Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب الأم مجلد 14. محمد بن إدريس الشافعي

 

14.

كتاب الأم مجلد 14. محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  = كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصَلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَحْمُونَ الْحَامَ على وُجُوهٍ جِمَاعُهَا أَنْ يَكُونُوا مُؤَدِّينَ بِمَا يَصْنَعُونَ من ذلك حَقًّا عليهم من نَذْرٍ نَذْرُوَهُ فَوَفَّوْا بِهِ أو فَعَلُوهُ بِلَا نَذْرِهِمْ أو بِحَقٍّ وَجَبَ عليهم عِنْدَهُمْ فَأَدَّوْهُ وكان عِنْدَهُمْ إذَا فَعَلُوهُ خَارِجًا من أَمْوَالِهِمْ بِمَا فَعَلُوا فيه مِثْلَ خُرُوجِ ما أَخْرَجُوا إلَى غَيْرِهِمْ من الْمَالِكِينَ وَكَانُوا يَرْجُونَ بِأَدَائِهِ الْبَرَكَةَ في أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً مع التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَتُوجِدُنِي في كِتَابِ اللَّه عز وجل في غَيْرِ هذا بَيَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ في شَيْءٍ أَخْرَجَهُ إنْسَانٌ من مَالِهِ بِغَيْرِ عِتْقِ بَنِي آدَمَ رَجَعَ إلَى أَصْلِ مِلْكِهِ قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز ذِكْرُهُ { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا } وقال عز وجل { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } وفي الْإِجْمَاعِ أَنَّ من بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَالْبَائِعُ على أَصْلِ مِلْكِهِ لَا يَخْرُجُ من مِلْكِهِ إلَّا وَالْبَيْعُ فيه صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ تُنْكَحُ نِكَاحًا فَاسِدًا هِيَ على ما كانت عليه لَا زَوْجَ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ لِقَائِلٍ لو قال بِظَاهِرِ الْآيَةِ إذَا لم يَكُنْ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَبْطَلَ الشَّرْطَ في السَّائِبَةِ كما أَبْطَلَهُ في الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَكُلُّهَا على أَصْلِ مِلْكِهَا لِمَالِكِهَا لم تَخْرُجْ منه وَلَا عِتْقَ لِلسَّائِبَةِ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ فيها وَاحِدٌ ( قال ) وَهَذَا قَوْلٌ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَةُ لَا يَقُومُ وَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا يقول بِهِ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَبْلَهُ الذي ذَكَرْت أَنَّهُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وهو أَنَّ قَوْلَهُ جل وعز { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على ما جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ في الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ على الْبَهَائِمِ وَلَا تَكُونُ إلَّا مَمْلُوكَةً للادميين وَلَا تَخْرُجُ من مِلْكِ مَالِكِهَا منهم إلَّا إلَى مَالِكٍ منهم وَأَكْثَرُ السَّائِبَةِ إذَا كان من الْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ قبل التَّسْيِيبِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لَا تَمْلِكُ أَنْفُسَهَا كَهِيَ وإذا كان من الناس يُخْرِجُ من مِلْكِ مَالِكِهِ للادمي إلَى أَنْ يَصِيرَ مثله في الْحُرِّيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا كما يَكُونُ مُعْتِقُهُ مَالِكًا وكان الذي أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ اعلم من السَّائِبَةِ أَنْ يَكُونَ كما قال خَارِجًا من وَلَائِهِ بِشَرْطِهِ ذلك في عِتْقِهِ وَأَقَرَّ ولاؤه ( ( ( ولاءه ) ) ) لِمُعْتِقِهِ كما أَقَرَّ مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ لِمَالِكِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ هل على ما وَصَفْت دَلَالَةٌ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل تُبَيِّنُ ما قُلْت من خِلَافِ بَنِي آدَمَ لِلْبَهَائِمِ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ من الْأَمْوَالِ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ قِيلَ نعم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ قِيلَ قال اللَّه عز وجل { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } إلَى قَوْلِهِ { ذَا مَتْرَبَةٍ } وَدَلَّ على أَنَّ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامِ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ حين ذَكَرَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وقال اللَّهُ عز وجل في الْمُظَاهَرَةِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وقال تَبَارَكَ اسْمُهُ في الْقَاتِلِ خَطَأً { فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وقال في الْحَالِفِ { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أو كِسْوَتُهُمْ أو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وكان حُكْمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا مَلَّكَهُ الآدميون ( ( ( الآدميين ) ) ) من الْآدَمِيِّينَ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ من مِلْكِهِمْ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَكُّ الْمِلْكِ عَنْهُمْ بِالْعِتْقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان فِعْلُهُمْ يَجْمَعُ أُمُورًا منها أَمْرٌ وَاحِدٌ بِرٌّ في الْأَخْلَاقِ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ عز وجل في مَنْفَعَتِهِ ثُمَّ شَرَطُوا في ذلك الشَّيْءَ شَرْطًا ليس من الْبِرِّ فَأَنْفَذَ الْبِرَّ وَرَدَّ الشَّرْطَ الذي ليس من الْبِرِّ وهو أَنَّ أَحَدَهُمْ كان يُعْتِقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَمَعْنَى يُعْتِقُهُ سَائِبَةً هو أَنْ يَقُولَ أنت حُرٌّ سَائِبَةً فَكَمَا أَخْرَجْتُك من مِلْكِي وَمَلَّكْتُك نَفْسَك فَصَارَ مِلْكُك لَا يَرْجِعُ إلَيَّ بِحَالٍ أَبَدًا فَلَا يَرْجِعُ إلَيَّ وَلَاؤُك كما لَا يَرْجِعُ إلَيَّ مِلْكُك فَكَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بَدَأَ فيه ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عِنْدَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وكان الشَّرْطُ بِأَنَّ الْعِتْقَ سَائِبَةٌ لَا يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ شَرْطًا مُبْطِلًا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جل وَعَلَا { وَلَا سَائِبَةً } لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَ سَائِبَةً لم يَكُنْ بِرًّا كما لم تَكُنْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ على ما جَعَلَ مَالِكُهَا من تبحيرها وَتَوْصِيلِهَا وَحِمَايَةِ ظُهُورِهَا فلما أَبْطَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ شَرْطَ مَالِكِهَا فيها كانت على أَصْلِ مِلْكِ مَالِكِهَا قبل أَنْ يَقُولَ مَالِكُهَا ما قال

(6/184)


طَاعَةً لِلَّهِ عز وجل بِرًّا جَائِزًا وَلَا يَمْلِكُهُمْ آدَمِيٌّ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَالِكُهُمْ إلَى آدَمِيٍّ مِثْلِهِ وَيَثْبُتُ له الْمِلْكُ عليهم كما يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ بِأَيِّ وَجْهٍ صَيَّرَهُمْ إلَيْهِ قال فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في الْبَهَائِمِ ما وَصَفْت من أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عليها وَلَا تُزَايِلُ مِلْكَ صَاحِبِهَا ما كان حَيًّا إلَّا إلَى مَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ يقول فيه قد أَخْرَجْتهَا من مِلْكِي وكان هَكَذَا كُلُّ ما سِوَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَمْلِكُ بَنُو آدَمَ نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَدَلَالَةً بِمَا ذَكَرْت فِيمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ من بَهِيمَةٍ وَمَتَاعٍ وَمَالٍ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا في أَنَّ امرءا لو قال لِمَمَالِيكِهِ من الْآدَمِيِّينَ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقُوا وَلَوْ قال لِمِلْكِهِ من الْبَهَائِمِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ لم تُعْتَقْ بَهِيمَةٌ وَلَا غَيْرُ آدَمِيٍّ - * بَيَانُ مَعْنَى الْبَحِيرَةِ والسائبة ( ( ( السائبة ) ) ) والوصيلة ( ( ( الوصيلة ) ) ) وَالْحَامِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن ابيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها زَوْجِ النَّبِيّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها قالت جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالت إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي على تِسْعِ أَوَاقٍ في كل عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فقالت لها عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لهم عَدَدْتهَا وَيَكُونُ وَلَاؤُك لي فَعَلَتْ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فقالت لهم ذلك فَأَبَوْا عليها فَجَاءَتْ من عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَالِسٌ فقالت ( ( ( فقال ) ) ) إنِّي قد عَرَضْت ذلك عليهم فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لهم فَسَمِعَ بِذَلِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لهم الْوَلَاءَ فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها ثُمَّ قام رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال أَمَّا بَعْدُ فما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كان مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءً اللَّهُ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فقال أَهْلُهَا نَبِيعُكَهَا على أَنَّ وَلَاءَهَا لنا فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا يَمْنَعَنَّكِ ذلك فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ فقالت عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَصُبَّ لهم ثَمَنَك صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُك فَعَلْت فَذَكَرَتْ ذلك بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُك لنا قال مَالِكٌ قال يحيى فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا يَمْنَعَنَّكِ ذلك فَاشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وبن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا محمد بن الْحَسَنِ عن يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ أبي يُوسُفَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَانَ في حديث عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَرِيرَةَ في إبْطَالِ شَرْطِ مَالِكِيهَا الَّذِينَ بَاعُوهَا على عَائِشَةَ على أَنَّ الْوَلَاءَ لهم وَإِثْبَاتُهُ لِبَرِيرَةَ الْعِتْقُ دَلَالَةٌ على مِثْلِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا سَائِبَةٍ } فإن اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَبْطَلَ التَّسْيِيبَ إذَا شَرَطَ مَالِكُهُ أَنْ لَا يَكُونَ له وَلَاءُ الْمُعْتَقِ الْمُسَيَّبِ وَأَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرْطَ مَالِكِ بَرِيرَةَ الذي بَاعَهَا أَنَّ له الْوَلَاءَ دُونَ مُعْتِقِهَا وَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَكَانَ في قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مَعْنَيَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقٌ أَبَدًا يَزُولُ عنه الْوَلَاءُ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ عن نَفْسِهِ مع عِتْقٍ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا بِحَالٍ من الْحَالَات

(6/185)


اخْتِلَافُ دَيْنَيْنِ وَلَا غَيْرُهُ وَلَوْ زَالَ عن أَحَدٍ زَالَ عن عَائِشَةَ إذ لم تَمْلِكْ بَرِيرَةَ إلَّا بِشَرْطٍ تَعْتِقُهَا وَوَلَاؤُهَا لِلَّذِي مَلَكَهَا إيَّاهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وكان مُعْتَقُ السَّائِبَةِ مُعْتَقًا وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ له وَلَاءٌ وكان وَلَاؤُهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْتَقِلُ عنه وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِلْمُعْتِقِ فَمَنْ أَعْتَقَ من خَلْقِ اللَّهِ عز وجل مِمَّنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عليه كان الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هذا أَبَدًا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - * بَابُ تَفْرِيعِ الْعِتْقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ لَقِيته من فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ خِلَافًا فِيمَا قُلْت من أَنَّ وَلَاءَ السَّائِبَةِ وَالْمُؤْمِنِ يُعْتِقُهُ الْكَافِرُ لِمَنْ أَعْتَقَهُمَا وقد حَفِظْت عن بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ من أَهْلِ الحديث هذا وَخَالَفَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا في مِيرَاثِ السَّائِبَةِ فقال أَحَدُهُمْ يوالى من شَاءَ وقال آخَرُ لَا يُوَالِي من شَاءَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وقال قَائِلٌ هذا وإذا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وإذا أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الذي أَعْتَقَهُ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ كَافِرٌ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ كان وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا مَاتَ وَرِثُوهُ فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ قبل يَمُوتَ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ قد كان ثَبَتَ له الْوَلَاءُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ مُسْلِمُونَ كان وَلَاؤُهُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد وَصَفْت مَوْضِعَ الْحُجَّةِ على هذا الْقَوْلِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَصَفْت بَعْدَ هذا الْحُجَّةَ عليه وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَرَأَيْت إنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَعْتِقُ الْكَافِرَ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لِلْكَافِرِ على الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمَوْلَى كَافِرٌ يَخْرُجُ الْوَلَاءُ زَعَمَ من يَدَيْهِ بِإِسْلَامِهِ أَرَأَيْت إذَا زَعَمَ أَيْضًا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لم يَكُنْ له وَلَاؤُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ وَإِنْ كان لِلْكَافِرِ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كان لهم وَلَاؤُهُ فَكَيْفَ يَرِثُهُ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ بِأَنْ كان وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ مُسْلِمِينَ إذَا لم يَكُنْ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِمْ فَكَيْفَ يَرِثُونَهُ بِوَلَاءِ أَبِيهِمْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا في قَوْلِهِ كَأُسْوَةِ الْمُسْلِمِينَ في وَلَائِهِ وَكَيْفَ إذَا وَرِثُوهُ بِالْوَلَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إذَا كان كَافِرًا وَاَلَّذِي أَعْتَقَ كَافِرًا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَلَاءُ وقد أَحْرَزَهُ بَنُوهُ دُونَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وإذا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا له مُؤْمِنًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَكَذَلِكَ لو أَعْتَقَ مُؤْمِنٌ كَافِرًا وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمُ في الشَّكِّ في هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الذي أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَعْدُونَ أَبَدًا أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل دَلَالَةٌ في إبْطَالِ التَّسْيِيبِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وفي قَوْلِهِ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } فَنَسَبَهُمْ لِشَيْئَيْنِ إلَى الْآبَاءِ وَإِلَى الْوَلَاءِ كما نَسَبَهُمْ إلَى الْآبَاءِ نَسَبَهُمْ إلَى الْوَلَاءِ وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْتَ } وَلَوْ غَرَبَ على أَحَدٍ عِلْمُ هذا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل كان في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ دَلِيلٌ على أَنَّ الْمُسَيِّبَ وَالْمُؤْمِنَ يُعْتِقُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرَ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعْتِقِينَ فَيَكُونُ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنما الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ أو يَكُونُوا غير مَالِكِينَ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في أَنَّ من أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ لم يَكُنْ حُرًّا وَلَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ مُعْتِقِينَ - * الْخِلَافُ في السَّائِبَةِ وَالْكَافِرِ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ - *

(6/186)


فَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ دُونَهُ لم يَرْجِعْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ بِسَبَبِهِ فَالْوَلَاءُ له وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُ لِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَلْزَمُ قَائِلُ هذا الْقَوْلِ أَنْ يَسْأَلَ عن السَّائِبَةِ أَعْتَقَهَا مَالِكٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ قال لَا قِيلَ له فَلِمَ تُعْتَقْ السَّائِبَةُ وَلَوْ لم يُعْتِقْهَا مَالِكُهَا لم تُعْتَقْ وَيَلْزَمُهُ في الشَّبَهِ هذا في النَّصْرَانِيِّ مَالِكٌ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ قال النَّصْرَانِيُّ مَالِكٌ مُعْتَقٌ قِيلَ فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ قال لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ قال أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَرِثُهُ قِيلَ له وما لِلْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ فَإِنْ قال فَأَبِنْ أَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِيرَاثُهُ ثَبَتَ له الْوَلَاءُ عليه قِيلَ نعم أَرَأَيْت لو قَتَلَهُ مَوْلَاهُ أَيَرِثُهُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ له أَفَيَزُولُ وَلَاؤُهُ عنه فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما أَزَالَ الْمِيرَاثَ لَا يُزِيلُ الْوَلَاءَ فَإِنْ قال أَمَّا هَا هُنَا فَلَا قِيلَ فَكَيْفَ قُلْت هُنَاكَ ما قُلْت ما أَزَالَ الْمِيرَاثَ أَزَالَ الْوَلَاء وَقِيلَ له أما ( ( ( أنه ) ) ) رَأَيْت إذْ نَسَبَ اللَّهُ عز وجل إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى أبيه وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ بن نُوحٍ وهو كَافِرٌ إلَى أبيه نُوحٍ عليه السَّلَامُ أَرَأَيْته قَطَعَ الْأُبُوَّةَ بِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَيَرِثُ الْأَبُ ابْنَهُ وَالِابْنُ أَبَاهُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَتَنْقَطِعُ الْأُبُوَّةُ بِانْقِطَاعِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَكَيْفَ قَطَعْت الْوَلَاءَ ولم تَقْطَعْ النَّسَبَ وَهُمَا مَعًا سَبَبٌ إنَّمَا مُنِعَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وقد يُمْنَعُ بِأَنْ يَكُونَ دُونَهُ من يَحْجُبُهُ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ وَلَاءً وَلَا نَسَبًا وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ على قَائِلِ هذا الْقَوْلِ بِأَكْثَرَ من هذا وفي أَقَلَّ من هذا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * الْخِلَافُ في الْمُوَالِي - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَافَقَنَا بَعْضُ الناس في السَّائِبَةِ وَالْمُشْرِكِ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ فقال هذا الْقَوْلُ نَصُّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَنَا هَؤُلَاءِ من الْمَشْرِقِيِّينَ فَقَالُوا إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَلِلْمُسْلِمِ على يَدَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ وَهَكَذَا اللَّقِيطُ وَكُلُّ من لَا وَلَاءَ له يُوَالِي من شَاءَ وَيَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فيه فقال ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بن عُمَرَ حَدَّثَ عن بن مَوْهَبٍ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ على يَدَيْ رَجُلٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنت أَحَقُّ الناس بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ فَقِيلَ له إنْ كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا كُنْت قد خَالَفْته فقال وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَصَفْت يَدْخُلُ على من قال من أَهْلِ نَاحِيَتِنَا ما حَكَيْت وَأَكْثَرَ منه وَمِنْ مُخْتَصَرِ ما يَدْخُلُ عليه في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ } أَنَّهُ لَا بُدَّ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْطُلَ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ أو بَعْضُ أَمْرِهِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد ذَكَرَهُ مُبْطَلًا مع ما أَبْطَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ من الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ فَإِنْ قال يَبْطُلُ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ فَلَا يُجْعَلُ عِتْقُهُ عِتْقًا كما لَا تُجْعَلُ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ خَارِجَةً عن مِلْكِ مَالِكِيهَا فَهَذَا قَوْلٌ قد يَحْتَمِلُهُ سِيَاقُ الْآيَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل قد فَرَّقَ بين إخْرَاجِ الْآدَمِيِّينَ من مِلْكِ مَالِكِيهِمْ وَإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ فَأَجَزْنَا الْعِتْقَ في السَّائِبَةِ بِمَا أَجَازَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى من الْعِتْقِ وَأَمَرَ بِهِ منه وَلَمَّا أَجَزْنَا الْعِتْقَ في السَّائِبَةِ كنا مُضْطَرِّينَ إلَى أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الذي أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل من السَّائِبَةِ التَّسْيِيبَ وهو إخْرَاجُ الْمُعْتِقِ لِلسَّائِبَةِ وَلَاءَ السَّائِبَةِ من يَدَيْهِ فلما أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كان وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ مع دَلَائِلِ الْآيِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فِيمَا يُنْسَبُ فيه أَصْلُ الْوَلَاءِ إلَى من أَعْتَقَهُمْ

(6/187)


قال أنت أَحَقُّ الناس بِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ قال نعم قُلْت فما زَعَمْت ( 1 ) لَا يَدُلُّ على أَنَّ إسْلَامَ الْمَرْءِ على يَدَيْ الْمَرْءِ يُثْبِتُ له عليه ما يُثْبِتُ الْعِتْقُ على الْمُعْتِقِ لِلْمُعْتَقِ أَفَيَكُونُ له إذَا أَعْتَقَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قال لَا قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الحديث فَزَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ ما رضي بِهِ ولم يَنْتَقِلْ وإذا انْتَقَلَ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ عنه حتى يَعْقِلَ عنه أو رَأَيْت إذَا وَالَى فَكَانَ لو مَاتَ وَرِثَ الْمَوْلَى الْوَلَاءَ كَيْفَ كان له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ وقد ثَبَتَ الْوَلَاءُ عليه وَثَبَتَ له على عَاقِلَةِ الذي وَالَاهُ أَنْ يَعْقِلُوا عنه أو يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ في إسْلَامِ الْمَرْءِ على يَدَيْ غَيْرِهِ أو مُوَالَاتِهِ إيَّاهُ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُوَالَاةِ ما يَثْبُتُ بِالْعِتْقِ وما يَثْبُتُ من وَلَاءٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لم يَتَحَوَّلْ كما لَا يَتَحَوَّلُ النَّسَبُ أو يَكُونُ الْإِسْلَامُ وَالْمُوَالَاةُ لم يُثْبِتَا شيئا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من مَعَانِي النَّسَبِ وَلَا الْوَلَاءِ فَأَمَّا ما ذَهَبْت إلَيْهِ فَلَيْسَ وَاحِدًا من الْقَوْلَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّهُ ثَابِتٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ حتى يَعْقِلَ عنه أو رَأَيْت إنْ قالت الْعَاقِلَةُ لَا نَعْقِلُ عن هذا شيئا لِأَنَّ هذا لَا ذُو نَسَبٍ وَلَا مَوْلًى وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَنْتَقِلَ عنه فَاجْعَلْ لنا وَلِصَاحِبِنَا الذي وَالَاهُ الْخِيَارَ في أَنْ نَدْفَعَ وَلَاءَهُ فَالْمَوْلَى من أَعْلَى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ هذا له من الْمَوْلَى من أَسْفَلُ ما تَقُولُ له وَإِنْ جَازَ هذا لَك جَازَ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ لِلْأَعْلَى وَلَا يَجْعَلُهُ لِلْأَسْفَلِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْكُمَا أَرَأَيْت وَلَدًا إنْ كَانُوا لِلْمُسْلِمِ على يَدَيْ الرَّجُلِ وَكَانُوا لَا وَلَاءَ لهم أَيَجُرُّ ولاءهم ( ( ( ولاؤهم ) ) ) كما يَجُرُّهُ الْمُعْتِقُ لِلْأَبِ إذَا أَعْتَقَ قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فَقُلْهُ قال فإذا يَتَفَاحَشُ علي فَأَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ جَرَّ الْوَلَاءُ وإذا انْتَقَلَ بِهِ انْتَقَلَ وَلَاؤُهُ وَيَتَفَاحَشُ في أَنْ أَقُولَ قد كان لهم في أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ الذي له فَإِنْ قُلْت يَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَهُمْ قَطَعْت حُقُوقَهُمْ في أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قُلْت بَلْ لهم في أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ ما له زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ وَلِذَلِكَ أَقُولُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ قُلْت وَيَدْخُلُ عَلَيْك فيه أَفْحَشَ من هذا قال قد أَرَى ما يَدْخُلُ فيه أَثَابِتٌ الْحَدِيثُ قُلْت لَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ وَأَنَّ بن مَوْهَبٍ رَجُلٌ ليس بِالْمَعْرُوفِ بِالْحَدِيثِ ولم يَلْقَ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وهو غَيْرُ ثَابِتٍ من وَجْهَيْنِ وقد قُلْت في اللَّقِيطِ بِأَنَّ عُمَرَ قال لِمَنْ الْتَقَطَهُ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ قُلْت أنت تَقُولُ في اللَّقِيطِ أَنَّهُ يُوَالِي من شَاءَ قال نعم إنْ لم يُوَالِ عنه السُّلْطَانُ وإذا وَالَى عنه السُّلْطَانُ فَهَذَا حُكْمٌ عليه قُلْت أَفَتُثْبِتُ عليه مُوَالَاةَ السُّلْطَانِ فَلَا يَكُونُ له إذَا بَلَغَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ أو يَكُونَ له الِانْتِقَالُ بِوَلَائِهِ إذَا بَلَغَ قال فَإِنْ قُلْت بَلْ له الِانْتِقَالُ بِوَلَائِهِ كما يَكُونُ له أَنْ يُوَالِيَ ثُمَّ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فقلت ( ( ( قلت ) ) ) له فَمُوَالَاةُ السُّلْطَانِ إذًا عنه غَيْرُ حُكْمٍ عليه قال نعم وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُكْمًا عليه قُلْت الْمَسْأَلَةُ عَلَيْك لِأَنَّك بها تَقُولُ قال ما يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا على الْمُتَقَدِّمِ من الْخُصُومَةِ وما هَا هُنَا مُتَقَدِّمٌ من خصومة قُلْت فَقُلْ ما شِئْت قال فإذا قُلْت فَهُوَ حُكْمٌ قُلْت فَقَدْ رَجَعْت إلَى أَنْ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا على الْمُتَقَدِّمِ من خُصُومَةٍ وما ها هنا مُتَقَدِّمٌ من خُصُومَةٍ قال فَلَا أَقُولُهُ وَأَقُولُ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت ما رَوَيْت عن عُمَرَ وَلَا أَسْمَعُك تَصِيرُ إلَى شَيْءٍ إلَّا خَالَفْته قال فِيمَ تَرَكْت الْحَدِيثَيْنِ قُلْت بِالدَّلَالَةِ في السَّائِبَةِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَبْطُلَ التَّسْيِيبُ وَيَثْبُتَ الْعِتْقُ وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وما جَامَعْتنَا عليه في النَّصْرَانِيِّ بِمَعْنَى كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَنَصُّ سُنَّةِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَمَّا يَلْزَمُك فِيمَا جَامَعْتنَا عليه في النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مُعْتِقٌ فَلَزِمْت فِيهِمَا مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ اضْطَرَبَ قَوْلُك فَزَايَلْت مَعْنَاهُمَا قال ذَهَبْت إلَى حَدِيثٍ ثَبَتَ قُلْت أَمَّا الذي رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَأَمَّا الذي رَوَيْت عن عُمَرَ فَلَوْ ثَبَتَ لم يَكُنْ في أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مع أَنَّهُ ليس بين أَنْ يَثْبُتَ وفي قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مَعْنَيَانِ بَيِّنَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَزُولُ عَمَّنْ أَعْتَقَ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا لِمُعْتِقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ
____________________

(6/188)


الْوَلَاءُ لِغَيْرِ مُعْتِقٍ وَذَلِكَ أَنَّ من قال إنَّمَا أَرَدْت كَذَا فَقَدْ بَيَّنَ ما أَرَادَ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ أَرَادَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ إنَّمَا وَقَعْت بهذا الْمَعْنَى فَأَخَذْت بِأَحَدِ معني ( ( ( معنيي ) ) ) الحديث وَتَرَكْت الثَّانِي وَهَذَا ليس لَك وَلَا لِأَحَدٍ مع أنا وَإِيَّاكَ لَا نَخْتَلِفُ في أَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ من الْأَنْسَابِ لَا يَزُولُ قال أَجَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت رَجُلًا لَا أَبَ له وَلَا وَلَاءَ أَلَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى رَجُلٍ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا قال لَا يَجُوزُ النَّسَبُ إلَّا بِفِرَاشٍ أو في مَعْنَى فِرَاشٍ من الشَّبَهِ فإذا لم يَكُنْ فِرَاشٌ وَلَا مَعْنَى فِرَاشٍ وَذُكِرَا أَنَّهُمَا يَتَرَاضَيَانِ بِالنَّسَبِ فَلَا نَسَبَ قُلْت وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَنْفِيَ من وَلَدِ على فِرَاشِهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَنْفِيُّ قال لَا يَكُونُ ذلك لَهُمَا قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ من الْفِرَاشِ وَنَفْيَهُ من الْفِرَاشِ لِلنَّافِي وَلِلْمَنْفِيِّ وَغَيْرِهِمَا سي ( ( ( سيان ) ) ) فَيَكُونُ لِلْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ وَلِعَشِيرَتِهِ فيه حَقٌّ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عنه وَيَعْقِلُ عَنْهُمْ وَلَوْ جَازَ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ لم يَجُزْ على غَيْرِهِ مِمَّنْ له حَقٌّ في مِيرَاثِهِ وَعَقْلِهِ قال نعم قُلْت أَفَكَذَلِكَ تَجِدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ قال سَوَاءٌ قُلْت فَكَيْفَ لم تَقُلْ هذا في الْمَوْلَى الْمُوَالِي فَلَا تُثْبِتُهُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ له بِهِ الْحَقُّ على عَشِيرَتُهُ مِمَّنْ وَالَاهُ أَنْ يَعْقِلُوا عنه وَكَمَا لم يَزُلْ عَنْهُمْ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ أو يَثْبُتُ لهم عليه مِيرَاثٌ فَلَا تُعْطِيهِمْ وَلَا تَمْنَعُ منهم إلَّا بِأَمْرٍ ثَابِتٍ لِأَنَّ في ذلك حُكْمًا عليهم وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كان ولم يَكُنْ وَلَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كان ولم يَكُنْ قال وَذَكَرْت له غير هذا مِمَّا في هذا كِفَايَةٌ عنه قال فإن من أَصْحَابِك من وَافَقَك في الذي خَالَفْنَاك فيه من اللَّقِيطِ وَالْمَوَالِي وقال فيه قَوْلُك وَخَالَفَك في الذي وَافَقْنَاك فيه من السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قُلْت أَجَلْ وَحُجَّتُنَا عليه كَهِيَ عَلَيْك أو أَوْضَحُ لِأَنَّك قد ذَهَبْت إلَى شُبْهَةٍ لَا يَعْذُرُك بها أَهْلُ الْعِلْمِ وَيَعْذُرُك بها الْجَاهِلُ وَهُمْ لم يَذْهَبُوا إلَى شُبْهَةٍ يَعْذُرُ بها جَاهِلٌ وَلَا عَالِمٌ وَمُوَافَقَتُك حَيْثُ وَافَقْتنَا حُجَّةٌ عَلَيْك وَمُوَافَقَتُهُمْ حَيْثُ وَافَقُونَا حُجَّةٌ عليهم وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ من مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا في أَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمِينَ عَلِمُوا الْأُصُولَ فَكَانَ عليهم أَنْ يُتْبِعُوهَا الْفُرُوعَ فإذا زَيَّلُوا بين الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَأَخْرَجُوا الْفُرُوعَ من مَعَانِي الْأُصُولِ كَانُوا كَمَنْ قال بِلَا عِلْمٍ أو أَقَلَّ عُذْرًا منه لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا ما يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ عِلْمٍ بِهِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ مَعًا فَإِنْ قال قد يَغْبَوْنَ فِعْلَهُمْ قُلْت وَمَنْ غَبِيَ عنه مِثْلُ هذا الْوَاضِحِ كان حقا ( ( ( حقه ) ) ) عليه أَنْ لَا يُعَالِجَ الْفُتْيَا لِأَنَّ هذا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فيه أَحَدٌ لِوُضُوحِهِ - * تَفْرِيعُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّائِبَةُ إذَا كانت من الْإِبِلِ كَالْبَحِيرَةِ وَهَكَذَا الرَّقِيقُ إذْ أَخْرَجَهُمْ مَالِكُهُمْ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ كَالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمْ بِعِتْقٍ أو كِتَابَةٍ فَإِنَّهَا من أَسْبَابِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا قال اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } فَكَانَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ } الْآيَةَ دَلَالَةً على ما جَعَلَ اللَّهُ لَا على ما جَعَلْتُمْ وكان دَلِيلًا على أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ لَا يَنْفُذَ ما جَعَلْتُمْ وَكَانَتْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ من الْبَهَائِمِ التي لَا يَقَعُ عليها عِتْقٌ وكان مَالِكُهَا أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكِ آدَمِيٍّ مِثْلُهُ وَكَانَتْ الْأَمْوَالُ لَا تَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ كان الْمَرْءُ إذَا أَخْرَجَ من مِلْكِهِ شيئا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ أو غَيْرِ عَيْنِهِ كَمَنْ لم يُخْرِجْ من مِلْكِهِ شيئا وكان ثَابِتًا عليه كما كان قبل إخْرَاجِهِ وكان أَصْلُ هذا الْقَوْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَكُلُّ من أَخْرَجَ من مِلْكِهِ شيئا من بَهِيمَةٍ أو مَتَاعٍ أو غَيْرِهِ غير الْآدَمِيِّينَ فقال قد أَعْتَقْت هذا أو قد قَطَعْت مِلْكِي عن هذا أو وَهَبْت هذا أو بِعْته أو تَصَدَّقْت بِهِ ولم يُسَمِّ من وَهَبَهُ له وَلَا بَاعَهُ إيَّاهُ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ عليه بِعَيْنٍ وَلَا صِفَةٍ كان قَوْلُهُ بَاطِلًا وكان في مِلْكِهِ كما كان قبل أَنْ يَقُولَ ما قال ولم يَخْرُجْ من مِلْكِهِ ما كان حَيًّا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آدَمِيٍّ يُعَيِّنُهُ أو يَصِفُهُ حِين أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ خَارِجًا من مِلْكِهِ إلَّا وَمَالِكٌ له مَكَانُهُ لَا بَعْدَ ذلك بِطَرْفَةِ عَيْنٍ

(6/189)


الْعِتْقِ وما كان من سَبَبِ عِتْقٍ كان مُخَالِفًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لم يَأْمُرْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ بِكَفَّارَةٍ إذَا بَطَلَ النَّذْرُ وَالْمَعْصِيَةُ في هذا الحديث أَنْ تَنْحَرَ الْمَرْأَةُ نَاقَةَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أنها مِمَّا لَا تَمْلِكُ فَلَوْ أَنَّ امرءا نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ رَجُلٍ لم يَكُنْ عليه عِتْقُهُ وَكَذَلِكَ أَنْ يُهْدِيَ شيئا من مَالِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما نَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ مِمَّا لَا طَاعَةَ في فِعْلِهِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا عليه كَفَّارَةٌ بِتَرْكِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِأَبِي إسْرَائِيلَ وهو قَائِمٌ في الشَّمْسِ فقال ما له فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يُكَلِّمَ أَحَدًا وَيَصُومَ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَسْتَظِلَّ وَيَقْعُدَ وَيُكَلِّمَ الناس وَيُتِمَّ صَوْمَهُ ولم يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ - * الْخِلَافُ في النَّذْرِ في غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال قَائِلٌ في رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ قال يَذْبَحُ كَبْشًا وقال آخَرُ يَنْحَرُ مِائَةً من الْإِبِلِ وَاحْتَجَّا فيه مَعًا بِشَيْءٍ يُرْوَى عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُقَالُ لِقَائِلِ هذا وَكَيْفَ يَكُونُ في مِثْلِ هذا كَفَّارَةٌ فقال اللَّهُ عز وجل يقول في الْمُتَظَاهِرِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } وَأَمَرَ فيه بِمَا رَأَيْت من الْكَفَّارَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا أَرَأَيْت إذَا كان كِتَابُ اللَّه عز وجل يَدُلُّ على إبْطَالِ ما جَعَلَ لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فيه من الْبَحِيرَةِ ولم يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ وَكَانَتْ السُّنَنُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مِثْلِ ذلك من إبْطَالِ النَّذْرِ بِلَا كَفَّارَةٍ وكان في قَوْلِهِ لَا نَذْرَ دَلَالَةٌ على أَنَّ النَّذْرَ لَا شَيْءَ إذَا كان في مَعْصِيَةٍ وإذا كان لَا شَيْءَ كان كما لم يَكُنْ وَلَيْسَ في أَحَدٍ من بَنِي آدَمَ قال قَوْلًا يُوجَدُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُ ذلك الْقَوْلِ حُجَّةٌ قال وَقُلْت له كان من طَلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِيَةِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الْإِيلَاءِ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَفِيئُوا أو يُطَلِّقُوا وَحَكَمَ في الظِّهَارِ بِكَفَّارَةٍ وَجَعَلَهَا مُؤَقَّتَةً ولم يَحْكُمْ بِكَفَّارَةٍ إلَّا وَقْتَهَا وَوَقَّتَ من يُعْطَاهَا أو دَلَّ عليها ثُمَّ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ كما شَاءَ فَجَعَلَ في الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ عِتْقِ الرَّقَبَةِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ وزاد في الظِّهَارِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَجَعَلَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الذي يُصِيبُ أَهْلَهُ في رَمَضَانَ وَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أو كِسْوَتِهِمْ أو تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وقال عز وجل { فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ } فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اللَّهِ عز وجل بِأَنَّ الصَّوْمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ نَذْرًا فَأَبْطَلَهَا اللَّهُ عز وجل فَفِي هذا لِغَيْرِهِ دَلَالَةٌ أَنَّ من نَذَرَ ما لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فيه لم يَبَرَّ نَذْرُهُ ولم يُكَفِّرْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْطَلَهُ ولم يذكر أَنَّ عليه فيه كَفَّارَةً وَالسُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَاءَتْ بِمِثْلِ الذي جاء بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بن عبد الْمَجِيدِ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ وكان الثَّقَفِيُّ سَاقَ هذا الحديث فقال نَذَرَتْ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ انْقَلَبَتْ على نَاقَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ

(6/190)


ثَلَاثٌ وَالْإِطْعَامَ سِتَّةُ مَسَاكِينَ فَرْقًا من طَعَامٍ وَالنُّسُكَ شَاةٌ فَكَانَتْ الْكَفَّارَاتُ تَعَبُّدًا وَخَالَفَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهَا كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أَفَتَجِدُ ما ذَهَبْت إلَيْهِ من الرَّجُلِ يُنْذِرُ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ في شَيْءٍ من مَعْنَى كتاب ( ( ( باب ) ) ) اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونَ مُؤَقَّتًا في كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو تَجِدُ بِأَنَّ مِائَةَ بَدَنَةٍ أو كَبْشًا كَفَّارَةٌ لِشَيْءٍ إلَّا في الْمِثْلِ الذي يَكُونُ فيه الْكَبْشُ مَثَلًا وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَالْجَدْيُ وَالْبَقَرَةُ من الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ أَفَتَجِدُ الْكَبْشَ ثَمَنًا لِإِنْسَانٍ أو كَفَّارَةٌ إلَّا وهو مِثْلُ ما أُصِيبَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ من أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْمُوَلَّدِ الذي يُدْعَى فُلَانَ بن فُلَانٍ أَنِّي أَعْتَقْتُك رَجَاءَ رِضَا اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَطَلَبَ ثَوَابِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ عَقِبِك بَعْدَك شَهِدَ وَإِنْ كان أَعْجَمِيًّا وَصَفَهُ بِصِفَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ وَإِنْ كان خَصِيًّا كَتَبَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْخَصِيِّ الذي يُدْعَى فلان ( ( ( فلانا ) ) ) وَيَصِفُهُ بِجِنْسِهِ وَهَيْئَتِهِ إنِّي أَعْتَقْتُك وَأَخْرَجْتُك من مَالِي وَمِنْ مِلْكِي رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلَاؤُك وَلِعَقِبِي من بَعْدِي شَهِدَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ له عَقِبٌ وَإِنْ كانت جَارِيَةٌ كَتَبْت لها كما كَتَبْت لِلْخَصِيِّ وَإِنْ كان وَلَاءُ عَقِبِهَا يَكُونُ له من الْمَمْلُوكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ وَلِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ لَمَّا رَأَيْت الظِّهَارَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَجَعَلَ فيه كَفَّارَاتٍ قِسْت الْمُنْكَرَ وَالزُّورَ من كل شَيْءٍ فَجَعَلْت فيه كَفَّارَةً قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فما تَقُولُ فِيمَنْ شَهِدَ بِزُورٍ أَيَكْفُرُ وما تَقُولُ فِيمَنْ أَرْبَى في الْبَيْعِ أو بَاعَ حَرَامًا أَيَكْفُرُ وما تَقُولُ فِيمَنْ ظَلَمَ مُسْلِمًا أَيَكْفُرُ فَإِنْ قال نعم فَهَذَا خِلَافُ ما لَقِينَا من أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ قال لَا قِيلَ قد تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك وَقَوْلِك فإذا جَعَلْته قِيَاسًا فَيَلْزَمُك أَنْ تَقِيسَهُ على شَيْءٍ من الْكَفَّارَةِ ثُمَّ تَجْعَلَ فيه من الْكَفَّارَةِ كما تَجْعَلُ في الذي قِسْته وَأَنْتَ لم تَجْعَلْهُ أَصْلًا وَلَا قِيَاسًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فأجعله أَصْلًا الْقَوْلُ الذي قَالَهُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فيه فَأَيُّهَا الْأَصْلُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَةٌ بِإِبْطَالِهِ كما وَصَفْنَا وَلَا حُجَّةَ مع السُّنَّةِ - * إقْرَارٌ بِنِكَاحٍ مَفْسُوخٍ - * ( قال الرَّبِيعُ ) من هَا هُنَا أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا الْكِتَابَ شَهِدَ شُهُودُ هذا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ وَفُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ أَشْهَدَاهُمْ في صِحَّةٍ من أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَجَوَازٍ من أُمُورِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا أَنَّ فُلَانَ بن فُلَانٍ الزَّوْجَ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وكان الذي وَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا من وُلَاتِهَا فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ الذي زَوَّجَهَا وكان من شُهُودِ هذه الْعُقْدَةِ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ وكان الصَّدَاقُ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ شُهُودِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأَنَّ الزَّوْجَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ تَصَادَقَا وَأَقَرَّا عِنْدَ شُهُودِ هذا الْكِتَابِ أَنَّهُمَا قد أَثْبَتَا أَنَّ هذه الْعُقْدَةَ من النِّكَاحِ الذي وَصَفْت في هذا الْكِتَابِ وَشُهُودَهَا وَشُهُودَ مَهْرِهَا كانت يوم وَقَعَتْ وَفُلَانَةُ في عِدَّةٍ من وَفَاةِ زَوْجِهَا فُلَانُ بن فُلَانٍ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا منه فَكَانَ نِكَاحُهَا مَفْسُوخًا فَلَا نِكَاحَ بين فُلَانٍ وَفُلَانَةَ حتى يُجَدِّدَا نِكَاحًا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ فُلَانَةَ وَلَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ في صَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ شَهِدَ على ذلك - * وَضْعُ كِتَابِ عِتْقِ عَبْدٍ - *

(6/191)


عَقِبِك من بَعْدِك وقد لَا يَكُونُ له وَلَاءُ عَقِبِهَا إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ هذا في الرَّجُلِ الذي له وَلَاءُ عَقِبِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ لم يَكْتُبْ هذا في الرَّجُلِ كان له وَكَذَلِكَ يَكُونُ له في الْجَارِيَةِ من الْمَمْلُوكِ فَإِنْ شَحَّ على هذا فَأُحِبُّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَجُوزُ منه في قَوْلِ كل أَحَدٍ كَتَبَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ من أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكَتِهِ فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ وَيَصِفُهَا إنِّي أَعْتَقْتُك طَلَبَ ثَوَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَلَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ في رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي من بَعْدِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ كل عَقِبٍ كان لَك من مَمْلُوكٍ قال وقد اخْتَلَفَ الناس فقال بَعْضُهُمْ إذَا وَلَدَتْ من مَمْلُوكٍ ثُمَّ عَتَقَ جَرَّ الْوَلَاءُ وَبِهَذَا نَقُولُ وقال غَيْرُنَا الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِأَهْلِ الْأُمِّ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَزِيدَ في الْكِتَابِ على الْأُمِّ على ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * كِرَاءُ الدُّورِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بْن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ إنِّي آجَرْتُك الدَّارَ التي بِالْفُسْطَاطِ من مِصْرَ في مَوْضِعِ كَذَا من قَبِيلَةِ كَذَا أَحَدُ حُدُودِ هذه الدَّارِ التي أَجَرْتُك يَنْتَهِي إلَى كَذَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَجَرْتُك جَمِيعَ هذه الدَّارَ بِأَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَمَرَافِقِهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا أَوَّلُ هذه الشُّهُورِ الْمُحَرَّمُ من سَنَةِ كَذَا وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ من سَنَةِ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا صِحَاحًا مَثَاقِيلَ ( 1 ) خَلْقَانِ جِيَادًا وَازِنَةً أَفْرَادًا وَدُفِعَتْ إلَيَّ هذه الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا وَافِيَةً وَبَرِئْت إلَيَّ منها وَدَفَعْت إلَيْك هذه الدَّارَ الْمَوْصُوفَةَ في هذا الْكِتَابِ في هِلَالِ الْمُحَرَّمِ من سَنَةِ كَذَا بعد ما عَرَفْت أنا وَأَنْتَ جَمِيعَ ما فيها وَلَهَا من بِنَاءٍ وَمَرَافِقَ وَوَقَفْنَا عليه فَهِيَ بِيَدِك بهذا الْكِرَاءِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ هذه الْمُدَّةُ تَسْكُنُهَا بِنَفْسِك وَأَهْلِك وَغَيْرِهِمْ وَتُسْكِنُهَا من شِئْت وَلَيْسَ لَك أَنْ تُسْكِنَهَا رَحَا دَابَّةٍ وَلَا عَمَلَ حَدَّادٍ وَلَا قَصَّارٍ وَلَا سُكْنَى تَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَلَا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ وَلَك الْمَعْرُوفُ من سَكَنِ الناس وَاسْتَأْجَرْتُك أَنْ تُخْرِجَ جَمِيعَ ما في ثَلَاثَةِ آبَارٍ مُغْتَسَلَاتٍ في هذه الدَّارِ وَهِيَ الْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا من الدَّارِ وَالْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَالْبِئْرُ التي في مَوْضِعِ كَذَا بعد ما رَأَيْت أنا وَأَنْتَ تِلْكَ الْآبَارَ وَعَرَفْنَا أَنَّ طُولَ الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا ذَاهِبَةٌ في الْأَرْضِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مَمْدُودَةٍ وَأَنَّ في تِلْكَ الْبِئْرِ مَحَلُّ مُجْتَمَعِ آبَارٍ مُغْتَسَلَاتٍ من خَلَاءٍ وَمَاءٍ وَشَيْءٍ إنْ خَالَطَهُ عَبْرَةُ ثَمَانِ أَذْرُعٍ وَأَنَّ في الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَتَصِفُهُ كما وَصَفْت هذا وفي الْبِئْرِ التي في مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَتُخْرِجُ جَمِيعَ ما في هذه الْآبَارِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذَكَرْنَا في هذا الْكِتَابِ منها وتنحيه ( ( ( وتنحي ) ) ) عن دَارِي حتى تُوفِيَنِيهَا أَرْضًا لَا شَيْءَ فيها مِمَّا في آبَارِ الْمُغْتَسِلَاتِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَازِنَةً جيادا ( ( ( وجيادا ) ) ) وَدَفَعْتهَا إلَيْك وَبَرِئْت إلَيْك منها وَضَمِنْت لي ما وَصَفْت في هذا الْكِتَابِ حتى تُوفِيَنِيهَا كما ضَمِنْت لي في انْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ من سَنَةِ كَذَا وَكَذَا شَهِدَ وَإِنْ خِفْت أَنْ يَنْتَقِضَ الْكِرَاءُ فإن الْعِرَاقِيِّينَ يَنْقُضُونَهُ بِالْعَدَدِ فإذا أَجَرْته سَنَةً كَتَبْت أَجَرْته سَنَةً أَوَّلُهَا شَهْرُ كَذَا وَآخِرُهَا شَهْرُ كَذَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا منها شَهْرُ كَذَا أَوَّلُ الشُّهُورِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَتُسَمِّيهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَ عَبْدٍ - * هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ من فُلَانِ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ صَحِيحَا الْأَبْدَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزَا الْأَمْرِ في أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا اشْتَرَى منه غُلَامًا مَرْبُوعًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَعَيْنَ أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَزَجَّ حُلْوًا يُسَمَّى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا خَلْقَانَ وَازِنَةً أَفْرَادًا بعد ما عَرَفَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ هذا الْعَبْد

(6/192)


بِعَيْنِهِ وَرَأَيَاهُ مَعًا وَقَبَضَ فُلَانٌ هذا الْعَبْدَ من فُلَانٍ وَقَبَضَ فُلَانٌ هذا الثَّمَنَ من فُلَانٍ وَافَيَا بعد ما تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ من الْمَوْضِعِ الذي تَبَايَعَا فيه بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا بِالْبَيْعِ وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ في هذا الْعَبْدِ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا دَاءٌ وَلَا غَائِلَةٌ وَلَا عَيْبٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَلَا شَيْنٌ فما أَدْرَكَ فُلَانًا في هذا الْعَبْدِ أو في شَيْءٍ منه من تَبَاعَةٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذلك لِفُلَانٍ حتى يُسَلِّمَهُ له كما بَاعَهُ إيَّاهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ ثَمَنَهُ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ - * شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ - * هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ من فُلَانِ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ اشْتَرَى منه غُلَامًا أَمْرَدَ بَرْبَرِيًّا مَرْبُوعًا حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَعَيْنَ أَزَجَّ حُلْوًا يُدْعَى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ جِيَادًا وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هذا الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ إلَى فُلَانٍ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ منه وَدَفَعَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ هذا الثَّمَنَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ وَبَرِئَ إلَيْهِ منه وَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا وَتَقَابُضِهِمَا وَمَعْرِفَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا بَاعَ وَاشْتَرَى شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا صَحِيحَا الْعَقْلِ وَالْأَبْدَانِ جَائِزَا الْأَمْرِ يوم تَبَايَعَا هذا الْعَبْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا في هذا الْكِتَابِ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا شَهِدَ على ذلك فُلَانٌ وَفُلَانٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اشْتَرَى فَلَهُ عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ له شَيْنٌ وَلَا عَيْبٌ وَلَا دَاءٌ وَلَا شَيْءٌ يَنْقُصُ من ثَمَنِ الْعَبْدِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَهُ الْخَلَاصُ أو يَرُدُّ عليه الثَّمَنَ وَافِيًا وَسَوَاءٌ شَرَطَ هذا أو لم يَشْرُطْهُ إنَّمَا الشَّرْطُ احْتِيَاطًا لِجَهَالَةِ الْحُكَّامِ وَلَوْ تَرَكَ أَيْضًا إشْهَادَهُمَا بِصِحَّتِهِمَا في أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَإِجَازَةِ أُمُورِهِمَا في أَمْوَالِهِمَا كان هذا على الصِّحَّةِ حتى يَعْلَمَ غَيْرَهَا وَلَيْسَ مِمَّا يُحِبُّ تَرْكُهُ وَلَوْ تَرَكَ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا ما ضَرُّهُ لِأَنَّهُمَا إذَا جَاءَا بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمٍ أو أَكْثَرَ فَقَدْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ تَامٌّ على التَّرَاضِي حتى يَنْقُضَاهُ وَلَوْ تَرَكَ وَبَرِئَ إلَيْهِ من الثَّمَنِ ما ضَرَّهُ إذَا كَتَبَ دَفَعَ وَلَوْ تَرَكَ التَّارِيخَ في الْبَيْعِ ما ضَرَّهُ غير أَنِّي لَا أُحِبُّ في كِتَابِ الْعُهْدَةِ شيئا تَرْكُهُ احْتِيَاطًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا وَأَقَلُّ ما يُجْزِئُ في كِتَابِ الْعُهْدَةِ ذِكْرُ صِفَةِ الْمُشْتَرِي وَذِكْرُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُمَا ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ كُلُّ شَرْطٍ سَمَّيْنَاهُ وَإِنْ لم يَشْرُطْهُ وَهَكَذَا يُكْتَبُ شِرَاءُ الْأَمَةِ وَسَوَاءٌ صَغِيرُ الْعَبِيدِ وَإِمَائِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَمُوَلَّدِهِمْ يُوصَفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِجِنْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَيُقَالُ مَوْلِدٌ إنْ كان مُوَلَّدًا وَهَكَذَا في شِرَاءِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ عِرَابِهَا وَهُجْنِهَا وَبَرَاذِينِهَا وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِ ذلك من الْحَيَوَانِ وَيَصِفُ الْفَرَسَ بِشِيَتِهِ وَيُقَالُ اشْتَرَى منه فَرَسًا كُمَيْتًا أَحْمَرَ أَغَرَّ سَائِلَ الْغُرَّةِ مُحَجَّلًا إلَى الرُّكَبِ مَرْبُوعًا وَثِيقَ الْخَلْقِ نَهْدَ الْمُشَاشِ حَدِيدَ الْأَسَاطِينِ مُسْتَدِيرَ الْكِفْلِ مُشْرِقَ الْهَادِي مَحْسُومَ الْأُذُنِ رُبَاعَ جَانِبٍ وَقَارِحَ جَانِبِهِ الْآخَرِ من الْخَيْلِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ من نِتَاجِ بَلْدَةِ كَذَا ثُمَّ يَسُوقُ الْكِتَابَ في دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْفَرَسِ وَالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ كما وَصَفْت في شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَالْعُهْدَةُ كما وَصَفْت في شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَإِنْ كان اشْتَرَى منه بَعِيرًا كَتَبَ اشْتَرَى منه بَعِيرًا من النَّعَمِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ أَصْهَبَ جَسِيمًا بَازِلًا عليه عَلَمُ بَنِي فُلَانٍ مَوْضِعَ كَذَا وَثِيقَ الْخَلْقِ أَهْدَلَ الْمِشْفَرِ دَقِيقَ الْخَطْمِ ضَخْمَ الْهَامَةِ وَإِنْ كان له صِفَةٌ غَيْرُ هذا بُيِّنَتْ صِفَتُهُ ثُمَّ تَسُوقُ الْكِتَابَ كما سُقْته في الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَإِنَّمَا قُلْت من النَّعَمِ التي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلَانٍ ولم أَقُلْ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ احْتِرَاسًا من تَبَاعَةِ بَنِي فُلَانٍ وَاحْتِيَاطًا على الْحَاكِمِ وَكِتَابُ كل ما بِيعَ من الْحَيَوَانِ كَكِتَابِ الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ فإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ منه فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمُشْتَرِي يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ في النِّصْفِ الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا أَقَلُّ ما أَعْرِفُهُ بَيِّنًا من كُتُبِ الْعُهْدَةِ

(6/193)


ابْتَاعَ منه وَلَوْ طَلَبَ الذي له نِصْفُ الْعَبْدِ الشُّفْعَةَ في الْعَبْدِ لم أَرَ له فيه شُفْعَةً فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لَا تَجْعَلُ الشُّفْعَةَ في كل شَيْءٍ قِيَاسًا على الشُّفْعَةِ في الْأَرَضِينَ قِيلَ له لَمَّا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لي أَنْ أَكُونَ مَالِكًا مَعَك وَلَا يَكُونُ لَك إخْرَاجِي من مِلْكِي بِقِيمَةِ مِلْكِي وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِأَقَلَّ من قِيمَتِهِ وَلَا لي ذلك عَلَيْك وَتَمُوتُ فَيَرِثُك وَلَدُك أو غَيْرُهُمْ فَلَا يَكُونُ لي إخْرَاجُهُمْ من حُقُوقِهِمْ التي مَلَكُوهَا عَنْك بِشَيْءٍ وَلَا يَكُونُ لهم إخْرَاجِي بِشَيْءٍ وَتَهَبُ نَصِيبَك فَلَا يَكُونُ إلي إخْرَاجِ من وَهَبْت له من نَصِيبِك الذي مُلِكَ عَنْك بِشَيْءٍ إلَّا بِرِضَاهُ وَقَالُوا ذلك في كل مِلْكٍ مَلَكَهُ رَجُلٌ عن آخَرَ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ في كل ما يَمْلِكُ لم يَسْتَثْنُوا أَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشُّفْعَةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةً بَيِّنَةً على أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَا يُقْسَمُ شَيْءٌ بِذَرْعِ وَقِيمَةٍ وَيُحَدَّدُ ( 1 ) الْأُصُولُ وَالْبِنَاءُ على الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عليها فَاقْتَصَرْنَا بِالشُّفْعَةِ على الْأَرْضِ وما له أَرْضٌ خَاصَّةً فَكَانَ الْعَبِيدُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ ما جَاوَزَ الْأَرَضِينَ وما له أَرْضٌ من غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ خَارِجًا من السُّنَّةِ في الشُّفْعَةِ مَرْدُودًا على الْأَصْلِ أَنَّ من مَلَكَ شيئا عن غَيْرِهِ تَمَّ له مِلْكُهُ ولم يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ منه إلَّا بِرِضَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * بيع البراءة - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا ولم يَتَبَرَّأْ من عَيْبٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظَهَرَ منه على عَيْبٍ فقال الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ كان هذا الْعَيْبُ عِنْدَك وقال الْبَائِعُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك فَإِنْ كان الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا يُخْلَقُ مع الْإِنْسَانِ أو الْأَثَرِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ التي تَبَايَعَا فيها فَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ على الْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ إذَا قال رَجُلَانِ عَدْلَانِ من أَهْلِ الصِّنَاعَةِ التي فيها الْعَيْبُ هذا عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كان قد يَحْدُثُ مِثْلُ ذلك الْعَيْبُ فَالشِّرَاءُ تَامٌّ وَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ نَقْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِبَيِّنَةٍ عليه بِأَنَّهُ كان عِنْدَهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ من الْبَائِعِ وَإِمَّا بِأَنْ رَآهُ الشَّاهِدَانِ في الْعَبْدِ فَيَرُدُّ بِلَا يَمِينٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي أَذْهَبُ إلَيْهِ من الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ أَنَّ من بَاعَ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ بريء من كل عَيْبٍ إلَّا عَيْبًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ من الْمُشْتَرِي وقد عَلِمَهُ كما قَضَى عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قال لم أَعْلَمْ وقد بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ ما عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ وقد خَالَفَنَا في هذا غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِقَوْلِنَا كَتَبَ أو يَكْتُبُ وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بن فُلَانٍ الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ في هذا الْكِتَابِ الذي اشْتَرَاهُ منه وَقَبَضَهُ فُلَانٌ بعد ما تَبَرَّأَ إلَيْهِ فُلَانُ بن فُلَانٍ من كل عَيْبٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فيه وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَسْتَأْنِفَ كِتَابَ وَثِيقَةٍ إلَّا على ما يُجِيزُهُ جَمِيعُ الْحُكَّامِ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهَا وقد كان من الْحُكَّامِ من يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ وَبَرِئَ إلَيْهِ فُلَانٌ من مِائَةِ عَيْبٍ بهذا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَبَرَّأْته من مِائَةِ عَيْبٍ فَإِنْ زَادَتْ رَدَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ أَبْرَأَهُ من أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَ فيه فَلَيْسَ له رَدُّهُ بِعَيْبٍ دُونَ الْمِائَةِ وَمِنْ الْحُكَّامِ من لَا يُجِيزُ التَّبَرُّؤَ من عَيْبٍ كُتِمَ وَلَا عُلِمَ وَلَوْ سَمَّى له عَدَدًا فَوَجَدَ بِهِ ذلك الْعَدَدَ أو أَقَلَّ أَبَدًا إلَّا بِعَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ حتى يَكُونَ الْمُشْتَرِي قد رَآهُ وَعَرَفَهُ وَمَنْ أَوْثَقَ هذا أَنْ يَكْتُبَ وَبَرِئَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ من كل عَيْبٍ وَيَصِفُهُ إمَّا كَيٌّ وَإِمَّا أَثَرُ جُرْحٍ وَإِمَّا نَقْصٌ من خَلْقٍ وَإِمَّا زِيَادَةٌ فيه وَإِمَّا غَيْرُ ذلك من الْعُيُوبِ فَيَصِفُهُ بِعَيْنِهِ وَمَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكْتُبُ وَمِنْ كَذَا وَكَذَا عَيْبًا وَقَفَهُ عليها قد رَآهَا فُلَانٌ وَبَرَّأَهُ منها بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا - * الِاخْتِلَافُ في الْعَيْبِ - *

(6/194)


وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْعَيْبَ كان بِالْعَبْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ التَّبَرُّؤَ من الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ ذلك الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ على أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ هو جاء بها وَإِلَّا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ عليه وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ أَنْ يدعى له رَجُلَانِ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فإذا قَالَا هذا عَيْبٌ يُنْقِصُ من ثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُشْتَرَى ما كان حَيَوَانًا أو غَيْرَهُ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَهُوَ عَيْبٌ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ في الرَّدِّ بِهِ أو قَبْضِهِ إنْ لم يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ وَمَتَى اخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَيْبِ لم يَكُنْ له رَدُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ على عَيْبٍ غير الْعَيْبِ الذي اخْتَارَ وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بَعْدَهُ كان له رَدُّ الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الذي ظَهَرَ عليه وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا قد دُلِّسَ فيه بِعَيْبٍ فلم يَعْلَمْ بِهِ حتى حَدَثَ عِنْدَهُ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ لم يَكُنْ له رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَقُوِّمَ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا ثُمَّ رَدَّ عليه قِيمَةَ ما بين الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَتُهُ صَحِيحًا مِائَةٌ وَمَعِيبًا بِتِسْعِينَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وهو خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهُ إيَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى بِمِائَةٍ وهو ثمن ( ( ( ثمنه ) ) ) خَمْسِينَ فَقُوِّمَ فَوُجِدَ الْعَيْبُ نَقَصَهُ الْعُشْرَ وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ من قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ عليه بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهَا أَصْلُ الثَّمَنِ وَلَسْت أَلْتَفِتُ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا يَتَرَاجَعَانِ فيه إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ لِأَعْرِفَ كَمْ قَدْرُ الْعَيْبِ منها أَعُشْرًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَآخُذُ الْعُشْرَ من أَصْلِ الثَّمَنِ لَا من الْقِيمَةِ وَإِنْ رضي الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ مَعِيبًا لَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الذي يَحْدُثُ عِنْدَهُ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَيُقَالُ إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِأَخْذِ الْعَبْدِ مَعِيبًا ( 1 ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَك صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ لَك فِيمَا دَلَّسَ لَك أَنْ تَرُدَّ إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ الْعَبْدَ وَلَا تَرْجِعْ في الْعَيْبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ دَلَّسَ له بِعَيْبٍ في أَمَةٍ فَأَصَابَهَا ولم يَعْلَمْ فَإِنْ كانت ثَيِّبًا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ وَطْؤُهَا بِأَكْثَرَ من الْخِدْمَةِ وَالْخَرَاجِ وَإِنْ كانت بِكْرًا لم يَكُنْ له رَدُّهَا لِأَنَّهُ قد نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَثَ بها عَيْبٌ عِنْدَهُ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ كان أَعْتَقَهَا في هذا كُلِّهِ أو أَحْبَلَهَا فَهَذَا فَوْتٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ عِنْدَهُ فإذا اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءً كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه نِصْفَ عَبْدٍ فَرَّانِي مُحْتَلِمٍ ضَخْمِ الْهَامَةِ عَبْلِ الْعِظَامِ مَرْبُوعِ الْقَامَةِ حَسَنِ الْجِسْمِ حَالِكِ السَّوَادِ يُدْعَى فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَذَلِكَ بعد ما عَرَفَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانٌ هذا الْعَبْدُ الذي تَبَايَعَا نِصْفَهُ وَرَأَيَاهُ وَتَبَايَعَا فيه وَتَفَرَّقَا عن مَوْضِعِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا وَدَفَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ نِصْفَ هذا الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ في هذا الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ كما يَقْبِضُ مثله وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَحْضَرَا هذا الْعَبْدَ الْمَبِيعَ نِصْفُهُ وسلم له النِّصْفَ يَقُومُ فيه مَقَامَ فُلَانٍ الْبَائِعَ لَا حَائِلَ له دُونَ نِصْفِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ فُلَانٌ الثَّمَنَ وَافِيًا وَبَرِئَ إلَيْهِ منه وَلِفُلَانِ بن فُلَانٍ على فُلَانٍ بن فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا شَيْنَ وَلَا عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ في الْعَبْدِ الذي ابْتَاعَ نِصْفَهُ فما أَدْرَكَ فُلَانُ بن فُلَانٍ من دَرْكٍ في نِصْفِ هذا الْعَبْدِ الذي اشْتَرَى من فُلَانٍ أو في شَيْءٍ منه فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أو يَرُدُّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يوم كَتَبَ هذا الْكِتَابَ صَحِيحَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ في أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وَهَكَذَا شِرَاءُ ثُلُثُ عَبْدٍ وربعه ( ( ( كفوا ) ) ) وَثُلُثُ أَمَةٍ وربعها ( ( ( أطوعهم ) ) ) وَدَابَّةٌ وَغَيْرُهَا فإذا ظَهَرَ على عَيْبٍ في الْعَبْدِ رَدَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ اشْتَرَى إلَّا عُشْرَهُ لِأَنَّ لِلْعُشْرِ نَصِيبًا من الْعَيْبِ وهو في الْعَيْبِ مِثْلُ الْعَبْدِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَيَخْتَلِفَانِ في الِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ منه شَيْءٌ
____________________

(6/195)


قَلَّ أو كَثُرَ كان لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في أَخْذِ ما يَبْقَى من الْعَبْدِ بِمَا يُصِيبُهُ من الثَّمَنِ أو رَدِّهِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له الْعَبْدَ كما بِيعَ قال الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ وقال إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أو شيئا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَكَانَ الْبَيْعُ مُنْفَسِخًا وَلَا يَثْبُتُ ( قال ) وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ من رَجُلٍ فَاسْتَحَقَّ على الذي لم يَبِعْ نصفه لم يكن لهذا أن يرجع وذلك أن نِصْفَهُ فيه بِحَالِهِ فَفِي هذا ما يُخَالِفُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَفِيمَا كان في مِثْلِ مَعْنَاهُ وإذا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ في صَفْقَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَهُمَا كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ من فُلَانِ بن فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ أَحَدُهُمَا نُوبِيٌّ أَسْوَدُ وَصِيفٌ خُمَاسِيٌّ حُلْوٌ جَعْدٌ رَجْلٌ مُعْتَدِلٌ حَسَنُ الْقَوَامِ خَفِيفُ الْجِسْمِ مُتَرَاصِفُ الْأَسْنَانِ مَسْنُونُ الْوَجْهِ وَالْآخَرُ فَرَّانِي غَلِيظٌ مَرْبُوعٌ حَالِكُ السَّوَادِ بَعِيدُ ما بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ مُعْتَدِلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ حَسَنُ الْجِسْمِ أَفْلَجُ الثَّنَايَا من أَعْلَى فيه مُحْتَلِمٌ اشْتَرَى فُلَانُ بن فُلَانٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً وَتَبَايَعَ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ في الْعَبْدَيْنِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمَا وَمُعَايَنَتِهِمَا وَقَبَضَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ وَقَبَضَ فُلَانُ بن فُلَانٍ هذا الثَّمَنَ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا حتى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جميعا بِالْبَيْعِ وَتَقَابُضِهِمَا وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتُهُ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ فما أَدْرَكَ فُلَانُ بن فُلَانٍ في هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أو في أَحَدِهِمَا أو في شَيْءٍ مِنْهُمَا أو من وَاحِدٍ مِنْهُمَا من دَرْكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حتى يُسَلِّمَهُ له كما بَاعَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الذي قَبَضَ منه وَافِيًا وهو كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَأَمَةً أو ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ أو أَكْثَرَ مَوْصُوفٌ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُشْتَرَى يَصِفُهُ كما وَصَفْت وَيَصِفُ الثَّمَنَ كما وَصَفْت وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَدَارًا وما جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ يَكْتُبُ عُهْدَتَهُ وَيَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ منه بِصِفَتِهِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَأَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ عُهْدَتَهُمْ وَيَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ثَمَنًا مَعْلُومًا كَتَبَ هذا ما اشْتَرَى فُلَانٌ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدًا من صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَعَبْدًا من صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَأَمَةً من صِفَتِهَا كَذَا كَذَا اشْتَرَى منه هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةَ الْمَوْصُوفَيْنِ في هذا الْكِتَابِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الْفَارِسِيِّ من هذه الْمِائَةِ الدِّينَارِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْعَبْدِ النُّوبِيّ من هذه الْمِائَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْأَمَةِ من هذه الْمِائَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا تَبَايَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبَضَ فُلَانٌ جَمِيعَ ثَمَنِهِمْ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ هذا كُلِّهِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا بِهِ فما أَدْرَكَ فلانا ( ( ( فلان ) ) ) فِيمَا اشْتَرَى من فُلَانٍ أو في وَاحِدٍ منهم فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حتى يُسَلِّمَهُ له أو يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَافِيًا وهو مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلَانٍ على فُلَانٍ فِيمَا اشْتَرَى من فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ لَا شَيْنَ وَلَا عَيْبَ وَلَا دَاءَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِجَمِيعِ ما في هذا الْكِتَابِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا مَعًا بِهِ وَعَلَى أَنَّهُمَا يوم أَقَرَّ بِهِ صَحِيحَانِ لَا عِلَّةَ بِهِمَا من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ شَهِدَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَكَتَبُوا ( قال ) وإذا أَرَدْت أَنْ تَكْتُبَ عُهْدَةَ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ بِمَعْنًى أَبْيَنَ من هذا فَاكْتُبْ هذا ما اشْتَرَى فُلَانٌ من فُلَانٍ اشْتَرَى منه عَبْدًا نُوبِيًا من صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَعَبْدًا فَارِسِيًّا من صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَمَةً مُوَلَّدَةً من صِفَتِهَا كَذَا بِسِتِّينَ دِينَارًا اشْتَرَى منه هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ الثَّلَاثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِمَا سمي له من الثَّمَنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ وَرُؤْيَتِهِمْ له قبل الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَقَبَضَ فُلَانٌ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ من فُلَانٍ وَقَبَضَ فُلَانٌ جَمِيعَ الثَّمَنِ من فُلَانٍ وَتَبَايَعَا على ذلك وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا جميعا وَلِفُلَانٍ فِيمَا إشترى من فُلَانٍ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتُهُ لَا دَاءَ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ فما أَدْرَكَ فلانا ( ( ( فلان ) ) ) في هَؤُلَاءِ الرَّقِيقِ أو في وَاحِدٍ منهم من دَرْكٍ من أَحَدٍ من الناس فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أو رَدَّ ثَمَنِ من أَدْرَكَهُ فيه الدَّرْكَ وَافِيًا بِمَا وَقَعَ فيه ثَمَنُهُ وَجَمِيعُ أَثْمَانِهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ مُفَرَّقَةٌ على ما في هذا الْكِتَابِ شَهِدَ على
____________________

(6/196)


إقْرَارِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يوم كَتَبَا هذا الْكِتَابَ صحيحان ( ( ( صحيحا ) ) ) جَائِزًا الْأَمْرُ في أَمْوَالِهِمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ - * وَثِيقَةٌ في الْمَكَاتِب أَمْلَاهَا الشَّافِعِيُّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانٌ بن فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وهو صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ بِهِ من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزُ الْأَمْرِ في مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنِّي دَبَّرْتُكَ فَمَتَى ما مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي وَلَاؤُك وَوَلَاءُ عَقِبِك من بَعْدِك شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانُ بن فُلَانٍ السَّيِّدُ وَفُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا في هذا الْكِتَابِ - * كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ - * + ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال تَوَلَّى اللَّهُ السَّرَائِرَ وَعَاقَبَ عليها ولم يَجْعَلْ لِأَحَدٍ من خَلْقِهِ الْحُكْمَ إلَّا على الْعَلَانِيَةِ فإذا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالظَّاهِرِ الذي جُعِلَ إلَيْهِ لم يَتَعَاطَ الْبَاطِنَ الذي تَوَلَّى اللَّهُ دُونَهُ وإذا حَكَمَ وَالْمَحْكُومُ له يَعْلَمُ أَنَّ ما حَكَمَ له بِهِ حَقٌّ في الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبَاطِلٌ في عِلْمِهِ دُونَ الْحَاكِمِ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ عليه وَلَا يُحِلُّ حَاكِمٌ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ إنَّمَا الْحُكْمُ على الظَّاهِرِ كما وَصَفْنَا وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ على ما يَعْلَمُ الْمَحْكُومُ له وَالْمَحْكُومُ عليه وَتَفْسِيرُهُ في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وهو كِتَابُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ عن أبيه قال أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى رَجُلٍ من بَنِي زُهْرَةَ كان سَاكِنًا مَعَنَا فَذَهَبْنَا معه فَسَأَلَهُ عن وِلَادٍ من وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ فقال أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلَانٍ وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلَانٍ فقال رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صَدَقْت وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْفِرَاشِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ بِوَطْءِ وَلِيدَتِهِ لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قد اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ ثُمَّ لم يَقْرَبْهَا وَتَفْسِيرُهُ في كِتَابِ الطَّلَاقِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عن الْمَرْأَةِ أو طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا في الْوَفَاةِ أو الطَّلَاقِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ مِلْكِ عُقْدَةِ نِكَاحِهَا بِسَاعَةٍ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ كان مَيِّتًا لَحِقَ بِهِ وَإِنْ حَيًّا لَحِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا وهو صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ بِهِ من مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ جَائِزَ الْأَمْرِ في مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الذي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّك سَأَلَتْنِي أَنْ أُكَاتِبَك على كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ مُنَجِّمَةً في مُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَوَّلُ نُجُومِك التي تَحِلُّ لي عَلَيْك انْسِلَاخُ سَنَةِ كَذَا كُلُّ نَجْمٍ منها بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ حتى يَكُونَ أَدَاؤُك آخِرُهَا انْسِلَاخُ سَنَةِ كَذَا فإذا أَدَّيْت جَمِيعَ ما كَاتَبْتُك عليه وهو كَذَا وَكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ لي وَلَا لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي ولاؤك وَوَلَاءُ عَقِبِك من بَعْدِك فَإِنْ عَجَزْت عن نَجْمٍ من هذه النُّجُومِ فَلِي فَسْخُ كِتَابَتِك شَهِدَ على إقْرَارِ السَّيِّدِ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا في هذا الْكِتَابِ - * وَثِيقَةٌ في الْمُدَبَّرِ - *

(6/197)


بِلِعَانٍ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لم يَكُنْ ابْنَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه إلَّا من زِنَا وَوَلَدُ الزنى لَا يُلْحَقُ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ له الْحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ فَأَكْثَرُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال بَعْضُ الناس وَلَوْ تَرَكَ ثلاثمائة دِينَارٍ فَقَسَمَهَا ابْنَانِ له فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَةً ثُمَّ يُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِرَجُلٍ فيقول هذا أَخِي وَيُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَاَلَّذِي أَحْفَظُ من قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ نَسَبَهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ من الْمَالِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ لم يُقِرَّ له بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ له حَقَّ مِيرَاثٍ وإذا كان له حَقٌّ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَرِثَ كما يَرِثُ وَعَقَلَ في الْجِنَايَةِ فلما كان هذا لَا يَثْبُتُ عليه لم يَثْبُتْ له وَلَا يَثْبُتُ له مِيرَاثٌ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ له نَسَبٌ وَهَذَا أَصَحُّ ما فيه عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال أبو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَأْخُذُ من الْمِيرَاثِ شيئا لِأَنَّ الْمَالَ فَرْعُ النَّسَبِ وإذا لم يَثْبُتْ النَّسَبُ وهو الْأَصْلُ لم يَثْبُتْ الْفَرْعُ الذي هو تَبَعٌ لِلْأَصْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقال مَالِكٌ وبن أبي لَيْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَأْخُذُ خَمْسِينَ دِينَارًا من الذي أَقَرَّ له وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ على نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فلم يأخذا ( ( ( يأخذ ) ) ) منه إلَّا ما أَقَرَّ بِهِ على نَفْسِهِ وَأَسْقَطَا إقْرَارَهُ على غَيْرِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُقَاسِمُ الذي أَقَرَّ بِهِ ما في يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَإِيَّاهُ في مَالِ أبيه سَوَاءٌ وَهَذَا أَبْعَدُ عِنْدَنَا من الصَّوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّهَا إذَا سَمِعَهَا السَّامِعُ رَأَى له مَذْهَبًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْسَمُ صِنْفٌ من الْمَالِ مع غَيْرِهِ لَا يُقْسَمُ عِنَبٌ مع خَلِّهِ وَلَا أَصْلٌ مع أَصْلِ غَيْرِهِ وإذا كان شَيْءٌ من هذه الْأُصُولِ يَحْيَا بِغَيْرِ ما يَحْيَا بِهِ غَيْرُهُ لم يُقْسَمْ معه لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَثْمَانِ مُتَبَايِنَةٌ فَلَا يُقْسَمُ نَضْحٌ مَضْمُومًا إلَى عثرى وَلَا عثرى مَضْمُومًا إلَى بَعْلٍ وَلَا بَعْلٌ مَضْمُومًا إلَى نَخْلٍ يُشْرَبُ بِنَهْرٍ مَأْمُونِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ أَثْمَانَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَالْبَعْلُ الذي أُصُولُهُ قد بَلَغَتْ الْمَاءَ فَاسْتَغْنَى عن أَنْ يُسْقَى وَالنَّضْحُ ما يُسْقَى بِالْبِئْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُضَعَّفُ الْغَرَامَةُ على أَحَدٍ في شَيْءٍ إنَّمَا الْعُقُوبَةُ في الْأَبْدَانِ لَا في الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا تَضْعِيفَ الْغَرَامَةِ من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى فِيمَا أَفْسَدَتْ نَاقَةُ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ أَنَّ على أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وما أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا فَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ بِقِيمَةٍ لَا بِقِيمَتَيْنِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه - * أَدَبُ الْقَاضِي وما يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ محمد بن إدْرِيسَ قال أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لَا يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا لِلْمِصْرِ وَأَنْ يَكُونَ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ من يَغْشَاهُ لِغَيْرِ ما بُنِيَتْ له الْمَسَاجِدُ وَيَكُونُ ذلك في أَوْفَقِ الْأَمَاكِنِ بِهِ وَأَحْرَاهَا أَنْ لَا يُسْرِعَ مَلَالَتُهُ فيه ( قال ) وإذا كَرِهْت له أَنْ يَقْضِيَ في الْمَسْجِدِ فَلَأَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ في الْمَسْجِدِ أو يُعَزِّرَ أَكْرَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وهو غَضْبَانُ
____________________
1- ( قال ( ( ( فقال ) ) ) الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ في طُهْرِ جَارِيَةٍ لَهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَأُرِيَهُ الْقَافَةُ فَأَيَّهُمَا أَلْحَقَاهُ بِهِ لَحِقَ وكان لِشَرِيكِهِ عليه نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ له بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَإِنْ لم يَكُنْ قَافَةٌ أو أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا مَعًا لم يَكُنْ ابْنَهُمَا وَلَا بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَبْلُغَ أَنْ يُخَيَّرَ فَيَخْتَارَ أَيَّهمَا شَاءَ فَيَنْتَسِبَ إلَيْهِ فإذا اخْتَارَهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلَا لِلْوَلَدِ أَنْ يَنْتَفِيَ عنه وَيَكُونُ الْحُكْمُ في الْأَمَةِ وفي مَهْرِهَا ما وَصَفْنَا من أَنْ يَكُونَ على الْمَحْكُومَةِ له بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ له نِصْفُ مَهْرِهَا وَنِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ حين سَقَطَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قبل أَنْ يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى وَاحِدٍ فَمِيرَاثُهُ مَوْقُوفٌ حتى يَصْطَلِحَا فيه وَإِنْ مَاتَا أو وَاحِدٌ مِنْهُمَا قبل أَنْ يَنْتَسِبَ الْمَوْلُودُ إلَى أَحَدِهِمَا وُقِفَ له من مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثُ بن تَامٍّ وإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا أَخَذَ الْمِيرَاثَ وَرُدَّ ما وُقِفَ من مِيرَاثِ الْآخَرِ على وَرَثَتِهِ

(6/198)



أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَقْضِي الْقَاضِي أو لَا يحكم ( ( ( يحاكم ) ) ) الْحَاكِمُ بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ الْأَئِمَّةَ إنَّمَا كُلِّفُوا الْقَضَاءَ على الظَّاهِرِ لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَأَخْبَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ قد يَكُونُ هذا في الْبَاطِنِ مُحَرَّمًا على من قضى له بِهِ وَأَبَاحَ الْقَضَاءَ على الظَّاهِرِ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ قَضَاءَ الْإِمَامِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَجَبَ لي بِبَيِّنَةٍ أو قَضَاءِ قَاضٍ فَأَقْرَرْت بِخِلَافِهِ أَنَّ قَوْلِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ في الظَّاهِرِ فَلَا يَأْخُذْهُ إذَا كان في الْبَاطِنِ ليس له وَأَنَّ الْبَاطِنَ إذَا تَبَيَّنَ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ حُكِمَ عليه بِهِ وهو أَنْ لَا يَأْخُذَ وإذا لم يَأْخُذْهُ فَهُوَ غَيْرُ آخِذٍ فَأَبْطَلَ إقْرَارَهُ بِأَنْ لَا حَقَّ له فِيمَا قَضَى له بِهِ من الْحَقِّ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ الْحُكْمَ على الناس يَجِيءُ على نَحْوِ ما يَسْمَعُ منهم مِمَّا لَفَظُوا بِهِ وَإِنْ كان قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِيَّاتُهُمْ أو غَيْبُهُمْ غير ذلك لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له فَلَا يَأْخُذْ إذْ الْقَضَاءُ عليهم إنَّمَا هو بِمَا لَفَظُوا بِهِ لَا بِمَا غَابَ عنه وقد وَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ عنه منهم بِنِيَّةٍ أو قَوْلٍ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَدَلَالَةٌ على أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ على أَحَدٍ إلَّا بِمَا لَفَظَ وَأَنْ لَا يَقْضِيَ عليه بِشَيْءٍ مِمَّا غَيَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عنه من أَمْرِهِ من نِيَّةٍ أو سَبَبٍ أو ظَنٍّ أو تُهْمَةٍ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه وَإِخْبَارُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ من قَضَيْت له فَلَا يَأْخُذْهُ أَنَّ الْقَضَاءَ على ما يَسْمَعُ مِنْهُمَا وَإِنَّهُ قد يَكُونُ في الْبَاطِنِ عَلَيْهِمَا غير ما قَضَى عَلَيْهِمَا بِمَا لَفَظَا بِهِ قَضَى بِمَا سمع وَوَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ إلَى أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ قَضَى بِتَوَهُّمٍ منه على سَائِلِهِ أو بِشَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَلْقٌ بِهِ أو بِغَيْرِ ما سمع من السَّائِلِينَ فَخِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَادَّعَى هذا عِلْمَهُ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِمَا سمع وَأَخْبَرَ أَنْ قد يَكُونُ غَيْبُهُمْ غير ظَاهِرِهِمْ لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنْ لَا يَقْضِيَ الرَّجُلُ وهو غَضْبَانُ وكان مَعْقُولًا في الْغَضَبِ تَغَيُّرُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فَأَيُّ حَالٍ جَاءَتْ عليه يَعْلَمُ هو من نَفْسِهِ تَغَيُّرَ عَقْلِهِ أو فَهْمِهِ امْتَنَعَ من الْقَضَاءِ فيها فَإِنْ كان إذَا اشْتَكَى أو جَاعَ أو اهْتَمَّ أو حَزِنَ أو بَطِرَ فَرَحًا تَغَيَّرَ لِذَلِكَ فَهْمُهُ أو خُلُقُهُ لم أُحِبَّ له أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كان ذلك لَا يُغَيِّرُ عَقْلَهُ وَلَا فَهْمَهُ وَلَا خُلُقَهُ قَضَى فَأَمَّا النُّعَاسُ فَيَغْمُرُ الْقَلْبَ شَبِيهًا بِغَمْرِ الغشى فَلَا يَقْضِي نَاعِسًا وَلَا مَغْمُورَ الْقَلْبِ من هَمٍّ أو وَجَعٍ يَغْمُرُ قَلْبَهُ ( قال ) وَأَكْرَهُ لِلْقَاضِي الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وَالنَّظَرَ في النَّفَقَةِ على أَهْلِهِ وفي ضَيْعَتِهِ لِأَنَّ هذا أَشْغَلُ لِفَهْمِهِ من كَثِيرٍ من الْغَضَبِ وَجُمَّاعُ ما شَغَلَ فِكْرَهُ يُكْرَهُ له وهو في مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَكْرَهُ له وَلَوْ اشْتَرَى أو بَاعَ لم أَنْقُضْ الْبَيْعَ وَلَا الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ ليس بِمُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فَهْمُهُ وَكَذَلِكَ لو قَضَى في الْحَالِ التي كَرِهْت له أَنْ يَقْضِيَ فيها لم أَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما كُنْت رَادًّا من حُكْمِهِ في أَفْرَغْ حَالَاتِهِ وَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وما وَصَفْت مِمَّا يُرَدُّ بِهِ الْحُكْمُ ( قال ) وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَبَانَ له من أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اللَّدَدُ نَهَاهُ عنه فَإِنْ عَادَ زَجَرَهُ وَلَا يَبْلُغُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا يَضْرِبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذلك ما يَسْتَوْجِبُ ضَرْبًا أو حَبْسًا وَمَتَى بَانَ له الْحَقُّ عليه قَطَعَ بِهِ الْحُكْمَ عليه - * الْإِقْرَارُ وَالِاجْتِهَادُ وَالْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ منه شيئا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ

(6/199)


اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى الناس بِعِلْمِ هذا لِمَوْضِعِهِ الذي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَكَرَامَتِهِ التي اخْتَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بها من النُّبُوَّةِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عليه فَوَكَّلَهُمْ في غَيْبِهِمْ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَادَّعَى هذا عِلْمَهُ وَمِثْلُ هذا قَضَاؤُهُ لِعَبْدِ بن زَمْعَةَ بِالْوَلَدِ وَقَوْلِهِ لِسَوْدَةِ احْتَجِبِي منه عِنْدَمَا رَأَى شَبَهًا بَيِّنًا فَقَضَى بِالظَّاهِرِ وهو فِرَاشُ زَمْعَةَ وَدَلَالَةٌ على أَنَّهُ من أَخَذَ من مَالِ مُسْلِمٍ شيئا فَإِنَّمَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً من النَّارِ وَالْفَيْءُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقِيَاسًا على هذا أَنَّ من أَعْطَى أَحَدًا منه شيئا لم يَكُنْ مُسْتَأْهِلًا له ولم يَكُنْ حَقًّا له فَهُوَ آخِذٌ من مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّهُمْ أَكْثَرُ حُرْمَةً من وَاحِدِهِمْ فَإِنَّمَا أَخَذَ قِطْعَةً من النَّارِ وَمَتَى ظَفِرَ بِمَالِهِ أو بِمَنْ يَحْكُمُ عليه أَخَذَ من مَالِهِ بِقَدْرِ ما أَخَذَ منه مِمَّا لم يَكُنْ مُسْتَأْهِلًا له ولم يَكُنْ حَقًّا له فَوُضِعَ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث عن بِشْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ فحدثت ( ( ( فحدث ) ) ) بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ من الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا يريد ( ( ( يرد ) ) ) الْقَضَاءُ فيه كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عليه فَأَمَّا وَشَيْءٌ من ذلك مَوْجُودٌ فَلَا فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت هذا وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهِرُهُ الِاجْتِهَادُ قِيلَ له أَقْرَبُ ذلك قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ كَيْف تَقْضِي قال بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَإِنْ لم يَكُنْ قال فَبِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنْ لم يَكُنْ قال أَجْتَهِدُ رَأْيِي قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي وَفَّقَ رَسُولَ رسول اللَّهِ لِمَا يُحِبُّ رسول اللَّهِ فَأَخْبَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الِاجْتِهَادَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ كِتَابُ اللَّهِ وَلَا سُنَّةُ رَسُولِهِ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } وما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ ذلك مَوْجُودٌ في قَوْلِهِ إذَا اجْتَهَدَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من قِبَلِ نَفْسِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَكِتَابُ اللَّهِ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَوْلَى من رَأْيِ نَفْسِهِ وَمَنْ قال الِاجْتِهَادُ أَوْلَى خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِرَأْيِهِ ثُمَّ هو مِثْلُ الْقِبْلَةِ التي من شَهِدَ مَكَّةَ في مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ بِالْمُعَايَنَةِ لم يَجُزْ له غَيْرُ مُعَايَنَتِهَا وَمَنْ غَابَ عنها تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ قِيلَ فما الْحُجَّةُ في أَنَّهُ ليس لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ وقال مُعَاذٌ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَرَضِيَ بِذَلِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي هو وَأُمِّي ولم يَقُلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قِيلَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } فَجَعَلَ الناس تَبَعًا لَهُمَا ثُمَّ لم يُهْمِلْهُمْ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْك من رَبِّك } وَلِقَوْلِهِ { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } فَفَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فإذا كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل لَا مُخَالِفَ فِيهِمَا وَهُمَا عَيْنَانِ ثُمَّ قال إذَا اجْتَهَدَ فَالِاجْتِهَادُ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ إنَّمَا هو شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من نَفْسِهِ ولم يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ نَفْسِهِ إنَّمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ فَإِحْدَاثُهُ على الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ افْتَرَضَ اللَّهُ عليه أَوْلَى بِهِ من إحْدَاثِهِ على غَيْرِ أَصْلٍ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وهو رَأْيُ نَفَسِهِ ولم يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِهِ فإذا كان الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَتَّبِعَ نَفْسَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَالِاجْتِهَادُ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ من عِنْدِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ يَدْخُلُ على قَائِلِهِ كما يَدْخُلُ على من اجْتَهَدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَمَنْ قال هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قال قَوْلًا عَظِيمًا لِأَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ في رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ مَوْضِعَهُمَا في أَنْ يَتَّبِعَ رَأْيَهُ كما اتَّبَعَا وفي أَنَّ رَأْيَهُ أَصْلٌ ثَالِثٌ أُمِرَ الناس بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وزاد قَائِلُ هذا الْقَوْلِ رَأْيًا آخَرَ على حِيَالِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ له في كِتَابٍ وَلَا سُنَّة

(6/200)


وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عليه وَلَا أَثَرٍ فإذا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا الْأَصْلَانِ وإذا لم يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لَا على غَيْرِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فأبن ( ( ( فأين ) ) ) هذا قِيلَ مِثْلُ الْكَعْبَةِ من رَآهَا صلى إلَيْهَا وَمَنْ غَابَ عنها تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِالدَّلَائِلِ عليها لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ صلى غَائِبًا عنها بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلَائِلِ عليها كان مُخْطِئًا وَكَانَتْ عليه الْإِعَادَةُ وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فَمَنْ اجْتَهَدَ على الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَذَلِكَ وَمَنْ اجْتَهَدَ على غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كان مُخْطِئًا وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ وقد يَكُونُ غَائِبًا فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ على أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا فَيُهْدِيه وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يُبِحْ الِاجْتِهَادَ إلَّا على الْأُصُولِ لِأَنَّهُ عز وجل إنَّمَا أَمَرَ بِمِثْلِ ما قَتَلَ فَأَمَرَ بِالْمِثْلِ على الْأَصْلِ ليس على غَيْرِ أَصْلٍ وَمِثْلُ أَذَانِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان رَجُلًا أَعْمَى لَا ينادى حتى يُقَالَ له أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَلَوْ جَازَ الِاجْتِهَادُ على غَيْرِ أَصْلٍ لَجَازَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِغَيْرِ إخْبَارِ غَيْرِهِ له أَنَّ الْفَجْرَ قد طَلَعَ وَلَكِنْ لَمَّا لم يَكُنْ فيه آلَةُ الِاجْتِهَادِ على الْأَصْلِ لم يَجُزْ اجْتِهَادُهُ حتى يُخْبِرَهُ من قد اجْتَهَدَ على الْأَصْلِ وفي إخْبَارِهِ على غَيْرِ اجْتِهَادٍ على الْأَصْلِ أَنَّ الْفَجْرَ قد طَلَعَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ الذي هو حَلَالٌ لي وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ التي هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَهَا إلَّا في وَقْتِهَا وفي إخْبَارِ الْحَاكِمِ على غَيْرِ أَصْلٍ لِرَجُلٍ له أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ وَاحِدَةً قد حُرِّمَتْ عليه تَحْرِيمَ امْرَأَةٍ كانت له وَتَحْلِيلَ الْخَامِسَةِ له فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قد ( ( ( وقد ) ) ) أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلَا رَأْيَ له وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلَا يَدْرِي أَزَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّ الْهِلَالَ قد طَلَعَ وَلَجَازَ إذَا كانت دَلَائِلُ الْقِبْلَةِ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَالِاجْتِهَادَ عليها وَيَعْمَلَ في ذلك بِرَأْيِ نَفْسِهِ على غَيْرِ أَصْلٍ كما إذَا كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَآمُرُهُ يَتْرُكُ الدَّلَائِلَ وَآمُرُهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَهَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وحيث ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وقوله ( ( ( ولقوله ) ) ) جل وعز { حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الْفَجْرِ } وَلِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَلِصَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَكَانَ إذًا يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلِمَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو لم يَعْلَمْهُمَا أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ قِيَاسٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ له أَنْ يَجْتَهِدَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَلَا يَعْدُو أَنْ يُصِيبَ أو يُخْطِئَ وَلَيْسَ ذلك منه على الْأُصُولِ التي أُمِرَ بِاتِّبَاعِهَا فَيَكُونُ إذَا اجْتَهَدَ عليها مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ فَقَدْ أَبَاحَ لِكُلِّ من لم يَعْلَمْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَجَهِلَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَإِنْ كان أَجْهَلَ الناس كُلِّهِمْ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ مِثْلُ رَأْيِ من عَلِمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّهُ إذَا كان أَصْلُهُ أَنَّ من عَلِمَهُمَا وَاجْتَهَدَ على غَيْرِهِمَا جَازَ له فما مَعْنَى من عَلِمَهُمَا وَمَنْ لم يَعْلَمْهُمَا في مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ إذَا كان على غَيْرِهِمَا إلَّا سَوَاءٌ غير أَنَّ الذي عَلِمَهُمَا يَفْضُلُ الذي لم يَعْلَمْهُمَا بِمَا نَصَّا فَقَطْ فَأَمَّا بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ قد جَعَلَ الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ في دَرْكِ عِلْمِ ما ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ سَوَاءً فَكَانَ لِلْجَاهِلِينَ إذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْءٌ من جِهَةِ الْقِيَاسِ بِمَا يُسْتَدْرَكُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ هو فيه وَالْعَالِمُ سَوَاءً وَأَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان الْعَالِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا يَعْمَلُ في ذلك على غَيْرِ أَصْلٍ فَأَكْثَرُ حَالَاتِ الْجَاهِلِ أَنْ يَعْمَلَ على غَيْرِ أَصْلٍ فَاسْتَوَيَا في هذا الْمَعْنَى وَلَكَانَ كُلُّ من رَأَى رَأْيًا فَاسْتَحْسَنَهُ جَاهِلًا كان أو عَالِمًا جَازَ له إذَا لم يَكُنْ في ذلك كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ يُوجَدُ فيه كِتَابٌ وَسُنَّةٌ نَصًّا وكان قد جَعَلَ رَأْيَ
____________________

(6/201)


كل أَحَدٍ من الْآدَمِيِّينَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ منهم أَصْلًا يُتَّبَعُ كما تُتَّبَعُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الِاجْتِهَادَ على غَيْرِ أَصْلٍ لم يَزَلْ ذلك بِهِ في نَفْسِهِ وَرَآهُ حَقًّا له وَجَبَ عليه أَنْ يَأْمُرَ الناس بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ عليهم فيه اتِّبَاعَهُ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وزاد قَائِلُ هذا وَاتِّبَاعُ نَفْسِك فاقام الناس في هذا الْمَوْضِعِ مَقَامًا عَظِيمًا بِغَيْرِ شَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لهم وَلَا رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعْدًا أَنْ يَحْكُمَ في بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِرَأْيِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَافَقْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ إنَّمَا قال بِرَأْيِهِ فَوَافَقَ الْحُكْمَ على غَيْرِ أَصْلٍ كان عِنْدَهُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ قَوْمًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ لهم حُوتٌ من الْبَحْرِ مَيِّتٌ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ سَأَلُوا عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هل بَقِيَ مَعَكُمْ من لَحْمِهِ شَيْءٌ فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُمْ إنَّمَا أَكَلُوهُ يَوْمَئِذٍ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ عُمَّالَهُ وَسَرَايَاهُ وَيَأْمُرُ الناس بِطَاعَتِهِمْ ما أَطَاعُوا اللَّهَ وقد فَعَلَ بَعْضُهُمْ شيئا في بَعْضِ مَغَازِيهِمْ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الرَّجُلُ الذي لَاذَ بِالشَّجَرَةِ فَأَحْرَقُوهُ وَاَلَّذِي أَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ في النَّارِ وَاَلَّذِي جاء بِالْهَدِيَّةِ وَكُلُّ هذا فَعَلُوهُ بِرَأْيِهِمْ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالرَّجُلُ الذي قال أَسْلَمْت لِلَّهِ فَقُتِلَ فَكَرِهَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ له فما احْتَجَجْت من هذا يُشْبِهُ أَنَّهُ لنا دُونَك أَمَّا أَوَّلًا فَأَمْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَرَايَاهُ وَأُمَرَائِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل وَرَسُولِهِ وَاتِّبَاعِهِمَا وَأَمْرُهُ من أُمِّرَ عليهم أُمَرَاءُ أَنْ يُطِيعُوهُمْ ما أَطَاعُوا اللَّهَ فإذا عَصَوْا اللَّهَ عز وجل فَلَا طَاعَةَ لهم عليهم فَفِي نَفْسِ ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ الناس بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أُمَرَائِهِمْ إذَا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ فإذا عَصَوْا فَلَا طَاعَةَ لهم عَلَيْكُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ لهم كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ من الْحَرْقِ وَالْقَتْلِ وَأَبَاحَ لهم كُلَّ ما عَمِلُوهُ مُطِيعِينَ فيه لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَلَوْ لم يَكُنْ لنا حُجَّةٌ في رَدِّ الِاجْتِهَادِ على غَيْرِ أَصْلٍ إلَّا ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَرِهَ لهم وَنَهَاهُمْ عن كل أَمْرٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ لَكَانَ لنا فيه كِفَايَةٌ وَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَجَازَ رَأْيَ سَعْدٍ في بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَأْيَ الَّذِينَ أَكَلُوا الْحُوتَ على غَيْرِ أَصْلٍ قِيلَ أَجَازَهُ لِصَوَابِهِ كما يُجِيزُ رَأْيَ كل من رَأَى مِمَّنْ يَعْلَمُ أو لَا يَعْلَمُ إذَا كان بِحَضْرَتِهِ من يَعْلَمُ خَطَأَهُ وَصَوَابَهُ فَيُجِيزُهُ من يَعْلَمُ ذلك منه إذَا أَصَابَ الْحَقَّ بِمَعْنَى إجَازَتِهِ له أَنَّهُ الْحَقُّ لَا بِمَعْنَى رَأْيِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا دُونَ عِلْمِك لِأَنَّ رَأْيَ ذِي الرَّأْيِ على غَيْرِ أَصْلٍ قد يُصِيبُ وقد يُخْطِئُ ولم يُؤْمَرْ الناس أَنْ يَتَّبِعُوا إلَّا كِتَابَ اللَّهِ أو سُنَّةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي قد عَصَمَهُ اللَّهُ من الْخَطَأِ وَبَرَّأَهُ منه فقال تَعَالَى { وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَأَمَّا من كان رَأْيُهُ خَطَأً أو صَوَابًا فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِاتِّبَاعِهِ وَمَنْ قال لِلرَّجُلِ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ فَيَسْتَحْسِنُ على غَيْرِ أَصْلٍ فَقَدْ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ من يُمْكِنُ منه الْخَطَأُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَهُ فَإِنْ كان قَائِلُ هذا مِمَّنْ يَعْقِلُ ما تَكَلَّمَ بِهِ فَتَكَلَّمَ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ هذا فَأَرَى للامام أَنْ يَمْنَعَهُ وَإِنْ كان غَبِيًّا عَلِمَ هذا حتى يَرْجِعَ فَإِنْ قِيلَ فما مَعْنَى قَوْلِهِ له اُحْكُمْ قِيلَ مِثْلُ قَوْلِهِ عز وجل { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } على مَعْنَى اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِ الْمُسْتَشَارِينَ أو الْمُسْتَشَارِ منهم وَالرِّضَا بِالصُّلْحِ على ذلك وَوَضْعِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا أَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَاجَةً إلَى مَشُورَةِ أَحَدٍ وَاَللَّهُ عز وجل يُؤَيِّدُهُ بِنَصْرِهِ بَلْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالطَّوْلُ على جَمِيعِ الْخَلْقِ وَبِجَمِيعِ الْخَلْقِ الْحَاجَةُ إلَى اللَّهِ عز وجل فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم له اُحْكُمْ على هذا الْمَعْنَى وَأَنْ يَكُونَ قد عَلِمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةً في مِثْلِ هذا فَحَكَمَ على مِثْلِهَا أو يَحْكُمَ فَيُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَمْرِ رَسُولِهِ فَيَعْرِفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَوَابَ ذلك فَيُقِرَّهُ عليه أو يَعْرِفَ غير ذلك فَيَعْمَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ قِيلَ فَيَحْكُمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(6/202)


من قد يُخْطِئُ قِيلَ نعم وَلَا يَبْرَأُ أَحَدٌ من الْآدَمِيِّينَ من الْخَطَأِ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عليهم أَجْمَعِينَ كما ولي أُمَرَاءَ فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ ما كَرِهَ بِرَأْيِهِ على مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ منهم لِلدِّينِ فَرَدَّهُمْ في ذلك إلَى طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل وَأَجَازَ لهم ما عَمِلُوا من طَاعَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا كان يَجُوزُ هذا من سُنَّتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اخْتَصَّهُ بِوَحْيِهِ وَانْتَخَبَهُ لِرِسَالَتِهِ فما كان من أَمْرٍ من أَحَدِ أُمَرَائِهِ أَقَرَّهُمْ عليه فَبِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل أَقَرَّهُمْ وما كَرِهَ لهم بِأَنْ كَانُوا فَعَلُوهُ طَلَبَ طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل فَبِطَاعَةِ اللَّهِ كَرِهَ لهم وَلَيْسَ يَعْلَمُ مِثْلَ هذا من رأي أَحَدٌ صَوَابَهُ من خَطَئِهِ أَحَدٌ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَا مُبَيِّنَ لِرَأْيِهِ أَصَوَابٌ هو أَمْ خَطَأٌ وَإِنَّمَا على الناس أَنْ يَتَّبِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا غبى عِلْمُهُمَا على أَحَدٍ فَالدَّلَائِلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ رضي اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعِبَادِهِ وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكَلُوا الْحُوتَ بِغَيْرِ حُضُورِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا أَصْلٍ عِنْدَهُمْ قِيلَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ على أَنَّهُمْ لَيْسُوا على يَقِينٍ من حِلِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا عن ذلك أو لَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ أبي قَتَادَةَ في الصَّيْدِ الذي صَادَهُ إذْ لم يَكُنْ بِهِمْ ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ أَمْسَكُوا إذْ لم يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ حتى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك - * مُشَاوَرَةُ الْقَاضِي - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يُشَاوِرَ في أَمْرِهِ إلَّا عَالِمًا بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَآثَارٍ وَأَقَاوِيلِ الناس وَعَاقِلًا يَعْرِفُ الْقِيَاسَ وَلَا يُحَرِّفُ الْكَلَامَ وَوُجُوهَهُ وَلَا يَكُونُ هذا في رَجُلٍ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يُشَاوِرُهُ إذَا كان هذا مُجْتَمِعًا فيه حتى يَكُونَ مَأْمُونًا في دِينِهِ لَا يَقْصِدُ إلَّا قَصْدَ الْحَقِّ عِنْدَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِمَّنْ كان هَكَذَا عِنْدَهُ شيئا أَشَارَ بِهِ عليه على حَالٍ حتى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ من خَبَرٍ يَلْزَمُ وَذَلِكَ كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ أو من قِيَاسٍ على أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْبَلُ منه وَإِنْ قال هذا له حتى يَعْقِلَ منه ما يَعْقِلُ فَيَقِفَهُ عليه فَيَعْرِفَ منه مَعْرِفَتَهُ وَلَا يَقْبَلَهُ منه وَإِنْ عَرَفَهُ هَكَذَا حتى يَسْأَلَ هل له وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غير الذي قال فَإِنْ لم يَكُنْ له وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غير الذي قال أو كانت سُنَّةٌ فلم يَخْتَلِفْ في رِوَايَتِهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كان لِلْقُرْآنِ وَجْهَانِ أو كانت سُنَّةٌ رُوِيَتْ مُخْتَلِفَةً أو سُنَّةٌ ظَاهِرُهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لم يَعْمَلْ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حتى يَجِدَ دَلَالَةً من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ على أَنَّ الْوَجْهَ الذي عَمِلَ بِهِ هو الْوَجْهُ الذي يَلْزَمُهُ وَاَلَّذِي هو أَوْلَى بِهِ من الْوَجْهِ الذي تَرَكَهُ وَهَكَذَا يَعْمَلُ في الْقِيَاسِ لَا يَعْمَلُ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا حتى يَكُونَ أَوْلَى بِالْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ أو أَصَحَّ في الْمَصْدَرِ من الذي تَرَكَ وَيَحْرُمُ عليه أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ هذا من قَوْلِهِ اسْتَحْسَنْت لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ لِنَفْسِهِ اسْتَحْسَنْت أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُشَرِّعَ في الدِّينِ وَغَيْرُ جَائِزٍ له أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا من أَهْلِ دَهْرِهِ وَإِنْ كان أَبَيْنَ فَضْلًا في الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ منه وَلَا يَقْضِي أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُ وَإِنَّمَا أَمَرْته بِالْمَشُورَةِ لِأَنَّ الْمُشِيرَ يُنَبِّهُهُ لِمَا يَغْفُلُ عنه وَيَدُلُّهُ من الْأَخْبَارِ على ما لَعَلَّهُ أَنْ يَجْهَلَهُ فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَ مُشِيرًا فلم يَجْعَلْ اللَّهُ هذا لِأَحَدٍ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا اجْتَمَعَ له عُلَمَاءُ من أَهْلِ زَمَانِهِ أو افْتَرَقُوا فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِمْ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ يَدُلُّونَهُ عليه حتى يَعْقِلَهُ كما عَقَلُوهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في عَقْلِهِ ما إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقَلَهُ وإذا سمع الِاخْتِلَافَ مَيَّزَهُ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْضِيَ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَيَنْبَغِي له أَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَجْمَعَ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ الْعِلْمَ وَلِيَكْشِفَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَعِيبُ بَعْضُهُمْ قَوْلَ بَعْضٍ حتى يَتَبَيَّنَ له أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ على التَّقْلِيدِ أو الْقِيَاس

(6/203)


- * حُكْمُ الْقَاضِي - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ كَتَبَ حِلْيَةَ كل وَاحِدٍ منهم وَرَفَعَ في نَسَبِهِ إنْ كان له نَسَبٌ أو وَلَائِهِ إنْ كان يَعْرِفُ له وَلَاءً وَسَأَلَهُ عن صِنَاعَتِهِ إنْ كان له صِنَاعَةٌ وَعَنْ كُنْيَتِهِ إنْ كان يُعْرَفُ بِكُنْيَةِ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعِ بِيَاعَاتِهِ وَمُصَلَّاهُ وَأُحِبُّ له إنْ كان الشُّهُودُ لَيْسُوا مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْحَالِ الْحَسَنَةِ الْمُبْرَزَةِ وَالْعَقْلِ مَعَهَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم على حِدَتِهِ عن شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الذي شَهِدَ فيه وَالْمَوْضِعِ الذي شَهِدَ فيه وَمَنْ حَضَرَهُ وَهَلْ جَرَى ثَمَّ كَلَامٌ ثُمَّ يُثْبِتُ ذلك كُلَّهُ وَهَكَذَا أُحِبُّ إنْ كان ثَمَّ حَالٌ حَسَنَةٌ ولم يَكُنْ سَدِيدَ الْعَقْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ هذا وَيَسْأَلَ من كان معه في الشَّهَادَةِ على مِثْلِ حَالِهِ عن مِثْلِ ما يَسْأَلُ لِيَسْتَدِلَّ على عَوْرَةٍ إنْ كانت في شَهَادَتِهِ أو اخْتِلَافٍ إنْ كان في شَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَيَطْرَحُ من ذلك ما لَزِمَهُ طَرْحُهُ وَيَلْزَمُ ما لَزِمَهُ إثْبَاتُهُ وَإِنْ جَمَعَ الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لم يَقِفْهُ ولم يُفَرِّقْهُمْ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ في الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ ثُمَّ رَأَى الْحَقَّ في غَيْرِهِ فَإِنْ رَأَى الْحَقَّ في الْحَادِثِ بِأَنَّهُ كان خَالَفَ في الْأَوَّلِ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو أَصَحَّ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا احْتَمَلَ الْكِتَابَ أو السُّنَّةَ نَقَضَ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ على نَفْسِهِ وَكُلَّ ما نَقَضَ على نَفْسِهِ نَقَضَهُ على من قَضَى بِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ ولم يَقْبَلْهُ مِمَّنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ وَإِنْ كان إنَّمَا رَأَى قِيَاسًا مُحْتَمَلًا أَحْسَنَ عِنْدَهُ من شَيْءٍ قَضَى بِهِ من قَبْلُ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ قَبْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ ليس الْآخَرُ بِأَبْيَنَ حتى يَكُونَ الْأَوَّلُ خَطَأً في الْقِيَاسِ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ في الْقَضَاءِ الْآخَرِ بِاَلَّذِي رَأَى آخِرًا ولم يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وما لم يَنْقُضْهُ على نَفْسِهِ لم يَنْقُضْهُ على أَحَدٍ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَلَا أُحِبُّ له أَنْ يَكُونَ مُنَفِّذًا له وَإِنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ قَاضٍ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُبْتَدِئُ الْحُكْمِ فيه وَلَا يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ منه وَلَيْسَ على الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ من كان قَبْلَهُ فَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عليه قَبْلَهُ نَظَرَ فِيمَا تَظَلَّمَ فيه فَإِنْ وَجَدَهُ قَضَى عليه بِمَا وَصَفْت في الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى من خِلَافِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ فَهَذَا خَطَأٌ يَرُدُّهُ عليه لَا يَسْعَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ خِلَافَ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أو كان يَرَاهُ بَاطِلًا بِأَنَّ قِيَاسًا عِنْدَهُ أَرْجَحُ منه وهو يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لم يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ يَرُدُّهُ من خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ كما يَرُدُّهُ في خِلَافِ الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ من خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ ( قال ) وإذا تَنَاقَدَ الْخَصْمَانِ بَيِّنَتَهُمَا وَحُجَّتَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ مَاتَ أو عُزِلَ أو وُلِّيَ غَيْرُهُ لم يَحْكُمْ حتى يُعِيدَا عليه حُجَّتَهُمَا وَبَيِّنَتَهُمَا ثُمَّ يَحْكُمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ في الْمَسْأَلَةِ عن بَيِّنَتِهِمَا إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَسْأَلُ عنه وَهَكَذَا شُهُودُهُ يُعِيدُ تَعْدِيلَهُمْ وَيُخَفِّفُ في الْمَسْأَلَةِ وَيُوجِزُهَا لِئَلَّا تَطُولَ وَيُحَبُّ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يُوَلِّيَ الشِّرَاءَ له وَالْبَيْعَ رَجُلًا مَأْمُونًا غير مَشْهُورٍ بِأَنَّهُ يَبِيعُ له وَلَا يَشْتَرِي خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ له فِيمَا اشْتَرَى منه أو النَّقْصَ فِيمَا اشْتَرَى له فإن هذا من مَآكِلِ كَثِيرٍ من الْحُكَّامِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم أُفْسِدْ له شِرَاءً وَلَا بَيْعًا إلَّا أَنْ يَسْتَكْرِهَ أَحَدًا على ذلك إلَّا بِمَا أُفْسِدُ بِهِ شِرَاءُ السُّوقَةِ ( قال ) وَلَا أُحِبُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عن الْوَلِيمَةِ إذَا دُعِيَ لها وَلَا أُحِبُّ له أَنْ يُجِيبَ وَلِيمَةَ بَعْضٍ وَيَتْرُكَ بَعْضًا إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا أو يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَعْذِرُوهُ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ الْغَائِبَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَمَخْرَجِهِ ( قال ) وإذا تَحَاكَمَ إلَى الْقَاضِي أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ لم يَقْبَلْ التَّرْجَمَةَ عنه إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ ذلك اللِّسَانَ لَا يَشُكَّانِ فيه فَإِنْ شَكَّا لم يَقْبَلْ ذلك عنهما وَأَقَامَ ذلك مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَيَقْبَلُ فيه ما يَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ وَيَرُدُّ فيه ما يَرُدُّ فيها - * مَسَائِلُ الْقَاضِي وَكَيْفَ الْعَمَلُ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ - *

(6/204)


وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ من الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الناس أو الْحَيْفِ على أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا من أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ في أَدْيَانِهِمْ وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ عُقُولٍ لَا يتغفلون بِأَنْ يسالوا الرَّجُلَ عن عَدُوِّهِ لِيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ ذلك جَرْحًا عِنْدَهُمْ أو يَسْأَلُوهُ عن صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ ذلك تَعْدِيلًا عِنْدَهُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَهَبَ الناس من تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ أو من ذَهَبَ منهم إلَى أُمُورٍ اخْتَلَفُوا فيها فَتَبَايَنُوا فيها تَبَايُنًا شَدِيدًا وَاسْتَحَلَّ فيها بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ ما تَطُولُ حِكَايَتُهُ وكان ذلك منهم مُتَقَادِمًا منه ما كان في عَهْدِ السَّلَفِ وَبَعْدِهِمْ إلَى الْيَوْمِ فلم نَعْلَمْ أَحَدًا من سَلَفِ هذه الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا من التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَرَآهُ اسْتَحَلَّ فيه ما حُرِّمَ عليه وَلَا رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِشَيْءٍ من التَّأْوِيلِ كان له وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فيه اسْتِحْلَالَ الدَّمِ وَالْمَالِ أو الْمُفَرِّطِ من الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الدِّمَاءَ أَعْظَمَ ما يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى بها بَعْدَ الشِّرْكِ وَوَجَدْنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْرِصُ الْحَاكِمُ على أَنْ لَا يَعْرِفَ له صَاحِبَ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ له ( قال ) وَأَرَى أَنْ يَكْتُبَ لِأَهْلِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ على ما وَصَفْت وَأَسْمَاءَ من شَهِدُوا له وَمَنْ شَهِدُوا عليه وَقَدْرَ ما شَهِدُوا فيه ثُمَّ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا عَنْهُمْ حتى يخبروه ( ( ( يخبره ) ) ) بِمَنْ شَهِدُوا له وَشَهِدُوا عليه وَقَدْرَ ما شَهِدُوا فيه فإن الْمَسْئُولَ عن الرَّجُلِ قد يَعْرِفُ ما لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ من أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عليه أو حَنَقًا عليه أو شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فيه وَتَطِيبُ نَفْسُهُ على تَعْدِيلِهِ في الْيَسِيرِ وَيَقِفُ في الْكَثِيرِ وَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ إلَّا من اثْنَيْنِ وَلَا الْمَسْأَلَةَ عنه إلَّا من اثْنَيْنِ وَيُخْفِيَ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ من دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أو تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مع غَيْرِهِمَا فَإِنْ عُدِّلَ رَجُلٌ وَجُرِحَ لم يَقْبَلْ الْجَرْحَ إلَّا من شَاهِدَيْنِ وكان الْجَرْحُ أَوْلَى من التَّعْدِيلِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ على الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ يَكُونُ على الْبَاطِنِ ( قال ) وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ من أَحَدٍ من خَلْقِ اللَّهِ فَقِيهٍ عَاقِلٍ دَيِّنٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ على ما يَجْرَحُهُ بِهِ فإذا كان ذلك مِمَّا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْحَاكِمِ قِبَلَهُ منه وإذا لم يَكُنْ جَرْحًا عِنْدَهُ لم يَقْبَلْهُ فإن الناس يَخْتَلِفُونَ وَيَتَبَايَنُونَ في الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ بِالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَنْ يَقْبَلَ من رَجُلٍ وَإِنْ كان صَالِحًا أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ ليس بِعَدْلٍ وَلَا رِضًا وَلَعَمْرِي إنَّ من كان عِنْدَهُ كَافِرًا لِغَيْرِ عَدْلٌ وَكَذَلِكَ يسمي بَعْضُهُمْ بَعْضًا على الِاخْتِلَافِ بِالْفِسْقِ وَالضَّلَالِ فَيَجْرَحُونَهُمْ فَيَذْهَبُ من يَذْهَبُ إلَى أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَيَجْرَحُونَهُمْ من هذا الْمَعْنَى وَلَيْسَ هذا بِمَوْضِعِ جَرْحٍ لِأَحَدٍ وَكَذَلِكَ من يَجْرَحُ من يَسْتَحِلُّ بَعْضَ ما يُحَرِّمُ هو من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ وَأَشْبَاهِ ذلك مِمَّا لَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالشَّهَادَةِ من الْجَارِحِ على الْمَجْرُوحِ وَبِالسَّمَاعِ أو بِالْعِيَانِ كما لَا يَقْبَلُهَا عليه فِيمَا لَزِمَهُ من الْحَقِّ وَأَكْثَرُ من نُسِبَ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حتى يَعْتَدَّ الْيَسِيرَ الذي لَا يَكُونُ جرحا جَرْحًا لقد حَضَرْت رَجُلًا صَالِحًا يَجْرَحُ رَجُلًا مُسْتَهِلًّا بِجَرْحِهِ فَأَلَحَّ عليه بِأَيِّ شَيْءٍ تَجْرَحُهُ فقال ما يخفي على ما تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مَجْرُوحَةً فلما قال له الذي يَسْأَلُهُ عن الشَّهَادَةِ لَسْت أَقْبَلُ هذا مِنْك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ قال رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا قال وما بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ قَائِمًا قال يَنْضَحُ على سَاقَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَثِيَابِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قبل أَنْ يُنْقِيَهُ قال أَفَرَأَيْته فَعَلَ فَصَلَّى قبل أَنْ يُنْقِيَهُ وقد نَضَحَ عليه قال لَا وَلَكِنِّي أَرَاهُ سَيَفْعَلُ وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ في الْعَالِمِينَ وَالْجَرْحُ خَفِيٌّ فَلَا يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ وَلِمَا وَصَفْت من الِاخْتِلَافِ إلَّا بِتَصْرِيحِ الجرح ( ( ( الجارح ) ) ) وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِأَنْ يُوقِفَهُ الْمُعَدِّلُ عليه فَيَقُولَ عَدْلٌ على وَلِي ثُمَّ لَا يَقْبَلُ ذلك هَكَذَا حتى يَسْأَلَهُ عن مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كانت مَعْرِفَتُهُ بِهِ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً قُبِلَ ذلك منه وَإِنْ كانت مَعْرِفَتُهُ بِهِ ظَاهِرَةً حَادِثَةً لم يُقْبَلْ ذلك منه - * ما تَجُوزُ بِهِ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - *

(6/205)


مُتَأَوِّلِينَ يَسْتَحِلُّونَهَا بِوُجُوهٍ وقد رَغَّبَ لهم نُظَرَاؤُهُمْ عنها وَخَالَفُوهُمْ فيها ولم يَرُدُّوا شَهَادَتَهُمْ بِمَا رَأَوْا من خِلَافِهِمْ فَكُلُّ مُسْتَحِلٍّ بِتَأْوِيلٍ من قَوْلٍ أو غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ من خَطَأٍ في تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَسْتَحِلُّ من خَالَفَهُ الْخَطَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ منهم من يُعْرَفُ بِاسْتِحْلَالِ شَهَادَةِ الزُّورِ على الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالَ الدَّمِ أو حَلَالَ الْمَالِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالزُّورِ أو يَكُونَ منهم من يَسْتَحِلُّ أو يَرَى الشَّهَادَةَ لِلرَّجُلِ إذَا وَثِقَ بِهِ فَيَحْلِفُ له على حَقِّهِ وَيَشْهَدُ له بِالْبَتِّ ولم يَحْضُرْهُ ولم يَسْمَعْهُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ اسْتِحْلَالِهِ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ أو يَكُونَ منهم من يُبَايِنُ الرَّجُلَ الْمُخَالِفَ له مُبَايَنَةَ الْعَدَاوَةِ له فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ من جِهَةِ الْعَدَاوَةِ فَأَيُّ هذا كان فِيهِمْ أو في غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُنْسَبُ إلَى هَوًى رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَأَيُّهُمْ سَلِمَ من هذا أَجَزْت شَهَادَتَهُ وَشَهَادَةَ من يَرَى الْكَذِبَ شِرْكًا بِاَللَّهِ أو مَعْصِيَةً له يُوجِبُ عليها النَّارَ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ عليها من شَهَادَةِ من يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ عليها وَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا مِمَّا يَشْتُمُ قَوْمًا على وَجْهِ تَأْوِيلٍ في شَتْمِهِمْ لَا على وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَذَلِكَ أَنَّا إذَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ على اسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ كانت شَهَادَتُهُمْ بِشَتْمِ الرِّجَالِ أَوْلَى أَنْ لَا تُرَدَّ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ في الْوَجْهَيْنِ وَالشَّتْمُ أَخَفُّ من الْقَتْلِ فَأَمَّا من يَشْتُمُ على الْعَصَبِيَّةِ أو الْعَدَاوَةِ لِنَفْسِهِ أو على ادِّعَائِهِ أَنْ يَكُونَ مَشْتُومًا مُكَافِئًا بِالشَّتْمِ فَهَذِهِ الْعَدَاوَةُ لِنَفْسِهِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تُرَدُّ ( 1 ) شَهَادَتُهُ عَمَّنْ شَتَمَهُ على الْعَدَاوَةِ وَأَمَّا الرَّجُلُ من أَهْلِ الْفِقْهِ يَسْأَلُ عن الرَّجُلِ من أَهْلِ الحديث فيقول كُفُّوا عن حَدِيثِهِ وَلَا تَقْبَلُوا حَدِيثَهُ لِأَنَّهُ يَغْلَطُ أو يحدث بِمَا لم يَسْمَعْ وَلَيْسَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ عَدَاوَةٌ فَلَيْسَ هذا من الْأَذَى الذي يَكُونُ بِهِ الْقَائِلُ لِهَذَا فيه مَجْرُوحًا عنه لو شَهِدَ بهذا عليه إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بِعَدَاوَةٍ له فَتُرَدَّ بِالْعَدَاوَةِ لَا بهذا الْقَوْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قال إنَّهُ لَا يُبْصِرُ الْفُتْيَا وَلَا يَعْرِفُهَا فَلَيْسَ هذا بِعَدَاوَةٍ وَلَا غِيبَةٍ إذَا كان يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتَّبِعَهُ فَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا من مَعَانِي الشَّهَادَاتِ وهو لو شَهِدَ عليه بِأَعْظَمَ من هذا لم يَكُنْ هذا غِيبَةٌ إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالْأَمْرِ لَا بِشَهَادَتِهِ لِأَحَدٍ يَأْخُذُ بِهِ منه حَقًّا في حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ وَلَا حَدٍّ لِلَّهِ وَلَا مِثْلُ ما وَصَفْت من أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِعُيُوبِهِ فَيَنْصَحَهُ في أَنْ لَا يَغْتَرَّ بِهِ في دِينِهِ إذَا أَخَذَ عنه من دِينِهِ من لَا يُبْصِرُهُ فَهَذَا كُلُّهُ مَعَانِي الشَّهَادَاتِ التي لَا تُعَدُّ غِيبَةً ( قال ) وَالْمُسْتَحِلُّ لِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُفْتِي بها وَالْعَامِلُ بها مِمَّنْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كان مُوسِرًا فَنَكَحَ أَمَةً مُسْتَحِلًّا لِنِكَاحِهَا مُسْلِمَةً أو مُشْرِكَةً لِأَنَّا نَجِدُ من مُفْتِي الناس وَأَعْلَامِهِمْ من يَسْتَحِلُّ هذا وَهَكَذَا الْمُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَامِلُ بِهِ لِأَنَّا نَجِدُ من أَعْلَامِ الناس من يُفْتِي بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيه وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِلُّ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا الناس فيه فَرَغِبْنَا عن قَوْلِهِمْ ولم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ وَنَقُولَ لهم إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَأَخْطَأْتُمْ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الْخَطَأَ كما نَدَّعِيه عليهم وَيَنْسِبُونَ من قال قَوْلَنَا إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل - * شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَشْرِبَةِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من شَرِبَ من الْخَمْرِ شيئا وهو يَعْرِفُهَا خَمْرًا وَالْخَمْرُ الْعِنَبُ الذي لَا يُخَالِطُهُ مَاءٌ وَلَا يُطْبَخُ بِنَارٍ وَيُعَتَّقُ حتى يُسْكِرَ هذا مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا نَصٌّ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل سَكِرَ أو لم يَسْكَرْ وَمَنْ شَرِبَ ما سِوَاهَا من الْأَشْرِبَةِ من الْمُنَصَّفِ والخيلطين ( ( ( والخليطين ) ) ) أو مِمَّا سِوَى ذلك مِمَّا زَالَ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا وَإِنْ كان يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مُخْطِئٌ بِشُرْبِهِ آثِمٌ بِهِ وَلَا أَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهُ وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَجَزْنَا عليه شَهَادَتَهُ من اسْتِحْلَالِ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا وَالْمَالِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا وَالْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا ما لم يَكُنْ يَسْكَرُ منه فإذا سَكِرَ منه فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ من قِبَلِ أَنَّ السُّكْرَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ قد حُكِيَ لي عن فِرْقَةٍ أنها لَا تُحَرِّمُهُ وَلَيْسَتْ من أَهْلِ الْعِلْمِ فإذا كا

(6/206)


الرَّجُلُ الْمُسْتَحِلُّ لِلْأَنْبِذَةِ يَحْضُرُهَا مع أَهْلِ السَّفَهِ الظَّاهِرِ وَيَتْرُكُ لها الْحُضُورَ لِلصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا وَيُنَادِمُ عليها رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِطَرْحِهِ الْمُرُوءَةَ وَإِظْهَارِهِ السَّفَهَ وَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ ذلك مَعَهَا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ الِاسْتِحْلَالِ - * شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلَامِ غير أَنَّهُ كَلَامٌ بَاقٍ سَائِرٌ فَذَلِكَ فَضْلُهُ على الْكَلَامِ فَمَنْ كان من الشُّعَرَاءِ لَا يُعْرَفُ بِنَقْصِ الْمُسْلِمِينَ وَأَذَاهُمْ وَالْإِكْثَارِ من ذلك وَلَا بِأَنْ يَمْدَحَ فَيُكْثِرَ الْكَذِبَ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَمَنْ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ في الناس على الْغَضَبِ أو الْحِرْمَانِ حتى يَكُونَ ذلك ظَاهِرًا كَثِيرًا مُسْتَعْلِنًا وإذا رضي مَدَحَ الناس بِمَا ليس فِيهِمْ حتى يَكُونَ ذلك كَثِيرًا ظَاهِرًا مُسْتَعْلِنًا كَذِبًا مَحْضًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا لو انْفَرَدَ بِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا يَمْدَحُ فَيُصَدَّقُ وَيُحْسِنُ الصِّدْقَ أو يُفَرِّطُ فيه بِالْأَمْرِ الذي لَا يُمْحَضُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَمَنْ شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ له وَطْؤُهَا حين شَبَّبَ فَأَكْثَرَ فيها وَشَهَرَهَا وَشَهَرَ مِثْلَهَا بِمَا يُشَبِّبُ وَإِنْ لم يَكُنْ زَنَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَمِنْ شَبَّبَ فلم يُسَمِّ أَحَدًا لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَإِنْ كان يَسْأَلُ بِالشِّعْرِ أو لَا يَسْأَلُ بِهِ فَسَوَاءٌ وفي مِثْلِ مَعْنَى الشِّعْرِ في رَدِّ الشَّهَادَةِ من مَزَّقَ أَعْرَاضَ الناس وَسَأَلَهُمْ أَمْوَالَهُمْ فإذا لم يُعْطُوهُ إيَّاهَا شَتَمَهُمْ فَأَمَّا أَهْلُ الرِّوَايَةِ لِلْأَحَادِيثِ التي فيها مَكْرُوهٌ على الناس فَيُكْرَهُ ذلك لهم وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ أَحَدًا قَلَّمَا يَسْلَمُ من هذا إذَا كان من أَهْلِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كانت تِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَضَّةَ بَحْرٍ أو نَفْيَ نَسَبٍ رُدَّتْ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَكْثَرُوا رِوَايَتَهَا أو عَمَدُوا أَنْ يَرْوُوهَا فَيُحَدِّثُوا بها وَإِنْ لم يُكْثِرُوا وَأَمَّا من رَوَى الْأَحَادِيثَ التي لَيْسَتْ بِمَحْضِ الصِّدْقِ وَلَا بَيَانِ الْكَذِبِ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ منها أنها كَذِبٌ فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بها وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَهْلِ زَمَانِك من الْإِرْجَافِ وما أَشْبَهَهُ وَكَذَلِكَ الْمِزَاحُ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ما لم يَخْرُجْ في الْمِزَاحِ إلَى عَضَّةِ النَّسَبِ أو عَضَّةِ بَحْرٍ أو فَاحِشَةٍ فإذا خَرَجَ إلَى هذا وَأَظْهَرَهُ كان مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ بِالْكَلَامِ فَدَعَا إلَيْهَا وَتَأَلَّفَ عليها وَإِنْ لم يَكُنْ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِقِتَالٍ فيها فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أتى مُحَرَّمًا لَا اخْتِلَافَ بين عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلِمَتْهُ فيه الناس كلهم عِبَادُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ منهم من عُبُودِيَّتِهِ وَأَحَقُّهُمْ بِالْمَحَبَّةِ أَطْوَعُهُمْ له وَأَحَقُّهُمْ من أَهْلِ طَاعَتِهِ بِالْفَضِيلَةِ أَنْفَعُهُمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ من إمَامٍ عَدْلٍ أو عَالِمٍ مُجْتَهِدٍ أو مُعِينٍ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ طَاعَةَ هَؤُلَاءِ طَاعَةٌ عَامَّةٌ كَثِيرَةٌ فَكَثِيرُ الطَّاعَةِ خَيْرٌ من قَلِيلِهَا وقد جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى الناس بِالْإِسْلَامِ وَنَسَبَهُمْ إلَيْهِ فَهُوَ أَشْرَفُ أَنْسَابِهِمْ ( قال ) فَإِنْ أَحَبَّ امرءا ( ( ( امرؤ ) ) ) فَلْيُحِبَّ عليه وَإِنْ خَصَّ امْرُؤٌ قَوْمَهُ بِالْمَحَبَّةِ ما لم يَحْمِلْ على غَيْرِهِمْ ما ليس يَحِلُّ له فَهَذَا صِلَةٌ لَيْسَتْ بِعَصَبِيَّةٍ وَقَلَّ امْرُؤٌ إلَّا وَفِيهِ مَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمَكْرُوهُ في مَحَبَّةِ الرَّجُلِ من هو منه أَنْ يَحْمِلَ على غَيْرِهِ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه من الْبَغْيِ وَالطَّعْنِ في النَّسَبِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْبِغْضَةِ على النَّسَبِ لَا على مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا على جِنَايَةٍ من الْمُبْغِضِ على الْمُبْغَضِ وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ أَبْغَضُهُ لِأَنَّهُ من بَنِي فُلَانٍ فَهَذِهِ الْعَصَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ التي تُرَدُّ بها الشَّهَادَةُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا فإذا صَارَ رَجُلٌ إلَى خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ وَأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا سَبَبٍ يُعْذَرُ بِهِ يَخْرُجُ بِهِ من الْعَصَبِيَّةِ كان مُقِيمًا على مَعْصِيَةٍ لَا تَأْوِيلَ فيها وَلَا اخْتِلَافَ بين الْمُسْلِمِينَ فيها وَمَنْ أَقَامَ على مِثْلِ هذا كان حَقِيقًا أَنْ يَكُونَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ - * شَهَادَةُ الشُّعَرَاءِ - *

(6/207)


- * شَهَادَةُ أَهْلِ اللَّعِبِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْقَاسِمَ وَالْكَاتِبَ لِلْقَاضِي وَصَاحِبَ الدِّيوَانِ وَصَاحِبَ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُؤَذِّنِينَ لم يَأْخُذُوا جُعْلًا وَعَمِلُوا مُحْتَسِبِينَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ أَخَذُوا جُعْلًا لم يَحْرُمْ عليهم عِنْدِي وَبَعْضُهُمْ أَعَذَرَ بِالْجُعْلِ من بَعْضٍ وما منهم أَحَدٌ كان أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَتْرُكَ الْجُعْلَ من الْمُؤَذِّنِينَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْجُعْلَ عن الرَّجُلِ في الْحَجِّ إذَا كان قد حَجَّ عن نَفْسِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ على أَنْ يَكِيلَ لِلنَّاسِ وَيَزِنَ لهم وَيُعَلِّمَهُمْ الْقُرْآنَ وَالنَّحْوَ وما يَتَأَدَّبُونَ بِهِ من الشِّعْرِ مِمَّا ليس فيه مَكْرُوهٌ ( قال الرَّبِيعُ ) سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يقول لَا تَأْخُذْ في الْأَذَانِ أُجْرَةً وَلَكِنْ خُذْهُ على أَنَّهُ من الْفَيْءِ - * شَهَادَةُ السُّؤَالِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ في الْجَائِحَةِ تُصِيبُ الرَّجُلَ تَأْتِي على مَالِهِ وَلَا في حَمَالَةِ الرَّجُلِ بِالدِّيَاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَلَا في الْغُرْمِ لِأَنَّ هذه مَوَاضِعُ ضَرُورَاتٍ وَلَيْسَ فيها كَبِيرُ سُقَاطَة مُرُوءَةٍ وَهَكَذَا لو قُطِعَ بِرَجُلٍ بِبَلَدٍ فَسَأَلَ لم أَرَ أَنَّ هذا يَحْرُمُ عليه إذَا كان لَا يَجِدُ الْمُضِيَّ منها إلَّا بِمَسْأَلَةٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَحَدٍ بهذا أَبَدًا فَأَمَّا من يَسْأَلُ عُمُرَهُ كُلَّهُ أو أَكْثَرَ عُمُرِهِ أو بَعْضَ عُمُرِهِ وهو غَنِيٌّ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَعْنَى من هذه الْمَعَانِي وَيَشْكُو الْحَاجَةَ فَهَذَا يَأْخُذُ ما لَا يَحِلُّ له وَيَكْذِبُ بِذِكْرِ الْحَاجَةِ فَتُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ ( قال ) وَمَنْ سَأَلَ وهو فَقِيرٌ لَا يُشْهَدُ على غِنَاهُ لم تَحْرُمْ عليه الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ ثِقَةٌ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان تَغْلِبُهُ الْحَاجَةُ وَكَانَتْ عليه دَلَالَاتٌ أَنْ يَشْهَدَ بِالْبَاطِلِ على الشَّيْءِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا إنْ كان غَنِيًّا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ من غَيْرِ مَسْأَلَةٍ كان قَابِلًا ما لَا يَحِلُّ له فَإِنْ كان ذلك يَخْفَى عليه أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان لَا يَخْفَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرَهُ من وَجْهِ الخبر ( ( ( الخير ) ) ) اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِشَيْءٍ من الْمَلَاهِي وَلَا نُحِبُّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وهو أَخَفُّ من النَّرْدِ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ ( 1 ) بِالْحُزَّةِ وَالْقَرْقِ وَكُلُّ ما لَعِبَ الناس بِهِ لِأَنَّ اللَّعِبَ ليس من صَنْعَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا الْمُرُوءَةِ وَمَنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ من هذا على الِاسْتِحْلَالِ له لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَالْحُزَّة تَكُونُ قِطْعَةَ خَشَبٍ فيها حُفَرٌ يَلْعَبُونَ بها إنْ غَفَلَ بِهِ عن الصَّلَوَاتِ فَأَكْثَرَ حتى تَفُوتَهُ ثُمَّ يَعُودَ له حتى تَفُوتَهُ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ على الِاسْتِخْفَافِ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ كما نَرُدُّهَا لو كان جَالِسًا فلم يُوَاظِبْ على الصَّلَاةِ من غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا غَلَبَةٍ على عَقْلٍ فَإِنْ قِيلَ فَهُوَ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ حتى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِلَّعِبِ إلَّا وهو نَاسٍ قِيلَ فَلَا يَعُودُ لِلَّعِبِ الذي يُورِثُ النِّسْيَانَ وَإِنْ عَادَ له وقد جَرَّبَهُ يُورِثُهُ ذلك فَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ فَأَمَّا الْجُلُوسُ وَالنِّسْيَانُ فَمِمَّا لم يَجْلِبْ على نَفْسِهِ فيه شيئا إلَّا حَدِيثَ النَّفْسِ الذي لَا يَمْتَنِعُ منه أَحَدٌ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ وَإِنْ قَبَّحَ ما يحدث بِهِ نَفْسَهُ وَالنَّاسُ يَمْتَنِعُونَ من اللَّعِبِ فَأَمَّا مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَإِجْرَاؤُهُ الْخَيْلَ وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ وَتَعَلُّمُهُ الرَّمْيَ وَرَمْيُهُ فَلَيْسَ ذلك من اللَّعِبِ وَلَا يُنْهَى عنه وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَبْلُغَ منه وَلَا من غَيْرِهِ من تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَلَا نَظَرَ في عِلْمِ ما يَشْغَلُهُ عن الصَّلَاةِ حتى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ لَا يَتَنَفَّلُ حتى يَخْرُجَ من الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ أَوْجَبُ عليه من جَمِيعِ النَّوَافِلِ - * شَهَادَةُ من يَأْخُذُ الْجُعْلَ على الْخَيْرِ - *

(6/208)


عليه أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَمَّا غَيْرُ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ يُتَصَدَّقُ بها على رَجُلٍ غَنِيٍّ فَقَبِلَهَا فَلَا يَحْرُمُ عليه وَلَا تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُ - * شَهَادَةُ الْقَاذِفِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يُغَنِّي فَيَتَّخِذُ الْغِنَاءَ صِنَاعَتَهُ يُؤْتَى عليه وَيَأْتِي له وَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ مَشْهُورًا بِهِ مَعْرُوفًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ من اللَّهْوِ الْمَكْرُوهِ الذي يُشْبِهُ الْبَاطِلَ وَأَنَّ من صَنَعَ هذا كان مَنْسُوبًا إلَى السَّفَهِ وَسُقَاطَة الْمُرُوءَةِ وَمَنْ رضي بهذا لِنَفْسِهِ كان مُسْتَخِفًّا وَإِنْ لم يَكُنْ مُحَرَّمًا بَيِّنَ التَّحْرِيمِ وَلَوْ كان لَا يَنْسُبُ نَفْسَهُ إلَيْهِ وكان إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَنَّهُ يَطْرَبُ في الْحَالِ فَيَتَرَنَّمُ فيها وَلَا يَأْتِي لِذَلِكَ وَلَا يُؤْتَى عليه وَلَا يَرْضَى بِهِ لم يُسْقِطْ هذا شَهَادَتَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرَّجُلِ يَتَّخِذُ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ الْمُغَنِّيَيْنِ وكان يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا وَيَغْشَى لِذَلِكَ فَهَذَا سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وهو في الْجَارِيَةِ أَكْثَرُ من قِبَلِ أَنَّ فيه سَفَهًا وَدِيَاثَةً وَإِنْ كان لَا يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَغْشَى لَهُمَا كَرِهْت ذلك له ولم يَكُنْ فيه ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ ( قال ) وَهَكَذَا الرَّجُلُ يَغْشَى بُيُوتَ الْغِنَاءِ وَيَغْشَاهُ الْمُغَنُّونَ إنْ كان لِذَلِكَ مُدْمِنًا وكان لِذَلِكَ مُسْتَعْلِنًا عليه مَشْهُودًا عليه فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ سَفَهٍ تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُ وَإِنْ كان ذلك يَقِلُّ منه لم تُرَدَّ بِهِ شَهَادَتُهُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك ليس بِحَرَامٍ بَيِّنٍ فَأَمَّا اسْتِمَاعُ الْحِدَاءِ وَنَشِيدِ الْأَعْرَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَلَّ أو كَثُرَ وَكَذَلِكَ اسْتِمَاعُ الشِّعْرِ *
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن إبْرَاهِيمَ بن مبسرة ( ( ( ميسرة ) ) ) عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبيه قال أَرْدَفَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هل مَعَك من شِعْرِ أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلْتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من قَذَفَ مُسْلِمًا حَدَدْنَاهُ أو لم نَحْدُدْهُ لم نَقْبَلْ شَهَادَتَهُ حتى يَتُوبَ فإذا تَابَ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ فَإِنْ كان الْقَذْفُ إنَّمَا هو بِشَهَادَةٍ لم تَتِمَّ في الزنى حَدَدْنَاهُ ثُمَّ نَظَرْنَا إلَى حَالِ الْمَحْدُودِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ بِشَهَادَتِهِ قُلْنَا له تُبْ وَلَا تَوْبَةَ إلَّا إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ حُدَّ أو لم يُحَدَّ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَتُوبَ وقد قَذَفَ وَسَقَطَ الْحَدُّ عنه بِعَفْوٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمَقْذُوفَ اسْمُ الْقَذْفِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا حتى يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَهَكَذَا قال عُمَرُ لِلَّذِينَ شَهِدُوا على من شَهِدُوا عليه حين حَدَّهُمْ فَتَابَ اثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ على الْقَذْفِ فلم يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ وَمَنْ كانت حَالُهُ عِنْدَ الْقَذْفِ بِشَهَادَةٍ أو غَيْرِ شَهَادَةٍ حَالَ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ حُدَّ أو لم يُحَدَّ فَسَوَاءٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حتى تَحْدُثَ له حَالٌ يَصِيرُ بها عَدْلًا وَيَتُوبُ من الْقِيلِ بِمَا وَصَفْت من إكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ إذَا تَابَ على رَجُلٍ في قَذْفٍ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزنى على رَجُلٍ في الزنى وَشَهَادَةُ الْمَحْدُودِ في الزنى إذَا تَابَ على الْحَدِّ في الزنى وَهَكَذَا الْمَقْطُوعُ في السَّرِقَةِ وَالْمُقْتَصُّ منه في الْجِرَاحِ إذَا تَابُوا ليس ها هنا إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا في كل شَيْءٍ أو مَجْرُوحِينَ في كل شَيْءٍ إلَّا ما يُشْرِكُهُمْ فيه من لَا عَيْبَ فيه من هذه الْعُيُوبِ فَشَهِدُوا فَيَكُونُونَ خُصَمَاءَ أو أَظِنَّاءَ أو جَارِّينَ إلَى أَنْفُسِهِمْ أو دَافِعِينَ عنها أو ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ الْعُدُولِ وَهَكَذَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ على الْقَرَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ على الْبَدْوِيِّ وَالْغَرِيبِ على الْآهِلِ وَالْآهِلِ على الْغَرِيبِ ليس من هذا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إذَا كَانُوا كلهم عُدُولًا وإذا كان مَعْرُوفًا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ قد يَتَبَايَعَانِ فَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ وَيَتَشَاتَمَانِ وَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ وَيَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَحْضُرُهُمَا أَحَدٌ فَحُضُورُ الْبَدَوِيِّ الْقَرَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ الْبَدْوِيِّ حتى يَشْهَدَ على ما رَأَى وَاسْتُشْهِدَ عليه جَائِزٌ وقد لَا يَشْهَدُ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يَشْهَدُ غَيْرُهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْمُشْهِدُ أو يَمُوتُ أو يَطْمَئِنُّ إلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ له شَاهِدٌ غير بِدَوِيٍّ أو بَدَوِيِّينَ وَكَذَلِكَ قد يَكُونُ له شُهُودٌ غَيْرَهُ يَغِيبُونَ أو يَمُوتُونَ فَلَا يَمْنَعُ ذلك الْبَدْوِيَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا كان عَدْلًا

(6/209)


شَيْءٌ قُلْت نعم قال هِيهِ فَأَنْشَدْته بَيْتًا فقال هِيهِ فَأَنْشَدْته حتى بَلَغْت مِائَةَ بَيْتٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْحِدَاءُ مِثْل الْكَلَامُ وَالْحَدِيثُ الْمُحَسَّنُ بِاللَّفْظِ وإذا كان هذا هَكَذَا في الشِّعْرِ كان تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ أَوْلَى أَنْ يَكُون مَحْبُوبًا فَقَدْ رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ما أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ أَذِنَهُ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ بِالْقُرْآنِ وَأَنَّهُ سمع عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسٍ يَقْرَأُ فقال لقد أُوتِيَ هذا من مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بها بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان وَأَحَبُّ ما يُقْرَأُ إلَيَّ حَدْرًا وَتَحْزِينًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ تَأَكَّدَتْ عليه أَنَّهُ يَغْشَى الدَّعْوَةَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَسْتَحِلُّ صَاحِبَ الطَّعَامِ فَتَتَابَعَ ذلك منه رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا إذَا كانت الدَّعْوَةُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا إنْ كان طَعَامَ سُلْطَانٍ أو رَجُلٍ يَتَشَبَّهُ بِالسُّلْطَانِ فَيَدْعُو الناس إلَيْهِ فَهَذَا طَعَامٌ عَامٌّ مُبَاحٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ كان على شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ بِهِ فَإِنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ما كان عليه فَأَمَّا إذَا تَابَ وَنَزَعَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ( قال ) وإذا نَثَرَ على الناس في الْفَرَحِ فَأَخَذَهُ بَعْضٌ من حَضَرَ لم يَكُنْ هذا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ شَهَادَةُ أَحَدٍ لِأَنَّ كَثِيرًا يَزْعُمُ أَنَّ هذا مُبَاحٌ حَلَالٌ لِأَنَّ مَالِكَهُ إنَّمَا طَرَحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فَأَمَّا أنا فَأَكْرَهُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ من أَخَذَهُ وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِغَلَبَةٍ لِمَنْ حَضَرَهُ إمَّا بِفَضْلِ قُوَّةٍ وَإِمَّا بِفَضْلِ قِلَّةِ حَيَاءٍ وَالْمَالِكُ لم يَقْصِدْ بِهِ قَصْدَهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الْجَمَاعَةِ فَأَكْرَهُهُ لِآخِذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَظَّهُ من حَظِّ من قُصِدَ بِهِ بِلَا أَذِيَّةٍ وَأَنَّهُ خِلْسَةٌ وَسُخْفٌ - * كُتَّابُ الْقَاضِي - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما يَنْبَغِي عِنْدِي لِقَاضٍ وَلَا لِوَالٍ من وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ذِمِّيًّا وَلَا يَضَعَ الذِّمِّيَّ في مَوْضِعٍ يَتَفَضَّلُ بِهِ مُسْلِمًا وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لهم حَاجَةٌ إلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ وَالْقَاضِي أَقَلُّ الْخَلْقِ بهذا عُذْرًا وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ حتى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا جَائِزَ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لَا يُخْدَعُ وَيَحْرِصُ على أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى من جَهَالَةٍ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ نَزِهًا بَعِيدًا من الطَّمَعِ فَإِنْ كَتَبَ له عِنْدَهُ في حَاجَةِ نَفْسِهِ وَضَيْعَتِهِ دُونَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو كَتَبَ له رَجُلٌ غَيْرُ عَدْلٍ - * الْقَسَّامُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَسَّامُ في هذا بِمَنْزِلَةِ ما وَصَفْت من الْكُتَّابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ إلَّا عَدْلًا مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْحِسَابِ أَقَلَّ ما يَكُونُ منه وَلَا يَكُونُ غَبِيًّا يُخْدَعُ وَلَا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الطَّمَعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَمِعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحِدَاءَ وَالرَّجَزَ وَأَمَرَ بن رَوَاحَةَ في سَفَرِهِ فقال حَرِّكْ الْقَوْمَ فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ وَأَدْرَكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْبًا من بَنِي تَمِيمٍ مَعَهُمْ حَادٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْدُوا وقال إنَّ حَادِيَنَا وني من آخِرِ اللَّيْلِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ أَوَّلُ الْعَرَبِ حِدَاءً بِالْإِبِلِ قال وَكَيْفَ ذلك قالوا كانت الْعَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُهَا على بَعْضٍ فَأَغَارَ رَجُلٌ مِنَّا فَاسْتَاقَ إبِلًا فَتَبَدَّدَتْ فَغَضِبَ على غُلَامِهِ فَضَرَبَهُ بِالْعَصَا فَأَصَابَ يَدَهُ فقال الْغُلَامُ وَايَدَاه وَايَدَاه قال فَجَعَلَتْ الْإِبِلُ تَجْتَمِعُ قال فقال هَكَذَا فَافْعَلْ قال وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضْحَكُ فقال مِمَّنْ أَنْتُمْ قالوا نَحْنُ من مُضَرَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ من مُضَرَ فَانْتَسَبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حتى بَلَغَ في النِّسْبَةِ إلَى مُضَرَ

(6/210)


- * الْكِتَابُ يَتَّخِذُهُ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما كان هذا مَوْجُودًا لم يَجُزْ أَنْ يَقْبَلَ من الشُّهُودِ حتى يَقْرَأَ عليهم الْكِتَابَ وَيَقْبِضُوهُ قبل أَنْ يَغِيبَ عَنْهُمْ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نُسْخَةَ كِتَابِهِ في أَيْدِيهمْ وَيُوقِعُوا شَهَادَتَهُمْ فيه فَلَوْ انْكَسَرَ خَاتَمُهُ أو ذَهَبَ بَعْضُ كِتَابِهِ شَهِدُوا أَنَّ هذا كِتَابُهُ قَبْلَهُ وَلَيْسَ في الْخَاتَمِ مَعْنًى إنَّمَا المعنى المعني فِيمَا قَطَعُوا بِهِ الشَّهَادَةَ كما يَكُونُ مَعَانِي في إذْكَارِ الْحُقُوقِ وَكُتُبِ التَّسْلِيمِ بين الناس ( قال ) وإذا كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أو عُزِلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ له نُسْخَةٌ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَهُ وَأَنْ يَتَوَلَّى خَتْمَهَا وَرَفْعَهَا وَيَكُونَ ذلك بين يَدَيْهِ وَلَا يَغِيبُ عنه وَيَلِيهِ بِيَدَيْهِ أو يُوَلِّيهِ أَحَدًا بين يَدَيْهِ وَأَنْ لَا يَفْتَحَ الْمَوْضِعَ الذي فيه تِلْكَ الشَّهَادَةُ إلَّا بَعْدَ نَظَرِهِ إلَى خَاتَمِهِ أو عَلَامَةٍ له عليه وَأَنْ لَا يَبْعُدَ منه وَأَنْ يُتْرَكَ في يَدَيْ الْمَشْهُودِ له نُسْخَةُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ إنْ شَاءَ وَلَا يَخْتِمُ الشَّهَادَةَ وَيَدْفَعْهَا إلَى الْمَشْهُودِ له وَلَيْسَ في يَدَيْهِ نُسْخَتُهَا لِأَنَّهُ قد يَعْمَلُ على الْخَاتَمِ وَيُحَرِّفُ الْكِتَابَ وَإِنْ أَغْفَلَ ولم يَجْعَلْ نُسْخَتَهَا عِنْدَهُ وَخَتَمَ الشَّهَادَةَ وَدَفَعَهَا إلَى الْمَشْهُودِ له ثُمَّ أَحْضَرَهَا وَعَلَيْهَا خَاتَمُهُ لم يَقْبَلْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَحْفَظُهَا أو يَحْفَظُ مَعْنَاهَا فَإِنْ كان لَا يَحْفَظُهَا وَلَا مَعْنَاهَا فَلَا يَقْبَلُهَا بِالْخَاتَمِ فَقَدْ يُغَيِّرُ الْكِتَابَ وَيُغَيِّرُ الْخَاتَمَ وَأَكْرَهُ قَبُولَهُ أَيْضًا تَوْقِيعَهُ بيده لِلشَّهَادَةِ وَإِيقَاعَ الْكَاتِبِ بيده إلَّا أَنْ يُجْعَلَ في إيقَاعِهِ وَإِيقَاعِ كَاتِبِهِ شَهِدَ فُلَانٌ عِنْدَ الْقَاضِي على ما في هذا الْكِتَابِ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا دِينَارٌ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ أو هِيَ دَارُ كَذَا شَهِدَ بها فُلَانٌ لِفُلَانٍ حتى لَا يَدَعَ في الشَّهَادَةِ مَوْضِعًا في الْحُكْمِ إلَّا أَوْقَعَهُ بيده فإذا عَرَفَ كِتَابَهُ وَذَكَرَ الشَّهَادَةَ أو عَرَفَ كِتَابَ كَاتِبِهِ وَذَكَرَ الشَّهَادَةَ جَازَ له أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَخَيْرٌ من هذا كُلِّهِ أَنْ تَكُونَ النُّسَخُ كُلُّهَا عِنْدَهُ فإذا أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الْحُكْمَ أَخْرَجَهَا من دِيوَانِهِ ثُمَّ قَطَعَ عليه الْحُكْمَ فَإِنْ ضَاعَتْ من دِيوَانِهِ وَمِنْ يَدَيْ صَاحِبِهَا الذي أَوْقَعَ له فَلَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِشَهَادَةِ قَوْمٍ شَهِدُوا على شَهَادَةِ الْقَوْمِ كُتَّابَهُ كَانُوا أو غير كُتَّابِهِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ قَوْمٌ على أَنَّهُ حَكَمَ لِرَجُلٍ وَلَا يَذْكُرُ هو حُكْمَهُ له فَسَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ حُكْمًا جَدِيدًا بِمَا شَهِدُوا بِهِ عليه لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ على فِعْلِ نَفْسِهِ وهو يَدْفَعُهُ وَلَكِنَّهُ يَدَعُهُ فَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يُحِقُّهُ وإذا رَفَعَ ذلك إلَى حَاكِمٍ غَيْرِهِ أَجَازَهُ كما يُجِيزُ الشَّهَادَةَ على حُكْمِهِ الْحَاكِمُ الذي يَلِي بَعْدَهُ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْرِفُ منه ما يَعْرِفُ من نَفْسِهِ وإذا جاء الذي يَقْضِي عليه بِبَيِّنَةٍ على أَنَّ الْحَاكِمَ وهو حَاكِمٌ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ هَؤُلَاءِ عليه وَدَفَعَهُ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُنْفِذَهُ إنَّمَا يُنْفِذُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لم يَدْفَعْهُ - * كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي - * ( قال ) وَيَقْبَلُ الْقَاضِي كِتَابَ كل قَاضٍ عَدْلٍ وَلَا يَقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَقْبَلُهُ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ حتى يَفْتَحَهُ وَيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَا على ما فيه وَأَنَّ الْقَاضِيَ الذي أَشْهَدَهُمَا عليه قَرَأَهُ بِحَضْرَتِهِمَا أو قُرِئَ عَلَيْهِمَا وقال اشْهَدَا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ فإذا شَهِدَا على هذا قَبِلَهُ وإذا لم يَشْهَدَا على هذا ولم يَزِيدَا على أَنْ يَقُولَا هذا خَاتَمُهُ وَهَذَا كِتَابُهُ دَفَعَهُ إلَيْنَا لم يَقْبَلْهُ وقد حَضَرْت قَاضِيًا جَاءَهُ كِتَابُ قَاضٍ مَخْتُومٌ فَشَهِدَ عند ( ( ( عنده ) ) ) شَاهِدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ فُلَانِ بن فُلَانٍ إلَيْك دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا عليه فَفَتَحَهُ وَقَبِلَهُ فَأَخْبَرَنِي الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ فَضَّ كِتَابًا آخَرَ من هذا الْقَاضِي كُتِبَ إلَيْهِ في ذلك الْأَمْرِ بِعَيْنِهِ وَوَقَفَ عن إنْفَاذِهِ وَأَخْبَرَنِي هو أو من أَثِقُ بِخَبَرِهِ أَنَّهُ رَدَّ إلَيْهِ الْكِتَابَ يَحْكِي له كِتَابًا فَأَنْكَرَ كِتَابَهُ الْآخَرَ وَبَلَغَهُ أو ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَتَبَ الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ فَاحْتِيلَ له فَوَضَعَ كتاب ( ( ( كتابا ) ) ) مثله مَكَانَهُ وَنَحَّى ذلك الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ على ذلك الْكِتَابِ وهو يَرَى أَنَّهُ كِتَابُهُ

(6/211)


قبل أَنْ يَصِلَ كِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثُمَّ وَصَلَ قَبْلَهُ ولم يَمْتَنِعْ من قَبُولِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ بِبَيِّنَتِهِ كما يَقْبَلُ حُكْمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو حَكَمَ ثُمَّ عُزِلَ أو مَاتَ قبل حُكْمِهِ هَكَذَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ ( قال ) وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَتَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ في الْعِنْوَانِ أو كَتَبَ اسْمَهُ بِكُنْيَتِهِ فَسَوَاءٌ وإذا قَطَعَ الشُّهُودُ أَنَّ هذا كِتَابُهُ إلَيْهِ قَبِلَهُ أَلَا تَرَى أَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْحُكْمِ في الْكِتَابِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى الرِّسَالَةِ وَلَا الْكَلَامِ غَيْرِ الْحُكْمِ وَلَا الِاسْمِ فإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على اسْمِ الْكَاتِبِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبِلْته (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى أَجْرُ الْقَسَّامِ من بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَأْخُذُونَ من الناس شيئا لِأَنَّ الْقَسَّامَ حُكَّامٌ فَإِنْ لم يُعْطُوهُ خُلِّيَ بين الْقَسَّامِ وَبَيْنَ من يَطْلُبُ الْقَسْمَ وَاسْتَأْجَرُوهُمْ بِمَا شاؤوا قَلَّ أو كَثُرَ وَإِنْ كان في الْمَقْسُومِ لهم أو الْمَقْسُومِ عليهم صَغِيرٌ فَأَمَرَ بِذَلِكَ وَلِيُّهُ فإذا جَعَلُوا له مَعًا جُعْلًا على قَسْمِ أَرْضٍ فَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنْ سَمَّوْا على كل وَاحِدٍ منهم شيئا مَعْلُومًا أو على كل نَصِيبٍ شيئا مَعْلُومًا وَهُمْ بَالِغُونَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ فَجَائِزٌ وَإِنْ لم يُسَمُّوهُ وَسَمَّوْهُ على الْكُلِّ فَهُوَ على قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لَا على الْعَدَدِ وَلَوْ جَعَلْته على الْعَدَدِ أَوْشَكْت أَنْ آخُذَ من قَلِيلِ النَّصِيبِ مِثْلَ جَمِيعِ ما قَسَمْت له فإذا أنا أَدْخَلْت عليه بِالْقَسْمِ إخْرَاجَهُ من مَالِهِ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ منه الْقَلِيلُ من الْجُعْلِ بِقَدْرِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرُ بِقَدْرِ الْكَثِيرِ وَإِنْ في نَفْسِي من الْجُعْلِ على الصَّغِيرِ وَإِنْ قَلَّ شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ ما يُسْتَدْرَكُ له بِالْقَسْمِ أَغْبَطَ له
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابُ الْقَاضِي كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ يَثْبُتُ فَهَذَا يَسْتَأْنِفُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ بِهِ الْحُكْمَ وَالْآخَرُ كِتَابٌ حَكَمَ منه فإذا قَبِلَهُ أَشْهَدَ على الْمَحْكُومِ له أَنَّهُ قد ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمُ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كان حَكَمَ بِحَقٍّ أَنْفَذَهُ له وَإِنْ كان حَكَمَ عِنْدَهُ بِبَاطِلٍ لَا يُشَكُّ فيه لم يُنْفِذْهُ له ولم يَثْبُتْ له الْكِتَابُ وَإِنْ كان حَكَمَ له بِشَيْءٍ يَرَاهُ بَاطِلًا وهو مِمَّا اخْتَلَفَ الناس فيه فَإِنْ كان يَرَاهُ بَاطِلًا من أَنَّهُ يُخَالِفُ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو قِيَاسًا في مَعْنًى وَاحِدٍ منها فَهَذَا من الْبَاطِلِ الذي يَنْبَغِي له أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كان مِمَّا يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَقَلَّمَا يَكُونُ هذا أَثْبَتَهُ له ولم يُنْفِذْهُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الْحَاكِمِ يَتَوَلَّى منه ما تَوَلَّى وَلَا يُشْرِكُهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لِلْحُكْمِ بِهِ وهو يَرَاهُ بَاطِلًا وَيَقْبَلُ الْقَاضِي كِتَابَ الْقَاضِي في حُقُوقِ الناس في الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَقْبَلُهَا حتى تَثْبُتَ إثْبَاتًا بَيَّنَّا وَالْقَوْلُ في الْحُدُودِ اللَّاتِي لِلَّهِ عز وجل وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فيها كِتَابَ الْقَاضِي وَالْآخَرُ لَا يَقْبَلُهُ حتى تَكُونَ الشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عِنْدَهُ فإذا قَبِلَهَا لم يَقْبَلْهَا إلَّا قَاطِعَةً ( قال ) وإذا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ بِحَقٍّ على رَجُلٍ في مِصْرَ من الْأَمْصَارِ فَأَقَرَّ ذلك الرَّجُلُ أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عليه بِذَلِكَ الْكِتَابِ رَفَعَ في نَسَبِهِ أو لم يَرْفَعْ أو نَسَبَهُ إلَى صَنْعَتِهِ أو لم يَنْسُبْهُ إلَيْهَا أُخِذَ بِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ لم يُؤْخَذْ بِهِ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ هو الْمَكْتُوبُ عليه بهذا الْكِتَابِ فإذا رَفَعَ في نَسَبِهِ أو نَسَبَهُ إلَى صِنَاعَةٍ أو قَبِيلَةٍ أو أَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ فَأَنْكَرَهُ فَقَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بهذا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أُخِذَ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَإِنْ كان في ذلك الْبَلَدِ أو غَيْرِهِ رَجُلٌ يُوَافِقُ هذا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبَ عليه وقال قد يُكْتَبُ بهذا في هذا الْبَلَدِ على غَيْرِي مِمَّنْ يُوَافِقُ هذا الِاسْمِ وقد يَكُونُ بِهِ من غَيْرِ أَهْلِهِ مِمَّنْ يُوَافِقُ هذا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ لم يَقْضِ على هذا بِشَيْءٍ حتى يُبَايِنَ بِشَيْءٍ لَا يُوَافِقُهُ غَيْرُهُ أو يُقِرَّ أو تَقْطَعَ بَيِّنَةٌ على أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ هذا لم يُؤْخَذْ بِهِ ( قال ) وإذا كان بَلَدٌ بِهِ قَاضِيَانِ كَبَغْدَادَ فَكَتَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ من الْبَيِّنَةِ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْبَلَهَا حتى تُعَادَ عليه إنَّمَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ في الْبَلَدِ الثَّانِيَةِ التي لَا يُكَلَّفُ أَهْلُهَا إتْيَانَهُ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ وَالْأَمِيرِ إلَى الْقَاضِي وَالْخَلِيفَةِ إلَى الْقَاضِي سَوَاءٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كما وَصَفْت من كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي - * أَجْرُ الْقَسَّامِ - *

(6/212)


مِمَّا يَخْرُجُ من الْجُعْلِ فَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ كان في نَفْسِي من أَنْ أَجْعَلَ عليه شيئا وهو مِمَّنْ لَا رِضًا له شَيْءٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَرَاضَى الْقَوْمُ بِالْقَاسِمِ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ كان بَصِيرًا بِالْقَسْمِ أو لم يَكُنْ بَصِيرًا بِهِ فَقَسَمَ فَلَا أَنْفَذَ قَسْمَهُ إذَا كان بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ حتى يَتَرَاضَوْا بعد ما يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم ما صَارَ له فإذا رَضُوا أَنْفَذْتُهُ بَيْنَهُمْ كما أَنْفَذَ بَيْنَهُمْ لو قَسَمُوا من أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ أو غَائِبٌ أو مَوْلًى عليه لم أَنْفَذَ من الْقَسْمِ شيئا إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فإذا كان بِأَمْرِ الْحَاكِمِ نَفَذَ وإذا تَدَاعَى الْقَوْمُ إلَى الْقَسْمِ وَأَبَى عليهم شُرَكَاؤُهُمْ فَإِنْ كان ما تَدَاعَوْا إلَيْهِ يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ حتى يَنْتَفِعَ وَاحِدٌ منهم بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مَقْسُومًا أَجْبَرْتهمْ على الْقَسْمِ وَإِنْ لم تَنْتَفِعْ الْبَقِيَّةُ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ إذَا بَعَّضَ بَيْنَهُمْ وَأَقُولُ لِمَنْ كَرِهَ الْقِسْمَةَ إنْ شِئْتُمْ جَمَعْت لَكُمْ حُقُوقَكُمْ فَكَانَتْ مُشَاعَةً تَنْتَفِعُونَ بها وَأَخْرَجْت لِطَالِبِ الْقَسْمِ حَقَّهُ كما طَلَبَهُ وَإِنْ شِئْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ نَفَعَكُمْ ذلك أو لم يَنْفَعْكُمْ وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقَسْمَ وهو لَا يَنْتَفِعُ بِحَقِّهِ وَلَا غَيْرُهُ لم أَقْسِمْ ذلك له وَكَأَنَّ هذا مِثْلُ السَّيْفِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أو الْعَبْدُ وما أَشْبَهَهُ فإذا طَلَبُوا مِنِّي أَنْ أَبِيعَ لهم فَأَقْسِمَ بَيْنَهُمْ الثَّمَنَ لم أَبِعْ لهم شيئا وَقُلْت لهم تَرَاضَوْا في حُقُوقِكُمْ فيه بِمَا شِئْتُمْ كَأَنَّهُ كان ما بَيْنَهُمْ سَيْفٌ أو عَبْدٌ أو غَيْرُهُ - * السُّهْمَانُ في الْقَسْمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ إذَا أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يُحْصِيَ أَهْلَ الْقَسْمِ وَيَعْلَمَ مَبْلَغَ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ كان منهم من له سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ قَسَمَهُ على أَقَلِّ السُّهْمَانِ وهو السُّدُسُ فَجَعَلَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمًا وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَ الدَّارَ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَكَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِ السُّهْمَانِ في رِقَاعٍ من قَرَاطِيسَ صِغَارٍ ثُمَّ أَدْرَجَهَا في بُنْدُقٍ من طِينٍ ثُمَّ دَوَّرَ الْبُنْدُقَ فإذا اسْتَوَى دَرَجَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ في حِجْرِ رَجُلٍ لم يَحْضُرْ الْبُنْدُقَةَ وَلَا الْكِتَابَ أو حِجْرِ عَبْدٍ أو صَبِيٍّ ثُمَّ جَعَلَ السُّهْمَانَ فَسَمَّاهَا أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا ثُمَّ قال أَدْخِلْ يَدَك وَأَخْرِجْ على الْأَوَّلِ بُنْدُقَةً وَاحِدَةً فإذا أَخْرَجَهَا فَضَّهَا فإذا خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِهَا جُعِلَ له السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كان صَاحِبُ السُّدُسِ فَهُوَ له وَلَا شَيْءَ له غَيْرُهُ وَإِنْ كان صَاحِبُ الثُّلُثِ فَهُوَ له وَالسَّهْمُ الذي يَلِيهِ وَإِنْ كان صَاحِبَ النِّصْفِ فَهُوَ له وَالسَّهْمَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِهِ ثُمَّ يُقَالُ أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً على السَّهْمِ الْفَارِغِ الذي يَلِي ما خَرَجَ فإذا خَرَجَ فيها اسْمُ رَجُلٍ فَهُوَ كما وَصَفْت حتى تَنْفُذَ السُّهْمَانُ وإذا قَسَمَ أَرْضًا فيها أَصْلٌ أو بِنَاءٌ أو لَا أَصْلَ فيها وَلَا بِنَاءَ فَإِنَّمَا يَقْسِمُهَا على الْقِيمَةِ لَا على الذَّرْعِ فَيُقَوِّمُهَا قِيَمًا ثُمَّ يَقْسِمُهَا كما وَصَفْت وَإِنْ كان الْمَقْسُومُ عليهم بَالِغِينَ فَاخْتَارُوا أَنْ نَقْسِمَهَا على الذَّرْعِ ثُمَّ نُعِيدَ عليها الْقِيمَةَ ثُمَّ يُضْرَبُ عليها بِالسُّهْمَانِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ على مَوْضِعٍ أَخَذَهُ وإذا فَضَلَ رَدَّ ( 2 ) فيه عليه وَأَخَذَ فَضْلًا إنْ كان فيه لم نُجِزْ الْقَسْمَ بَيْنَهُمْ حتى يَلْزَمَ على هذا إلَّا بعد ما يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِمَوْقِعِ سَهْمِهِ وما يَلْزَمُهُ وَيَسْقُطُ عنه فإذا عَلِمَهُ كما يَعْلَمُ الْبُيُوعَ ثُمَّ رضي بِهِ أَجَزْته في ذلك الْوَقْتِ لَا على الْأَوَّلِ كما كُنْت أُلْزِمُهُمْ الْقُرْعَةَ الْأُولَى وَلَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوهُ مَتَى شاؤوا وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ أو مَوْلًى عليه لم يَجُزْ هذا الْقَسْمُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْقَسْمُ حتى يُجْبَرَ عليه إذَا كان كما وَصَفْت في الْقَسْمِ الْأَوَّلِ يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم لَا شَيْءَ له وَلَا عليه إلَّا ما كان خَرَجَ عليه سَهْمُهُ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الرَّجُلُ الدَّارَ بين الْقَوْمِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الْقَسَّامُ على ما قَسَمُوا قَسَمُوا ذلك بِأَمْرِ الْقَاضِي أو بِغَيْرِ أَمْرِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ على فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمَقْسُومَ عليهم ( 1 ) لو أَنْكَرُوا إنَّهُمْ لم يَقْسِمُوا عليهم لم يَكُنْ لهم جُعْلٌ وَلَا بُدَّ لِلْقَسَّامِ من أَنْ يَأْتُوا بِشُهُودٍ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ على فِعْلِهِمْ

(6/213)


فَيَجْعَلَ لِبَعْضِهِمْ سُفْلًا وَلِبَعْضِهِمْ عُلْوًا لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ أَنَّ من مَلَكَ السُّفْلَ مَلَكَ ما تَحْتَهُ من الْأَرْضِ وما فَوْقَهُ من الْهَوَاءِ فإذا أعطى هذا سُفْلًا لَا هَوَاءَ له وأعطى هذا عُلْوًا لا سفل له فَقَدْ أعطى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على غَيْرِ أَصْلِ ما يَمْلِكُ الناس وَلَكِنَّهُ يَقْسِمُ ذلك بِالْقِيمَةِ وَلَا يُعْطِي أَحَدًا بُقْعَةً إلَّا ما مَلَّكَهُ ما تَحْتَهَا وَهَوَاءَهَا وَإِنْ كان في الناس قُسَّامٌ عُدُولٌ أَمَرَ الْقَاضِي من يَطْلُبُ الْقَسْمَ أَنْ يَخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ قُسَّامًا عُدُولًا إنْ شاؤوا من غَيْرِهِمْ وَإِنْ رَضُوا بِوَاحِدٍ لم يُقْبَلْ ذلك حتى يَجْتَمِعُوا على اثْنَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُشْرِكَ بين قسامه في الْجُعْلِ فَيَتَحَكَّمُوا على الناس وَلَكِنْ يَدَعُ الناس حتى يَسْتَأْجِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ من شاؤوا - * ما يُرَدُّ من الْقَسْمِ بِادِّعَاءِ بَعْضِ الْمَقْسُومِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَدْلُ يَجِبُ على الْقَاضِي في الْحُكْمِ وفي النَّظَرِ في الْحُكْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ في الْمَدْخَلِ عليه وَالِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا وَالْإِنْصَاتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى تَنْفَدَ حُجَّتُهُ وَحُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا وَلَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِإِقْبَالٍ دُونَ الْآخَرِ وَلَا يَدْخُلُ عليه دُونَ الْآخَرِ وَلَا بِزِيَارَةٍ له دُونَ الْآخَرِ وَلَا يَنْهَرُهُ وَلَا يَنْهَرُ الْآخَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من أَقَلِّ عَدْلِهِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن عِرْضِ صَاحِبِهِ وَأَنْ يُغِيرَ على من نَالَ من عِرْضِ صَاحِبِهِ بِقَدْرِ ما يَسْتَوْجِبُ بِقَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُلَقِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حُجَّةً وَلَا بَأْسَ إذَا جَلَسَا أَنْ يَقُولَ تَكَلَّمَا أو يَسْكُتَ حتى يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ الطَّالِبُ فإذا أَنْفَدَ حُجَّتَهُ تَكَلَّمَ الْمَطْلُوبُ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُضَيِّفَ الْخَصْمَ إلَّا وَخَصْمُهُ معه وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْبَلَ منه هَدِيَّةً وَإِنْ كان يُهْدِي له قبل ذلك حتى تَنْفَدَ خُصُومَتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ إذَا حَضَرَ الْقَاضِيَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِنْ كان الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمْ وَإِنْ جَعَلَ لهم يَوْمًا بِقَدْرِ ما لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَيَرْفُقُ بِالْمُسَافِرِينَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَثُرُوا حتى يُسَاوُوا أَهْلَ الْبَلَدِ أُسًّا بِهِمْ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ حَقًّا وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ في مَوْضِعٍ بَارِزٍ وَيَقْدَمَ الناس الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ لَا يَقْدَمُ رَجُلًا جاء قَبْلَهُ غَيْرُهُ وإذا قَدِمَ الذي جاء أَوَّلًا وَخَصْمُهُ وكان له خُصُومٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا معه لم يَنْبَغِ له أَنْ يَسْمَعَ إلَّا منه وَمِنْ خَصْمٍ وَاحِدٍ فإذا فَرَغَا أَقَامَهُ وَدَعَا الذي جاء بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ أُخَرُ وَيَكُونُ آخِرَ من يَدْعُو وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي إلَّا بعد ما يَتَبَيَّنُ له الْحَقُّ بِخَبَرِ مُتَّبِعٍ لَازِمٍ أو قِيَاسٍ فَإِنْ لم يَبِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَسَمَ الْقَسَّامُ بَيْنَهُمْ فَادَّعَى بَعْضٌ الْمَقْسُومَ بَيْنَهُمْ غَلَطًا كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ على ما يقول من الْغَلَطِ فَإِنْ جاء بها رُدَّ الْقَسْمُ عنه ( قال ) وإذا قُسِّمَتْ الدَّارُ بين نَفَرٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أو لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ فَبِيعَ بَعْضُهَا انْتَقَضَ الْقَسْمُ وَيُقَالُ لهم في الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُعْطُوا أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ أَنْفَذْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ وَإِنْ لم تَطَّوَّعُوا ولم نَجِدْ لِلْمَيِّتِ مَالًا إلَّا هذه الدَّارَ بِعْنَا منها وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ ( قال ) فإذا جاء الْقَوْمُ فَتَصَادَقُوا على مِلْكِ دَارٍ بَيْنَهُمْ وَسَأَلُوا الْقَاضِيَ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ لم أُحِبَّ أَنْ يَقْسِمَهَا وَيَقُولُ إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَقْسِمُوا بين أَنْفُسِكُمْ أو يَقْسِمَ بَيْنَكُمْ من تَرْضَوْنَ فَافْعَلُوا وَإِنْ أَرَدْتُمْ قَسْمِي فَأَثْبِتُوا الْبَيِّنَةَ على أُصُولِ حُقُوقِكُمْ فيها وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قَسَمْت بِلَا بَيِّنَةٍ فَجِئْتُمْ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنِّي قَسَمْت بَيْنَكُمْ هذه الدَّارَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِي كان شَبِيهًا أَنْ يَجْعَلَهَا حُكْمًا مِنِّي لَكُمْ بها وَلَعَلَّهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ ليس لَكُمْ فيها شَيْءٌ فَلَا نَقْسِمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وقد قِيلَ يَقْسِمُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ إنَّمَا قَسَمَ على إقْرَارِهِمْ وَلَا يُعْجِبُنِي هذا الْقَوْلُ لِمَا وَصَفْت فإذا تَرَكَ الْمَيِّتُ دُورًا مُتَفَرِّقَةً أو دُورًا وَرَقِيقًا أو دُورًا وَأَرَضِينَ فَاصْطَلَحَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ بَالِغُونَ من ذلك على شَيْءٍ يَصِيرُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لم أَرْدُدْهُ وَإِنْ تَشَاحُّوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْسِمَ له دَارًا كما هِيَ ويعطى غَيْرَهُ بِقِيمَتِهَا دَارًا غَيْرَهَا بِقِيمَتِهَا لم يَكُنْ ذلك له وَيَقْسِمُ كُلَّ دَارٍ بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ منهم حَقَّهُ وَكَذَلِكَ الْأَرَضِينَ وَالثِّيَابَ وَالطَّعَامَ وَكُلُّ ما احْتَمَلَ أَنْ يُقْسَمَ

(6/214)


ذلك له لم يَقْطَعْ حُكْمًا حتى يَتَبَيَّنَ له وَيَسْتَظْهِرَ بِرَأْيِ أَهْلِ الرَّأْيِ ( قال ) وإذا أَشَارُوا عليه بِشَيْءٍ ليس بِخَبَرٍ فلم يَبِنْ له من ذلك أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْضِيَ وَلَوْ كَانُوا فَوْقَهُ في الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ إلَّا مَوْجُودًا إمَّا خَبَرٌ لَازِمٌ وَإِمَّا قِيَاسٌ يُبَيِّنُهُ له الْمَرْءُ فَيَعْقِلُهُ فإذا بَيَّنَهُ له فلم يَعْقِلْهُ فَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا من رَجُلَيْنِ إمَّا رَجُلٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ غَلِطَ عليه من أَشَارَ عليه فقال له أنت تَجِدُ ما لَا نَجِدُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ من مُخْطِئٍ عِنْدَهُ وَإِمَّا رَجُلٌ لَا يَعْقِلُ إذَا عَقَلَ فَهَذَا لَا يَحِلُّ له أَنْ يَقْضِيَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَهُ وإذا كنا نَرُدُّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ على ما لَا يَعْقِلُ مِمَّا يُشْتَبَهُ عليه فَحُكْمُ الْحَاكِمِ فِيمَا لَا يَعْقِلُ أَوْلَى بِالرَّدِّ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ من رُفِعَ إلَيْهِ صَوَابًا فَيُنْفِذُ الصَّوَابَ حَيْثُ كان ( قال ) وَلَا يُلَقِّنُ الْقَاضِي الشَّاهِدَ وَيَدَعُهُ يَشْهَدُ بِمَا عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ يُوقِفُهُ وَالتَّوْقِيفُ غَيْرُ التَّلْقِينِ ( قال ) وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْتَهِرَ الشَّاهِدَ وَلَا يَتَعَنَّتَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فإذا عُدِّلَ سَأَلَ تَعْدِيلَهُ عَلَانِيَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدَّلَ سِرًّا هو هذا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ اسم ( ( ( اسمه ) ) ) اسما ( ( ( اسمه ) ) ) ونسب ( ( ( ونسبه ) ) ) نسبا ( ( ( نسبه ) ) ) ( قال ) وإذا وَجَدَ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ شَهَادَةً وَلَا يَذْكُرُ منها شيئا لم يَقْضِ بها حتى يُعِيدَ الشُّهُودَ أو يَشْهَدَ شُهُودٌ على شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ خَافَ النِّسْيَانَ وَالْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ تَقَدَّمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ إلَيْهِمْ بِأَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَتِهِمْ من حَضَرَهُمْ من كُتَّابِهِ وَيُوَقِّعَ على شَهَادَتِهِمْ كما وَصَفْت وإذا ذَكَرَ شَهَادَاتِهِمْ حَكَمَ بها وَإِلَّا شَهِدَ عليها من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَيَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ قد يَحْتَالُ لِكِتَابٍ فَيَطْرَحُ في دِيوَانِهِ الْخَطَّ فَيُشْبِهُ الْخَطُّ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ الْخَاتَمَ وَهَكَذَا لو كان شَاهِدٌ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ في مَنْزِلِهِ وَيُخْرِجُهَا لم يَشْهَدْ بها حتى يَذْكُرَهَا ( قال ) وما وُجِدَ في دِيوَانِ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ من شَهَادَةٍ أو قَضَاءٍ غَيْرِ مَشْهُودٍ عليه لم يُقْبَلْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي للامام أَنْ يَجْعَلَ مع رِزْقِ الْقَاضِي شيئا لِقَرَاطِيسِهِ وَصُحُفِهِ فإذا فَعَلَ ذلك لم يُكَلِّفْ الطَّالِبَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَحِيفَةٍ وَإِنْ لم يَفْعَلْ قال الْقَاضِي لِلطَّالِبِ إنْ شِئْت جِئْت بِصَحِيفَةٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْك وَكِتَابِ خُصُومَتِك وَإِلَّا لم أُكْرِهْك ولم أَقْبَلْ مِنْك أَنْ يَشْهَدَ عِنْدِي شَاهِدٌ السَّاعَةَ بِلَا كِتَابٍ وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ ( قال ) وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّاهِدِ إلَّا بِمَحْضَرٍ من الْخَصْمِ الْمَشْهُودِ عليه فَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ منه فَلَا بَأْسَ وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَهَا عليه لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ فيها وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِكُلِّ من شَهِدَ عليه لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ في شَهَادَاتِهِمْ وَحُجَّتَهُ إنْ كانت عِنْدَهُ ما يَجْرَحُهُمْ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةً على غَائِبٍ وَكَتَبَ بها إلَى قَاضٍ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ قبل أَنْ يُمْضِيَ الْكِتَابَ لم يُكَلِّفْ الشُّهُودَ أَنْ يَعُودُوا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَقْرَأَ عليه شَهَادَتَهُمْ وَنُسْخَةَ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَيُوَسِّعَ عليه في طَلَبِ جَرْحِهِمْ أو الْمَخْرَجِ مِمَّا شَهِدُوا بِهِ عليه فَإِنْ لم يَأْتِ بِذَلِكَ حَكَمَ عليه ( قال ) وَلَوْ مَضَى الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لم يَنْبَغِ له أَنْ يَقْضِيَ عليه حتى يَحْضُرَهُ إنْ كان حَاضِرًا وَيَقْرَأَ عليه الْكِتَابَ وَنُسْخَةَ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ وَيُوَسِّعَ عليه في طَلَبِ الْمَخْرَجِ من شَهَادَاتِهِمْ فَإِنْ جاء بِذَلِكَ وَإِلَّا قَضَى عليه ( قال ) وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على عَبْدٍ مَوْصُوفٍ أو دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ له بِبَلَدٍ آخَرَ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ هذا الْعَبْدَ الذي شَهِدَ لَك بِهِ الشُّهُودُ لَعَبْدُك أو دَابَّتُك لَفِي مِلْكِك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقِفَ الشَّاهِدُ على شَهَادَتِهِ وَيَكْتُبَ بين يَدَيْهِ أو نَاحِيَةً ثُمَّ يَعْرِضُ عليه وَالشَّاهِدُ يَسْمَعُ وَلَا يَقْبَلُهَا في مَجْلِسٍ لم يُوَقِّعْ فيها بيده أو كَاتِبُهُ حَيْثُ يَرَاهُ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُخَلِّيَ الْكَاتِبَ يَغِيبُ على شَيْءٍ من الْإِيقَاعِ من كِتَابِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يُعِيدَهُ عليه فَيَعْرِضَهُ وَالشَّاهِدُ حَاضِرٌ ثُمَّ يَخْتِمُ عليها بِخَاتَمِهِ وَيَرْفَعُهَا في قِمَطْرِهِ ( قال ) فَإِنْ أَرَادَ الْمَشْهُودُ له أَنْ يَأْخُذَ نُسْخَتَهَا أَخَذَهَا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَضُمَّ الشَّهَادَاتِ بين الرَّجُلَيْنِ وَحُجَّتَهُمَا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَكْتُبَ تَرْجَمَتَهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَالشَّهْرَ الذي كانت فيه لِيَكُونَ أَعْرَفَ لها إذَا طَلَبَهَا فإذا مَضَتْ السَّنَةُ عَزَلَهَا وَكَتَبَ خُصُومَةُ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا حتى تَكُونَ كُلُّ سَنَةٍ مَعْرُوفَةً وَكُلُّ شَهْرٍ مَعْرُوفًا

(6/215)


ما خَرَجَتْ من مِلْكِك بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا من بَلَدِهِ إلَى كل بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ وَأَحْضَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ أو دَابَّةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ وقد قال بَعْضُ الْحُكَّامِ يَخْتِمُ في رَقَبَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَبْعَثُ بِهِ إلَى ذلك الْبَلَدِ وَيَأْخُذُ من هذا كَفِيلًا بقيمها ( ( ( يقيمها ) ) ) فَإِنْ قَطَعَ عليه الشُّهُودُ بعد ما رَأَيَا سُلِّمَ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَقْطَعُوا رُدَّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وقد قال غَيْرُهُ إذَا وَافَقَ الصِّفَةَ حَكَمْت له وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْكُمَ له حتى يَأْتِيَ الشُّهُودُ الْمَوْضِعَ الذي فيه تِلْكَ الدَّابَّةُ فَيَشْهَدُوا عليها وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَلَا يَخْرُجُ من يَدَيْ صَاحِبِهِ الذي هو في يَدَيْهِ بهذا إذَا كان يَدَّعِيهِ أو يَقْضِي له بِالصِّفَةِ كما يَقْضِي على الْغَائِبِ يَشْهَدُ عليه بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ يُمْلَكُ من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ ( قال ) وما بَاعَ الْقَاضِي على حَيٍّ أو مَيِّتٍ فَلَا عُهْدَةَ عليه وَالْعُهْدَةُ على الْمَبِيعِ عليه وَاخْتَلَفَ الناس في عِلْمِ الْقَاضِي هل له أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَقْضِيَ بِكُلِّ ما عَلِمَ قبل الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا أُرِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّ ما ادَّعَى كما ادَّعَى في الظَّاهِرِ فإذا قَبِلْته على صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ في الظَّاهِرِ كان عِلْمِي أَكْثَرَ من شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أو لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ من عِلْمِهِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا في غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِشَيْءٍ على مِثْلِ ما عَلِمَ فَيَكُونَ عِلْمُهُ وَجَهْلُهُ سَوَاءً إذَا تَوَلَّى الْحُكْمَ فَيَأْمُرُ الطَّالِبَ أَنْ يُحَاكِمَ إلَى غَيْرِهِ وَيَشْهَدُ هو له فَيَكُونُ كَشَاهِدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَلَّى الْحُكْمَ غَيْرُهُ وَهَكَذَا قال شُرَيْحٌ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يَقْضِيَ له بِعِلْمِهِ فقال ائْتِ الْأَمِيرَ وَأَشْهَدُ لَك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَنْفَذَ ذلك وهو حَاكِمٌ لم يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عليه أَنْ يَتْبَعَهُ بِشَيْءٍ منه إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ أو ما يَدُلُّ على الْجَوْرِ فَيَكُونُ مُتَّبِعًا في ذلك كُلِّهِ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الْقَاضِي عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَشِرَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ له أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ حَكَمَ رُدَّ حُكْمُهُ وَكَذَلِكَ لو حَكَمَ لِوَلَدِهِ أو وَالِدِهِ وَمَنْ لَا تَجُوزُ له شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِكُلِّ من جَازَتْ له شَهَادَتُهُ من أَخٍ وَعَمٍّ وبن عَمٍّ وَمَوْلًى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عُزِلَ الْقَاضِي عن الْقَضَاءِ وقال قد كُنْت قَضَيْت لِفُلَانٍ على فُلَانٍ لم يُقْبَلْ ذلك منه حتى يَأْتِيَ الْمَقْضِيُّ له بِشَاهِدَيْنِ على أَنَّهُ حَكَمَ له قبل أَنْ يُعْزَلَ ( قال ) وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ على رَجُلٍ أَنْ يُجْلِسَهُ وَيُبَيِّنَ له وَيَقُولَ له احْتَجَجْت عِنْدِي بِكَذَا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْك بِكَذَا وَاحْتَجَّ خَصْمُك بِكَذَا فَرَأَيْت الْحُكْمَ عَلَيْك من قِبَلِ كَذَا لِيَكُونَ أَطْيَبَ لِنَفْسِ الْمَحْكُومِ عليه وَأَبْعَدَ من التُّهْمَةِ وَأَحْرَى إنْ كان الْقَاضِي غَفَلَ من ذلك عن مَوْضِعٍ فيه حُجَّةٌ أَنْ يُبَيِّنَهُ فَإِنْ رَأَى فيها شيئا يُبَيِّنُ له أَنْ يَرْجِعَ أو يُشْكِلُ عليه أَنْ يَقِفَ حتى يَتَبَيَّنَ له فَإِنْ لم يَرَ فيها شيئا أخبره أَنَّهُ لَا شَيْءَ له فيها وَأَخْبَرَهُ بِالْوَجْهِ الذي رَأَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ له فيها وَإِنْ لم يَفْعَلْ جَازَ حُكْمُهُ غير أَنَّ قد تَرَكَ مَوْضِعَ الْأَعْذَارِ إلَى الْمَقْضِيِّ عليه عِنْدَ الْقَضَاءِ ( قال ) وَأُحِبُّ للامام إذَا وَلِيَ الْقَضَاءَ أَنْ يُجْعَلَ له أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ في الطَّرَفِ من أَطْرَافِهِ وَالشَّيْءِ من أُمُورِهِ الرَّجُلَ فَيُجَوِّزُ حُكْمَهُ وَإِنْ لم يُجْعَلْ ذلك له فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِ وَالٍ قال لم يَنْبَغِ لِلْقَاضِي أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَ ذلك الْقَاضِي الذي اسْتَقْضَاهُ ولم يَجْعَلْ إلَيْهِ وَإِنْ أَنْفَذَهُ كان إنْفَاذُهُ إيَّاهُ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْفَاذُهُ إيَّاهُ على اسْتِئْنَافِ حُكْمٍ بين الْخَصْمَيْنِ فإذا كان إنَّمَا هو لِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وإذا كان الْأَمْرُ بَيِّنًا عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا يَخْتَصِمُ فيه الْخَصْمَانِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصُّلْحِ وَأَنْ يَتَحَلَّلَهُمَا من أَنْ يُؤَخِّرَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ فَإِنْ لم يَجْتَمِعَا على تَحْلِيلِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِلْمُهُ بِحُدُودِ اللَّهِ التي لَا شَيْءَ فيها لِلْآدَمِيِّينَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَحُقُوقِ الناس وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلنَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ لم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلَّهِ ثُمَّ رَجَعَ قبل رُجُوعِهِ وَالْقَاضِي مُصَدَّقٌ عِنْدَ من أَجَازَ له الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ منه عِنْدَ من لم يُجِزْهُ له فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةً قَامَتْ عِنْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ على ما ذَكَرَ منها وَهَكَذَا كُلُّ ما حَكَمَ بِهِ من طَلَاقٍ أو قِصَاصٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِ

(6/216)


لم يَكُنْ له تَرْدِيدُهُمَا وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا مَتَى بَانَ له وَإِنْ أَشْكَلَ الْحُكْمُ عليه لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا طَالَ ذلك أو قَصُرَ عليه الْأَنَاةُ إلَى بَيَانِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ قبل الْبَيَانِ ظُلْمٌ وَالْحَبْسُ بِالْحُكْمِ بَعْدَ الْبَيَانِ ظُلْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْإِقْرَارُ وَالْمَوَاهِبُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا إذَا قال له على مَالٍ قِيلَ له أَقِرَّ بِمَا شِئْت لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَهَكَذَا إذَا قال له على مَالٍ كَثِيرٍ أو مَالٍ عَظِيمٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في ذلك قِيلَ قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْعَمَلَ فقال { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فإذا كُوفِئَ على مِثْقَالِ ذَرَّةٍ في الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كانت عَظِيمًا وَلَا شَيْءَ من الْمَالِ أَقَلُّ من مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فَأَمَّا من ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يقضى عليه بِمَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ فَلَا أَعْلَمُهُ ذَهَبَ إلَيْهِ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا أَرَأَيْت مِسْكَيْنَا يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا فقال لِرَجُلٍ على مَالٌ عَظِيمٌ وَمَعْرُوفٌ منه أَنَّهُ يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا أُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَرَأَيْت خَلِيفَةً أو نَظِيرًا لِلْخَلِيفَةِ يَرَى أَلْفَ أَلْفٍ قَلِيلًا أَقَرَّ لِرَجُلِ فقال له على مَالٌ عَظِيمٌ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ أُعْطِيَهُ من هذا فَإِنْ قُلْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالْعَامَّةُ تَعْرِفُ أَنَّ قَوْلَ هذا عَظِيمٌ مِمَّا يَقَعُ في الْقَلْبِ أَكْثَرُ من أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فتعطي منه التَّافِهَ فَتَظْلِمُ في مَعْنَى قَوْلِك الْمُقَرَّ له إذَا لم يَكُ عِنْدَك فيه مَحْمَلٌ إلَّا كَلَامُ الناس وَتَظْلِمُ الْمِسْكِينَ الْمُقِرَّ الذي يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له على دَرَاهِمُ فقال كَثِيرَةٌ أو عَظِيمَةٌ أو لم يَقُلْهَا فَسَوَاءٌ وَأُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُقَرُّ له أَكْثَرَ من ذلك فَأَحْلِفُ الْمُقِرَّ فَإِنْ حَلَفَ لم أَزِدْهُ على ثَلَاثَةٍ وَإِنْ نَكَلَ قُلْت لِلْمُدَّعِي إنْ شِئْت فَخُذْ ثَلَاثَةً بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ على أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ وَخُذْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له عَلَيَّ أَلْفٌ ردوهم ( ( ( ودرهم ) ) ) ولم يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ إنْ شِئْت فُلُوسًا وَإِنْ شِئْت تَمْرًا وَإِنْ شِئْت خُبْزًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا مَعَهَا وَاحْلِفْ أَنَّ الْأَلْفَ التي أَقْرَرْت له بها هِيَ هذه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال هذا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ وَفَصُّهُ لي أو لِفُلَانٍ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ هذا الْخَاتَمُ إلَّا فَصَّهُ لِفُلَانٍ أو لِفُلَانٍ فَالْخَاتَمُ لِفُلَانٍ وَالْفَصُّ له أو لِفُلَانٍ وَلَوْ أَوْصَى فقال خَاتَمِي هذا لِفُلَانٍ وَفَصُّهُ لِفُلَانٍ كان لِفُلَانٍ الْخَاتَمُ وَلِفُلَانٍ الْمُوصَى له الْفَصُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَصَّ يَتَمَيَّزُ من الْخَاتَمِ حتى يَكُونَ ثَمَّ اسْمُ خَاتَمٍ لَا فَصَّ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ حتى يَكُونَا بَالِغَيْنِ رَشِيدَيْنِ غير مَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا وَمَنْ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لم يَجُزْ إقْرَارُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كان له أَبٌ أو لم يَكُنْ وَسَوَاءٌ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ أو لم يُؤْذَنْ له وهو مُخَالِفٌ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ يُؤْذَنْ له في التِّجَارَةِ الْعَبْدُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ تِجَارَتُهُ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ وإذا أَذِنَ له رَبُّ الْمَالِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَإِقْرَارُهُ في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرُ الْبَالِغِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا كان مَالِكًا لِمَالٍ وكان في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَأَنْ يولي عليه حتى يَبْلُغَ حُلُمًا وَرُشْدًا لم يَكُنْ للادميين أَنْ يُطْلِقُوا ذلك عنه وَلَا يَجُوزُ عليه بِإِذْنِهِمْ ما لَا يَجُوزُ عليه لِنَفْسِهِ وهو حُرٌّ مَالِكٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم يَجُزْ إقْرَارُ غَيْرِ الْبَالِغِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا وَلَا خَطَأً وَإِقْرَارُهُ في التِّجَارَةِ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْعَبْدُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ في الْقَتْلِ وَالْحَدِّ وَالْقَطْعِ فَهُوَ مُفَارِقٌ له بِخِلَافِهِ له وَلُزُومِ حُدُودِهِ له وَلَا حَدَّ على غَيْرِ بَالِغٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً لم يَلْزَمْ
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ جَحَدَ قِيلَ له أَقِرَّ بِمَا شِئْت مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ تَمْرَةٍ أو فَلْسٍ أو ما أَحْبَبْت ثُمَّ احلف ما هو إلَّا هذا وما له عَلَيْك شَيْءٌ غَيْرُ هذا وقد بَرِئْت فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي الْمَقَرِّ له فَقِيلَ له سَمِّ ما شِئْت فإذا سَمَّى قِيلَ لِلْمُقِرِّ إنْ حَلَفْت على هذا بَرِئْت وَإِلَّا رَدَدْنَا عليه الْيَمِينَ فَحَلَفَ فَأَعْطَيْنَاهُ وَلَا نَحْبِسُهُ

(6/217)


مَوْلَاهُ من إقْرَارِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ عليه وَيَلْزَمُهُ ذلك إذَا عَتَقَ ( 1 ) (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْعَارِيَّةِ فقال لَا يَضْمَنُ منها شيئا إلَّا ما تَعَدَّى فيه فَسُئِلَ من أَيْنَ قَالَهُ فَزَعَمَ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَهُ فَقِيلَ له قد تُخَالِفُ شُرَيْحًا حَيْثُ لَا مُخَالِفَ له قال فما حُجَّتُكُمْ في تَضْمِينِهَا قُلْنَا إستعار رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفْوَانَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ قال أَفَرَأَيْت لو قُلْنَا فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ وَإِنْ لم يَشْرُطْهُ لم يَضْمَنْ قُلْنَا فَأَنْتَ إذَا تَتْرُكُ قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَلَيْسَ قَوْلُك إنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قال بَلَى قُلْنَا فما تَقُولُ في الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَنَّهُ ضَامِنٌ أو الْمُضَارِبُ أَنَّهُ ضَامِنٌ قال لَا يَكُونُ ضَامِنًا في وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْنَا فما تَقُولُ في الْمُسْتَسْلِفِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ قال لَا شَرْطَ له وَيَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا وَتُرَدُّ الْأَمَانَةُ إلَى أَصْلِهَا وَالْمَضْمُونُ إلَى أَصْلِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا جميعا قال نعم قُلْنَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في الْعَارِيَّةِ وَبِذَلِكَ شَرَطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها مَضْمُونَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ أنها مَضْمُونَةٌ إلَّا لِمَا يَلْزَمُ قال فَلِمَ شَرَطَ قُلْنَا لِجَهَالَةِ الْمَشْرُوطِ له كان مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ ما ضَرُّ الشَّرْطِ له إذَا كان أَصْلُ الْعَارِيَّةِ أنها مَضْمُونَةٌ بِلَا شَرْطٍ كما لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَخَلَاصُ عَبْدِك في الْبَيْعِ وَلَوْ لم يَشْتَرِطْ كان عَلَيْك الْعُهْدَةُ وَالْخَلَاصُ أو الرَّدُّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال وَهَلْ قال هذا أَحَدٌ قُلْنَا في هذا كِفَايَةٌ وقد قال أبو هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما ( ( ( عنهم ) ) ) إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وكان قَوْلُ أبي هُرَيْرَةَ في بَعِيرٍ اُسْتُعِيرَ فَتَلِفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ في دَابَّةٍ فقال رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتُكَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَرَكِبْتهَا بِكَذَا وَكَذَا وقال الرَّاكِبُ رَكِبْتهَا عَارِيَّةً مِنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاكِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا كِرَاءَ عليه ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ من قِبَلِ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِرُكُوبِ دَابَّتِي مُدَّعٍ على أَنِّي أَبَحْتُ ذلك له فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَلَّفْت وَأَخَذْت كِرَاءَ الْمِثْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَمَاتَتْ الدَّابَّةُ كان الْكِرَاءُ سَاقِطًا وكان عليه ضَمَانُ الدَّابَّةِ في الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ تَضْمِينُ الْعَارِيَّةِ وَسَوَاءٌ كان رَبُّ الدَّابَّةِ مِمَّنْ يُكْرِي الدَّوَابَّ أو لَا يُكْرِيهَا لِأَنَّ الذي يُكْرِيهَا قد يُعِيرُهَا وَاَلَّذِي يُعِيرُهَا قد يُكْرِيهَا ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الرَّاكِبِ كِرَاءُ مِثْلِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَتَى قُلْت الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ أَلْزَمْته الْكِرَاءَ وَطَرَحْت عنه الضَّمَانَ إذَا تَلِفَتْ ( قال الرَّبِيعُ ) وَكُلُّ ما كان الْقَوْلُ فيه قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ ولم يُعِرْهَا فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فَلَا ضَمَانَ على من جَعَلْنَاهُ مُكْتَرِيًا إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو قال أَعَرْتنِيهَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ بَلْ غَصَبْتنِيهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ في يَدَيْهِ ضَمِنَ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ رَكِبَهَا أو لم يَرْكَبْهَا وإذا رَدَّهَا إلَيْهِ سَالِمَةً فَلَا شَيْءَ عليه رَكِبَهَا أو لم يَرْكَبْهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَارِيَّةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ الدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّيَابُ لَا فَرْقَ بين شَيْءٍ منها فَمَنْ اسْتَعَارَ شيئا فَتَلِفَ في يَدِهِ بِفِعْلِهِ أو بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له وَالْأَشْيَاءُ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أو غير مَضْمُونَةٍ فما كان منها مَضْمُونًا مِثْلَ الْغَصْبِ وما أَشْبَهَهُ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ أو خَفِيَ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَسْلِفِ جَنَيَا فيه أو لم يَجْنِيَا أو غير مَضْمُونٍ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وما خَفِيَ وَالْقَوْلُ فيها قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ مع يَمِينِهِ وَلَا يَضْمَنُ منها شيئا إلَّا ما فَرَّطَ فيه أو تَعَدَّى

(6/218)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال تَكَارَيْتُهَا مِنْك بِكَذَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ اكْتَرَيْتهَا بِكَذَا لِأَكْثَرَ من ذلك فَإِنْ لم يَرْكَبْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَإِنْ رَكِبَ تَحَالَفَا وَرَدَّ عليه كِرَاءَ مِثْلِهَا كان أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى رَبُّ الدَّابَّةِ أو أَقَلَّ ( 1 ) مِمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَنِّي إذَا أَبْطَلَتْ أَصْلَ الْكِرَاءِ وَرَدَدْتهَا إلَى كِرَاءِ مِثْلِهَا لم أَجْعَلْ ما أَبْطَلْتُ عِبْرَةً بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ أَبَدًا إلَّا بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الذي كانت فيه لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لها كان أَمِينًا فَخَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ فلم يُجَدِّدْ له رَبُّ الْمَالِ أَمَانَةً وَلَا يَبْرَأُ حتى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَهَكَذَا الرَّهْنُ إذَا قَضَى الْمُرْتَهِنُ ما فيه ثُمَّ تَعَدَّى فيه ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَيْتِهِ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له حتى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ كُلُّ عَارِيَّةٍ انْتَفَعَ بها صَاحِبُهَا أو لم يَنْتَفِعْ بها فَهِيَ مَضْمُونَةٌ مَسْكَنٌ أو ما أَشْبَهَهُ أو دَنَانِيرُ أو دَرَاهِمُ أو طَعَامٌ أو عَيْنٌ أو ما كان ( قال ) وَلَوْ قال الرَّجُلُ هذا الثَّوْبُ في يَدَيْ بِحَقٍّ لِفُلَانٍ أو في مِلْكِهِ أو في مِيرَاثِهِ أو لِحَقِّهِ أو لِمِيرَاثِهِ أو لِمِلْكِهِ أو لِوَدِيعَةٍ أو بِعَارِيَّةٍ أو بِوَدِيعَةٍ أو قال عِنْدِي فَهُوَ سَوَاءٌ وهو إقْرَارٌ لِفُلَانٍ بِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَفْظًا غير هذا فَيَقُولَ هو عِنْدِي بِحَقِّ فُلَانٍ مَرْهُونٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَيَكُونَ مِلْكُهُ لِلَّذِي أَقَرَّ له بِالْمِلْكِ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا على الْآخَرِ فيه رَهْنٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْآخَرُ وَلَوْ قال قَبَضْته على يَدَيْ فُلَانٍ أو هو عِنْدِي على يَدَيْ فُلَانٍ أو في مِلْكِي على يَدَيْ فُلَانٍ لم يَكُنْ هذا إقْرَارًا منه بِهِ لِفُلَانٍ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إنَّمَا هو قَبَضْته على يَدَيْ فُلَانٍ بِمَعُونَةِ فُلَانٍ أو بِسَبَبِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ أو مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قال هِيَ نَقْصٌ أو هِيَ زَيْفٌ لم يُصَدَّقْ وَلَوْ قال هِيَ من سِكَّةِ كَذَا وَكَذَا صُدِّقَ مع يَمِينِهِ كانت تِلْكَ السِّكَّةُ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ أو وَسَطَهَا أو جَائِزَةً في غَيْرِ ذلك الْبَلَدِ أو غير جَائِزَةٍ كما لو قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ أَعْطَيْنَاهُ أَيَّ ثَوْبٍ أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ كان ذلك الثَّوْبُ مِمَّا لَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ ذلك الْبَلَدِ وَلَا مِثْلُ الرَّجُلِ الْمُقَرِّ له وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ هذا الْعَبْدِ فَتَدَاعَيَا فيه فقال الْبَائِعُ وَضَحٌ وقال الْمُشْتَرِي غَلَّةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَهَذَا مِثْلُ نَقْصُ الثَّمَنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَزْنٌ مَعْلُومٌ يَنْقُصُ ما شَاءَ أو يَنْقُصُ عن وَزْنِ الْعَامَّةِ في دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَهُ نَقْدُ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا فَيَكُونُ له شَرْطُهُ إذَا كان الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ عَالِمَيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا جَاهِلًا فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَازِنَةَ قِيلَ أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تُسَلِّمَهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أو تَنْقُضَ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ تَتَحَالَفَا فإذا قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ سُودٌ فَوَصَلَ الْكَلَامُ فَهِيَ سُودٌ فَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامُ فقال نَاقِصٌ فَهُوَ نَاقِصٌ فَإِنْ قَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال نَاقِصٌ فَهُوَ وَازِنٌ فَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ قِيلَ له عَلَيْك الْوَازِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرَدْت ما هو أَكْبَرُ منه فإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَهُوَ وَازِنٌ وَإِنْ قال دِرْهَمٌ صَغِيرٌ قِيلَ له إنْ كانت لِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ فَعَلَيْك دِرْهَمٌ صَغِيرٌ وَازِنٌ من الصِّغَارِ مع يَمِينِك ما أَقْرَرْت بِدِرْهَمٍ وَافٍ وَكَذَلِكَ ما أَقَرَّ بِهِ من غَصْبٍ أو وَدِيعَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِمَيِّتٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وقال هذا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا وَرَّثَ الْمَرْأَةَ وَالْوَلَدَ الذي وَلَدَتْ وَالِابْنَ حُقُوقَهُمْ من هذه الْمِائَةِ وإذا وَلَدَتْ وَلَدًا لم تَعْرِفْ حَيَاتَهُ لم يَرِثْ من لم تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَمَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ لِلْوَلَدِ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا أو يَرْضَعَ أو يُحَرِّكَ يَدًا أو رِجْلًا تَحْرِيكَ الْحَيَاةِ وَأَيُّ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ الْحَيَاةُ فَهِيَ حَيَاةٌ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلْحَبَلِ فقال لِحَبَلِ هذه الْمَرْأَةِ من فُلَانٍ كَذَا وَالْأَبُ حَيٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ قال أَخَذْتهَا مِنْك عَارِيَّةً أو قال دَفَعْتهَا إلَيَّ عَارِيَّةً وَإِنَّمَا أَضَافَ الْفِعْلَ في كِلَيْهِمَا إلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعَرَبِ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ

(6/219)


من يَوْمِ أَوْصَى بِهِ فَالْوَصِيَّةُ له وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّهُ قد لَا يَكُونُ بها حين أَوْصَى لها حَبَلٌ ثُمَّ يُحْبِلُهَا من بَعْدِ ذلك وَلَوْ كان زَوْجُهَا مَيِّتًا حين أَوْصَى بِالْوَصِيَّةِ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ لِمَا يَلْزَمُ له النَّسَبُ كانت الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّا نَحْكُمُ أَنَّ ثَمَّ يَوْمَئِذٍ حَمْلًا وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَيِّتٍ فَلَا وَصِيَّةَ له حتى تُعْرَفَ حَيَاتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ من بَطْنِهَا وإذا قال له عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا فَهِيَ وَازِنَةٌ وَلَوْ قال له عَلَيَّ مِائَةٌ كُلُّ عَشْرَةٍ منها وَزْنُهَا خَمْسَةٌ كان كما قال إذَا وَصَلَ الْكَلَامَ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ يَنْقُصُ كَذَا وَكَذَا كان كما قال إذَا وَصَلَ الْكَلَامَ وَلَكِنَّهُ لو أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ قَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال بَعْدَ هو نَاقِصٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ كان بِبَلَدٍ دَرَاهِمُهُمْ كُلُّهَا نَقْصٌ ثُمَّ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ كان له دِرْهَمٌ من دَرَاهِمِ الْبَلَدِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ أو دُرَيْهِمَاتٌ أو دَنَانِيرُ أو دنينيرات أو دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أو عَظِيمَةٌ أو دَرَاهِمُ قَلِيلَةٌ أو يَسِيرَةٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثَةُ من أَيِّ صِنْفٍ كان أَقَرَّ بِهِ من دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَحَلَفَ على ما هو أَكْثَرُ منها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال وَهَبْتهَا له أَمْسِ أو عَامَ أَوَّلَ ولم يَقْبِضْهَا وقال الْمَوْهُوبَةُ له بَلْ قد قَبَضْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ بِالْقَبْضِ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً وَالْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَقَبِلَهَا تَمَّتْ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لها بَعْدَ الْهِبَةِ وَلَوْ لم تَكُنْ الْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ لم يَكُنْ ذلك له وَذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَوْلٍ وَقَبْضٍ وإذا كان الْقَوْلُ لَا يَكُونُ إلَّا من الْوَاهِبِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَلَا يَمْلِكُ عنه إلَّا بِمَا أَتَمَّ مِلْكَهُ وَيَكُونُ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارُ أَبَدًا حتى يُسَلِّمَ ما وَهَبَ إلَى الْمَوْهُوبِ له وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ كان الْخِيَارُ لِوَرَثَتِهِ إنْ شاؤوا سَلَّمُوا وَإِنْ شاؤوا لم يُمْضُوا الْهِبَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عنه قَبَضَهَا ثُمَّ قال الْوَاهِبُ له إنَّمَا أَقْرَرْت له بِقَبْضِهَا ولم يَقْبِضْهَا فَأُحَلِّفُهُ أَحَلَفْتَهُ لقد قَبَضَهَا فَإِنْ حَلَفَ جَعَلْتهَا له وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْوَاهِبِ فَأَحْلَفْته ثُمَّ جَعَلْتهَا غير خَارِجَةٍ عن مِلْكِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَهَبْت لي هذا الْعَبْدَ وَقَبَضْته وَالْعَبْدُ في يَدَيْ الْوَاهِبِ أو الْمَوْهُوبِ له فقال الْوَاهِبُ صَدَقْت أو نعم كان هذا إقْرَارًا وكان الْعَبْدُ له وَلَوْ كان أَعْجَمِيًّا فَأَقَرَّ له بِالْأَعْجَمِيَّةِ كان مِثْلَ إقْرَارِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في عَشَرَةٍ سَأَلْته فَإِنْ أَرَادَ الْحِسَابَ جَعَلْت عليه ما أَرَادَ وَإِنْ لم يُرِدْ الْحِسَابَ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَهَكَذَا إنْ قال دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ سَأَلْته أَرَادَ أَنْ يُقِرَّ له بِدِرْهَمٍ أو بِثَوْبٍ فيه دِرْهَمٌ فَإِنْ قال لَا فَعَلَيْهِ الدِّرْهَمُ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في دِينَارٍ سَأَلْته أَرَادَ دِرْهَمًا مع دِينَارٍ فَإِنْ قال نعم جَعَلْتهمَا عليه وَإِنْ قال لَا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ فَهَكَذَا لِأَنَّهُ قد يقول له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ لي أنا مَرْوِيٍّ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ اشْتَرَيْته منه إلَى أَجَلٍ سَأَلْنَا الْمُقَرَّ له فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ دَيْنٌ في دَيْنٍ ولم يُقِرَّ له بهذا الدِّرْهَمِ إلَّا بِالثَّوْبِ فإذا لم يَجُزْ له إعْطَاءُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ لم يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ كما لو قال بِعْتُك هذا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارَ لم أَجْعَلْ له الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْآخَرُ بِالدَّارِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ مَرْوِيٌّ في خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قال أَسْلَمَ إلَيَّ الثَّوْبَ على خَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ كان هذا بَيْعًا جَائِزًا وَكَانَتْ له
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال وَهَبْت له هذه الدَّارَ وَقَبَضَهَا أو وَهَبْت له هذه الدَّارَ وَحَازَهَا ثُمَّ قال لم يَكُنْ قَبَضَهَا وَلَا حَازَهَا وقال الْمَوْهُوبُ له قد قَبَضْت وَحُزْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ له وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ له كان الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ لو قال صَارَتْ في يَدَيْهِ وَسَوَاءٌ كانت حين يُقِرُّ في يَدِ الْوَاهِبِ أو الْمَوْهُوبَةِ له وَلَكِنْ لو قال وَهَبْتهَا له أو خَرَجْت إلَيْهِ منها نَظَرْت فَإِنْ كانت في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فَذَلِكَ قَبْضٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ له وَإِنْ كانت في يَدَيْ الْوَاهِبِ أو يَدَيْ غَيْرِهِ من قِبَلِهِ سَأَلْته ما قَوْلُهُ خَرَجْت إلَيْهِ منها فَإِنْ قال بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ إيَّاهَا لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَبْضٍ وهو لم يُقِرَّ بِقَبْضٍ وَالْخُرُوجُ قد يَكُونُ بِالْكَلَامِ فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا الْيَقِينَ وَكَذَلِكَ لو قال وَهَبْتُهَا له وَتَمَلَّكَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ قد يَكُونُ عِنْدَهُ بِالْكَلَامِ

(6/220)


عليه الْخَمْسَةُ الدَّرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ إنَّمَا عَنَى أَسْلَمْت إلَيْك في كَذَا بِعْتُك كَذَا بِكَذَا إلَى أَجَلٍ كما تَقُولُ أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِصَاعِ تَمْرٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلِ كَذَا أو بِعْتُك صَاعَ تَمْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلِ كَذَا ( قال ) وَلَوْ جاء الْمُقِرُّ بِثَوْبٍ فقال هو هذا فَصَدَّقَهُ الْمُدَّعِي الْمُقَرُّ له أو كَذَّبَهُ فَسَوَاءٌ إذَا رضي الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَالْخَمْسَةُ عليه إلَى أَجَلٍ وَلَوْ لم يُسَمِّ أَجَلًا فَكَانَ السَّلَمُ فَاسِدًا فَاخْتَلَفَا في الثَّوْبِ فإن الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ على صَاحِبِ الثَّوْبِ وَإِنْ سَأَلَ الْمُقَرُّ له يَمِينَ الْمُقِرِّ أَعْطَيْته إيَّاهَا وَكُلُّ من سَأَلَ الْيَمِينَ في شَيْءٍ له وَجْهٌ أَعْطَيْته إيَّاهُ وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِثَوْبٍ ثُمَّ جاء بِثَوْبٍ فقال هو هذا وقال الْمُقَرُّ له ليس هذا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ لو قال له عَلَيَّ عَبْدٌ فَأَيُّ عَبْدٍ جاء بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى دَعْوَاهُ وَكَذَلِكَ لو قال هذا عَبْدُك كما أَوْدَعْتنِيهِ وهو الذي أَقْرَرْت لَك بِهِ وقال الْمُقَرُّ له بَلْ هذا عَبْدٌ كُنْت أَوْدَعْتُكَهُ وَلِي عِنْدَك عبد غَصْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ قِيلَ له إنْ أَرَدْت دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا فَدِرْهَمَانِ وَإِنْ أَرَدْت فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لي أو دِرْهَمٌ جَيِّدٌ فَلَيْسَ عَلَيْك إلَّا دِرْهَمٌ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ أو دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ في الْجَوْدَةِ وَتَحْتَ دِرْهَمٍ في الرَّدَاءَةِ أو يقول له عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِعَيْنِهِ هو الْآنَ فَوْقَ دِرْهَمٍ لي وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ مع دِرْهَمٍ كان هَكَذَا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي أَعْرِفُ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ عليه إلَّا دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ دِرْهَمٍ أو تَحْتَ دِرْهَمٍ لي ( قال ) وَكَذَلِكَ لو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ على دِرْهَمٍ ثُمَّ قال عَنَيْت دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أو بَعْدَهُ دِرْهَمٌ أو قَبْلَهُ دِينَارٌ أو بَعْدَهُ دِينَارٌ فَالِاثْنَانِ كِلَاهُمَا عليه وَلَكِنَّهُ لو قال له علي درهم معه دينار كان له عليه درهم للذي وصفت لأنه يقول له علي درهم معه دينار لي ولو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِينَارٌ أو بَعْدَهُ دِرْهَمٌ أو دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِينَارٌ فَهُمَا عليه مَعًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِينَارٌ كان عليه دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَدِينَارٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِينَارٌ قَبْلَهُ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كان عليه دِينَارٌ ولم يَكُنْ عليه الْقَفِيزُ وَهَكَذَا لو قال له عَلَيَّ دِينَارٌ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لم يَكُنْ عليه إلَّا الدِّينَارُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ مُحَالٌ قد يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَفِيزٌ من حِنْطَةٍ خَيْرٌ منه وإذا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فَهُمَا عليه وَلَوْ قال دِرْهَمٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كان مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) بِهِمَا ثَابِتًا على الْقَفِيزِ رَاجِعًا عن الدِّرْهَمِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إنْ ادَّعَاهُمَا الطَّالِبُ مَعًا وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِرْهَمَانِ أو قَفِيزُ حِنْطَةٍ لَا بَلْ قَفِيزَانِ لم يَكُنْ عليه إلَّا دِرْهَمَانِ أو قَفِيزَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأُولَى ثُمَّ كان قَوْلُهُ لَا بَلْ زِيَادَةً من الشَّيْءِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا بَلْ اسْتِئْنَافُ شَيْءٍ غَيْرِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أو دِرْهَمٌ بَعْدَهُ دِرْهَمَانِ أو دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمَانِ فَسَوَاءٌ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ في هذا كُلِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِدِرْهَمٍ يوم السَّبْتِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ يوم الْأَحَدِ فَهُوَ دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يَقُولَا دِرْهَمٌ من ثَمَنِ كَذَا وَكَذَا وَيَقُولَ الْآخَرَانِ دِرْهَمٌ من ثَمَنِ شَيْءٍ غَيْرِهِ أو من وَجْهٍ غَيْرِهِ من وَدِيعَةٍ أو غَصْبٍ أو غَيْرِهِ فَيَدُلَّانِ على ما يُفَرِّقُ بين سَبَبَيْ الدِّرْهَمَيْنِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ هذا الدِّرْهَمَ الذي أَقَرَّ بِهِ يوم الْأَحَدِ هو الدِّرْهَمُ الذي أَقَرَّ بِهِ يوم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَرَّ له فقال لَك عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فقال هِيَ هذه الْأَلْفُ التي كُنْت أَقْرَرْت لَك بها كانت عِنْدِي وَدِيعَةً فقال الْمُقَرُّ له هذه الْأَلْفُ كانت عِنْدَك وَدِيعَةً لي وَلِي عِنْدَك أَلْفٌ أُخْرَى كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ لِأَنَّ من أُودِعَ شيئا فَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ لِأَنَّهُ عليه ما لم يَهْلَكْ وَكَذَلِكَ هو عِنْدَهُ وقد يُودَعُ فَيَتَعَدَّى فَتَكُونُ دَيْنًا عليه فَلَسْت أُلْزِمُهُ شيئا إلَّا بِالْيَقِينِ

(6/221)


السَّبْتِ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ أَنَّهُمَا دِرْهَمَانِ وَأَخَذَهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِدِرْهَمٍ فقال الدِّرْهَمُ الذي أَقْرَرْت بِهِ هو الذي يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وإذا قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهِيَ وَدِيعَةٌ وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قال بَعْدُ هِيَ وَدِيعَةٌ أو قال هَلَكَتْ لم يُقْبَلْ ذلك منه لِأَنَّهُ قد ضَمِنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ ادَّعَى ما يُخْرِجُهُ من الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ عليه وَإِنَّمَا صَدَّقْنَاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ وَصَلَ الْكَلَامَ وَكَذَلِكَ لو قال له قِبَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَصَلَ الْكَلَامَ أو قَطَعَهُ كان الْقَوْلُ فيها مِثْلَ الْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا وَصَلَ أو قَطَعَ وَلَوْ قال له عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أو أَمَانَةً أو مُضَارَبَةً دَيْنًا كانت دَيْنًا عليه أَمَانَةً كانت أو وَدِيعَةً أو قِرَاضًا إنْ ادَّعَى ذلك الطَّالِبُ لِأَنَّهَا قد تَكُونُ في مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ يَتَعَدَّى فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عليه وَتَنِضُّ فَيَسْتَسْلِفُهَا فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عليه وَلَكِنَّهُ لو قال دَفَعَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أو أَمَانَةً أو مُضَارَبَةً على أَنِّي لها ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا بِشَرْطِهِ الضَّمَانَ في شَيْءٍ أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ حتى يُحْدِثَ شيئا يَخْرُجُ بِهِ من الْأَمَانَةِ إمَّا تَعَدِّيًا وَإِمَّا اسْتِسْلَافًا وَلَوْ قال له في مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كانت دَيْنًا إلَّا أَنْ يَصِلَ الْكَلَامَ فَيَقُولَ وَدِيعَةً فَتَكُونَ وَدِيعَةً وَلَوْ قال له في هذا الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ عن قَوْلِهِ فَإِنْ قال نَقَدَ فيه أَلْفًا قِيلَ فَكَمْ لَك منها فما قال إنَّهُ منه اشْتَرَاهُ بِهِ فَهُوَ كما قال مع يَمِينِهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ قِيلَ فَكَمْ لَك فيه فَإِنْ قال أَلْفَانِ فَلِلْمُقَرِّ له الثُّلُثُ وَإِنْ قال أَلْفٌ فَلِلْمُقَرِّ له النِّصْفُ وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ قُلْت أو كَثُرَتْ لِأَنَّهُمَا قد يُغْبَنَانِ أو يَغْبِنَانِ وَكَذَلِكَ لو قال له فيه شَرِكَةُ أَلْفٍ كان الْقَوْلُ فيها مِثْلَ الْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ قال له من مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ فَإِنْ قال من هِبَةٍ قِيلَ له إنْ شِئْت أَعْطِهِ إيَّاهَا وَإِنْ شِئْت فَدَعْ وَإِنْ قال من دَيْنٍ فَهِيَ من دَيْنٍ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ شيئا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ بِغَيْرِ ذلك وَإِنْ قال له من مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ بِحَقٍّ عَرَفْته أو بِحَقٍّ لَزِمَنِي أو بِحَقٍّ ثَابِتٍ أو بِحَقٍّ اسْتَحَقَّهُ فَهَذَا كُلُّهُ دَيْنٌ وَلَوْ قال له من هذا الْمَالِ ولم يُضِفْ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ لم يَكُنْ الْمَالَ إلَّا أَلْفًا فَهِيَ له وَإِنْ كان أَكْثَرَ من ذلك فَلَيْسَ له إلَّا الْأَلْفُ وَإِنْ كان الْمَالُ أَقَلَّ من ذلك فَلَيْسَ له إلَّا ذلك الذي هو أَقَلُّ وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ من الْمَالِ شيئا اُسْتُحْلِفَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال له من هذه الدَّارِ النِّصْفُ فَلَهُ النِّصْفُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ له بِشَيْءٍ لم يُضِفْ مِلْكَهُ إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ ادَّعَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ وهو في يَدِهِ فَهُوَ له وَلَوْ بَدَأَ فَأَضَافَ الدَّارَ إلَى نَفْسِهِ فقال له من دَارِي هذه نِصْفُهَا كانت هذه الدَّارُ هِبَةً إذَا زَعَمَ أنها هِبَةٌ منه أو مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ وَإِنْ لم يَمُتْ سَأَلْنَاهُ أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ فَإِنْ كان أَرَادَ إقْرَارًا أَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ وَالْفَرْقُ بين هَذَيْنِ إضَافَةُ الْمِلْكِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرُ إضَافَتِهِ وَلَوْ قال له من دَارِي هذه نِصْفُهَا بِحَقٍّ عَرَفْته له كان له نِصْفُهَا وَلَوْ قال له من مِيرَاثِ أبي أَلْفُ دِرْهَمٍ كان هذا إقْرَارًا على أبيه بِدَيْنٍ وَلَوْ قال له في مِيرَاثِي من أبي كانت هذه هِبَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بها إقْرَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ في مِيرَاثِ أبيه أَقَرَّ بِأَنَّ ذلك على الْأَبِ ولم يُضِفْ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ وَزَعَمَ أَنَّ ما أَقَرَّ له بِهِ خَارِجٌ من مِلْكِهِ وَلَوْ قال له من مِيرَاثِ أبي أَلْفٌ بِحَقٍّ عَرَفْته أو بِحَقٍّ له كان هذا كُلُّهُ إقْرَارًا على أبيه وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ عَارِيَّةً أو عِنْدِي فَهِيَ دَيْنٌ وَلَوْ كان هذا في عَرْضٍ فقال له عِنْدِي عَبْدٌ عَارِيَّةً أو عَرْضٌ من الْعُرُوضِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ حتى يُؤَدِّيَهَا لِأَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ حتى يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ قال له في دَارِي هذه حَقٌّ أو في هذه الدَّارِ حَقٌّ فَسَوَاءٌ وَيُقِرُّ له منها بِمَا شَاءَ وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى الْآخَرُ أَكْثَرَ منه وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَقَرَّ له الْوَرَثَةُ بِمَا شاؤوا وَيَحْلِفُونَ ما يَعْلَمُونَ أَكْثَرَ منه وَلَوْ قال له فيها سُكْنَى أَقَرَّ له بِمَا شَاءَ من السُّكْنَى وَإِلَى أَيِّ مُدَّةٍ إنْ شَاءَ يَوْمًا وَإِنْ شَاءَ أَقَلَّ وَإِنْ شَاءَ أَكْثَرَ وَلَوْ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو شَهِدَا عليه في أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أو وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ

(6/222)


هذه الدَّارُ لَك هِبَةً عَارِيَّةً أو هِبَةً سُكْنَى كانت عَارِيَّةً وَسُكْنَى وَلَهُ مَنْعُهُ ذلك أو يُقْبِضُهُ إيَّاهَا فَإِنْ أَقْبَضَهُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ منها مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً ولم يَقْبِضْ كُلَّ ذلك حتى أَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَارِيَّةً أو هِبَةَ السَّكَنِ وَلَوْ قال لَك سُكْنَى أجارة بِدِينَارِ في شَهْرٍ فَإِنْ قَبِلَ ذلك الْمُؤَاجِرُ فَهِيَ له وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ له وَلَوْ لم يُسَمِّ شيئا قُلْنَا له سَمِّ كَمْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَبِكَمْ هِيَ فإذا سَمَّى قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَلَهُ الْخِيَارُ في قَبُولِهِ ذلك وَرَدِّهِ وَلَوْ قال لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت أو هَوَيْت أو شَاءَ فُلَانٌ أو هوى فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ أو هوى أو شَاءَ هو أو هوى لم يَكُنْ عليه فيها شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ له إنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ له وهو إذَا شَاءَ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ هو وَلَوْ قال لَك على أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَهِدَ بها على فُلَانٌ أو فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَشَهِدُوا لم يَلْزَمْهُ من جِهَةِ الْإِقْرَارِ وَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُهُ من جِهَةِ الشَّهَادَةِ إنْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أو أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ مع شَاهِدِهِ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ لَك على أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أو خَرَجَ فُلَانٌ أو كَلَّمْت فُلَانًا أو كَلَّمَك فُلَانٌ فَهَذَا كُلُّهُ من جِهَةِ الْقِمَارِ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ قال هذا لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت فَشَاءَ كان هذا بَيْعًا لَازِمًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ ما لم يَتَفَرَّقَا لِأَنَّ هذا بَيْعٌ لَا إقْرَارٌ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت فقال قد شِئْت فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهَكَذَا لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ إنْ شِئْت فَشَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ وَعَلَيْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ لم تَشَأْ هِيَ وَلَا الْعَبْدُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا هِيَ طَالِقًا وَلَوْ قال هذا الثَّوْبُ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي كان هذا بَيْعًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُشْتَرٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ما شَاءَ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ وَلِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَ ذلك لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أَشُكُّ في سَمَاعِي من هَا هُنَا إلَى آخِرِ الْإِقْرَارِ وَلَكِنِّي أَعْرِفُهُ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَرَأَهُ الرَّبِيعُ عَلَيْنَا فإذا قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ولم يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إنْ شِئْت فُلُوسًا وَإِنْ شِئْت تَمْرًا وَإِنْ شِئْت خُبْزًا وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا مَعَهَا واحلف له أَنَّ الْأَلْفَ التي أَقْرَرْت له بها هذه الْأَلْفُ التي بَيَّنْتهَا فإنه ليس في قَوْلِك وَدِرْهَمٌ ما يَدُلُّ على أَنَّ ما مَضَى دَرَاهِمُ وَلَوْ زَعَمنَا أَنَّ ذلك كَذَلِكَ ما أَحَلَفْنَاك لو ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ وَلَكِنْ لَمَّا كان قَوْلُك مُحْتَمِلًا لِمَا هو أَعْلَى من الدَّرَاهِمِ وَأَدْنَى لم نَجْعَلْ عَلَيْك الْأَعْلَى دُونَ الْأَدْنَى وَلَا الْأَدْنَى دُونَ الْأَعْلَى وَهَكَذَا لو قال أَلْفٌ وَكَرُّ حِنْطَةٍ أو أَلْفٌ وَعَبْدٌ أو أَلْفٌ وَشَاةٌ لم نَجْعَلْ هَا هُنَا إلَّا ما وَصَفْنَا بِأَنَّ الْأَلْفَ ما شَاءَ وما سَمَّى وَلَوْ جَازَ لنا أَنْ نَجْعَلَ الْكَلَامَ الْآخَرَ دَلِيلًا على الْأَوَّلِ لَكَانَ إذَا أَقَرَّ له بِأَلْفٍ وَعَبْدٍ جَعَلْنَا عليه أَلْفَ عَبْدٍ وَعَبْدًا وَهَكَذَا لو أَقَرَّ له بِأَلْفٍ وَكَرِّ حِنْطَةٍ جَعَلْنَا عليه أَلْفَ كَرٍّ وَكَرًّا حِنْطَةً وَلَا يَجُوزُ إلَّا هذا وما قُلْت من أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ ما شَاءَ مع يَمِينِهِ وَيَكُونُ ما سَمَّى كما سَمَّى وَلَوْ أَنَّهُ قال أَلْفٌ وَكَرٌّ كان الْكَرُّ ما شَاءَ إنْ شَاءَ فَنُورَةٌ وَإِنْ شَاءَ فَقُصَّةٌ وَإِنْ شَاءَ فَمَدَرٌ يَبْنِي بِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا درهم ( ( ( درهما ) ) ) قِيلَ له أَقِرَّ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إذَا كان الدِّرْهَمُ يُسْتَثْنَى منها ثُمَّ يَبْقَى شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ كَأَنَّك أَقْرَرْت له بِأَلْفِ فَلْسٍ وَكَانَتْ تَسْوَى دَرَاهِمَ فَيُعْطَاهَا مِنْك إلَّا دِرْهَمًا منها وَذَلِكَ قَدْرُ دِرْهَمٍ من الْفُلُوسِ وَهَكَذَا إذَا قُلْت أَلْفٌ إلَّا كَرَّ حِنْطَةٍ وَأَلْفٌ إلَّا عَبْدًا أُجْبِرْت على أَنْ تُبْقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ وَلَوْ قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ في مَنْدِيلٍ قِيلَ له قد يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أَقْرَرَتْ له بِثَوْبٍ وَمَنْدِيلٍ وَيَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أَقْرَرَتْ له بِثَوْبٍ فَجَعَلَتْهُ في مَنْدِيلٍ لِنَفْسِكَ فَتَقُولَ له على ثَوْبٌ في مَنْدِيلٍ لي فَعَلَيْك ثَوْبٌ وَتَحْلِفُ ما أَقْرَرْت له بِمَنْدِيلٍ وَأَصْلُ ما أَقُولُ من هذا أَنِّي أُلْزِمُ الناس أَبَدًا الْيَقِينَ وَأَطْرَحُ عَنْهُمْ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ عليهم الْأَغْلَبَ وَهَكَذَا إذَا قال تَمْرٌ في جِرَابٍ أو ثَمَرٌ في قَارُورَةٍ أو حِنْطَةٌ في مِكْيَالٍ أو مَاءٌ في جَرَّةٍ أو زَيْتٌ في وِعَاءٍ وإذا قال له عَلَيَّ كَذَا كَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ وَاحِدًا وَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ اثْنَيْنِ وَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ على دِرْهَمٍ فَإِنْ قال كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ له أَعْطِهِ دِرْهَمًا أو أَكْثَرَ من قِبَلِ أَنَّ كَذَا يَقَعُ على أَقَلَّ من دِرْهَمٍ فَإِنْ كُنْت عَنَيْت أَنَّ كَذَا وَكَذَا التي بَعْدَهَا أَوْفَتْ عَلَيْك دِرْهَمًا فَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ منه وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
____________________

(6/223)


- * بَابُ الشَّرِكَةِ - * ( 1 ) (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وإذا أَقَرَّ صَانِعٌ من صِنَاعَتِهِ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ إسْكَافٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِخُفٍّ أو غَسَّالٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِثَوْبٍ فَذَلِكَ عليه دُونَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ شَرِيكُهُ معه وإذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فَالشَّرِكَةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ مُفَاوَضَةً وَأَيُّ الشَّرِيكَيْنِ أَقَرَّ فَإِنَّمَا يُقِرُّ على نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَإِقْرَارُ الشَّرِيكِ وَمَنْ لَا شَرِيكَ له سَوَاءٌ وإذا أَقَرَّ رَجُلٌ في مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ وقد أَقَرَّ في صِحَّتِهِ أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِدُيُونٍ فَسَوَاءٌ إقْرَارُهُ في صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ وَالْبَيِّنَةُ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْإِقْرَارُ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ مَعًا لَا يُقَدَّمُ وَاحِدٌ منهم على الْآخَرِ فإذا أَقَرَّ لِوَارِثٍ فلم يَمُتْ حتى حَدَثَ وَارِثٌ يَحْجُبُ الْمُقَرَّ له فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ وَإِنْ لم يَحْدُثْ فَمَنْ أَجَازَ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ أَجَازَهُ له وَمَنْ رَدَّهُ رَدَّهُ له وَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ وَارِثُهُ فَصَارَ الْمُقَرُّ له وَارِثًا أَبْطَلَ إقْرَارَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَقَرَّ بِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَهُوَ على هذا الْمِثَالِ وإذا كان الرَّجُلَانِ شَرِيكَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا أو أَعْتَقَ أو دَبَّرَ أو كَاتَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ في مَالِ نَفْسِهِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلْحَمْلِ بِدَيْنٍ كان إقْرَارُهُ بَاطِلًا حتى يَقُولَ كان لِأَبِي هذا الْحَمْلُ أو لِجَدِّهِ عَلَيَّ مَالٌ فَيَكُونَ ذلك إقْرَارًا لِلَّذِي أَقَرَّ له بِهِ وَإِنْ كان هذا الْحَمْلُ وَارِثَهُ أَخَذَهُ وَإِنْ كان له وَارِثٌ معه أَخَذَ معه حِصَّتَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَيِّتِ وَإِنَّمَا لِهَذَا منه حِصَّتُهُ وإذا أَوْصَى لِلْحَمْلِ بِوَصِيَّةٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ كان ثَمَّ حَمْلٌ وَلَوْ وَهَبَ لِحَمْلٍ نَخْلَةً أو تَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مَوْقُوفَةٍ لم تَجُزْ بِحَالٍ قَبِلَهَا أَبُوهُ أو رَدَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ الْهِبَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالنِّكَاحُ على ما زَايَلَ أُمَّهُ حتى يَكُونَ له حُكْمٌ بِنَفْسِهِ وَهَذَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ في الْعِتْقِ وَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ جَارِيَتِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ أَعْتَقَهُ كان حُرًّا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ قد كان ثَمَّ حَمْلٌ وَلَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لم يَقَعْ عليه ثُمَّ عَتَقَ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذا حَادِثًا بَعْدَ الْكَلَامِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ قَصْدَهُ بِالْعِتْقِ وَلَوْ أَقَرَّ بِحَمْلٍ لِرَجُلٍ لم يَجُزْ إقْرَارُهُ إذَا كان هو مَالِكُ رَقَبَةِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَهُ له فإذا لم تَجُزْ فيه الْهِبَةُ لم يَجُزْ فيه الْإِقْرَارُ وَلَوْ قال مع إقْرَارِهِ هذا الْحَمْلُ لِفُلَانٍ أَوْصَى لي رَجُلٌ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ وَلَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ الْإِقْرَارُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ وَكُلُّ إقْرَارٍ من صُلْحٍ وَغَيْرِ صُلْحٍ كان فيه خِيَارٌ من الْمُقِرِّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أو أَكْثَرَ أو أُصَالِحُك على كَذَا على أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أو أَكْثَرَ أو أُصَالِحُك على كَذَا على أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ حتى يَقْطَعَ الْإِقْرَارَ وَلَا يَدْخُلُ فيه الِاسْتِثْنَاءَ من الْمُقِرِّ وَهَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ كان فيه اسْتِثْنَاءٌ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أو لَك عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أو إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُ حتى يَكُونَ الْإِقْرَارُ مَقْطُوعًا لَا مَثْنَوِيَّةَ فيه ( قال ) وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ تَكَفَّلَ له بِمَالٍ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ له الْخِيَارَ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحْلَفَهُ ما كَفَلَ له إلَّا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ وَالْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِخِيَارٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعَّضُ عليه إقْرَارُهُ فَيَلْزَمُهُ ما يَضُرُّهُ وَيَسْقُطُ عنه ما ادَّعَى الْمَخْرَجَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَكْفُولُ له لقد جَعَلَ له كَفَالَةً لَا خِيَارَ فيه وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ على الْخِيَارِ لَا تَجُوزُ وإذا جَازَتْ بِغَيْرِ خِيَارٍ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْكَافِلُ بِالنَّفْسِ مَالٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَالًا كَفَلَ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ ( قال ) وَلَوْ كَفَلَ له بِمَا لَزِمَ رَجُلًا في جُرْحٍ وقد عَرَفَ الْجُرْحَ وَالْجُرْحُ عَمْدٌ فقال أنا كَافِلٌ لَك بِمَا لَزِمَهُ فيه من دِيَةٍ أو قِصَاصٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْرُوحُ الْقِصَاصَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُقْتَصَّ من الْمُتَكَفِّلِ وَإِنْ أَرَادَ أَرْشَ الْجِرَاحِ فَهُوَ له وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَالٍ وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا من رَجُلٍ فَضَمِنَ له رَجُل

(6/224)


عُهْدَتَهَا وَخَلَاصَهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الضَّامِنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له خَلَاصَهَا أو مَالًا وَالْخَلَاصُ مَالٌ يُسَلَّمُ له وإذا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُشَاعٍ أو مَقْسُومٍ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ وَسَوَاءٌ قال لِفُلَانٍ نِصْفُ هذه الدَّارِ ما بَيْن كَذَا إلَى كَذَا أو لِفُلَانٍ نِصْفُ هذه الدَّارِ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ كما أَقَرَّ وَكَذَلِكَ لو قال له هذه الدَّارُ إلَّا نِصْفَهَا كان له النِّصْفُ وَلَوْ قال له هذه الدَّارُ إلَّا ثُلُثَيْهَا كان له الثُّلُثُ شَرِيكًا معه وإذا قال له هذه الدَّارُ إلَّا هذا الْبَيْتَ كانت له الدَّارُ إلَّا ذلك الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ لو قال له هذا الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا كان له الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ أَيَّهُمْ شَاءَ وَكَذَلِكَ لو قال هذه الدَّارُ لِفُلَانٍ وَهَذَا الْبَيْتُ لي كان مِثْلَ قَوْلِهِ إلَّا هذا الْبَيْتَ إذَا كان الْإِقْرَارُ مُتَّصِلًا لِأَنَّ هذا كَلَامٌ صَحِيحٌ ليس بِمُحَالٍ وَلَوْ قال هذه الدَّارُ لِفُلَانٍ بَلْ هِيَ لِفُلَانٍ كانت لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَلَوْ قال غَصَبْتهَا من فُلَانٍ وَمِلْكُهَا لِفُلَانٍ غَيْرِهِ فَهِيَ لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا منه وهو شَاهِدٌ لِلثَّانِي وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ وَلَوْ قال غَصَبْتهَا من فُلَانٍ لَا بَلْ من فُلَانٍ جَازَ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ ولم يَغْرَمْ لِلثَّانِي شيئا وكان الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ وإذا أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِوَاحِدٍ أو أَكْثَرَ لم يَضْمَنْ شيئا إذَا كان الْآخَرُ لَا يَدَّعِي عليه إلَّا هذه الدَّارَ فَلَيْسَ في إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَمَ له شيء ( ( ( بشيء ) ) ) يَكُونُ حَائِلًا دُونَهُ يَضْمَنُهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ ما كان حَائِلًا دُونَهُ وَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ وَمِثْلُ هذا لو قال أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ لَا بَلْ فُلَانٌ - * إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بِالْأَخِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا هَلَكَ الرَّجُلُ فَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ وَشَهِدَ على أبيه أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ ولم يَكُنْ له من الْمِيرَاثِ شَيْءٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا له وَالْآخَرُ عليه فلما بَطَلَ الذي له بَطَلَ الذي عليه ولم يَكُنْ إقْرَارُهُ له بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ إنَّمَا أَقَرَّ له بِمَالٍ وَنَسَبٍ فإذا زَعَمْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ فيه يَبْطُلُ لم يَأْخُذْ بِهِ مَالًا كما لو مَاتَ ذلك الْمُقَرُّ له لم يَرِثْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قال لِرَجُلٍ لي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فقال بِعْتنِي بها دَارَك هذه وَهِيَ لَك عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أو قال بَاعَنِيهَا أَبُوك وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ وَلِي الدَّارُ كان إقْرَارُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ على نَفْسِهِ بِمِائَةٍ يَأْخُذُ بها عِوَضًا فلما بَطَلَ عنه الْعِوَضُ بَطَلَ عنه الْإِقْرَارُ وما قُلْت من هذا فَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ الْأُوَلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال محمد بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما وَرَدَ عَلَيْنَا أَحَدٌ قَطُّ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَّا وهو يقول هذا قال محمد بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنِي أبو يُوسُفَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ لم يَلْقَ مَدَنِيًّا قَطُّ إلَّا وهو يقول هذا حتى كان حَدِيثًا فَقَالُوا خِلَافَهُ فَوَجَدْنَا عليهم حُجَّةً وما كنا نَجِدُ عليهم في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حُجَّةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْنَا نَقُولُ بِحَدِيثِ عُمَرَ بن قَيْسٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَالْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الْعِرْقَانِ الْبَاطِنَانِ فَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ وَأَمَّا الْعِرْقَانِ الظَّاهِرَانِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فَمَنْ غَرَسَ أَرْضَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا غَرْسَ له لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَهَذَا عِرْقٌ ظَالِمٌ ( وقال ) لَا يُقْسَمُ نَضْحٌ مع بَعْلٌ وَلَا بَعْلٌ مع عَيْنٍ وَيُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من هذا على حِدَتِهِ ( وقال ) لَا تُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ على أَحَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى أَنَّ ما أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا وَالضَّمَانُ على أَهْلِهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا قِيمَتَيْنِ ( وقال ) لَا يَدْخُلُ الْمُخَنَّثُونَ على النِّسَاءِ وَيُنْفَوْنَ ( وقال ) الْجَدُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ ( قال ) وإذا أَبَى الْمُرْتَدُّ التَّوْبَةَ قُتِلَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَهَذَا مُبَدِّلٌ لِدِينِهِ وَأَنَّ لنا أَنْ نَقْتُلَ من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَامْتَنَعَ من الْإِجَابَةِ من الْمُشْرِكِينَ بِلَا تَأَنٍّ وَهَذَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث عن عُمَرَ وَلَوْ فَعَلَهُ رَجُلٌ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ يَعْنِي في حديث عُمَرَ هل كان من مُغْرِبَةِ خَبَرٍ وقال عُمَرُ لَك وَلَاؤُهُ في اللَّقِيطِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَا وَلَاءَ
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال

(6/225)


له لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَقٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَهُوَ كما قال وَأَمَّا إنْفَاقُهُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * إقْرَارُ الْوَارِثِ وَدَعْوَى الْأَعَاجِمِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال أخبرني محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ ابْنَيْنِ وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثلاثمائة دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ على هذا النَّسَبِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ على ما وَرِثَ فَيَأْخُذُ منه نِصْفَ ما في يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ قال أَهْل الْمَدِينَةِ إلَّا أَنَّهُمْ قالوا نُعْطِيهِ ثُلُثَ ما في يَدَيْهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنِي محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ بن الْمَاجِشُونِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بن أبي سَلَمَةَ وَجَمَاعَةً من الْمَدَنِيِّينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ بِالْعِرَاقِ لَا يَخْتَلِفُونَ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلَّذِي أَقَرَّ له شَيْءٌ من الْمِيرَاثِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ بِنِسْبَةِ رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ على أبيه فإذا كان معه من حَقِّهِ من أبيه كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لم يَثْبُتْ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ حتى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ على الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ على دَعْوَى الْمَيِّتِ الذي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ له النَّسَبُ وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ بن أَمَةِ زَمْعَةَ وَقَوْلِ سَعْدٍ كان أَخِي عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ وقال عبد بن زَمْعَةَ أَخِي وبن وَلِيدَةَ أبي وُلِدَ على فِرَاشِهِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هو لَك يا بن زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ - * دَعْوَى الْأَعَاجِمِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال وإذا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ بِوِلَادَةِ الشِّرْكِ أُخُوَّةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عليهم بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كما قَبِلْنَا دَعْوَى غَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ عليهم وَرُقُّوا أو عَتَقُوا فَيَثْبُتُ عليهم وَلَاءٌ لم تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ على وِلَادٍ وَدَعْوَى مَعْرُوفَةٍ كانت قبل السَّبْيِ وَهَكَذَا من قَلَّ منهم أو كَثُرَ أَهْلَ حِصْنٍ كَانُوا أو غَيْرَهُمْ - * الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال ما كان بِيَدِ مَالِكٍ من كان الْمَالِكُ من شَيْءٍ يَمْلِكُ ما كان الْمَمْلُوكُ فَادَّعَاهُ من يَمْلِكُ بِحَالٍ فَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ جاء بها أَخَذَ ما ادَّعَى وَإِنْ لم يَأْتِ بها فَعَلَى الْمُدَّعَى عليه الشَّيْءُ في يَدَيْهِ الْيَمِينُ بِإِبْطَالِ دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي لَا نُعْطِيك بِنُكُولِهِ شيئا دُونَ أَنْ تَحْلِفَ على دَعْوَاك مع نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك دَعْوَاك وَإِنْ أَبَيْت لم نُعْطِك دَعْوَاك وَسَوَاءٌ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي من قَبْلِ الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لَقَوْلٌ يَصِحُّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ له حَقًّا في يَدَيْهِ وَيَدَيْ أَخِيهِ بِمِيرَاثِهِ من أَبِيهِمَا وَزَعَمَ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كما يَرِثُ أَبَاهُمْ فإذا حَكَمْنَا بِأَنَّ أَصْلَ هذا الْإِقْرَارِ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ وَإِنَّمَا زَعَمْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالنَّسَبِ لَا بِدَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ في مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرِ النَّسَبِ زَعَمْنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ شيئا قُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ كَأَنَّك ذَهَبْت بِهِ إلَى أَنَّهُ لو قال بِعْتُك هذا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهِيَ لي عَلَيْك أو هذه الدَّارَ وَلَك هذا الْعَبْدُ أو الدَّارَ فَأَنْكَرْت وَحَلَفْت لم يَكُنْ لَك الْعَبْدُ وَلَا الدَّارُ فَإِنِّي إنَّمَا أَقْرَرْت لَك بِعَبْدٍ أو دَارٍ وفي إقْرَارِي شَيْءٌ يَثْبُتُ عَلَيْك كما يَثْبُتُ لَك فلما لم يَثْبُتْ عَلَيْك ما ادَّعَيْت لم يَثْبُتْ لَك ما أَقْرَرْت بِهِ قال إنَّ هذا الْوَجْهَ يَقِيسُ الناس بِمَا هو أَبْعَدُ منه وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ قُلْت وَكَيْفَ لم تَقُلْ بِهِ قال اخْتَرْنَا ما قُلْت لِمَا سَمِعْته

(6/226)


هِيَ في يَدَيْهِ أنها خَرَجَتْ إلَيْهِ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو من قِبَلِ غَيْرِهِ أو بِاسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أو من أَيِّ وَجْهٍ ما كان وَسَوَاءٌ كانت بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أو لم تَكُنْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ أو أَيُّ شَيْءٍ ما كان لِرَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ من رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ في ذِمَّةِ الرَّجُلِ وَمَالِهِ شيئا هو له دُونَهُ وَالرَّجُلُ يُنْكِرُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَوْ كان الرَّجُلُ يَدَّعِي شِرَاءَ الدَّارِ وَمَالِكُ الدَّارِ يَجْحَدُهُ كان مِثْلَ هذا وَعَلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شيئا هو في مِلْكِ صَاحِبِهِ دُونَهُ وَلَا يَأْخُذُ بِدَعْوَاهُ دُونَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً وَعَلَى الذي يُنْكِرُ الْبَيْعَ الْيَمِينُ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا أو غَصْبًا أو شيئا على رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ وَلَوْ أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى لَازِمَةٌ له وَدَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ منه إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَنْ قال هذا فَسَوَاءٌ عِنْدَهُ كان دَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ مَوْصُولًا بِإِقْرَارِهِ أو مَقْطُوعًا منه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كان لَا يُعْلَمُ حَقُّهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ فَوَصَلَ بِإِقْرَارِهِ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ كان مَقْبُولًا منه وَلَا يَكُونُ صَادِقًا كَاذِبًا في قَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قَطَعَ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ من الْإِقْرَارِ فلم يَصِلْهَا بِهِ كان مُدَّعِيًا عليه الْبَيِّنَةَ وكان الْإِقْرَارُ له لَازِمًا وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أرايت رَجُلًا قال لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةٌ أو لَك عِنْدِي عَبْدٌ زِنْجِيٌّ وَادَّعَى الرَّجُلُ عليه أَلْفًا وَازِنَةً أو أَلْفًا مَثَاقِيلَ أو عَبْدًا بَرْبَرِيًّا أَلَيْسَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عليه وَسَوَاءٌ في هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يُقِرَّ له بِدَيْنٍ وَيَزْعُمَ إلَى أَجَلٍ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الدَّيْنُ حَالٌ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ دَعْوَاهُ بِإِقْرَارِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الشَّيْءُ في يَدِ اثْنَيْنِ عَبْدًا كان أو دَارًا أو غَيْرَهُ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ فَهُوَ في الظَّاهِرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيُكَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على ما في يَدَيْ صَاحِبِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَحْلَفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على دَعْوَى صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ وَإِنْ نَكَلَ لم يَأْخُذْ شيئا وَدَعْوَاهُ النِّصْفَ الذي في يَدِ صَاحِبِهِ كَدَعْوَاهُ الْكُلَّ ليس في يَدَيْهِ منه شَيْءٌ لِأَنَّ ما في يَدِ غَيْرِهِ خَارِجٌ من يَدَيْهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على ما في يَدَيْ صَاحِبِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ على صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ حُبِسَ حتى يَحْلِفَ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا نَكَلَ عن الْيَمِينِ قَضَيْنَا عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الْبَيْعَ فَتَصَادَقَا عليه وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك بِأَلْفَيْنِ وقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك بِأَلْفٍ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا مَعًا فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالسِّلْعَةُ مَرْدُودَةٌ على الْبَائِعِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه وَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْبَائِعُ لقد بَاعَهُ بِاَلَّذِي قال ثُمَّ لَزِمَتْهُ الْأَلْفَانِ فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عن الْيَمِينِ أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ قد اجْتَمَعَ نُكُولُ الْمُشْتَرِي وَيَمِينُ الْبَائِعِ على دَعْوَاهُ وَهَكَذَا إنْ كان النَّاكِلُ هو الْبَائِعُ وَالْحَالِفُ هو الْمُشْتَرِي كانت بَيْعًا له بِالْأَلْفِ وَلَوْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ تَرَادَّا قِيمَتَهَا إذَا حَلَفَا مَعًا وإذا كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ في أَنَّ السِّلْعَةَ مَبِيعَةٌ وَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ فإذا حَلَفَا تَرَادَّا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان حَلَالًا فَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ ما كان مَرْدُودًا لو وُجِدَ بِعَيْنِهِ في يَدَيْ من هو في يَدَيْهِ فَفَاتَ أَنَّ عليه قِيمَتَهُ إذَا كان أَصْلُهُ مَضْمُونًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه أَنْ يُنْظَرَ إلَى الذي الشَّيْءُ في يَدَيْهِ يَدَّعِيهِ هو وَغَيْرُهُ فَيُجْعَلُ الْمُدَّعِيَ الذي نُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ وَالْمُدَّعَى عليه الذي الشَّيْءُ في يَدَيْهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ يَدُلُّ على صِدْقِهِ بِدَعْوَاهُ إلَّا قَوْلَهُ وَهَكَذَا إنْ ادَّعَى عليه دَيْنًا أو أَيَّ شَيْءٍ ما كان كُلِّفَ فيه لبينة ( ( ( البينة ) ) ) وَدَعْوَاهُ في ذِمَّةِ غَيْرِهِ مِثْلُ دَعْوَاهُ شيئا قَائِمًا بِعَيْنِهِ في يَدَيْ غَيْرِهِ قال وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه

(6/227)


وَلَوْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ كنا قد فَارَقْنَا السُّنَّةَ وَمَعْنَى السُّنَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِرَاقُهُمَا وقد صَارَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى هذا الْقَوْلِ فقال بِهِ وَخَالَفَ صَاحِبَهُ فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لم أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حتى يَقُولَ نَكَحْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَرِضَاهَا فإذا قال هذا وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَحَلَفْنَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ لم أَقْضِ له بها وَإِنْ نَكَلَتْ لم أَقْضِ له بها بِالنُّكُولِ حتى يَحْلِفَ فإذا حَلَفَ قَضَيْتُ له بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأُحَلِّفُ في النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَكُلِّ دَعْوَى وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ من حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى أَنْ يُحَلَّفَ الزَّوْجُ الْقَاذِفُ وَتُحَلَّفَ الزَّوْجَةُ الْمَقْذُوفَةُ ثُمَّ دَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عن الزَّوْجِ وقد لَزِمَهُ لَوْلَا الْيَمِينُ وَالْإِجْمَاعُ على أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عن الْمَرْأَةِ بِالْيَمِينِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَعَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ فَالْحَدُّ قَتْلٌ وَنَفْيُ الْوَلَدِ نَسَبٌ فَالْحَدُّ على الرَّجُلِ يَمِينٌ فَوَجَدْتُ هذا الْحُكْمَ جَامِعًا لَأَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا لها فيه حُكْمٌ وَوَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْأَنْصَارَ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ فَأَبَوْا الْأَيْمَانَ فَعَرَضَ عليهم أَيْمَانَ يَهُودَ فَلَا أَعْرِفُ حُكْمًا في الدُّنْيَا أَعْظَمَ من حُكْمِ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ وَالطَّلَاقِ وَلَا اخْتِلَافَ بين الناس في الْأَيْمَانِ في الْأَمْوَالِ وَوَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ على مُدَّعَى عليه دُونَ مدعي عليه إلَّا بِخَبَرٍ لازم يفرق بينهما وليس فيها خبر لَازِمٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ الْأَخْبَارُ اللَّازِمَةُ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو ادَّعَتْ عليه المراة النِّكَاحَ وَجَحَدَ كُلِّفَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لم تَأْتِ بها أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على الْمَرْأَةِ وَقُلْتُ لها احْلِفِي فَإِنْ حَلَفَتْ أَلْزَمْته النِّكَاحَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ أَحَدٌ على أَحَدٍ من طَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَمَالٍ وَقِصَاصٍ وَغَيْرِ ذلك من الدَّعْوَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ خَالَعَتْهُ بِعَبْدٍ أو دَارٍ أو غَيْرِ ذلك وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ كُلِّفَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها أَلْزَمْته الْخُلْعَ وَأَلْزَمْتُهَا ما اخْتَلَعَتْ بِهِ وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْتهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ من أَنْ يَأْخُذَ منها ما ادَّعَى وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ وكان لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ من قِبَلِ أَنَّهُ يُقِرُّ بِطَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ فيه رَجْعَةً وَيَدَّعِي مَظْلَمَةٌ في الْمَالِ فَإِنْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ رَدَدْت الْيَمِينَ على الزَّوْجِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ ما ادَّعَى أنها خَالَعَتْهُ عليه وَإِنْ نَكَلَ لم أُعْطِهِ بِدَعْوَاهُ شيئا وَلَا بِنُكُولِهَا حتى يَجْتَمِعَ مع نُكُولِهَا يَمِينُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الْعَبْدُ على مَالِكِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أو كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ ذلك مَالِكُهُ فَعَلَى الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جاء بها أَنْفَذْتُ له ما شَهِدَ له بِهِ من عِتْقٍ أو كِتَابَةٍ وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْت له مَوْلَاهُ فَإِنْ حَلَفَ أَبْطَلْت دَعْوَى الْعَبْدِ وَإِنْ نَكَلَ الْمَوْلَى عن الْيَمِينِ لم أُثْبِتْ دَعْوَى الْعَبْدِ إلَّا بِأَنْ يَحْلِفَ الْعَبْدُ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتُ دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ التَّدْبِيرَ فَهُوَ في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا وفي قَوْلِ من يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَصْنَعُ الْيَمِينُ شيئا وَقُلْ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ وَيَكُونُ التَّدْبِيرُ مَرْدُودًا وَلَوْ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ قال قد أَعْتَقْتُكَ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ الْمَالَ وَادَّعَى الْعِتْقَ أو أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْعِتْقَ كان الْمَالِكُ الْمُدَّعِيَ فَإِنْ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ أُخِذَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ وَإِنْ لم يُقِمْهَا أُحَلِّفُ له الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ من الْمَالِ وكان حُرًّا في الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُقِرُّ بِعِتْقِهِ فِيهِمَا فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عن الْيَمِينِ لم يَثْبُتْ عليه شَيْءٌ حتى يَحْلِفَ مَوْلَاهُ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْمَالُ على الْعَبْدِ وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عن الْيَمِينِ فَلَا مَالَ على الْعَبْدِ وَالْعِتْقُ مَاضٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ فقال أنت عَبْدٌ لي وقال الْمُدَّعَى عليه بَلْ أنا حُرُّ الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَأَصْلُ الناس الْحُرِّيَّةُ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أو يُقِرَّ بِرِقٍّ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها كان الْعَبْدُ رَقِيقًا وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ له بِالرِّقِّ كان رَقِيقًا له وَإِنْ لم يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ أُحَلِّفُ له الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ كان حُرًّا وَإِنْ نَكَلَ لم يَلْزَمْهُ الرِّقُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهُ أَعْطَيْنَاهُ بِبَيِّنَتِهِ

(6/228)


حتى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي على رِقِّهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا له (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دَمًا أو جِرَاحًا دُونَ الدَّمِ عَمْدًا أو خَطَأً فَسَوَاءٌ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جاء بها قُضِيَ له فَإِنْ لم يَأْتِ بها وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ في الدَّمِ دُونَ الْجِرَاحِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم أُلْزِمْهُ بِالنُّكُولِ شيئا حتى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَلْزَمْتُ الْمُدَّعَى عليه جَمِيعَ ما ادعي عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيْمَانُ الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ الدَّمُ لَا يُبْرَأُ منه إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وما سِوَاهُ يُسْتَحَقُّ وَيُبْرَأُ منه بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ إلَّا اللِّعَانُ فإنه بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ وَالْخَامِسَةُ الْتِعَانُهُ وَسَوَاءٌ النَّفْسُ وَالْجُرْحُ في هذا يَقْبَلُهُ بِاَلَّذِي نَقَصَهُ بِهِ من نُكُولِهِ عن الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس رَحْمَةُ اللَّهِ عليه في هذا فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ من ادَّعَى جُرْحًا أو فَقَأَ عَيْنَيْنِ أو قَطَعَ يَدَيْنِ وما دُونَ النَّفْسِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ منه فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَاقْتُصَّ منه فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهَكَذَا كُلُّ دَعْوَى عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَزَعَمَ أَنَّ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه دَلِيلٌ على أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بَرِيءَ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الدَّعْوَى ثُمَّ عَادَ لِمَا احْتَجَّ بِهِ من قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَقَضَهُ في النَّفْسِ فقال إنْ ادَّعَى عليه قَتْلَ النَّفْسِ فَنَكَلَ عن الْيَمِينِ اسْتَعْظَمْت أَنْ أَقْتُلَهُ وَحَبَسْته حتى يُقِرَّ فَأَقْتُلَهُ أو يَحْلِفَ فَأُبْرِئَهُ قال مِثْلُ هذا في الْمَرْأَةِ يَلْتَعِنُ زَوْجُهَا وَتَنْكُلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا خَالَفَ في هذا ما زَعَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نُحِقَّهُ ولم نُبْطِلْهُ كان يَنْبَغِي إذَا فَرَّقَ بين النَّفْسِ وما دُونَهَا من الْجِرَاحِ أَنْ يَقُولَ لَا أَحْبِسُهُ إذَا نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَلَا أَجْعَلُ عليه شيئا إذَا كان لَا يَرَى النُّكُولَ حُكْمًا وهو على الِابْتِدَاءِ لَا يَحْبِسُ الْمُدَّعَى عليه إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كان لِلنُّكُولِ عِنْدَهُ حُكْمٌ فَقَدْ خَالَفَهُ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ ما نَكَلَ عنه وَإِنْ لم يَكُنْ لِلنُّكُولِ حُكْمٌ في النَّفْسِ فَقَدْ ظَلَمَهُ بِحَبْسِهِ في قَوْلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحْبَسُ أَبَدًا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ وَفَرَّ من قَوْلِهِ فَأَحْدَثَ قَوْلًا ثَانِيًا مُحَالًا كَقَوْلِ صَاحِبِهِ فقال ما عليه حَبْسٌ وما يَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَ وأستعظم الدَّمَ وَلَكِنْ أَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ فَجَعَلَ عليه دِيَةً في الْعَمْدِ وهو لَا يَجْعَلُ في الْعَمْدِ دِيَةً أَبَدًا وَخَالَفَ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّهُ يُخَيِّرُ وَلِيَّ الدَّمِ في الْقِصَاصِ أو الدِّيَةِ ثُمَّ يقول ليس فيه إلَّا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا فَأَخَذَ لِوَلِيِّ الدَّمِ ما لَا يَدَّعِي وَأَخَذَ من الْمُدَّعَى عليه ما لَا يُقِرُّ بِهِ وَأَحْدَثَ لَهُمَا من نَفْسِهِ حُكْمًا مُحَالًا لَا خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وإذا كان يَأْخُذُ دِمَاءَ الناس في مَوْضِعٍ بِشَاهِدَيْنِ حتى يَقْتُلَ النَّفْسَ وَأَكْثَرُ ما نَأْخُذُ بِهِ مُوضِحَةٌ من شَاهِدَيْنِ أو إقْرَارٍ فما فَرَّقَ بين الدَّمِ وَالْمُوضِحَةِ وما هو أَصْغَرُ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ كَفَالَةً بِنَفْسٍ أو مَالٍ فَجَحَدَ الْآخَرُ فإن على الْمُدَّعِي الْكَفَالَةَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ ما ادَّعَى عليه وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ عنه غَيْرُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ على مُدَّعِي الْكَفَالَةِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادعي على رَجُلٍ أَنَّهُ أَكُرَاهُ بَيْتًا من دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذلك الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ على صَاحِبِهِ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَعَلَى كل وَاحِدِ مِنْهُمَا الْيَمِينُ على دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ وَإِنْ كان سَكَنَ الدَّارَ أو بَيْتًا منها فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَهَكَذَا لو أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ اكْتَرَى منه دَابَّةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا الْأَمَةُ مِثْلُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ وَهَكَذَا كُلُّ ما يُمْلَكُ إلَّا في مَعْنًى وَاحِدٍ فإن رَجُلًا أو امْرَأَةً لو كَانَا مَعْرُوفَيْنِ بِالْحُرِّيَّةِ فَأَقَرَّا بِالرِّقِّ لم يَثْبُتْ عَلَيْهِمَا الرِّقُّ

(6/229)


إلَى مَكَّةَ بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى رَبُّ الدَّابَّةِ أَنَّهُ أَكْرَاهُ إيَّاهَا إلَى أَيْلَةَ بِعَشَرَةٍ كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً ولم يُقِمْ الْآخَرُ أَجَزْت بَيِّنَةَ الذي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كان في يَدَيْهِ أَمْسِ فإنه لَا تُقْبَلُ منه الْبَيِّنَةُ على هذا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ في يَدَيْهِ ما ليس له وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هذا الْعَبْدَ أَخَذَهُ هذا منه أو انْتَزَعَ منه الْعَبْدَ أو اغْتَصَبَهُ منه أو غَلَبَهُ على الْعَبْدِ وَأَخَذَهُ منه أو شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ في حَاجَتِهِ فَاعْتَرَضَهُ هذا من الطَّرِيقِ فَذَهَبَ بِهِ أو شَهِدُوا أَنَّهُ أَبَقَ من هذا فَأَخَذَهُ هذا فإن هذه الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ وَيُقْضَى له بِالْعَبْدِ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الذي في يَدَيْهِ الْعَبْدِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ ما ادَّعَى وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا أُحَلِّفُهُ على ما ادَّعَى صَاحِبُهُ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُتْرَكُ في يَدَيْهِ كما كان + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ وَغَيْرُهَا من الْمَالِ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ أو بَعْضَهُ فقال الذي هو في يَدَيْهِ ليس هذا يملك ( ( ( بملك ) ) ) لي وهو مِلْكٌ لِفُلَانٍ ولم يُقِمْ بَيِّنَةً على ذلك فَإِنْ كان فُلَانٌ حَاضِرًا صَيَّرَ له وكان خَصْمًا عن نَفْسِهِ وَإِنْ كان فُلَانٌ غَائِبًا كَتَبَ إقْرَارَهُ له وَقِيلَ لِهَذَا الْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاك وَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ ادْفَعْ عنه فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عليه قُضِيَ له بِهِ على الذي هو في يَدَيْهِ وَكَتَبَ في الْقَضَاءِ إنِّي إنَّمَا قَبِلْتُ بَيِّنَةَ فُلَانٍ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِ فُلَانٍ الذي هو في يَدَيْهِ بِأَنَّ هذه الدَّارَ لِفُلَانٍ ولم يَكُنْ فُلَانٌ الْمُقَرُّ له وَلَا وَكِيلٌ له حَاضِرًا فقالت الْبَيِّنَةُ لِفُلَانٍ الْمُدَّعِي هذه الدَّارَ على ما حَكَيْت في كِتَابِي وَيَحْكِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَقَضَيْت له بها على فُلَانٍ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَجَعَلْت فُلَانًا الْمُقَرَّ له بها على حُجَّتِهِ يَسْتَأْنِفُهَا فإذا حَضَرَ أو وَكِيلٌ له اسْتَأْنَفَ الْحُكْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْضِيِّ له وَإِنْ أَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أنها لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَمَنْ قَضَى على الْغَائِبِ سمع بَيِّنَتَهُ وَقَضَى له وَأُحَلِّفُهُ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَنَّ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ لَحَقٌّ وما خَرَجَتْ من مِلْكِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَكَتَبَ له في كِتَابِ الْقَضَاءِ إنِّي سمعت بَيِّنَتَهُ وَيَمِينَهُ وَفُلَانٌ الذي ذَكَرَ أَنَّ له الدَّارَ غَائِبٌ لم يَحْضُرْ وَلَا وَكِيلٌ له فإذا حَضَرَ جَعَلَهُ خَصْمًا وَسَمِعَ بَيِّنَتَهُ إنْ كانت وَأَعْلَمَهُ الْبَيِّنَةَ التي شَهِدَتْ عليه فَإِنْ جاء بِحَقٍّ أَحَقَّ من حَقِّ الْمَقْضِيِّ له قَضَى له بِهِ وَإِنْ لم يَأْتِ بِهِ أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَإِنْ سَأَلَ الْمَحْكُومُ له الْأَوَّلُ الْقَاضِيَ أَنْ يُجَدِّدَ له كِتَابًا بِالْحُكْمِ الثَّانِي عِنْدَ حَضْرَةِ الْخَصْمِ كان عليه أَنْ يَفْعَلَ فَيَحْكِيَ ما قَضَى بِهِ أَوَّلًا حتى يَأْتِيَ عليه ثُمَّ يَحْكِيَ أَنَّ فُلَانًا حَضَرَ وَأَعَدْت عليه الْبَيِّنَةَ وَسَمِعْت من حُجَّتِهِ وَبَيِّنَتِهِ ثُمَّ يَحْكِيهَا ثُمَّ يَحْكِي أَنَّهُ لم يَرَ له فيها شيئا وَأَنَّهُ أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَقَطَعَ حُجَّتَهُ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا لَا يُقْضَى على غَائِبٍ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِمَّا يُقْضَى عليه في الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ وَنَحْنُ نَرَى الْقَضَاءَ عليه بَعْدَ الْأَعْذَارِ وقد كَتَبْنَا الْأَعْذَارَ في مَوْضِعٍ غَيْرِ هذا وَسَوَاءٌ كان إقْرَارُ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ قبل شَهَادَةِ الشُّهُودِ أو بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ هذا في جَمِيعِ الأموال ( ( ( الأحوال ) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أنها له وأنه آجَرَهَا إيَّاهُ وَادَّعَى آخَرُ أنها له وَأَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فإنه يقضى بها نِصْفَيْنِ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه ( قال الرَّبِيعُ ) حِفْظِي عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بَاطِلَتَانِ وهو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الدَّارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يقول هِيَ لي في يَدَيْ وَأَقَامَا مَعًا على ذلك بَيِّنَةً جَعَلْتهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّا إنْ قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما في يَدِهِ وَأَلْغَيْنَاهَا عَمَّا في يَدَيْ صَاحِبِهِ فَأَسْقَطْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا كَدَارٍ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا وَنُحَلِّفُهُ إذَا أَلْغَيْنَا الْبَيِّنَةَ على دَعْوَى صَاحِبِهِ

(6/230)


الدَّارُ أو الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ في وَقْتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً على ذلك وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ له في وَقْتٍ بَعْدَ الْغَصْبِ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً فإنه يقضى بِهِ لِصَاحِبِ الْغَصْبِ وَلَا يقضى لِصَاحِبِ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ من هذا وَصَاحِبُ الْغَصْبِ هو الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت دَارٌ في يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ على أنها له من وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا وَأَنَّهُ وَرِثَهَا عن أبيه في وَقْتِ كَذَا حتى يُحِيطَ الْعِلْمَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَهَذَا مِثْلُ الشَّهَادَةِ على النِّتَاجِ فَمَنْ زَعَمَ في النِّتَاجِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِالْإِحَاطَةِ وَلَا نَعْرِفُهَا وَيَجْعَلُ النِّتَاجَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ لِإِبْطَالِ الْبَيِّنَةِ أَبْطَلَ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَقَرَّ الدَّارَ في يَدَيْ صَاحِبِهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحِقُّ الْبَيِّنَةُ التي مَعَهَا السَّبَبُ الْأَقْوَى فَيُجْعَلُ كَيْنُونَةَ النِّتَاجِ في يَدَيْ صَاحِبِهَا بِسَبَبٍ أَقْوَى فَفِي هذا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له كانت له كُلُّهَا وَلَوْ كانت الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ على وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لم يَكُنْ فيه إلَّا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أو تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ في هذا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ وَكُلُّ ما أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ فيه مِمَّا ليس في يَدَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ هَكَذَا وَكُلُّ ما لم يُمْكِنْ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةً فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَسَوَاءٌ هذا في كل شَيْءٍ ادَّعَى وَبِأَيِّ مِلْكٍ ادَّعَى الْمِيرَاثَ وَغَيْرُهُ في ذلك سَوَاءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَمَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ أنها كانت لِأَبِيهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من أبي هذا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإنه يَقْضِي بها لِلْمُشْتَرِي وَشَهَادَةُ الشِّرَاءِ تَنْقُضُ شَهَادَةَ الْمِيرَاثِ وَهَكَذَا لو شَهِدُوا على صَدَقَةٍ مَقْبُوضَةٍ من الْمَيِّتِ في صِحَّتِهِ أو هِبَةٍ أو نَحْلٍ أو بِعَطِيَّةٍ أو عُمْرَى من قِبَلِ أَنَّ شُهُودَ الْمِيرَاثِ قد يَكُونُونَ صَادِقِينَ على الظَّاهِرِ أَنْ يَعْلَمُوا الْمَيِّتَ مَالِكًا وَلَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ من يَدَيْهِ فَيَسَعُهُمْ على هذا الشَّهَادَةُ وَلَوْ تَوَقَّوْا فَشَهِدُوا أنها مِلْكٌ له وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ من يَدَيْهِ حتى مَاتَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كانت الشَّهَادَةُ فيه على الْبَتِّ فَهِيَ على الْعِلْمِ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ يُخَالِفُونَ شُهُودَ الشِّرَاءِ وَلَا الصَّدَقَةِ شهود ( ( ( وشهود ) ) ) الشِّرَاءِ وَالصَّدَقَةِ يَشْهَدُونَ على أَنَّ الْمَيِّتَ أَخْرَجَهَا في حَيَاتِهِ إلَى هذا فَلَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ على هَؤُلَاءِ ما عَلِمَ هَؤُلَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت دَارٌ أو أَرْضٌ أو بُسْتَانٌ أو قَرْيَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَى رَجُلٌ أنها له وَأَقَامَ بَيِّنَةً أنها لِأَبِيهِ ولم يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فإنه لَا يقضى له وَلَا تَنْفُذُ هذه الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أنها لم تَزَلْ لِأَبِيهِ حتى مَاتَ وَإِنْ لم يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَرَكَهَا مِيرَاثًا وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا أنها كانت لِجَدِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أبا ( ( ( أب ) ) ) هذا الْمُدَّعِي تَزَوَّجَ عليها أُمَّ هذا وَأَنَّ أُمَّهُ فُلَانَةَ مَاتَتْ وَتَرَكَتْهَا مِيرَاثًا فإنه يقضى بها لِابْنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد خَرَجَ منها حَيْثُ تَزَوَّجَ عليها وَهَذَا مِثْلُ خُرُوجِهِ منها بِالْبَيْعِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ في مِلْكِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا مع شَهَادَةِ الرِّجَالِ جَائِزَةٌ وَلَا تَجُوزُ على أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ فُلَانًا وَفُلَانًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا من قِبَلِ أَنَّ هذا يَثْبُتُ نَسَبًا وَشَهَادَتُهُنَّ لَا تَجُوزُ إلَّا في الْأَمْوَالِ مَحْضَةً وما لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ من أَمْرِ النِّسَاءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى من رَجُلٍ عَبْدًا وَأَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَهُمَا في يَدَيْ الْبَائِعِ فقال الْبَائِعُ إنَّمَا بِعْتُك الْعَبْدَ وَحْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الدَّعْوَى في الْمِيرَاثِ - *

(6/231)


- * بَابُ الشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ على شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَّا رَجُلَانِ وَلَا يَجُوزُ عليها رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ هذا ليس بِمَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا ولم يَشْهَدُوا على الْوَرَثَةِ وَلَا يَعْرِفُونَهُمْ فإن الْقَاضِيَ يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ فُلَانٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ فَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ على ذلك دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِمْ وَإِنْ لم يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ على ذلك وَقَفَ الدَّارَ أَبَدًا حتى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ لا وَارِثَ له غَيْرُهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ من الْوَارِثِ كَفِيلٌ بِشَيْءٍ مِمَّا يُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَلَوْ أَخَذْته منه أَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْتُ له على آخَرَ بِدَارٍ أو عَبْدٍ وَأَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْت له على رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَمِمَّنْ حَكَمْت له بِحُكْمٍ ما كان وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَاهَا آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَقْضِي بها لِلْمُدَّعِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ الدَّارُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ كانت لِأَبِي الْمُدَّعِي وَأَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا منه وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً قُبِلَ منه ذلك لِأَنَّ الدَّارَ في يَدَيْهِ وهو أَقْوَى سَبَبًا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مثله إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُهُ الْمُدَّعِيَ في هذه الْمَنْزِلَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له وَلِأَخَوَيْهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ وَإِخْوَتُهُ كلهم غُيَّبٌ غَيْرَهُ فإن الدَّارَ تَخْرُجُ من يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَتَصِيرُ مِيرَاثًا وَيَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ من الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ فَإِنْ كان لِلْغَائِبِ من الْوَرَثَةِ وُكَلَاءُ دَفَعَ إلَيْهِمْ حَقَّ من هُمْ وُكَلَاؤُهُ وَإِلَّا وُقِفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ من الدَّارِ وَأُكْرِيَتْ لهم حتى يَحْضُرُوا وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ حَقُّهُ وَتُتْرَكُ بَقِيَّةُ الدَّارِ في يَدَيْ الذي كانت الدَّارُ في يَدَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ وَرَثَةٍ وَوَاحِدٌ منهم غَائِبٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَ ذلك الْغَائِبِ فَمَنْ قال لَا يُقْضَى على الْغَائِبِ فإنه لَا يُقْبَلُ منه وَخَصْمُهُ غَائِبٌ وَلَيْسَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ الْوَرَثَةِ بِخَصْمِهِ وَإِنْ كَانُوا كلهم مُقِرِّينَ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ أَنَّهُ له وَمَنْ قَضَى الغائب ( ( ( للغائب ) ) ) قَضَى لِلْمُشْتَرِي بِبَيِّنَتِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقْضَى على غَائِبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكَانَتْ الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وبن أَخِيهِ فَادَّعَى الْعَمُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَادَّعَى بن الْأَخِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ رَجُلَانِ على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رأيت كَثِيرًا من الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ يُجِيزُهُ فَمَنْ أَجَازَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِشَاهِدَيْنِ على شَهَادَةِ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَهُمَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على رَجُلٍ وَرَجُلٍ وَأَدَلُّ من هذا على امْرِئٍ كَأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو شَهِدَا على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنَّ هذا الْمَمْلُوكَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ وَشَهِدَا على شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّ هذا الْمَمْلُوكَ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِ لم يَكُونَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَإِنَّمَا أَدَّيَا قَوْلَ غَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْنِ على الْأَصْلِ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وقد سمعت من يقول لَا أَقْبَلُ على رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَعَلَى آخَرَ شَهَادَةَ آخَرَيْنِ غَيْرِهِمَا وَمَنْ قال هذا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أنا أُقِيمُهُمَا مَقَامَ الشَّاهِدِ نَفْسِهِ فلم يَكُنْ لَهُمَا أَكْثَرُ من حُكْمِهِ فَهُوَ لو شَهِدَ مَرَّتَيْنِ على شَيْءٍ وَاحِدٍ لم يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا هُمَا على الْآخَرِ لم يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ من قال هذا أَنَّهُمَا إنَّمَا كَانَا غير مَجْرُوحَيْنِ في شَهَادَتِهِمَا على أَرْبَعَةٍ مُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُمَا لم يَشْهَدَا على الْعِيَانِ وَهُمَا لَا يَقُومَانِ إلَّا مَقَامَ من شَهِدَا على شَهَادَتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ اثْنَانِ إلَّا مَقَامَ وَاحِدٍ إذْ لم يَجُزْ أَنْ يَجُوزَ على الْوَاحِدِ إلَّا اثْنَانِ

(6/232)


أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا له لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فإنه يَقْضِي بها بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ( قال ) وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وبن أَخِيهِ فقال الْعَمُّ هِيَ بين وَالِدِي وَأَخِي نِصْفَانِ وَأَقَرَّ بن الْأَخِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْعَمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قبل أبيه فَوَرِثَهُ أَبُوهُ وَابْنُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هو لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَأَقَامَ بن الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ قبل أَخِيهِ وَأَنَّهُ وَرِثَهُ ابْنَاهُ أَحَدُهُمَا أبو بن الْأَخِ وَالْآخَرُ الْعَمُّ الْبَاقِي وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هو لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تُلْغَى الْبَيِّنَةُ إذَا كانت لَا تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا أَلْغَى هذه الْبَيِّنَةَ وَجَعَلَ هذه الدَّارَ على ما أَقَرَّا بها لِلْمَيِّتَيْنِ وَوَرَّثَ وَرَثَتَهُمَا الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ أَصْلَ الْمِلْكِ لِمَنْ أَقَرَّا له بِهِ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ قضى له بِمَا شَهِدَ له شُهُودُهُ وَأَلْغَى شُهُودَ صَاحِبِهِ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقْبَلَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ عَمَّا في يَدِهِ وَيُلْغِيَهَا عَمَّا في يَدَيْ صَاحِبِهِ قَبِلَهَا ثُمَّ أَثْبَتَ النِّصْفَيْنِ على أَصْلِ ما أَقَرَّا بِهِ وَأَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَوَرِثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من وَرِثَهُ كان حَيًّا يَوْمَهُ هذا أو مَيِّتًا قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقْضِي في هذه بِنَصِيبِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا تَرِثُ الْأَمْوَاتُ من ذلك شيئا فَأَقْضِي بِنِصْفِ الدَّارِ لِابْنِ الْأَخِ وَبِنِصْفِ الدَّارِ لِلْعَمِّ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَعَرَفَهُ الْقَاضِي أو شَهِدَ له بِذَلِكَ شُهُودُهُ وَلَا يَعْلَمُ الشُّهُودُ وَلَا الْقَاضِي أَنَّ له وَارِثًا غَيْرَهُ ليس أَكْثَرَ من عِلْمِ النَّسَبِ فإن الْقَاضِيَ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شيئا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ أَخًا وَلَا يَكُونُ وَارِثًا وَلَوْ كان مَكَانَ الْأَخِ بن فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هذا ابْنُهُ ولم يَشْهَدُوا على عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا على أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ وَتَلَوَّمَ بِهِ وَسَأَلَ عن الْبُلْدَانِ التي وَطِئَهَا هل له فيها وَلَدٌ فإذا بَلَغَ الْغَايَةَ التي لو كان له فيها وَلَدٌ لَعَرَفَهُ وَادَّعَى الِابْنُ أَنْ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ ضَمِينًا بِعَدَدِ الْمَالِ وَحِكَايَةُ أَنَّهُ لم يَقْضِ له إلَّا بِأَنَّهُ لم يَجِدْ له وَارِثًا غَيْرَهُ فإذا جاء وَارِثٌ أَخَذَ الضُّمَنَاءَ بِإِدْخَالِ الْوَارِثِ عليه بِقَدْرِ حَقِّهِ وَإِنْ كان مَكَانُ الِابْنِ أو معه زَوْجَةٌ أَعْطَاهَا رُبُعَ الثَّمَنِ وَلَا يُعْطِيهَا إيَّاهُ حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ وَهِيَ له زَوْجَةٌ وَلَا يَعْلَمُونَهُ فَارَقَهَا وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِابْنِ أَنَّ مِيرَاثَهَا مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ مَحْدُودُ الْأَقَلِّ فَالْأَقَلُّ رُبُعُ الثَّمَنِ وَالْأَكْثَرُ الرُّبُعُ وَمِيرَاثُ الِابْنِ غَيْرُ مَحْدُودِ الْأَقَلِّ مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ فَالْأَكْثَرُ الْكُلُّ وَالْأَقَلُّ لَا يُوقَفُ عليه أَبَدًا إلَّا بِعَدَدِ الْوَرَثَةِ وقد يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ - * بَابُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ في الْمَوَارِيثِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ على شَيْءٍ من الدُّنْيَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَلَا رِضًا في أَحَدٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأُشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَمِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ مِنَّا من خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كان رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا ولم تَشْهَدْ على إسْلَامِهِ وَلَا كُفْرِهِ غَيْرُ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ على الْأَصْلِ وَمِيرَاثُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ حتى يُعْلَمَ له إسْلَامٌ وَلَوْ أَقَامَا جميعا الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ النَّصْرَانِيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَالْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ فَالْمِيرَاثُ لِلنَّصْرَانِيِّ الذي شَهِدَ له الْمُسْلِمَانِ وَلَا شَهَادَةَ لِلنَّصْرَانِيَّيْنِ وَلَوْ كان الشُّهُودُ جميعا مُسْلِمِينَ صلى عليه وَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ إذَا كانت لَا تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا جَعَلَ الْمِيرَاثَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ على الْأَصْلِ وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ وَرَجَعَ الْمِيرَاثُ لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْسَمَ الشَّيْءُ إذَا تَكَافَّتْ عليه الْبَيِّنَةُ دَخَلَتْ عليه في هذا شَنَاعَةٌ وَقِسْمَةٌ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا الصَّلَاةُ عليه فَلَيْسَتْ من الْمِيرَاثِ إنَّمَا نُصَلِّي عليه بالأشكا

(6/233)


على نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كما نُصَلِّي عليه لو اخْتَلَطَ بِالْمُسْلِمِينَ مَوْتَى ولم يُعْرَفْ على نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ قال الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الشُّهُودَ إنْ كَانُوا جميعا مُسْلِمِينَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا ولم نَعْلَمْ أَيَّ شَيْءٍ كان أَصْلَ دِينِهِ فإن الْمِيرَاثَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا حتى يَصْطَلِحَا فيه لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّ الْمَالَ كان لِأَبِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ فَمَتَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا كنا قد وَرَّثْنَا كَافِرًا من مُسْلِمٍ أو مُسْلِمًا من كَافِرٍ فلما أَحَاطَ الْعِلْمَ أَنَّ هذا الْمَالَ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَاحِدٍ وَلَا يُعْرَفُ الْوَاحِدُ وَقَفْنَاهُ أَبَدًا حتى يَصْطَلِحَا فيه وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في مَوْضِعٍ آخَرَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال مَالِكٌ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ ذِمِّيٍّ فَادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَادَّعَى فيها ذِمِّيٌّ مِثْلَ ذلك وَأَقَامَ بَيِّنَةً من أَهْلِ الذِّمَّةِ فإن الدَّارَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَلَا يُقْضَى بها لِمَنْ ادَّعَاهَا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَحْلِفُ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ لِلَّذِي ادَّعَاهَا وَمَنْ كانت بَيِّنَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ قَضَيْت له بِالدَّارِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ وَرَثَةٍ فقالت امْرَأَةُ الْمَيِّتِ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ زَوْجِي مُسْلِمٌ مَاتَ وهو مُسْلِمٌ وقال وَلَدُهُ وَهُمْ كِبَارٌ كُفَّارٌ بَلْ مَاتَ أَبُونَا كَافِرًا وَجَاءَ أَخُو الزَّوْجِ مُسْلِمًا وقال بَلْ مَاتَ أَخِي مُسْلِمًا وَادَّعَى الْمِيرَاثَ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَمِيرَاثُهُ مِيرَاثُ مُسْلِمٍ وَإِنْ كان الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْكُفْرِ كان كَافِرًا وَإِنْ كان غير مَعْرُوفٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْكُفْرِ كان الْمِيرَاثُ مَوْقُوفًا حتى يُعْرَفَ إسْلَامُهُ من كُفْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ فقالت كُنْت أَمَةً فَأَعْتَقْتُ قبل أَنْ يَمُوتَ أو ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ قبل أَنْ يَمُوتَ أو قَامَتْ عليها بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا كانت أَمَةً أو ذِمِّيَّةً وَادَّعَتْ الْعِتْقَ وَالْإِسْلَامَ قبل أَنْ يَمُوتَ الزَّوْجُ فَأَنْكَرَ ذلك الْوَرَثَةُ وَقَالُوا إنَّمَا كان الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ إذَا عُرِفَتْ بِحَالٍ فَهِيَ من أَهْلِهَا حتى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ على خِلَافِهَا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال الْوَرَثَةُ كُنْتِ ذِمِّيَّةً أو أَمَةً ثم أَسْلَمْتِ أو أَعْتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ فقالت لم أَزَلِ مُسْلِمَةً حُرَّةً كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِأَنَّهَا الْآنَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَلَا يُقْضَى عليها بِخِلَافِ ذلك إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو إقْرَارٌ منها وَهَكَذَا الْأَصْلُ في الْعِلْمِ كُلِّهِ لَا يُخْتَلَفُ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً في صِحَّتِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ قالت رَاجَعَنِي قبل أَنْ يَمُوتَ وقال الْوَرَثَةُ لم يُرَاجِعْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا قد أَقَرَّتْ أنها خَارِجَةٌ وَادَّعَتْ الدُّخُولَ في مِلْكِهِ فَلَا تَدْخُلُ في مِلْكِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَالَتْ لم تَنْقَضِ عِدَّتِي وقال الْوَرَثَةُ قد انْقَضَتْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَأَقَرَّا جميعا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وقال أَحَدُهُمَا كُنْت مُسْلِمًا وكان أبي مُسْلِمًا وقال الْآخَرُ كُنْت أنا أَيْضًا مُسْلِمًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وقال كُنْت أنت كَافِرًا وَأَسْلَمْتُ أنت بَعْدَ مَوْتِ أبي وقال هو بَلْ أَسْلَمْتُ قبل مَوْتِ أبي وَأَقَرَّ أَنَّ أَخَاهُ كان مُسْلِمًا قبل مَوْتِ أبيه فإن الْمِيرَاثَ لِلْمُسْلِمِ الذي يُجْمَعُ عليه وَيَكُونُ على الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَسْلَمَ قبل مَوْتِ أبيه وَكَذَلِكَ لو كَانَا عَبْدَيْنِ فقال أَحَدُهُمَا لِأَخِيهِ أَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك وقال الْآخَرُ بَلْ أَعْتَقْت قبل مَوْتِ أبي أنا وَأَنْتَ جميعا فقال الْآخَرُ أَمَّا أنا فَقَدْ أَعْتَقْت قبل مَوْتِ أبي وَأَمَّا أنت فَأَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك فَالْمِيرَاثُ لِلَّذِي يُجْمَعُ على عِتْقِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ذلك

(6/234)


- * بَابٌ لِلدَّعَوَيَيْنِ إحْدَاهُمَا في وَقْتٍ قبل وَقْتِ صَاحِبِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ فَنَظَرَ الْحَاكِمُ في سِنِّ الدَّابَّةِ فإذا هِيَ لِثَلَاثِ سِنِينَ فإنه لَا يَقْبَلُ بَيِّنَةَ الذي أَقَامَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من الذي ادَّعَى مُنْذُ سَنَتَيْنِ وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بها لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ من قِبَلِ أَنِّي أَجْعَلُهَا مِلْكًا له فَأُخْرِجُهَا من يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فإذا جَعَلْته مَالِكًا أَجَزْت عليه بَيْعَ ما يَمْلِكُ وَلَيْسَ في شَهَادَتِهِمْ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ ما يُبْطِلُ أنها له مُنْذُ سَنَتَيْنِ أو أَكْثَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ ولم يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بها لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ وَإِنْ لم يَشْهَدَا على قَبْضِ الدَّارِ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمْ وَجَعَلْتُ له الشِّرَاءَ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُجِيزُ له شَهَادَتَهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الدَّارَ وَإِنْ لم يَشْهَدُوا على الْقَبْضِ لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَرْضٌ في يَدَيْ رَجُلٍ يُقَالُ له عَبْدَ اللَّهِ فَأَقَامَ آخَرُ يُقَالُ له عَبْدَ الْمَلِكِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من رَجُلٍ يُقَالُ له عبد الرحمن بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإنه لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ على هذا حتى يَشْهَدُوا أَنَّ عَبْدَ الرحمن بَاعَهَا وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا فَإِنْ شَهِدُوا أنها أَرْضُ هذا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ كان هذا جَائِزًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا أو شَهِدُوا أنها أَرْضُ هذا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ كان هذا جَائِزًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى شيئا من رَجُلٍ ولم يَقُولُوا أَنَّ البائع ( ( ( البالغ ) ) ) كان يَمْلِكُهُ حين بَاعَهُ لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ وَلَوْ لم يَشْهَدُوا أنها لِلْمُشْتَرِي وَشَهِدُوا أنها لِلْبَائِعِ بَاعَهَا من هذا وهو يَمْلِكُهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَقَبَضَ الثَّمَنَ ولم يَذْكُرُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا وَقَبَضَهَا منه أَجَزْت ذلك وإذا لم يَشْهَدُوا أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهَا وهو يَمْلِكُهَا ولم يَشْهَدُوا أنها لِلْمُشْتَرِي ولم يَشْهَدُوا على الْقَبْضِ لم أَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ على شَيْءٍ من ذلك وما قَبِلْت بِهِ شَهَادَتَهُمْ وَقَضَيْتُ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَدِمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ جَعَلْتُهُ على حُجَّتِهِ فيه وَأَعَدْتُ عليه نُسْخَةَ ما شُهِدَ بِهِ عليه وَأَطْرَدْته جُرْحَهُمْ كما أَصْنَعُ بِهِ في الِابْتِدَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها له وَأَقَامَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ بَيِّنَةً أنها له فَهِيَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ بَيِّنَةً على أنها له بِمِيرَاثٍ أو شِرَاءِ أو غَيْرِ ذلك من الْمِلْكِ أو لم يُقِمْهَا أو أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على وَقْتٍ أو لم يُقِمْهَا وَسَوَاءٌ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ على مِلْكٍ أَقْدَمَ من مِلْكِ هذا أو أَحْدَثَ أو معه أو لم يُقِمْهَا إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ الذي هو في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ وَالْوَقْتُ الْأَوَّلُ وَالْوَقْتُ الْآخِرُ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لو كان في أَيْدِيهمَا فَأَقَامَا جميعا الْبَيِّنَةَ على الْمِلْكِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي يَتَنَازَعَانِ فيها فإذا شَهِدَ لَهُمَا جميعا في تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُمَا مَالِكَانِ لم أَنْظُرْ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَحَدِيثِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ لِلَّذِي في يَدَيْهِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ لِلْمُدَّعِي وَلَا أَقْبَلُ من الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ وقال الشَّافِعِيُّ وإذا كانت أَمَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ وَادَّعَى رَجُلٌ أنها له مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً وَادَّعَى الذي هِيَ في يَدَيْهِ أنها في يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها في يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ ولم يَشْهَدُوا أنها له فَإِنِّي أَقْضِي بها لِلْمُدَّعِي وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه

(6/235)


الشُّهُودِ حين يَشْهَدُونَ فَأَجْعَلُهَا لِلَّذِي هو أَحَقُّ في تِلْكَ الْحَالِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ على أَنَّ له نِصْفَهَا أو ثُلُثَهَا وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ له كُلَّهَا جَعَلْتُ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا على أَقَلَّ من النِّصْفِ له وما بَقِيَ من الدَّارِ لِلْآخَرِ وَهَكَذَا الْأَمَةُ وما سِوَاهَا - * بَابُ الدَّعْوَى في الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ إشتراها منه بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ ولم تُوَقِّتْ وَاحِدَةٌ من الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الذي سَمَّى شُهُودُهُ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِنِصْفِهِ فإذا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَاخْتَارَ الْآخَرُ الرَّدَّ فَلِلَّذِي اخْتَارَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ له كُلُّهَا إذَا وَقَعَ الْخِيَارُ من الْحَاكِمِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ مَفْسُوخٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ إذَا لم يُعْرَفْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ وَيَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ فَمَنْ أَقَرَّ له الْمَالِكُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ أَوَّلًا فَهُوَ لِلَّذِي بَاعَهُ أَوَّلًا وهو قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ أو الْعَبْدُ أو الْأَرْضُ أو الدَّابَّةُ أو الْأَمَةُ أو الثَّوْبُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ من فُلَانٍ وهو يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ من رَجُلٍ وهو يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً فإنه يَقْضِي بِالثَّوْبِ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الثَّوْبُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عليه الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ بَاعَهُ من الذي هو في يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَنَّهُ بَاعَهُ منه بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ولم تَقُلْ الشُّهُودُ إنَّهُ ثَوْبُهُ قال يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ على الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ وَلَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ على إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى منه قَضَى عليه بِالثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَهُ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّابَّةُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من فُلَانٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وهو يَمْلِكُهَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ وَهَبَهَا له وَقَبَضَهَا منه وهو يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا وكان مَعَهُمْ من يَدَّعِي مِيرَاثًا عن أبيه وهو يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ صَدَقَةً من آخَرَ وهو يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ على ذلك بَيِّنَةً قال فَمَنْ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ قضى بها بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَمَنْ قال أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَضَى بها لِمَنْ خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ وَمَنْ قال أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ أَلْغَاهَا كُلَّهَا ( قال الرَّبِيعُ ) أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( 1 ) فإذا كان الْكِرَاءُ بَدَا فَاسِدًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ فِيمَا سَكَنَ بِقَدْرِ ما سَكَنَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ الْمَالَ فَأَنْظُرُ أَيُّهُمَا كان أَقْوَى سَبَبًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فيه فَأَجْعَلُهُ له فإذا اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَحَقَّ بِهِ من الْآخَرِ وَهُمَا فيه سَوَاءٌ فإذا تَنَازَعَا الْمَالَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ في الدَّعْوَى فَإِنْ كان ما يَتَنَازَعَانِ فيه في يَدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ سَبَبٌ أَقْوَى من سَبَبِ الذي ليس هو في يَدَيْهِ فَهُوَ له مع يَمِينِهِ إذَا لم تَقُمْ لِوَاحِدٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدِ رَجُلَيْنِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أنها كُلَّهَا له مُنْذُ سَنَةٍ وَالْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ له كُلَّهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَقْبَلُ بَيِّنَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما في يَدِهِ وَأَطْرَحُهَا عَمَّا في يَدِ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ شُهُودٌ له بِخِلَافِهَا ( قال أبو يَعْقُوبَ ) يقضي بها لِأَقْدَمْهُمَا مِلْكًا كُلِّهَا ( قال الرَّبِيعُ ) هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ

(6/236)


مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الذي ليس في يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ قِيلَ لِلَّذِي هو في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ التي لَا تَجْرِ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا وَلَا تُدْفَعُ عنها إذَا كانت لِلْمُدَّعِي أَقْوَى من كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ في يَدِك من قِبَلِ أَنَّ كَيْنُونَتَهُ في يَدِك قد تَكُونُ وَأَنْتَ غَيْرُ مَالِكٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ على سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ عليه قِيلَ قد اسْتَوَيْتُمَا في الدَّعْوَى وَاسْتَوَيْتُمَا في الْبَيِّنَةِ وَلِلَّذِي هو في يَدَيْهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ في يَدِهِ هو أَقْوَى من سَبَبِك فَهُوَ له بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ وَهَذَا مُعْتَدِلٌ على أَصْلِ الْقِيَاسِ لو لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ وَفِيهِ سُنَّةٌ بِمِثْلِ ما قُلْنَا
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي يحيى عن إِسْحَاقَ بن أبي فَرْوَةَ عن عُمَرَ بن الْحَكَمِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أنها دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ كل من حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيت في النِّتَاجِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِيمَا سِوَى النِّتَاجِ وَفِيمَا يَكُونُ مَرَّتَيْنِ فقال إذَا أَقَامَا عليه بَيِّنَةً كان لِلَّذِي ليس هو في يَدَيْهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ له أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو خَصْمَانِ من أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا في كل حَالَةٍ وَالْآخَرُ مُدَّعًى عليه في كل حَالَةٍ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الذي تُقْبَلُ منه الْبَيِّنَةُ لَا يَكُونُ إلَّا من لَا شَيْءَ في يَدَيْهِ فَأَمَّا من في يَدَيْهِ ما يَدَّعِي فَذَلِكَ مُدَّعًى عليه لَا مُدَّعٍ وَلَا تقبل ( ( ( نقبل ) ) ) الْبَيِّنَةَ من الْمُدَّعَى عليه فَقِيلَ له أَرَأَيْتُ ما ذَكَرْنَا وَذَكَرْتُ من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلَ الْبَيِّنَةَ من صَاحِبِ الدَّابَّةِ الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَقَضَى له بها وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الذي ليس هِيَ في يَدَيْهِ لو لم يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هو أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا على لِسَانِك أو ما كان يَلْزَمُك في أَصْلِ قَوْلِك أَنْ لَا تَقْبَلَ بَيِّنَةَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَإِنْ قال إنَّهُ إنَّمَا قَضَى بها لِلَّذِي في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا تَكَافَأَتَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْته دخل عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ حين اسْتَوَتْ بَاطِلًا ( قال ) وَلَوْ أَقَامَ على دَابَّةِ رَجُلٍ في يَدَيْهِ بَيِّنَةً أنها لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْطَلْته وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً على شَيْءٍ في يَدِ أَحَدِهِمَا من غَيْرِ نِتَاجٍ أَبْطَلْتهَا لِأَنَّهَا قد تَكَافَأَتْ وَلَزِمَكَ في ذلك الْمَوْضِعِ أَنْ تُحَلِّفَ الذي في يَدِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عليه كَمَنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً ولم تَقُمْ عليه ( قال ) وَلَا أَقُولُ هذا وَذَكَرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا تَكُونُ أَبَدًا إلَّا كَاذِبَةً من قِبَلِ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَنْتِجُ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَكَيْفَ أَبْطَلْت إحْدَاهُمَا وَأَحْقَقْت الْأُخْرَى فَأَنْتَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ التي أَبْطَلْت هِيَ الصَّادِقَةُ وَاَلَّتِي أَحْقَقْت هِيَ الْكَاذِبَةُ فَقُلْ ما أَحْبَبْتَ 0 قال ) فَإِنْ قُلْتَ هذا لَزِمَنِي ما قُلْت وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ قُلْت بَعْدَ قَطْعِك الْجَوَابَ قال أَسْأَلُك قُلْت فَسَلْ قال أَفَيُخَالِفُ الْحَدِيثُ الذي رَوَيْتُمُوهُ في النِّتَاجِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَوْلِهِ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه قُلْنَا لَا قال فَمَنْ الْمُدَّعِي وَمَنْ الْمُدَّعَى عليه قُلْت الْمُدَّعَى عليه كُلُّ من زَعَمَ أَنَّ شيئا له كان بِيَدَيْهِ أو بِيَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مَعْقُولَةٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ أنها قَوْلُ الرَّجُلِ هذا لي وَالْمُدَّعَى عليه كُلُّ من زَعَمَ أَنَّ قِبَلَهُ حَقًّا في يَدَيْهِ أو مَالِهِ أو قَوْلِهِ لَا ما ذَهَبْتَ إلَيْهِ ( قال ) فمال يَدُلُّ على ما قُلْتَ قُلْنَا ما لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُهُ من اللِّسَانِ 0 قال ) فما قَوْلُهُ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي قُلْنَا السُّنَّةُ في النِّتَاجِ وَإِجْمَاعُ الناس أَنَّ ما ادعي مِمَّا في يَدَيْهِ له حتى تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ يَدُلَّانِ على أَنَّ قَوْلَهُ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي يَعْنِي الذي لَا سَبَبَ له يَدُلُّ على صِدْقِهِ إلَّا دَعْوَاهُ وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه لَا سَبَبَ يَدُلُّ على صِدْقِهِ إلَّا قَوْلُهُ ( قال ) فَأَيْنَ هذا قُلْنَا من قال لِرَجُلٍ لي في يَدَيْكَ مَالٌ ما كان أو عَلَيْكَ حَقٌّ قُلْته أو فَعَلْته فقال ما لك قَبْلِي وَلَا عَلَيَّ حَقٌّ أَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ قال بَلَى قُلْنَا فَهَذَا يَدُلُّكَ على أَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا ادعى عليه وَالْمَالُ في يَدَيْهِ هو الذي لَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً وَإِنْ كان مُدَّعِيًا أو يُكَلَّفُ الذي لَا سَبَبَ له بِدَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ أَرَأَيْتَ لو كان هذا حين ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا ادعى عليه وَادَّعَى الشَّيْءَ الذي في يَدَيْهِ وَلَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ على
____________________

(6/237)


صِدْقِهِ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً أَمَا كان الْحَقُّ لَازِمًا له إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا قال فَإِنْ قُلْتَ هو الْمُدَّعَى عليه أَلَيْسَ هو الْمُدَّعِي قُلْنَا فإذا كان مُدَّعًى عليه لم تُقْبَلْ منه بَيِّنَةٌ قال نعم قُلْنَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَةِ من حَقٍّ دَفَعَهُ أو بَطَلَ عنه بِغَيْرِ وَجْهِ الدَّفْعِ أَتَقْبَلُهَا منه قال نعم وَأَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا قُلْنَا فَهُوَ إذًا قد يَكُونُ في الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُدَّعِيًا مُدَّعًى عليه وَلَيْسَ هو هَكَذَا زَعَمْت (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِشَيْءٍ ما كان من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو عَرْضٍ من الْعُرُوضِ فَوَصَلَ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ من الْكَلَامِ من مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِصِفَةٍ لِمَا أَقَرَّ بِهِ أو أَجَلٍ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ أو طَبَرِيَّةُ أو يَزِيدِيَّةٌ أو له عَلَيَّ عَبْدٌ من صِفَتِهِ أو طَعَامٌ من صِفَتِهِ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ تَحِلُّ في سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في هذا كُلِّهِ لِأَنِّي إذَا لم أُثْبِتْ عليه من هذا شيئا إلَّا بِقَوْلِهِ لم يَجُزْ أَنْ أَجْعَلَ قَوْلًا وَاحِدًا أَبَدًا ( 1 ) إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا لَا حُكْمَيْنِ وَمَنْ قال أَقْبَلُ قَوْلَهُ في الدَّرَاهِمِ وَأَجْعَلُ ذِكْرَهُ الْأَجَلَ دَعْوَى منه لَا أَقْبَلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كانت نَقْدَ الْبَلَدِ الذي أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيَّةً جَعَلْتُهُ مُدَّعِيًا لِأَنَّهُ قد نَقَصَ من وَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِنْ أَعْيَانِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِطَعَامٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ طَعَامٌ حَوْلِيٌّ جَعَلْت عليه طَعَامًا جَدِيدًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا وَلَزِمَهُ لو قال امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا في الْوَاحِدَةِ وَلَزِمَهُ لو قال رَقِيقِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا وَلَكِنَّهُ لو قال عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ وَقَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ قال إنَّمَا عَنَيْت الف دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً أَلْزَمْنَاهُ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ ولم نَجْعَلْ له الثُّنْيَا إذَا خَرَجَ من الْكَلَام وَلَوْ جَعَلْنَاهُ له بَعْدَ خُرُوجِهِ من الْكَلَامِ وَقَطْعِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ له بَعْدَ أَيَّامٍ وَبَعْدَ زَمَانٍ وَإِنْ قال لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْتنِيهِ أو وَدِيعَةٍ أو سَلَفٍ وقال إلَى أَجَلٍ فَسَوَاءٌ وَهِيَ إلَى الْأَجَلِ ( 2 ) إلَّا في السَّلَفِ فإن السَّلَفَ حَالٌّ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) حَالَّةٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كانت حَالَّةً له مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السَّلَفَ لِأَنَّ السَّلَفَ ( 3 ) عَارِيَّةٌ لم يَأْخُذْ بها السلف ( ( ( المسلف ) ) ) عِوَضًا فَلَا يَكُونُ له أَخْذُهَا قبل ما شَرَطَ الْمُسَلِّفُ فيها وَهَكَذَا الْوَدِيعَةُ وَجَمِيعُ الْعَارِيَّةِ من الْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ وَسَوَاءٌ غَرَّ الْمُعَارَ أو الْمُسَلِّفَ من شَيْءٍ أو لم يَغُرَّهُ إلَّا أَنَّ الذي يُحْسِنُ في هذا مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ الشَّيْءَ وهو في يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَقَامَا مَعًا عليه بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الذي هو في يَدَيْهِ إذَا كانت الْبَيِّنَةُ مِمَّا يُقْضَى بمثله مِثْلَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ عَشَرَةً وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِهَؤُلَاءِ كما نَقْطَعُ بِهَؤُلَاءِ وَسَوَاءٌ كان بَعْضُهُمْ أَرْجَحَ من بَعْضٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْأَدْنَيَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولًا مِثْلَ ما يُقْطَعُ بِالْأَعْلَيَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نُنْقِصُ صَاحِبَ الْأَدْنَيَيْنِ لو أَقَامَهُمَا على الِانْفِرَادِ عَمَّا يعطي صَاحِبُ الْأَعْلَيَيْنِ لو أَقَامَهُمَا على الِانْفِرَادِ فإذا كان الْحُكْمُ بِهِمْ وَاحِدًا فَسَبَبُهُمَا من جِهَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُسْتَوٍ وقال في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَمِيعِ الدَّوَابِّ الضَّوَارِي الْمُفْسِدَةِ لِلزَّرْعِ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَلَا نَفْيَ على بَهِيمَةٍ وقد قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي أَنَّهُ ضَامِنٌ على أَهْلِهَا وَقَضَى على أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ وَقَضَاؤُهُ عليهم بِالْحِفْظِ لِأَمْوَالِهِمْ بِالنَّهَارِ إبْطَالٌ لِمَا أَصَابَتْ في النَّهَارِ وَتَغْرِيمٌ لِمَا أَصَابَتْ في اللَّيْلِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أنها لَا تُبَاعُ على أَهْلِهَا وَلَا تُنْفَى من بَلَدِهَا وَلَا تُعْقَرُ وَلَا يُعْدَى بها ما قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم

(6/238)


وَأَنْ يَفِيَ له فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ فَأَرَادَ الذي عليه الدَّيْنُ السَّفَرَ وَسَأَلَ الذي له الدَّيْنُ أَنْ يُحْبَسَ عن سَفَرِهِ وقال سَفَرُهُ بَعِيدٌ وَالْأَجَلُ قَرِيبٌ أو يُؤْخَذَ له كَفِيلٌ أو رَهْنٌ لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبْته حَيْثُ كان أو مَالَهُ فَقَضَى لَك فيه من يَرَى الْقَضَاءَ على الْغَائِبِ وَمَالُك حَيْثُ وَضَعْته وَكَمَا وَضَعْته لَا يُحِيلُهُ عَمَّا تَرَاضَيْتُمَا بِهِ خَوْفُ ما لَا يدرى يَكُونُ أو لَا أنت تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَعْطَيْته إيَّاهُ لَا سَبِيلَ لَك عليه فيه إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ نَجْعَلُ لَك عليه السَّبِيلَ قبل الْأَجَلِ وَلَسْنَا نُعْطِي بِالْخَوْفِ ما لم يَكُنْ لم ( ( ( لما ) ) ) أَعْطَيْته وَلَا تَرْضَى ذِمَّتَهُ وَنَأْخُذُ لَك مع ذِمَّتِهِ رَهْنًا وحميلا ( ( ( وجميلا ) ) ) بِهِ وَكَذَلِكَ لو بِعْته مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فلم تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حتى تَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ جَبَرْنَاك على دَفْعِهِ إلَيْهِ ولم نَفْسَخْ بَيْنَكُمَا الْبَيْعَ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَكُونُ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ قبل الْأَجَلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ على أَلْفٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ سُئِلَ فَإِنْ قال جَعَلْته حُرًّا إنْ أَدَّى إلَيَّ الفا قِيلَ لِلْعَبْدِ إنْ شِئْت فَأَدِّ إلَيْهِ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ شِئْت لَا تُؤَدِّي لم يَكُنْ لَك حُرِّيَّةٌ فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقًا بَتَاتًا على غَيْرِ شَيْءٍ أَحْلَفْنَا السَّيِّدَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْعَبْدِ فَإِنْ حَلَفَ عَتَقَ وَإِنْ قال السَّيِّدُ أَعْتَقْته عِتْقَ بَتَاتٍ وَضَمِنَ لي بِالْعِتْقِ مِائَةَ دِينَارٍ أَثْبَتْنَا عليه الْعِتْقَ وَجَعَلْنَاهُ مُدَّعِيًا في الْمِائَةِ إنَّمَا نَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لم يُوقِعْ الْعِتْقَ وَأَنَّهُ جَعَلَهُ لِشَيْءٍ أَرَادَهُ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ فيه بِحُرِّيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ تَقَعُ فَإِنْ قَبِلَهَا الْعَبْدُ وَقَعَتْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ لم تَقَعْ كما زَعَمْنَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَوْ قال بِعْته نَفْسَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ وَأَنْكَرَ الْأَلْفَ فَهُوَ حُرٌّ وَالسَّيِّدُ مُدَّعٍ وَعَلَى الْعَبْدِ الْيَمِينُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ من نَفْسِهِ بَاطِلٌ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمِائَةَ عَتَقَ بِالصِّفَةِ إذَا كان قال له إنْ أَعْطَيْتنِي مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ ولم يَعْتِقْ بِسَبَبِ الْبَيْعِ ( 1 ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبِيعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ لو قال كَاتَبْته على أَلْفٍ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تُصَيِّرُهُ رَقِيقًا وهو يَقْدِرُ على أَنْ يَعْتِقَ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ وهو لو أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فقال لَا أَقْبَلُ الْعِتْقَ كان حُرًّا ولم نَجْعَلْ له الْخِيَارَ في أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ ما أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ أَنَّهُ قد وَقَعَ بِهِ عِتْقٌ مَاضٍ لم يُرَدَّ الْعِتْقُ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ بِعْتُك من رَجُلٍ وَأُعْتِقُك فَيَكُونُ حُرًّا وَلَا يَكُونُ على الرَّجُلِ ثَمَنُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ وما زَعَمَ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فيه مُسْتَأْنَفًا بِشَيْءٍ يُؤَدِّيهِ الْعَبْدُ أو يَفْعَلُهُ لم يَقَعْ الْعِتْقُ إلَّا بِأَنْ يُوفِيَهُ الْعَبْدُ أو يَفْعَلُهُ كَقَوْلِهِ لِلْعَبْدِ أنت حُرٌّ إنْ أَعْطَيْتنِي دِرْهَمًا أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو إنْ مَسِسْت الْأَرْضَ أو إنْ أَكَلْت هذا الطَّعَامَ فَإِنْ فَعَلَ من هذا شيئا كان حُرًّا وَإِنْ لم يَفْعَلْهُ كان رَقِيقًا وَكَانَتْ الْمَشِيئَةُ فيه إلَى الْعَبْدِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبِيعَهُ وَيُبْطِلُ ما جَعَلَهُ له لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَثْبُتُ له إذَا فَعَلَ شيئا فَكُلَّمَا لم يَفْعَلْهُ فَهُوَ خَارِجٌ من الْعِتْقِ وَعَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ وَكُلُّ هذا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ في الْكِتَابَةِ يَمْلِكُ مَالَهُ الذي يَكُونُ بِهِ حُرًّا إلَى وَقْتِهِ فَالْمُكَاتَبُ زَائِلٌ في هذا الْمَوْضِعِ عن حُكْمِ الْعَبْدِ وَإِنْ كان قال له شيئا من هذا فَوَقَّتَ وَقْتًا فقال إنْ فَعَلْته قبل اللَّيْلِ أو قبل أَنْ نَفْتَرِقَ من الْمَجْلِسِ فَفَعَلَهُ الْعَبْدُ قبل أَنْ يُحْدِثَ السَّيِّدُ فيه بَيْعًا أو شيئا يَقْطَعُ الْيَمِينَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لم يَكُنْ حُرًّا وَإِنْ لم يُوَقِّتْ فَمَتَى فَعَلَهُ الْعَبْدُ كان حُرًّا وَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الْمَرْأَةِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَرِضَاهَا أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ لم أُثْبِتْ عليها النِّكَاحَ وَإِنْ نَكَلَتْ رَدَدْنَا عليه الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَثْبُتْ وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ عليه لم أُحَلِّفْهَا حتى تَزْعُمَ أَنَّ الْعَقْدَ كان صَحِيحًا بِرِضَاهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَقْدَ نَقَصَ من ذَا لم أُحَلِّفْهَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لو عَقَدَا هذا نَاقِصًا فَسَخْت النِّكَاحَ فَلَا أُحَلِّفُهَا على أَمْرٍ لو كان فَسَخْته وَكَذَلِكَ هو في جَمِيعِ هذا

(6/239)


قال لَا أَفْعَلُ ثُمَّ فَعَلَهُ كان حُرًّا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَتْ الْأَمَةُ على سَيِّدِهَا أنها أُمُّ وَلَدٍ له أُحَلِّفُ السَّيِّدَ لها فَإِنْ حَلَفَ كانت رَقِيقًا وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ كانت أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لم تَحْلِفْ كانت رَقِيقًا له وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَدَّعِي على الرَّجُلِ الْحُرِّ أَنَّهُ عَبْدُهُ أُحَلِّفُهُ له أَيْضًا مِثْلَ أُمِّ الْوَلَدِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ كُلُّ ما وَرَدَ عَلَيْك من هذه الْأَشْيَاءِ فَهُوَ هَكَذَا ( 1 ) قُلْت أَرَأَيْت بَيْعَ الْعَذِرَةِ التي يُزْبَلُ بها الزَّرْعُ قال لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ وَلَا الرَّوْثِ وَلَا الْبَوْلِ كان ذلك من الناس أو من الْبَهَائِمِ وَلَا شيئا من الْأَنْجَاسِ وَلَيْسَ شَيْءٌ من الْحَيَوَانِ بِنَجَسٍ ما كان حَيًّا إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَهَذَانِ لَمَّا لَزِمَتْهُمَا النَّجَاسَةُ في الْحَيَاةِ لم تَحِلَّ أَثْمَانُهُمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن أبي يحيى عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَشْتَرِطُ على الذي يُكْرِيهِ أَرْضَهُ أَنْ لَا يعرها ( ( ( يعيرها ) ) ) وَذَلِكَ قبل أَنْ يَدَعَ عَبْدَ اللَّهِ الْكَرَّاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُبَاعُ عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ أَوْقَدْتهَا تَحْتَ قِدْرٍ أو غَيْرِهَا لَا أَعْلَمُ تَحْرِيمًا لَأَنْ يُؤْكَلَ ما في الْقِدْرِ وَلَا يَسْتَمْتِعُ من الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ إلَّا الْجِلْدَ إذَا دُبِغَ وَلَوْلَا الْخَبَرُ في الْجِلْدِ ما جَازَ أَنْ يَسْتَمْتِع بِهِ وَإِنْ كان مَعْقُولًا في الْجِلْدِ أَنَّ الدَّبَّاغَ يَقْلِبُهُ عن حَالِهِ التي كان بها إلَى حَالٍ غَيْرِهَا فَيَصِيرُ يُصَبُّ فيه الْمَاءُ فَلَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَتَذْهَبُ عنه الرَّائِحَةُ وَيُنَشِّفُ الدَّبَّاغُ فُضُولَهُ وَالْعَظْمُ وَالشَّعْرُ بِحَالِهِمَا لَا دِبَاغَ لَهُمَا يُغَيِّرُهُمَا وَيَقْلِبُهُمَا كما يَقْلِبُ الْجِلْدَ وَالصُّوفَ مِثْلَ الشَّعْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَجَبَ لِرَجُلٍ على رَجُلٍ قِصَاصٌ في قَطْعِ يَدٍ أو جُرْحِ غَيْرِهِ أو نَفْسٍ هو وَلِيُّهَا فقال الذي له الْقِصَاصُ قد صَالَحْتُك مِمَّا لي عَلَيْك من الْقِصَاصِ على أَرْشِهِ وقال الذي عليه الْقِصَاصُ ما صَالَحْتُك وَالْقِصَاصُ لَك فَإِنْ شِئْت فَخُذْهُ وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ قُلْنَا لِلْمُدَّعِي الصُّلْحَ أنت في أَصْلِ ما كان لَك كُنْت غَنِيًّا عن الصُّلْحِ لِأَنَّ أَصْلَ ما وَجَبَ لَك الْخِيَارُ بين أَنْ تَقْتَصَّ وَبَيْنَ أَنْ تَأْخُذَ الْأَرْشَ مَكَانَك حَالًا في مَالِ الْجَانِي وَتَدَعَ الْقِصَاصَ فَلَا يَبْطُلُ ذلك لَك بِقَوْلِك صَالَحْتُك وَلَكِنْ من زَعَمَ أَنَّهُ كان له الْقِصَاصُ ولم يَكُنْ له إلَّا الْقِصَاصُ ولم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ ما لَا ابطل الْقِصَاصُ عن الذي وَجَبَ عليه الْقِصَاصُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ زَعَمَ أَنَّهُ قد أَبْطَلَ حَقَّهُ فيه إذْ قال قد عَفَوْته على مَالٍ وَأَنْكَرَ الذي عليه الْقِصَاصُ الْمَالَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وإذا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على الشَّيْءِ في يَدَيْ الرَّجُلِ فَسَأَلَ الْمُقَامُ عليه الْبَيِّنَةُ الْحَاكِمَ أَنْ يُحَلِّفَهُ له مع بَيِّنَتِهِ لم يَكُنْ له إحْلَافُهُ مع الْبَيِّنَةِ إذَا كان اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَإِنْ قال قد عَلِمَ غير ما شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ من أَنَّهُ قد أَخْرَجَهُ إلَى من مَلَكَهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو قد أَخْرَجَهُ إلَى من أَخْرَجَهُ إلَيَّ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ هذه دَعْوَى غَيْرُ ما قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قد تَكُونُ صَادِقَةً بِأَنَّهُ له بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَيُخْرِجُهُ هو بِلَا عِلْمِ الْبَيِّنَةِ فَتَكُونُ هذه يَمِينًا من غَيْرِ جِهَةٍ ما قَامَتْ عليه الْبَيِّنَةُ فإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ هذه الدَّارَ دَارُهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَوَرِثَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وقد كان يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّيَا فَيَقُولَانِ لَا نَعْلَمُهَا خَرَجَتْ من يَدِهِ وَلَا نَعْلَمُ له وَارِثًا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَرَجَتْ من يَدَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا ويدعى وَارِثًا بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا غير من سَمَّيَا فَإِنَّمَا أَجَزْنَا الشَّهَادَةَ على الْبَتِّ وقد يُمْكِنُ خِلَافُهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْبَتَّ فيها هو الْعِلْمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هذا شَاهِدٌ أَبَدًا وَلَا يَنْبَغِي في هذا غَيْرُ هذا وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ الشَّهَادَاتُ أَلَا تَرَى أَنِّي قَبِلْت قَوْلَ الشَّاهِدِ إنَّ هذه الدَّارَ دَارُهُ لم يَزِدْ على هذا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ غير دَارِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يُخْرِجَهَا هو من مِلْكِهِ أو يَكُونَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ لِرَجُلٍ شَاةٌ أو بَعِيرٌ أو دَابَّةٌ فَاسْتَأْجَرَ من يَطْرَحُهَا بِجِلْدِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَاجَعَا قبل طَرْحِهَا فَسَخْنَاهَا وَإِنْ طَرَحَهَا جَعَلْنَا له أَجْرَ مِثْلِهِ وَرَدَدْنَا الْجِلْدَ إنْ كان أَخَذَهُ على مَالِك الدَّابَّةِ الْمَيِّتَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَمِنْ أَيْنَ تَفْسُدُ قِيلَ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جِلْدَ الْمَيِّتَةِ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ ما لم يُدْبَغْ فَالْإِجَارَةُ لَا تَحِلُّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لو كان جِلْدَ ذَكِيٍّ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وهو غَيْرُ مَسْلُوخٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَيُعَابُ في السَّلْخِ وَيَخْرُجُ على غَيْرِ ما يَعْرِفُ صَاحِبُهُ

(6/240)


مَلَكَهَا عن غَيْرِ مَالِكٍ أو غَصَبَهَا أَلَا تَرَى أَنِّي أُجِيزُ الْأَيْمَانَ على الْأَمْرِ قد يُمْكِنُ غَيْرُهُ في الْقَسَامَةِ التي لم يَحْضُرْهَا الْمُقْسِمُ وفي الْحَقِّ يَكُونُ لِعَبْدِ الرَّجُلِ وَابْنِهِ وَيُجِيزُهَا من خَالَفَنَا على الْبَتِّ فَيَحْلِفُ الرَّجُلُ لقد بَاعَ هذا الْعَبْدَ بَرِيئًا من الْإِبَاقِ وَبَرِيئًا من الْعُيُوبِ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَيَكُونَ عِنْدَهُ هذا الْعَيْبُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَأَقْبَلُ الشَّهَادَةَ على الْبَتِّ وَالْعِلْمِ مَعًا وَمَعْنَى الْبَتِّ مَعْنَى الْعِلْمِ إذَا كان لَا يُمْكِنُ في الْبَتِّ إلَّا الْعِلْمُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِقَوْمٍ أَنَّ أَبَاهُمْ كان أَسْلَفَهُ مَالًا وَأَنَّهُ قد قَضَاهُ وَالِدَهُمْ أو الرَّجُلُ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ لِلرَّجُلِ عليه عِنْدَ الْقَوْمِ على وَجْهِ الشُّكْرِ لِلَّذِي أَسْلَفَهُ يَحْمَدُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ قد أَقْرَضَهُ وَقَضَاهُ قال الرَّبِيعُ لم يجيء ( ( ( يجئ ) ) ) بِالْجَوَابِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا على أَنَّ الدَّارَ إنْ احْتَاجَتْ إلَى مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي من الْعِشْرِينَ الدِّينَارِ قال أَكْرَهُ هذا الْكِرَاءَ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُكْتَرِي أَمِينَ نَفْسِهِ إنْ أَرَادَ المكرى أَنْ يَرُمَّهَا وَيَمْنَعَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَرُمَّهَا كان لم يَفِ له بِشَرْطِهِ وَإِنْ جَبَرْت المكرى على أَنْ يَرُمَّهَا الْمُكْتَرِي كان قد يَرُمُّهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ولم يُعْقَدْ له وَكَالَةٌ على شَيْءٍ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ما كان وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أنها قد تَحْتَاجُ إلَى مَرَمَّةٍ لَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ تَرْكُهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ مَرَمَّةُ ما يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ تَرْكُهُ فَإِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ على هذا فَسَخْنَاهُ قبل السَّكَنِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ النَّفَقَةِ وَبَعْدَهَا فَإِنْ أَنْفَقَ فيها أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ بَلَغَ الْعِشْرِينَ أو زَادَ عليها فَهُوَ مُتَعَدٍّ فَإِنْ كان أَدْخَلَ فيها ما ليس منها قِيلَ له اُنْقُضْهُ فَأَخْرِجْهُ إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ إذَا سَكَنَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ دَارًا في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أنها دَارُ أبيه كان أَصَحُّ لِلْبَيِّنَةِ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَإِنْ لم يَشْهَدُوا بها وَشَهِدُوا أنها دَارُ أبيه كان يَمْلِكُهَا لَا يَزِيدُونَ على ذلك قَضَيْنَا لِأَبِيهِ وَلَا نَدْفَعُ إلَيْهِ مِيرَاثَهُ وَإِنْ كان أَبُوهُ حَيًّا تَرَكْنَا الدَّارَ في يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ حتى يُوَكِّلَ أو يَحْضُرَ فَيَنْظُرَ ما يقول فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُ أو كان يوم شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ مَيِّتًا كَلَّفْنَا ابْنَهُ الْبَيِّنَةَ على عَدَدِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ قَضَيْنَا بها لهم على قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ جاء بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ ولم يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ على عَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَفْنَاهَا وَعَرَفْنَا غَلَّتَهَا حتى تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ فَإِنْ ادَّعَوْهَا دَفَعْنَاهَا إلَيْهِمْ وَغَلَّتَهَا فَإِنْ ادَّعَاهَا بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ الشُّهُودَ رَدَدْنَا حِصَّةَ من أَكْذَبَ الشُّهُودَ من الدَّارِ وَالْغَلَّةِ وَأَنْفَذْنَا حِصَّةَ من ادَّعَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ من دخل الْمَسْجِدَ فَهُوَ بن الْفَاعِلَةِ فَبِئْسَ ما قال وَلَا حَدَّ عليه وَلَوْ كان الْمَسْجِدُ جَامِعًا يصلى فيه انْبَغَى أَنْ يُعَزَّرَ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من حَدِّهِ أَنَّهُ لم يَقْصِدْ قَصْدَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بِفِرْيَةٍ وَأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ من له حَدُّ فِرْيَةٍ وَهَكَذَا لو قال من رَمَانِي بِحَجَرٍ أو شَتَمَنِي أو أَعْطَانِي دِرْهَمًا أو أَعَانَنِي فَهُوَ بن كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ في هذا حَدٌّ وَإِنَّمَا قُلْت هذا من قِبَلِ أَنَّهُ قال من فَعَلَ بِي من قَبْلِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ وَهَذَا قِيَاسٌ على الْعِتْقِ قبل الْمِلْكِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أُصِيبَ رَجُلٌ بِرَمْيَةٍ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فقال من رَمَانِي فَهُوَ بن كَذَا لِفِرْيَةٍ فقال رَجُلٌ أنا رَمَيْتُك صُدِّقَ على نَفْسِهِ وكان عليه أَرْشُ الشَّجَّةِ أو الْقِصَاصُ فيها إنْ كان عَمْدًا أو الْأَرْشُ إنْ كان خَطَأً وَلَا يُصَدَّقُ على الذي افْتَرَى عليه إنْ قال الْمُفْتَرِي الْمَشْجُوجُ ما قَصَدْت قَصْدَ هذا بِفِرْيَةٍ وَلَا عَلِمْته رَمَانِي وإذا أَقَرَّ لي بِأَنَّهُ شَجَّنِي فَأَنَا آخُذُ منه أَرْشَ شَجَّتِي وَإِنْ قال قد عَلِمْت حين رَمَانِي أَنَّهُ رَمَانِي فَافْتَرَيْت عليه بَعْدَ الْعِلْمِ لم آخُذْ منه حَقَّهُ في الشَّجَّةِ وَلَا حَدَّ له فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ لَا تَحُدُّهُ وقد كان الْكَلَامُ بعد ما كان الْفِعْلُ قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ كان غير مَقْصُودٍ بِهِ الْقَذْفُ وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِيَ دَارِهِ وَيُؤَاجِرَ عَبْدَهُ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً لَا فَرْقَ بين ذلك وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كان مُسَلَّطًا على أَنْ يُخْرِجَ رَقَبَةَ دَارِهِ وَرَقَبَةَ عَبْدِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ لم يَكُنْ مَمْنُوعًا أَنْ يُخْرِجَ إلَيْهِ مَنْفَعَتَهُمَا ومنفعتهما ( ( ( ومنفعتها ) ) ) أَقَلُّ من رِقَابِهِمَا

(6/241)


فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِجَلْدِهِ ثَمَانِينَ هو من قَصَدَ قَصْدَ مُحْصَنَةٍ بِقَذْفٍ لَا من وَقَعَ قَذْفُهُ على مُحْصَنَةٍ بِحَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان يُحَدُّ من كان لم يَقْصِدْ قَصْدَ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ الْقَذْفُ بِمِثْلِ ما تَقَعُ بِهِ الْأَيْمَانُ فقال قَائِلٌ إنْ كان خَرَجَ رَجُلٌ من الْكُوفَةِ ثُمَّ قَدِمَ علينا ( ( ( عليها ) ) ) السَّاعَةَ فَهُوَ بن كَذَا فَقَدِمَ تِلْكَ السَّاعَةَ رَجُلٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ كان عليه الْحَدُّ من قِبَلِ أَنَّ الْقَذْفَ كان بَعْدَ خُرُوجِهِ من الْكُوفَةِ وكان الْقُدُومُ بَعْدَهُ وَالْقُدُومُ لَا يَكُونُ إلَّا وَالْخُرُوجُ مُتَقَدِّمٌ له قبل الْكَلَامِ بِالْقَذْفِ وَهَذَا لَا حَدَّ عليه من قِبَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَقْدَمَ في تِلْكَ السَّاعَةِ وَأَنَّهُ لم يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِقَذْفٍ وَلَوْ كان الْحَدُّ يَقَعُ بِمَا تَقَعُ بِهِ الْأَيْمَانُ كان الرَّجُلُ لو قال غُلَامِي حُرٌّ إنْ ضَرَبَنِي أو إنْ أَطَاعَنِي أو إنْ عَصَانِي فَفَعَلَ من هذا شيئا كان حُرًّا وَلَوْ قال من ضَرَبَنِي فَهُوَ بن كَذَا فَضَرَبَهُ رَجُلٌ ( 1 ) لم يَكُنْ عليه حَدٌّ وَلَا يَجُوزُ فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا ما قُلْت من أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَدُّ على من قَصَدَ قَصْدَ أَحَدٍ بِالْفِرْيَةِ أو يَكُونُ الْحَدُّ على من وَقَعَتْ فِرْيَتُهُ بِحَالٍ كما تَقَعُ الْأَيْمَانُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هذه الدَّارَ التي في يَدَيْ هذا الرَّجُلِ دَارُ أبيه مَاتَ حُرًّا مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا غير أَنَّا لَا نَعْرِفُ كَمْ عَدَدُ وَرَثَتِهِ وَنَشْهَدُ أَنَّ هذا أَحَدُهُمْ قَضَيْنَا بها لِلْمَيِّتِ على الذي هِيَ في يَدَيْهِ لِأَنَّا نَقْضِي لِلْمَيِّتِ بِمَحْضَرِ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ وَنَقِفُ حَقَّ الْغَيْبِ حتى يَأْتُوا أو يُوَكِّلُوا أو يَمُوتُوا فَتَقُومَ وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ وَنَقِفُ هذه الدَّارَ وَنَسْتَغِلُّهَا وَلَا نَقْضِي لِهَذَا الْحَاضِرِ منها بِشَيْءٍ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَحِصَّتُهُ منها الْكُلُّ أو النِّصْفُ أو جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ أو أَقَلُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُعْطِيهِ شيئا وَنَحْنُ لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ ليس له وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَعْطَيْنَاهُ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَسَلَّمْنَا له حِصَّتَهُ من الْغَلَّةِ وَالدَّارِ فَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ كان ذلك مَوْقُوفًا وَسَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ في ذلك أو قَصُرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ فَتَحْضُرُ غُرَمَاؤُهُ فَيَثْبُتُونَ على دُيُونِهِمْ وَيَحْلِفُونَ وَتَصِحُّ في دَيْنِهِ كَيْفَ تَقْضِي لِهَؤُلَاءِ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ له غُرَمَاءَ لهم أَكْثَرَ مِمَّا لِهَؤُلَاءِ فَلَا يُصِيبُ هَؤُلَاءِ مِثْلَ ما تَقْضِي لهم فَإِنْ جاء غَيْرُهُمْ من غُرَمَائِهِ أَدْخَلْتهمْ عليهم قِيلَ لِافْتِرَاقِ الدَّيْنِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا قِيلَ الدَّيْنُ في ذِمَّةِ من عليه الدَّيْنُ حَيًّا كان أو مَيِّتًا يَجِبُ في الْحَيَاةِ مِثْلَ الذي يَجِبُ في الْوَفَاةِ وَلَا يَخْرُجُ ذُو الدَّيْنِ حَيًّا كان أو مَيِّتًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَلَا في الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ وَلَوْ كان حَيًّا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِ غُرَمَائِهِ دُونَ غَيْرِهِ من غُرَمَائِهِ كان ذلك جَائِزًا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ في ذِمَّتِهِ وَأَهْلُ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ ذِي الدَّيْنِ حَيًّا كان أو مَيِّتًا منه وَمِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَالدَّيْنُ مُطْلَقٌ كُلُّهُ لَا بَعْضُهُ في ذِمَّتِهِ وَالْوَرَثَةُ لَيْسُوا يَسْتَحِقُّونَ وَذُو الْمَالِ علي شيئا ( ( ( شيء ) ) ) وَإِنَّمَا نَقَلَ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِمْ ما كان الْمَيِّتُ مَالِكًا الْفَضْلَ عن الدَّيْنِ وَأُدْخِلَ عليهم أَهْلُ الْوَصَايَا فَإِنْ وَجَدُوا فَضْلًا مَلَكُوا ما وَجَدُوا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل لهم لَا بِشَيْءٍ كان في ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لم يَجِدُوا لم يَكُنْ في ذِمَّةِ الْمَيِّتِ لهم شَيْءٌ ولم يَكُنْ آثِمًا بِأَنْ لم يَجِدُوا شيئا وَلَا مَتْبُوعًا كما يَكُونُ مَتْبُوعًا بِالدَّيْنِ فلما لم يَكُنْ لهم في ذِمَّةِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ وكان إنَّمَا فُرِضَ لهم شَيْءٌ لَا يُزَادُونَ عليه وَلَا يَنْقُصُونَ منه إنَّمَا هو جُزْءٌ مِمَّا وَجَدُوا قَلَّ أو كَثُرَ فلم يَكُنْ ثَمَّ أَصْلُ حَقٍّ يُعْطُونَ بِهِ إلَّا على ما وَصَفْت لم يَجُزْ لهم أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مَنْقُولًا إلَى وَاحِدٍ منهم إلَّا وَمِلْكُهُ مَعْرُوفٌ وَإِنْ وَرَدَ هذا على الْحَاكِمِ كَشَفَهُ وَكَتَبَ إلَى الْبَلَدِ الذي انْتَوَى بِهِ الْمَيِّتُ وَطَلَبَ له وَارِثًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ وَلَا مُنْفَرِدَاتٍ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ أَنْ يَشْهَدْنَ على مَالٍ لَا غَيْرِهِ مع رَجُلٍ أو يَشْهَدْنَ على ما يَغِيبُ من أَمْرِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ مع رَجُلٍ أَنَّهُمَا سَمِعَتَا فُلَانًا يُقِرُّ بِأَنَّ هذا ابْنُهُ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ لِأَنَّ هذا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَالٌ إلَّا وقد تَقَدَّمَهُ ثُبُوتُ نَسَبٍ وَلَيْسَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ على الْأَنْسَابِ وَلَا في مَوْضِعٍ إلَّا حَيْثُ ذَكَرْت وإذا لم يَثْبُتْ له النَّسَبُ لم نُعْطِهِ الْمَالَ

(6/242)


فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَإِنَّمَا مَالُهُ مَوْقُوفٌ فندعوا الطَّالِبَ لِمِيرَاثِهِ بِثِقَةٍ ( 1 ) كَمَنْ يَرْضَى هو أَنْ يَقِفَ الْأَمْوَالَ على يَدَيْهِ فإذا ضَمِنَ عنه ما دُفِعَ إلَيْهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ ولم يَكُنْ هذا ظُلْمًا لِغَائِبٍ إنْ جاء وَلَا حَبْسًا عن حَاضِرٍ وإذا كان الْمَالُ مَضْمُونًا على ثِقَةٍ كان خَيْرًا لِلْغَائِبِ من أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَ ثِقَةٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا أو شيئا ما كان بَيْعًا حَرَامًا وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ ما اشْتَرَى فَهَلَكَ في يَدَيْهِ كان عليه رَدُّ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لم يَدْفَعْهُ إلَيْهِ إلَّا على عِوَضٍ يَأْخُذُهُ منه فلما كان الْعِوَضُ غير جَائِزٍ كان على الْمُبْتَاعِ رَدُّ ما أَخَذَ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ لِلْبَائِعِ الْعِوَضَ ولم يَكُنْ أَصْلُهُ أَمَانَةً وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا على أَنَّ الْمُبْتَاعَ بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فَمَاتَ في يَدَيْهِ قبل أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ أو يَمْضِيَ أَجَلُ الْخِيَارِ كان عليه أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ هل تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ خِيَارٌ قِيلَ كان أَصْلُ الْبَيْعِ حَلَالًا لو أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ عِتْقُهُ أو كانت أَمَةً حَلَّ له وَطْؤُهَا وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا كان له وكان مَالِكًا صَحِيحَ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ له إنْ شَاءَ رَدَّ الْمِلْكِ بِالشَّرْطِ ولم يَكُنْ أَخْذُهُ أَمَانَةً وَلَا أَخَذَهُ إلَّا على أَنْ يُوفِيَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ عَبْدَهُ ولم يَكُنْ أَخْذُهُ على مُحَرَّمٍ من الْبُيُوعِ فلما لَزِمَ الْآخِذَ لِلْعَبْدِ على الْمُحَرَّمِ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ لم يُعْطِ الْعَبْدَ أَمَانَةً وَلَا هِبَةً ولم يُعْطِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فلما لم يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ كان على الْمُبْتَاعِ رَدُّهُ إنْ كان حَيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كان مَيِّتًا كان الْمُشْتَرِي على الْخِيَارِ في هذا الْمَعْنَى في أَنَّهُ لم يَدْفَعْ أَمَانَةً وَلَا هِبَةً إلَّا بِعِوَضٍ يُسَلِّمُ لِلْبَائِعِ فلما لم يُسَلَّمْ له كان على الْقَابِضِ له رَدُّهُ حَيًّا وَرَدُّ قِيمَتِهِ مَيِّتًا وكان يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ كان حَلَالًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ ثَمَنُ الْحَلَالِ وَيَثْبُتُ ثَمَنُ الْحَرَامِ وَهَكَذَا لو كان الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ أو كان الْخِيَارُ لَهُمَا مَعًا من قِبَلِ أَنَّ الْبَائِعَ لم يُسَلِّمْ قَطُّ عَبْدَهُ إلَّا على أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ أو ثَمَنُهُ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَ له الثَّمَنَ لَا الْقِيمَةَ من قِبَلِ أَنَّهُ شَرَطَ فيه شيئا فلما كان له فَسْخُ الْبَيْعِ لم يَكُنْ الثَّمَنُ لَازِمًا بِكُلِّ حَالٍ فلما لم يَكُنْ لَازِمًا بِكُلِّ حَالٍ فَفَاتَ رَدَدْنَاهُ إلَى الْقِيمَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ وبن منها وكان لِزَوْجَتِهِ أَخٌ فَتَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي فَتَصَادَقُوا على أَنَّ الزَّوْجَةَ وَالِابْنَ قد مَاتَا وَتَدَاعَيَا فقال الْأَخُ مَاتَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فلي ( ( ( فلا ) ) ) ميراثها ( ( ( ميراث ) ) ) مع زَوْجِهَا وقال الزَّوْجُ بَلْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَأَحْرَزَ ابْنِي مَعِي مِيرَاثَهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَلَا حَقَّ لَك في مِيرَاثِهِ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَخِ مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْآنَ قَائِمٌ وَأُخْتُهُ مَيِّتَةٌ فَهُوَ وَارِثٌ وَعَلَى الذي يَدَّعِي أَنَّهُ مَحْجُوبُ الْبَيِّنَةِ وَلَا أَدْفَعُ الْيَقِينَ إلَّا بِيَقِينٍ فَإِنْ كان ابْنُهَا تَرَكَ مَالًا فقال الْأَخُ آخُذُ حِصَّتِي من مَالِ أُخْتِي من مِيرَاثِهَا من ابْنِهَا كان الْأَخُ في ذلك الْمَوْضِعِ هو الْمُدَّعِي من قِبَلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ قد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ كما قال فَكَمَا لم أَدْفَعْ أَنَّهُ وَارِثٌ لِأَنَّهُ يَقِينٌ بِظَنٍّ أَنَّ الِابْنَ حَجَبَهُ فَكَذَلِكَ لم أُوَرِّثُهُ من الِابْنِ لِأَنَّ الْأَبَ يَقِينٌ وهو ظَنٌّ وَعَلَى الْأَبِ الْيَمِينُ وَعَلَى الْأَخِ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ أَخَوَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَتَصَادَقَا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَ هذه الدَّارَ مِيرَاثًا وقال الْمُسْلِمُ مَاتَ مُسْلِمًا وقال النَّصْرَانِيُّ مَاتَ نَصْرَانِيًّا سُئِلَا فَإِنْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ كان نَصْرَانِيًّا ثُمَّ قال الْمُسْلِمُ أَسْلَمَ بَعْدُ قِيلَ الْمَالُ لِلنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الناس على أَصْلِ ما كَانُوا عليه حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَمَّا كان عليه فَإِنْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا كان الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ قال لم يَزَلْ مُسْلِمًا وقال النَّصْرَانِيُّ لم يَزَلْ نَصْرَانِيًّا وَقَفْنَا الْمَالَ أَبَدًا حتى يُعْلَمَ أو يَصْطَلِحَا فإذا أَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً من الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كان نَصْرَانِيًّا وَمَاتَ نَصْرَانِيًّا كان الْمِيرَاثُ له دُونَ الْمُسْلِمِ وَإِنْ اقام كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً على دَعْوَاهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ هذه الدَّارَ وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لِأَبِيهِ غَيْرُهُ قَضَى له بِالدَّارِ ولم يُؤْخَذْ منه بِذَلِكَ كَفِيلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الدَّعْوَى في الْبُيُوعِ - *

(6/243)


أَحَدُهُمَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْأَوَّلُ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ يَرْوِيهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَقُولُ بِهِ وهو قَضَاءُ مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ وبن الزُّبَيْرِ وهو يروى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وهو أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أُحَلِّفُهُ وَجُعِلَ له الْمِيرَاثُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ فَمَنْ حُجَّتُهُ ما وَصَفْت وَمَنْ حُجَّتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ على أَنَّ أَمْرَهُمَا في الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَاحِدٌ فلما كُنْت لَا أَشُكُّ إن إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَقْرَعْت خَبَرًا وَقِيَاسًا على أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكَيْنِ له فَأَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَحُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَعَلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَسَّمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أَقْرَعَ وَعَلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ فَوَجَدْته يُقْرِعُ حَيْثُ تَسْتَوِي الْحُجَجُ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحَقَّ لِبَعْضٍ وَيُزِيلُ حَقَّ بَعْضٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا حُجَّةُ صَاحِبِهِ وَبَيِّنَتُهُ فلما اسْتَوَيَا فِيمَا يَتَدَاعَيَانِ سوى بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ قَسْمًا بَيْنَهُمَا وَمِنْ حُجَّةِ هذا أَنْ يَحْتَجَّ بِعَوْلِ الفرائض ( ( ( الفائض ) ) ) فَيَقُولَ قد أَجِدُ في الْفَرِيضَةِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا فَأَضْرِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ ما قُسِمَ له فَأَكُونُ قد أَوْفَيْته على أَصْلِ ما جُعِلَ له وَإِنْ دخل النَّقْصُ عليه بِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ دخل على غَيْرِهِ بِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ على من احْتَجَّ بهذا احْتَجَّ عليه بِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قد نَقَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ الْمِلْكَ فَكُلُّ صَادِقٍ ليس منهم كَاذِبٌ بِحَالٍ وَالْمَشْهُودُ له بِخِلَافِ ما شَهِدَ بِهِ لِصَاحِبِهِ يُحِيطُ الْعِلْمَ بِأَنَّ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ كَاذِبَةٌ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِ الْمُسْتَحِقِّ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ بها مُحِقًّا وَالْآخَرُ مُبْطِلًا فإذا خَرَجَ النِّصْفُ إلَى أَحَدِهِمَا أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ قد أَعْطَى نِصْفًا من لَا شَيْءَ له وَمَنَعَ نِصْفًا من كان له الْكُلُّ فَدَخَلَ عليه أَنْ عَمَدَ أَنْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا ما ليس له وَنَقَصَ أَحَدَهُمَا مِمَّا له فَإِنْ قال قد يَدْخُلُ عَلَيْك في الْقُرْعَةِ أَنْ تُعْطِيَ أَحَدَهُمَا الْكُلَّ وَلَعَلَّهُ ليس له قِيلَ فَأَنَا لم أَقْصِدْ قَصْدَ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ إنَّمَا قَصَدْت قَصْدَ الِاجْتِهَادِ في أَنْ أُعْطِيَ الْحَقَّ من هو له وَأَمْنَعَهُ من ليس له كما أَقْصِدُ قَصْدَ الِاجْتِهَادِ فِيمَا أَشْكَلَ من الرَّأْيِ فَأُعْطِيَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ الْحَقَّ كُلَّهُ وَأَمْنَعَهُ الْآخَرَ على غَيْرِ إحَاطَةٍ من الصَّوَابِ وَيَكُونُ الْخَطَأُ عَنِّي مَرْفُوعًا في الِاجْتِهَادِ وَلَا أَكُونُ مُخْطِئًا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَجُوزُ لي عَمْدُ الْبَاطِلِ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كُنْت أتية وأنا أَعْرِفُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ بِدَارٍ أو وَهَبَهَا له أو نَحَلَهُ إيَّاهَا فلم يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدَّقُ بها عليه وَلَا الْمَوْهُوبَةُ له وَلَا الْمَنْحُولُ فَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلِمَالِكِ الدَّارِ الْمُتَصَدِّقِ بها وَالْوَاهِبِ وَالنَّاحِلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَى قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى وَلَا يَتِمُّ شَيْءٌ من هذا إلَّا بِقَوْلِ النَّاحِلِ وَقَبْضِ الْمَنْحُولِ بِأَمْرِ النَّاحِلِ وَإِنْ مَاتَ الْمَنْحُولُ قبل الْقَبْضِ قِيلَ لِلنَّاحِلِ أنت أَحَقُّ بِمَالِك حتى يَخْرُجَ مِنْك فإذا مَاتَ الْمَنْحُولُ فَأَنْتَ على مِلْكِك وَإِنْ شِئْت أَنْ تَسْتَأْنِفَ فيه عَطَاءً جَدِيدًا فَافْعَلْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْبِسَهُ فَاحْبِسْ وَهَكَذَا كُلُّ ما أَعْطَى آدَمِيٌّ آدَمِيًّا على غَيْرِ عِوَضٍ إلَّا ما إذَا أَعْطَاهُ الْمَالِكُ لم يَحِلَّ لِلْمَالِكِ بِمَا يَخْرُجُ من فيه من الْكَلَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ قَبَضَهُ المعطي أو لم يَقْبِضْهُ أو رَدَّهُ أو لم يَرُدَّهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما هذا قِيلَ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَمْلِكَهُ وَلَوْ رَدَّ ذلك الْعَبْدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَبَسَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الشَّيْءَ وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ خُرُوجًا لَا يَحِلُّ أَنْ يَعُودَ فيه أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو رَدَّهُ عليه الْمُحْبَسُ عليه بَعْدَ قَبْضِهِ لم يَكُنْ له مِلْكُهُ فلما كان لَا يَمْلِكُهُ بِرَدِّ الْمُحْبَسِ عليه وَلَا شِرَاءَ وَلَا مِيرَاثَ كان من الْعَطَايَا التي قَطَعَ عنها الْمَالِكُ مِلْكَهُ قَطْعَ الْأَبَدِ فَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَسَوَاءٌ قَبَضَ أو لم يَقْبِضْ فَهُوَ لِلْمُحْبَسِ عليه وَالْحَبْسُ يَتِمُّ بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ وقد كَتَبْنَا هذا في كِتَابِ الْحَبْسِ وَبَيَّنَّاهُ وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَقَبَضَهَا وَوَلَدَتْ له وَلَدًا ثُمَّ عَدَا عليه رَجُلٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فيه وأنا فيه وَاقِفٌ ثُمَّ قال لَا نُعْطِي وَاحِدًا مِنْهُمَا شيئا يُوقَفُ حتى يَصْطَلِحَا ( قال الرَّبِيعُ ) هو آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وهو أَصْوَبُهُمَا

(6/244)


فَقَتَلَهُ فقضي عليه بِعَقْلٍ أو قِصَاصٍ أو لم يَقْضِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا حين سَقَطَ وَلَا يَبْطُلُ الْقِصَاصُ إنْ كان لم يقص ( ( ( يقتص ) ) ) منه وإذا كانت دِيَةٌ كانت لِأَبِيهِ قَبَضَهَا أو لم يَقْبِضْهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ ولم ( ( ( ولما ) ) ) صَارَتْ لِأَبِيهِ وَالْوَلَدُ من الْجَارِيَةِ وهو لِلْمُسْتَحِقِّ قِيلَ له إنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دخل في الْغُرُورِ زَايَلَ حُكْمَ الْجَارِيَةِ بِأَنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَا يُسْتَرَقُّ فلما لم يَجُزْ أَنْ يَجْرِيَ عليه الرِّقُّ لم يَكُنْ حُكْمُهُ إلَّا حُكْمَ حُرٍّ وَإِنَّمَا يَرِثُ الْحُرَّ وَارِثُهُ وكان سَبِيلُ رَبِّ الْجَارِيَةِ ( 1 ) بِأَنَّ الْعِتْقَ كان حُكْمَ وَلَدِهَا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ من أَوَّلِ ما كان له حُكْمٌ كما كان يَأْخُذُ قِيمَةَ الْفَائِتِ من كل شَيْءٍ مَلَكَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَا قد يَكُونُ غير فَائِتٍ وَأَنْتَ لَا تَرِقُّهُ قِيلَ لَمَّا كان الْأَثَرُ بِمَا وَصَفْنَا وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجْرِيَ عليه الْمِلْكُ قبل ( ( ( قيل ) ) ) حُكْمُهُمْ فيه حُكْمُهُمْ في الْفَائِتِ وَإِنْ كان غير فَائِتٍ وَإِنْ اقْتَصَّ الْأَبُ من قَاتِلِ الِابْنِ قبل أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأَمَةُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِمُسْتَحِقِّ الْأَمَةِ وَكَذَلِكَ إنْ جاء مُسْتَحِقُّ الْأَمَةِ قبل الْقِصَاصِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَقْتَصَّ وَيَرُدَّ الْقِيمَةَ وَلَا سَبِيلَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ إلَّا على قِيمَةِ الِابْنِ وَلِأَبِي الِابْنِ السَّبِيلُ في وَلَدِ الْأَمَةِ كما له السَّبِيلُ في وَلَدِ الْحُرَّةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ على أنها حُرَّةٌ مِثْلَ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْأَمَةَ فَتُسْتَحَقُّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا أو صَارَ في يَدَيْهِ من غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ أو غَيْرِ ذلك من الْمِلْكِ وَالْعَبْدُ غَائِبٌ قَبِلَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ على الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَالْجِنْسِ ولم يَقْضِ بِالْعَبْدِ حتى يُحْضَرَ فَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ هذا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فَيَقْضِي بِهِ وَإِنَّمَا قُلْت تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ في الْمَسْأَلَةِ عن تَعْدِيلِهِمْ مُؤْنَةً تَسْقُطُ عن الْمَشْهُودِ له وَلِأَنَّ الْعَبْدَ قد يَحْضُرُ فَيُقِرُّ الذي هو في يَدَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ الذي شَهِدُوا عليه بِهَذِهِ الصِّفَةِ هذا الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلَانِ الشَّيْءَ ليس في أَيْدِيهمَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ له فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لقد شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ ثُمَّ يقضى له بها وَيَقْطَعُ حَقَّ صَاحِبِهِ منها وَالْآخَرُ أَنَّهُ يقضى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ حُجَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فيه سَوَاءٌ وكان سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ يقول بِالْقُرْعَةِ وَيَرْوِيهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْكُوفِيُّونَ يَرْوُونَهَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَقَضَى بها مَرْوَانُ وَقَضَى بها الْأَوْقَصُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَدَاعَاهُ رَجُلَانِ لم يَكُنْ في يَدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ حتى يَصْطَلِحَا فيه وَلَوْ كان في أَيْدِيهمَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً على رَجُلٍ بِأَرْضٍ في يَدَيْهِ أنها له وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ وكان الْقَاضِي يَنْظُرُ في الْحُكْمِ وَقَفَهَا وَمَنَعَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ من الْبَيْعِ حتى يَبِينَ له الْحُكْمُ لِأَحَدِهِمَا فَيَقْضِيَ له بها وَيَجْعَلَ الْغَلَّةَ تَبَعًا من يَوْمِ شَهِدَ الشُّهُودُ أنها له وَإِنْ لم تَعْدِلْ الْبَيِّنَةُ وَلَا وَاحِدٌ منها أو كانت الْبَيِّنَةُ لم تَقْطَعْ بِمَا يَحِقُّ الْحُكْمُ لِلْمَشْهُودِ له لو عَدَلَتْ تَرَكَهَا في يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ غير مَوْقُوفَةٍ ولم يَمْنَعْهُ مِمَّا صَنَعَ فيها وَيَنْبَغِي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْأَمَةِ التي غَرَّ بها الْحُرَّ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَمَنْ قال جَنِينُ الرَّجُلِ من أُمِّ وَلَدِهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ فَلِأَبِيهِ فيه غُرَّةٌ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وإذا جاء السَّيِّدُ قِيلَ له لَك قِيمَةُ وَلَدِ أَمَتِك لو كان مَعْرُوفًا فلما لم يَكُنْ مَعْرُوفًا قِيلَ له تُقَوَّمُ أَمَتُك ثُمَّ نُعْطِيك عُشْرَ قِيمَتِهَا كما يَكُونُ ذلك في جَنِينِهَا ضَامِنًا على أبيه فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إنْ كانت قِيمَةُ جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا قُوِّمَ بِأُمِّهِ أَكْثَرَ من الْغُرَّةِ قِيلَ له وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ الْأَبُ قِيمَتَهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ لو حَمَلَتْ من غَيْرِهِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا كان لِرَبِّهَا عليه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ قَلَّ ذلك أو كَثُرَ وَكَذَلِكَ ذلك على الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ كان في يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ ذلك عليه لو مَاتَتْ فَشَاءَ رَبُّ الْأَمَةِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهَا كانت في يَدَيْهِ إلَّا أَنَّ لِلْمَغْرُورِ الرُّجُوعَ على الْغَارِّ بِمَا لَزِمَهُ من الْغُرْمِ بِسَبَبِهِ

(6/245)


له أَنْ يَشْتَرِطَ عليه أَنْ لَا يُحْدِثَ فيها شيئا فَإِنْ أَحْدَثَهُ لم يَمْنَعْهُ منه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على الْأَمَةِ أنها أَمَتُهُ وَالْآخَرُ بِذَلِكَ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ منه فَمَنْ قال بِالْقُرْعَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ صَارَتْ لِلَّذِي وَلَدَتْ منه فَهِيَ له وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ صَارَتْ لِلَّذِي لم تَلِدْ منه فَهِيَ له وَيَرْجِعُ على خَصْمِهِ بِقِيمَةِ وَلَدِهِ يوم وُلِدَ وَعُقْرِهَا وَإِنْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنَّ الْأَمَةَ هِيَ التي أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أنها لِفُلَانٍ الْغَائِبِ الذي لم تَلِدْ منه وُقِفَ عنها الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَوُضِعَتْ على يَدَيْ عَدْلٍ حتى يَحْضُرَ سَيِّدُهَا فَيَدَّعِيَ فَيَكُونَ خَصْمًا أو يُكَذِّبَ الْبَيِّنَةَ فَلَا يَكُونَ خَصْمًا وَتَكُونَ لِلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ له وَمَنْ لم يَقُلْ بِالْقُرْعَةِ جَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَرَدَّ الذي لَيْسَتْ بِيَدَيْهِ بِنِصْفِ عُقْرِهَا وَنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا يوم سَقَطُوا وَنِصْفِ قِيمَتِهَا وَجَعَلَهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ جَعَلْت لها الْعُقْرَ وَالْوَاطِئُ لم يَطَأْهَا على أَنَّهُ وَقَعَ عليها اسْمُ نِكَاحٍ قِيلَ لو كُنْت لَا أَجْعَلُ الْعُقْرَ إلَّا على وَاطِئٍ نَكَحَ نِكَاحًا صَحِيحًا أو نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَزِمَهُ قبل الْوَطْءِ أَنَّهُ نَاكِحٌ لِلَّتِي وطىء زَعَمْت أَنَّ رَجُلَيْنِ لو نَكَحَا أُخْتَيْنِ فَأُخْطِئَ بِامْرَأَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَصَابَهَا لم يَكُنْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُقْرٌ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الْمُصِيبَيْنِ غَيْرُ نَاكِحٍ لِلَّتِي أَصَابَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَلَا نِكَاحًا فَاسِدًا فلما كان لِكُلِّ وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الْمَهْرُ بِالْأَثَرِ اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ وما في مَعْنَاهُ على أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَكُونُ للمراة حَيْثُ يَكُونُ الْحَدُّ عنها سَاقِطًا بِأَنْ لَا تَكُونَ زَانِيَةً وَمِمَّا في هذا الْمَعْنَى الرَّجُلُ يَغْصِبُ الْمَرْأَةَ فَيُصِيبُهَا فَيَكُونُ عليه لها الْمَهْرُ وما قُلْت هذا أَنَّ فيه أَثَرًا عن أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَلَا إجْمَاعًا وَلَكِنِّي وَجَدْت الْمَهْرَ إنَّمَا هو لِلْمَرْأَةِ فلما كانت الْمَرْأَةُ بهذا الْجِمَاعِ غير مَحْدُودَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَانِيَةٍ وَإِنْ كان الرَّجُلُ زَانِيًا جَعَلْت لها الْمَهْرَ وَإِنْ كانت أَضْعَفَ حَالًا من الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى وَالْوَاطِئَ غَيْرُ زَانِيَيْنِ وَوَاطِئُ الْمَغْصُوبَةِ زَانٍ فلما حَكَمْت في المخطا بها وَالْمَغْصُوبَةِ هذا الْحُكْمَ وفي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كانت الْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ مُسْتَوِيَتَيْنِ حَيْثُمَا وَجَبَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ وَجَبَ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فلم ( ( ( لم ) ) ) تَحِلَّ أَمَةٌ وَلَا حُرَّةٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِصَدَاقٍ فإذا كَانَتَا مُجْتَمَعَتَيْنِ في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ جَعَلْنَا الْخَطَأَ في الْحُرَّةِ وَالِاغْتِصَابَ بِصَدَاقٍ كما جَعَلْنَاهُ في الصَّحِيحِ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقَ بين ما جَمَعَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما هو قِيَاسٌ على ما جَمَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَهُ في الْمَهْرِ - * بَابُ دَعْوَى الْوَلَدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا تَدَاعَى الْحُرُّ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمَانِ وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ مَوْلُودًا وُجِدَ لَقِيطًا فَلَا فَرْقَ بين أَحَدٍ منهم كما لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ فِيمَا تَدَاعَوْا فيه مِمَّا يَمْلِكُونَ فَتَرَاهُ الْقَافَةُ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمْ فَهُوَ ابْنُهُ ليس له أَنْ يَنْفِيَهُ وَلَا لِلْمَوْلُودِ أَنْ يَنْتَفِيَ منه بِحَالٍ أَبَدًا وَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أو لم تَكُنْ قَافَةٌ أو كانت فلم تَعْرِفْ لم يَكُنْ بن وَاحِدٍ منهم حتى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى أَيِّهِمْ شَاءَ فإذا فَعَلَ ذلك انْقَطَعَتْ دَعْوَى الْآخَرِينَ ولم يَكُنْ لِلَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَهُ وهو حُرٌّ في كل حَالَاتِهِ بِأَيِّهِمْ لَحِقَ لِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ حُرًّا إذَا غَابَ عَنَّا مَعْنَاهُ لِأَنَّ أَصْلَ الناس
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلَانِ الزَّرْعَ في الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ فَإِنْ زَعَمَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّ الزَّرْعَ زَرْعُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَإِنْ زَعَمَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّ الزَّرْعَ ليس له وقال قد أَذِنْت لَهُمَا أَنْ يَزْرَعَا مَعًا وَلَا أَعْرِفُ أَيُّهُمَا زَرَعَ وَلَيْسَ في يَدَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ فيها مِثْلُ الْقَوْلِ في الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ ما ليس في أَيْدِيهمَا فَيُقِيمَانِ عليه بَيِّنَةً وَإِنْ لم يُقِمْ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ ذَكَرَا مَعًا أَنَّهُ في أَيْدِيهمَا تَحَالَفَا وَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ كان رَبُّ الْأَرْضِ يَزْعُمُ أَنَّهُ ليس له وَأَنَّهُ قد أَذِنَ لَهُمَا بِالزَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُمَا فيه خَصْمٌ وهو في أَيْدِيهمَا

(6/246)


الْحُرِّيَّةُ حتى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ غَيْرُ أَحْرَارٍ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ قال هو ابْنِي من أَمَةٍ نَكَحْتهَا لم يَكُنْ بهذا رَقِيقًا لِرَبِّ الْأَمَةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّ الْأُمَّةَ وَلَدَتْهُ وَلَا يُجْعَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ لَازِمًا له وَيَكْفِي الْقَائِفُ الْوَاحِدُ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ حُكْمٍ بِعِلْمٍ لَا مَوْضِعُ شَهَادَةٍ وَلَوْ كان إنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّهَادَاتِ ما أَجَزْنَا غير اثْنَيْنِ وَلَا أَجَزْنَا شَهَادَةَ اثْنَيْنِ يَشْهَدَانِ على ما لم يَحْضُرَا ولم يَرَيَا وَلَكِنَّهُ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْعَالِمِ يُنْفِذُهُ كما يُنْفِذُ هذا وَلَا يَحْتَاجُ معه إلَى ثَانٍ وَلَا يَقْبَلُ الْقَائِفَ الْوَاحِدَ حتى يَكُونَ أَمِينًا وَلَا أَكْثَرَ منه حتى يَكُونُوا أُمَنَاءَ أو بَعْضَهُمْ فإذا أَحْضَرْنَا الْقَائِفَ وَالْمُتَدَاعِيَيْنِ لِلْوَلَدِ أو ذَوِي أَرْحَامِهِمْ إنْ كان الْمُدَّعُونَ له مَوْتَى أو كان بَعْضُ الْمُدَّعِينَ له مَيِّتًا فَأَحْضَرْنَا ذَوِي رَحِمِهِ أَحْضَرْنَا احْتِيَاطًا أَقْرَبَ الناس نَسَبًا وَشَبَهًا في الْخَلْقِ وَالسِّنِّ وَالْبَلَدِ بِالْمُدَّعِينَ له ثُمَّ فَرَّقْنَا بين الْمُتَدَاعِيَيْنِ منهم ثُمَّ أَمَرْنَا الْقَائِفَ يُلْحِقُهُ بِأَبِيهِ أو أَقْرَبِ الناس بِأَبِيهِ إنْ لم يَكُنْ له أَبٌ وَإِنْ كانت معه أُمٌّ أَحْضَرْنَا لها نَسَبًا في الْقُرْبِ منها كما وَصَفْت ثُمَّ بَدَأْنَا فَأَمَرْنَا الْقَائِفَ أَنْ يُلْحِقَهُ بِأُمِّهِ لِأَنَّ لِلْقَائِفِ في الْأُمِّ مَعْنًى وَلِكَيْ يَسْتَدِلَّ بِهِ على صَوَابِهِ في الْأَبِ إنْ أَصَابَ فيها وَيَسْتَدِلُّ على غَيْرِهِ إنْ أَخْطَأَ فيها فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْقَافَةِ فقال الْقَافَةُ بَاطِلٌ فَذَكَرْنَا له أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سمع مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ وَنَظَرَ إلَى أَقْدَامِ أُسَامَةَ وَأَبِيهِ زَيْدٍ وقد غَطَّيَا وُجُوهَهُمَا فقال إنَّ هذه الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا من بَعْضٍ فَحَكَى ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَائِشَةَ مَسْرُورًا بِهِ فقال ليس في هذا حُكْمٌ فَقُلْنَا إنَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه حُكْمٌ فإن فيه دَلَالَةً على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَضِيَهُ وَرَآهُ عِلْمًا لِأَنَّهُ لو كان مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا ما سَرَّهُ ما سمع منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَنَهَاهُ أَنْ يَعُودَ له ( 1 ) فقال إنَّك وَإِنْ أَصَبْت في هذا فَقَدْ تُخْطِئُ في غَيْرِهِ قال فَهَلْ في هذا غَيْرُهُ قُلْنَا نعم
أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنَّهُ شَكَّ في بن له فَدَعَا الْقَافَةَ *
أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن هِشَامٍ عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حَاطِبٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا وَلَدًا فَدَعَا له عُمَرُ الْقَافَةَ فَقَالُوا قد اشْتَرَكَا فيه فقال له عُمَرُ وَالِ أَيَّهُمَا شِئْت
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ عن عُمَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ
أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ مِثْلَ مَعْنَاهُ قال فَإِنَّا لَا نَقُولُ بهذا وَنَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ قال هو ابْنُكُمَا تَرِثَانِهِ وَيَرِثُكُمَا وهو لِلْبَاقِي مِنْكُمَا قُلْت فَقَدْ رَوَيْت عن عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا الْقَافَةَ فَزَعَمْت أَنَّك لَا تَدْعُو الْقَافَةَ فَلَوْ لم يَكُنْ في هذا حُجَّةٌ عَلَيْك في شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْنَا إلَّا أَنَّك رَوَيْت عن عُمَرَ شيئا فَخَالَفْته فيه كانت عَلَيْك قال قد رَوَيْت عنه أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَهَذَا خِلَافُ ما رَوَيْتُمْ قُلْنَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ أَيْضًا هذا قال فَكَيْفَ لم تَصِيرُوا إلَى الْقَوْلِ بِهِ قُلْنَا هو لَا يَثْبُتُ عن عُمَرَ لِأَنَّ إسْنَادَ حديث هِشَامٍ مُتَّصِلٌ وَالْمُتَّصِلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك من الْمُنْقَطِعِ وَإِنَّمَا هذا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ وَسُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ وَعُرْوَةُ أَحْسَنُ مُرْسَلًا عن عُمَرَ مِمَّنْ رَوَيْت عنه قال فَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ فِيمَا قَضَى بِهِ من أَنْ يَكُونَ بن اثْنَيْنِ قُلْت فَإِنَّك زَعَمْت أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى بِهِ إذْ كان في أَيْدِيهمَا قَضَاءُ الْأَمْوَالِ قال كَذَلِكَ قُلْت (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ وَالْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَوْا وَلَدًا جَعَلْته لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَدًا كان لِلذِّمِّيِّ لِلْحُرِّيَّةِ فَزَعَمْت أَنَّك تَجْعَلُهُ مَرَّةً لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ يَقْضِي بِهِ على الْإِسْلَامِ وَتَجْعَلُهُ على الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لو تَدَاعَوْا مَالًا جَعَلْته سَوَاءً بَيْنَهُمْ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَمْوَالِ وَأَنَّ ذلك مَوْجُودٌ في حُكْمِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفْته بِمَا وَصَفْنَا ( قال ) فَإِنَّا إنَّمَا قُلْنَا هذا على النَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ قُلْنَا وَتَقُولُ قَوْلًا لَا قِيَاسًا وَلَا خَبَرًا ثُمَّ تَقُولُهُ مُتَنَاقِضًا أَرَأَيْت لو أَجَازُوا لَك أَنْ تَقُولَهُ على أَنْ تَنْظُرَ لِلْمَوْلُودِ فَحَيْثُ كان خَيْرًا له أَلْحَقْته فَتَدَاعَاهُ خَلِيفَةٌ أو أَشْرَفُ الناس نَسَبًا وَأَكْثَرُهُمْ مَالًا وَخَيْرُهُمْ دِينًا وَفِعَالً

(6/247)


وَشَرُّ من رَأَيْت بِعَيْنِك نَفْسًا وَنَسَبًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَمَالًا ( قال ) إذًا أَجْعَلُهُمْ فيه سَوَاءً قُلْنَا فَلَا نَسْمَعُ قَوْلَك قَضَيْت بِهِ على النَّظَرِ له مَعْنًى لِأَنَّك لو كُنْت تُثْبِتُ على النَّظَرِ له أَلْحَقْته بِخَيْرِهِمَا له ( قال ) فَقَدْ يَصْلُحُ هذا وَيَكْثُرُ مَالُهُ وَيَفْسُدُ هذا وَيَقِلُّ مَالُهُ قُلْنَا وَكَذَلِكَ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيُسْلَمُ الذِّمِّيُّ حتى يَكُونَا خَيْرًا من الذي قَضَيْت له بِهِ ( قال ) فَأَيْنَ خَالَفْته فيه في سِوَى هذا الْمَوْضِعِ قُلْت زَعَمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أَقْضِي بِهِ لِلِاثْنَيْنِ بِالْأَثَرِ وَثَلَاثَةٍ لِأَنَّ ثَلَاثَةً في مَعْنَى اثْنَيْنِ فإذا كَانُوا أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا لم أَقْضِ بِهِ لِوَاحِدٍ منهم ( قال ) فَهَذَا خَطَأٌ كُلُّهُ وقد تَرَكْته قُلْنَا فَقُلْ ما شِئْت قال فَازْعُمْ أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فَأَقْضِي لهم بِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا كما يُقْضَى بِالْمَالِ قال نعم قُلْنَا فما تَقُولُ إنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ لِمِائَةِ قِيَام قال يَرِثُهُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم سَهْمًا من مِائَةِ سَهْمٍ من مِيرَاثِ أَبٍ لِأَنَّ كَذَلِكَ أُبُوَّتَهُمْ فيه قُلْنَا فما تَقُولُ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ من الْآبَاءِ قال فَيَرِثُهُ مِيرَاثَ بن كَامِلٍ قُلْت وَكَيْفَ يَكْمُلُ له مِيرَاثُ بن وَإِنَّمَا له جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ من أُبُوَّتِهِ فَتُوَرِّثُهُ بِغَيْرِ الذي يُوَرَّثُ منه وَإِنَّمَا وَرَّثَ الْمُسْلِمُونَ الْأَبْنَاءَ من الْآبَاءِ كما وَرَّثُوا الْآبَاءَ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا مَاتَ كان بن تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبًا ثُمَّ لم تَرِثْهُ بَنَاتُ الْمَيِّتِ ولم يَكُنْ لَهُنَّ أَخًا ولم يَرِثْهُ بَنُو الْمَيِّتِ بِأَنَّهُمْ أَخَوَاتُهُ فَكَيْفَ جَعَلْته أَبًا إلَى مُدَّةٍ وَمُنْقَطِعَ الْأُبُوَّةِ بَعْدَ مُدَّةٍ هل رَأَيْت هَكَذَا مَخْلُوقًا قَطُّ قال اتَّبَعْت فيه عُمَرَ أَنَّهُ قال هو لِلْبَاقِي مِنْكُمَا قُلْنَا ليس هو عن عُمَرَ بِثَابِتٍ كما وَصَفْت وَلَوْ كان ثَابِتًا كان أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَك إذَا اُخْتُلِفَ فيه عن عُمَرَ أَوْلَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك على كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بن اثْنَيْنِ وَلَا يَرِثُ اثْنَيْنِ بِالْأُبُوَّةِ وَعُمَرُ لو ( ( ( ولو ) ) ) قال ما قُلْت هو لِلْبَاقِي مِنْكُمَا فَقَطَعَ أُبُوَّةَ الْمَيِّتِ لم يُوَرِّثْ الِابْنَ منه لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ فلما كان الْمَوْتُ يَقْطَعُ أُبُوَّةَ الْمَيِّتِ كانت الْأُبُوَّةُ مُنْقَطِعَةً وَلَا مِيرَاثَ وَلَوْ وَرِثَهُ لم يُوَرِّثْهُ إلَّا كما كان مَوْرُوثًا الْأَبُ من الِابْنِ جُزْءًا من أَجْزَاءَ لَا كَامِلًا وَقُلْت له وَهَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ من الْمِائَةِ وَاحِدٌ حتى يَبْقَى أَبٌ وَاحِدٌ قال نعم أَفَرَأَيْت لو قال هذا من لم يَنْظُرْ في عِلْمٍ قَطُّ فَزَعَمَ أَنَّ مَوْلُودًا مَرَّةً بن مِائَةٍ وَمَرَّةً بن وَاحِدٍ وَفَرْقٌ ما بين الْمِائَةِ وَالْوَاحِدِ أَمَا تَقُولُ له ما يَحِلُّ لَك أَنْ تَكَلَّمَ في الْعِلْمِ لِأَنَّك لَا تَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ قال ما خَفِيَ عَلَيْنَا أَنَّ الْقِيَاسَ ما قُلْتُمْ وَأَنَّهُ أَحْسَنُ من قَوْلِنَا وَلَكِنَّا تَبِعْنَا فيه الْأَثَرَ وَلَيْسَ في الْأَثَرِ إلَّا الِانْقِيَادُ قُلْنَا فَالْأَثَرُ كما قُلْنَا لِأَنَّك لَا تُخَالِفُنَا في أَنَّ الْمَوْصُولَ أَثْبَتُ من الْمُنْقَطِعِ وَأَثَرُنَا فيه مَوْصُولٌ وَلَوْ كَانَا مُنْقَطِعَيْنِ مَعًا كان أَصْلُ قَوْلِك وَقَوْلِنَا إنَّ الْحَدِيثَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا ذَهَبْنَا إلَى أَشْبَهِهِمَا بِالْقِيَاسِ وقد خَالَفْت عُمَرَ في حديث نَفْسِك من حَيْثُ وَصَفْنَا مع أَنَّك تُخَالِفُ عُمَرَ لِقَوْلِ نَفْسِك فِيمَا هو أَلْزَمُ لَك أَنْ تَتَّبِعَهُ من هذا ثُمَّ عَدَدْت عليه أَشْيَاءَ يُخَالِفُ فيها قَوْلَ عُمَرَ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فإن لي عَلَيْك مَسْأَلَةً فيها قُلْت قد فَرَغْنَا من الذي عَلَيْنَا فَأَثْبَتْنَا لَك عن عُمَرَ قَوْلِنَا وَزَعَمْت أَنَّهُ الْقِيَاسُ قال فَهَلْ لَك حُجَّةٌ غَيْرُهُ قُلْنَا ما ذَكَرْنَا فيه كِفَايَةٌ قال فَقَدْ قِيلَ إنَّ من أَصْحَابِك من يَتَأَوَّلُ فيه شيئا من الْقُرْآنِ قُلْت نعم زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ } ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ من أَبَوَيْنِ في الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِسِيَاقِ الْآيَةِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } قال فَتَحْتَمِلُ هذه الْآيَةُ مَعْنًى غير هذا قُلْنَا نعم زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ هذا قال فَلَكَ بِهِ حُجَّةٌ تَثْبُتُ قُلْنَا أَمَا حتى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَقُولَ هو هَكَذَا غَيْرُ شَكٍّ فَلَا لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ غَيْرَهُ ولم يَقُلْ هذا أَحَدٌ يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ إذَا كان يَحْتَمِلُ وكان مَعْنَى الْإِجْمَاعِ أَنَّ الِابْنَ إذَا وَرِثَ مِيرَاثَ بن كَامِلٍ فَكَذَلِكَ يَرِثُهُ الْأَبُ مِيرَاثَ أَبٍ كَامِلٍ لم يَسْتَقِمْ فيه إلَّا هذا الْقَوْلُ فَإِنْ قال قَائِلٌ أرايت إذَا دَعَوْت الْقَافَةَ لِوَلَدِ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا رَجُلَانِ بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كانت حُرَّةً فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَتَدْعُو
____________________

(6/248)


لها الْقَافَةَ قُلْت نعم فَإِنْ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْنَا الْخَبَرُ عن عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا الْقَافَةَ لِوَلَدِ امْرَأَةٍ ليس فيه حُرَّةٍ وقد تَكُونُ في إبِلِ أَهْلِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْحَرَائِرَ يَرْعَيْنَ على أَهْلِهِنَّ وَتَكُونُ في إبِلِ أَهْلِهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَلَوْ كان إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَافَةِ في بن أَمَةٍ دَلَّ على أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ في بن الْحُرَّةِ فَإِنْ قال وما يَدُلُّ على ذلك قُلْنَا إذَا مَيَّزْنَا بين النَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ فَجَعَلْنَا الْقَائِفَ شَاهِدًا أو حَاكِمًا أو في مَعْنَاهُمَا مَعًا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ على بن الْحُرَّةِ كما يَشْهَدُ على بن الْأَمَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ في بن الْحُرَّةِ كَهُوَ في بن الْأَمَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بن بِوَطْءِ الْحَلَالِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَمَنْفِيٌّ بِوَطْءِ الزنى أَفَرَأَيْت لو لم نَدْعُ الْقَافَةَ لِابْنِ الْحُرَّةِ فَوَطِئَهَا رَجُلَانِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لم يُعْرَفْ أَيُّهُمَا وَطِئَهَا أَوَّلًا أو ليس إنْ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُمَا أو نَفَيْنَاهُ عنهما أَلَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ما عِبْنَاهُ على غَيْرِنَا في الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَلَوْ عَلِمْنَا أَيُّهُمَا كان وَطِئَهَا أَوَّلًا فَجَعَلْنَاهُ له أو لِلْآخَرِ من الْوَاطِئَيْنِ دخل عَلَيْنَا أَنَّا نَقُولُهُ غير قِيَاسٍ وَلَا خَبَرٍ وإذا كانت حُجَّتُهُمَا في شَيْءٍ وَاحِدٍ فلم تَجْعَلْهُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَكِنَّا لم نَحْكُمْ فيه حُكْمَ الْأَمْوَالِ وَلَا حُكْمَ الْأَنْسَابِ وَافْتَعَلْنَا فيها قَضَاءً مُتَنَاقِضًا لِأَنَّا إنَّمَا فَرَّقْنَا بين حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَحُكْمِ الْأَنْسَابِ بِالْقَافَةِ وإذا أَبْطَلْنَا الْقَافَةَ في مَوْضِعٍ كنا قد خَرَجْنَا من أَصْلِ مَذْهَبِنَا في الْقَافَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً من الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ على فِرَاشِهِ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ وَجَعَلْنَا دِينَهُ دَيْنَ أبيه حتى يُعْرِبَ عن نَفْسِهِ لِأَنَّ هذا عِلْمٌ مِنَّا بِأَنَّهُ مَوْلُودٌ على فِرَاشِهِ وَأَنَّ الْتِقَاطَ من الْتَقَطَهُ إنَّمَا هو كَالضَّالَّةِ التي يَجِدُهَا الرَّجُلُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَبُوهُ عليه بَعْدَ عَقْلِهِ الْإِسْلَامَ وَوَصْفِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ وَمَنَعْنَاهُ من أَنْ يَنْصُرَهُ حتى يَبْلُغَ فَيَتِمَّ على الْإِسْلَامِ فَنُلْحِقَهُ بِالْمُسْلِمِينَ وَنَقْطَعَ عنه حُكْمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بَلَغَ فَامْتَنَعَ من الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ من الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ نَقْتُلُهُمْ لِأَنَّهُ لم يَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ وُجُوبِ ما أَقَرَّ بِهِ على نَفْسِهِ لِلنَّاسِ وَلِلَّهِ عز وجل من الْحُقُوقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان بن مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ قبل الْبُلُوغِ لم أَقْتُلْهُ حتى يَبْلُغَ فَيَثْبُتَ على الرِّدَّةِ وَلَوْ زَنَى قبل الْبُلُوغِ أو قَذَفَ لم أَحُدَّهُ وَإِنَّمَا تَجِبُ عليه الْحُدُودُ وَالْإِقْرَارُ لِلنَّاسِ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَكِنِّي أَحْبِسُهُ وَأُخِيفُهُ رَجَاءَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ وَمَعَهُ مَالٌ فَيَنْبَغِي له أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إنْ كان الذي الْتَقَطَهُ ثِقَةً لِمَالِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ إيَّاهُ وَيَأْمُرَهُ يُنْفِقُ عليه بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كان غير ثِقَةٍ لِمَالِهِ فَلْيَدْفَعْ مَالَهُ لِغَيْرِهِ وَيَأْمُرْ ذلك الذي دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ بِالنَّفَقَةِ عليه بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَيَنْبَغِي لِوَالِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْفِقَ عليه فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَشَاءَ الذي هو في يَدَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ عليه وَأَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ دَيْنًا على الْمَنْبُوذِ إذَا بَلَغَ وَثَابَ له مَالٌ فَعَلَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ الذي الْتَقَطَهُ وَلَا مَالَ له وَأَنْفَقَ عليه فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالنَّفَقَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ منها عليه بَعْدَ بُلُوغٍ وَيُسْرٍ وَلَا قَبْلَهُ وَسَوَاءً وَجَدَ الْمَالَ مع اللَّقِيطِ أو أَفَادَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ على الْوِلَادَةِ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا تَجُوزُ فيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ مِمَّا يَغِيبُ عن الرِّجَالِ إلَّا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَيْثُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ انْتَهَى بِأَقَلِّهَا إلَى شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَقَامَ الثِّنْتَيْنِ من النِّسَاءِ مَقَامَ رَجُلٍ حَيْثُ أَجَازَهُمَا فإذا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَغِيبُ عن الرِّجَالِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ اعلم أَنْ يُجِيزُوهَا إلَّا على أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل في الشَّهَادَاتِ فَيَجْعَلُونَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وإذا فَعَلُوا لم يَجُزْ إلَّا أَرْبَعٌ وَهَكَذَا الْمَعْنَى في كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ وما أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في شَهَادَةِ النِّسَاءِ على الشَّيْءِ من أَمْرِ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ فيه أَقَلُّ من أَرْبَعٍ وقد قال غَيْرُنَا تَجُوزُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا الْتَقَطَ مُسْلِمٌ لَقِيطًا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ ما لم يُعْلَمْ لِأَبَوَيْهِ دِينٌ غَيْرُ دِينِ الْإِسْلَامِ فإذا أَقَرَّ بِهِ نَصْرَانِيٌّ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ وَجَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ ليس بِعِلْمٍ مِنَّا أَنَّهُ كما قال فَلَا نُغَيِّرُ الْإِسْلَامَ إذَا لم نَعْلَمْ الْكُفْرَ

(6/249)


فيه وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ من مَوْضِعِ الْأَخْبَارِ كما تَجُوزُ الوحدة ( ( ( الواحدة ) ) ) في الْخَبَرِ لَا أَنَّهُ من مَوْضِعِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ كان من مَوْضِعِ الشَّهَادَاتِ ما جَازَ عَدَدٌ من النِّسَاءِ وَإِنْ كَثُرْنَ على شَيْءٍ فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا فَبِأَيِّ شَيْءٍ احْتَجَّتْ إلَى خَبَرِ وَاحِدَةٍ أَبِشَهَادَةٍ أو غَيْرِ شَهَادَةٍ قال بِشَهَادَةٍ على مَعْنَى الْأَخْبَارِ فَقِيلَ له وَكَذَلِكَ شَاهِدَانِ وَأَكْثَرُهُمَا شَاهِدَانِ على مَعْنَى الْأَخْبَارِ قال وَلَا تَجُوزُ شَهَادَاتُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ في غَيْرِ هذا قِيلَ نعم وَلَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا في خَاصٍّ وَلَا تَجُوزُ على الْحُدُودِ وَلَا على الْقَتْلِ فَإِنْ كُنْت أَنْكَرْت أَنْ يَكُنَّ غير توام إلَّا في مَوْضِعٍ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُك في رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَنَّهُمَا غَيْرُ تَامَّيْنِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُك في رَجُلَيْنِ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ تَامَّيْنِ في الشَّهَادَةِ على الزنى وَكَذَلِكَ يَلْزَمُك في شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِخَبَرِهَا أنها غَيْرُ تَامَّةٍ على مُسْلِمٍ فإذا كانت الشَّهَادَةُ كُلُّهَا خَاصَّةً ما لم تَتِمُّ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً فَكَيْفَ إذَا كانت الشَّهَادَةُ على ما يَغِيبُ عن الرِّجَالِ خَاصَّةً لم نَصْرِفْهَا إلَى قِيَاسٍ على حُكْمِ اللَّهِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُقْبَلُ فيها من الْعَدَدِ إلَّا أَرْبَعًا تَكُونُ كُلُّ ثِنْتَيْنِ مَكَانَ شَاهِدٍ قال فَإِنَّا رَوَيْنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا قُلْت لو ثَبَتَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صِرْنَا إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَكُمْ وَلَا عِنْدَنَا عنه وَهَذَا لَا من جِهَةِ ما قُلْنَا من الْقِيَاسِ على حُكْمِ اللَّهِ وَلَا من جِهَةِ قَبُولِ خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَلَا أَعْرِفُ له مَعْنًى (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ بَيْعًا ما كان على أَنَّ له الْخِيَارَ أو لِلْبَائِعِ أو لَهُمَا مَعًا أو شَرَطَ الْمُبْتَاعُ أو الْبَائِعُ خِيَارًا لِغَيْرِهِ وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ فَهَلَكَتْ في يَدَيْهِ قبل رِضَا الذي له الْخِيَارُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا ما بَلَغَتْ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ قَطُّ فيها وَأَنَّهُ كان عليه إذَا لم يَتِمَّ الْبَيْعُ رَدُّهَا وَكُلُّ من كان عليه رَدُّ شَيْءٍ مَضْمُونًا عليه فَتَلِفَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَالْقِيمَةُ تَقُومُ في الْفَائِتِ مَقَامَ الْبَدَلِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقِيَاسِ وَالْأَثَرِ وقد قال قَائِلٌ من ابْتَاعَ بَيْعًا وَقَبَضَهُ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَتَلِفَ في يَدَيْهِ فَهُوَ أَمِينٌ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ على قَبْضِهِ وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ عليه إلَّا بِكَمَالِ الْبَيْعِ فَجَعَلَهُ في مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ وَأَخْرَجَهُ من مَوْضِعِ الضَّمَانِ وقد رُوِيَ عنه في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَيَقْبِضُهُ ثُمَّ يَتْلَفُ في يَدَيْهِ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ وقد سَلَّطَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ على الْقَبْضِ بِأَمْرٍ لَا يُوجِبُ له الثَّمَنَ وَمِنْ حُكْمِهِ وَحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هذا غَيْرُ ثَمَنٍ أَبَدًا فإذا زَعَمَ أَنَّ ما لَا يَكُونُ ثَمَنًا أَبَدًا يَتَحَوَّلُ فَيَصِيرُ قِيمَةً إذَا فَاتَ ما فيه الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَالْمَبِيعُ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ شِرَاءً حَلَالًا وَيَشْتَرِطُ خِيَارَ يَوْمٍ أو سَاعَةٍ فَيَتْلَفُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لِأَنَّ هذا لو مَرَّتْ عليه سَاعَةٌ أو اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إنْفَاذَهُ نَفَذَ لِأَنَّ أَصْلَهُ حَلَالٌ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لو مَرَّتْ عليه الْآبَادُ أو اخْتَارَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ إنْفَاذَهُ لم يَجُزْ فَإِنْ قال إنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا لم يَرْضَ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَدِيعَةً فَتَكُونُ أَمَانَةً وما رضي إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ له الثَّمَنَ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ على الْخِيَارِ ما رضي أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً وما رضي إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ له الثَّمَنَ فَكَيْفَ كان في الْبَيْعِ الْحَرَامِ عِنْدَهُ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ إذْ لم يَرْضَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَمَانَةً وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا في الْبَيْعِ الْحَلَالِ ولم يَرْضَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً وقد رَوَى الْمَشْرِقِيُّونَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَامَ بِفَرَسٍ وَأَخَذَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا ( 1 ) فَشَارَ إلَيْهِ لِيَنْظُرَ إلَى مَشْيِهَا فَكُسِرَتْ فَحَاكَمَ فيها عُمَرُ صَاحِبَهَا إلَى رَجُلٍ فَحَكَمَ عليه أنها ضَامِنَةٌ عليه حتى يَرُدَّهَا كما أَخَذَهَا سَالِمَةً فَأَعْجَبَ ذلك عُمَرُ منه وَأَنْفَذَ قَضَاءَهُ وَوَافَقَهُ عليه وَاسْتَقْضَاهُ فإذا كان هذا على مُسَاوَمَةٍ وَلَا تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ إلَّا أَنَّهُ من أَسْبَابِ الْبَيْعِ فَرَأَى عُمَرُ وَالْقَاضِي عليه أَنَّهُ ضَامِنٌ له فما سمى له ثَمَنٌ وَجُعِلَ فيه الْخِيَارُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا من هذا وَإِنْ أَصَابَ هذا الْمَضْمُونَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا نَقَصَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ وما نَقَصَ وإذا كان الِابْنُ فَقِيرًا بَالِغًا لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافُ الْعَنَتَ فَجَائِزٌ له أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ أبيه كما يَنْكِحُ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ وَلَدَهُ من أَمَةِ أبيه أَحْرَارٌ فَلَا يَكُونُ لِأَبِيهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُم

(6/250)


لِأَنَّهُمْ بَنُو وَلَدِهِ وَإِنْ كان الْأَبُ فَقِيرًا فَخَافَ الْعَنَتَ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ ابْنِهِ لم يَجُزْ ذلك له وَجَبَرَ ابْنَهُ إذَا كان وَاجِدًا على أَنْ يُعِفَّهُ بِإِنْكَاحٍ أو مِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ لِلْأَبِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا غير مُغْنٍ لِنَفْسِهِ زَمِنًا أَنْ يُنْفِقَ عليه الِابْنُ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَدَخَلَ بها ثُمَّ مَلَكَ ابْنَتَهَا فَأَصَابَهَا حُرِّمَتْ عليه أُمُّهَا وَحُرِّمَتْ الْبِنْتُ لِأَنَّ هذه بِنْتُ امْرَأَةٍ قد دخل بها وَتِلْكَ قد صَارَتْ أُمَّ امْرَأَةٍ أَصَابَهَا وَإِنْ وَلَدَتْ له هذه الْجَارِيَةُ كانت أُمَّ وَلَدٍ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا وَيَحِلُّ له خِدْمَتُهَا وَتَكُونُ مَمْلُوكَةً له كَمِلْكِ أُمِّ الْوَلَدِ يَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عليها وما أَفَادَتْ من مَالٍ كما يَأْخُذُ مَالَ مَمَالِيكِهِ وَإِنْ كانت الْأَمَةُ لِأَبِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ولم تَلِدْ فَالْأَمَةُ لِأَبِيهِ كما هِيَ وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا لِأَبِيهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ في الْأَمَةِ التي وَطِئَهَا الرَّجُلُ وَوَلَدَتْ وَحُرِّمَ فَرْجُهَا عليه بِأَنَّهُ قد وطىء أُمَّهَا بِنِكَاحٍ أَعْتَقَهَا عليه من قِبَلِ أنها لَا تَرِقُّ بَعْدَهُ بِحَالٍ وَلَا يَكُونُ له بَيْعُهَا وَإِنَّمَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ له فيها الْمُتْعَةُ بِالْجِمَاعِ فلما حُرِّمَ الْجِمَاعُ أَعْتَقَهَا عليه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فما تَقُولُ في أُمِّ وَلَدِ الرَّجُلِ قبل أَنْ يُحَرَّمَ عليه فَرْجُهَا أَلَهُ شَيْءٌ منها غَيْرُ الْجِمَاعِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا وَيُجْنَى عليها فَيَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عليها وَتُفِيدُ مَالًا من أَيِّ وَجْهٍ ما كان فَيَأْخُذُ الْمَالَ وَتَخْدُمُهُ قُلْت له أَسْمَعُ له فيها مَعَانِيَ كَثِيرَةً غير الْجِمَاعِ فَلِمَ أَبْطَلْتهَا وَأَعْتَقْتهَا عليه وهو لم يَعْتِقْ وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ أَنْ يَعْتِقَ على من أَعْتَقَ أو تَعْتِقَ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وهو لم يَمُتْ فإذا كان عُمَرُ إنَّمَا أَعْتَقَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِ سَادَاتِهِنَّ فَعَجَّلْتهنَّ الْعِتْقَ فَقَدْ خَالَفْته وإذا كان الْقَضَاءُ أَنْ لَا يَعْتِقَ إلَّا من أَعْتَقَ السَّيِّدُ فَأَعْتَقَتْهَا فَقَدْ خَالَفْته فَإِنْ قال أَكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ له فَرْجُهَا قِيلَ وَإِنْ كانت مِلْكَهُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له ما تَقُولُ فيه إنْ مَلَكَ أُمَّهُ وَبِنْتَه وَأُخْتَه من الرَّضَاعِ وَجَارِيَةً لها زَوْجٌ أَيَحِلُّ له أَنْ يَخْلُوَ بِهِنَّ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَقَدْ خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْوَةِ بِأَرْبَعٍ كُلُّهُنَّ حَرَامُ الْفَرْجِ عليه فَكَيْفَ حَرَّمْتَهُ بِوَاحِدَةٍ فَإِنْ قال إنَّمَا خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْوَةِ بِرَضَائِعِهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لَهُنَّ قِيلَ فَمُحَرَّمٌ هو لِجَارِيَتِهِ التي لها زَوْجٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَقَدْ خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجٍ مَمْنُوعٍ منه وَلَيْسَ لها مَحْرَمٌ فَإِنْ قال فَلِمَ مَنَعْت الِابْنَ فَرْجَ جَارِيَتِهِ إذَا أَصَابَهَا أَبُوهُ ولم تَجْعَلْ عليه إلَّا الْعُقْرَ ولم تُقَوِّمْهَا على أبيه وقد فَعَلَ فيها فِعْلًا يُمْنَعُ بِهِ الِابْنُ من فَرْجِهَا قِيلَ له إنَّ مَنْعَ الْفَرْجُ لَا ثَمَنَ له وَالْجِنَايَةُ جِنَايَتَانِ جِنَايَةٌ لها ثَمَنٌ وَأُخْرَى لَا ثَمَنَ فلما كان الْحَدُّ إذَا دُرِئَ كان ثَمَّةَ في الْمَوْطُوءَةِ عُقْرٌ أَغْرَمْنَاهُ الْأَبَ ولم نُسْقِطْ عنه شيئا فَعَلَهُ له ثَمَنٌ وَلَمَّا كان تَحْرِيمُ الْفَرْجِ غير مُعْتِقٍ لِلْأَمَةِ وَلَا مُخْرِجٍ لها من مِلْكِ الِابْنِ لم يَكُنْ اسْتَهْلَكَ شيئا فَيَغْرَمُهُ فَإِنْ قال فما يُشْبِهُ هذا قِيلَ ما هو في أَكْثَرَ من مَعْنَاهُ وَهِيَ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ لِتُحَرِّمَهَا عليه فَتَحْرُمُ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا وَتَكُونُ مُسِيئَةً آثِمَةً بِمَا صَنَعَتْ وَلَا يَكُونُ لِمَا صَنَعَتْ ثَمَنٌ نُغَرِّمُهَا إيَّاهُ وَهِيَ لو شَجَّتْهَا أَغْرَمْنَاهَا أَرْشَ شَجَّتِهَا فإذا كان التَّحْرِيمُ يَكُونُ من الْمَرْأَةِ عَامِدَةً وَلَا تَغْرَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ إتْلَافٍ وَلَا إخْرَاجٍ لِلْمُحَرَّمَةِ من الْمِلْكِ وَلَا جِنَايَةٌ لها أَرْشٌ فَكَذَلِكَ هِيَ في الْأَبِ بَلْ هِيَ في الْأَبِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قد أَخَذَ منها بَدَلًا لِأَنَّهُ قد أُخِذَ منه عُقْرٌ وَهَذِهِ لم يُؤْخَذْ منها قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ وَوَطِئَهَا وهو جَاهِلٌ علم ( ( ( أعلم ) ) ) وَنُهِيَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمَةً وَبِيعَتْ عليه فَإِنْ وَلَدَتْ بِذَلِكَ الْوَطْءِ حِيلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ من الرَّضَاعَةِ فَأَصَابَهَا جَاهِلًا فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له تَعْتِقُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِالنَّهْيِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنها لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لم يَطَأْهَا حَلَالًا وَإِنَّمَا هو وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كان عَالِمًا بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عليه فَوَلَدَتْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا أتى ما يَعْلَمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه أُقِيمَ عليه حَدُّ الزنى وَالثَّانِي لَا يُقَامُ عليه حَدُّ الزنى وَإِنْ أَتَاهُ وهو يَعْلَمُهُ في شَيْءٍ له فيه عَلَقٌ مُلِكَ بِحَالٍ وَلَكِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِأَنْ يُنْهَى عن وَطْئِهَا وَلَا عُقْرَ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ عليه لِأَنَّ الْعُقْرَ الذي يَجِبُ بِالْوَطْءِ له وَلَا يَغْرَمُ لِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قَتَلَهَا لم يَغْرَمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ

(6/251)


بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِأَنْ تُعْزَلَ عنه وَيُؤْخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ تَعْمَلَ له مُعْتَزِلَةً عنه ما يَعْمَلُ مِثْلُهَا كان ذلك له وإذا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَهَكَذَا أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ وَإِنْ كان وَطِئَهَا وهو يَعْلَمُهَا مُحَرَّمَةً عليه فَالْقَوْلُ فيها مِثْلُ الْقَوْلِ في الذي وطىء رَضِيعَتَهُ وهو يَعْلَمُهَا مُحَرَّمَةً عليه في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَدٌّ وفي الْآخَرِ عُقُوبَةٌ وَإِنْ أَرَادَ إجَارَتَهَا من امْرَأَةٍ في عَمَلٍ تُطِيقُهُ فَذَلِكَ له وَلَهُ أَخْذُ ما أَفَادَتْهُ وَأَخْذُ أَرْشِ جِنَايَةٍ إنْ جُنِيَ عليها وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ فقال هِيَ حُرَّةٌ حين أَسْلَمَتْ وقال عِلَّتِي في إعْتَاقِهَا عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ فَرْجَهَا قد حُرِّمَ عليه وَالْأُخْرَى أَنْ لَا أُثْبِتَ لِمُشْرِكٍ على مُسْلِمٍ مِلْكًا فَقِيلَ له أَمَّا الْأُولَى فما أَقْرَبُ تَرْكِهَا مِنْك فقال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أُمَّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ وَطِئَهَا ابْنُهُ قال تَحْرُمُ عليه قُلْت أَفَتَعْتِقُهَا عليه وقد حُرِّمَ فَرْجُهَا بِكُلِّ حَالٍ قال لَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ لو كان هو وطىء ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا حُرِّمَ عليه فَرْجُهَا بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَك ولم تَعْتِقْهَا عليه قال نعم قُلْنَا وَكَذَلِكَ لو ظَهَرَ أنها أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ قال نعم قُلْنَا فَقَدْ تَرَكْت الْأَمْرَ الْأَوَّلَ في الْأُولَى أَنْ تَعْتِقَ من هذه قال وَكَيْفَ قُلْنَا هَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ فُرُوجُهُنَّ عِنْدَك بِحَالٍ وَأُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قد يَحِلُّ فَرْجُهَا لو أَسْلَمَ السَّاعَةَ قال فَدَعْ هذا قُلْت وَالثَّانِي سَتَدَعُهُ قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت مُدَبَّرَ النَّصْرَانِيِّ أو مُدَبَّرَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ أَتَعْتِقُهُمْ إذَا أَسْلَمُوا أو تَبِيعُهُمْ قال لَا نَعْتِقُ الْمُدَبَّرِينَ إلَّا بِالْمَوْتِ وَلَا الْمُكَاتَبَ إلَّا بِالْأَدَاءِ قُلْنَا فَهَؤُلَاءِ قبل أَنْ يَعْتِقُوا لِمَنْ مَلَكَهُمْ قال للنصراني ( ( ( النصراني ) ) ) وَلَكِنَّهُ مُعَلَّقٌ بِمَوْتِهِ قُلْنَا فَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ مِلْكُهَا لِلنَّصْرَانِيِّ مُعَلَّقٌ بِمَوْتِهِ فإذا مَاتَ عَتَقَتْ وَلَا تُبَاعُ في دَيْنٍ وَلَا تَسْعَى فيه وَأَنْتَ تستسعى الْمُدَبَّرَ في دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ قال فَإِنْ قُلْتَ فَهُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى في قِيمَتِهِ قلت يَدْخُلُ ذلك عَلَيْك في الْمُكَاتَبِ قال أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا أَقُولُهُ قُلْت أَرَأَيْت عَبْدًا نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ فَوَهَبَهُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ أو أَعْتَقَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ قال يَجُوزُ ذلك كُلُّهُ قُلْنَا فَيَجُوزُ إلَّا وهو مَالِكٌ له ثَابِتُ الْمِلْكِ عليه قال لَا قُلْت أو رَأَيْت لو أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا سُوقَ بِهِ أَتُمْهِلُهُ حتى يَأْتِيَ السُّوقَ فَيَبِيعَهُ قال نعم قُلْنَا فَلَوْ جَنَى عليه جَانٍ فَقَتَلَهُ أو جَرَحَهُ كان الْأَرْشُ لِلنَّصْرَانِيِّ وكان له أَنْ يَعْفُوَ كما كان يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْمُسْلِمِ قال نعم قُلْنَا فَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ مَالِكٌ له في حَالَاتٍ قال نعم وَلَكِنِّي إذَا قَدَرْت على إخْرَاجِهِ من مِلْكِهِ أَخْرَجْتُهُ قُلْت بِأَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ أو بِغَيْرِ شَيْءٍ قال أَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ قُلْنَا فَتَصْنَعُ ذَا بِأُمِّ الْوَلَدِ قال لَا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا فَأَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَهَا قُلْت فلما لم تَجِدْ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا كان حُكْمُهَا غير حُكْمِهِ قال نعم قُلْنَا فَمَنْ قال لَك أَعْتَقْتهَا بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مَكَانَهُ قال لَا وَلَكِنْ عِوَضٌ عليها قُلْنَا فَهِيَ مُعْدَمَةٌ بِهِ أَفَكُنْت بَائِعًا عَبْدَهُ من مُعْدَمٍ قال لَا قُلْنَا فَكَيْفَ بِعْتهَا من نَفْسِهَا وَهِيَ مُعْدَمَةٌ قال لِلْحُرِّيَّةِ قُلْنَا من قِبَلِهِ كانت أو من قِبَلِهَا فَإِنْ قُلْت من قِبَلِهِ قُلْنَا فَهِيَ حُرَّةٌ بِلَا سِعَايَةٍ قال ما أَعْتِقُهَا فَتَكُونُ حُرَّةً بِلَا سِعَايَةٍ وَلَا أَعْتِقُ شيئا منها قُلْت فَحُرَّةٌ من قِبَلِ نَفْسِهَا فَلِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَعْتِقَ نَفْسَهُ قال فَحُرَّةٌ من قِبَلِ الْإِسْلَامِ قُلْنَا فَقَدْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فلم تَعْتِقْهُ وما دَرَيْت من أَيْنَ أَعْتَقْتهَا وَلَا أنت إلَّا تَخَرَّصَتْ عليها وَأَنْتَ تَعِيبُ الْحُكْمَ بِالتَّخَرُّصِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً وَزَعَمَ أنها حُرَّةٌ فَدَخَلَ عليها الرَّجُلُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَقَبَتَهَا رَجُلٌ وقد وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ وَلِلْمُسْتَحِقِّ قِيمَتُهُمْ وَجَارِيَتُهُ وَالْمَهْرُ يَأْخُذُ من الزَّوْجِ إنْ شَاءَ وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ كُلَّهُ على الْغَارِّ لِأَنَّهُ لَزِمَ من قِبَلِهِ وَأَصْلُ ما رَدَدْنَا بِهِ الْمَغْرُورَ على الْغَارِّ على أَشْيَاءَ منها أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً بها جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ فاصابها فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ على وَلِيِّهَا ( 1 ) فَرَدَّ الزَّوْجَ على ما اسْتَحَقَّتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عليه من الصَّدَاقِ بِالْمَسِيسِ على الْغَارِّ وكان مَوْجُودًا في قَوْلِهِ إنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عليه لِأَنَّ الْغُرْمَ في الْمَهْرِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَعَارَ رَجُلٌ من رَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فقال هذه وَمَسْأَلَةُ الْغَاصِبِ الذي وطىء في كِتَابِ الْحُدُودِ في مَسْأَلَةِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَخُذُوا جَوَابَهَا من هُنَالِكَ فإن الْحُجَّةَ فيها ثَمَّ

(6/252)


لَزِمَهُ بِغُرُورِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ غَارٍّ لَزِمَ الْمَغْرُورَ بِسَبَبِهِ غُرْمٌ رَجَعَ بِهِ عليه وَسَوَاءٌ كان الْوَلِيُّ يَعْرِفُ من الْمَرْأَةِ الْجُنُونَ أَمْ لم يَعْرِفْهُ لِأَنَّ كُلًّا غَارٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يَخْفَى ذلك على البعيد ( ( ( العبد ) ) ) قِيلَ نعم وَعَلَى أَبِيهَا أَرَأَيْت لو كان تَحْتَ ثِيَابِهَا نُكْتَةُ بَرَصٍ أَمَا كان يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى ذلك على أَبِيهَا وَالْغَارُّ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ يَضْمَنْ لِلْمَغْرُورِ ثُمَّ بين الْغَارِّ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ وهو مَكْتُوبٌ في كِتَابِ النِّكَاحِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ بِوِلَادِ الشِّرْكِ أُخُوَّةً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عليهم بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كما قَبِلْنَا دَعْوَى غَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ أو عليهم رِقٌّ أُعْتِقُوا فَثَبَتَ عليهم وَلَاءٌ لم تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تثبت على وِلَادٍ أو دَعْوَى مَعْرُوفَةٍ كانت قبل السَّبْيِ وَهَكَذَا من قَلَّ منهم أو كَثُرَ أَهْلَ حِصْنٍ كَانُوا أو غَيْرَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلَانِ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَبُوهُمَا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِوَارِثٍ معه وقال هذا أَخِي بن أبي وَدَفَعَهُ الْآخَرُ فإن مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ أخبرني أَنَّ قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ الذي لم نَزَلْ نَعْرِفُهُ وَيَلْقَوْهُمْ بِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ له نَسَبٌ وَلَا يَأْخُذُ من يَدَيْهِ شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْسَبُهُمْ ذَهَبُوا فيه إلَى أَنَّ الْأَخَ الْمُقَرَّ له لم يُقِرَّ لِهَذَا الْأَخِ بِدَيْنٍ على أبيه وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا بِحَقٍّ له في يَدَيْهِ وَلَا مَالِ أبيه إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ فَيَكُونَ له عليه أَنْ يَرِثَهُ وَأَنْ يَعْقِلَ عنه وَجَمِيعُ حَقِّ الْإِخْوَةِ فلما كان أَصْلُ الْإِقْرَارِ بِهِ بَاطِلًا لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لم يَجْعَلُوا له شيئا كما لم يَجْعَلُوا عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال محمد بن الْحَسَنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ في التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى بن سَيِّدِهِ أو أَبَاهُ أو من يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ إذَا مَلَكَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا اذن له فِيمَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَمْلِكَهُ لَا ما لَا يَجُوزُ له مِلْكُهُ كما يَكُونُ الرَّجُلُ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا فَيُضَارِبُهُ فَيَشْتَرِي ابْنَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتِقَ عليه وَيَكُونَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ الذي دَفَعَهُ في ابْنِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِمَالِهِ ما لَا يَجُوزُ له مِلْكُهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ مُحْتَمَلٌ لِمَنْ قَالَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عليه من قِبَلِ أَنَّ الشِّرَاءَ كان حَلَالًا وَأَنَّ ما مَلَكَ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ لِسَيِّدِهِ وإذا مَلَكَ السَّيِّدُ ابْنَهُ عَتَقَ عليه فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْفَرْقُ بين الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ له وَالْمُضَارِبِ قِيلَ له إنَّ في الشِّرَاءِ حُقُوقًا منها حَقٌّ لِلْبَائِعِ على الْمُشْتَرِي الذي لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إذَا كان بَيْعًا حَلَالًا فلما كان هذا بَيْعًا حَلَالًا يَلْزَمُ الْعَبْدَ لم يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدَ أَبَدًا إلَّا وَالسَّيِّدُ مَالِكٌ فَيَعْتِقُ وَالْمُضَارِبُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فَلَا يَظْلِمُ الْمُشْتَرِيَ وَيَكُونُ الْمُضَارِبُ مَالِكًا لِهَذَا الْعَبْدِ وَلَيْسَ مِلْكُ الْمُضَارِبِ لِنَفْسِهِ مِثْلَ مِلْكِ صَاحِبِ الْمَالِ وَمِلْكُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ مِثْلُ مِلْكِ صَاحِبِ الْمَالِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَسَوَاءٌ كان لِلْعَبْدِ دَيْنٌ أَذِنَ له في مُدَايَنَتِهِ أو لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ من قِبَلِ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا يَمْلِكُونَ على الْعَبْدِ مَالَهُ إلَّا بِالْقِيَامِ عليه وَبَعْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ له فلما كان تَمَامُ مِلْكِ الْعَبْدِ وَاقِعًا على بن سَيِّدِهِ وَالْعِتْقُ معه لم يَجُزْ أَنْ يَرِقَّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ فيه مِلْكُهُ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ وَلَا يَغْرَمُ الْأَبُ شيئا قَلَّ وَلَا كَثُرَ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إنْ دخل عليهم نَقْصٌ من عِتْقِهِ فَاَلَّذِي دخل على الْأَبِ أَكْثَرُ منه وَلَا يَكُونُ مُصَابًا بِمَالِهِ وَغَارِمًا مثله وما أَتْلَفَ شيئا فَيَكُونُ عليه ما أَتْلَفَ وَلَا أَمَرَ بِشِرَائِهِ من مَالِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُنْتَزِعًا من الْعَبْدِ شيئا يَكُونُ عليه رَدُّهُ إنَّمَا أَخْطَأَ فيه الْعَبْدُ أو تَعَدَّى فَلَا يَرْجِعُ بِهِ على السَّيِّدِ أَرَأَيْت لو اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ جَمِيعَ ما في يَدَيْهِ بِهِبَةٍ أو بِدَرَكٍ أو حَرْقِهِ أو غَرَقِهِ أَيَرْجِعُ على السَّيِّدِ بِشَيْءٍ ولم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ في هذا فِعْلٌ وَلَا أَمْرٌ إنَّمَا يَغْرَمُ الناس بِفِعْلِهِمْ وَأَمْرِهِمْ فَأَمَّا بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ وَلَا أَمْرِهِمْ فَلَا يَغْرَمُونَ إلَّا في مَوْضِعٍ خَاصٍّ من الدِّيَاتِ وما جاء فيه خَبَرٌ وَإِنْ كان الْعَبْدُ غير مَأْذُونٍ له فَاشْتَرَى بن مَوْلَاهُ فَلَيْسَ ثَمَّ شِرَاءٌ وَلَا يَمْلِكُهُ فَيَعْتِقُ بِالْمِلْكِ وهو على مِلْكِ سَيِّدِهِ الْأَوَّلِ

(6/253)


رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وكان هذا قَوْلًا صَحِيحًا ثُمَّ أَحْدَثُوا أَنْ لَا يُلْحِقُوا وَأَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ ما في يَدَيْ أَخِيهِ الْمُقَرِّ له (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَا مِيرَاثَ لم يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ نَسَبَهُ رَجُلٌ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ على أبيه فإذا كان معه من حَقِّهِ في أبيه كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لم يَثْبُتْ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ حتى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ على الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ على دَعْوَى الْمَيِّتِ الذي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ له النَّسَبُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت أَنْ يُقِرَّ بن الرَّجُلِ إذَا كان وَارِثُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ بِالْأَخِ فَتُلْحِقُهُ بِالْأَبِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ على غَيْرِهِ قِيلَ له إنَّمَا أَقَرَّ بِأَمْرٍ لَا يَدْخُلُ ضَرَرُهُ على مَيِّتٍ إنَّمَا يَدْخُلُ الضَّرَرُ عليه فِيمَا يُنْتَقَصُ من شَرِكَتِهِ في مِيرَاثِ الْأَبِ وَوَجَدْته إذَا كان مُنْفَرِدًا بِوِرَاثَةِ أبيه الْقَائِمِ بِكُلِّ حَقٍّ لِأَبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْفُو دَمَهُ فَيَجُوزُ عَفْوُهُ كما لو عَفَا أَبُوهُ جُرْحَ نَفْسِهِ جَازَ عَفْوُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ بِالْحَدِّ على من قَذَفَ أَبَاهُ كما كان أَبُوهُ قَائِمًا بِالْحَدِّ على من قَذَفَهُ أَلَا تَرَى أَنْ لو كانت لِأَبِيهِ بَيِّنَةٌ على رَجُلٍ بِحَدٍّ أو مَالٍ أو قِصَاصٍ أَخَذَ له بها وَأَخَذَ لِلِابْنِ بها بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ أَكْذَبَهَا الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالْأَبُ مُدَّعٍ لها أَبْطَلْنَاهَا لِأَنَّهُ لو مَاتَ قام مَقَامَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا خَبَرٌ يَدُلُّ عليه قُلْنَا نعم الْخَبَرُ الذي الناس كلهم عِيَالٌ عليه في أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ فَإِنْ قال ما هو قِيلَ اخْتَصَمَ عبد بن زَمْعَةَ وَسَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في بن أَمَةِ زَمْعَةَ فقال سَعْدٌ قد كان أَخِي عُتْبَةُ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أقبضه ( ( ( أفيضه ) ) ) إلَيَّ وقال عبد بن زَمْعَةَ أَخِي وبن وَلِيدَةِ أبي وُلِدَ على فِرَاشِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هو لَك يا عبد بن زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَأَلْحَقَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدَعْوَةِ الْأَخِ وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ منه لَمَّا رَأَى من شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَكَانَ في هذا دَلِيلٌ ( 1 ) على أَنَّهُ لم يَدْفَعْهُ وَأَنَّهَا قد ادَّعَتْ منه ما ادَّعَى أَخُوهَا فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن الحرث الْمَخْزُومِيُّ عن سَيْفِ بن سُلَيْمَانَ عن قَيْسِ بن سَعْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال عَمْرٌو في الْأَمْوَالِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن رَبِيعَةَ بن عُثْمَانَ عن مُعَاذِ بن عبد الرحمن عن بن عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ سَمَّاهُ وَلَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن سَعِيدِ بن عَمْرِو بن شُرَحْبِيلَ بن سَعِيدِ بن سَعْدِ بن عُبَادَةَ عن أبيه عن جَدِّهِ قال وَجَدْنَا في كُتُبِ سَعْدِ بن عُبَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَكَرَ عبد الْعَزِيزِ بن الْمُطَّلِبِ عن سَعِيدِ بن عَمْرٍو عن أبيه قال وَجَدْنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْسَبُهُمْ ذَهَبُوا فيه إلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ له شيئا في يَدَيْهِ وَشَيْئًا في يَدَيْ أَخِيهِ فَأَجَازُوا إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ وَأَبْطَلُوا إقْرَارَهُ على أَخِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ من قَوْلِ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما فإن مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالَا يُقَاسِمُ الْأَخَ الذي أَقَرَّ له بِمَا في يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ وَلَا سَبِيلَ له على الْآخَرِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قال قد أَقَرَّ أَنَّهُ وهو سَوَاءٌ في مَالِ أبيه

(6/254)


في كُتُبِ سَعْدِ بن عُبَادَةَ يَشْهَدُ سَعْدُ بن عُبَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عَمْرَو بن حَزْمٍ أَنْ يَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( قال عبد الْعَزِيزِ ) فَذَكَرْت ذلك لِسُهَيْلٍ فقال أخبرني رَبِيعَةُ عَنِّي وهو ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْته إيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ
( قال عبد الْعَزِيزِ ) وكان أَصَابَ سُهَيْلًا عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ وكان سُهَيْلٌ يُحَدِّثُهُ عن رَبِيعَةَ عنه عن أبيه أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عَمْرو بن أبي عَمْرٍو مولى الْمُطَّلِبِ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ قال حدثني جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ قال سَمِعْت الْحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أبي وقد وَضَعَ يَدَهُ على جِدَارِ الْقَبْرِ لِيَقُومَ أَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال نعم وَقَضَى بها عَلَيَّ بين أَظْهُرِكُمْ قال مُسْلِمٌ قال جَعْفَرٌ في الدَّيْنِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الشَّهَادَةِ فَإِنْ جاء بِشَاهِدٍ أُحْلِفَ مع شَاهِدِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عبد الْحَمِيدِ بن عبد الرحمن بن زَيْدِ بن الْخَطَّابِ وهو عَامِلٌ له على الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ من أَصْحَابِنَا عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن أبي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عبد الْحَمِيدِ بن عبد الرحمن بن زَيْدِ بن الْخَطَّابِ وهو عَامِلُهُ على الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَإِنَّهَا السُّنَّةُ قال أبو الزِّنَادِ فَقَامَ رَجُلٌ من كُبَرَائِهِمْ فقال أَشْهَدُ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بها في هذا الْمَسْجِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن خَالِدِ بن أبي كُرَيْمَةَ عن أبي جَعْفَرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَرْوَانُ بن مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ قال حدثنا جَعْفَرُ بن مَيْمُونٍ الثَّقَفِيُّ قال خَاصَمْت إلَى الشَّعْبِيِّ في مُوضِحَةٍ فَشَهِدَ الْقَائِسُ أنها مُوضِحَةٌ فقال الشَّاجُّ لِلشَّعْبِيِّ أَتَقْبَلُ على شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فقال الشَّعْبِيُّ قد شَهِدَ الْقَائِسُ أنها مُوضِحَةٌ وَيَحْلِفُ الْمَشْجُوجُ على مِثْلِ ذلك قال فَقَضَى الشَّعْبِيُّ فيها وَذَكَرَ هُشَيْمٌ عن مُغِيرَةَ عن الشَّعْبِيِّ قال إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقْضُونَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بن عبد الرحمن سُئِلَا أَيُقْضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَقَالَا نعم ( قال ) وَذَكَرَ حَمَّادُ بن زَيْدٍ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( قال ) وَذَكَرَ هُشَيْمٌ عن حُصَيْنٍ قال خَاصَمْت إلَى عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ فَقَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَذَكَرَ عبد الْعَزِيزِ بن الْمَاجِشُونِ عن زُرَيْقِ بن حَكِيمٍ قال كَتَبْت إلَى عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أُخْبِرُهُ أَنِّي لم أَجِدْ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ إلَّا بِالْمَدِينَةِ قال فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ اقْضِ بها فَإِنَّهَا السُّنَّةُ وَذُكِرَ عن إبْرَاهِيمَ بن أبي حَبِيبَةَ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ أُبَيَّ بن كَعْبٍ قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَعَنْ عِمْرَانَ بن حُدَيْرٍ عن أبي مِجْلَزٍ قال قَضَى زُرَارَةُ بن أَوْفَى فَقَضَى بِشَهَادَتِي وَحْدِي وَشُعْبَةَ عن أبي قَيْسٍ وَعَنْ أبي إِسْحَاقَ أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ
____________________

(6/255)


- * ما يُقْضَى فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ حَقٌّ من دَيْنٍ أو ثَمَنِ بَيْعٍ أو أَرْشِ جِنَايَةٍ أو غَيْرِ ذلك من الْحُقُوقِ فَأَقَامَ الذي عليه الْحَقُّ شَاهِدًا أَنَّهُ قد قَبَضَ ذلك منه صَاحِبُهُ أو أَبْرَأَهُ منه أو صَالَحَهُ منه على شَيْءٍ قَبَضَهُ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وبرئ ( ( ( وبريء ) ) ) من ذلك كُلِّهِ وَهَذَا تَحْوِيلُ ما كان ( 2 ) من الْمَشْهُودِ عليه بِالْبَرَاءَةِ مُلِكَ عليه إلَى مِلْكِ الْمَشْهُودِ له بِالْبَرَاءَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قضي على عَاقِلَةِ رَجُلٍ بِأَرْشِ جِنَايَةٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه أَبْرَأَهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَقَفْنَا الشَّاهِدَ فَإِنْ قال أَبْرَأَهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَأَبْرَأَ أَصْحَابَهُ الْمَقْضِيَّ عليهم بها أَحَلَفْنَاهُمْ وَأَبْرَأْنَاهُمْ فَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ ولم يَحْلِفْ بَعْضٌ بَرِيءَ من حَلَفَ ولم يَبْرَأْ من لم يَحْلِفْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَلْفُ دِرْهَمٍ الرجل ( ( ( لرجل ) ) ) على رَجُلَيْنِ فَأَقَامَا شَاهِدًا فَشَهِدَ لَهُمَا بِالْبَرَاءَةِ فيها فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا ولم يَحْلِفْ الْآخَرُ فَيَبْرَأُ الذي حَلَفَ وَلَا يَبْرَأُ الذي لم يَحْلِفْ وَتَحْلِفُ عَاقِلَتُهُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ على عَاقِلَتِهِ وَلَا يَعْقِلُ هو
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ وكان في ذلك تَحْوِيلُ مِلْكِ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ حتى يَصِيرَ الْمَقْضِيُّ له يَمْلِكُ الْمَالَ الذي كان في يَدَيْ الْمَقْضِيِّ عليه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ التي تُمْلَكُ بها الْأَمْوَالُ فَكُلُّ ما كان في هذا الْمَعْنَى قضى بِهِ على مَعْنَى ما قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ بِشَاهِدٍ أَنَّ الدَّارَ التي في يَدَيْ فُلَانٍ دَارُهُ غَصَبَهَا إيَّاهُ الذي هِيَ في يَدَيْهِ أو بَاعَهُ إيَّاهَا وَأَخَذَ منه ثَمَنَهَا أو بِغَيْرِ ذلك من وُجُوهِ الْمِلْكِ فَيَحْلِفُ مع شَاهِدِهِ وَتَخْرُجُ الدَّارُ من يَدَيْ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَتَحُولُ إلَى مِلْكِ الْمَشْهُودِ الْحَالِفِ له فَيَمْلِكُهَا كما كان الذي هِيَ في يَدَيْهِ مَالِكًا لها وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِمَّا يُمْلَكُ وَكَذَلِكَ لو أتى بِشَاهِدٍ على عَبْدٍ أو عَرَضٍ أو عَيْنٍ بِعَيْنِهِ أو بِغَيْرِ عَيْنِهِ أُحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَقُضِيَ له بِحَقِّهِ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ له عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ منه أَلْفًا فَيَمْلِكُهَا عليه كما كان الْمَشْهُودُ عليه لها مَالِكًا قبل الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عليه أَنَّهُ حَرَقَ له مَتَاعًا قِيمَتُهُ كَذَا وَكَذَا أو قَتَلَ عَبْدًا قِيمَتُهُ كَذَا أو جَرَحَهُ هو في بَدَنِهِ جِرَاحَةَ خَطَأٍ حَلَفَ في هذا كُلِّهِ مع شَاهِدِهِ وقضى له ( 1 ) بِثَمَنِ الْمَتَاعِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ على الْجَانِي في مَالِهِ أو على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قضى عليه ما كان هو مَالِكًا له إمَّا في الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَإِمَّا في الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ أو بُرٍّ مَوْصُوفٍ أو غَيْرِ ذلك أَحَلَفْتَهُ مع الشَّاهِدِ وَأَلْزَمْتُ الْمَشْهُودَ عليه بِمَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ وَجَعَلْت ذلك مَضْمُونًا عليه إلَى أَجَلِهِ الذي سَمَّى وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ شَاهِدًا على رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى منه جَارِيَةً أو عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَلَزِمَ الْمَشْهُودَ عليه الْعَبْدُ أو الْجَارِيَةُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ بَاعَهُ هذه الْجَارِيَةَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى أو بِدَارٍ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ وَهَذَا كُلُّهُ تَحْوِيلُ مِلْكٍ إلَى مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ على رَجُلٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ سَرَقَ منه شيئا من غَيْرِ حِرْزٍ يَسْوَى مَالًا أو سَرَقَ منه شيئا من حِرْزٍ لَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَغَرِمَ السَّارِقُ قِيمَةَ السَّرِقَةِ إنْ كانت مُسْتَهْلَكَةً ولم يُقْطَعْ السَّارِقُ

(6/256)


عن نَفْسِهِ مَعَهُمْ شيئا وَلَوْ قال الشَّاهِدُ أَبْرَأَهُ من الْجِنَايَةِ وَقَفْته أَيْضًا فَقُلْت قد يَحْتَمِلُ قَوْلُك أَبْرَأَهُ من الْجِنَايَةِ من أَرْشِهَا فَإِنْ كُنْت هذا تُرِيدُ فَهُوَ بَرِيءٌ منها وَإِنْ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ على إبْرَاءِ الْعَاقِلَةِ حَلَفُوا وَبَرِئُوا وَإِنْ لم تَثْبُتْ عليهم لَزِمَهُمْ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ لم يُشْهَدْ لهم بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا مَعِيبًا فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ من الْعَيْبِ أو شَاهِدًا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ من الْعَيْبِ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وبرئ ( ( ( وبريء ) ) ) وَلَا أحتاج مع هذا إلَى وَقْفِهِ كما أَحْتَاجُ إلَى وَقْفِهِ في الْجِنَايَةِ من قِبَلِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ من أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ فَهَذَا أَكْثَرُ ما يَكُونُ له وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَلْزَمُ في الْعَيْبِ من الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أو أَخْذِ ما نَقَصَ الْعَيْبُ بَرِيءَ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا الْمَشْهُودُ له خَاصَّةً فَيَحْلِفُ فيه وَيَبْرَأُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان في الْوَرَثَةِ أَخْرَسُ وكان يَفْقَهُ الْإِشَارَةَ بِالْيَمِينِ أُشِيرَ إلَيْهِ بها حتى يُفْهَمَ عنه أَنَّهُ حَلَفَ ثُمَّ يُعْطَى حَقَّهُ وَإِنْ كان لَا يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَلَا يُفْهَمُ عنه أو كان مَعْتُوهًا أو ذَاهِبَ الْعَقْلِ وُقِفَ له حَقُّهُ حتى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أو يَمُوتَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَ وَارِثَيْنِ فَيَحْلِفَ أَحَدُهُمَا فَيَسْتَحِقَّ الْآخَرُ حَقَّهُ بِيَمِينِ أَخِيهِ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيمَا وَرِثَ عنه وَالْحَقُّ وَإِنْ كان عن الْمَيِّتِ وَرِثَ فلم يَحِقَّ إلَّا لِلْأَحْيَاءِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ على قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كانت من الْأَحْيَاءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ على رَجُلٍ بَيِّنَةً بِحَقٍّ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عليه بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ له أَقَرَّ بِأَنَّ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ على فُلَانٍ بَاطِلٌ أُحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَأُبْرِئَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عليه وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ عليه بَيِّنَةً بِمَالٍ فَيَأْتِيَ الْمَشْهُودُ عليه بِشَاهِدٍ فَيَشْهَدَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ منه فَيَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَيَبْرَأَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عليه ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ شَاهِدًا في حَيَاتِهِ أَنَّ له حَقًّا على فُلَانٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يَحْلِفَ أو مَاتَ قبل أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ شَاهِدًا بِأَنَّ له على فُلَانٍ حَقًّا فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ في كل ما مَلَكُوا عنه وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى بِالْمَوَارِيثِ إلَى الْأَحْيَاءِ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ ما كان لِلْأَحْيَاءِ يَمْلِكُونَ ما مَلَّكَهُمْ بِقَدْرِ ما فُرِضَ لهم فَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ من وَرِثُوهُ بِقَدْرِ ما وَرِثُوا ( قال ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ وهو لَا يَدْرِي أَشَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ ( 1 ) فَيَحْلِفُ على عِلْمِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ قد يَكُونُ بِالْعِيَانِ وَالسَّمَاعِ وَالرُّؤْيَةِ فإذا سمع مِمَّنْ يُصَدَّقُ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا على فُلَانٍ أو عَلِمَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ من وُجُوهِ الْعِلْمِ كان ذلك حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وكان كَأَبِيهِ لو شَهِدَ له شَاهِدٌ على حَقٍّ كان عنه غَائِبًا أو على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ له دَابَّةً غَائِبَةً أو عَبْدًا حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ حَقَّهُ وَلَوْ لم يَحْلِفْ إلَّا على ما عَايَنَ أو سمع من الذي عليه الْحَقُّ بِعَيْنِهِ ضَاقَ هذا عليه ( قال ) ولم يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَحْلِفُونَ مع الشَّاهِدِ على الْحَقِّ الْغَائِبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْعِلْمِ الرُّؤْيَةِ أو السَّمْعِ أو الْخَبَرِ ( قال ) وإذا كان هَكَذَا فَكَذَلِكَ كُلُّ من شُهِدَ له بِحَقٍّ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ له أو أَوْصَى له أو تَصَدَّقَ عليه حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَلَوْ ضَاقَ عليه أَنْ يَحْلِفَ إلَّا على ما عَايَنَ ضَاقَ عليه أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ بِشَاهِدٍ إلَّا فِيمَا عَايَنَ حتى لو مَاتَ أَبُوهُ وهو صَغِيرٌ فَشَهِدَ له أَنَّهُ وَرَّثَهُ شيئا بِعَيْنِهِ ضَاقَ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ لم يُعَايِنْ أَبَاهُ وما تَرَكَ وَلَا عَدَّدَ وَرَثَتَهُ وَلَا هل عليه دَيْنٌ أو له وَصَايَا وَكَذَلِكَ لو كان بَالِغًا وَمَاتَ أَبُوهُ غَائِبًا فَشَهِدَ له على تركه له غَائِبَةٍ لِأَنَّهُ لم يَرَ أَبَاهُ يَمْلِكُهَا وَلَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لم يَتْرُكْهَا فَإِنْ مَاتَ مَيِّتٌ وَتَرَكَ ابْنًا بَالِغًا وَابْنًا صَغِيرًا وَزَوْجَةً يَحْلِفُ الْبَالِغُ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ من الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ نِصْفُ الْمَالِ بَعْدَ ثُمُنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَخَذَتْ الثُّمُنَ وَوَقَفَتْ لِلصَّبِيِّ حَقَّهُ من الْمَالِ وَذَلِكَ النِّصْفُ بَعْدَ الثُّمُنِ حتى يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ أو يَمْتَنِعَ من الْيَمِينِ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ أو يَمُوتَ قبل الْبُلُوغِ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ فِيمَا وَرِثُوا عنه مَقَامَهُ فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو كان الْوَرَثَةُ بَالِغِينَ فِيهِمْ غُيَّبٌ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْحَالِفُ حَقَّهُ وَوُقِفَتْ حُقُوقُ الْغُيَّبِ حتى يَحْضُرُوا فَيَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا أو يَأْبَوْا فَتَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ أو يَمُوتُوا قبل ذلك فَتَقُومَ وَرَثَتُهُمْ في حُقُوقِهِمْ مَقَامَهُمْ

(6/257)


فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مَقَامَ الذي له أَصْلُ الْحَقِّ في نِصْفِ مَالِهِ فَيَسْتَحِقَّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كما لو كان لِرَجُلَيْنِ على رَجُلٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بها وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا ( 1 ) لم يَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ وَهِيَ التي تُمْلَكُ وَلَا يَحْلِفُ على ما يَمْلِكُ غَيْرُهُ وَلَوْ حَلَفَ لم يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ شيئا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَصَاحِبُ الْحَقِّ من مَلَكَهُ كُلَّهُ لَا من مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَلَوْ كان لِلْوَرَثَةِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ لم يَحْلِفْ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ ليس بِمَالِكٍ وَتُوقَفُ حُقُوقُهُمْ فَكُلَّمَا بَلَغَ منهم وَاحِدٌ حَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وقد أَقَامَ في حَيَاتِهِ شَاهِدًا له بِحَقٍّ على رَجُلٍ أو أَقَامَهُ وَصِيُّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ أو أَحَدُ وَرَثَتِهِ وَلَهُ غُرَمَاءُ فَقِيلَ لِوَرَثَتِهِ احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا بَطَلَ حَقُّهُمْ ولم يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ قَضَى لِمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ له على الْآخَرِ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ حَقَّهُ فَإِنَّمَا أَعْطَى بِالْيَمِينِ من شَهِدَ له بِأَصْلِ الْحَقِّ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ أَنْ يُقَالَ لقد شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ وَإِنَّ هذا الْحَقَّ لي على فُلَانٍ وما بَرِيءَ منه وَإِنَّمَا جَعَلْت لِلْوَارِثِ الْيَمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَلَ مِلْكَ الْمَيِّتِ إلَى الْوَارِثِ فَجَعَلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فيه وَلَا يُخَالِفُهُ بِقَدْرِ ما فَرَضَ له وَجَعَلَهُ مَالِكًا ما كان الْمَيِّتُ مَالِكًا أَحَبَّ أو كَرِهَ وَلَوْ وَرِثَ عَبْدًا زَمِنًا أَلْزَمْتُهُ مِلْكَهُ وَإِنْ لم يُرِدْ مِلْكَهُ حتى يُخْرِجَهُ هو من مِلْكِهِ قال وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلَا الْمُوصَى له من مَعْنَى الْوَارِثِ بِسَبِيلٍ لَا هُمْ الَّذِينَ لهم أَصْلُ الْحَقِّ فَيَكُونُونَ الْمَقْضِيَّ لهم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَلَا الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى لهم بِالْمِيرَاثِ فَيَكُونُونَ في مَعْنَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَالْغُرَمَاءُ وَالْمُوصَى لهم وَإِنْ اسْتَحَقُّوا مَالَ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ من وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِمْ ما يَلْزَمُ الْوَارِثَ من نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى قال وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَجَاءَ وَارِثُهُ بِشَاهِدٍ وقال أنا أَحْلِفُ وقال غَرِيمُ الْمَيِّتِ الْمَالُ لي دُونَ الْوَارِثِ وأنا أَحْلِفُ حَلَفَ الْوَارِثُ وَأَخَذَ الْغَرِيمُ الْمَالَ دُونَهُ كما كان آخذا ( ( ( أخذ ) ) ) له دُونَ أبيه ( 2 ) وَلَوْ كان الْغَرِيمُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ كان أَحَقَّ بِالْمَالِ إذَا مَلَكَهُ الْوَارِثُ عن الْمَوْرُوثِ فَالْغَرِيمُ أَحَقُّ بِهِ كما يَكُونُ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ الذي في يَدَيْهِ وَاَلَّذِي يَحِقُّ بِهِ وَلَهُ من الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كانت له الْيَمِينُ على حَقٍّ مع شَاهِدٍ قِيلَ له إنْ حَلَفْتَ اسْتَحْقَقْتَ وَإِنْ امْتَنَعْت من الْيَمِينِ سَأَلْنَاك لِمَ تَمْتَنِعُ فَإِنْ قُلْت لِآتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ تَرَكْنَاك حتى تَأْتِيَ بِهِ فَتَأْخُذَ حَقَّك بِلَا يَمِينٍ أو لَا تَأْتِيَ بِهِ فَنَقُولَ احْلِفْ وَخُذْ حَقَّك وَإِنْ امْتَنَعْت بِغَيْرِ أَنْ تَأْتِيَ بِشَاهِدٍ أو تَنْظُرَ في أصل كِتَابٍ لَك أو لِاسْتِثْبَاتٍ أَبْطَلْنَا حَقَّك في الْيَمِينِ وَإِنْ طَلَبْت الْيَمِينَ بَعْدَهَا لم نُعْطِكهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ قد مَضَى بِإِبْطَالِهَا وَإِنْ جِئْت بِشَاهِدٍ آخَرَ أَعْطَيْنَاك بِهِ لِأَنَّا إنَّمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِيمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ فَرْقِ بين الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى له وَالْوَارِثِ وَصَاحِبِ أَصْلِ الْحَقِّ قال وَمِمَّا يُثْبِتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا حَقُّهُ في مَالِ الْمَيِّتِ جُمْلَةً لَا في مَالِهِ الذي يَحْلِفُ عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ لو ظَهَرَ له مَالٌ سِوَى مَالِهِ الذي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ احْلِفْ عليه كان لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ من الْمَالِ الظَّاهِرِ الذي لم يَحْلِفْ عليه وَلَوْ لم يَكُنْ له مَالٌ إلَّا ما حَلَفَ عليه الْغَرِيمُ فَجَاءَ غَرِيمٌ غَيْرُهُ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا من الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ الْآخَرُ وَأَخَذَ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَقَدْ أَعْطَى بِيَمِينِهِ الْحَقَّ وَإِنَّمَا كان له النِّصْفُ وَلَيْسَ هَكَذَا الرَّجُلَانِ يَكُونُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إذَا نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ وَأَخَذَ الْحَالِفُ حَقَّهُ قال وَلَوْ أَقَامَ وَرَثَةُ رَجُلٍ شَاهِدًا على حَقٍّ له وَلَهُ غُرَمَاءُ وَوَصَايَا قِيلَ لِلْوَرَثَةِ احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا فإذا فَعَلُوا فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِهِ منهم وَأَهْلُ الْوَصَايَا يُشْرِكُونَهُمْ في مَالِهِ بِالثُّلُثِ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا أَبْطَلْنَا حِصَّةَ أَهْلِ الْوَصَايَا - * الِامْتِنَاعُ من الْيَمِينِ وَكَيْفَ الْيَمِينُ - *

(6/258)


أَبْطَلْنَا حَقَّك في الْيَمِينِ لَا في الشَّاهِدِ الْآخَرِ وَلَا الْأَوَّلِ قال فَإِنْ قال بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ مُعَامَلَةٌ أو قد حَضَرَنِي وَإِيَّاهُ من أَثِقُ بِهِ فَأَسْأَلُهُ أَمْهَلْتُهُ حتى يَسْأَلَهُ ولم أَقْضِ له بِشَيْءٍ على الْمَشْهُودِ عليه فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ أَبَى أَبْطَلْتُ حَقَّهُ في الْيَمِينِ فَمَتَى طَلَبَ الْيَمِينَ بَعْدُ لم أُعْطِهَا إيَّاهُ لِأَنِّي قد أَبْطَلْتهَا وَمَتَى جاء بِشَاهِدٍ آخَرَ أَعْطَيْته بِهِمَا لِأَنِّي لم أُبْطِلْ الشَّاهِدَ إنَّمَا أَبْطَلْت الْحَقَّ في الْيَمِينِ ( قال ) وإذا كان الْحَقُّ عِشْرِينَ دِينَارًا أو قِيمَتَهَا أو دَمًا أو جِرَاحَةَ عَمْدٍ فيها قَوَدٌ ما كانت أو حَدًّا أو طَلَاقًا حَلَفَ الْحَالِفُ بِمَكَّةَ بين الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ فَإِنْ كان بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كان في بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي مَسْجِدِهَا أو بِبَلَدٍ فَفِي مَسْجِدِهِ وَأُحِبُّ لو حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ وقد كان من حُكَّامِ الْآفَاقِ من يَسْتَحْلِفُ على الْمُصْحَفِ وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَوْقِيتُ عِشْرِينَ دِينَارًا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَحُكَّامِهِمْ فإذا حَلَفَ الرَّجُلُ على حَقِّ نَفْسِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرحمن ( ( ( والرحمن ) ) ) الرَّحِيمُ الذي يَعْلَمُ من السِّرِّ ما يَعْلَمُ من الْعَلَانِيَةِ أَنَّ ما شَهِدَ بِهِ شاهدي ( ( ( شاهدا ) ) ) فُلَانِ بن فُلَانٍ عَلَيْك وهو كَذَا وَكَذَا وَيَصِفُهُ لَحَقٌّ كما شَهِدَ بِهِ وَإِنَّ ذلك لَثَابِتٌ لي عَلَيْك ما قَبَضْته مِنْك وَلَا شيئا منه وَلَا اقْتَضَاهُ لي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي وَلَا شيء ( ( ( شيئا ) ) ) منه وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِي فَوَصَلَ إلَيَّ وَلَا أَبْرَأْتُك منه وَلَا من شَيْءٍ منه وَلَا أَحَلْتنِي بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ منه على أَحَدٍ وَلَا أَحَلْتُ بِهِ عليه وَلَا بَرِئْتُ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَلَا صِرْتُ إلَى ما يُبَرِّئُك منه وَلَا من شَيْءٍ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ إلَى يَوْمِ حَلَفْتُ يَمِينِي هذه فَإِنْ كان اقْتَضَى منه شيئا أو أَبْرَأَهُ من شَيْءٍ حَلَفَ بِمَا وَصَفْت فإذا انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ ما اقْتَضَيْته وَلَا شيئا منه وَلَا اقْتَضَاهُ لي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي قال ما اقتضيت منه إلا كذا وكذا وإن ما بقي لثابت لي عليك ما اقتضيته وَلَا شيئا منه وَلَا اقْتَضَاهُ لي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي وَلَا شيئا منه وَلَا وَصَلَ إلَيَّ وَلَا إلَى غَيْرِي بِأَمْرِي وَلَا كان مِنِّي فيه وَلَا في شَيْءٍ منه ما يَكُونُ لَك بِهِ الْبَرَاءَةُ منه ثُمَّ تُنْسَقُ الْيَمِينُ وَإِنْ حَلَفَ على دَارٍ له في يَدَيْهِ أو عَبْدٍ أو غَيْرِهِ حَلَفَ كما وَصَفْت وقال إنَّ الدَّارَ التي كَذَا وَيَحُدُّهَا لَدَارِي ما بِعْتُكهَا وَلَا شيئا منها وَلَا وَهَبْتهَا لَك وَلَا شيئا منها وَلَا تَصَدَّقْت بها عَلَيْك وَلَا بِشَيْءٍ منها وَلَا على غَيْرِك مِمَّنْ صَيَّرَهَا إلَيْك مِنِّي وَلَا بِشَيْءٍ منها بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَإِنَّهَا لَفِي مِلْكِي ما خَرَجَتْ مِنِّي وَلَا شَيْءٌ منها إلَى أَحَدٍ من الناس أُخْرِجُهَا وَلَا شيئا منها إلَيْك وَإِنَّمَا أَحَلَفْتَهُ على غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْمُحَلَّفِ له لِأَنَّهُ قد يُخْرِجُهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَخْرُجُ ذلك إلَى الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَإِنْ كان الْمُسْتَحْلِفُ ذِمِّيًّا أُحْلِفَ بِاَللَّهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ على مُوسَى وَبِغَيْرِ ذلك مِمَّا يَعْظُمُ الْيَمِينُ بِهِ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ وَلَا يَحْلِفُ بِمَا يَعْظُمُ إذَا جَهِلْنَاهُ وَيَحْضُرُهُ من أَهْلِ دِينِهِ من يَتَوَقَّى هو مَحْضَرَهُ إنْ كان حَانِثًا لِيَكُونَ أَشَدَّ لِتَحَفُّظِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَإِنْ كان الْحَقُّ لِمَيِّتٍ فَوَرِثَهُ الْحَالِفُ حَلَفَ كما وَصَفْت على أَنَّ هذا الْحَقَّ ثَابِتٌ لِفُلَانٍ عَلَيْك ما اقْتَضَيْته مِنْك ثُمَّ يُنْسَقُ الْيَمِينُ كما وَصَفْت وَلَا عَلِمْت فُلَانًا الْمَيِّتَ اقْتَضَاهُ وَلَا شيئا منه مِنْك وَلَا أَبْرَأَك منه وَلَا من شَيْءٍ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَلَقَدْ مَاتَ وإنه لَثَابِتٌ عَلَيْك إلَى يَوْمِ حَلَفْت بِيَمِينِي هذه قال وَلَوْ كانت الْيَمِينُ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ بها أو على رَجُلٍ يَبْرَأُ بها فَبَدَأَ فَحَلَفَ قبل أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ أَعَادَ الْحَاكِمُ عليه الْيَمِينَ حتى تَكُونَ يَمِينُهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ بها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان الْحَقُّ أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا أو قِيمَتِهَا أو كانت جِرَاحَةَ خَطَأٍ أَرْشُهَا أَقَلُّ من عِشْرِينَ أُحْلِفَ في الْمَسْجِدِ أو في مَجْلِسِ الْحُكَّامِ

(6/259)


3 - * باب ما لا يقضى فيه باليمين مع الشاهد وما يقضى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْمَالَ فَأَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ له على حَقِّهِ لم يَحْلِفْ مع الِامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فيه فَالْحُجَّةُ فيه أَنَّ النِّسَاءَ إذَا كُنَّ لَا يُجَزْنَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا مع الرِّجَالِ إلَّا فِيمَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ فَهَاتَانِ امْرَأَتَانِ ليس مَعَهُمَا رَجُلٌ يَشْهَدُ فَإِنْ قال قَائِلٌ مَعَهُمَا رَجُلٌ يَحْلِفُ فَالْحَالِفُ غَيْرُ شَاهِدٍ فَإِنْ قال فَقَدْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ قِيلَ يُعْطَى بها بِالسُّنَّةِ ليس أَنَّهُ شَاهِدٌ وَالرَّجُلُ لَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ لم يَحْلِفْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال امْرَأَتَانِ تَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ قِيلَ إذَا كَانَتَا مع رَجُلٍ وَلَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ لو شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَخَذَهُ كما يَأْخُذُهُ بِشَاهِدَيْنِ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا أَحْسِبُ أَحَدًا يقول بهذا الْقَوْلِ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَقَامَتْ شَاهِدًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا لم تَحْلِفْ مع شَاهِدِهَا وَقِيلَ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِلَّا أَحَلَفْنَاهُ ما طَلَّقَك وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً بولى وَرِضَاهَا وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لم يَمْلِكْ رَقَبَةَ الْمَرْأَةِ كما يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ من وُجُوهِ الْمِلْكِ إنَّمَا أُبِيحَ له منها بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كان مُحَرَّمًا عليه قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ من نَفْسِهَا ما كان الزَّوْجُ يَمْلِكُ منها فَتَقُومُ في نَفْسِهَا مَقَامَ الزَّوْجِ فيها في كل أَمْرِهِ أو في بَعْضِهِ وَالزَّوْجُ نَفْسُهُ لم يَكُنْ يَمْلِكُهَا مِلْكَ الْمَالِ فَهُمَا خَارِجَانِ من مَعْنَى من حَكَمَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا حَكَمَ بها لِمَنْ يَمْلِكُ ما حُكِمَ له بِهِ مِلْكًا يَكُونُ له فيه بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ أو سُلْطَانُ رِقٍّ أو مِلْكٌ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ مِمَّا قد مَلَكَهُ عليه غَيْرُهُ وَمِمَّا يَمْلِكُ هو على غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَكَذَا الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا سُلْطَانُهُ عليها سُلْطَانُ إبَاحَةِ شَيْءٍ كان مُحَرَّمًا قبل النِّكَاحِ وَلَوْ أَقَامَ عَبْدٌ شَاهِدًا على أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ أو كَاتَبَهُ لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ من نَفْسِهِ ما كان سَيِّدُهُ مَالِكَهُ لِأَنَّ سَيِّدَهُ كان له بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَلَيْسَ ذلك لِلْعَبْدِ في نَفْسِهِ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ من الرِّقِّ لِلْعَبْدِ على نَفْسِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِإِنْسَانٍ على غَيْرِهِ فَأَمَّا على نَفْسِهِ فَلَا فإذا كان الْحَقُّ لِلْمَشْهُودِ له في نَفْسِهِ مِثْلَ الْعَبْدِ يُعْتَقُ وَالْمَرْأَةِ تَطْلُقُ وَالْحَدِّ يَثْبُتُ أو يَبْطُلُ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فيه يَمِينٌ مع الشَّاهِدِ من قِبَلِ أَنَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الْحَالِفُ مع شَاهِدِهِ شيئا كان بيد ( ( ( بيده ) ) ) غَيْرُهُ مِمَّا قد يُمْلَكُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من ذلك مَالٌ وَالْمَالُ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ له وَغَيْرُ المقضى عليه بَلْ هو مِلْكُ أَحَدِهِمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْآخَرِ فَالْعَبْدُ الذي يَطْلُبُ أَنْ يُقْضَى له بِالْيَمِينِ على عِتْقِهِ كان إنَّمَا يُقْضَى له بِنَفْسِهِ وهو لَا يَمْلِكُهَا وَنَفْسُهُ لَيْسَتْ كَغَيْرِهِ فَكَانَ هذا خَارِجًا من معني ما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أتى رَجُلٌ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَجُلًا أَشْهَدَهُ أَنَّ له على فُلَانٍ حَقًّا لم يُقْبَلْ إلَّا بِشَاهِدٍ آخَرَ فَإِنْ قال أَحْلِفُ لقد شَهِدَ لي لم يُحَلَّفْ لِأَنَّ حَلِفَهُ على أَنَّهُ شَهِدَ له ليس أَنْ يَحْلِفَ على مَالٍ يَأْخُذُهُ إنَّمَا يَحْلِفُ على أَنْ يُثْبِتَ شَهَادَةَ شَاهِدِهِ وَلَيْسَ الْيَمِينُ على هذا بِالْيَمِينِ
____________________

(7/3)


على الْمَالِ يملك ( ( ( بملك ) ) ) وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى إلَيْهِ أو أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا بِالْوَكَالَةِ شيئا وَمِثْلُ ذلك لو أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ دَارِهِ أو أَرْضَهُ لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ بالزنى لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْحَدِّ شيئا إنَّمَا الْحَدُّ أَلَمٌ على الْمَحْدُودِ لَا شَيْءَ يَمْلِكُهُ الْمَشْهُودُ له على الْمَشْهُودِ عليه وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً على أَنَّهُ جَرَحَهُ جِرَاحَةً عَمْدًا في مِثْلِهَا قَوَدٌ أو قَتَلَ ابْنًا له لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بها الْمَالُ دُونَ التَّخْيِيرِ في الْمَالِ أو الْقِصَاصِ فإذا كان الْقِصَاصُ هو الذي يَثْبُتُ بها فَالْقِصَاصُ ليس بِشَيْءٍ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ على أَحَدٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالْمَالُ يَمْلِكُهُ قِيلَ أَجَلْ وَلَكِنْ ليس يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَ الْقِصَاصَ معه لَا أَنَّ الْمَالَ إذَا حَلَفَ كان له دُونَ الْقِصَاصِ وَلَا الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ فلما كان إنَّمَا لَا يَثْبُتُ له أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وكان الْمَالُ لَا يُمْلَكُ دُونَ الْقِصَاصِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ في الْقِصَاصِ وهو لَا يُمْلَكُ وَلَوْ أَقَامَ عليه شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ له مَتَاعًا من حِرْزٍ يسوي أَكْثَرَ مِمَّا تُقْطَعُ فيه الْيَدُ كان مُخَالِفًا لَأَنْ يُقِيمَ عليه الشَّاهِدُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فَيَحْلِفُ مع شَاهِدِهِ وَيَغْرَمُ السَّارِقُ ما ذَهَبَ له بِهِ وَلَا يُقْطَعُ فَإِنْ قِيلَ ما الفرق ( ( ( فرق ) ) ) بين هذا وَالْقِصَاصِ قِيلَ له في السَّرِقَةِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا شَيْءٌ يَجِبُ لِلَّهِ عز وجل وهو الْقَطْعُ وَالْآخَرُ شَيْءٌ يحب ( ( ( يجب ) ) ) للادميين وهو الْغُرْمُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ صَاحِبِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ قد يَسْقُطُ الْقَطْعُ عنه وَلَا يَسْقُطُ الْغُرْمُ وَيَسْقُطُ الْغُرْمُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ فَإِنْ قال وَأَيْنَ قِيلَ يَسْرِقُ من غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَخْتَلِسُ وَيَنْتَهِبُ ( 1 ) فَيَكُونُ بهذا سَارِقًا فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَكُونُ له شُبْهَةٌ في السَّرِقَةِ فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَسْرِقُ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا من مَنْزِلِهِمَا الذي يَسْكُنَانِهِ فَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ فَإِنْ قال وَأَيْنَ يَسْقُطُ الْغُرْمُ عنه وَيُقْطَعُ قِيلَ يَسْرِقُ السَّرِقَةَ فَيَهَبُهَا له الْمَسْرُوقُ أو يُبَرِّئُهُ من ضَمَانِهَا فَلَا يَكُونُ عليه غُرْمٌ وَيُقْطَعُ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ عنه إنْ سَقَطَ عنه غُرْمُ ما سَرَقَ وفي هذا بَيَانٌ أَنَّ حُكْمَ الْغُرْمِ غَيْرُ حُكْمِ الْقَطْعِ وَأَنَّ على السَّارِقِ حُكْمَيْنِ قد يَزُولُ أَحَدُهُمَا وَيَثْبُتُ الْآخَرُ وَلَيْسَ هَكَذَا حُكْمُ الْجِرَاحِ التي لَا يَجِبُ فيها أَبَدًا مَالٌ إلَّا وَمَعَهُ قِصَاصٌ أو تَخْيِيرٌ بين الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ سَقَطَ الْآخَرُ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ ثُمَّ عَفَاهُ لم يَكُنْ له عَقْلٌ وَإِنْ اخْتَارَ الْعَقْلَ ثُمَّ أَبْرَأَهُ منه لم يَكُنْ له قِصَاصٌ فَهَذَانِ حُكْمَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ من صَاحِبِهِ فَلَا يُشْبِهَانِ الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا من صَاحِبِهِ وَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا إنْ بَطَلَ صَاحِبُهُ وَيُشْبِهُ الشَّهَادَةَ على السَّرِقَةِ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ بِشَاهِدٍ على أَنَّهُ قال امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت غَصَبْت فُلَانًا هذا الْعَبْدَ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ غَصَبَهُ فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْعَبْدِ مع شَاهِدِهِ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ حَنِثَ حتى يَكُونَ معه آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ مع الْيَمِينِ إنَّمَا جَازَ على الْغَصْبِ دُونَ الطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ ليس بِالْغَصْبِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَحْلِفُ بها وَحُكْمُ الايمان غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطَّلَاقِ غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كانت الْجِرَاحَةُ عَمْدًا لَا قَوَدَ فيها بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ عَبْدًا مُسْلِمًا أو يَقْتُلَ ذِمِّيًّا أو مُسْتَأْمَنًا أو يَقْتُلَ بن نَفْسِهِ أو تَكُونَ جِرَاحَةً لَا قَوَدَ فيها مِثْلَ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وما لَا قِصَاصَ فيه فَهَذَا كُلُّهُ لَا قَوَدَ فيه قُبِلَتْ فيه يَمِينُ المدعى مع شَاهِدِهِ فقضى له بِهِ كُلِّهِ ما كان عَمْدًا منه فَفِي مَالِ الْجَانِي وما كان خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَصَابَ بَعْضَ جَسَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ منه فَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أو جَرَحَهُ فَالرَّمْيَةُ الْأُولَى عَمْدٌ وَالْمُصَابُ الثَّانِي خَطَأٌ فَإِنْ كانت الرَّمْيَةُ الْأُولَى لَا قِصَاصَ فيها فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَيَحْلِفَانِ مع شَاهِدِهِمَا وَيُقْضَى في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَرْشِ الْأُولَى
____________________

(7/4)


في مَالِ الرَّامِي وَالثَّانِيَةُ على عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كانت الرَّمْيَةُ الْأُولَى يَجِبُ فيها الْقِصَاصُ في نَفْسٍ كانت لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ الْقَسَامَةُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ ثُمَّ الْقَوْلُ في الرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ مع الشَّاهِدِ في هذا وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الخطأ لَا يَثْبُتُ له شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِهِ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ فلما كانت هذه الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فيها عَمْدٌ فيه قِصَاصٌ لم يَجُزْ في الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْ فيه شيئا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَبْطُلُ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يُقَسِّمَ معه أَوْلِيَاؤُهُ وَيَثْبُتَ لِصَاحِبِ الخطأ بِالْيَمِينِ مع شَاهِدِهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَهِيَ في مِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ من الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ على الْغَصْبِ وَالشَّهَادَةُ عليها وَعَلَى الْغَصْبِ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ على جَارِيَةٍ وَابْنِهَا شَاهِدًا أَنَّهُمَا له حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على أنها له وَابْنَهَا له وُلِدَ منه حَلَفَ أَيْضًا وقضى له بِالْجَارِيَةِ وَكَانَتْ وَابْنُهَا له وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ له بِإِقْرَارِهِ وَشَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَيَمِينِهِ ( قال ) وَلَوْ أَقَامَ شاهدا ( ( ( شاهد ) ) ) بِأَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عليه صَدَقَةً مُحَرَّمَةً موقوفه حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَكَانَتْ الدَّارُ صَدَقَةً عليه كما شَهِدَ شَاهِدُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على أَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عليه صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً وَعَلَى أَخَوَيْنِ له مَوْقُوفَةً فإذا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِهِمْ أو على الْمَسَاكِينِ حَلَفُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ فَمَنْ حَلَفَ ثَبَتَ حَقُّهُ له فَإِنْ قال قَائِلٌ ما بَالُ الرَّجُلِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عليه دَارًا وَعَلَى أَخَوَيْنِ له ثُمَّ على أَوْلَادِهِمْ بَعْدَهُمْ أَحَلَفْته وَأَثْبَتَ حَقَّهُ من الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَوَاهُ ثَبَتَ حَقُّهُمَا وَإِنْ لم يَحْلِفَا لم يَثْبُتْ حَقُّهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّهِ قِيلَ له لِأَنَّا إنما أَخْرَجْنَا الدَّارَ من مِلْكِ من شَهِدَ عليه الشَّاهِدُ بِيَمِينِ من شَهِدَ له فإذا شَهِدَ الشَّاهِدُ لِثَلَاثَةٍ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ منهم أَنْ يَأْخُذَ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ شيئا لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَإِنْ كان من شَيْءٍ وَاحِدٍ فَحَقُّ كل وَاحِدٍ منهم غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ فإذا حَلَفُوا مَعًا فَأُخْرِجَتْ الدَّارُ من مِلْكِ صَاحِبِهَا إلَى مِلْكِ من حَلَفَ فَكَانَتْ بِكَمَالِهَا لِمَنْ حَلَفَ حَيَاتَهُ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فيها لهم وَمَنْ جاء بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وَقَفَتْ عليه إذَا مَاتُوا يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ لهم فيها أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو أَقَامَ شَاهِدًا على رَجُلٍ بِدَارٍ فَحَلَفَ قضى له بها فَإِنْ مَاتَ كانت لِوَارِثِهِ بَعْدَهُ وَلَا يَمِينَ على الْوَارِثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ قد مَضَى فيها بِيَمِينِ الذي أَقَامَ الشَّاهِدُ له وَإِنَّمَا هِيَ مَوْرُوثَةٌ عن الذي حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَإِنْ حَلَفَ أخواه ( ( ( أخوه ) ) ) فَهِيَ عَلَيْهِمَا معه ثُمَّ على من بَعْدَهُمْ وَإِنْ أبي أَخَوَاهُ أَنْ يَحْلِفَا فَنَصِيبُهُ منها وهو الثُّلُثُ صَدَقَةٌ كما شَهِدَ شَاهِدُهُ ثُمَّ نَصِيبُهُ بَعْدُ منها على من تَصَدَّقَ بِهِ أَبُوهُ عليه بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَخَوَيْهِ فَإِنْ قال الَّذِينَ تَصَدَّقَ عليهم بَعْدَ الِاثْنَيْنِ نَحْنُ نَحْلِفُ على ما أبي أَنْ يَحْلِفَ عليه الِاثْنَانِ فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا من قِبَلِ أَنَّهُمْ مَالِكُونَ حين كَانُوا إذَا حَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمْ الذي جَعَلَ لهم مِلْكَهُ إذَا مَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ الْمُتَصَدَّقُ عليهم بِالْيَمِينِ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ تَدُلُّ على أَنَّ هذا مِلْكٌ صَحِيحٌ إذَا أَخْرَجَ الْمُتَصَدِّقُ من مِلْكِهِ أَرْضَهُ صَدَقَةً على أَقْوَامٍ بِعَيْنِهِمْ ثُمَّ على من بَعْدَهُمْ ( 1 ) فملكه ( ( ( فملك ) ) ) الْمُتَصَدَّقُ عليهم ما ملكه ( ( ( ملكهم ) ) ) الْمُتَصَدِّقُ كما مَلَّكَهُمُوهُ فَهَذَا مِلْكٌ صَحِيحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَضَيْنَا بِأَنَّ مِلْكَ الْمُتَصَدِّقِ يَتَحَوَّلُ إلَى مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عليهم كما مَلَّكَهُمْ فَهَذَا تَحْوِيلُ مِلْكِ مَالٍ إلَى مَالِكٍ يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْمَالِ يُبَاعُ ما صَارَ في أَيْدِيهِمْ من غَلَّتِهِ وَيُوهَبُ وَيُورَثُ وَإِنْ كان مَسْكَنًا أَسْكَنُوا فيه من أَحَبُّوا أو أَكْرُوهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ فُلَانًا تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ على فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ من حَدَثَ لِلْمُتَصَدِّقِ من وَلَدٍ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُحَرَّمَةٌ فقال أَحَدُ الْقَوْمِ أنا أَحْلِفُ وَأَبَى الْآخَرَانِ قُلْنَا فإذا حَلَفْت جَعَلْنَا لَك ثُلُثَ هذه الصَّدَقَةِ ثُمَّ كُلَّمَا حَدَثَ مَعَك
____________________

(7/5)


وَلَدٌ وَاحِدٌ وَقَفْنَا له الثُّلُثَ الْآخَرَ الذي ليس في يَدَيْك ثُمَّ إنْ حَدَثَ آخَرُ وَقَفْنَا له الثُّلُثَ الْآخَرَ الذي ليس في يَدَيْك وَلَا يُوقَفُ لِلْحَادِثِ قَبْلَهُ فَإِنْ حَدَثَ آخَرُ نَقَصْنَاك وَكُلَّمَا حَدَثَ وَلَدٌ بَعْدَ الْوَلَدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُوقَفُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ حتى تُسْتَكْمَلَ الدَّارُ انْتَقَصْتَ من حَقِّك وَانْتَقَصَ كُلُّ من كان مَعَك من حُقُوقِهِمْ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ تُصُدِّقَ عَلَيْك فَمَنْ حَلَفَ من الْكِبَارِ كان على حَقِّهِ وَمَنْ بَلَغَ فَحَلَفَ كان على حَقِّهِ وَمَنْ أبي بَطَلَ حَقُّهُ وَتُوقَفُ غَلَّةُ من لم يَبْلُغْ حتى يَبْلُغُوا فَيَحْلِفُوا فَتَكُونَ لهم أو يَأْبُوا فَيَرُدَّ نَصِيبُهُمْ منها على الْمُتَصَدَّقِ عليهم مَعَهُمْ وَإِنْ تَصَدَّقَ على ثَلَاثَةٍ ثُمَّ على من بَعْدَهُمْ فَحَلَفَ وَاحِدٌ كان له الثُّلُثُ وَبَطَلَ الثُّلُثَانِ فَصَارَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكُونُ دَارٌ شَهِدَ عليها أنها كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ مُحَرَّمَةٌ بَعْضُهَا مِيرَاثٌ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ ( 1 ) فَإِنَّهَا لو وُقِفَتْ على عَشَرَةٍ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم الْعُشْرُ فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ وَمَنْ أَبَى لم يَكُنْ له فيها حَقٌّ وما لم يَكُنْ لِأَحَدٍ وَقْفًا كان مِيرَاثًا على الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ ما يُشْبِهُ ذلك قِيلَ عَشَرَةٌ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى لهم بِدَارٍ فَحَلَفَ وَاحِدٌ فَلَهُ عُشْرُهَا فَإِنْ أَبَى التِّسْعَةُ رَجَعَ ما بقى من الدَّارِ مِيرَاثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَصَدَّقَ بها على ثَلَاثَةٍ فَحَلَفَ وَاحِدٌ وأبي اثْنَانِ كان نَصِيبُهُمَا مِيرَاثًا وكان الثُّلُثُ صَدَقَةً على وَاحِدٍ فَإِنْ قال هِيَ صَدَقَةٌ على الثَّلَاثَةِ ثُمَّ على أَبْنَائِهِمْ من بَعْدِهِمْ فَحَلَفَ وَاحِدٌ جَعَلْنَا ثُلُثَهَا له وَأَبَى الِاثْنَانِ فَجَعَلْنَا نَصِيبَهُمَا منها مِيرَاثًا وهو الثُّلُثَانِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُمَا وَلَدَانِ وَمَاتَا وَقَفَ لَهُمَا نَصِيبَهُمَا حتى يَبْلُغَا فَيَحْلِفَا أو يَمُوتَا فَيَحْلِفَ وَارِثُهُمَا فَإِنْ أَبَى وَارِثُهُمَا رُدَّ ما بقى مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُوقَفُ لِلْمَوْلُودِ من يَوْمِ وُلِدَ إذَا مَاتَ أَبُوهُ أو من جُعِلَتْ له الصَّدَقَةُ بَعْدَهُ فَإِنْ وُلِدَ قبل أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ أو من جُعِلَتْ له الصَّدَقَةُ بَعْدَهُ لم يُوقَفْ حَقُّهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ له الْحَقُّ بِمَوْتِهِمَا فَأَمَّا ما كان من غَلَّةٍ قَبْلُ أن يُولَدُ أو يَمُوتُ من قَبْلِهِ فَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ منها شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ له أَنْ يَكُونَ له الْحَقُّ يوم يُولَدُ بَعْدَ مَوْتِ من قَبْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا تَصَدَّقَ على فُلَانٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ما تَنَاسَلُوا هُمْ فيها سَوَاءٌ فَحَلَفَ رَجُلٌ مع شَاهِدِهِ كان له منها بِقَدْرِ عَدَدِ من معه وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ معه فيها عَشَرَةٌ فَيَكُونَ له عشرها ( ( ( عشره ) ) ) فَكُلَّمَا حَدَثَ وَلَدٌ يَدْخُلُ معه في الصَّدَقَةِ نَقَصَ من حَقِّهِ وَوُقِفَ حَقُّ الْمَوْلُودِ حتى يَحْلِفَ فَيَسْتَحِقَّ أو يَدَعَ الْيَمِينَ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ وَيُرَدَّ كِرَاءُ ما وُقِفَ من حَقِّهِ على الَّذِينَ اُنْتُقِصُوا حُقُوقَهُمْ من أَجْلِهِ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ كَأَنَّهُ وَقَفَ لِاثْنَيْنِ حَدَثَا سُدُسَ الدَّارِ وَأَكْرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَا فلم يَحْلِفَا فَأَبْطَلْنَا حُقُوقَهُمَا وَرَدَدْنَا الْمِائَةَ على الْعَشَرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم عشرة فان مَاتَ من الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ قبل بُلُوغِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ في نِصْفِ عُمُرِ اللَّذَيْنِ وُقِفَ لَهُمَا فَإِنْ بَلَغَا فَأَبَيَا الْيَمِينَ فَرُدَّ نَصِيبُهُمَا على من مَعَهُمَا رُدَّ عليه فَأَعْطَى وَرَثَتَهُ ما اسْتَحَقَّ مِمَّا رُدَّ عليه وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَتُرَدُّ الْخَمْسَةُ على التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ وَعَلَى هذا الْحِسَابِ يُعْطَى كُلُّ من مَاتَ قبل بُلُوغِ الصَّبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ بَطَلَ ما وُقِفَ لَهُمَا فَإِنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بها عليه وَعَلَى بَنِي أَبٍ مَعْرُوفِينَ يُحْصَوْنَ فَالْأَمْرُ فيها على ما وَصَفْت تَكُونُ له حِصَّةٌ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ قَلُّوا أو كَثُرُوا وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بها عليه وَعَلَى بَنِي أَبٍ لَا يُحْصَوْنَ أَبَدًا أو على مَسَاكِين وَفُقَرَاءَ فَقَدْ قِيلَ في الْوَصِيَّةِ يُوصَى بها لِفُلَانٍ ولقوم ( ( ( لقوم ) ) ) يُحْصَوْنَ هو كَأَحَدِهِمْ وَقِيلَ فَإِنْ أَوْصَى بها له ولبنى أَبٍ لَا يُحْصَوْنَ أو مَسَاكِين لَا يُحْصَوْنَ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَهُمْ النِّصْفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا أَمْرٌ تَخِفُّ فيه الْمُؤْنَةُ وَيَسْهُلُ فيه الْجَوَابُ في مَسْأَلَتِنَا هذه لو ( ( ( ولو ) ) ) كان يَصِحُّ قِيَاسًا أو خَبَرًا أَعْطَيْنَاهُ النِّصْفَ وَجَعَلْنَا النِّصْفَ على من تُصُدِّقَ بِهِ عليه معه مِمَّنْ لَا يُحْصَى وَلَكِنْ لَا أَرَى الْقِيَاسَ فيها إذَا كانت الصَّدَقَةُ إذَا تُصُدِّقَ بها عليه
____________________

(7/6)


وَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ جَائِزَةً ( 1 ) إلَّا أَنْ يُقَالَ له إنْ شِئْت فَاحْلِفْ فَكُنْ أُسْوَةَ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ حَلَفَ أَعْطَيْنَاهُ ذلك وَأَحْلَفَ من معه في الصَّدَقَةِ ثُمَّ حَاصَّ من قَسَمْنَا عليه فإذا زَادَ الْفُقَرَاءُ بَعْدَ ذلك أو نَقَصُوا حَاصَّهُمْ كَوَاحِدٍ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد قِيلَ إذَا كان شَرَطَ السُّكْنَى سَكَنَ كُلُّ فَقِيرٍ في أَقَلِّ ما يَكْفِيه إنْ كان الْمُتَصَدِّقُ قال يَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِلَا أَنْ يُدْخِلَ عليه من يُضَيِّقُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصَحُّ من هذا الْقَوْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ أَنَّ السُّكْنَى مِثْلُ الْغَلَّةِ فإذا ضَاقَ السَّكَنُ اصْطَلَحُوا أو أَكْرُوا ولم يُؤْثَرْ وَاحِدٌ منهم بِالسَّكَنِ على صَاحِبِهِ وَكُلُّهُمْ فيه شَرَعَ وإذا كانت غَلَّةٌ أو شَيْءٌ فيها بين من الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَلَّ ذلك فَلَا يُعْطَى وَاحِدٌ منهم أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى الْآخَرُ وقد قِيلَ إذَا لم يُسَمِّ فُقَرَاءَ قبيله فَهُوَ على فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ قِيَاسًا على الصَّدَقَاتِ التي يُعْطَاهَا جِيرَانُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ منه الصَّدَقَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ أَقُولُ إذَا كان قَرَابَتُهُ جِيرَانَ صَدَقَتِهِ فَإِنْ جَازَتْ فيها الأثره لِبَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ كانت لِذَوِي قَرَابَةِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ لم يَجِدْ فَجِيرَانُ الصَّدَقَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على رَجُلٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدَهَا فَيَخْرُجَانِ من يَدِهِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَشْهُودِ له الْحَالِفِ وَيَكُونُ الِابْنُ ابْنَهُ وَيَخْرُجُ من رِقِّ الذي هِيَ في يَدَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على رَجُلٍ في يَدَيْهِ عَبْدٌ يَسْتَرِقُّهُ أَنَّهُ كان عَبْدًا له فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَفَ وكان هذا مَوْلًى له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَلَيْسَ يَدْخُلُ في هذا الْعَبْدِ يُقِيمُ شَاهِدًا على سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ هو الذي فيه الْخُصُومَةُ كما وَصَفْت في الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ في الدَّيْنِ الذي يَتَنَازَعُ فيه الْمَشْهُودُ له وَالْمَشْهُودُ عليه لَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَالنَّسَبُ وَالْوَلَاءُ شَيْئَانِ يَصِيرُ لِصَاحِبِهِمَا بِهِمَا مَنْفَعَةٌ في غَيْرِ نَفْسِهِ وَإِنْ كانت لَا تُمْلَكُ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ لِلْخَصْمِ في غَيْرِ نَفْسِهِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ غَيْرِ نَفْسِهِ - * الْخِلَافُ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا في الْيَمِين مع الشَّاهِدِ مع ثُبُوتِهَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْضُ الناس خِلَافًا أَسْرَفَ فيه على نَفْسِهِ فقال لو حَكَمْتُمْ بِمَا لَا نَرَاهُ حَقًّا من رَأْيِكُمْ لم نَرُدَّهُ وَإِنْ حَكَمْتُمْ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ رَدَدْنَاهَا فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ رَدَدْت الذي يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ بِهِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا خِلَافُهُ لِأَنَّهُ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَجَزْت آرَاءَنَا التي لو رَدَدْتهَا كانت أَخَفَّ عَلَيْك في الْمَأْثَمِ قال إنَّهَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ وَنَحْنُ نَرُدُّهَا بِأَشْيَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد جَهَدْت أَنْ أَتَقَصَّى ما كَلَّمُونِي بِهِ في رَدِّ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَكَانَ مِمَّا كَلَّمَنِي بِهِ بَعْضُ من رَدَّهَا أَنْ قال لم تَرْوِهَا إلَّا من حَدِيثٍ مُرْسَلٍ قُلْنَا لم نُثْبِتْهَا بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَإِنَّمَا أَثَبَتْنَاهَا بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وهو ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي لَا يَرُدُّ أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ مثله لو لم يَكُنْ فيها غَيْرُهُ مع أَنَّ معه غَيْرَهُ مِمَّنْ يَشُدُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال منهم قَائِلٌ فَكَيْفَ قُلْتُمْ يُقْضَى بها في الْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا فَجَعَلْتُمُوهَا تَامَّةً في شَيْءٍ نَاقِصَةً في غَيْرِهِ فَقُلْت له لِمَا قال عَمْرُو بن دِينَارٍ وهو حَمَلَهَا قَضَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَمْوَالِ كان هذا مَوْصُولًا في خَبَرِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال جَعْفَرٌ في الحديث في الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مَالٌ وَقَالَهُ من لَقِيت من حَمَلَتِهَا وَالْحُكَّامِ بها قُلْنَا إذَا قِيلَ قضى بها في الْأَمْوَالِ دَلَّ ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على أَنَّهُ لَا يُقْضَى بها في غَيْرِ ما قضى بها فيه لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أَصْلٌ في الْحُقُوقِ فَهُمَا ثَابِتَانِ وَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ أَصْلٌ فِيمَا يُحْكَمُ بها فيه وَفِيمَا كان في مَعْنَاهُ فَإِنْ كان شَيْءٌ يَخْرُجُ من مَعْنَاهُ كان على الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وهو الشَّاهِدَانِ قال
____________________

(7/7)


فَالْعَبْدُ قُلْت له فإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على عَبْدٍ أَنَّهُ له حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ قال فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قُلْت فَلَا يُعْتَقُ قال فما الْفَرْقُ بين الْعَبْدِ يُقِيمُ رَجُلٌ عليه شَاهِدًا وَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ يُقِيمُ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قُلْت الْفَرْقُ الْبَيِّنُ قال وما هو قُلْت أَرَأَيْت أن قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ أَمَا في هذا بَيَانٌ أَنَّ الْمَالَ المقضى بِهِ لِلْمُقِيمِ شَاهِدًا الْحَالِفِ هو ما ليس بالمقضى له وَلَا بالمقضى عليه وَإِنَّمَا هو مَالٌ أَخْرَجَهُ من يَدِي المقضى عليه إلَى يدى المقضى له بِهِ فَمَلَّكَهُ إيَّاهُ كما كان المقضى عليه له مَالِكًا قال بَلَى قُلْت وَهَكَذَا الْعَبْدُ الذي سَأَلْت عنه أَخْرَجَهُ من يَدِي مَالِكِهِ المقضى عليه إلَى مَالِكٍ مقضى له قال نعم قُلْت أَفَلَيْسَ تَجِدُ مَعْنَى الْعَبْدِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ غير مَعْنَى الْمَالِ الذي يَتَنَازَعُ فيه الْمَشْهُودُ له وَالْمَشْهُودُ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَازِعُ في نَفْسِهِ قال إنَّهُ لَيُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ قُلْت وَيُخَالِفُهُ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ من يَدِي مَالِكِهِ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ يَمْلِكُ من نَفْسِهِ ما كان سَيِّدُهُ يَمْلِكُهُ كما كان المقضى عليه يَمْلِكُ الْمَالَ ثُمَّ أُخْرِجَ من يَدِهِ فَمَلَكَهُ المقضى له قال أَجَلْ قُلْت فَكَيْفَ أقضى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في شَيْءٍ مَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى ما قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَإِنَّك تُعْتِقُهُ بِالشَّاهِدَيْنِ قُلْت أَجَلْ وَأَقْتُلُ بِالشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّهُمَا حُكْمٌ مُطْلَقٌ وَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ حُكْمٌ خَاصٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له رَأَيْتُك عِبْت أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ تَامَّةً في بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَيْنِ أَلَيْسَا تَامَّيْنِ في كل شَيْءٍ نَاقِصَيْنِ في الزنى قال بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ وَالِامْرَأَتَيْنِ أَلَيْسَا تَامَّيْنِ في الْأَمْوَالِ نَاقِصَيْنِ في الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا قال بَلَى قُلْت أَرَأَيْت شَهَادَةَ النِّسَاءِ في الِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ أَلَيْسَتْ تَامَّةً حتى يُلْحَقَ بها النَّسَبُ وَفِيهِ عَظِيمٌ من الْأَمْوَالِ وَأَنْ يَكُونَ لِمَنْ شَهِدَتْ له امْرَأَةٌ عِنْدَك أَنَّ فُلَانَةَ وَلَدَتْهُ وَالْمَشْهُودُ عليه يُنْكِرُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ نَسَبُهُ فَيَعْفُو دَمَهُ وَيَرَى بَنَاتِهِ وَيَرِثَ مَالَهُ قال بَلَى قُلْت أرأيت ( ( ( أريت ) ) ) أَهْلَ الذِّمَّةِ أَلَيْسَتْ تَتِمُّ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَك فِيمَا بَيْنَهُمْ على كل شَيْءٍ وَلَوْ شَهِدُوا على مُسْلِمٍ بِفَلْسٍ لم يَجُزْ قال بَلَى قُلْت وَلَوْ شَهِدَتْ لِرَجُلٍ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا على أَحَدٍ بِفَلْسٍ لم يَجُزْ قال بَلَى قُلْت فَأَسْمَعك فِيمَا عَدَا شُهُودَ الزنى من الْمُسْلِمِينَ قد جَعَلْت الشَّهَادَاتِ كُلَّهَا تَامَّةً في شَيْءٍ نَاقِصَةً في غَيْرِهِ وَعِبْت ذلك عَلَيْنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ وَضَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَضَعْنَا حُكْمَ اللَّهِ عز وجل حَيْثُ وَضَعَهُ قال فقال فإذا حَلَّفْتُمْ الرَّجُلَ مع شَاهِدِهِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ رَجُلًا لو كان غَائِبًا عن بَلَدٍ فَشَهِدَ له رَجُلٌ بِحَقٍّ له على رَجُلٍ من وَصِيَّةٍ أَوْصَى له بها مَيِّتٌ أو شَهِدَ لِابْنِهِ بِحَقٍّ وهو يوم شَهِدَ الشَّاهِدُ صَغِيرٌ وَغَائِبٌ أو شَهِدَ له بِحَقِّ ( 1 ) وَلِيِّهِ عَبْدٌ له أو وَكِيلٌ حَلَفَ وهو لَا يَعْلَمُ شَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ أَمْ لَا وهو إنْ حَلَفَ حَلَفَ على ما لَا يَعْلَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْت له لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَحْلِفَ على ما لَا يَعْلَمُ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ من وُجُوهٍ قال وما هِيَ قُلْت أَنْ يَرَى الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ أو يَسْمَعَ بِأُذُنِهِ من الذي عليه الْحَقُّ أو يَبْلُغُهُ فِيمَا غَابَ عنه الْخَبَرُ يُصَدِّقُهُ فَيَسَعُهُ الْيَمِينُ على كل وَاحِدٍ من هذا قال أَمَّا الرُّؤْيَةُ وما سمع من الذي عليه الْحَقُّ فَأَعْرِفُهُ وَأَمَّا ما جاء بِهِ الْخَبَرُ الذي يُصَدِّقُ فَقَدْ يُمْكِنُ فيه الْكَذِبُ فَكَيْفَ يَكُونُ هذا عِلْمًا أُحَلِّفُهُ عليه قال فَقُلْت له الشَّهَادَةُ على عِلْمِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ بها حتى يَسْمَعَهَا من الْمَشْهُودِ عليه أو يَرَاهَا أو الْيَمِينُ قال كُلٌّ لَا يَنْبَغِي إلَّا هَكَذَا وَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَأَوْلَاهُمَا أَنْ لَا يَشْهَدَ منها إلَّا على ما رَأَى أو سمع قُلْت لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَى عن قَوْمٍ أَنَّهُمْ قالوا { وما شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا } وقال { إلَّا من شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قال نعم قُلْت له أَفَيَشْهَدُ الرَّجُلُ على أَنَّ فُلَانًا بن فُلَانٍ وهو غَرِيبٌ لم يَرَ أَبَاهُ قَطُّ قال نعم قُلْت فَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ هذا النَّسَبَ ولم يَسْمَعْ من يَدْفَعُهُ عنه
____________________

(7/8)


وَلَا من شَهِدَ له بِأَنَّ ما قال كما قال قال نعم قُلْت وَيَشْهَدُ أَنَّ هذه الدَّارَ دَارُ فُلَانٍ وَأَنَّ هذا الثَّوْبَ ثَوْبُهُ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَ هذه الدَّارَ أو أُعِيرَهَا وَيُمْكِنُ ذلك في الثَّوْبِ قال وَإِنْ أَمْكَنَ إذَا لم يَرَ مُدَافِعًا له في الدَّارِ وَالثَّوْبِ وكان الْأَغْلَبُ عليه أَنَّ ما شَهِدَ بِهِ كما شَهِدَ وَسِعَتْهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ أَمْكَنَ فيه أَنْ يَكُونَ ليس على ما شَهِدَ بِهِ وَلَكِنْ يَشْهَدُ على الْأَغْلَبِ قُلْت أَرَأَيْت لو اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا وُلِدَ بِالْمَشْرِقِ أو بِالْمَغْرِبِ وَالْمُشْتَرِي بن مِائَةِ سَنَةٍ أو أَكْثَرَ والمشتري بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ بَاعَهُ فَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ تُحَلِّفُ الْبَائِعَ قال أُحَلِّفُهُ لقد بَاعَ الْعَبْدَ بَرِيئًا من الْإِبَاقِ قال فَقُلْت يَحْلِفُ الْبَائِعُ فقال لَك هذا مَغْرِبِيٌّ أو مَشْرِقِيٌّ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ قبل أَنْ يُولَدَ جَدِّي قال وَإِنْ يُسْأَلُ قُلْت وَكَيْفَ تُمْكِنُ الْمَسْأَلَةُ قال كما أَمْكَنَتْك قُلْت وَكَيْفَ يَجُوزُ هذا قال لِأَنَّ الْأَيْمَانَ يَدْخُلُهَا هذا قال أَوَرَأَيْت لو كان الْعَبْدُ وُلِدَ عِنْدَهُ أَمَا كان يُمْكِنُ فيه أَنْ يَأْبَقَ وَلَا يَدْرِي بِهِ قُلْت بَلَى قال فَهَذَا لَا تَخْتَلِفُ الناس في أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ على الْبَتِّ لقد بَاعَ بَرِيئًا من الْإِبَاقِ وَلَكِنْ يَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ على الْبَتِّ وَإِنَّمَا ذلك على عِلْمِهِ قُلْت فَهَلْ طَعَنْت في الْحَالِفِ على الْحَقِّ يَصِيرُ له بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَصِيَّةٌ أو مِيرَاثٌ أو شَيْءٌ يَلِيه عَبْدُهُ أو وَكِيلُهُ غَائِبًا عنه بِشَيْءٍ إلَّا لَزِمَك أَكْثَرُ منه في الشَّهَادَاتِ وَالْأَيْمَانِ قال ما يَجِدُ الناس من هذا بُدًّا وما زَالَ الناس يُجِيزُونَ ما وَصَفْت لَك قُلْت فإذا أَجَازُوا الشَّيْءَ فَلِمَ لم يُجِيزُوا مثله وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِلْمًا يُسْمَعُ عليه الشَّهَادَةُ وَالْيَمِينُ منه قال هذا يَلْزَمُنَا قال فإن مِمَّا رَدَدْنَا بِهِ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا قُلْت لقد قَضَى بها الزُّهْرِيُّ حين ولى فَلَوْ كان أَنْكَرَهَا ثُمَّ عَرَفَهَا وَكُنْت إنَّمَا اقْتَدَيْت بِهِ فيها كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ لها عِنْدَك أَنْ يقضى بها بَعْدَ إنْكَارِهَا وَتَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا غير عَارِفٍ بها وَقَضَى بها مُسْتَفِيدًا عِلْمَهَا وَلَوْ أَقَامَ على إنْكَارِهَا ما كان في هذا ما يُشْبِهُ على عَالِمٍ قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَوَيْت أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنْكَرَ على مَعْقِلِ بن يَسَارٍ حَدِيثَ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ لها الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ وَرَدَّ حَدِيثَهُ وقال بِخِلَافِهِ قال نعم قُلْت وقال بِخِلَافِ حديث بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ مع عَلِيٍّ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وبن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ قال نعم قُلْت وَرَوَيْت عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عَمَّارَ بن يَاسِرٍ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَأَنْكَرَ ذلك عليه وَأَقَامَ عُمَرُ على أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَأَقَامَ على ذلك مع عُمَرَ بن مَسْعُودٍ وَتَأَوَّلَا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } قال نعم قُلْت وَرَوَيْت وَرَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ معه من الناس إلَّا بِلَالٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانَ فَأَغْلَقَهَا عليه وَكُلُّهُمْ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَرِيصٌ على حِفْظِ فِعْلِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَخَرَجَ أسامه فقال أَرَادَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الصَّلَاةَ فيها فَجَعَلَ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَ منها نَاحِيَةً اسْتَدْبَرَ الْأُخْرَى وَكَرِهَ أَنْ يَسْتَدْبِرَ من الْبَيْتِ شيئا فَكَبَّرَ في نَوَاحِيهَا وَخَرَجَ ولم يُصَلِّ فَكَانَ بن عَبَّاسٍ يفتى أَنْ لَا يُصَلَّى في الْبَيْتِ وَغَيْرُهُ من أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ وقال بِلَالٌ صلى فما تَقُولُ أنت قال يُصَلَّى في الْبَيْتِ وَقَوْلُ من قال كان أَحَقُّ من قَوْلِ من قال لم يَكُنْ لِأَنَّ الذي قال كان شاهدا ( ( ( شاهد ) ) ) وَاَلَّذِي قال لم يَكُنْ ليس بِشَاهِدٍ قُلْت وَجَعَلْت حَدِيثَ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ سُنَّةً ولم تُبْطِلْهَا بِرَدِّ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَخِلَافِ بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَزَيْدٍ وَثَبَتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ قال نعم قُلْت وَجَعَلْت تَيَمُّمَ الْجُنُبِ سُنَّةً ولم تُبْطِلْهَا بِرَدِّ عُمَرَ وَخِلَافِ بن مَسْعُودٍ في التَّيَمُّمِ وَتَأَوُّلُهُمَا قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } وَالطُّهُورُ بِالْمَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُوا } قال نعم قُلْت له وَكَذَلِكَ تَقُولُ لو دَخَلْت أنا وَأَنْتَ على فَقِيهٍ أو قَاضٍ فَخَرَجْت فَقُلْت حدثنا كَذَا وَقَضَى بِكَذَا وَقُلْت أنت ما حدثنا وَلَا قَضَى بِشَيْءٍ كان الْقَوْلُ قَوْلِي
____________________

(7/9)


لِأَنِّي شَاهِدٌ وَأَنْتَ مُضَيِّعٌ أو غَافِلٌ قال نعم قُلْت فَالزُّهْرِيُّ لم يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ فَلَوْ أَقَامَ على إنْكَارِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ فيه إذَا كان من أَنْكَرَ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَصْحَابِهِ لَا يَبْطُلُ قَوْلُ من رَوَى الحديث كان الزُّهْرِيُّ إذَا لم يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى بِأَنْ لَا يُوهَنَ بِهِ حَدِيثُ من حَدَّثَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا كان بَعْضُ السُّنَنِ قد يَعْزُبُ عن عَامَّةِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى يَجِدُوهَا عِنْدَ الضَّحَّاكِ بن سُفْيَانَ وَحَمَلِ بن مَالِكٍ مع قِلَّةِ صُحْبَتِهِمَا وَبُعْدِ دَارِهِمَا وَعُمَرُ يَطْلُبُهَا من الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ فَلَا يَجِدُهَا فَإِنْ كان الْحُكْمُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنَّ من حَدَّثَ أَوْلَى مِمَّنْ أَنْكَرَ الحديث فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ فقال لي لقد عَلِمْت ما في هذا حُجَّةٌ قُلْت فَلِمَ احْتَجَجْت بِهِ قال احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَأَنَّ عَطَاءً أَنْكَرَهَا قُلْت وَالزَّنْجِيُّ أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا رَجْعَةَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُذِرَ فيأتى بِشَاهِدٍ وَيَحْلِفُ مع شَاهِدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَطَاءٌ يفتى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فِيمَا لَا يقول بِهِ أَحَدٌ من أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَنْكَرَهَا عَطَاءٌ هل كانت الْحُجَّةُ فيه إلَّا كَهِيَ في الزُّهْرِيِّ وَأَضْعَفُ منها فِيمَنْ أَنْكَرَ ما لم يَسْمَعْ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( 1 ) قال لَا قُلْت لو ثَبَتَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بها أَكَانَ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا وَرَدُّهَا بِالتَّأْوِيلِ قال لَا فَذَكَرْت له بَعْضَ ما رَوَيْنَا فيها وَقُلْت له أَتُثْبِتُ مِثْلَ هذا قال نعم وَلَكِنِّي لم أَكُنْ سَمِعْته قُلْت أَفَذَهَبَ عَلَيْك من الْعِلْمِ شَيْءٌ قال نعم قُلْت فَلَعَلَّ هذا مِمَّا قد ذَهَبَ عَلَيْك وَإِذْ قد سَمِعْته فَصِرْ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْك قال فإنه قد بَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( 2 ) أَنَّ خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ شَهِدَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَأَلْته من أخبره فإذا هو يَأْتِي بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُ فَقُلْت له أَرَأَيْت لو كان خَبَرُك هذا قَوِيًّا وكان خُزَيْمَةُ قد شَهِدَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فَأَحْلَفَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَمْ تَكُنْ خَالَفْت خَبَرَك الذي بِهِ احْتَجَجْت قال وَأَيْنَ خَالَفْته قُلْت أَيَعْدُو خُزَيْمَةُ أَنْ يَكُونَ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ فَهُوَ كما قُلْنَا قال لَا وَلَكِنَّهُ من بَيْنِ الناس يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ قُلْت فَإِنْ جاء طَالِبُ حَقٍّ بِشَاهِدَيْنِ أَتُحَلِّفُهُ مَعَهُمَا قال لَا وَلَكِنْ أُعْطِيه حَقَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ قُلْت له فَهَذِهِ إذًا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُخْرَى خَالَفْتهَا لِأَنَّهُ إنْ كان قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وهو يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَدْ أَحْلَفَ مع شَاهِدَيْنِ وَإِنْ كان قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وهو كَشَاهِدَيْنِ فِيمَا رَوَيْنَا عنه فَقَدْ قَضَى قَضِيَّتَيْنِ خَالَفْتهمَا مَعًا قال فَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَضَى بِالْيَمِينِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ حَقٌّ فَقُلْت له أَفَيَجُوزُ في جَمِيعِ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى فيه بقضيه إمَّا بِإِقْرَارٍ من المدعي عليه أو بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ما أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ أو ما قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِبَيِّنَةٍ وَلَا بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ لَا يَعْلَمُ صِدْقَ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْمُقِرِّ لِأَنَّ هذا لَا يُعْلَمُ إلَّا من جِهَةِ الْوَحْيِ والوحى قد انْقَطَعَ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا قُلْت وما قَضَى بِهِ على ما قَضَى بِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِلَعَلَّ قال نعم قُلْت فَلِمَ أَرَدْت إبْطَالَ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِلَعَلَّ وَقُلْت له وَأُكَلِّمُك على لَعَلَّ أَفَرَأَيْت لو جَاءَك رَجُلٌ يدعى على رَجُلٍ أَلْفًا فَعَلِمْت أنها عليه ثَابِتَةٌ هل تَعْدُو من أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَتَأْخُذَهَا له منه وَلَا تُكَلِّفَهُ شَاهِدًا وَلَا يَمِينًا أو مِمَّنْ لَا يَأْخُذُ بِعِلْمِهِ فَلَا تُعْطِيه إيَّاهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ سِوَاك قال ما أَعْدُو هذا قُلْت له فَلَوْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ من قِبَلِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ما ادَّعَى المدعى حَقٌّ كُنْت خَالَفْته قال فَلَعَلَّ الْمَطْلُوبَ رضي بِيَمِينِ الطَّالِبِ قُلْت وقد عُدْت إلَى لَعَلَّ وَقُلْت أَرَأَيْت لو جَاءَك خَصْمَانِ فرضى الْمَطْلُوبُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ أَكُنْت تُكَلِّفُهُ شَاهِدًا وَتُحَلِّفُهُ
____________________

(7/10)


قال لَا قُلْت وَلَوْ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَالْمَطْلُوبُ يَرْضَى بِيَمِينِهِ لم تُعْطِهِ شيئا قال لَا أُعْطِيه بِيَمِينِهِ مع شَاهِدِهِ شيئا وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِحَقِّهِ أَعْطَيْته قُلْت أنت تُعْطِيه إذَا أَقَرَّ وَلَا تُحَلِّفُ الطَّالِبَ قال نعم قُلْت فَهَذِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى إنْ كانت كما قُلْت خَالَفْتهَا قال فما تَقُولُ أنت في أَحْكَامِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت على الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمُوا بها كما حَكَمَ وَكَذَلِكَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ قال فَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَحْكُمُ من جِهَةِ الْوَحْيِ قُلْت فما حَكَمَ بِهِ من جِهَةِ الْوَحْيِ فَقَدْ بَيَّنَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ ما أَحَلَّ لِلنَّاسِ وَحَرَّمَ وما حَكَمَ بِهِ بين الناس بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَى الظَّاهِرِ حَكَمَ بِهِ قال فما يَدُلُّ على ذلك قُلْت أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلى فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْنَهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له فَقَدْ أَعْلَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الناس أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِمَا يَظْهَرُ له وَأَنَّ اللَّهَ وَلِيَ ما غَابَ عنه وَلْيَسْتَنَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَحْكُمُوا على ما يَظْهَرُ لهم لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ من وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْرِفُ صِدْقَ الشَّاهِدِ أَبَدًا إنَّمَا يَحْكُمُ على الظَّاهِرِ وقد يُمْكِنُ في الشُّهُودِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَلَوْ كان الْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا من جِهَةِ الْوَحْيِ لم يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْرِفُ الْبَاطِنَ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إذَا حَلَّفْتُمْ الْحُرَّ مع شَاهِدِهِ فَكَيْفَ أَحَلَفْتُمْ الْمَمْلُوكَ وَالْكَافِرَ الذي لَا شَهَادَةَ له قُلْت أَرَأَيْت الْحُرَّ الْعَدْلَ إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ قال لَا قُلْت وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ أُحْلِفَ على شَهَادَتِهِ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ تَوَهَّمْت أَنَّا جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ قال لِأَنَّكُمْ أَعْطَيْتُمُوهُ بِيَمِينِهِ فَقَامَتْ مَقَامَ شَاهِدٍ فَقُلْت له أَعْطَيْنَاهُ بِمَا قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهِيَ وَإِنْ أعطى بها كما يُعْطَى بِشَاهِدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى الشَّهَادَةِ قال وَهَلْ تَجِدُ على ما تَقُولُ دَلَالَةً قُلْت نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له أَرَأَيْت إنْ ادَّعَى عليه حق ( ( ( حقا ) ) ) فَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ له بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادَّعَى عليه أَيَبْرَأُ قال نعم قُلْت فَإِنْ حَلَفَ وَلَا بَيِّنَةَ عليه أَيَبْرَأُ قال نعم قُلْت أَفَتَقُومُ يَمِينُهُ بِبَرَاءَتِهِ مِمَّا ادعى عليه مَقَامَ شَاهِدَيْنِ قال نعم في هذا الْمَوْضِعِ قُلْت أَفَيَمِينُهُ شَاهِدَانِ قال لَا وَهُمَا إنْ اجْتَمَعَا في مَعْنَى فَقَدْ يَفْتَرِقَانِ في غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لو حَلَفَ فَأَبْرَأْته ثُمَّ جاء طَالِبُ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ أَبْطَلْت يَمِينَهُ وَأَخَذْت لِصَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ بِشَهَادَتِهِ قُلْنَا فَهَكَذَا قُلْنَا في الْيَمِينِ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بها كما أَعْطَيْنَا بِشَاهِدٍ فَلَيْسَتْ كَالشَّاهِدِ في كل أَمْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه في زَمَانٍ أَهْلُهُ أَهْلُ عَدْلٍ وَإِسْلَامٍ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَلَا أُحَلِّفُ من ادعى عليه من مُشْرِكٍ وَلَا مُسْلِمٍ غَيْرِ عَدْلٍ قال ليس ذلك له وإذا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا فَهُوَ عَامٌّ قُلْنَا وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ لَمَّا قَضَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِطَالِبِ الْحَقِّ كان الْحُرُّ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءً فيها وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ كما يَكُونُونَ سَوَاءً فِيمَا يَقَعُ عليهم من الْأَيْمَانِ فَيَكُونُ خَيْرُ الناس لو كان يَعْرِفُ إذَا ادعى عليه يَحْلِفُ فَيُبَرَّأُ وَالْكَافِرُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَحْلِفَانِ وَيَأْخُذَانِ وَقُلْت له أَرَأَيْت أَهْلَ مَحَلَّةٍ وُجِدَ بين أَظْهُرِهِمْ قَتِيلٌ فَأَقَامَ وَلِيُّهُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ خَطَأً قال فَالدِّيَةُ عليهم قُلْت فَلَوْ لم يُقِمْ شَاهِدَيْنِ أَتُحَلِّفُهُمْ وَتُعْطِيهِمْ الدِّيَةَ قال نعم كما نُعْطِيهِمْ إذَا أتى بِشَاهِدَيْنِ قُلْت فَأَيْمَانُهُمْ بِالْبَرَاءَةِ من دَمِهِ إذَا لم يَكُنْ له شَاهِدَانِ كَشَاهِدَيْنِ لو شَهِدَا عليهم بِقَتْلِهِ فقال لَا فَقُلْت له وَلِمَ وقد أَعْطَيْت بها كما أَعْطَيْت بِالشَّاهِدَيْنِ قال إنَّمَا أُعْطِيت بِالْأَثَرِ قُلْت وَلَا يَلْزَمُك هَا هُنَا حُجَّةٌ قال لَا قُلْنَا فَنَحْنُ أَعْطَيْنَا بِالسُّنَّةِ التي هِيَ أَوْلَى من الْأَثَرِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحُجَّةَ لَزِمَتْنَا قُلْت له فَأَيْمَانُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ كَأَيْمَانِهِمْ لو كَانُوا مُسْلِمِينَ قال نعم قُلْت وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا فَنَكَلَ عن الْيَمِينِ أتعطى الْمُدَّعِي
____________________

(7/11)


حَقَّهُ قال نعم قُلْت أَفَنُكُولُهُ كَشَاهِدَيْنِ لو شَهِدَا عليه قال لَا قُلْت فَقَدْ أَعْطَيْته بِنُكُولِهِ كما تعطى منه بِشَاهِدَيْنِ قال فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه قُلْنَا هذا روى عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَوَاهُ عَمْرُو بن شُعَيْبٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَثَبَّتَهُ وَثَبَّتْنَاهُ بِرِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ خَاصَّةً وَرَوَى بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَرَوَى ذلك عَمْرُو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَوَى ذلك أبو هُرَيْرَةَ وَسَعْدُ بن عُبَادَةَ وبن الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَدْته وهو أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ وَثَبَّتْنَا وَثَبَتَ مَعَنَا الذي هو دُونَهُ وَقُلْت له أَرَأَيْت إذْ حَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الزنى بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ وَجَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وقال اللَّهُ عز وجل { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أَمَا صَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى إجَازَةِ أَرْبَعَةٍ في الزنى وَاثْنَيْنِ في غَيْرِ الزنى ولم يَقُولُوا إن وَاحِدًا مِنْهُمَا نَسَخَ الْآخَرَ وَلَا خَالَفَهُ وَأَمْضُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما جاء فيه قال بَلَى قُلْت فإذا أَجَازَ أَهْلُ الْعِلْمِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ في عُيُوبِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهَا من أَمْرِ النِّسَاءِ بِلَا كِتَابٍ مَضَى فيه وَلَا سُنَّةٍ أَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذا ( ( ( إذ ) ) ) حَدَّ اللَّهُ الشَّهَادَاتِ فَجَعَلَ أَقَلَّهَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا تجوز ( ( ( تجور ) ) ) شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا رَجُلٌ مَعَهُنَّ وَمَنْ أَجَازَهَا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ إذَا كان أَقَلَّ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَاهِدٌ وَيَمِينٌ قال لَا يَجُوزُ إذَا لم يَحْظُرْ الْقُرْآنُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ من شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ نَصًّا ولم تَحْظُرْ ذلك السُّنَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قُلْت وَالسُّنَّةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلْزَمُ أو ما قالت الْفُقَهَاءُ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بَلْ السُّنَّةُ قُلْت فَلِمَ رَدَدْت السُّنَّةَ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَتَأَوَّلْت الْقُرْآنَ ولم تَرُدَّ أَثَرًا بِأَقَلَّ من شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَتَأَوَّلْت عليه الْقُرْآنَ قال ولو ( ( ( وإذا ) ) ) ثَبَتَتْ السُّنَّةُ لم أَرُدَّهَا وَكَانَتْ السُّنَّةُ دَلِيلًا على الْقُرْآنِ قُلْت فَإِنْ عَارَضَك أَحَدٌ بِمِثْلِ ما عَارَضْت بِهِ فقال لَا يَثْبُتُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَلَا عن عُمَرَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ قال إذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَلَيْسَ له هذا قُلْت فَمَنْ رَوَى الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ مِمَّنْ رَوَى عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ ما رَوَيْت أَفَتَرُدُّ القوى وَتَأْخُذُ بِأَضْعَفَ منه وَقُلْت له لَا يَعْدُو الْحُكْمُ بِالشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه فَأَنْتَ تُجِيزُهُ أو لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا ذلك فَأَنْتَ مُخْطِئٌ بِقَوْلِك إنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه وقد بَيَّنَّا بَعْضَ ذلك في مَوَاضِعِهِ وَسَكَتْنَا عن كَثِيرٍ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا بَيَّنَّا اكْتِفَاءً بِمَا بَيَّنَّا عَمَّا لم نُبَيِّنْ وَإِنَّ الْحُجَّةَ لَتَقُومُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * المدعى وَالْمُدَّعَى عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال فما تَقُولُ في الْبَيِّنَةِ على المدعى وَالْيَمِينِ على الْمُدَّعَى عليه أَهِيَ عَامَّةٌ قُلْت لَا وَلَكِنَّهَا خَاصَّةٌ على بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ قال فَإِنِّي أَقُولُ إنَّهَا عَامَّةٌ قُلْت حتى يَبْطُلَ بها جَمِيعُ ما خَالَفْتنَا عليه قال فَإِنْ قُلْت ذلك قُلْت إذًا تَتْرُكُ عَامَّةَ ما في يَدِك قال وَأَيْنَ قُلْت فما الْبَيِّنَةُ التي أَمَرْت أَنْ لَا تُعْطَى بِأَقَلَّ منها قال بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ قُلْت فما تَقُولُ في مولى لي وَجَدْته قَتِيلًا في مَحَلَّةٍ فلم أُقِمْ بَيِّنَةً على أَحَدٍ منهم بِعَيْنِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ قال نُحَلِّفُ منهم خَمْسِينَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ نقضى بِالدِّيَةِ عليهم وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ في ثَلَاثِ سِنِينَ قُلْت فَقَالُوا لَك زَعَمْت أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى مُدَّعٍ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ فَكَيْفَ أَعْطَيْت بِلَا شَاهِدٍ وأحلفتنا ولم تُبَرِّئْنَا فَخَالَفْت في جُمْلَةِ قَوْلِك الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ
____________________

(7/12)


قال لم أُخَالِفْهُمَا وَهَذَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قُلْت أَرَأَيْت لو كان ثَابِتًا عن عُمَرَ لَكَانَ هذا الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وما قال عُمَرُ من أَنَّ الْبَيِّنَةَ على المدعى وَالْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه قال لَا لِأَنَّ عُمَرَ أَعْلَمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ومغنى ( ( ( ومعنى ) ) ) ما قال قُلْت أَفَدَلَّك هذا الْحُكْمُ خَاصَّةً على أَنَّ دَعْوَاكَ أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ تُحَرِّمُ أَنْ يَحُولَ حُكْمٌ عن أَنْ يُعْطَى فيه بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ أو يَحْلِفَ فيه أَحَدٌ ثُمَّ لَا يُبَرَّأُ ليس بِعَامٍّ على جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كما قُلْت قال نعم ليس بِعَامٍّ وَلَكِنِّي إنَّمَا أَخْرَجْت هذا من جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْخَبَرِ عن عُمَرَ قُلْت أَفَرَأَيْتنَا قُلْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِآرَائِنَا أو بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ أَلْزَمُ لنا وَلَك من الْخَبَرِ عن غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ قال لَك أَهْلُ الْمَحَلَّةِ إنَّمَا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى فَلِمَ لَا تُكَلِّفُ هذا بَيِّنَةً وقال الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وقال ذلك عُمَرُ أَفَمُدَّعَى عَلَيْنَا قال كَأَنَّكُمْ قُلْنَا وَكَأَنَّكُمْ ظَنٌّ أو يَقِينٌ هذا وَلِيُّ الْقَتِيلِ لَا يَزْعُمُ أَنَّا قَتَلْنَاهُ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُنَا قَتَلَهُ وَطَرَحَهُ عَلَيْنَا فَكَيْفَ أَحَلَفَتْنَا وَلَسْنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا قال فَأَجْعَلُكُمْ كالمدعي عليهم قُلْنَا فَقَالُوا وَلِمَ تَجْعَلْنَا وولى الدَّمِ لَا يدعى عَلَيْنَا وإذا جَعَلْتنَا أَفَبَعْضُنَا مُدَّعًى عليه أو كُلُّنَا فقال بَلْ كُلُّكُمْ فَقُلْنَا فَقَالُوا فَأَحْلِفْنَا كُلَّنَا فَلَعَلَّ فِينَا من يُقِرُّ فَتَسْقُطُ الْغَرَامَةُ عَنَّا وَتَلْزَمُهُ قال فَلَا أُحَلِّفُكُمْ كُلَّكُمْ إذَا جَاوَزْتُمْ خَمْسِينَ قُلْنَا فَقَالُوا لو ادَّعَى عَلَيْنَا دِرْهَمًا أَتُحَلِّفُنَا كُلَّنَا قال نعم قُلْنَا فَقَالُوا فَأَنْتَ تَظْلِمُ وَلِيَّ الْقَتِيلِ إذَا لم تُحَلِّفْنَا كُلَّنَا وَكُلُّنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا وَتَظْلِمُنَا إذَا أَحَلَفَتْنَا وَلَسْنَا مُدَّعًى عَلَيْنَا وَتَخُصُّ بِالظُّلْمِ خِيَارَنَا وَلَا تَقْتَصِرُ على يَمِينٍ وَاحِدَةٍ على إنْسَانٍ لو كنا اثْنَيْنِ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا أو وَاحِدًا أَحَلَفْتَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنَّمَا الْأَيْمَانُ على كل من حَلَفَ من كان فِيمَا سِوَى هذا عِنْدَك وَإِنْ عَظُمَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَتُحَلِّفُنَا وَتُغْرِمُنَا فَكَيْفَ جَازَ هذا لَك قال رَوَيْتُ هذا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قُلْت فَقَالُوا لَك فإذا رَوَيْتَ أنت الشَّيْءَ عن عُمَرَ أَلَا تَتَّهِمَ الْمُخْبِرِينَ عنه وَتَتْرُكُهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ وَالسُّنَّةِ وما جاء عنه قال لَا يَجُوزُ لي أَنْ أَزْعُمَ أَنَّ الْكِتَابَ وَلَا السُّنَّةَ وَلَا قَوْله يُخَالِفُهُ وَلَكِنِّي أَقُولُ الْكِتَابُ على خَاصٍّ وَالسُّنَّةُ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ قُلْت فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ غَلِطَ من رَوَاهُ عن عُمَرَ لِأَنَّ عُمَرَ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ هو نَفْسُهُ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه قال لَا يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ من أَثِقُ بِهِ وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ عُمَرَ على خَاصٍّ وَهَذَا كما جاء فِيمَا جاء فيه وَأَسْتَعْمِلُ الْأَخْبَارَ إذَا وَجَدْت إلَى اسْتِعْمَالِهَا سَبِيلًا وَلَا أُبْطِلُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ قُلْت فَلِمَ إذَا قُلْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ زَعَمْت أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَامٌّ ثُمَّ قُلْت الْآنَ خَاصٌّ ولم تُجِزْ لنا ما أَجَزْت لِنَفْسِك وَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ قال لَك أَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عن عُمَرَ قال نعم هو ثَابِتٌ فَقُلْت فقال لَك فَقُلْت بِهِ على ما قَضَى بِهِ عُمَرُ ولم تَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ إنْ خَالَفَهُ في أَصْلِ الْجُمْلَةِ وَقَلَّدْت عُمَرَ فيه قال نعم وهو ثَابِتٌ فَقُلْت له فقال لَك خَالَفْت الحديث عن عُمَرَ فيه قال وَأَيْنَ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كَتَبَ في قَتِيلٍ وُجِدَ بين خَيْرَانِ وَوَدَاعَةَ أَنْ يُقَاسَ ما بين الْقَرْيَتَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كان أَقْرَبَ أُخْرِجَ إلَيْهِ منها خَمْسُونَ رَجُلًا حتى يُوَافُوهُ بِمَكَّةَ فَأَدْخَلَهُمْ الْحِجْرَ فَأَحْلَفَهُمْ ثُمَّ قَضَى عليهم بِالدِّيَةِ فَقَالُوا ما وَقَتْ أَمْوَالَنَا أَيْمَانُنَا وَلَا أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا فقال عُمَرُ كَذَلِكَ الْأَمْرُ وقال غَيْرُ سُفْيَانَ عن عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عن الشَّعْبِيِّ قال قال عُمَرُ حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دِمَاءَكُمْ وَلَا يَبْطُلُ دَمُ مُسْلِمٍ قال وَهَكَذَا الْحَدِيثُ قُلْنَا أَفَلِلْحَاكِمِ الْيَوْمَ أَنْ يَرْفَعَ قَوْمًا من مَسِيرَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَعِنْدَهُمْ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ قال لَا وَلَا من مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ قُلْنَا فَقَدْ رَفَعَهُمْ عُمَرُ من مَسِيرَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَعِنْدَهُمْ حُكَّامٌ تَجُوزُ أَحْكَامُهُمْ هُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِمْ من مَكَّةَ قُلْنَا أَفَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْحَاكِمِ يُخْرِجُ خَمْسِينَ رَجُلًا أو إنَّمَا ذلك إلَى وَلِيِّ الدَّمِ يَخْتَارُ منهم خَمْسِينَ رَجُلًا قال بَلْ إلَى
____________________

(7/13)


وَلِيِّ الدَّمِ قُلْنَا فَعُمَرُ إنَّمَا كَتَبَ إلَى الْحَاكِمِ بِرَفْعِ خَمْسِينَ فَرَفَعَهُمْ زَعَمْت ولم يَجْعَلْ رَفْعَهُمْ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ ولم يَأْمُرْهُ بِتَخَيُّرِهِمْ فَيَرْفَعهُمْ الْحَاكِمُ بِاخْتِيَارِ الولى قُلْنَا أو لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ في الْحِجْرِ قال لَا وَيُحَلِّفُهُمْ حَيْثُ يَحْكُمُ قُلْنَا فَعُمَرُ لَا يَحْكُمُ في الْحِجْرِ وقد أَحَلَفَهُمْ فيه قُلْنَا أو لِلْحَاكِمِ لو لم يَحْلِفُوا أَنْ يَقْتُلَهُمْ قال لَا قُلْنَا فَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ يَقْتُلُهُمْ لو لم يَحْلِفُوا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ تُخَالِفُ فيها عُمَرُ لَا مُخَالِفَ لِعُمَرَ فيها من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدٌ عَلِمْته خَالَفَهُ فيها وَتُقْبَلُ عنه حُكْمًا يُخَالِفُ بَعْضَ حُكْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقَسَامَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَجْعَلْ على يَهُودَ دِيَةً وقد وُجِدَ عبد اللَّهِ بن سَهْلٍ بَيْنَهُمْ أَفَتَأْخُذُ بِبَعْضِ ما رَوَيْت عن عُمَرَ وَلَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُخَالِفٌ وَتَتْرُكُ ما رَوَيْت عنه مِمَّا لَا مُخَالِفَ له عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن غَيْرِهِ من أَصْحَابِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ من قَوْلِك هذا قال أَفَثَابِتٌ هو عِنْدَك قُلْت لَا إنَّمَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عن الحرث الْأَعْوَرِ والحرث ( ( ( والحارث ) ) ) الْأَعْوَرُ مَجْهُولٌ وَنَحْنُ نروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ فلما لم يَحْلِفُوا قال أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فإذا قال أَفَتُبَرِّئُكُمْ لَا يَكُونُ عليهم غَرَامَةٌ وَلَمَّا لم يَقْبَلْ الْأَنْصَارِيُّونَ أَيْمَانَهُمْ وَدَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَجْعَلْ على الْيَهُودِ وَالْقَتِيلُ بين أَظْهُرِهِمْ شيئا وَيُرْوَى عن عُمَرَ أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعَى عليهم ثُمَّ رَدُّوا الْأَيْمَانَ على الْمُدَّعِينَ وَهَذَانِ جميعا يُخَالِفَانِ ما رَوَيْتُمْ عنه وَقُلْت له إذْ زَعَمْت أَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ على أَنْ لَا يُقْبَلَ أَقَلُّ من شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنْ لَا يُعْطَى أحدا ( ( ( أحد ) ) ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ فما تَقُولُ في رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ ما وَلَدْت هذا الْوَلَدَ منى وَإِنَّمَا استعرتيه لِيَلْحَقَ بِي نَسَبُهُ قال إنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَلْحَقْته بِهِ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَهَا قُلْت وَكَذَلِكَ عُيُوبُ النِّسَاءِ وَالْوِلَادِ تُجِيزُ فيه شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قال نعم قُلْت فَعَمَّنْ رَوَيْت هذا الْقَوْلَ قال عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بَعْضُهُ قُلْت أَفْيَدُ لَك هذا على أَنَّ ما زَعَمْت من أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ على أَنْ لَا يُقْبَلَ أَقَلُّ من شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالسُّنَّةُ ليس كما ادَّعَيْت قال نعم وقد أَعْطَيْتُك هذا قبل هذا في الْقَسَامَةِ وَلَكِنْ في هذا عِلَّةٌ أُخْرَى قُلْت وما هِيَ قال إنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا وَضَعَ حُدُودَهُ على ما يَحِلُّ فَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَنْظُرَا إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ تَلِدُ لِيَشْهَدَا لها بِذَلِكَ كَانَا بِذَلِكَ فَاسِقَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قُلْت فَهَلْ في الْقُرْآنِ اسْتِثْنَاءٌ إلَّا ما لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ قال لَا قُلْت فَقَدْ خَالَفْت في أَصْلِ قَوْلِك الْقُرْآنَ قُلْت أَفَرَأَيْت شُهُودَ الزنى إذَا كَانُوا يُدِيمُونَ النَّظَرَ وَيَرْصُدُونَ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ يَزْنِيَانِ حتى يُثْبِتُوا ذلك يَدْخُلُ منه دُخُولَ الْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ فَيَرَوْنَ الْفَرْجَ وَالدُّبُرَ وَالْفَخِذَيْنِ وَغَيْرَ ذلك من بَدَنِهِمَا ( 1 ) إلَى ما لَا يَحِلُّ لهم نَظَرُهُ أَمْ إلَى ما يَحْرُمُ عليهم قال بَلْ إلَى ما يَحْرُمُ عليهم قُلْت فَكَيْفَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمْ قال أَجَازَهَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قُلْت فَإِنْ كان عُمَرُ بن الْخَطَّابِ يُجِيزُ شَهَادَةَ من نَظَرَ إلَى ما يَحْرُمُ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ لِيَشْهَدَ لَا لِيَفْسُقَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّك تَرُدُّ شَهَادَةَ من نَظَرَ إلَى ما يَحْرُمُ عليه لِيَشْهَدَ وَفَسَّقْته قال ما أَرُدُّهَا قُلْت قد زَعَمْت ذلك أَوَّلًا فَانْظُرْ فَإِنْ كانت امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ صَالِحَةٌ عِنْدَ فَاسِقٍ فقالت هو يُنْكِرُ وَلَدِي فَيُقَلِّدُنِي وَوَلَدِي عَارًا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لَا يُجِيزَانِ أَقَلَّ من شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَجْلِسْ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ من خَلْفِ الْبَابِ وَالنِّسَاءُ مَعِي فإذا خَرَجَ رَأْسُ وَلَدِي كَشَفْنَنِي لِيَرَوْا خُرُوجَهُ مِنِّي فَيَلْحَقُ بِأَبِيهِ فَهَذَا نَظَرٌ لِنُثْبِتَ بِهِ شَهَادَةً لي وَلِلْمَوْلُودِ وهو من حُقُوقِ الناس وَأَنْتَ تُشَدِّدُ في حُقُوقِ الناس وَلَيْسَ هذا بِنَظَرٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ الشَّاهِدَانِ بَلْ هو نَظَرٌ يَقْذُرَانِهِ وَنَظَرُ شُهُودِ الزنى يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَنَّهُ أَطْوَلُ من نَظَرِهِمَا إلَى وِلَادَتِي وَأَعَمُّ لِعَامَّةِ الْبَدَنِ وَأَنَّهُ نَظَرُ لَذَّةٍ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ وَيَدْعُو إلَيْهَا فَأَجِزْ هَؤُلَاءِ كما أَجَزْت شَهَادَةَ شُهُودِ الزنى وَارْدُدْ شَهَادَةَ شُهُودِ الزنى فَهُمْ أَوْلَى أَنْ يُرَدُّوا إذَا كان ذلك يَجُوزُ
____________________

(7/14)


لِقَوْلِك إنَّ من نَظَرَ إلَى ما يَحْرُمُ عليه فَهُوَ بِذَلِكَ فَاسِقٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا كان حَدًّا لِلَّهِ عز وجل وَأَنْتَ تَدْرَأُ حَدَّ اللَّهِ بِالشُّبُهَاتِ وَتَأْمُرُ بِالسِّتْرِ على الْمُسْلِمِينَ قال لَا أَرُدُّ هَؤُلَاءِ لو شَهِدُوا وَلَا أُكَلِّفُك هذا قُلْت فَقَدْ خَالَفْت ما قُلْت أَوَّلًا من أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَمِمَّا ادَّعَيْت في السُّنَّةِ وما احْتَجَجْت بِهِ من أَنَّ هذا مُحَرَّمٌ على الناس أَنْ يَشْهَدُوا فيه وَقُلْت أَرَأَيْت اسْتِهْلَالَ الْمَوْلُودِ ( 1 ) لم تُقْبَلْ عليه شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَالرِّجَالُ يَرَوْنَهُ قال قَبِلْتهَا على ما قُلْت أو لا قُلْت أَفَلَا تَدَعُ ذلك بِمَا ادَّعَيْت في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قال لَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ قُلْت فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بهذا وَبِالْقَتِيلِ يُوجَدُ في الْمَحَلَّةِ خَاصٌّ قال نعم قُلْت لَا تَحْتَجَّ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَرَّةً وَتَقُولُ أُخْرَى هو خَاصٌّ وَقُلْت له أَرَأَيْت الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ يَتَدَاعَيَانِ مَتَاعَ الْبَيْتِ لِمَ لم تَحْكُمْ فيه بِأَنْ تَجْعَلَهُ لِلَّذِي له الْبَيْتُ أو لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا أَلْزَمُ لِلْبَيْتِ وَتَجْعَلُ الزَّوْجَ مُدَّعِيًا أو الْمَرْأَةَ وَتُكَلِّفُ أَيَّهمَا جَعَلْت مُدَّعِيًا الْبَيِّنَةَ أو تَجْعَلُهُ في أَيْدِيهِمَا فَتُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ فَنُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ هذا فَتُعْطِيهَا على غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا مَعْنَى لِكَيْنُونَةِ الشَّيْءِ في أَيْدِيهِمَا فَتَجْعَلُ مَتَاعَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ وَمَتَاعَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ وما يَصْلُحُ لَهُمَا مَعًا بَيْنَهُمَا وقد يَمْلِكُ الرَّجُلُ مَتَاعَ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ مَتَاعَ الرِّجَالِ أو رأيت ( ( ( أورأيت ) ) ) الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ الْجِدَارَ مَعًا لِمَ لم تَجْعَلْهُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ نَقُولُ نَحْنُ وَلِمَ جَعَلْته لِمَنْ يَلِيه مُعَاقَدُ الْقِمْط وَأَنْصَافُ اللَّبَن فَتَقُولُ هذا كَالدَّلَالَةِ على أَنَّ من يَلِيه مُعَاقِدُ الْقِمْطِ وَأَنْصَافُ اللَّبَنِ مَالِكٌ لِلْجِدَارِ وقد يبنى الرَّجُلُ الْجِدَارَ بِنَاءً مُخْتَلِفًا وقد يَكُونَانِ اقْتَسَمَا الْمَنْزِلَ فلم يَعْتَدِلْ الْقَسْمُ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَا هذا الْجِدَارَ لِمَنْ ليس إلَيْهِ مُعَاقِدُ الْقِمْطِ وَأَنْصَافُ اللَّبَنِ وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا اشْتَرَاهُ هَكَذَا أو رَأَيْت الرَّجُلَ يَتَكَارَى من رَجُلٍ بَيْتًا فَيَخْتَلِفَانِ في رِفَافِ الْبَيْتِ وَالرِّفَافُ بِنَاءٌ فَلِمَ لم تَجْعَلْ الْبِنَاءَ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ زَعَمْت أنت أَنَّ الرِّفَافَ إنْ كانت ثَابِتَةً في الْجِدَارِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِنْ كانت مُلْتَصِقَةً فَهِيَ لِلسَّاكِنِ وقد يبنى صَاحِبُ الْبَيْتِ رِفَافًا مُلْتَصِقَةً ويبنى السَّاكِنُ رِفَافًا فَيَحْفِرُ لها في الْجِدَارِ فَتَصِيرُ فيه ثَابِتَةً وَأَعْطَيْت في هذا كُلِّهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَاسْتَعْمَلْت فيه أَضْعَفَ الدَّلَالَةِ ولم تَعْتَمِدْ فيه على أَثَرٍ ثَابِتٍ وَلَا إجْمَاعٍ من الناس ثُمَّ لم تَنْسِبْ نَفْسَك إلَى خِلَافِ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ وَإِنْ كان قَوْلُ اللَّهِ عز وجل فيه { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } مُحَرَّمًا أَنْ يعطى أَحَدٌ بِأَقَلَّ من هذا فَقَدْ أَعْطَيْته بِأَقَلَّ من هذا وَخَالَفْته بِلَا عُذْرٍ وَخَالَفْت ما ادَّعَيْت من أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ على أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فيه وفي غَيْرِهِ مِمَّا هذا كَافٍ منه وَمُبَيَّنٌ عَلَيْك تَرْكُك قَوْلَك فيه قال فإنه بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ على الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَأَنَا قُلْته وَإِنْ خَالَفَهُ فلم أَقُلْهُ فَقُلْت له فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمَعْرُوفُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا خِلَافُ هذا وَلَيْسَ يُعْرَفُ ما أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا وَفَرْضًا وَأَدَبًا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا إلَّا بِسُنَّتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ فَيَكُونُ الْكِتَابُ بِحُكْمِ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةُ تُبَيِّنُهُ قال وما دَلَّ على ذلك قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وما آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا } فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ الرَّسُولَ قد يُسِنُّ وَفَرَضَ اللَّهُ على الناس طَاعَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال حدثني سَالِمٌ أبو النَّضْرِ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن أبيه قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ يَأْتِيه الْأَمْرُ من أَمْرِي مِمَّا نَهَيْت عنه أو أَمَرْت بِهِ فيقول ما نَدْرِي ما وَجَدْنَاهُ في كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له لو كان هذا الْحَدِيثُ الذي احْتَجَجْت بِهِ ثَابِتًا كُنْت قد تَرَكْته فِيمَا وَصَفْنَا وَفِيمَا سَنَصِفُ بَعْضَ ما يَحْضُرُنَا منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقال لي بَعْضُ
____________________

(7/15)


من يُخَالِفُنَا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال اللَّهُ عز وجل { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَقَلَّ من هذا فَقُلْت له لَمَّا لم يَكُنْ في التَّنْزِيلِ أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ وكان التَّنْزِيلُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ تَامَّيْنِ في غَيْرِ الزنى وَيُؤْخَذُ بِهِمَا الْحَقُّ لِطَالِبِهِ وَلَا يَمِينَ عليه ثُمَّ وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُجِيزُ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَوَجَدْت الْمُسْلِمِينَ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ أَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ وَيُعْطُونَ بها دَلَّتْ السُّنَّةُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ على أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } ليس مُحَرَّمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَنَحْنُ نَسْأَلُك فَإِنْ قُلْت بِمِثْلِ قَوْلِنَا لَزِمَك أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ خَالَفْته لَزِمَك أَنْ تَتْرُكَ عَامَّةَ قَوْلِك وأن تَبَيَّنَ لَك أَنَّ ما قُلْت من هذا وَنَجَلْتنَا على غَيْرِ ما قُلْت وَأَنَّك أَوْلَى بِمَا نَجَلْتنَا من الخطأ في الْقُرْآنِ مِنَّا قال فَسَلْ فَقُلْت حُدَّ لي كُلَّ حُكْمٍ في { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } قال أَنْ يَجُوزَ فَيُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ بِغَيْرِ يَمِينٍ من الطَّالِبِ قُلْت وَمَاذَا قال وَفِيهِ تَحْرِيمٌ أَنْ يُؤْخَذَ الْحَقُّ بِأَقَلَّ منه قُلْت وما الشَّاهِدَانِ من رِجَالِنَا قال حُرَّانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ قُلْت له فَالِاثْنَانِ ذَوَيْ عَدْلٍ كما وَصَفْت يَجُوزَانِ وَمُحَرَّمٌ أَنْ يَجُوز إلَّا ما زَعَمْت وَوَصَفْت أَنَّهُمْ شَرَطُوا في الْكِتَابِ قال نعم قُلْت فَلِمَ أَجَزْت أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْآيَتَانِ بَيِّنَتَانِ أَنَّهُمَا في الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا قُلْت ( 1 ) في الْأَحْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً بِتَأَوُّلٍ وَنَحْنُ بِالْآيَتَيْنِ لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا فقال لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وقال الْقُرْآنُ يَدُلُّ على ما قُلْتُمْ وَأَقَامَ أَكْثَرُهُمْ على إجَازَتِهَا فَقُلْت له لو لم يَكُنْ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ فِيمَا ادَّعَيْتُمْ في الْآيَتَيْنِ إلَّا إجَازَةُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ ليس لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوا على أَحَدٍ ما قُلْتُمْ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَكُنْتُمْ أَوْلَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ ما تَأَوَّلْتُمْ من غَيْرِكُمْ قال فَإِنَّمَا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِآيَةٍ أُخْرَى قُلْنَا وما هِيَ قال قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { حين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ } فَقُلْت له أناسخه هذه الْآيَةُ عِنْدَك { واستشهدوا ( ( ( ل ) ) ) شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } أو مَنْسُوخَةٌ بها قال لَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَةٍ وَلَكِنْ كُلٌّ فِيمَا نَزَلَ فيه قُلْت فَقَوْلُك إذًا لَا يَجُوزُ إلَّا الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ ليس كما قُلْت قال فَأَنْتَ تَقُولُ بهذا قُلْت لَسْت أَقُولُ بِهِ بَلْ سَمِعْت من أرضي يقول فيه غير ما قُلْت قال فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ في الْمُشْرِكِينَ فَقُلْت فَقُلْ هِيَ في جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ كُلَّهُمْ مُشْرِكٌ وَأُجِزْ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ قال لَا قُلْت فَمَنْ قال هِيَ في أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً أَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ أُجِيزَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لم يُبَدِّلُوا كِتَابًا إنَّمَا وَجَدُوا آبَاءَهُمْ على ضَلَالٍ فَتَبِعُوهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قد بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا هذا من عِنْدِ اللَّهِ فلما بَانَ لنا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ عَمَدُوا الْكَذِبَ على اللَّهِ لم تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةً فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ وَإِذْ كنا نُبْطِلُ الشَّهَادَةَ بِالْكَذِبِ على الْآدَمِيِّينَ كَانُوا هُمْ أَوْلَى فماذا ( ( ( فإذا ) ) ) تَقُولُ له ما أَعْلَمُهُ إلَّا أَحْسَنَ مَذْهَبًا وَأَقْوَى حُجَّةً مِنْك قُلْت له أَفَتُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ على وَصِيَّةِ مُسْلِمً الْيَوْم كما زَعَمْت أنها في الْقُرْآنِ قال لَا قُلْت وَلِمَ قال هِيَ مَنْسُوخَةٌ قُلْت بِمَاذَا قال بِقَوْلِهِ { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قُلْت وما نُسِخَ لم يُعْمَلْ بِهِ وَعُمِلَ بِاَلَّذِي نَسَخَهُ قال نعم قُلْت فَقَدْ زَعَمْت بِلِسَانِك أَنَّك خَالَفْت الْقُرْآنَ إذْ زَعَمْت أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا مُسْلِمٌ وَأَجَزْت كَافِرًا وإذا نُسِخَتْ فِيمَا زَعَمْت أنها نَزَلَتْ فيه أَفَتَثْبُت في غَيْرِ ما نَزَلَتْ فيه قال لَا قُلْت فما الْحُجَّةُ في إجَازَةِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قال إنَّ شُرَيْحًا أَجَازَهَا فَقُلْت له أنت تَزْعُمُ أنها مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أو { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ تُخَالِفُ هذا قال فإن شُرَيْحًا أَعْلَمُ مِنِّي قُلْت فَلَا تَقُلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ إذَا قال فَهَلْ يُخَالِفُ شُرَيْحًا غَيْرُهُ قُلْت نعم
____________________

(7/16)


سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ وبن حَزْمٍ وَغَيْرهمَا وفي كِتَابِ اللَّهِ الْحُجَّةُ التي هِيَ أَقْوَى من هذا وَقُلْت له تُخَالِفُ أنت شُرَيْحًا فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا له فيه مُخَالِفٌ مِثْلُهُ قال إنِّي لَأَفْعَلُ قُلْت له وَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ على الْكِتَابِ وَعَلَى ما له فيه مُخَالِفٌ وَأَنْتَ تَدَعُ قَوْلَهُ لِرَأْيِ نَفْسِك فقال أَجَزْت شَهَادَتَهُمْ لِلرِّفْقِ بِهِمْ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ إنْ لم نُجِزْ شَهَادَتَهُمْ بَيْنَهُمْ فَقُلْت له نَحْنُ لم نُبْطِلْ حُقُوقَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ لهم حُكَّامٌ لم يَزَالُوا يَتَرَاضَوْنَ بِهِمْ لَا نَدْخُلُ في أَمْرِهِمْ فَإِنْ أَرَادُوا دُخُولَنَا في أَحْكَامِهِمْ لم نَدْخُلْ إلَّا بِمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ من إجَازَةِ شَهَادَةِ من أَمَّرْنَا من الْمُسْلِمِينَ وَقُلْت له أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت بِالرِّفْقِ بِهِمْ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ فَالرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ أوجب ( ( ( يلتعن ) ) ) أو الرِّفْقُ بِهِمْ ( قال ) بَلْ الرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ قُلْت له ما تَقُولُ في عَبِيدٍ عُدُولٍ مَأْمُونِينَ كَانُوا بِمَوْضِعٍ في صِنَاعَةٍ أو على حِفْظِ مَالٍ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ في دَمٍ أو مَالٍ قال لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت فما تَقُولُ في أَهْلِ الْبَحْرِ وَالْأَعْرَابِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ إذَا لم نَجِدْ من يَعْدِلُهُمْ من أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ في دَمٍ أو مَالٍ قال لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت فإذا لم تُجِزْهَا بَطَلَتْ حُقُوقُهُمْ بَيْنَهُمْ ( قال ) وَإِنْ بَطَلَتْ فَأَنَا لم أُبْطِلْهَا وَإِنَّمَا أَمَرْت بِأَخْذِ الْحَقِّ بِالْعُدُولِ الْأَحْرَارِ فإذا كَانُوا عُدُولًا غير أَحْرَارٍ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ أو كَانُوا أَحْرَارًا لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ قُلْت وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مُؤْمِنِينَ قال نعم قُلْت فَقَدْ نَقَصَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَعْظَمَ الشُّرُوطِ الْإِيمَانُ وَأَجَزْت شَهَادَتَهُمْ وَنَقَصَ الْعَبِيدُ وَالْأَحْرَارُ أَقَلَّ الشُّرُوطِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمْ وَفِيهِمْ شَرْطَانِ وَلِمَ إذَا اعْتَلَلْت بِالرِّفْقِ بِهِمْ لم تَرْفُقْ بِالْمُسْلِمِينَ فَتُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ فَالْعَبِيدُ الْعُدُولُ لو عَتَقَ أَحَدُهُمْ الْيَوْمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لو أَسْلَمُوا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ حتى نَخْتَبِرَ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَطُولُ وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِأَنْ نَرْفُقَ بِهِمْ وَنَحْتَاطَ لهم في أَنْ لَا نُبْطِلَ حُقُوقَهُمْ من الْمُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فما زَادَ على أَنْ قال هَكَذَا قال أَصْحَابُنَا وَقُلْت أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم ) ) ) وَأَرْجُلِكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } أَلَيْسَ بَيَّنَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بِأَنْ فَرَضَ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ أو مَسْحَهُمَا قال بَلَى قُلْت لِمَ مَسَحْت على الْخُفَّيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ من تَرَكَ الْمَسْحَ على الْخُفَّيْنِ وَيُعَنِّفُ من مَسَحَ قال ليس في رَدِّ من رَدَّهُ حُجَّةٌ وإذا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لم يَضُرَّهُ من خَالَفَهُ وَقُلْت وَنَعْمَلُ بِهِ وهو مُخْتَلَفٌ فيه كما نَعْمَلُ بِهِ لو كان مُتَّفَقًا عليه وَلَا نَعْرِضُهُ على الْقُرْآنِ قال لَا بَلْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ عز وجل قُلْنَا فَلِمَ لَا تَقُولُ بهذا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُخَالِفُ فيه الحديث وَتُرِيدُ إبْطَالَ الحديث الثَّابِتِ بِالتَّأْوِيلِ وَبِأَنْ تَقُولَ الْحَدِيثُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال اللَّهُ عز وجل { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال بَعْضُ الْخَوَارِجِ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِك في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ يُقْطَعُ كُلُّ من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ قَلَّتْ سَرِقَتُهُ أو كَثُرَتْ وَيُجْلَدُ كُلُّ من لَزِمَهُ اسْمُ الزنى مَمْلُوكًا كان أو حُرًّا مُحْصَنًا أو غير مُحْصَنٍ وَزَعَمْت أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه جَلَدَ الزَّانِي وَرَجَمَهُ فَلِمَ رَغِبْت عن هذا قال جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَدُلُّ على أَنْ لَا يُقْطَعُ إلَّا من سَرِقَ من حِرْزٍ وَمَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ شيئا مُوَقَّتًا دُونَ غَيْرِهِ وَرَجَمَ مَاعِزًا ولم يَجْلِدْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ قُلْت له وَهَلْ جاء هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِحَدِيثٍ كَحَدِيثِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فما اسْتَطَاعَ دَفْعَ ذلك وَذَكَرْت له أَمْرَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا وما وَرَّثَ اللَّهُ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ وَالزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ فَقُلْت له فَلِمَ قُلْت إذَا كان الْأَبُ كَافِرًا أو مَمْلُوكًا
____________________

(7/17)


أو قَاتِلًا عَمْدًا أو خَطَأً لم يَرِثْ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ قال جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ قُلْت فَهَلْ روى عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ أَنَّهُمْ قالوا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وقال بَعْضُهُمْ كما تَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ كما لَا تَحِلُّ لهم نِسَاؤُنَا فَلِمَ لم تَقُلْ بِهِ قال ليس في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْطَعُ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا وَإِنْ قال لَك قَائِلٌ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قال مَخْرَجُ الْقَوْلِ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامٌّ فَهُوَ على الْعُمُومِ وَلَا نَزْعُمُ أَنَّ وَجْهًا لِتَفْسِيرِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلُ غَيْرِهِ ثُمَّ قَوْلُ من لم يَحْتَمِلْ ذلك الحديث الْمُفَسَّرِ وقد يَكُونُ لم يَسْمَعْهُ قُلْنَا هذا كما قُلْت الْآنَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ قال بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قُلْنَا فَقَدْ قُلْنَا لَك إنْ احْتَجَّ عَلَيْك بِقَوْلِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فَقُلْت ليس فيه حُجَّةٌ فَإِنْ لم تَكُنْ فَلَيْسَتْ في حُجَّتِك بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالي عنه حُجَّةٌ وَإِنْ كانت فيه حُجَّةٌ فَقَدْ خَالَفْتهَا مع أَنَّ هذا غَيْرُ ثَابِتٍ عن عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْكُمْ وَقُلْت له حَدِيثُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَثْبَت عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من حديث لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ فَثَبَتّه وَرَدَدْت قَضَاءَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ وهو أَصَحُّ منه وَقُلْت له في الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ قَاتِلٌ من قَتْلٍ حَدِيثٌ يَرْوِيه عَمْرُو بن شُعَيْبٍ مُرْسَلًا وَعَمْرُو بن شُعَيْبَ يروى مُسْنَدًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال يَرِثُ قَاتِلُ الخطأ من الْمَالِ وَلَا يَرِثُ من الدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ من مَالٍ وَلَا دِيَةٍ وَتَرُدُّ حَدِيثَهُ وَتُضَعِّفُهُ ثُمَّ نَحْتَجُّ من حَدِيثِهِ بِأَضْعَفَ مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ وَقُلْت له قد قال اللَّهُ عز ذِكْرُهُ { فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وكان بن عَبَّاسٍ لَا يَحْجُبُهَا عن الثُّلُثِ إلَّا بِثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَهَذَا الظَّاهِرُ وَحَجَبْتهَا بِأَخَوَيْنِ وَخَالَفْت بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَمَعَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ ( قال ) قَالَهُ عُثْمَانُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وقال تَوَارَثَ عليه الناس قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَك فَاتْرُكْ ما تَوَارَثُوا عليه إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ( قال ) فقال عُثْمَانُ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا وَقُلْنَا بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَعْلَمُ مِنَّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } فَقُلْت لِبَعْضِ من يُخَالِفُنَا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْمَوَارِيثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ فلم تَخْتَلِفْ الناس في أَنَّ الْمَوَارِيثَ لَا تَكُونُ حتى يقضى جَمِيعَ الدَّيْنِ وَإِنْ أتى ذلك على الْمَالِ كُلِّهِ أَفَرَأَيْت إنْ قال لنا وَلَك قَائِلٌ الْوَصِيَّةُ مَذْكُورَةٌ مع الدَّيْنِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمِيرَاثَ يَكُونُ قبل أَنْ يَنْفُذَ شَيْءٌ من جَمِيعِ الْوَصِيَّةِ وَاقْتَصَرْت بها على الثُّلُثِ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كانت مَذْكُورَةً بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ فإن اسْمَ الْوَصِيَّةِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فلما احْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بها خَاصٌّ وَإِنْ كان مَخْرَجُهَا عَامًّا اسْتَدْلَلْنَا على ما أُرِيدَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيَّنِ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ عز وجل قال ما له جَوَابٌ إلَّا هذا قُلْت فَإِنْ قال لنا وَلَك قَائِلٌ ما الْخَبَرُ الذي دَلَّ على هذا قال قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ قُلْنَا فَإِنْ قال لَك هذه مَشُورَةٌ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ وَلَا أَمَرَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الثُّلُثَ وقد قال غَيْرُ وَاحِدٍ الْخُمُسُ أَحَبُّ إلى في الْوَصِيَّةِ من غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَا تَعْدُو الْخُمُسَ ما الحجه عليه قال حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ الْمَوْتِ فَأَقْرَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قُلْنَا فقال لَك فَدَلَّك هذا على أَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَرْجُوعَةٌ إلَى الثُّلُثِ قال نعم أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ قُلْنَا فقال لَك أَفَثَابِتٌ هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/18)


حتى دَلَّك على أَنَّ الْوَصِيَّةَ في الْقُرْآنِ على خَاصٍّ قال نعم قُلْنَا فقال لَك نُوهِيه بِأَنَّ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ كَمَخْرَجِ الدَّيْنِ وقد قُلْت في الدَّيْنِ عَامٌّ قال لَا وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على مَعْنَى الْكِتَابِ قُلْت فَأَيُّ حُجَّةٍ على أَحَدٍ أَبْيَنُ من أَنْ تَكُونَ تَزْعُمُ أَنَّ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الدَّالَّةَ على مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ أَنْ أَقْرَعَ بين مَمَالِيكَ أَعْتَقَهُمْ ست ( ( ( ستا ) ) ) فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ خَالَفْت ما زَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُبَيَّنَةٌ فَرْقٌ بها بين الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَمَخْرَجُ الْكَلَامِ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَزَعَمْت أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّقِيقَ كُلَّهُمْ يُعْتَقُونَ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ منهم في خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ قال إنى إنَّمَا قُلْته لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في عَبْدٍ أُعْتِقَ أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى في ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قُلْنَا هذا حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَوْ كان ثَابِتًا لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَرَأَيْت الْمُعْتِقَ سِتَّةً أَلَيْسَ مُعْتِقَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ فَأَنْفَذَ مَالَهُ وَرَدَّ مَالَ غَيْرِهِ قال بَلَى قُلْت فَكَانَتْ السِّتَّةُ يَتَجَزَّءُونَ وَالْحَقُّ فِيمَا يَتَجَزَّأُ إذَا اُشْتُرِكَ فيه قُسِّمَ فأعطى كُلُّ من له حَقٌّ نَصِيبَهُ قال نعم قُلْت فإذا كان فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ لم يُقَسَّمْ مِثْلِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالسَّيْفِ قال نعم قُلْت فَالْعَبِيدُ يَتَجَزَّءُونَ فَجَزَّأَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفَتَرُدُّ الْخَبَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى خَبَرٍ لَا يُخَالِفُهُ في كل حَالٍ أَمْ تمضى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما جاء قال بَلْ أمضى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما جاء قُلْت فَلِمَ لم تَفْعَلْ في حديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ حين رَدَدْته على ما يُخَالِفُهُ لِأَنَّ ما يَتَجَزَّأُ يُخَالِفُ في الْحُكْمِ ما لَا يَتَجَزَّأُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ فَنَطْرَحُ أَحَدَهُمَا للاخر طَرْحَ الضَّعِيفِ لِلْقَوِيِّ وَحَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ ضَعِيفٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ في الْقُرْعَةِ مَنْسُوخًا أو غير ثَابِتٍ لم يَكُنْ لنا وَلَك في الِاقْتِصَارِ بِالْوَصَايَا على الثُّلُثِ حُجَّةٌ وَلَا على قَوْمٍ خَالَفُوهُ في مَعْنًى آخَرَ من هذا الحديث قال وما قالوا قُلْنَا قالوا قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ } وقال في جَمِيعِ الْمَوَارِيثِ مِثْلَ هذا الْمَعْنَى فَإِنَّمَا مَلَّكَ اللَّهُ الْأَحْيَاءَ ما كان يُمَلِّكُ غَيْرَهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ مَوْتِ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا ما كان مَالِكُ الْمَالِ حَيًّا فَهُوَ مَالِكُ مَالِهِ وَسَوَاءٌ كان مَرِيضًا أو صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَالٌ من أَنْ يَكُونَ له مَالِكٌ وَهَذَا مَالِكٌ لَا غَيْرُهُ فإذا أَعْتَقَ جَمِيعَ ما يَمْلِكُ أو وَهَبَ جَمِيعَ ما يَمْلِكُ عِتْقَ بَتَاتٍ أو هِبَةَ بَتَاتٍ جَازَ الْعِتْقُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ مَاتَ لِأَنَّهُ في الْحَالِ التي أَعْتَقَ فيها وَوَهَبَ مَالِكٌ قال ليس له من ذلك إلَّا الثُّلُثُ قُلْنَا فقال لَك ما دَلَّك على هذا قال حَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَجُلٍ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَا مَالَ له غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قُلْنَا فَإِنْ قال لَك إنْ كان الْحَدِيثُ مُعَارَضًا بِخِلَافِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الحديث عِنْدَك إلَّا أَنْ يَكُون ضَعِيفًا بِالْمُعَارِضِ له وما كان ضَعِيفًا عِنْدَك من الحديث فَهُوَ مَتْرُوكٌ لِأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا ضَعُفَ في الشَّهَادَةِ لم يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ التي ضَعُفَ فيها وكان مَعْنَاهُ مَعْنَى من لم يشهد ( ( ( يشهدوا ) ) ) والحديث ( ( ( الحديث ) ) ) عِنْدَك في ذلك الْمَعْنَى أو يَكُونُ مَنْسُوخًا فَالْمَنْسُوخُ كما لم يَكُنْ قال ما هو بِضَعِيفٍ وَلَا مَنْسُوخٍ قُلْنَا فَإِنْ قال لَك فَكَيْفَ جَازَ لَك تَرْكُهُ في نَفْسِ ما حَكَمَ بِهِ فيه وَلَا يَجُوزُ لَك تَرْكُهُ كُلِّهِ قال ما تَرَكْته كُلَّهُ قُلْنَا فقال هو لَفْظٌ وَاحِدٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ وَتَرْكُك بَعْضَهُ كَتَرْكِك كُلَّهُ مع أَنَّك تَرَكْت جَمِيعَ ظَاهِرِ مَعَانِيه وَأَخَذْت بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِدَلَالَةٍ أو رَأَيْت لو جَازَ لَك أَنْ تُبَعِّضَهُ فَتَأْخُذَ منه بِشَيْءٍ وَتَتْرُكَ شيئا وَأَخَذَ رَجُلٌ بِالْقُرْعَةِ التي تَرَكْت وَتَرَكَ أَنْ يَرُدَّ ما صَنَعَ الْمَرِيضُ في مَالِهِ إلَى الثُّلُثِ بِالْحُجَّةِ التي وَصَفْت أَمَا كان هذا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ إلَى شُبْهَةٍ من الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ مِنْك قال وَأَيْنَ الْقِيَاسُ قُلْت أنت تَقُولُ ما أَقَرَّ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ في مَالِهِ وَلَوْ أَحَاطَ بِمَالِهِ جَازَ وما أُتْلِفَ من مَالِهِ بِعِتْقٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ صَحَّ لم يُرَدَّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ وهو مَالِكٌ وَلَوْ أَتْلَفَهُ وهو غَيْرُ مَالِكٍ لم يَجُزْ له بِهِ وَقُلْت له أَرَأَيْت حين نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَك وَأَذِنَ بِالسَّلَفِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَلَيْسَ هو بَيْعُ ما ليس عِنْدَك قال بَلَى قُلْت فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَانِ مُخْتَلِفَانِ عِنْدَك قال فإذا اخْتَلَفَا في الْجُمْلَةِ وَوَجَدْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْرَجًا ثَبَتَّهُمَا جميعا وكان ذلك عِنْدَك أَوْلَى بِي
____________________

(7/19)


من أَنْ أَطْرَحَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَيَكُونَ لِغَيْرِي أَنْ يَطْرَحَ الذي ثَبَتَ وَيُثْبِتَ الذي طَرَحْت فَقُلْت نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَك على بَيْعِ الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُهَا وَبَيْعِ الْعَيْنِ بِلَا ضَمَانٍ قال نعم قُلْت وَالسَّلَفُ وَإِنْ كان ليس عِنْدَك أَلَيْسَ بِبَيْعٍ مَضْمُونٍ عَلَيْك فَأَنْفَذْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم تَطْرَحْهُ بِالْآخَرِ قال نعم قُلْت فَلَزِمَك هذا في حديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أو لَا يَكُونُ مِثْلُ هذا حُجَّةً لَك قُلْت أَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } ثُمَّ قال { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فقال قد سَمَّى اللَّهُ من حَرَّمَ ثُمَّ أَحَلَّ ما وَرَاءَهُنَّ فَلَا أَزْعُمُ أَنَّ ما سِوَى هَؤُلَاءِ حَرَامٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحِلُّ على الِانْفِرَادِ وَلَا أَجِدُ في الْكِتَابِ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قال ليس ذلك له وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عنه قُلْنَا فَإِنْ قال لَك أَفَتُثْبِتُ نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَبَرِ أبي هُرَيْرَةَ رضى اللَّهُ تَعَالَى عنه وَحْدَهُ عن الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وفي ظَاهِرِ الْكِتَابِ عِنْدَك إبَاحَتُهُ وَلَا تُوهِنُهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ قال فإن الناس قد أَجْمَعُوا عليه قُلْنَا فإذا كان الناس أَجْمَعُوا على خَبَرِ الْوَاحِدِ بِتَصْدِيقِ الْمُخْبَرِ عنه وَلَا يَحْتَجُّونَ عليه بِمِثْلِ ما تَحْتَجُّونَ بِهِ وَيَتَّبِعُونَ فيه أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ جاء خَبَرٌ آخَرُ أَقْوَى منه فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُخَالِفَهُ وَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُثْبِتَ ما اخْتَلَفُوا فيه مِمَّا وَصَفْنَا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً وَتَعِيبُ عَلَيْنَا أَنْ ثَبَتْنَا ما هو أَقْوَى منه وَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ قد قال اللَّهُ عز وجل { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ قال روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا فَالْحَدِيثُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ أَثْبَتَ أَمْ حَدِيثُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال بَلْ حَدِيثُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَلَكِنَّ الناس لَا يَخْتَلِفُونَ في أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مَنْسُوخَةٌ قُلْنَا أَلَيْسَ بِخَبَرٍ قال بَلَى قُلْت فإذا كان الناس يَجْتَمِعُونَ على قَبُولِ الْخَبَرِ ثُمَّ جاء خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْوَى منه لِمَ جَازَ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ قُلْنَا أَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ فَقَدْ قَالَهُ طَاوُسٌ قال الْعِتْقُ وَصِيَّةٌ قد أَجَازَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حديث عِمْرَانَ لِلْمَمَالِيكِ وَلَا قَرَابَةَ لهم قُلْنَا أَفَتَحْتَجُّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ مَرَّةً وَتَتْرُكُهُ أُخْرَى وَقُلْت له نَصِيرُ بِك إلَى ما ليس فيه سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى نُوجِدَك تَخْرُجُ من جَمِيعِ ما احْتَجَجْت بِهِ وَتُخَالِفُ فيه ظَاهِرَ الْكِتَابِ عِنْدَك قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } وقال اللَّهُ عز وجل { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ بَابًا أو أَرْخَى سِتْرًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ أَنَّهُ لم يَمَسَّهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وقد أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن لَيْثِ بن أبي سُلَيْمٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قال ليس لها إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عِدَّةَ عليها وَشُرَيْحٌ يقول ذلك وهو ظَاهِرُ الْكِتَابِ قال قَالَهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قُلْنَا وَخَالَفَهُمَا فيه بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَمَعَهُمَا عِنْدَك ظَاهِرُ الْكِتَابِ قال هُمَا أَعْلَمُ بِالْكِتَابِ مِنَّا قُلْنَا وبن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ عَالِمَانِ بِالْكِتَابِ وَمَعَهُمَا عَدَدٌ من الْمُفْتِينَ فَكَيْفَ قُلْت بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ في مَوْضِعٍ قد نَجِدُ الْمُفْتِينَ فيه يُوَافِقُونَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَاحْتَجَجْت في ذلك بِرَجُلَيْنِ من أَصْحَابِ النبي عليه السَّلَامُ وقد يُخَالِفُهُمَا غَيْرُهُمَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك ما تُخَالِفُ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرَكْت الْحُجَّةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الذي أَلْزَمَنَا اللَّهُ طَاعَتَهُ وَاَلَّذِي جاء عنه من الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ليس يُخَالِفُ حُكْمَ الْكِتَابِ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْنَا قال اللَّهُ عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَكَانَ هذا مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً من اللَّهِ عز وجل على ما تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ حتى
____________________

(7/20)


لَا يَكُونَ على الْمُدَّعِي يَمِينٌ لَا تَحْرِيمًا أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه ولم يَكُنْ في التَّنْزِيلِ تَحْرِيمٌ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه وإذا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ قد يُجِيزُونَ أَقَلَّ منه فَلَا يَكُونُ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ منه فَيُجِيزُهُ الْمُسْلِمُونَ قال وَلَا نُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ تُبَيِّنُ مَعْنَى الْقُرْآنِ قُلْنَا فَلِمَ عِبْت عَلَيْنَا السُّنَّةَ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَقُلْت بِمَا هو أَضْعَفُ منها قال وَالْأَثَرُ أَيْضًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ قُلْنَا وَالْأَثَرُ أَيْضًا أَضْعَفُ من السُّنَّةِ قال نعم قُلْت وَكُلُّ هذا حُجَّةٌ عَلَيْك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي منهم قَائِلٌ إذَا نَصَبَ اللَّهُ حُكْمًا في كِتَابِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عنه وقد بقى فيه شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ فيه ما ليس في الْقُرْآنِ قال فَقُلْت قد نَصَبَ اللَّهُ عز وجل الْوُضُوءَ فَأَحْدَثْت فيه الْمَسْحَ على الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ في الْقُرْآنِ وَنَصَبَ ما حُرِّمَ من النِّسَاءِ وَأُحِلَّ ما وَرَاءَهُنَّ فَقُلْت لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا وَسَمَّى الْمَوَارِيثَ فَقُلْت فيه لَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا مَمْلُوكٌ وَلَا كَافِرٌ وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا وَوَالِدًا وَحَجَبْت الْأُمَّ من الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ وَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُطَلَّقَةِ قبل أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ولم يَجْعَلْ عليها عِدَّةً ثُمَّ قُلْت إنْ خَلَا بها وَإِنْ لم يَمَسَّ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَك خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ لَا يُخَالِفُ من ظَاهِرِ الْقُرْآنِ شيئا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِشَاهِدَيْنِ وَلَا يَمِينَ فإذا كان شَاهِدٌ حَكَمْنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَيْسَ هذا بِخِلَافٍ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَقُلْت له فَكَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ قال أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ ثُمَّ تَلْتَعِنَ الْمَرْأَةُ قُلْت ليس في الْقُرْآنِ غَيْرُ ذلك قال نعم قُلْت فَلِمَ نَفَيْت الْوَلَدَ قال بِالسُّنَّةِ قُلْت فَلِمَ قُلْت لَا يَتَنَاكَحَانِ ما كَانَا على اللِّعَانِ قال بِالْأَثَرِ قُلْت فَلِمَ جَلَدْته إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَلْحَقْت بِهِ الْوَلَدَ قال بِقَوْلِ بَعْضِ التَّابِعِينَ قُلْت فَلِمَ قُلْت إذَا أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ حُبِسَتْ قال بِقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قُلْت فَنَسْمَعُك في أَحْكَامٍ مَنْصُوصَةٍ في الْقُرْآنِ قد أَحْدَثْت فيها أَشْيَاءَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً في الْقُرْآنِ وَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ قد قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً } الْآيَةَ وقال في غَيْرِ آيَةٍ مِثْلَ هذا الْمَعْنَى فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ وَلَيْسَ هو مِمَّا سَمَّى اللَّهُ مَنْصُوصًا مُحَرَّمًا قال قَالَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت له بن شِهَابٍ رَوَاهُ وهو يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ لم أَسْمَعْهُ حتى جِئْت الشَّامَ قال وَإِنْ كان لم يَسْمَعْهُ حتى جاء الشَّامَ فَقَدْ أَحَالَهُ على ثِقَةٍ من أَهْلِ الشَّامِ قُلْنَا وَلَا تُوهِنُهُ بِتَوْهِينِ من رَوَاهُ وَخِلَافُهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ عِنْدَك وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما مع عِلْمِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَعَائِشَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مع عِلْمِهَا بِهِ وَبِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ مع سنة وَعِلْمِهِ يُبِيحُونَ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ قال ليس في إبَاحَتِهِمْ كُلَّ ذِي نَابٍ من ( ( ( مع ) ) ) السِّبَاعِ وَلَا في إبَاحَةِ أَمْثَالِهِمْ حُجَّةٌ إذْ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحَرِّمُهُ وقد تَخْفَى عليهم السُّنَّةُ يَعْلَمُهَا من هو أَبْعَدُ دَارًا وَأَقَلُّ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم صُحْبَةً وَبِهِ عِلْمًا منهم وَلَا يَكُونُ رَدُّهُمْ حُجَّةً حين يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ قُلْنَا وَتَرَاهُمْ يَخْفَى ذلك عليهم وَيَسْمَعُهُ رَجُلٌ من أَهْلِ الشَّامِ قال نعم قد خفى على عُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ما حَفِظَ الضَّحَّاكُ بن سُفْيَانَ وهو من أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَحَمَلُ بن مَالِكٍ وهو من أَهْلِ الْبَادِيَةِ قُلْنَا فَتَحْرِيمُ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ مُخْتَلَفٌ فيه قال وَإِنْ اُخْتُلِفَ فيه إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من طَرِيقٍ صَحِيحٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ وَلَيْسَ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَلَا في خِلَافِ مُخَالِفٍ ما وَهَنَ حَدِيثُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا وَالْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ أَثْبَتُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَلَيْسَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ لها مُخَالِفٌ وَاحِدٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ ثَبَتَ الذي هو أَضْعَفُ إسْنَادًا وَأَقْوَى مُخَالَفًا وَأَعْلَمُ مع خِلَافِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ عِنْدَك وَرَدَدْت ما لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَلَا يُخَالِفُهُ أَحَدٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُلْت له أَسْمَعُك اسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَلَهُمَا مُخَالِفٌ في التي
____________________

(7/21)


يُغْلَقُ عليها الْبَابُ وَيُرْخَى السِّتْرُ وَقَوْلُ عُثْمَانَ أَنْ حَجَبَتْ الْأُمَّ عن الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ وقد خَالَفَهُمْ بن عَبَّاسٍ في ذلك وَغَيْرِهِ أَرَأَيْت إنْ أَوْجَدْتُك قَوْلَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن وبن عُمَرَ يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ تَرَكْت قَوْلَهُمْ قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ جل وعز { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } الْآيَةَ فَلِمَ قُلْتُمْ يَجْزِيه من قَتَلَهُ خَطَأً وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يَجْزِيه من قَتَلَهُ عَمْدًا قال بِحَدِيثٍ عن عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن في رَجُلَيْنِ أَوْطَئَا ظَبْيًا قُلْت قد يوطآنه ( ( ( يوطئانه ) ) ) عَامِدَيْنِ فإذا كان هذا عندك ( ( ( عنك ) ) ) هَكَذَا فَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرحمن على قَاتِلَيْ صَيْدٍ بِجَزَاءِ وَاحِدٍ وَحَكَمَ بن عُمَرَ على قتله صَيْدٍ بِجَزَاءِ وَاحِدٍ وقال اللَّهُ عز وجل { مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لَا أَمْثَالٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ عَشْرَةً لو قَتَلُوا صَيْدًا جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ قال شَبَّهْته بِالْكَفَّارَاتِ في الْقَتْلِ على النَّفَرِ الَّذِينَ يَكُونُ على كل وَاحِدٍ منهم رَقَبَةٌ قُلْنَا وَمَنْ قال لَك يَكُونُ على كل وَاحِدٍ منهم رَقَبَةٌ وَلَوْ قِيلَ لَك ذلك أَفَتَدَعُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَقَوْلَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن وبن عُمَرَ بِأَنْ تَقِيسَ ثُمَّ تُخَطِّئَ أَيْضًا الْقِيَاسَ أَرَأَيْت الْكَفَّارَاتِ أَمُوَقِّتَاتٌ قال نعم قُلْت فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مُوَقَّتٌ قال لَا إلَّا بِقِيمَتِهِ قُلْنَا أَفَجَزَاءُ الصَّيْدِ إذَا كان قِيمَتُهُ بِدِيَةِ الْمَقْتُولِ أَشْبَهَ أَمْ بِالْكَفَّارَاتِ فَمِائَةٌ عِنْدَك لو قَتَلُوا رَجُلًا لم يَكُنْ عليهم إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لم يَكُنْ فيه إلَّا الْقِيَاسُ كان بِالدِّيَةِ أَشْبَهَ وَقِيلَ له حَكَمَ عُمَرُ له في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ فَلِمَ زَعَمْت وَاَللَّهُ تَعَالَى يقول في جَزَاءِ الصَّيْدِ { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } أَنَّ هذا لَا يَكُونُ هَدْيًا وَقُلْت لَا يَجُوزُ ضَحِيَّةً وَجَزَاءُ الصَّيْدِ ليس من الضَّحَايَا بِسَبِيلٍ جَزَاءُ الصَّيْدِ قد يَكُونُ بَدَنَةً وَالضَّحِيَّةُ عِنْدَك شَاةٌ وَقِيلَ له قال اللَّهُ عز وجل { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَحَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرحمن وَعُثْمَانُ وبن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليهم أَجْمَعِينَ في بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانِ شَتَّى بِالْمِثْلِ من النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ في النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَالنَّعَامَةُ لَا تَسْوَى بَدَنَةً وفي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وهو لَا يَسْوَى بَقَرَةً وفي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وهو لَا يَسْوَى كَبْشًا وفي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وقد يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا منها أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَهُمَا لَا يَسْوَيَانِ عِنَاقًا وَلَا جَفْرَةً أَبَدًا فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى أَقْرَبِ ما يُقْتَلُ من الصَّيْدِ شَبَهًا بِالْبَدَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ لِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ ما يُقْتَلُ في الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ ثُمَّ قُلْت في الْقِيمَةِ قَوْلًا مُخْتَلِفًا فَقُلْت بِجَزَاءِ الْأَسَدِ وَلَا يعدي بِهِ شَاةً فلم تَنْظُرْ إلَى بَدَنِهِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ من الشَّاةِ وَلَا قِيمَتُهُ إنْ كانت قِيمَتُهُ أَكْثَرَ من شَاةٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في الْحَجِّ بِحِجَجِهِ قال لي أَرَاك تُنْكِرُ عَلَيَّ قَوْلِي في الْيَمِينِ مع الشَّاهِد هِيَ خِلَافُ الْقُرْآنِ قُلْت نعم لَيْسَتْ بِخِلَافِهِ الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ فَيَكُونُ عَامَّ الظَّاهِرِ وهو يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ قال ذلك مِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فلما كان اسْمُ السَّرِقَةِ يَلْزَمُ سُرَّاقًا لَا يُقْطَعُونَ مِثْلَ من سَرَقَ من غَيْرِ حِرْزٍ وَمَنْ سَرَقَ أَقَلَّ من رُبْعِ دِينَارٍ وَكَانَتْ الثَّيِّبُ تَزْنِي فَتُرْجَمُ وَلَا تُجْلَدُ وَالْعَبْدُ يَزْنِي فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ بِالسُّنَّةِ كانت في هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بهذا بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ هذا خِلَافًا لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَكَذَلِكَ كُلُّ كَلَامٍ احْتَمَلَ مَعَانِي فَوَجَدْنَا سُنَّةً تَدُلُّ على أَحَدِ مَعَانِيه دُونَ غَيْرِهِ من مَعَانِيه اسْتَدْلَلْنَا بها وَكُلُّ سُنَّةٍ مُوَافِقَةٌ لِلْقُرْآنِ لَا مُخَالِفَةٌ وَقَوْلُك خِلَافُ الْقُرْآنِ فِيمَا جَاءَتْ فيه سُنَّةٌ تَدُلُّ على أَنَّ الْقُرْآنَ على خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ جَهْلٌ قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ النَّهْيَ عن نِكَاحِ الْمَرْأَةِ على عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَقُلْت قد أَخْطَأْت من مَوْضِعَيْنِ قال وما هُمَا قُلْت لو جَازَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةٌ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَتَثْبُت كانت الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ تَثْبُت بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا لم تَكُنْ سُنَّةٌ وكان الْقُرْآنُ مُحْتَمِلًا فَوَجَدْنَا قَوْلَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدُلُّ على بَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضٍ قُلْنَا هُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَقَوْلُهُمْ غَيْرُ مُخَالِفٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/22)


كِتَابَ اللَّهِ وما لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ وَلَا قَوْلُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا إجْمَاعٌ يَدُلُّ منه على ما وَصَفْت من بَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضِ فَهُوَ على ظُهُورِهِ وَعُمُومِهِ لَا يُخَصُّ منه شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وما اخْتَلَفَ فيه بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذْنَا منه بِأَشْبَهِهِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَقَوْلُك فِيمَا فيه سُنَّةٌ هو خِلَافُ الْقُرْآنِ جَهْلٌ بَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَنْتَ تُخَالِفُ قَوْلَك فيه قال وَأَيْنَ قُلْنَا فِيمَا بَيَّنَّا وَفِيمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ { إصْلَاحًا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَظَاهِرُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ يَدُلُّ على أَنَّ كُلَّ مُطَلِّقٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ على امْرَأَتِهِ ما لم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ في كل مُطَلِّقٍ عَامَّةٌ لَا خَاصَّةٌ على بَعْضِ الْمُطَلَّقِينَ دُونَ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ قُلْنَا كُلُّ طَلَاقٍ ابْتَدَأَهُ الزَّوْجُ فَهُوَ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ فَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَلَكَ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وَإِنْ قال لها أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَرِيَّةٌ أو بَائِنٌ ولم يُرِدْ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ بِهِ وَاحِدَةً فَهُوَ طَلَاقٌ فيه الرَّجْعَةِ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ البتة لم يَنْوِ إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت لِبَعْضِ من يُخَالِفُنَا أَلَيْسَ هَكَذَا تَقُولُ في الرَّجُلِ يقول لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قال بَلَى قلت وَتَقُولُ في الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَتَّةِ وَالْبَائِنَةِ لَيْسَتْ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ طَلَاقًا قال نعم قُلْت وإذا قال طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا قال نعم قُلْت فَهَذَا أَشَدُّ من قَوْلِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَرِيَّةٌ لِأَنَّ هذا قد يَكُونُ غير طَلَاقٍ عِنْدَك وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ الطَّلَاقَ فإذا أَرَادَ الطَّلَاقَ كان طلاقا ( ( ( طالقا ) ) ) قال نعم قُلْت فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بهذا طَلَاقًا لم يَكُنْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَهَذَا أَضْعَفُ عِنْدَك من الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ على طَلَاقٍ فَالطَّلَاقُ القوى يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فيه عِنْدَك وَالضَّعِيفُ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ( قال ) فَقَدْ رَوَيْنَا بَعْضَ قَوْلِنَا هذا عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَعَلْنَا ما بقى قِيَاسًا عليه قُلْت فَنَحْنُ قد رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ جَعَلَ البتة وَاحِدَةً يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ حين حَلَفَ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لم يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً وَرَوَيْنَا مِثْلَ ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَمَعَنَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ تَرَكْته وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } إلَى قَوْلِهِ { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قُلْنَا فَظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَنْ كانت له أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا له فَلَا سَبِيلَ عليه فيها حتى تَنْقَضِيَ كما لو أَجَّلْتَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لم يَكُنْ لَك أَخْذُ حَقِّك منى حتى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَدَلَّ على أَنَّ عليه إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَاحِدًا من الْحُكْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَقُلْنَا بهذا وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بمضى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حتى يُحْدِثَ فيه طَلَاقًا فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ فَلِمَ قُلْتُمْ هذا وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا فَيْئَةَ له إلَّا في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ( 1 ) فما نَقَصْتُمُوهُ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ له من الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قَدْرُ الْفَيْئَةِ وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ له فِيمَا بين أَنْ يولى إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَلَيْسَ عليه عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ إلَّا في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وقد ذَكَرَهُمَا اللَّهُ عز وجل مَعًا لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ من جِمَاعٍ أو فَيْءٍ بِلِسَانِ إنْ لم يَقْدِرْ على الْجِمَاعِ وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ هِيَ مضى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَا شَيْءَ يُحْدِثُهُ هو بِلِسَانٍ وَلَا فِعْلٍ أَرَأَيْت الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ هو قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت كَلَامًا قَطُّ ليس بِطَلَاقٍ جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلَاقًا قال فَلِمَ قُلْت أنت يَكُونُ طَلَاقًا قُلْت ما قُلْت يَكُونُ طَلَاقًا إنَّمَا قُلْت إنَّ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل يَدُلُّ أَنَّهُ إذَا آلَى فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ على أَنَّ عليه إمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَكِلَاهُمَا شَيْءٌ يُحْدِثُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قال فَلِمَ قُلْت إنْ فَاءَ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ فأئي
____________________

(7/23)


قُلْت أَرَأَيْت لو كان عَلَيَّ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلْته قبل مَحِلِّهِ أَلَمْ أَكُنْ مُحْسِنًا وَيَكُونُ قَاضِيًا عَنِّي قال بَلَى قُلْت فَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَفِيءُ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُعَجِّلٌ ما له فيه مَهْلٌ قال فَلَسْنَا نُحَاجُّك في هذا وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا فيه قَوْلَ عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قُلْنَا أَمَّا بن عَبَّاسٍ فَإِنَّك تُخَالِفُهُ في الْإِيلَاءِ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي يحيى الْأَعْرَجِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال المولى الذي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَبَدًا وَأَنْتَ تَقُولُ الْمَوْلَى من حَلَفَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَأَمَّا ما رَوَيْت منه عن بن مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ وَحَدِيثُ عَلِيِّ بن بَذِيمَةَ لَا يُسْنِدُهُ غَيْرُهُ عَلِمْته وَلَوْ كان هذا ثَابِتًا عنه فَكُنْت إنَّمَا بِقَوْلِهِ اعْتَلَلْت لَكَانَ بِضْعَةَ عَشْرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِمْ من وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ قال فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ قُلْنَا أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ قال أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلَّهُمْ يُوقَفُ المولى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقَلُّ بِضْعَةَ عَشَرَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وهو يقول من الْأَنْصَارِ وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ وعلى وَعَائِشَةُ وبن عُمَرَ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمْ كلهم يقول يُوقَفُ المولى فَإِنْ كُنْت ذَهَبْت إلَى الْكَثْرَةِ فَمَنْ قال يُوقَفُ أَكْثَرُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ مَعَهُمْ وقد قال عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا } إلَى قَوْلِهِ { سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَقُلْنَا لَا يُجْزِيهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَلَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَالْإِطْعَامُ قبل أَنْ يَتَمَاسَّا فقال يُجْزِيهِ رَقَبَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ فَقُلْت له أَذَهَبْت في هذا الْقَوْلِ إلَى خَبَرٍ عن أَحَدِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وَلَكِنْ إذَا سَكَتَ اللَّهُ عن ذِكْرِ الْمُؤْمِنَةِ في الْعِتْقِ فقال رَقَبَةٌ ولم يَقُلْ مُؤْمِنَةٌ كما قال في الْقَتْلِ دَلَّ ذلك على أَنَّهُ لو أَرَادَ الْمُؤْمِنَةَ ذَكَرَهَا قُلْت له أو ما تكتفي ( ( ( يكتفي ) ) ) إذَا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْكَفَّارَةَ في الْعِتْقِ في مَوْضِعٍ فقال { رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ثُمَّ ذَكَرَ كَفَّارَةً مِثْلَهَا فقال رَقَبَةٍ بِأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مُؤْمِنَةً فقال هل تَجِدُ شيئا يَدُلُّك على هذا قُلْت نعم قال وَأَيْنَ هو قُلْت قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلَهُ { حين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَشَرَطَ الْعَدْلَ في هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وقال { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } وقال في الْقَاذِفِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وقال { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } لم يذكر هَا هُنَا عَدْلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ أجز ( ( ( أجيز ) ) ) في الْبَيْعِ وَالْقَذْفِ وَشُهُودِ الزنى غير الْعَدْلِ كما قُلْت في الْعِتْقِ لِأَنِّي لم أَجِدْ في التَّنْزِيلِ شَرْطَ الْعَدْلِ كما وَجَدْته في غَيْرِ هذه الْأَحْكَامِ قال ليس ذلك له قد يكتفى بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فإذا ذَكَرَ الشُّهُودَ فَلَا يَقْبَلُونَ إلَّا ذَوَيْ عَدْلٍ وَإِنْ سَكَتَ عن ذِكْرِ الْعَدْلِ فَاجْتِمَاعُهُمَا في أَنَّهُمَا شَهَادَةٌ يَدُلُّ على أَنْ لَا يُقْبَلَ فيها إلَّا الْعَدْلُ قُلْت هذا كما قُلْت فَلِمَ لم تَقُلْ بهذا فَتَقُولُ إذَا ذَكَرَ اللَّهُ رَقَبَةً في الْكَفَّارَةِ فقال مُؤْمِنَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ رَقَبَةً أُخْرَى في الْكَفَّارَةِ فَهِيَ مُؤْمِنَةٌ لِأَنَّهُمَا مُجْتَمِعَانِ في أَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ فَإِنْ لم يَكُنْ لنا عَلَيْك بهذا حُجَّةٌ فَلَيْسَتْ على أَحَدٍ لو خَالَفَهُ فقال الشُّهُودُ في الْبَيْعِ وَالْقَذْفِ وَالزِّنَا يَقْبَلُونَ غير عُدُولٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا رَأَيْنَا فَرْضَ اللَّهِ عز وجل على الْمُسْلِمِينَ في أَمْوَالِهِمْ مَدْفُوعًا إلَى مُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يُخْرِجُ رَجُلٌ من مَالِهِ فَرْضًا عليه فَيُعْتِقُ بِهِ ذِمِّيًّا وَقُلْنَا له زَعَمْت أَنَّ رَجُلًا لو كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ فَأَطْعَمَ مِسْكِينًا عِشْرِينَ وَمِائَةَ مُدٍّ في أَقَلَّ من سِتِّينَ يَوْمًا لم يَجْزِهِ وَإِنْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ في سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ أَمَا يَدُلُّك فَرْضُ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا على أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِسِتِّينَ مُتَفَرِّقِينَ فَكَيْفَ قُلْت يَجْزِيه أَنْ يُطْعِمَهُ مِسْكِينًا يُفَرِّقُهُ عليه في سِتِّينَ يَوْمًا ولم يَجُزْ له أَنْ يُطْعِمَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ في يَوْمٍ طَعَامَ سِتِّينَ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَبَتْ عليه سِتُّونَ دِرْهَمًا لِسِتِّينَ رَجُلًا أَيَجْزِيهِ أَنْ يُؤَدِّيَ السِّتِّينَ إلَى وَاحِدٍ أو إلَى
____________________

(7/24)


تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ قال لَا وَالْفَرْضُ عليه أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى كل وَاحِدٍ منهم حَقَّهُ قُلْنَا فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل لِسِتِّينَ مِسْكِينًا طَعَامًا فَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا منهم أَجْزَأَ عنه أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ قد قال اللَّهُ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أَتَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَ لِلطَّالِبِ بِحَقِّهِ فَشَرَطَ عَدَدَ من يَشْهَدُ له وَالشَّهَادَةَ أو إنَّمَا أَرَادَ الشَّهَادَةَ قال أَرَادَ عَدَدَ الشُّهُودِ وَشَهَادَةَ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ اثْنَانِ قُلْت وَلَوْ شَهِدَ له بِحَقِّهِ وَاحِدٌ الْيَوْمَ ثُمَّ شَهِدَ له غَدًا أَيَجْزِيهِ من شَاهِدَيْنِ قال لَا لِأَنَّ هذا وَاحِدٌ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَالْمِسْكِينُ إذَا رَدَدْت عليه الطَّعَامَ لم يَخْرُجْ من أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لَا سِتِّينَ قُلْنَا فَقَدْ سَمَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا فَجَعَلْت طَعَامَهُمْ لِوَاحِدٍ وَقُلْت إذَا جاء بِالطَّعَامِ أَجْزَأَهُ وَسَمَّى شَاهِدَيْنِ فَجَاءَ شَاهِدٌ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فَقُلْت لَا يُجْزِئُ فما الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى ما قُلْنَا في هذا وفي أَنْ لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ قال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كان من الصَّادِقِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقَيْنِ لم يَخُصَّ أَحَدًا من الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ ولم تَدُلَّ سُنَّةٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا إجْمَاعٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ على أَنَّ ما أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ ولم تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ حُدَّتْ إذَا أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ } فَقَدْ أَخْبَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ كان عليها إلَّا أَنْ تَدْرَأَهُ بِاللِّعَانِ وَهَذَا ظَاهِرُ حُكْمِ اللَّهِ جل وعز ( قال ) فَخَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس فقال لَا يُلَاعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ ليس مِنْهُمَا مَحْدُودٌ في قَذْفٍ فَقُلْت له وَكَيْفَ خَالَفْت ظَاهِرَ الْقُرْآنِ قال رَوَيْنَا عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ فَقُلْت له إنْ كانت رِوَايَةُ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ مِمَّا يَثْبُتُ فَقَدْ رَوَى لنا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ وَالْقَسَامَةَ وَعَدَدَ أَحْكَامٍ غَيْرِ قَلِيلَةٍ فَقُلْنَا بها وَخَالَفْت وَزَعَمْت أَنْ لَا تَثْبُتَ رِوَايَتُهُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ مَرَّةً بِرِوَايَتِهِ على ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَدَعُهَا لِضَعْفِهِ مَرَّةً إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا كما قُلْت فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَجَّ بِهِ في شَيْءٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فَاتَّبَعَ ما رَوَاهُ مِمَّا قُلْنَا بِهِ وَخَالَفْته وَقُلْت له أنت أَيْضًا قد خَالَفْت ما رَوَيْت عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال وَأَيْنَ قُلْت إنْ كان ظَاهِرُ الْقُرْآنِ عَامًّا على الْأَزْوَاجِ ثُمَّ ذَكَرَ عَمْرٌو أَرْبَعَة لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ تُخْرِجَ الْأَرْبَعَةَ من اللِّعَانِ ثُمَّ تَقُولَ يُلَاعِنُ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ يَدُلُّ على أَنَّ اللِّعَانَ بين غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ في حديث عَمْرٍو لَا يُلَاعِنُ الْمَحْدُودُ في الْقَذْفِ قال أَجَلْ وَلَكِنَّا قُلْنَا بِهِ من قِبَلِ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل سَمَّاهُ شَهَادَةً فَقُلْت له إنَّمَا مَعْنَاهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَلَكِنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَاسِعٌ قال وما يَدُلُّ على ذلك قُلْت أَرَأَيْت لو كانت شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ قال لَا ( 1 ) قُلْت أَفَتَكُونُ شَهَادَتُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَّا كَشَهَادَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً قال لَا قُلْت أَفَيَحْلِفُ الشَّاهِدُ قال لَا قُلْت فَهَذَا كُلُّهُ في اللِّعَانِ قُلْت أَفَرَأَيْت لو قَامَتْ مَقَامَ الشَّهَادَةِ أَلَا تَحُدَّ الْمَرْأَةَ قال بَلَى قُلْت أَرَأَيْت لو كانت شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في حَدٍّ قال لَا قُلْت وَلَوْ جَازَتْ كانت شَهَادَتُهَا نِصْفَ شَهَادَةٍ قال نعم قُلْت فَالْتَعَنَتْ ثَمَانِ مَرَّاتٍ قال نعم قُلْت أَفَتَبَيَّنَ لَك أنها لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ قال ما هِيَ بِشَهَادَةٍ قُلْت وَلِمَ قُلْت هِيَ شَهَادَةٌ علي مَعْنَى الشَّهَادَاتِ مَرَّةً وَأَبَيْتهَا أُخْرَى فإذا قُلْت هِيَ شَهَادَةٌ فَلِمَ لَا تُلَاعِنُ بين الذِّمِّيِّينَ وَشَهَادَتُهُمَا عِنْدَك جَائِزَةٌ كان هذا يَلْزَمُك وَكَيْفَ لَاعَنْت بين الْفَاسِقَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا شَهَادَةَ لَهُمَا قال لِأَنَّهُمَا إذَا تَابَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا فَقُلْت له وَلَوْ قَالَا قد تُبْنَا أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا دُونَ اخْتِبَارِهِمَا في مُدَّةٍ تَطُولُ قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت
____________________

(7/25)


الْعَبْدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْعَدْلَيْنِ الْأَمِينَيْنِ إذَا أَبَيْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا لأنهما في حَالِ عُبُودِيَّةٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لو عَتَقَا من سَاعَتِهِمَا أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا قال نعم قُلْت أَهُمَا أَقْرَبُ إلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّك لَا تَخْتَبِرُهُمَا يَكْفِيك أَنَّهُمَا الْخِبْرَةُ لَهُمَا في الْعُبُودِيَّةِ أَمْ الْفَاسِقَانِ اللَّذَانِ لَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا حتى تَخْتَبِرَهُمَا قال بَلْ هُمَا قُلْت فَلِمَ أَبَيْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا أَقْرَبُ من الْعَدْلِ إذَا تَحَوَّلَتْ حَالُهُمَا وَلَاعَنْت بين الْفَاسِقَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَبْعَدُ من الْعَدْلِ وَلِمَ أَبَيْت اللَّعَّانَ بين الذِّمِّيَّيْنِ وَأَنْتَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا في الْحَالِ التي يَقْذِفُ فيها الزَّوْجُ وَقُلْت له أَرَأَيْت أَعْمَيَيْنِ ( 1 ) بخقين ( ( ( بحقين ) ) ) خُلِقَا كَذَلِكَ يَقْذِفُ الزوج الْمَرْأَةَ وفي الأعميين عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَرَيَانِ الزنى وَالْأُخْرَى أَنَّك لَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا بِحَالٍ أَبَدًا وَلَا يَتَحَوَّلَانِ عِنْدَك أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا كَيْفَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا وَفِيهِمَا ما وَصَفْت من الْقَاذِفِ الذي لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَفِيهِمَا أَكْثَرُ من ذلك أَنَّ الرَّجُلَ الْقَاذِفَ لَا يَرَى زِنَا امْرَأَتِهِ قال فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْنَا فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَاَلَّذِي أَبَيْت قَبُولَهُ مِنَّا أَنَّ اللِّعَانَ بين كل زَوْجَيْنِ وقال اللَّهُ عز وجل في قذفة الْمُحْصَنَاتِ { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } وَقُلْنَا إذَا تَابَ الْقَاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ لَأَشْهَدُ أخبرني سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال وَسَمِعْت سُفْيَانَ يحدث بِهِ هَكَذَا مِرَارًا ثُمَّ سَمِعْته يقول شَكَكْت فيه قال سُفْيَانُ أَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى رَجُلًا فَذَهَبَ على حِفْظِ اسْمِهِ فَسَأَلْت فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ وكان سُفْيَانُ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ بن الْمُسَيِّبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن عُمَرَ قال سُفْيَانُ أخبرني الزُّهْرِيُّ فلما قُمْت سَأَلْت فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ وَحَضَرَ الْمَجْلِسَ مَعِي هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ قُلْت لِسُفْيَانَ أَشَكَكْت حين أَخْبَرَك أَنَّهُ سَعِيدٌ قال لَا هو كما قال غير أَنَّهُ قد كان دَخَلَنِي الشَّكُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنِي من أَثِقُ بِهِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا جَلَدَ الثَّلَاثَةَ اسْتَتَابَهُمْ فَرَجَعَ اثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وأبي أبو بَكْرَةَ أَنْ يَرْجِعَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ عن بن أبي نَجِيحٍ في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قال وَكُلُّنَا نَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وقال بَعْضُ الناس لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ أَبَدًا قُلْت أَفَرَأَيْت الْقَاذِفَ إذَا لم يُحَدَّ حَدًّا تَامًّا أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ قال نعم قُلْت له وَلَا أَعْلَمُك إلَّا دخل عَلَيْك خِلَافُ الْقُرْآنِ من مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِجَلْدِهِ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ لم يُجْلَدْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قال فإنه عندى إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا جُلِدَ قُلْت أَفَتَجِدُ ذلك في ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَمْ في خَبَرٍ ثَابِتٍ قال أَمَّا في خَبَرٍ فَلَا وَأَمَّا في ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا } قُلْت أَفَبِالْقَذْفِ قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا } أَمْ بِالْجَلْدِ قال بِالْجَلْدِ قال بِالْجَلْدِ عِنْدِي قُلْت وَكَيْفَ كان ذلك عِنْدَك وَالْجَلْدُ إنَّمَا وَجَبَ بِالْقَذْفِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ في رَدِّ الشَّهَادَةِ أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال إنَّ اللَّهَ عز وجل قال في الْقَاتِلِ خَطَأً { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } فَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ لِلَّهِ وَالدِّيَةُ لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ وَلَا يَجِبُ الذي للادميين وهو الدِّيَةُ حتى يُؤَدِّيَ الذي لِلَّهِ عز وجل كما قُلْت لَا يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ الشَّهَادَةُ وَرَدَّهَا عن الْآدَمِيِّينَ حتى يُؤْخَذَ الْحَدُّ الذي لِلَّهِ عز وجل ما تَقُولُ له قال أَقُولُ ليس هذا كما قُلْت وإذا
____________________

(7/26)


أَوْجَبَ اللَّهُ عز وَعَلَا على آدمى شَيْئَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا للادميين أَخَذَ منه وكان الْآخَرُ لِلَّهِ جل وعز فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ منه أو يُؤَدِّيَهُ فَإِنْ لم يُؤْخَذْ منه ولم يُؤَدِّهِ لم يُسْقِطْ ذلك عنه حَقَّ الْآدَمِيِّينَ الذي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل عليه قُلْت له فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا لم يُجْلَدْ الْحَدَّ وَجُلِدَ بَعْضَهُ فلم يَتِمَّ بَعْضُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ وقد أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في ذلك الْحَدَّ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ فما عَلِمْته رَدَّ حَرْفًا إلَّا أَنْ قال هَكَذَا قال أَصْحَابُنَا فَقُلْت له هذا الذي عِبْت على غَيْرِك أَنْ يَقْبَلَ من أَصْحَابِهِ وَإِنْ سَبَقُوهُ إلَى الْعِلْمِ وَكَانُوا عِنْدَهُ ثِقَةً مَأْمُونِينَ فَقُلْت لَا نَقْبَلُ إلَّا ما جاء فيه كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو أَثَرٌ أو أَمْرٌ أَجْمَعَ عليه الناس ثُمَّ قُلْت فِيمَا أَرَى خِلَافَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقُلْت له إذْ قال اللَّهُ عز وجل { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فَكَيْفَ جَازَ لَك أو لِأَحَدٍ إنْ تَكَلَّفَ من الْعِلْمِ شيئا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ وَمِنْ قَوْلِك وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلَا أُعْطِيك دِرْهَمًا وَلَا آتى مَنْزِلَ فُلَانٍ وَلَا أَعْتِقُ عَبْدِي فُلَانًا وَلَا أُطَلِّقُ امْرَأَتِي فلانه إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَاقِعٌ على جَمِيعِ الْكَلَامِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَقَعُ على الْقَاذِفِ إلَّا على أَنْ يَطْرَحَ عنه اسْمَ الْفِسْقِ فَقَطْ فقال قَالَهُ شُرَيْحٌ فَقُلْنَا فَعُمَرُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ من شُرَيْحٍ وَأَهْلُ دَارِ السُّنَّةِ وَحَرَمِ اللَّهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّه وَبِلِسَانِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ بِلِسَانِهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ قال فَقَوْلُ أبي بَكْرَةَ اسْتَشْهِدُوا غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت له قَلَّمَا رَأَيْتُك تَحْتَجُّ بِشَيْءٍ إلَّا وهو عَلَيْك قال وما ذَاكَ قُلْت احْتَجَجْت بِقَوْلِ أبي بَكْرَةَ اسْتَشْهِدُوا غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَقَوْنِي فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ تَابَ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لم يُزِيلُوا عنه الِاسْمَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُزَالَ عنه أذا تَابَ اسْمُ الْفِسْقِ وَلَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَقَوْلُ أبي بَكْرَةَ إنْ كان قَالَهُ أَنَّهُمْ لم يُزِيلُوا عنه الِاسْمَ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الِاسْمَ مع تَرْكِهِمْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ قال فَهَكَذَا احْتَجَّ أَصْحَابُنَا قُلْت أَفَتَقْبَلُ عَمَّنْ هو أَشَدُّ تَقَدُّمًا في الدَّرَكِ وَالسِّنِّ وَالْفَضْلِ من صَاحِبِك أَنْ تَحْتَجَّ بِمَا إذَا كَشَفَ كان عَلَيْك وَبِمَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ خِلَافُهُ قال لَا قُلْت فَصَاحِبُك أَوْلَى أَنْ يَرُدَّ هذا عليه وَقُلْت له أَتَقْبَلُ شَهَادَةَ من تَابَ من كُفْرٍ وَمَنْ تَابَ من قَتْلٍ وَمَنْ تَابَ من خَمْرٍ وَمِنْ زِنَا قال نعم قُلْت وَالْقَاذِفُ شَرٌّ أَمْ هَؤُلَاءِ قال بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ ذَنْبًا منه قُلْت فَلِمَ قَبِلْت من التَّائِبِ من الْأَعْظَمِ وَأَبَيْت الْقَبُولَ من التَّائِبِ مِمَّا هو أَصْغَرُ منه وَقُلْت وَقُلْنَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِحَالٍ وقال جَمَاعَةٌ مِنَّا وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ لِمَنْ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا وإن لم يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ حتى يَخَافَ الْعَنَتَ ( 1 ) فَتَحِلُّ حِينَئِذٍ فقال بَعْضُ الناس يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِمَنْ لم يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَإِنْ لم يَخَفْ الْعَنَتَ ( 1 ) في الْأَمَةِ فَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ } فَحَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً وقال اللَّهُ عز وجل { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } ثُمَّ قال { وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } فَأَحَلَّ صِنْفًا وَاحِدًا من الْمُشْرِكَاتِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً لِأَنَّهُ لم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ } هُنَّ الْحَرَائِرُ وقال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فمن ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ { لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } فَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ من الْمُؤْمِنِينَ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا وَالْآخَرُ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وفي هذا ما دَلَّ على أَنَّهُ لم يُبِحْ نِكَاحَ أَمَةٍ غَيْرِ مُؤْمِنَةٍ فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ قد قُلْنَا ما حَكَيْت بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ
____________________

(7/27)


وَظَاهِرِهِ فَهَلْ قال ما قُلْت أنت من إبَاحَةِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو أَجْمَعَ لَك عليه الْمُسْلِمُونَ فَتُقَلِّدُهُمْ وَتَقُولُ هُمْ أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما قالوا إنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَتَانِ قال لَا قُلْنَا فَلِمَ خَالَفْت فيه ظَاهِرَ الْكِتَابِ قال إذَا أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل الْحَرَائِرَ من أَهْلِ الْكِتَابِ لم يُحَرِّمْ الْإِمَاءَ قُلْنَا وَلِمَ لَا تُحَرِّمُ الْإِمَاءَ منهم بِجُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ وَبِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لِمَنْ لم يَجِدْ طَوْلًا وَيَخَافُ الْعَنَتَ قال لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُنَّ مُحْصَنَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ كان كَالدَّالِّ على أَنَّهُ قد أَبَاحَ ما حُرِّمَ فَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ ما قُلْت فقال قال اللَّهُ جل وعز { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ { وما ذُبِحَ على النُّصُبِ } وقال في الْآيَةِ الْأُخْرَى { إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فلما أَبَاحَ في حَالِ الضَّرُورَةِ ما حُرِّمَ جُمْلَةً أَيَكُونُ لي إبَاحَةُ ذلك في غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ فيه مَنْسُوخًا وَالْإِبَاحَةُ قَائِمَةً قال لَا قُلْنَا وَتَقُولُ له التَّحْرِيمُ بحالة وَالْإِبَاحَةُ على الشَّرْطِ فَمَتَى لم يَكُنْ الشَّرْطُ فَلَا تَحِلُّ قال نعم قُلْنَا فَهَذَا مِثْلُ الذي قُلْنَا في إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل فِيمَنْ حُرِّمَ { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أَفَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَ الْمَرْأَةِ بِالدُّخُولِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ وقد قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قال ليس ذلك له قُلْنَا وَلِمَ أَلِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْأُمَّ مُبْهَمَةً وَالشَّرْطُ في الرَّبِيبَةِ فَأُحَرِّمُ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَأُحِلُّ ما أَحَلَّ اللَّهُ خَاصَّةً وَلَا أَجْعَلُ ما أُبِيحَ وَحْدَهُ مَحَلًّا لِغَيْرِهِ قال نعم قُلْنَا فَهَكَذَا قُلْنَا في إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ وَقُلْنَا افْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْوُضُوءَ فَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسْحَ على الْخُفَّيْنِ أَيَكُونُ لنا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ من الْوُضُوءِ أَنْ نَمْسَحَ على الْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَالْعِمَامَةِ قال لَا قُلْنَا وَلِمَ أنعم ( ( ( أتعم ) ) ) الْجُمْلَةَ على ما فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ونخص ( ( ( وتخص ) ) ) ما خَصَّتْ السُّنَّةُ قال نعم قُلْنَا فَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْك وَقُلْنَا أَرَأَيْت حين حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً ثُمَّ اسْتَثْنَى نِكَاحَ الْحَرَائِرِ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْت يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّحْرِيمِ جُمْلَةً وَإِبَاحَتُهُ حَرَائِرَهُنَّ تَدُلُّ على إبَاحَةِ إمَائِهِنَّ فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ نعم وَحَرَائِرُ وَإِمَاءُ الْمُشْرِكَاتِ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ قال ليس ذلك له قُلْنَا وَلِمَ قال لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ بِشَرْطِ أَنَّهُنَّ من أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْنَا وَلَا يَكُنْ من غَيْرِهِنَّ قال نعم قُلْنَا وهو يَشْرِطُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُنَّ إمَاءً وَالْأَمَةُ غَيْرُ الْحُرَّةِ كما الْكِتَابِيَّةُ غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ التي لَيْسَتْ بِكِتَابِيَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عليه أَيْضًا في إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَلْزَمُهُ فيه أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِشَرْطِ اللَّهِ عز وجل فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَهُ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقال اللَّهُ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } الْآيَةَ وقال { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ } وقال اللَّهُ عز وجل { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } فَقُلْنَا بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّ التَّحْرِيمَ في غَيْرِ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وما خَصَّتْهُ سُنَّةٌ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا هو بِالنِّكَاحِ وَلَا يُحَرِّمُ الْحَلَالُ الْحَرَامَ وَكَذَلِكَ قال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَاكَ أُمَّ امْرَأَتِهِ عَاصِيًا لِلَّهِ عز وجل لَا تَحْرُمُ عليه امْرَأَتُهُ وقال بَعْضُ الناس إذَا قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أو نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بشهوة ( ( ( شهوة ) ) ) حُرِّمَتْ عليه امْرَأَتُهُ وَحُرِّمَتْ هِيَ عليه لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَهُ قَبَّلَتْ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ حُرِّمَتْ على زَوْجِهَا فَقُلْنَا له ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ على أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هو بِالنِّكَاحِ فَهَلْ عِنْدَك سُنَّةٌ بِأَنَّ الْحَرَامَ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ قال لَا قُلْت فَأَنْتَ تَذْكُرُ شيئا ضَعِيفًا لَا يَقُومُ بمثله حُجَّةٌ لو قَالَهُ من رَوَيْته عنه في شَيْءٍ ليس فيه قُرْآنٌ وقال هذا مَوْجُودٌ فإن ما حَرَّمَهُ الْحَلَالُ فَالْحَرَامُ له أَشَدُّ تَحْرِيمًا قُلْنَا أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في التي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَالِثَةً من الطَّلَاقِ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
____________________

(7/28)


فَإِنْ نَكَحَتْ وَالنِّكَاحُ الْعُقْدَةُ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الذي طَلَّقَهَا قال ليس ذلك له لِأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنْ لَا تَحِلُّ حتى يُجَامِعَهَا الزَّوْجُ الذي يَنْكِحُهَا قُلْنَا فقال لَك فإن النِّكَاحَ يَكُونُ وَهِيَ لَا تَحِلُّ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يُحِلُّهَا فَإِنْ كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ جِمَاعَ الزَّوْجِ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الذي فَارَقَهَا فَالْمَعْنَى إنَّمَا هو في أَنْ يُجَامِعَهَا غَيْرُ زَوْجِهَا الذي فَارَقَهَا فإذا جَامَعَهَا رَجُلٌ بِزِنَا حَلَّتْ وَكَذَلِكَ إنْ جَامَعَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ حَلَّتْ قال لَا وَلَيْسَ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ زَوْجًا قُلْنَا فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أو ليس قد كان التَّزْوِيجُ مَوْجُودًا وَهِيَ لَا تَحِلُّ فَإِنَّمَا حَلَّتْ بِالْجِمَاعِ فَلَا يَضُرُّك من أَيْنَ كان الْجِمَاعُ قال لَا حتى يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ مَعًا فَيَكُونُ جِمَاعُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ قُلْنَا وَلَا يُحِلُّهَا الْجِمَاعُ الْحَرَامُ قِيَاسًا على الْجِمَاعِ الْحَلَالِ قال لَا قُلْت وَإِنْ كانت أَمَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَصَابَهَا سَيِّدُهَا قال لَا قُلْنَا فَهَذَا جِمَاعٌ حَلَالٌ قال وَإِنْ كان حَلَالًا فَلَيْسَ بِزَوْجٍ لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ حتى يَجْتَمِعَ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَيُجَامِعُهَا الزَّوْجُ قُلْنَا فَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالْحَلَالِ فقال { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وقال { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ } فَمِنْ أَيْنَ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ الْحَلَالِ حُكْمُ الْحَرَامِ وَأَبَيْت ذلك في الْمَرْأَةِ يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا وَالْأَمَةُ يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا فَيُصِيبُهَا سَيِّدُهَا وَقُلْت له قد قال اللَّهُ عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فلما كان حُكْمُ الزَّوْجَةِ إذَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا حُرِّمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ من امْرَأَةٍ يُصِيبُهَا بِفُجُورٍ أَفَتَكُونُ حُرِّمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِالطَّلَاقِ إذَا حَرَّمَ الْحَلَالَ كان لِلْحَرَامِ أَشَدَّ تَحْرِيمًا قال ليس ذلك له قُلْنَا وَلَيْسَ حُكْمُ الْحَلَالِ حُكْمَ الْحَرَامِ قال لَا قُلْنَا فَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ حُكْمُهُ فِيمَا وَصَفْت قال فإن صَاحِبَنَا قال أَقُولُ ذلك قِيَاسًا قُلْنَا فَأَيْنَ الْقِيَاسُ قال الْكَلَامُ مُحَرَّمٌ في الصَّلَاةِ فإذا تَكَلَّمَ حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا فإذا تَكَلَّمَ في الصَّلَاةِ حُرِّمَتْ عليه تِلْكَ الصَّلَاةُ أَنْ يَعُودَ فيها أو حُرِّمَتْ صَلَاةُ غَيْرِهَا بِكَلَامِهِ فيها قال لَا وَلَكِنَّهُ أَفْسَدَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا قُلْنَا فَلَوْ قَاسَ هذا الْقِيَاسَ غَيْرُ صَاحِبِك أَيُّ شَيْءٍ كُنْت تَقُولُ له لَعَلَّك كُنْت تَقُولُ له ما يَحِلُّ لَك تَكَلُّمٌ في الْفِقْهِ هذا رَجُلٌ قِيلَ له اسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا لَا تَجْزِي عَنْك إذَا تَكَلَّمْت فيها وَذَلِكَ رَجُلٌ جَامَعَ امْرَأَةً فَقُلْت له حُرِّمَتْ عَلَيْك أُخْرَى غَيْرُهَا أَبَدًا فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ صَلَاةَ غَيْرِهَا حَرَامٌ عليه أَنْ يُصَلِّيَهَا أَبَدًا وَهَذَا لَا يقول بِهِ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قُلْته فَأَيُّهُمَا تُحَرِّمُ عليه أو تَزْعُمُ أنها حَرَامٌ عليه أَنْ يُصَلِّيَهَا أَبَدًا كما زَعَمْت أَنَّ امْرَأَتَهُ إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا حُرِّمَتْ عليه أَبَدًا قال لَا أَقُولُ هذا وَلَا تُشْبِهُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَتَانِ تَحْرُمَانِ لو شَبَّهْتهمَا بِالصَّلَاةِ قُلْت له يَعُودُ في كل وَاحِدَةٍ من الِامْرَأَتَيْنِ فَيَنْكِحُهَا بِنِكَاحٍ حَلَالٍ وَقُلْت له لَا تَعُدْ في وَاحِدَةٍ من الصَّلَاتَيْنِ قُلْنَا فَلَوْ زَعَمْت قِسْته بِهِ وهو أَبْعَدُ الْأُمُورِ منه قال شَيْءٌ كان قَاسَهُ صَاحِبُنَا قُلْنَا أَفَحَمِدْت قِيَاسَهُ قال لَا ما صَنَعَ شيئا وقال فإن صَاحِبَنَا قال فَالْمَاءُ حَلَالٌ فإذا خَالَطَهُ الْحَرَامُ نَجَّسَهُ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ الذي زَعَمْت أَنَّك لَمَّا تَبَيَّنَ لَك عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَك لم يَصْنَعْ فيه شيئا قال فَكَيْفَ قُلْت أَتَجِدُ الْحَرَامَ في الْمَاءِ مُخْتَلِطًا فَالْحَلَالُ منه لَا يَتَمَيَّزُ أَبَدًا قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ بَدَنَ التي زَنَى بها مُخْتَلِطًا بِبَدَنِ ابْنَتِهَا لَا يَتَمَيَّزُ منه قال لَا قُلْت وَتَجِدُ الْمَاءَ لَا يَحِلُّ أَبَدًا إذَا خَالَطَهُ الْحَرَامُ لِأَحَدٍ من الناس قال نعم قُلْت فَتَجِدُ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَ عليه أَنْ يَنْكِحَهَا أو هِيَ حَلَالٌ له وَحَرَامٌ عليه أُمُّهَا وَابْنَتُهَا قال بَلْ هِيَ حَلَالٌ له قُلْت فَهُمَا حَلَالٌ لِغَيْرِهِ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاهُ قِيَاسًا على الْمَاءِ قال لَا قُلْت أَفَمَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ خَطَأَك في هذا ليس يَسِيرًا إذَا كان يعصى اللَّهَ عز وجل في امْرَأَةٍ فَزَنَى بها فإذا نَكَحَهَا حَلَّتْ له بِالنِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَتِهَا لم تَحِلَّ له فَتَحِلُّ له التي زَنَى بها وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى فيها وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لم يَكُنْ ذلك طَلَاقًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا على الْأَزْوَاجِ وَتَحْرُمُ عليه ابْنَتُهَا التي لم يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى
____________________

(7/29)


في أَمْرِهَا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عليه بِنْتُ امْرَأَتِهِ وَهَذِهِ عِنْدَك لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ قال فإنه يُقَالُ مَلْعُونٌ من نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا قُلْت وما أَدْرِي لَعَلَّ من زني بِامْرَأَةٍ ولم يَرَ فَرْجَ ابْنَتِهَا مَلْعُونٌ وقد أَوْعَدَ اللَّهُ عز وجل على الزنى النَّارَ وَلَعَلَّهُ مَلْعُونٌ من أتى شيئا مِمَّا يَحْرُمُ عليه فَقِيلَ له مَلْعُونٌ من نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُخْتَيْنِ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ حُرِّمَتْ عليه امْرَأَتُهُ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ في هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ اللَّهُ عز وجل الرِّجَالَ قَوَّامِينَ على النِّسَاءِ وَالطَّلَاقَ إلَيْهِمْ فَزَعَمُوا هُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا شَاءَتْ كان الطَّلَاقُ إلَيْهَا فإذا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا قَبَّلَتْ ابْنَهُ وَقَالَتْ قَبَّلْته بِشَهْوَةٍ فَحُرِّمَتْ عليه فَجَعَلُوا الْأَمْرَ إلَيْهَا وَقُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ وَجَمِيعُ الناس لَا يَخْتَلِفُونَ في ذلك عَلِمْته من طَلَّقَ غير امْرَأَتِهِ أو آلَى منها أو تَظَاهَرَ منها لم يَلْزَمْهَا من ذلك شَيْءٌ ولم يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ قال فَقُلْنَا إذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا في عِدَّتِهَا لم يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ له بِامْرَأَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ على أَصْلِ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ لَا يُخَالِفُهُ فقال بَعْضُ الناس إذَا اخْتَلَعَتْ منه فَلَا رَجْعَةَ له عليها وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ في الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لم يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ فَقُلْت له قد قال اللَّهُ عز وجل { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقُلْنَا قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ } وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْعِدَّةَ على الزَّوْجَةِ في الْوَفَاةِ فقال { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فما تَقُولُ في الْمُخْتَلِعَةِ إنْ آلَى منها في الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ أو تَظَاهَرَ هل يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ أو الظِّهَارُ قال لَا قُلْت فَإِنْ مَاتَ هل تَرِثُهُ أو مَاتَتْ هل يَرِثُهَا في الْعِدَّةِ قال لَا قُلْت وَلِمَ وَهِيَ تَعْتَدُّ منه قال لَا وَإِنْ اعْتَدَّتْ فَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هذا في الْأَزْوَاجِ وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } الْآيَةَ وإذا رَمَى الْمُخْتَلِعَةَ في الْعِدَّةِ أَيُلَاعِنُهَا قال لَا قُلْت أَفَبِالْقُرْآنِ تَبَيَّنَ أنها لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ إلَّا زَوْجَةٌ وَهَذِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرُ زَوْجَةٍ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهَا وَأَنْتَ تَقُولُ إنَّ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل تَدُلُّ على أنها لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ قال رَوَيْنَا قَوْلَنَا هذا بِحَدِيثٍ شَامِيٍّ قُلْنَا أَفَيَكُونُ مِثْلُهُ مِمَّا يَثْبُتُ قال لَا قُلْنَا فَلَا تَحْتَجُّ بِهِ قال فقال ذلك إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قُلْنَا فَهُمَا إذَا قَالَا وَإِنْ لم يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا حُجَّةٌ قال لَا قُلْنَا فَهَلْ يَحْتَجُّ بِهِمَا على قَوْلِنَا وهو يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَلَعَلَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ له عليها الرَّجْعَةَ فَيُلْزِمَانِهِ الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ وَيَجْعَلَانِ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ قال فَهَلْ قال أَحَدٌ بِقَوْلِك قُلْنَا الْكِتَابُ كَافٍ من ذلك وقد أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ما لَا يَمْلِكُ قُلْت له لو لم يَكُنْ في هذا إلَّا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ كِلَيْهِمَا أَكَانَ لَك خِلَافُهُ في أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِك إلَّا بِأَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ قال لَا قُلْت فَالْقُرْآنُ مع قَوْلِهِمَا وقد خَالَفْتهمَا وَخَالَفْت في قَوْلِك عَدَدَ آيٍ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَأَيْنَ قُلْت أن زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ في الْأَزْوَاجِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَأَنْ يَكُونَ لَهُنَّ الْمِيرَاثُ وَمِنْهُنَّ الْمِيرَاثُ وَأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ يَلْزَمُهَا وَاحِدٌ من هذا فما يَلْزَمُك إذَا قُلْت يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُ إلَّا زَوْجَةً أَنَّك خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ في إلْزَامِهَا الطَّلَاقَ أو في تَرْكِك إلْزَامَهَا الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ وَاللِّعَانَ وَالْمِيرَاثَ لها وَالْمِيرَاثَ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فما رَدَّ شيئا إلَّا أَنْ قال قال بهذا ( ( ( بها ) ) ) أَصْحَابُنَا فَقُلْت له ( 1 ) أَتَجْعَلُ قَوْلَ الرَّجُلِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/30)


مَرَّةً حُجَّةً وَلَيْسَ يَدُلُّ على مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ من الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَتَجْعَلُهُ أُخْرَى حُجَّةً وَأَنْتَ تَقُولُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يُخَالِفُهُ كما قُلْت إذَا أَرْخَى سِتْرًا وَجَبَ الْمَهْرُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَمَسَّهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِغْلَاقُ الْبَابِ وَإِرْخَاءُ السِّتْرِ ليس بِالْمَسِيسِ ثُمَّ تَتْرُكُ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ وَمَعَهُمَا خَمْسُ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا تَدُلُّ على أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ في الْعِدَّةِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَمَعَهُمَا الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتَتْرُكُ قَوْلَ عُمَرَ في الصَّيْدِ أَنَّهُ قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وفي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَقَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن حين حَكَمَا على رَجُلَيْنِ أَوْطَئَا ظَبْيًا بِشَاةٍ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على قَوْلِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } فَزَعَمْت أَنَّهُ يجزئ بِدَرَاهِمَ وَيَقُولَانِ في الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ يقول { مِثْلُ } وَأَنْتَ تَقُولُ جَزَاءَانِ وقال اللَّهُ عز وجل { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا على الْمُتَّقِينَ } وقال { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ } فَقَرَأَ إلَى { الْمُحْسِنِينَ } فقال عَامَّةُ من لَقِيت من أَصْحَابِنَا الْمُتْعَةُ هِيَ لِلَّتِي لم يُدْخَلْ بها قَطُّ ولم يُفْرَضْ لها مَهْرٌ فَطَلُقَتْ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بها الْمَفْرُوضِ لها بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ على الْمُطَلَّقَاتِ لم يُخَصِّصْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً دُونَ الْأُخْرَى بِدَلَالَةٍ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا أَثَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا التي فُرِضَ لها صَدَاقٌ ولم يُدْخَلْ بها فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْسِبُ بن عُمَرَ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ التي تُتْبَعُ لِلَّتِي لم يُدْخَلْ بها ولم يُفْرَضْ لها لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقول بَعْدَهَا { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } الْآيَةَ فرأى الْقُرْآنِ كَالدَّلَالَةِ على أنها مُخْرَجَةٌ من جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ وَلَعَلَّهُ رأي أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ أَنْ تَكُونَ الْمُطَلَّقَةُ تَأْخُذُ بِمَا اسْتَمْتَعَ بِهِ منها زَوْجُهَا عِنْدَ طَلَاقِهَا شيئا فلما كانت الْمَدْخُولُ بها تَأْخُذُ شيئا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بها إذَا لم يُفْرَضْ لها كانت التي لم يُدْخَلْ بها وقد فَرَضَ لها تَأْخُذُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِصْفَ الْمَهْرِ وهو أَكْثَرُ من الْمُتْعَةِ ولم يَسْتَمْتِعْ بها فَرَأَى حُكْمَهَا مُخَالِفًا حُكْمَ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْقُرْآنِ وَخَالَفَ حَالُهَا حَالَهُنَّ فَذَكَرْت ما وَصَفْت من هذا لِبَعْضِ من يُخَالِفُنَا وَقُلْنَا له أنت تَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مَعْنَى الْكِتَابِ إذَا احْتَمَلَهُ وَالْكِتَابُ مُحْتَمِلٌ ما قال بن عُمَرَ وَفِيهِ كَالدَّلِيلِ على قَوْلِهِ فَكَيْفَ خَالَفْته ثُمَّ لم تَزْعُمْ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ سَوَاءٌ في الْمُتْعَةِ وقال اللَّهُ عز وجل { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } لم يَخُصَّ مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ قال اسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { حَقًّا على الْمُتَّقِينَ } أنها غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ فَهُوَ على الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُخَصُّ بِهِ الْمُتَّقُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمُتْعَةَ مُتْعَتَانِ مُتْعَةٌ يُجْبِرُ عليها السُّلْطَانُ وَهِيَ مُتْعَةُ الْمَرْأَةِ لم يَفْرِضْ لها الزَّوْجُ ولم يَدْخُلْ بها فَطَلَّقَهَا وَإِنَّمَا قال اللَّهُ عز وجل فيها { حَقًّا على الْمُحْسِنِينَ } فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ ما كان حَقًّا على الْمُحْسِنِينَ حَقٌّ على غَيْرِهِمْ في هذه الْآيَةِ وَكُلِّ وَاحِدَةٍ من الْآيَتَيْنِ خَاصَّةً فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ إحْدَاهُمَا عَامَّةٌ وَالْأُخْرَى خَاصَّةٌ فَإِنْ كان هذا حَقًّا على الْمُتَّقِينَ لِمَ لم يَكُنْ حَقًّا على غَيْرِهِمْ هل مَعَك بهذا دَلَالَةُ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ أو إجْمَاعٍ فما عَلِمْته رَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت في أَنْ قال هَكَذَا قال أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُشْرِكِينَ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ } وَأَهْوَاءَهُمْ يَحْتَمِلُ سَبِيلَهُمْ في أَحْكَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ ما يَهْوُونَ وَأَيُّهُمَا كان فَقَدْ نهى عنه وَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْنَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بين أَهْلِ الْكِتَابِ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمُ اللَّهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَعْلَمَهُمْ قبل أَنْ يَحْكُمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بين الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُجِيزُ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلِهِ { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } فقال بَعْضُ الناس تَجُوزُ
____________________

(7/31)


شَهَادَتُهُمْ بَيْنَهُمْ فَقُلْنَا وَلِمَ وَاَللَّهُ عز وجل يقول { شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } وَذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخَالِفُنَا في أَنَّهُمْ من الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ لَا من غَيْرِهِمْ فَكَيْفَ أَجَزْت غير من أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قال بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ } فَقُلْت له فَقَدْ قِيلَ من غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ وَالتَّنْزِيلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَدُلُّ على ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ } وَالصَّلَاةُ الْمُؤَقَّتَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى } وَإِنَّمَا الْقَرَابَةُ بين الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْعَرَبِ أو بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الآثمين } فَإِنَّمَا يَتَأَثَّمُ من كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْلِمُونَ لَا أَهْلُ الذِّمَّةِ قال فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ على غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ قُلْت له فَأَنْتَ تَتْرُكُ ما تَأَوَّلْت قال وَأَيْنَ قُلْت أَفَتُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا من الْمُشْرِكِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ قال لَا قُلْت وَلِمَ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ دِينِنَا هل تَجِدُ في هذه الْآيَةِ أو في خَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ جَائِزَةٌ وَشَهَادَةَ غَيْرِهِمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ أو رَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ أَرَاك قد خَصَّصْت بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ بَعْضٍ فَأُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا بِمَا وَجَدُوا عليه آبَاءَهُمْ ولم يُبَدِّلُوا كِتَابًا كان في أَيْدِيهمْ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أخبرنا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَهُ قال ليس ذلك له وَفِيهِمْ قَوْمٌ لَا يَكْذِبُونَ قُلْنَا وفي أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَوْمٌ لَا يَكْذِبُونَ قال فَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ على أَنْ لَا يُجِيزُوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قُلْنَا الَّذِينَ تَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَك من أَصْحَابِنَا لم يَرُدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَالْآيَةُ مَعَهَا وَبِذَلِكَ رَدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانُوا أَخْطَئُوا فَلَا نَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِ الْمُخْطِئِينَ مَعَك وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا فَاتَّبِعْهُمْ فَقَدْ اتَّبَعُوا الْقُرْآنَ فلم يُجِيزُوا شَهَادَةَ من خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ قال فإن شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقُلْت له وَخَالَفَ شُرَيْحًا غَيْرُهُ من أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ فَأَبَوْا إجَازَةَ شَهَادَتِهِمْ بن الْمُسَيِّبِ وأبو بَكْرِ بن حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ شُرَيْحًا فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ بِرَأْيِك قال إنِّي لَأَفْعَلُ قُلْت وَلِمَ قال لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قُلْت فإذا لم يَلْزَمْك قَوْلُهُ فِيمَا ليس فيه كِتَابٌ فَقَوْلُهُ فِيمَا فيه خِلَافُ الْكِتَابِ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَك قال فإذا لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ أَضْرَرْت بِهِمْ قُلْت أنت لم تَضُرَّ بِهِمْ لهم حُكَّامٌ ولم يَزَالُوا يَسْأَلُونَ ذلك منهم وَلَا نَمْنَعُهُمْ من حُكَّامِهِمْ وإذا حَكَمْنَا لم نَحْكُمْ إلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ من إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقُلْت له أَرَأَيْت عَبِيدًا أَهْلَ فَضْلٍ وَمُرُوءَةٍ وَأَمَانَةٍ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قال لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قُلْت لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ في أَرْضِ رَجُلٍ أو ضَيْعَتِهِ فِيهِمْ قَتْلٌ وَطَلَاقٌ وَحُقُوقٌ وَغَيْرُهَا وَمَتَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بَطَلَتْ دِمَاؤُهُمْ وَحُقُوقُهُمْ قال فَأَنَا لم أُبْطِلْهَا وَإِنَّمَا أَمَرْت بِإِجَازَةِ شَهَادَةِ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت وَهَكَذَا أَعْرَابٌ كَثِيرٌ في مَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَهَكَذَا أَهْلُ سِجْنٍ لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَلَا يُخْلَطُ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ أَحَدٌ يَعْدِلُ أَتَبْطُلُ الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ التي بَيْنَهُمْ وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ قال نعم لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ قُلْنَا وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ مِمَّنْ شَرَطَ اللَّهُ من عَبِيدٍ عُدُولٍ لو أُعْتِقُوا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ من غَدٍ وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ حتى نَخْتَبِرَ إسْلَامَهُ وَقُلْت له إذَا احْتَجَجْت بِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أو آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ أَفَتُجِيزُهَا على وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل قال لَا لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْنَا أَفَتُنْسَخُ فِيمَا نَزَلَتْ فيه وَتَثْبُت في غَيْرِهِ لو قال هذا غَيْرُك كُنْت شَبِيهًا أَنْ تَخْرُجَ من جَوَابِهِ إلَى شَتْمِهِ قال ما قُلْنَا فيها إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوهُ وَأَرَدْنَا الرِّفْقَ بِهِمْ قُلْنَا الرِّفْقُ بِالْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ وَالْأَحْرَارِ من الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ السِّجْنِ كان أَوْلَى بِك وَأَلْزَمَ لَك من الرِّفْقِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فلم تَرْفُقْ بِهِمْ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ في الشُّهُودِ غَيْرُهُمْ وَغَيْرَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَيْفَ جَاوَزْت شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى في أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ ولم تُجَاوِزْهُ في الْمُسْلِمِينَ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَقُلْت أَيْضًا على هذا الْمَعْنَى إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وقد زَنَى منهم ( ( ( منه ) ) ) ثَيِّبٌ رَجَمْنَاهُ
____________________

(7/32)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى هذا الْقَوْلِ وقال أَرْجُمُهُمَا إذَا زَنَيَا لِأَنَّ ذلك حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ على أَنْ لَا يَرْجُمُهُمَا إذَا زَنَيَا وَقَالُوا جميعا في الْجُمْلَةِ نَحْكُمُ عليهم بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا أَرْبَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ حَلَالٌ قال أَرُدُّ الرِّبَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَنَا قُلْت وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى ما عِنْدَهُمْ من إحْلَالِهِ قال لَا قُلْت أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى مَجُوسِيٌّ منهم بين يَدَيْك غَنَمًا بِأَلْفٍ ثُمَّ وَقَذَهَا كُلَّهَا لِيَبِيعَهَا فَبَاعَ بَعْضَهَا مَوْقُوذًا بِرِبْحٍ وبقى بَعْضُهَا فَحَرَقَهَا عليه مُسْلِمٌ أو مَجُوسِيٌّ فقال هذا مَالِي وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ عِنْدِي وَحَلَالٌ في دِينِي وقد نَقَدْت ثَمَنَهُ بين يَدَيْك وَبِعْت بَعْضَهُ بِرِبْحٍ وَالْبَاقِي كُنْت بَائِعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ حَرَقَهُ هذا قال فَلَيْسَ لَك عليه شَيْءٌ قُلْت فَإِنْ قال لك وَلِمَ قال لِأَنَّهُ حَرَامٌ قلت فَإِنْ قال لك حَرَامٌ عِنْدَكَ أو عِنْدِي قال أَقُولُ له عِنْدِي قلت فقال هو حَلَالٌ عِنْدِي قال وَإِنْ كان حَلَالًا عِنْدَك فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدِي على وما كان حَرَامًا على فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك قُلْت فَإِنْ قال فَأَنْتَ تُقِرُّنِي على أَنْ آكُلَهُ أو أَبِيعَهُ وأنا في دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَأْخُذُ مِنِّي عليه الْجِزْيَةَ قال فَإِنْ أَقْرَرْتُك عليه فَإِقْرَارُك عليه ليس هو الذي يُوجِبُ لَك على أَنْ أَصِيرَ لَك شَرِيكًا بِأَنْ أَحْكُمَ لَك بِهِ قُلْت فما تَقُولُ إنْ قَتَلَ له خِنْزِيرًا أو أَهْرَاقَ له خَمْرًا قال يَضْمَنُ ثَمَنَهُ قُلْت وَلِمَ قال لِأَنَّهُ مَالٌ له قُلْت أَحَرَامٌ عَلَيْك أَمْ غَيْرُ حَرَامٍ قال بَلْ حَرَامٌ قُلْت أفتقضى له بِقِيمَةِ الْحَرَامِ ما فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّبَا وَثَمَنِ الْمَيْتَةِ لِلْمَيْتَةِ كانت أَوْلَى أَنْ يُقْضَى له بِثَمَنِهَا لِأَنَّ فيها أُهُبًا قد يَسْلُخُهَا فَيَدْبُغُهَا فَتَحِلُّ له وَلَيْسَ في الْخِنْزِيرِ عِنْدَك ما يَحِلُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له ما تَقُولُ في مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ سَلَخَ جُلُودَ مَيْتَةٍ لِيَدْبُغَهَا فَحَرَقَ تِلْكَ الْجُلُودَ عليه قبل الدِّبَاغِ مُسْلِمٌ أو ذِمِّيٌّ قال لَا ضَمَانَ عليه قُلْت وَلِمَ وقد تُدْبَغُ فَتَصِيرُ تسوي مَالًا كَثِيرًا وَيَحِلُّ بَيْعُهَا قال لِأَنَّهَا حُرِقَتْ ( 1 ) في وَقْتٍ فلما أُتْلِفَتْ في الْوَقْتِ الذي لَيْسَتْ فيه حَلَالًا لم أَضْمَنْهَا قُلْت وَالْخِنْزِيرُ شَرٌّ أو هذه قال بَلْ الْخِنْزِيرُ قُلْت فَظُلْمُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهِدِ أَعْظَمُ أَمْ ظُلْمِ الْمُعَاهِدِ وَحْدَهُ قال بَلْ ظُلْمُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهِدِ مَعًا قُلْت فَلَا فما أَسْمَعُك إلَّا ظَلَمْت الْمُسْلِمَ وَالْمُعَاهِدَ أو أَحَدَهُمَا حين لم تَقْضِ لِلْمُسْلِمِ بِثَمَنِ الْأُهُبِ وقد تَصِيرُ حَلَالًا وَهِيَ السَّاعَةَ له مَالٌ لو غَصَبَهُ إيَّاهَا إنْسَانٌ لم تَحِلَّ له وكان عَلَيْك رَدُّهَا إلَيْهِ وَظَلَمْت الْمُعَاهِدَ حين لم تَضْمَنْ ثَمَنَ أُهُبِهِ وَثَمَنَ مَيْتَتِهِ أو ظَلَمْته حين أَعْطَيْته ثَمَنَ الْحَرَامِ من الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هذا مُخْتَصَرٌ منه وَفِيمَا كَتَبْنَا بَيَانٌ مِمَّا لم نَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ فَقُلْنَا بِمَا قال اللَّهُ عز وجل إذَا وُجِدَ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالرِّقَابُ وَالْغَارِمُ وبن السَّبِيلِ أُعْطُوا منها كلهم ولم يَكُنْ للامام أَنْ يعطى صِنْفًا منهم وَيُحْرِمُهَا صِنْفًا يَجِدُهُمْ لِأَنَّ حَقَّ كل وَاحِدٍ منهم ثَابِتٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فقال بَعْضُ الناس إنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا صِنْفًا وَاحِدًا وَيَمْنَعَ من بقى معه فَقِيلَ له عَمَّنْ أَخَذْت هذا فذكر بَعْضَ من يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ لَا أَحْفَظُهُ قال فقال إنْ وَضَعَهَا في صِنْفٍ وَاحِدٍ ( 2 ) وهو يَجِدُ الْأَصْنَافَ أَجْزَأَهُ قُلْنَا فَلَوْ كان قَوْلُ هذا الذي حَكَيْت عنه هذا مِمَّا يَلْزَمُ لم يَكُنْ لَك فيه حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لم يَقُلْ فَإِنْ وَضَعَهَا وَالْأَصْنَافُ مَوْجُودُونَ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا قال الناس إذَا لم يُوجَدْ صِنْفٌ منها رَدَّ حِصَّتَهُ على من معه لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِ
____________________

(7/33)


اللَّهِ عز وجل لَا نَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ في كِتَابِهِ معه فَأَمَّا وَالْأَصْنَافُ مَوْجُودَةٌ فَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مَالَهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ فَيَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِمْ مع أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قال هذا الْقَوْلَ قَطُّ يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا كِتَابُ اللَّهِ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ على كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عليه وَلَا أَمْرٍ بَيِّنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد تَرَكْنَا من الْحُجَّةِ على من خَالَفَ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَا اكْتِفَاءً بِبَعْضِ ما كَتَبْنَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ وقد بَيَّنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لم يَحْتَجُّوا في إبْطَالِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِشَيْءٍ زَعَمُوا أَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ إلَّا وقد بَيَّنَّا أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ بِلَا حَدِيثٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونُوا قالوا بِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَأْخُذَ ما آتَانَا وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا ولم يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ ذلك وَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَمَعَهُ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ أَيْضًا فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ من أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ يَحْتَجُّونَ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ منه لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً لِغَيْرِهِمْ عليهم وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من ادَّعَى مَالًا فَأَقَامَ عليه شَاهِدًا أو ادعى عليه مَالٌ فَكَانَتْ عليه يَمِينٌ نُظِرَ في قِيمَةِ الْمَالِ فَإِنْ كان عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وكان الْحُكْمُ بِمَكَّةَ أَحْلَفَ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ على ما يدعى وَيُدَّعَى عليه وَإِنْ كان بِالْمَدِينَةِ حَلَفَ على مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان عليه يَمِينٌ لَا يَحْلِفُ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا كان هذا هَكَذَا حَلَفَ في الْحِجْرِ فَإِنْ كانت عليه يَمِينٌ في الْحِجْرِ أَحْلَفَ عن يَمِينِ الْمَقَامِ وَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْبَيْتِ من الْمَقَامِ وَإِنْ كان ما يَحْلِفُ عليه أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا أَحْلَفَ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَكَذَا إذَا كان ما يَحْلِفُ عليه من أَرْشِ جِنَايَةٍ أو غَيْرِهَا من الْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبَرُ على الْيَمِينِ بين الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ وَإِنْ حَنِثَ كما يُجْبَرُ على الْيَمِينِ لو لَزِمَتْهُ وَعَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ لَا يَحْلِفَ كان مَذْهَبًا وَمَنْ كان بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَحْلَفَ على عِشْرِينَ دِينَارًا أو على الْعَظِيمِ من الدَّمِ وَالْجِرَاحِ بَعْدَ الْعَصْرِ في مَسْجِدِ ذلك الْبَلَدِ وَيُتْلَى عليه { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْلِفُ على الطَّلَاقِ وَالْحُدُودِ كُلِّهَا وَجِرَاحِ الْعَمْدِ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ وَعَلَى جِرَاحِ الخطأ التي هِيَ أَمْوَالٌ إذَا بَلَغَ أَرْشُهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ لم تَبْلُغْ لم يَحْلِفْ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يدعى الْعِتْقَ إنْ بَلَغَتْ قيمتة عِشْرِينَ دِينَارًا حَلَفَ سَيِّدُهُ وَإِلَّا لم يَحْلِفْ قال وَهَذَا قَوْلُ حُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فيه إجْمَاعُهُمْ أَنَّ مُسْلِمَ بن خَالِدٍ وَالْقَدَّاحَ أَخْبَرَا عن بن جُرَيْجٍ عن عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ رَأَى قوما ( ( ( قومه ) ) ) يَحْلِفُونَ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فقال أَعَلَى دَمٍ قالوا لَا قال أَفَعَلَى عَظِيمٍ من الْأَمْرِ فَقَالُوا لَا قال لقد خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ الناس بهذا الْمَقَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَظِيمَ من الْأَمْوَالِ ما وُصِفَتْ من عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وقال مَالِكٌ يَحْلِفُ على الْمِنْبَرِ على رُبْعِ دِينَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا عبد اللَّهِ بن الْمُؤَمَّلِ عن بن أبي مُلَيْكَةَ قال كَتَبْت إلَى بن عَبَّاسٍ من الطَّائِفِ في جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا شَاهِدَ عَلَيْهِمَا فَكَتَبَ إلى أَنْ احبسهما بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ اقرأ عَلَيْهِمَا { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَفَعَلْت فَاعْتَرَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ بِإِسْنَادٍ لَا أَعْرِفُهُ أَنَّ بن الزُّبَيْرِ أَمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ على الْمُصْحَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَأَيْت مُطَرِّفًا بِصَنْعَاءَ يَحْلِفُ على الْمُصْحَفِ قال وَيَحْلِفُ
____________________

(7/34)


الذِّمِّيُّونَ في بَيْعَتِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَعَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وما عَظَّمُوا من كُتُبِهِمْ ( قال ) وَمَنْ أَحْلَفَ على حَدٍّ أو جِرَاحِ عَمْدٍ قَلَّ أَرْشُهَا أو كَثُرَ أو زَوْجٍ لَاعَنَ فَهَذَا أَعْظَمُ من عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَحْلِفُ عليه كما وَصَفْنَا بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وفي الْمَسَاجِدِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَبِمَا تُؤَكَّدُ بِهِ الْأَيْمَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ في رَجُلٍ عليه يَمِينٌ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَأَحْلَفَهُ ولم يُحَلِّفْهُ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَالْقَوْلُ في ذلك وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كان من ليس بِمَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةِ مِمَّنْ عِنْدَهُ حَاكِمٌ لَا يُجْلَبُ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَا مَكَّةَ فَيَحْلِفُ بِبَلَدِهِ فَحَلَّفَهُ في حَرَمِ اللَّهِ وفي حَرَمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْظَمُ من حَلِفِهِ في غَيْرِهِ وَلَا تُعَادُ عليه الْيَمِينُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ إذَا كان من حَقِّهِ أَنْ يَحْلِفَ بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ أو على الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ لِلْيَمِينِ بين الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ أَهْيَبُ فَتُعَادُ الْيَمِينُ عليه حتى يُؤْخَذَ منه ما عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُجْلَبُ أَحَدٌ من بَلَدٍ بِهِ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ في الْعَظِيمِ من الْأُمُورِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى مَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ وَيَحْكُمُ عليه حَاكِمُ بَلَدِهِ بِالْيَمِينِ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كان الْمَحْكُومُ عليه يَقْهَرُ حَاكِمَ بَلَدِهِ بِجُنْدٍ أو عِزٍّ فَسَأَلَ الطَّالِبُ الْخَلِيفَةَ رَفَعَهُ إلَيْهِ رَأَيْت رَفْعَهُ إنْ لم يَكُنْ حَاكِمٌ يَقْوَى عليه غَيْرُهُ فَإِنْ كان يَقْوَى عليه حَاكِمٌ غَيْرُهُ وهو أَقْرَبُ إلَيْهِ من الْخَلِيفَةِ رَأَيْت أَنْ يَرْفَعَ إلَى الذي هو أَقْرَبُ إلَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ سَوَاءٌ في الْأَيْمَانِ يَحْلِفُونَ كما وَصَفْنَا وَالْمُشْرِكُونَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ في الْأَيْمَانِ كما وَصَفْنَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِمَا يُعَظِّمُ من الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُ من الْمَوَاضِعِ بِمَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا يُعَظِّمُ الْمُسْتَحْلَفُ منهم مِثْلَ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ على مُوسَى وَبِاَللَّهِ الذي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ على عِيسَى وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ شيئا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ إمَّا يَجْهَلُونَ لِسَانَهُمْ فيه وَإِمَّا يَشُكُّونَ في مَعْنَاهُ لم يُحَلِّفُوهُمْ بِهِ وَلَا يُحَلِّفُونَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ في حَقِّ نَفْسِهِ على الْبَتِّ وَفِيمَا عليه نَفْسُهُ على الْبَتِّ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ له أَصْلُ الْحَقِّ على الرَّجُلِ فيدعى الرَّجُلُ منه الْبَرَاءَةَ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّ هذا الْحَقَّ وَيُسَمِّيه لَثَابِتٌ عليه ما اقْتَضَاهُ وَلَا شيئا منه وَلَا اقْتَضَاهُ وَلَا شيئا منه له مُقْتَضٍ بِأَمْرِهِ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ منه على أَحَدٍ وَلَا أَبْرَأ فُلَانًا الْمَشْهُودَ عليه منه وَلَا من شَيْءٍ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ عليه لَثَابِتٌ إلَى يَوْمِ حَلَفْت هذه الْيَمِينَ فَإِنْ كان الْحَقُّ لِأَبِيهِ عليه فَوَرِثَ أَبَاهُ أُحْلِفَ على الْبَتِّ في نَفْسِهِ كما وَصَفْت وَعَلَى عِلْمِهِ في أبيه ما عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَلَا شيئا منه وَلَا أَبْرَأهُ منه وَلَا من شَيْءٍ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ثُمَّ أَخَذَهُ فَإِنْ كان شَهِدَ له عليه شَاهِدٌ قال في الْيَمِينِ إنَّ ما شَهِدَ له بِهِ فُلَانُ بن فُلَانٍ على فُلَانِ بن فُلَانٍ لَحَقٌّ ثَابِتٌ عليه على ما شَهِدَ بِهِ ثُمَّ يُنَسِّقُ الْيَمِينَ كما وَصَفْت لَك وَيَتَحَفَّظُ الذي يُحَلِّفُهُ فيقول له قُلْ وَاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو وَإِنْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ بها أو على أَحَدٍ يُبَرَّأُ بها فَسَوَاءٌ في الْمَوْضِعِ الذي يَحْلِفُ فيه وَإِنْ بَدَأَ الذي له الْيَمِينُ أو الذي هِيَ عليه فَحَلَفَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أو في مَوْضِعِ الْيَمِينِ على ما ادَّعَى وادعى عليه لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ يمينه ( ( ( بمينه ) ) ) وَلَكِنْ إذَا خَرَجَ له الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ أو عليه أَحْلَفَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في ذلك فَالْحُجَّةُ فيه أَنَّ مُحَمَّدَ بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرِ بن عبد يَزِيدَ أَنَّ رُكَانَةَ بن عبد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة ثُمَّ أتى رَسُولَ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنى طَلَّقْت امْرَأَتِي البتة وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رُكَانَةُ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ قال فَقَدْ حَلَفَ رُكَانَةُ قبل خُرُوجِ الْحُكْمِ فلم يَدَعْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَحْلَفَهُ بِمِثْلِ ما حَلَفَ بِهِ فَكَانَ في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ فإذا كانت بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ لم تَعُدْ ثَانِيَةً على صَاحِبِهَا وإذا حَلَّفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رُكَانَةَ في الطَّلَاقِ
____________________

(7/35)


فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْيَمِينَ في الطَّلَاقِ كما هِيَ في غَيْرِهِ وإذا كانت الْيَمِينُ على الأرث أو له أَحْلَفَ وَكَذَلِكَ إنْ كانت على من بِلِسَانِهِ خَبَلٌ وَيُفْهَمُ بَعْضُ كَلَامِهِ وَلَا يُفْهَمُ بَعْضٌ فَإِنْ كانت على أَخْرَسَ فَكَانَ يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ وَيُفْهَمُ عنه بها أُشِيرَ إلَيْهِ وَأَحْلَفَ له وَعَلَيْهِ فَإِنْ كان لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهَمُ عنه أو كان مَعْتُوهًا أو مَخْبُولًا فَكَانَتْ الْيَمِينُ له وَقَفْتُ له حَقَّهُ حتى يُفِيقَ فَيَحْلِفَ أو يَمُوتَ فَيَحْلِفَ وَارِثُهُ وَإِنْ كانت عليه قِيلَ لِمُدَّعِيهَا انْتَظِرْ حتى يُفِيقَ وَيَحْلِفَ فَإِنْ قال بَلْ أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي قِيلَ له ليس ذلك لَك إنَّمَا يَكُونُ ذلك لَك إذَا رَدَّ الْيَمِينَ وهو لم يَرُدَّهَا وَإِنْ أَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا فلما فَرَغَ من يَمِينِهِ اسْتَثْنَى فقال إنْ شَاءَ اللَّهُ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ أَبَدًا حتى لَا يستثنى ( قال ) وَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت من أَنْ يَسْتَحْلِفَ الناس فِيمَا بين الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ وَعَلَى مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } وقال الْمُفَسِّرُونَ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل في الْمُتَلَاعِنَيْنِ { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عليه إنْ كان من الْكَاذِبِينَ } فَاسْتَدْلَلْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل على تَأْكِيدِ الْيَمِينِ على الْحَالِفِ في الْوَقْتِ الذي تَعْظُمُ فيه الْيَمِينُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَعَلَى الْحَالِفِ في اللِّعَانِ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ وَقَوْلِهِ { أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عليه إنْ كان من الْكَاذِبِينَ } وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الدَّمِ بِخَمْسِينَ يَمِينًا لِعِظَمِهِ وَبِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ على الْمِنْبَرِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ ( 1 ) عن هَاشِمِ بن عُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ عن عبد اللَّهِ بن نِسْطَاسٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من حَلَفَ على مِنْبَرِي هذا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا عن الضَّحَّاكِ بن عُثْمَانَ الْحِزَامِيِّ عن نَوْفَلِ بن مساحق الْعَامِرِيِّ عن الْمُهَاجِرِ بن أبي أُمَيَّةَ قال كَتَبَ إلى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ ابْعَثْ إلَى نُفَيْسِ بن مَكْشُوحٍ في وَثَاقٍ فَأَحْلِفْهُ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما قَتَلَ ( 2 ) ذَا دَوِيّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سمع أَبَا غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ قال اخْتَصَمَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ وبن مُطِيعٍ إلَى مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ في دَارٍ فَقَضَى بِالْيَمِينِ على زَيْدِ بن ثَابِتٍ على الْمِنْبَرِ فقال زَيْدٌ أَحْلِفُ له مَكَانِي فقال مَرْوَانُ لَا وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ على الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ من ذلك قال مَالِكٌ كَرِهَ زَيْدٌ صَبْرَ الْيَمِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه حَلَفَ على الْمِنْبَرِ في خُصُومَةٍ كانت بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عليه الْيَمِينُ على الْمِنْبَرِ فَاتَّقَاهَا وَافْتَدَى منها وقال أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ بَلَاءٍ فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْيَمِينُ على الْمِنْبَرِ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فيه عِنْدَنَا في قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ عَلِمْته - * الْخِلَافُ في الْيَمِينِ على الْمِنْبَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَابَ عَلَيْنَا الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ بَعْضُ الناس فقال وَكَيْفَ تَخْتَلِفُ الْأَيْمَانُ فَيَحْلِفُ من بِالْمَدِينَةِ على الْمِنْبَرِ وَمَنْ بِمَكَّةَ بين الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ فَكَيْفَ يَصْنَعُ من ليس بِمَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةِ أَيُجْلَبُ إلَيْهِمَا أَمْ يَحْلِفُ على غَيْرِ مِنْبَرٍ وَلَا قُرْبِ بَيْتِ اللَّهِ قال فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ كَيْفَ أَحَلَفْت الْمُلَاعِنَ أَرْبَعَةَ==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...