مجلد 21. ومجلد 22فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
21.
مجلد 21. فتح الباري
المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
إلى أبي طلحة فأخبرته، فدخل على أم سليم
فقال: هل من شيء" الحديث. وفي رواية محمد بن كعب عن أنس عند أبي نعيم
"جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء، فإني مررت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من
الجوع". قوله: "فأخرجت أقراصا من شعير" في رواية محمد بن سيرين عن
أنس عند أحمد قال: "عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته" وعند
المصنف من هذا الوجه ومن غيره عن أنس أن أمه أم سليم "عمدت إلى مد من شعير
جرشته ثم عملته" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد ومسلم:
"أتى أبو طلحة بمد من شعير فأمر به فصنع طعاما" ولا منافاة بين ذلك
لاحتمال أن تكون القصة تعددت وأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، ويمكن الجمع
بأن يكون الشعير في الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعيالهم وبعضه للنبي صلى الله عليه
وسلم، ويدل على التعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت الملتوت بالسمن من المغايرة،
وقد وقع لأم سليم في شيء صنعته للنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش
قريب من هذه القصة من تكثير الطعام وإدخال عشرة عشرة كما سيأتي في مكانه في
الوليمة من كتاب النكاح. ووقع عند أحمد في رواية ابن سيرين عن أنس "عمدت أم
سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته، ثم عمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فاتخذت منه
خطيفة" الحديث والخطيفة هي العصيدة وزنا ومعنى، وهذا بعينه يأتي للمصنف في
الأطعمة. قوله: "ولائتني ببعضه" أي لفتني به يقال لاث العمامة على رأسه
أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه. ووقع في الأطعمة للمصنف
عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك في هذا الحديث: "فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز
تحت ثوبي وردتني ببعضه" تقول دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر
وقوة. قوله: "فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم
قال بطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمن معه قوموا"
ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال
لمن عنده قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس،
فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم
فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيى وظهر
له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من
إطعامه، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله، عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن
يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه،
وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده، وقد وجدت أن أكثر
الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي
رواية سعد بن سعيد عن أنس "بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
لأدعوه وقد جعل له طعاما" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس "أمر
أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة، ثم أرسلتني
إليه" وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس "فدخل أبو طلحة
على أمي فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم، عندي كسر من خبز، فإن جاءنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وحده أشبعناه، وإن جاء أحد معه قل عنهم" وجميع ذلك عند مسلم.
وفي رواية مبارك بن فضالة المذكورة أن أبا طلحة قال: "اعجنيه وأصلحيه عسى أن
ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا، ففعلت، فقالت: ادع رسول الله صلى
الله عليه وسلم" وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عند أبي
نعيم وأصله عند مسلم: "فقال لي أبو طلحة: يا أنس اذهب فقم قريبا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه، ثم ابتعه حتى إذا قام على
عتبة بابه فقل له: إن أبي يدعوك". وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة
عند أبي يعلى عن أنس "قال لي أبو
(6/589)
طلحة: اذهب فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعند المصنف من رواية ابن سيرين في الأطعمة عن أنس "ثم بعثني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فدعوته" وعند أحمد من رواية النضر بن أنس عن أبيه "قالت لي أم سليم: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل" وفي رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أنس عند البغوي "فقال أبو طلحة اذهب يا بني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فادعه. قال فجئته فقلت له: إن أبي يدعوك" الحديث. وفي رواية محمد بن كعب "فقال يا بني اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه، ولا تدع معه غيره ولا تفضحني". قوله: "آرسلك أبو طلحة" بهمزة ممدودة للاستفهام. وفي رواية محمد بن كعب "فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلا" وفي رواية يعقوب "فلما قلت له إن أبي يدعوك قال لأصحابه: يا هؤلاء تعالوا، ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنوا أرسل يدي فدخلت، وأنا حزين لكثرة من جاء معه". قوله: "فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم" أي قدر ما يكفيهم "فقالت: الله ورسوله أعلم" كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام، ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. وفي رواية مبارك بن فضالة "فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم" وفي رواية سعد بن سعيد "فقال أبو طلحة: "إنما صنعت لك شيئا" ونحوه في رواية ابن سيرين. وفي رواية عمرو بن عبد الله "فقال أبو طلحة: إنما هو قرص فقال: إن الله سيبارك فيه" ونحوه في رواية عمرو بن يحيى المازني. وفي رواية يعقوب "فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى، فقال: ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك" وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه "فدخلت على أم سليم وأنا مندهش" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أن أبا طلحة قال: "يا أنس فضحتنا" وللطبراني في الأوسط "فجعل يرميني بالحجارة". قوله: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا أم سليم ما عندك" كذا لأبي ذر عن الكشميهني، ولغيره: "هلم" وهي لغة حجازية، هلم عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} والمراد بذلك طلب ما عندهما. قوله: "وعصرت أم سليم عكة فأدمته" أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل. وفي رواية مبارك بن فضالة "فقال هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة سمن، فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بسم الله، فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع" وفي رواية سعد بن سعيد "فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة" وفي رواية النضر بن أنس "فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: بسم الله، اللهم أعظم فيها البركة " وعرف بهذا المراد بقوله: "وقال فيها ما شاء الله أن يقول". قوله: "ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم" ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي طلحة وحده وصرح بذلك في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه: "فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل" وفي رواية يعقوب "أدخل علي ثمانية؛ فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا" انتهى. وهذا يدل على تعدد القصة، فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية، فالله أعلم. قوله: "فأكلوا" في رواية مبارك بن فضالة "فوضع يده وسط القرص وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا" وفي رواية بكر بن عبد الله "فقال لهم كلوا من بين
(6/590)
أصابعي". قوله: "ثم خرجوا" في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى "ثم قال لهم قوموا وليدخل عشرة مكانكم". قوله: "والقوم سبعون أو ثمانون رجلا" كذا وقع بالشك، وفي غيرها بالجزم بالثمانين كما تقدم من رواية محمد بن كعب وغيره. وفي رواية مبارك بن فضالة "حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلا" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى "حتى فعل ذلك بثمانين رجلا، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا" أي فضلا. وفي روايته عند أحمد "قلت كم كانوا؟ قالوا: كانوا نيفا وثمانين قال: وأفضل لأهل البيت ما يشبعهم" ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون ألغي الكسر، ولكن وقع في رواية ابن سيرين عند أحمد "حتى أكل منها أربعون رجلا وبقيت كما هي" وهذا يؤيد التغاير الذي أشرت إليه، وأن القصة التي رواها ابن سيرين غير القصة التي رواها غيره، وزاد مسلم في رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة "وأفضل ما بلغوا جيرانهم" وفي رواية عمرو بن عبد الله "وفضلت فضلة فأهديناها لجيراننا" ونحوه عند أبي نعيم من رواية عمارة بن غزية عن ربيعة عن أنس بلفظ: "حتى أهدت أم سليم لجيراننا" ولمسلم في أواخر رواية سعد بن سعيد "حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع" وفي رواية له من هذا الوجه "ثم أخذ ما بقي فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان" وقد تقدم الكلام على شيء من فوائد هذا الحديث في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة. "تكملة": سئلت في مجلس الإملاء لما ذكرت حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حكمة تبعيضهم، فقلت: يحتمل أن يكون عرف أن الطعام قليل وأنه في صحفة واحدة فلا يتصور أن يتحلق ذلك العدد الكثير، فقيل: لم لا دخل الكل وبعض لمن يسعه التحليق فكان أبلغ في اشتراك الجميع في الاطلاع على المعجزة، بخلاف التبعيض فإنه يطرقه احتمال تكرر وضع الطعام لصغر الصحفة؟ فقلت: يحتمل أن يكون ذلك لضيق البيت، والله أعلم. الحديث السابع: حديث عبد الله - وهو ابن مسعود - في نبع الماء أيضا وتسبيح الطعام. قوله: "كنا نعد الآيات" أي الأمور الخارقة للعادات. قوله: "بركة وأنتم تعدونها تخويفا" الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفا، وإلا فليس جميع الخوارق بركة، فإن التحقيق يقتضي عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" وكأن القوم الذين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} ، ووقع عند الإسماعيلي من طريق الوليد بن القاسم عن إسرائيل في أول هذا الحديث: "سمع عبد الله بن مسعود بخسف فقال: كنا أصحاب محمد نعد الآيات بركة"، الحديث. قوله: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر" هذا السفر يشبه أن يكون غزوة الحديبية لثبوت نبع الماء فيها كما سيأتي. وقد وقع مثل ذلك في تبوك. ثم وجدت البيهقي في "الدلائل" جزم بالأول لكن لم يخرج ما يصح به. ثم وجدت في بعض طرق هذا الحديث عند أبي نعيم في "الدلائل" أن ذلك كان في غزوة خيبر، فأخرج من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن إبراهيم في هذا الحديث قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأصاب الناس عطش شديد، فقال: يا عبد الله التمس لي ماء، فأتيته بفضل ماء في إداوة" الحديث، فهذا أولى، ودل على تكرر وقوع ذلك حضرا أو سفرا. قوله: "فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل" ووقع عند أبي نعيم في "الدلائل" من طريق أبي الضحى ابن عباس قال: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بماء فطلبه فلم يجده، فأتاه بشن فيه ماء" الحديث وفي آخره: "فجعل ابن مسعود يشرب ويكثر" وهذا يشعر بأن ابن عباس حمله
(6/591)
عن ابن مسعود، وأن القصة واحدة، ويحتمل، أن يكون كل من ابن
مسعود وبلال أحضر الإداوة، فإن الشن بفتح المعجمة وبالنون هو الإداوة اليابسة.
قوله: "حي على الطهور المبارك" أي هلموا إلى الطهور، وهو بفتح الطاء،
والمراد به الماء، ويجوز ضمها والمراد الفعل أي تطهروا. قوله: "والبركة من الله"
البركة مبتدأ والخبر من الله، وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله. ووقع في حديث
عمار بن زريق عن إبراهيم في هذا الحديث: "فجعلت أبادرهم إلى الماء أدخله في
جوفي لقوله: "البركة من الله" وفي حديث ابن عباس "فبسط كفه فيه
فنبعت تحت يده عين، فجعل ابن مسعود يشرب ويكثر" والحكمة في طلبه صلى الله
عليه وسلم في هذه المواطن فضلة الماء لئلا يظن أنه الموجد للماء، ويحتمل أن يكون
إشارة إلى أن الله أجرى العادة في الدنيا غالبا بالتوالد، وأن بعض الأشياء يقع
بينها التوالد وبعضها لا يقع، ومن جملة ذلك ما نشاهده من فوران بعض المائعات إذا
خمرت وتركت، ولم تجر العادة في الماء الصرف بذلك، فكانت المعجزة بذلك ظاهرة جدا.
قوله: "ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل" أي في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم غالبا، ووقع ذلك عند الإسماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن سفيان عن
بندار عن أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث: "كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه
وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام" وله شاهد أورده البيهقي في
"الدلائل" من طريق قيس بن أبي حازم قال: "كان أبو الدرداء وسليمان
إذا كتب أحدهما إلى الآخر قال له: بآية الصحفة، وذلك أنهما بينا هما يأكلان في
صحفة إذ سبحت وما فيها" وذكر عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: "مرض
النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه عنب ورطب فأكل منه فسبح". قلت
وقد اشتهر تسبيح الحصى، ففي حديث أبي ذر قال: "تناول رسول الله صلى الله عليه
وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن،
ثم وضعهن في يد عمر فسبحن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن" أخرجه البزار
والطبراني في "الأوسط" وفي رواية الطبراني "فسمع تسبيحهن من في
الحلقة" وفيه: "ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا" قال البيهقي
في "الدلائل" كذا رواه صالح بن أبي الأخضر - ولم يكن بالحافظ - عن
الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر، والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري قال: "ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كان كبير السن ممن أدرك
أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا". "فائدة": ذكر ابن الحاجب عن
بعض الشيعة أن انشقاق القمر وتسبيح الحصى وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل
آحادا مع توفر الدواعي على نقله، ومع ذلك لم يكذب رواتها. وأجاب بأنه استغنى عن
نقلها تواترا بالقرآن. وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا، وعلى تسليمه فمجموعها يفيد
القطع كما تقدم في أول هذا الفصل(1) والذي أقول إنها كلها مشتهرة عند الناس، وأما
من حيث الرواية فليست على حد سواء، فإن حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما
نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا
ممارسة له في ذلك. وأما تسبيح الحصى فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها،
وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسنادا لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف، والله أعلم.
الحديث الثامن: حديث جابر في قصة وفاء دين أبيه، أورده مختصرا وقد ذكره في مواضع
أخرى مطولا. قوله: "حدثنا زكريا" هو ابن أبي زائدة،
ـــــــ
(1) العجيب أن يقول هذا شيعي، وهم في أوثق كتبهم ينقلون عن رواة معروفين بالكذب
آيات عن غير المعصومين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذب بعضها بعضا حتى لو
لم يكن رواتها كذابين – محب الدين.
(6/592)
وعامر هو الشعبي. قوله: "أن أباه" هو عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين. وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع "توفي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين" وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا "أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا" وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر "أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له، فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى" وفي رواية ابن كعب بن مالك في الاستقراض والهبة عن جابر "أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته، فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا" ووقع عند أحمد من طريق نبيح العنزي عن جابر قال: "قال لي أبي: يا جابر لا عليك أن يكون في قطاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا - فذكر قصة قتل أبيه ودفنه قال - وترك أبي عليه دينا من التمر، فاشتد علي بعض غرمائه في التقاضي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له وقلت: فأحب أن تعينني عليه لعله أن ينظرني طائفة من تمره إلى هذا الصرام المقبل، قال: نعم آتيك إن شاء الله قريبا من نصف النهار" فذكر الحديث في الضيافة وفيه: "ثم قال: ادع فلانا - لغريمي الذي اشتد في الطلب - فجاء فقال: أنظر جابرا طائفة من دينك الذي على أبيه إلى الصرام المقبل، فقال: ما أنا بفاعل، واعتل. وقال إنما هو مال يتامى". قوله: "وليس عندي إلا ما يخرج نخله" يعني أنه لم يترك مالا إلا البستان المذكور. قوله: "ولا يبلغ ما يخرج نخله سنين" أي في مدة سنين "ما عليه" أي من الدين. قوله: "فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء فمشى" فيه حذف تقديره: فقال نعم، فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى. وقد تبين من الروايات الأخرى التصريح بما وقع من ذلك، ففي رواية مغيرة "فقال اذهب فصنف تمرك أصنافا، ثم أرسل إلي، ففعلت، فجاء فجلس على أعلاه" وفي رواية فراس في البيوع "اذهب فصنف تمرك أصنافا: العجوة على حدة، وعذق زيد على حدة" وقوله: عذق زيد بفتح المهملة، وزيد الذي نسب إليه اسم لشخص كأنه هو الذي كان ابتدأ غراسه فنسب إليه، والعجوة من أجود تمر المدينة. قوله: "بيدر" بفتح الموحدة وكسر المهملة وهو فعل أمر، أي اجعل التمر في البيادر كل صنف في بيدر، والبيدر بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الدال المهملة للتمر كالجرن للحب. قوله: "فدعا" في رواية ابن كعب بن مالك "فغدا علينا فطاف في النخل ودعا في تمره بالبركة" وفي رواية الديال بن حرملة عن جابر "فجاء هو وأبو بكر وعمر فاستقرأ النخل، يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول، حتى مر على آخرها" الحديث أخرجه أحمد. قوله: "ثم آخر" أي مشى حول بيدر آخر فدعا. وفي رواية فراس "فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها فقال أفرغوه" أي أفرغوه من البيدر. وفي رواية مغيرة "ثم قال: كل للقوم، فكلتهم حتى أوفيتهم" وفي رواية فراس "ثم قال لجابر: جد فأوف الذي له، فجده بعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم" في رواية مغيرة "وبقي تمري وكأنه لم ينقص منه شيء" وفي رواية ابن كعب "وبقي لنا من تمرها بقية" ووقع في رواية وهب بن كيسان "فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا"، ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء، فكان أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقا، وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه، ويؤيده قوله في رواية نبيح العنزي عن جابر "فكلت له من العجوة فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا، وكلت له من أصناف التمر فأوفاه الله وفضل لنا
(6/593)
من التمر كذا وكذا" ووقع في رواية فراس عن الشعبي ما قد يخالف ذلك، فعنه "ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة" أي أنهم شددوا عليه في المطالبة لعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال: ادعهم ، فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي، وأنا راض أن يؤديها الله ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم الله البيادر كلها حتى أني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص منه تمرة واحدة" ووجه المخالفة فيه أن ظاهره أن الكيل جميعه كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن التمر لم ينقص منه شيء البتة، والذي مضى ظاهره أن ذلك بعد رجوعه وأن بعض التمر نقص، ويجمع بأن ابتداء الكيل كان بحضرته صلى الله عليه وسلم وبقيته كان بعد انصرافه، وكان بعض البيادر التي أوفى منها بعض أصحاب الدين حيث كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقص منه شيء البتة، ولما انصرف بقيت آثار بركته فلذلك أوفى من أحد البيادر ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر. وفي رواية نبيح ما يؤيد ذلك، ففي روايته قال: "كل له فإن الله سوف يوفيه" وفي حديثه "فإذا الشمس قد دلكت فقال: الصلاة يا أبا بكر، فاندفعوا إلى المسجد فقلت له - أي للغريم - قرب أوعيتك" وفيه: "فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني شرارة، فوجدته قد صلى، فأخبرته فقال: أين عمر؟ فجاء يهرول. فقال: سل جابرا عن تمره وغريمه، فقال: ما أنا بسائله، قد علمت أن الله سيوفيه" الحديث. وقصة عمر قد وقعت في رواية ابن كعب ففيها "ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: اسمع يا عمر، قال: ألا نكون قد علمنا أنك رسول الله؟ والله إنك لرسول الله" وفي رواية وهب "فقال عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن الله فيها" وقوله في رواية ابن كعب "ألا نكون" بفتح الهمزة وتشديد اللام في الروايات كلها، وأصلها أن الخفيفة ضمت إليها لا النافية، أي هذا السؤال إنما يحتاج إليه من لا يعلم أنك رسول الله فلذلك يشك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال، وأما من علم أن رسول الله فلا يحتاج إلى ذلك. وزعم بعض المتأخرين أن الرواية فيه بتخفيف اللام وأن الهمزة فيه للاستفهام التقريري فأنكر عمر عدم علمه بالرسالة فأنتج إنكاره ثبوت علمه بها، وهو كلام موجه، إلا أن الرواية إنما هي بالتشديد، وكذلك ضبطها عياض وغيره، وقيل: النكتة في اختصاص عمر بأعلامه بذلك أنه كان معتنيا بقصة جابر مهتما بشأنه مساعدا له على وفاء دين أبيه. وقيل لأنه كان حاضرا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما مشى في النخل وتحقق أن التمر الذي فيه لا يفي ببعض الدين، فأراد إعلامه بذلك لكونه شاهد أول الأمر، بخلاف من لم يشاهد. ثم وجدت ذلك صريحا في بعض طرقه، ففي رواية أبي المتوكل عن جابر عند أبي نعيم فذكر الحديث وفيه: "فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر فقال: انطلق بنا حتى نطوف بنخلك هذا" فذكر الحديث. وفي رواية أبي نضرة عن جابر عنده في هذه القصة قال: "فأتاه هو وعمر فقال: يا فلان خذ من جابر وأخر عنه، فأبى، فكاد عمر يبطش به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مه يا عمر، هو حقه. ثم قال: اذهب بنا إلى نخلك" الحديث وفيه: "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائتني بعمر، فأتيته فقال: يا عمر سل جابرا عن نخله" فذكر القصة. ووقع في رواية الديال بن حرملة أن أبا بكر وعمر جميعا كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره: "قال فانطلق فأخبر أبا بكر وعمر، قال فانطلقت فأخبرتهما" الحديث، ونحوه في رواية وهب بن كيسان عن جابر، وجمع البيهقي بين مختلف الروايات في ذلك بأن اليهودي المذكور كان له دين من تمر، ولغيره من الغرماء ديون أخرى، فلما حضر الغرماء وطالبوا بحقوقهم وكال لهم جابر التمر ففضل تمر الحائط كأنه لم ينقص شيء فجاء اليهود بعدهم
(6/594)
فطالب بدينه فجد له جابر ما بقي على النخلات فأوفاه حقه منه وهو ثلاثون وسقا، وفضلت منه سبعة عشر، انتهى. وهذا الجمع يقتضي أنه لم يفضل من الذي في البيادر شيء وقد صرح في الرواية المتقدمة أنها فضلت كلها كأنه لم ينقص منها شيء، فما تقدم من الطريق التي جمعت به أولى، والله أعلم. وفي الحديث من الفوائد جواز الاستنظار في الدين الحال، وجواز تأخير الغريم لمصلحة المال الذي يوفى منه، وفيه مشى الإمام في حوائج رعيته، وشفاعته عند بعضهم في بعض. وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة لتكثير القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير وفضل منه. حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في قصة أضياف أبي بكر، والمراد منه تكثير الطعام القليل. قوله: "عن أبيه" هو سليمان بن طرخان التيمي أحد صغار التابعين. وفي رواية أبي النعمان عن معتمر "حدثنا أبي" كما تقدم في الصلاة. وأبو عثمان هو النهدي. قوله: "أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء" سيأتي ذكرهم في كتاب الرقاق، وأن الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في "الحلية" فزادوا على المائة. قوله: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث" أي من أهل الصفة المذكورين. ووقع في رواية مسلم: "فليذهب بثلاثة" قال عياض: وهو غلط، والصواب رواية البخاري لموافقتها لسياق باقي الحديث. وقال القرطبي: إن حمل على ظاهره فسد المعنى، لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم، بخلاف ما إذا ذهب بواحد فإنه يأكله في ثلاثة، ويؤيده قوله في الحديث الآخر "طعام الاثنين يكفي أربعة" أي القدر الذي يشبع الاثنين يسد رمق أربعة، ووجهها النووي بأن التقدير فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة، أو فليذهب بتمام ثلاثة. قوله: "ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال" أي فليذهب بخامس إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك، وإلا فليذهب بسادس مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك. والحكمة في كونه يزيد كل أحد واحدا فقط أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعا، فمن كان عنده مثلا ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة وما فوقها، بخلاف ما لو زيدت الأضياف بعدد العيال فإنما ذلك يحصل الاكتفاء فيه عند اتساع الحال. ووقع في رواية أبي النعمان "وإن أربع فخامس أو سادس" و "أو" فيه للتنويع أو للتخيير كما في الرواية الأخرى، ويحتمل أن يكون معنى "أو سادس" وإن كان عنده طعام خمس فليذهب بسادس، فيكون من عطف الجملة على الجملة. وقوله: "وإن أربع فخامس" بالجر فيهما، والتقدير فإن كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو بسادس، فحذف عامل الجر وأبقى عمله، كما يقال مررت برجل صالح وإن لا صالح فطالح، أي إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح، ويجوز الرفع على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو أوجه، قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث حذف فعلين وعاملي جر مع بقاء عملهما بعد إن وبعد الفاء، والتقدير من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس اهـ. وهذا قاله في الرواية التي في الصلاة، وأما هذه الرواية وهي قوله: "بخامس بسادس" فيكون حذف منها شيء آخر والتقدير أو إن قام بخمسة فليذهب بسادس قوله: "وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة" عبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد منزله من المسجد، وعن النبي صلى الله عليه وسلم بالانطلاق لقربه. وقوله بعد ذلك "وأبو بكر ثلاثة" بالنصب للأكثر أي أخذ ثلاثة فلا يكون قوله قبل ذلك "جاء بثلاثة" تكرارا لأن هذا
(6/595)
بيان لابتداء ما جاء في نصيبه، والأول لبيان من أحضرهم إلى منزله. وأبعد من قال ثلاثة بالرفع وقدره وأبو بكر أهله ثلاثة أي عدد أضيافه، ودل ذلك على أن أبا بكر كان عنده طعام أربعة ومع ذلك فأخذ خامسا وسادسا وسابعا فكأن الحكمة في أخذه واحدا زائدا عما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يؤثر السابع بنصيبه إذ ظهر له أنه لم يأكل أولا معهم. ووقع في رواية الكشميهني: "وأبو بكر بثلاثة، فيكون معطوفا على قوله: "وانطلق النبي" أي وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم، والأول أوجه، والله أعلم. قوله: "قال فهو أنا وأبي وأمي" القائل هو عبد الرحمن بن أبي بكر، قوله: "فهو" أي الشأن، وقوله: "أنا" مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه السياق وتقديره في الدار. قوله: "ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي" في رواية الكشميهني: "وخادم" بغير إضافة، والقائل "هل قال" هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن كأنه شك في ذلك، وقوله: "بين بيتنا" أي خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر، وهو ظرف للخادم، وأم عبد الرحمن هي أم رومان مشهورة بكنيتها، واسمها زينب وقيل: وعلة بنت عامر بن عويمر وقيل عميرة، من ذرية الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، كانت قبل أبي بكر عند الحارث بن سخبرة الأزدي فقدم مكة فمات وخلف منها ابنه الطفيل، فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت أم رومان قديما وهاجرت ومعها عائشة، أما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية، فقدم في سنة سبع أو أول سنة ثمان، واسم امرأته - والدة أكبر أولاده أبي عتيق محمد - أميمة بنت عدي بن قيس السهمية والخادم لم أعرف اسمها. قوله: "وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع" ووقع في الرواية التي في الصلاة "ثم لبث حتى صليت العشاء" وفي رواية: "حيث صليت ثم رجع" فشرحه الكرماني فقال: هذا يشعر بأن تعشي أبي بكر كان بعد الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تقدم بعكسه، والجواب أن الأول بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله، والثاني فيه سياق القصة على الترتيب الواقع: الأول تعشي الصديق والثاني تعشي النبي صلى الله عليه وسلم. والأول من العشاء بفتحها أي الأكل، والثاني بكسرها أي الصلاة. فأحد هذه الاحتمالات أن أبا بكر لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث إلى وقت صلاة العشاء فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تعشى عنده، وهذا لا يصح لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب: "وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم" ثم إن الذي وقع عند البخاري بلفظ: "ثم رجع" بالجيم ليس متفقا عليه من الرواة لما سأذكره، وظاهر قوله في هذه الرواية: "ثم رجع" أي إلى منزله، وعلى هذا ففي قوله: "فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله" تكرار وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بمقدار أن تعشى معه وصلى العشاء وما رجع إلى منزله إلا بعد أن مضى من الليل قطعة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء كما تقدم في حديث أبي برزة، ووقع عند الإسماعيلي: "ثم رجع" بالكاف أي صلى النافلة بعد العشاء، فعلى هذا فالتكرار في قوله: "فلبث حتى تعشى" فقط، وفائدته ما تقدم. ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي أيضا: "فلبث حتى نعس"، بعين وسين مهملتين مفتوحتين من النعاس وهو أوجه. وقال عياض إنه الصواب، وبه ينتفي التكرار من المواضع كلها إلا في قوله: "لبث" وسببه اختلاف تعلق اللبث فالأول قال: "لبث حتى صلى العشاء" ثم قال: "فلبث حتى نعس" والحاصل أنه تأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم تأخر حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته، وقد ترجم عليه المصنف في أبواب الصلاة قبيل الأذان "باب السمر مع الضيف والأهل" وأخذه من كون أبي بكر رجع إلى أهله
(6/596)
وضيفانه بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهم وبينه ما ذكر في الحديث. ووقع في رواية أبي داود من رواية الجريري عن أبي عثمان أو أبي السليل عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: "نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء" ونحوه يأتي في الأدب من طريق أخرى عن الجريري عن أبي عثمان بلفظ: "أن أبا بكر تضيف رهطا، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأفرغ من قراهم قبل أن أجيء" وهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله وأمر أهله أن يضيفوهم ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه صريح قوله في حديث الباب: "وإن أبا بكر جاء بثلاثة". قوله: "قالت له امرأته ما حبسك من أضيافك؟" في رواية الكشميهني: "عن أضيافك" وكذا هو في الصلاة ورواية مسلم. قوله: "أو ضيفك" شك من الراوي، والمراد به الجنس لأنهم ثلاثة، واسم الضيف يطلق على الواحد وما فوقه. وقال الكرماني: أو هو مصدر يتناول المثنى والجمع، كذا قال وليس بواضح. قوله: "أو عشيتهم" في رواية الكشميهني: "أو ما عشيتهم" بزيادة ما النافية، وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، وفي بعضها عشيتهم بإشباع الكسرة. قوله: "قد عرضوا عليهم" بفتح العين والراء والفاعل محذوف أي الخدم أو الأهل أو نحو ذلك، "فغلبوهم" أي أن آل أبي بكر عرضوا على الأضياف العشاء فأبوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم. وفي الرواية التي في الصلاة "قد عرضوا" بضم أوله وتشديد الراء أي أطعموا من العراضة وهي الهدية، قاله عياض، قال وهو في الرواية بتخفيف الراء، وحكى ابن قرقول أن القياس بتشديد الراء وبه جزم الجوهري. وقال الكرمان موجها للتخفيف: أي عرض الطعام عليهم، فحذف الجار ووصل الفعل فهو من القلب كعرضت الناقة على الحوض. ووقع في الصلاة "قد عرضنا عليهم فامتنعوا" وحكى ابن التين أنه وقع في بعض الروايات عرصوا بصاد مهملة، قال ولا أعرف لها وجها ووجهها غيره أنها من قولهم عرص إذا نشط، فكأنه يريد أنهم نشطوا في العزيمة عليهم، ولا يخفى تكلفه. وفي رواية الجريري "فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال: اطعموا، قالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء. قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه - أي شرا - فأبوا" وفي رواية مسلم: "ألا تقبلوا عنا قراكم؟" ضبطه عياض عن الأكثر بتخفيف اللام على استفتاح الكلام، قال القرطبي: ويلزم عليه أن تثبت النون في "تقبلون" إذ لا موجب لحذفها، وضبطها ابن أبي جعفر بتشديد اللام وهو الوجه. قوله: "قال فذهبت فاختبأت" أي خوفا من خصام أبي بكر له وتغيظه عليه. وفي رواية الجريري "فعرفت أنه يجد علي" أي يغضب "فلما جاء تغيبت عنه، فقال: يا عبد الرحمن، فسكت. ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت". قوله: "فقال يا غنثر فجدع وسب" في رواية الجريري فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت، قال فخرجت فقلت والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسلهم. قالوا صدقك قد أتانا. وقوله: "فجدع وسب" أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة، وقيل: المراد به السب، والأول أصح. وفي رواية الجريري "فجزع" بالزاي بدل الدال أي نسبه إلى الجزع بفتحتين وهو الخوف، وقيل: المجازعة المخاصمة فالمعنى خاصم، قال القرطبي: ظن أبو بكر أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف، فلما تبين له الحال أدبهم بقوله كلوا لا هنيئا، وسب أي شتم. وحذف المفعول للعلم به. قوله: "غنثر" بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة، هذه الرواية المشهورة، وحكي ضم المثلثة، وحكى عياض عن
(6/597)
بعض شيوخه فتح أوله مع فتح المثلثة، وحكاه الخطابي بلفظ: "عنتر" بلفظ اسم الشاعر المشهور وهو المهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة، وروى عن أبي عمر عن ثعلب أن معناه الذباب، وأنه سمي بذلك لصوته فشبهه به حيث أراد تحقيره وتصغيره. وقال غيره: معنى الرواية المشهورة الثقيل الوخم وقيل: الجاهل وقيل: السفيه وقيل اللئيم، وهو مأخوذ من الغثر ونونه زائدة، وقيل: هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره كما تقدم. قوله: "وقال كلوا" زاد في الصلاة "لا هنيئا" وكذا في رواية مسلم أي لا أكلتم هنيئا وهو دعاء عليهم، وقيل خبر أي لم تتهنئوا في أول نضجه، ويستفاد من ذلك جواز الدعاء على من لم يحصل منه الإنصاف ولا سيما عند الحرج والتغيظ، وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك، وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته، ويقال إنه إنما خاطب بذلك أهله لا الأضياف، وقيل: لم يرد الدعاء وإنما أخبر أنهم فاتهم الهناء به إذا لم يأكلوه في وقته. قوله: "وقال لا أطعمه أبدا" في رواية مسلم وكذا هو في الصلاة "فقال: والله لا أطعمه أبدا" وفي رواية الجريري "فقال فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه أبدا، فقال الآخر والله لا نطعمه" وفي رواية أبي داود من هذا الوجه "فقال أبو بكر فما منعكم؟ قالوا: مكانك. قال والله لا أطعمه أبدا. ثم اتفقا فقال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم ما أنتم؟ لم تقبلون عنا قراكم. هات طعامك، فوضع فقال: بسم الله الأول من الشيطان فأكل وأكلوا" قال ابن التين: لم يخاطب أبو بكر أضيافه بذلك إنما خاطب أهله، والرواية التي ذكرتها ترد عليه. ووقع في رواية مسلم: "ألا تقبلون" وهو بتشديد اللام للأكثر، ولبعضهم بتخفيفها. قوله: "وايم الله" همزته همزة وصل عند الجمهور وقيل: يجوز القطع، وهو مبتدأ وخبره محذوف أي أيم الله قسمي، وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع لكنها لكثرة الاستعمال خففت فوصلت، وحكي فيها لغات: أيمن الله مثلثة النون، ومن الله مختصرة من الأولى مثلثة النون أيضا، وأيم الله كذلك، وم الله كذلك، بكسر الهمزة أيضا، وأم الله. قال ابن مالك: وليس الميم بدلا من الواو ولا أصلها من خلافا لمن زعم ذلك. ولا أيمن، جمع يمين خلافا للكوفيين، وسيأتي تمام هذا في كتاب الأيمان والنذور. قوله: "ألا ربا" أي زاد، وقوله: "من أسفلها" أي الموضع الذي أخذت منه. قوله: "فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر" والتقدير فإذا هي شيء أي قدر الذي كان، كذا عند والمصنف هنا، ووقع في الصلاة "فإذا هي - أي الجفنة - كما هي" أي كما كانت أولا أو أكثر، وكذلك في رواية مسلم والإسماعيلي وهو الصواب. قوله: "يا أخت بني فراس" زاد في الصلاة "ما هذا" وخاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان، وبنو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة ابن غنم بن مالك بن كنانة. وقال النووي: التقدير ما من هي من بني فراس وفيه نظر، والعرب تطلق على من كان منتسبا إلى قبيلة أنه أخوهم كما تقدم في العلم "ضمام أخو بني سعد بن بكر" وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث ويقع في النسب كثير من ذلك، وينسبون أحيانا إلى أخي جدهم، أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أن الحارث أخو فراس فأولاد كل منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم، وحكى عياض أنه قيل في أم رومان إنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل، ولم أر في كتاب ابن سعد لها نسبا إلا إلى بني الحارث بن غنم ساق
(6/598)
لها نسبين مختلفين، فالله أعلم. قوله: "قالت لا وقرة عيني" قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه، يقال ذلك لأن عينه قرت أي سكنت حركتها من التلفت لحصول غرضها فلا تستشرف لشيء آخر، فكأنه مأخوذ من القرار، وقيل: معناه أنام الله عينك وهو يرجع إلى هذا، وقيل: بل هو مأخوذ من القر وهو البرد أي أن عينه باردة لسروره، ولهذا قيل دمعة الحزن حارة، ومن ثم قيل في ضده أسخن الله عينه، وإنما حلفت أم رومان بذلك لما وقع عندها من السرور بالكرامة التي حصلت لهم ببركة الصديق رضي الله عنه. وزعم الداودي أنها أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به، وفيه بعد. و"لا" في قولها: "لا وقرة عيني " زائدة أو نافية على حذف، تقديره لا شيء غير ما أقول. قوله: "لهي" أي الجفنة أو البقية "أكثر مما قبل" كذا هنا. وفي رواية مسلم: "أكثر منها قبل" وهو أوجه، و "أكثر" للأكثر بالمثلثة ولبعضهم بالموحدة. قوله: "فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه" كذا هنا وفيه حذف تقدمها تقديره: وإنما كان الشيطان الحامل على ذلك، يعني الحامل على يمينه التي حلفها في قوله: "والله لا أطعمه" ووقع عند مسلم والإسماعيلي: "وإنما كان ذلك من الشيطان" يعني يمينه وهو أوجه. وأبعد من قال: الضمير في قوله: "هذه اللقمة" للتي أكل أي هذه اللقمة لقمع الشيطان وإرغامه. لأنه قصد بتزيينه له اليمين إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه، فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير، وظاهر هذا السياق مخالف لرواية الجريري، فقال عياض: في هذا السياق خطأ وتقديم وتأخير، ثم ذكر ما حاصله أن الصواب ما في رواية الجريري، وهو أن رواية سليمان التيمي هذه تقتضي أن سبب أكل أبي بكر من الطعام ما رآه من البركة فيه فرغب في الأكل منه وأعرض عن يمينه التي حلف لما رجح عنده من التناول من البركة، ورواية الجريري تقتضي أن سبب أكله من الطعام لجاج الأضياف وحلفهم بأنهم لا يطعمون من الطعام حتى يأكل أبو بكر، ولا شك في كونها أوجه، لكن يمكن رد رواية سليمان التيمي إليها بأن يكون قوله: "فأكل منها أبو بكر" معطوفا على قوله: "والله لا أطعمه" لا على القصة التي دلت على بركة الطعام، وغايته أن حلف الأضياف أن لا يطعموه لم يقع في رواية سليمان والله أعلم. ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان لا من أبيه، فقد وقع في الأدب عند المصنف من رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي "فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه، فقال أبو بكر كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون اللقمة إلا ربا من أسفلها" ويحتمل أن يجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئا، ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد فأكل منها لتحصل له وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف "إنما كان ذلك من الشيطان" والحاصل أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج، فعاد مسرورا، وانفك الشيطان مدحورا. واستعمل الصديق مكارم الأخلاق فحنث نفسه زيادة في إكرام ضيفانه ليحصل مقصوده من أكلهم. ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة. ووقع في رواية الجريري عند مسلم: "فقال أبو بكر: يا رسول الله بروا وحنثت، فقال: بل أنت أبرهم وخيرهم. قال: ولم يبلغني كفارة " وسقط ذلك من رواية الجريري عند المصنف، وكأن سبب حذفه لهذه الزيادة أن فيها إدراجا بينته رواية أبي داود حيث جاء فيها "فأخبرت - بضم الهمزة - أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم إلخ" وقوله: "أبرهم" أي أكثرهم برا أي طاعة، وقوله: "وخيرهم" أي لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه مطلوبا فأنت أفضل منهم بهذا الاعتبار، وقوله: "ولم يبلغني كفارة" استدل به على أنه لا تجب الكفارة في يمين اللجاج والغضب، ولا حجة فيه لأنه لا يلزم
(6/599)
من عدم الذكر عدم الوجود، فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله: "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين" ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفارة في الأيمان، لكن يعكر عليه ما سيأتي من حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى نزلت الكفارة. وقال النووي: قوله: "ولم تبلغني كفارة" يعني أنه لم يكفر قبل الحنث، فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه، كذا قال. وقال غيره: يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة، أي لا أطعمه معكم أو عند الغضب، وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا؟ ولا يخفى ما فيه من التكلف. وقول أبي بكر "والله لا أطعمه أبدا" يمين مؤكدة ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان. قوله: "ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده" أي الجفنة على حالها، وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة. قوله: "ففرقنا اثنا عشر رجلا من كل رجل منهم أناس" كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنتي عشرة فرقة، وحكى الكرماني أن في بعض الروايات "فقرينا" بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة، ولم أقف على ذلك. قوله: "اثنا عشر رجلا" كذا للمصنف، وعند مسلم اثني عشر بالنصب وهو ظاهر، والأول على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، ويحتمل أن يكون "ففرقنا" بضم أوله على البناء للمجهول، فارتفع اثنا عشر على أنه مبتدأ وخبره مع كل رجل منهم. قوله: "الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم" يعني أنه تحقق أنه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم لأن ذلك يحتمل الكثرة والقلة، غير أنه يتحقق أنه بعث معهم - أي مع كل ناس - عريفا. قوله: "قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال" هو شك من أبي عثمان في لفظ عبد الرحمن، وأما المعنى فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها، وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر، والله أعلم. وقد روى أحمد والترمذي والنسائي من حديث سمرة قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد فأكل وأكل القوم، فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه، فقال رجل: هل كانت تمد بطعام؟ قال: أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمد من السماء". قال بعض شيوخنا يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع، والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم التجاء الفقراء إلى المساجد عند الاحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك إلحاح ولا إلحاف ولا تشويش على المصلين، وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط، وفيه التوظيف في المخمصة، وفيه جواز الغيبة عن الأهل والولد والضيف إذا أعدت لهم الكفاية، وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف والإطعام بغير إذن خاص من الرجل، وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه، وفيه جواز الحلف على ترك المباح، وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم، وجواز الحنث بعد عقد اليمين، وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء، وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك، وفيه العمل بالظن الغالب لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في أمر الأضياف فبادر إلى سبه وقوى القرينة عنده اختباؤه منه، وفيه ما يقع من لطف الله تعالى بأوليائه وذلك أن
(6/600)
خاطر أبي بكر تشوش وكذلك ولده وأهله وأضيافه بسبب امتناعهم من
الأكل، وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك حتى احتاج إلى ما تقدم ذكره من الحرج بالحلف
وبالحنث وبغير ذلك، فتدارك الله ذلك ورفعه عنه بالكرامة التي أبداها له، فانقلب
ذلك الكدر صفاء والنكد سرورا ولله الحمد والمنة. حديث أنس في الاستسقاء والمراد
منه وقوع إجابة الدعاء في الحال، وقد تقدم شرحه في الاستسقاء، وأورده هنا من
طريقين لحماد بن زيد، فقوله: "وعن يونس" هو ابن عبيد وهو معطوف على
قوله: "عن عبد العزيز بن صهيب"، وحاصله أن حمادا سمعه عن أنس عاليا
ونازلا، وذلك لأنه سمع من ثابت وحدث عنه هنا بواسطة، وذكر البزار أن حمادا تفرد
بطريق يونس بن عبيد هذه قوله: "وغيره يقول فعرفنا" وهو من للعرافة، وكذا
اختلفت الرواة عند مسلم هل قال فرقنا أو عرفنا. وفي رواية الإسماعيلي:
"فعرفنا" من العرافة وجها واحدا، وسمي العريف عريفا لأنه يعرف الإمام
أحوال العسكر. وزعم الكرماني أن فيه حذفا تقديره فرجعنا إلى المدينة فعرفنا، قلت:
ولا يتعين ذلك لجواز أن يكون تعريفهم وإرسالهم قبل الرجوع إلى المدينة. قوله:
"هلكت الكراع" بضم أوله وحكي عن رواية الأصيلي كسرها وخطئ، والمراد به
الخيل، وقد يطلق على غيرها من الحيوان، لكن المراد به هنا الحقيقة لأنه عطف عليه
بعد ذلك غيره. قوله: "كمثل الزجاجة" أي من شدة الصفاء ليس فيها شيء من
السحاب. قوله: "فهاجت ريح أنشأت سحابا" قال بعض شراح البخاري: هذا فيه
نظر، لأنه إنما يقال نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأ الله السحاب لقوله: {وَيُنْشِئُ
السَّحَابَ الثِّقَالَ}. قلت: المراد في حديث الباب الثاني، ونسبة الإنشاء إلى
الريح مجازية وذلك بإذن الله، والأصل أن الكل بإنشاء الله وهو كقوله: {أَأَنْتُمْ
تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} وقد تقدم في بدء الخلق أن الريح تلقح
السحاب. قوله: "عزاليها" بالزاي الخفيفة واللام المفتوحة بعدها تحتانية
ساكنة تثنية عزلي، وقد تقدم ضبطها وتفسيرها قريبا. قوله: "فقام إليه ذلك
الرجل أو غيره" تقدم في الاستسقاء ما يقرب أنه خارجة بن حصن الفزاري، وما
يوضح أن الذي قام أولا هو الذي قام ثانيا، وأن أنسا جزم به تارة وشك فيه أخرى.
قوله: "تصدع" في رواية الكشميهني تتصدع وهو الأصل. قوله:
"إكليل" بكسر الهمزة وسكون الكاف هي العصابة التي تحيط بالرأس، وأكثر ما
تستعمل فيما إذا كانت العصابة مكللة بالجوهر وهي من سمات ملوك الفرس، وقد قيل: إن
أصله ما أحاط بالظفر من اللحم ثم أطلق على كل ما أحاط بشيء. والله أعلم.
3583- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ
أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخُو
أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ
الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ " وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ
نَافِعٍ بِهَذَا وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3584- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ
قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ
أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ إِنْ
شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ
إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ
(6/601)
النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ
الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ
الذِّكْرِ عِنْدَهَا".
3585- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى
جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ
عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى
جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا
فَسَكَنَتْ".
الحديث الحادي عشر والثاني عشر حديث ابن عمر فقوله في الطريق الأولى "حدثنا
أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو عمرو بن العلاء" تسمية أبي حفص لم أرها إلا
في رواية البخاري، والظاهر أنه هو الذي سماه، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار
عن يحيى بن كثير فقال: "حدثنا أبو حفص بن العلاء" فذكر الحديث ولم يسمه،
وقد تردد الحاكم أبو أحمد في ذلك فذكر في ترجمة أبي حفص في الكنى هذا الحديث فساقه
من طريق عبد الله بن رجاء الغداني "حدثنا أبو حفص بن العلاء" فذكر حديث
الباب ولم يقل اسمه عمر، ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء به، ثم
أخرج من طريق معتمر بن سليمان "عن معاذ بن العلاء أبي غسان قال" وكذا
ذكر البخاري في التاريخ أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان، قال الحاكم: فالله أعلم
أنهما أخوان أحدهما يسمى عمر والآخر يسمى معاذا وحدثا معا عن نافع بحديث الجذع أو
أحد الطريقين غير محفوظ، لأن المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو
سفيان ومعاذ، فأما أبو حفص عمر فلا أعرفه إلا في الحديث المذكور، والله أعلم. قلت:
وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وأما أبو عمرو بن العلاء
فهو أشهر الإخوة وأجلهم، وهو إمام القراءات بالبصرة، وشيخ العربية بها، وليس له
أيضا في البخاري رواية ولا ذكر إلا في هذا الموضع، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا
والأظهر أن اسمه كنيته وأما أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذي. قوله:
"فأتاه فمسح يده عليه" في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن السكن عن
معاذ "فأتاه فاحتضنه فسكن فقال: لو لم أفعل لما سكن" ونحوه في حديث ابن
عباس عند الدارمي بلفظ: "لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة" ولأبي عوانة
وابن خزيمة وأبي نعيم في حديث أنس "والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال
هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به فدفن"
وأصله في الترمذي دون الزيادة، ووقع في حديث الحسن عن أنس: كان الحسن إذا حدث بهذا
الحديث يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا
إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه. وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي "فأمر
به أن يحفر له ويدفن" وفي حديث سهل بن سعد عند أبي نعيم "فقال: ألا
تعجبون من حنين هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر
بكاؤهم" قوله: "وقال عبد الحميد أخبرنا عثمان بن عمر" عبد الحميد
هذا لم أر من ترجم له في رجال البخاري، إلا أن المزي ومن تبعه جزموا بأنه عبد بن
حميد الحافظ المشهور وقالوا كان اسمه عبد الحميد وإنما قيل له عبد بغير إضافة
تخفيفا، وقد راجعت الموجود من مسنده وتفسيره فلم أر هذا الحديث فيه، نعم وجدته من
حديث رفيقه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخرجه في مسنده المشهور عن عثمان بن
عمر بهذا الإسناد. قوله: "أخبرنا معاذ بن العلاء" في رواية الإسماعيلي
من طريق أبي عبيدة الحداد "عن معاذ بن العلاء" وهو أخو أبي عمرو بن
العلاء القارئ. قوله: "عن نافع" في رواية الإسماعيلي وابن حبان: "سمعت
نافعا". قوله: "ورواه أبو عاصم" هو النبيل من كبار شيوخ البخاري.
قوله: "عن ابن أبي رواد" يعني عبد العزيز ورواد بفتح الراء المهملة
وتشديد الواو اسمه ميمون، وطريق أبي عاصم هذه وصلها البيهقي من طريق سعيد بن عمر
عن أبي عاصم مطولا، وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي عاصم مختصرا. حديث جابر
فقوله في الطريق الأولى: "كان يقوم إلى شجرة أو نخلة" هو شك من الراوي،
وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد "فقام إلى نخلة" ولم
يشك. وقوله: "فقالت امرأة من الأنصار أو رجل" شك من الراوي والمعتمد
الأول، وقد تقدم بيانه في كتاب الجمعة والخلاف في اسمها
(6/602)
والكلام على المتن مستوفى. قوله: "دفع" بضم أوله
بالدال وللكشميهني بالراء. قوله: "فضمه إليه" أي الجذع، في رواية
الكشميهني: "فضمها" أي الخشبة. قوله في الطريق الأخرى "حدثنا
إسماعيل" هو ابن أبي أويس، وأخوه هو أبو بكر، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وروايته
عن حفص من رواية الأقران لأنه في طبقته. قوله: "كان المسجد مسقوفا على جذوع
من نخل" أي أن الجذوع كانت له كالأعمدة. قوله: "فكان النبي صلى الله
عليه وسلم يقوم إلى جذع منها" أي حين يخطب، وبه صرح الإسماعيلي بلفظ:
"كان إذا خطب يقوم إلى جذع". قوله: "كصوت العشار" بكسر
المهملة بعدها معجمة خفيفة جمع عشراء تقدم شرحه في الجمعة، والعشراء الناقة التي
انتهت في حملها إلى عشرة أشهر، ووقع في رواية عبد الواحد بن أيمن "فصاحت
النخلة صياح الصبي" وفي حديث أبي الزبير عن جابر عند النسائي في الكبير
"اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج" انتهى. والخلوج بفتح الخاء
المعجمة وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها، وفي حديث أنس
عند ابن خزيمة: "فحنت الخشبة حنين الوالد"، وفي روايته الأخرى عن
الدارمي "خار ذلك الجذع كخوار الثور" وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد
والدارمي وابن ماجه: "فلما خار الجذع حتى تصدع وانشق" وفي حديثه
"فأخذ أبي بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلي وعاد
رفاتا" وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه دفن، لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند
التنظيف فأخذه أبي بن كعب، وفي حديث بريدة عند الدارمي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال له: "اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت - يعني
قبل أن تصير جذعا - وان شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر
فيأكل منك أولياء الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اختار أن أغرسه في الجنة
" قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف،
ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف. وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق
الله لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لقول من يحمل {وَإِنْ مِنْ
شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} على ظاهره. وقد نقل ابن أبي حاتم في
"مناقب الشافعي" عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال: ما أعطى الله
نبيا ما أعطى محمدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا حنين الجذع
حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك.
3586- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ
شُعْبَةَ ح حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ
(6/603)
قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْفِتْنَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ قَالَ هَاتِ إِنَّكَ
لَجَرِيءٌ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي
أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ وَلَكِنْ
الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ بَأْسَ
عَلَيْكَ مِنْهَا إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ يُفْتَحُ
الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ قَالَ لاَ بَلْ يُكْسَرُ قَالَ ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لاَ
يُغْلَقَ قُلْنَا عَلِمَ عُمَرُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ
اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ
نَسْأَلَهُ وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ الْبَابُ قَالَ
عُمَرُ".
3587- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو
الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى
تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوفِ
كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
3588- "وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا
الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ".
3589- "وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لاَنْ يَرَانِي أَحَبُّ
إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ".
3590- حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنْ الأَعَاجِمِ حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ
الأُنُوفِ صِغَارَ الأَعْيُنِ وُجُوهُهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ نِعَالُهُمْ
الشَّعَرُ". تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
3591- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ
إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فَقَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلاَثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ
مِنِّي فِيهِنَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ بَيْنَ يَدَيْ
السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً وَهُمْ أَهْلُ الْبَازِرِ".
3592- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ
سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَيْنَ يَدَيْ
السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا
كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
3593- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ
(6/604)
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمْ
الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا
يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
الحديث الثالث عشر: حديث حذيفة في ذكر الفتنة: قوله: "حدثنا محمد" هو
ابن جعفر الذي يقال له غندر. قوله: "عن سليمان" هو الأعمش، وقد وافقه
على رواية أصل الحديث عن أبي وائل - وهو شقيق بن سلمة - جامع بن شداد أخرجه
المصنف، في الصوم، ووافق شقيقا على روايته عن حذيفة ربعي بن خراش أخرجه أحمد
ومسلم. قوله: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أيكم يحفظ؟" في رواية
يحيى القطان عن الأعمش في الصلاة "كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم"
والمخاطب بذلك الصحابة، ففي رواية ربعي عن حذيفة "أنه قدم من عند عمر فقال
سأل عمر أمس أصحاب محمد أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال
أنا أحفظ كما قال" في رواية المصنف في الزكاة "أنا أحفظه كما
قاله". قوله: "قال هات إنك لجريء" في الزكاة "إنك عليه لجريء،
فكيف(1)". قوله: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره" زاد في الصلاة
"وولده". قوله: "تكفرها الصلاة والصدقة" زاد في الصلاة
"والصوم" قال بعض الشراح: يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها
مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة
مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد إلخ، والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان
مع من ذكر من البشر؛ أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما
يجب عليه. واستشكل ابن أبي حمزة وقوع التفكير بالمذكورات للوقوع في المحرمات
والإخلال بالواجب، لأن الطاعات لا تسقط ذلك، فإن حمل على الوقوع في المكروه
والإخلال بالمستحب لم يناسب إطلاق التكفير، والجواب التزام الأول وأن الممتنع من
تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع، وأما الصغائر فلا نزاع
أنها تكفر لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية، وقد مضى شيء من البحث في هذا في كتاب
الصلاة. وقال الزين بن المنير: الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة
والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع
الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل
الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة
والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد، ثم قال: وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة
فيما ذكرت من الأمثلة، وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات
ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير،
ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة، ويحتمل أن يقع
بالموازنة، والأول أظهر، والله أعلم. وقال ابن أبي جمرة: خص الرجل بالذكر لأنه في
الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم. ثم أشار
إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات، بل نبه بها على ما عداها، والضابط أن
كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به
على ما عداها، فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال
ـــــــ
(1) هو في كتاب الزكاة برقم 1435، وقبله في كتاب الصلاة برقم 525، وانظر رقم 1895
ورقم 7096
(6/605)
الصدقة، ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف. قوله: "ولكن التي تموج" أي الفتنة، وصرح بذلك في الرواية التي في الصلاة، والفتنة بالنصب بتقدير فعل أي أريد الفتنة، ويحتمل الرفع أي مرادي الفتنة. قوله: "تموج كموج البحر" أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. قوله: "يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها" زاد في رواية ربعي "تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفاة لا تضره فتنة، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرفه معروفا ولا ينكر منكرا، وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا". قوله: "إن بينك وبينها بابا مغلقا" أي لا يخرج منها شيء في حياتك، قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه، وإنما كنى عنه كناية، وكأنه كان مأذونا له في مثل ذلك. وقال النووي: يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى. وفي لفظ طريق ربعي ما يعكر على ذلك على ما سأذكره، وكأنه مثل الفتن بدار، ومثل حياة عمر بباب لها مغلق، ومثل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء، فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب فخرج ما في تلك الدار. قوله: "قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق" زاد في الصيام "ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة"، قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح، فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر انتهى. ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر ولهذا قال في رواية ربعي "فقال عمر كسرا لا أبالك" لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدمته، فإن فيه: "وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل، أو يموت" وإنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة، وسيأتي في الاعتصام حديث جابر في قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية، وقد وافق حذيفة على معنى روايته هذه أبو ذر، فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه "لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة" الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: "لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم" وأشار إلى عمر. وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر يا غلق الفتنة، فسأله عن ذلك فقال: "مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش". قوله: "قلنا علم عمر الباب" في رواية جامع بن شداد "فقلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله فقال: نعم" وفي رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش "فقال مسروق لحذيفة: يا أبا عبد الله كان عمر يعلم". قوله: "كما أن دون غد الليلة" أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد. قوله: "إني حدثته" هو بقية كلام حذيفة، والأغاليط جمع أغلوطة وهو ما يغالط به، أي حدثته حديثا صدقا محققا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا عن اجتهاد ولا رأي. وقال ابن بطال: إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعثمان، فرجف، فقال: "أثبت؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" أو فهم ذلك من قول حذيفة "بل يكسر" انتهى. والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما قدمت عن عثمان بن مظعون وأبي ذر، فلعل حذيفة حضر ذلك، وقد تقدم في بدء الخلق حديث عمر أنه سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وسيأتي في هذا الباب حديث حذيفة أنه
(6/606)
قال: "أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة" وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ماتوا قبله، فإن قيل إذا كان عمر عارفا بذلك فلم شك فيه حتى سأل عنه؟ فالجواب أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف، أو لعله خشي أن يكون نسي فسأل من يذكره، وهذا هو المعتمد. قوله: "فهبنا" بكسر الهاء أي خفنا، ودل ذلك على حسن تأدبهم مع كبارهم. قوله: "وأمرنا مسروقا" هو ابن الأخدع من كبار التابعين، وكان من أخصاء أصحاب ابن مسعود وحذيفة وغيرهما من كبار الصحابة. قوله: "فسأله فقال من الباب قال عمر" قال الكرماني: تقدم قوله: "إن بين الفتنة وبين عمر بابا" فكيف يفسر الباب بعد ذلك أنه عمر؟ والجواب أن في الأول تجوزا والمراد بين الفتنة وبين حياة عمر، أو بين نفس عمر وبين الفتنة بدنه، لأن البدن غير النفس. "تنبيه": غالب الأحاديث المذكورة في هذا الباب من حديث حذيفة وهلم جرا يتعلق بإخباره صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية بعده فوقعت على وفق ما أخبر به، واليسير منها وقع في زمانه، وليس في جميعها ما يخرج عن ذلك إلا حديث البراء في نزول السكينة، وحديثه عن أبي بكر في قصة سراقة، وحديث أنس في الذي ارتد فلم تقبله الأرض. حديث أبي هريرة وهو يشتمل على أربعة أحاديث: أحدها قتال الترك، وقد أورده من وجهين آخرين عن أبي هريرة كما سأتكلم عليه، ثانيها حديث: "تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الشأن" وقد تقدم شرحه في أول المناقب، وقوله في هذا الموضع "وتجدون أشد الناس كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه" كذا وقع عند أبي ذر مختصرا إلا في روايته عن المستملي فأورده بتمامه وبه يتم المعنى. ثالثها حديث: "الناس معادن" وقد تقدم شرحه في المناقب أيضا. رابعها حديث: "يأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله". قال عياض: وقد وقع للجميع "ليأتين على أحدكم" لكن وقع لأبي زيد المروزي في عرضة بغداد "أحدهم" بالهاء، والصواب بالكاف، كذا أخرجه مسلم انتهى. والأحاديث الأربعة تدخل في علامات النبوة لإخباره فيها عما لا يقع فوقع كما قال، لا سيما الحديث الأخير فإن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وماله، وإنما قلت ذلك لأن كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم فيه. حديث أبي هريرة أورده من طرق: قوله: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا" هو بضم الخاء المعجمة وسكون الواو بعدها زاي: قوم من العجم. وقال أحمد: وهم عبد الرزاق فقاله بالجيم بدل الخاء المعجمة. وقوله: "وكرمان" هو بكسر الكاف على المشهور. ويقال بفتحها وهو ما صححه ابن السمعاني، ثم قال: لكن اشتهر بالكسر. وقال الكرماني: نحن أعلم ببلدنا. قلت: جزم بالفتح ابن الجواليقي وقبله أبو عبيد البكري، وجزم بالكسر الأصيلي وعبدوس، وتبع ابن السمعاني ياقوت والصغاني، لكن نسب الكسر للعامة، وحكى النووي الوجهين والراء ساكنة على كل حال وتقدم في الرواية التي قبلها "تقاتلون الترك" واستشكل لأن خوزا وكرمان ليسا من بلاد الترك، أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم. وقيل الخوز صنف من الأعاجم، وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضا بين خراسان وبحر الهند، ورواه بعضهم "خور كرمان" براء مهملة وبالإضافة والإشكال باق، ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ويجتمع منهما الإنذار بخروج الطائفتين، وقد تقدم من الإشارة إلى شيء من ذلك في الجهاد، ووقع في رواية مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الشعر
(6/607)
ويمشون في الشعر". قوله: "حمر الوجوه فطس الأنوف" الفطس الانفراش، وفي الرواية التي قبلها "دلف الأنوف" جمع أدلفة بالمهملة والمعجمة وهو الأشهر، قيل: معناه الصغر، وقيل: الدلف الاستواء في طرف الأنف ليس بحد غليظ، وقيل تشمير الأنف عن الشفة العليا، ودلف بسكون اللام جمع أدلف مثل حمر وأحمر، وقبل الدلف غلظ في الأرنبة وقيل تطامن فيها، وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته، وقيل قصره مع انبطاحه، وقد تقدم بقية القول فيه في أثناء الجهاد. قوله: "وجوههم المجان المطرقة" في الرواية الماضية "كأن وجوههم المجان المطرقة" وقد تقدم ضبطه في أثناء الجهاد في "باب قتال الترك" قيل إن بلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور، قال البيضاوي: شبه وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثيرة لحمها. قوله: "نعالهم الشعر" تقدم القول فيه في أثناء الجهاد في "باب قتال الترك" قيل المراد به طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، وقيل: المراد أن نعالهم من الشعر بأن يجعلوا نعالهم من شعر مضفور، وقد تقدم التصريح بشيء من ذلك في "باب قتال الترك" من كتاب الجهاد ووقع في رواية لمسلم كما تقدم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة "يلبسون الشعر" وزعم ابن دحية أن المراد به القندس الذي يلبسونه في الشرابيش، قال وهو جلد كلب الماء. قوله: "تابعه غيره عن عبد الرزاق" كذا في الأصول التي وقفت عليها وكذا ذكره المزي في "الأطراف" ووقع في بعض النسخ "تابعه عبدة" وهو تصحيف، وقد أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق، وجعله أحمد حديثين فصل آخره فقال: "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر". قوله في الرواية الأخرى "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم. قوله: "أتينا أبا هريرة" في رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال: "نزل علينا أبو هريرة بالكوفة وكان بينه وبين مولانا قرابة قال سفيان: وهم - أي آل قيس بن أبي حازم - موالي لأحمس، فاجتمعت أحمس، قال قيس: فأتيناه نسلم عليه فقال له أبي: يا أبا هريرة هؤلاء أنسابك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم، قال: مرحبا بهم وأهلا صحبت" فذكره. قوله: "ثلاث سنين" كذا وقع وفيه شيء، لأنه قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة فتكون المدة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: "صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة" أخرجه أحمد وغيره، فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة وذلك بعد قدومهم من خيبر، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعمره، لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى والله أعلم. قوله: "لم أكن في سني" بكسر المهملة والنون وتشديد التحتانية على الإضافة أي في سني عمري، ووقع في رواية الكشميهني: "في شيء" بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها همزة واحد الأشياء، وقوله: "أحرص مني" أفعل تفضيل والمفضل عليه هو أبو هريرة، لكن باعتبارين، فالأفضل المدة التي هي ثلاث سنين والمفضول بقية عمره، ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ: "ما كانت أعقل مني فيهن ولا أحب أن أعي ما يقول منها". قوله: "وهو هذا البارز وقال سفيان مرة وهم أهل البازر" وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي وفي الثانية بتقديم الزاي
(6/608)
على الراء والمعروف الأول، ووقع عند ابن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء وبه جزم الأصيلي وابن السكن، ومنهم من ضبطه بكسر الراء. وقال القابسي معناه البارزين لقتال أهل الإسلام، أي الظاهرين في براز من الأرض كما جاء في وصف علي أنه بارز وظاهر، ويقال معناه أن القوم الذين يقاتلون، تقول العرب هذا البارز إذا أشارت إلى شيء ضار. وقال ابن كثير: قول سفيان المشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيف كأنه اشتبه على الراوي من البارز وهو السوق بلغتهم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل وقال فيه أيضا: "وهم هذا البارز" وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان وقال في آخره: "قال أبو هريرة وهم هذا البارز يعني الأكراد" وقال غيره: البارز الديلم لأن كلا منهما يسكنون في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض، وقيل هي أرض فارس لأن منهم من يجعل الفاء موحدة والزاي سينا وقيل غير ذلك. وقال ابن الأثير: ذكره أبو موسى في الباء والزاي، وقيل البارز ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد فكأنهم سموا باسم بلادهم، أو هو على حذف أهل، والذي في البخاري بتقديم الراء على الزاي وهم أهل فارس، فكأنه أبدل السين زايا أي والفاء باء، وقد ظهر مصداق هذا الخبر، وقد كان مشهورا في زمن الصحابة حديث: "اتركوا الترك ما تركوكم" فروى الطبراني من حديث معاوية قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله" وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال: "كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم، فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه: لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيخ، قال: فأنا أكره قتالهم لذلك" وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية، وكان ما بينهم وبين المسلمين، مسدودا إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنة المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضا فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى بالططر فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارا خصوصا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم لم تزل بقاياهم يخرجون إلى أن كان آخرهم اللنك ومعناه الأعرج وأمه تمر بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت، فطرق الديار الشامية وعاث فيها، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد، وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بني قنطورا أول من سلب أمتي ملكهم" وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية، والمراد ببني قنطورا الترك، وقنطورا قيده ابن الجواليقي في المعرب بالمد وفي كتاب البارع بالقصر، قيل كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه السلام فولدت له أولادا فانتشر منهم الترك حكاه ابن الأثير واستبعده، وأما شيخنا في القاموس فجزم به، وحكى قولا آخر أن المراد بهم السودان، وقد تقدم في "باب قتال الترك" من الجهاد
(6/609)
بقية ذلك، وكأنه يريد بقوله: "أمتي" أمة النسب لا أمة
الدعوة يعني العرب والله أعلم. الحديث السادس عشر: حديث عمرو بن تغلب في معنى حديث
أبي هريرة، وهو شاهد قوي، وقد تقدم شرحه بما فيه غنية، وتقدم ضبطه في أثناء كتاب
الجهاد. الحديث الثامن عشر: حديث ابن عمر "تقاتلكم اليهود" الحديث تقدم
من وجه آخر في الجهاد في "باب قتال اليهود". قوله: "تقاتلكم اليهود
فتسلطون عليهم" في رواية أحمد من طريق أخرى عن سالم عن أبيه "ينزل الدجال
هذه السبخة - أي خارج المدينة - ثم يسلط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته، حتى إن
اليهودي ليختبئ تحت الشجرة والحجر فيقول الحجر والشجرة للمسلم: هذا يهودي
فأقتله" وعلى هذا فالمراد بقتال اليهود وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى،
وكما وقع صريحا في حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى وفيه: "وراء
الدجال سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى. فيدركه عيسي عند باب لد فيقتله وينهزم
اليهود، فلا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء فقال: يا عبد
الله - للمسلم - هذا يهودي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنها من شجرهم" أخرجه
ابن ماجه مطولا وأصله عند أبي داود، ونحوه في حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن،
وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح. وفي الحديث ظهور
الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجرة وحجر، وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة.
ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى. وفيه أن
الإسلام يبقى إلى يوم القيامة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "تقاتلكم
اليهود" جواز مخاطبة الشخص والمراد من هو منه بسبيل، لأن الخطاب كان للصحابة
والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل، لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان ناسب
أن يخاطبوا بذلك.
3594- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ
جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ
فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ
لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
3595- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ
أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ
رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ
طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى
تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي
وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ
وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بْنِ
هُرْمُزَ قَالَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ
الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ
يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ
اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ
يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا
فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ
عَلَيْكَ؟
(6/610)
فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ
جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ قَالَ عَدِيٌّ
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ
طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ
حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَكُنْتُ فِيمَنْ
افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ
لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ".
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا
سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ
خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيًّا: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
3596- حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ
صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي
فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ إِنِّي وَاللَّهِ لاَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي
الْآنَ وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ
مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا
فِيهَا".
3597- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَشْرَفَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ الْآطَامِ
فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ
بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ".
3598- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ
حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ
مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ
مِثْلُ هَذَا وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ
إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".
3599- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ
سَلَمَةَ قَالَتْ: "اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا
أُنْزِلَ مِنْ الْفِتَنِ".
3600- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا فَأَصْلِحْهَا
وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ
مَالِ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ
(6/611)
الْجِبَالِ أَوْ سَعَفَ الْجِبَالِ فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ
يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ
3601- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ
صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ
فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي
وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ
وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".
[الحديث 3601 – طرفاه في: 7081، 7082]
3602- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ نَوْفَلِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إِلاَّ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ يَزِيدُ مِنْ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ
أَهْلَهُ وَمَالَهُ".
3603- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ
الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ".
[الحديث 3603 – طرفه في: 7052]
3604- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا
الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ
اعْتَزَلُوهُمْ". قَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ.
[الحديث 3604 – طرفاه في: 3605، 7058]
3605- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ
مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ
الصَّادِقَ الْمَصْدُوقُ يَقُولُ هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ غِلْمَةٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنْ شِئْتَ أَنْ
أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ".
الحديث الثامن عشر: حديث أبي سعيد "يأتي على الناس زمان يغزون فيه"
الحديث يأتي في أول مناقب الصحابة بأتم من هذا السياق، وقد تقدم في "باب من
استعان بالضعفاء" من كتاب الجهاد. حديث عدي بن حاتم أورده من وجهين: قوله:
"أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر" لم أقف على اسم أحد
(6/612)
منهما. قوله: "الظعينة" بالمعجمة: المرأة في الهودج، وهو في الأصل اسم للهودج. قوله: "الحيرة" بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر، ولهذا قال عدي بن حاتم "فأين دعار طيئ؟" ووقع في رواية لأحمد من طريق الشعبي عند عدي بن حاتم "قلت يا رسول الله فأين مقاتب طيئ ورجالها" ومقاتب بالقاف جمع مقتب وهو العسكر ويطلق على الفرسان. قوله: "حتى تطوف بالكعبة" زاد أحمد من طريق أخرى عن عدي "في غير جواز أحد". قوله: "فأين دعار طيئ" الدعار جمع داعر وهو بمهملتين وهو الشاطر الخبيث المفسد، وأصله عود داعر إذا كان كثير الدخان قال الجواليقي: والعامة تقوله بالذال المعجمة فكأنهم ذهبوا به إلى معنى الفزع والمعروف الأول والمراد قطاع الطريق. وطيئ قبيلة مشهورة، منها عدي بن حاتم المذكور، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جواز، ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة. قوله: "قد سعروا البلاد" أي أوقدوا نار الفتنة، أي ملأوا الأرض شرا وفسادا، وهو مستعار من استعار النار وهو توقدها. قوله: "كنوز كسرى" وهو علم على من ملك الفرس، لكن كانت المقالة في زمن كسرى بن هرمز ولذلك استفهم عدي بن حاتم عنه، وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه إذ ذاك. قوله: "فلا يجد أحدا يقبله منه" أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان، تقدم في الزكاة قول من قال إن ذلك عنه نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبذلك جزم البيهقي وأخرج في "الدلائل" من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: "إنما ولى عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا، ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده" هذا الاحتمال على الأول لقوله في الحديث: "ولئن طالت بك حياة". قوله: "بشق تمرة" بكسر المعجمة أي نصفها. وفي رواية المستملي: "بشقة تمرة" وكذا اختلفوا في قوله بعده "فمن لم يجد شق تمرة" قال المستملي: "شقة" وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة. قوله: "ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم" هو مقول عدي بن حاتم، وقوله: "يخرج ملء كفه - أي من المال - فلا يجد من يقبله" رواية أحمد المذكورة "والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها" وقد وقع ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وآمن به عدي، وقد تقدم في أواخر كتاب الحج من استدل به على جواز سفر المرأة وحدها في الحج الواجب والبحث في ذلك وتوجيه الاستدلال به بما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. قوله: "حدثنا سعدان بن بشر" بكسر الموحدة وسكون المعجمة يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه، وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث الواحد. قوله: "حدثنا أبو مجاهد" هو سعد الطائي المذكور في الإسناد الذي قبله، ومحل بن خليفة في الإسنادين هو بضم الميم وكسر المعجمة بعدها لام، وقد قيل فيه بفتح المهملة، وتقدم سياق متن هذا الحديث في كتاب الزكاة وهو أخصر من سياق الذي قبله، وإطلاق المصنف قد يوهم أنهما سواء والله أعلم. حديث عقبة وهو ابن عامر الجهني: قوله: "عن يزيد" هو ابن أبي حبيب، وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله، والإسناد كله بصريون. قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما" هذا
(6/613)
مما حذف فيه لفظ: "أنه" وهي تحذف كثيرا من الخط ولا بد من النطق بها وقل من نبه على ذلك، فقد نبهوا على حذف "قال" خطا. وقال ابن الصلاح لا بد من النطق بها، وفيه بحث ذكرته في النكت، ووقع هنا لغير أبي ذر بلفظ: "أن" بدل "عن". قوله: "فصلى على أهل أحد" تقدم الكلام عليه مستوفي في الجنائز، وقوله: "ألا وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن إلخ" هو موافق لحديث أبي هريرة والكلام عليه مستغن عن إعادته، ووقع هنا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي "خزائن مفاتيح" على القلب، وقد تقدم في الجنائز والمغازي بلفظ: "مفاتيح خزائن" وكذا عند مسلم والنسائي. قوله: "ولكني أخاف أن تنافسوا فيها" فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد فتحت عليهم الفتوح بعده وآل الأمر إلى أن تحاسدوا وتقاتلوا ووقع ما هو المشاهد المحسوس لكل أحد مما يشهد بمصداق خبره صلى الله عليه وسلم، ووقع من ذلك في هذا الحديث إخباره بأنه فرطهم أي سابقهم وكان كذلك، وأن أصحابه لا يشركون بعده فكان كذلك، ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا، وتقدم في معنى ذلك حديث عمرو بن عوف مرفوعا: "ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم" وحديث أبي سعيد في معناه فوقع كما أخبر وفتحت عليهم الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا صبا، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق. حديث أسامة بن زيد، وقد تقدم شرح بعضه في أواخر الحج، ويأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى. حديث زينب بنت جحش: "ويل للعرب من شر قد اقترب" وسيأتي شرحه مستوفى في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. حديث أم سلمة قالت: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله، ما أنزل من الخزائن" أورده مختصرا، وسيأتي بتمامه في كتاب الفتن مع شرحه إن شاء الله تعالى. وقوله فيه: "وعن الزهري" هو معطوف على إسناد حديث زينب بنت جحش وهو "أبو اليمان عن شعيب عن الزهري" ووهم من زعم أنه معلق، فإنه أورده بتمامه في الفتن عن أبي اليمان بهذا الإسناد. حديث أبي سعيد "يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم" الحديث. وسيأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى. وقوله في الإسناد "عن عبد الرحمن بن صعصعة" هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة، نسب إلى جده الأعلى، وروايته لهذا الحديث عن أبيه عبد الله لا عن أبي صعصعة ولا غيره من آبائه، وقد تقدم إيضاح ذلك في كتاب الإيمان، وقوله في هذه الرواية: "شعف الجبال أو سعف الجبال" بالعين المهملة فيهما وبالشين المعجمة في الأولى أو المهملة في الثانية، والتي بالشين المعجمة معناها رؤوس الجبال، والتي بالمهملة معناها جريد النخل، وقد أشار صاحب المطالع إلى توهيمها، لكن يمكن تخريجها على إرادة تشبيه أعلى الجبل بأعلى النخلة وجريد النخل يكون غالبا أعلى ما في النخلة لكونها قائمة، والله أعلم. حديث أبي هريرة "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم" الحديث، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الفتن. وحديث نوفل بن معاوية قال مثل حديث أبي هريرة، وسيأتي شرح المتن في الفتن، وقوله: "وعن الزهري" هو بإسناد حديث أبي هريرة إلى الزهري، ووهم من زعم أنه معلق، وقد أخرجه مسلم بالإسنادين معا من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وقوله: "إلا أن أبا بكر" يعني ابن عبد الرحمن شيخ الزهري. وقوله: "يزيد من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله" يحتمل أن يكون أبو بكر زاد هذا مرسلا، ويحتمل أن يكون زاده بالإسناد المذكور عن عبد الرحمن بن مطيع بن
(6/614)
الأسود عن نوفل بن معاوية، وعبد الرحمن هذا هو أخو عبد الله بن
مطيع الذي ولي الكوفة، وهو مذكور في الصحابة، وأما عبد الرحمن فتابعي على الصحيح،
وقد ذكره ابن حبان وابن منده في الصحابة، وليس له في البخاري غير هذا الحديث،
وشيخه نوفل بن معاوية صحابي قليل الحديث من مسلمة الفتح، عاش إلى خلافة يزيد بن
معاوية، ويقال إنه جاوز المائة، وليس له في البخاري أيضا غير هذا الحديث، وهو خال
عبد الرحمن بن مطيع الراوي عنه. قال الزبير بن بكار: اسم أمه كلثوم، والمراد
بالصلاة المذكورة صلاة العصر، كذا أخرجه النسائي مفسرا من طريق يزيد بن أبي حبيب
"عن عراك بن مالك عن نوفل بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من الصلاة صلاة" فذكر مثل لفظ أبي بكر بن عبد الرحمن وزاد: "قال
فقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي صلاة العصر" وقد
تقدم في الصلاة في المواقيت حديث بريدة في ذلك مشروحا، وهو شاهد لصحة قول ابن عمر
هذا والله أعلم. "تنبيه": ذكر البخاري هذه الزيادة هنا استطرادا لوقوعها
في الحديث الذي أراد إيراده في هذا الباب، والله أعلم. حديث ابن مسعود "ستكون
أثرة" يأتي الكلام عليه أيضا في الفتن إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة في
قريش، وسيأتي أيضا في الفتن. وقوله هنا في الطريق الأولى "قال محمود حدثنا
أبو داود" أراد بذلك تصريح أبي التياح بسماعه له من أبي زرعة بن عمرو، وأبو
داود هذا هو الطيالسي، ولم يخرج له المصنف إلا استشهادا، ومحمود هذا هو ابن غيلان
أحد مشايخه المشهورين، وقد نزل المصنف في الإسناد الأول درجة بالنسبة إلى أبي
أسامة، لأنه سمع من الجمع الكثير من أصحابه حتى من شيخ شيخه في هذا الحديث وهو أبو
معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة
والإسماعيلي من رواية أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة عن أبي أسامة وهما ممن أكثر
عنهما البخاري، وكأنه فاته عنهما. ونزل فيه أيضا بالنسبة لرواية شعبة درجتين لأنه
سمع من جماعة من أصحابه، وهو من غرائب حديث شعبة. وقوله في الطريق الثانية
"فقال مروان: غلمة" قال الكرماني تعجب مروان من وقوع ذلك من غلمة،
فأجابه أبو هريرة "إن شئت صرحت بأسمائهم" انتهى، وكأنه غفل عن الطريق
المذكورة في الفتن فإنها ظاهرة في أن مروان لم يوردها مورد التعجب، فإن لفظه هناك
"فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة" فظهر أن في هذا الطريق اختصارا،
ويحتمل أن يتعجب من فعلهم ويلعنهم مع ذلك، والله أعلم.
3606- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنِي
ابْنُ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ
الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ
أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ
وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ
شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ
نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ
هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ
شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا
قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ
(6/615)
لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ
جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ
تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى
ذَلِكَ".
[الحديث 3606 – طرفاه في: 3607، 7084]
3607- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: "تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ
الشَّرَّ".
3608- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ".
3609- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ
عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ
دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ".
الحديث التاسع والعشرون: حديث حذيفة "كان الناس يسألون عن الخير" يأتي
في الفتن مع شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى. وقوله في الطريق الأخرى "تعلم
أصحابي الخير وتعلمت الشر" هو طرف من الطريق الآخر وهو بمعناه، وقد أخرجه
الإسماعيلي من هذا الوجه باللفظ الأول إلا أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "بدل قوله: "كان الناس". الحديث الثلاثون: حديث
أبي هريرة "لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان" الحديث، أورده من طريقين،
وفي الثانية ذكر الدجالين، وهو حديث آخر مستقل من "صحيفة همام"، وقد
أفرده أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم، وقوله: "فئتان" بكسر الفاء بعدها
همزة مفتوحة تثنية فئة أي جماعة، ووصفهما في الرواية الأخرى بالعظم أي بالكثرة،
والمراد بهما من كان مع علي ومعاوية لما تحاربا بصفين، وقوله: "دعواهما
واحدة" أي دينهما واحد لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام، أو المراد أن كلا
منهما كان يدعي أنه المحق، وذلك أن عليا كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ
باتفاق أهل السنة، ولأن أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان، وتخلف عن بيعته
معاوية في أهل الشام، ثم خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة إلى العراق فدعوا الناس
إلى طلب قتلة عثمان لأن الكثير منهم انضموا إلى عسكر علي، فخرج علي إليهم فراسلوه
في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من
باشره بنفسه، وكان بينهم ما سيأتي بسطه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. ورحل علي
بالعسكر طالبا الشام، داعيا لهم إلى الدخول في طاعته، مجيبا لهم عن شبههم في قتلة
عثمان بما تقدم، فرحل معاوية بأهل الشام فالتقوا بصفين بين الشام والعراق فكانت
بينهم مقتلة عظيمة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وآل الأمر بمعاوية ومن معه عند
ظهور علي عليهم إلى طلب التحكيم،
(6/616)
ثم رجع علي إلى العراق، فخرجت عليه الحرورية فقتلهم بالنهروان
ومات بعد ذلك، وخرج ابنه الحسن بن علي بعده بالعساكر لقتال أهل الشام وخرج إليه
معاوية فوقع بينهم الصلح كما أخبر به صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة الآتي
في الفتن "إن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين" وسيأتي بسط جميع ذلك
هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "حتى يبعث" بضم أوله أي يخرج، وليس
المراد بالبعث معنى الإرسال المقارن للنبوة، بل هو كقوله تعالى: {أَنَّا
أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}. قوله: "دجالون كذابون"
الدجل التغطية والتمويه، ويطلق على الكذب أيضا، فعلى هذا "كذابون"
تأكيد. وقوله: "قريبا من ثلاثين" كذا وقع بالنصب وهو على الحال من
النكرة الموصوفة، ووقع في رواية أحمد "قريب" بالرفع على الصفة، وقد أحرج
مسلم من حديث جابر بن سمرة الجزم بالعدد المذكور بلفظ: "أن بين يدي الساعة
ثلاثين كذابا رجالا كلهم يزعم أنه نبي" وروى أبو يعلى بإسناد حسن عن عبد الله
بن الزبير تسمية بعض الكذابين المذكورين بلفظ: "لا تقوم الساعة حتى يخرج
ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار". قلت: وقد ظهر مصداق ذلك في آخر
زمن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة باليمامة، والأسود العنسي باليمن، ثم
خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميمية في بني
تميم، وفيها يقول شبيب بن ربعي وكان مؤدبها:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقتل الأسود قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر،
وتاب طليحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، ونقل أن سجاح أيضا تابت،
وأخبار هؤلاء مشهورة عند الأخباريين. ثم كان أول من خرج منهم المختار بن أبي عبيد
الثقفي غلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير فأظهر محبة أهل البيت ودعا الناس
إلى طلب قتلة الحسين فتبعهم فقتل كثيرا ممن باشر ذلك أو أعان عليه فأحبه الناس، ثم
زين له الشيطان أن ادعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه، فروى أبو داود الطيالسي
بإسناد صحيح عن رفاعة بن شداد قال: "كنت أبطن شيء بالمختار فدخلت عليه يوما
فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل aمن هذا الكرسي" وروى يعقوب بن سفيان بإسناد حسن عن الشعبي
أن الأحنف بن قيس أراه كتاب المختار إليه يذكر أنه نبي، وروى أبو داود في
"السنن" من طريق إبراهيم النخعي قال قلت لعبيدة بن عمرو: أترى المختار
منهم؟ قال: أما إنه من الرؤوس. وقتل المختار سنة بضع وستين. ومنهم الحارث الكذاب
خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل. وخرج في خلافة بني العباس جماعة. وليس
المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا فإنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم
ذلك عن جنون أو سوداء وإنما المراد من قامت له شوكة وبدت له شبهة كمن وصفنا، وقد
أهلك الله تعالى من وقع له ذلك منهم وبقي منهم من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجال
الأكبر، وسيأتي بسط كثير من ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى.
3610- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ
أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو
الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
اعْدِلْ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ
وَخَسِرْتَ
(6/617)
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا
يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ
كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ
يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ
وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ
الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ
فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ
أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ
الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ".
3611- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ
عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلاَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ
عَلَيْهِ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ
خَدْعَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ
الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ
الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لاَ يُجَاوِزُ
إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ
قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
[الحديث 3611 – أطرافه في: 5057، 6930]
الحديث الثاني والثلاثون: حديث أبي سعيد في ذكر ذي الخويصرة، وقد تقدم طرف منه في
قصة عاد من أحاديث الأنبياء، وأحلت على شرحه في المغازي وهو في أواخرها من وجه آخر
مطولا، وقوله في هذه الرواية: "فقال عمر ائذن لي أضرب عنقه" لا ينافي
قوله في تلك الرواية: "فقال خالد" لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك.
وقوله هنا "دعه فإن له أصحابا" ليست الفاء للتعليل وإنما هي لتعقيب
الأخبار، والحجة لذلك ظاهرة في الرواية الآتية. وقوله: "لا يجاوز"
ويحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم ويحملونه على غير المراد به، ويحتمل أن يكون
المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله، وقوله: "يمرقون من الدين" إن كان
المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج، ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة
فلا يكون فيه حجة وإليه جنح الخطابي، وقوله: "الرمية" بوزن فعيلة بمعنى
مفعولة وهو الصيد المرمي، شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه
ويخرج منه، ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شيء. وقوله:
"ينظر في نصله" أي حديدة السهم و"رصافه" بكسر الراء ثم مهملة
ثم فاء عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل، والرصاف جمع واحده رصفة بحركات
و"نضيه" بفتح النون وحكي ضمها وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة قد
فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال أي عود السهم قبل أن يراش وينصل،
وقيل هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي، قال ابن فارس: سمي بذلك
(6/618)
لأنه بري حتى عاد نضوا أي هزيلا. وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة
أن النضي النصل، والأول أولى، و"القذذ" بضم القاف ومعجمتين الأولى مفتوحة
جمع قذة وهي ريش السهم يقال لكل واحدة قذة، ويقال هو أشبه به من القذة بالقذة
لأنها تجعل على مثال واحد. وقوله: "آيتهم" أي علامتهم، وقوله:
"بضعة" بفتح الموحدة أي قطعة لحم، وقوله: "تدردر" بدالين
وراءين مهملات أي تضطرب، والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط، وقوله: "على
حين فرقة" أي زمان فرقة، وهو بضم الفاء أي افتراق. وفي رواية الكشميهني:
"على خير" بخاء معجمة وراء أي أفضل، وفرقة بكسر الفاء أي طائفة وهي
رواية الإسماعيلي، ويؤيد الأول حديث مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد "تمرق مارقة
عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق" أخرجه هكذا مختصرا من
وجهين، وفي هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عمارا الفئة
الباغية" دلالة واضحة على أن عليا ومن معه كانوا على الحق وأن من قاتلهم
كانوا مخطئين في تأويلهم، والله أعلم. وقوله في آخر الحديث: "فأتي به"
أي بذي الخويصرة "حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي
نعته" يريد ما تقدم من كونه أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة إلخ، قال بعض أهل
اللغة: النعت يختص بالمعاني كالطول والقصر والعمى والخرس، والصفة بالفعل كالضرب
والجروح. وقال غيره: النعت للشيء الخاص والصفة أعم. حديث علي في الخوارج وسيأتي
شرحه في استتابة المرتدين. وقوله: "سويد بن غفلة" بفتح المعجمة والفاء،
قال حمزة الكناني صاحب النسائي: ليس يصح لسويد عن علي غيره. وقوله: "الحرب
خدعة" تقدم ضبطه وشرحه في الجهاد. وقوله: "حدثاء الأسنان" أي
صغارها، و"سفهاء الأحلام" أي ضعفاء العقول. وقوله: "يقولون من قول
خير البرية" أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد الذي قبله "يقرءون
القرآن" وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا الله، وانتزعوها من
القرآن وحملوها على غير محملها. وقوله: "فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم"
في رواية الكشميهني: "فإن قتلهم".
3612- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ
بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ
تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ
فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ
فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ
بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا
يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى
يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ
أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
[الحديث 3612 – طرفاه في: 3852، 6643]
الحديث الرابع والثلاثون: حديث خباب، وسيأتي شرحه قريبا في "باب ما لقي النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة" وقوله فيه: "فيجاء" كذا للأكثر
بالجيم. وقال عياض وقع في رواية الأصيلي بالحاء والمهملة وهو تصحيف، والفيح الباب
الواسع ولا معنى له هنا. قوله: "حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت"
يحتمل أن يريد صنعاء اليمن، وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضا مسافة بعيدة نحو
خمسة أيام، ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما
(6/619)
أبعد بكثير، والأول أقرب، قال ياقوت: هي قرية على باب دمشق عند
باب الفراديس تتصل بالعقيبة. قلت: وسميت باسم من نزلها من أهل صنعاء اليمن.
3613- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ
مُنَكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ شَرٌّ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ
بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
[الحديث 3613 – طرفه في: 4846]
الحديث الخامس والثلاثون: حديث أنس في قصة ثابت بن قيس بن شماس. قوله:
"أنبأني موسى بن أنس" كذا رواه من طريق أزهر عن ابن عون، وأخرجه أبو
عوانة عن يحيى بن أبي طالب عن أزهر، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى بن أبي
طالب، ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر فقال: "عن ابن
عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس" بدل موسى بن أنس، أخرجه أبو نعيم عن
الطبراني عنه وقال: لا أدري ممن الوهم قلت: لم أره في مسند أحمد، وقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: "لما نزلت:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} قعد ثابت بن قيس في
بيته" الحديث، وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا
عن ثمامة. قوله: "افتقد ثابت بن قيس" أي ابن شماس خطيب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس قال: "كان ثابت بن قيس بن
شماس خطيب الأنصار". قوله: "فقال رجل" وقع في رواية لمسلم من طريق
حماد عن ثابت عن أنس "فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا
أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى؟ فقال سعد: إنه كان لجاري وما علمت له بشكوى"
واستشكل ذلك الحفاظ بأن نزول الآية المذكورة كان في زمن الوقود بسبب الأقرع بن
حابس وغيره وكان ذلك في سنة تسع كما سيأتي في التفسير وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في
بني قريظة سنة خمس، ويمكن الجمع بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي
نزل في قصة الأقرع أول السورة وهو قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ} وقد نزل من هذه السورة سابقا أيضا قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فقد تقدم في كتاب الصلح من حديث أنس وفي آخره أنها
نزلت في قصة عبد الله بن أبي ابن سلول. وفي السياق "وذلك قبل أن يسلم عبد
الله" وكان إسلام عبد الله بعد وقعة بدر، وقد روى الطبري وابن مردويه من طريق
زيد بن الحباب "حدثني أبو ثابت بن ثابت بن قيس قال: لما نزلت هذه الآية قعد
ثابت يبكي، فمر به عاصم بن عدي فقال: ما يبكيك؟ قال: أتخوف أن تكون هذه الآية نزلت
في، فقال له رسول الله: أما ترضى أن تعيش حميدا" الحديث، وهذا لا يغاير أن
يكون الرسول إليه من النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ. وروى ابن المنذر في
تفسيره من طريق سعيد بن
(6/620)
بشير عن قتادة عن أنس في هذه القصة "فقال سعد بن عبادة يا رسول الله هو جاري" الحديث، وهذا أشبه بالصواب لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: "أنا أعلم لك علمه" كذا للأكثر. وفي رواية حكاها الكرماني "ألا" بلام بدل النون وهي للتنبيه، وقوله: "أعلم لك" أي لأجلك وقوله: "علمه" أي خبره. قوله: "كان يرفع صوته" كذا ذكره بلفظ الغيبة وهو التفات، وكان السياق يقتضي أن يقول: كنت ارفع صوتي. قوله: "فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا" أي مثل ما قال ثابت أنه لما نزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار. وفي رواية لمسلم: "فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا". قوله: "فقال موسى بن أنس" هو متصل بالإسناد المذكور إلى موسى، لكن ظاهره أن باقي الحديث مرسل، وقد أخرجه مسلم متصلا بلفظ: "قال فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل هو من أهل الجنة". قوله: "ببشارة عظيمة" هي بكسر الموحدة وحكي ضمها. قوله: "ولكن من أهل الجنة" قال الإسماعيلي: إنما يتم الغرض بهذا الحديث أي من إيراده في "باب علامة النبوة" بالحديث الآخر أي الذي مضى في كتاب الجهاد في "باب التحنط عند القتال" فإن فيه أنه قتل باليمامة شهيدا يعني وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة لكونه استشهد. قلت: ولعل البخاري أشار إلى ذلك إشارة لأن مخرج الحديثين واحد والله أعلم. ثم ظهر لي أن البخاري، أشار إلى ما في بعض طرق حديث نزول الآية المذكورة وذلك فيما رواه ابن شهاب عن إسماعيل ابن محمد بن ثابت قال: "قال ثابت بن قيس بن شماس: يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت، فقال: وما ذاك؟ قال نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير" الحديث، وفيه: "فقال له عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تعيش سعيدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة" وهذا مرسل قوي الإسناد أخرجه ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عنه، وأخرجه الدار قطني في "الغرائب" من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك، ومن طريق سعيد بن كثير عن مالك فقال فيه: "عن إسماعيل عن ثابت بن قيس" وهو مع ذلك مرسل لأن إسماعيل لم يلحق ثابتا، وأخرجه ابن مردويه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري فقال: "عن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابتا" فذكر نحوه، وأخرجه ابن جرير من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري معضلا ولم يذكر فوقه أحدا وقال في آخره: "فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة" وأصرح من ذلك ما روى ابن سعد بإسناد صحيح أيضا من مرسل عكرمة قال: "لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال ثابت بن قيس: كنت أرفع صوتي فأنا من أهل النار، فقعد في بيته" فذكر الحديث نحو حديث أنس وفي آخره: "بل هو من أهل الجنة. فلما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون، وأف لهؤلاء ولما يصنعون، قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل" وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس في قصة ثابت بن قيس فقال في آخرها "قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف، فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل" وروى ابن المنذر في تفسيره من طريق عطاء الخراساني قال: "حدثتني بنت ثابت بن قيس قالت: لما أنزل الله هذه الآية دخل ثابت بيته فأغلق بابه - فذكر القصة مطولة وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعيش حميدا وتموت شهيدا" وفيها "فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل".
(6/621)
3614- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ
فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ فَسَلَّمَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ غَشِيَتْهُ
فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ
فُلاَنُ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ
لِلْقُرْآنِ".
[الحديث 3614 – طرفاه في: 4839، 5011]
الحديث السادس والثلاثون: حديث البراء "قرأ رجل الكهف" هو أسيد بن حضير
كما سيأتي بيان ذلك في فضائل القرآن بأتم منه.
3615- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ
جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى
مِنْهُ رَحْلًا فَقَالَ لِعَازِبٍ ابْعَثْ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي قَالَ فَحَمَلْتُهُ
مَعَهُ وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي يَا أَبَا بَكْرٍ
حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنْ الْغَدِ
حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ
فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ
فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً وَقُلْتُ نَمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ
مَا حَوْلَهُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ
يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا فَقُلْتُ لَهُ لِمَنْ أَنْتَ يَا
غُلاَمُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ قُلْتُ أَفِي
غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَتَحْلُبُ قَالَ نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً
فَقُلْتُ انْفُضْ الضَّرْعَ مِنْ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى قَالَ
فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ
فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَوِي مِنْهَا يَشْرَبُ
وَيَتَوَضَّأُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ مِنْ
الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قَالَ أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ
قُلْتُ بَلَى قَالَ فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا مَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا
سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقُلْتُ أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَى فِي جَلَدٍ
مِنْ الأَرْضِ شَكَّ زُهَيْرٌ فَقَالَ إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ
فَادْعُوَا لِي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَجَا فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى
أَحَدًا إِلاَّ قَالَ قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ
رَدَّهُ قَالَ وَوَفَى لَنَا".
(6/622)
الحديث السابع والثلاثون: حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة، وقد تقدم شرح بعضه في آخر اللقطة، وقوله هنا في أوله "حدثنا محمد بن يوسف" هو البيكندي وهو من صغار شيوخه، وشيخه الآخر محمد بن يوسف الفريابي أكبر من هذا وأقدم سماعا وقد أكثر البخاري عنه، وأحمد بن يزيد يعرف بالورتنيسي، بفتح الواو وسكون الراء وفتح المثناة وتشديد النون المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة، وزهير بن معاوية هو أبو خيثمة الجعفي قال البزار: لم يرو هذا الحديث تاما عن أبي إسحاق إلا زهير وأخوه خديج وإسرائيل، وروى شعبة منه قصة اللبن خاصة، انتهى. وقد رواه عن إسحاق مطولا أيضا حفيده يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وهو في "باب الهجرة إلى المدينة" لكنه لم يذكر فيه قصة سراقة وزاد فيه قصة غيرها كما سيأتي. قوله: "جاء أبو بكر" أي الصديق "إلى أبي" هو عازب بن الحارث بن عدي الأوسي من قدماء الأنصار. قوله: "فاشترى منه رحلا" بفتح الراء وسكون المهملة هو للناقة كالسرج للفرس. قوله: "ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما" ووقع في رواية إسرائيل الآتية في فضل أبي بكر "إن عازبا امتنع من إرسال ابنه مع أبي بكر حتى يحدثه أبو بكر بالحديث" وهي زيادة ثقة مقبولة لا تنافي هذه الرواية، بل يحتمل قوله: "فقال له أبي" أي من قبل أن أحمله معه، أو أعاد عازب سؤال أبي بكر عن التحديث بعد أن شرطه عليه أولا وأجابه إليه. قوله: "حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فعم أسرينا" هكذا استعمل كل منهما إحدى اللغتين، فإنه يقال سريت وأسريت في سير الليل. قوله: "ليلتنا" أي بعضها، وذلك حين خرجوا من الغار كما سيأتي بيانه في حديث عائشة في الهجرة إلى المدينة، ففيها أنهما لبثا في الغار ثلاث ليال ثم خرجا، وقوله: "ومن الغد" فيه تجوز لأن السير الذي عطف عليه سير الليل. قوله: "حتى قام قائم الظهيرة" أي نصف النهار، وسمي قائما لأن الظل لا يظهر حينئذ فكأنه واقف، ووقع في رواية إسرائيل "أسرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا" أي دخلنا في وقت الظهر. قوله: "فرفعت لنا صخرة" أي ظهرت. قوله: "لم تأت عليها" أي على الصخرة، وللكشميهني: "لم تأت عليه" أي على الظل. قوله: "وبسطت عليه فروة" هي معروفة، ويحتمل أن يكون المراد شيء من الحشيش اليابس، لكن يقوي الأول أن في رواية يوسف بن إسحاق "ففرشت له فروة معي" وفي رواية خديج في جزء لوين "فروة كانت معي". قوله: "وأنا أنفض لك ما حولك" يعني من الغبار ونحو ذلك حتى لا يثيره عليه الريح، وقيل: معنى النفض هنا الحراسة يقال نفضت المكان إذا نظرت جميع ما فيه، ويؤيده قوله في رواية إسرائيل "ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا". قوله: "لرجل من أهل المدينة أو مكة" هو شك من الراوي أي اللفظين قال، وكأن الشك من أحمد بن يزيد فإن مسلما أخرجه من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال فيه: "لرجل من أهل المدينة" ولم يشك، ووقع في رواية خديج "فسمى رجلا من أهل مكة" ولم يشك، والمراد بالمدينة مكة ولم يرد بالمدينة المدينة النبوية لأنها حينئذ لم تكن تسمى المدينة وإنما كان يقال لها يثرب، وأيضا فلم تجر العادة للرعاة أن يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة، ووقع في رواية إسرائيل "فقال لرجل من قريش سماه فعرفته" وهذا يؤيد ما قررته لأن قريشا لم يكونوا يسكنون المدينة النبوية إذ ذاك. قوله: "أفي غنمك لبن" بفتح اللام والموحدة، وحكى عياض أن في رواية: "لب" بضم اللام وتشديد الموحدة جمع "لابن" أي ذوات لبن. قوله: "أفتحلب؟ قال: نعم" الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام أمعك إذن في
(6/623)
الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة؟ وبهذا التقرير يندفع
الإشكال الماضي في أواخر اللقطة وهو كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير
إذن مالك الغنم؟ ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه عرف رضاه بذلك بصداقته له أو
إذنه العام لذلك، وقد تقدم باقي ما يتعلق بذلك هنا. قوله: "فقلت انفض
الضرع" أي ثدي الشاة. وفي رواية إسرائيل الآتية "وأمرته فاعتقل
شاة" أي وضع رجلها بين فخذيه أو ساقيه يمنعها من الحركة. قوله: "فأخذت
قدحا فحلبت(1)" في رواية: "فأمرت الراعي فحلب" ويجمع بأنه تجوز في
قوله: "فحلبت" ومراده أمرت بالحلب. قوله: "كثبة" بضم الكاف
وسكون المثلثة وفتح الموحدة أي قدر قدح وقيل حلبة خفيفة، ويطلق على القليل من
الماء واللبن وعلى الجرعة تبقى في الإناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما
من كل مجتمع. قوله: "واتبعنا سراقة بن مالك" في رواية إسرائيل
"فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا غير سراقة بن مالك بن جعشم".
قوله: "فارتطمت" بالطاء المهملة أي غاصت قوائمها. قوله: "أرى"
بضم الهمزة "في جلد من الأرض شك زهير" أي الراوي هل قال هذه اللفظة أم
لا، والجلد بفتحتين الأرض الصلبة. وفي رواية مسلم أن الشك من زهير في قول سراقة
"قد علمت أنكما قد دعوتما علي" ووقع في رواية خديج بن معاوية وهو أخو
زهير "ونحن في أرض شديدة كأنها مجصصة، فإذا بوقع من خلفي فالتفت فإذا سراقة،
فبكى أبو بكر فقال: أتينا يا رسول الله، قال: كلا، ثم دعا بدعوات" وستأتي قصة
سراقة في أبواب الهجرة إلى المدينة من حديث سراقة نفسه بأتم من سياق البراء فلذلك
أخرت شرحها إلى مكانها. وفي الحديث معجزة ظاهرة، وفيه فوائد أخرى يأتي ذكرها في
مناقب أبي بكر الصديق.
3616- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى
أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قُلْتُ
طَهُورٌ كَلاَ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ
تُزِيرُهُ الْقُبُورَ". فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَنَعَمْ
إِذًا".
[الحديث 3616 – أطرافه في: 5656، 5662، 7470]
3617- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا
فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ مَا
يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ
وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ
فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا
هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ
مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا
اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ
مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ".
ـــــــ
(1) في المتن "فحلب" ولعل ما وقع في الشرح رواية للمؤلف.
(6/624)
الحديث الثامن والثلاثون: حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي
أصابته الحمى فقال: "حمى تفور على شيخ كبير" الحديث، وسيأتي شرحه في
كتاب الطب، ووجه دخوله في هذا الباب أن في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات
النبوة، أخرجه الطبراني وغيره من رواية شرحبيل والد عبد الرحمن فذكر نحو حديث ابن
عباس، وفي آخره: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إذا أبيت فهي كما تقول
قضاء الله كائن، فما أمسى من الغد إلا ميتا" وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا
الحديث في هذا الباب. وعجبت للإسماعيلي كيف نبه على مثل ذلك في قصة ثابت بن قيس
وأغفله هنا. ووقع في "ربيع الأبرار" أن اسم هذا الأعرابي قيس، فقال في
"باب الأمراض والعلل" دخل النبي صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم
يعوده، فذكر القصة. ولم أر تسميته لغيره، فهذا إن كان محفوظا فهو غير قيس بن أبي
حازم أحد المخضرمين، لأن صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيس لم
ير النبي صلى الله عليه وسلم في حال إسلامه فلا صحبة له، ولكن أسلم في حياته،
ولأبيه صحبة وعاش بعده دهرا طويلا. حديث أنس في الذي أسلم ثم ارتد فدفن فلفظته
الأرض. قوله: "كان رجل نصرانيا" لم أقف على اسمه، لكن في رواية مسلم من
طريق ثابت عن أنس "كان منا رجل من بني النجار". قوله: "فعاد نصرانيا"
في رواية ثابت: "فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه". قوله:
"ما يدري محمد إلا ما كتبت له" في رواية الإسماعيلي: "كان يقول ما
أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له" وروى ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه. قوله: "فأماته الله" في رواية ثابت
"فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم". قوله: "لما هرب منهم" في
رواية الإسماعيلي: "لما لم يرض دينهم". قوله: "لفظته الأرض"
بكسر الفاء أي طرحته ورمته، وحكي فتح الفاء. قوله: في آخره "فألقوه" في
رواية ثابت "فتركوه منبوذا".
3618- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى
فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ".
3619- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى
فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَذَكَرَ وَقَالَ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ".
الحديث الأربعون: حديث أبي هريرة "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده". قوله:
"كسرى" بكسر الكاف ويجوز الفتح، وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس، وقيصر
لقب لكل من ولي مملكة الروم، قال ابن الأعرابي: الكسر أفصح في كسرى، وكان أبو حاتم
يختاره، وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح، ورد
عليه ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل مكسور أو مضموم كما قالوا
في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها، وفي سلمة كذلك، فليس فيه حجة على تخطئة
الكسر، والله أعلم. وقد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لأن آخرهم قتل في زمان
عثمان، واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى
بالعراق ولا قيصر بالشام، وهذا منقول عن الشافعي قال: وسبب
(6/625)
الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا، فلما أسلموا
خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
لهم تطييبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين. وقيل:
الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وإنما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا
ورأسا أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى
بسط ذلك في أول الكتاب، وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا
النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك. قال الخطابي: معناه فلا
قيصر بعده يملك مثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم
للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرا وإما جهرا،
فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعد،
ووقع في الرواية التي في "باب الحرب خدعة" من كتاب الجهاد "هلك
كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وليهلكن قيصر" قيل: والحكمة فيه أنه قال ذلك لما
هلك كسرى بن هرمز كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال: "بلغ
النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم امرأة" الحديث، وكان ذلك
لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران، وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة
عشرين على الصحيح، وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين
بالشام ولده وكان يلقب أيضا قيصر، وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة
لأنهما لم تبق مملكتهما على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما
قررته. قال القرطبي في الكلام على الرواية التي لفظها "إذا هلك كسرى فلا كسرى
بعده" وعلى الرواية التي لفظها "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده"
بين اللفظين بون، ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت
كسرى والآخر بعد ذلك، قال: ويحتمل أن يقع التغاير بالموت والهلاك، فقوله:
"إذا هلك كسرى" أي هلك ملكه وارتفع، وأما قوله: "مات كسرى ثم لا
يكون كسرى بعده" فالمراد به كسرى حقيقة اهـ. ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
"هلك كسرى" تحقق وقوع ذلك حتى عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد
للمبالغة في ذلك كما قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} وهذا
الجمع أولى لأن مخرج الروايتين متحد فحمله على التعدد على خلاف الأصل فلا يصار
إليه مع إمكان هذا الجمع، والله أعلم. حديث جابر بن سمرة. قوله: "رفعه"
تقدم في الجهاد، ووقع في رواية الإسماعيلي التي سأذكرها عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وكذا تقدم في فرض الخمس من رواية جرير عن عبد الملك بن عمير. قوله:
"وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره، ووقع في
رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة شيخ البخاري فيه، ومن وجه آخر عن سفيان وهو
الثوري مثل رواية الجماعة، قال: وكذا قال لم يذكر قيصر وقال كنوزهما. قوله:
"وذكر وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" وقع في رواية النسفي
"وذكره" وهو متجه كأنه يقول: وذكر الحديث، أي مثل الذي قبله، وأما على
رواية الباقين ففيه حذف تقديره: وذكر كلاما أو حديثا، ولم تقع هذه الزيادة في
رواية الإسماعيلي المذكورة.
3620- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ
لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ
مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ
(6/626)
شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ
فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ
أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي
لاَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ".
[الحديث 3620 – أطرافه في: 4373، 4378، 7033، 7461]
3621- فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ
سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي
الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا
كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ وَالْآخَرُ
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ".
[الحديث 3621 – أطرافه في: 4374، 4375، 4379، 7034، 7037]
3622- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ
عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي
بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ
إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ
هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ
أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا
كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ
الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ
الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ
الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ
بَدْرٍ".
[الحديث 3622 – أطرافه في: 3987، 4081، 7035، 7041]
الحديث الثاني والأربعون: حديث ابن عباس في قدوم مسيلمة، وفيه قول ابن عباس
"فأخبرني أبو هريرة" فذكر المنام، وسيأتي شرح ذلك كله مبسوطا في أواخر
المغازي، وقد ذكر هناك بالإسناد المذكور. الحديث الثالث والأربعون: حديث أبي موسى
في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالهجرة وبأحد وسيأتي في ذكر غزوة
أحد بهذا الإسناد بعينه وأذكر هناك شرحه إن شاء الله تعالى، وقد أفرد ما يتعلق منه
بغزوة بدر في "باب فضل من شهد بدرا" وشرحته هناك، وعلق في "باب
الهجرة إلى المدينة" أوله عن أبي موسى، وذكرت شرحه أيضا هناك.
3623- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ
عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ
ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثً ا فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ
أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا
أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ
سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا".
[الحديث 3623 – أطرافه في: 3625، 3715، 4433، 6285]
(6/627)
3624- "فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ
يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ
مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ
بَيْتِي لَحَاقًا بِي فَبَكَيْتُ فَقَالَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي
سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ
لِذَلِكَ".
[الحديث 3624 – أطرافه في: 3626، 3716، 4434، 6286]
3625- حدثني يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله
عنها قالت: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه التي قبض
فيها فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها فضحكت، قالت: فسألتها عن ذلك".
3626- "فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي
توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت".
3627- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ فَقَالَ إِنَّهُ
مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ قَالَ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا
إِلاَّ مَا تَعْلَمُ".
[الحديث 3627 – أطرافه في: 4294، 4430، 4969، 4970]
3628- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ
بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ
بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ
وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي
الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ
فِيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ
فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ".
3629- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ
حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَقَالَ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ".
3630- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى جَعْفَرًا
وَزَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ".
(6/628)
3631- حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَلْ لَكُمْ
مِنْ أَنْمَاطٍ قُلْتُ وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَنْمَاطُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ
سَيَكُونُ لَكُمْ الأَنْمَاطُ فَأَنَا أَقُولُ لَهَا يَعْنِي امْرَأَتَهُ أَخِّرِي
عَنِّي أَنْمَاطَكِ فَتَقُولُ أَلَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ الأَنْمَاطُ فَأَدَعُهَا".
[الحديث 3631 – طرفه في: 5161]
3632- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَالَ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي
صَفْوَانَ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ
نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ
النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ
إِذَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ
سَعْدٌ أَنَا سَعْدٌ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ
آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا
فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ
سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ
أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لاَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ قَالَ فَجَعَلَ أُمَيَّةُ
يَقُولُ لِسَعْدٍ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ فَغَضِبَ سَعْدٌ
فَقَالَ دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ قَالَ إِيَّايَ قَالَ نَعَمْ قَالَ
وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ
فَقَالَ أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ قَالَتْ وَمَا
قَالَ قَالَ زَعَمَ أَنَّه سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي قَالَتْ
فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ
الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ
الْيَثْرِبِيُّ قَالَ فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ
إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ
مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللَّهُ".
[الحديث 3632 – طرفه في: 3950]
3633- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ
قَالَ سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ أُنْبِئْتُ أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَم أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ فَقال النبي صلى الله
عليه وسلم: "لِأُمِّ سَلَمَةَ مَنْ هَذَا أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ قَالَتْ
هَذَا دِحْيَةُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ
إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُخْبِرُ جِبْرِيلَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ مِمَّنْ
سَمِعْتَ هَذَا قَالَ مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ".
3634- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ
(6/629)
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
"رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ
ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ
ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا
فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ".
وَقَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ
".
[الحديث 3634 – أطرافه في: 3676، 3682، 7019، 7020]
الحديث الرابع والأربعون: حديث عائشة "أقبلت فاطمة عليها السلام" الحديث
في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه لها بأنها أول أهله لحوقا به، أخرجه
من وجهين، وسيأتي في أواخر المغازي في الوفاة مشروحا وأذكر فيه وجه التوفيق بين
الروايتين إن شاء الله تعالى. الحديث الخامس والأربعون: حديث ابن عباس "كان
عمر يدني ابن عباس" الحديث في معنى هذه الآية {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ} وسيأتي شرحه في تفسير سورة النصر. الحديث السادس والأربعون: حديث ابن
عباس أيضا في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره، وفيه وصيته بالأنصار،
وسيأتي شرحه في مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى. الحديث السابع والأربعون: حديث
أبي بكر في أن الحسن سيد، وسيأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. الحديث
الثامن والأربعون: حديث أنس في قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، أورده مختصرا،
وسيأتي شرحه في شرح غزوة مؤتة إن شاء الله تعالى. الحديث التاسع والأربعون: حديث
جابر في ذكر الأنماط، وهي جمع نمط بفتحات مثل خبر وأخبار، والنمط بساط له خمل
رقيق، وسيأتي شرحه في النكاح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك لما تزوج،
وقوله هنا: "فأنا أقول لها" يعني امرأته كذا في الأصل، وسيأتي تسمية
امرأته هناك. وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط بإخباره صلى الله عليه وسلم
بأنها ستكون نظر، لأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل المستدل
به على التقرير فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره، وقد وقع
قريب من هذا في حديث عدي بن حاتم الماضي في هذا الباب في خروج الظعينة من الحيرة
إلى مكة بغير خفير، فاستدل به بعض الناس على جواز سفر المرأة بغير محرم، وفيه من
البحث ما ذكر. الحديث الخمسون: حديث عبد الله بن مسعود في إخبار سعد بن معاذ لأمية
بن خلف أنه سيقتل، وسيأتي شرحه مستوفى في أول المغازي إن شاء الله تعالى، وقد شرحه
الكرماني على أن المراد بقول سعد بن معاذ لأمية بن خلف أنه قاتلك أي أبو جهل، ثم
استشكل ذلك بكون أبي جهل على دين أميه، ثم أجاب بأنه كان السبب في خروجه وقتله
فنسب قتله إليه، وهو فهم عجيب، وإنما أراد سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل
أمية، وسيأتي التصريح بذلك في مكانه بما يشفي الغليل إن شاء الله تعالى. الحديث
الحادي والخمسون: حديث أسامة بن زيد في ذكر جبريل، وسيأتي شرحه في غزوة قريظة إن
شاء الله تعالى. الحديث الثاني والخمسون: حديث ابن عمر في رؤيا أبي بكر ينزع ذنوبا
أو ذنوبين الحديث، وسيأتي شرحه في تعبير الرؤيا إن شاء الله تعالى. الحديث الثالث
والخمسون: حديث أبي هريرة في ذلك، أورد منه طرفا معلقا، وهو موصول في التعبير أيضا
من هذا الوجه ومن غيره، والله أعلم.
(6/630)
باب قول الله تعالى { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، و إن فريقا
منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون }
...
26 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [146 البقرة]: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ}
3635- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما "أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن
رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في
التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن
فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها
وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا:
صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. قال
عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة".
قوله: "باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ}" أورد فيه حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا، وسيأتي
شرحه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء تعالى، ونذكر هناك تسمية من أبهم في هذا الخبر،
وقوله في آخره: "قال عبد الله فرأيت الرجل" عبد الله المذكور هو ابن عمر
راوي الحديث، وقد وقع في الحديث ذكر عبد الله بن سلام وذكر عبد الله بن صوريا
الأعور وليس واحد منهما مرادا بقوله: "قال عبد الله" ووجه دخول هذه
الترجمة في أبواب علامات النبوة من جهة أنه أشار في الحديث إلى حكم التوراة وهو
أمي لم يقرأ التوراة قبل ذلك فكان الأمر كما أشار إليه.
(6/631)
باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه و سلم آية ،
فأراهم انشقاق القمر
...
27 - باب سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ
3636- حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم شقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا".
[الحديث 3636 – أطرافه في: 3869، 3871، 4864، 4865]
3637- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يونس حدثنا شيبان عن قتادة عن أنس بن مالك
وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله
عنه أنه حدثهم "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية
فأراهم انشقاق القمر".
[الحديث 3637 – أطرافه في: 3868، 4867، 4868]
3638- حدثني خلف بن خالد القرشي حدثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن
مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن بن عباس رضي الله عنهما "أن القمر
انشق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم".
[الحديث 3638 – طرفاه في: 3870، 4866]
(6/631)
قوله: "باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر" فذكر فيه حديث ابن مسعود وأنس وابن عباس في ذلك، وقد ورد انشقاق القمر أيضا من حديث علي وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم، فأما أنس وابن عباس فلم يحضرا ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد، وأما أنس فكان ابن أربع أو خمس بالمدينة، وأما غيرهما فيمكن أن يكون شاهد ذلك، وممن صرح برؤية ذلك ابن مسعود، وقد أورد المصنف حديثه هنا مختصرا وليس فيه التصريح بحضور ذلك، وأورده في التفسير من طريق إبراهيم عن أبي معمر بتمامه وفيه: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا" وبين في رواية معلقة تأتي قبل هجرة الحبشة أن ذلك كان بمكة، ووقع في رواية لأبي نعيم في الدلائل من طريق عتبة بن عبد الله بن عتبة عن عم أبيه ابن مسعود "فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى ونحن بمكة" وسيأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(6/632)
28 - باب
3639- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ
وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا
افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى
أَهْلَهُ".
3640- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَزَالُ نَاسٌ
مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ
".
[الحديث 3640 – طرفاه في: 7311، 7459]
3641- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ
جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ
يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ
يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
عَلَى ذَلِكَ ". قَالَ عُمَيْرٌ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ قَالَ
مُعَاذٌ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ" فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ
يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ".
3642- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا
شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ
"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا
يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا
بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ
وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ".
قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ
عَنْهُ قَالَ سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ شَبِيبٌ إِنِّي
لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ
عَنْهُ".
3643- "وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ
فَرَسًا. قَالَ سُفْيَانُ: "يَشْتَرِي لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ".
(6/632)
3644- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْخَيْلُ
فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
3645- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ
مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ".
3646- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ
لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا
الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي
مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنْ الْمَرْجِ أَوْ
الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا
فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ
أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ
ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا
وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ
سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ
فَهِيَ وِزْرٌ وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْحُمُرِ فَقَالَ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الْآيَةُ
الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ [7-8 الزلزلة]: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}".
3647- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ: "صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا
مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ فَرَفَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ
خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ".
3648- حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
الْفُدَيْكِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ
مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ قَالَ ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُ فَغَرَفَ
بِيَدِهِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا
بَعْدُ".
قوله: "باب" كذا في الأصول بغير ترجمة، وكان من حقه أن يكون قبل البابين
اللذين قبله لأنه ملحق بعلامات النبوة وهو كالفصل منها، لكن لما كان كل من البابين
راجعا إلى الذي قبله وهو علامات النبوة سهل الأمر في ذلك وذكر فيه أحاديث: الحديث
الأول: حديث أنس. قوله: "أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"
هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر، وسيأتي بيان ذلك في فضائل الصحابة قريبا إن شاء
الله تعالى. الحديث الثاني: حديث المغيرة بن شعبة
(6/633)
"لا يزال ناس من أمتي ظاهرين" الحديث، وسيأتي الكلام عليه في الاعتصام إن شاء الله تعالى. الحديث الثالث والرابع: حديث معاوية ومعاذ في المعنى، والوليد في الإسناد هو ابن مسلم، وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها معجمة خفيفة والميم مكسورة وهو السكسكي نزل حمص، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أعاده بإسناد. ومتنه في التوحيد، وهو من كبار التابعين، وقد قيل إن له صحبة ولا يصح ويأتي البحث في المراد بالذين لا يزالون ظاهرين قائمين بأمر الدين إلى يوم القيامة في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. الحديث الخامس: حديث عروة وهو البارقي. قوله: "حدثنا شبيب بن غرقدة" هو بفتح المعجمة وموحدتين وزن سعيد، وغرقدة بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها قاف، تابعي صغير ثقة عندهم، ما له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "سمعت الحي يتحدثون" أي قبيلته، وهم منسوبون إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقيا فنسبوا إليه، وهذا يقتضي أن يكون سمعه من جماعة أقلهم ثلاثة. قوله: "عن عروة" هو ابن الجعد أو ابن أبي الجعد، وقد تقدم بيان الصواب من ذلك في ذكر الخيل من كتاب الجهاد. قوله: "أعطاه دينارا يشتري له به شاة" في رواية أبي لبيد عند أحمد وغيره: "عن عروة بن أبي الجعد قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب، فأعطاني دينارا فقال: أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة، قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار". قوله: "فباع إحداهما بدينار" أي وبقي معه دينار. وفي رواية أبي لبيد فلقيني رجل فساومني فبعته شاة بدينار، وجئت بالدينار والشاة. قوله: "فدعا له بالبركة في بيعه" في رواية أبي لبيد عن عروة "فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه" وفيه أنه أمضى له ذلك وارتضاه، واستدل به على جواز بيع الفضولي، وتوقف الشافعي فيه فتارة قال: لا يصح لأن هذا الحديث غير ثابت، وهذه رواية المزني عنه، وتارة قال: إن صح الحديث قلت به، وهذه رواية البويطي. وقد أجاب من لم يأخذ بها بأنها واقعة عين، فيحتمل أن يكون عروة كان وكيلا في البيع والشراء معا، وهذا بحث قوي يقف به الاستدلال بهذا الحديث على تصرف الفضولي والله أعلم. وأما قول الخطابي والبيهقي وغيرهما: أنه غير متصل لأن الحي لم يسم أحد منهم فهو على طريقة بعض أهل الحديث يسمون ما في إسناده مبهم مرسلا أو منقطعا، والتحقيق إذا وقع التصريح بالسماع أنه متصل في إسناده مبهم، إذ لا فرق فيما يتعلق بالاتصال والانقطاع بين رواية المجهول والمعروف، فالمبهم نظير المجهول في ذلك، ومع ذلك فلا يقال في إسناد صرح كل من فيه بالسماع من شيخه إنه منقطع وإن كانوا أو بعضهم غير معروف. قوله: "وكان لو اشترى التراب لربح فيه" في رواية أبي لبيد المذكورة قال: "فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي" قال وكان يشتري الجواري ويبيع. قوله: "قال سفيان" هو ابن عيينة، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "كان الحسن بن عمارة" هو الكوفي أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم، وكان قاضي بغداد في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس، ومات في خلافته سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة. وقال ابن المبارك: جرحه عندي شعبة وسفيان كلاهما. وقال ابن حبان: كان يدلس عن الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم فالتصقت به تلك الموضوعات. قلت: وما له في البخاري إلا هذا الموضع. قوله: "جاءنا بهذا الحديث عنه" أي عن شبيب بن غرقدة. قوله: "قال" أي الحسن "سمعه شبيب عن عروة فأتيته" القائل سفيان والضمير لشبيب، وأراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة وأن شبيبا لم يسمع الخبر من عروة وإنما سمعه من الحي ولم يسمعه عن عروة
(6/634)
فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم، لكن وجد له متابع عند أحمد
وأبي داود والترمذي وابن ماجه من طريق سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن أبي
لبيد قال حدثني عروة البارقي فذكر الحديث بمعناه، وقد قدمت ما في روايته من
الفائدة، وله شاهد من حديث حكيم بن حزام وقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي
شيبة عن سفيان عن شبيب عن عروة ولم يذكر بينهما أحدا، ورواية علي بن عبد الله وهو
ابن المديني شيخ البخاري فيه تدل على أنه وقعت في هذه الرواية تسوية، وقد وافق
عليا على إدخاله الواسطة بين شبيب وعروة أحمد والحميدي في مسنديهما وكذا مسدد عند
أبي داود وابن أبو عمر والعباس بن الوليد عند الإسماعيلي، وهذا هو المعتمد. قوله:
"قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية" هو موصول أيضا، ولم أر في شيء من
طرقه أنه أراد أضحية، وحديث الخيل تقدم الكلام عليه في الجهاد مستوفى، وزعم ابن
القطان أن البخاري لم يرد بسياق هذا الحديث إلا حديث الخيل ولم يرد حديث الشاة
وبالغ في الرد على من زعم أن البخاري أخرج حديث الشاة محتجا به لأنه ليس على شرطه
لإبهام الواسطة فيه بين شبيب وعروة، وهو كما قال لكن ليس بذلك ما يمنع تخريجه ولا
ما يحطه عن شرطه، لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب، ويضاف إلى ذلك ورود
الحديث من الطريق التي هي الشاهد لصحة الحديث، ولأن المقصود منه الذي يدخل في
علامات النبوة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة فاستجيب له حتى كان لو اشترى
التراب لربح فيه. وأما مسألة بيع الفضولي فلم يردها إذ لو أرادها لأوردها في
البيوع، كذا قرره المنذري، وفيه نظر لأنه لم يطرد له في ذلك عمل، فقد يكون الحديث
على شرطه ويعارضه عنده ما هو أولى بالعمل به من حديث آخر فلا يخرج ذلك الحديث في
بابه ويخرجه في باب آخر أخفى لينبه بذلك على أنه صحيح إلا أن ما دل ظاهره عليه غير
معمول به عنده والله أعلم. الحديث السادس والسابع: حديث ابن عمر في الخيل أيضا،
وقد تقدم في الجهاد أيضا. الحديث الثامن: حديث أنس في الخيل أيضا، وقد تقدم في
الجهاد أيضا. حديث أبي هريرة "الخيل لثلاثة" وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى في الجهاد، ولم يظهر لي وجه إيراد هذه الأحاديث في أبواب علامات النبوة إلا
أن يكون من جملة ما أخبر به فوقع كما أخبر، وقد تقدم تقرير هذا التوجيه في أوائل
الجهاد في "باب الجهاد ماض مع البر والفاجر". الحديث التاسع: حديث أنس
في قوله: "الله أكبر خربت خيبر" وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، ووجه
إيراده هنا من جهة أنه فهم من قوله: "خربت خيبر" الإخبار بذلك قبل وقوعه
فوقع كذلك. الحديث العاشر: حديث أبي هريرة في سبب عدم نسيانه الحديث، وقد تقدم
شرحه مستوفى في كتاب العلم، والله أعلم.
"خاتمة": اشتملت المناقب النبوية من أول المناقب إلى هنا من الأحاديث
المرفوعة وما لها حكم المرفوع على مائة وتسعة وتسعين حديثا، المعلق منها سبعة عشر
طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيها وفيما مضى ثمانية وسبعون حديثا والخالص
مائة حديث وحديث، وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانية وعشرين حديثا وهي حديث ابن
عباس في الشعوب، وحديث زينب بنت أبي سلمة "من مضر" وفي النبيد، وحديث
ابن عباس في تفسير {الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} وحديث معاوية "إن هذا الأمر
في قريش" وحديث عائشة والمسور في النذر، وحديث واثلة "من أعظم
الفرى" وحديث أبي هريرة "أسلم وغفار خير من أسد وتميم" وحديث أبي
هريرة في عمرو بن لحي، وحديث ابن عباس "إن سرك أن تعلم جهل العرب" وحديث
أبي هريرة "ألا تعجبون كيف يصرف الله
(6/635)
عني شتم قريش" وحديث أبي بكر الصديق في قوله: "وا بأبي شبيه بالنبي" وحديث عبد الله بن بسر في صفة شيب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث البراء "كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القمر" وحديث أبي هريرة "بعثت من خير قرون بني آدم"، وحديث جابر "كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه" أورده معلقا، وحديث ابن مسعود "كنا نعد الآيات بركة" وحديث البراء "كنا بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها" الحديث، وحديث جابر في حنين الجذع، وحديث ابن عمر فيه، وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك، وحديث خباب "ألا تستنصر لنا" وحديث ابن عباس في الذي قال: "شيخ كبير، وبه حمى تفور" وحديث ابن عباس في تفسير {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} وحديثه في الوصية بالأنصار، وحديث سعد بن معاذ في قتل أمية بن خلف، وحديث معاذ في الذين لا يزالون ظاهرين بالشام، وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار، والله أعلم بالصواب.
(6/636)
المجلد السابع
كتاب فضائل الصحابة
باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
...
بسم الله الرحمن الرحيم
62- كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله علية وسلم
1- باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ
صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رَآهُ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ
3649- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو
قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيَقُولُونَ
فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ
فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ
فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنْ
النَّاسِ فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ
لَهُمْ"
3650- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ
أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ
عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ
إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلاَ
يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ "
3651- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "خَيْرُ النَّاسِ
قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ
قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ
صِغَارٌ "
قوله: "باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بطريق الإجمال
ثم التفصيل. أما الإجمال فيشمل جميعهم، لكنه اقتصر فيه على شيء مما يوافق شرطه.
وأما التفصيل فلمن ورد فيه شيء بخصوصه على شرطه. وسقط لفظ: "باب" من
رواية أبي ذر وحده. قوله: "ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من
المسلمين فهو من أصحابه" يعني أن اسم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مستحق
لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة.
ويطلق أيضا على من رآه رؤية ولو على بعد. يميز ما رآه أو يكتفي بمجرد حصول الرؤية؟
محل نظر، وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر
الصديق، وإنما ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت
في الصحيح أن
(7/3)
أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرايني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يلغز به فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة. ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: "رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن له صحبة" أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث، وهي عند مسلم وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومن جملتها قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له. فهذا رأي عاصم أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية؛ وكذا روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا أو غزا غزوة فصاعدا، والعمل على خلاف هذا القول لأنهم اتفقوا على عد جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع، ومن اشترط الصحبة العرفية أخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب، كما جاء عن أنس أنه قيل له: هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك؟ قال: لا، مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الأعراب. ومنهم من اشترط في ذلك أن يكون حين اجتماعه به بالغا، وهو مردود أيضا لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من أحداث الصحابة، والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين وقول البخاري"من المسلمين" قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار، فأما من أسلم بعد موته منهم فإن كان قوله: "من المسلمين" حالا خرج من هذه صفته وهو المعتمد. ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الإسلام فإنه ليس صحابيا اتفاقا، فينبغي أن يزاد فيه: "ومات على ذلك". وقد وقع في مسند أحمد حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن أسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر بسبب شيء أغضبه، وإخراج حديث مثل هذا مشكل، ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده والله أعلم. فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك، وإخراجهم أحاديثهم في المسانيد، وهل يختص جميع ذلك ببني آدم أو يعم غيرهم من العقلاء؟ محل نظر، أما الجن فالراجح دخولهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعا، وهم مكلفون، فيهم العصاة والطائعون، فمن عرف اسمه منهم لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وإن كان ابن الأثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في ذلك إلى حجة. وأما الملائكة فيتوقف عدهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم، فإن فيه خلافا بين الأصوليين، حتى نقل بعضهم الإجماع على ثبوته، وعكس بعضهم، وهذا كله فيمن رآه وهو في قيد الحياة الدنيوية، أما من رآه بعد موته وقبل دفنه فالراجح أنه ليس بصحابي وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة، إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة، وهذه الحياة ليست دنيوية وإنما هي أخروية لا تتعلق بها أحكام الدنيا، فإن الشهداء أحياء ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم من الموتى، والله أعلم. وكذلك المراد بهذه الرؤية من اتفقت له ممن تقدم
(7/4)
شرحه وهو يقظان، أما من رآه في المنام وإن كان قد رآه حقا فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية لا الأحكام الدنيوية فلذلك لا يعد صحابيا ولا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة والله أعلم. وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني، فقرأت في"المستخرج لأبي القاسم بن منده" بسنده إلى أحمد بن سيار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسطت هذه المسألة فيما جمعته من علوم الحديث، وهذا القدر في هذا المكان كاف. حديث جابر بن عبد الله عن أبي سعيد، وهو من رواية صحابي عن صحابي. قوله: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام" بكسر الفاء ثم تحتانية بهمزة وحكي فيه ترك الهمزة أي جماعة، وقد تقدم ضبطه في"باب من استعان بالضعفاء" في أوائل الجهاد، ويستفاد منه بطلان قول من ادعى في هذه الأعصار المتأخرة الصحبة لأن الخبر يتضمن استمرار الجهاد والبعوث إلى بلاد الكفار وأنهم يسألون: هل فيكم أحد من أصحابه؟ فيقولون لا، وكذلك في التابعين وفي أتباع التابعين، وقد وقع كل ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه الأعصار، بل انعكس الحال في ذلك على ما هو معلوم مشاهد من مدة متطاولة ولا سيما في بلاد الأندلس، وضبط أهل الحديث آخر من مات من الصحابة، وهو على الإطلاق، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم بن مسلم في صحيحه، وكان موته سنة مائة وقيل: سنة سبع ومائة وقيل: سنة عشر ومائة، وهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر: "على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد" ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم ذكر طبقة رابعة ولفظه: "يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون انظروا - إلى أن قال - ثم يكون البعث الرابع"وهذه الرواية شاذة، وأكثر الروايات مقتصر على الثلاثة كما سأوضح ذلك في الحديث الذي بعده. ومثله حديث واثلة رفعه: "لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني" الحديث أخرجه ابن أبي شيبة وإسناده حسن. قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن راهويه وبذلك جزم ابن السكن وأبو نعيم في"المستخرج" والنضر هو ابن شميل، وأبو جمرة بالجيم والراء صاحب ابن عباس وحدث هنا عن تابعي مثله. قوله: "خير أمتي قرني" أي أهل قرني، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل، ويطلق القرن على مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين لكن لم أر من صرح بالسبعين ولا بمائة وعشرة، وما عدا ذلك فقد قال به قائل. وذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين، وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم ما يدل على أن القرن مائة وهو المشهور. وقال صاحب المطالع: القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد، وثبتت المائة في حديث عبد الله بن بسر وهي ما عند أكثر أهل العراق، ولم يذكر صاحب"المحكم" الخمسين وذكر من عشر إلى سبعين ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال وبه صرح ابن الأعرابي وقال: إنه مأخوذ من الأقران، ويمكن أن يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال إن القرن أربعون فصاعدا، أما من قال إنه دون ذلك فلا يلتئم على هذا القول والله أعلم. والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
(7/5)
الصحابة، وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وبعثت في خير قرون بني آدم" وفي رواية بريدة عند أحمد "خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم" وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين، وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم. واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن. وظهر قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يفشو الكذب" ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات والله المستعان. قوله: "ثم الذين يلونهم" أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون "ثم الذين يلونهم" وهم أتباع التابعين، واقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث، والأصل في ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية. واحتج ابن عبد البر بحديث: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره: " وهو حديث حسن له طرق قد يرتقى بها إلى الصحة، وأغرب النووي فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف، مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار، وأجاب عنه النووي بما حاصله: أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى ابن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني" والله أعلم. وقد روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير - ثلاثا - ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها" وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه: "تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين"، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم" وهو شاهد لحديث: "مثل أمتي مثل المطر" ، واحتج ابن عبد البر أيضا بحديث عمر رفعه: "أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني" الحديث أخرجه الطيالسي وغيره، لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه. وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: "قال أبو عبيدة: يا رسول الله، أأحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" وإسناده حسن وقد صححه الحاكم. واحتج بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، قال: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به
(7/6)
وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك
غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن
أبي هريرة رفعه: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى
للغرباء" وقد تعقب كلام ابن عبد البر بأن مقتضى كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد
الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة، وبذلك صرح القرطبي، لكن كلام ابن عبد البر
ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر
والحديبية. نعم والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو
النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده،
لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من
بعده، فظهر فضلهم. ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما
تقدم، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها، على أن حديث: "للعامل
منهم أجر خمسين منكم" لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة، لأن مجرد
زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله
بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه
وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد، فبهذه الطريق يمكن تأويل
الأحاديث المتقدمة، وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه، فقد رواه بعضهم
بلفظ الخيرية كما تقدم، ورواه بعضهم بلفظ: "قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم
منا أجرا "؟ الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية
المتقدمة، وهي توافق حديث أبي ثعلبة، وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم. قوله:
"فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة" وقع مثل هذا الشك في حديث ابن
مسعود وأبي هريرة عند مسلم، وفي حديث بريدة عند أحمد، وجاء في أكثر الطرق بغير شك،
منها عن النعمان بن بشير عند أحمد، وعن مالك عند مسلم عن عائشة"قال رجل: يا
رسول الله أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم
الثالث" ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال، وهو ما أخرجاه
من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت: يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال:
"أنا وقرني" فذكر مثله. وللطيالسي من حديث عمر رفعه: "خير أمتي
القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني، ثم الثالث " ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند
ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه: "خير الناس قرني، ثم الذين
يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردأ" ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف
في صحبته والله أعلم. قوله: "ثم إن بعدهم(1) قوما" كذا للأكثر،
ولبعضهم"قوم" فيحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في
المنصوب، ويحتمل أن تكون"إن" تقريرية بمعنى نعم وفيه بعد وتكلف. واستدل
بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، وهذا
محمول على الغالب والأكثرية، فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه
الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة، بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإن ذلك كثر فيهم
واشتهر، وفيه بيان من ترد شهادتهم وهم من اتصف بالصفات المذكورة، وإلى ذلك الإشارة
بقوله: "ثم يفشو الكذب" أي يكثر. واستدل به على جواز المفاضلة بين
الصحابة قاله المازري، وقد تقدم باقي شرحه في الشهادات. حديث ابن مسعود في المعنى
وفد تقدم في الشهادات سندا ومتنا، وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق بالشهادات، والله
أعلم.
ـــــــ
(1) في نسخ المتن "بعدكم"وعليها شرح القسطلاني وقال : بالكاف
(7/7)
2- باب مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [الحشر 8]: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}
وَقَالَ [التوبة 40]: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} إِلَى قَوْلِهِ
{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
"وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْغَارِ"
3652- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
لِعَازِبٍ مُرْ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَيَّ رَحْلِي فَقَالَ عَازِبٌ لاَ
حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ
يَطْلُبُونَكُمْ قَالَ ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فَأَحْيَيْنَا أَوْ سَرَيْنَا
لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ
فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ فَآوِيَ إِلَيْهِ فَإِذَا صَخْرَةٌ
أَتَيْتُهَا فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ ثُمَّ فَرَشْتُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ اضْطَجِعْ
يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنْ الطَّلَبِ أَحَدًا
فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ
مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ
قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ
مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَنَا قَالَ نَعَمْ
فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ
ضَرْعَهَا مِنْ الْغُبَارِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ
هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ
وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً
عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ
فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَافَقْتُهُ قَدْ اسْتَيْقَظَ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ
حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قُلْتُ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلَى
فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ
غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ هَذَا
الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ "لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا" {تريحون } بالعشي، {تشرحون} بالغداة.
3653- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ
تَحْتَ قَدَمَيْهِ لاَبْصَرَنَا فَقَالَ "مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ
بِاثْنَيْنِ
(7/8)
اللَّهُ ثَالِثُهُمَا"
[الحديث 3653- طرفاه في : 3922، 4663 ]
قوله: "باب مناقب المهاجرين وفضلهم" سقط لفظ: "باب" من رواية
أبي ذر، والمراد بالمهاجرين من عدا الأنصار ومن أسلم يوم الفتح وهلم جرا، فالصحابة
من هذه الحيثية ثلاثة أصناف، والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم. قوله:
"منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي" هكذا جزم بأن اسم أبي بكر
عبد الله وهو المشهور، ويقال كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا
عتيقا، واختلف هل هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو
لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لأن أمه كان لا يعيش لها
ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا عتيقك من الموت أو لأن النبي صلى
الله عليه وسلم بشره بأن الله أعتقه من النار، وقد ورد في هذا الأخير حديث عن
عائشة عند الترمذي، وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار، وصححه ابن حبان وزاد
فيه: "وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان" وعثمان اسم أبي قحافة لم
يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى
الله عليه وسلم وقيل: كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء. وروى الطبراني من
حديث علي"أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق"
رجاله ثقات. وأما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن
تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن
كعب، وعدد آبائهما إلى مرة سواء، وأم أبي بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك
بن عامر بن عمرو المذكور، أسلمت وهاجرت، وذلك معدود من مناقبه، لأنه انتظم إسلام
أبويه وجميع أولاده. قوله: "وقول الله عز وجل: { لِلْفُقَرَاءِ
الْمُهَاجِرِينَ} الآية" ساقها الأصيلي وكريمة إلى قوله: {هُمُ
الصَّادِقُونَ} وأشار المصنف بهذه الآية إلى ثبوت فضل المهاجرين لما اشتملت عليه
من أوصافهم الجميلة وشهادة الله تعالى لهم بالصدق.قوله: "وقال الله تعالى:
{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} الآية" ساق في رواية الأصيلي
وكريمة إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وأشار المصنف بها إلى ثبوت فضل الأنصار
فإنهم امتثلوا الأمر في نصره، وكان نصر الله له في حال التوجه إلى المدينة بحفظه
من أذى المشركين الذين اتبعوه ليردوه عن مقصده. وفي الآية أيضا فضل أبي بكر الصديق
لأنه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة
ووقاه بنفسه كما سيأتي، وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه. قوله: "وقالت
عائشة وأبو سعيد وابن عباس: كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في
الغار" أي لما خرجا من مكة إلى المدينة، حديث عائشة سيأتي مطولا في"باب
الهجرة إلى المدينة" وفيه: "ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر بغار في جبل ثور" الحديث. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان من طريق أبي
عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عنه في قصة بعث أبي بكر إلى الحج، وفيه: "فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت أخي وصاحبي في الغار" الحديث.
وحديث ابن عباس في تفسير براءة في قصة ابن عباس مع ابن الزبير، وفيها قول ابن
عباس"وأما جده فصاحب الغار" يريد أبا بكر، ولابن عباس حديث آخر لعله أمس
بالمراد، أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال: "كان المشركون
يرمون عليا وهم يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فقال: يا رسول
الله، فقال له علي: إنه انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال فانطلق أبو بكر فدخل معه
الغار" الحديث. وأصله في الترمذي والنسائي دون المقصود منه هنا. وروى الحاكم
من طريق سعيد بن جبير عن ابن
(7/9)
عباس في قوله تعالى {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} قال: "على أبي بكر "وروى عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند" من وجه آخر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار " الحديث" ورجاله ثقات. قوله: "حدثنا عبد الله بن رجاء" هو الغداني بضم المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون بصري ثقة، وكذا بقية رجال الإسناد. قوله: "فقال عازب: لا حتى تحدثنا" كذا وقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق، وقد تقدم في"علامات النبوة" من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ: "فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملته معه وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدثني" وظاهرهما التخالف، فإن مقتضى رواية إسرائيل أن عازبا امتنع من إرسال ولده مع أبي بكر حتى يحدثهم، ومقتضى رواية زهير أنه لم يعلق التحديث على شرط، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن عازبا اشترط أولا وأجابه أبو بكر إلى سؤاله، فلما شرعوا في التوجه استنجز عازب منه ما وعده به من التحديث ففعل، قال الخطابي: تمسك بهذا الحديث من استجاز أخذ الأجرة على التحديث؛ وهو تمسك باطل، لأن هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة، وأما الذي وقع بين عازب وأبي بكر فإنما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار بأن أتباعهم يحملون السلعة مع المشتري سواء أعطاهم أجرة أم لا، كذا قال، ولا ريب أن في الاستدلال للجواز بذلك بعدا، لتوقفه على أن عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث، والله أعلم. قوله: "فإذا أنا براع" لم أقف على تسميته ولا على تسمية صاحب الغنم، إلا أنه جاء في حديث عبد الله بن مسعود شيء تمسك به من زعم أنه الراعي، وذلك فيما أخرجه أحمد وابن حبان من طريق عاصم، عن زر عن ابن مسعود قال: "كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال: يا غلام هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن" الحديث وهذا لا يصلح أن يفسر به الراعي في حديث البراء لأن ذاك قيل له: "هل أنت حالب؟ فقال: نعم" وهذا أشار بأنه غير حالب، وذاك حلب من شاة حافل وهذا من شاة لم تطرق ولم تحمل، ثم إن في بقية هذا الحديث ما يدل على أن قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه: "ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول" فإن هذا يشعر بأنها كانت قبل إسلام ابن مسعود، وإسلام ابن مسعود كان قديما قبل الهجرة بزمان، فبطل أن يكون هو صاحب القصة في الهجرة، والله أعلم. قوله: "فشرب حتى رضيت" وقع في رواية أوس عن خديج عن أبي إسحاق"قال أبو إسحاق فتكلم بكلمة والله ما سمعتها من غيره: "كأنه يعني قوله: "حتى رضيت" فإنها مشعرة بأنه أمعن في الشرب، وعادته المألوفة كانت عدم الإمعان. قوله: "قد آن الرحيل يا رسول الله" أي دخل وقته، وتقدم في علامات النبوة"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألم يأن للرحيل؟ قلت: بلى" فيجمع بينهما بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بدأ فسأل، فقال له أبو بكر بلى، ثم أعاد عليه بقوله: "قد آن الرحيل" قال المهلب بن أبي صفرة: إنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة، ولا يعارضه حديثه"لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" لأن ذلك وقع في زمن التشاح، أو الثاني محمول على التسور والاختلاس والأول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب؟ فقال: نعم، كأنه سأله هل أذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك؟ فقال: نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والإذن في الحلب على المار ولابن السبيل، فكان كل راع مأذونا له في ذلك. وقال الداودي: إنما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج، ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم: "وأبعد من قال: إنما استجازه لأنه مال العربي، لأن
(7/10)
القتال لم يكن فرض بعد ولا أبيحت الغنائم. وقد تقدم شيء من هذه المباحث في هذه المسألة في آخر اللقطة، وفيها الكلام على إباحة ذلك للمسافر مطلقا. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه، وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه معه وإيثاره له على نفسه، وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب، وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل، وستأتي قصة سراقة في الهجرة مستوفاة إن شاء الله تعالى، وأوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم "تنبيه": أورد الإسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فيه فزاد في آخره: "ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى أتينا المدينة ليلا، فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه" فذكر القصة مطولة، وسأذكر ما فيها من الفوائد في"باب الهجرة" إن شاء الله تعالى. قوله: "تريحون بالعشي، تسرحون بالغداة" هو تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وهو تفسير أبي عبيدة في"المجاز" وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده، والصواب أن يثبت في حديث عائشة في قصة الهجرة فإن فيه: "ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما" فهذا هو محل شرح هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر، والله تعالى أعلم. قوله: "عن ثابت" في رواية حبان بن هلال في التفسير عن همام"حدثنا ثابت". قوله: "عن أنس عن أبي بكر" في رواية حبان المذكورة"حدثنا أنس حدثني أبو بكر". قوله: "قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار"زاد في رواية حبان المذكورة" فرأيت آثار المشركين" وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة"فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم". قوله: "لو أن أحدهم نظر تحت قدميه" فيه مجيء"لو" الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجيء الفعل المضارع بعدها كقوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ، وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار، وعلى القول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم. قوله: "لو أن أحدهم نظر تحت قدميه" في رواية موسى"لو أن بعضهم طأطأ بصره" وفي رواية حبان: "رفع قدميه" ووقع مثله في حديث حبشي بن جنادة أخرجه ابن عساكر، وهي مشكلة فإن ظاهرها أن باب الغار استتر بأقدامهم، وليس كذلك إلا أن يحمل على أن المراد أنه استتر بثيابهم، وقد أخرجه مسلم من رواية حبان المذكورة بلفظ: "لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه" وكذا أخرجه أحمد عن عفان عن همام، ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال: "وأتى المشركون على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع أبو بكر أصواتهم فأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا" ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه السكينة، وفي ذلك يقول الله عز وجل: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} الآية وهذا يقوي أنه قال ما في حديث الباب حينئذ، ولذلك أجابه بقوله: {لا تَحْزَنْ} . قوله: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما" في رواية موسى "فقال اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما" وقوله اثنان خبر مبتدأ محذوف تقديره نحن اثنان، ومعنى ثالثهما ناصرهما ومعينهما، وإلا فالله ثالث كل اثنين بعلمه، وستأتي الإشارة إلى ذلك في تفسير براءة. وفي الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر، وفيه أن باب الغار كان منخفضا إلا أنه كان ضيقا، فقد جاء في"السير للواقدي" أن رجلا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر"قد رآنا يا رسول الله. قال: "لو رآنا لم يكشف عن فرجه" وسيأتي مزيد لذلك في قصة الهجرة إن شاء الله تعالى. "تنبيه": اشتهر أن حديث الباب تفرد به همام
(7/11)
عن ثابت، وممن صرح بذلك الترمذي والبزار، وقد أخرجه ابن شاهين في"الأفراد" من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بمتابعة همام، وقد قدمت له شاهدا من حديث حبشي بن جنادة، ووجدت له آخر عن ابن عباس أخرجه الحاكم في "الإكليل "
(7/12)
باب سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر
...
3-باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سدوا الأبواب، إلا باب أبي بكر" ،
قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم"
3654- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَقَالَ "إِنَّ
اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ
ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ" قَالَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ
فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا فَقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ
وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي
لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ لاَ
يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ"
قوله باب "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سدوا لأبواب ،أبي بكر"،
قال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المصنف في الصلاة بلفظ: "سدوا
عني كل خوخة" فكأنه ذكره بالمعنى. الحديث: "حدثنا أبو عامر" هو
العقدي و "فليح" هو ابن سليمان، وهو ومن فوقه مدنيون. قوله: "عن
عبيد بن حنين(1)" تقدم بيان الاختلاف في إسناده في"باب الخوخة في المسجد"
في أوائل الصلاة. قوله: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم"في رواية
مالك عن أبي النضر الآتية في الهجرة إلى المدينة" جلس على المنبر فقال:
"وفي حديث ابن عباس الماضي تلو حديث أبي سعيد في "باب الخوخة" من
أوائل الصلاة"في مرضه الذي مات فيه:"ولمسلم من حديث جندب"سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس ليال" وفي حديث أبي بن كعب
الذي سأنبه عليه قريبا"إن أحدث عهدي بنبيكم قبل وفاته بثلاث" فذكر
الحديث في خطبة أبي بكر، وهو طرف من هذا، وكأن أبا بكر رضي الله عنه فهم الرمز
الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم من قرينة ذكره ذلك في مرض موته، فاستشعر
منه أنه أراد نفسه فلذلك بكى. قوله: "بين الدنيا وبين ما عنده" في رواية
مالك المذكورة"بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده". قوله:
"فعجبنا لبكائه" وقع في رواية محمد بن سنان في"باب الخوخة"
المذكورة"فقلت في نفسي" وفي رواية مالك"فقال الناس انظروا إلى هذا
الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد، وهو يقول فديناك" ويجمع بأن
أبا سعيد حدث نفسه بذلك فوافق تحديث غيره بذلك فنقل جميع ذلك. قوله: "وكان
أبو بكر أعلمنا" في رواية مالك"وكان أبو بكر هو أعلمنا به" أي
بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالمراد من الكلام المذكور، زاد في رواية محمد بن
سنان"فقال: يا أبا بكر لا تبك". قوله: "إن أمن الناس علي في صحبته
وماله أبو بكر" في رواية مالك كذلك. وفي رواية محمد بن سنان"إن من أمن
الناس علي" بزيادة من. وقال فيها"أبا بكر" بالنصب للأكثر،
ولبعضهم"أبو بكر" بالرفع، وقد قيل إن الرفع خطأ
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: كذا في النسخ التي بأيدينا وهو غير مذكور في سند الصحيح
بأيدينا
(7/12)
والصواب النصب لأنه اسم إن، ووجه الرفع بتقدير ضمير الشأن أي إنه، والجار والمجرور بعده خبر مقدم وأبو بكر مبتدأ مؤخر، أو على أن مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الأداة أو"إن" بمعنى نعم أو إن"من"زائدة على رأي الكسائي،وقال ابن بري: يجوز الرفع إذا جعلت من صفة لشيء محذوف تقديره إن رجلا أو إنسانا من أمن الناس فيكون اسم إن محذوفا والجار والمجرور في موضع الصفة، وقوله: "أبو بكر" الخبر، وقوله: "أمن" أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل، بمعنى إن أبذل الناس لنفسه وماله، لا من المنة التي تفسد الصنيعة، وقد تقدم تقرير ذلك في"باب الخوخة" وأغرب الداودي فشرحه على أنه من المنة وقال: تقديره لو كان يتوجه لأحد الامتنان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتوجه له، والأول أولى. وقوله: "أمن الناس" في رواية الباب ما يوافق حديث ابن عباس بلفظ: "ليس أحد من الناس أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر" وأما الرواية التي فيها"من" فإن قلنا زائدة فلا تخالف، وإلا فتحمل على أن المراد أن لغيره مشاركة ما في الأفضلية إلا أنه مقدم في ذلك بدليل ما تقدم من السياق وما تأخر، ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ: "ما لأحد له عندنا يد إلا كافأناه عليها؛ ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة" فإن ذلك يدل على ثبوت يد لغيره، إلا أن لأبي بكر رجحانا. فالحاصل أنه حيث أطلق أراد أنه أرجحهم في ذلك، وحيث لم يطلق أراد الإشارة إلى من شاركه في شيء من ذلك، ووقع بيان ذلك في حديث آخر لابن عباس رفعه نحو حديث الترمذي وزاد: "منة أعتق بلالا ومنة هاجر بنبيه" أخرجه الطبراني، وعنه في طريق أخرى"ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر: واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته" أخرجه الطبراني، وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه: "إن أعظم الناس علينا منا أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه. وإن خير المسلمين مالا أبو بكر، أعتق منه بلالا، وحملني إلى دار الهجرة" أخرجه ابن عساكر، وأخرج من رواية ابن حبان التيمي عن أبيه عن علي نحوه، وجاء عن عائشة مقدار المال الذي أنفقه أبو بكر، فروى ابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: "أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم" وروى الزبير بن بكار عن عروة عن عائشة"أنه لما مات ما ترك دينارا ولا درهما". قوله: "لو كنت متخذا خليلا" يأتي الكلام عليه بعد باب، قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: "أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز للواحد منهم أن يقول أنا خليل النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا يقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليل إبراهيم. قلت: ولا يخفى ما فيه. قوله: "ولكن أخوة الإسلام ومودته" أي حاصلة، ووقع في حديث ابن عباس الآتي بعد باب"أفضل" وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء بلفظ: "ولكن أخوة الإيمان والإسلام أفضل" وأخرجه أبو يعلى من طريق يعلى بن حكيم عن عكرمة بلفظ: "ولكن خلة الإسلام أفضل" وفيه إشكال، فإن الخلة أفضل من أخوة الإسلام لأنها تستلزم ذلك وزيادة، فقيل المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم يفضل من مودته مع غيره، وقيل: أفضل بمعنى فاضل، ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لأن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك، وأخوة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب، ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره، والله أعلم. ووقع في بعض الروايات"ولكن خوة الإسلام" بغير ألف فقال ابن بطال: لا أعرف معنى هذه الكلمة ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب، وقد وجدت في بعض الروايات
(7/13)
"ولكن خلة الإسلام" وهو الصواب: وقال ابن التين: لعل الألف سقطت من الرواية فإنها ثابتة في سائر الروايات، ووجه ابن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة إلى النون فحذف الألف، وجوز مع حذفها ضم نون لكن وسكونها، قال: ولا يجوز مع إثبات الهمزة إلا سكون النون فقط. وفي قوله: "ولو كنت متخذا خليلا إلخ" منقبة عظيمة لأبي بكر لم يشاركه فيها أحد. ونقل ابن التين عن بعضهم أن معنى قوله: "ولو كنت متخذا خليلا" لو كنت أخص أحدا بشيء من أمر الدين لخصصت أبا بكر، قال: وفيه دلالة على كذب الشيعة في دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خص عليا بأشياء من القرآن وأمور الدين لم يخص بها غيره. قلت: والاستدلال بذلك متوقف على صحة التأويل المذكور وما بعدها. قوله: "لا يبقين" بفتح أوله وبنون التأكيد، وفي إضافة النهي إلى الباب تجوز لأن عدم بقائه لازم للنهي عن إبقائه، فكأنه قال: لا تبقوه حتى لا يبقى. وقد رواه بعضهم بضم أوله وهو واضح. قوله: "إلا سد" بضم المهملة. وفي رواية مالك "خوخة" بدل "باب" والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ولا يشترط علوها، وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب، وهو المقصود هنا، ولهذا أطلق عليها باب، وقيل: لا يطلق عليها باب إلا إذا كانت تغلق. قوله: "إلا باب أبي بكر" هو استثناء مفرغ، والمعنى لا تبقوا بابا غير مسدود إلا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد، قال الخطابي وابن بطال وغيرهما: في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر، وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة، ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر. وقد ادعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة والأمر بالسد كناية عن طلبها كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها، وإلى هذا جنح ابن حبان فقال بعد أن أخرج هذا الحديث: في هذا دليل على أنه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه حسم بقوله: "سدوا عني كل خوخة في المسجد" أطماع الناس كلهم عن أن يكونوا خلفاء بعده. وقوى بعضهم ذلك بأن منزلا أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة كما سيأتي قريبا بعد باب فلا يكون له خوخة إلى المسجد، وهذا الإسناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار، وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق وأم رومان على القول بأنها كانت باقية يومئذ. وقد تعقب المحب الطبري كلام ابن حبان فقال: وقد ذكر عمر بن شبة في"أخبار المدينة" أن دار أبي بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم فلم تزل بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد فامتنعت وقالت: كيف بطريقي إلى المسجد؟ فقيل لها نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها، فسلمت ورضيت. قوله: "إلا باب أبي بكر" زاد الطبراني من حديث معاوية في آخر هذا الحديث بمعناه"فإني رأيت عليه نورا". "تنبيه": جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، منها حديث سعد بن أبي وقاص قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي" أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي. وفي رواية للطبراني في "الأوسط" رجالها ثقات من الزيادة "فقالوا يا رسول الله سددت أبوابنا، فقال: "ما أنا سددتها ولكن الله سدها" وعن زيد بن أرقم قال: "كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سدوا هذه الأبواب إلا باب علي" ،
(7/14)
فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته" أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات، وعن ابن عباس قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي"وفي رواية: "وأمر بسد الأبواب غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره: "أخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات. وعن جابر بن سمرة قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي، فربما مر فيه وهو جنب" أخرجه الطبراني. وعن ابن عمر قال: "كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر، ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر" أخرجه أحمد وإسناده حسن. وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال: "فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان - فذكر الحديث وفيه - وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه" ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر انتهى، وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك" والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في"أحكام القرآن" من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد" ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثني علي لما ذكره، وفي الأخرى استثني أبو بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار، وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في"معاني الأخبار" وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد، وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد، والله أعلم. وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق وأنه كان متأهلا لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلا لولا المانع المتقدم ذكره، ويؤخذ منه أن للخليل صفه خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها، وأن المساجد تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة مهمة، والإشارة بالعلم الخاص دون التصريح لإثارة أفهام
(7/15)
السامعين وتفاوت العلماء في الفهم وأن من كان أرفع في الفهم استحق أن يطلق عليه أعلم، وفيه الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا، وقيه شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه. وقال ابن بطال: فيه أن المرشح للإمامة يخص بكرامة تدل عليه كما وقع في حق الصديق في هذه القصة.
(7/16)
4 - باب فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3655- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
[الحديث: 3655- طرفه في: 3697]
قوله: "باب فضل أبي بكر - بعد النبي صلى الله عليه وسلم" أي في رتبة
الفضل، وليس المراد البعدية الزمانية فإن فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته صلى الله
عليه وسلم كما دل عليه حديث الباب. الحديث: قوله: "حدثنا سليمان" هو ابن
بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والإسناد كله مدنيون. قوله: "كنا نخير بين
الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي نقول: فلان خير من فلان إلخ.
وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان"كنا لا نعدل بأبي
بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل
بينهم" وقوله: "لا نعدل بأبي بكر" أي لا نجعل له مثلا، وقوله:
"ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الكلام فيه ولأبي داود من
طريق سالم عن ابن عمر"كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة
النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان" زاد الطبراني في
رواية: "فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره" وروى خيثمة
بن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر كنا
نقول: "إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس، فيسمع النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك فلا ينكره" وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي أويس عن سليمان
بن بلال في حديث الباب دون آخره. وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر، كما هو
المشهور عند جمهور أهل السنة، وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان، وممن قال
به سفيان الثوري ويقال إنه رجع عنه. وقال به ابن خزيمة، وطائفة قبله وبعده، وقيل
لا يفضل أحدهما على الآخر قاله مالك في"المدونة" وتبعه جماعة منهم يحيى
القطان، ومن المتأخرين ابن حزم، وحديث الباب حجة للجمهور، وقد طعن فيه ابن عبد
البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال: سمعت ابن معين يقول: من قال أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته وفضله فهو صاحب سنة، قال فذكرت له من يقول
أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ، وتعقب بأن ابن معين أنكر رأي
قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا، ولا شك في أن من اقتصر
على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم، وادعى ابن عبد البر أيضا أن
هذا الحديث خلاف قول أهل السنة إن عليا أفضل الناس بعد الثلاثة، فإنهم أجمعوا على
أن عليا أفضل الخلق بعد الثلاثة، ودل هذا الإجماع على أن حديث ابن عمر غلط وإن كان
السند إليه صحيحا، وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله
على الدوام، وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج
حديثه عن أن يكون غلطا، والذي أظن أن ابن عبد البر إنما أنكر الزيادة التي
(7/16)
وقعت في رواية عبيد الله بن عمر وهي قول ابن عمر"ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ" لكن لم ينفرد بها نافع فقد تابعه ابن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر"كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، ثم ندع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم" ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه والله أعلم. وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره كما تقدم في حديثه الذي أوردته في الباب الذي قبله، وقد جاء في بعض الطرق في حديث ابن عمر تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة، وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال: "إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان، يعني في الخلافة" كذا في أصل الحديث. ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر"كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكون أولى الناس بهذا الأمر؟ فنقول: أبو بكر ثم عمر". وذهب قوم إلى أن أفضل الصحابة من استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعين بعضهم منهم جعفر بن أبي طالب. ومنهم من ذهب إلى العباس وهو قول مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة بل ولا من أهل الإيمان، ومنهم من قال: أفضلهم مطلقا عمر متمسكا بالحديث الآتي في ترجمته في المنام الذي فيه في حق أبي بكر"وفي نزعه ضعف" وهو تمسك واه. ونقل البيهقي في"الاعتقاد" بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال: أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
(7/17)
باب لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا
...
5- باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا خَلِيلًا" قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ
3656-حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي
وَصَاحِبِي"
3657-حدثنا معلي بن أسد وموسى بن إسماعيل التبوذكى قالا حدثنا وهيب عن أيوب وقال
"لو كنت متخذاَ خليلاً لاتخخذته خليلا،ولكن أخوة الاسلام أفضل"
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب عن أيوب مثله
3658- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ
خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُهُ أَنْزَلَهُ أَبًا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ"
3659-حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالاَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ
جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْر"
[الحديث 3659-طرفاه في:7220،7360]
(7/17)
3660- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ
أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ"
[الحديث 3660- طرفاه في: 3857]
3661- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِذِ
اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ
أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ،
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ"
فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ
فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى
عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ "يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا
بَكْرٍ" ثَلاَثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ
فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا لاَ فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ
"مَرَّتَيْنِ" فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ
بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ
وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي"
مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا"
[الحديث3661-طرفه في:4640 ]
3662- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
الْمُخْتَارِ قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ فَقُلْتُ
مِنْ الرِّجَالِ فَقَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَعَدَّ رِجَالًا
[الحديث 3662-طرفة في:4358]
3663- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ
أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ
الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ
الذِّئْبُ فَقَالَ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي
وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَالْتَفَتَتْ
إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي
خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ" قَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا"
3664- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
(7/18)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي
عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي
نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا
فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَنْزِعُ
نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ"
[الحديث 3664- أطرافه في: 7021، 7022، 7475]
3665-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي
يَسْتَرْخِي إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ
فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ
خُيَلاَءَ" قَالَ مُوسَى فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ
جَرَّ إِزَارَهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلاَّ ثَوْبَهُ"
[الحديث3665- أطرافه في: 5783، 5784، 5791، 6062، ]
3666-حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ
أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ يَعْنِي الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ
دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ
بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا عَلَى هَذَا
الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ وَقَالَ هَلْ يُدْعَى
مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ
تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ"
3667- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
بِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو
بَكْرٍ بِالسُّنْحِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ فَقَامَ عُمَرُ
يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلاَّ ذَاكَ
وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ثُمَّ
خَرَجَ فَقَالَ أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو
بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ "
3668-"فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلاَ مَنْ
كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا
قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ
وَقَالَ[30الزمر]: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} .وقال[144 آل
(7/19)
عمران] {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ قَالَ وَاجْتَمَعَتْ
الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا
مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ
فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ
بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ
لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ
النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ
فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ
وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَ وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ
الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا
فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ
نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ
وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ
عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ"
3669-وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ" شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ :فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى (ثَلاَثًا) وَقَصَّ الْحَدِيثَ
قَالَتْ فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللَّهُ
بِهَا لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمْ
اللَّهُ بِذَلِكَ"
3670-" ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمْ
الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} "
3671-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ
بْنُ أَبِي رَاشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ
قَالَ "قُلْتُ لِأَبِي أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟قَالَ: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ
عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ:مَا أَنَا
إِلاَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ"
3672-حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا
قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ
انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ
وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا أَلاَ تَرَى مَا
صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ
رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ
مَاءٌ قَالَتْ فَعَاتَبَنِي وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ
يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلاَ
(7/20)
يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا} [43النساء]، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ
الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ
عَائِشَةُ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ
تَحْتَهُ"
3673-حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ
قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسُبُّوا
أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ
مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ" تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنْ الأَعْمَشِ
3674-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ
تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ :لاَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا قَالَ
فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ
عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ- وَبَابُهَا
مِنْ جَرِيدٍ- حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ
أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَهُمَا فِي الْبِئْرِ
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ
لاَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْيَوْمَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ:أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّة"ِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ
ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ
بِالْجَنَّةِ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي
الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَشَفَ
عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ
وَيَلْحَقُنِي فَقُلْتُ إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يُرِيدُ- أَخَاهُ
يَأْتِ بِهِ فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ:
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ هَذَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ" فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى
رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ إِنْ يُرِدْ اللَّهُ
بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ فَقُلْتُ:
مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ فَجِئْتُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ
"ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"
فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ فَدَخَلَ فَوَجَدَ
الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ فَجَلَسَ وِجَاهَهُ مِنْ الشَّقِّ الْآخَرِ قَالَ شَرِيكُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
(7/21)
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ"
[الحديث 3674- أطرافه في: 3693، 3695، 6216، 7097، 7262، ]
3675-حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه
حدثهم "أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم
فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"
[الحديث3675، طرفاه في:3686، 3699، ]
3676-حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ
وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ
مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ
عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ
بِعَطَنٍ" قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ يَقُولُ: حَتَّى
رَوِيَتْ الإِبِلُ، فَأَنَاخَتْ "
3677-حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنِّي
لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوْا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ وُضِعَ
عَلَى سَرِيرِهِ إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى
مَنْكِبِي يَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتُ لاَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ
مَعَ صَاحِبَيْكَ لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"
فَإِنْ كُنْتُ لاَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا
هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ"
[الحديث 3677-طرفه في: 3685]
3678-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ
الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ
أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي
عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ
عَنْهُ فَقَالَ {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ
جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر28]
[الحديث 3678-طرفاه في: 3856، 4815]
(7/22)
قوله( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا قاله أبو سعيد يشير الى حديثه السابق قبل بباب ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الأول حديث أبي سعيد المذكور الحديث الثاني حديث ابن عباس أخرجه من طرق ثلاثة: الأولى: قوله: "لو كنت متخذا خليلا" زاد في حديث أبي سعيد "غير ربي" وفي حديث ابن مسعود عند مسلم: "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا" . وقد تواردت هذه الأحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس، وأما ما روي عن أبي بن كعب قال: "إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس، دخلت عليه وهو يقول: "إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلا، وإن خليلي أبو بكر. ألا وإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا" أخرجه أبو الحسن الحربي في فوائده، وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند مسلم كما قدمته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" فإن ثبت حديث أبي أمكن أن يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعا لربه وإعظاما له أذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى من تشوفه إليه وإكراما لأبي بكر بذلك، فلا يتنافى الخبران، أشار إلى ذلك المحب الطبري. وقد روى من حديث أبي أمامة نحو حديث أبي بن كعب دون التقييد بالخمس، أخرجه الواحدي في تفسيره، والخبران واهيان، والله أعلم. قوله: "ولكن أخي وصاحبي" في رواية خيثمة في"فضائل الصحابة" عن أحمد بن الأسود عن مسلم بن إبراهيم وهو شيخ البخاري فيه: "ولكنه أخي وصاحبي في الله تعالى" وفي الرواية التي بعدها " ولكن أخوة الإسلام أفضل" وقد تقدم توجيهها قبل باب. وقوله: في الرواية الثانية"حدثنا معلى بن أسد وموسى بن إسماعيل التبوذكي" كذا للأكثر وهو الصواب، ووقع في رواية أبي ذر وحده"التنوخي" وهو تصحيف، وقد تقدم تفسير الخليل في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء، واختلف في المودة والخلة والمحبة والصداقة هي مترادفة أو مختلفة، قال أهل اللغة: الخلة أرفع رتبة، وهو الذي يشعر به حديث الباب، وكذا قوله عليه السلام "لو كنت متخذا خليلا غير ربي" فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة وعائشة والحسنين وغيرهم، ولا يعكر على هذا اتصاف إبراهيم عليه السلام بالخلة ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة فتكون المحبة أرفع رتبة من الخلة، لأنه يجاب عن ذلك بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد ثبت له الأمران معا فيكون رجحانه من الجهتين، والله أعلم. وقال الزمخشري: الخليل هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك، أو الذي يسد خللك وتسد خلله، أو يداخلك خلال منزلك انتهى. وكأنه جوز أن يكون اشتقاقه مما ذكر. وقيل: أصل الخلة انقطاع الخليل إلى خليله، وقيل: الخليل من يتخلله سرك، وقيل: من لا يسع قلبه غيرك، وقيل: أصل الخلة الاستصفاء، وقيل: المختص بالمودة، وقيل: اشتقاق الخليل من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة، فعلى هذا فهو المحتاج إلى من يخاله، وهذا كله بالنسبة إلى الإنسان، أما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته. الحديث: حديث ابن الزبير في المعنى، وسيأتي الكلام على ما يتعلق منه بالجد في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى. والمراد بقوله: "كتب أهل الكوفة" بعض أهلها وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة، أخرجه أحمد من طريق سعيد بن جبير قال: "كنت عند عبد الله بن عتبة، وكان ابن الزبير جعله على القضاء فجاءه كتابه: كتبت تسألني عن الجد" فذكره نحوه وزاد بعد قوله: "لاتخذت أبا بكر: ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار" ووقع في رواية أحمد من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة في هذا
(7/23)
الحديث: "لو كنت متخذا خليلا سوى الله حتى ألقاه." الحديث الرابع: حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. قوله: "أتت امرأة" لم أقف على اسمها. قوله: "أرأيت" أي أخبرني. قوله: "إن جئت ولم أجدك، كأنها تقول الموت" في رواية يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عند البلاذري "قالت فإن رجعت فلم أجدك، تعرض بالموت"، وكذا عند الإسماعيلي من طريق ابن معمر عن إبراهيم، وهو يقوي جزم القاضي عياض أنه كلام جيد. وفي رواية الحميدي الآتي ذكرها في الأحكام "كأنها تعني الموت" ومرادها إن جئت فوجدتك قد مت ماذا أعمل؟ واختلف في تعيين قائل "كأنها" فجزم عياض بأنه جبير بن مطعم راوي الحديث وهو الظاهر، ويحتمل من دونه. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: "قلنا يا رسول الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال: "إلى أبي بكر الصديق" وهو لو ثبت كان أصرح في حديث الباب من الإشارة إلى أنه الخليفة بعده، لكن إسناده ضعيف. وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال: "بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فسأله إن أتى عليه أجله من يقضيه؟ فقال: أبو بكر. ثم سأله من يقضيه بعده؟ قال: عمر" الحديث. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" من هذا الوجه مختصرا. وفي الحديث أن مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها. وفيه رد على الشيعة في زعمهم أنه نص على استخلاف علي والعباس، وسيأتي شيء من ذلك في "باب الاستخلاف" من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. الحديث: قوله: "حدثنا أحمد بن أبي الطيب" هو المروزي، بغدادي الأصل يكنى أبا سليمان واسم أبيه سليمان، وصفه أبو زرعة بالحفظ، وضعفه أبو حاتم؛ وليس له في البخاري غير هذا الحديث. وقد أخرجه من رواية غيره كما سيأتي في "باب إسلام أبي بكر". قوله: "حدثنا إسماعيل بن مجالد" بالجيم هو الكوفي، قواه يحيى بن معين وجماعة، ولينه بعضهم، وليس له عند البخاري أيضا غير هذا الحديث. ووبرة بفتح الواو والموحدة تابعي صغير. قوله: "عن همام" هو ابن الحارث، وعند الإسماعيلي من طريق جهور بن منصور عن إسماعيل "سمعت همام بن الحارث" وهو من كبار التابعين، وعمار هو ابن ياسر، والإسناد من إسماعيل فصاعدا كوفيون. قوله: "وما معه" أي ممن أسلم. قوله: "إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر" أما الأعبد فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فإنه أسلم قديما مع أبي بكر، وروى الطبراني من طريق عروة أنه كان ممن كان يعذب في الله فاشتراه أبو بكر وأعتقه، وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف ذكر ابن إسحاق أنه أسلم حين أسلم بلال فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه. وأما الخامس فيحتمل أن يفسر بشقران، فقد ذكر ابن السكن في "كتاب الصحابة" عن عبد الله بن داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ورثه من أبيه هو وأم أيمن، وذكر بعض شيوخنا بدل أبي فكيهة عمار بن ياسر وهو محتمل، وكان ينبغي أن يكون منهم أبوه فإن الثلاثة كانوا ممن يعذب في الله وأمه أول من استشهدت في الإسلام طعنها أبو جهل في قلبها بحربة فماتت، وأما المرأتان فخديجة والأخرى أم أيمن أو سمية، وذكر بعض شيوخنا تبعا للدمياطي أنها أم الفضل زوج العباس، وليس بواضح لأنها وإن كانت قديمة الإسلام إلا أنها لم تذكر في السابقين، ولو كان كما قال لعد أبو رافع مولى العباس لأنه أسلم حين أسلمت أم الفضل. كذا عند ابن إسحاق. وفي هذا الحديث أن أبا بكر أول من أسلم من الأحرار مطلقا، ولكن مراد عمار بذلك ممن أظهر إسلامه، وإلا فقد كان حينئذ جماعة ممن أسلم لكنهم كانوا يخفونه من أقاربهم، وسيأتي قول سعد إنه كان ثلث الإسلام، وذلك بالنسبة إلى من اطلع على إسلامه ممن سبق إسلامه. قوله: "حدثنا زيد بن واقد"
(7/24)
هو الدمشقي، ثقة قليل الحديث، وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد، وكلهم دمشقيون، وبسر بضم الموحدة وبالمهملة. قوله: "عن بسر بن عبيد الله" في رواية عبد الله بن العلاء بن زيد عند المصنف في التفسير "حدثني بسر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس سألت أبا الدرداء". قوله: "أما صاحبكم" في رواية الكشميهني: "أما صاحبك" بالإفراد. قوله: "فقد غامر" بالغين المعجمة أي خاصم، والمعنى دخل في غمرة الخصومة، والغامر الذي يرمي بنفسه في الأمر العظيم كالحرب وغيره. وقيل هو من الغمر بكسر المعجمة وهو الحقد، أي صنع أمرا اقتضى له أن يحقد على من صنعه معه ويحقد الآخر عليه، ووقع في تفسير الأعراف في رواية أبي ذر وحده "قال أبو عبد الله هو المصنف: غامر أي سبق أي سبق بالخير" وذكر عياض أنه في رواية المستملي وحده عن أبي ذر، وهو تفسير مستغرب والأول أظهر، وقد عزاه المحب الطبري لأبي عبيدة بن المثنى أيضا، فهو سلف البخاري فيه، وقسيم قوله: "أما صاحبكم" محذوف أي وأما غيره فلا. قوله: "فسلم" بتشديد اللام من السلام، ووقع في رواية محمد بن المبارك عن صدقة بن خالد عند أبي نعيم في الحلية "حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في الحديث ذكر الرد وهو مما يحذف للعلم به. قوله: "كان بيني وبين ابن الخطاب شيء" في الرواية التي في التفسير "محاورة" وهو بالحاء المهملة أي مراجعة، وفي حديث أبي أمامة عند أبي يعلى "معاتبة" وفي لفظ: "مقاولة". قوله: "فأسرعت إليه" في التفسير "فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فاتبعه أبو بكر". قوله: "ثم ندمت" زاد محمد بن المبارك "على ما كان". قوله: "فسألته أن يغفر لي" في الرواية التي في التفسير "أن يستغفر لي فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه". قوله: "فأبى علي" زاد محمد بن المبارك "فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره" وللإسماعيلي عن الهسنجاني عن هشام بن عمار "وتحرز مني بداره" وفي حديث أبي أمامة "فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه". قوله: "يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا" أي أعاد هذه الكلمة ثلاث مرات. قوله: "يتمعر" بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب، وأصله من العر وهو الجرب يقال أمعر المكان إذا أجرب، وفي بعض النسخ "يتمغر" بالغين المعجمة أي يحمر من الغضب فصار كالذي صبغ بالمغرة، وللمؤلف في التفسير "وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي حديث أبي أمامة عند أبي يعلى في نحو هذه القصة" فجلس عمر فأعرض عنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ثم تحول فجلس إلى الجانب الآخر فأعرض عنه، ثم قام فجلس بين يديه فأعرض عنه، فقال: يا رسول الله ما أرى إعراضك إلا لشيء بلغك عني، فما خير حياتي وأنت معرض عني؟ فقال: أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر فلم تقبل منه، ووقع في حديث ابن عمر عند الطبراني في نحو هذه القصة "يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل" فقال: والذي بعثك بالحق ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، وما خلق الله من أحد أحب إلي منه بعدك. فقال أبو بكر: وأنا والذي بعثك بالحق كذلك. قوله: "حتى أشفق أبو بكر" زاد محمد بن المبارك "أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ما يكره". قوله: "فجثا" بالجيم والمثلثة أي برك. قوله: "والله أنا كنت أظلم" في القصة المذكورة "وإنما قال ذلك لأنه الذي بدأ" كما تقدم في أول القصة. قوله: "مرتين" أي قال ذلك القول مرتين، ويحتمل أنه من قول أبي بكر فيكون معلقا بقوله: "كنت أظلم". قوله: "وواساني" في رواية الكشميهني وحده "واساني" والأول أوجه، وهو من المواساة وهي بلفظ المفاعلة من الجانبين، والمراد به أن صاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء. قوله: "تاركو ليصاحبي" في التفسير "تاركون لي صاحبي" وهي الموجهة حتى قال أبوالبقاء: إن حذف النون من خطأ الرواة، لأن الكلمة
(7/25)
ليست مضافة ولا فيها ألف ولام، وإنما يجوز الحذف في هذين الموضعين. ووجهها غيره بوجهين: أحدهما: أن يكون "صاحبي" مضافا وفصل بين المضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيما للصديق، ونظيره قراءة ابن عامر "وكذلك زين للكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم" بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل بين المضافين بالمفعول، والثاني أن يكون استطال الكلام فحذف النون كما يحذف من الموصول المطول، ومنه ما ذكروه في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} . قوله: "مرتين" أي قال ذلك القول مرتين. وفي رواية محمد بن المبارك "ثلاث مرات". قوله: "فما أوذي بعدها" أي لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه، ولم أر هذه الزيادة من غير رواية هشام بن عمار، ووقع لأبي بكر مع ربيعة بن جعفر قصة نحو هذه: فأخرج أحمد من حديث ربيعة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أرضا وأعطى أبا بكر أرضا، قال: فاختلفا في عذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدي. وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيننا كلام، فقال له أبو بكر كلمة ثم ندم فقال: رد على مثلها حتى يكون قصاصا، فأبيت. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك وللصديق - فذكر القصة - فقال: أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، فقلت. فولى أبو بكر وهو يبكي". وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة، وأن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه، وفيه جواز مدح المرء في وجهه، ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار. وفيه ما طبع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} وفيه أن غير النبي ولو بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم. وفيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم، وفيه أن من غضب على صاحبه نسبه إلى أبيه أو جده ولم يسمه باسمه وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر "كان بيني وبين ابن الخطاب" فلم يذكره باسمه، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا إن كان ابن أبي طالب يريد أن ينكح ابنتهم"، وفيه أن الركبة ليست عورة. الحديث: قوله: "خالد الحذاء حدثنا" هو من تقديم الاسم على الصفة وقد استعملوه كثيرا، والإسناد كله بصريون إلا الصحابي، وأبو عثمان هو النهدي. قوله: "بعثه على جيش ذات السلاسل" بالمهملتين والمشهور أنها بفتح الأولى على لفظ جمع السلسلة، وضبطه كذلك أبو عبيد البكري، قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وضبطها ابن الأثير بالضم. وقال هو بمعنى السلسال أي السهل، وسيأتي شرحها وتسميتها في المغازي إن شاء الله تعالى. قوله: "أي الناس أحب إليك" زاد في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص "يا رسول الله فأحبه" أخرجه ابن عساكر من طريق علي بن مسهر عن إسماعيل عن قيس، وقع عند ابن سعد سبب هذا السؤال وأنه وقع في نفس عمرو لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك. قوله: "فقلت من الرجال" في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو عند ابن خزيمة وابن حبان: "قلت إني لست أعني النساء إني أعني الرجال" وفي حديث أنس عند ابن حبان أيضا: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل له ليس عن أهلك نسألك" وعرف بحديث عمر اسم السائل في حديث أنس. قوله: "فقلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا" زاد في المغازي من وجه آخر" فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم" ووقع في حديث عبد الله بن شقيق قال: "قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم
(7/26)
من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح، قلت: ثم من؟ فسكتت" أخرجه الترمذي وصححه فيمكن أن يفسر بعض الرجال الذي أبهموا في حديث الباب بأبي عبيدة. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال: "استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي" الحديث، فيكون علي ممن أبهمه عمرو بن العاص، وهو أيضا وإن كان في الظاهر يعارض حديث عمرو لكن يرجح حديث عمرو أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من تقريره، ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبة: فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي، ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو، ومعاذ الله أن نقول كما تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين علي رضي الله عنهما، فقد كان النعمان مع معاوية على علي ولم يمنعه ذلك من التحديث بمنقبة علي، ولا ارتياب في أن عمرا أفضل من النعمان، والله أعلم. الحديث: حديث أبي هريرة في قصة الذئب الذي كلم الراعي، وفي قصة البقرة التي كلمت من حملها، وقد تقدم الكلام على ما في إسناده في ذكر بني إسرائيل. قوله: "بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب" الحديث لم أقف على اسم هذا الراعي، وقد أورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل، وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام، وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة، فروى أبو نعيم في"الدلائل" من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس قال: "كنت في غنم لي، فشد الذئب على شاة منها، فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال: من لها يوم تشتغل عنها؟ تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى، فصفقت بيدي وقلت: والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله، قال فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم" فيحتمل أن يكون أهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر" وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه: "قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم" أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما، وهذا أليق بدخوله في مناقبهما. قوله: "يوم السبع" قال عياض: يجوز ضم الموحدة وسكونها، إلا أن الرواية بالضم. وقال الحربي: هو بالضم والسكون وجزم بأن المراد به الحيوان المعروف. وقال ابن العربي: هو بالإسكان والضم تصحيف، كذا قال. وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا - أي الضم - فالمعنى إذا أخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري، أي إنك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها. وقال الداودي: معناه من لها يوم يطرقها السبع - أي الأسد - فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف أنا لا راعي لها حينئذ غيري، وقيل: إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها. وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل: هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة، وهذا نقله الأزهري في"تهذيب اللغة" عن ابن الأعرابي، ويؤيده أنه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة "يوم القيامة" وقد تعقب هذا بأن الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها، وقيل: هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم، وإنما قال: "ليس لها راع غيري" مبالغة في تمكنه منها، وهذا
(7/27)
نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة، وقيل: هو من سبعت الرجل إذا ذعرته، أي من لها يوم الفزع؟ أو من أسبعته إذا أهملته، أي من لها يوم الإهمال. قال الأصمعي: السبع الهمل، وأسبع الرجل أغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء، ورجح هذا القول النووي. وقيل: يوم الأكل، يقال سبع الذئب الشاة إذا أكلها. وحكى صاحب "المطالع" أنه روي بسكون التحتانية آخر الحروف وفسره بيوم الضياع، يقال أسبعت وأضيعت بمعنى، وهذا نقله ابن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى، وقيل: المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن ابن عباس أنه سئل عن مسألة فقال: أجرأ من سبع، يريد أنها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي، والله أعلم. قوله: "وبينما رجل يسوق بقرة" تقدم الكلام عليه في المزارعة، ووقع عند ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين" فقال الناس آمنا بما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات، وتفاوت الناس في المعارف. حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب، وسيأتي شرحه في التعبير إن شاء الله تعالى. الحديث: حديث ابن عمر في الزجر عن جر الثوب خيلاء، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس، وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر لشحه على دينه، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره. قوله: "فقلت لسالم" هو مقولة موسى بن عقبة، وسيأتي هناك الإشارة إلى تسوية ابن عمر بين الثوب والإزار في الحكم. الحديث: حديث أبي هريرة فيمن أنفق زوجين أي شيئين. قوله: "من شيء من الأشياء" أي من أصناف المال. قوله: "في سبيل الله" أي في طلب ثواب الله، وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات. قوله: "دعي من أبواب يعني الجنة" كذا وقع هنا وكأن لفظة "الجنة" سقطت من بعض الرواة فلأجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد: "يعني"، وقد تقدم في الصيام من وجه آخر عن الزهري بلفظ: "من أبواب الجنة" بغير تردد. ومعنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة "لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل" أخرجه أحمد وابن شيبة بإسناد صحيح. قوله: "يا عبد الله هذا خير" لفظ: "خير" بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك، ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب، وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وجه آخر عن أبي هريرة ولفظه: "دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب" أي خزنة كل باب "أي فل هلم"، ولفظة "فل" لغة في فلان، وهي بالضم، وكذا ثبت في الرواية، وقيل إنها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام. قوله: "فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة" وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة، وتقدم في أوائل الجهاد" وإن أبواب الجنة ثمانية" وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعث عن الحسن مرسلا "إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة" ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، وأما الثالث فلعله باب الذكر فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم والله أعلم، ويحتمل أن يكون بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية، والله أعلم. قوله: "فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة" زاد في الصيام "فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها" وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها، وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة
(7/28)
لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم. وأما ما أخرجه مسلم عن عمر "من توضأ ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله" الحديث وفيه: "فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" فلا ينافي ما تقدم وإن كان ظاهره أنه يعارضه، لأنه يحمل على أنها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العلم الذي يكون أغلب عليه كما تقدم، والله أعلم. "تنبيه": الإنفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر، وأما الإنفاق في غيرها فمشكل، ويمكن أن يكون المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان، والإنفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه، والإنفاق في العفو عن الناس يمكن أن يقع بترك ما يجب له من حق، والإنفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة، أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلبا للثواب، والإنفاق في الذكر على نحو من ذلك، والله أعلم. وقيل المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس فيهما، فإن العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي، وهذا معنى حسن. وأبعد من قال المراد بقوله: زوجين النفس والمال لأن المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر إلا بالتأويل المتقدم، وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والإنفاق عليه، لأن ذلك يرجع إلى باب الصدقة. قوله: "وأرجو أن تكون منهم" قال العلماء:الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر.ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه: "قال أجل وأنت هو يا أبا بكر" وفي الحديث من الفوائد أن من أكثر من شيء عرف به، وأن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء، وأن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم، فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وأن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب. حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة، وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في أواخر المغازي، وأما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة، وقد أوردها المصنف أيضا من طريق ابن عباس عن عمر في الحدود، وذكر شيئا منها في الأحكام من طريق أنس عن عمر أيضا، وأتمها رواية ابن عباس، وسأذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة. قوله: "مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح" تقدم ضبطه في أول الجنائز وأنه بسكون النون، وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال: إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي، وبينه وبين المسجد النبوي ميل. قوله: "قال إسماعيل" هو شيخ المصنف فيه وهو ابن أبي أويس، وقوله: "يعني بالعالية" أراد تفسير قول عائشة بالسنح. قوله: "ما كان يقع في نفسي إلا ذاك" يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ، وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سأبينه في موضعه. قوله: "لا يذيقك الله الموتتين" تقدم شرحه في أوائل الجنائز، وقد تمسك به من أنكر الحياة في القبر، وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بأن المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله: "وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته" وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ، وأحسن من هذا الجواب أن يقال: إن حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا، والأنبياء أحياء في قبورهم، ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لا يذيقك الله الموتتين أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء،
(7/29)
وأما وقوع الحلف من عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي أداه إليه اجتهاده، وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن دونه، وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الأمر العظيم. قوله: "أيها الحالف على رسلك" بكسر الراء أي هينتك ولا تستعجل، وتقدم في الطريق الذي بالجنائز أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس، فأبى، فتشهد أبو بكر، فمال الناس إليه وتركوا عمر. وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي في "باب الاستخلاف" من كتاب الأحكام. قوله: "فنشج الناس" بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم أي بكوا بغير انتحاب، والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة، وقيل: هو صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره. قوله: "واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة" هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي، وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت. وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة أن أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل انحازوا إلى أبي بكر ومن معه وهؤلاء من الأوس. وفي حديث ابن عباس عن عمر "تخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة" فيجمع بأنهم اجتمعوا أولا ثم افترقوا، وذلك أن الخزرج والأوس كانوا فريقين، وكان بينهم في الجاهلية من الحروب ما هو مشهور، فزال ذلك بالإسلام وبقي من ذلك شيء في النفوس، فكأنهم اجتمعوا أولا، فلما رأى أسيد ومن معه من الأوس أبا بكر ومن معه افترقوا من الخزرج إيثارا لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج. وفيه أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. قوله: "فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة" في رواية ابن عباس المذكورة" فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار" وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه: "فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار أن اخرج إلي يا ابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنه قد حدث أمر، فإن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون فيه حرب. فقلت لأبي بكر: انطلق - فذكره - قال فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمركم. قال فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: "سعد بن عبادة" وذكر في آخر الحديث عن عروة أن الرجلين الذين لقياهم هما عويم بن ساعدة بن عباس بن قيس بن النعمان من بني مالك بن عوف، ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الأوس أيضا وكذا وقعت تسميتهما في رواية ابن عيينة عن الزهري، أخرجه الزبير بن بكار. قوله: "فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر إلخ" وفي رواية ابن عباس "قال عمر: أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت - أي هيأت وحسنت - مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري صنه بعض الحد - أي الحدة - فقال: على رسلك، فكرهت أن أغضبه". قوله: "ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس" بنصب أبلغ على الحال، ويجوز الرفع على الفاعلية، أي تكلم رجل هذه صفته. وقال السهيلي النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك غيره. وفي رواية ابن عباس قال: "قال عمر: والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت". قوله: "فقال في كلامه" وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قال في روايته: "فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا ذكره" ووقع في رواية ابن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو" أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولن تعرف العرب
(7/30)
هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب نسبا ودارا" وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية: "هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا" والمراد بالدار مكة. وقال الخطابي أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله: "خير دور الأنصار بنو النجار" وقوله: "أحسابا" الحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم، فمن كان أكثر كان أعظم حسبا، ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال. قوله: "فقال حباب" بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة "ابن المنذر" أي ابن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين، وكان يقال له ذو الرأي. قوله: "لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير" زاد في رواية ابن عباس أنه قال: "أنا جديلها المحكك، وعذيقها المرجب" وشرح هاتين الكلمتين أن العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة، والمرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها، والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم، والجدل عود ينصب للإبل الجرباء لتحتك قيه، والمحكك بكافين الأولى مفتوحة فأراد أنه يستشفى برأيه. ووقع عند ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد" فقام حباب بن المنذر وكان بدريا فقال: منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر، ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم. قال فقال له عمر: إذا كان ذلك فمت إن استطعت. قال فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم. قال فبايع الناس وأولهم بشير بن سعد والد النعمان" وعند أحمد من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد "فقام خطيب الأنصار فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرنه برجل منا، فتبايعوا على ذلك. فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإنما الإمام من المهاجرين، فنحن أنصار الله كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر: جزاكم الله خيرا. فبايعوه" ووقع في آخر المغازي لموسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر قال في خطبته "وكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ولن تصلح العرب إلا برجل من قريش، فالناس لقريش تبع، وأنتم إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في دين الله، وأحب الناس إلينا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله، والتسليم لفضيلة إخوانكم، وأن لا تحسدوهم على خير" وقال فيه: "إن الأنصار قالوا أولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار، فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك أبدا فيكون أجدر أن يشفق القرشي إذا زاغ أن ينقض عليه الأنصاري وكذلك الأنصاري. قال فقال عمر: لا والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه، فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد: وإن شئتم كررناها خدعة" أي أعدنا الحرب. قال فكثر القول حتى كاد أن يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر"، وعند أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة - فذكر الحديث قال - فتكلم أبو بكر فقال: "والله لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فقال له سعد: صدقت". قوله: "هم أوسط العرب" أي قريش. قوله: "فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة" في رواية ابن عباس عن عمر" وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة، فلم أكره مما قال غيرها" وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الأحق بالخلافة بقرينة تقديمه في الصلاة وغير ذلك، والجواب أنه استحي أن يزكي نفسه فيقول مثلا رضيت لكم نفسي، وانضم إلى ذلك أنه علم أن كلا منهما لا يقبل ذلك، وقد أفصح عمر بذلك في القصة، وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد، ففيه إيماء
(7/31)
إلى أنه الأحق، فظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخليه من الأمر.
قوله: "فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم" قد أفرد بعض الرواة هذا القدر من هذا الحديث، فأخرجه الترمذي
عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن إسماعيل بن أبي أويس شيخ المصنف فيه بهذا
الإسناد" إن عمر قال لأبي بكر أنت سيدنا إلخ" وأخرجه ابن حبان من هذا
الوجه، وهو أوضح ما يدخل في هذا الباب من هذا الحديث. قوله: "فأخذ عمر بيده
فبايعه" في رواية ابن عباس عن عمر" قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى
خشينا الاختلاف، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم
الأنصار" وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب" قال فقام أسيد بن الحضير
وبشير بن سعد وغيرهما من الأنصار فبايعوا أبا بكر، ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون
البيعة" ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار في قصة الوفاة" فقالت
الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر - وأخذ بيد أبي بكر - أسيفان في غمد واحد؟
لا يصطلحان، وأخذ بيد أبي بكر فقال: من له هذه الثلاثة؟ {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}
من هما؟ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} من صاحبه؟ {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} مع من؟ ثم
بسط يده فبايعه ثم قال: بايعوه، فبايعه الناس". قوله: "فقال قائل: قتلتم
سعد بن عبادة" أي كدتم تقتلونه، وقيل: هو كناية عن الإعراض والخذلان، ويرده
ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب" فقال قائل من الأنصار: أبقوا سعد
بن عبادة لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله". نعم لم يرد عمر الأمر بقتله
حقيقة، وأما قوله: "قتله الله" فهو دعاء عليه، وعلى الأول هو إخبار عن
إهماله والإعراض عنه، وفي حديث مالك "فقلت وأنا مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب
شر وفتنة" قال ابن التين: إنما قالت الأنصار "منا أمير ومنكم أمير"
على ما عرفوه من عادة العرب أن لا يتأمر على القبيلة إلا من يكون منا، فلما سمعوا
حديث: "الأئمة من قريش" رجعوا عن ذلك وأذعنوا. قلت حديث: "الأئمة من
قريش" سيأتي ذكر من أخرجه بهذا اللفظ في كتاب الأحكام،(1) ولم يقع في هذه
القصة إلا بمعناه، وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيا لما بلغني أن بعض فضلاء
العصر ذكر أنه لم يرو إلا عن أبي بكر الصديق. واستدل به الداودي على أن إقامة
الخليفة سنة مؤكدة لأنهم أقاموا مدة لم يكن لهم إمام حتى بويع أبو بكر، وتعقب
بالاتفاق على فرضيتها وبأنهم تركوا لأجل إقامتها أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن
النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغوا منها، والمدة المذكورة زمن يسير في بعض يوم
يغتفر مثله لاجتماع الكلمة، واستدل بقول الأنصار "منا أمير ومنكم أمير"
على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وبذلك صرح عمر كما سيأتي؛ ووجه
الدلالة أنهم قالوا ذلك في مقام من لا يخاف شيئا ولا يتقيه، وكذلك ما أخرجه مسلم
عن ابن أبي مليكة "سألت عائشة: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا؟
قالت: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قالت: عمر. قيل: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن
الجراح" ووجدت في الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ما يدل على أنه هو الذي
سأل عائشة عن ذلك. قال القرطبي في "المفهم": لو كان عند أحد من
المهاجرين والأنصار نص من النبي صلى الله عليه وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة
لما اختلفوا في ذلك ولا تفاوضوا فيه، قال: وهذا قول جمهور أهل السنة، واستند من
قال إنه نص على خلافة أبي بكر بأصول كلية وقرائن حالية تقتضي أنه أحق بالإمامة
وأولى بالخلافة. قلت: وقد تقدم بعضها
ـــــــ
(1)فى هامش طبعة بولاتى: في نسخة "فى كتاب الاعتصام"
(7/32)
في ترجمته، وسيأتي بعضها في الوفاة النبوية آخر المغازي إن شاء الله تعالى. قوله: "قال عبد الله بن سالم" هو الحمصي الأشعري، تقدم ذكره في المزارعة، والزبيدي هو محمد بن الوليد صاحب الزهري، وعبد الرحمن بن القاسم أي ابن أبي بكر الصديق. وهذه الطريق لم يوردها البخاري إلا معلقة ولم يسقها بتمامها، وقد وصلها الطبراني في مسند الشاميين، وقوله: "شخص" بفتح المعجمتين ثم مهملة أي ارتفع، وقوله: "وقص الحديث: "يعني فيما يتعلق بالوفاة، وقوله عمر: "إنه لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وأرجلهم" وقول أبي بكر: "إنه مات" وتلاوته الآيتين كما تقدم. قوله: "قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها" أي من خطبتي أبي بكر وعمر، و"من" الأولى تبعيضية أو بيانية، والثانية زائدة، ثم شرحت ذلك فقالت: "لقد خوف عمر الناس" أي بقوله المذكور، ووقع في رواية الأصيلي: "لقد خوف أبو بكر الناس" وهو غلط، وقولها: "وإن فيهم لنفاقا" أي أن في بعضهم منافقين، وهم الذين عرض بهم عمر في قوله المتقدم. ووقع في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين" وإن فيهم لتقى" فقيل إنه من إصلاحه، وإنه ظن أن قوله: "وإن فيهم لنفاقا" تصحيف فصيره "لتقى" كأنه استعظم أن يكون في المذكورين نفاقا. وقال عياض: لا أدري هو إصلاح منه أو رواية؟ وعلى الأول فلا استعظام، فقد ظهر في أهل الردة ذلك، ولا سيما عند الحادث العظيم الذي أذهل عقول الأكابر فكيف بضعفاء الإيمان، فالصواب ما في النسخ انتهى. وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق البخاري وقال فيه: "إن فيهم لنفاقا". الحديث: قوله: "حدثنا أبو يعلى" هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، والإسناد كله كوفيون، ومحمد ابن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب، واسم الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم. قوله: "قلت لأبي: أي الناس خير؟" في رواية محمد بن سوقة عن منذر عن محمد بن علي" قلت لأبي: يا أبتي من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أو ما تعلم يا بني؟ قلت: لا، قال: أبو بكر" أخرجه الدار قطني. وفي رواية الحسن بن محمد ابن الحنفية عن أبيه قال: "سبحان الله يا بني، أبو بكر". وفي رواية أبي جحيفة عند أحمد" قال لي علي: يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها؟ قلت: بلى، قال: ولم أكن أرى أن أحدا أفضل منه" وقال في آخره: "وبعدهما آخر ثالث لم يسمه". وفي رواية للدار قطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة "وإن شئتم أخبرتكم بخير الناس بعد عمر" فلا أدري أستحي أن يذكر نفسه أو شغله الحديث. قوله: "وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" في رواية محمد بن سوقة "ثم عجلت للحداثة فقلت: ثم أنت يا أبتي، فقال: أبوك رجل من المسلمين" زاد في رواية الحسن بن محمد "لي ما لهم وعلي ما عليهم" وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسألة المذكورة أنه خير الناس يومئذ لأن ذلك كان بعد قتل عثمان، وأما خشية محمد ابن الحنفية أن يقول عثمان فلأن محمدا كان يعتقد أن أباه أفضل، فخشي أن عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة. وروى خيثمة في "فضائل الصحابة" من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه أن عليا قال، فذكر هذا الحديث وزاد: "ثم قال: ألا أخبركم بخير أمتكم بعد عمر؟ ثم سكت، فظننا أنه يعني نفسه" وفي رواية عبيد خبر عن علي أنه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين، وزاد في آخر حديثه "أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء" وأخرج ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث أن عليا قال: "إن الثالث
(7/33)
عثمان" ومن طريق أخرى أن أبا جحيفة قال: "فرجعت الموالي يقولون: كنى عن عثمان، والعرب تقول: كنى عن نفسه" وهذا يبين أنه لم يصرح بأحد، وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر: عثمان أو علي؟ وأن الإجماع انعقد بآخره بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، رضي الله عنهم أجمعين. قال القرطبي في "المفهم" ما ملخصه: الفضائل جمع فضيلة، وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة إما عند الحق وإما عند الخلق، والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول، فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه أن له منزلة عند الله، وهذا لا توصل إليه إلا بالنقل عن الرسول، فإذا جاء ذلك عنه إن كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به، وإذا لم نجد الخبر فلا خفاء أنا إذا رأينا من أعانه الله على الخير ويسر له أسبابه أنا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك، قال: وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بأفضلية أبي بكر ثم عمر، ثم اختلفوا فيمن بعدهما: فالجمهور على تقديم عثمان، وعن مالك التوقف، والمسألة اجتهادية، ومستندها أن هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله أعلم. الحديث: حديث عائشة في نزول آية التيمم، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم، والغرض منه قول أسيد بن الحضير في آخره: "ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر" وقد تقدم هناك ذكر ألفاظ أخرى تدل على فضلهم. الحديث: حديث أبي سعيد. قوله: "سمعت ذكوان" هو أبو صالح السمان. قوله: "عن أبي سعيد" في رواية أخرى سأبينها "عن أبي هريرة" والأول أولى كما سيأتي. قوله: "لا تسبوا أصحابي" وقع في رواية جرير ومحاضر عن الأعمش - وكذا في رواية عاصم عن أبي صالح - ذكر سبب لهذا الحديث، وهو ما وقع في أوله قال: "كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد"، فذكر الحديث وسيأتي بيان من أخرجه. قوله: "فلو أن أحدكم" فيه إشعار بأن المراد بقوله أولا "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لو أن أحدكم أنفق" وهذا كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية، ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى، وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه، ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق. قوله: "أنفق مثل أحد ذهبا" زاد البرقاني في "المصافحة" من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش "كل يوم" قال: وهي زيادة حسنة. قوله: "مد أحدهم ولا نصيفه" أي المد من كل شيء، والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين، وقيل النصيف مكيال دون المد، والمد بضم الميم مكيال معروف ضبط قدره في كتاب الطهارة، وحكى الخطابي أنه روي بفتح الميم قال: والمراد به الفضل والطول، وقد تقدم في أول "باب فضائل الصحابة" تقرير أفضلية الصحابة عمن بعدهم، وهذا الحديث دال لما وقع الاختيار له مما تقدم من الاختلاف والله أعلم. قال البيضاوي: معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه. وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية. قلت: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال كما وقع في الآية {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
(7/34)
الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة إليه وقلة المعتنى به بخلاف ما وقع بعد ذلك لأن المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم. والله أعلم. قوله: "تابعه جرير" هو ابن عبد الحميد، وعبد الله بن داود هو الخريبي بالمعجمة والموحدة مصغر، وأبو معاوية هو الضرير، ومحاضر بمهملة ثم معجمة بوزن مجاهد، عن الأعمش أي عن أبي صالح عن أبي سعيد، فأما رواية جرير فوصلها مسلم وابن ماجه وأبو يعلى وغيرهم، وأما رواية محاضر فرويناها موصولة في "فوائد أبي الفتح الحداد" من طريق أحمد بن يونس الضبي عن محاضر المذكور فذكره مثل رواية جرير، لكن قال بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر بدل عبد الرحمن بن عوف وقول جرير أصح، وقد وقع كذلك في رواية عاصم عن أبي صالح الآتي ذكرها، وأما رواية عبد الله بن داود فوصلها مسدد في مسنده عنه وليس فيه القصة، وكذا أخرجها أبو داود عن مسدد، وأما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد عند هكذا، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ويحيى بن يحيى ثلاثتهم عن أبي معاوية لكن قال فيه: "عن أبي هريرة" بدل أبي سعيد وهو وهم كما جزم به خلف وأبو مسعود وأبو علي الجياني وغيرهم، قال المزي: كأن مسلما وهم في حال كتابته فإنه بدأ بطريق أبي معاوية، ثم ثنى بحديث جرير فساقه بإسناده ومتنه، ثم ثلث بحديث وكيع وربع بحديث شعبة ولم يسق إسنادهما بل قال بإسناد جرير وأبي معاوية، فلولا أن إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما أحال عليهما معا فإن طريق وكيع وشعبة جميعا تنتهي إلى أبي سعيد دون أبي هريرة اتفاقا، انتهى كلامه. وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة أحد شيوخ مسلم فيه في مسنده ومصنفه عن أبي معاوية فقال: "عن أبي سعيد" كما قال أحمد، وكذا رويناه من طريق أبي نعيم في "المستخرج" من رواية عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية أحمد ويحيى بن عبد الحميد وأبي خيثمة وأحمد بن جواس كلهم عن أبي معاوية فقال: "عن أبي سعيد "وقال بعده "أخرجه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب ويحيى بن يحيى" فدل على أن الوهم وقع فيه ممن دون مسلم إذ لو كان عنده عن أبي هريرة لبينه أبو نعيم، ويقوي ذلك أيضا أن الدار قطني مع جزمه في "العلل" بأن الصواب أنه من حديث أبي سعيد لم يتعرض في تتبعه أوهام الشيخين إلى رواية أبي معاوية هذه، وقد أخرجه أبو عبيدة في "غريب الحديث: "والجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم وخيثمة من طريق سعيد بن يحيى والإسماعيلي وابن حبان من طريق علي بن الجعد كلهم عن أبي معاوية فقالوا: "عن أبي سعيد" وأخرجه ابن ماجه عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه أيضا عن أبي معاوية فقال: "عن أبي سعيد" كما قال الجماعة، إلا أنه وقع في بعض النسخ عن ابن ماجه اختلاف: ففي بعضها عن أبي هريرة وفي بعضها عن أبي سعيد، والصواب عن أبي سعيد لأن ابن ماجه جمع في سياقه بين جرير ووكيع وأبي معاوية ولم يقل أحد في رواية وكيع وجرير إنها عن أبي هريرة، وكل من أخرجها من المصنفين والمخرجين أورده عنهما من حديث أبي سعيد، وقد وجدته في نسخة قديمة جدا من ابن ماجه قرئت في سنة بضع وسبعين وثلاثمائة وهي في غاية الإتقان وفيها "عن أبي سعيد" واحتمال كون الحديث عند أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة جميعا مستبعد، إذ لو كان كذلك لجمعهما ولو مرة، فلما كان غالب ما وجد عنه ذكر أبي سعيد دون ذكر أبي هريرة دل على أن في قول من قال عنه "عن أبي هريرة" شذوذا والله أعلم، وقد جمعهما أبو عوانة عن الأعمش ذكره الدار قطني وقال في العلل رواه مسدد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة كذلك، ورواه عفان ويحيى بن حماد عن أبي عوانة فلم
(7/35)
يذكرا فيه أبا سعيد، قال: ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وكذلك قال نصر بن علي عن عبد الله بن داود، قال والصواب من روايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد لا عن أبي هريرة، قال: وقد رواه عاصم عن أبي صالح فقال عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد انتهى، وقد سبق إلى ذلك علي ابن المديني فقال في "العلل": رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، ورواه عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال والأعمش أثبت في أبي صالح من عاصم، فعرف من كلامه أن من قال فيه عن أبي صالح عن أبي هريرة فقد شذ، وكأن سبب ذلك شهرة أبي صالح بالرواية عن أبي هريرة فيسبق إليه الوهم ممن ليس بحافظ، وأما الحفاظ فيميزون ذلك. ورواية زيد بن أبي أنيسة التي أشار إليها الدار قطني أخرجها الطبراني في "الأوسط" قال: ولم يروه عن الأعمش إلا زيد بن أبي أنيسة، ورواه شعبة وغيره عن الأعمش فقالوا: "عن أبي سعيد" انتهى. وأما رواية عاصم فأخرجها النسائي في "الكبرى" والبزار في مسنده وقال: ولم يروه عن عاصم إلا زائدة، وممن رواه عن الأعمش فقال: "عن أبي سعيد" أبو بكر بن عياش عند عبد بن حميد، ويحيى بن عيسى الرملي عند أبي عوانة، وأبو الأحوص عند ابن أبي خيثمة، وإسرائيل عند تمام الرازي. وأما ما حكاه الدار قطني عن رواية أبي عوانة فقد وقع لي من رواية مسدد وأبي كامل وشيبان عنه على الشك، قال في روايته: "عن أبي سعيد أو أبي هريرة" وأبو عوانة كان يحدث من حفظه فربما وهم، وحديثه من كتابه أثبت، ومن لم يشك أحق بالتقديم ممن شك، والله أعلم. وقد أمليت على هذا الموضع جزءا مفردا لخصت مقاصده هنا بعون الله تعالى. "تكملة": اختلف في ساب الصحابي، فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يعزر، وعن بعض المالكية يقتل، وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث: قوله: "عن شريك بن أبي نمر" هو ابن عبد الله، وأبو نمر جده. قوله: "خرج ووجه ها هنا" كذا للأكثر بفتح الواو وتشديد الجيم أي توجه أو وجه نفسه. وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف أي جهة كذا. قوله: "حتى دخل بئر أريس" بفتح الألف وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة: بستان بالمدينة معروف يجوز فيه الصرف وعدمه، وهو بالقرب من قباء. وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان رضي الله عنه. قوله: "وتوسط قفها" بضم القاف وتشديد الفاء هو الداكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف. ووقع في رواية عثمان بن غياث عن أبي عثمان عند مسلم: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ ينكت بعود معه بين الماء والطين". قوله: "فقلت لأكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم" ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب فزاد فيه: "ولم يأمرني" قال ابن التين: فيه أن المرء يكون بوابا للإمام وإن لم يأمره، كذا قال. وقد وقع في رواية أبي عثمان الآتية في مناقب عثمان عن أبي موسى "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط" ووقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث: "فقال: يا أبا موسى املك علي الباب، فانطلق فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقعد على قف البئر" أخرجه أبو عوانة في صحيحه والروياني في مسنده. وفي رواية الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى "فقال لي: يا أبا موسى املك علي الباب فلا يدخلن علي أحد"
(7/36)
فيجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحفظ عليه الباب، وأما قوله: "ولم يأمرني" فيريد أنه لم يأمره أن يستمر بوابا، وإنما أمره بذلك قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ ثم استمر هو من قبل نفسه، وسيأتي له توجيه آخر في خبر الواحد، فبطل أن يستدل به لما قاله ابن التين، والعجب أنه نقل ذلك بعد عن الداودي وهذا من مختلف الحديث، وكأنه خفي عليه وجه الجمع الذي قررته. ثم إن قول أبي موسى هذا لا يعارض قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب كما سبق في كتاب الجنائز لأن مراد أنس أنه لم يكن له بواب مرتب لذلك على الدوام. قوله: "فدفع الباب" في رواية أبي بكر "فجاء رجل يستأذن". قوله: "يبشرك بالجنة" زاد أبو عثمان في روايته: "فحمد الله" وكذا قال في عمر. قوله: "وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني" كان لأبي موسى أخوان أبو رهم وأبو بردة، وقيل إن له أخا آخر اسمه محمد، وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر، وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا. قوله: "فإذا إنسان يحرك الباب" فيه حسن الأدب في الاستئذان، قال ابن التين. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول قوله: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} . قلت: وما أبعد ما قال، فقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة" فجاء رجل فاستأذن" وسيأتي في آخر مناقب عمر من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى بلفظ: "فجاء رجل فاستفتح" فعرف أن قوله: "يحرك الباب": إنما حركه مستأذنا لا دافعا له ليدخل بغير إذن. قوله: "فقال: عثمان، فقلت: على رسلك، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له" في رواية أبي عثمان "ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنية ثم قال ائذن له". قوله: "وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك" في رواية أبي عثمان "فحمد الله ثم قال: الله المستعان" وفي رواية عند أحمد "فجعل يقول: اللهم صبرا، حتى جلس" وفي رواية عبد الرحمن بن حرملة "فدخل وهو يحمد الله ويقول: اللهم صبرا" ووقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في" الدلائل" قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة. ثم انطلق إلى عمر كذلك، ثم انطلق إلى عثمان كذلك وزاد: بعد بلاء شديد. قال فانطلق فذكر أنه وجدهم على الصفة التي قال له وقال: أين نبي الله؟ قلت في مكان كذا وكذا، فانطلق إليه. وقال في عثمان فأخذ بيدي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن زيدا قال لي كذا، والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فأي بلاء يصيبني؟ قال هو ذاك" قال البيهقي إسناده ضعيف، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن أرقم قبل أن يجيء أبو موسى، فلما جاءوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله أعلم. قلت: ووقع نحو قصة أبي موسى لبلال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط المدينة فقال لبلال: أمسك علي الباب، فجاء أبو بكر يستأذن" فذكر نحوه. وأخرجه الطبراني في" الأوسط" من حديث أبي سعيد نحوه. وهذا إن صح حمل على التعدد. ثم ظهر لي أن فيه وهما من بعض رواته، فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وفي حديثه أن نافع بن عبد الحارث هو الذي كان يستأذن، وهو وهم أيضا، فقد رواه أحمد من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن نافع فذكره وفيه: "فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لأبي موسى فيما أعلم ائذن له" وأخرجه النسائي من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى وهو الصواب، فرجع الحديث إلى أبي
(7/37)
موسى واتحدت القصة والله أعلم. وأشار صلى الله عليه وسلم بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن ابن عمر قال: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل فقال: يقتل فيها هذا يومئذ ظلما. قال فنظرت فإذا هو عثمان" إسناده صحيح. قوله: "فجلس وجاهه" بضم الواو وبكسرها أي مقابله. قوله: "قال شريك" هو موصول بالإسناد الماضي. قوله: "قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم" فيه وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع، وليس المراد خصوص صورة الجلوس الواقعة. وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب "قال سعيد: فأولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم" وسيأتي في الفتن بلفظ: "اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان" ولو ثبت الخبر الذي أخرجه أبو نعيم عن عائشة في صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره لكان فيه تمام التشبيه، ولكن سنده ضعيف، وعارضه ما هو أصح منه. وأخرج أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال: "قلت لعائشة: يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي" الحديث وفيه: "فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث الثامن عشر: قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان وسعيد هو ابن أبي عروبة. قوله: "صعد أحدا" هو الجبل المعروف بالمدينة، ووقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد "حراء" والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد. فإني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه: "أحدا أو حراء" بالشك، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ: "حراء" وإسناده صحيح، وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ: "أحد" وإسناده صحيح، فقوى احتمال تعدد القصة، وتقدم في أواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه: "حراء". وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر أنه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم، والله أعلم. قوله: "وأبو بكر وعمر" قال ابن التين: إنما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في"صعد" وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله: "أحدا" وهو بخلاف قوله الآتي في آخر الباب: "كنت وأبو بكر وعمر. وقوله: "اثبت" وقع في مناقب عمر "فضربه برجله وقال اثبت" بلفظ الأمر من الثبات وهو الاستقرار، وأحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز، وحمله على الحقيقة أولى. وقد تقدم شيء منه في قوله: "أحد جبل يحبنا ونحبه" ويؤيده ما وقع في مناقب عمر أنه ضربه برجله وقال اثبت. قوله: "فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" في رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر "فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" و"أو" فيها للتنويع و"شهيد" للجنس. الحديث: قوله: "حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله" هو الرباطي واسم جده إبراهيم، وأما السرخسي فكنيته أبو جعفر، واسم جده صخر. قوله: "حدثنا صخر" هو ابن جويرية. قوله: "بينا أنا على بئر" أي في المنام كما تقدم التصريح به في هذا الباب من حديث أبي هريرة "بينا أنا نائم" وسبق من وجه آخر عن ابن عمر قبل مناقب الصحابة بباب "رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد" ويأتي في مناقب عمر بلفظ: "رأيت في المنام". قوله: "أنزع منها" أي أملأ الماء بالدلو. قوله: "فنزع ذنوبا أو ذنوبين" بفتح المعجمة وبالنون وآخره موحدة: الدلو الكبيرة إذا كان فيها الماء واتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى مدة
(7/38)
خلافته، وفيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة، فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة، والذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة، ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وإنما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات والله أعلم. وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في"الأم" فقال بعد أن ساقه: ومعنى قوله: "وفي نزعه ضعف" قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الرد عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته، انتهى. فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره، ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن مسعود في نحو هذه القصة فقال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاعبرها يا أبا بكر، فقال إلي الأمر من بعدك، ثم يليه عمر، قال: كذلك عبرها الملك" أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف. قوله: "وفي نزعه ضعف" أي أنه على مهل ورفق. قوله: "والله يغفر له" قال النووي: هذا دعاء من المتكلم، أي أنه لا مفهوم له. وقال غيره: فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر، وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام {فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابا} فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه، لأن سببه قصر مدته، فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه. قوله: "فاستحالت في يده غربا" بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة، أي دلوا عظيمة. قوله: "فلم أر عبقريا" بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة، والمراد به كل شيء بلغ النهاية، وأصله أرض يسكنها الجن ضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم، قيل: قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن، وسيأتي بقية ما فيه في مناقب عمر. قوله: "يفري" بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية، وقوله: "فريه" بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة، وروي بسكون الراء وخطأه الخليل، ومعناه يعمل عمله البالغ، ووقع في حديث أبي عمر ينزع نزع عمر. قوله: "حتى ضرب الناس بعطن" بفتح المهملتين وآخره نون، هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت، وسيأتي في مناقب عمر بلفظ: "حتى روي الناس وضربوا بعطن" ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أنزع الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر، فجاء أبو بكر فنزع" فذكره وقال في عمر "فملأ الحياض وأروى الواردة" وقال فيه: "فأولت السود العرب والعفر العجم" .وله: "قال وهب" هو ابن جرير شيخ شيخه في هذا الحديث، وكلامه هذا موصول بالسند المذكور، وقوله: "يقول حتى رويت الإبل فأناخت" هو مقول وهب المذكور، وسيأتي شيء من مباحثه في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. قال البيضاوي: أشار بالبئر إلى الدين الذي هو منبع ماؤه حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد، والنزع منه إخراج الماء، وفيه إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه. وقوله: "يغفر الله له" إشارة إلى أن ضعفه - المراد به الرفق - غير قادح فيه، أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف الكلمة إلى أن اجتمع ذلك في آخر أيامه وتكمل في زمان عمر، وإليه الإشارة بالقوة. وقد وقع عند أحمد من حديث سمرة "أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت كأن دلوا من السماء دليت، فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا. ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع" الحديث، ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي، والله أعلم. الحديث: قوله: "حدثنا الوليد بن صالح" هو أبو محمد الضبي الحزري النخاس بالنون والخاء المعجمة، وثقه أبو حاتم وغيره، ولم يكتب عنه أحمد لأنه كان من أصحاب الرأي فرآه يصلي فلم تعجبه صلاته، وليس له في البخاري إلا هذا
(7/39)
الحديث الواحد، وسيأتي من وجه آخر في مناقب عمر عن ابن أبي حسين، فظهر أن البخاري لم يحتج به. قوله: "كنت وأبو بكر وعمر" قال ابن التين الأحسن عند النحاة أن لا يعطف على الضمير المرفوع إلا بعد تأكيده، حتى قال بعضهم إنه قبيح، لكن يرد عليهم قوله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} وأجيب بأنه قد وقع الحائل وهو قوله: "لا" وتعقب بأن العطف قد حصل قبل "لا" قال: ويرد عليهم أيضا هذا الحديث انتهى. والتعقيب مردود، فإنه وجد فاصل في الجملة، وأما هذا الحديث فلم تتفق الرواة على لفظه، وسيأتي في مناقب عمر من وجه آخر بلفظ: "ذهبت أنا وأبو بكر وعمر" فعطف مع التأكيد مع اتحاد المخرج، فدل على أنه من تصرف الرواة، وسيأتي شرح هذا الحديث قريبا في مناقب عمر إن شاء تعالى. الحديث: قوله: "حدثنا محمد بن يزيد الكوفي" قيل: هو أبو هشام الرفاعي وهو مشهور بكنيته. وقال الحاكم والكلاباذي: هو غيره، ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري "محمد بن كثير" وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني، لأن محمد بن كثير لا تعرف له رواية عن الوليد، والوليد هو ابن مسلم، وسيأتي الحديث في "باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة" من وجه آخر عن الوليد وفيه تصريحه وتصريح الأوزاعي بالتحديث، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى. "فائدة": مات أبو بكر رضي الله عنه بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار، وعن الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما، وقيل: بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياما، وقيل غير ذلك، ولم يختلفوا أنه استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو ابن ثلاث وستين، والله أعلم.
(7/40)
باب مناقب عمر بن الخطاب القرشي العدوي
...
6- باب مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
3679-حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
الْمَاجِشُونِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ
أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلاَلٌ
وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِعُمَرَ
فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"
فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ"؟
[الحديث3679، طرفاه في: 5226، 7024، ]
3680-حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ:
"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ
تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا
لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا" فَبَكَى عُمَرُ
وَقَالَ أَعَلَيْكَ: أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"؟
3681-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ يَعْنِي اللَّبَنَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى
الرِّيِّ
(7/40)
يَجْرِي فِي ظُفُرِي أَوْ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ نَاوَلْتُ
عُمَرَ" فَقَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يارسول الله, قَالَ
"الْعِلْم" َ
3682-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ
بْنُ سَالِمٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
"أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا
وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ
غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ
وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ" قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ
الزَّرَابِيِّ وَقَالَ يَحْيَى: الزَّرَابِيُّ الطَّنَافِسُ لَهَا خَمْلٌ رَقِيقٌ
.{مَبْثُوثَةٌ} كَثِيرَةٌ
3683-حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
عَبْدُ الْحَمِيدِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ ح
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ
وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقَالَ عُمَرُ أَضْحَكَ اللَّهُ
سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عَجِبْتُ مِنْ
هَؤُلاَءِ اللاَتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ
الْحِجَاب" َ فَقَالَ عُمَرُ فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ
تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْنَ نَعَمْ،
أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِيهًا يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا
فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"
3684-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ "مَازِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ
أَسْلَمَ عُمَرُ"
[الحديث 3684طرفه في: 3863]
3685-حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول
"ُوُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ
وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ- وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ
رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى
عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ
بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لاَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ
اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(7/41)
يَقُولُ: " ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"
3686-حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ
وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالاَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ "اثْبُتْ أُحُدُ
فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ"
3687-حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ
حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ "سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ يَعْنِي
عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ
حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"
3688-حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ
قَالَ "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ لاَ شَيْءَ إِلاَّ أَنِّي
أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
"أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت" َ قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ
فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتَ
مَعَ مَنْ أَحْبَبْت" َ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ
مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ"
[الحديث3688- أطرافه في:6167، 6171، 7153، ]
3687-حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ
الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ"
زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ
فَعُمَرُ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ
مُحَدَّثٍ"
3690-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا
عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالاَ سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ
عَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ لَيْسَ
لَهَا رَاعٍ" غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا ثَمَّ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر"
(7/42)
3691-حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ
بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ"
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ
قُمُصٌ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ
وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ" : قَالُوا فَمَا
أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "الدِّينَ"
3692-حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ "لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ فَقَالَ لَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ
كَانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ ثُمَّ صَحِبْتَ
أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ
ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ
لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ قَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا
ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ جَلَّ
ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ
أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا
لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ"
قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ "دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ" بِهَذَا
3693-حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي
عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي
مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ
فَاسْتَفْتَحَ َقال النبي صلى الله عليه وسلم: : "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّة" ِ فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَح
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ" فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ
فَقَالَ لِي "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى
تُصِيبُهُ" فَإِذَا عُثْمَانُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم،"فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ"
3694-حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ
أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ "كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ"
[الحديث 3694-طرفاه، 6632]
(7/43)
قوله: "باب مناقب عمر بن الخطاب" أي ابن نفيل بنون وفاء مصغر ابن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية وآخره مهملة ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي وآخره مهملة ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، وعدد ما بينهما من الآباء إلى كعب متفاوت بواحد، بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء، وبين عمر وبين كعب ثمانية، وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، ووقع عند ابن منده أنها بنت هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف نبه عليه ابن عبد البر وغيره. قوله: "أبي حفص القرشي العدوي" أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها، وكانت حفصة أكبر أولاده، وأما لقبه فهو الفاروق باتفاق، فقيل أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق ابن عباس عن عمر، ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وقيل أهل الكتاب أخرجه ابن سعد عن الزهري، وقيل جبريل رواه البغوي. قوله: "حدثنا عبد العزيز بن الماجشون" كذا لأبي ذر، وسقط لفظ: "ابن" من رواية غيره، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني، والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده. قوله: "حدثنا محمد بن المنكدر" هكذا رواه الأكثر عن ابن الماجشون، ورواه صالح بن مالك عنه" عن حميد عن أنس" أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين، ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط، وقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان من وجه آخر "عن حميد" كذلك. قوله: "رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة" هي أم سليم، والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها، واسمها سهلة، وقيل رميلة، وقيل غير ذلك، وقيل هو اسمها، ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام. وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة، وجوز ابن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة. وقوله: "رأيتني" بضم المثناة والضمير من المتكلم، وهو من خصائص أفعال القلوب. قوله: "وسمعت خشفة" بفتح المعجمتين والفاء أي حركة، وزنا ومعنى، ووقع لأحمد "سمعت خشفا" يعني صوتا، قال أبو عبيد: الخشفة الصوت ليس بالشديد، قيل وأصله صوت دبيب الحية، ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم. قوله: "فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال" وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا، وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به، وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة حيث أورد هناك من حديث أبي هريرة. قوله: "ورأيت قصرا بفنائه جارية" في حديث أبي هريرة الذي بعده "تتوضأ إلى جانب قصر" وفي حديث أنس عند الترمذي "قصر من ذهب" والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد: جانب الدار. قوله: "فقلت لمن هذا؟ فقال" في رواية الكشميهني: "فقالوا" والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة، وقد أفرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه آخر عن ابن المنكدر. قوله: "فذكرت غيرتك" في الرواية التي في النكاح "فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك" ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة "دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع في ضوضاء، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لعمر" والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد، ووقع في حديث أبي هريرة "أن عمر بكى" ويأتي في النكاح بلفظ: "فبكى عمر، وهو في المجلس" وقوله: "بأبي وأمي" أي أفديك بهما، وقوله: "أعليك أغار" معدود
(7/44)
من القلب، والأصل أعليها أغار منك؟ قال ابن بطال: فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه، قال وبكاء عمر يحتمل أن يكون سرورا، ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا. ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة "فقال عمر: وهل رفعني الله إلا بك؟ وهل هداني الله إلا بك "؟ رويناه في" فوائد عبد العزيز الحربي" من هذا الوجه وهي زيادة غريبة. حديث أبي هريرة في المعنى، ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه: "قالوا: لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا" وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر. وقوله فيه: "تتوضأ" يحتمل أن يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف، والجنة وإن كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر قوله: "تتوضأ إلى جانب قصر" أنها تتوضأ خارجة منه، أو هو على غير الحقيقة. ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة بل تحتمل التأويل، فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة، أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي وفيه بعد. وأغرب ابن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ، وإنما الصواب امرأة شوهاء، ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء لأنه لا عمل فيها، وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ. ثم أخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ونقله عن أبي عبيدة، وإنما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس، قال الجوهري: فرس شوهاء صفة محمودة و "الشوهاء" الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به ابن الأعرابي وغيره، وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى ابن قتيبة فقط، قال ابن قتيبة: بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل أن الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء، قال القرطبي: والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لأن الجنة منزهة عن الأوساخ والأقذار، وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير "باب الوضوء في المنام" فبطل ما تخيله الخطابي، وفي الحديث فضيلة الرميصاء وأنها كانت مواظبة على العبادة، كذا نقله ابنالتين عن غيره وفيه نظر. قوله: "حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر" هو الأسيدي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وله شيخ آخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري؛ وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى وأقدم سماعا. قوله: "شربت يعني اللبن" كذا أورده مختصرا، وسيأتي في التعبير عن عبدان عن ابن المبارك بلفظ: "بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه" أي من ذلك اللبن. قوله: "حتى أنظر إلى الري" في رواية عبدان"حتى أني" ويجوز فتح همزة أني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم، وهو كونه مرئيا، وأما قوله: "أنظر" فإنما أتى به بصيغة المضارعة والأصل أنه ماض استحضارا لصورة الحال، وقوله: "أنظر" يؤيد أن قوله: "أرى" في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم، والري بكسر الراء ويجوز فتحها. قوله: "يجري" أي اللبن أو الري وهو حال. قوله: "في ظفري أو أظفاري" شك من الراوي. وفي رواية عبدان "من أظفاري" ولم يشك، وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال: "في أظفاري". قوله: "ثم ناولت عمر" في رواية عبدان "ثم ناولت فضلي" يعني عمر. وفي رواية عقيل في العلم "ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب". قوله: "قالوا فما أولته" أي عبرته "قال العلم" بالنصب أي أولته العلم، وبالرفع أي المؤول به هو العلم، ووقع في "جزء الحسين بن عرفة" من وجه آخر عن
(7/45)
ابن عمر "قال فقالوا: هذا العلم الذي آتاكه الله، حتى امتلأت فضلت منه فضلة فأخذها عمر، قال: أصبتم" وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل أن يكون بعضهم أول وبعضهم سأل، ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع، وكونهما سببا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي. وفي الحديث فضيلة عمر وأن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي، لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره، وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها - مع طول مدته - الناس بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن، إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا. قوله: "حدثنا عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "حدثني أبو بكر بن سالم" أي ابن عبد الله بن عمر، وهو من أقران الراوي عنه، وهما مدنيان من صغار التابعين، وأما أبو سالم فمعدود من كبارهم، وهو أحد الفقهاء السبعة، وليس لأبي بكر بن سالم في البخاري غير هذا الموضع، ووثقه العجلي. ولا يعرف له راو إلا عبيد الله بن عمر المذكور، وإنما أخرج له البخاري في المتابعات. وقد مضى الحديث من طريق الزهري عن سالم. قوله: "بدلو بكرة" بفتح الموحدة والكاف على المشهور وحكى بعضهم تثليث أوله، ويجوز إسكانها على أن المراد نسبة الدلو إلى الأنثى من الإبل وهي الشابة، أي الدلو التي يسقى بها، وأما بالتحريك فالمراد الخشبة المستديرة التي يعلق فيها الدلو. قوله: "قال ابن جبير: العبقري عتاق الزرابي" وصله عبد بن حميد من طريقه، وكذا رويناه في "صفة الجنة لأبي نعيم" من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} قال: الرفرف رياض الجنة، والعبقري الزرابي. ووقع في رواية الأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر هنا "قال ابن نمير" وقيل المراد محمد بن عبد الله بن نمير شيخ المصنف فيه، ويأتي بسط القول في كتاب التعبير، والمراد بالعتاق الحسان، والزرابي جمع زريبة وهي البساط العريض الفاخر، قال في المشارق: العبقري النافذ الماضي الذي لا شيء يفوقه، قال أبو عمر: وعبقري القوم سيدهم وقيمهم وكبيرهم. وقال الفراء: العبقري السيد والفاخر من الحيوان والجوهر والبساط المنقوش، وقيل هو منسوب إلى عبقر موضع بالبادية، وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة الحسن والبسط، وقيل نسبة إلى أرض تسكنها الجن، تضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم قاله أبو عبيدة، قال ابن الأثير: فصاروا كلما رأوا شيئا غريبا مما يصعب عمله ويدق أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير. ثم استطرد المصنف كعادته فذكر معنى صفة الزرابي الواردة في القرآن في قوله تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} . قوله: "وقال يحيى" هو ابن زياد الفراء، ذكر ذلك في "كتاب معاني القرآن" له، وظن الكرماني أنه يحيى بن سعيد القطان فجزم بذلك واستند إلى كون الحديث ورد من روايته كما تقدم في مناقب أبي بكر. قوله: "الطنافس" هي جمع طنفسة وهي البساط.قوله: "لها خمل" بفتح المعجمة والميم بعدها لام أي أهداب، وقوله
(7/46)
"رقيق" أي غير غليظة. قوله: "مبثوثة كثيرة" هو بقية كلام يحيى بن زياد المذكور. قوله: "عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد" أي ابن الخطاب، وفي الإسناد أربعة من التابعين على نسق: قرينان وهما صالح وهو ابن كيسان وابن شهاب، وقريبان وهما عبد الحميد ومحمد بن سعد وكلهم مدنيون. قوله: "استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش" هن من أزواجه، ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله: "يستكثرنه" يؤيد الأول، والمراد أنهن يطلبن منه مما يعطيهن. وزعم الداودي أن المراد أنهن يكثرن الكلام عنده، وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم أنهن يطلبن النفقة. قوله: "عالية" بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال، وقوله: "أصواتهن على صوته" قال ابن التين: يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته، أو كان ذلك طبعهن انتهى. وقال غيره: يحتمل أن يكون الرفع حصل من مجموعهن لا أن كل واحدة منهن كان صوتها أرفع من صوته، وفيه نظر. قيل ويحتمل أن يكون فيهن جهيرة، أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه، أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن، أو وثقن بعفوه. ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها. قوله: "أضحك الله سنك" لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور، أو نفي لازمه وهو الحزن. قوله: "أتهبنني" من الهيبة أي توقرنني. قوله: "أنت أفظ وأغلظ" بالمعجمتين بصيغة أفعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل، ويعارضه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فإنه يقتضي أنه لم يكن فظا ولا غليظا، والجواب أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك، بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلا والله أعلم. وجوز بعضهم أن الأفظ هنا بمعنى الفظ، وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره إلا في حق من حقوق الله، وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات، فلهذا قال النسوة له ذلك. قوله: "إيها ابن الخطاب" قال أهل اللغة "أيها" بالفتح والتنوين معناها لا تبتدئنا بحديث، وبغير تنوين كف من حديث عهدناه، و"إيه" بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا. ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين. وحكى ابن التين أنه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن. وقال الطيبي: الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه، فكأن قوله صلى الله عليه وسلم: "إيه" استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه، ولذلك عقبه بقوله: "والذي نفسي بيده إلخ" فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله، والله أعلم. قوله: "فجا" أي طريقا واسعا، وقوله: "قط" تأكيد للنفي. قوله: "إلا سلك فجا غير فجك" فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته. فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة، ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "أن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه" وهذا دال على صلابته في الدين، واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض. وقال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض: يحتمل
(7/47)
أن يكون ذاك على سبيل ضرب المثل، وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان، والأول أولى، انتهى. قوله: "حدثنا يحيى" ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود. ووقع في رواية ابن عيينة عن إسماعيل كما سيأتي في" باب إسلام عمر" التصريح بذلك. قوله: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله. وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود "كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة. والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر" وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدار قطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال: "خرج عمر متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة - فذكر قصة دخول عمر على أخته وإنكاره إسلامها وإسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الإسلام - فخرج خباب فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: " اللهم أعز الإسلام بعمر أو بعمرو بن هشام" وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره: "فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء؟ فخرجنا في صنفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها" وأخرجه البزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمر مطولا، وروى ابن أبي خيثمة من حديث عمر نفسه قال: "لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلا فكملتهم أربعين، فأظهر الله دينه، وأعز الإسلام" وروى البزار نحوه من حديث ابن عباس وقال فيه: "فنزل جبريل فقال: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" وفي" فضائل الصحابة" لخيثمة من طريق أبي وائل عن ابن مسعود قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أيد الإسلام بعمر" ومن حديث علي مثله بلفظ: "أعز" وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر" ، قال فكان أحبهما إليه عمر" قال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وصححه ابن حبان أيضا، وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال، لكن له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي أيضا، ومن حديث أنس كما قدمته في القصة المطولة، ومن طريق أسلم مولى عمر عن خباب، وله شاهد مرسل أخرجه ابن سعد من طريق سعيد بن المسيب والإسناد صحيح إليه، وروى ابن سعد أيضا من حديث صهيب قال: "لما أسلم عمر قال المشركون انتصف القوم منا" وروى البزار والطبراني من حديث ابن عباس نحوه. قوله في السند "أخبرنا عمر بن سعيد" أي ابن أبي حسين، ووقع في رواية القابسي"سعد" بسكون العين وهو وهم. حديث ابن عباس قال: "وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس" بنون وفاء أي أحاطوا به من جميع جوانبه، والأكناف النواحي. قوله: "وضع عمر على سريره" تقدم في آخر مناقب أبي بكر بلفظ: "إني لواقف مع قوم وقد وضع عمر على سريره" أي لما مات، وهي جملة حالية من عمر. قوله: "فلم يرعني" أي لم يفزعني، والمراد أنه رآه بغتة. قوله: "إلا رجل آخذ" بوزن فاعل. وفي رواية الكشميهني: "أخذ" بلفظ الفعل الماضي. قوله: "فترحم على عمر" تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ: "فقال يرحمك الله". قوله: "أحب" يجوز نصبه ورفعه، و"أني" يجوز فيه الفتح والكسر. وفي هذا الكلام أن عليا كان لا يعتقد أن لأحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر. وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام وسنده صحيح، وهو شاهد جيد لحديث
(7/48)
ابن عباس لكون مخرجه عن آل علي رضي الله عنهم. قوله: "مع صاحبيك" يحتمل أن يريد ما وقع وهو دفنه عندهما، ويحتمل أن يريد بالمعية ما يئول إليه الأمر بعد الموت من دخول الجنة ونحو ذلك، والمراد بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وقوله: "وحسبت أني" يجوز فتح الهمزة وكسرها، وتقدم في مناقب أبي بكر بلفظ: "لأني كثيرا ما كنت أسمع" واللام للتعليل، وما إبهامية مؤكدة، وكثيرا ظرف زمان وعامله كان قدم عليه، وهو كقوله تعالى: {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} ووقع للأكثر "كثيرا مما كنت أسمع" بزيادة "من" ووجهت بأن التقدير أني أجد كثيرا مما كنت أسمع. حديث: "اثبت أحد" تقدم شرحه في مناقب أبي بكر. قوله: "وقال لي خليفة" هو ابن خياط، ومحمد بن سواء بمهملة وتخفيف ومد هو السدوسي البصري، أخرج له هنا وفي الأدب، وكهمس بمهملة وزن جعفر هو ابن المنهال سدوسي أيضا بصري ما له في البخاري غير هذا الموضع، وسعيد هو ابن أبي عروبة، وسقط جميع ذلك من رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق يزيد بن زريع. قوله: "فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ: "فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" فتكون "أو" في حديث الباب بمعنى الواو، ويكون لفظ شهيد للجنس، ووقع لبعضهم بلفظ: "نبي وصديق أو شهيد" فقيل أو بمعنى الواو، وقيل تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة الحال لأن صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين حينئذ بخلاف صفة الشهادة فإنها لم تكن وقعت حينئذ. قوله: "حدثني عمر هو ابن محمد" ووقع في رواية حرملة عن ابن وهب" حدثني عمر بن محمد بن زيد" أي ابن عبد الله بن عمر. قوله: "سألني ابن عمر عن بعض شأنه يعني عمر" يريد أن ابن عمر سأل أسلم مولى عمر عن بعض شأن عمر. قوله: "فقال ما رأيت" هو مقول ابن عمر. قوله: "أجد" بفتح الجيم والتشديد أفعل من جد إذا اجتهد، وأجود أفعل من الجود. قوله: "بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" يحتمل أن يكون المراد بالبعدية في الصفات ولا يتعرض فيه للزمان فيتناول زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده، فيشكل بأبي بكر الصديق وبغيره من الصحابة ممن كان يتصف بالجود المفرط، أو بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكل بأبي بكر الصديق أيضا، ويمكن تأويله بزمان خلافته، وأجود أفعل من الجود أي لم يكن أحد أجد منه في الأمور ولا أجود بالأموال، وهو محمول على وقت مخصوص وهو مدة خلافته ليخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من ذلك. قوله: "حتى انتهى" أي إلى عمل آخر عمره، وهذا بناء على أن فاعل انتهى عمر، وقائل ذلك ابن عمر، ويحتمل أن يكون فاعل انتهى ابن عمر أي انتهى في الإنصاف بعد أجد وأجود حتى فرغ مما عنده، وقائل ذلك نافع، والله أعلم. حديث أنس "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة" هو ذو الخويصرة اليماني، وزعم ابن بشكوال أنه أبو موسى الأشعري أو أبو ذر. ثم ساق من حديث أبي موسى "قلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولما يلحق بهم" ومن حديث أبي ذر "فقلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم" وسؤال هذين إنما وقع عن العمل، والسؤال في حديث الباب إنما وقع عن الساعة، فدل على التعدد. وسيأتي في الأدب من طريق آخر عن أنس أن السائل عن الساعة أعرابي، وكذا وقع عند الدار قطني من حديث أبي مسعود أن الأعرابي الذي بال في المسجد قال: "يا محمد متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها" فدل على أن السائل في حديث أنس هو الأعرابي الذي بال في المسجد، وتقدم في الطهارة أنه ذو الخويصرة اليماني كما أخرجه أبو موسى المديني في دلائل معرفة الصحابة، وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الأدب، والمراد منه ذكر أبي بكر وعمر في حديث أنس
(7/49)
هذا وأنه قرنهما في العمل بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قوله: "عن أبي هريرة" كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم ابن وهب فقال: "عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة" قال أبو مسعود: لا أعلم أحدا تابع ابن وهب على هذا، والمعروف عن إبراهيم بن سعد أنه عن أبي هريرة لا عن عائشة، وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا. وقال محمد بن عجلان: "عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة" أخرجه مسلم والترمذي والنسائي، قال أبو مسعود: وهو مشهور عن ابن عجلان، فكأن أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا. قلت: وله أصل من حديث عائشة أخرجه ابن سعد من طريق ابن أبي عتيق عنها، وأخرجه من حديث خفاف بن أيماء أنه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول أشهد أنك مكلم. قوله: "محدثون" بفتح الدال جمع محدث، واختلف في تأويله فقيل: ملهم، قاله الأكثر قالوا: المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن، وهو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري. وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة، وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه: "قيل يا رسول الله وكيف يحدث؟ "قال تتكلم الملائكة على لسانه" رويناه في"فوائد الجوهري" وحكاه القابسي وآخرون، ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة. ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام، وفسره ابن التين بالتفرس، ووقع في مسند "الحميدي" عقب حديث عائشة "المحدث الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه": وعند مسلم من رواية ابن وهب "ملهمون، وهي الإصابة بغير نبوة" وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب ابن عيينة "محدثون يعني مفهمون" وفي رواية الإسماعيلي: "قال إبراهيم - يعني ابن سعد رواية - قوله محدث أي يلقى في روعه" انتهى، ويؤيده حديث: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وأحمد من حديث أبي هريرة، والطبراني من حديث بلال، وأخرجه في "الأوسط" من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود "يقول به" بدل قوله: "وقلبه" وصححه الحاكم، وكذا أخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث عمر نفسه. قوله: "زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد" هو ابن إبراهيم المذكور، وفي روايته زيادتان: إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل، والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها "يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء". قوله: "منهم أحد" في رواية الكشميهني: "من أحد" ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما، وقوله: "وإن يك في أمتي" قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فإن أمته أفضل الأمم، وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى، وإنما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق فإنه فلان، يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء، ونحوه قول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل أن تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت. وقيل الحكمة فيه أن وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه، وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي، واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم أن لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقرآن عن حدوث نبي، وقد
(7/50)
وقع الأمر كذلك حتى إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما
وقع له بل لا بد له من عرضه على القرآن، فإن وافقه أو وافق السنة عمل به وإلا
تركه، وهذا وإن جاز أن يقع لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبنيا على اتباع الكتاب
والسنة، وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف هذه الأمة
بوجود أمثالهم فيه، وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة
الأنبياء فيهم، فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيها خاتم الأنبياء
عوضوا بكثرة الملهمين. وقال الطيبي: المراد بالمحدث الملهم البالغ في ذلك مبلغ
النبي صلى الله عليه وسلم في الصدق، والمعنى لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء
ملهمون، فإن يك في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر، فكأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك
هل نبي أم لا(1) فلذلك أتى بلفظ: "إن" ويؤيده حديث: "لو كان بعدي
نبي لكان عمر" فلو فيه بمنزلة إن في الآخر على سبيل الفرض والتقدير، انتهى.
والحديث المشار إليه أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم من حديث عقبة بن
عامر، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي سعيد، ولكن في تقرير
الطيبي نظر لأنه وقع في نفس الحديث: "من غير أن يكونوا أنبياء" ولا يتم
مراده إلا بفرض أنهم كانوا أنبياء. قوله: "قال ابن عباس من نبي ولا
يحدث" أي في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا
نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} الآية، كأن ابن عباس زاد فيها ولا محدث أخرجه
سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وأخرجه عبد بن حميد من طريقه وإسناده إلى ابن عباس
صحيح ولفظه عن عمرو بن دينار قال: "كان ابن عباس يقرأ: وما أرسلنا من قبلك من
رسول ولا نبي ولا محدث". والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقا لها، ووقع له بعد
النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات. حديث أبي هريرة في الذي كلمه الذئب، أورده
مختصرا بدون قصة البقرة، وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر. قوله: "عن أبي سعيد
الخدري" كذا رواه أكثر أصحاب الزهري، ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن
سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه أخرجه أحمد، وقد تقدم في
الإيمان من رواية صالح بن كيسان عن الزهري فصرح بذكر أبي سعيد، ووقع في التعبير من
هذا الوجه عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد. قوله: "رأيت الناس عرضوا
علي" الحديث وفيه: "عرض علي عمر وعليه قميص اجتره" أي لطوله، وقد
تقدم من رواية صالح بلفظ: "يجره". قوله: "قالوا فما أولت ذلك"
سيأتي في التعبير أن السائل عن ذلك أبو بكر، ويأتي بقية شرحه هناك إن شاء الله
تعالى. وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق،
والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله: "عرض علي الناس" فلعل الذين
عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وأن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا
يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ، فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ
بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها، والله أعلم. قوله: "حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم" هو الذي يقال له ابن علية. قوله: "عن المسور بن مخرمة"
كذا رواه ابن علية ورواه حماد بن زيد كما علقه المصنف بعد فقال: "عن ابن
عباس" وأخرجه الإسماعيلي من رواية القواريري عن حماد بن زيد موصولا، ويحتمل
أن يكون محفوظا عن الاثنين. قوله: "لما طعن عمر" سيأتي بيان
ـــــــ
(1)قال مصحح طبعة بولاق: لعل فيه سسقطا والاصل "جعله انقطاع قرينه في ذلك في
شك هل هو نبي الخ"
(7/51)
ذلك بعد في أواخر مناقب عثمان. قوله: "وكأنه يجزعه" بالجيم والزاي الثقيلة أي ينسبه إلى الجزع ويلومه عليه، أو معنى يجزعه يزيل عنه الجزع، وهو كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي أزيل عنهم الفزع، ومثله مرضه إذا عانى إزالة مرضه، ووقع في رواية الجرجاني "وكأنه جزع" هذا يرجع الضمير فيه إلى عمر بخلاف رواية الجماعة فإن الضمير فيها لابن عباس. ووقع في رواية حماد بن زيد "وقال ابن عباس مسست جلد عمر فقلت جلد لا تمسه النار أبدا، قال فنظر إلي نظرة كنت أرثي له من تلك النظرة". قوله: "ولئن كان ذاك" كذا في رواية الأكثر. وفي رواية الكشميهني: "ولا كل ذلك" أي لا تبالغ في الجزع فيما أنت فيه، ولبعضهم: ولا كان ذلك، وكأنه دعاء، أي لا يكون ما تخافه، أو لا يكون الموت بتلك الطعنة. قوله: "ثم فارقت" كذا بحذف المفعول، وللكشميهني: "ثم فارقته". قوله: "ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم" يعني المسلمين. وفي رواية بعضهم "ثم صحبت صحبتهم" بفتح الصاد والحاء والموحدة، أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وفيه نظر للإتيان بصيغة الجمع موضع التثنية، قال عياض: يحتمل أن يكون "صحبت" زائدة وإنما هو ثم صحبتهم أي المسلمين، قال: والرواية الأولى هي الوجه، ورويناها في أمالي أبي الحسن بن رزقويه من حديث ابن عمر قال: "لماطعن عمر قال له ابن عباس" فذكر حديثا قال فيه: "ولما أسلمت كان إسلامك عزا". قوله: "فإن ذلك من" أي عطاء؛ وفي رواية الكشميهني: "فإنما ذلك". قوله: "فهو من أجلك ومن أجل أصحابك" في رواية أبي ذر عن الحموي المستملي: "أصيحابك" بالتصغير، أي من جهة فكرته فيمن يستخلف عليهم، أو من أجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم، وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه وتواضعه لربه. قوله: "طلاع الأرض" بكسر الطاء المهملة والتخفيف أي ملأها، وأصل الطلاع ما طلعت عليه الشمس، والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال. قوله: "قبل أن أراه" أي العذاب، وإنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية، أو من الفتنة بمدحهم. قوله: "قال حماد بن زيد" وصله الإسماعيلي كما تقدم والله أعلم، وسيأتي مزيد في الكلام على هذا الحديث في قصة قتل عمر آخر مناقب عثمان. وأخرج ابن سعد من طريق أبي عبيد مولى ابن عباس عن ابن عباس فذكر شيئا من قصة قتل عمر. حديث أبي موسى، تقدم مبسوطا مع شرحه في مناقب أبي بكر بما يغني عن الإعادة. قوله: "أخبرني حيوة" بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة هو ابن شريح المصري. قوله: "عبد الله بن هشام" أي ابن زهرة بن عثمان التيمي ابن عم طلحة بن عبيد الله. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب" هو طرف من حديث يأتي تمامه في الأيمان والنذور، وبقيته"فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء" الحديث وقد ذكرت شيئا من مباحثه في كتاب الإيمان، وسيأتي بيان الوقت الذي قتل فيه عمر في آخر ترجمة عثمان إن شاء الله تعالى
(7/52)
7 - باب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أبي عمرو القرشى رضى
الله عنه
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ
الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ
وَقَالَ "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ
عُثْمَانُ"
(7/52)
3695 -حدثناسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ
حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ
فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ
جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا
عُمَرُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ ،فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ
لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ"
قَالَ حَمَّادٌ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ سَمِعَا
أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ
"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي
مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ- أَوْ رُكْبَتِهِ- فَلَمَّا
دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا"
3696-حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ
تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟
فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ: إِنَّ لِي
إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ قَالَ
مَعْمَرٌ أُرَاهُ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ
إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ مَا نَصِيحَتُكَ؟
فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ
لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَاجَرْتَ
الْهِجْرَتَيْنِ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ قَالَ
أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: لاَ
وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي
سِتْرِهَا قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ وَصَحِبْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا
عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَبُو
بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنْ
الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ
الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ
فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا
فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ"
[الحديث 3696- طرفاه في: 3872، 3927 ]
3699-حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ
أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ "صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ
فَرَجَفَ وَقَالَ اسْكُنْ أُحُدُ أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ
إِلاَّ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ "
3697-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِ
(7/53)
اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ
نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نُفَاضِلُ
بَيْنَهُمْ" تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
3698-حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ
الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ فَقَالُوا
هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنْ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي هَلْ
تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ
أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ
أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ
قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا
فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ
وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ
مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ
الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ
لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى
مَكَّةَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ
يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَان َ فَقَالَ
لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ
قوله: "باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي" هو عثمان بن عفان بن
أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في
عبد مناف. وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت، فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث
العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء، وأما كنيته فهو الذي استقر عليه الأمر، وقد
نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه
من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست
سنين، وحكى ابن سعد أن موته كان سنة أربع من الهجرة، وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة
اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى
يشير إلى لين جانبه، حكاه ابن قتيبة. وقد اشتهر أن لقبه ذو النورين. وروى خيثمة في
"الفضائل" والدار قطني في "الأفراد" من حديث علي أنه ذكر
عثمان فقال: "ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين" وسأذكر اسم أمه
ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته. قوله: "وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمان. وقاله النبي صلى الله عليه
وسلم: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان" هذا التعليق تقدم ذكر من
وصله في أواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه، وفيه من مناقب عثمان أشياء
كثيرة استوعبتها هناك فأغنى عن إعادتها، والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في
المغازي. وأخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أن عثمان أعان
فيها بثلاثمائة بعير، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة أن عثمان أتى فيها بألف دينار
فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى في الوقف بقية طرقه، وفي حديث
حذيفة عند ابن عدي "فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار" وسنده واه، ولعلها
كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية ألف
(7/54)
دينار. ثم ذكر المصنف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي موسى في قصة القف أوردها مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى، وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق. قوله: "فسكت هنيهة" بالتصغير أي قليلا. قوله: "قال حماد وحدثنا عاصم" كذا للأكثر، وهو بقية الإسناد المتقدم، وحماد هو ابن زيد، ووقع في رواية أبي ذر وحده "وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم إلخ" والأول أصوب، فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب" حدثنا حماد بن زيد عن أيوب" فذكر الحديث وفي آخره: "قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا، غير أن عاصما زاد، فذكر الزيادة. وقد وقع لي من حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى بن إسماعيل، والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة، ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر، والله أعلم. قوله: "وزاد فيه عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته، فلما دخل عثمان غطاها" قال ابن التين: أنكر الداودي هذه الرواية وقال: هذه الزيادة ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث، وإنما ذلك الحديث أن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر، ثم دخل عمر، ثم دخل عثمان فغطاها قلت: يشير إلى حديث عائشة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة" الحديث، وفيه: "ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " وفي رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة "إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلي في حاجته انتهى، وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم، إذ لا مانع أن يتفق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان، وأن يقع ذلك في موطنين، ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وإنما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق المخارج فيمكن أن يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا، والله أعلم. قوله: "ما يمنعك أن تكلم عثمان" في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة "أن تكلم خالك"، ووجه كون عثمان خاله أن أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت أسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان، وأقارب الأم يطلق عليهم أخوال وأما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار، فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته، وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في كتاب الصحابة. وروى محمد بن الحسين المخزومي في كتاب المدينة أنها ماتت في خلافة ابنها عثمان وأنه كان ممن حملها إلى قبرها. وأما أبوه فهلك في الجاهلية. قوله: "لأخيه" اللام للتعليل أي لأجل أخيه، ويحتمل أن تكون بمعنى عن، ووقع في رواية الكشميهني: "في أخيه". قوله: "الوليد" أي ابن عقبة، وصرح بذلك في رواية معمر، وعقبة هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص، فإن عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في آخر ترجمة عثمان في قصة مقتل عمر، ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين، وكان سبب ذلك أن سعدا كان أميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد
(7/55)
منه مالا، فجاءه يتقاضاه فاختصما، فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا، واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة، وذكر ذلك الطبري في تاريخه. قوله: "فقد أكثر الناس فيه" أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به، أي من تركه إقامة الحد عليه، وإنكارهم عليه عزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من الفضل والسنن والعلم والدين والسبق إلى الإسلام ما لم يتفق شيء منه للوليد بن عقبة، والعذر لعثمان في ذلك أن عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده أن يولي سعدا قال: "لأني لم أعزله عن خيانة ولا عجز" كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا، فولاه عثمان امتثالا لوصية عمر، ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته لذلك وليصل رحمه، فلما ظهر له سوء سيرته عزله، وإنما أخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك، فلما وضح له الأمر أمر بإقامة الحد عليه. وروى المدائني من طريق الشعبي أن عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه. قوله: "فقصدت لعثمان حتى خرج" أي أنه جعل غاية القصد خروج عثمان. وفي رواية الكشميهني: "حين خرج" وهي تشعر بأن القصد صادف وقت خروجه، بخلاف الرواية الأخرى فإنها تشعر بأنه قصد إليه ثم انتظره حتى خرج، يؤيد الأول رواية معمر "فانتصبت لعثمان حين خرج". قوله: "إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، فقال: يا أيها المرء منك" كذا في رواية يونس. قوله: "قال معمر أعوذ بالله منك" هذا تعليق أراد به المصنف بيان الخلاف بين الروايتين، ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك" فقال يا أيها المرء أعوذ بالله منك" قال ابن التين: إنما استعاذ منه خشية أن يكلمه بشيء يقتضي الإنكار عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره. قوله: "فانصرفت فرجعت إليهما" زاد في رواية معمر"فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي، فقالا: قد قضيت الذي كان عليك". قوله: "إذ جاء رسول عثمان" في رواية معمر "فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي: قد ابتلاك الله، فانطلقت" ولم أقف في شيء من الطرق على اسم هذا الرسول. قوله: "وكنت ممن استجاب" هو بفتح كنت على المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت، وأراد بالهجرتين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة، وسيأتي ذكرهما قريبا، وزاد في رواية معمر "ورأيت هديه" أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بفتح الهاء وسكون الدال الطريقة. وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة" وكنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "وقد أكثر الناس في شأن الوليد" زاد معمر "ابن عقبة" فحق عليك أن تقيم عليه الحد. قوله: "قال أدركت رسول الله؟ فقلت لا" في رواية معمر "فقال لي: يا ابن أختي" وفي رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عمر بن شبة" قال هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فال لا" ومراده بالإدراك إدراك السماع منه والأخذ عنه، وبالرؤية رؤية المميز له، ولم يرد هنا الإدراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فسيأتي في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك، ولم يثبت أن أباه عدي بن الخيار قتل كافرا وإن ذكر ذلك ابن ماكولا وغيره، فإن ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين، وذكر المدائني وعمر بن شبة في "أخبار المدينة" أن هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه مع عثمان فالله أعلم. قال ابن التين: إنما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على أن الذي ظنه من مخالفة عثمان ليس كما ظنه. قلت: ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب عن عبادة بن زاهر "سمعت عثمان خطب فقال: إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(7/56)
في السفر والحضر إن ناسا يعلموني سنته عسى أن لا يكون أحدهم رآه
قط". قوله: "خلص" بفتح المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة
أي وصل، وأراد ابن عدي بذلك أن علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا
خاصا بل كان شائعا حتى وصل إلى العذراء المستترة، فوصوله إليه مع حرصه عليه أولى.
قوله: "ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله" يعني قال في كل منهما فما عصيته
ولا غششته. وصرح بذلك في رواية معمر. قوله: "ثم استخلفت" بضم التاء
الأولى والثانية. قوله: "أفليس لي من الحق مثل الذي لهم" في رواية معمر
"أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي" ووقع في رواية الأصيلي
وهم يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "فما هذه الأحاديث التي تبلغني
عنكم" كأنهم كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على الوليد، وقد ذكرنا
عذره في ذلك. قوله: "فأمره أن يجلد" في رواية الكشميهني: "أن
يجلده". قوله: "فجلده ثمانين" في رواية معمر "فجلد الوليد
أربعين جلدة" وهذه الرواية أصح من رواية يونس، والوهم فيه من الراوي عنه شبيب
بن سعيد، ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال: "شهدت عثمان
أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران
يعني مولى عثمان أنه قد شرب الخمر، فقال عثمان يا علي قم فاجلده، فقال علي قم يا
حسن فاجلده، فقال الحسن ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه فقال: يا عبد الله
بن جعفر قم فاجلده، فجلده، وعلي يعد، حتى بلغ أربعين فقال: أمسك. ثم قال: جلد
النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل ذلك سنة، وهذا
أحب إلي" انتهى والشاهد الآخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل هو الصعب بن
جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه، وعند الطبري من طريق سيف في
الفتوح أن الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده. وفي رواية أخرى أن ممن
شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي، وكذلك روى عمر بن شبة في
"أخبار المدينة" بإسناد حسن إلى أبي الضحى وقال: "لما بلغ عثمان
قصة الوليد استشار عليا فقال: أرى أن تستحضره فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته،
ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الأزدي وسعد بن مالك
الأشعري" فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه: "فضربه بمخصرة لها رأسان، فلما
بلغ أربعين قال له: أمسك".
وأخرج من طريق الشعبي قال: قال الحطيئة في ذلك:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سفها وما يدري
فأتوا أبا وهب ولو أذنوا ... لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري
وذكر المسعودي في "المروج" أن عثمان قال للذين شهدوا: وما يدريكم أنه
شرب الخمر؟ قالوا: هي التي كنا نشربها في الجاهلية.وذكر الطبري أن الوليد ولي
الكوفة خمس سنين، قالوا وكان جوادا، فولى عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة
عادلة فكان بعض الموالي يقول:
ويلنا قد عزل الوليد ... وجاءنا مجوعا سعيد
ينقص في الصاع ولا يزيد
لحديث الثالث حديث أنس اسكن أحد بضم الدال على انه منادى مفرد وحذف منه حرف النداء
وقد
(7/57)
قدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر ومن رواه بلفظ حراء وانه يمكن الجمع بالحمل على التعدد ثم وجدت مايؤيده فعند مسلم من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية له وسعد وله شاهد من حديث سعيد بن زيد ثم الترمذي واخر عن علي ثم الدارقطني قوله: "حدثنا شاذان" هو الأسود بن عامر، وعبيد الله هو ابن عمر. قوله: "ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم" تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر، قال الخطابي: إنما لم يذكر ابن عمر عليا لأنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم، وكان علي في زمانه صلى الله عليه وسلم حديث السن. قال ولم يرد ابن عمر الازدراء به ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان انتهى. وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا أثر له في التفضيل المذكور، وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك، فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل، فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص، ويؤيده ما روى البزار عن ابن مسعود قال: "كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب" رجاله موثقون، وهو محمول على أن ذلك قاله ابن مسعود بعد قتل عمر، وقد حمل حديث ابن عمر على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل، واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعا: "الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا" أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره.وقال الكرماني: لا حجة في قوله: "كنا نترك" لأن الأصوليين اختلفوا في صيغة "كنا نفعل" لا في صيغة كنا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني، وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن، ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه. ثم قال: ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان وقع لهم في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك لهم، وقد مضت تتمة هذا في مناقب أبي بكر، والله أعلم. قوله: "تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز" أي ابن أبي سلمة بإسناده المذكور، وابن صالح هذا هو الجهني كاتب الليث، وقيل هو العجلي والد أحمد صاحب" كتاب الثقات" والله أعلم. وكأن البخاري أراد بهذه المتابعة إثبات الطريق إلى عبد العزيز بن أبي سلمة لأن عباسا الدوري روى هذا الحديث عن شاذان فقال: "عن الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع" فكأن لشاذان فيه شيخين، والله أعلم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي عمار والرمادي وعثمان بن أبي شيبة وغير واحد عن أسود بن عامر المذكور، وكذلك رواه عن عبد العزيز عبدة أبو سلمة الخزاعي وحجين بن المثنى. قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل. قوله: "عثمان هو ابن موهب" نسبه إلى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم، بصري تابعي وسط من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم، وفي الرواة آخر يقال له عثمان بن موهب بصري أيضا لكنه أصغر من هذا، روى عن أنس، روى عنه زيد بن الحباب وحده أخرج له النسائي. قوله: "جاء رجل من أهل مصر وحج البيت" لم أقف على اسمه ولا على اسم من أجابه من القوم ولا على أسماء القوم، وسيأتي في تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} من سورة البقرة ما قد يقرب أنه العلاء بن عيزار، وهو بمهملات، وكذا في مناقب علي بعد هذا، ويأتي في سورة الأنفال
(7/58)
أن الذي باشر السؤال اسمه حكيم، وعليه اقتصر شيخنا ابن الملقن، وهذا كله بناء على أن الحديثين في قصة واحدة. قوله: "قال فمن الشيخ" أي الكبير "فيهم" الذي يرجعون إلى قوله. قوله: "هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد إلخ" الذي يظهر من سياقه أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده فيه، ولذلك كبر مستحسنا لما أجابه به ابن عمر. قوله: "قال ابن عمر: تعال أبين لك" كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبر، وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب، وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها: أما الفرار فبالعفو، وأما التخلف فبالأمر، وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الأمرين الدنيوي وهو السهم والأخروي وهو الأجر، وأما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا، ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد أنه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له: لم ترفع صوتك علي؟ فذكر الأمور الثلاثة، فأجابه بمثل ما أجاب به ابن عمر. قال في هذه: فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني. قوله: "فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له" يريد قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} . قوله: "وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" هي رقية، فروى الحاكم في"المستدرك" من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر، فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة، وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة، قال ابن إسحاق: ويقال إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين. قوله: "فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان" أي على من بها "لبعثه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "مكانه" أي بدل عثمان. قوله: "فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان" أي بعد أن بعثه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين، فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان. وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل، فكان ذلك سبب السعة، وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة الحديبية من المغازي. قوله: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بيده اليمنى" أي أشار بها. قوله: "هذه يد عثمان" أي بدلها، فضرب بها على يده اليسرى فقال: "هذه - أي البيعة - لعثمان" أي عن عثمان. قوله: "فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك" أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان. وقال الطيبي. قال له ابن عمر تهكما به، أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك، وسيأتي بقية لما دار بينهما في ذلك في مناقب علي إن شاء الله تعالى. "تنبيه": وقع هنا عند الأكثر حديث أنس المذكور قبل بحديثين، والذي أوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر، والخطب في ذلك سهل.
(7/59)
8 - باب قِصَّةِ الْبَيْعَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ رضى الله عنه
وَفِيهِ مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
3700- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن ميمون قال
"رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة
بن اليمان وعثمان بن حنيف
(7/59)
قال كيف فعلتما أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة ما فيها كبير فضل قال انظرا أن تكوناحملتما الأرض ما لا تطيق قال قالا لا فقال عمر لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا قال فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب قال إني لقائم ما بيني بينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فإنهم لا أنهم قد عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس وقائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من البغوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفافلا علي ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال بن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفي له مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبه فسلم
(7/60)
واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان من شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف قال ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة وقال أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم وأوصيه بذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم فلما قبض خرجنا به فانطلقنا عبد الله بن عمر قال يستأذن عمر بن الخطاب قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمع
(7/61)
ولتطيعن ثم خلا وصله فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال ارفع
يدك يا عثمان فبايعه فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه"
قوله "باب قصة البيعة" أي بعد عمر قوله "والاتفاق على عثمان"
زاد السرخسي في روايته ومقتل عمر بن الخطاب قوله عن عمرو بن ميمون هو الأزدي وهذا
الحديث بطوله قد رواه عن عمرو بن ميمون أيضا أبو إسحاق السبيعي وروايته ثم بن أبي
شيبة والحارث وابن سعد وفي روايته زوائد ليست في رواية حصين وروى بعض قصة مقتل عمر
أيضا أبو رافع وروايته ثم أبي يعلى وابن حبان وجابر وروايته ثم بن أبي عمر وعبد
الله بن عمر وروايته في الأوسط للطبراني ومعدان بن أبي طلحة وروايته ثم مسلم وعند
كل منهم ما ليس ثم الاخر وساذكر ما فيها وفي غيرها من فائدة زائدة ان شاء الله
تعالى قوله رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل ان يصاب أي قبل ان يقتل بأيام أي
أربعة كما سيأتي قوله بالمدينة أي بعد ان صدر من الحج وقد تقدم في الجنائز من حديث
بن عباس ان ذلك كان لما رجع من الحج وفيه قصة صهيب ويأتي في الاحكام بنحو ذلك وكان
ذلك سنة ثلاث وعشرين بالاتفاق قوله ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال
كيف فعلتما أتخافان ان تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق الأرض المشار إليها هي
وكان عمر بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية بين ذلك أبو عبيد في كتاب
الأموال من رواية عمرو بن ميمون المذكور وقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن
الحذر لأنه يستلزم النظر قوله قالا حملناها أمرا هي له مطيقة في رواية بن أبي شيبة
عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد فقال حذيفة لو شئت لأضعفت ارضي أي جعلت
خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت ارضي أمرا هي له مطيقة وله من طريق
الحكم عن عمرو بن ميمون ان عمر قال لعثمان بن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى
كل جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم قوله اني لقائم أي في الصف
ننتظر صلاة الصبح قوله مابيني وبينه أي عمر الا عبد الله بن عباس في رواية أبي
إسحاق الا رجلان قوله وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن أي في
الصفوف وفي رواية الكشميهني فيهم أي في أهلها خللا تقدم فكبر وفي رواية الإسماعيلي
من طريق جرير عن حصين وكان إذا دخل المسجد واقيمت الصلاة تأخر بين كل صفين فقال
استووا حتى لا يرى خللا ثم يتقدم ويكبر وفي رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون شهدت
عمر يوم طعن فما منعني ان اكون في الصف الا هيبته وكان رجلا مهيبا وكنت في الصف
الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من
الصف أو متأخرا ضربه بالدرة فذلك الذي منعني منه قوله قتلني أو أكلني الكلب حين
طعنه في رواية جرير فتقدم فما هو الا ان كبر فطعنه أبو لؤلؤة فقال قتلني الكلب في
رواية أبي إسحاق المذكورة فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فتأخر بعيد ثم
طعنه ثلاث طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي
لؤلؤة فيروز كما سيأتي فروى بن سعد بإسناد صحيح الى الزهري قال كان عمر لا يأذن
لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له
غلاما عنده
(7/62)
صانعا ويستأذنه ان يدخله المدينة ويقول ان عنده اعمالا تنفع الناس انه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكى الى عمر شدة الخراج فقال له ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال الم أحدث انك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت اليه عابسا فقال لاصنعن لك رحى يتحدث الناس بها فاقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب اليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته وفي حديث أبي رافع كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة وكان يستغله أربعة دراهم أي كل يوم فلقي عمر فقال ان المغيرة اثقل علي فقال اتق الله واحسن اليه ومن نية عمر ان يلقى المغيرة فيكلمه فيخفف عنه فقال العبد وسع الناس عدله غيري واضمر على قتله فاصطنع له خنجرا له رأسان وسمه فتحرى صلاة الغداة حتى قام عمر فقال اقيموا صفوفكم فلما كبر طعنه في كتفه وفي خاصرته فسقط وعند مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة ان عمر خطب فقال رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات الا حضور اجلي وفي رواية جويرية بن قدامة عن عمر نحوه وزاد فما مر الا تلك الجمعة حتى طعن وعند بن سعد من رواية سعيد بن أبي هلال قال بلغني ان عمر ذكر نحوه وزاد فحدثتها أسماء بنت عميس فحدثتني انه يقتلني رجل من الأعاجم وروى عمر بن شبة في كتاب المدينة من حديث بن عمر بإسناد حسن ان عمر دخل بأبي لؤلؤة البيت ليصلح له ضبة له فقال له مر المغيرة ان يضع عني من خراجي قال انك لتكسب كسبا كثيرا فاصبر الحديث وللطبراني في الأوسط بسند صحيح عن المبارك بن فضالة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر طعن أبو لؤلؤة عمر طعنتين ويحمل على انه لم يذكر الثالثة التي قتلته قوله حتى طعن ثلاثة عشر رجلا في رواية أبي إسحاق اثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر زاد بن سعد من رواية إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون وعلى عمر ازار اصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا قوله مات منهم سبعة أي وعاش الباقون ووقفت من اسمائهم على كليب بن البكير الليثي وله ولأخوته عاقل وعامر وإياس صحبة، فروينا في "جزء أبي الجهم" بالإسناد الصحيح إلى ابن عمر أنه "كان مع عمر صادرا من الحج، فمر بامرأة فدفنها كليب الليثي فشكر له ذلك عمر وقال: أرجو أن يدخله الله الجنة، قال فطعنه أبو لؤلؤة لما طعن عمر فمات" وروى عبد الرزاق من طريق نافع نحوه ومن طريق الزهري "طعن أبو لؤلؤة اثني عشر رجلا فمات منهم عمر وكليب" وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن في قصة قتل عمر" فطعن أبو لؤلؤة كليب بن البكير فأجهز عليه". قوله: "فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا" وقع في ذيل الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال: "حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال: فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له حطان التميمي اليربوعي طرح عليه برنسا" وهذا أصح مما رواه ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال: "طعن أبو لؤلؤة نفرا فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني سهم، وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه" فإن ثبت هذا حمل أن الكل اشتركوا في ذلك. وروى سعد عن الواقدي بإسناد آخر" أن عبد الله بن عوف المذكور احتز رأس أبي لؤلؤة". قوله: "وتناول عمر يد
(7/63)
عبد الرحمن بن عوف فقدمه" أي للصلاة بالناس. قوله: "فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة" في رواية أبي إسحاق" بأقصر سورتين في القرآن: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وزاد في رواية ابن شهاب المذكور" ثم غلب عمر النزف حتى غشي عليه، فاحتملته في رهط حتى أدخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى أسفر فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ فقلت نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم توضأ وصلى" وفي رواية ابن سعد من طريق ابن عمر قال: "فتوضأ وصلى فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية يا أيها الكافرون، قال: وتساند إلي وجرحه يثغب دما، إني لأضع أصبعي الوسطى فما تسد الفتق". قوله: "فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني" في رواية أبي إسحاق "فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس: أعن ملأ منكم كان هذا؟ فقالوا: معاذ الله، ما علمنا ولا اطلعنا" وزاد مبارك بن فضالة "فظن عمر أن له ذنبا إلى الناس لا يعلمه فدعا ابن عباس - وكان يحبه ويدنيه - فقال: أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون، فكأنما فقدوا أبكار أولادهم، قال ابن عباس: فرأيت البشر في وجهه. قوله: "الصنع" بفتح المهملة والنون. وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن أبي شيبة وابن سعد "الصناع" بتخفيف النون، قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع اليد، وحكى أبو زيد الصناع والصنع يقعان معا على الرجل والمرأة. قوله: "لم يجعل ميتتي" بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة أي قتلتي. وفي رواية الكشميهني: "منيتي" بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية. قوله: "رجل يدعي الإسلام" في رواية ابن شهاب "فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط" وفي رواية مبارك بن فضالة "يحاجني بقول لا إله إلا الله"، ويستفاد من هذا أن المسلم إذا قتل متعمدا ترجى له المغفرة خلافا لمن قال إنه لا يغفر له أبدا، وسيأتي بسط ذلك في تفسير سورة النساء. وفي رواية ابن أبي شيبة: "قاتله الله، لقد أمرت به معروفا" أي أنه لم يخف عليه فيما أمره به، وفي حديث جابر" فقال عمر: لا تعجلوا على الذي قتلني، فقيل: إنه قتل نفسه، فاسترجع عمر، فقيل له إنه أبو لؤلؤة، فقال الله أكبر". قوله: "قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة" في رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين عن ابن عباس" فقال عمر: هذا من عمل أصحابك، كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني" وله من طريق أسلم مولى عمر قال: "قال عمر من أصابني؟ قالوا أبو لؤلؤة واسمه فيروز، قال قد نهيتكم أن تجلبوا عليها من علوجهم أحدا فعصيتموني" ونحوه في رواية مبارك بن فضالة، وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال: "بلغني أن العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء: إن عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج". قوله: "إن شئت فعلت" قال ابن التين: إنما قال له ذلك لعلمه بأن عمر لا يأمر بقتلهم. قوله: "كذبت" هو على ما ألف من شدة عمر في الدين، لأنه فهم من ابن عباس من قوله: "إن شئت فعلنا" أي قتلناهم فأجابه بذلك، وأهل الحجاز يقولون "كذبت" في موضع أخطأت، وإنما قال له "بعد أن صلوا" لعلمه أن المسلم لا يحل قتله، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم. قوله: "فأتي بنبيذ فشربه" زاد في حديث أبي رافع "لينظر ما قدر جرحه" وفي رواية أبي إسحاق "فلما أصبح دخل عليه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ، فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه، فقال: هذا صديد ائتوني بلبن، فأتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فقال الطبيب: أوص فإني لا أظنك إلا ميتا من يومك أو من غد".قوله: "فخرج من جوفه" في رواية الكشميهنيمن
(7/64)
"من مجرحه" وهي أصوب. وفي رواية أبي رافع" فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم" وفي روايته: "فقالوا لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال: إن يكن القتل بأسا فقد قتلت" وفي رواية ابن شهاب قال: "فأخبرني سالم قال: سمعت ابن عمر يقول: فقال عمر: أرسلوا إلي طبيب ينظر إلى جرحي، قال: فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، قال فدعوت طبيبا آخر من الأنصار فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة أبيض فقال: اعهد يا أمير المؤمنين. فقال عمر: صدقني، ولو قال غير ذلك لكذبته" وفي رواية مبارك بن فضالة "ثم دعا بشربة من لبن فشربها فخرج مشاش اللبن من الجرحين فعرف أنه الموت فقال: الآن لو أن لي الدنيا كلها لافتديت به من هول المطلع، وما ذاك والحمد لله أن أكون رأيت إلا خيرا". "تنبيه": المراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذت في ماء أي نقعت فيه، كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء، وسيأتي بسط القول فيه في الأشربة. قوله: "وجاء الناس يثنون عليه" في رواية الكشميهني: "فجعلوا يثنون عليه" ووقع في حديث جابر عند ابن سعد من تسمية من أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف. وأنه أجابه بما أجاب به غيره. وروى عمر بن شبة من طريق سليمان بن يسار أن المغيرة أثنى عليه وقال له هنيئا لك الجنة وأجابه بنحو ذلك. وروى ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة أنه ممن دخل على عمر حين طعن. وعند ابن سعد من طريق جويرية بن قدامة "فدخل عليه الصحابة ثم أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق، فكلما دخل عليه قوم بكوا وأثنوا عليه" وقد تقدم طرف منه من هذا الوجه في الجزية، ووقع في رواية أبي إسحاق عند ابن مسعد" وأتاه كعب - أي كعب الأحبار - فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيدا، وإنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب". قوله: "وجاء رجل شاب" في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز" وولج عليه شاب من الأنصار" وقد وقع في رواية سماك الحنفي عن ابن عباس عند ابن سعد أنه أثنى على عمر فقال له نحوا مما قال هنا للشاب، فلو [لا أنه] قال في هذه الرواية إنه من الأنصار لساغ أن يفسر المبهم بابن عباس، لكن لا مانع من تعدد المثنين مع اتحاد جوابه كما تقدم. ويؤيده أيضا أن في قصة هذا الشام أنه لما ذهب رأى عمر إزاره يصل إلى الأرض فأنكر عليه، ولم يقع ذلك في قصة ابن عباس، وفي إنكاره على ابن عباس ما كان عليه من الصلابة في الدين، وأنه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الأمر بالمعروف، وقوله: "ما قد علمت" مبتدأ وخبره "لك" وقد أشار إلى ذلك ابن مسعود فروى عمر بن شبة من حديثه نحو هذه القصة وزاد: "قال عبد الله يرحم الله عمر، لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق". قوله: "وقدم" بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق. قوله: "ثم شهادة" بالرفع عطفا على ما قد علمت، وبالجر عطفا على صحبة، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف والأول أقوى، وقد وقع في رواية ابن جرير "ثم الشهادة بعد هذا كله". قوله: "لا علي ولا لي" أي سواء بسواء. قوله: "أنقى لثوبك" بالنون ثم القاف للأكثر، وبالموحدة بدل النون للكشميهني، ووقع في رواية المبارك بن فضالة قال ابن عباس: وإن قلت ذلك فجزاك خيرا، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إسلامك عزا، وظهر بك الإسلام، وهاجرت فكانت هجرتك فتحا، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين، ثم قبض وهو عنك راض، ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم فضربت من أدبر بمن أقبل، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض، ثم وليت بخير ما ولى الناس: مصر الله بك الأمصار، وجيا بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل بك على أهل
(7/65)
بيت من سيوسعهم في دينهم وأرزاقهم، ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئا لك. فقال: والله إن المغرور من تغرونه. ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة، فقال: نعم. فقال: اللهم لك الحمد" وفي رواية مبارك بن فضالة أيضا: "قال الحسن البصري - وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه فقال -: هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وعزة. والله ما وجدت إنسانا ازداد إحسانا إلا وجدته ازداد مخافة وشفقة، ولا ازداد إساءة إلا ازداد عزة". قوله: "يا عبد الله بن عمر، انظر ماذا علي من الدين. فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه" في حديث جابر "ثم قال: يا عبد الله، أقسمت عليك بحق الله وحق عمر إذا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفا فتضعها في بيت مال المسلمين، فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: أنفقتها في حجج حججتها، وفي نوائب كانت تنوبني" وعرف بهذا جهة دين عمر. قال ابن التين: قد علم عمر أنه لا يلزمه غرامة ذلك، إلا أنه أراد أن لا يتعجل من عمله شيء في الدنيا. ووقع في "أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زبالة" أن دين عمر كان ستة وعشرين ألفا، وبه جزم عياض، الأول هو المعتمد. قوله: "إن وفى له مال آل عمر" كأنه يريد نفسه، ومثله يقع في كلامهم كثيرا، ويحتمل أن يريد رهطه. وقوله: "وإلا فسل في بني عدي بن كعب" هم البطن الذي هو منهم، وقريش قبيلته، وقوله: "لا تعدهم" بسكون العين أي لا تتجاوزهم، وقد أنكر نافع مولى ابن عمر أن يكون على عمر دين، فروى عمر بن شبة في "كتاب المدينة" بإسناد صحيح أن نافعا قال: من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف؟ انتهى. وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين. فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه، فلعل نافعا أنكر أن يكون دينه لم يقض. قوله: "فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا" قال ابن التين: إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت، إشارة بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين، وسيأتي في كتاب الأحكام ما يخالف ظاهره ذلك، فيحمل هذا النفي على ما أشار إليه ابن التين أنه أراد أن يعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر. قوله: "ولأوثرنه به اليوم على نفسي" استدل به وباستئذان عمر لها على ذلك أنها كانت تملك البيت، وفيه نظر، بل الواقع أنها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا يورث عنها، وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شيء من هذا في أواخر الجسر، وتقدم فيه وجه الجمع بين قول عائشة" لأوثرنه على نفسي" وبين قولها لابن الزبير "لا تدفني عندهم" باحتمال أن تكون ظنت أنه لم يبق هناك وسع ثم تبين لها إمكان ذلك بعد دفن عمر، ويحتمل أن يكون مرادها بقولها "لأوثرنه على نفسي" الإشارة إلى أنها لو أذنت في ذلك لامتنع عليها الدفن هناك لمكان عمر لكونه أجنبيا منها بخلاف أبيها وزوجها، ولا يستلزم ذلك أن لا يكون في المكان سعة أم لا، ولهذا كانت تقول بعد أن دفن عمر" لم أضع ثيابي عني منذ دفن عمر في بيتي" أخرجه ابن سعد وغيره، وروى عنها في حديث لا يثبت أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه فقال لها: "وأنى لك بذلك وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم" وفي "أخبار المدينة" من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال: "إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام". قوله: "ارفعوني" أي من الأرض، كأنه كان مضطجعا فأمرهم أن يقعدوه. قوله: "فأسنده رجل إليه" لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه ابن عباس ويؤيده ما في رواية المبارك أن ابن عباس لما فرغ من الثناء عليه قال: "فقال له
(7/66)
عمر: ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، قال ابن عباس: فوضعته
من فخذي على ساقي فقال: ألصق خدي بالأرض، فوضعته حتى وضع لحيته وخده بالأرض فقال:
ويلك عمر إن لم يغفر الله لك". قوله: "ما كان شيء أهم إلي من ذلك"
وقوله: "إذا مت فاستأذن"(1) ذكر ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك أن عمر
كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه وأن ترجع عن ذلك بعد موته، فأراد أن لا
يكرهها على ذلك، وقد تقدم ما فيه في أواخر الجنائز. قوله: "وجاءت أم المؤمنين
حفصة" أي بنت عمر. قوله: "فولجت عليه" أي دخلت على عمر فمكثت. وفي
رواية الكشميهني: "فبكت" وذكر ابن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معد
يكرب أنها قالت: "يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا صهر رسول الله،
يا أمير المؤمنين. فقال عمر: لا صبر لي على ما أسمع، أحرج عليك بمالي عليك من الحق
أن تندبينني بعد مجلسك هذا، فأما عينيك فلن أملكهما". قوله: "فولجت
داخلا لهم" أي مدخلا كان في الدار. قوله: "فقالوا: أوص يا أمير
المؤمنين، استخلف" سيأتي في الأحكام ما يدل على أن الذي قال له ذلك هو عبد
الله بن عمر، وروى ابن شبة بإسناد فيه انقطاع أن أسلم مولى عمر قال لعمر حين وقف
لم يول أحدا بعده "يا أمير المؤمنين، ما يمنعك أن تصنع كما صنع أبو بكر"
ويحتمل أن يكون ذلك قبل أن يطعنه أبو لؤلؤة، فقد روى مسلم من طريق معدان بن أبي
طلحة أن عمر قال في خطبته قبل أن يطعن "إن أقواما يأمرونني أن أستخلف".
قوله: "من هؤلاء النفر أو الرهط" شك من الراوي. قوله: "فسمى عليا
وعثمان إلخ" وقع عند ابن سعد من رواية ابن عمر أنه ذكر عبد الرحمن بن عوف
وعثمان وعليا، وفيه: "قلت لسالم أبدأ بعبد الرحمن بن عوف قبلهما؟ قال:
نعم" فدل هذا على أن الرواة تصرفوا لأن الواو لا ترتب، واقتصار عمر على الستة
من العشرة لا إشكال فيه لأنه منهم، وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبل
ذلك، أما سعيد بن زيد فهو ابن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبري من
الأمر، وقد صرح في رواية المدايني بأسانيده أن عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي
صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه، وقد
صرح بذلك المدايني بأسانيده قال: "فقال عمر: لا أرب لي في أموركم فأرغب فيها
لأحد من أهلي". قوله: "وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر" ووقع في
رواية الطبري من طريق المدايني بأسانيده قال: "فقال له رجل: استخلف عبد الله
بن عمر، قال: والله ما أردت الله بهذا" وأخرج ابن سعد بسند صحيح من مرسل
إبراهيم النخعي نحوه قال: "فقال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا،
أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته". قوله: "كهيئة التعزية له" أي
لابن عمر، لأنه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من
أهل المشاورة في ذلك. وزعم الكرماني أن قوله: "كهيئة التعزية له" من
كلام الراوي لا من كلام عمر، فلم أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال.
وذكر المدايني أن عمر قال لهم: "إذا اجتمع ثلاثة على رأي فحكموا عبد الله بن
عمر، فإن لم ترضوا بحكمه فقدموا من معه عبد الرحمن بن عوف". قوله: "فإن
أصابت الإمرة" بكسر الهمزة، وللكشميهني الإمارة "سعدا" يعني ابن
أبي وقاص، وزاد المدايني" وما أظن أن يلي هذا الأمر إلا علي أو عثمان فإن ولي
عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي علي فستختلف عليه الناس، وإن ولي سعد وإلا فليستعن
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق" هكذا في نسخ الصرح، ولعله رواية له". والذى
تقدم في المتن" فاذا أنا قضيت فاحملونى،ثم سلم: يستاذن عمر"
(7/67)
به الوالي". ثم قال لأبي طلحة: إن الله قد نصر بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلا من الأنصار، واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم. قوله: "وقال: أوصي الخليفة من بعدي" في رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون" فقال ادعوا لي عليا وعثمان وعبد الرحمن وسعدا والزبير، وكان طلحة غائبا" قال فلم يكلم أحدا منهم غير عثمان وعلي فقال: "يا علي، لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله وصهرك وما آتاك الله من الفقه والعلم فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه". ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان" فذكر له نحو ذلك. ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق في قصة عثمان" فإن ولوك هذا الأمر فاتق الله فيه ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس" ثم قال: "ادعوا لي صهيبا" فدعي له فقال: "صل بالناس ثلاث. وليحل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه" فلما خرجوا من عنه قال: "إن تولوها الأجلح يسلك بهم الطريق. فقال له ابنه: ما يمنعك يا أمير المؤمنين منه؟ قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا" وقد اشتمل هذا الفصل على فوائد عديدة، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح قال: "دخل الرهط على عمر، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا، فإن كان فهو فيكم، وإنما الأمر إليكم - وكان طلحة يومئذ غائبا في أمواله - قال: فإن كان قومكم لا يؤمرون إلا لأحد الثلاثة عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي فمن ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا" ثم قال عمر: "أمهلوا فإن حدث لي حدث فليصل لكم صهيب ثلاثا فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه". قوله: "بالمهاجرين الأولين" هم من صلى إلى القبلتين، وقيل: من شهد بيعة الرضوان، والأنصار سيأتي ذكرهم في باب مفرد. وقوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ} أي سكنوا المدينة قبل الهجرة، وقوله: {وَالْأِيمَانَ} ادعى بعضهم أنه من أسماء المدينة وهو بعيد، والراجح أنه ضمن"تبوءوا" معنى لزم أو عامل نصبه محذوف وتقديره واعتقدوا، أو أن الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم وكأنهم نزلوه، والله أعلم. قوله: "فإنهم ردء الإسلام" أي عون الإسلام الذي يدفع عنه "وغيظ العدو" أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم. قوله: "وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم" أي إلا ما فضل عنهم، في رواية الكشميهني: "ويؤخذ منهم" والأول هو الصواب. قوله: "من حواشي أموالهم" أي التي ليست بخيار، والمراد بذمة الله أهل الذمة، والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو لهم. وقد استوفى عمر في وصيته جميع الطوائف لأن الناس إما مسلم وإما كافر، فالكافر إما حربي ولا يوصى به وإما ذمي وقد ذكره، والمسلم إما مهاجري وإما أنصاري أو غيرهما، وكلهم إما بدوي وإما حضري، وقد بين الجميع. ووقع في رواية المدايني من الزيادة "وأحسنوا مؤازرة من يلي أمركم وأعينوه وأدوا إليه الأمانة". وقوله: "ولا يكلفوا إلا طاقتهم" أي من الجزية. قوله: "فانطلقنا" في رواية الكشميهني: "فانقلبنا أي رجعنا". قوله: "فوضع هنالك مع صاحبيه" اختلف في صفة القبور المكرمة الثلاثة، فالأكثر على أن قبر أبي بكر وراء قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر وراء قبر أبي بكر. وقيل: إن قبره صلى الله عليه وسلم مقدم إلى القبلة، وقبر أبي بكر حذاء منكبيه. وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر. وقيل: قبر أبي بكر عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجليه. وقيل: قبر أبي بكر عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر عند رجلي أبي بكر. وقيل: غير ذلك كما تقدم بيانه وذكر أدلته في أواخر كتاب الجنائز. قوله: "فقال عبد الرحمن" هو ابن عوف.قوله: "اجعلوا أمركم إلى ثلاثة" أي في الاختيار ليقل الاختلاف، كذا قال ابن التين وفيه نظر، وصرح المدايني في روايته بخلاف ما قاله.
(7/68)
قوله: "فقال طلحة: قد جعلت أمري" فيه دلالة على أنه
حضر، وقد تقدم أنه كان غائبا عند وصية عمر، ويحتمل أنه حضر بعد أن مات وقيل أن يتم
أمر الشورى، وهذا أصح مما رواه المدايني أنه لم يحضر إلا بعد أن بويع عثمان. قوله:
"والله عليه والإسلام(1)" بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو
نحو ذلك. قوله: "لينظرن أفضلهم في نفسه" أي معتقده، زاد المدايني في
رواية: "فقال عثمان: أنا أول من رضي. وقال علي: أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا
تخصن ذا رحم، قال نعم. ثم قال أعطوني مواثيقكم أن تكونوا معي على من خالف".
قوله: "فأسكت" بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا أسكتهما، ويجوز فتح
الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت، والمراد بالشيخين علي وعثمان. قوله: "فأخذ بيد
أحدهما" هو علي وبقية الكلام يدل عليه، ووقع مصرحا به في رواية ابن فضيل عن
حصين. قوله: "والقدم" بكسر القاف وفتحها وقد تقدم، زاد المدايني أنه قال
له "أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط؟
قال: عثمان". قوله: "ما قد علمت" صفة أو بدل عن القدم. قوله:
"ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك" زاد المدايني أنه قال له كما قال لعلي
فقال علي وزاد فيه أن سعدا أشار عليه بعثمان، وأنه دار تلك الليالي كلها على
الصحابة ومن وافى المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان. وقد
أورد المصنف قصة الشورى في كتاب الأحكام من رواية حميد بن عوف عن المسور بن مخرمة
وساقها نحو هذا وأتم مما هنا، وسأذكر شرح ما فيها هناك إن شاء الله تعالى. وفي قصة
عمر هذه من الفوائد شفقته على المسلمين، ونصيحته لهم، وإقامته السنة فيهم، وشدة
خوفه من ربه، واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه، وأن النهي عن المدح
في الوجه مخصوص بما إذا كان غلو مفرط أو كذب ظاهر، ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن
مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره، والوصية بأداء الدين، والاعتناء بالدفن عند
أهل الخير والمشورة في نصب الإمام وتقديم الأفضل، وأن الإمامة تنعقد بالبيعة وغير
ذلك مما هو ظاهر بالتأمل، والله الموفق. وقال ابن بطال: فيه دليل على جواز تولية
المفضول على الأفضل منه لأن ذلك لو لم يجز لم يجعل الأمر شورى إلى ستة أنفس مع
علمه أن بعضهم أفضل من بعض، قال: ويدل على ذلك أيضا قول أبي بكر: "قد رضيت
لكم أحد الرجلين عمر وأبي عبيدة" مع علمه بأنه أفضل منهما. وقد استشكل جعل
عمر الخلافة في ستة ووكل ذلك إلى اجتهادهم، ولم يصنع ما صنع أبو بكر في اجتهاده
فيه، لأنه إن كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فصنيعه يدل على أن من عدا
الستة كان عنده مفضولا بالنسبة إليهم، وإذا عرف ذلك فلم يخف عليه أفضلية بعض الستة
على بعض، وإن كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فمن ولاه منهم أو من غيرهم
كان ممكنا، والجواب عن الأول يدخل فيه الجواب عن الثاني وهو أنه تعارض عنده صنيع
النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يصرح باستخلاف شخص بعينه وصنيع أبي بكر حيث صرح،
فتلك طريق تجمع التنصيص وعدم التعيين، وإن شئت قل تجمع الاستخلاف وترك تعيين
الخليفة وقد أشار بذلك إلى قوله: "لا أتقلدها حيا وميتا" لأن الذي يقع
ممن يستخلف بهذه الكيفية إنما ينسب إليه بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل، فعينهم
ومكنهم من المشاورة في ذلك والمناظرة فيه لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق من
معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي دار الهجرة وبها معظم الصحابة، وكل من كان ساكنا
غيرهم في بلد غيرها كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه.
ـــــــ
(1)الذى تقدم في المتن "والله عليه وكذا الاسلام"
(7/69)
9-باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيِّ
الْهَاشِمِيِّ أَبِي الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وقال النبي صلي الله عليه وسلم لعلي "أنت مني وأنا منك" وقال عمر
"توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنه راض"
3701-حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا
رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ
لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ
يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا يَشْتَكِي
عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ
فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ
يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى
تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا
يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لاَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ
بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"
3702-حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ
عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَخَرَجَ عَلِيٌّ
فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ
اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا
رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالُوا
هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ"
3703-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلاَنٌ لِأَمِيرِ الْمَدِينَةِ يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ
الْمِنْبَرِ قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ"
فَضَحِكَ قَالَ وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ فَاسْتَطْعَمْتُ
الْحَدِيثَ سَهْلًا وَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ ذَلِكَ" قَالَ دَخَلَ
عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ
إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى
ظَهْرِهِ فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ: اجْلِسْ يَا
أَبَا تُرَابٍ مَرَّتَيْنِ"
3704-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ
أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ
فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ قَالَ لَعَلَّ ذَاكَ
يَسُوءُكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَال: فَأَرْغَمَ
(7/70)
اللَّهُ بِأَنْفِكَ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ فَذَكَرَ
مَحَاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ: هُوَ ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوءُكَ؟ قَالَ
أَجَلْ قَالَ فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ
جَهْدَكَ"
3705-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ الْحَكَمِ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ
فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا فَأَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ
تَجِدْهُ فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ فَجَاءَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا
فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى
وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا
مِمَّا سَأَلْتُمَانِي إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا
وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا ،وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثً،ا
وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ"
3706-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "لِعَلِيٍّ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي
بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى" ؟
[الحديث 3706-طرفه في 4416]
3707-حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
"اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلاَفَ، حَتَّى
يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ
سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ الْكَذِبُ"
(قوله: "باب مناقب علي بن أبي طالب) أي ابن عبد المطلب (القرشي الهاشمي أبي
الحسن)وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه واسمه عبد مناف على
الصحيح.ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وكان قد رباه النبي صلى الله عليه
وسلم من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن
مات.وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت ابنة عمة أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي،
وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد وإسماعيل القاضي
والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر
مما جاء في علي وكأن السبب في ذلك أنه تأخر، ووقع الاختلاف في زمانه وخروج من خرج
عليه، فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة ردا على من
خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جدا.ثم كان من أمر علي ما كان
فنجمت طائفة أخرى حاربوه، ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة،
ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه، مضموما ذلك منهم إلى عثمان، فصار
الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة والمبتدعة من الخوارج والمحاربين له من بني أمية
وأتباعهم، فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك،
وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا
يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلا.وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة
قال: "أسلم
(7/71)
علي وهو ابن ثمان سنين" وقال ابن إسحاق "عشر
سنين" وهذا أرجحها، وقيل غير ذلك.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت
مني وأنا منك" هو طرف من حديث البراء بن عازب في قصة بنت حمزة، وقد وصله
المصنف في الصلح وفي عمرة القضاء مطولا، ويأتي شرحه في المغازي مستوفى إن شاء الله
تعالى.وقال عمر: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض" تقدم
ذلك في الحديث الذي قبله موصولا، وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل
ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر، وكتب بيعته إلى
الآفاق فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعدما حديث سلمة بن
الأكوع في المعنى سيأتي شرحه في المغازي.
وقوله: في الحديثين: "إن عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" أراد
بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.وفي الحديث
تلميح بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة
النفاق كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة
إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"
وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد.قوله: "عن أبيه" هو أبو حازم سلمة بن
دينار.قوله: "إن رجلا جاء إلى سهل بن سعد" لم أقف على اسمه.قوله:
"هذا فلان لأمير المدينة" أي عنى أمير المدينة، وفلان المذكور لم أقف
على اسمه صريحا، ووقع عند الإسماعيلي: "هذا فكان فلان ابن فلان".قوله:
"يدعو عليا عند المنبر، قال فيقول ماذا" في رواية الطبراني من وجه آخر
عن عبد العزيز بن أبي حازم" يدعوك لتسب عليا".قوله: "والله ما سماه
إلا النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أبا تراب. قوله: "فاستطعمت الحديث
سهلا" أي سألته أن يحدثني، واستعار الاستطعام للكلام لجامع ما بينهما من
الذوق للطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي.وفي رواية الإسماعيلي: "فقلت
يا أبا عباس كيف كان أمره".قوله: "أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد"
في رواية الطبراني كان بيني وبينه شيء فغاضبني. قوله: "وخلص التراب إلى
ظهره" أي وصل، في رواية الإسماعيلي: "حتى تخلص ظهره إلى التراب"
وكان نام أولا على مكان لا تراب فيه ثم تقلب فصار ظهره على التراب أو سفى عليه
التراب.قوله: "اجلس يا أبا تراب.مرتين" ظاهره أن ذلك أول ما قال له ذلك،
وروى ابن إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال: "نمت أنا وعلي في
غزوة العسيرة في نخل فما أفقنا إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله يقول
لعلي: قم يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب" وهذا إن ثبت حمل على أنه خاطبه
بذلك في هذه الكائنة الأخرى.ويروى من حديث ابن عباس أن سبب غضب علي كان لما آخى
النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد فذهب إلى المسجد،
فذكر القصة وقال في آخرها" قم فأنت أخي" أخرجه الطبراني، وعند ابن عساكر
نحوه من حديث جابر بن سمرة، وحديث الباب أصح، ويمتنع الجمع بينهما لأن قصة
المؤاخاة كانت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وتزويج علي بفاطمة
ودخوله عليها كان بعد ذلك بمدة والله أعلم.حديث ابن عمر.قوله: "حدثنا
حسين" هو ابن علي الجعفي، وأبو حصين بفتح أوله والمهملتين، وسعد بن عبيدة بضم
العين.قوله: "جاء رجل إلى ابن عمر" تقدم في مناقب عثمان.قوله:
"فذكر عن محاسن عمله" كأنه ضمن ذكر معنى أخبر فعداها بعن.وفي رواية
الإسماعيلي: "فذكر أحسن عمله" وكأنه ذكر له إنفاقه في جيش
(7/72)
أي ابن أبي وقاص.قوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعلي" بين سعد سبب ذلك من وجه آخر أخرجه المصنف في غزوة تبوك من آخر المغازي، وسيأتي بيان ذلك هناك إن شاء الله تعالى.قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" أي نازلا مني منزلة هارون من موسى، والباء زائدة.وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي: "رضيت رضيت" أخرجه أحمد، ولابن سعد من حديث البراء وزيد بن أرقم في نحو هذه القصة" قال: بلى يا رسول الله، قال: فإنه كذلك" وفي أول حديثهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي" لا بد أن أقيم أو تقيم، فأقام علي فسمع ناسا يقولون: إنما خلفه لشيء كرهه منه، فاتبعه فذكر له ذلك، فقال له الحديث، وإسناده قوي.ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال: قال معاوية لسعد: "ما منعك أن تسب أبا تراب؟ قال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه" فذكر هذا الحديث وقوله: "لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله وقوله: "لما نزلت: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهلي" وعند أبي يعلى عن سعد من وجه آخر لا بأس به قال لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته أبدا وهذا الحديث أعني حديث الباب دون الزيادة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غير سعد من حديث عمر وعلي نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم، وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي.وقريب من هذا الحديث في المعنى حديث جابر بن سمرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلي: من أشقى الأولين؟ قال: عاقر الناقة، قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم.قال: قاتلك" أخرجه الطبراني وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد، ومن حديث صهيب عند الطبراني، وعن علي نفسه عند أبي يعلى بإسناد لين، وعند البزار بإسناد جيد، واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة، فإن هارون كان خليفة موسى، وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق، أشار إلى ذلك الخطابي وقال الطيبي: معنى الحديث أنه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: "إلا أنه لا نبي بعدي" فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة بل من جهة ما دونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم بحياته والله أعلم وقد أخرج المصنف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع، منها حديث عمر "علي أقضانا" وسيأتي في تفسير البقرة.وله شاهد صحيح من حديث ابن مسعود عند الحاكم، ومنها حديث قتاله البغاة وهو حديث أبي سعيد "تقتل عمارا الفئة الباغية" وكان عمار مع علي، وقد تقدمت الإشارة إلى الحديث المذكور في الصلاة.ومنها حديث قتاله الخوارج وقد تقدم من حديث أبي سعيد في علامات النبوة، وغير ذلك مما يعرف بالتتبع، وأوعب من جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب "الخصائص" وأما حديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، وقد روينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب."تنبيه": وقع حديث سعد مؤخرا عن حديث علي في رواية أبي ذر ومقدما عليه في رواية الباقين، والخطب في ذلك قريب، والله أعلم.
(7/74)
10- - باب مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيّ&