ وَلَوْ كان الْجَانِي الْمُرْتَدُّ عَبْدًا أو أَمَةً فَجَنَى على من بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْقَوَدُ كان لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عليه الْخِيَارُ في الْقَوَدِ أو أَخْذِ الْعَقْلِ فَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ فَهُوَ له وَإِنْ أَرَادَ الْعَقْلَ فَهُوَ له في رَقَبَةِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ فَإِنْ فَدَاهُ قُتِلَ على الرِّدَّةِ وَإِنْ لم يَفْدِهِ قُتِلَ على الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَيُبَاعَ وَيُعْطَى وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عليه قِيمَةُ جِنَايَتِهِ وَيُرَدُّ الْفَضْلُ إنْ كان فيه فَضْلٌ عن الْجِنَايَةِ على سَيِّدِهِ وَلَوْ جَنَى وهو مُرْتَدٌّ عَبْدٌ ثُمَّ عَتِهَ فَاخْتَارَ وَلِيُّ الدَّمِ الْعَقْلَ ولم يَتَطَوَّعْ مَوْلَاهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ بِيعَ مُرْتَدًّا مَعْتُوهًا فأعطى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قِيمَةَ جِنَايَتِهِ وَرُدَّ فَضْلٌ إنْ كان في ثَمَنِهِ على سَيِّدِهِ فإذا أَفَاقَ ولم يَتُبْ قُتِلَ على الرِّدَّةِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا بالبراءة ( ( ( بالبراء ) ) ) من الرِّدَّةِ وَالْعَتَهِ وما أَحْدَثَ الْعَبْدُ من الْجِنَايَةِ في الرِّدَّةِ مخالفه ما أَحْدَثَ من الدين ( ( ( الذين ) ) ) من قَبْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَسْقُطُ عن صَبِيٍّ وَلَا مَحْجُورٍ عليه وَلَا عَبْدٍ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عليه وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ عن الْمَحْجُورِ عليه وَعَنْ الْعَبِيدِ ما كَانُوا في الرِّقِّ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ - * الْجِنَايَةُ على الْمُرْتَدِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان على الْمُرْتَدِّ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ قبل الرِّدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّ قُضِيَ عنه دَيْنُهُ إنْ كان حَالًّا وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَحِلَّ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَقَرَّ بِهِ قبل الرِّدَّةِ لِأَحَدٍ ( قال ) وَإِنْ لم يُعْرَفْ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلَا بِإِقْرَارٍ منه مُتَقَدِّمٌ لِلرِّدَّةِ ولم يُعْرَفْ إلَّا بِإِقْرَارٍ منه في الرِّدَّةِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عليه وما دَانَ في الرِّدَّةِ قبل وَقْفِ مَالِهِ لَزِمَهُ وما دَانَ بَعْدَ وَقْفِ مَالِهِ فَإِنْ كان من بَيْعٍ رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كان من سَلَفٍ وُقِفَ فَإِنْ مَاتَ على الرِّدَّةِ بَطَلَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ مَالَهُ لم يَكُنْ خَرَجَ من يَدِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) ( 1 ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ يَدْرَأُ عنه الْقَوَدَ بِالشُّبْهَةِ وَيَغْرَمُ الدِّيَةَ وَلَهُ أَيْضًا قَوْلٌ أخر أَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ كما أَنَّهُ لو قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ فَقَطَعْنَا يَدَهُ قِصَاصًا ثُمَّ مَاتَ من الْقِصَاصِ لم يَكُنْ على آخِذِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ فَجَنَى عليه رَجُلٌ جِنَايَةً فَإِنْ كانت قَتْلًا فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْوَالِيَ لِلْحُكْمِ عليه وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ قَتْلُهُ حتى يُسْتَتَابَ وَإِنْ كانت دُونَ النَّفْسِ فَكَذَلِكَ وَلَوْ جَنَى عليه مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ من الْجِنَايَةِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّهَا كانت غير مَمْنُوعَةٍ بِأَنْ يُحْكَمَ فيها بِعَقْلٍ أو قَوَدٍ وَلَوْ جَنَى عليه مُرْتَدًّا فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ كان له الْقَوَدُ في الرَّجُلِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ جَنَى عليه مُسْلِمًا وَلَوْ مَاتَ كانت لهم نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَتَيْنِ جِنَايَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَجِنَايَةٌ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ - * الدَّيْنُ على الْمُرْتَدِّ - *

(6/163)


الْقِصَاصِ شَيْءٌ وَالْحَقُّ قَتْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إذَا جَرَحَهُ مرتدا ( ( ( مرتد ) ) ) ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ على من جَرَحَهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ منه كان مُبَاحًا في وَقْتِهِ ذلك فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَلَا شَيْءَ على من جَرَحَ - * الدَّيْنُ لِلْمُرْتَدِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ إلَى أَيِّ دِينٍ ما ارْتَدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ في ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ على أَدْيَانِهِمْ ( قال ) فَلَوْ عَدَا على شَاةٍ رَجُلٌ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا حَيَّةً وَهَكَذَا كُلُّ ما اُسْتُهْلِكَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا له وهو يَعْلَمُهُ مُرْتَدًّا أو لَا يَعْلَمُهُ لم يَضْمَنْ شيئا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ وَلَا يَأْكُلُهَا صَاحِبُ الشَّاةِ ( قال ) وَلَوْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ أو اسْتَهْلَكَ مَتَاعًا لِنَفْسِهِ أو قَتَلَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ إنْ قُتِلَ أو مَاتَ على رِدَّتِهِ فَكُلُّ مَالٍ وَجَدْنَاهُ له فَهُوَ فَيْءٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ عَلِمْنَا بِرُجُوعِهِ أَنَّهُ إنَّمَا جَنَى على مَالِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ مَالَ نَفْسِهِ - * نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يَنْكِحَ قبل الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا وَثَنِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له إلَّا ما يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ على دِينِهِ فَإِنْ نَكَحَ فاصاب وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَلَا أَمَتَهُ وَلَا امْرَأَةً هو وَلِيُّهَا مُسْلِمَةً أو مُشْرِكَةً وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُشْرِكًا وإذا أَنْكَحَ فَإِنْكَاحُهُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ - * الْخِلَافُ في الْمُرْتَدِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا في الْمُرْتَدِّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَائِلًا منهم قال من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ فَارْتَدَّ قَتَلْته إلَى أَيِّ دِينٍ ارْتَدَّ وَقَتَلْته وَإِنْ تَابَ وقال آخَرُ منهم من رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة اسْتَتَبْته فَإِنْ تَابَ قَبِلْت منه وَإِنْ لم يَتُبْ قَتَلْته وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يَسْتَخْفِي بِهِ كَالزَّنْدَقَةِ وما يستخفى بِهِ قَتَلْته وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لم أَقْبَلْهَا وَأَحْسِبُهُ سَوَّى بين من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يُولَدْ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَوَافَقَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا من الْمَدَنِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنْ لَا يُقْتَلَ من أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وفي أَنْ يسوى بين من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يُولَدْ عليه وَدَانَ دِينًا يُظْهِرُهُ أو دِينًا يَسْتَخْفِي بِهِ لِأَنَّ كُلَّ ذلك كُفْرٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُجَّةُ على من فَرَّقَ بين من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يُولَدْ عليه أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حُدُودَهُ فلم نَعْلَمْ كِتَابًا نَزَلَ وَلَا سُنَّةً مَضَتْ وَلَا أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ خَالَفَ في الْحُدُودِ بين أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ وُلِدَ على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلْمُرْتَدِّ دَيْنٌ حَالٌّ أُخِذَ مِمَّنْ هو عليه وَيُوقَفُ في مَالِهِ وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ فإذا حَلَّ وُقِفَ إلَّا ان يَمُوتَ الْمُرْتَدُّ قبل ذلك أو يُقْتَلَ على رِدَّتِهِ فَيَكُونَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ فإذا قُبِضَ كان فَيْئًا ( قال الرَّبِيعُ ) في رَجُلٍ جُرِحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عليه الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ على من جَرَحَهُ وَإِنْ أَسْلَمَ فَمَاتَ من قِبَلِ أَنَّ الضَّرْبَةَ كانت وهو مُرْتَدٌّ فيها فَالْحَقُّ الذي قَتَلَهُ وَلَا شَيْءَ على من جَرَحَهُ - * ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ - *

(6/164)


الْكُفْرِ فَأَحْدَثَ إسْلَامًا أو وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَالْقَتْلُ على الرِّدَّةِ حَدٌّ ليس للامام أَنْ يُعَطِّلَهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إلَّا من فُرِضَتْ طَاعَتُهُ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * تَكَلُّفُ الْحُجَّةِ على قَائِلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَلَى من قال أَقْبَلُ إظْهَارَ التَّوْبَةِ إذَا كان رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ وَلَا أَقْبَلُ ذلك إذَا رَجَعَ إلَى دِينٍ لَا يُظْهِرُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عن الْمُنَافِقِينَ في عَدَدِ آيٍ من كِتَابِهِ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِالشِّرْكِ وَأَخْبَرَنَا بِأَنْ قد جَزَاهُمْ بِعِلْمِهِ عَنْهُمْ بِالدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ فقال { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لهم نَصِيرًا } فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُمْ في الْآخِرَةِ النَّارُ بِعِلْمِهِ أَسْرَارَهُمْ وَأَنَّ حُكْمَهُ عليهم في الدُّنْيَا ( 1 ) إنْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ جُنَّةٌ لهم وَأَخْبَرَ عن طَائِفَةٍ غَيْرِهِمْ فقال { وَإِذْ يقول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْهُمْ وَعَنْ الطَّائِفَةِ مَعَهُمْ مع ما حكي من كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ مُنْفَرِدًا وحكي من أَنَّ الْإِيمَانَ لم يَدْخُلْ قُلُوبَ من حكي من الْأَعْرَابِ وَكُلَّ من حَقَنَ دَمَهُ في الدُّنْيَا بِمَا أَظْهَرَ مِمَّا يَعْلَمُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خِلَافَهُ من شِرْكِهِمْ لِأَنَّهُ أَبَانَ أَنَّهُ لم يُوَلِّ الْحُكْمَ على السَّرَائِرِ غَيْرَهُ وَأَنْ قد ولي نَبِيَّهُ الْحُكْمَ على الظَّاهِرِ وَعَاشَرَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْلَا غَفْلَةٌ في بَعْضِ السَّامِعِينَ الَّذِينَ لَعَلَّ من نَوَى الْأَجْرَ في تَبْيِينِهِمْ أَنْ يُؤْجَرَ ما تَكَلَّفْت لِأَنَّهُ إنَّمَا يكتفى في هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُحْكَيَا فَيُعْلَمَ أَنْ ليس فِيهِمَا مَذْهَبٌ يَجُوزُ أَنْ يُغَلِّطَ بِهِ عَالِمٌ بِحَالٍ وان كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْمَعْقُولَ وَالْقِيَاسَ يَدُلُّ على غَيْرِ ما قال من قال هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ أَوْجَزَ ما بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْأَمْرَ على غَيْرِ ما قِيلَ أَنْ يُقَالَ قد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَهَلْ يعدو ( ( ( يعد ) ) ) هذا ( ( ( وهذا ) ) ) الْقَوْلُ أَبَدًا وَاحِدًا من مَعْنَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ من بَدَّلَ دِينَهُ وَأَقَامَ على تَبْدِيلِهِ ضَرَبْت عُنُقَهُ كما تُضْرَبُ أعناق ( ( ( عناق ) ) ) أَهْلِ الْحَرْبِ أو تَكُونَ كَلِمَةُ التَّبْدِيلِ تُوجِبُ الْقَتْلَ وَإِنْ تَابَ كما يُوجِبُهُ الزنى بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ النَّفْسِ فَلَيْسَ قَوْلُك وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَنْ يُقَالَ له لِمَ قَبِلْت إظْهَارَ التَّوْبَةِ من الذي رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَدِينٍ أَظْهَرَهُ أَلِأَنَّك على ثِقَةٍ من أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فَقَدْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ أو قد يَكُونُ يُظْهِرُهَا وهو مُشْتَمِلٌ على الْكُفْرِ وَدِينُ النَّصْرَانِيَّةِ أو مُنْتَقِلٌ عنه إلَى دِينٍ يُخْفِيه ولم أُبَيِّتْ قَبُولَ من أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وقد كان مُسْتَخْفِيًا بِالشِّرْكِ أَعَلَى عِلْمٍ أنت من أَنَّ هذا ألا يَتُوبُ تَوْبَةً صَحِيحَةً أَمْ قد يَتُوبُ تَوْبَةً صَحِيحَةً فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَ هذا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ عِلْمِ هذا أَحَدٌ من الْآدَمِيِّينَ غير الْمُؤْمِنِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَوَلَّى اللَّهُ عز ذِكْرُهُ عِلْمَ الْغَيْبِ أو رَأَيْت لو قال رَجُلٌ من اُسْتُسِرَّ بِالْكُفْرِ قَبِلْت تَوْبَتَهُ لِضَعْفِهِ في اسْتِسْرَارِهِ وَمَنْ أَعْلَنَهُ لم تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ لِمَا انْكَشَفَ بِهِ من الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَإِنَّ الْمُنْكَشِفَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْلَى أَنْ تَنْفِرَ الْقُلُوبُ منه وَيَكَادُ أَنْ يُؤْيَسَ من صِحَّةِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّا رَأَيْنَا من انْكَشَفَ بِالْمَعَاصِي سِوَى الشِّرْكِ كان أَحْرَى أَنْ لَا يَتُوبَ ما الْحُجَّةُ عليه هل هِيَ إلَّا أَنَّ هذا مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عز وجل وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا قَبُولُ ظَاهِرِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّهُ تَوَلَّى سَرَائِرَهُمْ ولم يَجْعَلْ لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا لِأَحَدٍ من خَلْقِهِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَتَوَلَّى دُونَهُمْ السَّرَائِرَ لِانْفِرَادِهِ بِعِلْمِهَا وَهَكَذَا الْحُجَّةُ على من قال هذا الْقَوْلَ وَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عن قَوْمٍ من الْأَعْرَابِ فقال { قالت الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ } فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لم يَدْخُلْ الْإِيمَانُ في قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ قال مُجَاهِدٌ في قَوْلِهِ { أَسْلَمْنَا } قال أَسْلَمْنَا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ

(6/165)


يَقْتُلْ منهم أَحَدًا ولم يَحْبِسْهُ ولم يُعَاقِبْهُ ولم يَمْنَعْهُ سَهْمَهُ في الْإِسْلَامِ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَلَا مُنَاكَحَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَمُوَارَثَتَهُمْ وَالصَّلَاةَ على مَوْتَاهُمْ وَجَمِيعَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ من الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يُظْهَرُ بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ بِالشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ قال اللَّهُ عز وجل { يَسْتَخْفُونَ من الناس وَلَا يَسْتَخْفُونَ من اللَّهِ وهو مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ ما لَا يَرْضَى من الْقَوْلِ } فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلَعَلَّ من سَمَّيْت لم يُظْهِرْ شِرْكًا سَمِعَهُ منه آدَمِيٌّ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمْ ( 1 ) فَقَدْ سُمِعَ من عَدَدٍ منهم الشِّرْكُ وَشَهِدَ بِهِ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمِنْهُمْ من جَحَدَهُ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا أَظْهَرَ ولم يَقِفْهُ على أَنْ يَقُولَ أَقَرَّ وَمِنْهُمْ من اقر بِمَا شَهِدَ بِهِ عليه وقال تُبْت إلَى اللَّهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا أَظْهَرَ وَمِنْهُمْ من عَرَّفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه
( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ وقال شَهِدْت من نِفَاقِ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ منهم مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ على قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ { وَهُمْ كَافِرُونَ } قِيلَ فَهَذَا يُبَيِّنُ ما قُلْنَا وَخِلَافَ ما قال من خَالَفَنَا فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يصلى عليهم فإن صَلَاتَهُ بِأَبِي هو وَأُمِّي مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ على الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ على أَحَدٍ إلَّا غُفِرَ له وَقَضَى أَنْ لَا يَغْفِرَ لِلْمُقِيمِ على شرك ( ( ( شر ) ) ) فَنَهَاهُ عن الصَّلَاةِ على من لَا يُغْفَرُ له فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ لم يَمْنَعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الصَّلَاةِ عليهم مُسْلِمًا ولم يَقْتُلْ منهم بَعْدَ هذا أَحَدًا وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُبَاحٌ على من قَامَتْ بِالصَّلَاةِ عليه طَائِفَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فلما كان جَائِزًا أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ على الْمُسْلِمِ إذَا قام بِالصَّلَاةِ عليه بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ في تَرْكِ الصَّلَاةِ مَعْنًى يُغَيِّرُ ظَاهِرَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ في الدُّنْيَا وقد عَاشَرَهُمْ حُذَيْفَةُ فَعَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ ثُمَّ عَاشَرَهُمْ مع أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما وَهُمْ يُصَلُّونَ عليهم وكان عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه إذَا وُضِعَتْ جِنَازَةٌ فَرَأَى حُذَيْفَةَ فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اجْلِسْ جَلَسَ وَإِنْ قام معه صلى عليها عُمَرُ وَلَا يَمْنَعُ هو وَلَا أبو بَكْرٍ قَبْلَهُ وَلَا عُثْمَانُ بَعْدَهُ الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةَ عليهم وَلَا شيئا من أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُهَا من تَرَكَهَا بِمَعْنَى ما وَصَفْت من أنها إذَا أُبِيحَ تَرْكُهَا من مُسْلِمٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ كان أَجْوَزَ تَرْكُهَا من الْمُنَافِقِينَ فَإِنْ قال فَلَعَلَّ هذا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً قِيلَ فَلِمَ لم يَقْتُلْ أبو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ منهم أَحَدًا ولم يَمْنَعْهُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ وقد أَعْلَمَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا تُوُفِّيَ اشْرَأَبَّ النِّفَاقُ بِالْمَدِينَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقَالُ لِأَحَدٍ إنْ قال هذا ما تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَحَدٍ من أَهْلِ دَهْرِهِ لِلَّهِ حَدًّا بَلْ كان أَقْوَمَ الناس بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عليه من حُدُودِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى قال في امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَشُفِعَ لها إنَّمَا أَهْلَكَ من كان قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كان إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ وقد آمَنَ بَعْضُ الناس ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فلم يَقْتُلْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَتَلَ من الْمُرْتَدِّينَ من لم يُظْهِرْ الْإِيمَانَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُمْ في الظَّاهِرِ أَنْ تُمْنَعَ دِمَاؤُهُمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَحِسَابُهُمْ في الْمَغِيبِ على اللَّهِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ عز وجل تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ ( 2 ) بِالْبَيِّنَاتِ فَتُوبُوا إلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرُوا
____________________

(6/166)


بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُ كُلَّهُ على الظَّاهِرِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَحُكْمُ اللَّهِ على الْبَاطِنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل تَوَلَّى الْبَاطِنَ وقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ كان يَعْرِفُ منه خِلَافَهُ إنِّي لَأَحْسَبُك مُتَعَوِّذًا فقال أَمَا في الْإِسْلَامِ ما أَعَاذَنِي فقال أَجَلْ إنَّ في الْإِسْلَامِ ما أَعَاذَ من اسْتَعَاذَ بِهِ قال وَلَوْ لم يَعْلَمْ قَائِلُ هذا الْقَوْلِ شيئا مِمَّا وَصَفْنَا إلَّا أَنَّهُ وَافَقَنَا على قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَأَنْ يُجْعَلَ مَالُهُ فَيْئًا فَكَانَ حُكْمُهُ عِنْدَهُ حُكْمَ الْمُحَارِبِ من الْمُشْرِكِينَ وكان أَصْلُ قَوْلِهِ في الْمُحَارَبِ أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ في أَيِّ حَالٍ ما كان إسَارٍ أو تَحْتَ سَيْفٍ أو غَيْرِهَا أو على أَيِّ دِينٍ كان حَقَنَ دَمَهُ كان يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ من أَنْ يُقْتَلَ من أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِأَيِّ حَالٍ كان وَإِلَى أَيِّ دِينٍ كان رَجَعَ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا قال بَعْضُ الناس فَهُمْ الْمَشْرِقِيُّونَ وإذا قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا أو بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِنَا فَهُوَ مَالِكٌ - * خِلَافُ بَعْضِ الناس في الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في غَيْرِ ما خَالَفَنَا فيه بَعْضُ أَصْحَابِنَا من الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ فقال إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عن الاسلام حُبِسَتْ ولم تُقْتَلْ وَإِنْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ تَخْدِمُ الْقَوْمَ دُفِعَتْ إلَيْهِمْ وَأُمِرُوا بِأَنْ يُجْبِرُوهَا على الْإِسْلَامِ قال وَكَانَتْ حُجَّتُهُ في أَنْ لَا تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ على الرِّدَّةِ شيئا رَوَاهُ عن عَاصِمٍ عن أبي رَزِينٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في المراة تَرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ تُحْبَسُ وَلَا تُقْتَلُ وَكَلَّمَنِي بَعْضُ من يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ وَبِحَضْرَتِنَا جَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَسَأَلْنَاهُمْ عن هذا الحديث فما عَلِمْت وَاحِدًا منهم سَكَتَ عن أَنْ قال هذا خَطَأٌ وَاَلَّذِي رَوَى هذا ليس مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ فَقُلْت له قد سَمِعْت ما قال هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا شَكَّ في عِلْمِهِمْ بِحَدِيثِك وقد رَوَى بَعْضُهُمْ عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ قَتَلَ نِسْوَةً ارْتَدَدْنَ عن الْإِسْلَامِ فَكَيْف لم تَصِرْ إلَيْهِ قال إنِّي إنَّمَا ذَهَبْت في تَرْكِ قَتْلِ النِّسَاءِ إلَى الْقِيَاسِ على السُّنَّةِ لِمَا نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قَتْلِ النِّسَاءِ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ كان النِّسَاءُ مِمَّنْ ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى عِنْدِي أَنْ لَا يُقْتَلْنَ وَقُلْت له أو جَعَلْتهنَّ قِيَاسًا على أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الشِّرْكَ جَمَعَهُنَّ قال لَا قُلْت وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا زَعَمْت عن قَتْلِ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَجِيرِ مع نَهْيِهِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت أَفَرَأَيْت شَيْخًا فَانِيًا وَأَجِيرًا ارْتَدَّا أَتَقْتُلُهُمَا أَمْ تَدَعْهُمَا لِعِلَّتِك بِالْقِيَاسِ على أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فقال بَلْ أَقْتُلُهُمَا قُلْت فَرَجُلٌ ارْتَدَّ فَتَرَهَّبَ قال فَأَقْتُلُهُ قُلْت وَأَنْتَ لَا تَقْتُلُ الرُّهْبَانَ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قال لَا قُلْت وَتَغْنَمُ مَالَ الشَّيْخِ وَالْأَجِيرِ وَالرَّاهِبِ وَلَا تَغْنَمُ مَالَ الْمُرْتَدِّ قال نعم قُلْت لِمَ أَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُشْبِهُ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ قال ما يُشْبِهُهُ قُلْت أَجَلْ وَلَئِنْ كُنْت عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ فَأَرَدْت أَنْ تُشْبِهْ على أَهْلِ الْجَهَالَةِ لِيُشْرَعَ قَوْلُك فإذا لم أَقْتُلْ النِّسَاءَ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لم أَقْتُلُهُنَّ مِمَّنْ ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ يُسْرِعُ هذا إلَى قُلُوبِهِمْ بِجَهْلِهِمْ والغبا ( ( ( والغباء ) ) ) الذي فِيهِمْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ ليس في هذا الْقَوْلِ أَكْثَرُ من تَعَقُّلِهِمْ أَنَّ هذه الْمَنْزِلَةَ قَرِيبَةٌ من الْمَأْثَمِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عز وجل وَلَئِنْ كان هذا اجْتِهَادًا أَنَّ من نَسَبَك إلَى الْعِلْمِ بِالْقِيَاسِ لَجَاهِلٌ بِالْقِيَاسِ أَرَأَيْت إذَا كان حُكْمُ الْمُرْتَدَّةِ عِنْدَك أَنْ لَا تُقْتَلَ كَيْفَ حَبَسْتهَا وَأَنْتَ لَا تَحْبِسُ الْحَرْبِيَّةَ إنَّمَا تَسْبِيهَا وَتَأْخُذُ مَالَهَا وَأَنْتَ لَا تَسْتَأْمِنُ هذه وَلَا تَأْخُذُ مَالَهَا أَرَأَيْت لو كان الْحَبْسُ حَقًّا عليها كَيْفَ عَطَّلْت الْحَبْسَ عن الْأَمَةِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا أَهْلُهَا أو رَأَيْت أَهْلَ الْأَمَةِ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهَا وقد سَرَقَتْ أَتَقْطَعُهَا إذَا سَرَقَتْ وَتَقْتُلُهَا إذَا قَتَلَتْ وَلَا تَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا قال نعم قُلْت لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يُعَطَّلُ ع

(6/167)


الْأَمَةِ كما لَا يُعَطَّلُ عن الْحُرَّةِ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ عَطَّلْت عنها الْحَبْسَ إنْ كان حَقًّا في هذا الْمَوْضِعِ أو حَبَسْت الْحُرَّةَ إنْ لم يَكُنْ الْحَبْسُ حَقًّا قال وَقُلْت له هل تَعْدُو الْحُرَّةُ أَنْ تَكُونَ في مَعْنَى ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ فَتَكُونُ مُبَدِّلَةً دِينَهَا فَتُقْتَلُ أو يَكُونُ هذا على الرَّجُلِ دُونَهَا فَمَنْ أَمَرَك بِحَبْسِهَا وَهَلْ رَأَيْت حَبْسًا قَطُّ هَكَذَا إنَّمَا الْحَبْسُ لِيَبِينَ لَك الْحَدُّ فَقَدْ بَانَ لَك كُفْرُهَا فَإِنْ كان عليها قَتْلٌ قتلتها ( ( ( قتلها ) ) ) وَإِنْ لم يَكُنْ فَالْحَبْسُ لها ظُلْمٌ قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنَّ قَتْلَهَا نَصٌّ في سَنَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِقَوْلِهِ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَقَوْلُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ كانت كَافِرَةً بَعْدَ إيمَانٍ فَحَلَّ دَمُهَا كما إذَا كانت زَانِيَةً بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَاتِلَةَ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ قُتِلَتْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ عليها حَدٌّ وَيُعَطَّلَ الْآخَرُ وَأَقُولُ الْقِيَاسُ فيها على حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لو لم يَكُنْ هذا أَنْ تَقْتُلَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ في حَدٍّ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال جَلَّ ذِكْرُهُ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } فقال الْمُسْلِمُونَ في اللَّاتِي يَرْمِينَ الْمُحْصَنَاتِ يُجْلَدْنَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولم يُفَرِّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ يَرْمِي إذْ رَمَتْ فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ في الْحَدِّ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما يَزِيدُ قَوْلُهُ قَوْلَنَا قُوَّةً وَلَا خِلَافُهُ وَهْنًا وَقُلْت لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ قد خَالَفْتُمْ في الْمُرْتَدِّ أَيْضًا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ في مَوْضِعٍ آخَرَ قُلْت أَلَيْسَ الْأَحْيَاءُ مَالِكِينَ أَمْوَالَهُمْ قال بَلَى قُلْت وَإِنَّمَا نَقَلَ اللَّهُ مِلْكَ الْأَحْيَاءِ إلَى وَرَثَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ قال بَلَى قُلْت فَالْحَيُّ خِلَافُ الْمَيِّتِ قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُرْتَدَّ مَعَنَا في دَارِ الْإِسْلَامِ أَسِيرًا أو هَارِبًا أو مَعْتُوهًا بَعْدَ الرِّدَّةِ أَلَيْسَ على مِلْكِ مَالِهِ لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ حَيٌّ وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ قال بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا ارْتَدَّ بطرسوس ( ( ( بطرسس ) ) ) وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ نَرَاهُ فَتَرَهَّبَ أو كان يُقَاتِلُ وَنَحْنُ نَرَاهُ أَيُشَكُّ أَنَّهُ حَيٌّ قال لَا قُلْت وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عز وجل الْأَحْيَاءَ من الْمَوْتَى قال { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ } وقال عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ } قال نعم قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُورَثُ كما يُورَثُ الْمَيِّتُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ في لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْنُ على يَقِينٍ من حَيَاتِهِ أَيُشْكِلُ عَلَيْك أَنَّ هذا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ وَرَّثْت من حَيٍّ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ الْمَوْتَى وَالْمَوْتَى خِلَافُ الْأَحْيَاءِ وفي تَوْرِيثِك من حَيٍّ خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَالدُّخُولُ فِيمَا عِبْت على من سِجِلٍّ أَنَّك تَتَّبِعُ حُكْمَهُ قال وَمَنْ هو قُلْت عُمَرُ وَعُثْمَانُ قَضَيَا في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى ثُمَّ تُنْكَحُ وَالْمَفْقُودُ من لَا يُسْمَعُ له بِذِكْرٍ وقد يَكُونُ الْأَغْلَبُ من هذا أَنَّهُ مَاتَ وقد يُفَرَّقُ بين الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا بِأَشْيَاءَ من عَجْزٍ عن جِمَاعِهَا وَغَيْرِ ذلك نَفْيًا لِلضَّرَرِ وفي ذَهَابِهِ مَفْقُودًا ضَرَرٌ قد يَغْلِبُ على الظَّنِّ مَوْتُهُ فَقُلْت لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَنَ لها تُنْكَحُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِنْ طَالَتْ حتى تَكُونَ على يَقِينٍ من مَوْتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا جَعَلَ عليها الْعِدَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قُلْت بِرَأْيِك لَا مُتَقَدِّمٌ لَك فيه وَقَضَيْت قَوْلَك وَحْدَك تُورَثُ من الْحَيِّ في سَاعَةٍ من نَهَارٍ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عز وجل من الْمَوْتَى فَلَوْ لم تَرُدَّ على هذا كُنْت لم تَعِبْ من قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ شيئا إلَّا دَخَلْت في أَعْظَمَ منه وَأَوْلَى بِالْعَيْبِ وَقُلْت له أنت تَزْعُمُ أَنَّ الْقَوْلَ الذي لَا كِتَابَ فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) عَفَا اللَّهُ عنه فَقُلْنَا له النَّصُّ عَلَيْك وَالْقِيَاسُ عَلَيْك وَأَنْتَ تَدَّعِي الْقِيَاسَ حَيْثُ تُخَالِفُهُ فقال أَمَا إنَّ أَبَا يُوسُفَ قد قال قَوْلَكُمْ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُقْتَلُ فَقُلْت أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذلك خَيْرًا له

(6/168)


وَلَا سُنَّةَ لَا يَجُوزُ إلَّا خَبَرًا لَازِمًا أو قِيَاسًا ( 1 ) فَقَوْلُك في الْمَرْأَةِ لَا تُقْتَلُ خَبَرٌ قال لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لم أَقْدَرِ على قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا هَرَبَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَتَقْدِرُ في حَالِ هَرَبِهِ على قَتْلِهِ أو اسْتِتَابَتِهِ قال لَا قُلْت وَكَذَلِكَ لو عَتِهَ بَعْدَ الرِّدَّةِ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ بِمَعْنَى لم تَكُنْ قَادِرًا على قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ قال نعم قُلْت فَالْعِلَّةُ التي اعْتَلَلْت بها من أَنَّك لَا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ في هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَلَا نَرَاكَ قَسَمْت مِيرَاثَهُ فِيهِمَا وَحَكَمْت عليه حُكْمَ الْمَوْتَى فَلَا أَسْمَعُ قَوْلَك مع خِلَافِهِ الْكِتَابَ إلَّا يَتَنَاقَصُ وَهَذَا الذي عِبْت على غَيْرِك أَقَلُّ منه ( قال ) وَقُلْت له أَرَأَيْت لو كانت رِدَّتُهُ وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ تُوجِبُ عليه حُكْمَ الْمَوْتَى أَمَا كان يَلْزَمُك لو رَجَعَ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَائِبًا أَنْ تُمْضِيَ عليه حُكْمَ الْمَوْتَى قال لَا أُمْضِي ذلك عليه وقد رَجَعَ قُلْت فَرِدَّتُهُ إذَا عَتِهَ وَلُحُوقُهُ لَا يُوجِبَانِ حُكْمَ الْمَوْتَى عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال أو قال بَعْضُ من حَضَرَهُ مِمَّنْ يقول بِقَوْلِهِ أو هُمَا إنَّمَا أَخَذْنَا بهذا أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَتَلَ مُرْتَدًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ من الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَهُ فَقُلْت له سَمِعْت من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ من يَزْعُمُ أَنَّ الْحُفَّاظَ لم يَحْفَظُوا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قَسْمَ مَالِهِ بين وَرَثَتِهِ من الْمُسْلِمِينَ وَنَخَافُ أَنْ يَكُونَ الذي زَادَ هذا غَلَطٌ وَقُلْت له أَرَأَيْت أَصْلَ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَلَيْسَ إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لم يَكُنْ في أَحَدٍ معه حُجَّةٌ قال بَلَى قُلْت فَقَدْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَيْفَ خَالَفْته + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْكَافِرَ الذي لم يَكُنْ أَسْلَمَ فَقُلْت له أَفَتَرَى في الحديث دَلَالَةً على ذلك قال قد يَحْتَمِلُ قُلْت فَإِنْ جَازَ هذا لَك لم يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ يَرِثُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لو مَاتُوا مُسْلِمِينَ وهو في رِدَّتِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ في الْمِيرَاثِ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا حَكَمْت عليه وهو بِدَارِ الْحَرْبِ حُكْمَ الْمَوْتَى فَأَعْتَقْت أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَأَحْلَلْت دينه ( ( ( ديته ) ) ) الْبَعِيدَ الْأَجَلِ وَقَسَمْت مِيرَاثَهُ بين وَرَثَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا وَذَلِكَ كُلُّهُ قَائِمٌ في أَيْدِي من أَخَذَهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَالْمُدَبَّرُونَ حُضُورٌ هل يَجُوزُ في حُكْمٍ مَضَى إلَّا أَنْ تَرُدَّهُ أو تُنْفِذَهُ قال لَا قُلْت فَقُلْ في هذا أَيَّهُمَا شِئْت إنْ شِئْت فَهُوَ نَافِذٌ وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَرْدُودٌ قال بَلْ نَافِذٌ في مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلَا يَرْجِعُونَ رَقِيقًا وفي دَيْنِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى أَجَلِهِ وَإِنْ وَجَدْته قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَفَذَ فيه وما وَجَدْت في أَيْدِي وَرَثَتِهِ رَدَدْته لِأَنَّهُ مَالُهُ وهو حَيٌّ فَقُلْت له إنَّمَا حَكَمْت في جَمِيعِ مَالِهِ الْحُكْمَ في مَالِ الْمَيِّتِ فَكَيْف أَنَفَذْت بَعْضًا وَرَدَدْت بَعْضًا أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ بَلْ أَنْفَذَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ عليه في حَاجَتِهِ وَيَرِثُهُمْ وَلَا أَنْفَذَ لِغُرَمَائِهِ وَلَا مُدَبَّرِيهِ وَلَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَلَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَعْقَلَ بِشَيْءٍ مِنْك وَإِنْ كان هذا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ ( قال ) وَقُلْت له أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أو مُؤْمِنًا قال بَلْ كَافِرٌ قُلْت فَقَدْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ عن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَيْفَ وَرَّثْت الْمُسْلِمَ من الْكَافِرِ قال قد كانت ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ قُلْت أَفَرَأَيْت لو مَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ وهو مُرْتَدٌّ أَتُوَرِّثُهُ منه قال لَا لِأَنَّهُ كَافِرٌ قُلْت ما أَبْعَدَك وَاَللَّهُ يُصْلِحُنَا وَإِيَّاكَ من أَنْ تَقِفَ على تَصْحِيحِ قَوْلِ نَفْسِك أو تَتَّبِع السُّنَّةَ إنْ زَعَمْت أَنَّ حاله إنْ ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ حَالُ الْمُسْلِمِينَ في أَنْ يُورَثَ بَعْدَ ذلك فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي له أَنْ يَرِثَ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ انْتِقَالَهُ عن الْإِسْلَامِ مَنَعَهُ ذلك ثُمَّ حَوَّلَ حُكْمَهُ حتى صِرْت تَقْتُلُهُ وَتَجْعَلُهُ في أَسْوَأِ من حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ لَك أَنْ تَدَعَهُمْ من الْقَتْلِ وَلَيْسَ لَك تَرْكُهُ منه فَكَيْفَ وَرَّثْت منه مُسْلِمًا وهو كَافِرٌ

(6/169)


ما أَقُولُ بهذا قُلْت أَجَلْ وَلَا أَنْ تُحَوِّلَ الحديث عن ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ فيه وَلَا في غَيْرِهِ عَمَّنْ الْحَدِيثُ عنه وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ هذا في أَهْلِ الْأَوْثَانِ من الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَرِثُهُمْ الْمُسْلِمُونَ كما يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ قال فَإِنَّمَا قُلْت ذلك لِشَيْءٍ رَوَيْته عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلَعَلَّ عَلِيًّا قد عَلِمَ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت أَفَعَلِمْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه رَوَى ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) قد رَوَاهُ ولم تَقُلْ ذلك إلَّا بِعِلْمٍ قال ما عَلِمْت قُلْت فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُون عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لم يَسْمَعْهُ قال نعم وهو يُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَهَبَ عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقِيلَ له لَقَلَّمَا رَأَيْتُك تَرَى أَنَّ لَك الْحُجَّةَ في شَيْءٍ إلَّا لَزِمَك مِثْلُهُ أو أَكْثَرَ منه ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ ثُمَّ لَا يَمْنَعُك ذلك من الْعَوْدَةِ لِمِثْلِهِ فَإِنْ كان هذا غَبَاءٌ فَلَوْ أَمْسَكْت عن أَنْ تَحْتَجَّ وَإِنْ كان هذا عَمْدًا أَنْ تُلْبِسَ على جَاهِلٍ فَهَذَا أَسْوَأُ لِحَالِك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَلَعَلَّهُ لَا يَسَعُك ذلك وقد أَدْخَلْت عَالَمًا كَثِيرًا من أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ يَكُونُوا مُفْتِينَ في خِلَافِ كَثِيرٍ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فقال منهم قَائِلٌ فَهَلْ رَوَيْت في مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ شيئا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت إذْ أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وكان كَافِرًا فَفِي السُّنَّةِ كِفَايَةٌ من أَنَّ مَالَهُ مَالُ كَافِرٍ وَلَا وَارِثَ له فَإِنَّمَا هو فَيْءٌ وقد رُوِيَ ان مُعَاوِيَةَ رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ إلَى بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ عنه يَسْأَلُهُمَا عن مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ فَقَالَا لِبَيْتِ الْمَالِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِيَانِ أَنَّهُ فَيْءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال فَكَيْفَ خَمَّسْته قُلْت الْمَالُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صَدَقَةٌ وَغَنِيمَةٌ قُوتِلَ عليها وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ من هَذَيْنِ وَفَيْءٌ قِسْمَتُهُ في سُورَةِ الْحَشْرِ بِأَنْ كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُمُسُهُ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ قال فقال بَعْضُهُمْ فإن من أَصْحَابِكُمْ من زَعَمَ أَنَّ بن خَطَلٍ ارْتَدَّ فَقَتَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَسْمَعْ أَنَّهُ غَنِمَ مَالَهُ فَقُلْت له أَنْتُمْ تَنْسِبُونَ أَنْفُسَكُمْ إلَى الصَّبْرِ على الْمُنَاظَرَةِ وَالنَّصَفَةِ وَتَنْسِبُونَ أَصْحَابَنَا إلَى الْغَفْلَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ طَرِيقَ الْمُنَاظَرَةِ فَكَيْفَ صِرْت إلَى الْحُجَّةِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ هو وَأَصْحَابُهُ عِنْدَك كما تَصِفُ قال أَفَعَلِمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَنِمَ مَالَ بن خَطَلٍ قُلْت وَلَا عَلِمْته وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلِمْت له مَالًا أَفَرَأَيْت إنْ جَازَ لَك أَنْ تُوهِمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَغْنَمْهُ لِأَنَّهُ لم يَرْوِ عنه أَنَّهُ غَنِمَهُ أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَنِمَهُ قال نعم وَلَا يَجُوزُ واحد ( ( ( لواحد ) ) ) مِنْهُمَا ثُمَّ يَجُوزُ لِثَالِثٍ أَنْ يَقُولَ لم يَكُنْ له مَالٌ ثُمَّ لو أَجَزْت التَّوَهُّمَ جَازَ أَنْ يُقَالَ كان له مَالٌ فَغَنِمَ بَعْضَهُ قال لَا يَجُوزُ هذا قال فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِك أَنَّ رَجُلًا ارْتَدَّ في عَهْدِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فلم يَتَعَرَّضْ عُمَرُ لِمَالِهِ وَلَا عُثْمَانُ بَعْدَهُ قُلْنَا لَا نَعْرِفُ هذا ثابتا ( ( ( ثابت ) ) ) عن عُمَرَ وَلَا عن عُثْمَانَ وَلَوْ كان خِلَافَ قَوْلِك وَبِمَا قُلْنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقِيلَ له ليس بِثَابِتٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وقد كَلَّمْتُمُونَا على أَنَّهُ ثَابِتٌ فلم يَكُنْ لَك فيه حُجَّةٌ وَيُعَادُ عَلَيْك بِأَكْثَرَ من حُجَّتِك فَإِنْ كانت فيها حُجَّةٌ لَزِمَك ما زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُك وَغَيْرُك وَإِنْ لم يَكُنْ فيها حُجَّةٌ اسْتَدْلَلْت على أَنَّك لم تَحْتَجَّ بِشَيْءٍ تَجُوزُ الْحُجَّةُ بِهِ قال وما هو قُلْت رُوِيَ عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا من كَافِرٍ أَحْسِبُهُ ذِمِّيًّا وَرُوِيَ عن مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ وَرَّثَ الْمُسْلِمَ من الْكَافِرِ ولم يُوَرِّثْ الْكَافِرَ من الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالًا مَنَعَهُمْ من الْإِسْلَامِ أَنْ يُحْرَمُوا مَوَارِيثَ آبَائِهِمْ وَأَعْجَبَ مَسْرُوقُ بن الْأَجْدَعِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ فقال نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كما يَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَحِلُّ لهم نِسَاؤُنَا وَرُوِيَ عن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَعَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وفي هذا الْمَعْنَى قَوْلُ مُعَاذِ بن جَبَلٍ وهو يَجُوزُ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ لم يَذْهَبْ عليه قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِ معه من سَمَّيْنَا وَغَيْرَهُمْ وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَحْتَمِلُ ما زَعَمْت أَنَّهُ يَحْتَمِلُ من أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ على بَعْضِ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ فَنُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ من الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ كما يَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ قال لَا يَجُوزُ إذَا جاء الشَّيْءُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِجُمْلَتِهِ وَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِدَلَالَةٍ عنه أو من يَرْوِي الحديث عنه وقد يَذْهَبُ على مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ بَعْضُ حَدِيثِهِ

(6/170)


أَشْبَهُ قال فَكَيْفَ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ مَالُهُ وَتَرْوُونَ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا لم يَقْسِمَاهُ وَتَقُولُ لم يَتَعَرَّضْ له وقد يَكُونُ بِيَدَيْ من وَثِقَ بِهِ أو يَكُونُ ضَمِنَهُ من هو في يَدِهِ ولم يَبْلُغُهُ مَوْتُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيْئًا (1) ( أخبرنا ) الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ لم يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَنْ يَكُونَ صَادَمَا فَمَاتَا مَعًا وَفَرَسَاهُمَا فَنِصْفُ دِيَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على عَاقِلَةِ صَادِمِهِ من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الظَّاهِرِ مَاتَ من جِنَايَةِ نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ فَتُرْفَعُ عنه جِنَايَةُ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ له بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا فَرَسَاهُمَا إلَّا أَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ فَرَسِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِ صَادِمِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَهَكَذَا لو أَنَّ عَشَرَةً يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ أو عَرَّادَةٍ فَوَقَعَ الْحَجَرُ عليهم مَعًا فَقَتَلَ كُلٌّ وَاحِدًا ضَمِنَ عَوَاقِلُ التِّسْعَةِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ دِيَةِ الْمَيِّتِ من قِبَلِ أَنَّهُ مَاتَ من فِعْلِهِمْ وَفِعْلِهِ فَلَا يَعْقِلُونَ فِعْلَهُ وَيَعْقِلُونَ فِعْلَ أَنْفُسِهِمْ قال وَهَكَذَا لو كان اثْنَانِ فَرَمَيَا بِمَنْجَنِيقٍ فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْمَيِّتِ كَالْمَسْأَلَةِ فيه قَبْلَهَا قال وَلَوْ مَاتَا مَعًا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْآخَرِ وَهَكَذَا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ قال وإذا اشْتَرَكَ في الْجِنَايَةِ من عليه عَقْلٌ وَمَنْ لَا عَقْلَ عليه ضَمِنَ من عليه الْعَقْلُ وَطَرَحَ حِصَّةَ من لَا عَقْلَ عليه كما وَصَفْنَا في الْإِنْسَانِ يَجْنِي على نَفْسِهِ هو وَغَيْرُهُ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ وَيُقْضَى على غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْإِنْسَانِ وَالسَّبُعِ يَجْنِيَانِ على الْإِنْسَانِ فَيَمُوتُ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ من الْجَانِي فَنِصْفُ عَقْلِ الْمَجْنِيِّ عليه على عَاقِلَةِ الْجَانِي وَحِصَّةُ السَّبُعِ منها هَدَرٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كانت سَفِينَتَانِ اصْطَدَمَتَا فَانْكَسَرَتَا فَكَانَ لَا يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدٍ من أَهْلِ السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ صَرَفَهَا عن صَدْمِ الْأُخْرَى بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَلَا حَالٌ من الْأَحْوَالِ لَا بِإِضْرَارٍ بها وَبِرُكْبَانِهَا أو بِلَا إضْرَارٍ بها وَلَا بِرُكْبَانِهَا فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ فَإِنْ كان لَا يُمْكِنُهُمْ ذلك بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ أَبَدًا فما صَنَعَا هَدَرٌ قال وإذا كان في السَّفِينَةِ أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ فيها عَمَلًا غَرِقَتْ بِسَبَبِهِ فَإِنْ كان رَبُّ السَّفِينَةِ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وَلَا شَيْءَ فيها إلَّا لِرَبِّ السَّفِينَةِ فَلَا شَيْءَ على الَّذِينَ مَدُّوهَا وَلَا على رَبِّ السَّفِينَةِ فَإِنْ كان فيها شَيْءٌ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كان ما أَمَرَهُمْ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْبَحْرِ من صَلَاحِ السَّفِينَةِ وَنَجَاتِهَا لم يَضْمَنْ ولم يَضْمَنُوا وَإِنْ كان من غَيْرِ صَلَاحِهَا ضَمِنَ في قَوْلِ من يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَ صَاحِبَ السَّفِينَةِ إذَا كان أَخَذَ عليها أَجْرًا ولم يَضْمَنْ الْأُجَرَاءُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ ما هَلَكَ له من قِبَلَ أَنَّهُمْ بِأَمْرِهِ فَعَلُوا وَلَوْ كان رَبُّ الطَّعَامِ مع الطَّعَامِ فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لم يَضْمَنُوا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بِأَمْرِهِ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ قال وَإِنْ كان في السَّفِينَةِ أُجَرَاءُ وَلَيْسَ فيها رَبُّهَا فَفَعَلُوا هذا الْفِعْلَ فَمَنْ ضَمِنَ الْأَجِيرُ ضَمِنَهُمْ وَمَنْ لم يَضْمَنْ الْأَجِيرُ لم يَضْمَنْهُمْ إلَّا فِيمَا فَعَلُوا مِمَّا ليس فيه صَلَاحٌ لها فَيَكُونُ ذلك جِنَايَةً يَضْمَنُونَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال منهم قَائِلٌ فَكَيْفَ قُلْت إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لم يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إلَّا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قُلْت قُلْته أَنَّهُ في مَعْنَى حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَأَيْنَ قُلْت إذَا كان الزَّوْجَانِ الْوَثَنِيَّانِ مُتَنَاكِحَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَحَرُمَ على الْآخَرِ قال فَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنْتَهَى بَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ من الزَّوْجِ أَنْ تَمْضِيَ عِدَّتَهَا قبل أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرَ مِنْهُمَا إسْلَامًا بِدَلَالَةٍ عنه مِمَّنْ رَوَى الحديث كان هَكَذَا الْمُسْلِمَانِ مُتَنَاكِحَيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا ما حَرَّمَ بِهِ على الْآخَرِ فَإِنْ رَجَعَ قبل مُضِيِّ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ كَانَا على أَصْلِ النِّكَاحِ كما كان الْحَرْبِيَّانِ قال فَهَلْ خَالَفَ هذا من أَصْحَابِكَ أَحَدٌ فَقُلْت أما أحد ( ( ( أحدا ) ) ) يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً فَلَا أَعْلَمُهُ وَأَصْحَابِي عِنْدَك كما عَلِمْت فما مَسْأَلَتُك عن قَوْلِ من لَا تَعْتَدُّ بِقَوْلِهِ وَافَقَك أو خَالَفَك - * اصْطِدَامُ السَّفِينَتَيْنِ وَالْفَارِسَيْنِ - * ( 1 )

(6/171)


- * مَسْأَلَةُ الْحَجَّامِ وَالْخَاتِنِ وَالْبَيْطَارِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ يُضَمِّنُ هَؤُلَاءِ وَإِنَّ في تَرْكِهِمْ تَضْمِينَ هَؤُلَاءِ لِمَا وَجَّهَ بِهِ من لَا يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ الْحُجَّةُ عليهم لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْغَوْا الضَّمَانَ عَمَّنْ لم يَبْعُدْ من هَؤُلَاءِ لَزِمَهُمْ إلْغَاؤُهُ عَمَّنْ لم يُبْعِدْ من الصُّنَّاعِ وما عَلِمْت أَنِّي سَأَلْت أَحَدًا منهم فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ من أَنْ قال هذا أَذِنَ لِلصَّانِعِ قَلَّمَا وَكَذَلِكَ ذَاكَ أَذِنَ للصنانع ( ( ( للصانع ) ) ) وما وَجَدْت بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا فَرْقًا خَطَرَ بِبَالِي فَقَدْ يُفَرِّقُ الناس بِمَا هو أَبْعَدُ منه وَأَغْمَضُ وما هو بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ وَذَلِكَ أَنَّ ما كان فيه رُوحٌ قد يَمُوتُ بِقَدَرِ اللَّهِ عز وجل لَا من شَيْءٍ عَرَفَهُ الْآدَمِيُّونَ فلما عَالَجَ هَؤُلَاءِ فيه شيئا فَمَاتَ لم يَكُنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ من عِلَاجِهِمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ من غَيْرِهِ فلم يَضْمَنْ من قِبَلَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ له فِيمَا فَعَلَ وَغَيْرُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ مِمَّا صُنِعَ إنَّمَا جُعِلَ إتْلَافُهُ بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ فيه الْآدَمِيُّونَ أو يحدث ( ( ( بحدث ) ) ) يُرَى وَمَنْ فَرَّقَ بهذا الْفَرْقِ دخل عليه أَنْ يُقَالَ فَأَنْتَ لو كان هَؤُلَاءِ مُتَعَدِّينَ جَعَلْتهمْ مَاتُوا بهذا الْفِعْلِ وَإِنْ كان يُمْكِنُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ في الصُّنَّاعِ كُلِّهِمْ ( قال ) وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَخْبِزَ له خُبْزًا مَعْلُومًا في تَنُّورٍ أو فُرْنٍ فَاحْتَرَقَ الْخُبْزُ سُئِلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كان خُبْزُهُ في حَالٍ لَا يُخْبَزُ في مِثْلِهَا بِاسْتِيقَادِ التَّنُّورِ أو شِدَّةِ حمرته ( ( ( جمرته ) ) ) أو تَرَكَهُ تَرْكًا لَا يُتْرَكُ مِثْلُهُ فَهَذَا كُلُّهُ تَعَدٍّ يَضْمَنُ فيه بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَ من يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ لم يُضَمِّنْهُ وَإِنْ قالوا الْحَالُ التي خَبَزَ فيها وَاَلَّتِي تَرَكَهُ فيها وَالْعَمَلُ الذي عَمِلَ فيه صلاح ( ( ( إصلاح ) ) ) لَا إفْسَادٌ لم يَضْمَنْ عِنْدَ من لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ ضَمِنَ عِنْدَ من يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إنَاءً من قَوَارِيرَ فَأَخَذَهُ الْمُسْتَوْدِعُ في يَدِهِ لِيُحْرِزَهُ في مَنْزِلِهِ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ من غَيْرِ فِعْلِهِ فَانْكَسَرَ لم يَضْمَنْ وَإِنْ أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ مُخْطِئًا أو عَامِدًا قبل أَنْ يَصِيرَ إلَى الْبَيْتِ أو بَعْدَ ما صَارَ إلَيْهِ فَهُوَ له ضَامِنٌ - * مَسْأَلَةُ الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ فَيَضْرِبُهَا فَتَمُوتُ - * + ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ فَضَرَبَهَا أو كَبَحَهَا بِلِجَامٍ أو رَكَضَهَا فَمَاتَتْ سُئِلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَإِنْ كان فَعَلَ من ذلك ما يَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلَا يَكُونُ فيه عِنْدَهُمْ خَوْفُ تَلَفٍ أو فَعَلَ في الْكَبْحِ وَالضَّرْبِ مِثْلَ ما يُفْعَلُ بِمِثْلِهَا عند ما فَعَلَهُ فَلَا أَعُدُّ ذلك خِرْقَةً وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان فَعَلَ ذلك عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَكُونُ بمثله تَلَفًا أو فَعَلَهُ في الْمَوْضِعِ الذي لَا يُفْعَلُ في مِثْلِهِ ضَمِنَ في كل حَالٍ من قِبَلِ أَنَّ هذا تَعَدٍّ وَالْمُسْتَعِيرُ هَكَذَا إنْ كان صَاحِبُهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَّهُ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُضَمِّنَّهُ الْعَارِيَّةَ فَهُوَ ضَامِنٌ تَعَدَّى أو لم يَتَعَدَّ فَأَمَّا الرَّائِضُ ( 1 ) فإن من شَأْنِ الرُّوَّاضِ الذي يُعْرَفُ بِهِ إصْلَاحُهُمْ الدَّوَابَّ الضَّرْبَ على
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْجُمَهُ أو يَخْتِنَ غُلَامَهُ أو يُبَيْطِرَ دَابَّتَهُ فَتَلِفُوا من فِعْلِهِ فَإِنْ كان فَعَلَ ما يُفْعَلُ مِثْلُهُ مِمَّا فيه الصَّلَاحُ لِلْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الصِّنَاعَةِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ كان فَعَلَ ما لَا يُفْعَلُ مِثْلُهُ من أَرَادَ الصَّلَاحَ وكان عَالِمًا بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَهُ أَجْرُ ما عَمِلَ في الْحَالَيْنِ في السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ قال أبو مُحَمَّدٍ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا فَعَلَ ما لَا يُفْعَلُ فيه مِثْلُهُ فَلَيْسَ له من الْأَجْرِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَالْعَمَلُ الذي عَمِلَهُ لم يُؤْمَرْ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَا أَجْرَ له وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ

(6/172)


حَمْلِهَا من السَّيْرِ وَالْحَمْلِ عليها من الضَّرْبِ أَكْثَرَ مِمَّا تَفْعَلُ الرِّكَابُ غَيْرُهُمْ فإذا فَعَلَ من ذلك ما يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّيَاضَةِ إصْلَاحًا وَتَأْدِيبًا لِلدَّابَّةِ بِلَا إعْنَاتٍ بَيِّنٍ لم يَضْمَنْ إنْ عِيبَتْ وَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ هذا كان مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ وَالْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ هَكَذَا كَالْمُكْتَرِي في رُكُوبِهَا إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وإذا لم يَتَعَدَّ لم يَضْمَنْ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُهُ الذي نَأْخُذُ بِهِ في الْمُسْتَعِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ تَعَدَّى أو لم يَتَعَدَّ لِحَدِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم العارية ( ( ( العرية ) ) ) مَضْمُونَةٌ مؤداه وهو آخِرُ قَوْلَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ ما لِلرِّعَاءِ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِمَّا لَا صَلَاحَ لِلْمَاشِيَةِ إلَّا بِهِ وَمِمَّا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ بِمَوَاشِي أَنْفُسِهِمْ على اسْتِصْلَاحِهَا وما إذَا رَأَوْا من يَفْعَلُهُ بِمَوَاشِيهِمْ مِمَّنْ يَلِي رَعِيَّتَهَا كان عِنْدَهُمْ صَلَاحًا لَا تَلَفًا وَلَا خِرْقَةً يَفْعَلُهُ الرَّاعِي لم يَضْمَنْ وَإِنْ تَلِفَ وَإِنْ فَعَلَ ما يَكُونُ عِنْدَهُمْ خِرْقَةً فَتَلِفَ منه شَيْءٌ ضَمِنَهُ عِنْدَ من لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَهُ في كل حَالٍ - * جِنَايَةُ مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ - * (1)
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْآدَمِيِّينَ كُلِّهِمْ مُخَالِفٌ لِرَاعِي الْبَهَائِمِ وَصُنَّاعِ الْأَعْمَالِ فإذا ضَرَبَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ في اسْتِصْلَاحِ الْمَضْرُوبِ أو غَيْرِ اسْتِصْلَاحِهِ فَتَلِفَ الْمَضْرُوبُ كانت فيه دِيَتُهُ على عَاقِلَةِ ضَارِبِهِ وَلَا يُرْفَعُ عن أَحَدٍ أَصَابَ الْآدَمِيِّينَ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ في دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا الْإِمَامُ يُقِيمُ الْحَدَّ فإن هذا أَمْرٌ لَازِمٌ وَلَا يَحِلُّ له تَعْطِيلُهُ وَلَوْ عُزِّرَ فَتَلِفَ على يَدَيْهِ كانت فيه الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ كان يَرَى أَنَّ التَّعْزِيرَ جَائِزٌ له وَذَلِكَ أَنَّ التَّعْزِيرَ أَدَبٌ لَا حَدٌّ من حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وقد كان يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا يَأْثَمُ من تَرْكِهِ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ أُمُورًا قد فُعِلَتْ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت غير حُدُودٍ فلم يَضْرِبْ فيها منها الْغُلُولُ في سَبِيلِ اللَّهِ وَغَيْرُ ذلك ولم يُؤْتَ بِحَدٍّ قَطُّ فَعَفَاهُ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي الذي يُبْطِلُ فيه الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ رَجُلٌ يعطى الْخِتَانَ فَيَخْتِنُهُ وَالطَّبِيبُ فَيَفْتَحُ عُرُوقَهُ أو يَقْطَعَ الْعِرْقَ من عُرُوقِهِ خَوْفَ أَكْلَةٍ أو دَاءٍ فَيَمُوتُ في ذلك فَلَا نَجْعَلُ فيه عَقْلًا وَلَا قَوَدًا من قِبَلِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِصَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ إذَا كان الذي فَعَلَ بِهِ ذلك بَالِغًا حُرًّا أو مَمْلُوكًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ كان مَمْلُوكًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ يَسْقُطُ عن الْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ في الْجُرْحِ وَيَقْطَعَ في السَّرِقَةِ وَيَجْلِدَ في الْحَدِّ فَلَا يَكُونَ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَيَكُونَ الْإِمَامُ إذَا أَدَّبَ وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ ضَامِنًا تَلِفَ الْمُؤَدِّبُ قِيلَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فَرْضٌ من اللَّهِ عز وجل على الْوَالِي أَنْ يُقِيمَهُ فَلَا يَحِلُّ له تَرْكُ إقَامَتِهِ وَالتَّعْزِيرُ كما وَصَفْت إنَّمَا هو شَيْءٌ وَإِنْ رَأَى بَعْضُ الْوُلَاةِ أَنْ يَفْعَلَهُ على التَّأْدِيبِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وقد قِيلَ بَعَثَ عُمَرُ إلَى امْرَأَةٍ في شَيْءٍ بَلَغَهُ عنها فَأَسْقَطَتْ فَاسْتَشَارَ فقال له قَائِلٌ أنت مُؤَدِّبٌ فقال له عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه إنْ كان اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ كان لم يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّ عَلَيْك الدِّيَةُ فقال عَزَمْت عَلَيْك لَا تَجْلِسُ حتى تَضْرِبَهَا على قَوْمِك وَبِهَذَا ذَهَبْنَا إلَى هذا وَإِلَى أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ على عَاقِلَتِهِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ * وقال عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ما أَحَدٌ يَمُوتُ في حَدٍّ فَأَجِدُ في نَفْسِي منه شيئا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا من مَاتَ في حَدِّ الْخَمْرِ فإنه شَيْءٌ رايناه بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ مَاتَ فيه فَدِيَتُهُ إمَّا قال على بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قال على الْإِمَامِ وكان مُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْعَبِيدُ وَأُجَرَاءُ الصِّنَاعَاتِ في أَضْعَفَ وَأَقَلَّ عُذْرًا بِالضَّرْبِ من الْإِمَامِ يُؤَدِّبُ الناس على الْمَعَاصِي التي لَيْسَتْ فيها حُدُودٌ وَكَانُوا أَوْلَى أَنْ يَضْمَنُوا ما تَلِفَ من الْإِمَامِ فَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَالٌ حُكْمُهَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَنْفُسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْمِي الشَّيْءَ فَيُصِيبُ آدَمِيًّا فَيَكُونُ عليه فيه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لم يَقْصِدْ قَصْدَ مَعْصِيَةٍ وَالْمَأْثَمُ مَرْفُوعٌ عنه في الْخَطَأِ وَيَكُونُ عليه دِيَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَ قَاتِلَ الْعَمْدِ النَّارَ وَلَيْسَ الْبَهَائِمُ في شَيْءٍ من هذا الْمَعْنَى وَالْآدَمِيُّونَ يُؤَدِّبُونَ على الصِّنَاعَات

(6/173)


بِالْكَلَامِ فَيَعْقِلُونَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا مُؤَدِّبُ الْبَهَائِمِ فإذا خَلَّى رَبُّ الْبَهِيمَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِمَا يَجُوزُ له فَفَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ عن أَمْرِهِ أو بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فيه أَنَّهُ كَأَمْرِهِ إذَا كان ذلك غير تَعَدٍّ وهو لو أَمَرَهُ في الْبَهِيمَةِ بِعُدْوَانٍ فَأَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا لم يَضْمَنْ له شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ عن أَمْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ له مَالَهُ عن أَمْرِهِ وَلَوْ كان آثِمًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أبيه فَقَتَلَهُ لم يَسْقُطْ عنه ذلك كما يَسْقُطُ عنه في الْبَهِيمَةِ - * مَسْأَلَةُ الْأُجَرَاءِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال الْأُجَرَاءُ كلهم سَوَاءٌ فإذا تَلِفَ في أَيْدِيهمْ شَيْءٌ من غَيْرِ جِنَايَتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ من أَخَذَ الْكِرَاءَ على شَيْءٍ كان له ضَامِنًا حتى يُؤَدِّيَهُ على السَّلَامَةِ أو يَضْمَنَهُ أو ما نَقَصَهُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ الْأَمِينُ هو من دَفَعْت إلَيْهِ رَاضِيًا بِأَمَانَتِهِ لَا مُعْطًى أَجْرًا على ما دَفَعْت إلَيْهِ وَإِعْطَائِي هذا الْأَجْرَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِينِ الذي أَخَذَ ما اُسْتُؤْمِنَ عليه بِلَا جُعْلٍ أو يقول قَائِلٌ لَا ضَمَانَ على أَجِيرٍ بِحَالٍ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ من تَعَدَّى فَأَخَذَ ما ليس له أو أَخَذَ الشَّيْءَ على مَنْفَعَةٍ له فيه إمَّا مُسَلَّطٌ على إتْلَافِهِ كما يَأْخُذُ سَلَفًا فَيَكُونُ مَالًا من مَالِهِ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ يُنْفِقُهُ وَيَرُدُّ مثله وَإِمَّا مُسْتَعِيرٌ سَلَّطَ على الِانْتِفَاعِ بِمَا أُعِيرَ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذلك لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ لَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فيه وَهَذَانِ مَعًا نَقْصٌ على الْمُسَلِّفِ وَالْمُعِيرِ أو غَيْرُ زِيَادَةٍ له وَالصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ من كان ليس في هذا الْمَعْنَى فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا ما جَنَتْ يَدُهُ كما يَضْمَنُ الْمُودِعُ ما جَنَتْ يَدُهُ وَلَيْسَ بهذا سُنَّةٌ عَلِمْتهَا وَلَا أَثَرٌ يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد رُوِيَ فيه شَيْءٌ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما ليس يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عنهما وَلَوْ ثَبَتَ عنهما لَزِمَ من يُثْبِتُهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأُجَرَاءَ من كَانُوا فَيَضْمَنُ أَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَالْأَجِيرُ على الْحِفْظِ وَالرَّعِيَّةِ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَجِيرُ على الشَّيْءِ يَصْنَعُهُ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه إنْ كان ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ فَلَيْسَ في تَضْمِينِهِ لهم مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوا أَجْرًا على ما ضَمِنُوا فَكُلُّ من أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ في مَعْنَاهُمْ وَإِنْ كان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ وَالصَّابِغَ فَكَذَلِكَ كُلُّ صَانِعٍ وَكُلُّ من أَخَذَ أَجْرًا وقد يُقَالُ لِلرَّاعِي صِنَاعَتُهُ الرَّعِيَّةُ وَلِلْحَمَّالِ صِنَاعَتُهُ الْحَمْلُ لِلنَّاسِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ عن بَعْضِ التَّابِعِينَ ما قُلْت أَوَّلًا من التَّضْمِينِ أو تَرْكِ التَّضْمِينِ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ مع الْأَجِيرِ ما قُلْت مِثْلَ إن اسْتَحْمَلَهُ الشَّيْءَ على ظَهْرِهِ أو اسْتَعْمَلَهُ لِشَيْءٍ في بَيْتِهِ أو غَيْرِ بَيْتِهِ وهو حَاضِرٌ لِمَالِهِ أو وَكِيلٌ له يحفظه ( ( ( بحفظه ) ) ) فَتَلِفَ مَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ ما تَلِفَ بِهِ إذَا لم يَجْنِ عليه جَانٍ فَلَا ضَمَانَ على الصَّانِعِ وَلَا الْأَجِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عليه غَيْرُهُ فَلَا ضَمَانَ عليه وَالضَّمَانُ على الْجَانِي وَلَوْ غَابَ عنه أو تَرَكَهُ يَغِيبُ عليه كان ضَامِنًا له من أَيِّ وَجْهٍ ما تَلِفَ وَإِنْ كان حَاضِرًا معه فَعَمِلَ فيه عَمَلًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وقال الْأَجِيرُ هَكَذَا يُعْمَلُ هذا فلم أَتَعَدَّ بِالْعَمَلِ وقال الْمُسْتَأْجِرُ ليس هَكَذَا يُعْمَلُ وقد تَعَدَّيْت وَبَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ أو لَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فإذا كانت الْبَيِّنَةُ سُئِلَ عَدْلَانِ من أَهْلِ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ فَإِنْ قَالَا هَكَذَا يُعْمَلُ هذا فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَا هذا تعدي في عَمَلِ هذا ضَمِنَ كان التَّعَدِّي ما كان قَلَّ أو كَثُرَ وإذا لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ مع يَمِينِهِ ثُمَّ لَا ضَمَانَ عليه وإذا سَمِعْتنِي أَقُولُ الْقَوْلَ قَوْلُ أَحَدٍ فَلَسْت أَقُولُهُ إلَّا على مَعْنَى ما يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى الذي أَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ما يُمْكِنُ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وإذا ادَّعَى ما لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ لم أَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَمَنْ ضَمَّنَ الصَّانِعَ فِيمَا يَغِيبُ عليه فَجَنَى جَانٍ على ما في يَدَيْهِ فَأَتْلَفَهُ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ في تَضْمِينِ الصَّانِعِ لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ على السَّلَامَةِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ بِهِ الصَّانِعُ على الْجَانِي أو تَضْمِينُ الْجَانِي فَإِنْ ضَمَّنَهُ لم يَرْجِعْ بِهِ الْجَانِي على
____________________

(6/174)


الصَّانِعِ وإذا ضَمَّنَهُ الصَّانِعَ فَأَفْلَسَ بِهِ الصَّانِعُ كان له أَنْ يَأْخُذَهُ من الْجَانِي وكان الْجَانِي في هذا الْمَوْضِعِ كَالْحَمِيلِ وَكَذَلِكَ لو ضَمَّنَهُ الْجَانِيَ فَأَفْلَسَ بِهِ الْجَانِي رَجَعَ بِهِ على الصَّانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَضْمِينِ الْآخَرِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَلِلصَّانِعِ في كل حَالٍ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الْجَانِي إذَا أَخَذَ من الصَّانِعِ وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الصَّانِعِ إذَا أُخِذَ منه بِحَالٍ قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ على الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ وَالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْبَلَدِ الْمَعْلُومِ فَزَادَ الْوَزْنُ أو الْكَيْلُ أو نَقَصَا وَتَصَادَقَا على أَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَلِيُّ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ قُلْنَا في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالصِّنَاعَةِ هل يَزِيدُ ما بين الْوَزْنَيْنِ وَيَنْقُصُ ما بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَيْلَيْنِ هَكَذَا فِيمَا لم تَدْخُلْهُ آفَةٌ فَإِنْ قالوا نعم قد يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قُلْنَا في النُّقْصَانِ لِرَبِّ الْمَالِ قد يُمْكِنُ النَّقْصُ كما زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلَا جِنَايَةٍ وَلَا آفَةٍ فلما كان النَّقْصُ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ قُلْنَا إنْ شَاءَ أَحَلَفْنَا لَك الْحَمَّالَ ما خَانَك وَلَا تَعَدَّى بِشَيْءٍ أَفْسَدَ مَتَاعَك ثُمَّ لَا ضَمَانَ عليه وَقُلْنَا لِلْحَمَّالِ في الزِّيَادَةِ كما قُلْنَا لِرَبِّ الْمَالِ في النُّقْصَانِ إنْ كانت الزِّيَادَةُ قد تَكُونُ لِأَمْرٍ حَادِثٍ وَلَا زِيَادَةَ وَيَكُونُ النُّقْصَانُ وَكَانَتْ ها هنا زِيَادَةٌ فَإِنْ لم تَدَعْهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا كِرَاءَ لَك فيها وَإِنْ ادَّعَيْتهَا أو فينا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ تَامًّا ولم نُسَلِّمْ لَك الْفَضْلَ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ ما هو من مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَتَأْخُذَهُ وَإِنْ كانت زِيَادَةٌ لَا يَزِيدُ مِثْلُهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ وَقُلْنَا الزِّيَادَةُ لَا يَدَّعِيهَا رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كانت لَك فَخُذْهَا وَإِنْ لم تَكُنْ لَك جَعَلْنَاهَا كَمَالٍ في يَدَيْك لَا مُدَّعَى له وَقُلْنَا الْوَرَعُ أَنْ لَا تَأْكُلَ ما ليس لَك فَإِنْ ادَّعَاهَا رَبُّ الْمَالِ وَصَدَّقْته كانت الزِّيَادَةُ له وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وَإِنْ كُنْت أنت الْكَيَّالُ لِلطَّعَامِ بِأَمْرِ رَبِّ الطَّعَامِ وَلَا أَمِينَ له مَعَك قُلْنَا لِرَبِّ الطَّعَامِ هو مُقِرٌّ بِأَنَّ هذه الزِّيَادَةَ لَك فَإِنْ ادَّعَيْتهَا فَهِيَ لَك وَعَلَيْك في الْمَكِيلَةِ التي اكْتَرَيْت عليها ما سَمَّيْت من الْكِرَاءِ وَعَلَيْك الْيَمِينُ ما رَضِيت أَنْ يَحْمِلَ لَك الزِّيَادَةَ ثُمَّ هو ضَامِنٌ لَأَنْ يُعْطِيَك مِثْلَ قَمْحِك بِبَلَدِك الذي حَمَلَهُ منه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِأَنْ تَأْخُذَهُ في مَوْضِعِك فَلَا يُحَالُ بَيْنَك وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِك وَلَا كِرَاءَ عَلَيْك بِالْعُدْوَانِ وَإِنْ قُلْت رَضِيت بِأَنْ يَحْمِلَ لي مَكِيلَةً بِكِرَاءٍ مَعْلُومٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَالْكِرَاءُ في الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ وفي الزِّيَادَةِ فَاسِدٌ والطعام ( ( ( الطعام ) ) ) لَك وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ في كُلِّهِ فَإِنْ كان نُقْصَانٌ لَا يَنْقُصُ مِثْلُهُ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى فَمَنْ رَأَى تَضْمِينَ الْحَمَّالِ ضَمَّنَهُ ما نَقَصَ عن الْمَكِيلَةِ لَا يَدْفَعُ عنه شيئا وَمَنْ لم يَرَ تَضْمِينَهُ لم يُضَمِّنَهُ وَطَرَحَ عنه من الْكِرَاءِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ خَطَأِ الطَّبِيبِ وَالْإِمَامُ يُؤَدِّبُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ هذه الْأَشْيَاءِ من وَجْهَيْنِ يَكُونُ عليه في أَحَدُهُمَا الْعَقْلُ وَلَا يَكُونُ عليه في الْآخَرِ الْعَقْلُ فَأَمَّا ما لَا يَكُونُ فيه من ذلك عَقْلٌ فما كان لَا يَحِلُّ للامام إلَّا أَخْذُهُ مِمَّنْ ما عَاقَبَهُ بِهِ فَإِنْ تَلِفَ الْمُعَاقَبُ بِهِ منه لم يَكُنْ على الذي عَاقَبَهُ بِهِ شَيْءٌ وَالْمُقِيمُ عليه مَأْجُورٌ فيه وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَزْنِيَ وهو بِكْرٌ فَيَجْلِدَهُ أو يَسْرِقَ ما يَجِبُ فيه الْقَطْعُ فَيَقْطَعَهُ أو يَجْرَحَ جُرْحًا فَيَقْتَصَّ منه أو يَقْذِفَ فَيُجْلَدَ حَدَّ الْقَذْفِ فَكُلُّ ما كان في هذا الْمَعْنَى من حَدٍّ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ مَاتَ فيه فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَلَا عَقْلَ وَلَا كَفَّارَةَ على الْإِمَامِ فيه ( 1 ) وَالْوَجْهُ الثَّانِي الذي يَسْقُطُ فيه الْعَقْلُ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ بِهِ الدَّاءُ الطَّبِيبَ أَنْ يَبُطَّ جَرْحَهُ أو الْأَكْلَةُ أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا يَخَافُ مَشْيَهَا إلَيْهِ أو يَفْجُرَ له عِرْقًا أو الْحَجَّامَ أَنْ يَحْجُمَهُ أو الْكَاوِيَ أَنْ يَكْوِيَهُ أو يَأْمُرَ أبو الصَّبِيِّ أو سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ الْحَجَّامَ أَنْ يَخْتِنَهُ فَيَمُوتَ من شَيْءٍ
____________________
1- أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه فما تَقُولُ في الرَّجُلِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ النَّاشِزَةَ فَتُؤْتَى على يَدَيْهِ فَتَمُوتُ وَالْإِمَامُ يَضْرِبُ الرَّجُلَ في الْأَدَبِ أو في حَدٍّ فَيَمُوتُ أو الْخَاتِنُ يوتى على يَدَيْهِ فَيَمُوتُ أو الرَّجُلُ يَأْمُرُ الرَّجُلَ يَقْطَعُ شيئا من جَسَدِهِ فَيَمُوتُ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ في شَيْءٍ من ذلك أو الْمُعَلِّمُ يُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ وَالرَّجُلُ يُؤَدِّبُ يَتِيمَهُ فَيَمُوتُ وما أَشْبَهَ ذلك

(6/175)


من هذا ولم يَتَعَدَّ الْمَأْمُورُ ما أَمَرَهُ بِهِ فَلَا عَقْلَ وَلَا مأخوذية إنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْحَجَّامَ إنَّمَا فَعَلَاهُ لِلصَّلَاحِ بِأَمْرِ الْمَفْعُولِ بِهِ أو وَالِدِ الصَّبِيِّ أو سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ الذي يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُهُ في كل نَظَرٍ لَهُمَا كما يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُ أنفسها ( ( ( أنفسهما ) ) ) لو كَانَا بَالِغَيْنِ فَأَمَّا ما عَاقَبَ بِهِ السُّلْطَانُ في غَيْرِ حَدٍّ وَجَبَ لِلَّهِ وَتَلِفَ منه الْمُعَاقَبُ فَعَلَى السُّلْطَانِ عَقْلُ الْمُعَاقَبِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ في الْعَقْلِ الذي يَلْزَمُ السُّلْطَانُ فَأَمَّا الذي أَخْتَارُ وَاَلَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَرْضَى من عُلَمَائِنَا أَنَّ الْعَقْلَ على عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ وقد قال غَيْرُنَا من الْمَشْرِقِيِّينَ الْعَقْلُ على بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُؤَدِّبُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا فيه صَلَاحُهُمْ فَالْعَقْلُ عليهم في بَيْتِ مَالِهِمْ وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ فَتُؤْتَى على يَدَيْهِ فَتَتْلَفُ الْعَقْلُ على عَاقِلَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ لَا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ أَنْ يَقُومَ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى من حَدٍّ أو قَتْلٍ ولم يُبِحْهُ الْمَرْءُ من نَفْسِهِ على مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ له فَنَالَهُ منه سُلْطَانٌ أو غَيْرُهُ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْلُ بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَأَنْ يَحُدَّ ثُمَّ أَبْطَلْت ما تَلِفَ بِالْحَدِّ وَأَلْزَمْته ما تَلِفَ بِالْأَدَبِ قُلْنَا فإن الْحَدَّ فَرْضٌ على السُّلْطَانِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَإِنْ تَرَكَهُ كان عَاصِيًا لِلَّهِ بِتَرْكِهِ وَالْأَدَبُ أَمْرٌ لم يُبَحْ له إلَّا بِالرَّأْيِ وَحَلَالٌ له تَرْكُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد ظَهَرَ على قَوْمٍ أَنَّهُمْ قد غَلُّوا في سَبِيلِ اللَّهِ فلم يُعَاقِبْهُمْ وَلَوْ كانت الْعُقُوبَةُ تَلْزَمُ لُزُومَ الْحَدِّ ما تَرَكَهُمْ كما قال صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَطَعَ امْرَأَةً لها شَرَفٌ فَكُلِّمَ فيها فقال لو سَرَقَتْ فُلَانَةُ لامراة شَرِيفَةٍ لَقَطَعْت يَدَهَا وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَاَلَّذِي يُعْرَفُ أَنَّ الْخَطَأَ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ غَيْرَهُ وقد يَحْتَمِلُ مَعْنَى غَيْرِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من شَيْءٍ يبينه ( ( ( يعنيه ) ) ) سِوَى هذا فَهَذَا مُكْتَفًى بِهِ وقد قال عَلِيُّ بن ابي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ما من أَحَدٍ يَمُوتُ في حَدٍّ فَأَجِدُ في نَفْسِي منه شيئا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا الْمَحْدُودُ في الْخَمْرِ فإنه شَيْءٌ أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فمن مَاتَ منه فَدِيَتُهُ لَا أَدْرِي قال في بَيْتِ الْمَالِ أو على الذي حَدَّهُ شَكَّ الشَّافِعِيُّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ في شَيْءٍ بَلَغَهُ عنها فَذَعَرَهَا فَفَزِعَتْ فَأَسْقَطَتْ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ في سِقْطِهَا فقال له عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنهما كَلِمَةً لَا أَحْفَظُهَا أَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ عليه الدِّيَةَ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنهما أَنْ يَضْرِبَهَا على قَوْمِهِ وقد كان لِعُمَرَ أَنْ يَبْعَثَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ في الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ فلما كان في الْبَعْثَةِ تَلَفٌ على الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أو على ذِي بَطْنِهَا فقال عَلِيٌّ وقال عُمَرُ إنَّ عليه مع ذلك الدِّيَةَ كان الذي نَرَاهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ مِثْلَ الذي وَصَفْنَا من أَنَّ لي أَنْ أَرْمِيَ على أَنْ لَا يَتْلَفَ أَحَدٌ بِرَمْيَتِي فَذَهَبُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ كانت له الرِّسَالَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُتْلِفَ بها أَحَدًا فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَ وكان الْمَأْثَمُ مَرْفُوعًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ وَأَنْ يَرْمِيَ الْغَرَضَ وَأَنَّهُ لو رَمَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَرَى إنْسَانًا وَلَا شَاةً لِإِنْسَانٍ فَأَصَابَتْ الرَّمْيَةُ إنْسَانًا أو شَاةً لِإِنْسَانٍ ضَمِنَ دِيَةَ الْمُصَابِ إذَا مَاتَ وَثَمَنَ الشَّاةِ إذَا مَاتَتْ فَوَجَدْت حُكْمَهُمْ له بِإِبَاحَةِ الرَّمْيَةِ إذَا تَعَقَّبَ فَمَعْنَاهُ مَعْنَى أَنْ يَرْمِيَ على أَنْ لَا يُتْلِفَ مُسْلِمًا وَلَا حَقَّ مُسْلِمٍ وَوَجَدْته يَحِلُّ له أَنْ يَتْرُكَ الرَّمْيَ كما وَجَدْته يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ الْعُقُوبَةَ وكان الشَّيْءُ الذي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ وَلَهُ تَرْكُهُ بِالرَّمْيَةِ يَرْمِيهَا الرَّجُلُ مُبَاحَةً له وَلَهُ تَرْكُهَا فَيُتْلِفُ شيئا فَيَضْمَنُهُ الرَّامِي أَشْبَهَ بِهِ منه بِالْحَدِّ الذي فَرَضَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَأْخُذَهُ بَلْ الْعُقُوبَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً إنْ جاء فيها تَلَفٌ من الرَّمْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ في أَنَّ الرَّمْيَةَ مُبَاحَةٌ وقد يَخْتَلِفُ الناس في الْعُقُوبَاتِ فَيَكْرَهُ بَعْضُهُمْ الْعُقُوبَةَ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ كَذَا وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لَا يُزَادُ فيها على كَذَا وفي مِثْلِ مَعْنَى الرَّامِي الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ كان له أَنْ يَدَعَهَا وكان التَّرْكُ خَيْرًا له لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بَعْدَ الْإِذْنِ بِضَرْبِهِنَّ لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ وكان الضَّارِبُ إذَا كان التَّرْكُ خَيْرًا له أَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ إنْ كان تَلَفٌ على الْمَضْرُوبِ لِأَنَّهُ عَامِدٌ لِلضَّرْبِ الذي بِهِ التَّلَفُ في الْحُكْمِ من الرَّامِي الذي لم يَعْمِدْ قَطُّ أَنْ يُصِيبَ المرمى

(6/176)


- * الْجَمَلُ الصَّئُولُ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال حَكَى محمد بن الْحَسَنِ قال قال أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا صَالَ الْجَمَلُ على الرَّجُلِ فأقام ( ( ( أقام ) ) ) بَيِّنَةً بِصِيَالِهِ عليه وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ عِنْدَ صِيَالِهِ فَقَتَلَهُ أو عَقَرَهُ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ ضَمِنَ وقال أبو حَنِيفَةَ يَضْمَنُ في الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ لِبَهِيمَةٍ تَحِلُّ دَمُهَا وَلَا جُرْحُهَا وقال محمد بن الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يقول قَوْلُهُ فيه قَوْلًا قد جَمَعْته وَحَكَيْت ما حَضَرَنِي فيه وَكُلُّهُ قَالَاهُ لي أو أَحَدُهُمَا وَقُلْته لَهُمَا فقال ما تَقُولُ فِيمَا اخْتَلَفَ فيه قُلْت أَقُولُ بِمَا حَكَيْت عن أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوهُ قال فما حُجَّتُك فيه قُلْت إنَّ اللَّهَ عز وجل مَنَعَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحَقِّهَا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا عَلِمْت أو من عَلِمْت قَوْلَهُ منهم في أَنَّ مُسْلِمًا لو أَرَادَنِي في الْمَوْضِعِ الذي لَا يَمْنَعُنِي منه بَابٌ أُغْلِقُهُ وَلَا قُوَّةَ لي بِمَنْعِهِ وَلَا مَهْرَبَ أَمْتَنِعُ بِهِ منه وَكَانَتْ مَنَعَتِي منه التي أَدْفَعُ عَنِّي إرَادَتَهُ لي إنَّمَا بِضَرْبِهِ بِسِلَاحٍ فَحَضَرَنِي سَيْفٌ أو غَيْرُهُ كان لي ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ لِأَمْنَعَ حُرْمَتِي التي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه انْتِهَاكَهَا فَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ عَلَيَّ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنِّي فَعَلْت فِعْلًا مُبَاحًا لي فلما كان هذا في الْمُسْلِمِ هَكَذَا كان الْبَعِيرُ أَقَلَّ حُرْمَةً وَأَصْغَرَ قَدْرًا وَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ هذا فيه قال إنَّ الْبَعِيرَ لَا يُقْتَلُ إنْ قَتَلَ وَالْمُسْلِمُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ قُلْت ما خَالَفْتُك في هذا فَأَيْنَ زَعَمْت أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فيه وَإِنَّمَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُلْت الْمُسْلِمُ في الْحَالِ التي وَصَفْت أَرَادَ فيها الْجِنَايَةَ فقال ما قَتَلْته إلَّا بِجِنَايَةٍ وَلَوْلَا الْجِنَايَةُ ما حَلَّ لَك دَمُهُ قُلْت فَهَلْ تَكُونُ الارادة جِنَايَةً قال نعم قُلْت فما تَقُولُ فِيمَا لو أَرَادَنِي فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرٌ أو خَنْدَقٌ أو انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ أو يَدُهُ أو حَبَسَهُ حَابِسٌ وهو يُرِيدُنِي إلَّا أَنَّهُ لم يَنَلْنِي حَيْثُ هو بِيَدٍ وَلَا بِسِلَاحٍ أَكَانَ يَحِلُّ لي قَتْلُهُ قال لَا قُلْت وَلَوْ كان بِحَيْثُ يَنَالُنِي فَظَفِرْت بِسِلَاحِهِ حتى صَارَ غير قَادِرٍ على أَيَحِلُّ لي قَتْلُهُ قال لَا قُلْت وَلَوْ جَرَحْته جَرْحًا يَمْنَعُهُ من قَتْلِي وهو يُرِيدُنِي أَكَانَ يَحِلُّ لي قَتْلُهُ قال لَا قُلْت وَلَوْ أَرَادَنِي ولم يَكُنْ في يَدِهِ ما يَقْتُلُنِي بِهِ كان يَحِلُّ لي قَتْلُهُ قال لَا قُلْت وَأُسْمِعُك مَزِيدًا إلَى حَالَاتٍ تَزْعُمُ أَنَّ دَمَهُ فيها كُلِّهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ كُنْت إنَّمَا أَبَحْت دَمَهُ بِالْإِرَادَةِ فَقَطْ انْبَغَى أَنْ تُبِيحَ دَمَهُ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا قال فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَحْت دَمَهُ قُلْت بمنع ( ( ( يمنع ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْتَهِكَ مِنِّي فلما لم أَجِدْ مَانِعًا لِدَمِي إلَّا ضَرْبُهُ ضَرَبْته فإذا صَارَ إلَى الْحَالِ التي لَا يَقْدِرُ فيها على قَتْلِي فَدَمُهُ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْ فِعْلًا يَحِلُّ دَمُهُ إنَّمَا فَعَلَ فِعْلًا يَحِلُّ مَنْعُهُ لَا دَمُهُ فَإِنْ كان في مَنْعِهِ حَتْفُهُ فَهُوَ أَحَلَّهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه حَتْفُهُ لم يَحِلَّ لي قَتْلُهُ بَعْدَ أَمَانِي من أَنْ يَقْتُلَنِي وَكَذَلِكَ في الْحَالَاتِ التي وَصَفْت لَك قبل أَنْ أَضْرِبَهُ فَلَوْ صَارَ إلَى حَالٍ امْتَنَعَ فيها منه بِغَيْرِ ضَرْبِهِ لم يَحِلَّ لي ضَرْبُهُ وَكَذَلِكَ الْجَمَلُ إذَا لم أَقْدَرِ على دَفْعِهِ إلَّا بِمَا دَفَعْت بِهِ الْمُسْلِمَ من الضَّرْبِ ضَرَبْته وَإِنْ اتت الضَّرْبَةُ على نَفْسِهِ وَإِنْ صَارَ إلَى الْحَالِ التي آمَنُهُ فيها على نَفْسِي لم يَحِلَّ لي ضَرْبُهُ وَلَوْ ضَرَبْته فَقَتَلْته غَرِمْت ثَمَنَهُ فلم أُبِحْهَا بِجِنَايَةٍ إنَّمَا الْجِنَايَةُ الْفِعْلُ لَا الْإِرَادَةُ وَلَكِنْ أَبَحْتهَا لِمَنْعِ حُرْمَتِي وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الِاسْتِحْقَاقُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ دَابَّةً في يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمُعْتَرَفَة في يَدَيْهِ يُنْكِرُ أو لَا يُنْكِرُ وَلَا يَعْتَرِفُ كُلِّفَ الْمُعْتَرِفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بِالْبَيِّنَةِ أنها دَابَّتُهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ أو قالوا لم يَبِعْ ولم يَهَبْ فَلَيْسَ ذلك مِمَّا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ وَإِنَّمَا ذلك على الْعِلْمِ أَحَلَفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ بِاَللَّهِ إنَّ هذه الدَّابَّةَ ما خَرَجَتْ من مِلْكِهِ بِوَجْهٍ م

(6/177)


الْوُجُوهِ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَيْهِ وإذا أَسَلَفَ الرَّجُلُ عَبْدًا في طَعَامٍ أو ثَوْبًا أو عَرْضًا أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو ما كان فَاسْتَحَقَّ ما سَلَّفَ من ذلك بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْعَيْنُ الذي أَسَلَفَهُ وَلَا تَخْتَلِفُ في ذلك الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ بَاعَهَا وهو لَا يَمْلِكُهَا وَهَذَا في بُيُوعِ الْأَعْيَانِ فَمَنْ بَاعَ عَيْنًا أو اشْتَرَى بِعَيْنٍ وَشِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ بَيْعٌ لِلْعَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وإذا بَاعَ صِفَةً من الصِّفَاتِ مَضْمُونَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَاسْتُحِقَّتْ لم يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ لم يَقَعْ على تِلْكَ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ على شَيْءٍ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ في ذِمَّةِ الْبَائِعِ كَالدَّيْنِ عليه وَلَا يَبْرَأُ منه هو أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لِصَاحِبِهِ فَكُلَّمَا اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بِصِفَةٍ رَجَعَ عليه حتى يَسْتَوْفِيَ تِلْكَ الصِّفَةَ وإذا صَرَفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ أو الدَّنَانِيرُ لَا فَرْقَ بين الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ فيها ( قال الرَّبِيعُ ) من اشْتَرَى شيئا بِعَيْنِهِ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ كله لأن الصفقة وقعت على ما يجوز وما لا يجوز وإذا استحق من الدراهم شيء وإن قل بطل الصرف كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا من سُوقٍ من أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أو نَكَحَتْهُ على أنها حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ له ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِسَيِّدِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَوْلَادِهَا منه يوم سَقَطُوا لِأَنَّ ذلك أَوَّلَ ما كان لهم حُكْمُ الدُّنْيَا وَيَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا مَمْلُوكَةً وَإِنَّمَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ بِالْغُرُورِ وَلَوْ كانت أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَنَكَحَ على ذلك فإن وَلَدَهُ مَمَالِيكُ وَلَوْ كان أَمَتَانِ بين رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُمَا وَصَارَتْ إحْدَاهُمَا لِأَحَدِهِمَا فَوَلَدَتْ منه ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ وَانْتَقَضَ الْقَسَمُ بَيْنَهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ الباقية ( ( ( باقية ) ) ) بَيْنَهُمَا وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَمَاتَتْ في يَدَيْهِ فَالْمَوْتُ فَوْتٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ كان له أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ على الذي مَاتَتْ في يَدَيْهِ وَلِلَّذِي مَاتَتْ في يَدَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الذي أُخِذَ منه وَإِنْ كانت وَلَدَتْ له أَوْلَادًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يوم سَقَطُوا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ولم تَمُتْ غير أنها زَادَتْ في يَدَيْهِ أو نَقَصَتْ بِجِنَايَةٍ أَصَابَتْهَا منه أو من غَيْرِهِ أو بِشَيْءٍ من السَّمَاءِ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا وَلَا يُقَالُ لِهَذَا فَوْتٌ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا زِيَادَةٌ أو نَقْصٌ فَيَرُدُّهَا زَائِدَةً وَلَا شَيْءَ له في الزِّيَادَةِ وَنَاقِصَةً وَعَلَيْهِ ما نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَ لها أَرْشًا أَكْثَرَ مِمَّا نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَيَرُدُّ النَّقْصَ الذي من غير ( ( ( غيره ) ) ) جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ كان ضَامِنًا لها لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا زِيَادَةُ الْأَسْوَاقِ وَنُقْصَانُهَا فَلَيْسَتْ من الْأَبْدَانِ بِسَبِيلٍ لِأَنَّهُ قد يَغْصِبُهَا ثَمَنَ مِائَةٍ بِالْغَلَاءِ ثُمَّ تَزِيدُ في بَدَنِهَا وَتَنْقُصُ أَسْوَاقُهَا فَتَكُونُ ثَمَّةَ خَمْسِينَ أَفَيُقَالُ لِهَذَا الذي زَادَتْ في يَدِهِ الذي يَشْهَدُ رَبُّ الْجَارِيَةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ أنها الْيَوْمَ خَيْرٌ منها يوم أَخَذَهَا بِالضَّعْفِ في بَدَنِهَا أُغْرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا من قِبَلِ أنها رَخُصَتْ ليس هذا بِشَيْءٍ إنَّمَا يَغْرَمُ نَقْصَ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ نَقْصُ عَيْنِ سِلْعَةِ الْمَغْصُوبِ فَأَمَّا نَقْصُ الْأَسْوَاقِ فَلَيْسَ من جِنَايَتِهِ وَلَا بِسَبَبِهَا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَرْضَ فَبَنَى فيها أو غَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ له النِّصْفُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قُسِمَتْ الْأَرْضُ فما وَقَعَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ منه وَكَذَا حَمْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ على الْبَائِعِ وَبِنِصْفِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ بين الرَّجُلَيْنِ فَيَقْسِمَانِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ ما اشْتَرَى فإن الْبَيْعَ كله ( ( ( كل ) ) ) بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَيَأْخُذُ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ وَيَقْلَعُ بِنَاءَهُ منها وَغِرَاسَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ على الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَيَأْخُذُ منه ما أُخِذَ من

(6/178)


- * الْأَشْرِبَةُ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها قالت سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْبِتْعِ فقال كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الْغُبَيْرَاءِ فقال لَا خَيْرَ فيها وَنَهَى عنها قال مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ هِيَ السُّكْرَكَةُ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من شَرِبَ الْخَمْرَ في الدُّنْيَا ثُمَّ لم يَتُبْ منها حُرِمَهَا في الْآخِرَةِ
أخبرنا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَةَ عن أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قال كُنْت أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيَّ بن كَعْبٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ شَرَابًا من فَضِيخٍ وَتَمْرٍ فَجَاءَهُمْ آتٍ فقال إنَّ الْخَمْرَ قد حُرِّمَتْ فقال أبو طَلْحَةَ يا أَنَسُ قُمْ إلَى هذه الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا فقال أَنَسٌ فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لنا فَضَرَبْتهَا بِأَسْفَلِهِ حتى تَكَسَّرَتْ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن مَعْبَد بن كَعْبِ بن مَالِكٍ عن أُمِّهِ وقد كانت صَلَّتْ الْقِبْلَتَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْخَلِيطَيْنِ وقال انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِدَتِهِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن بن أبي أَوْفَى قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن نَبِيذِ الْجَرِّ الْأَخْضَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ قال لَمَّا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْأَوْعِيَةِ قِيلَ له ليس كُلُّ الناس يَجِدُ سِقَاءً فَأْذَنْ لهم في الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَنْبِذُوا في الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ قال ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ وَالنَّقِيرَ
أخبرنا سُفْيَانُ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول سَمِعْت أَنَسًا يقول نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فيه
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْبِتْعِ فقال كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُنْبَذُ له في سِقَاءٍ فَإِنْ لم يَكُنْ فَتَوْرٌ من حِجَارَةٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَطَبَ الناس في بَعْضِ مَغَازِيهِ قال عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ فَانْصَرَفَ قبل أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْت مَاذَا قال قالوا نهى أَنْ نَنْتَبِذَ في الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ
أخبرنا مَالِكٌ عن الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُنْتَبَذَ في الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ
أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن اسلم عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ جميعا وَالتَّمْرُ وَالزَّهْوُ جميعا
أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن اسلم عن بن وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ بن عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ من الْعِنَبِ فقال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَاوِيَةً من خَمْرٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَهَا قال لَا فَسَارَّ إنْسَانًا إلَى جَنْبِهِ فقال بِمَ سَارَرْتَهُ فقال أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ الذي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ فَمَ الْمَزَادَتَيْنِ حتى ذَهَبَ ما فِيهِمَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قال بَلَغَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَجُلًا بَاعَ خَمْرًا فقال قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا بَاعَ الْخَمْرَ أو ما عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عليهم الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الْجُوَيْرِيَّةِ الْجَرْمِيِّ قال أَلَا إنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ سَأَلَ بن عَبَّاسٍ وهو مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ فَسَأَلْته عن الْبَاذَقِ فقال سَبَقَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَاذَقُ
____________________

(6/179)


وما أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا من أَهْلِ الْعِرَاقِ قالوا له إنَّا نَبْتَاعُ من ثَمَرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا فقال عبد اللَّهِ إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سمع من الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطَانِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ
أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن وَاقِدِ بن عَمْرِو بن سَعْدِ بن مُعَاذٍ وَعَنْ سَلَمَةَ بن عَوْفِ بن سَلَامَةَ أَخْبَرَاهُ عن مَحْمُودِ بن لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه حين قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا إلَّا هذا الشَّرَابُ فقال عُمَرُ اشْرَبُوا الْعَسَلَ فَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ فقال رِجَالٌ من أَهْلِ الْأَرْضِ هل لَك أَنْ نَجْعَلَ لَك من هذا الشَّرَابِ شيئا لَا يُسْكِرُ فقال نعم فَطَبَخُوهُ حتى ذَهَبَ منه الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فيه عُمَرُ أُصْبُعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فقال هذا الطِّلَاءُ هذا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ فقال له عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا وَاَللَّهِ فقال عُمَرُ كَلًّا وَاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لَا أُحِلُّ لهم شيئا حَرَّمْتَهُ عليهم وَلَا أُحَرِّمُ عليهم شيئا أَحْلَلْتَهُ لهم
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه خَرَجَ عليهم فقال إنِّي وَجَدْت من فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ وَإِنِّي سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كان يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَتَجْلِدُ في رِيحِ الشَّرَابِ فقال عَطَاءٌ إنَّ الرِّيحَ لَتَكُونُ من الشَّرَابِ الذي ليس بِهِ بَأْسٌ فإذا اجْتَمَعُوا جميعا على شَرَابٍ وَاحِدٍ فَسَكِرَ أَحَدُهُمْ جُلِدُوا جميعا الْحَدَّ تَامًّا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ لَا يُخَالِفُهُ لَا يُعْرَفُ الْإِسْكَارُ في الشَّرَابِ حتى يَسْكَرَ منه وَاحِدٌ فَيُعْلَمَ منه أَنَّهُ مُسْكِرٌ ثُمَّ يُجْلَدُ الْحَدَّ على شُرْبِهِ وَإِنْ لم يُسْكِرْ صَاحِبَهُ قِيَاسًا على الْخَمْرِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه خَرَجَ يُصَلِّي على جِنَازَةٍ فَسَمِعَهُ السَّائِبُ يقول إنِّي وَجَدْت من عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ رِيحَ شَرَابٍ وأنا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبُوا فَإِنْ كان مُسْكِرًا حَدَدْتهمْ قال سُفْيَانُ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ حَضَرَهُ يَحُدُّهُمْ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن قَبِيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ لَا يدرى الزُّهْرِيُّ أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أو الرَّابِعَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قد شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قد شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قد شَرِبَ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ فَصَارَتْ رُخْصَةً قال سُفْيَانُ قال الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بن الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلٍ كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بهذا الحديث
أخبرنا سُفْيَانُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عبد الرحمن بن أَزْهَرَ قال رَأَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَام حُنَيْنٍ سَأَلَ عن رَحْلِ خَالِدِ بن الْوَلِيدِ فَجَرَيْت من بَيْنِ يَدَيْهِ أَسْأَلُ عن رَحْلِ خَالِدٍ حتى أَتَاهُ جَرِيحًا وَأُتِيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِشَارِبٍ فقال اضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَحَثَوْا عليه التُّرَابَ ثُمَّ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَكِّتُوهُ فَبَكَّتُوهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فلما كان أبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سَأَلَ من حَضَرَ ذلك الضَّرْبَ فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أبو بَكْرٍ في الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه حتى تَتَابَعَ الناس في الْخَمْرِ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ
أخبرنا مَالِكٌ عن ثَوْرِ بن زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ في الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فقال عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فإنه إذَا شَرِبَ سَكِرَ وإذا سَكِرَ هَذَى وإذا هَذَى افْتَرَى أو كما قال قال فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ في الْخَمْرِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنَا عن الْحُسَيْنِ بن أبي الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ليس أَحَدٌ نُقِيمُ عليه حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ في نَفْسِي منه شيئا فإن الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ فإنه شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ مَاتَ فيه فَفِيهِ دِيَةٌ إمَّا قال في بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قال على الْإِمَامِ
أخبرنا بن أبي يحيى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ ع

(6/180)


أبيه أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ قال لَا أُوتَى بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا وَلَا نَبِيذًا مُسْكِرًا إلَّا جَلَدْته الْحَدَّ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ له طَرَفَانِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن ابي جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إنْ يُجْلَدْ قُدَامَةُ الْيَوْمَ فَلَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ بَعْدَهُ وكان قُدَامَةُ بَدْرِيًّا سَمِعْت الشَّافِعِيَّ وهو يَحْتَجُّ في ذِكْرِ الْمُسْكِرِ فقال كَلَامًا قد تَقَدَّمَ لَا أَحْفَظُهُ فقال أرايت إنْ شَرِبَ عَشَرَةً ولم يَسْكَرْ فَإِنْ قال حَلَالٌ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ خَرَجَ فَأَصَابَتْهُ الرِّيحُ فَسَكِرَ فَإِنْ قال حَرَامٌ قِيلَ له أَفَرَأَيْت شيئا قَطُّ شَرِبَهُ رَجُلٌ وَصَارَ في جَوْفِهِ حَلَالًا ثُمَّ صَيَّرَتْهُ الرِّيحُ حَرَامًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ
أخبرنا مَالِكٌ عن الْعَلَاءِ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُنْبَذَ في الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ - * الْوَلِيمَةُ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال إتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ وَالْوَلِيمَةُ التي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَكُلُّ دَعْوَةٍ كانت على إمْلَاكٍ أو نِفَاسٍ او خِتَانٍ أو حَادِثِ سُرُورٍ دُعِيَ إلَيْهَا رَجُلٌ فَاسْمُ الْوَلِيمَةِ يَقَعُ عليها وَلَا أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ في تَرْكِهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لم يَبْنِ لي أَنَّهُ عَاصٍ في تَرْكِهَا كما يَبِينُ في وَلِيمَةِ الْعُرْسِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَهَلْ يَفْتَرِقَانِ وَكِلَاهُمَا يُكَلَّفُ عِنْدَ حَادِثِ سُرُورٍ وَمِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ أَنْ يُسِرَّهُ قِيلَ قد يَجْتَمِعَانِ في هذا وَيَجْتَمِعُ في هذا أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ عِنْدَ غَيْرِ حَادِثِ الطَّعَامِ فَيَدْعُوَ عليه فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عنه وَيَفْتَرِقَانِ في أَنِّي لم أَعْلَمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَرَكَ الْوَلِيمَةَ على عُرْسٍ ولم أَعْلَمْهُ أَوْلَمَ على غَيْرِهِ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنْ يُولِمَ وَلَوْ بِشَاةٍ ولم أَعْلَمْهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَظُنُّهُ قال أَحَدًا غَيْرَهُ حتى أَوْلَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على صَفِيَّةَ لِأَنَّهُ كان في سَفَرٍ بِسَوِيقِ وَتَمْرٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا أَدْرِي عن عَطَاءٍ أو غَيْرِهِ قال جاء رسول بن صَفْوَانَ إلَى بن عَبَّاسٍ وهو يُعَالِجُ زَمْزَمَ يَدْعُوهُ وَأَصْحَابَهُ فَأَمَرَهُمْ فَقَامُوا وَاسْتَعْفَاهُ وقال إنْ لم يُعْفِنِي جِئْته + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَدَرَ الرَّجُلُ على إتْيَانِ الْوَلِيمَةِ بِحَالٍ لم يَكُنْ له عُذْرٌ في تَرْكِهَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ أو قَلَّ لَا أَعْلَمُ الزِّحَامَ يَمْنَعُ من الْوَاجِبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ ذلك عليه من قَصْدِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ قَصَدَهُ بِالدَّعْوَةِ فَأَمَّا من قال له رسول صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ قد أَمَرَنِي أَنْ أُوذِنَ من رَأَيْت فَكُنْت مِمَّنْ رَأَيْت أَنْ أُوذِنَك فَلَيْسَ عليه أَنْ يَأْتِيَ الْوَلِيمَةَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَلِيمَةِ لم يَقْصِدْ قَصْدَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَأْتِيَ وَمَنْ لم يُدْعَ ثُمَّ جاء فَأَكَلَ لم يَحِلَّ له ما أَكَلَ إلَّا بِأَنْ يَحِلَّ له صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ وإذا دُعِيَ الرَّجُلُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَفِيهَا الْمَعْصِيَةُ من الْمُسْكِرِ او الْخَمْرِ أو ما أَشْبَهَ ذلك من الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذلك عنه وَإِلَّا لم أُحِبَّ له أَنْ يَجْلِسَ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ أَنَّ ذلك عِنْدَهُمْ فَلَا أُحِبُّ له أَنْ يُجِيبَ وَلَا يَدْخُلَ مع الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ رَأَى صُوَرًا في الْمَوْضِعِ الذي يُدْعَى فيه ذَوَاتِ أَرْوَاحٍ لم يَدْخُلْ الْمَنْزِلَ الذي تِلْكَ الصُّوَرُ فيه إنْ كانت تِلْكَ مَنْصُوبَةً لَا تُوطَأُ فَإِنْ كانت تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كان الْمَدْعُوُّ صَائِمًا أَجَابَ الدَّعْوَةَ وَبَارَكَ وَانْصَرَفَ ولم نُحَتِّمْ عليه ان يَأْكُلَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لو فَعَلَ وَأَفْطَرَ إنْ كان صَوْمُهُ غير وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ قَبْلُ وَبَعْدُ له رَبُّ الْوَلِيمَةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ أَبَاهُ دَعَا نَفَرًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَتَاهُ فِيهِمْ أُبَيّ بن كَعْبٍ وَأَحْسِبُهُ قال فَبَارَكَ وَانْصَرَفَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ سمع عَبْدَ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ يقول دَعَا أبي عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فَأَتَاهُ فَجَلَسَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ فَمَدّ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ يَدَهُ وقال خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ وَقَبَضَ عبد اللَّهِ يَدَهُ وقال إنِّي صَائِمٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمٌ عن جُرَيْجٍ

(6/181)


أَنْ يَدْخُلَهُ وَإِنْ كانت صُوَرًا غير ذَوَاتِ أَرْوَاحٍ مِثْلَ صُوَرِ الشَّجَرِ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا الْمَنْهِيُّ عنه أَنْ يُصَوِّرَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ التي هِيَ خَلْقُ اللَّهِ وَإِنْ كانت الْمَنَازِلُ مُسْتَتِرَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهَا وَلَيْسَ في السِّتْرِ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ أَكْثَرُ من السَّرَفِ وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا دَعَاهُ الرَّجُلُ إلَى الطَّعَامِ أَنْ يُجِيبَهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لو أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٍ لَقَبِلْتهَا وَلَوْ دُعِيت إلَى كَرَاعٍ لَأَجَبْت
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَةَ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى أَبَا طَلْحَةَ وَجَمَاعَةً معه فَأَكَلُوا عِنْدَهُ وكان ذلك في غَيْرِ وَلِيمَةٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَعَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بن الرَّبِيعِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَفَرًا من أَصْحَابِهِ فَأَتَاهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ دَعَتْ فَأَكَلُوا عِنْدَهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِّي لَأَحْفَظُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَجَابَ إلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ في غَيْرِ وَلِيمَةٍ - * صَدَقَةُ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه - * هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ محمد بن إدْرِيسَ بن الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ في صِحَّةٍ منه وَجَوَازٍ من أَمْرِهِ وَذَلِكَ في صَفَرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل رَزَقَ أَبَا الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ مَالًا فَأَخَذَ محمد بن إدْرِيسَ من مَالِ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ جِيَادًا صِحَاحًا مَثَاقِيلَ وَضَمَّنَهَا محمد بن إدْرِيسَ لِابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ * وَأَشْهَدَ محمد بن إدْرِيسَ شُهُودَ هذا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ على ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ منهم وَصِيفٌ أَشْقَرُ خَصِيٌّ يُقَالُ له صَالِحٌ وَوَصِيفٌ نُوبِيٌّ خَبَّازٌ يُقَالُ له بِلَالٌ وَعَبْدٌ فَرَّانِي قَصَّارٌ يُدْعَى سَالِمًا وَبِأَمَةٍ شَقْرَاءَ تُدْعَى فُلَانَةَ وَقَبَضَهُمْ محمد بن إدْرِيسَ لِابْنِهِ أبي الْحَسَنِ من نَفْسِهِ وَصَارُوا من مَالِ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ وَخَرَجُوا من مِلْكِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ * وَأَشْهَدَ محمد بن إدْرِيسَ شُهُودَ هذا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ على ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِجَمِيعِ حُلِيِّهِ وهو مَسْكَنَانِ وَدُمْلُجَانِ وَخَلْخَالَانِ وَقِلَادَةٌ كُلُّ ذلك من الذَّهَبِ وَبِمِثْلِ هذا حُلِيٌّ من الْوَرِقِ وَقَبَضَهُ له من نَفْسِهِ وَدَفَعَهُ إلَى أُمِّهِ تَقْبِضُهُ له وَتَحْفَظُهُ عليه وَصَارَ كُلُّ ما تَصَدَّقَ بِهِ محمد بن إدْرِيسَ على أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ مَالًا من مَالِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ * وَأَشْهَدَ محمد بن إدْرِيسَ شُهُودَ هذا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ ( 1 ) بِمَسْكَنِهِ الذي بِمَهْبِطِ ثَنِيَّةِ كُدًى من مَكَّةَ قُبَالَةَ دَارِ مُنِيرَةَ على يَسَارِ الْخَارِجِ من مَكَّةَ في شِعْبِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَهُمَا الْمَسْكَنَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا الْمَسْكَنُ الذي بِفِنَاءِ دَارِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ العظمي أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ الْمَسْكَنُ الذي بَنَاهُ محمد بن إدْرِيسَ إلَى جَنْبِ الْمَنْزِلِ الذي يُعْرَفُ بِجَابِرِ بن مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ الْمَنْزِلُ أَحَدُ حُدُودِهِ كُدًى وَحَدُّهُ الثَّانِي الرَّحْبَةُ التي بِفِنَاءِ دَارِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ العظمي وَالْحَدُّ الثَّالِثُ طَرِيقُ شِعْبِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَالْحَدُّ الرَّابِعُ طَرِيقُ الشِّعْبِ العظمي إلَى ذِي طُوًى وَالْمَسْكَنُ الثَّانِي سَقَائِفُ حِجَارَةٍ نَجِيرَتُهَا وَحُجْرَتُهَا على رَأْسِ الْجَبَلِ الذي فيه الْخِزَانَةُ الصَّغِيرَةُ وَهَذَا الْمَنْزِلُ الذي يُعْرَفُ بِفُلَانِ بن عبد الْجَبَّارِ وَالْمَنْزِلُ الذي يُعْرَفُ بِعَمْرٍو الْمُؤَذِّنِ تَصَدَّقَ محمد بن إدْرِيسَ بِهَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِمَا وَأَرْضِهِمَا وَبِنَائِهِمَا وَعَامِرِهِمَا وَطُرُقِهِمَا وَكُلِّ حَقٍّ هو لَهُمَا دَاخِلٌ فِيهِمَا وَخَارِجٌ مِنْهُمَا على ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ حتى يَرِثَهَا اللَّهُ الذي يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عليها وهو خَيْرُ الْوَارِثِينَ يَمْلِكُ أبو الْحَسَنِ من مَنَافِعِهِمَا ما يَمْلِكُ من مَنَافِعِ الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ ما عَاشَ أبو الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ لَا حَقَّ فيها لِأَحَدٍ معه حتى تَعْتِقَ أُمُّ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ فإذا عَتَقَتْ أُمُّ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيس

(6/182)


كانت أُسْوَتُهُ في هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ فإذا انْقَرَضَ أبو الْحَسَنِ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِوَلَدِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ وَوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ الَّذِينَ عَمُودُ نَسَبِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ ما تَنَاسَلُوا وَجِدَّتُهُمْ أُمُّ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ مَعَهُمْ لها كَحَظِّ وَاحِدٍ منهم حتى تَمُوتَ فإذا انْقَرَضَ أبو الْحَسَنِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِأُمِّ أبي الْحَسَنِ حتى تَنْقَرِضَ فإذا انْقَرَضَتْ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِفَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ ابْنَتَيْ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وولد ( ( ( وولده ) ) ) إنْ وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بَعْدَ هذا الْكِتَابِ شَرْعًا فيه سَوَاءٌ ما تَنَاسَلُوا وَلَا يَكُونُ هَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِأَحَدٍ من وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَلَا وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدِهِ من الْإِنَاثِ إلَّا بِنْتًا عَمُودُ نَسَبِ أَبِيهَا إلَى مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ أو إلَى أبي الْحَسَنِ محمد بن إدْرِيسَ فإذا انْقَرَضُوا فَهَذَانِ الْمَنْزِلَانِ صَدَقَةٌ على آلِ شَافِعِ بن السَّائِبِ فإذا انْقَرَضُوا فَعَلَى من حَضَرَ مَكَّةَ من بَنِي الْمُطَّلِبِ بن عبد مَنَافٍ فإذا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ وَالْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وقد دَفَعَ محمد بن إدْرِيسَ هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ إلَى أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ فَهُمَا بيده لِأَبِي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ ثُمَّ لِمَنْ سمي معه وَبَعْدَهُ وَأَخْرَجَهُمَا محمد بن إدْرِيسَ من مِلْكِهِ وَجَعَلَهُمَا على ما شَرَطَ في هذا الْكِتَابِ لِأَبِي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ وَمَنْ سمي معه وَبَعْدَهُ شَهِدَ على إقْرَارِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِمَا في هذا الْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ الْمَوْلُودَ بِمِصْرَ مُتَصَدَّقٌ عليه بِمَا في هذا الْكِتَابِ على ما شَرَطَ فيه صَغِيرٌ يَلِي مُحَمَّدَ بن إدْرِيسَ أَبُوهُ الْقَبْضَ له وَالْإِعْطَاءَ منه وما يَلِي الْأَبَ من وَلَدِهِ الصِّغَارِ - * الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصِلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَحْمُونَ الْحَامَ على غَيْرِ مَعَانٍ سَمِعْت كَثِيرًا من طَوَائِفِ الْعَرَبِ يَحْكُونَ فيه فَتَجْتَمِعُ حِكَايَتُهُمْ على أَنَّ ما حَكَوْا منه عِنْدَهُمْ من الْعِلْمِ الْعَامِّ الذي لَا يَشُكُّونَ فيه وَلَا يُمْكِنُ في مِثْلِهِ الْغَلَطُ لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَوَامَّهُمْ يَحْكُونَهُ عن عَوَامِّ من كان قَبْلَهُمْ فَكَانَ مِمَّا حَكَوْا مُجْتَمَعِينَ على حِكَايَتِهِ أَنْ قالوا الْبَحِيرَةُ النَّاقَةُ تُنْتِجُ بُطُونًا فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا ويخلى سَبِيلَهَا وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا في الْبَطْحَاءِ وَلَا يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا ثُمَّ زَادَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ فقال بَعْضُهُمْ تُنْتِجُ خَمْسَةَ بُطُونٍ فَتُبْحَرُ وقال بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ إذَا كانت تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا وَالسَّائِبَةُ الْعَبْدُ يُعْتِقُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَادِثِ مِثْلَ الْبُرْءِ من الْمَرَضِ أو غَيْرِهِ من وُجُوهِ الشُّكْرِ أو أَنْ يَبْتَدِئَ عِتْقَهُ فيقول قد أَعْتَقْتُك سَائِبَةً يَعْنِي سَيَّبْتُك فَلَا تَعُودُ إلَيَّ وَلَا لي الِانْتِفَاعِ بِوَلَائِك كما لَا يَعُودُ إلَيَّ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِك وزاد بَعْضُهُمْ فقال السَّائِبَةُ وَجْهَانِ هذا أَحَدُهُمَا وَالسَّائِبَةُ أَيْضًا يَكُونُ من وَجْهٍ آخَرَ وهو الْبَعِيرُ يُنْجِحُ عليه صَاحِبُهُ الْحَاجَةَ أو يَبْتَدِئَ الْحَاجَةَ أَنْ يُسَيِّبَهُ فَلَا يَكُونُ عليه سَبِيلٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَأَيْت مَذَاهِبَهُمْ في هذا كُلِّهِ فِيمَا صَنَعُوا أَنَّهُ كَالْعِتْقِ قال وَالْوَصِيلَةُ الشَّاةُ تُنْتِجُ الْأَبْطُنَ فإذا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ التي وَقَّتُوا لها قِيلَ وَصَلَتْ أَخَاهَا وزاد بَعْضُهُمْ تُنْتِجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ في كل بَطْنٍ فَيُقَالُ هذه وَصِيلَةٌ تَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ له معه وزاد بَعْضُهُمْ فقال قد يُوَصِّلُونَهَا في ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ وَيُوَصِّلُونَهَا في خَمْسَةٍ وفي سَبْعَةٍ قال وَالْحَامُ الْفَحْلُ يَضْرِبُ في إبِلِ الرَّجُلِ عَشَرَ سِنِينَ فَيُخْلَى وَيُقَالُ قد حَمَى هذا ظَهْرَهُ فَلَا يَنْتَفِعُونَ من ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ وزاد بَعْضُهُمْ فقال يَكُونُ لهم من صُلْبِهِ وما أَنْتَجَ مِمَّا خَرَجَ من صُلْبِهِ عَشْرٌ من الْإِبِلِ فَيُقَالُ قد حَمَى هذا ظَهْرَهُ قال وَأَهْلُ الْعِلْمِ من الْعَرَبِ أَعْلَمُ بهذا مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ التَّفْسِيرِ وقد سَمِعْت من أَهْلِ التَّفْسِيرِ من يَحْكِي مَعْنَى ما حَكَيْت عن الْعَرَبِ وَفِيمَا سَمِعْت من حِكَايَتَهُمْ نَصًّا وَدَلَالَةً من أَخْبَارِهِمْ أَنَّهُمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } فلم يَحْتَمِلْ إلَّا ما جَعَلَ اللَّهُ ذلك نَافِذًا على ما جَعَلْتُمُوهُ وَهَذَا إبْطَالُ ما جَعَلُوا منه على غَيْرِ طَاعَةِ اللَّه عز وجل==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...