Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم مجلد 14. محمد بن إدريس الشافعي

 

14.

كتاب الأم مجلد 14. محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  = كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصَلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَحْمُونَ الْحَامَ على وُجُوهٍ جِمَاعُهَا أَنْ يَكُونُوا مُؤَدِّينَ بِمَا يَصْنَعُونَ من ذلك حَقًّا عليهم من نَذْرٍ نَذْرُوَهُ فَوَفَّوْا بِهِ أو فَعَلُوهُ بِلَا نَذْرِهِمْ أو بِحَقٍّ وَجَبَ عليهم عِنْدَهُمْ فَأَدَّوْهُ وكان عِنْدَهُمْ إذَا فَعَلُوهُ خَارِجًا من أَمْوَالِهِمْ بِمَا فَعَلُوا فيه مِثْلَ خُرُوجِ ما أَخْرَجُوا إلَى غَيْرِهِمْ من الْمَالِكِينَ وَكَانُوا يَرْجُونَ بِأَدَائِهِ الْبَرَكَةَ في أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً مع التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَتُوجِدُنِي في كِتَابِ اللَّه عز وجل في غَيْرِ هذا بَيَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ في شَيْءٍ أَخْرَجَهُ إنْسَانٌ من مَالِهِ بِغَيْرِ عِتْقِ بَنِي آدَمَ رَجَعَ إلَى أَصْلِ مِلْكِهِ قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز ذِكْرُهُ { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا } وقال عز وجل { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } وفي الْإِجْمَاعِ أَنَّ من بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَالْبَائِعُ على أَصْلِ مِلْكِهِ لَا يَخْرُجُ من مِلْكِهِ إلَّا وَالْبَيْعُ فيه صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ تُنْكَحُ نِكَاحًا فَاسِدًا هِيَ على ما كانت عليه لَا زَوْجَ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ لِقَائِلٍ لو قال بِظَاهِرِ الْآيَةِ إذَا لم يَكُنْ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَبْطَلَ الشَّرْطَ في السَّائِبَةِ كما أَبْطَلَهُ في الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَكُلُّهَا على أَصْلِ مِلْكِهَا لِمَالِكِهَا لم تَخْرُجْ منه وَلَا عِتْقَ لِلسَّائِبَةِ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ فيها وَاحِدٌ ( قال ) وَهَذَا قَوْلٌ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَةُ لَا يَقُومُ وَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا يقول بِهِ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَبْلَهُ الذي ذَكَرْت أَنَّهُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وهو أَنَّ قَوْلَهُ جل وعز { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على ما جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ في الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ على الْبَهَائِمِ وَلَا تَكُونُ إلَّا مَمْلُوكَةً للادميين وَلَا تَخْرُجُ من مِلْكِ مَالِكِهَا منهم إلَّا إلَى مَالِكٍ منهم وَأَكْثَرُ السَّائِبَةِ إذَا كان من الْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ قبل التَّسْيِيبِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لَا تَمْلِكُ أَنْفُسَهَا كَهِيَ وإذا كان من الناس يُخْرِجُ من مِلْكِ مَالِكِهِ للادمي إلَى أَنْ يَصِيرَ مثله في الْحُرِّيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا كما يَكُونُ مُعْتِقُهُ مَالِكًا وكان الذي أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ اعلم من السَّائِبَةِ أَنْ يَكُونَ كما قال خَارِجًا من وَلَائِهِ بِشَرْطِهِ ذلك في عِتْقِهِ وَأَقَرَّ ولاؤه ( ( ( ولاءه ) ) ) لِمُعْتِقِهِ كما أَقَرَّ مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ لِمَالِكِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ هل على ما وَصَفْت دَلَالَةٌ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل تُبَيِّنُ ما قُلْت من خِلَافِ بَنِي آدَمَ لِلْبَهَائِمِ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ من الْأَمْوَالِ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ قِيلَ نعم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ قِيلَ قال اللَّه عز وجل { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } إلَى قَوْلِهِ { ذَا مَتْرَبَةٍ } وَدَلَّ على أَنَّ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامِ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ حين ذَكَرَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وقال اللَّهُ عز وجل في الْمُظَاهَرَةِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وقال تَبَارَكَ اسْمُهُ في الْقَاتِلِ خَطَأً { فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وقال في الْحَالِفِ { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أو كِسْوَتُهُمْ أو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وكان حُكْمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا مَلَّكَهُ الآدميون ( ( ( الآدميين ) ) ) من الْآدَمِيِّينَ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ من مِلْكِهِمْ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَكُّ الْمِلْكِ عَنْهُمْ بِالْعِتْقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان فِعْلُهُمْ يَجْمَعُ أُمُورًا منها أَمْرٌ وَاحِدٌ بِرٌّ في الْأَخْلَاقِ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ عز وجل في مَنْفَعَتِهِ ثُمَّ شَرَطُوا في ذلك الشَّيْءَ شَرْطًا ليس من الْبِرِّ فَأَنْفَذَ الْبِرَّ وَرَدَّ الشَّرْطَ الذي ليس من الْبِرِّ وهو أَنَّ أَحَدَهُمْ كان يُعْتِقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَمَعْنَى يُعْتِقُهُ سَائِبَةً هو أَنْ يَقُولَ أنت حُرٌّ سَائِبَةً فَكَمَا أَخْرَجْتُك من مِلْكِي وَمَلَّكْتُك نَفْسَك فَصَارَ مِلْكُك لَا يَرْجِعُ إلَيَّ بِحَالٍ أَبَدًا فَلَا يَرْجِعُ إلَيَّ وَلَاؤُك كما لَا يَرْجِعُ إلَيَّ مِلْكُك فَكَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بَدَأَ فيه ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عِنْدَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وكان الشَّرْطُ بِأَنَّ الْعِتْقَ سَائِبَةٌ لَا يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ شَرْطًا مُبْطِلًا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جل وَعَلَا { وَلَا سَائِبَةً } لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَ سَائِبَةً لم يَكُنْ بِرًّا كما لم تَكُنْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ على ما جَعَلَ مَالِكُهَا من تبحيرها وَتَوْصِيلِهَا وَحِمَايَةِ ظُهُورِهَا فلما أَبْطَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ شَرْطَ مَالِكِهَا فيها كانت على أَصْلِ مِلْكِ مَالِكِهَا قبل أَنْ يَقُولَ مَالِكُهَا ما قال

(6/184)


طَاعَةً لِلَّهِ عز وجل بِرًّا جَائِزًا وَلَا يَمْلِكُهُمْ آدَمِيٌّ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَالِكُهُمْ إلَى آدَمِيٍّ مِثْلِهِ وَيَثْبُتُ له الْمِلْكُ عليهم كما يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ بِأَيِّ وَجْهٍ صَيَّرَهُمْ إلَيْهِ قال فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في الْبَهَائِمِ ما وَصَفْت من أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عليها وَلَا تُزَايِلُ مِلْكَ صَاحِبِهَا ما كان حَيًّا إلَّا إلَى مَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ يقول فيه قد أَخْرَجْتهَا من مِلْكِي وكان هَكَذَا كُلُّ ما سِوَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَمْلِكُ بَنُو آدَمَ نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَدَلَالَةً بِمَا ذَكَرْت فِيمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ من بَهِيمَةٍ وَمَتَاعٍ وَمَالٍ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا في أَنَّ امرءا لو قال لِمَمَالِيكِهِ من الْآدَمِيِّينَ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقُوا وَلَوْ قال لِمِلْكِهِ من الْبَهَائِمِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ لم تُعْتَقْ بَهِيمَةٌ وَلَا غَيْرُ آدَمِيٍّ - * بَيَانُ مَعْنَى الْبَحِيرَةِ والسائبة ( ( ( السائبة ) ) ) والوصيلة ( ( ( الوصيلة ) ) ) وَالْحَامِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن ابيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها زَوْجِ النَّبِيّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها قالت جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالت إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي على تِسْعِ أَوَاقٍ في كل عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فقالت لها عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لهم عَدَدْتهَا وَيَكُونُ وَلَاؤُك لي فَعَلَتْ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فقالت لهم ذلك فَأَبَوْا عليها فَجَاءَتْ من عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَالِسٌ فقالت ( ( ( فقال ) ) ) إنِّي قد عَرَضْت ذلك عليهم فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لهم فَسَمِعَ بِذَلِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لهم الْوَلَاءَ فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها ثُمَّ قام رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال أَمَّا بَعْدُ فما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كان مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءً اللَّهُ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فقال أَهْلُهَا نَبِيعُكَهَا على أَنَّ وَلَاءَهَا لنا فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا يَمْنَعَنَّكِ ذلك فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ فقالت عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَصُبَّ لهم ثَمَنَك صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُك فَعَلْت فَذَكَرَتْ ذلك بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُك لنا قال مَالِكٌ قال يحيى فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا يَمْنَعَنَّكِ ذلك فَاشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وبن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا محمد بن الْحَسَنِ عن يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ أبي يُوسُفَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَانَ في حديث عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَرِيرَةَ في إبْطَالِ شَرْطِ مَالِكِيهَا الَّذِينَ بَاعُوهَا على عَائِشَةَ على أَنَّ الْوَلَاءَ لهم وَإِثْبَاتُهُ لِبَرِيرَةَ الْعِتْقُ دَلَالَةٌ على مِثْلِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا سَائِبَةٍ } فإن اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَبْطَلَ التَّسْيِيبَ إذَا شَرَطَ مَالِكُهُ أَنْ لَا يَكُونَ له وَلَاءُ الْمُعْتَقِ الْمُسَيَّبِ وَأَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرْطَ مَالِكِ بَرِيرَةَ الذي بَاعَهَا أَنَّ له الْوَلَاءَ دُونَ مُعْتِقِهَا وَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَكَانَ في قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مَعْنَيَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقٌ أَبَدًا يَزُولُ عنه الْوَلَاءُ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ عن نَفْسِهِ مع عِتْقٍ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا بِحَالٍ من الْحَالَات

(6/185)


اخْتِلَافُ دَيْنَيْنِ وَلَا غَيْرُهُ وَلَوْ زَالَ عن أَحَدٍ زَالَ عن عَائِشَةَ إذ لم تَمْلِكْ بَرِيرَةَ إلَّا بِشَرْطٍ تَعْتِقُهَا وَوَلَاؤُهَا لِلَّذِي مَلَكَهَا إيَّاهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وكان مُعْتَقُ السَّائِبَةِ مُعْتَقًا وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ له وَلَاءٌ وكان وَلَاؤُهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْتَقِلُ عنه وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِلْمُعْتِقِ فَمَنْ أَعْتَقَ من خَلْقِ اللَّهِ عز وجل مِمَّنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عليه كان الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هذا أَبَدًا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - * بَابُ تَفْرِيعِ الْعِتْقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ لَقِيته من فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ خِلَافًا فِيمَا قُلْت من أَنَّ وَلَاءَ السَّائِبَةِ وَالْمُؤْمِنِ يُعْتِقُهُ الْكَافِرُ لِمَنْ أَعْتَقَهُمَا وقد حَفِظْت عن بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ من أَهْلِ الحديث هذا وَخَالَفَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا في مِيرَاثِ السَّائِبَةِ فقال أَحَدُهُمْ يوالى من شَاءَ وقال آخَرُ لَا يُوَالِي من شَاءَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وقال قَائِلٌ هذا وإذا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وإذا أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الذي أَعْتَقَهُ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ كَافِرٌ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ كان وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا مَاتَ وَرِثُوهُ فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ قبل يَمُوتَ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ قد كان ثَبَتَ له الْوَلَاءُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ مُسْلِمُونَ كان وَلَاؤُهُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد وَصَفْت مَوْضِعَ الْحُجَّةِ على هذا الْقَوْلِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَصَفْت بَعْدَ هذا الْحُجَّةَ عليه وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَرَأَيْت إنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَعْتِقُ الْكَافِرَ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لِلْكَافِرِ على الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمَوْلَى كَافِرٌ يَخْرُجُ الْوَلَاءُ زَعَمَ من يَدَيْهِ بِإِسْلَامِهِ أَرَأَيْت إذَا زَعَمَ أَيْضًا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لم يَكُنْ له وَلَاؤُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ وَإِنْ كان لِلْكَافِرِ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كان لهم وَلَاؤُهُ فَكَيْفَ يَرِثُهُ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ بِأَنْ كان وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ مُسْلِمِينَ إذَا لم يَكُنْ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِمْ فَكَيْفَ يَرِثُونَهُ بِوَلَاءِ أَبِيهِمْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا في قَوْلِهِ كَأُسْوَةِ الْمُسْلِمِينَ في وَلَائِهِ وَكَيْفَ إذَا وَرِثُوهُ بِالْوَلَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إذَا كان كَافِرًا وَاَلَّذِي أَعْتَقَ كَافِرًا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَلَاءُ وقد أَحْرَزَهُ بَنُوهُ دُونَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وإذا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا له مُؤْمِنًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَكَذَلِكَ لو أَعْتَقَ مُؤْمِنٌ كَافِرًا وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمُ في الشَّكِّ في هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الذي أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَعْدُونَ أَبَدًا أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل دَلَالَةٌ في إبْطَالِ التَّسْيِيبِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وفي قَوْلِهِ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } فَنَسَبَهُمْ لِشَيْئَيْنِ إلَى الْآبَاءِ وَإِلَى الْوَلَاءِ كما نَسَبَهُمْ إلَى الْآبَاءِ نَسَبَهُمْ إلَى الْوَلَاءِ وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْتَ } وَلَوْ غَرَبَ على أَحَدٍ عِلْمُ هذا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل كان في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ دَلِيلٌ على أَنَّ الْمُسَيِّبَ وَالْمُؤْمِنَ يُعْتِقُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرَ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعْتِقِينَ فَيَكُونُ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنما الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ أو يَكُونُوا غير مَالِكِينَ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في أَنَّ من أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ لم يَكُنْ حُرًّا وَلَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ مُعْتِقِينَ - * الْخِلَافُ في السَّائِبَةِ وَالْكَافِرِ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ - *

(6/186)


فَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ دُونَهُ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ بِسَبَبِهِ فَالْوَلَاءُ له وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُ لِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَلْزَمُ قَائِلُ هذا الْقَوْلِ أَنْ يَسْأَلَ عن السَّائِبَةِ أَعْتَقَهَا مَالِكٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ قال لَا قِيلَ له فَلِمَ تُعْتَقْ السَّائِبَةُ وَلَوْ لم يُعْتِقْهَا مَالِكُهَا لم تُعْتَقْ وَيَلْزَمُهُ في الشَّبَهِ هذا في النَّصْرَانِيِّ مَالِكٌ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ قال النَّصْرَانِيُّ مَالِكٌ مُعْتَقٌ قِيلَ فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ قال لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ قال أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَرِثُهُ قِيلَ له وما لِلْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ فَإِنْ قال فَأَبِنْ أَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِيرَاثُهُ ثَبَتَ له الْوَلَاءُ عليه قِيلَ نعم أَرَأَيْت لو قَتَلَهُ مَوْلَاهُ أَيَرِثُهُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ له أَفَيَزُولُ وَلَاؤُهُ عنه فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما أَزَالَ الْمِيرَاثَ لَا يُزِيلُ الْوَلَاءَ فَإِنْ قال أَمَّا هَا هُنَا فَلَا قِيلَ فَكَيْفَ قُلْت هُنَاكَ ما قُلْت ما أَزَالَ الْمِيرَاثَ أَزَالَ الْوَلَاء وَقِيلَ له أما ( ( ( أنه ) ) ) رَأَيْت إذْ نَسَبَ اللَّهُ عز وجل إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى أبيه وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ بن نُوحٍ وهو كَافِرٌ إلَى أبيه نُوحٍ عليه السَّلَامُ أَرَأَيْته قَطَعَ الْأُبُوَّةَ بِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَيَرِثُ الْأَبُ ابْنَهُ وَالِابْنُ أَبَاهُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَتَنْقَطِعُ الْأُبُوَّةُ بِانْقِطَاعِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَكَيْفَ قَطَعْت الْوَلَاءَ ولم تَقْطَعْ النَّسَبَ وَهُمَا مَعًا سَبَبٌ إنَّمَا مُنِعَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وقد يُمْنَعُ بِأَنْ يَكُونَ دُونَهُ من يَحْجُبُهُ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ وَلَاءً وَلَا نَسَبًا وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ على قَائِلِ هذا الْقَوْلِ بِأَكْثَرَ من هذا وفي أَقَلَّ من هذا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * الْخِلَافُ في الْمُوَالِي - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَافَقَنَا بَعْضُ الناس في السَّائِبَةِ وَالْمُشْرِكِ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ فقال هذا الْقَوْلُ نَصُّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَنَا هَؤُلَاءِ من الْمَشْرِقِيِّينَ فَقَالُوا إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَلِلْمُسْلِمِ على يَدَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ وَهَكَذَا اللَّقِيطُ وَكُلُّ من لَا وَلَاءَ له يُوَالِي من شَاءَ وَيَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فيه فقال ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بن عُمَرَ حَدَّثَ عن بن مَوْهَبٍ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ على يَدَيْ رَجُلٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنت أَحَقُّ الناس بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ فَقِيلَ له إنْ كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا كُنْت قد خَالَفْته فقال وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَصَفْت يَدْخُلُ على من قال من أَهْلِ نَاحِيَتِنَا ما حَكَيْت وَأَكْثَرَ منه وَمِنْ مُخْتَصَرِ ما يَدْخُلُ عليه في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ } أَنَّهُ لَا بُدَّ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْطُلَ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ أو بَعْضُ أَمْرِهِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد ذَكَرَهُ مُبْطَلًا مع ما أَبْطَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ من الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ فَإِنْ قال يَبْطُلُ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ فَلَا يُجْعَلُ عِتْقُهُ عِتْقًا كما لَا تُجْعَلُ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ خَارِجَةً عن مِلْكِ مَالِكِيهَا فَهَذَا قَوْلٌ قد يَحْتَمِلُهُ سِيَاقُ الْآيَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل قد فَرَّقَ بين إخْرَاجِ الْآدَمِيِّينَ من مِلْكِ مَالِكِيهِمْ وَإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ فَأَجَزْنَا الْعِتْقَ في السَّائِبَةِ بِمَا أَجَازَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى من الْعِتْقِ وَأَمَرَ بِهِ منه وَلَمَّا أَجَزْنَا الْعِتْقَ في السَّائِبَةِ كنا مُضْطَرِّينَ إلَى أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الذي أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل من السَّائِبَةِ التَّسْيِيبَ وهو إخْرَاجُ الْمُعْتِقِ لِلسَّائِبَةِ وَلَاءَ السَّائِبَةِ من يَدَيْهِ فلما أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كان وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ مع دَلَائِلِ الْآيِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فِيمَا يُنْسَبُ فيه أَصْلُ الْوَلَاءِ إلَى من أَعْتَقَهُمْ

(6/187)


قال أنت أَحَقُّ الناس بِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ قال نعم قُلْت فما زَعَمْت ( 1 ) لَا يَدُلُّ على أَنَّ إسْلَامَ الْمَرْءِ على يَدَيْ الْمَرْءِ يُثْبِتُ له عليه ما يُثْبِتُ الْعِتْقُ على الْمُعْتِقِ لِلْمُعْتَقِ أَفَيَكُونُ له إذَا أَعْتَقَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قال لَا قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الحديث فَزَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ ما رضي بِهِ ولم يَنْتَقِلْ وإذا انْتَقَلَ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ عنه حتى يَعْقِلَ عنه أو رَأَيْت إذَا وَالَى فَكَانَ لو مَاتَ وَرِثَ الْمَوْلَى الْوَلَاءَ كَيْفَ كان له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ وقد ثَبَتَ الْوَلَاءُ عليه وَثَبَتَ له على عَاقِلَةِ الذي وَالَاهُ أَنْ يَعْقِلُوا عنه أو يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ في إسْلَامِ الْمَرْءِ على يَدَيْ غَيْرِهِ أو مُوَالَاتِهِ إيَّاهُ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُوَالَاةِ ما يَثْبُتُ بِالْعِتْقِ وما يَثْبُتُ من وَلَاءٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لم يَتَحَوَّلْ كما لَا يَتَحَوَّلُ النَّسَبُ أو يَكُونُ الْإِسْلَامُ وَالْمُوَالَاةُ لم يُثْبِتَا شيئا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من مَعَانِي النَّسَبِ وَلَا الْوَلَاءِ فَأَمَّا ما ذَهَبْت إلَيْهِ فَلَيْسَ وَاحِدًا من الْقَوْلَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّهُ ثَابِتٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ حتى يَعْقِلَ عنه أو رَأَيْت إنْ قالت الْعَاقِلَةُ لَا نَعْقِلُ عن هذا شيئا لِأَنَّ هذا لَا ذُو نَسَبٍ وَلَا مَوْلًى وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَنْتَقِلَ عنه فَاجْعَلْ لنا وَلِصَاحِبِنَا الذي وَالَاهُ الْخِيَارَ في أَنْ نَدْفَعَ وَلَاءَهُ فَالْمَوْلَى من أَعْلَى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ هذا له من الْمَوْلَى من أَسْفَلُ ما تَقُولُ له وَإِنْ جَازَ هذا لَك جَازَ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ لِلْأَعْلَى وَلَا يَجْعَلُهُ لِلْأَسْفَلِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْكُمَا أَرَأَيْت وَلَدًا إنْ كَانُوا لِلْمُسْلِمِ على يَدَيْ الرَّجُلِ وَكَانُوا لَا وَلَاءَ لهم أَيَجُرُّ ولاءهم ( ( ( ولاؤهم ) ) ) كما يَجُرُّهُ الْمُعْتِقُ لِلْأَبِ إذَا أَعْتَقَ قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فَقُلْهُ قال فإذا يَتَفَاحَشُ علي فَأَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ جَرَّ الْوَلَاءُ وإذا انْتَقَلَ بِهِ انْتَقَلَ وَلَاؤُهُ وَيَتَفَاحَشُ في أَنْ أَقُولَ قد كان لهم في أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ الذي له فَإِنْ قُلْت يَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَهُمْ قَطَعْت حُقُوقَهُمْ في أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قُلْت بَلْ لهم في أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ ما له زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ وَلِذَلِكَ أَقُولُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ قُلْت وَيَدْخُلُ عَلَيْك فيه أَفْحَشَ من هذا قال قد أَرَى ما يَدْخُلُ فيه أَثَابِتٌ الْحَدِيثُ قُلْت لَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ وَأَنَّ بن مَوْهَبٍ رَجُلٌ ليس بِالْمَعْرُوفِ بِالْحَدِيثِ ولم يَلْقَ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وهو غَيْرُ ثَابِتٍ من وَجْهَيْنِ وقد قُلْت في اللَّقِيطِ بِأَنَّ عُمَرَ قال لِمَنْ الْتَقَطَهُ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ قُلْت أنت تَقُولُ في اللَّقِيطِ أَنَّهُ يُوَالِي من شَاءَ قال نعم إنْ لم يُوَالِ عنه السُّلْطَانُ وإذا وَالَى عنه السُّلْطَانُ فَهَذَا حُكْمٌ عليه قُلْت أَفَتُثْبِتُ عليه مُوَالَاةَ السُّلْطَانِ فَلَا يَكُونُ له إذَا بَلَغَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ أو يَكُونَ له الِانْتِقَالُ بِوَلَائِهِ إذَا بَلَغَ قال فَإِنْ قُلْت بَلْ له الِانْتِقَالُ بِوَلَائِهِ كما يَكُونُ له أَنْ يُوَالِيَ ثُمَّ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فقلت ( ( ( قلت ) ) ) له فَمُوَالَاةُ السُّلْطَانِ إذًا عنه غَيْرُ حُكْمٍ عليه قال نعم وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُكْمًا عليه قُلْت الْمَسْأَلَةُ عَلَيْك لِأَنَّك بها تَقُولُ قال ما يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا على الْمُتَقَدِّمِ من الْخُصُومَةِ وما هَا هُنَا مُتَقَدِّمٌ من خصومة قُلْت فَقُلْ ما شِئْت قال فإذا قُلْت فَهُوَ حُكْمٌ قُلْت فَقَدْ رَجَعْت إلَى أَنْ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا على الْمُتَقَدِّمِ من خُصُومَةٍ وما ها هنا مُتَقَدِّمٌ من خُصُومَةٍ قال فَلَا أَقُولُهُ وَأَقُولُ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت ما رَوَيْت عن عُمَرَ وَلَا أَسْمَعُك تَصِيرُ إلَى شَيْءٍ إلَّا خَالَفْته قال فِيمَ تَرَكْت الْحَدِيثَيْنِ قُلْت بِالدَّلَالَةِ في السَّائِبَةِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَبْطُلَ التَّسْيِيبُ وَيَثْبُتَ الْعِتْقُ وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وما جَامَعْتنَا عليه في النَّصْرَانِيِّ بِمَعْنَى كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَنَصُّ سُنَّةِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَمَّا يَلْزَمُك فِيمَا جَامَعْتنَا عليه في النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مُعْتِقٌ فَلَزِمْت فِيهِمَا مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ اضْطَرَبَ قَوْلُك فَزَايَلْت مَعْنَاهُمَا قال ذَهَبْت إلَى حَدِيثٍ ثَبَتَ قُلْت أَمَّا الذي رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَأَمَّا الذي رَوَيْت عن عُمَرَ فَلَوْ ثَبَتَ لم يَكُنْ في أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مع أَنَّهُ ليس بين أَنْ يَثْبُتَ وفي قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مَعْنَيَانِ بَيِّنَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَزُولُ عَمَّنْ أَعْتَقَ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا لِمُعْتِقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ
____________________

(6/188)


الْوَلَاءُ لِغَيْرِ مُعْتِقٍ وَذَلِكَ أَنَّ من قال إنَّمَا أَرَدْت كَذَا فَقَدْ بَيَّنَ ما أَرَادَ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ أَرَادَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ إنَّمَا وَقَعْت بهذا الْمَعْنَى فَأَخَذْت بِأَحَدِ معني ( ( ( معنيي ) ) ) الحديث وَتَرَكْت الثَّانِي وَهَذَا ليس لَك وَلَا لِأَحَدٍ مع أنا وَإِيَّاكَ لَا نَخْتَلِفُ في أَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ من الْأَنْسَابِ لَا يَزُولُ قال أَجَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت رَجُلًا لَا أَبَ له وَلَا وَلَاءَ أَلَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى رَجُلٍ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا قال لَا يَجُوزُ النَّسَبُ إلَّا بِفِرَاشٍ أو في مَعْنَى فِرَاشٍ من الشَّبَهِ فإذا لم يَكُنْ فِرَاشٌ وَلَا مَعْنَى فِرَاشٍ وَذُكِرَا أَنَّهُمَا يَتَرَاضَيَانِ بِالنَّسَبِ فَلَا نَسَبَ قُلْت وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَنْفِيَ من وَلَدِ على فِرَاشِهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَنْفِيُّ قال لَا يَكُونُ ذلك لَهُمَا قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ من الْفِرَاشِ وَنَفْيَهُ من الْفِرَاشِ لِلنَّافِي وَلِلْمَنْفِيِّ وَغَيْرِهِمَا سي ( ( ( سيان ) ) ) فَيَكُونُ لِلْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ وَلِعَشِيرَتِهِ فيه حَقٌّ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عنه وَيَعْقِلُ عَنْهُمْ وَلَوْ جَازَ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ لم يَجُزْ على غَيْرِهِ مِمَّنْ له حَقٌّ في مِيرَاثِهِ وَعَقْلِهِ قال نعم قُلْت أَفَكَذَلِكَ تَجِدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ قال سَوَاءٌ قُلْت فَكَيْفَ لم تَقُلْ هذا في الْمَوْلَى الْمُوَالِي فَلَا تُثْبِتُهُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ له بِهِ الْحَقُّ على عَشِيرَتُهُ مِمَّنْ وَالَاهُ أَنْ يَعْقِلُوا عنه وَكَمَا لم يَزُلْ عَنْهُمْ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ أو يَثْبُتُ لهم عليه مِيرَاثٌ فَلَا تُعْطِيهِمْ وَلَا تَمْنَعُ منهم إلَّا بِأَمْرٍ ثَابِتٍ لِأَنَّ في ذلك حُكْمًا عليهم وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كان ولم يَكُنْ وَلَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كان ولم يَكُنْ قال وَذَكَرْت له غير هذا مِمَّا في هذا كِفَايَةٌ عنه قال فإن من أَصْحَابِك من وَافَقَك في الذي خَالَفْنَاك فيه من اللَّقِيطِ وَالْمَوَالِي وقال فيه قَوْلُك وَخَالَفَك في الذي وَافَقْنَاك فيه من السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قُلْت أَجَلْ وَحُجَّتُنَا عليه كَهِيَ عَلَيْك أو أَوْضَحُ لِأَنَّك قد ذَهَبْت إلَى شُبْهَةٍ لَا يَعْذُرُك بها أَهْلُ الْعِلْمِ وَيَعْذُرُك بها الْجَاهِلُ وَهُمْ لم يَذْهَبُوا إلَى شُبْهَةٍ يَعْذُرُ بها جَاهِلٌ وَلَا عَالِمٌ وَمُوَافَقَتُك حَيْثُ وَافَقْتنَا حُجَّةٌ عَلَيْك وَمُوَافَقَتُهُمْ حَيْثُ وَافَقُونَا حُجَّةٌ عليهم وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ من مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا في أَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمِينَ عَلِمُوا الْأُصُولَ فَكَانَ عليهم أَنْ يُتْبِعُوهَا الْفُرُوعَ فإذا زَيَّلُوا بين الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَأَخْرَجُوا الْفُرُوعَ من مَعَانِي الْأُصُولِ كَانُوا كَمَنْ قال بِلَا عِلْمٍ أو أَقَلَّ عُذْرًا منه لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا ما يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ عِلْمٍ بِهِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ مَعًا فَإِنْ قال قد يَغْبَوْنَ فِعْلَهُمْ قُلْت وَمَنْ غَبِيَ عنه مِثْلُ هذا الْوَاضِحِ كان حقا ( ( ( حقه ) ) ) عليه أَنْ لَا يُعَالِجَ الْفُتْيَا لِأَنَّ هذا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فيه أَحَدٌ لِوُضُوحِهِ - * تَفْرِيعُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّائِبَةُ إذَا كانت من الْإِبِلِ كَالْبَحِيرَةِ وَهَكَذَا الرَّقِيقُ إذْ أَخْرَجَهُمْ مَالِكُهُمْ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ كَالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمْ بِعِتْقٍ أو كِتَابَةٍ فَإِنَّهَا من أَسْبَابِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا قال اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } فَكَانَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ } الْآيَةَ دَلَالَةً على ما جَعَلَ اللَّهُ لَا على ما جَعَلْتُمْ وكان دَلِيلًا على أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ لَا يَنْفُذَ ما جَعَلْتُمْ وَكَانَتْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ من الْبَهَائِمِ التي لَا يَقَعُ عليها عِتْقٌ وكان مَالِكُهَا أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكِ آدَمِيٍّ مِثْلُهُ وَكَانَتْ الْأَمْوَالُ لَا تَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ كان الْمَرْءُ إذَا أَخْرَجَ من مِلْكِهِ شيئا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ أو غَيْرِ عَيْنِهِ كَمَنْ لم يُخْرِجْ من مِلْكِهِ شيئا وكان ثَابِتًا عليه كما كان قبل إخْرَاجِهِ وكان أَصْلُ هذا الْقَوْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَكُلُّ من أَخْرَجَ من مِلْكِهِ شيئا من بَهِيمَةٍ أو مَتَاعٍ أو غَيْرِهِ غير الْآدَمِيِّينَ فقال قد أَعْتَقْت هذا أو قد قَطَعْت مِلْكِي عن هذا أو وَهَبْت هذا أو بِعْته أو تَصَدَّقْت بِهِ ولم يُسَمِّ من وَهَبَهُ له وَلَا بَاعَهُ إيَّاهُ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ عليه بِعَيْنٍ وَلَا صِفَةٍ كان قَوْلُهُ بَاطِلًا وكان في مِلْكِهِ كما كان قبل أَنْ يَقُولَ ما قال ولم يَخْرُجْ من مِلْكِهِ ما كان حَيًّا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آدَمِيٍّ يُعَيِّنُهُ أو يَصِفُهُ حِين أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ خَارِجًا من مِلْكِهِ إلَّا وَمَالِكٌ له مَكَانُهُ لَا بَعْدَ ذلك بِطَرْفَةِ عَيْنٍ

(6/189)


الْعِتْقِ وما كان من سَبَبِ عِتْقٍ كان مُخَالِفًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لم يَأْمُرْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ بِكَفَّارَةٍ إذَا بَطَلَ النَّذْرُ وَالْمَعْصِيَةُ في هذا الحديث أَنْ تَنْحَرَ الْمَرْأَةُ نَاقَةَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أنها مِمَّا لَا تَمْلِكُ فَلَوْ أَنَّ امرءا نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ رَجُلٍ لم يَكُنْ عليه عِتْقُهُ وَكَذَلِكَ أَنْ يُهْدِيَ شيئا من مَالِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما نَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ مِمَّا لَا طَاعَةَ في فِعْلِهِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا عليه كَفَّارَةٌ بِتَرْكِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِأَبِي إسْرَائِيلَ وهو قَائِمٌ في الشَّمْسِ فقال ما له فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يُكَلِّمَ أَحَدًا وَيَصُومَ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَسْتَظِلَّ وَيَقْعُدَ وَيُكَلِّمَ الناس وَيُتِمَّ صَوْمَهُ ولم يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ - * الْخِلَافُ في النَّذْرِ في غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال قَائِلٌ في رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ قال يَذْبَحُ كَبْشًا وقال آخَرُ يَنْحَرُ مِائَةً من الْإِبِلِ وَاحْتَجَّا فيه مَعًا بِشَيْءٍ يُرْوَى عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُقَالُ لِقَائِلِ هذا وَكَيْفَ يَكُونُ في مِثْلِ هذا كَفَّارَةٌ فقال اللَّهُ عز وجل يقول في الْمُتَظَاهِرِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } وَأَمَرَ فيه بِمَا رَأَيْت من الْكَفَّارَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا أَرَأَيْت إذَا كان كِتَابُ اللَّه عز وجل يَدُلُّ على إبْطَالِ ما جَعَلَ لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فيه من الْبَحِيرَةِ ولم يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ وَكَانَتْ السُّنَنُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مِثْلِ ذلك من إبْطَالِ النَّذْرِ بِلَا كَفَّارَةٍ وكان في قَوْلِهِ لَا نَذْرَ دَلَالَةٌ على أَنَّ النَّذْرَ لَا شَيْءَ إذَا كان في مَعْصِيَةٍ وإذا كان لَا شَيْءَ كان كما لم يَكُنْ وَلَيْسَ في أَحَدٍ من بَنِي آدَمَ قال قَوْلًا يُوجَدُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُ ذلك الْقَوْلِ حُجَّةٌ قال وَقُلْت له كان من طَلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِيَةِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الْإِيلَاءِ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَفِيئُوا أو يُطَلِّقُوا وَحَكَمَ في الظِّهَارِ بِكَفَّارَةٍ وَجَعَلَهَا مُؤَقَّتَةً ولم يَحْكُمْ بِكَفَّارَةٍ إلَّا وَقْتَهَا وَوَقَّتَ من يُعْطَاهَا أو دَلَّ عليها ثُمَّ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ كما شَاءَ فَجَعَلَ في الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ عِتْقِ الرَّقَبَةِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ وزاد في الظِّهَارِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَجَعَلَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الذي يُصِيبُ أَهْلَهُ في رَمَضَانَ وَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أو كِسْوَتِهِمْ أو تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وقال عز وجل { فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ } فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اللَّهِ عز وجل بِأَنَّ الصَّوْمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ نَذْرًا فَأَبْطَلَهَا اللَّهُ عز وجل فَفِي هذا لِغَيْرِهِ دَلَالَةٌ أَنَّ من نَذَرَ ما لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فيه لم يَبَرَّ نَذْرُهُ ولم يُكَفِّرْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْطَلَهُ ولم يذكر أَنَّ عليه فيه كَفَّارَةً وَالسُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَاءَتْ بِمِثْلِ الذي جاء بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بن عبد الْمَجِيدِ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ وكان الثَّقَفِيُّ سَاقَ هذا الحديث فقال نَذَرَتْ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ انْقَلَبَتْ على نَاقَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ

(6/190)


ثَلَاثٌ وَالْإِطْعَامَ سِتَّةُ مَسَاكِينَ فَرْقًا من طَعَامٍ وَالنُّسُكَ شَاةٌ فَكَانَتْ الْكَفَّارَاتُ تَعَبُّدًا وَخَالَفَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهَا كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أَفَتَجِدُ ما ذَهَبْت إلَيْهِ من الرَّجُلِ يُنْذِرُ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ في شَيْءٍ من مَعْنَى كتاب ( ( ( باب ) ) ) اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونَ مُؤَقَّتًا في كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو تَجِدُ بِأَنَّ مِائَةَ بَدَنَةٍ أو كَبْشًا كَفَّارَةٌ لِشَيْءٍ إلَّا في الْمِثْلِ الذي يَكُونُ فيه الْكَبْشُ مَثَلًا وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَالْجَدْيُ وَالْبَقَرَةُ من الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ أَفَتَجِدُ الْكَبْشَ ثَمَنًا لِإِنْسَانٍ أو كَفَّارَةٌ إلَّا وهو مِثْلُ ما أُصِيبَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ من أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْمُوَلَّدِ الذي يُدْعَى فُلَانَ بن فُلَانٍ أَنِّي أَعْتَقْتُك رَجَاءَ رِضَا اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَطَلَبَ ثَوَابِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ عَقِبِك بَعْدَك شَهِدَ وَإِنْ كان أَعْجَمِيًّا وَصَفَهُ بِصِفَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ وَإِنْ كان خَصِيًّا كَتَبَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْخَصِيِّ الذي يُدْعَى فلان ( ( ( فلانا ) ) ) وَيَصِفُهُ بِجِنْسِهِ وَهَيْئَتِهِ إنِّي أَعْتَقْتُك وَأَخْرَجْتُك من مَالِي وَمِنْ مِلْكِي رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلَاؤُك وَلِعَقِبِي من بَعْدِي شَهِدَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ له عَقِبٌ وَإِنْ كانت جَارِيَةٌ كَتَبْت لها كما كَتَبْت لِلْخَصِيِّ وَإِنْ كان وَلَاءُ عَقِبِهَا يَكُونُ له من الْمَمْلُوكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ وَلِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ لَمَّا رَأَيْت الظِّهَارَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَجَعَلَ فيه كَفَّارَاتٍ قِسْت الْمُنْكَرَ وَالزُّورَ من كل شَيْءٍ فَجَعَلْت فيه كَفَّارَةً قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فما تَقُولُ فِيمَنْ شَهِدَ بِزُورٍ أَيَكْفُرُ وما تَقُولُ فِيمَنْ أَرْبَى في الْبَيْعِ أو بَاعَ حَرَامًا أَيَكْفُرُ وما تَقُولُ فِيمَنْ ظَلَمَ مُسْلِمًا أَيَكْفُرُ فَإِنْ قال نعم فَهَذَا خِلَافُ ما لَقِينَا من أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ قال لَا قِيلَ قد تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك وَقَوْلِك فإذا جَعَلْته قِيَاسًا فَيَلْزَمُك أَنْ تَقِيسَهُ على شَيْءٍ من الْكَفَّارَةِ ثُمَّ تَجْعَلَ فيه من الْكَفَّارَةِ كما تَجْعَلُ في الذي قِسْته وَأَنْتَ لم تَجْعَلْهُ أَصْلًا وَلَا قِيَاسًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فأجعله أَصْلًا الْقَوْلُ الذي قَالَهُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فيه فَأَيُّهَا الْأَصْلُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَةٌ بِإِبْطَالِهِ كما وَصَفْنَا وَلَا حُجَّةَ مع السُّنَّةِ - * إقْرَارٌ بِنِكَاحٍ مَفْسُوخٍ - * ( قال الرَّبِيعُ ) من هَا هُنَا أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا الْكِتَابَ شَهِدَ شُهُودُ هذا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ وَفُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ أَشْهَدَاهُمْ في صِحَّةٍ من أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَجَوَازٍ من أُمُورِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا أَنَّ فُلَانَ بن فُلَانٍ الزَّوْجَ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وكان الذي وَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا من وُلَاتِهَا فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ الذي زَوَّجَهَا وكان من شُهُودِ هذه الْعُقْدَةِ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ وكان الصَّدَاقُ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ شُهُودِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأَنَّ الزَّوْجَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ تَصَادَقَا وَأَقَرَّا عِنْدَ شُهُودِ هذا الْكِتَابِ أَنَّهُمَا قد أَثْبَتَا أَنَّ هذه الْعُقْدَةَ من النِّكَاحِ الذي وَصَفْت في هذا الْكِتَابِ وَشُهُودَهَا وَشُهُودَ مَهْرِهَا كانت يوم وَقَعَتْ وَفُلَانَةُ في عِدَّةٍ من وَفَاةِ زَوْجِهَا فُلَانُ بن فُلَانٍ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا منه فَكَانَ نِكَاحُهَا مَفْسُوخًا فَلَا نِكَاحَ بين فُلَانٍ وَفُلَانَةَ حتى يُجَدِّدَا نِكَاحًا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ فُلَانَةَ وَلَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ في صَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ شَهِدَ على ذلك - * وَضْعُ كِتَابِ عِتْقِ عَبْدٍ - *

(6/191)


عَقِبِك من بَعْدِك وقد لَا يَكُونُ له وَلَاءُ عَقِبِهَا إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ هذا في الرَّجُلِ الذي له وَلَاءُ عَقِبِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ لم يَكْتُبْ هذا في الرَّجُلِ كان له وَكَذَلِكَ يَكُونُ له في الْجَارِيَةِ من الْمَمْلُوكِ فَإِنْ شَحَّ على هذا فَأُحِبُّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَجُوزُ منه في قَوْلِ كل أَحَدٍ كَتَبَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ من أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكَتِهِ فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ وَيَصِفُهَا إنِّي أَعْتَقْتُك طَلَبَ ثَوَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَلَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي من بَعْدِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ كل عَقِبٍ كان لَك من مَمْلُوكٍ قال وقد اخْتَلَفَ الناس فقال بَعْضُهُمْ إذَا وَلَدَتْ من مَمْلُوكٍ ثُمَّ عَتَقَ جَرَّ الْوَلَاءُ وَبِهَذَا نَقُولُ وقال غَيْرُنَا الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِأَهْلِ الْأُمِّ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَزِيدَ في الْكِتَابِ على الْأُمِّ على ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * كِرَاءُ الدُّورِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بْن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ إنِّي آجَرْتُك الدَّارَ التي بِالْفُسْطَاطِ من مِصْرَ في مَوْضِعِ كَذَا من قَبِيلَةِ كَذَا أَحَدُ حُدُودِ هذه الدَّارِ التي أَجَرْتُك يَنْتَهِي إلَى كَذَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَجَرْتُك جَمِيعَ هذه الدَّارَ بِأَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَمَرَافِقِهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا أَوَّلُ هذه الشُّهُورِ الْمُحَرَّمُ من سَنَةِ كَذَا وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ من سَنَةِ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا صِحَاحًا مَثَاقِيلَ ( 1 ) خَلْقَانِ جِيَادًا وَازِنَةً أَفْرَادًا وَدُفِعَتْ إلَيَّ هذه الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا وَافِيَةً وَبَرِئْت إلَيَّ منها وَدَفَعْت إلَيْك هذه الدَّارَ الْمَوْصُوفَةَ في هذا الْكِتَابِ في هِلَالِ الْمُحَرَّمِ من سَنَةِ كَذَا بعد ما عَرَفْت أنا وَأَنْتَ جَمِيعَ ما فيها وَلَهَا من بِنَاءٍ وَمَرَافِقَ وَوَقَفْنَا عليه فَهِيَ بِيَدِك بهذا الْكِرَاءِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ هذه الْمُدَّةُ تَسْكُنُهَا بِنَفْسِك وَأَهْلِك وَغَيْرِهِمْ وَتُسْكِنُهَا من شِئْت وَلَيْسَ لَك أَنْ تُسْكِنَهَا رَحَا دَابَّةٍ وَلَا عَمَلَ حَدَّادٍ وَلَا قَصَّارٍ وَلَا سُكْنَى تَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَلَا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ وَلَك الْمَعْرُوفُ من سَكَنِ الناس وَاسْتَأْجَرْتُك أَنْ تُخْرِجَ جَمِيعَ ما في ثَلَاثَةِ آبَارٍ مُغْتَسَلَاتٍ في هذه الدَّارِ وَهِيَ الْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا من الدَّارِ وَالْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَالْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا بعد ما رَأَيْت أنا وَأَنْتَ تِلْكَ الْآبَارَ وَعَرَفْنَا أَنَّ طُولَ الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا ذَاهِبَةٌ في الْأَرْضِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مَمْدُودَةٍ وَأَنَّ في تِلْكَ الْبِئْرِ مَحَلُّ مُجْتَمَعِ آبَارٍ مُغْتَسَلَاتٍ من خَلَاءٍ وَمَاءٍ وَشَيْءٍ إنْ خَالَطَهُ عَبْرَةُ ثَمَانِ أَذْرُعٍ وَأَنَّ في الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَتَصِفُهُ كما وَصَفْت هذا وفي الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَتُخْرِجُ جَمِيعَ ما في هذه الْآبَارِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذَكَرْنَا في هذا الْكِتَابِ منها وتنحيه ( ( ( وتنحي ) ) ) عن دَارِي حتى تُوفِيَنِيهَا أَرْضًا لَا شَيْءَ فيها مِمَّا في آبَارِ الْمُغْتَسِلَاتِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَازِنَةً جيادا ( ( ( وجيادا ) ) ) وَدَفَعْتهَا إلَيْك وَبَرِئْت إلَيْك منها وَضَمِنْت لي ما وَصَفْت في هذا الْكِتَابِ حتى تُوفِيَنِيهَا كما ضَمِنْت لي في انْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ من سَنَةِ كَذَا وَكَذَا شَهِدَ وَإِنْ خِفْت أَنْ يَنْتَقِضَ الْكِرَاءُ فإن الْعِرَاقِيِّينَ يَنْقُضُونَهُ بِالْعَدَدِ فإذا أَجَرْته سَنَةً كَتَبْت أَجَرْته سَنَةً أَوَّلُهَا شَهْرُ كَذَا وَآخِرُهَا شَهْرُ كَذَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا منها شَهْرُ كَذَا أَوَّلُ الشُّهُورِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَتُسَمِّيهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَ عَبْدٍ - * هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ من فُلَانِ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ صَحِيحَا الْأَبْدَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزَا الْأَمْرِ في أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا اشْتَرَى منه غُلَامًا مَرْبُوعًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَعَيْنَ أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَزَجَّ حُلْوًا يُسَمَّى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا خَلْقَانَ وَازِنَةً أَفْرَادًا بعد ما عَرَفَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ هذا الْعَبْد

(6/192)


بِعَيْنِهِ وَرَأَيَاهُ مَعًا وَقَبَضَ فُلَانٌ هذا الْعَبْدَ من فُلَانٍ وَقَبَضَ فُلَانٌ هذا الثَّمَنَ من فُلَانٍ وَافَيَا بعد ما تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ من الْمَوْضِعِ الذي تَبَايَعَا فيه بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا بِالْبَيْعِ وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ في هذا الْعَبْدِ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا دَاءٌ وَلَا غَائِلَةٌ وَلَا عَيْبٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَلَا شَيْنٌ فما أَدْرَكَ فُلَانًا في هذا الْعَبْدِ أو في شَيْءٍ منه من تَبَاعَةٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذلك لِفُلَانٍ حتى يُسَلِّمَهُ له كما بَاعَهُ إيَّاهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ ثَمَنَهُ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ - * شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ - * هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ من فُلَانِ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ اشْتَرَى منه غُلَامًا أَمْرَدَ بَرْبَرِيًّا مَرْبُوعًا حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَعَيْنَ أَزَجَّ حُلْوًا يُدْعَى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ جِيَادًا وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هذا الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ إلَى فُلَانٍ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ منه وَدَفَعَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ هذا الثَّمَنَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ وَبَرِئَ إلَيْهِ منه وَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا وَتَقَابُضِهِمَا وَمَعْرِفَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا بَاعَ وَاشْتَرَى شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا صَحِيحَا الْعَقْلِ وَالْأَبْدَانِ جَائِزَا الْأَمْرِ يوم تَبَايَعَا هذا الْعَبْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا في هذا الْكِتَابِ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا شَهِدَ على ذلك فُلَانٌ وَفُلَانٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اشْتَرَى فَلَهُ عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ له شَيْنٌ وَلَا عَيْبٌ وَلَا دَاءٌ وَلَا شَيْءٌ يَنْقُصُ من ثَمَنِ الْعَبْدِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَهُ الْخَلَاصُ أو يَرُدُّ عليه الثَّمَنَ وَافِيًا وَسَوَاءٌ شَرَطَ هذا أو لم يَشْرُطْهُ إنَّمَا الشَّرْطُ احْتِيَاطًا لِجَهَالَةِ الْحُكَّامِ وَلَوْ تَرَكَ أَيْضًا إشْهَادَهُمَا بِصِحَّتِهِمَا في أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَإِجَازَةِ أُمُورِهِمَا في أَمْوَالِهِمَا كان هذا على الصِّحَّةِ حتى يَعْلَمَ غَيْرَهَا وَلَيْسَ مِمَّا يُحِبُّ تَرْكُهُ وَلَوْ تَرَكَ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا ما ضَرُّهُ لِأَنَّهُمَا إذَا جَاءَا بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمٍ أو أَكْثَرَ فَقَدْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ تَامٌّ على التَّرَاضِي حتى يَنْقُضَاهُ وَلَوْ تَرَكَ وَبَرِئَ إلَيْهِ من الثَّمَنِ ما ضَرَّهُ إذَا كَتَبَ دَفَعَ وَلَوْ تَرَكَ التَّارِيخَ في الْبَيْعِ ما ضَرَّهُ غير أَنِّي لَا أُحِبُّ في كِتَابِ الْعُهْدَةِ شيئا تَرْكُهُ احْتِيَاطًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا وَأَقَلُّ ما يُجْزِئُ في كِتَابِ الْعُهْدَةِ ذِكْرُ صِفَةِ الْمُشْتَرِي وَذِكْرُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُمَا ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ كُلُّ شَرْطٍ سَمَّيْنَاهُ وَإِنْ لم يَشْرُطْهُ وَهَكَذَا يُكْتَبُ شِرَاءُ الْأَمَةِ وَسَوَاءٌ صَغِيرُ الْعَبِيدِ وَإِمَائِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَمُوَلَّدِهِمْ يُوصَفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِجِنْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَيُقَالُ مَوْلِدٌ إنْ كان مُوَلَّدًا وَهَكَذَا في شِرَاءِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ عِرَابِهَا وَهُجْنِهَا وَبَرَاذِينِهَا وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِ ذلك من الْحَيَوَانِ وَيَصِفُ الْفَرَسَ بِشِيَتِهِ وَيُقَالُ اشْتَرَى منه فَرَسًا كُمَيْتًا أَحْمَرَ أَغَرَّ سَائِلَ الْغُرَّةِ مُحَجَّلًا إلَى الرُّكَبِ مَرْبُوعًا وَثِيقَ الْخَلْقِ نَهْدَ الْمُشَاشِ حَدِيدَ الْأَسَاطِينِ مُسْتَدِيرَ الْكِفْلِ مُشْرِقَ الْهَادِي مَحْسُومَ الْأُذُنِ رُبَاعَ جَانِبٍ وَقَارِحَ جَانِبِهِ الْآخَرِ من الْخَيْلِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ من نِتَاجِ بَلْدَةِ كَذَا ثُمَّ يَسُوقُ الْكِتَابَ في دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْفَرَسِ وَالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ كما وَصَفْت في شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَالْعُهْدَةُ كما وَصَفْت في شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَإِنْ كان اشْتَرَى منه بَعِيرًا كَتَبَ اشْتَرَى منه بَعِيرًا من النَّعَمِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ أَصْهَبَ جَسِيمًا بَازِلًا عليه عَلَمُ بَنِي فُلَانٍ مَوْضِعَ كَذَا وَثِيقَ الْخَلْقِ أَهْدَلَ الْمِشْفَرِ دَقِيقَ الْخَطْمِ ضَخْمَ الْهَامَةِ وَإِنْ كان له صِفَةٌ غَيْرُ هذا بُيِّنَتْ صِفَتُهُ ثُمَّ تَسُوقُ الْكِتَابَ كما سُقْته في الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَإِنَّمَا قُلْت من النَّعَمِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ ولم أَقُلْ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ احْتِرَاسًا من تَبَاعَةِ بَنِي فُلَانٍ وَاحْتِيَاطًا على الْحَاكِمِ وَكِتَابُ كل ما بِيعَ من الْحَيَوَانِ كَكِتَابِ الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ فإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ منه فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمُشْتَرِي يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ في النِّصْفِ الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا أَقَلُّ ما أَعْرِفُهُ بَيِّنًا من كُتُبِ الْعُهْدَةِ

(6/193)


ابْتَاعَ منه وَلَوْ طَلَبَ الذي له نِصْفُ الْعَبْدِ الشُّفْعَةَ في الْعَبْدِ لم أَرَ له فيه شُفْعَةً فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لَا تَجْعَلُ الشُّفْعَةَ في كل شَيْءٍ قِيَاسًا على الشُّفْعَةِ في الْأَرَضِينَ قِيلَ له لَمَّا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لي أَنْ أَكُونَ مَالِكًا مَعَك وَلَا يَكُونُ لَك إخْرَاجِي من مِلْكِي بِقِيمَةِ مِلْكِي وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِأَقَلَّ من قِيمَتِهِ وَلَا لي ذلك عَلَيْك وَتَمُوتُ فَيَرِثُك وَلَدُك أو غَيْرُهُمْ فَلَا يَكُونُ لي إخْرَاجُهُمْ من حُقُوقِهِمْ التي مَلَكُوهَا عَنْك بِشَيْءٍ وَلَا يَكُونُ لهم إخْرَاجِي بِشَيْءٍ وَتَهَبُ نَصِيبَك فَلَا يَكُونُ إلي إخْرَاجِ من وَهَبْت له من نَصِيبِك الذي مُلِكَ عَنْك بِشَيْءٍ إلَّا بِرِضَاهُ وَقَالُوا ذلك في كل مِلْكٍ مَلَكَهُ رَجُلٌ عن آخَرَ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ في كل ما يَمْلِكُ لم يَسْتَثْنُوا أَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشُّفْعَةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةً بَيِّنَةً على أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَا يُقْسَمُ شَيْءٌ بِذَرْعِ وَقِيمَةٍ وَيُحَدَّدُ ( 1 ) الْأُصُولُ وَالْبِنَاءُ على الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عليها فَاقْتَصَرْنَا بِالشُّفْعَةِ على الْأَرْضِ وما له أَرْضٌ خَاصَّةً فَكَانَ الْعَبِيدُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ ما جَاوَزَ الْأَرَضِينَ وما له أَرْضٌ من غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ خَارِجًا من السُّنَّةِ في الشُّفْعَةِ مَرْدُودًا على الْأَصْلِ أَنَّ من مَلَكَ شيئا عن غَيْرِهِ تَمَّ له مِلْكُهُ ولم يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ منه إلَّا بِرِضَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * بيع البراءة - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا ولم يَتَبَرَّأْ من عَيْبٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظَهَرَ منه على عَيْبٍ فقال الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ كان هذا الْعَيْبُ عِنْدَك وقال الْبَائِعُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك فَإِنْ كان الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا يُخْلَقُ مع الْإِنْسَانِ أو الْأَثَرِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ التي تَبَايَعَا فيها فَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ على الْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ إذَا قال رَجُلَانِ عَدْلَانِ من أَهْلِ الصِّنَاعَةِ التي فيها الْعَيْبُ هذا عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كان قد يَحْدُثُ مِثْلُ ذلك الْعَيْبُ فَالشِّرَاءُ تَامٌّ وَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ نَقْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِبَيِّنَةٍ عليه بِأَنَّهُ كان عِنْدَهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ من الْبَائِعِ وَإِمَّا بِأَنْ رَآهُ الشَّاهِدَانِ في الْعَبْدِ فَيَرُدُّ بِلَا يَمِينٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي أَذْهَبُ إلَيْهِ من الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ أَنَّ من بَاعَ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ بريء من كل عَيْبٍ إلَّا عَيْبًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ من الْمُشْتَرِي وقد عَلِمَهُ كما قَضَى عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قال لم أَعْلَمْ وقد بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ ما عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ وقد خَالَفَنَا في هذا غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِقَوْلِنَا كَتَبَ أو يَكْتُبُ وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بن فُلَانٍ الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ الذي اشْتَرَاهُ منه وَقَبَضَهُ فُلَانٌ بعد ما تَبَرَّأَ إلَيْهِ فُلَانُ بن فُلَانٍ من كل عَيْبٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فيه وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَسْتَأْنِفَ كِتَابَ وَثِيقَةٍ إلَّا على ما يُجِيزُهُ جَمِيعُ الْحُكَّامِ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهَا وقد كان من الْحُكَّامِ من يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ وَبَرِئَ إلَيْهِ فُلَانٌ من مِائَةِ عَيْبٍ بهذا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَبَرَّأْته من مِائَةِ عَيْبٍ فَإِنْ زَادَتْ رَدَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ أَبْرَأَهُ من أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَ فيه فَلَيْسَ له رَدُّهُ بِعَيْبٍ دُونَ الْمِائَةِ وَمِنْ الْحُكَّامِ من لَا يُجِيزُ التَّبَرُّؤَ من عَيْبٍ كُتِمَ وَلَا عُلِمَ وَلَوْ سَمَّى له عَدَدًا فَوَجَدَ بِهِ ذلك الْعَدَدَ أو أَقَلَّ أَبَدًا إلَّا بِعَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ حتى يَكُونَ الْمُشْتَرِي قد رَآهُ وَعَرَفَهُ وَمَنْ أَوْثَقَ هذا أَنْ يَكْتُبَ وَبَرِئَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ من كل عَيْبٍ وَيَصِفُهُ إمَّا كَيٌّ وَإِمَّا أَثَرُ جُرْحٍ وَإِمَّا نَقْصٌ من خَلْقٍ وَإِمَّا زِيَادَةٌ فيه وَإِمَّا غَيْرُ ذلك من الْعُيُوبِ فَيَصِفُهُ بِعَيْنِهِ وَمَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكْتُبُ وَمِنْ كَذَا وَكَذَا عَيْبًا وَقَفَهُ عليها قد رَآهَا فُلَانٌ وَبَرَّأَهُ منها بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا - * الِاخْتِلَافُ في الْعَيْبِ - *

(6/194)


وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْعَيْبَ كان بِالْعَبْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ التَّبَرُّؤَ من الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ ذلك الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ على أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ هو جاء بها وَإِلَّا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ عليه وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ أَنْ يدعى له رَجُلَانِ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فإذا قَالَا هذا عَيْبٌ يُنْقِصُ من ثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُشْتَرَى ما كان حَيَوَانًا أو غَيْرَهُ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَهُوَ عَيْبٌ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ في الرَّدِّ بِهِ أو قَبْضِهِ إنْ لم يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ وَمَتَى اخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَيْبِ لم يَكُنْ له رَدُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ على عَيْبٍ غير الْعَيْبِ الذي اخْتَارَ وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بَعْدَهُ كان له رَدُّ الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الذي ظَهَرَ عليه وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا قد دُلِّسَ فيه بِعَيْبٍ فلم يَعْلَمْ بِهِ حتى حَدَثَ عِنْدَهُ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ لم يَكُنْ له رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَقُوِّمَ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا ثُمَّ رَدَّ عليه قِيمَةَ ما بين الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَتُهُ صَحِيحًا مِائَةٌ وَمَعِيبًا بِتِسْعِينَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وهو خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهُ إيَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى بِمِائَةٍ وهو ثمن ( ( ( ثمنه ) ) ) خَمْسِينَ فَقُوِّمَ فَوُجِدَ الْعَيْبُ نَقَصَهُ الْعُشْرَ وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ من قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ عليه بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهَا أَصْلُ الثَّمَنِ وَلَسْت أَلْتَفِتُ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا يَتَرَاجَعَانِ فيه إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ لِأَعْرِفَ كَمْ قَدْرُ الْعَيْبِ منها أَعُشْرًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَآخُذُ الْعُشْرَ من أَصْلِ الثَّمَنِ لَا من الْقِيمَةِ وَإِنْ رضي الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ مَعِيبًا لَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الذي يَحْدُثُ عِنْدَهُ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَيُقَالُ إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِأَخْذِ الْعَبْدِ مَعِيبًا ( 1 ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَك صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ لَك فِيمَا دَلَّسَ لَك أَنْ تَرُدَّ إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ الْعَبْدَ وَلَا تَرْجِعْ في الْعَيْبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ دَلَّسَ له بِعَيْبٍ في أَمَةٍ فَأَصَابَهَا ولم يَعْلَمْ فَإِنْ كانت ثَيِّبًا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ وَطْؤُهَا بِأَكْثَرَ من الْخِدْمَةِ وَالْخَرَاجِ وَإِنْ كانت بِكْرًا لم يَكُنْ له رَدُّهَا لِأَنَّهُ قد نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَثَ بها عَيْبٌ عِنْدَهُ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ كان أَعْتَقَهَا في هذا كُلِّهِ أو أَحْبَلَهَا فَهَذَا فَوْتٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ عِنْدَهُ فإذا اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءً كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه نِصْفَ عَبْدٍ فَرَّانِي مُحْتَلِمٍ ضَخْمِ الْهَامَةِ عَبْلِ الْعِظَامِ مَرْبُوعِ الْقَامَةِ حَسَنِ الْجِسْمِ حَالِكِ السَّوَادِ يُدْعَى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَذَلِكَ بعد ما عَرَفَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانٌ هذا الْعَبْدُ الذي تَبَايَعَا نِصْفَهُ وَرَأَيَاهُ وَتَبَايَعَا فيه وَتَفَرَّقَا عن مَوْضِعِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ نِصْفَ هذا الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ في هذا الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ كما يَقْبِضُ مثله وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَحْضَرَا هذا الْعَبْدَ الْمَبِيعَ نِصْفُهُ وسلم له النِّصْفَ يَقُومُ فيه مَقَامَ فُلَانٍ الْبَائِعَ لَا حَائِلَ له دُونَ نِصْفِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ فُلَانٌ الثَّمَنَ وَافِيًا وَبَرِئَ إلَيْهِ منه وَلِفُلَانِ بن فُلَانٍ على فُلَانٍ بن فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا شَيْنَ وَلَا عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ في الْعَبْدِ الذي ابْتَاعَ نِصْفَهُ فما أَدْرَكَ فُلَانُ بن فُلَانٍ من دَرْكٍ في نِصْفِ هذا الْعَبْدِ الذي اشْتَرَى من فُلَانٍ أو في شَيْءٍ منه فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أو يَرُدُّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يوم كَتَبَ هذا الْكِتَابَ صَحِيحَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ في أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وَهَكَذَا شِرَاءُ ثُلُثُ عَبْدٍ وربعه ( ( ( كفوا ) ) ) وَثُلُثُ أَمَةٍ وربعها ( ( ( أطوعهم ) ) ) وَدَابَّةٌ وَغَيْرُهَا فإذا ظَهَرَ على عَيْبٍ في الْعَبْدِ رَدَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ اشْتَرَى إلَّا عُشْرَهُ لِأَنَّ لِلْعُشْرِ نَصِيبًا من الْعَيْبِ وهو في الْعَيْبِ مِثْلُ الْعَبْدِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَيَخْتَلِفَانِ في الِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ منه شَيْءٌ
____________________

(6/195)


قَلَّ أو كَثُرَ كان لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في أَخْذِ ما يَبْقَى من الْعَبْدِ بِمَا يُصِيبُهُ من الثَّمَنِ أو رَدِّهِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له الْعَبْدَ كما بِيعَ قال الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ وقال إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أو شيئا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَكَانَ الْبَيْعُ مُنْفَسِخًا وَلَا يَثْبُتُ ( قال ) وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ من رَجُلٍ فَاسْتَحَقَّ على الذي لم يَبِعْ نصفه لم يكن لهذا أن يرجع وذلك أن نِصْفَهُ فيه بِحَالِهِ فَفِي هذا ما يُخَالِفُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَفِيمَا كان في مِثْلِ مَعْنَاهُ وإذا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ في صَفْقَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَهُمَا كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ من فُلَانِ بن فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ أَحَدُهُمَا نُوبِيٌّ أَسْوَدُ وَصِيفٌ خُمَاسِيٌّ حُلْوٌ جَعْدٌ رَجْلٌ مُعْتَدِلٌ حَسَنُ الْقَوَامِ خَفِيفُ الْجِسْمِ مُتَرَاصِفُ الْأَسْنَانِ مَسْنُونُ الْوَجْهِ وَالْآخَرُ فَرَّانِي غَلِيظٌ مَرْبُوعٌ حَالِكُ السَّوَادِ بَعِيدُ ما بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ مُعْتَدِلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ حَسَنُ الْجِسْمِ أَفْلَجُ الثَّنَايَا من أَعْلَى فيه مُحْتَلِمٌ اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً وَتَبَايَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ في الْعَبْدَيْنِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمَا وَمُعَايَنَتِهِمَا وَقَبَضَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ وَقَبَضَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هذا الثَّمَنَ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا بِالْبَيْعِ وَتَقَابُضِهِمَا وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتُهُ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ فما أَدْرَكَ فُلَانُ بن فُلَانٍ في هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أو في أَحَدِهِمَا أو في شَيْءٍ مِنْهُمَا أو من وَاحِدٍ مِنْهُمَا من دَرْكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حتى يُسَلِّمَهُ له كما بَاعَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَأَمَةً أو ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ أو أَكْثَرَ مَوْصُوفٌ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُشْتَرَى يَصِفُهُ كما وَصَفْت وَيَصِفُ الثَّمَنَ كما وَصَفْت وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَدَارًا وما جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ يَكْتُبُ عُهْدَتَهُ وَيَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ منه بِصِفَتِهِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَأَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ عُهْدَتَهُمْ وَيَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ثَمَنًا مَعْلُومًا كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانٌ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدًا من صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَعَبْدًا من صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَأَمَةً من صِفَتِهَا كَذَا كَذَا اشْتَرَى منه هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةَ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الْفَارِسِيِّ من هذه الْمِائَةِ الدِّينَارِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْعَبْدِ النُّوبِيّ من هذه الْمِائَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْأَمَةِ من هذه الْمِائَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا تَبَايَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبَضَ فُلَانٌ جَمِيعَ ثَمَنِهِمْ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ هذا كُلِّهِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا بِهِ فما أَدْرَكَ فلانا ( ( ( فلان ) ) ) فِيمَا اشْتَرَى من فُلَانٍ أو في وَاحِدٍ منهم فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حتى يُسَلِّمَهُ له أو يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَافِيًا وهو مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ فِيمَا اشْتَرَى من فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا شَيْنَ وَلَا عَيْبَ وَلَا دَاءَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِجَمِيعِ ما في هذا الْكِتَابِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا مَعًا بِهِ وَعَلَى أَنَّهُمَا يوم أَقَرَّ بِهِ صَحِيحَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ شَهِدَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَكَتَبُوا ( قال ) وإذا أَرَدْت أَنْ تَكْتُبَ عُهْدَةَ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ بِمَعْنًى أَبْيَنَ من هذا فَاكْتُبْ هذا ما اشْتَرَى فُلَانٌ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدًا نُوبِيًا من صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَعَبْدًا فَارِسِيًّا من صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَمَةً مُوَلَّدَةً من صِفَتِهَا كَذَا بِسِتِّينَ دِينَارًا اشْتَرَى منه هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ الثَّلَاثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِمَا سمي له من الثَّمَنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ وَرُؤْيَتِهِمْ له قبل الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَقَبَضَ فُلَانٌ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ من فُلَانٍ وَقَبَضَ فُلَانٌ جَمِيعَ الثَّمَنِ من فُلَانٍ وَتَبَايَعَا على ذلك وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا وَلِفُلَانٍ فِيمَا إشترى من فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتُهُ لَا دَاءَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ فما أَدْرَكَ فلانا ( ( ( فلان ) ) ) في هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ أو في وَاحِدٍ منهم من دَرْكٍ من أَحَدٍ من الناس فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أو رَدَّ ثَمَنِ من أَدْرَكَهُ فيه الدَّرْكَ وَافِيًا بِمَا وَقَعَ فيه ثَمَنُهُ وَجَمِيعُ أَثْمَانِهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ مُفَرَّقَةٌ على ما في هذا الْكِتَابِ شَهِدَ على
____________________

(6/196)


إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يوم كَتَبَا هذا الْكِتَابَ صحيحان ( ( ( صحيحا ) ) ) جَائِزًا الْأَمْرُ في أَمْوَالِهِمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ - * وَثِيقَةٌ في الْمَكَاتِب أَمْلَاهَا الشَّافِعِيُّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانٌ بن فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وهو صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ بِهِ من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزُ الْأَمْرِ في مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنِّي دَبَّرْتُكَ فَمَتَى ما مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ عَقِبِك من بَعْدِك شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانُ بن فُلَانٍ السَّيِّدُ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا في هذا الْكِتَابِ - * كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ - * + ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال تَوَلَّى اللَّهُ السَّرَائِرَ وَعَاقَبَ عليها ولم يَجْعَلْ لِأَحَدٍ من خَلْقِهِ الْحُكْمَ إلَّا على الْعَلَانِيَةِ فإذا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالظَّاهِرِ الذي جُعِلَ إلَيْهِ لم يَتَعَاطَ الْبَاطِنَ الذي تَوَلَّى اللَّهُ دُونَهُ وإذا حَكَمَ وَالْمَحْكُومُ له يَعْلَمُ أَنَّ ما حَكَمَ له بِهِ حَقٌّ في الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبَاطِلٌ في عِلْمِهِ دُونَ الْحَاكِمِ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ عليه وَلَا يُحِلُّ حَاكِمٌ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ إنَّمَا الْحُكْمُ على الظَّاهِرِ كما وَصَفْنَا وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ على ما يَعْلَمُ الْمَحْكُومُ له وَالْمَحْكُومُ عليه وَتَفْسِيرُهُ في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وهو كِتَابُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ عن أبيه قال أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى رَجُلٍ من بَنِي زُهْرَةَ كان سَاكِنًا مَعَنَا فَذَهَبْنَا معه فَسَأَلَهُ عن وِلَادٍ من وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ فقال أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلَانٍ وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلَانٍ فقال رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صَدَقْت وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْفِرَاشِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ بِوَطْءِ وَلِيدَتِهِ لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قد اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ ثُمَّ لم يَقْرَبْهَا وَتَفْسِيرُهُ في كِتَابِ الطَّلَاقِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عن الْمَرْأَةِ أو طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا في الْوَفَاةِ أو الطَّلَاقِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ مِلْكِ عُقْدَةِ نِكَاحِهَا بِسَاعَةٍ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ كان مَيِّتًا لَحِقَ بِهِ وَإِنْ حَيًّا لَحِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وهو صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ بِهِ من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزَ الْأَمْرِ في مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الذي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّك سَأَلَتْنِي أَنْ أُكَاتِبَك على كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ مُنَجِّمَةً في مُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَوَّلُ نُجُومِك التي تَحِلُّ لي عَلَيْك انْسِلَاخُ سَنَةِ كَذَا كُلُّ نَجْمٍ منها بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ حتى يَكُونَ أَدَاؤُك آخِرُهَا انْسِلَاخُ سَنَةِ كَذَا فإذا أَدَّيْت جَمِيعَ ما كَاتَبْتُك عليه وهو كَذَا وَكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي ولاؤك وَوَلَاءُ عَقِبِك من بَعْدِك فَإِنْ عَجَزْت عن نَجْمٍ من هذه النُّجُومِ فَلِي فَسْخُ كِتَابَتِك شَهِدَ على إقْرَارِ السَّيِّدِ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا في هذا الْكِتَابِ - * وَثِيقَةٌ في الْمُدَبَّرِ - *

(6/197)


بِلِعَانٍ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لم يَكُنْ ابْنَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه إلَّا من زِنَا وَوَلَدُ الزنى لَا يُلْحَقُ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ له الْحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ فَأَكْثَرُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال بَعْضُ الناس وَلَوْ تَرَكَ ثلاثمائة دِينَارٍ فَقَسَمَهَا ابْنَانِ له فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَةً ثُمَّ يُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِرَجُلٍ فيقول هذا أَخِي وَيُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَاَلَّذِي أَحْفَظُ من قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ نَسَبَهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ من الْمَالِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ لم يُقِرَّ له بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ له حَقَّ مِيرَاثٍ وإذا كان له حَقٌّ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَرِثَ كما يَرِثُ وَعَقَلَ في الْجِنَايَةِ فلما كان هذا لَا يَثْبُتُ عليه لم يَثْبُتْ له وَلَا يَثْبُتُ له مِيرَاثٌ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ له نَسَبٌ وَهَذَا أَصَحُّ ما فيه عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال أبو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَأْخُذُ من الْمِيرَاثِ شيئا لِأَنَّ الْمَالَ فَرْعُ النَّسَبِ وإذا لم يَثْبُتْ النَّسَبُ وهو الْأَصْلُ لم يَثْبُتْ الْفَرْعُ الذي هو تَبَعٌ لِلْأَصْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقال مَالِكٌ وبن أبي لَيْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَأْخُذُ خَمْسِينَ دِينَارًا من الذي أَقَرَّ له وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ على نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فلم يأخذا ( ( ( يأخذ ) ) ) منه إلَّا ما أَقَرَّ بِهِ على نَفْسِهِ وَأَسْقَطَا إقْرَارَهُ على غَيْرِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُقَاسِمُ الذي أَقَرَّ بِهِ ما في يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَإِيَّاهُ في مَالِ أبيه سَوَاءٌ وَهَذَا أَبْعَدُ عِنْدَنَا من الصَّوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّهَا إذَا سَمِعَهَا السَّامِعُ رَأَى له مَذْهَبًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْسَمُ صِنْفٌ من الْمَالِ مع غَيْرِهِ لَا يُقْسَمُ عِنَبٌ مع خَلِّهِ وَلَا أَصْلٌ مع أَصْلِ غَيْرِهِ وإذا كان شَيْءٌ من هذه الْأُصُولِ يَحْيَا بِغَيْرِ ما يَحْيَا بِهِ غَيْرُهُ لم يُقْسَمْ معه لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَثْمَانِ مُتَبَايِنَةٌ فَلَا يُقْسَمُ نَضْحٌ مَضْمُومًا إلَى عثرى وَلَا عثرى مَضْمُومًا إلَى بَعْلٍ وَلَا بَعْلٌ مَضْمُومًا إلَى نَخْلٍ يُشْرَبُ بِنَهْرٍ مَأْمُونِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ أَثْمَانَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَالْبَعْلُ الذي أُصُولُهُ قد بَلَغَتْ الْمَاءَ فَاسْتَغْنَى عن أَنْ يُسْقَى وَالنَّضْحُ ما يُسْقَى بِالْبِئْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُضَعَّفُ الْغَرَامَةُ على أَحَدٍ في شَيْءٍ إنَّمَا الْعُقُوبَةُ في الْأَبْدَانِ لَا في الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا تَضْعِيفَ الْغَرَامَةِ من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى فِيمَا أَفْسَدَتْ نَاقَةُ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ أَنَّ على أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وما أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا فَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ بِقِيمَةٍ لَا بِقِيمَتَيْنِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه - * أَدَبُ الْقَاضِي وما يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ محمد بن إدْرِيسَ قال أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لَا يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا لِلْمِصْرِ وَأَنْ يَكُونَ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ من يَغْشَاهُ لِغَيْرِ ما بُنِيَتْ له الْمَسَاجِدُ وَيَكُونُ ذلك في أَوْفَقِ الْأَمَاكِنِ بِهِ وَأَحْرَاهَا أَنْ لَا يُسْرِعَ مَلَالَتُهُ فيه ( قال ) وإذا كَرِهْت له أَنْ يَقْضِيَ في الْمَسْجِدِ فَلَأَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ في الْمَسْجِدِ أو يُعَزِّرَ أَكْرَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وهو غَضْبَانُ
____________________
1- ( قال ( ( ( فقال ) ) ) الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ في طُهْرِ جَارِيَةٍ لَهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَأُرِيَهُ الْقَافَةُ فَأَيَّهُمَا أَلْحَقَاهُ بِهِ لَحِقَ وكان لِشَرِيكِهِ عليه نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ له بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَإِنْ لم يَكُنْ قَافَةٌ أو أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا مَعًا لم يَكُنْ ابْنَهُمَا وَلَا بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَبْلُغَ أَنْ يُخَيَّرَ فَيَخْتَارَ أَيَّهمَا شَاءَ فَيَنْتَسِبَ إلَيْهِ فإذا اخْتَارَهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلَا لِلْوَلَدِ أَنْ يَنْتَفِيَ عنه وَيَكُونُ الْحُكْمُ في الْأَمَةِ وفي مَهْرِهَا ما وَصَفْنَا من أَنْ يَكُونَ على الْمَحْكُومَةِ له بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ له نِصْفُ مَهْرِهَا وَنِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ حين سَقَطَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قبل أَنْ يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى وَاحِدٍ فَمِيرَاثُهُ مَوْقُوفٌ حتى يَصْطَلِحَا فيه وَإِنْ مَاتَا أو وَاحِدٌ مِنْهُمَا قبل أَنْ يَنْتَسِبَ الْمَوْلُودُ إلَى أَحَدِهِمَا وُقِفَ له من مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثُ بن تَامٍّ وإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا أَخَذَ الْمِيرَاثَ وَرُدَّ ما وُقِفَ من مِيرَاثِ الْآخَرِ على وَرَثَتِهِ

(6/198)



أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَقْضِي الْقَاضِي أو لَا يحكم ( ( ( يحاكم ) ) ) الْحَاكِمُ بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ الْأَئِمَّةَ إنَّمَا كُلِّفُوا الْقَضَاءَ على الظَّاهِرِ لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَأَخْبَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ قد يَكُونُ هذا في الْبَاطِنِ مُحَرَّمًا على من قضى له بِهِ وَأَبَاحَ الْقَضَاءَ على الظَّاهِرِ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ قَضَاءَ الْإِمَامِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَجَبَ لي بِبَيِّنَةٍ أو قَضَاءِ قَاضٍ فَأَقْرَرْت بِخِلَافِهِ أَنَّ قَوْلِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ في الظَّاهِرِ فَلَا يَأْخُذْهُ إذَا كان في الْبَاطِنِ ليس له وَأَنَّ الْبَاطِنَ إذَا تَبَيَّنَ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ حُكِمَ عليه بِهِ وهو أَنْ لَا يَأْخُذَ وإذا لم يَأْخُذْهُ فَهُوَ غَيْرُ آخِذٍ فَأَبْطَلَ إقْرَارَهُ بِأَنْ لَا حَقَّ له فِيمَا قَضَى له بِهِ من الْحَقِّ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ الْحُكْمَ على الناس يَجِيءُ على نَحْوِ ما يَسْمَعُ منهم مِمَّا لَفَظُوا بِهِ وَإِنْ كان قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِيَّاتُهُمْ أو غَيْبُهُمْ غير ذلك لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له فَلَا يَأْخُذْ إذْ الْقَضَاءُ عليهم إنَّمَا هو بِمَا لَفَظُوا بِهِ لَا بِمَا غَابَ عنه وقد وَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ عنه منهم بِنِيَّةٍ أو قَوْلٍ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَدَلَالَةٌ على أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ على أَحَدٍ إلَّا بِمَا لَفَظَ وَأَنْ لَا يَقْضِيَ عليه بِشَيْءٍ مِمَّا غَيَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عنه من أَمْرِهِ من نِيَّةٍ أو سَبَبٍ أو ظَنٍّ أو تُهْمَةٍ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه وَإِخْبَارُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ من قَضَيْت له فَلَا يَأْخُذْهُ أَنَّ الْقَضَاءَ على ما يَسْمَعُ مِنْهُمَا وَإِنَّهُ قد يَكُونُ في الْبَاطِنِ عَلَيْهِمَا غير ما قَضَى عَلَيْهِمَا بِمَا لَفَظَا بِهِ قَضَى بِمَا سمع وَوَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ إلَى أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ قَضَى بِتَوَهُّمٍ منه على سَائِلِهِ أو بِشَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَلْقٌ بِهِ أو بِغَيْرِ ما سمع من السَّائِلِينَ فَخِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَادَّعَى هذا عِلْمَهُ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِمَا سمع وَأَخْبَرَ أَنْ قد يَكُونُ غَيْبُهُمْ غير ظَاهِرِهِمْ لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنْ لَا يَقْضِيَ الرَّجُلُ وهو غَضْبَانُ وكان مَعْقُولًا في الْغَضَبِ تَغَيُّرُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فَأَيُّ حَالٍ جَاءَتْ عليه يَعْلَمُ هو من نَفْسِهِ تَغَيُّرَ عَقْلِهِ أو فَهْمِهِ امْتَنَعَ من الْقَضَاءِ فيها فَإِنْ كان إذَا اشْتَكَى أو جَاعَ أو اهْتَمَّ أو حَزِنَ أو بَطِرَ فَرَحًا تَغَيَّرَ لِذَلِكَ فَهْمُهُ أو خُلُقُهُ لم أُحِبَّ له أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كان ذلك لَا يُغَيِّرُ عَقْلَهُ وَلَا فَهْمَهُ وَلَا خُلُقَهُ قَضَى فَأَمَّا النُّعَاسُ فَيَغْمُرُ الْقَلْبَ شَبِيهًا بِغَمْرِ الغشى فَلَا يَقْضِي نَاعِسًا وَلَا مَغْمُورَ الْقَلْبِ من هَمٍّ أو وَجَعٍ يَغْمُرُ قَلْبَهُ ( قال ) وَأَكْرَهُ لِلْقَاضِي الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وَالنَّظَرَ في النَّفَقَةِ على أَهْلِهِ وفي ضَيْعَتِهِ لِأَنَّ هذا أَشْغَلُ لِفَهْمِهِ من كَثِيرٍ من الْغَضَبِ وَجُمَّاعُ ما شَغَلَ فِكْرَهُ يُكْرَهُ له وهو في مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَكْرَهُ له وَلَوْ اشْتَرَى أو بَاعَ لم أَنْقُضْ الْبَيْعَ وَلَا الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ ليس بِمُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فَهْمُهُ وَكَذَلِكَ لو قَضَى في الْحَالِ التي كَرِهْت له أَنْ يَقْضِيَ فيها لم أَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما كُنْت رَادًّا من حُكْمِهِ في أَفْرَغْ حَالَاتِهِ وَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وما وَصَفْت مِمَّا يُرَدُّ بِهِ الْحُكْمُ ( قال ) وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَبَانَ له من أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اللَّدَدُ نَهَاهُ عنه فَإِنْ عَادَ زَجَرَهُ وَلَا يَبْلُغُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا يَضْرِبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذلك ما يَسْتَوْجِبُ ضَرْبًا أو حَبْسًا وَمَتَى بَانَ له الْحَقُّ عليه قَطَعَ بِهِ الْحُكْمَ عليه - * الْإِقْرَارُ وَالِاجْتِهَادُ وَالْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ منه شيئا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ

(6/199)


اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى الناس بِعِلْمِ هذا لِمَوْضِعِهِ الذي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَكَرَامَتِهِ التي اخْتَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بها من النُّبُوَّةِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عليه فَوَكَّلَهُمْ في غَيْبِهِمْ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَادَّعَى هذا عِلْمَهُ وَمِثْلُ هذا قَضَاؤُهُ لِعَبْدِ بن زَمْعَةَ بِالْوَلَدِ وَقَوْلِهِ لِسَوْدَةِ احْتَجِبِي منه عِنْدَمَا رَأَى شَبَهًا بَيِّنًا فَقَضَى بِالظَّاهِرِ وهو فِرَاشُ زَمْعَةَ وَدَلَالَةٌ على أَنَّهُ من أَخَذَ من مَالِ مُسْلِمٍ شيئا فَإِنَّمَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً من النَّارِ وَالْفَيْءُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقِيَاسًا على هذا أَنَّ من أَعْطَى أَحَدًا منه شيئا لم يَكُنْ مُسْتَأْهِلًا له ولم يَكُنْ حَقًّا له فَهُوَ آخِذٌ من مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّهُمْ أَكْثَرُ حُرْمَةً من وَاحِدِهِمْ فَإِنَّمَا أَخَذَ قِطْعَةً من النَّارِ وَمَتَى ظَفِرَ بِمَالِهِ أو بِمَنْ يَحْكُمُ عليه أَخَذَ من مَالِهِ بِقَدْرِ ما أَخَذَ منه مِمَّا لم يَكُنْ مُسْتَأْهِلًا له ولم يَكُنْ حَقًّا له فَوُضِعَ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث عن بِشْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ فحدثت ( ( ( فحدث ) ) ) بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ من الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا يريد ( ( ( يرد ) ) ) الْقَضَاءُ فيه كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عليه فَأَمَّا وَشَيْءٌ من ذلك مَوْجُودٌ فَلَا فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت هذا وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهِرُهُ الِاجْتِهَادُ قِيلَ له أَقْرَبُ ذلك قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ كَيْف تَقْضِي قال بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَإِنْ لم يَكُنْ قال فَبِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنْ لم يَكُنْ قال أَجْتَهِدُ رَأْيِي قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي وَفَّقَ رَسُولَ رسول اللَّهِ لِمَا يُحِبُّ رسول اللَّهِ فَأَخْبَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الِاجْتِهَادَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ كِتَابُ اللَّهِ وَلَا سُنَّةُ رَسُولِهِ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } وما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ ذلك مَوْجُودٌ في قَوْلِهِ إذَا اجْتَهَدَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من قِبَلِ نَفْسِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَكِتَابُ اللَّهِ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَوْلَى من رَأْيِ نَفْسِهِ وَمَنْ قال الِاجْتِهَادُ أَوْلَى خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِرَأْيِهِ ثُمَّ هو مِثْلُ الْقِبْلَةِ التي من شَهِدَ مَكَّةَ في مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ بِالْمُعَايَنَةِ لم يَجُزْ له غَيْرُ مُعَايَنَتِهَا وَمَنْ غَابَ عنها تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ قِيلَ فما الْحُجَّةُ في أَنَّهُ ليس لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ وقال مُعَاذٌ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَرَضِيَ بِذَلِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي هو وَأُمِّي ولم يَقُلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قِيلَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } فَجَعَلَ الناس تَبَعًا لَهُمَا ثُمَّ لم يُهْمِلْهُمْ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْك من رَبِّك } وَلِقَوْلِهِ { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } فَفَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فإذا كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل لَا مُخَالِفَ فِيهِمَا وَهُمَا عَيْنَانِ ثُمَّ قال إذَا اجْتَهَدَ فَالِاجْتِهَادُ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ إنَّمَا هو شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من نَفْسِهِ ولم يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ نَفْسِهِ إنَّمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ فَإِحْدَاثُهُ على الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ افْتَرَضَ اللَّهُ عليه أَوْلَى بِهِ من إحْدَاثِهِ على غَيْرِ أَصْلٍ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وهو رَأْيُ نَفَسِهِ ولم يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِهِ فإذا كان الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَتَّبِعَ نَفْسَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَالِاجْتِهَادُ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من عِنْدِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ يَدْخُلُ على قَائِلِهِ كما يَدْخُلُ على من اجْتَهَدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَمَنْ قال هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قال قَوْلًا عَظِيمًا لِأَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ في رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ مَوْضِعَهُمَا في أَنْ يَتَّبِعَ رَأْيَهُ كما اتَّبَعَا وفي أَنَّ رَأْيَهُ أَصْلٌ ثَالِثٌ أُمِرَ الناس بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وزاد قَائِلُ هذا الْقَوْلِ رَأْيًا آخَرَ على حِيَالِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ له في كِتَابٍ وَلَا سُنَّة

(6/200)


وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عليه وَلَا أَثَرٍ فإذا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا الْأَصْلَانِ وإذا لم يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لَا على غَيْرِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فأبن ( ( ( فأين ) ) ) هذا قِيلَ مِثْلُ الْكَعْبَةِ من رَآهَا صلى إلَيْهَا وَمَنْ غَابَ عنها تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِالدَّلَائِلِ عليها لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ صلى غَائِبًا عنها بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلَائِلِ عليها كان مُخْطِئًا وَكَانَتْ عليه الْإِعَادَةُ وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فَمَنْ اجْتَهَدَ على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَذَلِكَ وَمَنْ اجْتَهَدَ على غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كان مُخْطِئًا وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ وقد يَكُونُ غَائِبًا فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ على أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا فَيُهْدِيه وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يُبِحْ الِاجْتِهَادَ إلَّا على الْأُصُولِ لِأَنَّهُ عز وجل إنَّمَا أَمَرَ بِمِثْلِ ما قَتَلَ فَأَمَرَ بِالْمِثْلِ على الْأَصْلِ ليس على غَيْرِ أَصْلٍ وَمِثْلُ أَذَانِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان رَجُلًا أَعْمَى لَا ينادى حتى يُقَالَ له أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَلَوْ جَازَ الِاجْتِهَادُ على غَيْرِ أَصْلٍ لَجَازَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِغَيْرِ إخْبَارِ غَيْرِهِ له أَنَّ الْفَجْرَ قد طَلَعَ وَلَكِنْ لَمَّا لم يَكُنْ فيه آلَةُ الِاجْتِهَادِ على الْأَصْلِ لم يَجُزْ اجْتِهَادُهُ حتى يُخْبِرَهُ من قد اجْتَهَدَ على الْأَصْلِ وفي إخْبَارِهِ على غَيْرِ اجْتِهَادٍ على الْأَصْلِ أَنَّ الْفَجْرَ قد طَلَعَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ الذي هو حَلَالٌ لي وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ التي هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَهَا إلَّا في وَقْتِهَا وفي إخْبَارِ الْحَاكِمِ على غَيْرِ أَصْلٍ لِرَجُلٍ له أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ وَاحِدَةً قد حُرِّمَتْ عليه تَحْرِيمَ امْرَأَةٍ كانت له وَتَحْلِيلَ الْخَامِسَةِ له فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قد ( ( ( وقد ) ) ) أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلَا رَأْيَ له وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلَا يَدْرِي أَزَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّ الْهِلَالَ قد طَلَعَ وَلَجَازَ إذَا كانت دَلَائِلُ الْقِبْلَةِ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَالِاجْتِهَادَ عليها وَيَعْمَلَ في ذلك بِرَأْيِ نَفْسِهِ على غَيْرِ أَصْلٍ كما إذَا كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَآمُرُهُ يَتْرُكُ الدَّلَائِلَ وَآمُرُهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَهَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وحيث ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وقوله ( ( ( ولقوله ) ) ) جل وعز { حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الْفَجْرِ } وَلِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَلِصَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَكَانَ إذًا يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلِمَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو لم يَعْلَمْهُمَا أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ قِيَاسٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ له أَنْ يَجْتَهِدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَلَا يَعْدُو أَنْ يُصِيبَ أو يُخْطِئَ وَلَيْسَ ذلك منه على الْأُصُولِ التي أُمِرَ بِاتِّبَاعِهَا فَيَكُونُ إذَا اجْتَهَدَ عليها مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ فَقَدْ أَبَاحَ لِكُلِّ من لم يَعْلَمْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَجَهِلَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَإِنْ كان أَجْهَلَ الناس كُلِّهِمْ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ مِثْلُ رَأْيِ من عَلِمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّهُ إذَا كان أَصْلُهُ أَنَّ من عَلِمَهُمَا وَاجْتَهَدَ على غَيْرِهِمَا جَازَ له فما مَعْنَى من عَلِمَهُمَا وَمَنْ لم يَعْلَمْهُمَا في مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ إذَا كان على غَيْرِهِمَا إلَّا سَوَاءٌ غير أَنَّ الذي عَلِمَهُمَا يَفْضُلُ الذي لم يَعْلَمْهُمَا بِمَا نَصَّا فَقَطْ فَأَمَّا بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ قد جَعَلَ الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ في دَرْكِ عِلْمِ ما ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ سَوَاءً فَكَانَ لِلْجَاهِلِينَ إذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْءٌ من جِهَةِ الْقِيَاسِ بِمَا يُسْتَدْرَكُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ هو فيه وَالْعَالِمُ سَوَاءً وَأَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان الْعَالِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا يَعْمَلُ في ذلك على غَيْرِ أَصْلٍ فَأَكْثَرُ حَالَاتِ الْجَاهِلِ أَنْ يَعْمَلَ على غَيْرِ أَصْلٍ فَاسْتَوَيَا في هذا الْمَعْنَى وَلَكَانَ كُلُّ من رَأَى رَأْيًا فَاسْتَحْسَنَهُ جَاهِلًا كان أو عَالِمًا جَازَ له إذَا لم يَكُنْ في ذلك كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ يُوجَدُ فيه كِتَابٌ وَسُنَّةٌ نَصًّا وكان قد جَعَلَ رَأْيَ
____________________

(6/201)


كل أَحَدٍ من الْآدَمِيِّينَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ منهم أَصْلًا يُتَّبَعُ كما تُتَّبَعُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الِاجْتِهَادَ على غَيْرِ أَصْلٍ لم يَزَلْ ذلك بِهِ في نَفْسِهِ وَرَآهُ حَقًّا له وَجَبَ عليه أَنْ يَأْمُرَ الناس بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ عليهم فيه اتِّبَاعَهُ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وزاد قَائِلُ هذا وَاتِّبَاعُ نَفْسِك فاقام الناس في هذا الْمَوْضِعِ مَقَامًا عَظِيمًا بِغَيْرِ شَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لهم وَلَا رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعْدًا أَنْ يَحْكُمَ في بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِرَأْيِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَافَقْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ إنَّمَا قال بِرَأْيِهِ فَوَافَقَ الْحُكْمَ على غَيْرِ أَصْلٍ كان عِنْدَهُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ قَوْمًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ لهم حُوتٌ من الْبَحْرِ مَيِّتٌ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ سَأَلُوا عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هل بَقِيَ مَعَكُمْ من لَحْمِهِ شَيْءٌ فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُمْ إنَّمَا أَكَلُوهُ يَوْمَئِذٍ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ عُمَّالَهُ وَسَرَايَاهُ وَيَأْمُرُ الناس بِطَاعَتِهِمْ ما أَطَاعُوا اللَّهَ وقد فَعَلَ بَعْضُهُمْ شيئا في بَعْضِ مَغَازِيهِمْ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الرَّجُلُ الذي لَاذَ بِالشَّجَرَةِ فَأَحْرَقُوهُ وَاَلَّذِي أَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ في النَّارِ وَاَلَّذِي جاء بِالْهَدِيَّةِ وَكُلُّ هذا فَعَلُوهُ بِرَأْيِهِمْ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالرَّجُلُ الذي قال أَسْلَمْت لِلَّهِ فَقُتِلَ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ له فما احْتَجَجْت من هذا يُشْبِهُ أَنَّهُ لنا دُونَك أَمَّا أَوَّلًا فَأَمْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَرَايَاهُ وَأُمَرَائِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل وَرَسُولِهِ وَاتِّبَاعِهِمَا وَأَمْرُهُ من أُمِّرَ عليهم أُمَرَاءُ أَنْ يُطِيعُوهُمْ ما أَطَاعُوا اللَّهَ فإذا عَصَوْا اللَّهَ عز وجل فَلَا طَاعَةَ لهم عليهم فَفِي نَفْسِ ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ الناس بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أُمَرَائِهِمْ إذَا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ فإذا عَصَوْا فَلَا طَاعَةَ لهم عَلَيْكُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ لهم كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ من الْحَرْقِ وَالْقَتْلِ وَأَبَاحَ لهم كُلَّ ما عَمِلُوهُ مُطِيعِينَ فيه لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَلَوْ لم يَكُنْ لنا حُجَّةٌ في رَدِّ الِاجْتِهَادِ على غَيْرِ أَصْلٍ إلَّا ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَرِهَ لهم وَنَهَاهُمْ عن كل أَمْرٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ لَكَانَ لنا فيه كِفَايَةٌ وَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَجَازَ رَأْيَ سَعْدٍ في بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَأْيَ الَّذِينَ أَكَلُوا الْحُوتَ على غَيْرِ أَصْلٍ قِيلَ أَجَازَهُ لِصَوَابِهِ كما يُجِيزُ رَأْيَ كل من رَأَى مِمَّنْ يَعْلَمُ أو لَا يَعْلَمُ إذَا كان بِحَضْرَتِهِ من يَعْلَمُ خَطَأَهُ وَصَوَابَهُ فَيُجِيزُهُ من يَعْلَمُ ذلك منه إذَا أَصَابَ الْحَقَّ بِمَعْنَى إجَازَتِهِ له أَنَّهُ الْحَقُّ لَا بِمَعْنَى رَأْيِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا دُونَ عِلْمِك لِأَنَّ رَأْيَ ذِي الرَّأْيِ على غَيْرِ أَصْلٍ قد يُصِيبُ وقد يُخْطِئُ ولم يُؤْمَرْ الناس أَنْ يَتَّبِعُوا إلَّا كِتَابَ اللَّهِ أو سُنَّةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي قد عَصَمَهُ اللَّهُ من الْخَطَأِ وَبَرَّأَهُ منه فقال تَعَالَى { وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَأَمَّا من كان رَأْيُهُ خَطَأً أو صَوَابًا فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِاتِّبَاعِهِ وَمَنْ قال لِلرَّجُلِ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ فَيَسْتَحْسِنُ على غَيْرِ أَصْلٍ فَقَدْ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ من يُمْكِنُ منه الْخَطَأُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَهُ فَإِنْ كان قَائِلُ هذا مِمَّنْ يَعْقِلُ ما تَكَلَّمَ بِهِ فَتَكَلَّمَ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ هذا فَأَرَى للامام أَنْ يَمْنَعَهُ وَإِنْ كان غَبِيًّا عَلِمَ هذا حتى يَرْجِعَ فَإِنْ قِيلَ فما مَعْنَى قَوْلِهِ له اُحْكُمْ قِيلَ مِثْلُ قَوْلِهِ عز وجل { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } على مَعْنَى اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِ الْمُسْتَشَارِينَ أو الْمُسْتَشَارِ منهم وَالرِّضَا بِالصُّلْحِ على ذلك وَوَضْعِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا أَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَاجَةً إلَى مَشُورَةِ أَحَدٍ وَاَللَّهُ عز وجل يُؤَيِّدُهُ بِنَصْرِهِ بَلْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالطَّوْلُ على جَمِيعِ الْخَلْقِ وَبِجَمِيعِ الْخَلْقِ الْحَاجَةُ إلَى اللَّهِ عز وجل فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم له اُحْكُمْ على هذا الْمَعْنَى وَأَنْ يَكُونَ قد عَلِمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةً في مِثْلِ هذا فَحَكَمَ على مِثْلِهَا أو يَحْكُمَ فَيُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَمْرِ رَسُولِهِ فَيَعْرِفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَوَابَ ذلك فَيُقِرَّهُ عليه أو يَعْرِفَ غير ذلك فَيَعْمَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ قِيلَ فَيَحْكُمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(6/202)


من قد يُخْطِئُ قِيلَ نعم وَلَا يَبْرَأُ أَحَدٌ من الْآدَمِيِّينَ من الْخَطَأِ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عليهم أَجْمَعِينَ كما ولي أُمَرَاءَ فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ ما كَرِهَ بِرَأْيِهِ على مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ منهم لِلدِّينِ فَرَدَّهُمْ في ذلك إلَى طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل وَأَجَازَ لهم ما عَمِلُوا من طَاعَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا كان يَجُوزُ هذا من سُنَّتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اخْتَصَّهُ بِوَحْيِهِ وَانْتَخَبَهُ لِرِسَالَتِهِ فما كان من أَمْرٍ من أَحَدِ أُمَرَائِهِ أَقَرَّهُمْ عليه فَبِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل أَقَرَّهُمْ وما كَرِهَ لهم بِأَنْ كَانُوا فَعَلُوهُ طَلَبَ طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل فَبِطَاعَةِ اللَّهِ كَرِهَ لهم وَلَيْسَ يَعْلَمُ مِثْلَ هذا من رأي أَحَدٌ صَوَابَهُ من خَطَئِهِ أَحَدٌ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَا مُبَيِّنَ لِرَأْيِهِ أَصَوَابٌ هو أَمْ خَطَأٌ وَإِنَّمَا على الناس أَنْ يَتَّبِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا غبى عِلْمُهُمَا على أَحَدٍ فَالدَّلَائِلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ رضي اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعِبَادِهِ وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكَلُوا الْحُوتَ بِغَيْرِ حُضُورِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا أَصْلٍ عِنْدَهُمْ قِيلَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ على أَنَّهُمْ لَيْسُوا على يَقِينٍ من حِلِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا عن ذلك أو لَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ أبي قَتَادَةَ في الصَّيْدِ الذي صَادَهُ إذْ لم يَكُنْ بِهِمْ ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ أَمْسَكُوا إذْ لم يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ حتى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك - * مُشَاوَرَةُ الْقَاضِي - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يُشَاوِرَ في أَمْرِهِ إلَّا عَالِمًا بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَآثَارٍ وَأَقَاوِيلِ الناس وَعَاقِلًا يَعْرِفُ الْقِيَاسَ وَلَا يُحَرِّفُ الْكَلَامَ وَوُجُوهَهُ وَلَا يَكُونُ هذا في رَجُلٍ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يُشَاوِرُهُ إذَا كان هذا مُجْتَمِعًا فيه حتى يَكُونَ مَأْمُونًا في دِينِهِ لَا يَقْصِدُ إلَّا قَصْدَ الْحَقِّ عِنْدَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِمَّنْ كان هَكَذَا عِنْدَهُ شيئا أَشَارَ بِهِ عليه على حَالٍ حتى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ من خَبَرٍ يَلْزَمُ وَذَلِكَ كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ أو من قِيَاسٍ على أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْبَلُ منه وَإِنْ قال هذا له حتى يَعْقِلَ منه ما يَعْقِلُ فَيَقِفَهُ عليه فَيَعْرِفَ منه مَعْرِفَتَهُ وَلَا يَقْبَلَهُ منه وَإِنْ عَرَفَهُ هَكَذَا حتى يَسْأَلَ هل له وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غير الذي قال فَإِنْ لم يَكُنْ له وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غير الذي قال أو كانت سُنَّةٌ فلم يَخْتَلِفْ في رِوَايَتِهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كان لِلْقُرْآنِ وَجْهَانِ أو كانت سُنَّةٌ رُوِيَتْ مُخْتَلِفَةً أو سُنَّةٌ ظَاهِرُهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لم يَعْمَلْ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حتى يَجِدَ دَلَالَةً من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ على أَنَّ الْوَجْهَ الذي عَمِلَ بِهِ هو الْوَجْهُ الذي يَلْزَمُهُ وَاَلَّذِي هو أَوْلَى بِهِ من الْوَجْهِ الذي تَرَكَهُ وَهَكَذَا يَعْمَلُ في الْقِيَاسِ لَا يَعْمَلُ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا حتى يَكُونَ أَوْلَى بِالْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ أو أَصَحَّ في الْمَصْدَرِ من الذي تَرَكَ وَيَحْرُمُ عليه أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ هذا من قَوْلِهِ اسْتَحْسَنْت لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ لِنَفْسِهِ اسْتَحْسَنْت أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُشَرِّعَ في الدِّينِ وَغَيْرُ جَائِزٍ له أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا من أَهْلِ دَهْرِهِ وَإِنْ كان أَبَيْنَ فَضْلًا في الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ منه وَلَا يَقْضِي أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُ وَإِنَّمَا أَمَرْته بِالْمَشُورَةِ لِأَنَّ الْمُشِيرَ يُنَبِّهُهُ لِمَا يَغْفُلُ عنه وَيَدُلُّهُ من الْأَخْبَارِ على ما لَعَلَّهُ أَنْ يَجْهَلَهُ فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَ مُشِيرًا فلم يَجْعَلْ اللَّهُ هذا لِأَحَدٍ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا اجْتَمَعَ له عُلَمَاءُ من أَهْلِ زَمَانِهِ أو افْتَرَقُوا فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِمْ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ يَدُلُّونَهُ عليه حتى يَعْقِلَهُ كما عَقَلُوهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في عَقْلِهِ ما إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقَلَهُ وإذا سمع الِاخْتِلَافَ مَيَّزَهُ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْضِيَ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَيَنْبَغِي له أَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَجْمَعَ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ الْعِلْمَ وَلِيَكْشِفَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَعِيبُ بَعْضُهُمْ قَوْلَ بَعْضٍ حتى يَتَبَيَّنَ له أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ على التَّقْلِيدِ أو الْقِيَاس

(6/203)


- * حُكْمُ الْقَاضِي - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ كَتَبَ حِلْيَةَ كل وَاحِدٍ منهم وَرَفَعَ في نَسَبِهِ إنْ كان له نَسَبٌ أو وَلَائِهِ إنْ كان يَعْرِفُ له وَلَاءً وَسَأَلَهُ عن صِنَاعَتِهِ إنْ كان له صِنَاعَةٌ وَعَنْ كُنْيَتِهِ إنْ كان يُعْرَفُ بِكُنْيَةِ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعِ بِيَاعَاتِهِ وَمُصَلَّاهُ وَأُحِبُّ له إنْ كان الشُّهُودُ لَيْسُوا مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْحَالِ الْحَسَنَةِ الْمُبْرَزَةِ وَالْعَقْلِ مَعَهَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم على حِدَتِهِ عن شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الذي شَهِدَ فيه وَالْمَوْضِعِ الذي شَهِدَ فيه وَمَنْ حَضَرَهُ وَهَلْ جَرَى ثَمَّ كَلَامٌ ثُمَّ يُثْبِتُ ذلك كُلَّهُ وَهَكَذَا أُحِبُّ إنْ كان ثَمَّ حَالٌ حَسَنَةٌ ولم يَكُنْ سَدِيدَ الْعَقْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ هذا وَيَسْأَلَ من كان معه في الشَّهَادَةِ على مِثْلِ حَالِهِ عن مِثْلِ ما يَسْأَلُ لِيَسْتَدِلَّ على عَوْرَةٍ إنْ كانت في شَهَادَتِهِ أو اخْتِلَافٍ إنْ كان في شَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَيَطْرَحُ من ذلك ما لَزِمَهُ طَرْحُهُ وَيَلْزَمُ ما لَزِمَهُ إثْبَاتُهُ وَإِنْ جَمَعَ الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لم يَقِفْهُ ولم يُفَرِّقْهُمْ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ في الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ ثُمَّ رَأَى الْحَقَّ في غَيْرِهِ فَإِنْ رَأَى الْحَقَّ في الْحَادِثِ بِأَنَّهُ كان خَالَفَ في الْأَوَّلِ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو أَصَحَّ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا احْتَمَلَ الْكِتَابَ أو السُّنَّةَ نَقَضَ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ على نَفْسِهِ وَكُلَّ ما نَقَضَ على نَفْسِهِ نَقَضَهُ على من قَضَى بِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ ولم يَقْبَلْهُ مِمَّنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ وَإِنْ كان إنَّمَا رَأَى قِيَاسًا مُحْتَمَلًا أَحْسَنَ عِنْدَهُ من شَيْءٍ قَضَى بِهِ من قَبْلُ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ قَبْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ ليس الْآخَرُ بِأَبْيَنَ حتى يَكُونَ الْأَوَّلُ خَطَأً في الْقِيَاسِ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ في الْقَضَاءِ الْآخَرِ بِاَلَّذِي رَأَى آخِرًا ولم يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وما لم يَنْقُضْهُ على نَفْسِهِ لم يَنْقُضْهُ على أَحَدٍ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَلَا أُحِبُّ له أَنْ يَكُونَ مُنَفِّذًا له وَإِنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ قَاضٍ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُبْتَدِئُ الْحُكْمِ فيه وَلَا يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ منه وَلَيْسَ على الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ من كان قَبْلَهُ فَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عليه قَبْلَهُ نَظَرَ فِيمَا تَظَلَّمَ فيه فَإِنْ وَجَدَهُ قَضَى عليه بِمَا وَصَفْت في الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى من خِلَافِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ فَهَذَا خَطَأٌ يَرُدُّهُ عليه لَا يَسْعَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ خِلَافَ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أو كان يَرَاهُ بَاطِلًا بِأَنَّ قِيَاسًا عِنْدَهُ أَرْجَحُ منه وهو يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لم يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ يَرُدُّهُ من خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ كما يَرُدُّهُ في خِلَافِ الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ من خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ ( قال ) وإذا تَنَاقَدَ الْخَصْمَانِ بَيِّنَتَهُمَا وَحُجَّتَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ مَاتَ أو عُزِلَ أو وُلِّيَ غَيْرُهُ لم يَحْكُمْ حتى يُعِيدَا عليه حُجَّتَهُمَا وَبَيِّنَتَهُمَا ثُمَّ يَحْكُمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ في الْمَسْأَلَةِ عن بَيِّنَتِهِمَا إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَسْأَلُ عنه وَهَكَذَا شُهُودُهُ يُعِيدُ تَعْدِيلَهُمْ وَيُخَفِّفُ في الْمَسْأَلَةِ وَيُوجِزُهَا لِئَلَّا تَطُولَ وَيُحَبُّ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يُوَلِّيَ الشِّرَاءَ له وَالْبَيْعَ رَجُلًا مَأْمُونًا غير مَشْهُورٍ بِأَنَّهُ يَبِيعُ له وَلَا يَشْتَرِي خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ له فِيمَا اشْتَرَى منه أو النَّقْصَ فِيمَا اشْتَرَى له فإن هذا من مَآكِلِ كَثِيرٍ من الْحُكَّامِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم أُفْسِدْ له شِرَاءً وَلَا بَيْعًا إلَّا أَنْ يَسْتَكْرِهَ أَحَدًا على ذلك إلَّا بِمَا أُفْسِدُ بِهِ شِرَاءُ السُّوقَةِ ( قال ) وَلَا أُحِبُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عن الْوَلِيمَةِ إذَا دُعِيَ لها وَلَا أُحِبُّ له أَنْ يُجِيبَ وَلِيمَةَ بَعْضٍ وَيَتْرُكَ بَعْضًا إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا أو يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَعْذِرُوهُ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ الْغَائِبَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَمَخْرَجِهِ ( قال ) وإذا تَحَاكَمَ إلَى الْقَاضِي أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ لم يَقْبَلْ التَّرْجَمَةَ عنه إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ ذلك اللِّسَانَ لَا يَشُكَّانِ فيه فَإِنْ شَكَّا لم يَقْبَلْ ذلك عنهما وَأَقَامَ ذلك مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَيَقْبَلُ فيه ما يَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ وَيَرُدُّ فيه ما يَرُدُّ فيها - * مَسَائِلُ الْقَاضِي وَكَيْفَ الْعَمَلُ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ - *

(6/204)


وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ من الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الناس أو الْحَيْفِ على أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا من أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ في أَدْيَانِهِمْ وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ عُقُولٍ لَا يتغفلون بِأَنْ يسالوا الرَّجُلَ عن عَدُوِّهِ لِيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ ذلك جَرْحًا عِنْدَهُمْ أو يَسْأَلُوهُ عن صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ ذلك تَعْدِيلًا عِنْدَهُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَهَبَ الناس من تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ أو من ذَهَبَ منهم إلَى أُمُورٍ اخْتَلَفُوا فيها فَتَبَايَنُوا فيها تَبَايُنًا شَدِيدًا وَاسْتَحَلَّ فيها بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ ما تَطُولُ حِكَايَتُهُ وكان ذلك منهم مُتَقَادِمًا منه ما كان في عَهْدِ السَّلَفِ وَبَعْدِهِمْ إلَى الْيَوْمِ فلم نَعْلَمْ أَحَدًا من سَلَفِ هذه الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا من التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَرَآهُ اسْتَحَلَّ فيه ما حُرِّمَ عليه وَلَا رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِشَيْءٍ من التَّأْوِيلِ كان له وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فيه اسْتِحْلَالَ الدَّمِ وَالْمَالِ أو الْمُفَرِّطِ من الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الدِّمَاءَ أَعْظَمَ ما يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى بها بَعْدَ الشِّرْكِ وَوَجَدْنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْرِصُ الْحَاكِمُ على أَنْ لَا يَعْرِفَ له صَاحِبَ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ له ( قال ) وَأَرَى أَنْ يَكْتُبَ لِأَهْلِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ على ما وَصَفْت وَأَسْمَاءَ من شَهِدُوا له وَمَنْ شَهِدُوا عليه وَقَدْرَ ما شَهِدُوا فيه ثُمَّ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا عَنْهُمْ حتى يخبروه ( ( ( يخبره ) ) ) بِمَنْ شَهِدُوا له وَشَهِدُوا عليه وَقَدْرَ ما شَهِدُوا فيه فإن الْمَسْئُولَ عن الرَّجُلِ قد يَعْرِفُ ما لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ من أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عليه أو حَنَقًا عليه أو شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فيه وَتَطِيبُ نَفْسُهُ على تَعْدِيلِهِ في الْيَسِيرِ وَيَقِفُ في الْكَثِيرِ وَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ إلَّا من اثْنَيْنِ وَلَا الْمَسْأَلَةَ عنه إلَّا من اثْنَيْنِ وَيُخْفِيَ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ من دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أو تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مع غَيْرِهِمَا فَإِنْ عُدِّلَ رَجُلٌ وَجُرِحَ لم يَقْبَلْ الْجَرْحَ إلَّا من شَاهِدَيْنِ وكان الْجَرْحُ أَوْلَى من التَّعْدِيلِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ على الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ يَكُونُ على الْبَاطِنِ ( قال ) وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ من أَحَدٍ من خَلْقِ اللَّهِ فَقِيهٍ عَاقِلٍ دَيِّنٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ على ما يَجْرَحُهُ بِهِ فإذا كان ذلك مِمَّا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْحَاكِمِ قِبَلَهُ منه وإذا لم يَكُنْ جَرْحًا عِنْدَهُ لم يَقْبَلْهُ فإن الناس يَخْتَلِفُونَ وَيَتَبَايَنُونَ في الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ بِالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَنْ يَقْبَلَ من رَجُلٍ وَإِنْ كان صَالِحًا أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ ليس بِعَدْلٍ وَلَا رِضًا وَلَعَمْرِي إنَّ من كان عِنْدَهُ كَافِرًا لِغَيْرِ عَدْلٌ وَكَذَلِكَ يسمي بَعْضُهُمْ بَعْضًا على الِاخْتِلَافِ بِالْفِسْقِ وَالضَّلَالِ فَيَجْرَحُونَهُمْ فَيَذْهَبُ من يَذْهَبُ إلَى أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَيَجْرَحُونَهُمْ من هذا الْمَعْنَى وَلَيْسَ هذا بِمَوْضِعِ جَرْحٍ لِأَحَدٍ وَكَذَلِكَ من يَجْرَحُ من يَسْتَحِلُّ بَعْضَ ما يُحَرِّمُ هو من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ وَأَشْبَاهِ ذلك مِمَّا لَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالشَّهَادَةِ من الْجَارِحِ على الْمَجْرُوحِ وَبِالسَّمَاعِ أو بِالْعِيَانِ كما لَا يَقْبَلُهَا عليه فِيمَا لَزِمَهُ من الْحَقِّ وَأَكْثَرُ من نُسِبَ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حتى يَعْتَدَّ الْيَسِيرَ الذي لَا يَكُونُ جرحا جَرْحًا لقد حَضَرْت رَجُلًا صَالِحًا يَجْرَحُ رَجُلًا مُسْتَهِلًّا بِجَرْحِهِ فَأَلَحَّ عليه بِأَيِّ شَيْءٍ تَجْرَحُهُ فقال ما يخفي على ما تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مَجْرُوحَةً فلما قال له الذي يَسْأَلُهُ عن الشَّهَادَةِ لَسْت أَقْبَلُ هذا مِنْك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ قال رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا قال وما بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ قَائِمًا قال يَنْضَحُ على سَاقَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَثِيَابِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قبل أَنْ يُنْقِيَهُ قال أَفَرَأَيْته فَعَلَ فَصَلَّى قبل أَنْ يُنْقِيَهُ وقد نَضَحَ عليه قال لَا وَلَكِنِّي أَرَاهُ سَيَفْعَلُ وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ في الْعَالِمِينَ وَالْجَرْحُ خَفِيٌّ فَلَا يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ وَلِمَا وَصَفْت من الِاخْتِلَافِ إلَّا بِتَصْرِيحِ الجرح ( ( ( الجارح ) ) ) وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِأَنْ يُوقِفَهُ الْمُعَدِّلُ عليه فَيَقُولَ عَدْلٌ على وَلِي ثُمَّ لَا يَقْبَلُ ذلك هَكَذَا حتى يَسْأَلَهُ عن مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كانت مَعْرِفَتُهُ بِهِ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً قُبِلَ ذلك منه وَإِنْ كانت مَعْرِفَتُهُ بِهِ ظَاهِرَةً حَادِثَةً لم يُقْبَلْ ذلك منه - * ما تَجُوزُ بِهِ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - *

(6/205)


مُتَأَوِّلِينَ يَسْتَحِلُّونَهَا بِوُجُوهٍ وقد رَغَّبَ لهم نُظَرَاؤُهُمْ عنها وَخَالَفُوهُمْ فيها ولم يَرُدُّوا شَهَادَتَهُمْ بِمَا رَأَوْا من خِلَافِهِمْ فَكُلُّ مُسْتَحِلٍّ بِتَأْوِيلٍ من قَوْلٍ أو غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ من خَطَأٍ في تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَسْتَحِلُّ من خَالَفَهُ الْخَطَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ منهم من يُعْرَفُ بِاسْتِحْلَالِ شَهَادَةِ الزُّورِ على الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالَ الدَّمِ أو حَلَالَ الْمَالِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالزُّورِ أو يَكُونَ منهم من يَسْتَحِلُّ أو يَرَى الشَّهَادَةَ لِلرَّجُلِ إذَا وَثِقَ بِهِ فَيَحْلِفُ له على حَقِّهِ وَيَشْهَدُ له بِالْبَتِّ ولم يَحْضُرْهُ ولم يَسْمَعْهُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ اسْتِحْلَالِهِ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ أو يَكُونَ منهم من يُبَايِنُ الرَّجُلَ الْمُخَالِفَ له مُبَايَنَةَ الْعَدَاوَةِ له فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ من جِهَةِ الْعَدَاوَةِ فَأَيُّ هذا كان فِيهِمْ أو في غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُنْسَبُ إلَى هَوًى رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَأَيُّهُمْ سَلِمَ من هذا أَجَزْت شَهَادَتَهُ وَشَهَادَةَ من يَرَى الْكَذِبَ شِرْكًا بِاَللَّهِ أو مَعْصِيَةً له يُوجِبُ عليها النَّارَ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ عليها من شَهَادَةِ من يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ عليها وَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا مِمَّا يَشْتُمُ قَوْمًا على وَجْهِ تَأْوِيلٍ في شَتْمِهِمْ لَا على وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَذَلِكَ أَنَّا إذَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ على اسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ كانت شَهَادَتُهُمْ بِشَتْمِ الرِّجَالِ أَوْلَى أَنْ لَا تُرَدَّ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ في الْوَجْهَيْنِ وَالشَّتْمُ أَخَفُّ من الْقَتْلِ فَأَمَّا من يَشْتُمُ على الْعَصَبِيَّةِ أو الْعَدَاوَةِ لِنَفْسِهِ أو على ادِّعَائِهِ أَنْ يَكُونَ مَشْتُومًا مُكَافِئًا بِالشَّتْمِ فَهَذِهِ الْعَدَاوَةُ لِنَفْسِهِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تُرَدُّ ( 1 ) شَهَادَتُهُ عَمَّنْ شَتَمَهُ على الْعَدَاوَةِ وَأَمَّا الرَّجُلُ من أَهْلِ الْفِقْهِ يَسْأَلُ عن الرَّجُلِ من أَهْلِ الحديث فيقول كُفُّوا عن حَدِيثِهِ وَلَا تَقْبَلُوا حَدِيثَهُ لِأَنَّهُ يَغْلَطُ أو يحدث بِمَا لم يَسْمَعْ وَلَيْسَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ عَدَاوَةٌ فَلَيْسَ هذا من الْأَذَى الذي يَكُونُ بِهِ الْقَائِلُ لِهَذَا فيه مَجْرُوحًا عنه لو شَهِدَ بهذا عليه إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بِعَدَاوَةٍ له فَتُرَدَّ بِالْعَدَاوَةِ لَا بهذا الْقَوْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قال إنَّهُ لَا يُبْصِرُ الْفُتْيَا وَلَا يَعْرِفُهَا فَلَيْسَ هذا بِعَدَاوَةٍ وَلَا غِيبَةٍ إذَا كان يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتَّبِعَهُ فَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا من مَعَانِي الشَّهَادَاتِ وهو لو شَهِدَ عليه بِأَعْظَمَ من هذا لم يَكُنْ هذا غِيبَةٌ إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالْأَمْرِ لَا بِشَهَادَتِهِ لِأَحَدٍ يَأْخُذُ بِهِ منه حَقًّا في حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ وَلَا حَدٍّ لِلَّهِ وَلَا مِثْلُ ما وَصَفْت من أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِعُيُوبِهِ فَيَنْصَحَهُ في أَنْ لَا يَغْتَرَّ بِهِ في دِينِهِ إذَا أَخَذَ عنه من دِينِهِ من لَا يُبْصِرُهُ فَهَذَا كُلُّهُ مَعَانِي الشَّهَادَاتِ التي لَا تُعَدُّ غِيبَةً ( قال ) وَالْمُسْتَحِلُّ لِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُفْتِي بها وَالْعَامِلُ بها مِمَّنْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كان مُوسِرًا فَنَكَحَ أَمَةً مُسْتَحِلًّا لِنِكَاحِهَا مُسْلِمَةً أو مُشْرِكَةً لِأَنَّا نَجِدُ من مُفْتِي الناس وَأَعْلَامِهِمْ من يَسْتَحِلُّ هذا وَهَكَذَا الْمُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَامِلُ بِهِ لِأَنَّا نَجِدُ من أَعْلَامِ الناس من يُفْتِي بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيه وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِلُّ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا الناس فيه فَرَغِبْنَا عن قَوْلِهِمْ ولم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ وَنَقُولَ لهم إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَأَخْطَأْتُمْ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الْخَطَأَ كما نَدَّعِيه عليهم وَيَنْسِبُونَ من قال قَوْلَنَا إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل - * شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَشْرِبَةِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من شَرِبَ من الْخَمْرِ شيئا وهو يَعْرِفُهَا خَمْرًا وَالْخَمْرُ الْعِنَبُ الذي لَا يُخَالِطُهُ مَاءٌ وَلَا يُطْبَخُ بِنَارٍ وَيُعَتَّقُ حتى يُسْكِرَ هذا مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا نَصٌّ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل سَكِرَ أو لم يَسْكَرْ وَمَنْ شَرِبَ ما سِوَاهَا من الْأَشْرِبَةِ من الْمُنَصَّفِ والخيلطين ( ( ( والخليطين ) ) ) أو مِمَّا سِوَى ذلك مِمَّا زَالَ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا وَإِنْ كان يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مُخْطِئٌ بِشُرْبِهِ آثِمٌ بِهِ وَلَا أَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهُ وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَجَزْنَا عليه شَهَادَتَهُ من اسْتِحْلَالِ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا وَالْمَالِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا وَالْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا ما لم يَكُنْ يَسْكَرُ منه فإذا سَكِرَ منه فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ من قِبَلِ أَنَّ السُّكْرَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ قد حُكِيَ لي عن فِرْقَةٍ أنها لَا تُحَرِّمُهُ وَلَيْسَتْ من أَهْلِ الْعِلْمِ فإذا كا

(6/206)


الرَّجُلُ الْمُسْتَحِلُّ لِلْأَنْبِذَةِ يَحْضُرُهَا مع أَهْلِ السَّفَهِ الظَّاهِرِ وَيَتْرُكُ لها الْحُضُورَ لِلصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا وَيُنَادِمُ عليها رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِطَرْحِهِ الْمُرُوءَةَ وَإِظْهَارِهِ السَّفَهَ وَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ ذلك مَعَهَا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ الِاسْتِحْلَالِ - * شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلَامِ غير أَنَّهُ كَلَامٌ بَاقٍ سَائِرٌ فَذَلِكَ فَضْلُهُ على الْكَلَامِ فَمَنْ كان من الشُّعَرَاءِ لَا يُعْرَفُ بِنَقْصِ الْمُسْلِمِينَ وَأَذَاهُمْ وَالْإِكْثَارِ من ذلك وَلَا بِأَنْ يَمْدَحَ فَيُكْثِرَ الْكَذِبَ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَمَنْ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ في الناس على الْغَضَبِ أو الْحِرْمَانِ حتى يَكُونَ ذلك ظَاهِرًا كَثِيرًا مُسْتَعْلِنًا وإذا رضي مَدَحَ الناس بِمَا ليس فِيهِمْ حتى يَكُونَ ذلك كَثِيرًا ظَاهِرًا مُسْتَعْلِنًا كَذِبًا مَحْضًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا لو انْفَرَدَ بِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا يَمْدَحُ فَيُصَدَّقُ وَيُحْسِنُ الصِّدْقَ أو يُفَرِّطُ فيه بِالْأَمْرِ الذي لَا يُمْحَضُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَمَنْ شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ له وَطْؤُهَا حين شَبَّبَ فَأَكْثَرَ فيها وَشَهَرَهَا وَشَهَرَ مِثْلَهَا بِمَا يُشَبِّبُ وَإِنْ لم يَكُنْ زَنَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَمِنْ شَبَّبَ فلم يُسَمِّ أَحَدًا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَإِنْ كان يَسْأَلُ بِالشِّعْرِ أو لَا يَسْأَلُ بِهِ فَسَوَاءٌ وفي مِثْلِ مَعْنَى الشِّعْرِ في رَدِّ الشَّهَادَةِ من مَزَّقَ أَعْرَاضَ الناس وَسَأَلَهُمْ أَمْوَالَهُمْ فإذا لم يُعْطُوهُ إيَّاهَا شَتَمَهُمْ فَأَمَّا أَهْلُ الرِّوَايَةِ لِلْأَحَادِيثِ التي فيها مَكْرُوهٌ على الناس فَيُكْرَهُ ذلك لهم وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ أَحَدًا قَلَّمَا يَسْلَمُ من هذا إذَا كان من أَهْلِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كانت تِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَضَّةَ بَحْرٍ أو نَفْيَ نَسَبٍ رُدَّتْ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَكْثَرُوا رِوَايَتَهَا أو عَمَدُوا أَنْ يَرْوُوهَا فَيُحَدِّثُوا بها وَإِنْ لم يُكْثِرُوا وَأَمَّا من رَوَى الْأَحَادِيثَ التي لَيْسَتْ بِمَحْضِ الصِّدْقِ وَلَا بَيَانِ الْكَذِبِ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ منها أنها كَذِبٌ فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بها وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَهْلِ زَمَانِك من الْإِرْجَافِ وما أَشْبَهَهُ وَكَذَلِكَ الْمِزَاحُ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ما لم يَخْرُجْ في الْمِزَاحِ إلَى عَضَّةِ النَّسَبِ أو عَضَّةِ بَحْرٍ أو فَاحِشَةٍ فإذا خَرَجَ إلَى هذا وَأَظْهَرَهُ كان مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ بِالْكَلَامِ فَدَعَا إلَيْهَا وَتَأَلَّفَ عليها وَإِنْ لم يَكُنْ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِقِتَالٍ فيها فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أتى مُحَرَّمًا لَا اخْتِلَافَ بين عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلِمَتْهُ فيه الناس كلهم عِبَادُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ منهم من عُبُودِيَّتِهِ وَأَحَقُّهُمْ بِالْمَحَبَّةِ أَطْوَعُهُمْ له وَأَحَقُّهُمْ من أَهْلِ طَاعَتِهِ بِالْفَضِيلَةِ أَنْفَعُهُمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ من إمَامٍ عَدْلٍ أو عَالِمٍ مُجْتَهِدٍ أو مُعِينٍ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ طَاعَةَ هَؤُلَاءِ طَاعَةٌ عَامَّةٌ كَثِيرَةٌ فَكَثِيرُ الطَّاعَةِ خَيْرٌ من قَلِيلِهَا وقد جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى الناس بِالْإِسْلَامِ وَنَسَبَهُمْ إلَيْهِ فَهُوَ أَشْرَفُ أَنْسَابِهِمْ ( قال ) فَإِنْ أَحَبَّ امرءا ( ( ( امرؤ ) ) ) فَلْيُحِبَّ عليه وَإِنْ خَصَّ امْرُؤٌ قَوْمَهُ بِالْمَحَبَّةِ ما لم يَحْمِلْ على غَيْرِهِمْ ما ليس يَحِلُّ له فَهَذَا صِلَةٌ لَيْسَتْ بِعَصَبِيَّةٍ وَقَلَّ امْرُؤٌ إلَّا وَفِيهِ مَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمَكْرُوهُ في مَحَبَّةِ الرَّجُلِ من هو منه أَنْ يَحْمِلَ على غَيْرِهِ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه من الْبَغْيِ وَالطَّعْنِ في النَّسَبِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْبِغْضَةِ على النَّسَبِ لَا على مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا على جِنَايَةٍ من الْمُبْغِضِ على الْمُبْغَضِ وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ أَبْغَضُهُ لِأَنَّهُ من بَنِي فُلَانٍ فَهَذِهِ الْعَصَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ التي تُرَدُّ بها الشَّهَادَةُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا فإذا صَارَ رَجُلٌ إلَى خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ وَأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا سَبَبٍ يُعْذَرُ بِهِ يَخْرُجُ بِهِ من الْعَصَبِيَّةِ كان مُقِيمًا على مَعْصِيَةٍ لَا تَأْوِيلَ فيها وَلَا اخْتِلَافَ بين الْمُسْلِمِينَ فيها وَمَنْ أَقَامَ على مِثْلِ هذا كان حَقِيقًا أَنْ يَكُونَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ - * شَهَادَةُ الشُّعَرَاءِ - *

(6/207)


- * شَهَادَةُ أَهْلِ اللَّعِبِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْقَاسِمَ وَالْكَاتِبَ لِلْقَاضِي وَصَاحِبَ الدِّيوَانِ وَصَاحِبَ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُؤَذِّنِينَ لم يَأْخُذُوا جُعْلًا وَعَمِلُوا مُحْتَسِبِينَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ أَخَذُوا جُعْلًا لم يَحْرُمْ عليهم عِنْدِي وَبَعْضُهُمْ أَعَذَرَ بِالْجُعْلِ من بَعْضٍ وما منهم أَحَدٌ كان أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَتْرُكَ الْجُعْلَ من الْمُؤَذِّنِينَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْجُعْلَ عن الرَّجُلِ في الْحَجِّ إذَا كان قد حَجَّ عن نَفْسِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ على أَنْ يَكِيلَ لِلنَّاسِ وَيَزِنَ لهم وَيُعَلِّمَهُمْ الْقُرْآنَ وَالنَّحْوَ وما يَتَأَدَّبُونَ بِهِ من الشِّعْرِ مِمَّا ليس فيه مَكْرُوهٌ ( قال الرَّبِيعُ ) سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يقول لَا تَأْخُذْ في الْأَذَانِ أُجْرَةً وَلَكِنْ خُذْهُ على أَنَّهُ من الْفَيْءِ - * شَهَادَةُ السُّؤَالِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ في الْجَائِحَةِ تُصِيبُ الرَّجُلَ تَأْتِي على مَالِهِ وَلَا في حَمَالَةِ الرَّجُلِ بِالدِّيَاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَلَا في الْغُرْمِ لِأَنَّ هذه مَوَاضِعُ ضَرُورَاتٍ وَلَيْسَ فيها كَبِيرُ سُقَاطَة مُرُوءَةٍ وَهَكَذَا لو قُطِعَ بِرَجُلٍ بِبَلَدٍ فَسَأَلَ لم أَرَ أَنَّ هذا يَحْرُمُ عليه إذَا كان لَا يَجِدُ الْمُضِيَّ منها إلَّا بِمَسْأَلَةٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَحَدٍ بهذا أَبَدًا فَأَمَّا من يَسْأَلُ عُمُرَهُ كُلَّهُ أو أَكْثَرَ عُمُرِهِ أو بَعْضَ عُمُرِهِ وهو غَنِيٌّ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَعْنَى من هذه الْمَعَانِي وَيَشْكُو الْحَاجَةَ فَهَذَا يَأْخُذُ ما لَا يَحِلُّ له وَيَكْذِبُ بِذِكْرِ الْحَاجَةِ فَتُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ ( قال ) وَمَنْ سَأَلَ وهو فَقِيرٌ لَا يُشْهَدُ على غِنَاهُ لم تَحْرُمْ عليه الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ ثِقَةٌ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان تَغْلِبُهُ الْحَاجَةُ وَكَانَتْ عليه دَلَالَاتٌ أَنْ يَشْهَدَ بِالْبَاطِلِ على الشَّيْءِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا إنْ كان غَنِيًّا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ من غَيْرِ مَسْأَلَةٍ كان قَابِلًا ما لَا يَحِلُّ له فَإِنْ كان ذلك يَخْفَى عليه أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان لَا يَخْفَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرَهُ من وَجْهِ الخبر ( ( ( الخير ) ) ) اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِشَيْءٍ من الْمَلَاهِي وَلَا نُحِبُّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وهو أَخَفُّ من النَّرْدِ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ ( 1 ) بِالْحُزَّةِ وَالْقَرْقِ وَكُلُّ ما لَعِبَ الناس بِهِ لِأَنَّ اللَّعِبَ ليس من صَنْعَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا الْمُرُوءَةِ وَمَنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ من هذا على الِاسْتِحْلَالِ له لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَالْحُزَّة تَكُونُ قِطْعَةَ خَشَبٍ فيها حُفَرٌ يَلْعَبُونَ بها إنْ غَفَلَ بِهِ عن الصَّلَوَاتِ فَأَكْثَرَ حتى تَفُوتَهُ ثُمَّ يَعُودَ له حتى تَفُوتَهُ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ على الِاسْتِخْفَافِ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ كما نَرُدُّهَا لو كان جَالِسًا فلم يُوَاظِبْ على الصَّلَاةِ من غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا غَلَبَةٍ على عَقْلٍ فَإِنْ قِيلَ فَهُوَ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ حتى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِلَّعِبِ إلَّا وهو نَاسٍ قِيلَ فَلَا يَعُودُ لِلَّعِبِ الذي يُورِثُ النِّسْيَانَ وَإِنْ عَادَ له وقد جَرَّبَهُ يُورِثُهُ ذلك فَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ فَأَمَّا الْجُلُوسُ وَالنِّسْيَانُ فَمِمَّا لم يَجْلِبْ على نَفْسِهِ فيه شيئا إلَّا حَدِيثَ النَّفْسِ الذي لَا يَمْتَنِعُ منه أَحَدٌ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ وَإِنْ قَبَّحَ ما يحدث بِهِ نَفْسَهُ وَالنَّاسُ يَمْتَنِعُونَ من اللَّعِبِ فَأَمَّا مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَإِجْرَاؤُهُ الْخَيْلَ وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ وَتَعَلُّمُهُ الرَّمْيَ وَرَمْيُهُ فَلَيْسَ ذلك من اللَّعِبِ وَلَا يُنْهَى عنه وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَبْلُغَ منه وَلَا من غَيْرِهِ من تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَلَا نَظَرَ في عِلْمِ ما يَشْغَلُهُ عن الصَّلَاةِ حتى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ لَا يَتَنَفَّلُ حتى يَخْرُجَ من الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ أَوْجَبُ عليه من جَمِيعِ النَّوَافِلِ - * شَهَادَةُ من يَأْخُذُ الْجُعْلَ على الْخَيْرِ - *

(6/208)


عليه أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَمَّا غَيْرُ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ يُتَصَدَّقُ بها على رَجُلٍ غَنِيٍّ فَقَبِلَهَا فَلَا يَحْرُمُ عليه وَلَا تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُ - * شَهَادَةُ الْقَاذِفِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يُغَنِّي فَيَتَّخِذُ الْغِنَاءَ صِنَاعَتَهُ يُؤْتَى عليه وَيَأْتِي له وَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ مَشْهُورًا بِهِ مَعْرُوفًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ من اللَّهْوِ الْمَكْرُوهِ الذي يُشْبِهُ الْبَاطِلَ وَأَنَّ من صَنَعَ هذا كان مَنْسُوبًا إلَى السَّفَهِ وَسُقَاطَة الْمُرُوءَةِ وَمَنْ رضي بهذا لِنَفْسِهِ كان مُسْتَخِفًّا وَإِنْ لم يَكُنْ مُحَرَّمًا بَيِّنَ التَّحْرِيمِ وَلَوْ كان لَا يَنْسُبُ نَفْسَهُ إلَيْهِ وكان إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَنَّهُ يَطْرَبُ في الْحَالِ فَيَتَرَنَّمُ فيها وَلَا يَأْتِي لِذَلِكَ وَلَا يُؤْتَى عليه وَلَا يَرْضَى بِهِ لم يُسْقِطْ هذا شَهَادَتَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يَتَّخِذُ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ الْمُغَنِّيَيْنِ وكان يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا وَيَغْشَى لِذَلِكَ فَهَذَا سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وهو في الْجَارِيَةِ أَكْثَرُ من قِبَلِ أَنَّ فيه سَفَهًا وَدِيَاثَةً وَإِنْ كان لَا يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَغْشَى لَهُمَا كَرِهْت ذلك له ولم يَكُنْ فيه ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ ( قال ) وَهَكَذَا الرَّجُلُ يَغْشَى بُيُوتَ الْغِنَاءِ وَيَغْشَاهُ الْمُغَنُّونَ إنْ كان لِذَلِكَ مُدْمِنًا وكان لِذَلِكَ مُسْتَعْلِنًا عليه مَشْهُودًا عليه فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ سَفَهٍ تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان ذلك يَقِلُّ منه لم تُرَدَّ بِهِ شَهَادَتُهُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك ليس بِحَرَامٍ بَيِّنٍ فَأَمَّا اسْتِمَاعُ الْحِدَاءِ وَنَشِيدِ الْأَعْرَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَلَّ أو كَثُرَ وَكَذَلِكَ اسْتِمَاعُ الشِّعْرِ *
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن إبْرَاهِيمَ بن مبسرة ( ( ( ميسرة ) ) ) عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبيه قال أَرْدَفَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هل مَعَك من شِعْرِ أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلْتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من قَذَفَ مُسْلِمًا حَدَدْنَاهُ أو لم نَحْدُدْهُ لم نَقْبَلْ شَهَادَتَهُ حتى يَتُوبَ فإذا تَابَ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ فَإِنْ كان الْقَذْفُ إنَّمَا هو بِشَهَادَةٍ لم تَتِمَّ في الزنى حَدَدْنَاهُ ثُمَّ نَظَرْنَا إلَى حَالِ الْمَحْدُودِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ بِشَهَادَتِهِ قُلْنَا له تُبْ وَلَا تَوْبَةَ إلَّا إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ حُدَّ أو لم يُحَدَّ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَتُوبَ وقد قَذَفَ وَسَقَطَ الْحَدُّ عنه بِعَفْوٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمَقْذُوفَ اسْمُ الْقَذْفِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا حتى يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَهَكَذَا قال عُمَرُ لِلَّذِينَ شَهِدُوا على من شَهِدُوا عليه حين حَدَّهُمْ فَتَابَ اثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ على الْقَذْفِ فلم يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ وَمَنْ كانت حَالُهُ عِنْدَ الْقَذْفِ بِشَهَادَةٍ أو غَيْرِ شَهَادَةٍ حَالَ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ حُدَّ أو لم يُحَدَّ فَسَوَاءٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حتى تَحْدُثَ له حَالٌ يَصِيرُ بها عَدْلًا وَيَتُوبُ من الْقِيلِ بِمَا وَصَفْت من إكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ إذَا تَابَ على رَجُلٍ في قَذْفٍ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزنى على رَجُلٍ في الزنى وَشَهَادَةُ الْمَحْدُودِ في الزنى إذَا تَابَ على الْحَدِّ في الزنى وَهَكَذَا الْمَقْطُوعُ في السَّرِقَةِ وَالْمُقْتَصُّ منه في الْجِرَاحِ إذَا تَابُوا ليس ها هنا إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا في كل شَيْءٍ أو مَجْرُوحِينَ في كل شَيْءٍ إلَّا ما يُشْرِكُهُمْ فيه من لَا عَيْبَ فيه من هذه الْعُيُوبِ فَشَهِدُوا فَيَكُونُونَ خُصَمَاءَ أو أَظِنَّاءَ أو جَارِّينَ إلَى أَنْفُسِهِمْ أو دَافِعِينَ عنها أو ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ الْعُدُولِ وَهَكَذَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ على الْقَرَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ على الْبَدْوِيِّ وَالْغَرِيبِ على الْآهِلِ وَالْآهِلِ على الْغَرِيبِ ليس من هذا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إذَا كَانُوا كلهم عُدُولًا وإذا كان مَعْرُوفًا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ قد يَتَبَايَعَانِ فَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ وَيَتَشَاتَمَانِ وَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ وَيَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ فَحُضُورُ الْبَدَوِيِّ الْقَرَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ الْبَدْوِيِّ حتى يَشْهَدَ على ما رَأَى وَاسْتُشْهِدَ عليه جَائِزٌ وقد لَا يَشْهَدُ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يَشْهَدُ غَيْرُهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْمُشْهِدُ أو يَمُوتُ أو يَطْمَئِنُّ إلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ له شَاهِدٌ غير بِدَوِيٍّ أو بَدَوِيِّينَ وَكَذَلِكَ قد يَكُونُ له شُهُودٌ غَيْرَهُ يَغِيبُونَ أو يَمُوتُونَ فَلَا يَمْنَعُ ذلك الْبَدْوِيَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا كان عَدْلًا

(6/209)


شَيْءٌ قُلْت نعم قال هِيهِ فَأَنْشَدْته بَيْتًا فقال هِيهِ فَأَنْشَدْته حتى بَلَغْت مِائَةَ بَيْتٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْحِدَاءُ مِثْل الْكَلَامُ وَالْحَدِيثُ الْمُحَسَّنُ بِاللَّفْظِ وإذا كان هذا هَكَذَا في الشِّعْرِ كان تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ أَوْلَى أَنْ يَكُون مَحْبُوبًا فَقَدْ رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ما أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ أَذِنَهُ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ بِالْقُرْآنِ وَأَنَّهُ سمع عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسٍ يَقْرَأُ فقال لقد أُوتِيَ هذا من مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بها بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان وَأَحَبُّ ما يُقْرَأُ إلَيَّ حَدْرًا وَتَحْزِينًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ تَأَكَّدَتْ عليه أَنَّهُ يَغْشَى الدَّعْوَةَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَسْتَحِلُّ صَاحِبَ الطَّعَامِ فَتَتَابَعَ ذلك منه رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا إذَا كانت الدَّعْوَةُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا إنْ كان طَعَامَ سُلْطَانٍ أو رَجُلٍ يَتَشَبَّهُ بِالسُّلْطَانِ فَيَدْعُو الناس إلَيْهِ فَهَذَا طَعَامٌ عَامٌّ مُبَاحٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ كان على شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ بِهِ فَإِنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ما كان عليه فَأَمَّا إذَا تَابَ وَنَزَعَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ( قال ) وإذا نَثَرَ على الناس في الْفَرَحِ فَأَخَذَهُ بَعْضٌ من حَضَرَ لم يَكُنْ هذا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ شَهَادَةُ أَحَدٍ لِأَنَّ كَثِيرًا يَزْعُمُ أَنَّ هذا مُبَاحٌ حَلَالٌ لِأَنَّ مَالِكَهُ إنَّمَا طَرَحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فَأَمَّا أنا فَأَكْرَهُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ من أَخَذَهُ وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِغَلَبَةٍ لِمَنْ حَضَرَهُ إمَّا بِفَضْلِ قُوَّةٍ وَإِمَّا بِفَضْلِ قِلَّةِ حَيَاءٍ وَالْمَالِكُ لم يَقْصِدْ بِهِ قَصْدَهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الْجَمَاعَةِ فَأَكْرَهُهُ لِآخِذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَظَّهُ من حَظِّ من قُصِدَ بِهِ بِلَا أَذِيَّةٍ وَأَنَّهُ خِلْسَةٌ وَسُخْفٌ - * كُتَّابُ الْقَاضِي - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما يَنْبَغِي عِنْدِي لِقَاضٍ وَلَا لِوَالٍ من وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ذِمِّيًّا وَلَا يَضَعَ الذِّمِّيَّ في مَوْضِعٍ يَتَفَضَّلُ بِهِ مُسْلِمًا وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لهم حَاجَةٌ إلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ وَالْقَاضِي أَقَلُّ الْخَلْقِ بهذا عُذْرًا وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ حتى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا جَائِزَ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لَا يُخْدَعُ وَيَحْرِصُ على أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى من جَهَالَةٍ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ نَزِهًا بَعِيدًا من الطَّمَعِ فَإِنْ كَتَبَ له عِنْدَهُ في حَاجَةِ نَفْسِهِ وَضَيْعَتِهِ دُونَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو كَتَبَ له رَجُلٌ غَيْرُ عَدْلٍ - * الْقَسَّامُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَسَّامُ في هذا بِمَنْزِلَةِ ما وَصَفْت من الْكُتَّابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ إلَّا عَدْلًا مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْحِسَابِ أَقَلَّ ما يَكُونُ منه وَلَا يَكُونُ غَبِيًّا يُخْدَعُ وَلَا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الطَّمَعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَمِعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحِدَاءَ وَالرَّجَزَ وَأَمَرَ بن رَوَاحَةَ في سَفَرِهِ فقال حَرِّكْ الْقَوْمَ فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ وَأَدْرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْبًا من بَنِي تَمِيمٍ مَعَهُمْ حَادٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْدُوا وقال إنَّ حَادِيَنَا وني من آخِرِ اللَّيْلِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ أَوَّلُ الْعَرَبِ حِدَاءً بِالْإِبِلِ قال وَكَيْفَ ذلك قالوا كانت الْعَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُهَا على بَعْضٍ فَأَغَارَ رَجُلٌ مِنَّا فَاسْتَاقَ إبِلًا فَتَبَدَّدَتْ فَغَضِبَ على غُلَامِهِ فَضَرَبَهُ بِالْعَصَا فَأَصَابَ يَدَهُ فقال الْغُلَامُ وَايَدَاه وَايَدَاه قال فَجَعَلَتْ الْإِبِلُ تَجْتَمِعُ قال فقال هَكَذَا فَافْعَلْ قال وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضْحَكُ فقال مِمَّنْ أَنْتُمْ قالوا نَحْنُ من مُضَرَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ من مُضَرَ فَانْتَسَبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حتى بَلَغَ في النِّسْبَةِ إلَى مُضَرَ

(6/210)


- * الْكِتَابُ يَتَّخِذُهُ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما كان هذا مَوْجُودًا لم يَجُزْ أَنْ يَقْبَلَ من الشُّهُودِ حتى يَقْرَأَ عليهم الْكِتَابَ وَيَقْبِضُوهُ قبل أَنْ يَغِيبَ عَنْهُمْ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نُسْخَةَ كِتَابِهِ في أَيْدِيهمْ وَيُوقِعُوا شَهَادَتَهُمْ فيه فَلَوْ انْكَسَرَ خَاتَمُهُ أو ذَهَبَ بَعْضُ كِتَابِهِ شَهِدُوا أَنَّ هذا كِتَابُهُ قَبْلَهُ وَلَيْسَ في الْخَاتَمِ مَعْنًى إنَّمَا المعنى المعني فِيمَا قَطَعُوا بِهِ الشَّهَادَةَ كما يَكُونُ مَعَانِي في إذْكَارِ الْحُقُوقِ وَكُتُبِ التَّسْلِيمِ بين الناس ( قال ) وإذا كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أو عُزِلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ له نُسْخَةٌ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَهُ وَأَنْ يَتَوَلَّى خَتْمَهَا وَرَفْعَهَا وَيَكُونَ ذلك بين يَدَيْهِ وَلَا يَغِيبُ عنه وَيَلِيهِ بِيَدَيْهِ أو يُوَلِّيهِ أَحَدًا بين يَدَيْهِ وَأَنْ لَا يَفْتَحَ الْمَوْضِعَ الذي فيه تِلْكَ الشَّهَادَةُ إلَّا بَعْدَ نَظَرِهِ إلَى خَاتَمِهِ أو عَلَامَةٍ له عليه وَأَنْ لَا يَبْعُدَ منه وَأَنْ يُتْرَكَ في يَدَيْ الْمَشْهُودِ له نُسْخَةُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ إنْ شَاءَ وَلَا يَخْتِمُ الشَّهَادَةَ وَيَدْفَعْهَا إلَى الْمَشْهُودِ له وَلَيْسَ في يَدَيْهِ نُسْخَتُهَا لِأَنَّهُ قد يَعْمَلُ على الْخَاتَمِ وَيُحَرِّفُ الْكِتَابَ وَإِنْ أَغْفَلَ ولم يَجْعَلْ نُسْخَتَهَا عِنْدَهُ وَخَتَمَ الشَّهَادَةَ وَدَفَعَهَا إلَى الْمَشْهُودِ له ثُمَّ أَحْضَرَهَا وَعَلَيْهَا خَاتَمُهُ لم يَقْبَلْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَحْفَظُهَا أو يَحْفَظُ مَعْنَاهَا فَإِنْ كان لَا يَحْفَظُهَا وَلَا مَعْنَاهَا فَلَا يَقْبَلُهَا بِالْخَاتَمِ فَقَدْ يُغَيِّرُ الْكِتَابَ وَيُغَيِّرُ الْخَاتَمَ وَأَكْرَهُ قَبُولَهُ أَيْضًا تَوْقِيعَهُ بيده لِلشَّهَادَةِ وَإِيقَاعَ الْكَاتِبِ بيده إلَّا أَنْ يُجْعَلَ في إيقَاعِهِ وَإِيقَاعِ كَاتِبِهِ شَهِدَ فُلَانٌ عِنْدَ الْقَاضِي على ما في هذا الْكِتَابِ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا دِينَارٌ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ أو هِيَ دَارُ كَذَا شَهِدَ بها فُلَانٌ لِفُلَانٍ حتى لَا يَدَعَ في الشَّهَادَةِ مَوْضِعًا في الْحُكْمِ إلَّا أَوْقَعَهُ بيده فإذا عَرَفَ كِتَابَهُ وَذَكَرَ الشَّهَادَةَ أو عَرَفَ كِتَابَ كَاتِبِهِ وَذَكَرَ الشَّهَادَةَ جَازَ له أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَخَيْرٌ من هذا كُلِّهِ أَنْ تَكُونَ النُّسَخُ كُلُّهَا عِنْدَهُ فإذا أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الْحُكْمَ أَخْرَجَهَا من دِيوَانِهِ ثُمَّ قَطَعَ عليه الْحُكْمَ فَإِنْ ضَاعَتْ من دِيوَانِهِ وَمِنْ يَدَيْ صَاحِبِهَا الذي أَوْقَعَ له فَلَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِشَهَادَةِ قَوْمٍ شَهِدُوا على شَهَادَةِ الْقَوْمِ كُتَّابَهُ كَانُوا أو غير كُتَّابِهِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ قَوْمٌ على أَنَّهُ حَكَمَ لِرَجُلٍ وَلَا يَذْكُرُ هو حُكْمَهُ له فَسَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ حُكْمًا جَدِيدًا بِمَا شَهِدُوا بِهِ عليه لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ على فِعْلِ نَفْسِهِ وهو يَدْفَعُهُ وَلَكِنَّهُ يَدَعُهُ فَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يُحِقُّهُ وإذا رَفَعَ ذلك إلَى حَاكِمٍ غَيْرِهِ أَجَازَهُ كما يُجِيزُ الشَّهَادَةَ على حُكْمِهِ الْحَاكِمُ الذي يَلِي بَعْدَهُ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْرِفُ منه ما يَعْرِفُ من نَفْسِهِ وإذا جاء الذي يَقْضِي عليه بِبَيِّنَةٍ على أَنَّ الْحَاكِمَ وهو حَاكِمٌ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ هَؤُلَاءِ عليه وَدَفَعَهُ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُنْفِذَهُ إنَّمَا يُنْفِذُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لم يَدْفَعْهُ - * كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي - * ( قال ) وَيَقْبَلُ الْقَاضِي كِتَابَ كل قَاضٍ عَدْلٍ وَلَا يَقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَقْبَلُهُ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ حتى يَفْتَحَهُ وَيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَا على ما فيه وَأَنَّ الْقَاضِيَ الذي أَشْهَدَهُمَا عليه قَرَأَهُ بِحَضْرَتِهِمَا أو قُرِئَ عَلَيْهِمَا وقال اشْهَدَا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ فإذا شَهِدَا على هذا قَبِلَهُ وإذا لم يَشْهَدَا على هذا ولم يَزِيدَا على أَنْ يَقُولَا هذا خَاتَمُهُ وَهَذَا كِتَابُهُ دَفَعَهُ إلَيْنَا لم يَقْبَلْهُ وقد حَضَرْت قَاضِيًا جَاءَهُ كِتَابُ قَاضٍ مَخْتُومٌ فَشَهِدَ عند ( ( ( عنده ) ) ) شَاهِدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ فُلَانِ بن فُلَانٍ إلَيْك دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا عليه فَفَتَحَهُ وَقَبِلَهُ فَأَخْبَرَنِي الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ فَضَّ كِتَابًا آخَرَ من هذا الْقَاضِي كُتِبَ إلَيْهِ في ذلك الْأَمْرِ بِعَيْنِهِ وَوَقَفَ عن إنْفَاذِهِ وَأَخْبَرَنِي هو أو من أَثِقُ بِخَبَرِهِ أَنَّهُ رَدَّ إلَيْهِ الْكِتَابَ يَحْكِي له كِتَابًا فَأَنْكَرَ كِتَابَهُ الْآخَرَ وَبَلَغَهُ أو ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَتَبَ الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ فَاحْتِيلَ له فَوَضَعَ كتاب ( ( ( كتابا ) ) ) مثله مَكَانَهُ وَنَحَّى ذلك الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ على ذلك الْكِتَابِ وهو يَرَى أَنَّهُ كِتَابُهُ

(6/211)


قبل أَنْ يَصِلَ كِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثُمَّ وَصَلَ قَبْلَهُ ولم يَمْتَنِعْ من قَبُولِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ بِبَيِّنَتِهِ كما يَقْبَلُ حُكْمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو حَكَمَ ثُمَّ عُزِلَ أو مَاتَ قبل حُكْمِهِ هَكَذَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ ( قال ) وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَتَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ في الْعِنْوَانِ أو كَتَبَ اسْمَهُ بِكُنْيَتِهِ فَسَوَاءٌ وإذا قَطَعَ الشُّهُودُ أَنَّ هذا كِتَابُهُ إلَيْهِ قَبِلَهُ أَلَا تَرَى أَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْحُكْمِ في الْكِتَابِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى الرِّسَالَةِ وَلَا الْكَلَامِ غَيْرِ الْحُكْمِ وَلَا الِاسْمِ فإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على اسْمِ الْكَاتِبِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبِلْته (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى أَجْرُ الْقَسَّامِ من بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَأْخُذُونَ من الناس شيئا لِأَنَّ الْقَسَّامَ حُكَّامٌ فَإِنْ لم يُعْطُوهُ خُلِّيَ بين الْقَسَّامِ وَبَيْنَ من يَطْلُبُ الْقَسْمَ وَاسْتَأْجَرُوهُمْ بِمَا شاؤوا قَلَّ أو كَثُرَ وَإِنْ كان في الْمَقْسُومِ لهم أو الْمَقْسُومِ عليهم صَغِيرٌ فَأَمَرَ بِذَلِكَ وَلِيُّهُ فإذا جَعَلُوا له مَعًا جُعْلًا على قَسْمِ أَرْضٍ فَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنْ سَمَّوْا على كل وَاحِدٍ منهم شيئا مَعْلُومًا أو على كل نَصِيبٍ شيئا مَعْلُومًا وَهُمْ بَالِغُونَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ فَجَائِزٌ وَإِنْ لم يُسَمُّوهُ وَسَمَّوْهُ على الْكُلِّ فَهُوَ على قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لَا على الْعَدَدِ وَلَوْ جَعَلْته على الْعَدَدِ أَوْشَكْت أَنْ آخُذَ من قَلِيلِ النَّصِيبِ مِثْلَ جَمِيعِ ما قَسَمْت له فإذا أنا أَدْخَلْت عليه بِالْقَسْمِ إخْرَاجَهُ من مَالِهِ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ منه الْقَلِيلُ من الْجُعْلِ بِقَدْرِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرُ بِقَدْرِ الْكَثِيرِ وَإِنْ في نَفْسِي من الْجُعْلِ على الصَّغِيرِ وَإِنْ قَلَّ شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ ما يُسْتَدْرَكُ له بِالْقَسْمِ أَغْبَطَ له
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابُ الْقَاضِي كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ يَثْبُتُ فَهَذَا يَسْتَأْنِفُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ بِهِ الْحُكْمَ وَالْآخَرُ كِتَابٌ حَكَمَ منه فإذا قَبِلَهُ أَشْهَدَ على الْمَحْكُومِ له أَنَّهُ قد ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمُ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كان حَكَمَ بِحَقٍّ أَنْفَذَهُ له وَإِنْ كان حَكَمَ عِنْدَهُ بِبَاطِلٍ لَا يُشَكُّ فيه لم يُنْفِذْهُ له ولم يَثْبُتْ له الْكِتَابُ وَإِنْ كان حَكَمَ له بِشَيْءٍ يَرَاهُ بَاطِلًا وهو مِمَّا اخْتَلَفَ الناس فيه فَإِنْ كان يَرَاهُ بَاطِلًا من أَنَّهُ يُخَالِفُ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو قِيَاسًا في مَعْنًى وَاحِدٍ منها فَهَذَا من الْبَاطِلِ الذي يَنْبَغِي له أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كان مِمَّا يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَقَلَّمَا يَكُونُ هذا أَثْبَتَهُ له ولم يُنْفِذْهُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الْحَاكِمِ يَتَوَلَّى منه ما تَوَلَّى وَلَا يُشْرِكُهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لِلْحُكْمِ بِهِ وهو يَرَاهُ بَاطِلًا وَيَقْبَلُ الْقَاضِي كِتَابَ الْقَاضِي في حُقُوقِ الناس في الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَقْبَلُهَا حتى تَثْبُتَ إثْبَاتًا بَيَّنَّا وَالْقَوْلُ في الْحُدُودِ اللَّاتِي لِلَّهِ عز وجل وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فيها كِتَابَ الْقَاضِي وَالْآخَرُ لَا يَقْبَلُهُ حتى تَكُونَ الشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عِنْدَهُ فإذا قَبِلَهَا لم يَقْبَلْهَا إلَّا قَاطِعَةً ( قال ) وإذا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ بِحَقٍّ على رَجُلٍ في مِصْرَ من الْأَمْصَارِ فَأَقَرَّ ذلك الرَّجُلُ أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عليه بِذَلِكَ الْكِتَابِ رَفَعَ في نَسَبِهِ أو لم يَرْفَعْ أو نَسَبَهُ إلَى صَنْعَتِهِ أو لم يَنْسُبْهُ إلَيْهَا أُخِذَ بِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ لم يُؤْخَذْ بِهِ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ هو الْمَكْتُوبُ عليه بهذا الْكِتَابِ فإذا رَفَعَ في نَسَبِهِ أو نَسَبَهُ إلَى صِنَاعَةٍ أو قَبِيلَةٍ أو أَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ فَأَنْكَرَهُ فَقَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بهذا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أُخِذَ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَإِنْ كان في ذلك الْبَلَدِ أو غَيْرِهِ رَجُلٌ يُوَافِقُ هذا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبَ عليه وقال قد يُكْتَبُ بهذا في هذا الْبَلَدِ على غَيْرِي مِمَّنْ يُوَافِقُ هذا الِاسْمِ وقد يَكُونُ بِهِ من غَيْرِ أَهْلِهِ مِمَّنْ يُوَافِقُ هذا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ لم يَقْضِ على هذا بِشَيْءٍ حتى يُبَايِنَ بِشَيْءٍ لَا يُوَافِقُهُ غَيْرُهُ أو يُقِرَّ أو تَقْطَعَ بَيِّنَةٌ على أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ هذا لم يُؤْخَذْ بِهِ ( قال ) وإذا كان بَلَدٌ بِهِ قَاضِيَانِ كَبَغْدَادَ فَكَتَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ من الْبَيِّنَةِ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْبَلَهَا حتى تُعَادَ عليه إنَّمَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ في الْبَلَدِ الثَّانِيَةِ التي لَا يُكَلَّفُ أَهْلُهَا إتْيَانَهُ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ وَالْأَمِيرِ إلَى الْقَاضِي وَالْخَلِيفَةِ إلَى الْقَاضِي سَوَاءٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كما وَصَفْت من كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي - * أَجْرُ الْقَسَّامِ - *

(6/212)


مِمَّا يَخْرُجُ من الْجُعْلِ فَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ كان في نَفْسِي من أَنْ أَجْعَلَ عليه شيئا وهو مِمَّنْ لَا رِضًا له شَيْءٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَرَاضَى الْقَوْمُ بِالْقَاسِمِ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ كان بَصِيرًا بِالْقَسْمِ أو لم يَكُنْ بَصِيرًا بِهِ فَقَسَمَ فَلَا أَنْفَذَ قَسْمَهُ إذَا كان بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ حتى يَتَرَاضَوْا بعد ما يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم ما صَارَ له فإذا رَضُوا أَنْفَذْتُهُ بَيْنَهُمْ كما أَنْفَذَ بَيْنَهُمْ لو قَسَمُوا من أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ أو غَائِبٌ أو مَوْلًى عليه لم أَنْفَذَ من الْقَسْمِ شيئا إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فإذا كان بِأَمْرِ الْحَاكِمِ نَفَذَ وإذا تَدَاعَى الْقَوْمُ إلَى الْقَسْمِ وَأَبَى عليهم شُرَكَاؤُهُمْ فَإِنْ كان ما تَدَاعَوْا إلَيْهِ يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ حتى يَنْتَفِعَ وَاحِدٌ منهم بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مَقْسُومًا أَجْبَرْتهمْ على الْقَسْمِ وَإِنْ لم تَنْتَفِعْ الْبَقِيَّةُ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ إذَا بَعَّضَ بَيْنَهُمْ وَأَقُولُ لِمَنْ كَرِهَ الْقِسْمَةَ إنْ شِئْتُمْ جَمَعْت لَكُمْ حُقُوقَكُمْ فَكَانَتْ مُشَاعَةً تَنْتَفِعُونَ بها وَأَخْرَجْت لِطَالِبِ الْقَسْمِ حَقَّهُ كما طَلَبَهُ وَإِنْ شِئْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ نَفَعَكُمْ ذلك أو لم يَنْفَعْكُمْ وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقَسْمَ وهو لَا يَنْتَفِعُ بِحَقِّهِ وَلَا غَيْرُهُ لم أَقْسِمْ ذلك له وَكَأَنَّ هذا مِثْلُ السَّيْفِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أو الْعَبْدُ وما أَشْبَهَهُ فإذا طَلَبُوا مِنِّي أَنْ أَبِيعَ لهم فَأَقْسِمَ بَيْنَهُمْ الثَّمَنَ لم أَبِعْ لهم شيئا وَقُلْت لهم تَرَاضَوْا في حُقُوقِكُمْ فيه بِمَا شِئْتُمْ كَأَنَّهُ كان ما بَيْنَهُمْ سَيْفٌ أو عَبْدٌ أو غَيْرُهُ - * السُّهْمَانُ في الْقَسْمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ إذَا أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يُحْصِيَ أَهْلَ الْقَسْمِ وَيَعْلَمَ مَبْلَغَ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ كان منهم من له سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ قَسَمَهُ على أَقَلِّ السُّهْمَانِ وهو السُّدُسُ فَجَعَلَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمًا وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَ الدَّارَ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَكَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِ السُّهْمَانِ في رِقَاعٍ من قَرَاطِيسَ صِغَارٍ ثُمَّ أَدْرَجَهَا في بُنْدُقٍ من طِينٍ ثُمَّ دَوَّرَ الْبُنْدُقَ فإذا اسْتَوَى دَرَجَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ في حِجْرِ رَجُلٍ لم يَحْضُرْ الْبُنْدُقَةَ وَلَا الْكِتَابَ أو حِجْرِ عَبْدٍ أو صَبِيٍّ ثُمَّ جَعَلَ السُّهْمَانَ فَسَمَّاهَا أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا ثُمَّ قال أَدْخِلْ يَدَك وَأَخْرِجْ على الْأَوَّلِ بُنْدُقَةً وَاحِدَةً فإذا أَخْرَجَهَا فَضَّهَا فإذا خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِهَا جُعِلَ له السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كان صَاحِبُ السُّدُسِ فَهُوَ له وَلَا شَيْءَ له غَيْرُهُ وَإِنْ كان صَاحِبُ الثُّلُثِ فَهُوَ له وَالسَّهْمُ الذي يَلِيهِ وَإِنْ كان صَاحِبَ النِّصْفِ فَهُوَ له وَالسَّهْمَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِهِ ثُمَّ يُقَالُ أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً على السَّهْمِ الْفَارِغِ الذي يَلِي ما خَرَجَ فإذا خَرَجَ فيها اسْمُ رَجُلٍ فَهُوَ كما وَصَفْت حتى تَنْفُذَ السُّهْمَانُ وإذا قَسَمَ أَرْضًا فيها أَصْلٌ أو بِنَاءٌ أو لَا أَصْلَ فيها وَلَا بِنَاءَ فَإِنَّمَا يَقْسِمُهَا على الْقِيمَةِ لَا على الذَّرْعِ فَيُقَوِّمُهَا قِيَمًا ثُمَّ يَقْسِمُهَا كما وَصَفْت وَإِنْ كان الْمَقْسُومُ عليهم بَالِغِينَ فَاخْتَارُوا أَنْ نَقْسِمَهَا على الذَّرْعِ ثُمَّ نُعِيدَ عليها الْقِيمَةَ ثُمَّ يُضْرَبُ عليها بِالسُّهْمَانِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ على مَوْضِعٍ أَخَذَهُ وإذا فَضَلَ رَدَّ ( 2 ) فيه عليه وَأَخَذَ فَضْلًا إنْ كان فيه لم نُجِزْ الْقَسْمَ بَيْنَهُمْ حتى يَلْزَمَ على هذا إلَّا بعد ما يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِمَوْقِعِ سَهْمِهِ وما يَلْزَمُهُ وَيَسْقُطُ عنه فإذا عَلِمَهُ كما يَعْلَمُ الْبُيُوعَ ثُمَّ رضي بِهِ أَجَزْته في ذلك الْوَقْتِ لَا على الْأَوَّلِ كما كُنْت أُلْزِمُهُمْ الْقُرْعَةَ الْأُولَى وَلَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوهُ مَتَى شاؤوا وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ أو مَوْلًى عليه لم يَجُزْ هذا الْقَسْمُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْقَسْمُ حتى يُجْبَرَ عليه إذَا كان كما وَصَفْت في الْقَسْمِ الْأَوَّلِ يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم لَا شَيْءَ له وَلَا عليه إلَّا ما كان خَرَجَ عليه سَهْمُهُ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الرَّجُلُ الدَّارَ بين الْقَوْمِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الْقَسَّامُ على ما قَسَمُوا قَسَمُوا ذلك بِأَمْرِ الْقَاضِي أو بِغَيْرِ أَمْرِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ على فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمَقْسُومَ عليهم ( 1 ) لو أَنْكَرُوا إنَّهُمْ لم يَقْسِمُوا عليهم لم يَكُنْ لهم جُعْلٌ وَلَا بُدَّ لِلْقَسَّامِ من أَنْ يَأْتُوا بِشُهُودٍ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ على فِعْلِهِمْ

(6/213)


فَيَجْعَلَ لِبَعْضِهِمْ سُفْلًا وَلِبَعْضِهِمْ عُلْوًا لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ أَنَّ من مَلَكَ السُّفْلَ مَلَكَ ما تَحْتَهُ من الْأَرْضِ وما فَوْقَهُ من الْهَوَاءِ فإذا أعطى هذا سُفْلًا لَا هَوَاءَ له وأعطى هذا عُلْوًا لا سفل له فَقَدْ أعطى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على غَيْرِ أَصْلِ ما يَمْلِكُ الناس وَلَكِنَّهُ يَقْسِمُ ذلك بِالْقِيمَةِ وَلَا يُعْطِي أَحَدًا بُقْعَةً إلَّا ما مَلَّكَهُ ما تَحْتَهَا وَهَوَاءَهَا وَإِنْ كان في الناس قُسَّامٌ عُدُولٌ أَمَرَ الْقَاضِي من يَطْلُبُ الْقَسْمَ أَنْ يَخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ قُسَّامًا عُدُولًا إنْ شاؤوا من غَيْرِهِمْ وَإِنْ رَضُوا بِوَاحِدٍ لم يُقْبَلْ ذلك حتى يَجْتَمِعُوا على اثْنَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُشْرِكَ بين قسامه في الْجُعْلِ فَيَتَحَكَّمُوا على الناس وَلَكِنْ يَدَعُ الناس حتى يَسْتَأْجِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ من شاؤوا - * ما يُرَدُّ من الْقَسْمِ بِادِّعَاءِ بَعْضِ الْمَقْسُومِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَدْلُ يَجِبُ على الْقَاضِي في الْحُكْمِ وفي النَّظَرِ في الْحُكْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ في الْمَدْخَلِ عليه وَالِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا وَالْإِنْصَاتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى تَنْفَدَ حُجَّتُهُ وَحُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا وَلَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِإِقْبَالٍ دُونَ الْآخَرِ وَلَا يَدْخُلُ عليه دُونَ الْآخَرِ وَلَا بِزِيَارَةٍ له دُونَ الْآخَرِ وَلَا يَنْهَرُهُ وَلَا يَنْهَرُ الْآخَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من أَقَلِّ عَدْلِهِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن عِرْضِ صَاحِبِهِ وَأَنْ يُغِيرَ على من نَالَ من عِرْضِ صَاحِبِهِ بِقَدْرِ ما يَسْتَوْجِبُ بِقَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُلَقِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حُجَّةً وَلَا بَأْسَ إذَا جَلَسَا أَنْ يَقُولَ تَكَلَّمَا أو يَسْكُتَ حتى يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ الطَّالِبُ فإذا أَنْفَدَ حُجَّتَهُ تَكَلَّمَ الْمَطْلُوبُ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُضَيِّفَ الْخَصْمَ إلَّا وَخَصْمُهُ معه وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْبَلَ منه هَدِيَّةً وَإِنْ كان يُهْدِي له قبل ذلك حتى تَنْفَدَ خُصُومَتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ إذَا حَضَرَ الْقَاضِيَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِنْ كان الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمْ وَإِنْ جَعَلَ لهم يَوْمًا بِقَدْرِ ما لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَيَرْفُقُ بِالْمُسَافِرِينَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَثُرُوا حتى يُسَاوُوا أَهْلَ الْبَلَدِ أُسًّا بِهِمْ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ حَقًّا وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ في مَوْضِعٍ بَارِزٍ وَيَقْدَمَ الناس الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ لَا يَقْدَمُ رَجُلًا جاء قَبْلَهُ غَيْرُهُ وإذا قَدِمَ الذي جاء أَوَّلًا وَخَصْمُهُ وكان له خُصُومٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا معه لم يَنْبَغِ له أَنْ يَسْمَعَ إلَّا منه وَمِنْ خَصْمٍ وَاحِدٍ فإذا فَرَغَا أَقَامَهُ وَدَعَا الذي جاء بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ أُخَرُ وَيَكُونُ آخِرَ من يَدْعُو وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي إلَّا بعد ما يَتَبَيَّنُ له الْحَقُّ بِخَبَرِ مُتَّبِعٍ لَازِمٍ أو قِيَاسٍ فَإِنْ لم يَبِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَسَمَ الْقَسَّامُ بَيْنَهُمْ فَادَّعَى بَعْضٌ الْمَقْسُومَ بَيْنَهُمْ غَلَطًا كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ على ما يقول من الْغَلَطِ فَإِنْ جاء بها رُدَّ الْقَسْمُ عنه ( قال ) وإذا قُسِّمَتْ الدَّارُ بين نَفَرٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أو لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ فَبِيعَ بَعْضُهَا انْتَقَضَ الْقَسْمُ وَيُقَالُ لهم في الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُعْطُوا أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ أَنْفَذْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ وَإِنْ لم تَطَّوَّعُوا ولم نَجِدْ لِلْمَيِّتِ مَالًا إلَّا هذه الدَّارَ بِعْنَا منها وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ ( قال ) فإذا جاء الْقَوْمُ فَتَصَادَقُوا على مِلْكِ دَارٍ بَيْنَهُمْ وَسَأَلُوا الْقَاضِيَ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ لم أُحِبَّ أَنْ يَقْسِمَهَا وَيَقُولُ إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَقْسِمُوا بين أَنْفُسِكُمْ أو يَقْسِمَ بَيْنَكُمْ من تَرْضَوْنَ فَافْعَلُوا وَإِنْ أَرَدْتُمْ قَسْمِي فَأَثْبِتُوا الْبَيِّنَةَ على أُصُولِ حُقُوقِكُمْ فيها وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قَسَمْت بِلَا بَيِّنَةٍ فَجِئْتُمْ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنِّي قَسَمْت بَيْنَكُمْ هذه الدَّارَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِي كان شَبِيهًا أَنْ يَجْعَلَهَا حُكْمًا مِنِّي لَكُمْ بها وَلَعَلَّهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ ليس لَكُمْ فيها شَيْءٌ فَلَا نَقْسِمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وقد قِيلَ يَقْسِمُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ إنَّمَا قَسَمَ على إقْرَارِهِمْ وَلَا يُعْجِبُنِي هذا الْقَوْلُ لِمَا وَصَفْت فإذا تَرَكَ الْمَيِّتُ دُورًا مُتَفَرِّقَةً أو دُورًا وَرَقِيقًا أو دُورًا وَأَرَضِينَ فَاصْطَلَحَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ بَالِغُونَ من ذلك على شَيْءٍ يَصِيرُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لم أَرْدُدْهُ وَإِنْ تَشَاحُّوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْسِمَ له دَارًا كما هِيَ ويعطى غَيْرَهُ بِقِيمَتِهَا دَارًا غَيْرَهَا بِقِيمَتِهَا لم يَكُنْ ذلك له وَيَقْسِمُ كُلَّ دَارٍ بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ منهم حَقَّهُ وَكَذَلِكَ الْأَرَضِينَ وَالثِّيَابَ وَالطَّعَامَ وَكُلُّ ما احْتَمَلَ أَنْ يُقْسَمَ

(6/214)


ذلك له لم يَقْطَعْ حُكْمًا حتى يَتَبَيَّنَ له وَيَسْتَظْهِرَ بِرَأْيِ أَهْلِ الرَّأْيِ ( قال ) وإذا أَشَارُوا عليه بِشَيْءٍ ليس بِخَبَرٍ فلم يَبِنْ له من ذلك أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْضِيَ وَلَوْ كَانُوا فَوْقَهُ في الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ إلَّا مَوْجُودًا إمَّا خَبَرٌ لَازِمٌ وَإِمَّا قِيَاسٌ يُبَيِّنُهُ له الْمَرْءُ فَيَعْقِلُهُ فإذا بَيَّنَهُ له فلم يَعْقِلْهُ فَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا من رَجُلَيْنِ إمَّا رَجُلٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ غَلِطَ عليه من أَشَارَ عليه فقال له أنت تَجِدُ ما لَا نَجِدُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ من مُخْطِئٍ عِنْدَهُ وَإِمَّا رَجُلٌ لَا يَعْقِلُ إذَا عَقَلَ فَهَذَا لَا يَحِلُّ له أَنْ يَقْضِيَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَهُ وإذا كنا نَرُدُّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ على ما لَا يَعْقِلُ مِمَّا يُشْتَبَهُ عليه فَحُكْمُ الْحَاكِمِ فِيمَا لَا يَعْقِلُ أَوْلَى بِالرَّدِّ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ من رُفِعَ إلَيْهِ صَوَابًا فَيُنْفِذُ الصَّوَابَ حَيْثُ كان ( قال ) وَلَا يُلَقِّنُ الْقَاضِي الشَّاهِدَ وَيَدَعُهُ يَشْهَدُ بِمَا عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ يُوقِفُهُ وَالتَّوْقِيفُ غَيْرُ التَّلْقِينِ ( قال ) وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْتَهِرَ الشَّاهِدَ وَلَا يَتَعَنَّتَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فإذا عُدِّلَ سَأَلَ تَعْدِيلَهُ عَلَانِيَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدَّلَ سِرًّا هو هذا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ اسم ( ( ( اسمه ) ) ) اسما ( ( ( اسمه ) ) ) ونسب ( ( ( ونسبه ) ) ) نسبا ( ( ( نسبه ) ) ) ( قال ) وإذا وَجَدَ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ شَهَادَةً وَلَا يَذْكُرُ منها شيئا لم يَقْضِ بها حتى يُعِيدَ الشُّهُودَ أو يَشْهَدَ شُهُودٌ على شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ خَافَ النِّسْيَانَ وَالْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ تَقَدَّمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ إلَيْهِمْ بِأَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَتِهِمْ من حَضَرَهُمْ من كُتَّابِهِ وَيُوَقِّعَ على شَهَادَتِهِمْ كما وَصَفْت وإذا ذَكَرَ شَهَادَاتِهِمْ حَكَمَ بها وَإِلَّا شَهِدَ عليها من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَيَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ قد يَحْتَالُ لِكِتَابٍ فَيَطْرَحُ في دِيوَانِهِ الْخَطَّ فَيُشْبِهُ الْخَطُّ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ الْخَاتَمَ وَهَكَذَا لو كان شَاهِدٌ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ في مَنْزِلِهِ وَيُخْرِجُهَا لم يَشْهَدْ بها حتى يَذْكُرَهَا ( قال ) وما وُجِدَ في دِيوَانِ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ من شَهَادَةٍ أو قَضَاءٍ غَيْرِ مَشْهُودٍ عليه لم يُقْبَلْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي للامام أَنْ يَجْعَلَ مع رِزْقِ الْقَاضِي شيئا لِقَرَاطِيسِهِ وَصُحُفِهِ فإذا فَعَلَ ذلك لم يُكَلِّفْ الطَّالِبَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَحِيفَةٍ وَإِنْ لم يَفْعَلْ قال الْقَاضِي لِلطَّالِبِ إنْ شِئْت جِئْت بِصَحِيفَةٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْك وَكِتَابِ خُصُومَتِك وَإِلَّا لم أُكْرِهْك ولم أَقْبَلْ مِنْك أَنْ يَشْهَدَ عِنْدِي شَاهِدٌ السَّاعَةَ بِلَا كِتَابٍ وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ ( قال ) وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّاهِدِ إلَّا بِمَحْضَرٍ من الْخَصْمِ الْمَشْهُودِ عليه فَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ منه فَلَا بَأْسَ وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَهَا عليه لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ فيها وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِكُلِّ من شَهِدَ عليه لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ في شَهَادَاتِهِمْ وَحُجَّتَهُ إنْ كانت عِنْدَهُ ما يَجْرَحُهُمْ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةً على غَائِبٍ وَكَتَبَ بها إلَى قَاضٍ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ قبل أَنْ يُمْضِيَ الْكِتَابَ لم يُكَلِّفْ الشُّهُودَ أَنْ يَعُودُوا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَقْرَأَ عليه شَهَادَتَهُمْ وَنُسْخَةَ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَيُوَسِّعَ عليه في طَلَبِ جَرْحِهِمْ أو الْمَخْرَجِ مِمَّا شَهِدُوا بِهِ عليه فَإِنْ لم يَأْتِ بِذَلِكَ حَكَمَ عليه ( قال ) وَلَوْ مَضَى الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْضِيَ عليه حتى يَحْضُرَهُ إنْ كان حَاضِرًا وَيَقْرَأَ عليه الْكِتَابَ وَنُسْخَةَ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ وَيُوَسِّعَ عليه في طَلَبِ الْمَخْرَجِ من شَهَادَاتِهِمْ فَإِنْ جاء بِذَلِكَ وَإِلَّا قَضَى عليه ( قال ) وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على عَبْدٍ مَوْصُوفٍ أو دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ له بِبَلَدٍ آخَرَ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ هذا الْعَبْدَ الذي شَهِدَ لَك بِهِ الشُّهُودُ لَعَبْدُك أو دَابَّتُك لَفِي مِلْكِك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقِفَ الشَّاهِدُ على شَهَادَتِهِ وَيَكْتُبَ بين يَدَيْهِ أو نَاحِيَةً ثُمَّ يَعْرِضُ عليه وَالشَّاهِدُ يَسْمَعُ وَلَا يَقْبَلُهَا في مَجْلِسٍ لم يُوَقِّعْ فيها بيده أو كَاتِبُهُ حَيْثُ يَرَاهُ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُخَلِّيَ الْكَاتِبَ يَغِيبُ على شَيْءٍ من الْإِيقَاعِ من كِتَابِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يُعِيدَهُ عليه فَيَعْرِضَهُ وَالشَّاهِدُ حَاضِرٌ ثُمَّ يَخْتِمُ عليها بِخَاتَمِهِ وَيَرْفَعُهَا في قِمَطْرِهِ ( قال ) فَإِنْ أَرَادَ الْمَشْهُودُ له أَنْ يَأْخُذَ نُسْخَتَهَا أَخَذَهَا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَضُمَّ الشَّهَادَاتِ بين الرَّجُلَيْنِ وَحُجَّتَهُمَا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَكْتُبَ تَرْجَمَتَهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَالشَّهْرَ الذي كانت فيه لِيَكُونَ أَعْرَفَ لها إذَا طَلَبَهَا فإذا مَضَتْ السَّنَةُ عَزَلَهَا وَكَتَبَ خُصُومَةُ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا حتى تَكُونَ كُلُّ سَنَةٍ مَعْرُوفَةً وَكُلُّ شَهْرٍ مَعْرُوفًا

(6/215)


ما خَرَجَتْ من مِلْكِك بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا من بَلَدِهِ إلَى كل بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ وَأَحْضَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ أو دَابَّةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ وقد قال بَعْضُ الْحُكَّامِ يَخْتِمُ في رَقَبَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَبْعَثُ بِهِ إلَى ذلك الْبَلَدِ وَيَأْخُذُ من هذا كَفِيلًا بقيمها ( ( ( يقيمها ) ) ) فَإِنْ قَطَعَ عليه الشُّهُودُ بعد ما رَأَيَا سُلِّمَ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَقْطَعُوا رُدَّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وقد قال غَيْرُهُ إذَا وَافَقَ الصِّفَةَ حَكَمْت له وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْكُمَ له حتى يَأْتِيَ الشُّهُودُ الْمَوْضِعَ الذي فيه تِلْكَ الدَّابَّةُ فَيَشْهَدُوا عليها وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَلَا يَخْرُجُ من يَدَيْ صَاحِبِهِ الذي هو في يَدَيْهِ بهذا إذَا كان يَدَّعِيهِ أو يَقْضِي له بِالصِّفَةِ كما يَقْضِي على الْغَائِبِ يَشْهَدُ عليه بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ يُمْلَكُ من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ ( قال ) وما بَاعَ الْقَاضِي على حَيٍّ أو مَيِّتٍ فَلَا عُهْدَةَ عليه وَالْعُهْدَةُ على الْمَبِيعِ عليه وَاخْتَلَفَ الناس في عِلْمِ الْقَاضِي هل له أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَقْضِيَ بِكُلِّ ما عَلِمَ قبل الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا أُرِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّ ما ادَّعَى كما ادَّعَى في الظَّاهِرِ فإذا قَبِلْته على صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ في الظَّاهِرِ كان عِلْمِي أَكْثَرَ من شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أو لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ من عِلْمِهِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا في غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِشَيْءٍ على مِثْلِ ما عَلِمَ فَيَكُونَ عِلْمُهُ وَجَهْلُهُ سَوَاءً إذَا تَوَلَّى الْحُكْمَ فَيَأْمُرُ الطَّالِبَ أَنْ يُحَاكِمَ إلَى غَيْرِهِ وَيَشْهَدُ هو له فَيَكُونُ كَشَاهِدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَلَّى الْحُكْمَ غَيْرُهُ وَهَكَذَا قال شُرَيْحٌ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يَقْضِيَ له بِعِلْمِهِ فقال ائْتِ الْأَمِيرَ وَأَشْهَدُ لَك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَنْفَذَ ذلك وهو حَاكِمٌ لم يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عليه أَنْ يَتْبَعَهُ بِشَيْءٍ منه إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ أو ما يَدُلُّ على الْجَوْرِ فَيَكُونُ مُتَّبِعًا في ذلك كُلِّهِ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الْقَاضِي عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَشِرَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ له أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ حَكَمَ رُدَّ حُكْمُهُ وَكَذَلِكَ لو حَكَمَ لِوَلَدِهِ أو وَالِدِهِ وَمَنْ لَا تَجُوزُ له شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِكُلِّ من جَازَتْ له شَهَادَتُهُ من أَخٍ وَعَمٍّ وبن عَمٍّ وَمَوْلًى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عُزِلَ الْقَاضِي عن الْقَضَاءِ وقال قد كُنْت قَضَيْت لِفُلَانٍ على فُلَانٍ لم يُقْبَلْ ذلك منه حتى يَأْتِيَ الْمَقْضِيُّ له بِشَاهِدَيْنِ على أَنَّهُ حَكَمَ له قبل أَنْ يُعْزَلَ ( قال ) وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ على رَجُلٍ أَنْ يُجْلِسَهُ وَيُبَيِّنَ له وَيَقُولَ له احْتَجَجْت عِنْدِي بِكَذَا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْك بِكَذَا وَاحْتَجَّ خَصْمُك بِكَذَا فَرَأَيْت الْحُكْمَ عَلَيْك من قِبَلِ كَذَا لِيَكُونَ أَطْيَبَ لِنَفْسِ الْمَحْكُومِ عليه وَأَبْعَدَ من التُّهْمَةِ وَأَحْرَى إنْ كان الْقَاضِي غَفَلَ من ذلك عن مَوْضِعٍ فيه حُجَّةٌ أَنْ يُبَيِّنَهُ فَإِنْ رَأَى فيها شيئا يُبَيِّنُ له أَنْ يَرْجِعَ أو يُشْكِلُ عليه أَنْ يَقِفَ حتى يَتَبَيَّنَ له فَإِنْ لم يَرَ فيها شيئا أخبره أَنَّهُ لَا شَيْءَ له فيها وَأَخْبَرَهُ بِالْوَجْهِ الذي رَأَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ له فيها وَإِنْ لم يَفْعَلْ جَازَ حُكْمُهُ غير أَنَّ قد تَرَكَ مَوْضِعَ الْأَعْذَارِ إلَى الْمَقْضِيِّ عليه عِنْدَ الْقَضَاءِ ( قال ) وَأُحِبُّ للامام إذَا وَلِيَ الْقَضَاءَ أَنْ يُجْعَلَ له أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ في الطَّرَفِ من أَطْرَافِهِ وَالشَّيْءِ من أُمُورِهِ الرَّجُلَ فَيُجَوِّزُ حُكْمَهُ وَإِنْ لم يُجْعَلْ ذلك له فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِ وَالٍ قال لم يَنْبَغِ لِلْقَاضِي أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَ ذلك الْقَاضِي الذي اسْتَقْضَاهُ ولم يَجْعَلْ إلَيْهِ وَإِنْ أَنْفَذَهُ كان إنْفَاذُهُ إيَّاهُ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْفَاذُهُ إيَّاهُ على اسْتِئْنَافِ حُكْمٍ بين الْخَصْمَيْنِ فإذا كان إنَّمَا هو لِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وإذا كان الْأَمْرُ بَيِّنًا عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا يَخْتَصِمُ فيه الْخَصْمَانِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصُّلْحِ وَأَنْ يَتَحَلَّلَهُمَا من أَنْ يُؤَخِّرَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ فَإِنْ لم يَجْتَمِعَا على تَحْلِيلِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِلْمُهُ بِحُدُودِ اللَّهِ التي لَا شَيْءَ فيها لِلْآدَمِيِّينَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَحُقُوقِ الناس وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلنَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ لم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلَّهِ ثُمَّ رَجَعَ قبل رُجُوعِهِ وَالْقَاضِي مُصَدَّقٌ عِنْدَ من أَجَازَ له الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ منه عِنْدَ من لم يُجِزْهُ له فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةً قَامَتْ عِنْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ على ما ذَكَرَ منها وَهَكَذَا كُلُّ ما حَكَمَ بِهِ من طَلَاقٍ أو قِصَاصٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِ

(6/216)


لم يَكُنْ له تَرْدِيدُهُمَا وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا مَتَى بَانَ له وَإِنْ أَشْكَلَ الْحُكْمُ عليه لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا طَالَ ذلك أو قَصُرَ عليه الْأَنَاةُ إلَى بَيَانِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ قبل الْبَيَانِ ظُلْمٌ وَالْحَبْسُ بِالْحُكْمِ بَعْدَ الْبَيَانِ ظُلْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْإِقْرَارُ وَالْمَوَاهِبُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا إذَا قال له على مَالٍ قِيلَ له أَقِرَّ بِمَا شِئْت لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَهَكَذَا إذَا قال له على مَالٍ كَثِيرٍ أو مَالٍ عَظِيمٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في ذلك قِيلَ قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْعَمَلَ فقال { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فإذا كُوفِئَ على مِثْقَالِ ذَرَّةٍ في الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كانت عَظِيمًا وَلَا شَيْءَ من الْمَالِ أَقَلُّ من مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فَأَمَّا من ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يقضى عليه بِمَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ فَلَا أَعْلَمُهُ ذَهَبَ إلَيْهِ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا أَرَأَيْت مِسْكَيْنَا يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا فقال لِرَجُلٍ على مَالٌ عَظِيمٌ وَمَعْرُوفٌ منه أَنَّهُ يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا أُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَرَأَيْت خَلِيفَةً أو نَظِيرًا لِلْخَلِيفَةِ يَرَى أَلْفَ أَلْفٍ قَلِيلًا أَقَرَّ لِرَجُلِ فقال له على مَالٌ عَظِيمٌ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ أُعْطِيَهُ من هذا فَإِنْ قُلْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالْعَامَّةُ تَعْرِفُ أَنَّ قَوْلَ هذا عَظِيمٌ مِمَّا يَقَعُ في الْقَلْبِ أَكْثَرُ من أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فتعطي منه التَّافِهَ فَتَظْلِمُ في مَعْنَى قَوْلِك الْمُقَرَّ له إذَا لم يَكُ عِنْدَك فيه مَحْمَلٌ إلَّا كَلَامُ الناس وَتَظْلِمُ الْمِسْكِينَ الْمُقِرَّ الذي يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له على دَرَاهِمُ فقال كَثِيرَةٌ أو عَظِيمَةٌ أو لم يَقُلْهَا فَسَوَاءٌ وَأُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُقَرُّ له أَكْثَرَ من ذلك فَأَحْلِفُ الْمُقِرَّ فَإِنْ حَلَفَ لم أَزِدْهُ على ثَلَاثَةٍ وَإِنْ نَكَلَ قُلْت لِلْمُدَّعِي إنْ شِئْت فَخُذْ ثَلَاثَةً بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ على أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ وَخُذْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له عَلَيَّ أَلْفٌ ردوهم ( ( ( ودرهم ) ) ) ولم يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ إنْ شِئْت فُلُوسًا وَإِنْ شِئْت تَمْرًا وَإِنْ شِئْت خُبْزًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا مَعَهَا وَاحْلِفْ أَنَّ الْأَلْفَ التي أَقْرَرْت له بها هِيَ هذه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال هذا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ وَفَصُّهُ لي أو لِفُلَانٍ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ هذا الْخَاتَمُ إلَّا فَصَّهُ لِفُلَانٍ أو لِفُلَانٍ فَالْخَاتَمُ لِفُلَانٍ وَالْفَصُّ له أو لِفُلَانٍ وَلَوْ أَوْصَى فقال خَاتَمِي هذا لِفُلَانٍ وَفَصُّهُ لِفُلَانٍ كان لِفُلَانٍ الْخَاتَمُ وَلِفُلَانٍ الْمُوصَى له الْفَصُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَصَّ يَتَمَيَّزُ من الْخَاتَمِ حتى يَكُونَ ثَمَّ اسْمُ خَاتَمٍ لَا فَصَّ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ حتى يَكُونَا بَالِغَيْنِ رَشِيدَيْنِ غير مَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا وَمَنْ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لم يَجُزْ إقْرَارُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كان له أَبٌ أو لم يَكُنْ وَسَوَاءٌ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ أو لم يُؤْذَنْ له وهو مُخَالِفٌ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ يُؤْذَنْ له في التِّجَارَةِ الْعَبْدُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ تِجَارَتُهُ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ وإذا أَذِنَ له رَبُّ الْمَالِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَإِقْرَارُهُ في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرُ الْبَالِغِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا كان مَالِكًا لِمَالٍ وكان في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَأَنْ يولي عليه حتى يَبْلُغَ حُلُمًا وَرُشْدًا لم يَكُنْ للادميين أَنْ يُطْلِقُوا ذلك عنه وَلَا يَجُوزُ عليه بِإِذْنِهِمْ ما لَا يَجُوزُ عليه لِنَفْسِهِ وهو حُرٌّ مَالِكٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم يَجُزْ إقْرَارُ غَيْرِ الْبَالِغِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا وَلَا خَطَأً وَإِقْرَارُهُ في التِّجَارَةِ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْعَبْدُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ في الْقَتْلِ وَالْحَدِّ وَالْقَطْعِ فَهُوَ مُفَارِقٌ له بِخِلَافِهِ له وَلُزُومِ حُدُودِهِ له وَلَا حَدَّ على غَيْرِ بَالِغٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً لم يَلْزَمْ
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ جَحَدَ قِيلَ له أَقِرَّ بِمَا شِئْت مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ تَمْرَةٍ أو فَلْسٍ أو ما أَحْبَبْت ثُمَّ احلف ما هو إلَّا هذا وما له عَلَيْك شَيْءٌ غَيْرُ هذا وقد بَرِئْت فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي الْمَقَرِّ له فَقِيلَ له سَمِّ ما شِئْت فإذا سَمَّى قِيلَ لِلْمُقِرِّ إنْ حَلَفْت على هذا بَرِئْت وَإِلَّا رَدَدْنَا عليه الْيَمِينَ فَحَلَفَ فَأَعْطَيْنَاهُ وَلَا نَحْبِسُهُ

(6/217)


مَوْلَاهُ من إقْرَارِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ عليه وَيَلْزَمُهُ ذلك إذَا عَتَقَ ( 1 ) (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْعَارِيَّةِ فقال لَا يَضْمَنُ منها شيئا إلَّا ما تَعَدَّى فيه فَسُئِلَ من أَيْنَ قَالَهُ فَزَعَمَ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَهُ فَقِيلَ له قد تُخَالِفُ شُرَيْحًا حَيْثُ لَا مُخَالِفَ له قال فما حُجَّتُكُمْ في تَضْمِينِهَا قُلْنَا إستعار رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفْوَانَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ قال أَفَرَأَيْت لو قُلْنَا فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ وَإِنْ لم يَشْرُطْهُ لم يَضْمَنْ قُلْنَا فَأَنْتَ إذَا تَتْرُكُ قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَلَيْسَ قَوْلُك إنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قال بَلَى قُلْنَا فما تَقُولُ في الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَنَّهُ ضَامِنٌ أو الْمُضَارِبُ أَنَّهُ ضَامِنٌ قال لَا يَكُونُ ضَامِنًا في وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْنَا فما تَقُولُ في الْمُسْتَسْلِفِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ قال لَا شَرْطَ له وَيَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا وَتُرَدُّ الْأَمَانَةُ إلَى أَصْلِهَا وَالْمَضْمُونُ إلَى أَصْلِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا جميعا قال نعم قُلْنَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في الْعَارِيَّةِ وَبِذَلِكَ شَرَطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها مَضْمُونَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ أنها مَضْمُونَةٌ إلَّا لِمَا يَلْزَمُ قال فَلِمَ شَرَطَ قُلْنَا لِجَهَالَةِ الْمَشْرُوطِ له كان مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ ما ضَرُّ الشَّرْطِ له إذَا كان أَصْلُ الْعَارِيَّةِ أنها مَضْمُونَةٌ بِلَا شَرْطٍ كما لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَخَلَاصُ عَبْدِك في الْبَيْعِ وَلَوْ لم يَشْتَرِطْ كان عَلَيْك الْعُهْدَةُ وَالْخَلَاصُ أو الرَّدُّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال وَهَلْ قال هذا أَحَدٌ قُلْنَا في هذا كِفَايَةٌ وقد قال أبو هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما ( ( ( عنهم ) ) ) إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وكان قَوْلُ أبي هُرَيْرَةَ في بَعِيرٍ اُسْتُعِيرَ فَتَلِفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ في دَابَّةٍ فقال رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتُكَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَرَكِبْتهَا بِكَذَا وَكَذَا وقال الرَّاكِبُ رَكِبْتهَا عَارِيَّةً مِنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاكِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا كِرَاءَ عليه ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ من قِبَلِ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِرُكُوبِ دَابَّتِي مُدَّعٍ على أَنِّي أَبَحْتُ ذلك له فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَلَّفْت وَأَخَذْت كِرَاءَ الْمِثْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَمَاتَتْ الدَّابَّةُ كان الْكِرَاءُ سَاقِطًا وكان عليه ضَمَانُ الدَّابَّةِ في الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ تَضْمِينُ الْعَارِيَّةِ وَسَوَاءٌ كان رَبُّ الدَّابَّةِ مِمَّنْ يُكْرِي الدَّوَابَّ أو لَا يُكْرِيهَا لِأَنَّ الذي يُكْرِيهَا قد يُعِيرُهَا وَاَلَّذِي يُعِيرُهَا قد يُكْرِيهَا ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الرَّاكِبِ كِرَاءُ مِثْلِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَتَى قُلْت الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ أَلْزَمْته الْكِرَاءَ وَطَرَحْت عنه الضَّمَانَ إذَا تَلِفَتْ ( قال الرَّبِيعُ ) وَكُلُّ ما كان الْقَوْلُ فيه قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ ولم يُعِرْهَا فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فَلَا ضَمَانَ على من جَعَلْنَاهُ مُكْتَرِيًا إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو قال أَعَرْتنِيهَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ بَلْ غَصَبْتنِيهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ في يَدَيْهِ ضَمِنَ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ رَكِبَهَا أو لم يَرْكَبْهَا وإذا رَدَّهَا إلَيْهِ سَالِمَةً فَلَا شَيْءَ عليه رَكِبَهَا أو لم يَرْكَبْهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَارِيَّةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ الدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّيَابُ لَا فَرْقَ بين شَيْءٍ منها فَمَنْ اسْتَعَارَ شيئا فَتَلِفَ في يَدِهِ بِفِعْلِهِ أو بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له وَالْأَشْيَاءُ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أو غير مَضْمُونَةٍ فما كان منها مَضْمُونًا مِثْلَ الْغَصْبِ وما أَشْبَهَهُ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ أو خَفِيَ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَسْلِفِ جَنَيَا فيه أو لم يَجْنِيَا أو غير مَضْمُونٍ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وما خَفِيَ وَالْقَوْلُ فيها قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ مع يَمِينِهِ وَلَا يَضْمَنُ منها شيئا إلَّا ما فَرَّطَ فيه أو تَعَدَّى

(6/218)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال تَكَارَيْتُهَا مِنْك بِكَذَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ اكْتَرَيْتهَا بِكَذَا لِأَكْثَرَ من ذلك فَإِنْ لم يَرْكَبْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَإِنْ رَكِبَ تَحَالَفَا وَرَدَّ عليه كِرَاءَ مِثْلِهَا كان أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى رَبُّ الدَّابَّةِ أو أَقَلَّ ( 1 ) مِمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَنِّي إذَا أَبْطَلَتْ أَصْلَ الْكِرَاءِ وَرَدَدْتهَا إلَى كِرَاءِ مِثْلِهَا لم أَجْعَلْ ما أَبْطَلْتُ عِبْرَةً بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ أَبَدًا إلَّا بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الذي كانت فيه لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لها كان أَمِينًا فَخَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ فلم يُجَدِّدْ له رَبُّ الْمَالِ أَمَانَةً وَلَا يَبْرَأُ حتى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَهَكَذَا الرَّهْنُ إذَا قَضَى الْمُرْتَهِنُ ما فيه ثُمَّ تَعَدَّى فيه ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَيْتِهِ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له حتى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ كُلُّ عَارِيَّةٍ انْتَفَعَ بها صَاحِبُهَا أو لم يَنْتَفِعْ بها فَهِيَ مَضْمُونَةٌ مَسْكَنٌ أو ما أَشْبَهَهُ أو دَنَانِيرُ أو دَرَاهِمُ أو طَعَامٌ أو عَيْنٌ أو ما كان ( قال ) وَلَوْ قال الرَّجُلُ هذا الثَّوْبُ في يَدَيْ بِحَقٍّ لِفُلَانٍ أو في مِلْكِهِ أو في مِيرَاثِهِ أو لِحَقِّهِ أو لِمِيرَاثِهِ أو لِمِلْكِهِ أو لِوَدِيعَةٍ أو بِعَارِيَّةٍ أو بِوَدِيعَةٍ أو قال عِنْدِي فَهُوَ سَوَاءٌ وهو إقْرَارٌ لِفُلَانٍ بِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَفْظًا غير هذا فَيَقُولَ هو عِنْدِي بِحَقِّ فُلَانٍ مَرْهُونٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَيَكُونَ مِلْكُهُ لِلَّذِي أَقَرَّ له بِالْمِلْكِ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا على الْآخَرِ فيه رَهْنٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْآخَرُ وَلَوْ قال قَبَضْته على يَدَيْ فُلَانٍ أو هو عِنْدِي على يَدَيْ فُلَانٍ أو في مِلْكِي على يَدَيْ فُلَانٍ لم يَكُنْ هذا إقْرَارًا منه بِهِ لِفُلَانٍ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إنَّمَا هو قَبَضْته على يَدَيْ فُلَانٍ بِمَعُونَةِ فُلَانٍ أو بِسَبَبِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ أو مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قال هِيَ نَقْصٌ أو هِيَ زَيْفٌ لم يُصَدَّقْ وَلَوْ قال هِيَ من سِكَّةِ كَذَا وَكَذَا صُدِّقَ مع يَمِينِهِ كانت تِلْكَ السِّكَّةُ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ أو وَسَطَهَا أو جَائِزَةً في غَيْرِ ذلك الْبَلَدِ أو غير جَائِزَةٍ كما لو قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ أَعْطَيْنَاهُ أَيَّ ثَوْبٍ أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ كان ذلك الثَّوْبُ مِمَّا لَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ ذلك الْبَلَدِ وَلَا مِثْلُ الرَّجُلِ الْمُقَرِّ له وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ هذا الْعَبْدِ فَتَدَاعَيَا فيه فقال الْبَائِعُ وَضَحٌ وقال الْمُشْتَرِي غَلَّةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَهَذَا مِثْلُ نَقْصُ الثَّمَنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَزْنٌ مَعْلُومٌ يَنْقُصُ ما شَاءَ أو يَنْقُصُ عن وَزْنِ الْعَامَّةِ في دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَهُ نَقْدُ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا فَيَكُونُ له شَرْطُهُ إذَا كان الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ عَالِمَيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا جَاهِلًا فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَازِنَةَ قِيلَ أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تُسَلِّمَهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أو تَنْقُضَ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ تَتَحَالَفَا فإذا قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ سُودٌ فَوَصَلَ الْكَلَامُ فَهِيَ سُودٌ فَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامُ فقال نَاقِصٌ فَهُوَ نَاقِصٌ فَإِنْ قَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال نَاقِصٌ فَهُوَ وَازِنٌ فَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ قِيلَ له عَلَيْك الْوَازِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرَدْت ما هو أَكْبَرُ منه فإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَهُوَ وَازِنٌ وَإِنْ قال دِرْهَمٌ صَغِيرٌ قِيلَ له إنْ كانت لِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ فَعَلَيْك دِرْهَمٌ صَغِيرٌ وَازِنٌ من الصِّغَارِ مع يَمِينِك ما أَقْرَرْت بِدِرْهَمٍ وَافٍ وَكَذَلِكَ ما أَقَرَّ بِهِ من غَصْبٍ أو وَدِيعَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِمَيِّتٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وقال هذا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا وَرَّثَ الْمَرْأَةَ وَالْوَلَدَ الذي وَلَدَتْ وَالِابْنَ حُقُوقَهُمْ من هذه الْمِائَةِ وإذا وَلَدَتْ وَلَدًا لم تَعْرِفْ حَيَاتَهُ لم يَرِثْ من لم تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَمَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ لِلْوَلَدِ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا أو يَرْضَعَ أو يُحَرِّكَ يَدًا أو رِجْلًا تَحْرِيكَ الْحَيَاةِ وَأَيُّ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ الْحَيَاةُ فَهِيَ حَيَاةٌ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلْحَبَلِ فقال لِحَبَلِ هذه الْمَرْأَةِ من فُلَانٍ كَذَا وَالْأَبُ حَيٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ قال أَخَذْتهَا مِنْك عَارِيَّةً أو قال دَفَعْتهَا إلَيَّ عَارِيَّةً وَإِنَّمَا أَضَافَ الْفِعْلَ في كِلَيْهِمَا إلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعَرَبِ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ

(6/219)


من يَوْمِ أَوْصَى بِهِ فَالْوَصِيَّةُ له وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّهُ قد لَا يَكُونُ بها حين أَوْصَى لها حَبَلٌ ثُمَّ يُحْبِلُهَا من بَعْدِ ذلك وَلَوْ كان زَوْجُهَا مَيِّتًا حين أَوْصَى بِالْوَصِيَّةِ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ لِمَا يَلْزَمُ له النَّسَبُ كانت الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّا نَحْكُمُ أَنَّ ثَمَّ يَوْمَئِذٍ حَمْلًا وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَيِّتٍ فَلَا وَصِيَّةَ له حتى تُعْرَفَ حَيَاتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ من بَطْنِهَا وإذا قال له عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا فَهِيَ وَازِنَةٌ وَلَوْ قال له عَلَيَّ مِائَةٌ كُلُّ عَشْرَةٍ منها وَزْنُهَا خَمْسَةٌ كان كما قال إذَا وَصَلَ الْكَلَامَ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ يَنْقُصُ كَذَا وَكَذَا كان كما قال إذَا وَصَلَ الْكَلَامَ وَلَكِنَّهُ لو أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ قَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال بَعْدَ هو نَاقِصٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ كان بِبَلَدٍ دَرَاهِمُهُمْ كُلُّهَا نَقْصٌ ثُمَّ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ كان له دِرْهَمٌ من دَرَاهِمِ الْبَلَدِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ أو دُرَيْهِمَاتٌ أو دَنَانِيرُ أو دنينيرات أو دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أو عَظِيمَةٌ أو دَرَاهِمُ قَلِيلَةٌ أو يَسِيرَةٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثَةُ من أَيِّ صِنْفٍ كان أَقَرَّ بِهِ من دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَحَلَفَ على ما هو أَكْثَرُ منها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال وَهَبْتهَا له أَمْسِ أو عَامَ أَوَّلَ ولم يَقْبِضْهَا وقال الْمَوْهُوبَةُ له بَلْ قد قَبَضْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ بِالْقَبْضِ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً وَالْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَقَبِلَهَا تَمَّتْ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لها بَعْدَ الْهِبَةِ وَلَوْ لم تَكُنْ الْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ لم يَكُنْ ذلك له وَذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَوْلٍ وَقَبْضٍ وإذا كان الْقَوْلُ لَا يَكُونُ إلَّا من الْوَاهِبِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَلَا يَمْلِكُ عنه إلَّا بِمَا أَتَمَّ مِلْكَهُ وَيَكُونُ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارُ أَبَدًا حتى يُسَلِّمَ ما وَهَبَ إلَى الْمَوْهُوبِ له وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ كان الْخِيَارُ لِوَرَثَتِهِ إنْ شاؤوا سَلَّمُوا وَإِنْ شاؤوا لم يُمْضُوا الْهِبَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عنه قَبَضَهَا ثُمَّ قال الْوَاهِبُ له إنَّمَا أَقْرَرْت له بِقَبْضِهَا ولم يَقْبِضْهَا فَأُحَلِّفُهُ أَحَلَفْتَهُ لقد قَبَضَهَا فَإِنْ حَلَفَ جَعَلْتهَا له وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْوَاهِبِ فَأَحْلَفْته ثُمَّ جَعَلْتهَا غير خَارِجَةٍ عن مِلْكِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَهَبْت لي هذا الْعَبْدَ وَقَبَضْته وَالْعَبْدُ في يَدَيْ الْوَاهِبِ أو الْمَوْهُوبِ له فقال الْوَاهِبُ صَدَقْت أو نعم كان هذا إقْرَارًا وكان الْعَبْدُ له وَلَوْ كان أَعْجَمِيًّا فَأَقَرَّ له بِالْأَعْجَمِيَّةِ كان مِثْلَ إقْرَارِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في عَشَرَةٍ سَأَلْته فَإِنْ أَرَادَ الْحِسَابَ جَعَلْت عليه ما أَرَادَ وَإِنْ لم يُرِدْ الْحِسَابَ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَهَكَذَا إنْ قال دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ سَأَلْته أَرَادَ أَنْ يُقِرَّ له بِدِرْهَمٍ أو بِثَوْبٍ فيه دِرْهَمٌ فَإِنْ قال لَا فَعَلَيْهِ الدِّرْهَمُ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في دِينَارٍ سَأَلْته أَرَادَ دِرْهَمًا مع دِينَارٍ فَإِنْ قال نعم جَعَلْتهمَا عليه وَإِنْ قال لَا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ فَهَكَذَا لِأَنَّهُ قد يقول له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ لي أنا مَرْوِيٍّ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ اشْتَرَيْته منه إلَى أَجَلٍ سَأَلْنَا الْمُقَرَّ له فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ دَيْنٌ في دَيْنٍ ولم يُقِرَّ له بهذا الدِّرْهَمِ إلَّا بِالثَّوْبِ فإذا لم يَجُزْ له إعْطَاءُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ لم يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ كما لو قال بِعْتُك هذا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارَ لم أَجْعَلْ له الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْآخَرُ بِالدَّارِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ مَرْوِيٌّ في خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قال أَسْلَمَ إلَيَّ الثَّوْبَ على خَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ كان هذا بَيْعًا جَائِزًا وَكَانَتْ له
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال وَهَبْت له هذه الدَّارَ وَقَبَضَهَا أو وَهَبْت له هذه الدَّارَ وَحَازَهَا ثُمَّ قال لم يَكُنْ قَبَضَهَا وَلَا حَازَهَا وقال الْمَوْهُوبُ له قد قَبَضْت وَحُزْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ له وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ له كان الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ لو قال صَارَتْ في يَدَيْهِ وَسَوَاءٌ كانت حين يُقِرُّ في يَدِ الْوَاهِبِ أو الْمَوْهُوبَةِ له وَلَكِنْ لو قال وَهَبْتهَا له أو خَرَجْت إلَيْهِ منها نَظَرْت فَإِنْ كانت في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَذَلِكَ قَبْضٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ له وَإِنْ كانت في يَدَيْ الْوَاهِبِ أو يَدَيْ غَيْرِهِ من قِبَلِهِ سَأَلْته ما قَوْلُهُ خَرَجْت إلَيْهِ منها فَإِنْ قال بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ إيَّاهَا لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَبْضٍ وهو لم يُقِرَّ بِقَبْضٍ وَالْخُرُوجُ قد يَكُونُ بِالْكَلَامِ فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا الْيَقِينَ وَكَذَلِكَ لو قال وَهَبْتُهَا له وَتَمَلَّكَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ قد يَكُونُ عِنْدَهُ بِالْكَلَامِ

(6/220)


عليه الْخَمْسَةُ الدَّرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ إنَّمَا عَنَى أَسْلَمْت إلَيْك في كَذَا بِعْتُك كَذَا بِكَذَا إلَى أَجَلٍ كما تَقُولُ أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِصَاعِ تَمْرٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلِ كَذَا أو بِعْتُك صَاعَ تَمْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلِ كَذَا ( قال ) وَلَوْ جاء الْمُقِرُّ بِثَوْبٍ فقال هو هذا فَصَدَّقَهُ الْمُدَّعِي الْمُقَرُّ له أو كَذَّبَهُ فَسَوَاءٌ إذَا رضي الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَالْخَمْسَةُ عليه إلَى أَجَلٍ وَلَوْ لم يُسَمِّ أَجَلًا فَكَانَ السَّلَمُ فَاسِدًا فَاخْتَلَفَا في الثَّوْبِ فإن الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ على صَاحِبِ الثَّوْبِ وَإِنْ سَأَلَ الْمُقَرُّ له يَمِينَ الْمُقِرِّ أَعْطَيْته إيَّاهَا وَكُلُّ من سَأَلَ الْيَمِينَ في شَيْءٍ له وَجْهٌ أَعْطَيْته إيَّاهُ وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِثَوْبٍ ثُمَّ جاء بِثَوْبٍ فقال هو هذا وقال الْمُقَرُّ له ليس هذا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ لو قال له عَلَيَّ عَبْدٌ فَأَيُّ عَبْدٍ جاء بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى دَعْوَاهُ وَكَذَلِكَ لو قال هذا عَبْدُك كما أَوْدَعْتنِيهِ وهو الذي أَقْرَرْت لَك بِهِ وقال الْمُقَرُّ له بَلْ هذا عَبْدٌ كُنْت أَوْدَعْتُكَهُ وَلِي عِنْدَك عبد غَصْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ قِيلَ له إنْ أَرَدْت دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا فَدِرْهَمَانِ وَإِنْ أَرَدْت فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لي أو دِرْهَمٌ جَيِّدٌ فَلَيْسَ عَلَيْك إلَّا دِرْهَمٌ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ أو دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ في الْجَوْدَةِ وَتَحْتَ دِرْهَمٍ في الرَّدَاءَةِ أو يقول له عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِعَيْنِهِ هو الْآنَ فَوْقَ دِرْهَمٍ لي وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ مع دِرْهَمٍ كان هَكَذَا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي أَعْرِفُ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ عليه إلَّا دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ دِرْهَمٍ أو تَحْتَ دِرْهَمٍ لي ( قال ) وَكَذَلِكَ لو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ على دِرْهَمٍ ثُمَّ قال عَنَيْت دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أو بَعْدَهُ دِرْهَمٌ أو قَبْلَهُ دِينَارٌ أو بَعْدَهُ دِينَارٌ فَالِاثْنَانِ كِلَاهُمَا عليه وَلَكِنَّهُ لو قال له علي درهم معه دينار كان له عليه درهم للذي وصفت لأنه يقول له علي درهم معه دينار لي ولو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِينَارٌ أو بَعْدَهُ دِرْهَمٌ أو دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِينَارٌ فَهُمَا عليه مَعًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِينَارٌ كان عليه دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَدِينَارٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِينَارٌ قَبْلَهُ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كان عليه دِينَارٌ ولم يَكُنْ عليه الْقَفِيزُ وَهَكَذَا لو قال له عَلَيَّ دِينَارٌ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لم يَكُنْ عليه إلَّا الدِّينَارُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ مُحَالٌ قد يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَفِيزٌ من حِنْطَةٍ خَيْرٌ منه وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فَهُمَا عليه وَلَوْ قال دِرْهَمٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كان مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) بِهِمَا ثَابِتًا على الْقَفِيزِ رَاجِعًا عن الدِّرْهَمِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إنْ ادَّعَاهُمَا الطَّالِبُ مَعًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِرْهَمَانِ أو قَفِيزُ حِنْطَةٍ لَا بَلْ قَفِيزَانِ لم يَكُنْ عليه إلَّا دِرْهَمَانِ أو قَفِيزَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأُولَى ثُمَّ كان قَوْلُهُ لَا بَلْ زِيَادَةً من الشَّيْءِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا بَلْ اسْتِئْنَافُ شَيْءٍ غَيْرِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أو دِرْهَمٌ بَعْدَهُ دِرْهَمَانِ أو دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمَانِ فَسَوَاءٌ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ في هذا كُلِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِدِرْهَمٍ يوم السَّبْتِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ يوم الْأَحَدِ فَهُوَ دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يَقُولَا دِرْهَمٌ من ثَمَنِ كَذَا وَكَذَا وَيَقُولَ الْآخَرَانِ دِرْهَمٌ من ثَمَنِ شَيْءٍ غَيْرِهِ أو من وَجْهٍ غَيْرِهِ من وَدِيعَةٍ أو غَصْبٍ أو غَيْرِهِ فَيَدُلَّانِ على ما يُفَرِّقُ بين سَبَبَيْ الدِّرْهَمَيْنِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ هذا الدِّرْهَمَ الذي أَقَرَّ بِهِ يوم الْأَحَدِ هو الدِّرْهَمُ الذي أَقَرَّ بِهِ يوم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَرَّ له فقال لَك عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فقال هِيَ هذه الْأَلْفُ التي كُنْت أَقْرَرْت لَك بها كانت عِنْدِي وَدِيعَةً فقال الْمُقَرُّ له هذه الْأَلْفُ كانت عِنْدَك وَدِيعَةً لي وَلِي عِنْدَك أَلْفٌ أُخْرَى كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ لِأَنَّ من أُودِعَ شيئا فَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ لِأَنَّهُ عليه ما لم يَهْلَكْ وَكَذَلِكَ هو عِنْدَهُ وقد يُودَعُ فَيَتَعَدَّى فَتَكُونُ دَيْنًا عليه فَلَسْت أُلْزِمُهُ شيئا إلَّا بِالْيَقِينِ

(6/221)


السَّبْتِ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ أَنَّهُمَا دِرْهَمَانِ وَأَخَذَهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِدِرْهَمٍ فقال الدِّرْهَمُ الذي أَقْرَرْت بِهِ هو الذي يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وإذا قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهِيَ وَدِيعَةٌ وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قال بَعْدُ هِيَ وَدِيعَةٌ أو قال هَلَكَتْ لم يُقْبَلْ ذلك منه لِأَنَّهُ قد ضَمِنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ ادَّعَى ما يُخْرِجُهُ من الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ عليه وَإِنَّمَا صَدَّقْنَاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ وَصَلَ الْكَلَامَ وَكَذَلِكَ لو قال له قِبَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَصَلَ الْكَلَامَ أو قَطَعَهُ كان الْقَوْلُ فيها مِثْلَ الْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا وَصَلَ أو قَطَعَ وَلَوْ قال له عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أو أَمَانَةً أو مُضَارَبَةً دَيْنًا كانت دَيْنًا عليه أَمَانَةً كانت أو وَدِيعَةً أو قِرَاضًا إنْ ادَّعَى ذلك الطَّالِبُ لِأَنَّهَا قد تَكُونُ في مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ يَتَعَدَّى فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عليه وَتَنِضُّ فَيَسْتَسْلِفُهَا فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عليه وَلَكِنَّهُ لو قال دَفَعَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أو أَمَانَةً أو مُضَارَبَةً على أَنِّي لها ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا بِشَرْطِهِ الضَّمَانَ في شَيْءٍ أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ حتى يُحْدِثَ شيئا يَخْرُجُ بِهِ من الْأَمَانَةِ إمَّا تَعَدِّيًا وَإِمَّا اسْتِسْلَافًا وَلَوْ قال له في مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كانت دَيْنًا إلَّا أَنْ يَصِلَ الْكَلَامَ فَيَقُولَ وَدِيعَةً فَتَكُونَ وَدِيعَةً وَلَوْ قال له في هذا الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ عن قَوْلِهِ فَإِنْ قال نَقَدَ فيه أَلْفًا قِيلَ فَكَمْ لَك منها فما قال إنَّهُ منه اشْتَرَاهُ بِهِ فَهُوَ كما قال مع يَمِينِهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ قِيلَ فَكَمْ لَك فيه فَإِنْ قال أَلْفَانِ فَلِلْمُقَرِّ له الثُّلُثُ وَإِنْ قال أَلْفٌ فَلِلْمُقَرِّ له النِّصْفُ وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ قُلْت أو كَثُرَتْ لِأَنَّهُمَا قد يُغْبَنَانِ أو يَغْبِنَانِ وَكَذَلِكَ لو قال له فيه شَرِكَةُ أَلْفٍ كان الْقَوْلُ فيها مِثْلَ الْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ قال له من مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ فَإِنْ قال من هِبَةٍ قِيلَ له إنْ شِئْت أَعْطِهِ إيَّاهَا وَإِنْ شِئْت فَدَعْ وَإِنْ قال من دَيْنٍ فَهِيَ من دَيْنٍ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ شيئا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ بِغَيْرِ ذلك وَإِنْ قال له من مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ بِحَقٍّ عَرَفْته أو بِحَقٍّ لَزِمَنِي أو بِحَقٍّ ثَابِتٍ أو بِحَقٍّ اسْتَحَقَّهُ فَهَذَا كُلُّهُ دَيْنٌ وَلَوْ قال له من هذا الْمَالِ ولم يُضِفْ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ لم يَكُنْ الْمَالَ إلَّا أَلْفًا فَهِيَ له وَإِنْ كان أَكْثَرَ من ذلك فَلَيْسَ له إلَّا الْأَلْفُ وَإِنْ كان الْمَالُ أَقَلَّ من ذلك فَلَيْسَ له إلَّا ذلك الذي هو أَقَلُّ وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ من الْمَالِ شيئا اُسْتُحْلِفَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له من هذه الدَّارِ النِّصْفُ فَلَهُ النِّصْفُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ له بِشَيْءٍ لم يُضِفْ مِلْكَهُ إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ ادَّعَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ وهو في يَدِهِ فَهُوَ له وَلَوْ بَدَأَ فَأَضَافَ الدَّارَ إلَى نَفْسِهِ فقال له من دَارِي هذه نِصْفُهَا كانت هذه الدَّارُ هِبَةً إذَا زَعَمَ أنها هِبَةٌ منه أو مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ وَإِنْ لم يَمُتْ سَأَلْنَاهُ أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ فَإِنْ كان أَرَادَ إقْرَارًا أَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ وَالْفَرْقُ بين هَذَيْنِ إضَافَةُ الْمِلْكِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرُ إضَافَتِهِ وَلَوْ قال له من دَارِي هذه نِصْفُهَا بِحَقٍّ عَرَفْته له كان له نِصْفُهَا وَلَوْ قال له من مِيرَاثِ أبي أَلْفُ دِرْهَمٍ كان هذا إقْرَارًا على أبيه بِدَيْنٍ وَلَوْ قال له في مِيرَاثِي من أبي كانت هذه هِبَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بها إقْرَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ في مِيرَاثِ أبيه أَقَرَّ بِأَنَّ ذلك على الْأَبِ ولم يُضِفْ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ وَزَعَمَ أَنَّ ما أَقَرَّ له بِهِ خَارِجٌ من مِلْكِهِ وَلَوْ قال له من مِيرَاثِ أبي أَلْفٌ بِحَقٍّ عَرَفْته أو بِحَقٍّ له كان هذا كُلُّهُ إقْرَارًا على أبيه وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ عَارِيَّةً أو عِنْدِي فَهِيَ دَيْنٌ وَلَوْ كان هذا في عَرْضٍ فقال له عِنْدِي عَبْدٌ عَارِيَّةً أو عَرْضٌ من الْعُرُوضِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ حتى يُؤَدِّيَهَا لِأَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ حتى يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ قال له في دَارِي هذه حَقٌّ أو في هذه الدَّارِ حَقٌّ فَسَوَاءٌ وَيُقِرُّ له منها بِمَا شَاءَ وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى الْآخَرُ أَكْثَرَ منه وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَقَرَّ له الْوَرَثَةُ بِمَا شاؤوا وَيَحْلِفُونَ ما يَعْلَمُونَ أَكْثَرَ منه وَلَوْ قال له فيها سُكْنَى أَقَرَّ له بِمَا شَاءَ من السُّكْنَى وَإِلَى أَيِّ مُدَّةٍ إنْ شَاءَ يَوْمًا وَإِنْ شَاءَ أَقَلَّ وَإِنْ شَاءَ أَكْثَرَ وَلَوْ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو شَهِدَا عليه في أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أو وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ

(6/222)


هذه الدَّارُ لَك هِبَةً عَارِيَّةً أو هِبَةً سُكْنَى كانت عَارِيَّةً وَسُكْنَى وَلَهُ مَنْعُهُ ذلك أو يُقْبِضُهُ إيَّاهَا فَإِنْ أَقْبَضَهُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ منها مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً ولم يَقْبِضْ كُلَّ ذلك حتى أَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَارِيَّةً أو هِبَةَ السَّكَنِ وَلَوْ قال لَك سُكْنَى أجارة بِدِينَارِ في شَهْرٍ فَإِنْ قَبِلَ ذلك الْمُؤَاجِرُ فَهِيَ له وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ له وَلَوْ لم يُسَمِّ شيئا قُلْنَا له سَمِّ كَمْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَبِكَمْ هِيَ فإذا سَمَّى قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَلَهُ الْخِيَارُ في قَبُولِهِ ذلك وَرَدِّهِ وَلَوْ قال لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت أو هَوَيْت أو شَاءَ فُلَانٌ أو هوى فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ أو هوى أو شَاءَ هو أو هوى لم يَكُنْ عليه فيها شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ له إنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ له وهو إذَا شَاءَ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ هو وَلَوْ قال لَك على أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَهِدَ بها على فُلَانٌ أو فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَشَهِدُوا لم يَلْزَمْهُ من جِهَةِ الْإِقْرَارِ وَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُهُ من جِهَةِ الشَّهَادَةِ إنْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أو أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ مع شَاهِدِهِ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ لَك على أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أو خَرَجَ فُلَانٌ أو كَلَّمْت فُلَانًا أو كَلَّمَك فُلَانٌ فَهَذَا كُلُّهُ من جِهَةِ الْقِمَارِ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ قال هذا لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت فَشَاءَ كان هذا بَيْعًا لَازِمًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ ما لم يَتَفَرَّقَا لِأَنَّ هذا بَيْعٌ لَا إقْرَارٌ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت فقال قد شِئْت فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهَكَذَا لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ إنْ شِئْت فَشَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ وَعَلَيْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ لم تَشَأْ هِيَ وَلَا الْعَبْدُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا هِيَ طَالِقًا وَلَوْ قال هذا الثَّوْبُ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي كان هذا بَيْعًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُشْتَرٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ما شَاءَ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ وَلِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَ ذلك لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أَشُكُّ في سَمَاعِي من هَا هُنَا إلَى آخِرِ الْإِقْرَارِ وَلَكِنِّي أَعْرِفُهُ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَرَأَهُ الرَّبِيعُ عَلَيْنَا فإذا قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ولم يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إنْ شِئْت فُلُوسًا وَإِنْ شِئْت تَمْرًا وَإِنْ شِئْت خُبْزًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا مَعَهَا واحلف له أَنَّ الْأَلْفَ التي أَقْرَرْت له بها هذه الْأَلْفُ التي بَيَّنْتهَا فإنه ليس في قَوْلِك وَدِرْهَمٌ ما يَدُلُّ على أَنَّ ما مَضَى دَرَاهِمُ وَلَوْ زَعَمنَا أَنَّ ذلك كَذَلِكَ ما أَحَلَفْنَاك لو ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ وَلَكِنْ لَمَّا كان قَوْلُك مُحْتَمِلًا لِمَا هو أَعْلَى من الدَّرَاهِمِ وَأَدْنَى لم نَجْعَلْ عَلَيْك الْأَعْلَى دُونَ الْأَدْنَى وَلَا الْأَدْنَى دُونَ الْأَعْلَى وَهَكَذَا لو قال أَلْفٌ وَكَرُّ حِنْطَةٍ أو أَلْفٌ وَعَبْدٌ أو أَلْفٌ وَشَاةٌ لم نَجْعَلْ هَا هُنَا إلَّا ما وَصَفْنَا بِأَنَّ الْأَلْفَ ما شَاءَ وما سَمَّى وَلَوْ جَازَ لنا أَنْ نَجْعَلَ الْكَلَامَ الْآخَرَ دَلِيلًا على الْأَوَّلِ لَكَانَ إذَا أَقَرَّ له بِأَلْفٍ وَعَبْدٍ جَعَلْنَا عليه أَلْفَ عَبْدٍ وَعَبْدًا وَهَكَذَا لو أَقَرَّ له بِأَلْفٍ وَكَرِّ حِنْطَةٍ جَعَلْنَا عليه أَلْفَ كَرٍّ وَكَرًّا حِنْطَةً وَلَا يَجُوزُ إلَّا هذا وما قُلْت من أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ ما شَاءَ مع يَمِينِهِ وَيَكُونُ ما سَمَّى كما سَمَّى وَلَوْ أَنَّهُ قال أَلْفٌ وَكَرٌّ كان الْكَرُّ ما شَاءَ إنْ شَاءَ فَنُورَةٌ وَإِنْ شَاءَ فَقُصَّةٌ وَإِنْ شَاءَ فَمَدَرٌ يَبْنِي بِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا درهم ( ( ( درهما ) ) ) قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إذَا كان الدِّرْهَمُ يُسْتَثْنَى منها ثُمَّ يَبْقَى شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ كَأَنَّك أَقْرَرْت له بِأَلْفِ فَلْسٍ وَكَانَتْ تَسْوَى دَرَاهِمَ فَيُعْطَاهَا مِنْك إلَّا دِرْهَمًا منها وَذَلِكَ قَدْرُ دِرْهَمٍ من الْفُلُوسِ وَهَكَذَا إذَا قُلْت أَلْفٌ إلَّا كَرَّ حِنْطَةٍ وَأَلْفٌ إلَّا عَبْدًا أُجْبِرْت على أَنْ تُبْقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ وَلَوْ قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ في مَنْدِيلٍ قِيلَ له قد يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أَقْرَرَتْ له بِثَوْبٍ وَمَنْدِيلٍ وَيَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أَقْرَرَتْ له بِثَوْبٍ فَجَعَلَتْهُ في مَنْدِيلٍ لِنَفْسِكَ فَتَقُولَ له على ثَوْبٌ في مَنْدِيلٍ لي فَعَلَيْك ثَوْبٌ وَتَحْلِفُ ما أَقْرَرْت له بِمَنْدِيلٍ وَأَصْلُ ما أَقُولُ من هذا أَنِّي أُلْزِمُ الناس أَبَدًا الْيَقِينَ وَأَطْرَحُ عَنْهُمْ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ عليهم الْأَغْلَبَ وَهَكَذَا إذَا قال تَمْرٌ في جِرَابٍ أو ثَمَرٌ في قَارُورَةٍ أو حِنْطَةٌ في مِكْيَالٍ أو مَاءٌ في جَرَّةٍ أو زَيْتٌ في وِعَاءٍ وإذا قال له عَلَيَّ كَذَا كَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ وَاحِدًا وَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ اثْنَيْنِ وَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ على دِرْهَمٍ فَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ له أَعْطِهِ دِرْهَمًا أو أَكْثَرَ من قِبَلِ أَنَّ كَذَا يَقَعُ على أَقَلَّ من دِرْهَمٍ فَإِنْ كُنْت عَنَيْت أَنَّ كَذَا وَكَذَا التي بَعْدَهَا أَوْفَتْ عَلَيْك دِرْهَمًا فَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ منه وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
____________________

(6/223)


- * بَابُ الشَّرِكَةِ - * ( 1 ) (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وإذا أَقَرَّ صَانِعٌ من صِنَاعَتِهِ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ إسْكَافٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِخُفٍّ أو غَسَّالٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِثَوْبٍ فَذَلِكَ عليه دُونَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ شَرِيكُهُ معه وإذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فَالشَّرِكَةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ مُفَاوَضَةً وَأَيُّ الشَّرِيكَيْنِ أَقَرَّ فَإِنَّمَا يُقِرُّ على نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَإِقْرَارُ الشَّرِيكِ وَمَنْ لَا شَرِيكَ له سَوَاءٌ وإذا أَقَرَّ رَجُلٌ في مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ وقد أَقَرَّ في صِحَّتِهِ أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِدُيُونٍ فَسَوَاءٌ إقْرَارُهُ في صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ وَالْبَيِّنَةُ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْإِقْرَارُ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ مَعًا لَا يُقَدَّمُ وَاحِدٌ منهم على الْآخَرِ فإذا أَقَرَّ لِوَارِثٍ فلم يَمُتْ حتى حَدَثَ وَارِثٌ يَحْجُبُ الْمُقَرَّ له فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ وَإِنْ لم يَحْدُثْ فَمَنْ أَجَازَ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ أَجَازَهُ له وَمَنْ رَدَّهُ رَدَّهُ له وَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ وَارِثُهُ فَصَارَ الْمُقَرُّ له وَارِثًا أَبْطَلَ إقْرَارَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَقَرَّ بِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَهُوَ على هذا الْمِثَالِ وإذا كان الرَّجُلَانِ شَرِيكَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا أو أَعْتَقَ أو دَبَّرَ أو كَاتَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ في مَالِ نَفْسِهِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلْحَمْلِ بِدَيْنٍ كان إقْرَارُهُ بَاطِلًا حتى يَقُولَ كان لِأَبِي هذا الْحَمْلُ أو لِجَدِّهِ عَلَيَّ مَالٌ فَيَكُونَ ذلك إقْرَارًا لِلَّذِي أَقَرَّ له بِهِ وَإِنْ كان هذا الْحَمْلُ وَارِثَهُ أَخَذَهُ وَإِنْ كان له وَارِثٌ معه أَخَذَ معه حِصَّتَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَيِّتِ وَإِنَّمَا لِهَذَا منه حِصَّتُهُ وإذا أَوْصَى لِلْحَمْلِ بِوَصِيَّةٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ كان ثَمَّ حَمْلٌ وَلَوْ وَهَبَ لِحَمْلٍ نَخْلَةً أو تَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مَوْقُوفَةٍ لم تَجُزْ بِحَالٍ قَبِلَهَا أَبُوهُ أو رَدَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ الْهِبَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالنِّكَاحُ على ما زَايَلَ أُمَّهُ حتى يَكُونَ له حُكْمٌ بِنَفْسِهِ وَهَذَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ في الْعِتْقِ وَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ جَارِيَتِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ أَعْتَقَهُ كان حُرًّا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ قد كان ثَمَّ حَمْلٌ وَلَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لم يَقَعْ عليه ثُمَّ عَتَقَ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذا حَادِثًا بَعْدَ الْكَلَامِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ قَصْدَهُ بِالْعِتْقِ وَلَوْ أَقَرَّ بِحَمْلٍ لِرَجُلٍ لم يَجُزْ إقْرَارُهُ إذَا كان هو مَالِكُ رَقَبَةِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَهُ له فإذا لم تَجُزْ فيه الْهِبَةُ لم يَجُزْ فيه الْإِقْرَارُ وَلَوْ قال مع إقْرَارِهِ هذا الْحَمْلُ لِفُلَانٍ أَوْصَى لي رَجُلٌ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ وَلَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ الْإِقْرَارُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ وَكُلُّ إقْرَارٍ من صُلْحٍ وَغَيْرِ صُلْحٍ كان فيه خِيَارٌ من الْمُقِرِّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أو أَكْثَرَ أو أُصَالِحُك على كَذَا على أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أو أَكْثَرَ أو أُصَالِحُك على كَذَا على أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ حتى يَقْطَعَ الْإِقْرَارَ وَلَا يَدْخُلُ فيه الِاسْتِثْنَاءَ من الْمُقِرِّ وَهَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ كان فيه اسْتِثْنَاءٌ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أو لَك عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أو إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُ حتى يَكُونَ الْإِقْرَارُ مَقْطُوعًا لَا مَثْنَوِيَّةَ فيه ( قال ) وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ تَكَفَّلَ له بِمَالٍ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ له الْخِيَارَ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحْلَفَهُ ما كَفَلَ له إلَّا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ وَالْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِخِيَارٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعَّضُ عليه إقْرَارُهُ فَيَلْزَمُهُ ما يَضُرُّهُ وَيَسْقُطُ عنه ما ادَّعَى الْمَخْرَجَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَكْفُولُ له لقد جَعَلَ له كَفَالَةً لَا خِيَارَ فيه وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ على الْخِيَارِ لَا تَجُوزُ وإذا جَازَتْ بِغَيْرِ خِيَارٍ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْكَافِلُ بِالنَّفْسِ مَالٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَالًا كَفَلَ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ ( قال ) وَلَوْ كَفَلَ له بِمَا لَزِمَ رَجُلًا في جُرْحٍ وقد عَرَفَ الْجُرْحَ وَالْجُرْحُ عَمْدٌ فقال أنا كَافِلٌ لَك بِمَا لَزِمَهُ فيه من دِيَةٍ أو قِصَاصٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْرُوحُ الْقِصَاصَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُقْتَصَّ من الْمُتَكَفِّلِ وَإِنْ أَرَادَ أَرْشَ الْجِرَاحِ فَهُوَ له وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَالٍ وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا من رَجُلٍ فَضَمِنَ له رَجُل

(6/224)


عُهْدَتَهَا وَخَلَاصَهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الضَّامِنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له خَلَاصَهَا أو مَالًا وَالْخَلَاصُ مَالٌ يُسَلَّمُ له وإذا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُشَاعٍ أو مَقْسُومٍ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ وَسَوَاءٌ قال لِفُلَانٍ نِصْفُ هذه الدَّارِ ما بَيْن كَذَا إلَى كَذَا أو لِفُلَانٍ نِصْفُ هذه الدَّارِ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ كما أَقَرَّ وَكَذَلِكَ لو قال له هذه الدَّارُ إلَّا نِصْفَهَا كان له النِّصْفُ وَلَوْ قال له هذه الدَّارُ إلَّا ثُلُثَيْهَا كان له الثُّلُثُ شَرِيكًا معه وإذا قال له هذه الدَّارُ إلَّا هذا الْبَيْتَ كانت له الدَّارُ إلَّا ذلك الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ لو قال له هذا الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا كان له الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ أَيَّهُمْ شَاءَ وَكَذَلِكَ لو قال هذه الدَّارُ لِفُلَانٍ وَهَذَا الْبَيْتُ لي كان مِثْلَ قَوْلِهِ إلَّا هذا الْبَيْتَ إذَا كان الْإِقْرَارُ مُتَّصِلًا لِأَنَّ هذا كَلَامٌ صَحِيحٌ ليس بِمُحَالٍ وَلَوْ قال هذه الدَّارُ لِفُلَانٍ بَلْ هِيَ لِفُلَانٍ كانت لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَلَوْ قال غَصَبْتهَا من فُلَانٍ وَمِلْكُهَا لِفُلَانٍ غَيْرِهِ فَهِيَ لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا منه وهو شَاهِدٌ لِلثَّانِي وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ وَلَوْ قال غَصَبْتهَا من فُلَانٍ لَا بَلْ من فُلَانٍ جَازَ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ ولم يَغْرَمْ لِلثَّانِي شيئا وكان الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ وإذا أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِوَاحِدٍ أو أَكْثَرَ لم يَضْمَنْ شيئا إذَا كان الْآخَرُ لَا يَدَّعِي عليه إلَّا هذه الدَّارَ فَلَيْسَ في إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَمَ له شيء ( ( ( بشيء ) ) ) يَكُونُ حَائِلًا دُونَهُ يَضْمَنُهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ ما كان حَائِلًا دُونَهُ وَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ وَمِثْلُ هذا لو قال أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ لَا بَلْ فُلَانٌ - * إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بِالْأَخِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا هَلَكَ الرَّجُلُ فَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ وَشَهِدَ على أبيه أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ ولم يَكُنْ له من الْمِيرَاثِ شَيْءٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا له وَالْآخَرُ عليه فلما بَطَلَ الذي له بَطَلَ الذي عليه ولم يَكُنْ إقْرَارُهُ له بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ إنَّمَا أَقَرَّ له بِمَالٍ وَنَسَبٍ فإذا زَعَمْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ فيه يَبْطُلُ لم يَأْخُذْ بِهِ مَالًا كما لو مَاتَ ذلك الْمُقَرُّ له لم يَرِثْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قال لِرَجُلٍ لي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فقال بِعْتنِي بها دَارَك هذه وَهِيَ لَك عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أو قال بَاعَنِيهَا أَبُوك وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ وَلِي الدَّارُ كان إقْرَارُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ على نَفْسِهِ بِمِائَةٍ يَأْخُذُ بها عِوَضًا فلما بَطَلَ عنه الْعِوَضُ بَطَلَ عنه الْإِقْرَارُ وما قُلْت من هذا فَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ الْأُوَلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال محمد بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما وَرَدَ عَلَيْنَا أَحَدٌ قَطُّ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَّا وهو يقول هذا قال محمد بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنِي أبو يُوسُفَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ لم يَلْقَ مَدَنِيًّا قَطُّ إلَّا وهو يقول هذا حتى كان حَدِيثًا فَقَالُوا خِلَافَهُ فَوَجَدْنَا عليهم حُجَّةً وما كنا نَجِدُ عليهم في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حُجَّةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْنَا نَقُولُ بِحَدِيثِ عُمَرَ بن قَيْسٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَالْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الْعِرْقَانِ الْبَاطِنَانِ فَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ وَأَمَّا الْعِرْقَانِ الظَّاهِرَانِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فَمَنْ غَرَسَ أَرْضَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا غَرْسَ له لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَهَذَا عِرْقٌ ظَالِمٌ ( وقال ) لَا يُقْسَمُ نَضْحٌ مع بَعْلٌ وَلَا بَعْلٌ مع عَيْنٍ وَيُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من هذا على حِدَتِهِ ( وقال ) لَا تُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ على أَحَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى أَنَّ ما أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا وَالضَّمَانُ على أَهْلِهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا قِيمَتَيْنِ ( وقال ) لَا يَدْخُلُ الْمُخَنَّثُونَ على النِّسَاءِ وَيُنْفَوْنَ ( وقال ) الْجَدُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ ( قال ) وإذا أَبَى الْمُرْتَدُّ التَّوْبَةَ قُتِلَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَهَذَا مُبَدِّلٌ لِدِينِهِ وَأَنَّ لنا أَنْ نَقْتُلَ من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَامْتَنَعَ من الْإِجَابَةِ من الْمُشْرِكِينَ بِلَا تَأَنٍّ وَهَذَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث عن عُمَرَ وَلَوْ فَعَلَهُ رَجُلٌ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ يَعْنِي في حديث عُمَرَ هل كان من مُغْرِبَةِ خَبَرٍ وقال عُمَرُ لَك وَلَاؤُهُ في اللَّقِيطِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَا وَلَاءَ
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال

(6/225)


له لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَقٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَهُوَ كما قال وَأَمَّا إنْفَاقُهُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * إقْرَارُ الْوَارِثِ وَدَعْوَى الْأَعَاجِمِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال أخبرني محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ ابْنَيْنِ وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثلاثمائة دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ على هذا النَّسَبِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ على ما وَرِثَ فَيَأْخُذُ منه نِصْفَ ما في يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ قال أَهْل الْمَدِينَةِ إلَّا أَنَّهُمْ قالوا نُعْطِيهِ ثُلُثَ ما في يَدَيْهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنِي محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ بن الْمَاجِشُونِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بن أبي سَلَمَةَ وَجَمَاعَةً من الْمَدَنِيِّينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ بِالْعِرَاقِ لَا يَخْتَلِفُونَ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلَّذِي أَقَرَّ له شَيْءٌ من الْمِيرَاثِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ بِنِسْبَةِ رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ على أبيه فإذا كان معه من حَقِّهِ من أبيه كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لم يَثْبُتْ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ حتى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ على الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ على دَعْوَى الْمَيِّتِ الذي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ له النَّسَبُ وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ بن أَمَةِ زَمْعَةَ وَقَوْلِ سَعْدٍ كان أَخِي عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ وقال عبد بن زَمْعَةَ أَخِي وبن وَلِيدَةَ أبي وُلِدَ على فِرَاشِهِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هو لَك يا بن زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ - * دَعْوَى الْأَعَاجِمِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال وإذا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ بِوِلَادَةِ الشِّرْكِ أُخُوَّةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عليهم بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كما قَبِلْنَا دَعْوَى غَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ عليهم وَرُقُّوا أو عَتَقُوا فَيَثْبُتُ عليهم وَلَاءٌ لم تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ على وِلَادٍ وَدَعْوَى مَعْرُوفَةٍ كانت قبل السَّبْيِ وَهَكَذَا من قَلَّ منهم أو كَثُرَ أَهْلَ حِصْنٍ كَانُوا أو غَيْرَهُمْ - * الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال ما كان بِيَدِ مَالِكٍ من كان الْمَالِكُ من شَيْءٍ يَمْلِكُ ما كان الْمَمْلُوكُ فَادَّعَاهُ من يَمْلِكُ بِحَالٍ فَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ جاء بها أَخَذَ ما ادَّعَى وَإِنْ لم يَأْتِ بها فَعَلَى الْمُدَّعَى عليه الشَّيْءُ في يَدَيْهِ الْيَمِينُ بِإِبْطَالِ دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي لَا نُعْطِيك بِنُكُولِهِ شيئا دُونَ أَنْ تَحْلِفَ على دَعْوَاك مع نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك دَعْوَاك وَإِنْ أَبَيْت لم نُعْطِك دَعْوَاك وَسَوَاءٌ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي من قَبْلِ الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لَقَوْلٌ يَصِحُّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ له حَقًّا في يَدَيْهِ وَيَدَيْ أَخِيهِ بِمِيرَاثِهِ من أَبِيهِمَا وَزَعَمَ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كما يَرِثُ أَبَاهُمْ فإذا حَكَمْنَا بِأَنَّ أَصْلَ هذا الْإِقْرَارِ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ وَإِنَّمَا زَعَمْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالنَّسَبِ لَا بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ في مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرِ النَّسَبِ زَعَمْنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ شيئا قُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ كَأَنَّك ذَهَبْت بِهِ إلَى أَنَّهُ لو قال بِعْتُك هذا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهِيَ لي عَلَيْك أو هذه الدَّارَ وَلَك هذا الْعَبْدُ أو الدَّارَ فَأَنْكَرْت وَحَلَفْت لم يَكُنْ لَك الْعَبْدُ وَلَا الدَّارُ فَإِنِّي إنَّمَا أَقْرَرْت لَك بِعَبْدٍ أو دَارٍ وفي إقْرَارِي شَيْءٌ يَثْبُتُ عَلَيْك كما يَثْبُتُ لَك فلما لم يَثْبُتْ عَلَيْك ما ادَّعَيْت لم يَثْبُتْ لَك ما أَقْرَرْت بِهِ قال إنَّ هذا الْوَجْهَ يَقِيسُ الناس بِمَا هو أَبْعَدُ منه وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ قُلْت وَكَيْفَ لم تَقُلْ بِهِ قال اخْتَرْنَا ما قُلْت لِمَا سَمِعْته

(6/226)


هِيَ في يَدَيْهِ أنها خَرَجَتْ إلَيْهِ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو من قِبَلِ غَيْرِهِ أو بِاسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أو من أَيِّ وَجْهٍ ما كان وَسَوَاءٌ كانت بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أو لم تَكُنْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ أو أَيُّ شَيْءٍ ما كان لِرَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ من رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ في ذِمَّةِ الرَّجُلِ وَمَالِهِ شيئا هو له دُونَهُ وَالرَّجُلُ يُنْكِرُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَوْ كان الرَّجُلُ يَدَّعِي شِرَاءَ الدَّارِ وَمَالِكُ الدَّارِ يَجْحَدُهُ كان مِثْلَ هذا وَعَلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شيئا هو في مِلْكِ صَاحِبِهِ دُونَهُ وَلَا يَأْخُذُ بِدَعْوَاهُ دُونَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً وَعَلَى الذي يُنْكِرُ الْبَيْعَ الْيَمِينُ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا أو غَصْبًا أو شيئا على رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ وَلَوْ أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى لَازِمَةٌ له وَدَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ منه إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَنْ قال هذا فَسَوَاءٌ عِنْدَهُ كان دَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ مَوْصُولًا بِإِقْرَارِهِ أو مَقْطُوعًا منه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كان لَا يُعْلَمُ حَقُّهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ فَوَصَلَ بِإِقْرَارِهِ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ كان مَقْبُولًا منه وَلَا يَكُونُ صَادِقًا كَاذِبًا في قَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قَطَعَ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ من الْإِقْرَارِ فلم يَصِلْهَا بِهِ كان مُدَّعِيًا عليه الْبَيِّنَةَ وكان الْإِقْرَارُ له لَازِمًا وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أرايت رَجُلًا قال لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةٌ أو لَك عِنْدِي عَبْدٌ زِنْجِيٌّ وَادَّعَى الرَّجُلُ عليه أَلْفًا وَازِنَةً أو أَلْفًا مَثَاقِيلَ أو عَبْدًا بَرْبَرِيًّا أَلَيْسَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عليه وَسَوَاءٌ في هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يُقِرَّ له بِدَيْنٍ وَيَزْعُمَ إلَى أَجَلٍ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الدَّيْنُ حَالٌ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ دَعْوَاهُ بِإِقْرَارِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الشَّيْءُ في يَدِ اثْنَيْنِ عَبْدًا كان أو دَارًا أو غَيْرَهُ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ فَهُوَ في الظَّاهِرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيُكَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على ما في يَدَيْ صَاحِبِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَحْلَفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على دَعْوَى صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ وَإِنْ نَكَلَ لم يَأْخُذْ شيئا وَدَعْوَاهُ النِّصْفَ الذي في يَدِ صَاحِبِهِ كَدَعْوَاهُ الْكُلَّ ليس في يَدَيْهِ منه شَيْءٌ لِأَنَّ ما في يَدِ غَيْرِهِ خَارِجٌ من يَدَيْهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على ما في يَدَيْ صَاحِبِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ على صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ حُبِسَ حتى يَحْلِفَ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا نَكَلَ عن الْيَمِينِ قَضَيْنَا عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الْبَيْعَ فَتَصَادَقَا عليه وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك بِأَلْفَيْنِ وقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك بِأَلْفٍ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا مَعًا فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالسِّلْعَةُ مَرْدُودَةٌ على الْبَائِعِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه وَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْبَائِعُ لقد بَاعَهُ بِاَلَّذِي قال ثُمَّ لَزِمَتْهُ الْأَلْفَانِ فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عن الْيَمِينِ أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ قد اجْتَمَعَ نُكُولُ الْمُشْتَرِي وَيَمِينُ الْبَائِعِ على دَعْوَاهُ وَهَكَذَا إنْ كان النَّاكِلُ هو الْبَائِعُ وَالْحَالِفُ هو الْمُشْتَرِي كانت بَيْعًا له بِالْأَلْفِ وَلَوْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ تَرَادَّا قِيمَتَهَا إذَا حَلَفَا مَعًا وإذا كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ في أَنَّ السِّلْعَةَ مَبِيعَةٌ وَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ فإذا حَلَفَا تَرَادَّا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان حَلَالًا فَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ ما كان مَرْدُودًا لو وُجِدَ بِعَيْنِهِ في يَدَيْ من هو في يَدَيْهِ فَفَاتَ أَنَّ عليه قِيمَتَهُ إذَا كان أَصْلُهُ مَضْمُونًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه أَنْ يُنْظَرَ إلَى الذي الشَّيْءُ في يَدَيْهِ يَدَّعِيهِ هو وَغَيْرُهُ فَيُجْعَلُ الْمُدَّعِيَ الذي نُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ وَالْمُدَّعَى عليه الذي الشَّيْءُ في يَدَيْهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ يَدُلُّ على صِدْقِهِ بِدَعْوَاهُ إلَّا قَوْلَهُ وَهَكَذَا إنْ ادَّعَى عليه دَيْنًا أو أَيَّ شَيْءٍ ما كان كُلِّفَ فيه لبينة ( ( ( البينة ) ) ) وَدَعْوَاهُ في ذِمَّةِ غَيْرِهِ مِثْلُ دَعْوَاهُ شيئا قَائِمًا بِعَيْنِهِ في يَدَيْ غَيْرِهِ قال وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه

(6/227)


وَلَوْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ كنا قد فَارَقْنَا السُّنَّةَ وَمَعْنَى السُّنَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِرَاقُهُمَا وقد صَارَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى هذا الْقَوْلِ فقال بِهِ وَخَالَفَ صَاحِبَهُ فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لم أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حتى يَقُولَ نَكَحْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَرِضَاهَا فإذا قال هذا وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَحَلَفْنَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ لم أَقْضِ له بها وَإِنْ نَكَلَتْ لم أَقْضِ له بها بِالنُّكُولِ حتى يَحْلِفَ فإذا حَلَفَ قَضَيْتُ له بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأُحَلِّفُ في النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَكُلِّ دَعْوَى وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ من حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى أَنْ يُحَلَّفَ الزَّوْجُ الْقَاذِفُ وَتُحَلَّفَ الزَّوْجَةُ الْمَقْذُوفَةُ ثُمَّ دَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عن الزَّوْجِ وقد لَزِمَهُ لَوْلَا الْيَمِينُ وَالْإِجْمَاعُ على أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عن الْمَرْأَةِ بِالْيَمِينِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَعَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ فَالْحَدُّ قَتْلٌ وَنَفْيُ الْوَلَدِ نَسَبٌ فَالْحَدُّ على الرَّجُلِ يَمِينٌ فَوَجَدْتُ هذا الْحُكْمَ جَامِعًا لَأَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا لها فيه حُكْمٌ وَوَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْأَنْصَارَ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ فَأَبَوْا الْأَيْمَانَ فَعَرَضَ عليهم أَيْمَانَ يَهُودَ فَلَا أَعْرِفُ حُكْمًا في الدُّنْيَا أَعْظَمَ من حُكْمِ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ وَالطَّلَاقِ وَلَا اخْتِلَافَ بين الناس في الْأَيْمَانِ في الْأَمْوَالِ وَوَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ على مُدَّعَى عليه دُونَ مدعي عليه إلَّا بِخَبَرٍ لازم يفرق بينهما وليس فيها خبر لَازِمٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ الْأَخْبَارُ اللَّازِمَةُ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو ادَّعَتْ عليه المراة النِّكَاحَ وَجَحَدَ كُلِّفَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لم تَأْتِ بها أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْمَرْأَةِ وَقُلْتُ لها احْلِفِي فَإِنْ حَلَفَتْ أَلْزَمْته النِّكَاحَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ أَحَدٌ على أَحَدٍ من طَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَمَالٍ وَقِصَاصٍ وَغَيْرِ ذلك من الدَّعْوَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ خَالَعَتْهُ بِعَبْدٍ أو دَارٍ أو غَيْرِ ذلك وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ كُلِّفَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها أَلْزَمْته الْخُلْعَ وَأَلْزَمْتُهَا ما اخْتَلَعَتْ بِهِ وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْتهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ من أَنْ يَأْخُذَ منها ما ادَّعَى وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ وكان لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ من قِبَلِ أَنَّهُ يُقِرُّ بِطَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ فيه رَجْعَةً وَيَدَّعِي مَظْلَمَةٌ في الْمَالِ فَإِنْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ رَدَدْت الْيَمِينَ على الزَّوْجِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ ما ادَّعَى أنها خَالَعَتْهُ عليه وَإِنْ نَكَلَ لم أُعْطِهِ بِدَعْوَاهُ شيئا وَلَا بِنُكُولِهَا حتى يَجْتَمِعَ مع نُكُولِهَا يَمِينُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الْعَبْدُ على مَالِكِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أو كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ ذلك مَالِكُهُ فَعَلَى الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جاء بها أَنْفَذْتُ له ما شَهِدَ له بِهِ من عِتْقٍ أو كِتَابَةٍ وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْت له مَوْلَاهُ فَإِنْ حَلَفَ أَبْطَلْت دَعْوَى الْعَبْدِ وَإِنْ نَكَلَ الْمَوْلَى عن الْيَمِينِ لم أُثْبِتْ دَعْوَى الْعَبْدِ إلَّا بِأَنْ يَحْلِفَ الْعَبْدُ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتُ دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ التَّدْبِيرَ فَهُوَ في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا وفي قَوْلِ من يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَصْنَعُ الْيَمِينُ شيئا وَقُلْ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ وَيَكُونُ التَّدْبِيرُ مَرْدُودًا وَلَوْ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ قال قد أَعْتَقْتُكَ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ الْمَالَ وَادَّعَى الْعِتْقَ أو أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْعِتْقَ كان الْمَالِكُ الْمُدَّعِيَ فَإِنْ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ أُخِذَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ وَإِنْ لم يُقِمْهَا أُحَلِّفُ له الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ من الْمَالِ وكان حُرًّا في الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُقِرُّ بِعِتْقِهِ فِيهِمَا فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عن الْيَمِينِ لم يَثْبُتْ عليه شَيْءٌ حتى يَحْلِفَ مَوْلَاهُ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْمَالُ على الْعَبْدِ وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عن الْيَمِينِ فَلَا مَالَ على الْعَبْدِ وَالْعِتْقُ مَاضٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ فقال أنت عَبْدٌ لي وقال الْمُدَّعَى عليه بَلْ أنا حُرُّ الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَأَصْلُ الناس الْحُرِّيَّةُ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أو يُقِرَّ بِرِقٍّ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها كان الْعَبْدُ رَقِيقًا وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ له بِالرِّقِّ كان رَقِيقًا له وَإِنْ لم يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ أُحَلِّفُ له الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ كان حُرًّا وَإِنْ نَكَلَ لم يَلْزَمْهُ الرِّقُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهُ أَعْطَيْنَاهُ بِبَيِّنَتِهِ

(6/228)


حتى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي على رِقِّهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا له (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دَمًا أو جِرَاحًا دُونَ الدَّمِ عَمْدًا أو خَطَأً فَسَوَاءٌ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جاء بها قُضِيَ له فَإِنْ لم يَأْتِ بها وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ في الدَّمِ دُونَ الْجِرَاحِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم أُلْزِمْهُ بِالنُّكُولِ شيئا حتى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَلْزَمْتُ الْمُدَّعَى عليه جَمِيعَ ما ادعي عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيْمَانُ الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ الدَّمُ لَا يُبْرَأُ منه إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وما سِوَاهُ يُسْتَحَقُّ وَيُبْرَأُ منه بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ إلَّا اللِّعَانُ فإنه بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ وَالْخَامِسَةُ الْتِعَانُهُ وَسَوَاءٌ النَّفْسُ وَالْجُرْحُ في هذا يَقْبَلُهُ بِاَلَّذِي نَقَصَهُ بِهِ من نُكُولِهِ عن الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس رَحْمَةُ اللَّهِ عليه في هذا فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ من ادَّعَى جُرْحًا أو فَقَأَ عَيْنَيْنِ أو قَطَعَ يَدَيْنِ وما دُونَ النَّفْسِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ منه فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَاقْتُصَّ منه فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهَكَذَا كُلُّ دَعْوَى عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَزَعَمَ أَنَّ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه دَلِيلٌ على أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بَرِيءَ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الدَّعْوَى ثُمَّ عَادَ لِمَا احْتَجَّ بِهِ من قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَقَضَهُ في النَّفْسِ فقال إنْ ادَّعَى عليه قَتْلَ النَّفْسِ فَنَكَلَ عن الْيَمِينِ اسْتَعْظَمْت أَنْ أَقْتُلَهُ وَحَبَسْته حتى يُقِرَّ فَأَقْتُلَهُ أو يَحْلِفَ فَأُبْرِئَهُ قال مِثْلُ هذا في الْمَرْأَةِ يَلْتَعِنُ زَوْجُهَا وَتَنْكُلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا خَالَفَ في هذا ما زَعَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نُحِقَّهُ ولم نُبْطِلْهُ كان يَنْبَغِي إذَا فَرَّقَ بين النَّفْسِ وما دُونَهَا من الْجِرَاحِ أَنْ يَقُولَ لَا أَحْبِسُهُ إذَا نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَلَا أَجْعَلُ عليه شيئا إذَا كان لَا يَرَى النُّكُولَ حُكْمًا وهو على الِابْتِدَاءِ لَا يَحْبِسُ الْمُدَّعَى عليه إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كان لِلنُّكُولِ عِنْدَهُ حُكْمٌ فَقَدْ خَالَفَهُ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ ما نَكَلَ عنه وَإِنْ لم يَكُنْ لِلنُّكُولِ حُكْمٌ في النَّفْسِ فَقَدْ ظَلَمَهُ بِحَبْسِهِ في قَوْلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحْبَسُ أَبَدًا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ وَفَرَّ من قَوْلِهِ فَأَحْدَثَ قَوْلًا ثَانِيًا مُحَالًا كَقَوْلِ صَاحِبِهِ فقال ما عليه حَبْسٌ وما يَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَ وأستعظم الدَّمَ وَلَكِنْ أَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ فَجَعَلَ عليه دِيَةً في الْعَمْدِ وهو لَا يَجْعَلُ في الْعَمْدِ دِيَةً أَبَدًا وَخَالَفَ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّهُ يُخَيِّرُ وَلِيَّ الدَّمِ في الْقِصَاصِ أو الدِّيَةِ ثُمَّ يقول ليس فيه إلَّا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا فَأَخَذَ لِوَلِيِّ الدَّمِ ما لَا يَدَّعِي وَأَخَذَ من الْمُدَّعَى عليه ما لَا يُقِرُّ بِهِ وَأَحْدَثَ لَهُمَا من نَفْسِهِ حُكْمًا مُحَالًا لَا خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وإذا كان يَأْخُذُ دِمَاءَ الناس في مَوْضِعٍ بِشَاهِدَيْنِ حتى يَقْتُلَ النَّفْسَ وَأَكْثَرُ ما نَأْخُذُ بِهِ مُوضِحَةٌ من شَاهِدَيْنِ أو إقْرَارٍ فما فَرَّقَ بين الدَّمِ وَالْمُوضِحَةِ وما هو أَصْغَرُ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ كَفَالَةً بِنَفْسٍ أو مَالٍ فَجَحَدَ الْآخَرُ فإن على الْمُدَّعِي الْكَفَالَةَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ ما ادَّعَى عليه وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ عنه غَيْرُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ على مُدَّعِي الْكَفَالَةِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادعي على رَجُلٍ أَنَّهُ أَكُرَاهُ بَيْتًا من دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذلك الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ على صَاحِبِهِ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَعَلَى كل وَاحِدِ مِنْهُمَا الْيَمِينُ على دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ وَإِنْ كان سَكَنَ الدَّارَ أو بَيْتًا منها فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَهَكَذَا لو أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ اكْتَرَى منه دَابَّةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا الْأَمَةُ مِثْلُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ وَهَكَذَا كُلُّ ما يُمْلَكُ إلَّا في مَعْنًى وَاحِدٍ فإن رَجُلًا أو امْرَأَةً لو كَانَا مَعْرُوفَيْنِ بِالْحُرِّيَّةِ فَأَقَرَّا بِالرِّقِّ لم يَثْبُتْ عَلَيْهِمَا الرِّقُّ

(6/229)


إلَى مَكَّةَ بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى رَبُّ الدَّابَّةِ أَنَّهُ أَكْرَاهُ إيَّاهَا إلَى أَيْلَةَ بِعَشَرَةٍ كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً ولم يُقِمْ الْآخَرُ أَجَزْت بَيِّنَةَ الذي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كان في يَدَيْهِ أَمْسِ فإنه لَا تُقْبَلُ منه الْبَيِّنَةُ على هذا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ في يَدَيْهِ ما ليس له وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هذا الْعَبْدَ أَخَذَهُ هذا منه أو انْتَزَعَ منه الْعَبْدَ أو اغْتَصَبَهُ منه أو غَلَبَهُ على الْعَبْدِ وَأَخَذَهُ منه أو شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ في حَاجَتِهِ فَاعْتَرَضَهُ هذا من الطَّرِيقِ فَذَهَبَ بِهِ أو شَهِدُوا أَنَّهُ أَبَقَ من هذا فَأَخَذَهُ هذا فإن هذه الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ وَيُقْضَى له بِالْعَبْدِ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الذي في يَدَيْهِ الْعَبْدِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ ما ادَّعَى وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا أُحَلِّفُهُ على ما ادَّعَى صَاحِبُهُ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُتْرَكُ في يَدَيْهِ كما كان + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ وَغَيْرُهَا من الْمَالِ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ أو بَعْضَهُ فقال الذي هو في يَدَيْهِ ليس هذا يملك ( ( ( بملك ) ) ) لي وهو مِلْكٌ لِفُلَانٍ ولم يُقِمْ بَيِّنَةً على ذلك فَإِنْ كان فُلَانٌ حَاضِرًا صَيَّرَ له وكان خَصْمًا عن نَفْسِهِ وَإِنْ كان فُلَانٌ غَائِبًا كَتَبَ إقْرَارَهُ له وَقِيلَ لِهَذَا الْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاك وَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ ادْفَعْ عنه فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عليه قُضِيَ له بِهِ على الذي هو في يَدَيْهِ وَكَتَبَ في الْقَضَاءِ إنِّي إنَّمَا قَبِلْتُ بَيِّنَةَ فُلَانٍ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِ فُلَانٍ الذي هو في يَدَيْهِ بِأَنَّ هذه الدَّارَ لِفُلَانٍ ولم يَكُنْ فُلَانٌ الْمُقَرُّ له وَلَا وَكِيلٌ له حَاضِرًا فقالت الْبَيِّنَةُ لِفُلَانٍ الْمُدَّعِي هذه الدَّارَ على ما حَكَيْت في كِتَابِي وَيَحْكِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَقَضَيْت له بها على فُلَانٍ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَجَعَلْت فُلَانًا الْمُقَرَّ له بها على حُجَّتِهِ يَسْتَأْنِفُهَا فإذا حَضَرَ أو وَكِيلٌ له اسْتَأْنَفَ الْحُكْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْضِيِّ له وَإِنْ أَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أنها لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَمَنْ قَضَى على الْغَائِبِ سمع بَيِّنَتَهُ وَقَضَى له وَأُحَلِّفُهُ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَنَّ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ لَحَقٌّ وما خَرَجَتْ من مِلْكِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَكَتَبَ له في كِتَابِ الْقَضَاءِ إنِّي سمعت بَيِّنَتَهُ وَيَمِينَهُ وَفُلَانٌ الذي ذَكَرَ أَنَّ له الدَّارَ غَائِبٌ لم يَحْضُرْ وَلَا وَكِيلٌ له فإذا حَضَرَ جَعَلَهُ خَصْمًا وَسَمِعَ بَيِّنَتَهُ إنْ كانت وَأَعْلَمَهُ الْبَيِّنَةَ التي شَهِدَتْ عليه فَإِنْ جاء بِحَقٍّ أَحَقَّ من حَقِّ الْمَقْضِيِّ له قَضَى له بِهِ وَإِنْ لم يَأْتِ بِهِ أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَإِنْ سَأَلَ الْمَحْكُومُ له الْأَوَّلُ الْقَاضِيَ أَنْ يُجَدِّدَ له كِتَابًا بِالْحُكْمِ الثَّانِي عِنْدَ حَضْرَةِ الْخَصْمِ كان عليه أَنْ يَفْعَلَ فَيَحْكِيَ ما قَضَى بِهِ أَوَّلًا حتى يَأْتِيَ عليه ثُمَّ يَحْكِيَ أَنَّ فُلَانًا حَضَرَ وَأَعَدْت عليه الْبَيِّنَةَ وَسَمِعْت من حُجَّتِهِ وَبَيِّنَتِهِ ثُمَّ يَحْكِيهَا ثُمَّ يَحْكِي أَنَّهُ لم يَرَ له فيها شيئا وَأَنَّهُ أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَقَطَعَ حُجَّتَهُ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا لَا يُقْضَى على غَائِبٍ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِمَّا يُقْضَى عليه في الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ وَنَحْنُ نَرَى الْقَضَاءَ عليه بَعْدَ الْأَعْذَارِ وقد كَتَبْنَا الْأَعْذَارَ في مَوْضِعٍ غَيْرِ هذا وَسَوَاءٌ كان إقْرَارُ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ قبل شَهَادَةِ الشُّهُودِ أو بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ هذا في جَمِيعِ الأموال ( ( ( الأحوال ) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أنها له وأنه آجَرَهَا إيَّاهُ وَادَّعَى آخَرُ أنها له وَأَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فإنه يقضى بها نِصْفَيْنِ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه ( قال الرَّبِيعُ ) حِفْظِي عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بَاطِلَتَانِ وهو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الدَّارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يقول هِيَ لي في يَدَيْ وَأَقَامَا مَعًا على ذلك بَيِّنَةً جَعَلْتهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّا إنْ قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما في يَدِهِ وَأَلْغَيْنَاهَا عَمَّا في يَدَيْ صَاحِبِهِ فَأَسْقَطْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا كَدَارٍ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا وَنُحَلِّفُهُ إذَا أَلْغَيْنَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَى صَاحِبِهِ

(6/230)


الدَّارُ أو الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ في وَقْتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً على ذلك وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ له في وَقْتٍ بَعْدَ الْغَصْبِ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً فإنه يقضى بِهِ لِصَاحِبِ الْغَصْبِ وَلَا يقضى لِصَاحِبِ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ من هذا وَصَاحِبُ الْغَصْبِ هو الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت دَارٌ في يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ على أنها له من وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا وَأَنَّهُ وَرِثَهَا عن أبيه في وَقْتِ كَذَا حتى يُحِيطَ الْعِلْمَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَهَذَا مِثْلُ الشَّهَادَةِ على النِّتَاجِ فَمَنْ زَعَمَ في النِّتَاجِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِالْإِحَاطَةِ وَلَا نَعْرِفُهَا وَيَجْعَلُ النِّتَاجَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ لِإِبْطَالِ الْبَيِّنَةِ أَبْطَلَ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَقَرَّ الدَّارَ في يَدَيْ صَاحِبِهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحِقُّ الْبَيِّنَةُ التي مَعَهَا السَّبَبُ الْأَقْوَى فَيُجْعَلُ كَيْنُونَةَ النِّتَاجِ في يَدَيْ صَاحِبِهَا بِسَبَبٍ أَقْوَى فَفِي هذا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له كانت له كُلُّهَا وَلَوْ كانت الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ على وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لم يَكُنْ فيه إلَّا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أو تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ في هذا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ وَكُلُّ ما أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ فيه مِمَّا ليس في يَدَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ هَكَذَا وَكُلُّ ما لم يُمْكِنْ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةً فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَسَوَاءٌ هذا في كل شَيْءٍ ادَّعَى وَبِأَيِّ مِلْكٍ ادَّعَى الْمِيرَاثَ وَغَيْرُهُ في ذلك سَوَاءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَمَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ أنها كانت لِأَبِيهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من أبي هذا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإنه يَقْضِي بها لِلْمُشْتَرِي وَشَهَادَةُ الشِّرَاءِ تَنْقُضُ شَهَادَةَ الْمِيرَاثِ وَهَكَذَا لو شَهِدُوا على صَدَقَةٍ مَقْبُوضَةٍ من الْمَيِّتِ في صِحَّتِهِ أو هِبَةٍ أو نَحْلٍ أو بِعَطِيَّةٍ أو عُمْرَى من قِبَلِ أَنَّ شُهُودَ الْمِيرَاثِ قد يَكُونُونَ صَادِقِينَ على الظَّاهِرِ أَنْ يَعْلَمُوا الْمَيِّتَ مَالِكًا وَلَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ من يَدَيْهِ فَيَسَعُهُمْ على هذا الشَّهَادَةُ وَلَوْ تَوَقَّوْا فَشَهِدُوا أنها مِلْكٌ له وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ من يَدَيْهِ حتى مَاتَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كانت الشَّهَادَةُ فيه على الْبَتِّ فَهِيَ على الْعِلْمِ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ يُخَالِفُونَ شُهُودَ الشِّرَاءِ وَلَا الصَّدَقَةِ شهود ( ( ( وشهود ) ) ) الشِّرَاءِ وَالصَّدَقَةِ يَشْهَدُونَ على أَنَّ الْمَيِّتَ أَخْرَجَهَا في حَيَاتِهِ إلَى هذا فَلَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ على هَؤُلَاءِ ما عَلِمَ هَؤُلَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت دَارٌ أو أَرْضٌ أو بُسْتَانٌ أو قَرْيَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَى رَجُلٌ أنها له وَأَقَامَ بَيِّنَةً أنها لِأَبِيهِ ولم يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فإنه لَا يقضى له وَلَا تَنْفُذُ هذه الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أنها لم تَزَلْ لِأَبِيهِ حتى مَاتَ وَإِنْ لم يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَرَكَهَا مِيرَاثًا وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا أنها كانت لِجَدِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أبا ( ( ( أب ) ) ) هذا الْمُدَّعِي تَزَوَّجَ عليها أُمَّ هذا وَأَنَّ أُمَّهُ فُلَانَةَ مَاتَتْ وَتَرَكَتْهَا مِيرَاثًا فإنه يقضى بها لِابْنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد خَرَجَ منها حَيْثُ تَزَوَّجَ عليها وَهَذَا مِثْلُ خُرُوجِهِ منها بِالْبَيْعِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ في مِلْكِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا مع شَهَادَةِ الرِّجَالِ جَائِزَةٌ وَلَا تَجُوزُ على أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ فُلَانًا وَفُلَانًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا من قِبَلِ أَنَّ هذا يَثْبُتُ نَسَبًا وَشَهَادَتُهُنَّ لَا تَجُوزُ إلَّا في الْأَمْوَالِ مَحْضَةً وما لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ من أَمْرِ النِّسَاءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى من رَجُلٍ عَبْدًا وَأَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَهُمَا في يَدَيْ الْبَائِعِ فقال الْبَائِعُ إنَّمَا بِعْتُك الْعَبْدَ وَحْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الدَّعْوَى في الْمِيرَاثِ - *

(6/231)


- * بَابُ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ على شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَّا رَجُلَانِ وَلَا يَجُوزُ عليها رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ هذا ليس بِمَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا ولم يَشْهَدُوا على الْوَرَثَةِ وَلَا يَعْرِفُونَهُمْ فإن الْقَاضِيَ يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ فُلَانٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ فَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ على ذلك دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِمْ وَإِنْ لم يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ على ذلك وَقَفَ الدَّارَ أَبَدًا حتى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ لا وَارِثَ له غَيْرُهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ من الْوَارِثِ كَفِيلٌ بِشَيْءٍ مِمَّا يُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَلَوْ أَخَذْته منه أَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْتُ له على آخَرَ بِدَارٍ أو عَبْدٍ وَأَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْت له على رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَمِمَّنْ حَكَمْت له بِحُكْمٍ ما كان وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَاهَا آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَقْضِي بها لِلْمُدَّعِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ الدَّارُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ كانت لِأَبِي الْمُدَّعِي وَأَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا منه وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً قُبِلَ منه ذلك لِأَنَّ الدَّارَ في يَدَيْهِ وهو أَقْوَى سَبَبًا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مثله إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُهُ الْمُدَّعِيَ في هذه الْمَنْزِلَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له وَلِأَخَوَيْهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ وَإِخْوَتُهُ كلهم غُيَّبٌ غَيْرَهُ فإن الدَّارَ تَخْرُجُ من يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَتَصِيرُ مِيرَاثًا وَيَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ من الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ فَإِنْ كان لِلْغَائِبِ من الْوَرَثَةِ وُكَلَاءُ دَفَعَ إلَيْهِمْ حَقَّ من هُمْ وُكَلَاؤُهُ وَإِلَّا وُقِفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ من الدَّارِ وَأُكْرِيَتْ لهم حتى يَحْضُرُوا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ حَقُّهُ وَتُتْرَكُ بَقِيَّةُ الدَّارِ في يَدَيْ الذي كانت الدَّارُ في يَدَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ وَرَثَةٍ وَوَاحِدٌ منهم غَائِبٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَ ذلك الْغَائِبِ فَمَنْ قال لَا يُقْضَى على الْغَائِبِ فإنه لَا يُقْبَلُ منه وَخَصْمُهُ غَائِبٌ وَلَيْسَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ الْوَرَثَةِ بِخَصْمِهِ وَإِنْ كَانُوا كلهم مُقِرِّينَ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ أَنَّهُ له وَمَنْ قَضَى الغائب ( ( ( للغائب ) ) ) قَضَى لِلْمُشْتَرِي بِبَيِّنَتِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقْضَى على غَائِبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكَانَتْ الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وبن أَخِيهِ فَادَّعَى الْعَمُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَادَّعَى بن الْأَخِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ رَجُلَانِ على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رأيت كَثِيرًا من الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ يُجِيزُهُ فَمَنْ أَجَازَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِشَاهِدَيْنِ على شَهَادَةِ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَهُمَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على رَجُلٍ وَرَجُلٍ وَأَدَلُّ من هذا على امْرِئٍ كَأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو شَهِدَا على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنَّ هذا الْمَمْلُوكَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ وَشَهِدَا على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّ هذا الْمَمْلُوكَ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِ لم يَكُونَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَإِنَّمَا أَدَّيَا قَوْلَ غَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْنِ على الْأَصْلِ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وقد سمعت من يقول لَا أَقْبَلُ على رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَعَلَى آخَرَ شَهَادَةَ آخَرَيْنِ غَيْرِهِمَا وَمَنْ قال هذا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أنا أُقِيمُهُمَا مَقَامَ الشَّاهِدِ نَفْسِهِ فلم يَكُنْ لَهُمَا أَكْثَرُ من حُكْمِهِ فَهُوَ لو شَهِدَ مَرَّتَيْنِ على شَيْءٍ وَاحِدٍ لم يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا هُمَا على الْآخَرِ لم يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ من قال هذا أَنَّهُمَا إنَّمَا كَانَا غير مَجْرُوحَيْنِ في شَهَادَتِهِمَا على أَرْبَعَةٍ مُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُمَا لم يَشْهَدَا على الْعِيَانِ وَهُمَا لَا يَقُومَانِ إلَّا مَقَامَ من شَهِدَا على شَهَادَتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ اثْنَانِ إلَّا مَقَامَ وَاحِدٍ إذْ لم يَجُزْ أَنْ يَجُوزَ على الْوَاحِدِ إلَّا اثْنَانِ

(6/232)


أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فإنه يَقْضِي بها بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ( قال ) وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وبن أَخِيهِ فقال الْعَمُّ هِيَ بين وَالِدِي وَأَخِي نِصْفَانِ وَأَقَرَّ بن الْأَخِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْعَمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قبل أبيه فَوَرِثَهُ أَبُوهُ وَابْنُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هو لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَأَقَامَ بن الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ قبل أَخِيهِ وَأَنَّهُ وَرِثَهُ ابْنَاهُ أَحَدُهُمَا أبو بن الْأَخِ وَالْآخَرُ الْعَمُّ الْبَاقِي وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هو لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تُلْغَى الْبَيِّنَةُ إذَا كانت لَا تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا أَلْغَى هذه الْبَيِّنَةَ وَجَعَلَ هذه الدَّارَ على ما أَقَرَّا بها لِلْمَيِّتَيْنِ وَوَرَّثَ وَرَثَتَهُمَا الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ أَصْلَ الْمِلْكِ لِمَنْ أَقَرَّا له بِهِ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ قضى له بِمَا شَهِدَ له شُهُودُهُ وَأَلْغَى شُهُودَ صَاحِبِهِ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقْبَلَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ عَمَّا في يَدِهِ وَيُلْغِيَهَا عَمَّا في يَدَيْ صَاحِبِهِ قَبِلَهَا ثُمَّ أَثْبَتَ النِّصْفَيْنِ على أَصْلِ ما أَقَرَّا بِهِ وَأَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَوَرِثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من وَرِثَهُ كان حَيًّا يَوْمَهُ هذا أو مَيِّتًا قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقْضِي في هذه بِنَصِيبِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا تَرِثُ الْأَمْوَاتُ من ذلك شيئا فَأَقْضِي بِنِصْفِ الدَّارِ لِابْنِ الْأَخِ وَبِنِصْفِ الدَّارِ لِلْعَمِّ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَعَرَفَهُ الْقَاضِي أو شَهِدَ له بِذَلِكَ شُهُودُهُ وَلَا يَعْلَمُ الشُّهُودُ وَلَا الْقَاضِي أَنَّ له وَارِثًا غَيْرَهُ ليس أَكْثَرَ من عِلْمِ النَّسَبِ فإن الْقَاضِيَ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شيئا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ أَخًا وَلَا يَكُونُ وَارِثًا وَلَوْ كان مَكَانَ الْأَخِ بن فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هذا ابْنُهُ ولم يَشْهَدُوا على عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا على أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ وَتَلَوَّمَ بِهِ وَسَأَلَ عن الْبُلْدَانِ التي وَطِئَهَا هل له فيها وَلَدٌ فإذا بَلَغَ الْغَايَةَ التي لو كان له فيها وَلَدٌ لَعَرَفَهُ وَادَّعَى الِابْنُ أَنْ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ ضَمِينًا بِعَدَدِ الْمَالِ وَحِكَايَةُ أَنَّهُ لم يَقْضِ له إلَّا بِأَنَّهُ لم يَجِدْ له وَارِثًا غَيْرَهُ فإذا جاء وَارِثٌ أَخَذَ الضُّمَنَاءَ بِإِدْخَالِ الْوَارِثِ عليه بِقَدْرِ حَقِّهِ وَإِنْ كان مَكَانُ الِابْنِ أو معه زَوْجَةٌ أَعْطَاهَا رُبُعَ الثَّمَنِ وَلَا يُعْطِيهَا إيَّاهُ حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ وَهِيَ له زَوْجَةٌ وَلَا يَعْلَمُونَهُ فَارَقَهَا وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِابْنِ أَنَّ مِيرَاثَهَا مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ مَحْدُودُ الْأَقَلِّ فَالْأَقَلُّ رُبُعُ الثَّمَنِ وَالْأَكْثَرُ الرُّبُعُ وَمِيرَاثُ الِابْنِ غَيْرُ مَحْدُودِ الْأَقَلِّ مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ فَالْأَكْثَرُ الْكُلُّ وَالْأَقَلُّ لَا يُوقَفُ عليه أَبَدًا إلَّا بِعَدَدِ الْوَرَثَةِ وقد يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ - * بَابُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ في الْمَوَارِيثِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ على شَيْءٍ من الدُّنْيَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَلَا رِضًا في أَحَدٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأُشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَمِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ مِنَّا من خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كان رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا ولم تَشْهَدْ على إسْلَامِهِ وَلَا كُفْرِهِ غَيْرُ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ على الْأَصْلِ وَمِيرَاثُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ حتى يُعْلَمَ له إسْلَامٌ وَلَوْ أَقَامَا جميعا الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ النَّصْرَانِيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَالْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ فَالْمِيرَاثُ لِلنَّصْرَانِيِّ الذي شَهِدَ له الْمُسْلِمَانِ وَلَا شَهَادَةَ لِلنَّصْرَانِيَّيْنِ وَلَوْ كان الشُّهُودُ جميعا مُسْلِمِينَ صلى عليه وَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ إذَا كانت لَا تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا جَعَلَ الْمِيرَاثَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ على الْأَصْلِ وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ وَرَجَعَ الْمِيرَاثُ لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْسَمَ الشَّيْءُ إذَا تَكَافَّتْ عليه الْبَيِّنَةُ دَخَلَتْ عليه في هذا شَنَاعَةٌ وَقِسْمَةٌ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا الصَّلَاةُ عليه فَلَيْسَتْ من الْمِيرَاثِ إنَّمَا نُصَلِّي عليه بالأشكا

(6/233)


على نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كما نُصَلِّي عليه لو اخْتَلَطَ بِالْمُسْلِمِينَ مَوْتَى ولم يُعْرَفْ على نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ قال الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الشُّهُودَ إنْ كَانُوا جميعا مُسْلِمِينَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا ولم نَعْلَمْ أَيَّ شَيْءٍ كان أَصْلَ دِينِهِ فإن الْمِيرَاثَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا حتى يَصْطَلِحَا فيه لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّ الْمَالَ كان لِأَبِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ فَمَتَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا كنا قد وَرَّثْنَا كَافِرًا من مُسْلِمٍ أو مُسْلِمًا من كَافِرٍ فلما أَحَاطَ الْعِلْمَ أَنَّ هذا الْمَالَ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَاحِدٍ وَلَا يُعْرَفُ الْوَاحِدُ وَقَفْنَاهُ أَبَدًا حتى يَصْطَلِحَا فيه وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في مَوْضِعٍ آخَرَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال مَالِكٌ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ ذِمِّيٍّ فَادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَادَّعَى فيها ذِمِّيٌّ مِثْلَ ذلك وَأَقَامَ بَيِّنَةً من أَهْلِ الذِّمَّةِ فإن الدَّارَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَلَا يُقْضَى بها لِمَنْ ادَّعَاهَا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَحْلِفُ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ لِلَّذِي ادَّعَاهَا وَمَنْ كانت بَيِّنَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ قَضَيْت له بِالدَّارِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ وَرَثَةٍ فقالت امْرَأَةُ الْمَيِّتِ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ زَوْجِي مُسْلِمٌ مَاتَ وهو مُسْلِمٌ وقال وَلَدُهُ وَهُمْ كِبَارٌ كُفَّارٌ بَلْ مَاتَ أَبُونَا كَافِرًا وَجَاءَ أَخُو الزَّوْجِ مُسْلِمًا وقال بَلْ مَاتَ أَخِي مُسْلِمًا وَادَّعَى الْمِيرَاثَ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَمِيرَاثُهُ مِيرَاثُ مُسْلِمٍ وَإِنْ كان الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْكُفْرِ كان كَافِرًا وَإِنْ كان غير مَعْرُوفٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْكُفْرِ كان الْمِيرَاثُ مَوْقُوفًا حتى يُعْرَفَ إسْلَامُهُ من كُفْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ فقالت كُنْت أَمَةً فَأَعْتَقْتُ قبل أَنْ يَمُوتَ أو ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ قبل أَنْ يَمُوتَ أو قَامَتْ عليها بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا كانت أَمَةً أو ذِمِّيَّةً وَادَّعَتْ الْعِتْقَ وَالْإِسْلَامَ قبل أَنْ يَمُوتَ الزَّوْجُ فَأَنْكَرَ ذلك الْوَرَثَةُ وَقَالُوا إنَّمَا كان الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ إذَا عُرِفَتْ بِحَالٍ فَهِيَ من أَهْلِهَا حتى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ على خِلَافِهَا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال الْوَرَثَةُ كُنْتِ ذِمِّيَّةً أو أَمَةً ثم أَسْلَمْتِ أو أَعْتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ فقالت لم أَزَلِ مُسْلِمَةً حُرَّةً كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِأَنَّهَا الْآنَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَلَا يُقْضَى عليها بِخِلَافِ ذلك إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو إقْرَارٌ منها وَهَكَذَا الْأَصْلُ في الْعِلْمِ كُلِّهِ لَا يُخْتَلَفُ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً في صِحَّتِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ قالت رَاجَعَنِي قبل أَنْ يَمُوتَ وقال الْوَرَثَةُ لم يُرَاجِعْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا قد أَقَرَّتْ أنها خَارِجَةٌ وَادَّعَتْ الدُّخُولَ في مِلْكِهِ فَلَا تَدْخُلُ في مِلْكِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَالَتْ لم تَنْقَضِ عِدَّتِي وقال الْوَرَثَةُ قد انْقَضَتْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَأَقَرَّا جميعا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وقال أَحَدُهُمَا كُنْت مُسْلِمًا وكان أبي مُسْلِمًا وقال الْآخَرُ كُنْت أنا أَيْضًا مُسْلِمًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وقال كُنْت أنت كَافِرًا وَأَسْلَمْتُ أنت بَعْدَ مَوْتِ أبي وقال هو بَلْ أَسْلَمْتُ قبل مَوْتِ أبي وَأَقَرَّ أَنَّ أَخَاهُ كان مُسْلِمًا قبل مَوْتِ أبيه فإن الْمِيرَاثَ لِلْمُسْلِمِ الذي يُجْمَعُ عليه وَيَكُونُ على الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَسْلَمَ قبل مَوْتِ أبيه وَكَذَلِكَ لو كَانَا عَبْدَيْنِ فقال أَحَدُهُمَا لِأَخِيهِ أَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك وقال الْآخَرُ بَلْ أَعْتَقْت قبل مَوْتِ أبي أنا وَأَنْتَ جميعا فقال الْآخَرُ أَمَّا أنا فَقَدْ أَعْتَقْت قبل مَوْتِ أبي وَأَمَّا أنت فَأَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك فَالْمِيرَاثُ لِلَّذِي يُجْمَعُ على عِتْقِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ذلك

(6/234)


- * بَابٌ لِلدَّعَوَيَيْنِ إحْدَاهُمَا في وَقْتٍ قبل وَقْتِ صَاحِبِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ فَنَظَرَ الْحَاكِمُ في سِنِّ الدَّابَّةِ فإذا هِيَ لِثَلَاثِ سِنِينَ فإنه لَا يَقْبَلُ بَيِّنَةَ الذي أَقَامَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من الذي ادَّعَى مُنْذُ سَنَتَيْنِ وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بها لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ من قِبَلِ أَنِّي أَجْعَلُهَا مِلْكًا له فَأُخْرِجُهَا من يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فإذا جَعَلْته مَالِكًا أَجَزْت عليه بَيْعَ ما يَمْلِكُ وَلَيْسَ في شَهَادَتِهِمْ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ ما يُبْطِلُ أنها له مُنْذُ سَنَتَيْنِ أو أَكْثَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ ولم يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بها لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ وَإِنْ لم يَشْهَدَا على قَبْضِ الدَّارِ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمْ وَجَعَلْتُ له الشِّرَاءَ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُجِيزُ له شَهَادَتَهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الدَّارَ وَإِنْ لم يَشْهَدُوا على الْقَبْضِ لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَرْضٌ في يَدَيْ رَجُلٍ يُقَالُ له عَبْدَ اللَّهِ فَأَقَامَ آخَرُ يُقَالُ له عَبْدَ الْمَلِكِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من رَجُلٍ يُقَالُ له عبد الرحمن بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإنه لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ على هذا حتى يَشْهَدُوا أَنَّ عَبْدَ الرحمن بَاعَهَا وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا فَإِنْ شَهِدُوا أنها أَرْضُ هذا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ كان هذا جَائِزًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا أو شَهِدُوا أنها أَرْضُ هذا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ كان هذا جَائِزًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى شيئا من رَجُلٍ ولم يَقُولُوا أَنَّ البائع ( ( ( البالغ ) ) ) كان يَمْلِكُهُ حين بَاعَهُ لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ وَلَوْ لم يَشْهَدُوا أنها لِلْمُشْتَرِي وَشَهِدُوا أنها لِلْبَائِعِ بَاعَهَا من هذا وهو يَمْلِكُهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَقَبَضَ الثَّمَنَ ولم يَذْكُرُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا وَقَبَضَهَا منه أَجَزْت ذلك وإذا لم يَشْهَدُوا أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهَا وهو يَمْلِكُهَا ولم يَشْهَدُوا أنها لِلْمُشْتَرِي ولم يَشْهَدُوا على الْقَبْضِ لم أَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ على شَيْءٍ من ذلك وما قَبِلْت بِهِ شَهَادَتَهُمْ وَقَضَيْتُ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَدِمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ جَعَلْتُهُ على حُجَّتِهِ فيه وَأَعَدْتُ عليه نُسْخَةَ ما شُهِدَ بِهِ عليه وَأَطْرَدْته جُرْحَهُمْ كما أَصْنَعُ بِهِ في الِابْتِدَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها له وَأَقَامَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ بَيِّنَةً أنها له فَهِيَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ بَيِّنَةً على أنها له بِمِيرَاثٍ أو شِرَاءِ أو غَيْرِ ذلك من الْمِلْكِ أو لم يُقِمْهَا أو أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على وَقْتٍ أو لم يُقِمْهَا وَسَوَاءٌ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ على مِلْكٍ أَقْدَمَ من مِلْكِ هذا أو أَحْدَثَ أو معه أو لم يُقِمْهَا إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ الذي هو في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ وَالْوَقْتُ الْأَوَّلُ وَالْوَقْتُ الْآخِرُ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لو كان في أَيْدِيهمَا فَأَقَامَا جميعا الْبَيِّنَةَ على الْمِلْكِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي يَتَنَازَعَانِ فيها فإذا شَهِدَ لَهُمَا جميعا في تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُمَا مَالِكَانِ لم أَنْظُرْ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَحَدِيثِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ لِلَّذِي في يَدَيْهِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ لِلْمُدَّعِي وَلَا أَقْبَلُ من الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ وقال الشَّافِعِيُّ وإذا كانت أَمَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَى رَجُلٌ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً وَادَّعَى الذي هِيَ في يَدَيْهِ أنها في يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها في يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ ولم يَشْهَدُوا أنها له فَإِنِّي أَقْضِي بها لِلْمُدَّعِي وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه

(6/235)


الشُّهُودِ حين يَشْهَدُونَ فَأَجْعَلُهَا لِلَّذِي هو أَحَقُّ في تِلْكَ الْحَالِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ على أَنَّ له نِصْفَهَا أو ثُلُثَهَا وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ له كُلَّهَا جَعَلْتُ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا على أَقَلَّ من النِّصْفِ له وما بَقِيَ من الدَّارِ لِلْآخَرِ وَهَكَذَا الْأَمَةُ وما سِوَاهَا - * بَابُ الدَّعْوَى في الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ إشتراها منه بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ ولم تُوَقِّتْ وَاحِدَةٌ من الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الذي سَمَّى شُهُودُهُ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِنِصْفِهِ فإذا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَاخْتَارَ الْآخَرُ الرَّدَّ فَلِلَّذِي اخْتَارَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ له كُلُّهَا إذَا وَقَعَ الْخِيَارُ من الْحَاكِمِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ مَفْسُوخٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ إذَا لم يُعْرَفْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ وَيَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ فَمَنْ أَقَرَّ له الْمَالِكُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ أَوَّلًا فَهُوَ لِلَّذِي بَاعَهُ أَوَّلًا وهو قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ أو الْعَبْدُ أو الْأَرْضُ أو الدَّابَّةُ أو الْأَمَةُ أو الثَّوْبُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ من فُلَانٍ وهو يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ من رَجُلٍ وهو يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً فإنه يَقْضِي بِالثَّوْبِ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الثَّوْبُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عليه الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ بَاعَهُ من الذي هو في يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَنَّهُ بَاعَهُ منه بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ولم تَقُلْ الشُّهُودُ إنَّهُ ثَوْبُهُ قال يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ على الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ وَلَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ على إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى منه قَضَى عليه بِالثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وهو يَمْلِكُهَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ وَهَبَهَا له وَقَبَضَهَا منه وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا وكان مَعَهُمْ من يَدَّعِي مِيرَاثًا عن أبيه وهو يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ صَدَقَةً من آخَرَ وهو يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً قال فَمَنْ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ قضى بها بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَمَنْ قال أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَضَى بها لِمَنْ خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ وَمَنْ قال أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ أَلْغَاهَا كُلَّهَا ( قال الرَّبِيعُ ) أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( 1 ) فإذا كان الْكِرَاءُ بَدَا فَاسِدًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ فِيمَا سَكَنَ بِقَدْرِ ما سَكَنَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ الْمَالَ فَأَنْظُرُ أَيُّهُمَا كان أَقْوَى سَبَبًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فيه فَأَجْعَلُهُ له فإذا اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَحَقَّ بِهِ من الْآخَرِ وَهُمَا فيه سَوَاءٌ فإذا تَنَازَعَا الْمَالَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ في الدَّعْوَى فَإِنْ كان ما يَتَنَازَعَانِ فيه في يَدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ سَبَبٌ أَقْوَى من سَبَبِ الذي ليس هو في يَدَيْهِ فَهُوَ له مع يَمِينِهِ إذَا لم تَقُمْ لِوَاحِدٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدِ رَجُلَيْنِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أنها كُلَّهَا له مُنْذُ سَنَةٍ وَالْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ له كُلَّهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَقْبَلُ بَيِّنَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما في يَدِهِ وَأَطْرَحُهَا عَمَّا في يَدِ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ شُهُودٌ له بِخِلَافِهَا ( قال أبو يَعْقُوبَ ) يقضي بها لِأَقْدَمْهُمَا مِلْكًا كُلِّهَا ( قال الرَّبِيعُ ) هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ

(6/236)


مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الذي ليس في يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ قِيلَ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ التي لَا تَجْرِ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا وَلَا تُدْفَعُ عنها إذَا كانت لِلْمُدَّعِي أَقْوَى من كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ في يَدِك من قِبَلِ أَنَّ كَيْنُونَتَهُ في يَدِك قد تَكُونُ وَأَنْتَ غَيْرُ مَالِكٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ على سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ عليه قِيلَ قد اسْتَوَيْتُمَا في الدَّعْوَى وَاسْتَوَيْتُمَا في الْبَيِّنَةِ وَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ في يَدِهِ هو أَقْوَى من سَبَبِك فَهُوَ له بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ وَهَذَا مُعْتَدِلٌ على أَصْلِ الْقِيَاسِ لو لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ وَفِيهِ سُنَّةٌ بِمِثْلِ ما قُلْنَا
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي يحيى عن إِسْحَاقَ بن أبي فَرْوَةَ عن عُمَرَ بن الْحَكَمِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أنها دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ كل من حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيت في النِّتَاجِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِيمَا سِوَى النِّتَاجِ وَفِيمَا يَكُونُ مَرَّتَيْنِ فقال إذَا أَقَامَا عليه بَيِّنَةً كان لِلَّذِي ليس هو في يَدَيْهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ له أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو خَصْمَانِ من أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا في كل حَالَةٍ وَالْآخَرُ مُدَّعًى عليه في كل حَالَةٍ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الذي تُقْبَلُ منه الْبَيِّنَةُ لَا يَكُونُ إلَّا من لَا شَيْءَ في يَدَيْهِ فَأَمَّا من في يَدَيْهِ ما يَدَّعِي فَذَلِكَ مُدَّعًى عليه لَا مُدَّعٍ وَلَا تقبل ( ( ( نقبل ) ) ) الْبَيِّنَةَ من الْمُدَّعَى عليه فَقِيلَ له أَرَأَيْتُ ما ذَكَرْنَا وَذَكَرْتُ من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلَ الْبَيِّنَةَ من صَاحِبِ الدَّابَّةِ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَقَضَى له بها وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الذي ليس هِيَ في يَدَيْهِ لو لم يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هو أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا على لِسَانِك أو ما كان يَلْزَمُك في أَصْلِ قَوْلِك أَنْ لَا تَقْبَلَ بَيِّنَةَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَإِنْ قال إنَّهُ إنَّمَا قَضَى بها لِلَّذِي في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا تَكَافَأَتَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْته دخل عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ حين اسْتَوَتْ بَاطِلًا ( قال ) وَلَوْ أَقَامَ على دَابَّةِ رَجُلٍ في يَدَيْهِ بَيِّنَةً أنها لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْطَلْته وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً على شَيْءٍ في يَدِ أَحَدِهِمَا من غَيْرِ نِتَاجٍ أَبْطَلْتهَا لِأَنَّهَا قد تَكَافَأَتْ وَلَزِمَكَ في ذلك الْمَوْضِعِ أَنْ تُحَلِّفَ الذي في يَدِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عليه كَمَنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً ولم تَقُمْ عليه ( قال ) وَلَا أَقُولُ هذا وَذَكَرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا تَكُونُ أَبَدًا إلَّا كَاذِبَةً من قِبَلِ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَنْتِجُ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَكَيْفَ أَبْطَلْت إحْدَاهُمَا وَأَحْقَقْت الْأُخْرَى فَأَنْتَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ التي أَبْطَلْت هِيَ الصَّادِقَةُ وَاَلَّتِي أَحْقَقْت هِيَ الْكَاذِبَةُ فَقُلْ ما أَحْبَبْتَ 0 قال ) فَإِنْ قُلْتَ هذا لَزِمَنِي ما قُلْت وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ قُلْت بَعْدَ قَطْعِك الْجَوَابَ قال أَسْأَلُك قُلْت فَسَلْ قال أَفَيُخَالِفُ الْحَدِيثُ الذي رَوَيْتُمُوهُ في النِّتَاجِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَوْلِهِ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه قُلْنَا لَا قال فَمَنْ الْمُدَّعِي وَمَنْ الْمُدَّعَى عليه قُلْت الْمُدَّعَى عليه كُلُّ من زَعَمَ أَنَّ شيئا له كان بِيَدَيْهِ أو بِيَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مَعْقُولَةٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ أنها قَوْلُ الرَّجُلِ هذا لي وَالْمُدَّعَى عليه كُلُّ من زَعَمَ أَنَّ قِبَلَهُ حَقًّا في يَدَيْهِ أو مَالِهِ أو قَوْلِهِ لَا ما ذَهَبْتَ إلَيْهِ ( قال ) فمال يَدُلُّ على ما قُلْتَ قُلْنَا ما لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُهُ من اللِّسَانِ 0 قال ) فما قَوْلُهُ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي قُلْنَا السُّنَّةُ في النِّتَاجِ وَإِجْمَاعُ الناس أَنَّ ما ادعي مِمَّا في يَدَيْهِ له حتى تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ يَدُلَّانِ على أَنَّ قَوْلَهُ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي يَعْنِي الذي لَا سَبَبَ له يَدُلُّ على صِدْقِهِ إلَّا دَعْوَاهُ وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه لَا سَبَبَ يَدُلُّ على صِدْقِهِ إلَّا قَوْلُهُ ( قال ) فَأَيْنَ هذا قُلْنَا من قال لِرَجُلٍ لي في يَدَيْكَ مَالٌ ما كان أو عَلَيْكَ حَقٌّ قُلْته أو فَعَلْته فقال ما لك قَبْلِي وَلَا عَلَيَّ حَقٌّ أَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ قال بَلَى قُلْنَا فَهَذَا يَدُلُّكَ على أَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا ادعى عليه وَالْمَالُ في يَدَيْهِ هو الذي لَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً وَإِنْ كان مُدَّعِيًا أو يُكَلَّفُ الذي لَا سَبَبَ له بِدَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ أَرَأَيْتَ لو كان هذا حين ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا ادعى عليه وَادَّعَى الشَّيْءَ الذي في يَدَيْهِ وَلَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ على
____________________

(6/237)


صِدْقِهِ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً أَمَا كان الْحَقُّ لَازِمًا له إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا قال فَإِنْ قُلْتَ هو الْمُدَّعَى عليه أَلَيْسَ هو الْمُدَّعِي قُلْنَا فإذا كان مُدَّعًى عليه لم تُقْبَلْ منه بَيِّنَةٌ قال نعم قُلْنَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَةِ من حَقٍّ دَفَعَهُ أو بَطَلَ عنه بِغَيْرِ وَجْهِ الدَّفْعِ أَتَقْبَلُهَا منه قال نعم وَأَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا قُلْنَا فَهُوَ إذًا قد يَكُونُ في الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُدَّعِيًا مُدَّعًى عليه وَلَيْسَ هو هَكَذَا زَعَمْت (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِشَيْءٍ ما كان من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو عَرْضٍ من الْعُرُوضِ فَوَصَلَ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ من الْكَلَامِ من مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِصِفَةٍ لِمَا أَقَرَّ بِهِ أو أَجَلٍ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ أو طَبَرِيَّةُ أو يَزِيدِيَّةٌ أو له عَلَيَّ عَبْدٌ من صِفَتِهِ أو طَعَامٌ من صِفَتِهِ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ تَحِلُّ في سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في هذا كُلِّهِ لِأَنِّي إذَا لم أُثْبِتْ عليه من هذا شيئا إلَّا بِقَوْلِهِ لم يَجُزْ أَنْ أَجْعَلَ قَوْلًا وَاحِدًا أَبَدًا ( 1 ) إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا لَا حُكْمَيْنِ وَمَنْ قال أَقْبَلُ قَوْلَهُ في الدَّرَاهِمِ وَأَجْعَلُ ذِكْرَهُ الْأَجَلَ دَعْوَى منه لَا أَقْبَلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كانت نَقْدَ الْبَلَدِ الذي أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيَّةً جَعَلْتُهُ مُدَّعِيًا لِأَنَّهُ قد نَقَصَ من وَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِنْ أَعْيَانِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِطَعَامٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ طَعَامٌ حَوْلِيٌّ جَعَلْت عليه طَعَامًا جَدِيدًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا وَلَزِمَهُ لو قال امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا في الْوَاحِدَةِ وَلَزِمَهُ لو قال رَقِيقِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا وَلَكِنَّهُ لو قال عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ وَقَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال إنَّمَا عَنَيْت الف دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً أَلْزَمْنَاهُ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ ولم نَجْعَلْ له الثُّنْيَا إذَا خَرَجَ من الْكَلَام وَلَوْ جَعَلْنَاهُ له بَعْدَ خُرُوجِهِ من الْكَلَامِ وَقَطْعِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ له بَعْدَ أَيَّامٍ وَبَعْدَ زَمَانٍ وَإِنْ قال لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْتنِيهِ أو وَدِيعَةٍ أو سَلَفٍ وقال إلَى أَجَلٍ فَسَوَاءٌ وَهِيَ إلَى الْأَجَلِ ( 2 ) إلَّا في السَّلَفِ فإن السَّلَفَ حَالٌّ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) حَالَّةٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كانت حَالَّةً له مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السَّلَفَ لِأَنَّ السَّلَفَ ( 3 ) عَارِيَّةٌ لم يَأْخُذْ بها السلف ( ( ( المسلف ) ) ) عِوَضًا فَلَا يَكُونُ له أَخْذُهَا قبل ما شَرَطَ الْمُسَلِّفُ فيها وَهَكَذَا الْوَدِيعَةُ وَجَمِيعُ الْعَارِيَّةِ من الْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ وَسَوَاءٌ غَرَّ الْمُعَارَ أو الْمُسَلِّفَ من شَيْءٍ أو لم يَغُرَّهُ إلَّا أَنَّ الذي يُحْسِنُ في هذا مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الشَّيْءَ وهو في يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَقَامَا مَعًا عليه بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الذي هو في يَدَيْهِ إذَا كانت الْبَيِّنَةُ مِمَّا يُقْضَى بمثله مِثْلَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ عَشَرَةً وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِهَؤُلَاءِ كما نَقْطَعُ بِهَؤُلَاءِ وَسَوَاءٌ كان بَعْضُهُمْ أَرْجَحَ من بَعْضٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْأَدْنَيَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولًا مِثْلَ ما يُقْطَعُ بِالْأَعْلَيَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نُنْقِصُ صَاحِبَ الْأَدْنَيَيْنِ لو أَقَامَهُمَا على الِانْفِرَادِ عَمَّا يعطي صَاحِبُ الْأَعْلَيَيْنِ لو أَقَامَهُمَا على الِانْفِرَادِ فإذا كان الْحُكْمُ بِهِمْ وَاحِدًا فَسَبَبُهُمَا من جِهَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُسْتَوٍ وقال في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَمِيعِ الدَّوَابِّ الضَّوَارِي الْمُفْسِدَةِ لِلزَّرْعِ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَلَا نَفْيَ على بَهِيمَةٍ وقد قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي أَنَّهُ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا وَقَضَى على أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ وَقَضَاؤُهُ عليهم بِالْحِفْظِ لِأَمْوَالِهِمْ بِالنَّهَارِ إبْطَالٌ لِمَا أَصَابَتْ في النَّهَارِ وَتَغْرِيمٌ لِمَا أَصَابَتْ في اللَّيْلِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أنها لَا تُبَاعُ على أَهْلِهَا وَلَا تُنْفَى من بَلَدِهَا وَلَا تُعْقَرُ وَلَا يُعْدَى بها ما قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم

(6/238)


وَأَنْ يَفِيَ له فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ فَأَرَادَ الذي عليه الدَّيْنُ السَّفَرَ وَسَأَلَ الذي له الدَّيْنُ أَنْ يُحْبَسَ عن سَفَرِهِ وقال سَفَرُهُ بَعِيدٌ وَالْأَجَلُ قَرِيبٌ أو يُؤْخَذَ له كَفِيلٌ أو رَهْنٌ لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبْته حَيْثُ كان أو مَالَهُ فَقَضَى لَك فيه من يَرَى الْقَضَاءَ على الْغَائِبِ وَمَالُك حَيْثُ وَضَعْته وَكَمَا وَضَعْته لَا يُحِيلُهُ عَمَّا تَرَاضَيْتُمَا بِهِ خَوْفُ ما لَا يدرى يَكُونُ أو لَا أنت تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَعْطَيْته إيَّاهُ لَا سَبِيلَ لَك عليه فيه إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ نَجْعَلُ لَك عليه السَّبِيلَ قبل الْأَجَلِ وَلَسْنَا نُعْطِي بِالْخَوْفِ ما لم يَكُنْ لم ( ( ( لما ) ) ) أَعْطَيْته وَلَا تَرْضَى ذِمَّتَهُ وَنَأْخُذُ لَك مع ذِمَّتِهِ رَهْنًا وحميلا ( ( ( وجميلا ) ) ) بِهِ وَكَذَلِكَ لو بِعْته مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فلم تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حتى تَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ جَبَرْنَاك على دَفْعِهِ إلَيْهِ ولم نَفْسَخْ بَيْنَكُمَا الْبَيْعَ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَكُونُ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ قبل الْأَجَلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ على أَلْفٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ سُئِلَ فَإِنْ قال جَعَلْته حُرًّا إنْ أَدَّى إلَيَّ الفا قِيلَ لِلْعَبْدِ إنْ شِئْت فَأَدِّ إلَيْهِ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ شِئْت لَا تُؤَدِّي لم يَكُنْ لَك حُرِّيَّةٌ فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقًا بَتَاتًا على غَيْرِ شَيْءٍ أَحْلَفْنَا السَّيِّدَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْعَبْدِ فَإِنْ حَلَفَ عَتَقَ وَإِنْ قال السَّيِّدُ أَعْتَقْته عِتْقَ بَتَاتٍ وَضَمِنَ لي بِالْعِتْقِ مِائَةَ دِينَارٍ أَثْبَتْنَا عليه الْعِتْقَ وَجَعَلْنَاهُ مُدَّعِيًا في الْمِائَةِ إنَّمَا نَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لم يُوقِعْ الْعِتْقَ وَأَنَّهُ جَعَلَهُ لِشَيْءٍ أَرَادَهُ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ فيه بِحُرِّيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ تَقَعُ فَإِنْ قَبِلَهَا الْعَبْدُ وَقَعَتْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ لم تَقَعْ كما زَعَمْنَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَوْ قال بِعْته نَفْسَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ وَأَنْكَرَ الْأَلْفَ فَهُوَ حُرٌّ وَالسَّيِّدُ مُدَّعٍ وَعَلَى الْعَبْدِ الْيَمِينُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ من نَفْسِهِ بَاطِلٌ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمِائَةَ عَتَقَ بِالصِّفَةِ إذَا كان قال له إنْ أَعْطَيْتنِي مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ ولم يَعْتِقْ بِسَبَبِ الْبَيْعِ ( 1 ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبِيعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ لو قال كَاتَبْته على أَلْفٍ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تُصَيِّرُهُ رَقِيقًا وهو يَقْدِرُ على أَنْ يَعْتِقَ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ وهو لو أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فقال لَا أَقْبَلُ الْعِتْقَ كان حُرًّا ولم نَجْعَلْ له الْخِيَارَ في أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ ما أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ أَنَّهُ قد وَقَعَ بِهِ عِتْقٌ مَاضٍ لم يُرَدَّ الْعِتْقُ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ بِعْتُك من رَجُلٍ وَأُعْتِقُك فَيَكُونُ حُرًّا وَلَا يَكُونُ على الرَّجُلِ ثَمَنُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ وما زَعَمَ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فيه مُسْتَأْنَفًا بِشَيْءٍ يُؤَدِّيهِ الْعَبْدُ أو يَفْعَلُهُ لم يَقَعْ الْعِتْقُ إلَّا بِأَنْ يُوفِيَهُ الْعَبْدُ أو يَفْعَلُهُ كَقَوْلِهِ لِلْعَبْدِ أنت حُرٌّ إنْ أَعْطَيْتنِي دِرْهَمًا أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو إنْ مَسِسْت الْأَرْضَ أو إنْ أَكَلْت هذا الطَّعَامَ فَإِنْ فَعَلَ من هذا شيئا كان حُرًّا وَإِنْ لم يَفْعَلْهُ كان رَقِيقًا وَكَانَتْ الْمَشِيئَةُ فيه إلَى الْعَبْدِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبِيعَهُ وَيُبْطِلُ ما جَعَلَهُ له لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَثْبُتُ له إذَا فَعَلَ شيئا فَكُلَّمَا لم يَفْعَلْهُ فَهُوَ خَارِجٌ من الْعِتْقِ وَعَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ وَكُلُّ هذا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ في الْكِتَابَةِ يَمْلِكُ مَالَهُ الذي يَكُونُ بِهِ حُرًّا إلَى وَقْتِهِ فَالْمُكَاتَبُ زَائِلٌ في هذا الْمَوْضِعِ عن حُكْمِ الْعَبْدِ وَإِنْ كان قال له شيئا من هذا فَوَقَّتَ وَقْتًا فقال إنْ فَعَلْته قبل اللَّيْلِ أو قبل أَنْ نَفْتَرِقَ من الْمَجْلِسِ فَفَعَلَهُ الْعَبْدُ قبل أَنْ يُحْدِثَ السَّيِّدُ فيه بَيْعًا أو شيئا يَقْطَعُ الْيَمِينَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لم يَكُنْ حُرًّا وَإِنْ لم يُوَقِّتْ فَمَتَى فَعَلَهُ الْعَبْدُ كان حُرًّا وَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الْمَرْأَةِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَرِضَاهَا أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ لم أُثْبِتْ عليها النِّكَاحَ وَإِنْ نَكَلَتْ رَدَدْنَا عليه الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَثْبُتْ وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ عليه لم أُحَلِّفْهَا حتى تَزْعُمَ أَنَّ الْعَقْدَ كان صَحِيحًا بِرِضَاهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَقْدَ نَقَصَ من ذَا لم أُحَلِّفْهَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لو عَقَدَا هذا نَاقِصًا فَسَخْت النِّكَاحَ فَلَا أُحَلِّفُهَا على أَمْرٍ لو كان فَسَخْته وَكَذَلِكَ هو في جَمِيعِ هذا

(6/239)


قال لَا أَفْعَلُ ثُمَّ فَعَلَهُ كان حُرًّا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَتْ الْأَمَةُ على سَيِّدِهَا أنها أُمُّ وَلَدٍ له أُحَلِّفُ السَّيِّدَ لها فَإِنْ حَلَفَ كانت رَقِيقًا وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ كانت أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لم تَحْلِفْ كانت رَقِيقًا له وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَدَّعِي على الرَّجُلِ الْحُرِّ أَنَّهُ عَبْدُهُ أُحَلِّفُهُ له أَيْضًا مِثْلَ أُمِّ الْوَلَدِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ كُلُّ ما وَرَدَ عَلَيْك من هذه الْأَشْيَاءِ فَهُوَ هَكَذَا ( 1 ) قُلْت أَرَأَيْت بَيْعَ الْعَذِرَةِ التي يُزْبَلُ بها الزَّرْعُ قال لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ وَلَا الرَّوْثِ وَلَا الْبَوْلِ كان ذلك من الناس أو من الْبَهَائِمِ وَلَا شيئا من الْأَنْجَاسِ وَلَيْسَ شَيْءٌ من الْحَيَوَانِ بِنَجَسٍ ما كان حَيًّا إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَهَذَانِ لَمَّا لَزِمَتْهُمَا النَّجَاسَةُ في الْحَيَاةِ لم تَحِلَّ أَثْمَانُهُمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن أبي يحيى عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَشْتَرِطُ على الذي يُكْرِيهِ أَرْضَهُ أَنْ لَا يعرها ( ( ( يعيرها ) ) ) وَذَلِكَ قبل أَنْ يَدَعَ عَبْدَ اللَّهِ الْكَرَّاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُبَاعُ عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ أَوْقَدْتهَا تَحْتَ قِدْرٍ أو غَيْرِهَا لَا أَعْلَمُ تَحْرِيمًا لَأَنْ يُؤْكَلَ ما في الْقِدْرِ وَلَا يَسْتَمْتِعُ من الْمَيْتَة