Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

كتاب 7.الأم محمد بن إدريس الشافعي

 

7.

كتاب 7.الأم محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  على دَعْوَاهُ في الدَّارِ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على عَرَضٍ من الْعُرُوضِ وَلَوْ كان الْأَجْنَبِيُّ صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو عَرَضٍ بِصِفَةٍ أو عَبْدٍ بِصِفَةٍ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ كان له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِمِثْلِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ الْعَرَضِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَلَوْ كان الْأَجْنَبِيُّ إنَّمَا صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَهِيَ مِثْلُ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ يُعْطِيهِ إيَّاهَا وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ أو وَجَدَ عَيْبًا فَرَدَّهَا لم يَكُنْ له على الْأَجْنَبِيِّ تِبَاعَةٌ وكان له أَنْ يَرْجِعَ على أَصْلِ دَعْوَاهُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا كان صَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُدَّعَى عليه فَتَطَوَّعَ بِمَا أَعْطَى عنه فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عليه وَإِنَّمَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ إذَا أَمَرَهُ إن يُصَالِحَ عنه قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا في دَارٍ فَصَالَحَهُ على بَيْتٍ مَعْرُوفٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَسْكُنُهُ كان جَائِزًا أو على سَطْحٍ مَعْرُوفٍ يَبِيتُ عليه كان جَائِزًا فَإِنْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ أو السَّطْحُ قبل السُّكْنَى رَجَعَ على أَصْلِ حَقِّهِ وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ السُّكْنَى تَمَّ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَبَاتَ وَانْتَقَضَ منه بِقَدْرِ ما بَقِيَ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ وَهِيَ في يَدِ رَجُلٍ عَارِيَّةً أو وَدِيعَةً أو كِرَاءً تَصَادَقَا على ذلك أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من الدَّارُ في يَدَيْهِ وَمَنْ لم يَرَ أَنْ يَقْضِيَ على الْغَائِبِ لم يَقْبَلْ منه فيها بَيِّنَةً وَأَمَرَهُ إنْ خَافَ على بَيِّنَتِهِ الْمَوْتَ أَنْ يُشْهِدَ على شَهَادَتِهِمْ وَلَوْ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ لم يَقْضِ له بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ له فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَوْ صَالَحَهُ على شَيْءٍ من دَعْوَاهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ في الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا من الْأَجْنَبِيِّ يُصَالِحُ عن الدَّعْوَى وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ شيئا لم يُسَمِّهِ فَصَالَحَهُ منه على شَيْءٍ لم يَجُزْ الصُّلْحُ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لو ادَّعَى في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حتى يُقِرَّ فإذا اقر جَازَ وَلَوْ أَقَرَّ في دَعْوَاهُ التي أَجْمَلَهَا فقال أنت صَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْت عَلَيَّ فَصَالَحَهُ منه على شَيْءٍ كان جَائِزًا كما يَجُوزُ لو تَصَادَقَا على شِرَاءٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لم يُسَمِّ الشِّرَاءَ فقال هذا ما اشْتَرَيْت مِنْك مِمَّا عَرَفْت وَعَرَفْت فَلَا تِبَاعَةَ لي قِبَلَك بَعْدَ هذا في شَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَيْت مِنْك وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَا كُلَّهَا فَاصْطَلَحَا على أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ أو بَيْتًا من الدَّارِ وَلِلْآخَرِ ما بَقِيَ فَإِنْ كان هذا بَعْدَ إقْرَارِهِمَا فَجَائِزٌ وَإِنْ كان على الْجَحْدِ فَلَا يَجُوزُ وَهُمَا على أَصْلِ دَعْوَاهُمَا وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ منها على شَيْءٍ بعد ما أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ غير أَنَّ ذلك غَيْرُ مَعْلُومٍ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه فقال الْمَصَالِحُ لِلَّذِي ادَّعَى عليه صَالَحْتُك من هذه الْأَرْضِ وقال الْآخَرُ بَلْ صَالَحْتُك من ثَوْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَيَكُونُ خَصْمًا له في هذه الْأَرْضِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا في الصُّلْحِ تَحَالَفَا وَكَانَا على أَصْلِ خُصُومَتِهِمَا مِثْلِ الْبَيْعِ سَوَاءً إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا ولم يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت دَارٌ بين وَرَثَةٍ فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ أو حَاضِرٌ فَأَقَرَّ له أَحَدُهُمْ ثُمَّ صَالَحَهُ على شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ مَضْمُونَةٍ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَذَا الْوَارِثُ الْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ على إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ إذَا كَانُوا مُنْكِرِينَ لِدَعْوَاهُ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَنَّ حَقَّهُ له دُونَ إخْوَتِهِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى منه حَقَّهُ دُونَ إخْوَتِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ إخْوَتُهُ كان لهم خَصْمًا فَإِنْ قَدَرَ على أَخْذِ حَقِّهِ كان له وَكَانَتْ لهم الشُّفْعَةُ معه بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه رَجَعَ عليه بِالصُّلْحِ فَأَخَذَهُ منه وكان لِلْآخَرِ فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ نَصِيبُهُ من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ دَارًا في يَدَيْ رَجُلَيْنِ وَرِثَاهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فيها حَقًّا فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا وَأَقَرَّ الْآخَرُ وَصَالَحَهُ على حَقِّهِ منها خَاصَّةً دُونَ حَقِّ أَخِيهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ أَخُوهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّا صَالَحَ عليه فَلَهُ ذلك وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا في يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَا هِيَ مِيرَاثٌ لنا عن أَبِينَا وَأَنْكَرَ ذلك الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قال وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُ من ذلك الذي أَقَرَّ له بِهِ على شَيْءٍ كان لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ معه فِيمَا أَقَرَّ له بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُمَا نَسَبَا ذلك إلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عليه نِصْفَ الْأَرْضِ التي في يَدَيْهِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ الْآخَرَ كان النِّصْفُ الذي أَقَرَّ بِهِ له دُونَ الْمَجْحُودِ وكان الْمَجْحُودُ على خُصُومَتِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ منه على شَيْءٍ كان ذلك له دُونَ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا كان يَدَّعِي نِصْفَهَا فَإِنْ كان لم يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ له النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه الْآخَرُ وَإِنْ كان في أَصْلِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ له النِّصْفَ وَلِهَذَا كان له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِالنِّصْفِ قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ على رَجُلٍ دَارًا مِيرَاثًا فَأَقَرَّ لَهُمَا بِذَلِكَ وَصَالَحَ أَحَدَهُمَا من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ فَلَيْسَ لِأَخِيهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا صَالَحَهُ عليه وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَارًا فَأَقَرَّ له بها وَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ على أَنْ يَسْكُنَهَا الذي في يَدَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا وَإِنْ شَاءَ لم يُتِمَّهَا وَإِنْ كان لم يُقِرَّ له إلا على أَنْ يَسْكُنَهَا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا على أَصْلِ خُصُومَتِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ جاء رَجُلٌ فَادَّعَاهَا فَأَقَرَّ له بَانِي الْمَسْجِدِ بِمَا ادَّعَى فَإِنْ كان فَضَلَ من الدَّارِ فَضْلٌ فَهُوَ له وَإِنْ كان لم يَتَصَدَّقْ بِالْمَسْجِدِ فَهُوَ له وَيَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ ما هَدَمَ من دَارِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ من ذلك على صُلْحٍ فَهُوَ جَائِزٌ قال وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه فَأَقَرَّ الَّذِينَ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ بين أَظْهُرِهِمْ وَصَالَحُوهُ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وإذا بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى فيها رَجُلٌ شيئا فَأَقَرَّ الْبَائِعُ له وَصَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَكَذَا لو غَصَبَ رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا فَبَاعَهَا أو لم يَبِعْهَا وَادَّعَى فيها رَجُلٌ آخَرُ دَعْوَى فَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ لو كانت في يَدِهِ عَارِيَّةٌ أو وَدِيعَةٌ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ له بها ثُمَّ جَحَدَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلَا يَضُرُّهُ الْجَحْدُ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ له بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ إذَا تَصَادَقَا أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُصَالِحُ الْآخِذُ لِثَمَنِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ له بِالدَّارِ وقال إنَّمَا صَالَحْته على الْجَحْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ وَهُمَا على خُصُومَتِهِمَا وَلَوْ صَالَحَ رَجُلٌ من دَعْوَى أَقَرَّ له بها على خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ خَطَأً اُنْتُقِضَ الصُّلْحُ ولم يَكُنْ على الْمُصَالِحِ أَنْ يَشْتَرِيَ له عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ وَلَا على رَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ له عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ قال وَهَكَذَا لو كان له سُكْنَى بَيْتٍ فَهَدَمَهُ إنْسَانٌ أو انْهَدَمَ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى كان لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَكُونَ لِهَذَا الْمِلْكِ ولهذا ( ( ( ولهذه ) ) ) الْخِدْمَةِ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ رَدَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقَضٌ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ كان الْعِتْقُ جَائِزًا وَكَانَتْ الْخِدْمَةُ عليه إلَى مُنْتَهَى السَّنَةِ يَرْجِعُ بها على السَّيِّدِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ عِنْدَنَا لَا نَنْقُضُهُ ما دَامَ الْمُسْتَأْجِرُ سَالِمًا قال وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ أَنْ يُخْدِمَهُ غَيْرَهُ وَيُؤَاجِرَهُ غَيْرَهُ في مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ من الْمِصْرِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ في دَارٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ بها الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ منها على عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فلم يَقْبِضْ الْمُصَالِحُ الْعَبْدَ حتى جَنَى على حُرٍّ أو عَبْدٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وَلِلْمُصَالِحِ الْخِيَارُ في أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ ثُمَّ يَفْدِيَهُ أو يُسَلِّمَهُ فَيُبَاعَ أو يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ وَيَنْقُضَ الصُّلْحَ وَلَيْسَ له أَنْ يُجِيزَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَلَوْ كان قَبَضَهُ ثُمَّ جَنَى في يَدَيْهِ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وكان كَعَبْدٍ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَنَى في يَدَيْهِ قال وَلَوْ كان وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا لم يَكُنْ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَ الْمِائَةَ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا مَعًا وَلَا يُجِيزَهَا إلَّا مَعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْمَرْدُودُ عليه وَلَوْ كان اسْتَحَقَّ كان له الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ بِنِصْفِ الصُّلْحِ وَيَرُدَّ نِصْفَهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ليس لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهُ وَلَهُ في الْعَيْبِ إمْسَاكُهُ إنْ شَاءَ
____________________

(3/224)


( قال الرَّبِيعُ ) أَصْلُ قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ بِهِ أو المبيع ( ( ( البيع ) ) ) بِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَيْعُ جميعا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَ ذلك كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الِاسْتِحْقَاقُ في الْعَيْبِ في الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ بِأَعْيَانِهَا كان كَهُوَ في الْعَبْدِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ رَجَعَ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَلَوْ كان الصُّلْحُ بِعَبْدٍ وَزَادَهُ الْآخِذُ لِلْعَبْدِ ثَوْبًا فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وكان على دَعْوَاهُ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ الذي زَادَهُ الذي في يَدَيْهِ الدَّارُ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا أو قِيمَتَهُ إنْ وُجِدَ مُسْتَهْلَكًا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَابَضَا وَجُرِحَ الْعَبْدُ جُرْحًا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْقُضَ الصُّلْحَ وَهَذَا مِثْلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ جُرِحَ عِنْدَهُ قال وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا في الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بين أَنْ يُمْسِكَهُ أو يَرُدَّهُ وَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ لَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ ما مع الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَطَلَ الصُّلْحُ في مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الصُّلْحُ عَبْدًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَزَادَهُ الْمُدَّعَى عليه عَبْدًا أو غَيْرَهُ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ الذي قُبِضَ أَيَّهُمَا كان حُرًّا بَطَلَ الصُّلْحُ وكان كَرَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَخَرَجَ حُرًّا وَلَوْ كان الْعَبْدُ الذي اسْتَحَقَّ الذي أَعْطَاهُ الْمُدَّعِي أو الْمُدَّعَى عليه قِيلَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ في يَدَيْهِ الْعَبْدُ لَك نَقْضُ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِتَرْكِ نَقْضِهِ وَقَبُولِ ما صَارَ في يَدَيْك مع الْعَبْدِ فَلَا تُكْرَهُ على نَقْضِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ ما اسْتَحَقَّ مِمَّا صَالَحَ عليه وَلَوْ كان هذا سَلَمًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ الْمُسَلَّمُ في الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ إلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ بَطَلَ السَّلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُسَلَّمُ عَبْدَيْنِ بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كان لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ في نَقْضِ السَّلَمِ وَرَدِّ الْعَبْدِ الْبَاقِي في يَدَيْهِ أو إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَيَكُونُ عليه نِصْفُ الْبَيْعِ الذي في الْعَبْدِ نِصْفُهُ إلَى أَجَلِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) يَبْطُلُ هذا كُلُّهُ وَيَنْفَسِخُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَنْزِلٍ على حِدَةٍ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَالْعَرْصَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهَا في أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِنْ أَحَبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَلَفْنَا له صَاحِبَهُ على دَعْوَاهُ فإذا حَلَفَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ لم يَحْلِفَا وَاصْطَلَحَا على شَيْءٍ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ منه بِحَقِّهِ جَازَ الصُّلْحُ وَهَكَذَا لو كانت الدَّارُ مَنْزِلًا أو مَنَازِلَ السُّفْلُ في يَدِ أَحَدِهِمَا يَدَّعِيهِ وَالْعُلُوُّ في يَدِ الْآخَرِ يَدَّعِيهِ فَتَدَاعَيَا عَرْصَةَ الدَّارِ كانت بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كما وَصَفْت وإذا كان الْجِدَارُ بين دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ وَالْأُخْرَى لِآخَرَ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ ليس بِمُتَّصِلٍ بِبِنَاءِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ إنَّمَا هو مُلْصَقٌ أو مُتَّصِلٌ بِبِنَاءِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَدَاعَيَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا تَحَالَفَا وكان بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا أَنْظُرُ في ذلك إلَى من إلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَلَا الدَّوَاخِلُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدِ الْقِمْطِ لِأَنَّهُ ليس في شَيْءٍ من ذلك دَلَالَةٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِأَحَدِهِمَا فيها جُذُوعٌ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فيها عليه أَحَلَفْتُهُمَا وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعَ بِحَالِهَا وَجَعَلْت الْجِدَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالْجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ كان هذا الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الذي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ إلَّا من أَوَّلِ الْبُنْيَانِ وَمُنْقَطِعًا من بِنَاءِ الْآخَرِ جَعَلْته لِلَّذِي هو مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ دُونَ الذي هو مُنْقَطِعٌ من بِنَائِهِ وَلَوْ كان مُتَّصِلًا اتِّصَالًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْجِدَارِ يَخْرُجُ منه لَبِنَةٌ وَيَدْخُلُ أُخْرَى أَطْوَلُ منها أَحَلَفْتُهُمَا وَجَعَلْتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ تَدَاعَيَا في هذا الْجِدَارِ ثُمَّ اصْطَلَحَا منه على شَيْءٍ بِتَصَادُقٍ مِنْهُمَا على دَعْوَاهُمَا أَجَزْت الصُّلْحَ وإذا قَضَيْت بِالْجِدَارِ بَيْنَهُمَا لم أَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فيه كُوَّةً وَلَا يَبْنِي عليه بِنَاءً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَدَعَوْتهمَا إلَى أَنْ نَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَا فَإِنْ كان عَرْضُهُ ذِرَاعًا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِبْرًا في طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْت له إنْ شِئْت أَنْ تَزِيدَهُ من عَرْضِ دَارِك أو بَيْتِك شِبْرًا آخَرَ لِيَكُونَ لَك جِدَارًا خَالِصًا فَذَلِكَ لَك وَإِنْ شِئْت تُقِرَّهُ بِحَالِهِ وَلَا تُقَاسِمَ منه فأقرره وإذا كان الْجِدَارُ بين رَجُلَيْنِ فَهَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا على أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخِرِ ثُلُثَاهُ على أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما شَاءَ عليه إذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فيه بَاطِلٌ وَإِنْ
____________________

(3/225)


شَاءَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ فإذا بَنَيَاهُ لم يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فيه بَابًا وَلَا كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْبَيْتُ في يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَاصْطَلَحَا على أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ وَلَا بِنَاءَ عليه وَالسُّفْلُ لِلْآخَرِ فَأَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ من الصُّلْحِ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا على الْإِقْرَارِ فَإِنْ تَقَارَّا أَجَزْت هذا بَيْنَهُمَا وَجَعَلْت لِهَذَا عُلُوَّهُ وَلِهَذَا سُفْلَهُ واجزت فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ الْآخَرُ ما شَاءَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ له أَنْ يَبْنِيَ عليه وَلَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) إذَا بَنَى وَسَوَاءٌ كان عليه عُلُوٌّ لم أُجِزْهُ إلَّا على إقْرَارِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عُلُوَّ بَيْتٍ لَا بِنَاءَ عليه على أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ على جِدَارِهِ وَيَسْكُنَ على سَطْحِهِ وَسَمَّى مُنْتَهَى الْبِنَاءِ أَجَزْت ذلك كما أُجِيزُ أَنْ يَبِيعَ أَرْضًا لَا بِنَاءَ فيها وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا في خَصْلَةِ أَنَّ من بَاعَ دَارًا لَا بِنَاءَ فيها فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ ما شَاءَ وَمَنْ بَاعَ سَطْحًا بِأَرْضِهِ أو أَرْضًا وَرُءُوسَ جُدْرَانٍ احْتَجْت إلَى ان أَعْلَمَ كَمْ مَبْلَغُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ من الْبِنَاءِ ما لَا تَحْمِلُهُ الْجُدْرَانُ قال وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ في سُفْلِهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَتَدَاعَى صَاحِبَا السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ الدَّرَجَ وَالدَّرَجُ بِطَرِيقِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ دُونَ صَاحِبِ السُّفْلِ بَعْدَ الْأَيْمَانِ وَسَوَاءٌ كانت الدَّرَجُ مَعْقُودَةً أو غير مَعْقُودَةٍ لِأَنَّ الدَّرَجَ إنَّمَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا وَإِنْ ارْتَفَقَ بِمَا تَحْتَهَا وَلَوْ كان الناس يَتَّخِذُونَ الدَّرَجَ لِلْمُرْتَفَقِ وَيَجْعَلُونَ ظُهُورَهَا مُدَرَّجَةً لَا بِطَرِيقٍ من الطُّرُقِ جَعَلْت الدَّرَجَ بين صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ لِأَنَّ فيها مَنْفَعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِيَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْأُخْرَى بِيَدِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بعد ما أُحْلِّفُهُمَا وإذا كان الْبَيْتُ السُّفْلُ في يَدِ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ في يَدِ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ في يَدِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو سَقْفٌ لِلسُّفْلِ مَانِعٌ له وَسَطْحٌ لِلْعُلْوِ أَرْضُهُ له فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَنْ لَا تَكُونَ بَيِّنَةٌ وَبَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا عليه وإذا اصْطَلَحَا على أَنْ يُنْقَضَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ لِعِلَّةٍ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا أو غَيْرِ عِلَّةٍ فَذَلِكَ لَهُمَا وَيُعِيدَانِ مَعًا الْبِنَاءَ كما كان وَيُؤْخَذُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إذَا كان هَدَمَهُ على أَنْ يَبْنِيَهُ أو هَدَمَهُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَإِنْ سَقَطَ الْبَيْتُ لم يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ على الْبِنَاءِ وَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِأَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ كما كان وَيَبْنِيَ عُلُوَّهُ كما كان فَذَلِكَ له وَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ من سَكْنِهِ وَنَقْضُ الْجُدْرَانِ له مَتَى شَاءَ أَنْ يَهْدِمَهَا وَمَتَى جَاءَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ كان له أَنْ يَأْخُذَهُ منه وَيَصِيرُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الذي بَنَى أَنْ يَهْدِمَ بِنَاءَهُ فَيَكُونَ ذلك له وَأَصْلَحُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ وَإِنْ تَصَادَقَا على أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ امْتَنَعَ من بِنَائِهِ وَبَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَجَائِزٌ كَهُوَ بِقَضَاءِ قَاضٍ وإذا كانت لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أو شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ حتى انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا على دَارِ رَجُلٍ فَعَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ قَطْعُ ما شَرَعَ في دَارِ الرَّجُلِ منها إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الدَّارِ تَرْكَهُ فَإِنْ شَاءَ تَرْكَهُ فَذَلِكَ له وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَهُ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَلَيْسَ بِجَائِزٍ من قِبَلِ أَنَّ ذلك إنْ كان كِرَاءً أو شِرَاءً فَإِنَّمَا هو كِرَاءُ هَوَاءٍ لَا أَرْضَ له وَلَا قَرَارَ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وإذا تَدَاعَى رَجُلَانِ في عَيْنَيْنِ أو بِئْرَيْنِ أو نَهْرَيْنِ أو غِيلَيْنِ دَعْوَى فَاصْطَلَحَا على أَنْ أَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ من دَعْوَاهُ في إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أو الْبِئْرَيْنِ أو النَّهْرَيْنِ أو ما سَمَّيْنَا على أَنَّ لِهَذَا هذه الْعَيْنَ تَامَّةً وَلِهَذَا هذه الْعَيْنَ تَامَّةً فَإِنْ كان بَعْدَ إقْرَارٍ مِنْهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ كما يَجُوزُ شِرَاءُ بَعْضِ عَيْنٍ بِشِرَاءِ بَعْضِ عَيْنٍ وإذا كان النَّهْرُ بين قَوْمٍ فَاصْطَلَحُوا على إصْلَاحِهِ بِبِنَاءٍ أو كَبْسٍ أو غَيْرِ ذلك على أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ دَعَا بَعْضُهُمْ إلَى عَمَلِهِ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ لم يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ على الْعَمَلِ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ وَكَذَلِكَ لو كان فيه ضَرَرٌ لم يُجْبَرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ إنْ شِئْتُمْ فَتَطَوَّعُوا بِالْعِمَارَةِ وَيَأْخُذُ هذا مَاءَهُ مَعَكُمْ وَمَتَى شِئْتُمْ أَنْ تَهْدِمُوا الْعِمَارَةَ هَدَمْتُمُوهَا وَأَنْتُمْ مَالِكُونَ لِلْعِمَارَةِ دُونَهُ حتى يُعْطِيَكُمْ
____________________

(3/226)


ما يَلْزَمُهُ في الْعِمَارَةِ وَيَمْلِكُهَا مَعَكُمْ وَهَكَذَا الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ عُودَ خَشَبَةٍ أو مِيزَابٍ أو غَيْرِ ذلك في جِدَارِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ الرَّجُلُ من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ جَازَ إذَا أَقَرَّ له بِهِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ زَرْعًا في أَرْضِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ من ذلك على دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ له أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ وَلَوْ كان الزَّرْعُ لِرَجُلَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ فيه دَعْوَى فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا على نِصْفِ الزَّرْعِ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ وَلَا يجبر ( ( ( يجيز ) ) ) هذا على أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا حتى يَرْضَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى في دَارٍ فَصُولِحَ منها على دَارٍ أو عبد ( ( ( بعد ) ) ) أو غَيْرِهِ فَلَهُ فيها خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كما يَكُونُ في الْبَيْعِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنْ قد رَآهُ قبل الصُّلْحِ فَلَا خِيَارَ له إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ عن حَالِهِ التي رَآهُ عليها قال وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَأَقَرَّ له بها ثُمَّ صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ فَإِنْ تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا كانت له عليه الدَّرَاهِمُ ولم يَجُزْ الصُّلْحُ وَلَوْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ الصُّلْحُ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لم يَقْبِضْ إذَا رضي ذلك الْمُصَالِحُ الْآخِذُ منه الدَّنَانِيرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ من الصُّلْحِ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ من دَنَانِيرَ على دَرَاهِمَ يَأْخُذُهَا فَكَانَ هذا مِثْلَ الصَّرْفِ لو بَقِيَ منه دِرْهَمٌ انْتَقَضَ الصَّرْفُ كُلُّهُ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ شِقْصًا في دَارٍ فَأَقَرَّ له بِهِ الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ منه على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو ثِيَابٍ بِأَعْيَانِهَا أو مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَ ما صَالَحَهُ من ذلك قبل أَنْ يَقْبِضَهُ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ ما اشْتَرَى قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَالصُّلْحُ بَيْعٌ ما جَازَ فيه جَازَ في الْبَيْعِ وما رُدَّ فيه رُدَّ في الْبَيْعِ وَسَوَاءٌ مَوْصُوفٌ أو بِعَيْنِهِ لَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ وَهَكَذَا كُلُّ ما صَالَحَ عليه من كَيْلٍ أو عَيْنٍ مَوْصُوفٍ ليس له أَنْ يَبِيعَهُ منه وَلَا من غَيْرِهِ حتى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ إذَا اُبْتِيعَ حتى يُقْبَضَ وَكُلُّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ عِنْدَنَا بمنزلتة وَذَلِكَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ من مَالِ الْبَائِعِ فَلَا يَبِيعُ ما ضَمَانُهُ من مِلْكِ غَيْرِهِ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ له بها فَصَالَحَهُ على عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ قبل الْقَبْضِ فَالْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ على حَقِّهِ من الدَّارِ أو إجَازَةِ الصُّلْحِ بِحِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ وَيَكُونُ له نَصِيبُهُ من الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على عَبْدٍ فَمَاتَ بَطَلَ الصُّلْحُ وكان على حَقِّهِ من الدَّارِ وَلَوْ لم يَمُتْ وَلَكِنَّ رجل ( ( ( رجلا ) ) ) جَنَى عليه فَقَتَلَهُ خُيِّرَ بين أَنْ يُجِيزَ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ أو يَرُدَّ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَهُ رَبُّ الْعَبْدِ الْبَائِعُ له وَهَكَذَا لو قَتَلَهُ عَبْدٌ أو حُرٌّ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ الْعَبْدُ فَأَخَذَ مَالِكُهُ قِيمَتَهُ فَلَا يُجْبَرُ الْمُصَالَحُ وَلَا رَبُّ الْعَبْدِ على أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدًا مَكَانَهُ فَإِنْ كان اسْتَخْدَمَهُ شيئا جَازَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما اسْتَخْدَمَهُ وَبَطَلَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما بَطَلَ من الْخِدْمَةِ وَلَوْ لم يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّهُ جُرِحَ جُرْحًا فَاخْتَارَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدَعَهُ يُبَاعُ كان كَالْمَوْتِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ شيئا فَأَقَرَّ له بِهِ فَصَالَحَهُ الْمُقِرُّ على مَسِيلِ مَاءٍ فَإِنْ سَمَّى له عَرْضَ الْأَرْضِ التي يَسِيلُ عليها الْمَاءُ وَطُولَهَا وَمُنْتَهَاهَا فَجَائِزٌ إذَا كان يَمْلِكُ الْأَرْضَ لم يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ يَسِيلُ الْمَاءُ في كَذَا وَكَذَا لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ كما لَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ لم يُسَمِّ إلَّا مَسِيلًا لم يَجُزْ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَنْ يَسْقِيَ أَرْضًا له من نَهْرٍ أو عَيْنٍ وَقْتًا من الْأَوْقَاتِ لم يَجُزْ وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ له لو صَالَحَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ أو رُبُعِهَا وكان يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنِ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على أَنْ يَسْقِيَ مَاشِيَةً له شَهْرًا من مَائِهِ لم يَجُزْ وإذا كانت الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا منها أَقَلُّ مِمَّا لِلْآخَرِ فَدَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ إلَى الْقَسْمِ وَكَرِهَهُ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى له منه ما يَنْتَفِعُ بِهِ أَجْبَرْته على الْقَسْمِ وَهَكَذَا لو كانت بين عَدَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُونَ لَا يَنْتَفِعُونَ أَجْبَرْتهمْ على الْقَسْمِ لِلَّذِي دَعَا إلَى
____________________

(3/227)


الْقَسْمِ وَجَمَعْت لِلْآخَرِينَ نَصِيبَهُمْ إنْ شاؤوا وإذا كان الضَّرَرُ عليهم جميعا لم أقسم إنَّمَا يُقْسَمُ إذَا كان أَحَدُهُمْ يَصِيرُ إلَى مَنْفَعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ - * الْحَوَالَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما قال مَالِكُ بن أَنَسٍ إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَحَالَ الرَّجُلَ على الرَّجُلِ بِحَقٍّ له ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو مَاتَ لم يَرْجِعْ الْمُحَالُ على الْمُحِيلِ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فيه قال مَالِكُ بن أَنَسٍ أخبرنا عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَطْلُ الغنى ظُلْمٌ وإذا اتبع أحدكم على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما في هذا مِمَّا يَدُلُّ على تَقْوِيَةِ قَوْلِك قِيلَ أَرَأَيْتَ لو كان الْمُحَالُ يَرْجِعُ على الْمُحِيلِ كما قال محمد بن الْحَسَنِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه في الْحَيَاةِ أو مَاتَ مُفْلِسًا هل يَصِيرُ الْمُحَالُ على من أُحِيلَ أَرَأَيْتَ لو أُحِيلَ على مُفْلِسٍ وكان حَقُّهُ نائيا ( ( ( نائبا ) ) ) عن الْمُحِيلِ هل كان يَزْدَادُ بِذَلِكَ إلَّا خَيْرًا إنْ أَيْسَرَ الْمُفْلِسُ وَإِلَّا فَحَقُّهُ حَيْثُ كان وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في هذا أَمَّا قَوْلُنَا إذَا بَرِئْت من حَقِّك وَضَمِنَهُ غيري فَالْبَرَاءَةُ لَا تَرْجِعُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَإِمَّا لَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ جَائِزَةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ أَكُونَ بَرِيئًا من دَيْنِك إذَا أَحَلْتُك لو حَلَفْت وَحَلَفْت ما لَك على حَقٌّ بَرَرْنَا فَإِنْ أَفْلَسَ عُدْت عَلَيَّ بِشَيْءٍ بَعْدَ بَرِئْت منه بِأَمْرٍ قد رَضِيت بِهِ جَائِزًا بين الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ محمد بن الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ قال في الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهُ لَا توي على مَالِ مُسْلِمٍ وهو في أَصْلِ قَوْلِهِ يَبْطُلُ من وَجْهَيْنِ وَلَوْ كان ثَابِتًا عن عُثْمَانَ لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ إنَّمَا شُكَّ فيه عن عُثْمَانَ وَلَوْ ثَبَتَ ذلك عن عُثْمَانَ احْتَمَلَ حَدِيثُ عُثْمَانَ خِلَافَهُ وإذا أَحَالَ الرَّجُلُ
____________________

(3/228)


على الرَّجُلِ بِالْحَقِّ فَأَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو مَاتَ وَلَا شَيْءَ له لم يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُحِيلِ من قِبَلِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَحَوُّلُ حَقٍّ من مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِهِ وما تَحَوَّلَ لم يَعُدْ وَالْحَوَالَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْحَمَالَةِ ما تَحَوَّلَ عنه لم يَعُدْ إلَّا بِتَجْدِيدِ عَوْدَتِهِ عليه وَنَأْخُذُ الْمُحْتَالَ عليه دُونَ الْمُحِيلِ بِكُلِّ حَالٍ - * بَابُ الضَّمَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا تَحَمَّلَ أو تَكَفَّلَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ بِالدَّيْنِ فَمَاتَ الْحَمِيلُ قبل يَحِلَّ الدَّيْنُ فَلِلْمُتَحَمَّلِ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا حَمَلَ له بِهِ فإذا قَبَضَ مَالَهُ بريء الذي عليه الدَّيْنُ وَالْحَمِيلُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْحَمِيلِ أَنْ يَرْجِعُوا على الْمَحْمُولِ عنه بِمَا دَفَعُوا عنه حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَهَكَذَا لو مَاتَ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ عنه لم يَكُنْ له أَخْذُهُ حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وقال في الْحَمَالَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا تَحَمَّلَ أو تَكَفَّلَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ بِدَيْنٍ فَمَاتَ الْمُحْتَمِلُ قبل أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَلِلْمُحْتَمِلِ عنه أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا حَمَلَ له بِهِ فإذا قَبَضَ مَالَهُ بريء الذي عليه الدَّيْنُ وَالْحَمِيلُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْحَمِيلِ أَنْ يَرْجِعُوا على الْمَحْمُولِ عنه بِمَا دَفَعُوا عنه حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَهَكَذَا لو مَاتَ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِهِ فإذا عَجَزَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْمَالُ فَكَفَلَ له بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَ مَالَهُ إذَا كانت الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً فإذا كانت الْكَفَالَةُ بِشَرْطٍ كان لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ على ما شَرَطَ له دُونَ ما لم يَشْرِطْ له وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ما قَضَى لَك بِهِ على فُلَانٍ أو شَهِدَ لَك بِهِ عليه شُهُودٌ أو ما أَشْبَهَ هذا فَأَنَا له ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يقضي له وَلَا يقضي وَيُشْهَدُ له وَلَا يُشْهَدُ له فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا شَهِدَ بِهِ بِوُجُوهٍ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ هذا ضَمَانًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِمَا عَرَفَهُ الضَّامِنُ فَأَمَّا ما لم يَعْرِفْهُ فَهُوَ من الْمُخَاطَرَةِ وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بعد ما يَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُ لِمَنْ هو
____________________

(3/229)


فَالضَّمَانُ له لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شيئا أو لم يَتْرُكْهُ فإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ لَا كَسْبُ مَالٍ فإذا كنا نَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَكَذَلِكَ نَمْنَعُهُ أَنْ يَكْفُلَ فَيَغْرَمَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ أخبرنا بن عيينه عن هَارُونَ بن رياب ( ( ( رئاب ) ) ) عن كِنَانَةَ بن نُعَيْمٍ عن قَبِيصَةَ بن الْمُخَارِقِ قال حَمَلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فقال يا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حُرِّمَتْ إلَّا في ثَلَاثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ له الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ له بِمَالٍ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ له الْخِيَارَ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحَلَفَهُ ما كَفَلَ له إلَّا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ وَالْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِخِيَارٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعِّضُ عليه إقْرَارَهُ فَيَلْزَمُهُ ما يَضُرُّهُ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَكْفُولُ له لقد جَعَلَ له كَفَالَةً بَتٍّ لَا خِيَارَ فيه وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ على الْخِيَارِ لَا تَجُوزُ وإذا جَازَتْ بِغَيْرِ خِيَارٍ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْكَافِلَ بِالنَّفْسِ مَالٌ إلَّا أَنْ يسمى مَالًا كُفِلَ به وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ لَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ وَلَوْ كَفَلَ له بِمَا لَزِمَ رَجُلًا في جُرُوحِ عَمْدٍ فَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَرَادَ أَرْشَ الْجِرَاحِ فَهُوَ له وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَالٍ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا فَضَمِنَ له رَجُلٌ عُهْدَتَهَا أو خَلَاصَهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الضَّامِنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له خَلَاصَهَا وَالْخَلَاصُ مَالٌ يُسَلَّمُ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ ولم يَبْرَأْ الْأَوَّلُ فَكِلَاهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ
____________________

(3/230)


- * الشَّرِكَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلٌ وَلَا أَعْرِفُ شيئا من الدُّنْيَا يَكُونُ بَاطِلًا إنْ لم تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ يَعُدَّانِ الْمُفَاوَضَةَ خَلْطَ الْمَالِ وَالْعَمَلَ فيه وَاقْتِسَامَ الرِّبْحِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ التي يقول بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ لها شَرِكَةُ عَنَانٍ وإذا اشْتَرَكَا مُفَاوَضَةً وَتَشَارَطَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا هذا الْمَعْنَى فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وما رُزِقَ أَحَدُهُمَا من غَيْرِ هذا الْمَالِ الذي اشْتَرَكَا فيه من تِجَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو كَنْزٌ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ له دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ زَعَمَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا بِأَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ في كل
____________________

(3/231)


ما أَفَادَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ بِسَبَبِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَاسِدَةٌ وَلَا أَعْرِفُ الْقِمَارَ إلَّا في هذا أو أَقَلَّ منه أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِدَ أَحَدُهُمَا كَنْزًا فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرَأَيْتَ لو تَشَارَطَا على هذا من غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَطَا بِمَالٍ أَكَانَ يَجُوزُ أو رأيت ( ( ( أرأيت ) ) ) رَجُلًا وُهِبَ له هِبَةٌ أو أجر نَفْسَهُ في عَمَلٍ فَأَفَادَ مَالًا من عَمَلٍ أو هِبَةٍ أَيَكُونُ الْآخَرُ له فيه شَرِيكًا لقد أَنْكَرُوا أَقَلَّ من هذا - * الْوَكَالَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَرِضَ الْوَكِيلُ أو أَرَادَ الْغَيْبَةَ أو لم يُرِدْهَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رضي بِوَكَالَتِهِ ولم يَرْضَ بِوَكَالَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ قال وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ من رَأَى كان ذلك له بِرِضَا الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَكَالَةً ولم يَقُلْ له في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُقِرَّ عليه وَلَا يُصَالِحَ وَلَا يُبْرِئَ وَلَا يَهَبَ فَإِنْ فَعَلَ فما فَعَلَ من ذلك كُلِّهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا لم يُوَكِّلْهُ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِطَلَبِ حَدٍّ له أو قِصَاصٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ على تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ فإذا حَضَرَ الْحَدَّ أو الْقِصَاصَ لم أَحْدُدْهُ ولم أَقْصُصْ حتى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ له وَالْمُقْتَصُّ له من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْزِلُهُ فَيُبْطِلُ الْقِصَاصَ وَيَعْفُو وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وهو عِنْدَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فذكر أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَكَّلَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ لم أُجْبِرْهُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فإذا دَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَبْرَأْ من الْمَالِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الْمَالِ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أو
____________________

(3/232)


تَقُومَ بَيِّنَةٌ عليه بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى هذا الذي ادَّعَى الْوَكَالَةَ دَيْنًا على رَبِّ الْمَالِ لم يُجْبَرْ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ إيَّاهُ بِهِ إقْرَارٌ منه على غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على غَيْرِهِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ أَثْبَتَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا حَضَرَ معه الْخَصْمُ أو لم يَحْضُرْ معه وَلَيْسَ الْخَصْمُ من هذا بِسَبِيلٍ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ له ولم يَزِدْ على هذا فَالْوَكَالَةُ غَيْرُ جَائِزَةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يبيع ( ( ( ببيع ) ) ) الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيَحْفَظُهُ وَيَدْفَعُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَغَيْرَهُ فلما كان يَحْتَمِلُ هذه الْمَعَانِيَ وَغَيْرَهَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا حتى يُبَيِّنَ الْوَكَالَاتِ من بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ أو خُصُومَةٍ أو عِمَارَةٍ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَقْبَلُ الْوَكَالَةَ من الْحَاضِرِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الْعُذْرِ وَغَيْرِ الْعُذْرِ وقد كان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه وَكَّلَ عِنْدَ عُثْمَانَ بن عَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ فَقِيلَ ذلك عُثْمَانُ وكان يُوَكِّلُ قبل عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ عَقِيلَ بن أبي طَالِبٍ وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كان يُوَكِّلُهُ عِنْدَ عُمَرَ وَلَعَلَّ عِنْدَ أبي بَكْرٍ وكان عَلِيٌّ يقول إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ إقْرَارُهُ إذَا كان ظَاهِرًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بالزنى فَرَجَمَهُ وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ على امْرَأَةِ رَجُلٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ بالزنى فَارْجُمْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان هذا في مَعْنَى ما وَصَفْت من حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ لِلْمَرْءِ وَعَلَيْهِ ما أَظْهَرَ من الْقَوْلِ وَأَنَّهُ أَمِينٌ على نَفْسِهِ فَمَنْ أَقَرَّ من الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِهِ عُقُوبَةٌ في بَدَنِهِ من حَدٍّ أو قَتْلٍ أو قِصَاصٍ أو ضَرْبٍ أو قَطْعٍ لَزِمَهُ ذلك الْإِقْرَارُ حُرًّا كان أو مَمْلُوكًا مَحْجُورًا كان أو غير مَحْجُورٍ عليه لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عليه الْفَرْضُ في بَدَنِهِ وَلَا يَسْقُطُ إقْرَارُهُ عنه فِيمَا لَزِمَهُ في بَدَنِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عليه في مَالِهِ لَا بَدَنِهِ وَلَا عن الْعَبْدِ وَإِنْ كان مَالًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّلَفَ علي بَدَنِهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْفَرْضِ كما يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا ما لَا أَعْلَمُ فيه من أَحَدٍ سَمِعْت منه مِمَّنْ أَرْضَى خِلَافًا وقد أَمَرَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها بِعَبْدٍ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَقُطِعَ وَسَوَاءٌ كان هذا الْحَدُّ لِلَّهِ أو بِشَيْءٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِآدَمِيٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْبَالِغَانِ غَيْرُ الْمَحْجُورَيْنِ في أَمْوَالِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ أقرا ( ( ( أقر ) ) ) بِهِ لَزِمَهُمَا كما أَقَرَّا بِهِ
____________________

(3/233)


وما أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ في أَمْوَالِهِمَا لم يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا في حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ في الْحُكْمِ في الدُّنْيَا وَيَلْزَمُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل تَأْدِيَتُهُ إذَا خَرَجَا من الْحَجْرِ إلَى من اقرا له بِهِ وَسَوَاءٌ من أَيِّ وَجْهٍ كان ذلك الْإِقْرَارُ إذَا كان لَا يَلْزَمُ إلَّا أَمْوَالُهُمَا بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّا بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أو عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فيه أو شِرَاءٍ أو عِتْقٍ أو بَيْعٍ أو اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَكُلُّ ذلك سَاقِطٌ عنهما في الْحُكْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّا بِعَمْدٍ فيه قِصَاصٌ لَزِمَهُمَا وَلِوَلِيِّ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ الْقِصَاصُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذلك من أَمْوَالِهِمَا من قِبَلِ أَنَّ عَلَيْهِمَا فَرْضًا في أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّ من فَرْضِ اللَّهِ عز وجل الْقِصَاصَ فلما فَرَضَ اللَّهُ الْقِصَاصَ دَلَّ على أَنَّ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ أَنْ يَعْفُوَ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْعَقْلَ وَدَلَّتْ عليه السُّنَّةُ فَلَزِمَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمَا الْبَالِغَيْنِ ما أَقَرَّا بِهِ وكان لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ وَعَفْوِهِ على مَالٍ يَأْخُذُهُ مَكَانَهُ وَهَكَذَا الْعَبْدُ الْبَالِغُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ من جُرْحٍ أو نَفْسٍ فيها قِصَاصٌ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أو الْمَجْرُوحِ أَنْ يَقْتَصَّ منه أو يَعْفُوَ الْقِصَاصَ على أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ في عنق ( ( ( عتق ) ) ) الْعَبْدِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ مَالًا لِلسَّيِّدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اقر الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها أو خَطَأً لم يَلْزَمْهُ في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ منها شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ إذَا عَتَقَ يَوْمًا ما في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَقَرَّ بِهِ الْمَحْجُورَانِ من غَصْبٍ أو قَتْلٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا ليس فيه حَدٌّ بَطَلَ عنهما مَعًا فَيَبْطُلُ عن الْمَحْجُورَيْنِ الْحُرَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَبْطُلُ عن الْعَبْدِ في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ التي اقر بها إذَا عَتَقَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلْتُهُ عنه لِأَنَّهُ مِلْكَ له في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ لَا من جِهَةِ حجرى على الْحُرِّ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ ما أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرُ الْمَأْذُونِ له فيها وَالْعَاقِلُ من الْعَبِيدِ وَالْمُقَصِّرُ إذَا كان بَالِغًا غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من كل شَيْءٍ إلَّا ما اقر بِهِ الْعَبْدُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ وَأُذِنَ له فيه من التِّجَارَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اقر الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ وَالْعَبْدُ بِسَرِقَةٍ في مِثْلِهَا الْقَطْعُ قُطِعُوا مَعًا وَلَزِمَ الْحُرَّيْنِ غُرْمُ السَّرِقَةِ في أَمْوَالِهِمَا وَالْعَبْدُ في عُنُقِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَطَلَتْ الْغُرْمُ عن الْمَحْجُورَيْنِ لِلْحَجْرِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ في رَقَبَتِهِ لم أَقْطَعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ إلَّا مَعًا وَلَا يَحِقَّانِ إلَّا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرُّوا مَعًا بِسَرِقَةٍ بَالِغَةٍ ما بَلَغَتْ لَا قَطْعَ فيها أَبْطَلْتهَا عَنْهُمْ مَعًا عن الْمَحْجُورَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ من أَمْوَالِهِمَا وَعَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ في عُنُقِهِ بِلَا حَدٍّ في بَدَنِهِ وَهَكَذَا ما اقر بِهِ الْمُرْتَدُّ من هَؤُلَاءِ في حَالِ رِدَّتِهِ أَلْزَمْتُهُ إيَّاهُ كما أُلْزِمُهُ إيَّاهُ قبل رِدَّتِهِ - * إقْرَارُ من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ من الرِّجَالِ وَلَا الْمَحِيضَ من النِّسَاءِ ولم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِحَقٍّ لِلَّهِ أو حَقٍّ لِآدَمِيٍّ في بَدَنِهِ أو مَالِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَاقِطٌ عنه لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا خَاطَبَ بِالْفَرَائِضِ التي فيها الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْعَاقِلِينَ الْبَالِغِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا نَنْظُرُ في هذا إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إنْ قال لم أَبْلُغْ وَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وقد احْتَلَمَ ولم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَفَ إقْرَارُهُ فَإِنْ حَاضَ وهو مُشْكِلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ حتى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَذَلِكَ إنْ حَاضَ ولم يَحْتَلِمْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِحَالٍ حتى يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهَذَا سَوَاءٌ في الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ إذَا قال سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ أو أبو الصَّبِيِّ لم يَبْلُغْ وقال الْمَمْلُوكُ أو الصَّبِيُّ قد بَلَغْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ إذَا كان يُشْبِهُ ما قال فَإِنْ كان لَا يُشْبِهُ ما قال لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ أَبُوهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِهِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ مثله لَا يَبْلُغُ خَمْسَ عَشْرَةَ لم يَجُزْ أَنْ أَقْبَلَ إقْرَارَهُ وإذا أَبْطَلْته عنه في هذه الْحَالِ لم أُلْزِمْهُ الْحُرَّ
____________________

(3/234)


وَلَا الْمَمْلُوكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ في الْحُكْمِ وَيَلْزَمُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُؤَدُّوا إلَى الْعِبَادِ في ذلك حُقُوقَهُمْ - * إقْرَارُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى من أَصَابَهُ مَرَضٌ ما كان الْمَرَضُ فَغَلَبَ على عَقْلِهِ فَأَقَرَّ في حَالِ الْغَلَبَةِ على عَقْلِهِ فَإِقْرَارُهُ في كل ما أَقَرَّ بِهِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عليه في حَالِهِ تِلْكَ وَسَوَاءٌ كان ذلك الْمَرَضُ بِشَيْءٍ أَكَلَهُ أو شَرِبَهُ لِيَتَدَاوَى بِهِ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ أو بِعَارِضٍ لَا يدري ما سَبَبُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَرِبَ رَجُلٌ خَمْرًا أو نَبِيذًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ وَفَعَلَ مِمَّا لِلَّهِ وَلِلْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفَرَائِضُ وَلِأَنَّ عليه حَرَامًا وَحَلَالًا وهو آثِمٌ بِمَا دخل فيه من شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَسْقُطُ عنه ما صَنَعَ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ في شُرْبِ الْخَمْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أُكْرِهَ فَأُوجِرَ خَمْرًا فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لم يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ له فِيمَا صَنَعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ في صِحَّتِهِ أَنَّهُ فَعَلَ شيئا في حَالِ ضُرٍّ غَلَبَهُ على عَقْلِهِ لم يَلْزَمْهُ في ذلك حَدٌّ بِحَالٍ لَا لِلَّهِ وَلَا لِلْآدَمِيِّينَ كَأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ رَجُلًا أو قَتَلَهُ أو سَرَقَهُ أو قَذَفَهُ أو زَنَى فَلَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ وَلَا قَطْعٌ وَلَا حَدٌّ في الزنى وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أو الْمَجْرُوحِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهِ الْأَرْشَ وَكَذَلِكَ لِلْمَسْرُوقِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْقَذْفِ ثُمَّ هَكَذَا الْبَالِغُ إذَا اقر أَنَّهُ صَنَعَ من هذا في الصِّغَرِ لَا يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَقَرَّ في حَالِ غَلَبَتِهِ على عَقْلِهِ وَصِغَرِهِ فَأَبْطَلْته عنه ثُمَّ قَامَتْ بِهِ عليه بَيِّنَةٌ أَخَذْت منه ما كان في مَالِهِ دُونَ ما كان في بَدَنِهِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَكْثَرُ من بَيِّنَةٍ لو قَامَتْ عليه وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ فَعَلَ من هذا شيئا وهو مَمْلُوكٌ بَالِغٌ أَلْزَمْته حَدَّ الْمَمْلُوكِ فيه كُلَّهُ فَإِنْ كان قَذْفًا حَدَدْته أَرْبَعِينَ أو زِنًا حَدَدْته خَمْسِينَ وَنَفَيْته نِصْفَ سَنَةٍ إذَا لم يُحِدَّ قبل إقْرَارِهِ أو قَطَعَ يَدَ حُرٍّ أو رِجْلَهُ عَمْدًا اقْتَصَصْت منه إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُقْتَصُّ له أَخْذَ الْأَرْشِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَهُ وَكَذَلِكَ لو اقر بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِمَمْلُوكٍ يُقْتَصُّ منه لِأَنَّهُ لو جَنَى على مَمْلُوكٍ وهو مَمْلُوكٌ فَأُعْتِقَ أَلْزَمْته الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُرَّ في خَصْلَةِ ما أَقَرَّ بِهِ من مَالٍ أَلْزَمْته إيَّاهُ نَفْسَهُ إذَا أُعْتِقَ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارٍ كما يُقِرُّ الرَّجُلُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَأَجْعَلُهَا في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ تَلْزَمُ عُنُقَهُ وهو مَمْلُوكٌ أَلْزَمْت سَيِّدَهُ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ يوم جَنَى وَالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَحَالَ بِعِتْقِهِ دُونَ بَيْعِهِ - * إقْرَارُ الصَّبِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ من حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل أو لآدمي ( ( ( الآدمي ) ) ) أو حَقٍّ في مَالِهِ أو غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عنه وَسَوَاءٌ كان الصَّبِيُّ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ أَذِنَ له بِهِ أَبُوهُ أو وَلِيُّهُ من كان أو حَاكِمٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ له في التِّجَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عنه وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَجَزْت إقْرَارَهُ إذَا أُذِنَ له في التِّجَارَةِ أَجَزْت أَنْ يَأْذَنَ له أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَأُلْزِمُهُ أو يَأْمُرُهُ فَيَقْذِفُ رَجُلًا فَأَحُدُّهُ أو يَجْرَحُ فَأَقْتَصُّ منه فَكَانَ هذا وما يُشْبِهُهُ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ من إقْرَارِهِ لو أُذِنَ له في التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أبيه وَأَمْرُ أبيه في التِّجَارَةِ ليس بِإِذْنٍ بِالْإِقْرَارِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من هذا ما يَلْزَمُ الْبَالِغَ بِحَالٍ
____________________

(3/235)


- * الْإِكْرَاهُ وما في مَعْنَاهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ فلما وَضَعَ اللَّهُ عنه سَقَطَتْ عنه أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ على الْقَوْلِ كُلِّهِ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عن الناس سَقَطَ ما هو أَصْغَرُ منه وما يَكُونُ حُكْمُهُ بِثُبُوتِهِ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِكْرَاهُ أَنْ يَصِيرَ الرَّجُلُ في يَدَيْ من لَا يَقْدِرُ على الإمتناع منه من سُلْطَانٍ أو لِصٍّ أو مُتَغَلِّبٍ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَيَكُونُ الْمُكْرَهُ يَخَافُ خَوْفًا عليه دَلَالَةٌ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ من قَوْلِ ما أُمِرَ بِهِ يَبْلُغُ بِهِ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ أو أَكْثَرُ منه أو إتْلَافُ نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا خَافَ هذا سَقَطَ عنه حُكْمُ ما أُكْرِهَ عليه من قَوْلٍ ما كان الْقَوْلُ شِرَاءً أو بَيْعًا أو إقْرَارًا لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أو حَدٍّ أو إقْرَارًا بِنِكَاحٍ أو عِتْقٍ أو طَلَاقٍ أو إحْدَاثِ وَاحِدٍ من هذا وهو مُكْرَهٌ فَأَيُّ هذا أَحْدَثَ وهو مُكْرَهٌ لم يَلْزَمْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَا يَقَعُ في نَفْسِهِ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت لم يَسْعَ أَنْ يَفْعَلَ شيئا مِمَّا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْقُطُ عنه وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ غير خَائِفٍ على نَفْسِهِ أَلْزَمْته حُكْمَهُ كُلَّهُ في الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أو قُيِّدَ فَخَافَ طُولَ الْقَيْدِ أو أُوعِدَ فَخَافَ أَنْ يُوقِعَ بِهِ من الْوَعِيدِ بَعْضَ ما وَصَفْت أَنَّ الْإِكْرَاهَ سَاقِطٌ بِهِ سَقَطَ عنه ما أُكْرِهَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ فَعَلَ شيئا له حُكْمٌ فَأَقَرَّ بَعْدَ فِعْلِهِ أَنَّهُ لم يَخَفْ أَنْ يُوَفَّى له بِوَعِيدٍ أَلْزَمْته ما أَحْدَثَ من إقْرَارٍ أو غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أو قُيِّدَ فقال ظَنَنْت أَنِّي إذَا امْتَنَعْت مِمَّا أُكْرِهْت عليه لم يَنَلْنِي حَبْسٌ أَكْثَرُ من سَاعَةٍ أو لم يَنَلْنِي عُقُوبَةٌ خِفْت أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَأْثَمُ عنه فِيمَا فيه مَأْثَمٌ مِمَّا قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَسْقُطُ عنه من قِبَلِ أَنَّ الذي بِهِ الْكُرْهُ كان ولم يَكُنْ على يَقِينٍ من التَّخَلُّصِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حُبِسَ ثُمَّ خُلِّيَ ثُمَّ أَقَرَّ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَهَكَذَا لو ضُرِبَ ضَرْبَةً أو ضَرَبَاتٍ ثُمَّ خُلِّيَ فَأَقَرَّ ولم يَقُلْ له بَعْدَ ذلك ولم يَحْدُثْ له خَوْفٌ له سَبَبٌ فَأَحْدَثَ شيئا لَزِمَهُ وَإِنْ أَحْدَثَ له أَمْرٌ فَهُوَ بَعْدَ سَبَبِ الضَّرْبِ وَالْإِقْرَارُ سَاقِطٌ عنه قال وإذا قال الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَقْرَرْتُ لَك بِكَذَا وأنا مُكْرَهٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُقَرِّ له الْبَيِّنَةُ على إقْرَارِهِ له غير مُكْرَهٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كان مُكْرَهًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كان مَحْبُوسًا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ وهو مَحْبُوسٌ بِكَذَا أو لَدَى سُلْطَانٍ بِكَذَا فقال الْمَشْهُودُ عليه أَقْرَرْتُ لِغَمِّ الْحَبْسِ أو لِإِكْرَاهِ السُّلْطَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ غير مُكْرَهٍ وَلَا يَخَافُ حين شَهِدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ غير مكره ( ( ( مكروه ) ) ) وَلَا مَحْبُوسٍ بِسَبَبِ ما أَقَرَّ له وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِنَصِّهِ في كِتَابِ الْإِكْرَاهِ سُئِلَ الرَّبِيعُ عن كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فقال لَا أَعْرِفُهُ - * جِمَاعُ الْإِقْرَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ أُلْزِمَ أَحَدًا إقْرَارًا إلَّا بَيِّنَ الْمَعْنَى فإذا احْتَمَلَ ما أَقَرَّ بِهِ مَعْنَيَيْنِ أَلْزَمْتُهُ الْأَقَلَّ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ظَاهِرَ ما أَقَرَّ بِهِ بَيِّنًا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرُ ظَاهِرِ ما قال وَكَذَلِكَ لَا أَلْتَفِت إلَى سَبَبِ ما أَقَرَّ بِهِ إذَا كان لِكَلَامِهِ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ السَّبَبِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يُجِيبُ على خِلَافِ السَّبَبِ
____________________

(3/236)


الذي كُلِّمَ عليه لِمَا وَصَفْت من أَحْكَامِ اللَّهِ عز وجل فِيمَا بين الْعِبَادِ على الظَّاهِرِ - * الْإِقْرَارُ بِالشَّيْءِ غَيْرِ مَوْصُوفٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ على مَالٌ أو عِنْدِي أو في يَدِي أو قد اسْتَهْلَكْتُ مَالًا عَظِيمًا أو قال عَظِيمًا جِدًّا أو عَظِيمًا عَظِيمًا فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَيُسْأَلُ ما اراد فَإِنْ قال أَرَدْتُ دِينَارًا أو دِرْهَمًا أو أَقَلَّ من دِرْهَمٍ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ مَالِ عَرْضٍ أو غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قال مَالًا صَغِيرًا أو صَغِيرًا جِدًّا أو صَغِيرًا صَغِيرًا من قِبَلِ أَنَّ جَمِيعَ ما في الدُّنْيَا من مَتَاعِهَا يَقَعُ عليه قَلِيلٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فما مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ } وَقَلِيلُ ما فيها يَقَعُ عليه عَظِيمُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ كان مِثْقَالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بها وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } وَكُلُّ ما أُثِيبَ عليه وَعُذِّبَ يَقَعُ عليه اسْمُ كَثِيرٍ وَهَكَذَا إنْ قال له على مَالٌ وَسَطٌ أو لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِأَنَّ هذا إذَا جَازَ في الْكَثِيرِ كان فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُ أَقَلُّ منه أَجْوَزُ وَهَكَذَا إنْ قال له عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ قَلِيلٌ وَلَوْ قال لِفُلَانٍ عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ إلَّا مَالًا قَلِيلًا كان هَكَذَا وَلَا يَجُوزُ إذَا قال له عِنْدِي مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ له عِنْدَهُ مَالٌ فَأَقَلُّ الْمَالِ لَازِمٌ له وَلَوْ قال له عِنْدِي مَالٌ وَافِرٌ وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ تَافِهٌ وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ مُغْنٍ كان كُلُّهُ كما وَصَفْت من مَالٍ كَثِيرٍ لِأَنَّهُ قد يُغْنِي الْقَلِيلُ وَلَا يُغْنِي الْكَثِيرُ وَيُنْمَى الْقَلِيلُ إذَا بُورِكَ فيه واصلح وَيَتْلَفُ الْكَثِيرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان الْمُقِرُّ بهذا حَيًّا قُلْت له أَعْطِ الذي أَقْرَرْتَ له ما شِئْت مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَاحْلِفْ له ما أَقْرَرْتَ له بِغَيْرِ ما أَعْطَيْتَهُ فَإِنْ قال لَا أُعْطِيهِ شيئا جَبَرْته على أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ مَكَانَهُ وَيَحْلِفُ ما أَقَرَّ له بِأَكْثَرَ منه فإذا حَلَفَ لم أُلْزِمْهُ غَيْرَهُ وَإِنْ امْتَنَعَ من الْيَمِينِ قُلْت لِلَّذِي يَدَّعِي عليه ادَّعِ ما أَحْبَبْت فإذا ادَّعَى قلت لِلرَّجُلِ احْلِفْ على ما ادَّعَى فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ أَبَى قُلْت له اُرْدُدْ الْيَمِينَ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ أَعْطَيْته وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم أُعْطِهِ شيئا بِنُكُولِك حتى يَحْلِفَ مع نُكُولِك
____________________

(3/237)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْمُقِرُّ بِالْمَالِ غَائِبًا أَقَرَّ بِهِ من صِنْفٍ مَعْرُوفٍ كَفِضَّةٍ أو ذَهَبٍ فَسَأَلَ الْمُقَرُّ له أَنْ يُعْطِيَ ما أَقَرَّ له بِهِ قُلْنَا إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ مَقْدِمَهُ أو نَكْتُبُ لَك إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الذي هو بِهِ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاك من مَالِهِ الذي أَقَرَّ فيه أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَالِ وأشهد بِأَنَّهُ عَلَيْك فَإِنْ جاء فَأَقَرَّ لَك بِأَكْثَرَ منه أَعْطَيْتَ الْفَضْلَ كما أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لم يُقِرَّ لَك بِأَكْثَرَ منه فَقَدْ اسْتَوْفَيْت وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَك فَقَدْ أَعْطَيْنَاك أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَإِنْ قال مَالٌ ولم يَنْسُبْهُ إلَى شَيْءٍ لم نُعْطِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَيَحْلِفُ أو يَمُوتُ فَتَحْلِفُ وَرَثَتُهُ وَيُعْطِي من مَالِهِ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ قال وَهَكَذَا إنْ كان الْمُقِرُّ حَاضِرًا فَغَلَبَ على عَقْلِهِ وَيَحْلِفُ على هذا المدعى ما بريء مِمَّا أَقَرَّ له بِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَيَجْعَلُ الْغَائِبَ وَالْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ على حُجَّتِهِ إنْ كانت له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ هذا إنْ أَقَرَّ له بهذا ثُمَّ مَاتَ وَأَجْعَلُ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ على حُجَّتِهِ إنْ كانت لِلْمَيِّتِ حُجَّةٌ فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ شَاءَ الْمُقَرُّ له أَنْ تَحْلِفَ له وَرَثَةُ الْمَيِّتِ فَلَا أُحَلِّفُهُمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَلَفْتهمْ ما يَعْلَمُونَ أَبَاهُمْ أَقَرَّ له بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْته - * الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَحْدُودٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال رَجُلٌ لِفُلَانٍ على أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وهو يَعْرِفُ مَالَ فُلَانٍ الذي قال له على أَكْثَرُ من مَالِهِ أو لَا يَعْرِفُهُ أو قال له على أَكْثَرُ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ وهو يَعْرِفُ ما في يَدَيْهِ من الْمَالِ أو لَا يَعْرِفُهُ فَسَوَاءٌ وَأَسْأَلُهُ عن قَوْلِهِ فَإِنْ قال أَرَدْتُ أَكْثَرَ لِأَنَّ ماله على حَلَالٌ وَالْحَلَالُ كَثِيرٌ وَمَالُ فُلَانٍ الذي قُلْت له على أَكْثَرُ من مَالِهِ حَرَامٌ وهو قَلِيلٌ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ لِقِلَّةِ بَقَائِهِ وَلَوْ قال قُلْت له على أَكْثَرُ لِأَنَّهُ عِنْدِي أَبْقَى فَهُوَ أَكْثَرُ بِالْبَقَاءِ من مَالِ فُلَانٍ وما في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ ما أَرَادَ أَكْثَرَ في الْعَدَدِ وَلَا في الْقِيمَةِ وكان مِثْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ أو خَرِسَ أو غُلِبَ فَهُوَ مِثْلُ الذي قال له عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ وَلَوْ قال لِفُلَانٍ على أَكْثَرُ من عَدَدِ ما بَقِيَ في يَدَيْهِ من الْمَالِ أو عَدَدِ ما في يَدِ فُلَانٍ من الْمَالِ كان الْقَوْلُ في أَنَّ عِلْمَهُ أَنَّ عَدَدَ ما في يَدِ فُلَانٍ من الْمَالِ كَذَا قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ فَلَوْ قال عَلِمْت أَنَّ عَدَدَ ما في يَدِهِ من الْمَالِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَقْرَرْت له بِأَحَدَ عَشَرَ حَلَفَ ما أَقَرَّ له بِأَكْثَرَ منه وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُقَرُّ له شُهُودًا أَنَّهُ قد عَلِمَ أَنَّ في يَدِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لم أُلْزِمْهُ أَكْثَرَ مِمَّا قال إنْ عَلِمْت من قِبَلِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ في يَدِهِ أَلْفًا فَتَخْرُجُ من يَدِهِ وَتَكُونُ لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ قال له أو أَنَّ الشُّهُودَ قالوا له نَشْهَدُ أَنَّ له أَلْفَ دِرْهَمٍ فقال له على أَكْثَرُ من مَالِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُ الشُّهُودَ وَيُكَذِّبُهُ بِمَا ادَّعَى أَنَّ له من الْمَالِ وَإِنْ اتَّصَلَ ذلك بِكَلَامِهِمْ وقد يَعْلَمُ لو صَدَّقَهُمْ أَنَّ مَالَهُ هَلَكَ فَلَا يَلْزَمُهُ مِمَّا لِغَرِيمِهِ إلَّا ما أَحَطْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قال قد عَلِمْت أَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ فَأَقْرَرْت له بِأَكْثَرَ من عَدَدِهَا فُلُوسًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهَكَذَا لو قال أَقْرَرْت بِأَكْثَرَ من عَدَدِهَا حَبَّ حِنْطَةٍ أو غَيْرَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ لي عَلَيْك أَلْفُ دِينَارٍ فقال لَك على من الذَّهَبِ أَكْثَرُ مِمَّا كان عليه أَكْثَرُ من أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا فَالْقَوْلُ في الذَّهَبِ الرَّدِيءِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَلَوْ كان قال لي عَلَيْك أَلْفُ دِينَارٍ فقال لَك عِنْدِي أَكْثَرُ من مَالِكِ لم أُلْزِمْهُ أَكْثَرَ من أَلْفِ دِينَارٍ وَقُلْت له كَمْ مَالُهُ فَإِنْ قال دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ أو فَلْسٌ أَلْزَمْته أَقَلَّ من دِينَارٍ أو دِرْهَمٍ وَفَلْسٍ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُهُ بِأَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَتْ له بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَأَقَرَّ بَعْدَ شُهُودِ الْبَيِّنَةِ أو قَبْلُ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ وَلَا أُلْزِمُهُ ذلك حتى يَقُولَ قد عَلِمْت أَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ فَأَقْرَرْت بِأَكْثَرَ منها ذَهَبًا وَإِنْ قال له على شَيْءٌ أَلْزَمْته أَيَّ شَيْءٍ قال وأقل ما يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ
____________________

(3/238)


- * الْإِقْرَارُ لِلْعَبْدِ وَالْمَحْجُورِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِعَبْدِ رَجُلٍ مَأْذُونٍ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرِ مَأْذُونٍ له فيها بِشَيْءٍ أو لِحُرٍّ أو لِحُرَّةٍ مَحْجُورِينَ أو غَيْرِ مَحْجُورِينَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم وكان لِلسَّيِّدِ أَخْذُ ما أَقَرَّ بِهِ لِعَبْدِهِ وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِينَ أَخْذُ ما أَقَرَّ بِهِ لِلْمَحْجُورِينَ وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ بِهِ لِمَجْنُونٍ أو زَمِنٍ أو مُسْتَأْمَنٍ كان لهم أَخْذٌ بِهِ فَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِبِلَادِ الْحَرْبِ بِشَيْءٍ غير مُكْرَهٍ أَلْزَمْتُهُ إقْرَارَهُ له وَكَذَلِكَ ما أَقَرَّ بِهِ الْأَسْرَى إذَا كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَبَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَيْرُ مُكْرَهِينَ أَلْزَمْتهمْ ذلك كما أُلْزِمُهُ الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْإِسْلَامِ قال وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ يُقِرُّ لِلْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ أُلْزِمُهُ ذلك كُلَّهُ - * الْإِقْرَارُ لِلْبَهَائِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِبَعِيرٍ لِرَجُلٍ أو لِدَابَّةٍ له أو لِدَارٍ له أو لِهَذَا الْبَعِيرِ أو لِهَذِهِ الدَّابَّةِ أو لِهَذِهِ الدَّارِ علي كَذَا لم أُلْزِمْهُ شيئا مِمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْبَهَائِمَ وَالْحِجَارَةَ لَا تَمْلِكُ شيئا بِحَالٍ وَلَوْ قال على بِسَبَبِ هذا الْبَعِيرِ أو سَبَبِ هذه الدَّابَّةِ أو سَبَبِ هذه الدَّارِ كَذَا وَكَذَا لم أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه بِسَبَبِهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ على بِسَبَبِهَا أَنْ أَحَالَتْ عَلَيَّ أو حَمَلَتْ عَنِّي أو حَمَلَتْ عنها وَهِيَ لَا تُحِيلُ عليه وَلَا يَحْمِلُ عنها بِحَالٍ وَلَوْ وَصَلَ الْكَلَامُ فقال عَلَيَّ بِسَبَبِهَا أَنِّي جَنَيْت فيها جِنَايَةً أَلْزَمَتْنِي كَذَا وَكَذَا كان ذلك إقْرَارًا لِمَالِكِهَا لَازِمًا لِلْمُقِرِّ وَكَذَلِكَ لو قال لِسَيِّدِهَا عَلَيَّ بِسَبَبِهَا كَذَا وَكَذَا أَلْزَمْته ذلك وَلَوْ لم يَزِدْ على هذا لِأَنَّهُ نَسَبَ الْإِقْرَارَ لِلسَّيِّدِ وَأَنَّهُ قد يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ بِحَالٍ فَلَا أُبْطِلُهُ عنه وَأُلْزِمُهُ بِحَالٍ وَلَوْ قال لِسَيِّدِ هذه النَّاقَةِ عَلَيَّ بِسَبَبِ ما في بَطْنِهَا كَذَا لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه بِسَبَبِ ما في بَطْنِهَا شَيْءٌ أَبَدًا لِأَنَّهُ إنْ كان حَمْلًا فلم يَجْنِ عليه جِنَايَةً لها حُكْمٌ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ فَإِنْ لم يَكُنْ حَمْلٌ كان أَبْعَدَ من أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ ما لَا يَكُونُ بِسَبَبِ غُرْمٍ أَبَدًا - * الْإِقْرَارُ لِمَا في الْبَطْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ هذا الشَّيْءُ يَصِفُهُ في يَدِهِ عَبْدٌ أو دَارٌ أو عَرْضٌ من الْعُرُوضِ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ أو كَذَا وَكَذَا مِكْيَالًا حِنْطَةً لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ أو أُمِّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ وَلَدُهَا حُرٌّ فأب ( ( ( فأبو ) ) ) الْحَمْلِ أو وَلِيُّهُ الْخَصْمُ في ذلك وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَا في بَطْنِ أَمَةٍ لِرَجُلٍ فَمَالِكُ الْجَارِيَةِ الْخَصْمُ في ذلك فإذا لم يَصِلْ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ بِشَيْءٍ فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ له إنْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا حَيًّا لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِشَيْءٍ ما كان فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى أو ذَكَرَيْنِ أو أُنْثَيَيْنِ فما أَقَرَّ بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا فما ( ( ( أقر ) ) ) أقربه كُلِّهِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا أو وَلَدَيْنِ مَيِّتَيْنِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ عنه وَهَكَذَا إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا أو اثْنَيْنِ لِكَمَالِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ أَقَرَّ سَقَطَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ قد يَحْدُثُ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أُجِيزُ الْإِقْرَارَ إذَا عَلِمْت أَنَّهُ وَقَعَ لِبَشَرٍ قد خُلِقَ وإذا أَقَرَّ لِلْحَمْلِ فَوَلَدَتْ التي أَقَرَّ لِحَمْلِهَا وَلَدَيْنِ في بَطْنٍ أَحَدُهُمَا قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ لَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ قد خَرَجَ بَعْضُهُ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُ الْخَارِجِ بَعْدَهُ حُكْمُهُ فإذا أَقَرَّ لِمَا في بَطْنِ امْرَأَةٍ فَضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا سَقَطَ الْإِقْرَارُ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كانت أَلْقَتْهُ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ خُلِقَ قبل الْإِقْرَارِ ثَبَتَ
____________________

(3/239)


الْإِقْرَارُ وَإِنْ أَشْكَلَ أو كان يُمْكِنُ أَنْ يُخْلَقَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ سَقَطَ الْإِقْرَارُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَجَزْتُ الْإِقْرَارَ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فلما كان يُمْلَكُ بِحَالٍ لم أُبْطِلْ الْإِقْرَارَ له حتى يُضِيفَ الْإِقْرَارَ إلَى ما لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكَ بِهِ ما في بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَسْلِفْنِي ما في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أو حَمِّلْ عَنِّي ما في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَغُرْمُهَا أو ما في هذا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَكُونُ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ قال وَلَكِنَّهُ لو قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي هذا الْعَبْدُ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصَبْته إيَّاهَا لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ قد يُوصِي له بِمَا أَقَرَّ له بِهِ فَيَغْصِبُهُ إيَّاهُ وَمِثْلُ هذا أَنْ يَقُولَ ظَلَمْته إيَّاهُ وَمِثْلُهُ أَنْ يَقُولَ اسْتَسْلَفْته لِأَنَّهُ قد يُوصِي إلَيْهِ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ يَسْتَسْلِفُهُ وَهَكَذَا لو قال اسْتَهْلَكْته عليه أو أَهْلَكْته له وَلَيْسَ هذا كما يقول أَسْلِفْنِيهِ ما في بَطْنِهَا لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا لَا يُسَلِّفُ شيئا وَلَوْ قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي أَلْفٌ أوصي له بها أبي كانت له عِنْدَهُ فَإِنْ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْحَمْلِ بِأَنْ يُولَدَ مَيِّتًا كانت الْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَرَثَةِ أبيه وَلَوْ قال أَوْصَى له بها فُلَانٌ إلَيَّ فَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ كانت الْأَلْفُ لِوَرَثَةِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بها له وَلَوْ قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْلَفَنِيهَا أَبُوهُ أو غَصَبْتهَا اباه كان الْإِقْرَارُ لِأَبِيهِ فَإِنْ كان أَبُوهُ مَيِّتًا فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عنه وَإِنْ كان حَيًّا فَهِيَ له وَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ شيء ( ( ( بشيء ) ) ) وَلَوْ قال له على أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصَبْتُهَا من مِلْكِهِ أو كانت في مِلْكِهِ فَأَلْزَمْته الْإِقْرَارَ فَخَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَسَأَلَ وَارِثُهُ أَخَذَهَا سألت الْمُقِرُّ فَإِنْ جَحَدَ أَحَلَفْته ولم أَجْعَلْ عليه شيئا وَإِنْ قال أوصي بها فُلَانٌ له فَغَصَبْتهَا أو أَقْرَرْت بِغَصْبِهَا كَاذِبًا رُدَّتْ إلَى وَرَثَةِ فُلَانٍ فَإِنْ قال قد وَهَبْت لِهَذَا الْجَنِينِ دَارِي أو تَصَدَّقْت بها عليه أو بِعْته إيَّاهَا لم يَلْزَمْهُ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ هذا لَا يَجُوزُ لِجَنِينٍ وَلَا عليه وإذا اقر الرَّجُلُ بها لِمَا في بَطْنِ جَارِيَةٍ لرجل فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ في شَيْءٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ غَصَبْتُك كَذَا في كَذَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ في غَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُك ثَوْبًا أو عَبْدًا أو طَعَامًا في رَجَبٍ سَنَةً كَذَا فَأَخْبَرَ بِالْحِينِ الذي غَصَبَهُ فيه وَالْجِنْسِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ إنْ قال غَصَبْتُك حِنْطَةً في بَلَدِ كَذَا أو في صَحْرَاءَ أو في أَرْضِ فُلَانٍ أو في أَرْضِك فَيَعْنِي الذي أَصَابَ الْغَصْبَ أَنَّ الذي فيه غَيْرُ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ إنَّمَا جَعَلَ الْمَوْضِعَ الذي أَصَابَ الْغَصْبَ فيه دَلَالَةً على أَنَّهُ غَصَبَهُ فيه كما جَعَلَ الشَّهْرَ دَلَالَةً على أَنَّهُ غَصَبَ فيه كَقَوْلِك غَصَبْتُك حِنْطَةً في أَرْضٍ وَغَصَبْتُك حِنْطَةً من أَرْضٍ وَغَصَبْتُك زَيْتًا في حَبٍّ وَغَصَبْتُك زَيْتًا من حَبٍّ وَغَصَبْتُك سَفِينَةً في بَحْرٍ وَغَصَبْتُك سَفِينَةً من بَحْرٍ وَغَصَبْتُك بَعِيرًا في مَرْعَى وَغَصَبْتُك بَعِيرًا من مَرْعَى وَبَعِيرًا في بَلَدِ كَذَا وَمِنْ بَلَدِ كَذَا وَغَصَبْتُك كَبْشًا في خَيْلٍ وَكَبْشًا من خَيْلٍ يَعْنِي في جَمَاعَةِ خَيْلٍ وَغَصَبْتُك عَبْدًا في إمَاءٍ وَعَبْدًا من إمَاءٍ يَعْنِي أَنَّهُ كان مع إمَاءٍ وَعَبْدًا في غَنَمٍ وَعَبْدًا في إبِلٍ وَعَبْدًا من غَنَمٍ وَعَبْدًا من إبِلٍ كَقَوْلِهِ غَصَبْتُك عَبْدًا في سِقَاءٍ وَعَبْدًا في رَحًى ليس أَنَّ السِّقَاءَ وَالرَّحَى مِمَّا غَصَبَ وَلَكِنَّهُ وَصَفَ أَنَّ الْعَبْدَ كان في أَحَدِهِمَا كما وَصَفَ أَنَّهُ كان في إبِلٍ أو غَنَمٍ وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك حِنْطَةً في سَفِينَةٍ أو في جِرَابٍ أو في غِرَارَةٍ أو في صَاعٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلْحِنْطَةِ دُونَ ما وَصَفَ أنها كانت فيه وَقَوْلُهُ في سَفِينَةٍ وفي جِرَابٍ كَقَوْلِهِ من سَفِينَةٍ وَجِرَابٍ لَا يَخْتَلِفَانِ في هذا الْمَعْنَى قال وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك ثَوْبًا قُوهِيًّا في مِنْدِيلٍ أو ثِيَابًا في جِرَابٍ أو عَشَرَةَ أَثْوَابٍ في ثَوْبٍ أو مِنْدِيلٍ أو ثَوْبًا في عَشَرَةِ أَثْوَابٍ أو دَنَانِيرَ في خَرِيطَةٍ لَا يَخْتَلِفُ كُلُّ هذا قَوْلُهُ في كَذَا وَمِنْ كَذَا سَوَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا ما اقر بِغَصْبِهِ لَا ما وَصَفَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ كان فيه له قال وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك فَصًّا في خَاتَمٍ أو خَاتَمًا في فَصٍّ أو سَيْفًا في حَمَّالَةٍ أو حَمَّالَةً في سَيْفٍ لِأَنَّ كُلَّ هذا قد يَتَمَيَّزُ من صَاحِبِهِ فَيُنْزَعُ الْفَصُّ من الْخَاتَمِ وَالْخَاتَمُ من الْفَصِّ وَيَكُونُ السَّيْفُ مُعَلَّقًا بِالْحَمَّالَةِ
____________________

(3/240)


لَا مَشْدُودَةً إلَيْهِ وَمَشْدُودَةً إلَيْهِ فَتُنْزَعُ منه قال وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك حِلْيَةً من سَيْفٍ أو حِلْيَةً في سَيْفٍ لِأَنَّ كُلَّ هذا قد يَكُونُ على السَّيْفِ فَيُنْزَعُ قال وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك شَارِبَ سَيْفٍ أو نَعْلَهُ فَهُوَ غَاصِبٌ لِمَا وَصَفْت دُونَ السَّيْفِ وَمِثْلُهُ لو قال غَصَبْتُك طَيْرًا في قَفَصٍ أو طَيْرًا في شَبَكَةٍ أو طَيْرًا في شِنَاقٍ كان غَاصِبًا لِلطَّيْرِ دُونَ الْقَفَصِ وَالشَّبَكَةِ وَالشِّنَاقِ وَمِثْلُهُ لو قال غَصَبْتُك زَيْتًا في جَرَّةً أو زَيْتًا في زِقٍّ أو عَسَلًا في عُكَّةٍ أو شَهِدَا في جُونَةٍ أو تَمْرًا في قِرْبَةٍ أو جُلَّةٍ كان غَاصِبًا لِلزَّيْتِ دُونَ الْجَرَّةِ وَالزِّقِّ وَالْعَسَلِ دُونَ الْعُكَّةِ وَالشَّهْدِ دُونَ الْجَوْنَةِ وَالتَّمْرِ دُونَ الْقِرْبَةِ وَالْجُلَّةِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك جَرَّةً فيها زَيْتٌ وَقَفَصًا فيه طَيْرٌ وَعُكَّةَ فيها سَمْنٌ كان غَاصِبًا لِلْجَرَّةِ دُونَ الزَّيْتِ وَالْقَفَصِ دُونَ الطَّيْرِ وَالْعُكَّةِ دُونَ السَّمْنِ وَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهُمَا مَعًا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ يقول غَصَبْتُك عُكَّةً وَسَمْنًا وَجَرَّةً وَزَيْتًا فإذا قال هذا فَهُوَ غَاصِبٌ لِلشَّيْئَيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ قال غَصَبْته سَمْنًا في عُكَّةٍ أو سَمْنًا وَعُكَّةً لم يَكُنْ فيها سَمْنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَيِّ سَمْنٍ أَقَرَّ بِهِ وَأَيِّ عُكَّةٍ أَقَرَّ له بها وإذا قال غصبتك عكة وسمنها وجرة وزيتها كان غاصبا للعكة بسمنها والقول في قدر سمنها وفي أي عكة أقر بها قوله وإذا قال غَصَبْتُك سَرْجًا على حِمَارٍ أو حِنْطَةً على حِمَارٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلسَّرْجِ دُونَ الْحِمَارِ وَالْحِنْطَةِ دُونَ الْحِمَارِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك حِمَارًا عليه سَرْجٌ أو حِمَارًا مُسَرَّجًا كان غَاصِبًا لِلْحِمَارِ دُونَ السَّرْجِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك ثِيَابًا في عَيْبَةٍ كان غَاصِبًا لِلثِّيَابِ دُونَ الْعَيْبَةِ وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك عَيْبَةً فيها ثِيَابٌ كان غَاصِبًا لِلْعَيْبَةِ دُونَ الثِّيَابِ - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ بِعَدَدٍ وَغَيْرِ عَدَدٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ غَصَبْتُك شيئا لم يَزِدْ على ذلك فَالْقَوْلُ في الشَّيْءِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ غَصَبَهُ شيئا أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُقِرَّ له بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فإذا امْتَنَعَ حَبَسَهُ حتى يُقِرَّ له بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فإذا فَعَلَ فَإِنْ صَدَّقَهُ المدعى وَإِلَّا أَحْلَفَهُ ما غَصَبَهُ إلَّا ما ذَكَرَ ثُمَّ أبراه من غَيْرِهِ وَلَوْ مَاتَ قبل يُقِرَّ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ وَيَحْلِفُونَ ما غَصَبَهُ غَيْرُهُ وَيُوقَفُ مَالُ الْمَيِّتِ عَنْهُمْ حتى يُقِرُّوا له بِشَيْءٍ وَيَحْلِفُونَ ما عَلِمُوا غَيْرَهُ وإذا قال غَصَبْتُك شيئا ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ له أَنْ يُقِرَّ بِهِ أو بِغَيْرِ إلْزَامِهِ فَسَوَاءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا ذلك الشَّيْءُ فَإِنْ كان الذي أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَنْ يَمْلِكَ بِحَالٍ جُبِرَ على دَفْعِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ في يَدِهِ جُبِرَ على أَدَاءِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ إذَا كانت له قِيمَةٌ وَالْقَوْلُ في قِيمَتِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَحِلُّ أَنْ يَمْلِكَ أُحْلِفَ ما غَصَبَهُ غَيْرَهُ ولم يُجْبَرْ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا أو أَمَةً أو دَابَّةً أو ثَوْبًا أو فَلْسًا أو حِمَارًا فَيُجْبَرُ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ كَلْبًا جَبَرْته على دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مِلْكُ الْكَلْبِ فَإِنْ مَاتَ الْكَلْبُ في يَدَيْهِ لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِ شَيْءٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ جَبَرْته على دَفْعِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له ما لم يُدْبَغْ فَإِنْ كان مَدْبُوغًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أو قِيمَتَهُ إنْ فَاتَ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَحِلُّ إذَا دُبِغَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ خَمْرًا أو خِنْزِيرًا لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَأَهْرَقْت عليه الْخَمْرَ وَذَبَحْت الْخِنْزِيرَ والغيته إذَا كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَلَا ثَمَنَ لِهَذَيْنِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُمْلَكَا بِحَالٍ وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ حِنْطَةً فَفَاتَتْ رَدَّ إلَيْهِ مِثْلَهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها مِثْلٌ فَقِيمَتُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ ماله مِثْلٌ يُرَدُّ مِثْلُهُ فَإِنْ فَاتَ يُرَدُّ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْمَالِ غَصَبْت فُلَانًا لِرَجُلٍ كَثِيرِ الْمَالِ شيئا أو شيئا له بَالٌ فَهُوَ كَالْفَقِيرِ يُقِرُّ لِلْفَقِيرِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقَرَّ بِهِ يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فَلْسٍ أو حَبَّةٍ حِنْطَةٍ أو غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال غَصَبْته أَشْيَاءَ قِيلَ أَدِّ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لِأَنَّهَا اقل ظَاهِرِ الْجِمَاعِ في كَلَامِ الناس واي ثَلَاثَةِ اشياء قال هِيَ هِيَ فَهِيَ هِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنْ قال هِيَ ثَلَاثَةُ أَفْلُسٍ أو هِيَ فَلْسٌ وَدِرْهَمٌ وَتَمْرَةٌ أو هِيَ ثَلَاثُ تَمَرَاتٍ أو هِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
____________________

(3/241)


أو ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ أو عَبْدٌ وَأَمَةٌ وَحِمَارٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ اخْتَلَفَتْ أو اتَّفَقَتْ فَسَوَاءٌ وَلَوْ قال غَصَبْتُك ولم يَزِدْ على ذلك أو غَصَبْتُك ما تَعْلَمُ لم أُلْزِمْهُ بهذا شيئا لِأَنَّهُ قد يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ فَيُدْخِلُهُ الْمَسْجِدَ أو الْبَيْتَ لِغَيْرِ مَكْرُوهٍ وَيَغْصِبُهُ فَيَمْنَعُهُ بَيْتَهُ فَلَا أُلْزِمُهُ حتى يَقُولَ غَصَبْتُك شيئا وَلَوْ قال غَصَبْتُك شيئا فقال عَنَيْت نَفْسَك لم أَقْبَلْ منه لِأَنَّهُ إذَا قال غَصَبْتُك شيئا فَإِنَّمَا ظَاهِرُهُ غَصَبْت مِنْك شيئا وَلَوْ قال غَصَبْتُك وَغَصَبْتُك مِرَارًا كَثِيرَةً لم أُلْزِمْهُ شيئا لِأَنَّهُ قد يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ كما وَصَفْت قال وَلَوْ سُئِلَ فقال لم أَغْصِبْهُ شيئا وَلَا نَفْسَهُ لم أُلْزِمْهُ شيئا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ شيئا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ ثُمَّ يدعى الْغَاصِبُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَ الرَّجُلَ أَرْضًا ذَاتَ غراس ( ( ( غرس ) ) ) أو غير ذَاتِ غَرْسٍ أو دَارًا ذَاتَ بِنَاءٍ أو غير ذَاتِ بِنَاءٍ أو بَيْتًا فَكُلُّ هذا أَرْضٌ وَالْأَرْضُ لَا تُحَوَّلُ وَإِنْ كان الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قد يُحَوَّلُ فَإِنْ قال الْمُقِرُّ بِالْغَصْبِ بَعْدَ قَطْعِهِ الْكَلَامَ أو معه إنَّمَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ غَصَبْتُك بِبَلَدِ كَذَا فَسَوَاءٌ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَيُّ شَيْءٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ ما أَقَرَّ له بِهِ فَلَيْسَ له عليه غَيْرُهُ وإذا ادَّعَى الْمُقَرُّ له سِوَاهُ أَحْلَفَ الْغَاصِبَ ما غَصَبَهُ غير هذا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ فَإِنْ قالوا لَا نَعْلَمُ شيئا قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ ما شِئْت من هذه الصِّفَةِ في هذا الْبَلَدِ فإذا ادَّعَى قِيلَ لِلْوَرَثَةِ احْلِفُوا ما تَعْلَمُونَهُ هو فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَإِلَّا لَزِمَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بَعْضَ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ما أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمَغْصُوبُ وَاسْتَحَقَّ ما ادَّعَى وَإِنْ أَبَى الْمَغْصُوبُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَا الْوَرَثَةُ وُقِفَ مَالُ الْمَيِّتِ حتى يُعْطِيَهُ الْوَرَثَةُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ما وَصَفْت أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَيَحْلِفُونَ ما يَعْلَمُونَهُ غَصَبَهُ غَيْرَهُ وَلَا يُسَلَّمُ لهم مِيرَاثُهُ إلَّا بِمَا وَصَفْت وَلَوْ كان الْغَاصِبُ قال غَصَبْته دَارًا بِمَكَّةَ ثُمَّ قال أَقْرَرْت له بِبَاطِلٍ وما أَعْرِفُ الدَّارَ التي غَصَبْته إيَّاهَا قِيلَ إنْ أَعْطَيْته دَارًا بِمَكَّةَ ما كانت الدَّارُ وَحَلَفْت ما غَصَبْته غَيْرَهَا بَرِئْت وَإِنْ امْتَنَعْت وَادَّعَى دَارًا بِعَيْنِهَا قِيلَ احْلِفْ ما غَصَبْته إيَّاهَا فَإِنْ حَلَفْتَ بَرِئْت وَإِنْ لم تَحْلِفْ حَلَفَ فَاسْتَحَقَّهَا وإذا امْتَنَعَ وَامْتَنَعْتَ من الْيَمِينِ حُبِسْت أَبَدًا حتى تُعْطِيَهُ دَارًا وَتَحْلِفَ ما غَصَبْته غَيْرَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ مَتَاعًا يُحَوَّلُ مِثْلُ عَبْدٍ أو دَابَّةٍ أو ثَوْبٍ أو طَعَامٍ أو ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فقال غَصَبْتُك كَذَا بِبَلَدِ كَذَا بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ وَكَذَّبَهُ الْمَغْصُوبُ وقال ما غَصَبْتنِيهِ بهذا الْبَلَدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له بِالْغَصْبِ إلَّا بِالْبَلَدِ الذي سَمَّى فَإِنْ كان الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ منه دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو ذَهَبًا أو فِضَّةً أَخَذَ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ مكانه لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ عليه وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو بَاعَهُ إيَّاهَا بِبَلَدٍ أُخِذَ بها حَيْثُ طَلَبَهُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ فَصُّ يَاقُوتٍ أو زَبَرْجَدٍ أو لُؤْلُؤٍ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ بِهِ حَيْثُ قام بِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه فَقِيمَتُهُ وَإِنْ كان الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ عَبْدًا أو ثِيَابًا أو مَتَاعًا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً أو حَيَوَانًا أو رَقِيقًا أو غَيْرَهُ فَلِحَمْلِ هذا وَمُشَابِهِهِ مُؤْنَةٌ جُبِرَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُوَكِّلَ من يَقْتَضِيهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ مَاتَ قَبَضَ قِيمَتَهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ أو يَأْخُذُ منه قِيمَتَهُ بِالْبَلَدِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ الذي يُحَاكِمُهُ بِهِ وَلَا أُكَلِّفُهُ لو كان طَعَامًا أَنْ يُعْطِيَهُ مثله بِذَلِكَ الْبَلَدِ لِتَفَاوُتِ الطَّعَامِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا مَعًا فَأُجِيزُ بَيْنَهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ هذا الثِّيَابُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ قال وَمِثْلُ هذا الْعَبْدُ يَغْصِبُهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ ثُمَّ يقول الْمُغْتَصِبُ قد أَبَقَ الْعَبْدُ أو فَاتَ يقضي عليه بِقِيمَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ شَيْءٌ من هذا دَيْنًا عليه وإذا قَضَيْت له بِقِيمَةِ الْفَائِتِ منه عَبْدًا كان أو طَعَامًا أو غَيْرَهُ لم يَحِلَّ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ منه شيئا وكان عليه أَنْ يُحْضِرَهُ سَيِّدَهُ الذي غَصَبَهُ منه فإذا أَحْضَرَهُ سَيِّدَهُ الذي غَصَبَهُ منه جَبَرْتُ سَيِّدَهُ على قَبْضِهِ منه وَرَدِّ الثَّمَنِ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَ سَيِّدِهِ ثَمَنُهُ قُلْت له بِعْهُ إيَّاهُ بَيْعًا جَدِيدًا بِمَا له عَلَيْك إنْ رَضِيتُمَا حتى يَحِلَّ له مِلْكُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ بِعْت الْعَبْدَ على سَيِّدِهِ وَأَعْطَيْت الْمُغْتَصِبَ مِثْلَ ما أُخِذَ منه فَإِنْ كان فيه فَضْلٌ رَدَدْت على سَيِّدِهِ وَإِنْ لم
____________________

(3/242)


يَكُنْ فيه فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ يُرَدُّ عليه وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَمَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ رَدَدْته على سَيِّدِهِ بِالْفَضْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان لِسَيِّدِهِ غُرَمَاءُ لم أُشْرِكُهُمْ في ثَمَنِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قد أَعْطَى الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ قال وَهَكَذَا أَصْنَعُ بِوَرَثَةِ الْمَغْصُوبِ إنْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ وَأَحْكُمُ لِلْغَاصِبِ الْعَبْدُ إلَّا أَنِّي إنَّمَا أَصْنَعُ ذلك بِهِمْ في مَالِ الْمَيِّتِ لَا أَمْوَالِهِمْ وَهَكَذَا الطَّعَامُ يَغْصِبُهُ فَيُحْضِرُهُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ هو وَالثِّيَابُ وَغَيْرُهَا كَالْعَبْدِ لَا تَخْتَلِفُ فَإِنْ كان أَحْضَرَ الْعَبْدَ مَيِّتًا فَهُوَ كَأَنْ لم يُحْضِرْهُ وَلَا أَرُدُّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَإِنْ أَحْضَرَهُ مَعِيبًا أَيَّ عَيْبٍ كان مَرِيضًا أو صَحِيحًا دَفَعْته إلَى سَيِّدِهِ وَحَسَبْت على الْغَاصِبِ خَرَاجَهُ من يَوْمِ غَصَبَهُ وما نَقَصَهُ الْعَيْبُ في بَدَنِهِ والزمته ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَحْضَرَ الطَّعَامَ مُتَغَيِّرًا الزمته الطَّعَامَ وَجَعَلْت على الْغَاصِبِ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَلَوْ أَحْضَرَهُ قد رَضَّهُ حتى صَارَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا قِيمَةَ له أَلْزَمْته الْغَاصِبَ وكان كَتَلَفِهِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَوْ قال الْحَاكِمُ إذَا كان الْمَغْصُوبُ من عَبْدٍ وَغَيْرِهِ غَائِبًا لِلْغَاصِبِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ فَفَعَلَ ثُمَّ قال لِلْمَغْصُوبِ حَلِّلْهُ من حَبْسِهِ أو صَيِّرْهُ مِلْكًا له بِطِيبَةِ نَفْسِك وَلِلْغَاصِبِ إقبل ذلك كان ذلك أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا على هذا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الدَّارِ ثُمَّ بِبَيْعِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال الرَّجُلُ غَصَبْته هذه الدَّارَ وَهَذَا الْعَبْدَ أو أَيَّ شَيْءٍ كان من هذا كَتَبَ إقْرَارَهُ وَأَشْهَدَ عليه وقد بَاعَهَا قبل ذلك من رَجُلٍ أو وَهَبَهَا له أو تَصَدَّقَ بها عليه وَقَبَضَهَا أو وَقَفَهَا عليه أو على غَيْرِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ لِصَاحِبِ الدَّارِ إنْ كان لَك بَيِّنَةٌ على مِلْكِ هذه الدَّارِ أو إقْرَارِ الْغَاصِبِ قبل إخْرَاجِهَا من يَدِهِ إلَى من أَخْرَجَهَا إلَيْهِ أخذلك بها وَإِنْ لم يَكُنْ لَك بَيِّنَةٌ لم يَجُزْ إقْرَارُ الْغَاصِبِ في ذلك لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا يوم أَقَرَّ فيها وَقَضَيْنَا الْمَغْصُوبَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا وَهِيَ مِلْكٌ له وَهَكَذَا لو كان عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَهَكَذَا لو ادَّعَى عليه رَجُلَانِ أَنَّهُ غَصَبَ دَارًا بِعَيْنِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا من أَحَدِهِمَا وهو يَمْلِكُهَا ثُمَّ أَقَرَّ للآخر أَنَّهُ غَصَبَهَا منه وهو يَمْلِكُهَا وَأَنَّ الْأَوَّلَ لم يَمْلِكْهَا قَطُّ قَضَى بِالدَّارِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهَا بِإِقْرَارِهِ وَقِيمَتُهَا لِلْآخَرِ بِأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ قد أَتْلَفَهَا عليه قال وَهَكَذَا كُلُّ ما أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ رَجُلًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ غَيْرَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمَا إذَا كَانَا لَا يَدَّعِيَانِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا إلَّا الدَّارَ أو الشَّيْءَ الذي أَقَرَّ بِهِ لَهُمَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ له الْآخَرِ بِحَالٍ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُمَا يُبْرِئَانِهِ من عَيْنِ ما يُقِرُّ بِهِ وَمَنْ قال هذا قال أَرَأَيْت إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ هذا هذه الدَّارَ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا الْآخَرَ بِأَلْفٍ وَالدَّارُ تَسْوَى آلَافًا أَتَجْعَلُهَا بَيْعًا لِلْأَوَّلِ وَتَجْعَلُ لِلْآخَرِ عليه قِيمَتُهَا يُحَاصُّهُ بِأَلْفٍ منها لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا أو أَرَأَيْت لو أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ من رَجُلٍ قبل الْعِتْقِ أَتَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ أورأيت لو بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كان أَعْتَقَهُ قبل بَيْعِهِ أَيُنْقَضُ الْبَيْعُ أو يَتِمُّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ عليه أَنْ يَقُولَ له قد بِعْتَنِي حُرًّا فَأَعْطِنِي ثَمَنِي أَرَأَيْت لو مَاتَ فقال وَرَثَتُهُ قد بِعْت أَبَانَا حُرًّا فَأَعْطِنَا ثَمَنَهُ أو زِيَادَةَ ما يَلْزَمُك بِأَنَّك اسْتَهْلَكْته أَكَانَ عليه أَنْ يُعْطِيَهُمْ شيئا أو يَكُونَ إنَّمَا اقر بِشَيْءٍ في مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ في مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ بِإِقْرَارِهِ شيئا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الشَّيْءِ من أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَ هذا الْعَبْدَ أو هذا الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ من أَحَدِ هَذَيْنِ وَكِلَاهُمَا يَدَّعِيهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ الذي يُنَازِعُهُ فيه لم يَمْلِكْ منه شيئا قَطُّ وسئل ( ( ( وسأل ) ) ) يَمِينَ الْمُقِرِّ بِالْغَصْبِ قِيلَ له إنْ أَقْرَرْت لِأَحَدِهِمَا
____________________

(3/243)


وَحَلَفْت لِلْآخَرِ فَهُوَ لِلَّذِي أَقْرَرْت له بِهِ وَلَا تباعه لِلْآخَرِ عَلَيْك وَإِنْ لم تُقِرَّ لم تُجْبَرْ على أَكْثَرَ من أَنْ تَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما تَدْرِي من أَيِّهِمَا غَصَبْته ثُمَّ يَخْرُجُ من يَدَيْك فَيُوقَفُ لهما ( ( ( لها ) ) ) وَيُجْعَلَانِ خَصْمًا فيه فَإِنْ أَقَامَا مَعًا عليه بَيِّنَةً لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى وكان بِحَالِهِ قبل أَنْ تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّ هذا الْعَبْدَ له غَصْبُهُ إيَّاهُ فَإِنْ حَلَفَا فَهُوَ مَوْقُوفٌ أَبَدًا حتى يَصْطَلِحَا فيه فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ كان لِلْحَالِفِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عليه بَيِّنَةً دُونَ الْآخَرِ جَعَلْته لِلَّذِي أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ وَلَا تِبَاعَةَ على الْغَاصِبِ في شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت وَلَوْ قال رَجُلٌ غَصَبْت هذا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ هذا الْعَبْدَ أو هذه الْأَمَةَ فَادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُمَا مَعًا قِيلَ لِلْمُقِرِّ أحلف أَنَّك لم تَغْصِبْهُ أَيَّهُمَا شِئْت وَسَلِّمْ له الْآخَرُ فَإِنْ قال أَحْلِفُ ما غَصَبْته وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ أَحَدُهُمَا له بِإِقْرَارِك فَاحْلِفْ على أَيِّهِمَا شِئْت فَإِنْ أَبَى قِيلَ للمدعى احْلِفْ على أَيِّهِمَا شِئْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ له وَإِنْ قال أَحْلِفُ عَلَيْهِمَا مَعًا قِيلَ لِلْمُدَّعَى عليه إنْ حَلَفْت وَإِلَّا أَحْلَفْنَا المدعى فَسَلَّمْنَاهُمَا له مَعًا فَإِنْ فَاتَا في يَدِهِ أو أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَهُوَ لو كَانَا حَيَّيْنِ إلَّا أَنَّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَحَدَهُمَا ضَمَّنَاهُ قِيمَتَهُ بِالْفَوْتِ فإن أَبَيَا مَعًا يَحْلِفَا وَسَأَلَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُوقِفَا له وَقْفًا حتى يُقِرَّ الْغَاصِبُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْلِفَ قال وَإِنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِأَحَدِهِمَا لِلْمَغْصُوبِ فَادَّعَى الْمَغْصُوبُ أَنَّهُ حَدَثَ بِالْعَبْدِ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ إنْ كان ذلك مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ - * الْعَارِيَّةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال الْعَارِيَّةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ الدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّيَابُ لَا فَرْقَ بين شَيْءٍ منها فَمَنْ اسْتَعَارَ شيئا فَتَلِفَ في يَدِهِ بِفِعْلِهِ أو بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له وَالْأَشْيَاءُ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أو غير مَضْمُونَةٍ فما كان منها مَضْمُونًا مِثْلُ الْغَصْبِ وما أَشْبَهَهُ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ منها هَلَاكُهُ وما خَفِيَ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْغَصْبِ وَالْمُسْتَسْلِفُ جَنَيَا فيه أو لم يَجْنِيَا أو غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وما خَفِيَ فَالْقَوْلُ فيها قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ مع يَمِينِهِ
____________________

(3/244)


وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْعَارِيَّةِ فقال لَا يَضْمَنُ شيئا إلَّا ما تَعَدَّى فيه فَسُئِلَ من أَيْنَ قَالَهُ فَزَعَمَ أَنَّ شُرَيْحًا قاله ( ( ( قال ) ) ) وقال ما حُجَّتُكُمْ في تَضْمِينِهَا قُلْنَا اسْتَعَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفْوَانَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ قال أَفَرَأَيْت إذَا قُلْنَا فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ وَإِنْ لم يَشْرِطْهُ لم يَضْمَنْ قُلْنَا فَأَنْتَ إذًا تَتْرُكُ قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَلَيْسَ قَوْلُك أنها غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قال بَلَى قُلْنَا فما تَقُولُ في الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَنَّهُ ضَامِنٌ أو الْمُضَارِبُ قال لَا يَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا فما تَقُولُ في الْمُسْتَسْلِفِ إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ قال لَا شَرْطَ له وَيَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا وَيَرُدُّ الْأَمَانَةَ إلَى أَصْلِهَا وَالْمَضْمُونَ إلَى أَصْلِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا جميعا قال نعم قُلْنَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في الْعَارِيَّةِ وَبِذَلِكَ شَرَطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها مَضْمُونَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ أنها مَضْمُونَةٌ إلَّا لما يَلْزَمُ قال فَلِمَ شَرَطَ قُلْنَا لِجَهَالَةِ صَفْوَانَ لِأَنَّهُ كان مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ ما ضَرَّ الشَّرْطُ إذَا كان أَصْلُ الْعَارِيَّةِ أنها مَضْمُونَةٌ بِلَا شَرْطٍ كما لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَخَلَاصُ عَقْدِك في الْبَيْعِ وَلَوْ لم يُشْتَرَطْ كان عليه الْعُهْدَةُ وَالْخَلَاصُ أو الرَّدُّ قال ( ( ( قبل ) ) ) فَهَلْ قال هذا أَحَدٌ قُلْنَا في هذا كِفَايَةٌ وقد قال أبو هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وكان قَوْلُ أبي هُرَيْرَةَ في بَعِيرٍ اُسْتُعِيرَ فَتَلِفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ في دَابَّةٍ فقال رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتهَا إلي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَرَكِبْتهَا بِكَذَا وقال الرَّاكِبُ رَكِبْتهَا عَارِيَّةً مِنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاكِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا كِرَاءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ وَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَلَوْ قال أَعَرْتنِيهَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ غَصَبْتنِيهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدِعُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ أَبَدًا إلَّا بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الذي كانت فيه لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لها كان أَمِينًا فَخَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ فلم يُجَدِّدْ له رَبُّ الْمَالِ اسْتِئْمَانًا لَا يَبْرَأُ حتى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ - * الْغَصْبُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا شَقَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ثَوْبًا شَقًّا صَغِيرًا أو كَبِيرًا يَأْخُذُ ما بين طَرَفَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا أو كَسَرَ له مَتَاعًا فَرَضَّهُ أو كَسَرَهُ كَسْرًا صَغِيرًا أو جَنَى له على مَمْلُوكٍ فَأَعْمَاهُ أو قَطَعَ يَدَهُ أو شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَوَّمُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ غَيْرُ الرَّقِيقِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا وَصَحِيحًا وَمَجْرُوحًا قد بَرَأَ من جُرْحِهِ ثُمَّ يعطي مَالِكُ الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ فَضْلُ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا وَمَجْرُوحًا فَيَكُونُ ما جَرَى عليه من ذلك مِلْكًا له نَفْعُهُ أو لم يَنْفَعْهُ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ بِالْجِنَايَةِ شيئا جَنَى عليه وَلَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا يَمْلِكُ
____________________

(3/245)


رَجُلٌ شيئا إلَّا أَنْ يَشَاءَ إلَّا في الْمِيرَاثِ فَأَمَّا من جَنَى عليه من الْعَبِيدِ فَيُقَوَّمُونَ صِحَاحًا قبل الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْجِنَايَةِ فَيُعْطَوْنَ أَرْشَهَا من قِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا كما يُعْطَى الْحُرُّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عليه من دِيَتِهِ بَالِغًا من ذلك ما بَلَغَ وَإِنْ كانت قِيَمًا كما يَأْخُذُ الْحُرُّ دِيَاتٍ وهو حَيٌّ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال { ذلك بِأَنَّهُمْ قالوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فلم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ خَالَفَ في أَنَّهُ لَا يَكُونُ على أَحَدٍ أَنْ يَمْلِكَ شيئا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا الْمِيرَاثَ فإن اللَّهَ عز وجل نَقَلَ مِلْكَ الْأَحْيَاءِ إذَا مَاتُوا إلَى من وَرَّثَهُمْ إيَّاهُ شاؤوا أو أَبَوْا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لو أوصى له أو وُهِبَ له أو تُصُدِّقَ عليه أو مَلَكَ شيئا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنْ لَا يَخْرُجَ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمُسْلِمِ من يَدَيْهِ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ هو نَفْسُهُ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك أو عِتْقٍ أو دَيْنٍ لَزِمَهُ فَيُبَاعُ في مَالِهِ وَكُلُّ هذا فِعْلُهُ لَا فِعْلُ غَيْرِهِ قال فإذا كان اللَّهُ عز وجل حَرَّمَ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ الناس مَمْلُوكَةً إلَّا بِبَيْعٍ عن تَرَاضٍ وكان الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ فِيمَا وَصَفْت ما وَصَفْت فَمِنْ أَيْنَ غَلِطَ أَحَدٌ في أَنْ يَجْنِيَ على مَمْلُوكِي فَيَمْلِكُهُ بِالْجِنَايَةِ وَآخُذُ أنا قِيمَتَهُ وهو قبل الْجِنَايَةِ لو أَعْطَانِي فيه أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ أشاء ( ( ( يشاء ) ) ) وَلَوْ وَهَبْته له لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فإذا لم يَمْلِكْهُ بِاَلَّذِي يَجُوزُ وَيَحِلُّ من الْهِبَةِ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ ولم يَمْلِكْ على بِاَلَّذِي يَحِلُّ من الْبَيْعِ إلَّا أَنْ أَشَاءَ فَكَيْفَ مَلَكَهُ حين عَصَى اللَّهَ عز وجل فيه فَأُخْرِجُ من يَدَيْ مِلْكِي بِمَعْصِيَةِ غَيْرِي لِلَّهِ والزم غَيْرِي ما لَا يَرْضَى مِلْكَهُ إنْ كان أَصَابَهُ خَطَأً وَكَيْفَ إنْ كانت الْجِنَايَةُ تُوجِبُ لي شيئا وَاخْتَرْتُ حَبْسَ عَبْدِي سَقَطَ الْوَاجِبُ لي وَكَيْفَ إنْ كانت الْجِنَايَةُ تُخَالِفُ حُكْمَ ما سِوَى ما وَجَبَ لي ولى حَبْسُ عَبْدِي وَأَخْذُ أَرْشِهِ وَمَتَاعِي وَأَخْذُ ما نَقَصَهُ إذَا كان ذلك غير مُفْسِدٍ له فَإِنْ جَنَى عليه ما يَكُونُ مُفْسِدًا له فَزَادَ الْجَانِي مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَزِيدَ على في مَالِي ما يَكُونُ مُفْسِدًا له سَقَطَ حَقِّي حين عَظُمَ وَثَبَتَ حين صَغُرَ وَمَلَكَ حين عَصَى وَكَبُرَتْ مَعْصِيَتُهُ وَلَا يَمْلِكُ حين عَصَى فَصَغُرَتْ مَعْصِيَتُهُ ما يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدِلَّ أَحَدٌ على خِلَافِ هذا الْقَوْلِ لِأَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ وما لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فيه من أَنَّ الْمَالِكِينَ على أَصْلِ مِلْكِهِمْ ما كَانُوا أَحْيَاءَ حتى يُخْرِجُوا هُمْ الْمِلْكَ من أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ بِأَكْثَرَ من أَنْ يَحْكِيَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ خِلَافُ ما وَصَفْنَا من حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ شِدَّةِ تَنَاقُضِهِ هو في نَفْسِهِ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً تَسْوَى مِائَةً فَزَادَتْ في يَدَيْهِ بِتَعْلِيمٍ منه وَسِنٍّ وَاغْتِذَاءٍ من مَالِهِ حتى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ نَقَصَتْ حتى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْمَغْصُوبُ في يَدِهِ أَخَذَهَا وَتِسْعَمِائَةٍ مَعَهَا كما يَكُونُ لو غَصَبَهُ إيَّاهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَدْرَكَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً أَخَذَهَا وما نَقَصَهَا وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ قال وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ أو وَهَبَهَا أو قَتَلَهَا أو اسْتَهْلَكَهَا فلم تُدْرَكْ بِعَيْنِهَا كانت على الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً مُنْذُ غُصِبَتْ إلَى أَنْ هَلَكَتْ وَكَذَلِكَ ذلك في الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ يُخَيَّرُ في الْبَيْعِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخْذَ الثَّمَنِ الذي بَاعَ بِهِ الْغَاصِبُ كان أَكْثَرَ من قِيمَتِهَا أو أَقَلَّ لِأَنَّهُ ثَمَنُ سِلْعَتِهِ أو قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً قَطُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ ليس له إلَّا جَارِيَتُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ بَاعَ ما ليس له وَبَيْعُ الْغَاصِبِ مَرْدُودٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ غَصَبَهَا بِثَمَنِ مِائَةٍ وكان لها ضَامِنًا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ زَادَتْ حتى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَهِيَ في ضَمَانِ الْغَاصِبِ ثُمَّ مَاتَتْ أو نَقَصَتْ فضمنته ( ( ( ضمنته ) ) ) قِيمَتَهَا في حَالِ زِيَادَتِهَا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لم يَكُنْ غَاصِبًا وَلَا ضَامِنًا وَلَا عَاصِيًا في حَالٍ دُونَ حَالٍ لم يَزَلْ غَاصِبًا ضَامِنًا عَاصِيًا من يَوْمِ غَصَبَ إلَى أَنْ فَاتَتْ أو رَدَّهَا نَاقِصَةً فلم يَكُنْ الْحُكْمُ عليه في الْحَالِ الْأُولَى بِأَوْجَبَ منه في الْحَالِ الثَّانِيَةِ وَلَا في الْحَالِ الثَّانِيَةِ بِأَوْجَبَ منه في الْحَالِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ عليه في كُلِّهَا أَنْ يَكُونَ رَادًّا لها وهو في كُلِّهَا ضَامِنٌ عَاصٍ فلما كان لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَغْصِبَهَا قِيمَةَ مِائَةٍ فَيُدْرِكَهَا قِيمَةَ أَلْفٍ فَيَأْخُذَهَا وَيُدْرِكَهَا
____________________

(3/246)


وَلَهَا عِشْرُونَ وَلَدًا فَيَأْخُذَهَا وَأَوْلَادَهَا كان الْحُكْمُ في زِيَادَتِهَا في بَدَنِهَا وَوَلَدِهَا كَالْحُكْمِ في بَدَنِهَا حين غَصَبَهَا يَمْلِكُ منها زَائِدَةً بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا ما مَلَكَ منها نَاقِصَةً حين غَصَبَهَا وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يَقْتُلَهَا وَوَلَدَهَا أو تَمُوتَ هِيَ وَوَلَدُهَا في يَدَيْهِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان كما وَصَفْت يَمْلِكُ وَلَدَهَا كما يَمْلِكُهَا لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ في أَنَّهُ لو غَصَبَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَمَاتَتْ في يَدَيْهِ مَوْتًا أو قَتَلَهَا قَتْلًا ضَمِنَهَا في الْحَالَيْنِ جميعا كَذَلِكَ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً فَبَاعَهَا فَمَاتَتْ في يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَغْصُوبُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً من يَوْمِ غَصَبَهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ فَإِنْ ضَمَّنَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمَغْصُوبِ على الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ على الْمُشْتَرِي إلَّا قِيمَتُهَا إلَّا الثَّمَنُ الذي بَاعَهَا بِهِ أو يُضَمِّنُ الْمَغْصُوبُ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ جَارِيَةِ الْمَغْصُوبِ لِأَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً من يَوْمِ قَبَضَهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ في يَدِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما ضَمَّنَهُ الْمَغْصُوبُ من قِيمَةِ الْجَارِيَةِ على قِيمَتِهَا يوم قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَبِفَضْلٍ ثمن ( ( ( ممن ) ) ) إنْ كان قَبَضَهُ منه على قِيمَتِهَا حتى لَا يَلْزَمَهُ في حَالٍ إلَّا قِيمَتُهَا قال وَإِنْ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ إجَازَةَ الْبَيْعِ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ مِلْكًا فَاسِدًا وَلَا يَجُوزُ الْمِلْكُ الْفَاسِدُ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ لم يَجُزْ وكان لِلْمَغْصُوبِ قِيمَتُهَا وَلَوْ وَلَدَتْ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي أَوْلَادًا فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَعَاشَ بَعْضُهُمْ خُيِّرَ الْمَغْصُوبُ في أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ أو الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ لم يَكُنْ له سَبِيلٌ على الْمُشْتَرِي وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ وقد مَاتَتْ الْجَارِيَةُ رَجَعَ عليه بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَمَهْرِهَا وَقِيمَةِ أَوْلَادِهَا يوم سَقَطُوا أَحْيَاءً وَلَا يَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ من سَقَطَ منهم مَيِّتًا وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِجَمِيعِ ما ضَمَّنَهُ الْمَغْصُوبُ لَا قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَمَهْرِهَا فَقَطْ وَلَوْ وُجِدَتْ الْجَارِيَةُ حَيَّةً أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ رَقِيقًا له وَصَدَاقَهَا وَلَا يَأْخُذُ وَلَدَهَا قال فَإِنْ كان الْغَاصِبُ هو أَصَابَهَا فَوَلَدَتْ منه أَوْلَادًا فَعَاشَ بَعْضُهُمْ وَمَاتَ بَعْضٌ أَخَذَ الْمَغْصُوبُ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةَ من مَاتَ من أَوْلَادِهَا في أَكْثَرِ ما كَانُوا قِيمَةً وَالْأَحْيَاءَ فَاسْتَرَقَّهُمْ وَلَيْسَ الْغَاصِبُ في هذا كَالْمُشْتَرِي الْمُشْتَرِي مَغْرُورٌ وَالْغَاصِبُ لم يَغُرَّهُ إلَّا نَفْسَهُ وكان على الْغَاصِبِ إنْ لم يَدَّعِ الشُّبْهَةَ الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ عليه ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَطَاعَتْ الْغَاصِبَ وَهِيَ تَعْلَمُ أنها حَرَامٌ عليه وَأَنَّهُ زَانٍ بها فَلَا مَهْرَ لِأَنَّ هذا مَهْرُ بَغْيٍ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن مَهْرِ الْبَغْيِ وَإِنْ كانت تَظُنُّ هِيَ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كانت مَغْصُوبَةً على نَفْسِهَا فَلِصَاحِبِهَا الْمَهْرُ وهو زَانٍ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت الْمَغْصُوبَ إذَا اخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ لِمَ لم يَجُزْ الْبَيْعُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كان رضي بِالْبَيْعِ فَلِلْمَغْصُوبِ جَارِيَتُهُ كما كانت لو لم يَكُنْ فيها بَيْعٌ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْبَيْعِ في هذا الْمَوْضِعِ إلَّا حُكْمَ الشُّبْهَةِ وَأَنَّ الشُّبْهَةَ لم تُغَيِّرْ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ فإذا كان لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ الْجَارِيَةِ ولم يَنْفَعْ الْبَيْعُ الْمُشْتَرِيَ فَهِيَ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ لِلْمَغْصُوبِ وإذا كان الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ له حَبْسُهَا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَهَا غَاصِبٌ غَيْرُ مُوَكَّلٍ اُسْتُرِقَّ وَلَدُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ على أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ على الْمُشْتَرِي إجَازَةُ الْبَيْعِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ لو كان أَذِنَ بِبَيْعِهَا لَزِمَ الْبَيْعُ فإذا أَذِنَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلِمَ لَا يَلْزَمُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذْنُهُ قبل الْبَيْعِ إذَا بِيعَتْ يقطع ( ( ( بقطع ) ) ) خِيَارِهِ وَلَا يَكُونُ له رَدُّ الْجَارِيَةِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا وَلَوْ أَوْلَدَهَا لم يَكُنْ له قِيمَةُ وَلَدِهَا لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَحَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي الْإِصَابَةُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعِتْقُ فإذا بِيعَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ له رَدُّ الْبَيْعِ إلَّا وَالسِّلْعَةُ لم تُمْلَكْ وَحَرَامٌ على الْبَائِعِ الْبَيْعُ وَحَرَامٌ على الْمُشْتَرِي الْإِصَابَةُ لو عَلِمَ وَيُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ فإذا بَاعَهَا أو أَعْتَقَهَا لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا عِتْقُهُ فَالْحُكْمُ في الْإِذْنِ قبل الْبَيْعِ أَنَّ الْمَأْذُونَ له في الْبَيْعِ كَالْبَائِعِ الْمَالِكِ وَأَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْبَيْعِ إنَّمَا هو تَجْدِيدُ بَيْعٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ الْمُجَدَّدُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهَكَذَا كُلُّ من بَاعَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ أو زَوَّجَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ لم يَجُزْ
____________________

(3/247)


أَبَدًا إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ أو نِكَاحٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَلْزَمْتَ الْمُشْتَرِيَ الْمَهْرَ وَوَطْؤُهُ في الظَّاهِرِ كان عِنْدَهُ حَلَالًا وَكَيْفَ رَدَدْتَهُ بِالْمَهْرِ وهو الْوَاطِئُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إلْزَامُنَا إيَّاهُ الْمَهْرَ فَلِمَا كان من حَقِّ الْجِمَاعِ إذَا كان بِشُبْهَةٍ يُدْرَأُ فيه الْحَدُّ في الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ أَنْ يَكُونَ فيه مَهْرٌ كان هذا جِمَاعًا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ فَإِنْ قال فَإِنَّمَا جَامَعَ ما يَمْلِكُ عِنْدَ نَفْسِهِ قُلْنَا فَتِلْكَ الشُّبْهَةُ التي دَرَأْنَا بها الْحَدَّ ولم نَحْكُمْ له فيها بِالْمِلْكِ لِأَنَّا نَرُدُّهَا رَقِيقًا وَنَجْعَلُ عليه قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ إذَا كَانُوا بِالْجِمَاعِ الذي أَرَاهُ له مُبَاحًا فَأَلْزَمْنَاهُ قِيمَتَهُمْ كان الْجِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَازِمٌ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ فإذا ضَمَّنَاهُ الْوَلَدَ لِأَنَّهُمْ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ كان الْجِمَاعُ أَوْلَى أَنْ نُضَمِّنَهُ إيَّاهُ وَتَضْمِينُ الْجِمَاعِ هو تَضْمِينُ الصَّدَاقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ أَلْزَمْته قِيمَةَ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ لم يُدْرِكْهُمْ السَّيِّدُ إلَّا مَوْتَى قِيلَ له لَمَّا كان السَّيِّدُ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ وكان ما وَلَدَتْ مَمْلُوكًا بملكها ( ( ( يملكها ) ) ) إذَا وُطِئَتْ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَكَانَ على الْغَاصِبِ رَدُّهُمْ حين وُلِدُوا فلم يَرُدَّهُمْ حتى مَاتُوا ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ كما يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّهِمْ لو مَاتَتْ وَلَمَّا كان الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ كان سُلْطَانُ الْمَغْصُوبِ عليهم فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُمْ حين وُلِدُوا فَقَدْ ثَبَتَتْ له قِيمَتُهُمْ فَسَوَاءٌ مَاتُوا أو عَاشُوا لِأَنَّهُمْ لو عَاشُوا لم يُسْتَرَقُّوا قال وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْغَصْبِ وهو من غَيْرِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ أُخِذَتْ منه الْجَارِيَةُ وَالْعُقْرُ وَأُقِيمَ عليه حَدُّ الزنى فَإِنْ كان من أَهْلِ الْجَهَالَةِ وقال كُنْت أَرَانِي لها ضَامِنًا وَأَرَى هذا مَحَلَّ عزر ( ( ( عذر ) ) ) ولم ( ( ( لم ) ) ) يُحَدَّ وَأُخِذَتْ منه الْجَارِيَةُ وَالْعُقْرُ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا فَسَوَاءٌ بَاعَهَا في الْمَوْسِمِ أو على مِنْبَرٍ أو تَحْتَ سِرْدَابٍ حَقُّ الْمَغْصُوبِ فيها في هذه الْحَالَاتِ سَوَاءٌ فَإِنْ جَنَى عليها أَجْنَبِيٌّ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي أو الْغَاصِبِ جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهَا أو بَعْضِهَا فَأَخَذَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا الْمَغْصُوبُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ من يَدَيْ من أَخَذَهَا إذَا كانت نَفْسًا أو تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا على ما وَصَفْنَا وَإِنْ كانت جُرْحًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ أَرْشِ الْجُرْحِ من الْجَانِي وَالْجَارِيَةِ من الذي هِيَ في يَدَيْهِ أو تَضْمِينِ الذي هِيَ في يَدَيْهِ ما نَقَصَهَا الْجُرْحُ بَالِغًا ما بَلَغَ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْمُشْتَرِي قَتَلَهَا أو جَرَحَهَا فَإِنْ كان الْغَاصِبُ قَتَلَهَا فَلِمَالِكِهَا عليه الْأَكْثَرُ من قِيمَتِهَا يوم قَتَلَهَا أو قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً لِأَنَّهُ لم يَزَلْ لها ضَامِنًا قال وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ ثَوْبًا فَبَاعَهُ الْغَاصِبُ من رَجُلٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الْمَغْصُوبُ أَخَذَهُ وكان له ما بين قِيمَتِهِ يوم اغْتَصَبَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ التي نَقَصَهُ إيَّاهَا اللُّبْسُ كان قِيمَتُهُ يوم غَصْبِهِ عَشْرَةً فَنَقَصَهُ اللُّبْسُ خَمْسَةً فَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً وهو بِالْخِيَارِ في تَضْمِينِ اللَّابِسِ المشترى أو الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَا سَبِيلَ له على اللَّابِسِ وَهَكَذَا إنْ غَصَبَ دَابَّةً فَرُكِبَتْ حتى أُنْضِيَتْ كانت له دَابَّتُهُ وما نَقَصَتْ عن حَالِهَا حين غَصَبَهَا وَلَسْت أَنْظُرُ في الْقِيمَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ بَدَنِ الْمَغْصُوبِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَمَرِضَ فَاسْتَحَقَّهُ وَقِيمَتُهُ مَرِيضًا خَمْسُونَ أَخَذَ عَبْدَهُ وَخَمْسِينَ وَلَوْ كان الرَّقِيقُ يوم أَخَذَهُ أَغْلَى منهم يوم غَصَبَهُ وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ صَبِيًّا مَوْلُودًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ يوم غَصَبَهُ فَشَبَّ في يَدِ الْغَاصِبِ وَشُلَّ أو أعور وَغَلَا الرَّقِيقُ أو لم يَغْلُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يوم اسْتَحَقَّهُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَخَذَهُ وَقَوَّمْنَاهُ صَحِيحًا وَأَشَلَّ أو أَعْوَرَ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَأَشَلَّ أو أَعْوَرَ لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ صَحِيحًا فما حَدَثَ بِهِ من عَيْبٍ يُنْقِصُهُ في بَدَنِهِ كان ضَامِنًا له وَهَكَذَا لو غَصَبَهُ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيمَتُهُ يوم غَصَبَهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ حتى أَخْلَقَ وَغَلَتْ الثِّيَابُ فَصَارَ يُسَاوِي عِشْرِينَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَيُقَوَّمُ الثَّوْبُ جَدِيدًا وَخَلَقًا ثُمَّ أعطى فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ رَدَّهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ لِرُخْصِ الثِّيَابِ لم يَضْمَنْ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ رَدَّهُ كما أَخَذَهُ فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قد ضَمِنَ قِيمَتَهُ يوم اغْتَصَبَهُ فَالْقِيمَةُ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً أَبَدًا إلَّا لِفَائِتٍ وَالثَّوْبُ إذَا كان مَوْجُودًا بِحَالِهِ غير فَائِتٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ عليه الْقِيمَةُ
____________________

(3/248)


بِالْفَوْتِ وَلَوْ كان حين غَصَبَ كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ لم يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ ثَوْبِهِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ وَلَا عليه أَخْذُ ثَوْبِهِ إنْ كانت قِيمَتُهُ سَوَاءً أو كان أَقَلَّ قِيمَةً قال وإذا غَصَبَ الْجَارِيَةَ فَأَصَابَهَا عَيْبٌ من السَّمَاءِ أو بِجِنَايَةِ أَحَدٍ فَسَوَاءٌ وَسَوَاءٌ أَصَابَهَا ذلك عِنْدَ الْغَاصِبِ أو الْمُشْتَرِي يَسْلُكُ بِمَا أَصَابَهَا من الْعُيُوبِ التي من السَّمَاءِ ما سَلَكَ بها في الْعُيُوبِ التي يَجْنِي عليها الْآدَمِيُّونَ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَبَاعَهَا من آخَرَ فَحَدَثَ بها عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ جاء الْمَغْصُوبُ فَاسْتَحَقَّهَا أَخَذَهَا وكان بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما نَقَصَهَا الْعَيْبُ من الْغَاصِبِ فَإِنْ أَخَذَهُ منه لم يَرْجِعْ على الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَلِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ في يَدِ الْمُشْتَرِي من الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخَذَهُ من الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي على الْغَاصِبِ وَبِثَمَنِهَا الذي أُخِذَ منه لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ إلَيْهِ ما اشْتَرَى وَسَوَاءٌ كان الْعَيْبُ من السَّمَاءِ أو بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ دَابَّةً فَاسْتَغَلَّهَا أو لم يَسْتَغِلَّهَا وَلِمِثْلِهَا غَلَّةٌ أو دَارًا فَسَكَنَهَا أو أَكْرَاهَا أو لم يَسْكُنْهَا ولم يُكْرِهَا وَلِمِثْلِهَا كِرَاءٌ أو شيئا ما كان مِمَّا له غَلَّةٌ اسْتَغَلَّهُ أو لم يَسْتَغِلَّهُ انْتَفَعَ بِهِ أو لم يَنْتَفِعْ بِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهِ من حِينِ أَخَذَهُ حتى يَرُدَّهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كان إكراه بِأَكْثَرَ من كِرَاءِ مِثْلِهِ فَالْمَغْصُوبُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ ذلك الْكِرَاءَ لِأَنَّهُ كِرَاءُ مَالِهِ أو يَأْخُذَ كِرَاءَ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ غَلَّةٌ بِضَمَانٍ إلَّا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَضَى بها لِلْمَالِكِ الذي كان أَخَذَ ما أَحَلَّ اللَّهُ له وَاَلَّذِي كان إنْ مَاتَ الْمُغِلُّ مَاتَ من مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَ الْمُغِلَّ حَبَسَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ له الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَهُوَ ضِدُّ الْمُشْتَرِي الْغَاصِبُ أَخَذَ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه ولم يَكُنْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ ما في يَدَيْهِ وَلَوْ تَلِفَ الْمُغَلُّ كان الْغَاصِبُ له ضَامِنًا حتى يُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ إلَى الذي غَصَبَهُ إيَّاهُ وَلَا يُطْرَحُ الضَّمَانُ له لو تَلِفَ قِيمَةُ الْغَلَّةِ التي كانت قبل أَنْ يُتْلِفَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا هذا الْقَوْلُ أو قَوْلٌ آخَرُ وهو خَطَأٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وهو أَنَّ بَعْضَ الناس زَعَمَ أَنَّهُ إذَا سَكَنَ أو اشتغل ( ( ( استغل ) ) ) أو حَبَسَ فَالْغَلَّةُ وَالسَّكَنُ له بِالضَّمَانِ وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْقِيَاسِ على الحديث الذي ذَكَرْت فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ غَلَّةً أو سَكَنَ رَدَّ الْغَلَّةَ وَقِيمَةَ السُّكْنَى وَإِنْ لم يَأْخُذْهَا فَلَا شَيْءَ عليه فَهَذَا خَارِجٌ من كل قَوْلٍ لَا هو جَعَلَ ذلك له بِالضَّمَانِ وَلَا هو جَعَلَ ذلك لِلْمَالِكِ إذَا كان الْمَالِكُ مَغْصُوبًا ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ ليس لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا كِرَاءَ مِثْلِهِ لِأَنَّ كِرَاءَهُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا على الذي سَكَنَ إذَا اسْتَحَقَّ الدَّارَ رَبُّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا وَلَيْسَ له خِيَارٌ في أَنْ يَأْخُذَ الْكِرَاءَ الذي أَكْرَاهَا بِهِ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اغْتَصَبَهُ أَرْضًا فَغَرَسَهَا نَخْلًا أو أُصُولًا أو بَنَى فيها بِنَاءً أو شَقَّ فيها انهارا كان عليه كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِالْحَالِ الذي اغْتَصَبَهُ إيَّاهَا وكان على الْبَانِي وَالْغَارِسِ أَنْ يَقْلَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ فإذا قَلَعَهُ ضَمِنَ ما نَقَصَ الْقَلْعُ الْأَرْضَ حتى يَرُدَّ إلَيْهِ الْأَرْضَ بِحَالِهَا حين أَخَذَهَا وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَا نَقَصَهَا قال وَكَذَلِكَ ذلك في النَّهْرِ وفي كل شَيْءٍ أَحْدَثَهُ فيها لَا يَكُونُ له أَنْ يُثْبِتَ فيها عِرْقًا ظَالِمًا وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْلِكَ مَالَ الْغَاصِبِ ولم يَمْلِكْهُ إيَّاهُ كان ما يَقْلَعُ الْغَاصِبُ منه يَنْفَعُهُ أو لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ له مَنْعُ قَلِيلِ مَالِهِ كما له مَنْعُ كَثِيرِهِ وَكَذَلِكَ لو كان حَفَرَ فيها بِئْرًا كان له دَفْنُهَا وَإِنْ لم يَنْفَعْهُ الدَّفْنُ وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ دَارًا فَزَوَّقَهَا كان له قَلْعُ التَّزْوِيقِ وَإِنْ لم يَكُنْ يَنْفَعُهُ قَلْعُهُ وَكَذَلِكَ لو كان نَقَلَ عنها تُرَابًا كان له أَنْ يَرُدَّ ما نَقَلَ عنها حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا بِالْحَالِ التي غَصَبَهُ إيَّاهَا عليها لَا يَكُونُ عليه أَنْ يَتْرُكَ من مَالِهِ شيئا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَغْصُوبُ كما لم يَكُنْ على الْمَغْصُوبِ أَنْ يُبْطِلَ من مَالِهِ شيئا في يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ تَأَوَّلَ رَجُلٌ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ لَا يَحْتَمِلُ لِرَجُلٍ شيئا إلَّا احْتَمَلَ عليه خِلَافَهُ وَوَجْهُهُ الذي يَصِحُّ بِهِ أَنْ لَا ضَرَرَ في أَنْ لَا يَحْمِلَ على رَجُلٍ في مَالِهِ ما ليس بِوَاجِبٍ عليه وَلَا ضِرَارَ في أَنْ يَمْنَعَ رَجُلٌ من مَالِهِ ضَرَرًا وَلِكُلٍّ ماله وَعَلَيْهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ بَلْ أَحْدَثَ لِلنَّاسِ في أَمْوَالِهِمْ حُكْمًا على
____________________

(3/249)


النَّظَرِ لهم وَأَمْنَعَهُمْ في أَمْوَالِهِمْ على النَّظَرِ لهم قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت رَجُلًا له بَيْتٌ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ في ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ في دَارِ رَجُلٍ له مَقْدِرَةٌ أَعْطَاهُ بِهِ ما شَاءَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْبَيْتِ دِرْهَمٌ أو دِرْهَمَانِ وَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ دَارًا مع الْمَالِ أو رَقِيقًا هل يُجْبَرُ على النَّظَرِ له أَنْ يَأْخُذَ هذا الْكَثِيرَ بهذا الْقَلِيلِ أو رَأَيْت رَجُلًا له قِطْعَةُ أَرْضٍ بين أَرَاضِي رَجُلٍ لَا تُسَاوِي الْقِطْعَةَ دِرْهَمًا فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيعَهُ منها مَمَرًّا بِمَا شَاءَ من الدُّنْيَا هل يُجْبَرُ على أَنْ يَبِيعَ ما لَا يَنْفَعُهُ بِمَا فيه غِنَاهُ أو رَأَيْت رَجُلًا صِنَاعَتُهُ الْخِيَاطَةُ فَحَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَسْتَخِيطَ غَيْرَهُ وَمَنَعَهُ هو أَنْ يَخِيطَ له فَأَعْطَاهُ على ما الْإِجَارَةُ فيه دِرْهَمٌ مِائَةَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ أَيُجْبَرُ على أَنْ يَخِيطَ له أو رَأَيْت رَجُلًا عِنْدَهُ أَمَةٌ عَمْيَاءُ لَا تَنْفَعُهُ أَعْطَاهُ بها بن لها بَيْتَ مَالٍ هل يُجْبَرُ على أَنْ يَبِيعَهَا فَإِنْ قال لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ على النَّظَرِ له قُلْنَا وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يقول إنَّمَا فَعَلْت هذا إضْرَارًا بِنَفْسِي وَإِضْرَارًا لِلطَّالِبِ إلى حتى أَكُونَ جَمَعْت الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ قال وَإِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ وَضَارَّ غَيْرَهُ فَإِنَّمَا فَعَلَ في مَالِهِ ماله أَنْ يَفْعَلَ قِيلَ وَكَذَلِكَ حَافِرُ الْبِئْرِ في أَرْضِ الرَّجُلِ وَالْمُزَوِّقُ جِدَارَ الرَّجُلِ وَنَاقِلُ التُّرَابِ إلَى أَرْضِ الرَّجُلِ إنَّمَا فَعَلَ ماله أَنْ يَفْعَلَ وَمَنَعَ ماله أَنْ يَمْنَعَ من مَالِهِ فَإِنْ كان في رَدِّ التُّرَابِ وَدَفْنِ الْبِئْرِ ما يَشْغَلُ الْأَرْضَ عن رَبِّهَا حتى يَمْنَعَهُ مَنْفَعَةً في ذلك الْوَقْتِ قِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ رَدَّ التُّرَابِ أنت بِالْخِيَارِ في أَنْ تَرُدَّهُ وَيَكُونَ عَلَيْك كِرَاءُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ التي حَبَسْتهَا عن الْمَنْفَعَةِ أو تَدَعَهُ وَقِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ في الْبِئْرِ لَك الْخِيَارُ في أَنْ تَأْخُذَ حَافِرَ الْبِئْرِ بِدَفْنِهَا على كل حَالٍ وَلَا شَيْءَ لَك عليه لِأَنَّهُ ليس في مَوْضِعِهَا مَنْفَعَةٌ حتى تَكُونَ مَدْفُونَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَوْضِعِهَا لو كانت مُسْتَوِيَةً مَنْفَعَةٌ فِيمَا بُيِّنَ أَنَّ حُكْمَنَا لَك بها إلَى أَنْ يَدْفِنَهَا فَيَكُونَ لَك أَجْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ شَغَلَ عَنْك شيئا من أَرْضِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْغَاصِبُ نَقَلَ من أَرْضِ الْمَغْصُوبِ تُرَابًا كان مَنْفَعَةً لِلْأَرْضِ لَا ضَرَرَ عليها أُخِذَ بِرَدِّهِ فَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على رَدِّ مِثْلِهِ بِحَالٍ أَبَدًا قُوِّمَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا ذلك التُّرَابُ وَقُوِّمَتْ بِحَالِهَا حين أَخَذَهَا ثُمَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَإِنْ كان يَقْدِرُ على رَدِّهِ بِحَالٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فيه الْمُؤْنَةُ كُلِّفَهُ قال وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ دَابَّةِ رَجُلٍ أو رِجْلَهَا أو جَرَحَهَا جُرْحًا ما كان صَغِيرًا أو كَبِيرًا قُوِّمَتْ الدَّابَّةُ مَجْرُوحَةً أو مَقْطُوعَةً ثُمَّ ضَمِنَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَالَ أَحَدٍ بِجِنَايَةٍ أَبَدًا قال وإذا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ رَجُلًا غَصَبَهُ هذه الْجَارِيَةَ يوم الْخَمِيسِ وَشَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا يوم الْجُمُعَةِ أو شَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ له بِغَصْبِهِ إيَّاهَا أو شَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ له يوم الْخَمِيسِ بِغَصْبِهَا وَآخَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ له يوم الْجُمُعَةِ بِغَصْبِهَا فَكُلُّ هذا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ غَصْبَ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ غَصْبِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِعْلُ الْغَصْبِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ وَالْإِقْرَارُ يوم الْخَمِيسِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ يوم الْجُمُعَةِ فَيُقَالُ له في هذا كُلِّهِ احْلِفْ مع أَيِّ شَاهِدَيْك شِئْت وَاسْتَحِقَّ الْجَارِيَةَ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّهَا قال وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا كانت بِيَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أنها أَرْضُهُ فَأَقَامَ شَاهِدًا فَشَهِدَ له أنها أَرْضُهُ اشْتَرَاهَا من مَالِكٍ أو وَرِثَهَا من مَالِكٍ أو تَصَدَّقَ بها عليه مَالِكٌ أو كانت مَوَاتًا فَأَحْيَاهَا فَوَصَفَ ذلك بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ الذي يَصِحُّ وَأَقَامَ شَاهِدًا غَيْرَهُ أنها حيزه لم تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهَا حِيزَةٌ شَهَادَةً وَلَوْ شَهِدَ عليها عَدَدٌ عُدُولٌ إذَا لم يَزِيدُوا على هذا شيئا لِأَنَّ حَيْزَهُ يَحْتَمِلُ ما يَجُوزُ بِالْمِلْكِ وما يَجُوزُ بِالْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ وَيَحْتَمِلُ ما يَلِي أَرْضَهُ وما يَلِي مَسْكَنَهُ وَيَحْتَمِلُ بِعَطِيَّةِ أَهْلِهَا فلما لم يَكُنْ وَاحِدٌ من هذه الْمَعَانِي أَوْلَى بِالظَّاهِرِ من الْآخَرِ لم تَكُنْ هذه شَهَادَةً أَبَدًا حتى يَزِيدُوا فيها ما يُبَيِّنُ أنها مِلْكٌ له وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مع الشَّاهِدِ الذي شَهِدَ له بِالْمِلْكِ وَيَسْتَحِقَّ قال وَلَوْ شَهِدَ له الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِمَا وَصَفْنَا من الْمِلْكِ وَشَهِدَ له الشَّاهِدُ الثَّانِي بِأَنَّهُ كان يَحُوزُهَا وُقِفَ فَإِنْ قال بِحَوْزِهَا بِمِلْكٍ فَقَدْ اجْتَمَعَا على الشَّهَادَةِ وَإِنْ قال يَحُوزُهَا ولم يَزِدْ على ذلك لم يَجْتَمِعَا على الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ مع شَاهِدِ الْمِلْكِ وَيَسْتَحِقُّ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا من آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ ثُمَّ جاء رَبُّ الْجَارِيَةِ وَالْجَارِيَةُ قَائِمَةٌ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَشَيْئًا إنْ كان نَقَصَهَا وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الذي قَبَضَ منه مُوسِرًا
____________________

(3/250)


كان أو مُعْسِرًا قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَابَّةً أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَتَعَدَّى فَضَاعَتْ في تَعَدِّيهِ فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبُ أو المكري قِيمَةَ دَابَّتِهِ ثُمَّ ظَفِرَ بِالدَّابَّةِ بَعْدُ فإن بَعْضَ الناس وهو أبو حَنِيفَةَ قال لَا سَبِيلَ له على الدَّابَّةِ وَلَوْ كانت جَارِيَةً لم يَكُنْ له عليها سَبِيلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْبَدَلَ منها وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ظَهَرَ على الدَّابَّةِ رَدَدْت عليه الدَّابَّةَ وَرَدَّ ما قَبَضَ من ثَمَنِهَا إنْ كانت دَابَّتُهُ بِحَالِهَا يوم غَصَبَهَا أو تَعَدَّى بها أو خَيْرِهَا حَالًا فَإِنْ كانت نَاقِصَةً قَبَضَهَا وما نَقَصَتْ وَرَدَّ الْفَضْلَ عن نُقْصَانِهَا من الثَّمَنِ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْبُيُوعَ إنَّمَا الْبُيُوعُ بِمَا تَرَاضَيَا عليه فَسَلَّمَ له رَبُّ السِّلْعَةِ سِلْعَتَهُ وَأَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ إلَيْهِ رَاضِيًا بِإِخْرَاجِهَا وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَاصٍ في أَخْذِهَا وَالْمُتَعَدِّي عَاصٍ في التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ وَرَبُّ الدَّابَّةِ غَيْرُ بَائِعٍ له دَابَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّابَّةَ لو كانت قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لم يَكُنْ له أَخْذُ قِيمَتِهَا فلما كان إنَّمَا أَخَذَ الْقِيمَةَ على أَنَّ دَابَّتَهُ فَائِتَةٌ ثُمَّ وَجَدَ الدَّابَّةَ كان الْفَوْتُ قد بَطَلَ وَكَانَتْ الدَّابَّةُ مَوْجُودَةً وَلَوْ كان هذا بَيْعًا ما جَازَ أَنْ تُبَاعَ دَابَّتُهُ غَائِبَةً وَلَوْ جَازَ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ كان لِلْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَلَوْ وُجِدَتْ مَعِيبَةً كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ فَإِنْ قال رَجُلٌ فَهِيَ لَا تُشْبِهُ الْبُيُوعَ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ قِيلَ له أَفَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جَنَى على عَيْنِ رَجُلٍ فَابْيَضَّتْ فَحُكِمَ له بِأَرْشِهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَقَائِلُ هذا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِالْأَرْشِ وَيَرُدُّهُ وَلَوْ حُكِمَ له في سِنٍّ قُلِعَتْ من صَبِيٍّ بِخَمْسٍ من الْإِبِلِ ثُمَّ نَبَتَتْ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الذي حُكِمَ بِهِ عليه فَإِنْ شَبَّهَهَا بِالْجِنَايَاتِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ فيه اخْتِلَافُ الْقَوْلِ وَإِنْ زَعَمَ أنها لَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ ما فَاتَ فلم يَعُدْ فَهَذِهِ قد عَادَتْ فَصَارَتْ غير فَائِتَةٍ وَلَوْ كان هذا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَاغْتَصَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دَابَّةً أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَتَعَدَّى عليها فَضَاعَتْ ثُمَّ اصْطَلَحَا من ثَمَنِهَا على شَيْءٍ يَكُونُ أَكْثَرَ من قِيمَةِ الدَّابَّةِ أو مثله أو أَقَلَّ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في حُكْمِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ على ما لَزِمَ الْغَاصِبَ مِمَّا اسْتَهْلَكَ فلما كان مَالُهُ غير مُسْتَهْلَكٍ كان الصُّلْحُ وَقَعَ على غَيْرِ ما عَلِمَا أو عَلِمَ رَبُّ الدَّابَّةِ وَلَوْ كان الْغَاصِبُ قال له أنا أشتريها مِنْك وَهِيَ في يَدَيْ قد عَرَفْتهَا فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِشَيْءٍ قد عَرَفَهُ قَلَّ أو كَثُرَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ جاء الْغَاصِبُ بِالدَّابَّةِ مَعِيبَةً عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ لم يَكُنْ رَآهُ وَأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ له بِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ كان في يَدِ الْمَغْصُوبِ الْبَائِعِ أو يَكُونُ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ له رَدُّ الدَّابَّةِ وَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ ما نَقَصَهَا على الْغَاصِبِ فَإِنْ قال المتعدى بِالْغَصْبِ أو في الْكِرَاءِ إنَّ الدَّابَّةَ ضَاعَتْ فَأَنَا أَدْفَعُ إلَيْك قِيمَتَهَا فقبل ( ( ( فقيل ) ) ) ذلك منه بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَا يَجُوزُ في هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ هذا بَيْعٌ مستانف فَلَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْتَى أو يُقَالُ هذا بَدَلٌ إنْ كانت ضَاعَتْ أو تَلِفَتْ فَيَجُوزُ لِأَنَّ ذلك يَلْزَمُهُ في أَصْلِ الْحُكْمِ فَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا عَلِمَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لم تَضِعْ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَخْذُهَا وَعَلَيْهِ رَدُّ ما أَخَذَ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ ما كان يَلْزَمُ له لو كانت ضَائِعَةً فلما لم تَكُنْ ضَائِعَةً كان على أَصْلِ مِلْكِهِ أو يقول قَائِلٌ قَوْلًا ثَالِثًا فيقول لَمَّا رضي بِقَوْلِهِ وَتَرَكَ اسْتِحْلَافَهُ كما كان الْحَاكِمُ مُسْتَحْلِفَهُ لو ضَاعَتْ فَلَا يَكُونُ له الرُّجُوعُ على حَالٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنْ كانت عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنَّمَا كَذَبَ لِيَأْخُذَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا وَإِنْ لم تَكُنْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ في وَجْهٍ من الْوُجُوهِ لِأَنَّ الذي انْعَقَدَ إنْ كان جَائِزًا بِكُلِّ حَالٍ جَازَ ولم يُنْتَقَضْ وَإِنْ كان جَائِزًا ما لم تَكُنْ مَوْجُودَةً مُنْتَقَضًا إذَا كانت مَوْجُودَةً فَهِيَ مَوْجُودَةٌ في الْحَالَيْنِ فما بَالُهَا تُرَدُّ في إحْدَاهُمَا وَلَا تُرَدُّ في الْأُخْرَى وَإِنْ كان فَاسِدًا فَهُوَ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا جَائِزَ وَلَا فَاسِدَ وَلَا جَائِزَ على مَعْنًى فَاسِدٍ في آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الْعَبْدَ
____________________

(3/251)


وَقَبَضَهُ منه ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ منه أو أَمَتُهُ غَصَبَهَا منه قُلْنَا لِلْمُقَرِّ له بِالْغَصْبِ إنْ أَقَمْتَ بَيِّنَةً على الْغَصْبِ دَفَعْنَا إلَيْك أَيَّهمَا أَقَمْت عليه الْبَيِّنَةَ وَنَقَضْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ لم تُقِمْ بَيِّنَةً فَإِقْرَارُ الْبَائِعِ لَك إثْبَاتُ حَقٍّ لَك على نَفْسِهِ وَإِبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِك قد ثَبَتَ عليه قبل إقْرَارِهِ لَك وَلَا يُصَدَّقُ في إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ وَيُصَدَّقُ على نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ لَك قِيمَةَ ايهما أَقَرَّ بِأَنَّهُ غصبكه ( ( ( غصبه ) ) ) إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ أو يَكُونَ له خِيَارٌ فَيَرُدَّهُ بِخِيَارِهِ في الْعَيْبِ وَخِيَارِهِ في الشَّرْطِ فإذا رَدَّهُ كان على الْمُقِرِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْك وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ غَاصِبٌ رَدَّهُ وَرَجَعَ عليه بِالثَّمَنِ الذي أَخَذَهُ منه إنْ شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا فَبَاعَهُ من رَجُلٍ ثُمَّ مَلَّكَ الْمُغْتَصِبُ الْبَائِعَ ذلك الْعَبْدَ بِمِيرَاثٍ أو هِبَةٍ أو بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ أو وَجْهِ مِلْكٍ ما كان ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ أَرَادَهُ أو لم يُرِدْهُ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَجُوزُ له بَيْعُهُ وَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ وقال الْمُشْتَرِي إنَّمَا ادَّعَيْت ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال الْبَائِعُ بِعْتُك ما أَمْلِكُ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ ولم يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَشْهَدُ في هذا الْوَقْتِ لِلْبَائِعِ لَا عليه فَتَشْهَدُ له بِمَا يَرْجِعُ بِهِ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ مَشْهُودًا له لَا عليه وقد أُكَذِّبُهُمْ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ في الْحُكْمِ لِإِكْذَابِهِ بَيِّنَتَهُ وَيَنْبَغِي في الْوَرَعِ أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا أو يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي قال وَإِنْ كانت الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ فَكَانَ ذلك يُخْرِجُهُ من أَيْدِيهِمَا جميعا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا عليه قال وَإِنْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَصْبٍ وكان الْمَغْصُوبُ أو وَرَثَتُهُ قِيَامًا رُدَّ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا وَيُرَدُّ إلَى الْمَغْصُوبِ وَلَوْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَ الْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي المدعى أَنَّهُ غَصَبَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْعِتْقِ وَمَضَى الْعِتْقُ وَرَدَدْنَا الْمَغْصُوبَ على الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ في أَكْثَرِ ما كان قِيمَةً وَإِنْ أَحَبَّ رَدَدْنَاهُ على الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ فَإِنْ رَدَدْنَاهُ على الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ رَجَعَ على الْغَاصِبِ الْبَائِعِ بِمَا أُخِذَ منه لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمُعْتِقَ يُقِرُّ أَنَّهُ أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا من رَجُلٍ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أنها مَغْصُوبَةٌ ثُمَّ جاء الْمَغْصُوبُ فَأَرَادَ إجازة الْبَيْعَ لم يَكُنْ الْبَيْعُ جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان مُحَرَّمًا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ إجَازَةُ الْمُحَرَّمِ وَيَكُونُ له تَجْدِيدُ بَيْعٍ حَلَالٍ هو غَيْرُ الْحَرَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت لو أَنَّ أمرا بَاعَ جَارِيَةً له وَشَرَطَ لنفسه ( ( ( نفسه ) ) ) فيها الْخِيَارَ أَمَا كان يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ له أَنْ يَخْتَارَ إمْضَاءَهُ فَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ له الْخِيَارَ دُونَ الْبَائِعِ قِيلَ بَلَى فَإِنْ قال فما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قِيلَ هذه بَاعَهَا مَالِكُهَا بَيْعًا حَلَالًا وكان له الْخِيَارُ على شَرْطِهِ وكان الْمُشْتَرِي غير عَاصٍ لِلَّهِ وَلَا الْبَائِعُ وَالْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي وهو يَعْلَمُ أنها مَغْصُوبَةٌ عَاصِيَانِ لِلَّهِ وَهَذَا بَائِعٌ ما ليس له وَهَذَا مُشْتَرٍ ما لَا يَحِلُّ له فَلَا يُقَاسَ الْحَرَامُ على الْحَلَالِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الْمُشْتَرِيَ من رَبِّ الْجَارِيَةِ جَارِيَتَهُ لو شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كان له الْخِيَارُ كما يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا شَرَطَهُ أَفَيَكُونُ للمشتري ( ( ( لمشتري ) ) ) الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ الْخِيَارُ في أَخْذِهَا أو رَدِّهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَلَوْ شَرَطَ الْغَاصِبُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قال لَا من قِبَلِ أَنَّ الذي شُرِطَ له الْخِيَارُ لَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ قِيلَ وَلَكِنَّ الذي يَمْلِكُهَا لو شَرَطَ له الْخِيَارَ جَازَ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له أَفَلَا تَرَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ في كل شَيْءٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ في كل شَيْءٍ على الْآخَرِ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فاقر الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وقال ثَمَنُهَا عَشَرَةٌ وقال الْمَغْصُوبُ ثَمَنُهَا مِائَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا تَقُومُ على الصِّفَةِ من قِبَلِ أَنَّ التَّقْوِيمَ على الصِّفَةِ لَا يُضْبَطُ قد تَكُونُ الْجَارِيَتَانِ بِصِفَةٍ وَلَوْنٍ وَسِنٍّ وَبَيْنَهُمَا كَثِيرٌ في الْقِيمَةِ بِشَيْءٍ يَكُونُ في الرُّوحِ وَالْعَقْلِ وَاللِّسَانِ
____________________

(3/252)


فَلَا يُضْبَطُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ فَيُقَالُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ إنْ رَضِيتَ وَإِلَّا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخِذَ له بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ لم يُقِمْهَا أُحَلِّفُ له الْغَاصِبَ وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ أَقَامَ عليه شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ في يَدَيْهِ ولم يُثْبِتْ الشَّاهِدَانِ على قِيمَتِهَا كان الْقَوْلُ في قِيمَتِهَا قَوْلَ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ وَلَوْ وَصَفَهَا الشَّاهِدَانِ بِصِفَةٍ أنها كانت صَحِيحَةً عُلِمَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِمَّا قال الْغَاصِبُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ دَاءٌ أو غَائِلَةٌ تَخْفَى يَصِيرُ بها ثَمَنُهَا إلَى ما قال الْغَاصِبُ فإذا أَمْكَنَ ما قال الْغَاصِبُ بِحَالٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَهَكَذَا قَوْلُ من يَغْرَمُ شيئا من الدُّنْيَا بِأَيِّ وَجْهٍ ما دخل عليه الْغُرْمُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا يُؤْخَذُ منه خِلَافُ ما اقر بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّا نَجْعَلُ في الْأَكْثَرِ من الدَّعْوَى عليه الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَلَوْ قال رَجُلٌ غَصَبَنِي أو لي عليه دَيْنٌ أو عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ ولم نُلْزِمْهُ شيئا لم يُقِرَّ بِهِ فإذا أَعْطَيْنَاهُ هذا في الْأَكْثَرِ كان الْأَقَلُّ أَوْلَى أَنْ نُعْطِيَهُ إيَّاهُ فيه وَلَا تَجُوزُ الْقِيمَةُ على ما لَا يَرَى وَذَلِكَ أَنَّا نُدْرِكُ ما وَصَفْت من عَلِمَ أَنَّ الْجَارِيَتَيْنِ تَكُونَانِ في صِفَةٍ وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ ثَمَنًا من الْأُخْرَى بِشَيْءٍ غَيْرِ بَعِيدٍ فَلَا تَكُونُ الْقِيَمُ إلَّا على ما عُويِنَ أَوَلَا تَرَى أَنَّ فِيمَا عُويِنَ لَا نُوَلِّي الْقِيمَةَ فيه إلَّا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ في يَوْمِهِ الذي يُقَوِّمُونَهُ فيه وَلَا تَجُوزُ لهم الْقِيمَةُ حتى يَكْشِفُوا عن الْغَائِلَةِ وَالْأَدْوَاءِ ثُمَّ يَقِيسُوهُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونُ أَكْثَرُ ما عِنْدَهُمْ في ذلك تأخى قَدْرَ الْقِيمَةِ على قَدْرِ ما يُرَى من سِعْرِ يَوْمِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ التَّقْوِيمُ على الْمَغِيبِ فَإِنْ قال صِفَتُهُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ قُلْنَا لِرَبِّ الثَّوْبِ ادَّعِ في قِيمَتِهِ ما شِئْت فإذا فَعَلَ قُلْنَا لِلْغَاصِبِ قد ادَّعَى ما تَسْمَعُ فَإِنْ عَرَفْته فَأَدِّهِ إلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ لم تَعْرِفْهُ فَأَقِرَّ بِمَا شِئْت نُحَلِّفُك عليه وَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَإِنْ قال لَا أَحْلِفُ قُلْنَا فَرُدَّ الْيَمِينَ عليه فَيَحْلِفَ عَلَيْك وَيَسْتَحِقَّ ما ادَّعَى إنْ ثَبَتَ على الِامْتِنَاعِ من الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ هذا له فَقَدْ جاء بِمَا عليه وَإِنْ امْتَنَعَ أَحْلَفْنَا المدعى ثُمَّ أَلْزَمْنَاهُ جَمِيعَ ما حَلَفَ عليه فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ بَعْدَ يَمِينِ المدعى لم نُعْطِهِ إيَّاهَا فَإِنْ جاء بِبَيِّنَةٍ على أَقَلَّ مِمَّا حَلَفَ عليه المدعى أَعْطَيْنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ قال وإذا غَصَبَ رَجُلٌ من رَجُلٍ طَعَامًا حَبًّا أو تَمْرًا أو أُدْمًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كان يُوجَدُ له مِثْلٌ بِحَالٍ من الْحَالِ وَإِنْ لم يُوجَدْ له مِثْلٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ ما كان قِيمَةً قَطُّ قال وإذا غَصَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَصْلًا فَأَثْمَرَ أو غَنَمًا فَتَوَالَدَتْ وَأَصَابَ من صُوفِهَا وَأَلْبَانِهَا كان لِرَبِّ الْأَصْلِ وَالْغَنَمِ وَكُلِّ مَاشِيَةٍ أَنْ يَأْخُذَ مَاشِيَتَهُ وَأَصْلَهُ من الْغَاصِبِ إنْ كان بِحَالِهِ حين غَصَبَهُ أو خَيْرًا وَإِنْ نَقَصَ أَخَذَهُ وَالنُّقْصَانَ وَرَجَعَ عليه بِجَمِيعِ ما أَتْلَفَ من الثَّمَرَةِ فَأَخَذَ منه مِثْلَهَا إنْ كان لها مِثْلٌ أو الْقِيمَةَ إنْ لم يَكُنْ لها مِثْلٌ وَقِيمَةَ ما أَتْلَفَ من نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ وَمِثْلَ ما أَخَذَ من لَبَنِهَا أو قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَمِثْلَ ما أَخَذَ من صُوفِهَا وَشَعْرِهَا إنْ كان له مِثْلٌ وَإِلَّا قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ قال وَإِنْ كان أَعْلَفَهَا أو هَنَّأَهَا وَهِيَ جُرْبٌ أو اسْتَأْجَرَ عليها من حِفْظِهَا أو سقي الْأَصْلَ فَلَا شَيْءَ له في ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ ما يُحْدِثُ الْغَاصِبُ فِيمَا اغْتَصَبَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ تُمَيَّزُ وَعَيْنٌ مَوْجُودَةٌ لَا تُمَيَّزُ وَالثَّانِي أَثَرٌ لَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ فَأَمَّا الْأَثَرُ الذي ليس بِعَيْنٍ مَوْجُودَةٍ فَمِثْلُ ما وَصَفْنَا من الْمَاشِيَةِ يَغْصِبُهَا صِغَارًا وَالرَّقِيقُ يَغْصِبُهُمْ صِغَارًا بِهِمْ مَرَضٌ فَيُدَاوِيهِمْ وَتَعْظُمُ نَفَقَتُهُ عليهم حتى يَأْتِيَ صَاحِبُهُمْ وقد أَنْفَقَ عليهم أَضْعَافَ أَثْمَانِهِمْ وَإِنَّمَا مَالُهُ في أَثَرٍ عليهم لَا عَيْنٍ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفَقَةَ في الدَّوَابِّ وَالْأَعْبُدِ إنَّمَا هو شَيْءٌ صَلُحَ بِهِ الْجَسَدُ لَا شَيْءٌ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ مع الْجَسَدِ وَإِنَّمَا هو أَثَرٌ وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَغْسِلُهُ وَيُكْمِدُهُ وَكَذَلِكَ الطِّينُ يَغْصِبُهُ فَيَبُلُّهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ لَبَنًا فَإِنَّمَا هذا كُلُّهُ أَثَرٌ ليس بِعَيْنٍ من مَالِهِ وُجِدَ فَلَا شَيْءَ له فيه لِأَنَّهُ ليس بِعَيْنٍ تَتَمَيَّزُ فَيُعْطَاهُ وَلَا عَيْنٍ تَزِيدُ في قِيمَتِهِ وَلَا هو مَوْجُودٌ كَالصَّبْغِ في الثَّوْبِ فَيَكُونُ شَرِيكًا له وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ التي لَا تَتَمَيَّزُ أَنْ يَغْصِبَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ الذي
____________________

(3/253)


قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَصْبُغُهُ بِزَعْفَرَانٍ فَيَزِيدُ في قِيمَتِهِ خَمْسَةٌ فَيُقَالُ لِلْغَاصِبِ إنْ شِئْت أَنْ تَسْتَخْرِجَ الزَّعْفَرَانَ على أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ من الثَّوْبِ وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ شَرِيكٌ في الثَّوْبِ لَك ثُلُثُهُ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ ثُلُثَاهُ وَلَا يَكُونُ له غَيْرُ ذلك وَهَكَذَا كُلُّ صَبْغٍ كان قَائِمًا فَزَادَ فيه وَإِنْ صَبَغَهُ بِصَبْغٍ يَزِيدُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الصَّبْغَ فَإِنَّمَا يُقَوَّمُ الثَّوْبُ فَإِنْ كان الصَّبْغُ زَائِدًا في قِيمَتِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَهَكَذَا وَإِنْ كان غير زَائِدٍ في قِيمَتِهِ قِيلَ له ليس لَك ها هنا مَالٌ زَادَ في مَالِ الرَّجُلِ فَتَكُونُ شَرِيكًا له بِهِ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ الصَّبْغَ على أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الثَّوْبَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ قال وَإِنْ كان الصَّبْغُ مِمَّا يُنْقِصُ الثَّوْبَ قِيلَ له أنت أَضْرَرْت بِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَأَدْخَلْت عليه النَّقْصَ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ صَبْغَك وَتَضْمَنُ ما نَقَصَ الثَّوْبَ وَإِنْ شِئْت فَلَا شَيْءَ لَك في صَبْغِك وَتَضْمَنُ ما نَقَصَ الثَّوْبَ بِكُلِّ حَالٍ قال وَمِنْ الشَّيْءِ الذي يَخْلِطُهُ الْغَاصِبُ بِمَا اغْتَصَبَ فَلَا يَتَمَيَّزُ منه أَنْ يَغْصِبَهُ مِكْيَالَ زَيْتٍ فَيَصُبَّهُ في زَيْتٍ مِثْلِهِ أو خَيْرٍ منه فَيُقَالُ لِلْغَاصِبِ إنْ شِئْت أَعْطَيْته مِكْيَالَ زَيْتٍ مِثْلَ زَيْتِهِ وَإِنْ شِئْت أَخَذَ من هذا الزَّيْتِ مِكْيَالًا ثُمَّ كان غير مُزْدَادٍ إذَا كان زَيْتُك مِثْلَ زَيْتِهِ وَكُنْت تَارِكًا لِلْفَضْلِ إذَا كان زَيْتُك أَكْثَرَ من زَيْتِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَقِصٍ فَإِنْ كان صَبَّ ذلك الْمِكْيَالَ في زَيْتٍ شَرٍّ من زَيْتِهِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ له مِثْلَ زَيْتِهِ لِأَنَّهُ قد انْتَقَصَ زَيْتَهُ بِتَصْيِيرِهِ فِيمَا هو شَرٌّ منه وَإِنْ كان صَبَّ زَيْتَهُ في بَانٍ أو شَيْرَقٍ أو دُهْنٍ طَيِّبٍ أو سَمْنٍ أو عَسَلٍ ضَمِنَ في هذا كُلِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ منه الزَّيْتُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِكْيَالًا مثله وَإِنْ كان الْمِكْيَالُ منه خَيْرًا من الزَّيْتِ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ الزَّيْتِ وَلَوْ كان صَبَّهُ في مَاءٍ إنْ خَلَّصَهُ منه حتى يَكُونَ زَيْتًا لَا مَاءَ فيه وَتَكُونَ مُخَالَطَةُ الْمَاءِ غير نَاقِصَةٍ له كان لَازِمًا لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَقْبَلَهُ وَإِنْ كانت مُخَالَطَةُ الْمَاءِ نَاقِصَةً له في الْعَاجِلِ وَالْمُتَعَقِّبِ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ مِكْيَالًا مثله مَكَانَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَيُعْطِيهِ هذا الزَّيْتَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ نَقَصَهُ الْمَاءُ وَيَرْجِعُ عليه بِنَقْصِهِ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اغتصبه ( ( ( اغتصب ) ) ) زَيْتًا فاغلاه على النَّارِ فَنَقَصَ كان عليه أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وما نَقَصَ مَكِيلَتَهُ ثُمَّ إنْ كانت النَّارُ تُنْقِصُهُ شيئا في الْقِيمَةِ كان عليه أَنْ يَغْرَمَ له نُقْصَانَهُ وَإِنْ لم تُنْقِصْهُ شيئا في الْقِيمَةِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ اغْتَصَبَهُ حِنْطَةً جَدِيدَةً خَلَطَهَا بِرَدِيئَةٍ كان كما وَصَفْت في الزَّيْتِ يَغْرَمُ له مِثْلَهَا بِمِثْلِ كَيْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْدِرُ على أَنْ يُمَيِّزَهَا حتى تَكُونَ مَعْرُوفَةً وَإِنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أو أَجْوَدَ كان كما وَصَفْت في الزَّيْتِ قال وَلَوْ خَلَطَهَا بِشَعِيرٍ أو ذُرَةٍ أو حَبٍّ غَيْرِ الْحِنْطَةِ كان عليه أَنْ يُؤْخَذَ بِتَمْيِيزِهَا حتى يُسَلِّمَهَا إلَيْهِ بِعَيْنِهَا بِمِثْلِ كَيْلِهَا وَإِنْ نَقَصَ كَيْلَهَا شيئا ضَمِنَهُ قال وَلَوْ اغْتَصَبَهُ حِنْطَةً جَيِّدَةً فَأَصَابَهَا عِنْدَهُ مَاءٌ أو عَفَنٌ أو أَكَلَةٌ أو دَخَلَهَا نَقْصٌ في عَيْنِهَا كان عليه أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَقِيمَةُ ما نَقَصَهَا تُقَوَّمُ بِالْحَالِ التي غَصَبَهَا وَالْحَالِ التي دَفَعَهَا بها ثُمَّ يَغْرَمُ فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ دَقِيقًا فَخَلَطَهُ بِدَقِيقٍ أَجْوَدَ منه أو مثله أو أرادأ ( ( ( أردأ ) ) ) كان كما وَصَفْنَا في الزَّيْتِ قال وَإِنْ غَصَبَهُ زَعْفَرَانًا وَثَوْبًا فَصَبَغَ الثَّوْبَ بِالزَّعْفَرَانِ كان رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا لِأَنَّهُ زَعْفَرَانُهُ وَثَوْبُهُ وَلَا شَيْءَ له غَيْرُ ذلك أو يُقَوَّمُ ثَوْبُهُ أَبْيَضَ وَزَعْفَرَانُهُ صَحِيحًا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ قُوِّمَ ثَوْبُهُ مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمَّنَهُ خَمْسَةً لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عليه النَّقْصَ قال وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَهُ سَمْنًا وَعَسَلًا وَدَقِيقًا فَعَصَدَهُ كان لِلْمَغْصُوبِ الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَهُ مَعْصُودًا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الْحَطَبِ وَالْقِدْرِ وَالْعَمَلِ من قِبَلِ أَنَّ ما له فيه أَثَرٌ لَا عَيْنٌ أو يُقَوَّمُ له الْعَسَلُ مُنْفَرِدًا وَالسَّمْنُ وَالدَّقِيقُ مُنْفَرِدِينَ فَإِنْ كان قِيمَتُهُ عَشَرَةً وهو مَعْصُودٌ قِيمَتُهُ سَبْعَةٌ غَرِمَ له ثَلَاثَةً من قِبَلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ عليه النَّقْصَ وَلَوْ غَصَبَهُ دَابَّةً وَشَعِيرًا فَعَلَفَ الدَّابَّةَ الشَّعِيرَ رَدَّ الدَّابَّةَ وَالشَّعِيرَ من قِبَلِ أَنَّهُ هو الْمُسْتَهْلِكُ له وَلَيْسَ في الدَّابَّةِ عَيْنٌ من
____________________

(3/254)


الشَّعِيرِ يَأْخُذُهُ إنَّمَا فيها منه أَثَرٌ قال وَلَوْ غَصَبَهُ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ وَالْمَغْصُوبُ لَا يَعْلَمُ كان مُتَطَوِّعًا بِالْإِطْعَامِ وكان عليه ضَمَانُ الطَّعَامِ وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ فَأَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ له عليه من قِبَلِ أَنَّ سُلْطَانَهُ إنَّمَا كان على أَخْذِ طَعَامِهِ فَقَدْ أَخَذَهُ قال وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الْمَغْصُوبُ أَكَلْته وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامِي وقال الْغَاصِبُ أَكَلْته وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مع يَمِينِهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ يخفي ذلك بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ عَالِمًا أو غير عَالَمٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ شيئه ( ( ( شيؤه ) ) ) وَلَا شَيْءَ على الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَصَ عَمَلُهُ فيه شيئا فَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ الْعَمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ غَصَبَهُ ذَهَبَا فَحَمَلَ عليه نُحَاسًا أو حَدِيدًا أو فِضَّةً أَخَذَ بِتَمْيِيزِهِ بِالنَّارِ وَإِنْ نَقَصَتْ النَّارُ ذَهَبَهُ شيئا ضَمِنَ ما نَقَصَتْ النَّارُ وَزْنَ ذَهَبِهِ وسلم إلَيْهِ ذَهَبَهُ ثُمَّ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت النَّارُ نَقَصَتْ من ذَهَبِهِ شيئا في الْقِيمَةِ ضَمِنَ له ما نَقَصَتْهُ النَّارُ في الْقِيمَةِ قال ( ( ( وقال ) ) ) وَلَوْ سَبَكَهُ مع ذَهَبٍ مِثْلِهِ أو أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ كان هذا مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ وكان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الزَّيْتِ قال وَلَوْ اغْتَصَبَهُ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ قَضِيبًا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ قَضِيبًا من ذَهَبٍ غَيْرِهِ أو قَضِيبًا من نُحَاسٍ أو فِضَّةٍ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ قَضِيبَهُ إنْ كان بِمِثْلِ الْوَزْنِ الذي غَصَبَهُ بِهِ ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ في تِلْكَ الْحَالِ وَإِلَيْهِ في الْحَالِ التي غَصَبَهُ إيَّاهُ فيها مَعًا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ حين رَدَّهُ أَقَلَّ منها حين غَصَبَهُ ضَمِنَ له فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَإِنْ كانت مثله أو أَكْثَرَ أَخَذَ ذَهَبَهُ وَلَا شَيْءَ له غير ذلك وَلَا لِلْغَاصِبِ في الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ من عَمَلٍ إنَّمَا هو أَثَرٌ قال وَلَوْ غَصَبَهُ شَاةً فَأَنْزَى عليها تَيْسًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ كانت الشَّاةُ وَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في عَسْبِ التَّيْسِ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثَمَنُ عَسْبِ الْفَحْلِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا هو شَيْءٌ أَقَرَّهُ فيها فَانْقَلَبَ الذي أَقَرَّ إلَى غَيْرِهِ وَاَلَّذِي انْقَلَبَ ليس بِشَيْءٍ يُمْلَكُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الشَّاةِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ نَقْرَةَ ذَهَبٍ فَضَرَبَهَا دَنَانِيرَ كان لِرَبِّ النَّقْرَةِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ إنْ كانت بِمِثْلِ وَزْنِ النَّقْرَةِ وَكَانَتْ بِمِثْلِ قِيمَةِ النَّقْرَةِ أو أَكْثَرَ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في زِيَادَةِ عَمَلِهِ إنَّمَا هو أَثَرٌ وَإِنْ كانت يَنْقُصُ وَزْنُهَا أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وما نَقَصَ الْوَزْنَ قال وَإِنْ كان قِيمَتُهَا تَنْقُصُ مع ذلك أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وما نَقَصَ الْوَزْنَ وما نَقَصَ الْقِيمَةَ قال وَإِنْ غَصَبَهُ خَشَبَةً فَشَقَّهَا أَلْوَاحًا أَخَذَ رَبُّ الْخَشَبَةِ الْأَلْوَاحَ فَإِنْ كانت الْأَلْوَاحُ مِثْلَ قِيمَةِ الْخَشَبَةِ أو أَكْثَرَ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في زِيَادَةِ قِيمَةِ الْأَلْوَاحِ على الْخَشَبَةِ من قِبَلِ أَنَّ مَالَهُ فيها أَثَرٌ لَا عَيْنٌ وَإِنْ كانت الْأَلْوَاحُ أَقَلَّ قِيمَةً من الْخَشَبَةِ أَخَذَهَا وَفَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ أَنَّهُ عَمِلَ هذه الْأَلْوَاحَ أَبْوَابًا ولم يُدْخِلْ فيها شيئا من عِنْدِهِ كان هَكَذَا وَلَوْ أَدْخَلَ فيها من عِنْدِهِ حَدِيدًا أو خَشَبًا غَيْرَهَا كان عليه أَنْ يُمَيِّزَ مَالَهُ من مَالِ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى الْمَغْصُوبِ مَالَهُ وما نَقَصَ مَالَهُ إذَا مَيَّزَ منها خَشَبَهُ وَحَدِيدَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدَعَ له ذلك مُتَطَوِّعًا قال وَكَذَلِكَ لو أَدْخَلَ لَوْحًا منها في سَفِينَةٍ أو بَنَى على لَوْحٍ منها جِدَارًا كان عليه أَنْ يُؤْخَذَ بِقَلْعِ ذلك حتى يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ وما نَقَصَهُ قال وَكَذَلِكَ الْخَيْطُ يَخِيطُ بِهِ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ غَصَبَهُ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ إنْسَانٍ أو حَيَوَانٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ولم يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَنْزِعَ خَيْطَهُ من إنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ حَيٍّ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرَّقَ بين الْخَيْطِ يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ وفي إخْرَاجِهِ إفْسَادٌ لِلثَّوْبِ وفي إخْرَاجِ اللَّوْحِ إفْسَادٌ لِلْبِنَاءِ وَالسَّفِينَةِ وفي إخْرَاجِ الْخَيْطِ من الْجُرْحِ أفساد لِلْجُرْحِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا يَخْرُجُ مع الْفَسَادِ وَالْآخَرَ لَا يَخْرُجُ مع الْفَسَادِ قِيلَ له إنَّ هَدْمَ الْجِدَارِ وَقَلْعَ اللَّوْحِ من السَّفِينَةِ وَنَقْضَ الْخِيَاطَةِ ليس بِمُحَرَّمِ على مَالِكِهَا لِأَنَّهُ ليس في شَيْءٍ منها رُوحٌ تَتْلَفُ وَلَا تَأْلَم فلما كان مُبَاحًا لِمَالِكِهَا كان مُبَاحًا لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ منها وَاسْتِخْرَاجُ الْخَيْطِ من الْجُرْحِ تَلَفٌ لِلْمَجْرُوحِ وَأَلَمٌ عليه وَمُحَرَّمٌ عليه أَنْ يُتْلِفَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ مُحَرَّمٌ على غَيْرِهِ أَنْ يُتْلِفَهُ إلَّا بِمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فيه من الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ وَلَا يُؤْخَذُ الْحَقُّ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا لم يَكُنْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنْ كان الْخَيْطُ في حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ فَلَا يُنْزَعُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/255)


نهى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ وَإِنْ كان في حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ نُزِعَ الْخَيْطُ لِأَنَّهُ حَلَالٌ له أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَأْكُلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قلت أَرَأَيْت إنْ كان الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وقد صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا ينقصه ثُمَّ قال أنا أَغْسِلُهُ حتى أُخْرِجَ صَبْغِي منه لم نُمَكِّنْهُ أَنْ يَغْسِلَهُ فَيُنْقِصَ على ثَوْبِي وهو مُعْسِرٌ بِذَلِكَ قال وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْعَبْدِ جِنَايَةً تَكُونُ نَفْسًا أو أَقَلَّ حَمَّلْتُهَا عَاقِلَةَ الْحُرِّ إنْ كانت خَطَأً وَقَامَتْ بها بَيِّنَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ ضَمَّنْتَ الْعَاقِلَةَ جِنَايَةَ حُرٍّ على عَبْدٍ قِيلَ له لَمَّا كانت الْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِنَايَةَ الْحُرِّ على الْحُرِّ في النَّفْسِ وَبِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِنَايَةَ الْحُرِّ على الْجَنِينِ وهو نِصْفُ عُشْرِ نَفْسٍ دَلَّ ذلك على أَنَّ ما جَنَى الْحُرُّ من جِنَايَةِ خَطَأٍ كانت على عَاقِلَتِهِ وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ في جِنَايَةِ الْحُرِّ خَطَأً مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ في جِنَايَةِ الْحُرِّ الْعَمْدِ وَفِيمَا اسْتَهْلَكَ الْحُرُّ من عُرُوضِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تَجْعَلْ الْعَبْدَ عَرْضًا من الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا فيه قِيمَتُهُ كما يَكُونُ ذلك في الْعُرُوضِ قِيلَ جَعَلَ اللَّهُ عز وجل على الْقَاتِلِ خَطَأً تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ وَدِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ فَكَانَ ذلك في الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْعُرُوضِ وَالْبَهَائِمِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ على قَاتِلِ الْعَبْدِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ كما هِيَ على قَاتِلِ الْحُرِّ وَلَا أَنَّ الرَّقَبَةَ في مَالِ الْقَاتِلِ خَاصَّةً فلما كانت الدِّيَةُ في الْخَطَأِ على الْعَاقِلَةِ كانت في الْعَبْدِ دِيَةٌ كما كانت فيه رَقَبَةٌ وكان دَاخِلًا في جُمْلَةِ الْآيَةِ وَجُمْلَةِ السُّنَّةِ وَجُمْلَةِ الْقِيَاسِ على الْإِجْمَاعِ في أَنَّ فيه عِتْقَ رَقَبَةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَدِيَتُهُ لَيْسَتْ كَدِيَةِ الْحُرِّ قِيلَ وَالدِّيَاتُ مُبَيَّنَةُ الْفَرْضِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُبَيَّنَةُ الْعَدَدِ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي الْآثَارِ فَإِنَّمَا يُسْتَدْرَكُ عَدَدُهَا خَبَرًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَهُمْ عِنْدَنَا مخالفو ( ( ( مخالفون ) ) ) الْمُسْلِمَ فَكَذَلِكَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْعَبْدِ وَهِيَ قِيمَتُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ في شَيْءٍ غَيْرِ هذا قِيلَ نعم بين الْعَبِيدِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَعِنْدَنَا في النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا وَلَيْسَ ذلك بين بَعِيرَيْنِ لو قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَعَلَى الْعَبِيدِ فَرَائِضُ اللَّهِ من تَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلَالِ وَفِيهِمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ ذلك في الْبَهَائِمِ فَإِنْ كان الْجَانِي عَبْدًا على حُرٍّ أو عَبْدٍ لم تَعْقِلْ عنه عَاقِلَتُهُ وَلَا سَيِّدُهُ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ في عُنُقِهِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ يُبَاعُ فيها فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عليه دِيَتُهُ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ على صَاحِبِهِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ أو لم يَبْلُغْ الدِّيَةَ بَطَلَ ما بَقِيَ منه لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا كانت في عُنُقِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَتَرْكُ أَنْ يَضْمَنَ سَيِّدُهُ عنه وَالْعَاقِلَةُ في الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ما لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا حكمه بِالْجَانِي لَا بِالْمَجْنِيِّ عليه أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان بِالْمَجْنِيِّ عليه ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ ثَمَنَ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ الْحُرَّ فلما كانت لَا تَضْمَنُ ذلك عنه وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ على الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً في عُنُقِهِ كانت كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْحُرِّ على الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءً على عَاقِلَتِهِ وكان الْحُرُّ يَعْقِلُ عنها كما تَعْقِلُ عنه قال وإذا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَتَعَدَّى بها إلَى غَيْرِهِ فَعَطِبَتْ في التَّعَدِّي أو بَعْدَ ما رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الذي اسْتَعَارَهَا منه قبل أَنْ تَصِلَ إلَى مَالِكِهَا فَهُوَ لها ضَامِنٌ لَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ إلَّا بِأَنْ يُوصِلَهَا إلَى مَالِكِهَا سَالِمَةً وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ من حَيْثُ تَعَدَّى بها مع الضَّمَانِ قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ من مِصْرَ إلَى أَيْلَةَ فَتَعَدَّى بها إلَى مَكَّةَ فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ وقد كان قَبَضَهَا من رَبِّهَا ثَمَنَ عَشَرَةٍ فَنَقَصَتْ في الرُّكُوبِ حتى صَارَتْ بأيلة ثَمَنَ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَارَ بها عن أَيْلَةَ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا من الْمَوْضِعِ الذي تَعَدَّى بها منه فَيَأْخُذُ كِرَاءَهَا إلَى أَيْلَةَ الذي أَكْرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا من أَيْلَةَ خَمْسَةً وَيَأْخُذُ فِيمَا رَكِبَ منها بَعْدَ ذلك فِيمَا بين أَيْلَةَ إلَى مَكَّةَ كِرَاءَ مِثْلِهَا لَا على حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ قال وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ له أو ثَوْبًا فَلَبِسَهُ
____________________

(3/256)


حتى أَبْلَاهُ وَذَهَبَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ على الْوَاهِبِ فَالْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الْوَاهِبَ لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِ مَالِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أو قِيمَةِ ثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ على الْمَوْهُوبِ له إذَا كانت هِبَتُهُ إيَّاهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَيَأْخُذُ الْمَوْهُوبَ له بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَقِيمَةِ ثَوْبِهِ لِأَنَّهُ هو الْمُسْتَهْلِكُ له فَإِنْ أَخَذَهُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ في أَنْ يَرْجِعَ الْمَوْهُوبُ له على الْوَاهِبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ على الْوَاهِبِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لم يَأْخُذْ منه عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَإِنَّمَا هو رَجُلٌ غَرَّهُ من أَمْرٍ قد كان له أَنْ لَا يَقْبَلَهُ قال وإذا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَوْبًا شَهْرًا أو شَهْرَيْنِ فَلَبِسَهُ فَأَخْلَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ ما نَقَصَهُ اللُّبْسُ من يَوْمِ أَخَذَهُ منه وهو بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ ذلك من الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ أو من الْآخِذِ لِثَوْبِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ من الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ وكان النَّقْصُ كُلُّهُ في يَدِهِ لم يَرْجِعْ بِهِ على من أَعَارَهُ من قِبَلِ أَنَّ النَّقْصَ كان من فِعْلِهِ ولم يَغُرَّ من مَالِهِ بِشَيْءٍ فَيَرْجِعُ بِهِ وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ غَيْرُ اللَّابِسِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مضمونه قال لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ كان ضَامِنًا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لم يَجْعَلْ له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على اللُّبْسِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْحِجَازِيِّينَ وهو مُوَافِقٌ لِلْآثَارِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنَّ مَكَانَ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ تَكَارَى الثَّوْبَ كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْأُولَى إلَّا أَنَّ الْمُسْتَكْرِي إذَا ضَمِنَ شيئا رَجَعَ بِهِ على الْمُكْرِي لِأَنَّهُ غَرَّهُ من شَيْءٍ أَخَذَ عليه عِوَضًا وَإِنَّمَا لَبِسَهُ على أَنَّ ذلك مُبَاحٌ له بِعِوَضٍ وَيَكُونُ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ إجَارَةِ ثَوْبِهِ قال وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ قبل الرَّجُلِ دَعْوَى فَسَأَلَ أَنْ يَحْلِفَ له الْمُدَّعَى عليه أَحْلَفَهُ له الْقَاضِي ثُمَّ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ من الْمُدَّعِي فَإِنْ ثَبَتَتْ عليه بَيِّنَةٌ أَخَذَ له بها وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَسَوَاءٌ كانت بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي الْمُسْتَحْلِفِ حُضُورًا بِالْبَلَدِ أو غُيَّبًا عنه فَلَا يَعْدُو هذا وَاحِدًا من وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عليه إذَا حَلَفَ بريء بِكُلِّ حَالٍ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أو لم تَقُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يَكُونُ بَرِيئًا ما لم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ فإذا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَالْحُكْمُ عليه أَنْ يُؤْخَذَ منه بها وَلَيْسَ لِقُرْبِ الشُّهُودِ وَبُعْدِهِمْ مَعْنًى وَلَكِنَّ الشُّهُودَ إنْ لم يَعْدِلُوا اكْتَفَى فيه بِالْيَمِينِ الْأُولَى ولم تَعُدْ عليه يَمِينٌ وَإِنَّمَا أَحَلَفْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ الْحُكْمَ في الْمُدَّعَى عليه حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ عليه بَيِّنَةٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ أو يَكُونَ عليه بَيِّنَةٌ فَيَزُولُ هذا الْحُكْمُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عليه أَنْ يُؤْخَذَ منه بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ما كان الْمُدَّعِي يَدَّعِي ما شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ أو أَكْثَرَ منه قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ قَمْحًا فَطَحَنَهُ دَقِيقًا نُظِرَ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الدَّقِيقِ مِثْلَ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ أو أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الزِّيَادَةِ وَلَا عليه لِأَنَّهُ لم يُنْقِصْهُ شيئا وَإِنْ كانت قِيمَةُ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْحِنْطَةِ رَجَعَ على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما بين قِيمَةِ الدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الطَّحْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هو أَثَرٌ لَا عَيْنٌ
____________________

(3/257)


- * مَسْأَلَةُ الْمُسْتَكْرَهَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال في الرَّجُلِ يَسْتَكْرِهُ الْمَرْأَةَ أو الْأَمَةَ يُصِيبُهَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَلَا حَدَّ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا عُقُوبَةَ وَعَلَى الْمُسْتَكْرِهِ حَدُّ الرَّجْمِ إنْ كان ثَيِّبًا وَالْجَلْدُ وَالنَّفْيُ إنْ كان بِكْرًا وقال محمد بن الْحَسَنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَا عُقُوبَةَ وَعَلَى الْمُسْتَكْرِهِ الْحَدُّ وَلَا صَدَاقَ عليه وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالصَّدَاقُ مَعًا وكان الذي احْتَجَّ فيه من الْآثَارِ عن قَيْسِ بن الرَّبِيعِ عن جَابِرٍ عن الشَّعْبِيِّ وهو يَزْعُمُ أَنَّ مِثْلَ هذا لَا يَكُونُ حُجَّةً وقد احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فيه أَنَّ مَالِكًا أخبره عن بن شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ قَضَى في امْرَأَةٍ اسْتَكْرَهَهَا رَجُلٌ بِصَدَاقِهَا على الذي اسْتَكْرَهَهَا وقال الذي احْتَجَّ بهذا أن مَرْوَانَ رَجُلٌ قد أَدْرَكَ عَامَّةَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان له
____________________

(3/258)


عِلْمٌ وَمُشَاوَرَةٌ في الْعِلْمِ وَقَضَى بهذا بِالْمَدِينَةِ ولم يَرْفَعْهُ فَزَعَمَ محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وقال أبو حَنِيفَةَ لو أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَةً بِزِنًا فَأَرَادَ سُقُوطَ الْحَدِّ عنه تَحَامَلَ عليها حتى يُفْضِيَهَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَصَارَتْ جِنَايَةً يَغْرَمُهَا في مَالِهِ وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان زَانِيًا يُقَامُ عليه الْحَدُّ قبل أَنْ يُفْضِيَهَا وهو لم يَخْرُجْ بِالْإِفْضَاءِ من الزنى ولم يَزْدَدْ بِالْإِفْضَاءِ إلَّا ذَنْبًا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إلَى أَجَلٍ فَمَاتَ قبل الْأَجَلِ أو فَاتَ الذي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بِهِ قبل الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وإذا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا ولم يُسَمِّ أَجَلًا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك فلم يَفْعَلْ حتى مَاتَ أو فَاتَ الذي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بِهِ أَنَّهُ حَانِثٌ
____________________

(3/259)


3 (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كانت الْهِبَةُ مَعْقُودَةً على الثَّوَابِ فَهُوَ كما قال إذَا أُثِيبَ منها ثَوَابًا قِيلَ لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا بِمِثْلِ الثَّوَابِ إنْ كان له مِثْلٌ أو بِقِيمَتِهِ إنْ كان لَا مِثْلَ له وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ وإذا كانت الْهِبَةُ على غَيْرِ ثَوَابٍ فَأُثِيبَ الْوَاهِبُ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا وُهِبَ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ وَالْمُثِيبُ مُتَطَوِّعٌ بِالثَّوَابِ فما بِيعَ أو وُهِبَ على ثَوَابٍ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَابَ فَهُوَ عِوَضٌ من الْهِبَةِ مَجْهُولٌ فلما كان هَكَذَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وهو بِالْبَيْعِ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَهَكَذَا هذا لم يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ لو نَكَحَ امْرَأَةً على شِقْصٍ من دَارٍ فإن هذا كَالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لو اسْتَأْجَرَ عَبْدًا أو حُرًّا على شِقْصٍ من دَارٍ فَكُلُّ ما مَلَكَ بِهِ مِمَّا فيه عِوَضٌ فَلِلشَّفِيعِ فيه الشُّفْعَةُ بِالْعِوَضِ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا فيه شُفْعَةٌ إلَى أَجَلٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قِيلَ له إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَعَجَّلْ الشُّفْعَةَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ خُذْ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ على أَحَدٍ أَنْ يَرْضَى بِأَمَانَةِ رَجُلٍ فَيَتَحَوَّلَ على رَجُلٍ غَيْرِهِ وَإِنْ كان أَمْلَأَ منه قال وَلَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ عن الْغَائِبِ طُولُ الْغَيْبَةِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا عنه أَنْ يَعْلَمَ فَيَتْرُكَ الشُّفْعَةَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا فيها بِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ قال وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةً من الْوَلَدِ ثُمَّ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ رَجُلَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ له وَدَارُهُمْ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ فَبِيعَ من الْمَيِّتِ حَقُّ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَخُوهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ عُمُومَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذلك له وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال أَصْلُ سَهْمِهِمْ هذا فيها وَاحِدٌ فلما كان إذَا قُسِمَ أَصْلُ الْمَالِ كان هَذَانِ شَرِيكَيْنِ في الْأَصْلِ دُونَ عُمُومَتِهِمَا فَأَعْطَيْته الشُّفْعَةَ بِأَنَّ له شِرْكًا دُونَ شِرْكِهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ له وَجْهٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ أنا إذَا ابْتَدَأْت الْقَسْمَ جَعَلْت لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمًا وَإِنْ كان أَقَلَّ من سَهْمِ صَاحِبِهِ فَهُمْ جميعا شُرَكَاءُ شَرِكَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شَرْعٌ في الشُّفْعَةِ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ في الْقِيَاسِ قال وإذا كانت الدَّارُ بين ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَأَرَادَ شُرَكَاؤُهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَصَاحِبَ السُّدُسِ يَأْخُذُ سَهْمًا على قَدْرِ مِلْكِهِمْ من الدَّارِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ بِالْمِلْكِ فإذا كان أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِلْكًا من صَاحِبِهِ أعطى ( ( ( انبغى ) ) ) بِقَدْرِ كَثْرَةِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا وَجْهٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنهما في الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ شُفْعَةً من الدَّارِ فَيُبَاعُ نِصْفُهَا أو ما خَلَا حَقَّهُ منها فَيُرِيدُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ ذلك له وَيُقَالُ له خُذْ الْكُلَّ أو دَعْ فلما كان حُكْمُ قَلِيلِ الْمَالِ في الشُّفْعَةِ حُكْمَ كَثِيرِهِ كان الشَّرِيكَانِ إذَا اجْتَمَعَا في الشُّفْعَةِ سَوَاءً لِأَنَّ اسْمَ الْمِلْكِ يَقَعُ على كل وَاحِدٍ
____________________
1- * كِتَابُ الشُّفْعَةِ

(4/3)


- * ما لَا يَقَعُ فيه شُفْعَةٌ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن عبد اللَّهِ بن إدْرِيسَ عن مُحَمَّدِ بن عُمَارَةَ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا شُفْعَةَ في بِئْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لها بَيَاضٌ يَحْتَمِلُ القسم ( ( ( مقسم ) ) ) أو تَكُونَ وَاسِعَةً مُحْتَمِلَةً لَأَنْ تُقْسَمَ فَتَكُونَ بِئْرَيْنِ وَيَكُونَ في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ أو تَكُونَ الْبِئْرُ بَيْضَاءَ فَيَكُونَ فيها شُفْعَةٌ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ قال وَأَمَّا الطَّرِيقُ التي لَا تُمْلَكُ فَلَا شُفْعَةَ فيها وَلَا بها وَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ تَكُونُ بين الْقَوْمِ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ مَقْسُومَةً وَلِلْقَوْمِ طَرِيقٌ إلَى مَنَازِلِهِمْ فإذا بِيعَ منها شَيْءٌ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ شِقْصًا في دَارٍ على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْمُبْتَاعَ فَلَا شُفْعَةَ حتى يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فقد ( ( ( عقد ) ) ) خَرَجَتْ من مِلْكِ الْبَائِعِ بِرِضَاهُ وَجُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَفِيهَا الشُّفْعَةُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا شُفْعَةَ فيها حتى يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي أو تَمْضِيَ أَيَّامُ الذي كان له الْخِيَارُ فَيَتِمُّ له الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ مُنِعَ الْمُشْتَرِي من الْخِيَارِ الذي كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ من كانت في يَدِهِ دَارٌ فَاسْتَغَلَّهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ رَجَعَ الْمُسْتَحِقُّ على الذي في يَدِهِ الدَّارُ وَالْأَرْضُ بِجَمِيعِ الْغَلَّةِ من يَوْمِ ثَبَتَ له الْحَقُّ وَثُبُوتُهُ يوم شَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّهُ كان له لَا يوم يقضي له بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ الْيَوْمَ إلَّا ما ثَبَتَ يوم شَهِدَ شُهُودُهُ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ في الْمِلْكِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ في الْمِلْكِ حَدَثَتْ من شَيْءٍ الْمَالِكُ كان يَمْلِكُهُ لَا غَيْرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ شِقْصًا لِغَيْرِهِ فيه شُفْعَةٌ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الثَّمَنَ بِنِسْيَانٍ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ ما تَثَبَّتَ الثَّمَنَ وَلَا شُفْعَةَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَشْفِعُ بَيِّنَةً فَيُؤْخَذَ له بِبَيِّنَتِهِ وَسَوَاءٌ قد تَمَّ الشِّرَاءُ وَحَدِيثُهُ لِأَنَّ الذِّكْرَ قد يَكُونُ في الدَّهْرِ الطَّوِيلِ وَالنِّسْيَانَ قد يَكُونُ في الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِرَجُلٍ حِصَّةٌ في دَارٍ فَمَاتَ شَرِيكُهُ وهو غَائِبٌ فَبَاعَ وَرَثَتُهُ قبل الْقَسْمِ أو بَعْدَهُ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ وَلَا يَقْطَعُ ذلك الْقَسْمَ لِأَنَّهُ كان شَرِيكًا لهم غير مُقَاسِمٍ
____________________

(4/4)


- * بَابُ الْقِرَاضِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا فَأَدْخَلَ معه رَبُّ الْمَالِ غُلَامَهُ وَشَرَطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَارِضِ وَغُلَامِ رَبِّ الْمَالِ فَكُلُّ ما مَلَكَ غُلَامُهُ فَهُوَ مِلْكٌ له لَا مِلْكٌ لِغُلَامِهِ إنَّمَا مِلْكُ الْعَبْدِ شَيْءٌ يُضَافُ إلَيْهِ لَا مِلْكٌ صَحِيحٌ فَهُوَ كَرَجُلٍ شَرَطَ له ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَلِلْمُقَارِضِ ثُلُثَهُ
____________________

(4/5)


- * ما لَا يَجُوزُ من الْقِرَاضِ في الْعُرُوضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافَ مَالِكِ بن أَنَسٍ في قَوْلِهِ من الْبُيُوعِ ما يَجُوزُ إذَا تَفَاوَتَ أَمَدُهُ وَتَفَاحَشَ وَإِنْ تَقَارَبَ رَدُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ قِرَاضٍ كان في أَصْلِهِ فَاسِدًا فَلِلْمُقَارِضِ الْعَامِلِ فيه أَجْرُ مِثْلِهِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْمَالُ وَرِبْحُهُ لِأَنَّا إذَا أَفْسَدْنَا الْقِرَاضَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ إجَارَةَ قِرَاضٍ وَالْقِرَاضُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/6)


عن الْإِجَارَةِ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْبُيُوعُ وَجْهَانِ حَلَالٌ لَا يُرَدُّ وَحَرَامٌ يُرَدُّ وَسَوَاءٌ تَفَاحَشَ رَدُّهُ أو تَبَاعَدَ وَالتَّحْرِيمُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا خَبَرٌ لَازِمٌ وَالْآخَرُ قِيَاسٌ وَكُلُّ ما قِسْنَاهُ حَلَالًا حَكَمْنَا له حُكْمَ الْحَلَالِ في كل حَالَاتِهِ وَكُلُّ ما قِسْنَاهُ حَرَامًا حَكَمْنَا له حُكْمَ الْحَرَامِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَرُدَّ شيئا حَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا من سَاعَتِهِ أو يَوْمِهِ وَلَا نَرُدَّهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ الْحَرَامُ لَا يَكُونُ حَلَالًا بِطُولِ السِّنِينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا وَحَلَالًا بِالْعَقْدِ
____________________

(4/7)


- * الشَّرْطُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أُقَارِضَك بِالشَّيْءِ جُزَافًا لَا أَعْرِفُهُ وَلَا تَعْرِفُهُ فلما كان هَكَذَا لم يجز ( ( ( يحز ) ) ) أَنْ أُقَارِضَك إلَى مُدَّةٍ من الْمُدَدِ وَذَلِكَ أَنِّي لو دَفَعْت إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ تَعْمَلَ بها سَنَةً فَبِعْت بها وَاشْتَرَيْت في شَهْرٍ
____________________

(4/8)


بَيْعًا فَرَبِحَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت بها كُنْت قد اشْتَرَيْت بِمَالِي وَمَالِك غير مُفَرِّقٍ وَلَعَلِّي لَا أَرْضَى بِشَرِكَتِك فيه وَاشْتَرَيْت بِرَأْسِ مَالٍ لي لَا أَعْرِفُهُ لَعَلِّي لو نَضَّ لي لم آمَنْك عليه أو لَا أُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي كُلَّهُ فَيَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ مَجْهُولًا عِنْدِي لِأَنِّي لم أَعْرِفْ كَمْ رَأْسُ مَالِي وَنَحْنُ لم نُجِزْهُ بِجُزَافٍ وَيَجْمَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ على الْجُزَافِ أَنِّي قد رَضِيت بِالْجُزَافِ ولم أَرْضَ بِأَنْ أُقَارِضَك بهذا الذي لم أَعْرِفْهُ
____________________

(4/9)


- * السَّلَفُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا وَأَبْضَعَ منه بِضَاعَةً فَإِنْ كان عَقَدَ الْقِرَاضَ على أَنَّهُ يَحْمِلُ له الْبِضَاعَةَ فَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ يُفْسَخُ إنْ لم يَعْمَلْ فيه فَإِنْ عَمِلَ فيه فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَا تَقَارَضَا ولم يشترطا ( ( ( يشرطا ) ) ) من هذا شيئا ثُمَّ حَمَلَ الْمُقَارِضُ له بِضَاعَةً فَالْقِرَاضُ جَائِزٌ وَلَا يُفْسَخُ بِحَالٍ غير أَنَّا نَأْمُرُهُمَا في الْفُتْيَا أَنْ لَا يَفْعَلَا هذا على عَادَةٍ وَلَا لِعِلَّةٍ مِمَّا اُعْتُلَّ بِهِ وَلَوْ عَادَا لِمَا ذَكَرْنَا كَرِهْنَاهُ لَهُمَا ولم نُفْسِدْ بِهِ الْقِرَاضَ وَلَا نُفْسِدُ الْعَقْدَ الذي يَحِلُّ بِشَيْءٍ تَطَوُّعًا بِهِ وقد مَضَتْ مُدَّةُ الْعُقْدَةِ وَلَا نُطْرِ ( 1 ) إنَّمَا تَفْسُدُ بِمَا عُقِدَتْ عليه إلَّا بِمَا حَدَثَ بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَكْرَهُ منه ما كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ يَسْأَلَ صَاحِبَ الْمَالِ أَنْ يُسْلِفَهُ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا كَرِهْته من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَبْرَأْ الْمُقَارِضُ من ضَمَانِهِ ولم يَعْرِفْ الْمُسْلِفُ كَمْ أَسْلَفَ من أَجْلِ الْخَوْفِ - * الْمُحَاسَبَةُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا كُلُّهُ كما قال مَالِكٌ إلَّا قَوْلَهُ يُحْضِرُ الْمَالَ حتى يُحَاسِبَهُ فَإِنْ كان عِنْدَهُ صَادِقًا فَلَا يَضُرُّهُ يُحْضِرُ الْمَالَ أو لَا يُحْضِرُهُ - * مَسْأَلَةُ الْبِضَاعَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال إذَا أَبْضَعَ الرَّجُلُ مع الرَّجُلِ بِبِضَاعَةٍ وَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بها شيئا فَإِنْ هَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ وَضَعَ فيها فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرْكَهُ فَإِنْ وَجَدَ في يَدِهِ السِّلْعَةَ التي اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ أو السِّلْعَةَ التي مُلِكَتْ بِمَالِهِ فَإِنْ هَلَكَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ قبل أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا لم يَضْمَنْ له إلَّا رَأْسَ الْمَالِ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَخْتَرْ أَنْ يَمْلِكَهَا فَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَمْلِكَهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي وهو أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فَاشْتَرَى شيئا بِالْمَالِ بِعَيْنِهِ فَرَبِحَ فيه فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنْ اشْتَرَى بِمَالٍ لَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ فَهُوَ متعد ( ( ( متحد ) ) ) بِالنَّقْدِ وَالرِّبْحُ له وَالْخَسْرَانُ عليه وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَالِ الذي تَعَدَّى فيه فَنَقَدَهُ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ إنْ وَجَدَهُ في يَدِ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ من الدَّافِعِ وهو الْمُقَارِضُ وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ من الذي تَلِفَ في يَدِهِ وهو الْبَائِعُ
____________________

(4/10)


- * الْمُسَاقَاةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَنْ يَخْرُصَ النَّخْلَ كَأَنَّهُ خَرَصَهَا مِائَةَ وَسْقٍ وَعَشَرَةَ أَوْسُقٍ وقال إذَا صَارَتْ تَمْرًا نَقَصَتْ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ فَصَحَّتْ منها مِائَةُ وَسْقٍ تَمْرًا فيقول إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ النِّصْفَ الذي ليس لَكُمْ الذي أنا قَيِّمٌ بِحَقِّ أَهْلِهِ على أَنْ تَضْمَنُوا لي خَمْسِينَ وَسْقًا تَمْرًا من تَمْرٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَلَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا وَتَبِيعُوهَا رُطَبًا كَيْفَ شِئْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَكُونُ هَكَذَا في نَصِيبِكُمْ فَأُسْلِمُ وَتُسْلِمُونَ إلى أَنْصِبَاءَكُمْ وَأَضْمَنُ لَكُمْ هذه الْمَكِيلَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْبَيَاضُ بين أَضْعَافِ النَّخْلِ جَازَ فيه الْمُسَاقَاةُ كما تجوز ( ( ( يجوز ) ) ) في الْأَصْلِ وَإِنْ كان مُنْفَرِدًا عن النَّخْلِ له طَرِيقٌ غَيْرُهُ لم تَجُزْ فيه الْمُسَاقَاةُ ولم تَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكْتَرِيَ كِرَاءً وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذلك وَكَثِيرُهُ وَلَا حَدَّ فيه إلَّا ما وَصَفْت وَلَيْسَ لِلْمُسَاقِي في النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إلَّا بِإِذْنِ مَالِك النَّخْلِ وَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وهو كَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ قال وَإِنْ كان دخل على الْإِجَارَةِ بِأَنَّ له أَنْ يَعْمَلَ وَيَحْفَظَ بِأَنَّ له شيئا من الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الثمر ( ( ( التمر ) ) ) فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكَذَلِكَ إنْ كان دخل على أَنْ يَتَكَلَّفَ من الْمُؤْنَةِ شيئا غير عَمَلِ يَدَيْهِ وَتَكُونَ أُجْرَتُهُ شيئا من الثِّمَارِ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَإِنْ كان دخل في الْمُسَاقَاةِ في الْحَالَيْنِ مَعًا وَرَضِيَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يَرْفَعَ عنه من الْمُؤْنَةِ شيئا فَلَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ على هذا قال وَكُلُّ ما كان مُسْتَزَادًا في الثَّمَرَةَ من اصلاح لِلْمَارِّ وَطَرِيقِ الْمَاءِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الذي يَضُرُّ بِالنَّخْلِ أو يُنْشِفُ عنه الْمَاءَ حتى يَضُرَّ بِثَمَرَتِهَا جاز شَرَطَهُ على الْمُسَاقَاةِ وَأَمَّا سَدُّ الْحِظَارِ فَلَيْسَ فيه مُسْتَزَادٌ لِإِصْلَاحٍ في الثَّمَرَةِ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطُهُ على الْمُسَاقِي فَإِنْ قال فَإِنْ أَصْلَحَ لِلنَّخْلِ أَنْ يُسَدَّ الْحِظَارُ فَكَذَلِكَ أَصْلَحُ لها أَنْ يبني عليها حِظَارٌ لم يَكُنْ وهو لَا يُجِيزُهُ في الْمُسَاقَاةِ وَلَيْسَ هذا الْإِصْلَاحُ من الِاسْتِزَادَةِ في شَيْءٍ من النَّخْلِ إنَّمَا هو دَفْعُ الدَّاخِلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ في النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ فِيهِمَا بِالْخَرْصِ وَسَاقَى على النَّخْلِ وَثَمَرُهَا مُجْتَمِعٌ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا شَيْءٌ من الثَّمَرِ كُلِّهِ دُونَهُ حَائِلٌ وهو مُتَفَرِّقٌ غَيْرُ مُجْتَمِعٍ وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ في شَيْءٍ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَهِيَ في الزَّرْعِ أَبْعَدُ من أَنْ تَجُوزَ وَلَوْ جَازَتْ إذَا عَجَزَ عنه صَاحِبُهُ جَازَتْ إذَا عَجَزَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عن زَرْعِهَا أَنْ يُزَارِعَ فيها على الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنها وقال إذَا أَجَزْنَا الْمُسَاقَاةَ قبل أَنْ تَكُونَ ثَمَرًا بِتَرَاضِي رَبِّ الْمَالِ والمساقى في أَثْنَاءِ السَّنَةِ وقد تخطىء ( ( ( تخطئ ) ) ) الثَّمَرَةُ فَيَبْطُلُ عَمَلُ الْعَامِلِ وَتَكْثُرُ فَيَأْخُذُ أَكْثَرَ من عَمَلِهِ أَضْعَافًا كانت الْمُسَاقَاةُ إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَظَهَرَ أَجْوَزُ قال وَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسَاقَاةَ فَأَجَزْنَاهَا بِإِجَازَتِهِ وَحَرَّمَ كِرَاءَ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها فَحَرَّمْنَاهَا بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَا قد يَجْتَمِعَانِ في أَنَّهُ إنَّمَا لِلْعَامِلِ في كُلٍّ بَعْضُ ما يُخْرِجُ النَّخْلُ أو الْأَرْضُ وَلَكِنْ ليس في سُنَّتِهِ إلَّا اتِّبَاعُهَا وقد يَفْتَرِقَانِ في أَنَّ النَّخْلَ شَيْءٌ قَائِمٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْأَغْلَبَ منه أَنَّهُ يُثْمِرُ وَمِلْكُ النَّخْلِ لِصَاحِبِهِ وَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فيها قَائِمًا إنَّمَا يَحْدُثُ فيها شَيْءٌ بَعْدُ لم يَكُنْ وقد أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ الْمُضَارَبَةَ في الْمَالِ يَدْفَعُهُ رَبُّهُ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ بَعْضُ الْفَضْلِ وَالنَّخْلُ أَبْيَنُ وَأَقْرَبُ من الْأَمَانِ من أَنْ يُخْطِئَ من الْمُضَارَبَةِ وَكُلٌّ قد يُخْطِئُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ ولم يُجِزْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ لم يُعْلَمْ إنَّمَا هو عَمَلٌ يَحْدُثُ لم يَكُنْ حين اسْتَأْجَرَهُ قال وإذا سَاقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَ فَكَانَ فيه بَيَاضٌ لَا يُوصَلُ إلَى عَمَلِهِ
____________________

(4/11)


إلَّا بِالدُّخُولِ على النَّخْلِ فَكَانَ لَا يُوصَلُ إلَى سَقْيِهِ إلَّا بِشُرْبِ النَّخْلِ الْمَاءَ وكان غير مُتَمَيِّزٍ يَدْخُلُ فَيَسْقِي وَيَدْخُلُ على النَّخْلِ جَازَ أَنْ يُسَاقِي عليه مع النَّخْل لَا مُنْفَرِدًا وَحْده وَلَوْلَا الْخَبَرُ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ دَفَعَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ على أَنَّ لهم النِّصْفَ من النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَلَهُ النِّصْفُ فَكَانَ الزَّرْعُ كما وَصَفْت بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لم يَجُزْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ فَكَانَ بَيَاضًا يَدْخُلُ عليه من غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ على النَّخْلِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فيه قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَلَا يَحِلُّ فيه إلَّا الاجارة - * الشَّرْطُ في الرَّقِيقِ وَالْمُسَاقَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ سَاقَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيْبَرَ وَالْمُسَاقُونَ عُمَّالُهَا لَا عَامِلَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها غَيْرُهُمْ وإذا كان يَجُوزُ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ نَخْلًا على أَنْ يَعْمَلَ فيه عُمَّالُ الْحَائِطِ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ رضي ذلك جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ رَقِيقًا لَيْسُوا في الْحَائِطِ يَعْمَلُونَ فيه لِأَنَّ عَمَلَ من فيه وَعَمَلَ من ليس فيه سَوَاءٌ وَإِنْ لم تَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ على الداخل ( ( ( الدخل ) ) ) في الْمُسَاقَاةِ الْعَمَلُ كُلُّهُ لم يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ في الْحَائِطِ أَحَدٌ من رَقِيقِهِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ من أَشْبَهِ الْأُمُورِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ على ما تَشَارَطَا عليه وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ من أُجْرَتِهِمْ فإذا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا له بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْمُزَارَعَةُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) السُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَجُوزَ الْمُعَامَلَةُ في النَّخْلِ على الشَّيْءِ مِمَّا يَخْرُجُ منها وَذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ الْأَصْلَ مَوْجُودٌ يَدْفَعُهُ مَالِكُهُ إلَى من عَامَلَهُ عليه أَصْلًا يَتَمَيَّزُ لِيَكُونَ لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ الْمُصْلِحِ لِلنَّخْلِ بَعْضُ الثَّمَرَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا أَجَزْنَا الْمُقَارَضَةَ قِيَاسًا على الْمُعَامَلَةِ على النَّخْلِ وَوَجَدْنَا رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى الْمُقَارِضِ يَعْمَلُ فيه الْمُقَارِضُ فَيَكُونُ له بِعَمَلِهِ بَعْضُ الْفَضْلِ الذي يَكُونُ في الْمَالِ الْمُقَارَضَةِ لَوْلَا الْقِيَاسُ على السُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما بِإِجَازَتِهَا أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ من الْمُعَامَلَةِ على النَّخْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد لَا يَكُونُ في الْمَالِ فَضْلٌ كَبِيرٌ وقد يَخْتَلِفُ الْفَضْلُ فيه اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا وَأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ وَقَلَّمَا يَخْتَلِفُ فإذا اخْتَلَفَتْ تَقَارَبَ اخْتِلَافُهَا وَإِنْ كَانَا قد يَجْتَمِعَانِ في أَنَّهُمَا مَغِيبَانِ مَعًا يَكْثُرُ الْفَضْلُ فِيهِمَا وَيَقِلُّ وَيَخْتَلِفُ وَتَدُلُّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ على الثُّلُثِ وَلَا الرُّبُعِ وَلَا جُزْءٍ من أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَزَارِعَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ بَيْضَاءَ لَا أَصْلَ فيها وَلَا زَرْعَ ثُمَّ يَسْتَحْدِثُ فيها زَرْعًا وَالزَّرْعُ ليس بِأَصْلٍ وَاَلَّذِي هو في مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ الْإِجَارَةُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَعْمَلَ له شيئا إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمَانِهِ قبل أَنْ يَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجَرُ لِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ وَخِلَافُهَا لِلْأَصْلِ وَالْمَالُ يُدْفَعُ وَهَذَا إذَا كان النَّخْلُ مُنْفَرِدًا وَالْأَرْضُ لِلزَّرْعِ مُنْفَرِدَةً وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ كما يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وإذا كان النَّخْلُ مُنْفَرِدًا فَعَامَلَ عليه رَجُلٌ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ ما بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ على الْمُعَامَلَةِ وكان ما بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لَا يُسْقَى إلَّا من مَاءِ النَّخْلِ وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا من حَيْثُ يُوصَلُ إلَى النَّخْلِ كان هذا جَائِزًا وكان في حُكْمِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَمَنَافِعِهَا من الْجَرِيدِ وَالْكَرَانِيفِ وَإِنْ كان الزَّرْعُ مُنْفَرِدًا عن النَّخْلِ له طَرِيقٌ يؤتي منها أو مَاءٌ يُشْرَبُ مَتَى شَرِبَهُ لَا يَكُونُ شِرْبُهُ
____________________

(4/12)


رَيًّا لِلنَّخْلِ وَلَا شِرْبُ النَّخْلِ رَيًّا له لم تَحِلَّ الْمُعَامَلَةُ عليه وَجَازَتْ إجَارَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ في حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ لَا حُكْمِ الْمُعَامَلَةِ على الْأَصْلِ وَسَوَاءٌ قَلَّ الْبَيَاضُ في ذلك أو كَثُرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت وَهَذَا مزارعة قِيلَ كانت خَيْبَرُ نَخْلًا وكان الزَّرْعُ فيها كما وَصَفْت فَعَامَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَهَا على الشَّطْرِ من الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ وَنَهَى في الزَّرْعِ الْمُنْفَرِدِ عن الْمُعَامَلَةِ فَقُلْنَا في ذلك اتِّبَاعًا وَأَجَزْنَا ما أَجَازَ وَرَدَدْنَا ما رَدَّ وَفَرَّقْنَا بِفَرْقِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمَا وما بِهِ يَفْتَرِقَانِ من الِافْتِرَاقِ أو بِمَا وَصَفْت فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ سِنِينَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا غَيْرِ ذلك ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول نَهَيْت بن الزُّبَيْرِ عن بَيْعِ النَّخْلِ معاومة ( ( ( معلومة ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ من عِنْدِ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَذْرُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَقَرُ أو من عِنْدِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَعَامَلَا على أَنْ يَزْرَعَا أو يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا فما أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو لِأَحَدِهِمَا فيه أَكْثَرُ مِمَّا للاخر فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ في هذا إلَّا على مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَا مَعًا وَيَمُونَانِ الزَّرْعَ مَعًا بِالْبَقَرِ وَغَيْرِهِ مُؤْنَةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعًا بِالْأَرْضِ لِرَبِّ الزَّرْعِ فَأَمَّا على غَيْرِ هذا الْوَجْهِ من أَنْ يَكُونَ الزَّارِعُ يَحْفَظُ أو يَمُونُ بِقَدْرِهِ ما سَلَّمَ له رَبُّ الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْبَقَرُ من عِنْدِهِ أو الْآلَةُ أو الْحِفْظُ أو ما يَكُونُ صَلَاحًا من صَلَاحِ الزَّرْعِ فَالْمُعَامَلَةُ على هذا فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَافَعَاهَا قبل أَنْ يَعْمَلَا فُسِخَتْ وَإِنْ تَرَافَعَاهَا بعد ما يَعْمَلَانِ فُسِخَتْ وَسُلِّمَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَإِنْ كان الْبَذْرُ مِنْهُمَا مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَإِنْ كان من أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلَّذِي له الْبَذْرُ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وإذا كان الْبَقَرُ من الْعَامِلِ أو الْحِفْظُ أو الْإِصْلَاحُ لِلزَّرْعِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ من الْبَذْرِ شَيْءٌ أَعْطَيْنَاهُ من الطَّعَامِ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ الْحَافِظُ وَصَاحِبُ الْبَقَرِ على رَبِّ الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما يَلْزَمُ حِصَّتَهُ من الطَّعَامِ من قِيمَةِ عَمَلِ الْبَقَرِ وَالْحِفْظِ وما أَصْلَحَ بِهِ الزَّرْعَ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَتَعَامَلَا من هذا على أَمْرٍ يَجُوزُ لَهُمَا تَعَامَلَا على ما وَصَفْت أَوَّلًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يُحْدِثَا غَيْرَهُ تَكَارَى رَبُّ الْأَرْضِ من رَبِّ الْبَقَرِ بَقَرَهُ وَآلَتَهُ وَحِرَاثَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ أو أَكْثَرَ يَزْرَعُهَا وَقْتًا مَعْلُومًا فَتَكُونَ الْإِجَارَةُ في الْبَقَرِ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا أَيَّامٌ معلومة كما لو اُبْتُدِئَتْ إجَارَتُهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونَ ما أَعْطَاهُ من الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ صَحِيحٍ كما لو ابْتَدَأَ كِرَاءَهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ إنْ شَاءَا أَنْ يَزْرَعَا وَيَكُونَ عَلَيْهِمَا مُؤْنَةُ صَلَاحِ الزَّرْعِ مُسْتَوِيَيْنِ فيها حتى يَقْسِمَا الزَّرْعَ كان هذا جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرَعَ أَرْضًا له زَرْعُهَا وَيَبْذُرُ له فيها ما أَخْرَجَ ولم يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَضْلًا عن بَذْرِهِ وَلَا فَضْلًا في الْحِفْظِ فَتَنْعَقِدُ عليه الْإِجَارَةُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ قد انْعَقَدَتْ على ما يَحِلُّ من الْمَعْلُومِ وما لَا يَحِلُّ من الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ فَاسِدًا قال وَلَا بَأْسَ لو كان كِرَاءُ الْأَرْضِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكِرَاءُ الْبَقَرِ دِينَارًا أو مِائَةَ دِينَارٍ فَتَرَاضَيَا بهذا كما لَا يَكُونُ بَأْسٌ بِأَنْ أُكْرِيكَ بَقَرِي وَقِيمَةُ كِرَائِهَا مِائَةُ دِينَارٍ بِأَنْ يخلي بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضٍ أَزْرَعُهَا سَنَةً قِيمَةُ كِرَائِهَا دِينَارٌ أو أَلْفُ دِينَارٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ وَلَا بَأْسَ بِالتَّغَابُنِ في الْبُيُوعِ وَلَا في الْإِجَارَاتِ وَإِنْ اشْتَرَكَا على أَنَّ الْبَقَرَ من عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضَ من عِنْدِ الْآخَرِ كان كِرَاءُ الْأَرْضِ كَكِرَاءِ الْبَقَرِ أو أَقَلَّ أو أكثر وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ حتى يَكُونَ عَقْدُهَا على اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً وَعَمَلًا مَعْلُومًا بِأَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ الْحَرْثَ يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَجُودُ وَيَسُوءُ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِمِثْلِ ما تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَارَاتُ على الِانْفِرَادِ فإذا زَرَعَا على هذا وَالْبَذْرُ من عِنْدِهِمَا فَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْبَقَرِ على
____________________

(4/13)


صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ من الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما أَصَابَهَا من الْعَمَلِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ على صَاحِبِ الزَّرْعِ بِحِصَّةِ كِرَاءِ ما زَرَعَ من أَرْضِهِ قَلَّ أو كَثُرَ الزَّرْعُ أو عُلَّ أو احْتَرَقَ فلم يَكُنْ منه شيء ( ( ( الشيء ) ) ) - * الْإِجَارَةُ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يكرى الرَّجُلُ أَرْضَهُ وَوَكِيلُ الصَّدَقَةِ أو الْإِمَامُ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ أَرْضَ الْفَيْءِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِ ذلك من طَعَامٍ مَوْصُوفٍ يَقْبِضُهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ ما أَجَرَهَا بِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ له أَجَلًا مَعْلُومًا وَأَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَالْإِجَارَةُ في هذا مُخَالِفَةٌ لِمَا سِوَاهَا غير أَنِّي أُحِبُّ إذَا اكْتَرَيْت أَرْضًا بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِثْلُهُ من مِثْلِهَا أَنْ يَقْبِضَ وَلَوْ لم يَقْبِضْ لم أُفْسِدْ الْكِرَاءَ من أَجْلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ وَهَذِهِ صِفَةٌ بِلَا عَيْنٍ فَقَدْ لَا تُخْرِجُ من تِلْكَ الصِّفَةِ وقد تُخْرِجُهَا وَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ من غَيْرِهَا فإذا كان ذلك الدَّيْنُ في ذِمَّتِهِ بِصِفَةٍ فَلَا بَأْسَ من أَيْنَ أَعْطَاهُ وَهَذَا خِلَافُ الْمُزَارَعَةِ الْمُزَارَعَةُ أَنْ تكرى الْأَرْضَ بِمَا يَخْرُجُ منها ثُلُثٌ أو رُبُعٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وقد يَخْرُجُ ذلك قَلِيلًا وَكَثِيرًا فَاسِدًا وَصَحِيحًا وَهَذَا فَاسِدٌ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ قال وإذا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ من الرَّجُلِ سِنِينَ ثُمَّ أَعَارَهَا رَجُلًا أو أَكْرَاهَا إيَّاهُ فَزَرَعَ فيها الرَّجُلُ فَالْعُشْرُ على الزَّارِعِ وَالْقَبَالَةُ على الْمُتَقَبِّلِ وَهَكَذَا أَرْضُ الْخَرَاجِ إذَا تَقَبَّلَهَا رَجُلٌ من الْوَالِي فَقَبَالَتهَا عليه فَإِنْ زَرَعَهَا غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ بِعَارِيَّةٍ أو كِرَاءٍ فَالْعَشْرُ على الزارع ( ( ( الزراع ) ) ) وَالْقَبَالَةُ على الْمُتَقَبِّلِ وَلَوْ كان الْمُتَقَبِّلُ زَرَعَهَا كان على الْمُتَقَبِّلِ الْقَبَالَةُ وَالْعُشْرُ في الزَّرْعِ إنْ كان مُسْلِمًا وَإِنْ كان ذِمِّيًّا فَزَرَعَ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلَا عُشْرَ عليه وَكَذَلِكَ لو كانت له أَرْضُ صُلْحٍ فَزَرَعَهَا لم يَكُنْ عليه عُشْرٌ في زَرْعِهَا لِأَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ وَلَا زَكَاةَ إلَّا على أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَا أَعْرِفُ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ بَعْضُ الناس في أَرْضِ السَّوَادِ بِالْعِرَاقِ من أنها مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا وَأَنَّ عليهم خَرَاجًا فيها فَإِنْ كانت كما ذَهَبَ إلَيْهِ فَلَوْ عَطَّلَهَا رَبُّهَا أو هَرَبَ أُخِذَ منه خَرَاجُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُ على غَيْرِ هذا فَيَكُونَ على ما صَالَحَ عليه قال وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أو مُتَقَبِّلُهَا أو وَالِي الْأَرْضِ الْمُتَصَدِّقُ بها أَنَّ الزَّارِعَ لها له زَرْعُهُ مُسْلِمًا لَا عُشْرَ عليه فيه فَالْعُشْرُ عليه من أَجْلِ أنها مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا هو على الزَّارِعِ وقد يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فإذا ضَمِنَ عنه ما لَا يَعْرِفُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ أُدْرِكَتْ قبل أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ أُدْرِكَتْ بعد ما يَزْرَعُ فَلَهُ زَرْعُهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ ذَهَبًا أو فِضَّةً بِالْأَغْلَبِ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي تَكَارَاهَا بِهِ كان ذلك أَقَلَّ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ أو أَكْثَرَ قال وإذا كانت الْأَرْضُ عَنْوَةً فَتَقَبَّلَهَا رَجُلٌ فَعَجَزَ عن عِمَارَتِهَا وَأَدَاءِ خَرَاجِهَا قِيلَ له إنْ أَدَّيْت خَرَاجَهَا تُرِكَتْ في يَدَيْك وَإِنْ لم تُؤَدِّهِ فُسِخَتْ عَنْك وَكُنْت مُفْلِسًا وُجِدَ عَيْنُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَدُفِعَتْ إلَى من يُؤَدِّي خَرَاجَهَا قال وَلِلْعَامِلِ على الْعُشْرِ مِثْلُ ما له على الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا صَدَقَةٌ فَلَهُ بِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أو على أَيِّهِمَا عَمِلَ قال وإذا فُتِحَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً فَجَمِيعُ ما كان عَامِرًا فيها لِلَّذِينَ فَتَحُوهَا وَأَهْلِ الْخُمُسِ فَإِنْ تَرَكُوا حُقُوقَهُمْ منها لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ لهم وما كان من أَرْضِ الْعَنْوَةِ مَوَاتًا فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ كان وهو غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِمَنْ فَتَحَ عليه فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له وَلَا يُتْرَكُ ذِمِّيٌّ يُحْيِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ من الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَمْلِكَ
____________________

(4/14)


على الْمُسْلِمِينَ ما تَقَدَّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ منهم وإذا كان فَتْحُهَا صُلْحًا فَهُوَ على ما صَالَحُوا عليه - * كِرَاءُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعُرُوضِ وَقَوْلُ سَالِمِ بن عبد اللَّهِ اكتر ( ( ( أكثر ) ) ) وَرَافِعٌ لم يُخَالِفْهُ في أَنَّ الْكِرَاءَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّهْيُ عن كِرَائِهَا بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالتَّمْرِ وَبِكُلِّ ثَمَرَةٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ من الناس من كَرِهَ أَنْ يُكْرِيَهَا بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال إنْ زُرِعَتْ حِنْطَةً كَرِهْت كِرَاءَهَا بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نهى أَنْ يَكُونَ كِرَاؤُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وقال غَيْرُهُ كِرَاؤُهَا بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ كانت إلَى أَجَلٍ غَيْرِ ما يَخْرُجُ منها لِأَنَّهَا حنطة مَوْصُوفَةٌ لَا يَلْزَمُهُ إذَا جاء بها على صِفَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا يَخْرُجُ من الْأَرْضِ وَلَوْ جَاءَتْ الْأَرْضُ بِحِنْطَةٍ على غَيْرِ صِفَتِهَا لم يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ غير صِفَتِهِ وإذا تَعَجَّلَ الْمُكْرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا من الْحِنْطَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا قال وَلَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ في الْمَوْزِ وَلَا الْقَصَبِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَى أَجَلٍ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَّا أَنْ يَرَيَا الْقَصَبَ جِزَةً وَالْمَوْزَ بِجَنَاهُ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ ما لم يُخْلَقْ مِنْهُمَا وإذا لم يَحِلَّ أَنْ يَبِيعَهُمَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَا بِصِفَةٍ لم يَحِلَّ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمَا ما لم يَكُنْ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ وَلَا غَيْرِ صِفَةٍ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما كَرِهْنَا وَأَزْيَدَ منه لِأَنَّهُ لم يُخْلَقْ قَطُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِلزَّرْعِ بِحِنْطَةٍ أو ذُرَةٍ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أو لَا تُنْبِتُهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ أو لَا يَأْكُلُونَهُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ إجارة ( ( ( إجازة ) ) ) الْعَبْدِ وَالدَّارِ إذَا قَبَضَ ذلك كُلَّهُ قبل دَفْعِ الْأَرْضِ أو مع دَفْعِهَا كُلُّ ما جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ في الْبُيُوتِ وَالرَّقِيقِ جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ في الْأَرْضِ قال وَإِنَّمَا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمُزَارَعَةِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ من الْأَرْضِ فِيمَا روى عنه فَأَمَّا ما أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنِّي قد قَبَضْته وَدَفَعْت الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا فَلَيْسَ في مَعْنَى ما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه إنَّمَا مَعْنَى ما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ قد يَكُونُ الْأَشْيَاءَ وَيَكُونُ أَلْفًا من الطَّعَامِ وَيَكُونُ إذَا كان جَيِّدًا أو رَدِيئًا غير مَوْصُوفٍ وَهَذَا يَفْسُدُ من وَجْهَيْنِ إذَا كان إجَارَةً من وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْكَيْلِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَحِلُّ بهذا وَمِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَلَوْ كان مَعْرُوفَ الْكَيْلِ وهو مَجْهُولُ الصِّفَةِ لم تَحِلَّ الْإِجَارَةُ بهذا فَأَمَّا ما فَارَقَ هذا الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِجَارَةَ إلَى أَجَلٍ ولم يُسَمِّ لها أَجَلًا ولم يَتَقَابَضَا كانت الْإِجَارَةُ من طَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أو غَيْرِهِ من نَبَاتِ الْأَرْضِ أو هو مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ غير الطَّعَامِ أو عَرْضٌ أو ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ إذَا قَبَضَ الْأَرْضَ وَإِنْ لم يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ كانت إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِ أَجَلٍ وَإِنْ شَرَطَهَا بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ مَكِيلٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَرِهْته احْتِيَاطًا وَلَوْ وَقَعَ الْأَجْرُ بهذا وكان طَعَامًا مَوْصُوفًا ما أَفْسَدْته من قِبَلِ أَنَّ الطَّعَامَ مَكِيلٌ مَعْلُومُ الْكَيْلِ مَوْصُوفٌ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شيئا أو لم تُخْرِجْهُ وقد تُخْرِجُ الْأَرْضُ طَعَامًا بِغَيْرِ صِفَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَدْفَعَهُ وَيَدْفَعَهُ بِالصِّفَةِ فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ من الْعَيْنِ أو النَّهْرِ نِيلٍ أو غَيْرِ
____________________

(4/15)


نِيلٍ أو الْغِيلِ أو الْآبَارِ على أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَزَرَعَهَا إحْدَى الْغَلَّتَيْنِ وَالْمَاءُ قَائِمٌ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ فَذَهَبَ قبل الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ فَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْضِ بِذَهَابِ الْمَاءِ فَذَلِكَ له وَيَكُونُ عليه من الْكِرَاءِ بِحِصَّةِ ما زَرَعَ إنْ كانت حِصَّةُ الزَّرْعِ الذي حَصَدَ الثُّلُثَ أو النِّصْفَ أو الثُّلُثَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أَدَّى ذلك وَسَقَطَتْ عنه حِصَّةُ الزَّرْعِ الثَّانِي الذي انْقَطَعَ الْمَاءُ قبل أَنْ يَكُونَ وَهَذَا مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا فَيَسْكُنُهَا بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ تَنْهَدِمُ في آخِرِهَا فَيَكُونُ عليه حِصَّةُ ما سَكَنَ وَتَبْطُلُ عنه حِصَّةُ ما لم يَقْدِرْ على سَكَنِهِ فَالْمَاءُ إذَا كان لاصلاح للرزع ( ( ( صلاح ) ) ) إلَّا بِهِ كَالْبِنَاءِ الذي لَا صَلَاحَ لِلْمَسْكَنِ إلَّا بِهِ وإذا تَكَارَى من الرَّجُلِ الْأَرْضَ السَّنَةَ على أَنْ يَزْرَعَهَا ما شَاءَ فَزَرَعَهَا وَانْقَضَتْ السَّنَةُ وَفِيهَا زَرْعٌ لم يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كانت السَّنَةُ قد يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثَبِّتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عن رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ لَا خِلَافَ في ذلك وَإِنْ كان شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا صِنْفًا من الزَّرْعِ يُسْتَحْصَدُ أو يَسْتَقْصِلَ قبل السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ إلَى وَقْتٍ من السَّنَةِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ قبل بُلُوغِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ تَكَارَاهَا مُدَّةً هِيَ أَقَلُّ من سَنَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا شيئا بِعَيْنِهِ وَيَتْرُكَهُ حتى يُسْتَحْصَدَ فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْتَحْصَدَ في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ التي تَكَارَاهَا إلَيْهَا فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنِّي أَثْبَتُّ بَيْنَهُمَا شَرْطَهُمَا وَلَوْ أُثْبِتَ على رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يبقى زَرْعَهُ فيها بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ أُبْطِلُ شَرْطُ رَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يَتْرُكَهُ حتى يُسْتَحْصَدَ وَإِنْ أُثْبِتَ له زَرْعُهُ حتى يُسْتَحْصَدَ أَبْطَلْت شَرْطَ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَانَ هذا كِرَاءً فَاسِدًا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إذَا زَرَعَ وَعَلَيْهِ تَرْكُ الزَّرْعِ حتى يُسْتَحْصَدَ وَإِنْ تَرَافَعَا قبل يَزْرَعَ فَسُخْت الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ التي لَا مَاءَ لها وَاَلَّتِي إنَّمَا تُسْقَى بِنَطْفِ السَّمَاءِ أو السَّيْلِ إنْ حَدَثَ فَلَا يَصْلُحُ كِرَاؤُهَا إلَّا على أَنْ يُكْرِيَهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها يَصْنَعُ بها الْمُكْتَرِي ما شَاءَ في سَنَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ فيها وإذا وَقَعَ على هذا الْكِرَاءِ صَحَّ فإذا جَاءَهُ مَاءٌ من سَيْلٍ أو مَطَرٍ فَزَرَعَ عليه أو لم يَزْرَعْ أو لم يَأْتِهِ مَاءٌ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان شَرْطُهُ أَنْ يَزْرَعَهَا وقد يُمْكِنُهُ زَرْعُهَا عَثَرِيًّا بِلَا مَاءٍ أو يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لها مَاءً من مَوْضِعٍ فَأَكْرَاهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها على أَنْ يَزْرَعَهَا إنْ شَاءَ أو يَفْعَلَ بها ما شَاءَ صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أو لم يَزْرَعْ وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا على أَنْ يَزْرَعَهَا ولم يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها وَهُمَا يَعْلَمَانِ أنها لَا تُزْرَعُ إلَّا بِمَطَرٍ أو سَيْلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ في هذا كُلِّهِ فَإِنْ زَرَعَهَا فَلَهُ ما زَرَعَ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا ( وقال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَفْسَدْت الْكِرَاءَ في هذا قِيلَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد لَا يَجِيءُ الْمَاءُ عليها فَيَبْطُلُ الْكِرَاءُ وقد يَجِيءُ فَيَتِمُّ الْكِرَاءُ فلما كان مَرَّةً يَتِمُّ وَمَرَّةً لَا يَتِمُّ بَطَلَ الْكِرَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ النَّهْرِ مِثْلَ النِّيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلُو الْأَرْضَ على أَنْ يَزْرَعَهَا زَرْعًا هو مَعْرُوفٌ أَنَّ ذلك الزَّرْعَ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِأَنْ يَرْوِيَهَا النِّيلُ لَا يَتْرُكُهَا وَلَا تَشْرَبُ غَيْرَهُ كَرِهْت هذا الْكِرَاءَ وَفَسَخْته إذَا كانت الْأَرْضُ بَيْضَاءَ ثُمَّ لم يَصِحَّ حتى يَعْلُوَ الْمَاءُ الْأَرْضَ عُلُوًّا يَكُونُ رَيًّا لها أو يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ بِحَالٍ فإذا تُكُورِيَتْ رَيًّا بَعْدَ نُضُوبِ الْمَاءِ فَالْكِرَاءُ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي زَرَعَ أو لم يَزْرَعْ قَلَّ ما يَخْرُجُ من الزَّرْعِ أو كَثُرَ وَإِنْ تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عليها وقد يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ في وَقْتٍ يُمْكِنُ فيه الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ فيه جَائِزٌ وَإِنْ كان قد يَنْحَسِرُ وَلَا يَنْحَسِرُ كَرِهْت الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ انْحِسَارِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَجَزْت كِرَاءَهُ أو بَيْعَهُ أَجَزْت النَّقْدَ فيه وَإِنْ تَكَارَى الرَّجُلُ الأرض لِلزَّرْعِ فَزَرَعَهَا أو لم يَزْرَعْهَا حتى جاء عليها النِّيلُ أو زَادَ أو أَصَابَهَا شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بين الْمُسْتَأْجِرِ وَرَبِّ الْأَرْضِ من يَوْمِ تَلِفَتْ الْأَرْضُ وَلَوْ كان بَعْضُ الْأَرْضِ تَلِفَ وَبَعْضٌ لم يَتْلَفْ ولم يَزْرَعْ فَرَبُّ الزَّرْعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لم تَسْلَمْ له كُلَّهَا وَإِنْ كان زَرَعَ أُبْطِلُ عنه ما تَلِفَ وَلَزِمَتْهُ حِصَّةُ ما زَرَعَ من الْكِرَاءِ وَهَكَذَا كِرَاءُ الدُّورِ وَأَثْمَانُ الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ
____________________

(4/16)


إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ منه مِائَةَ صَاعٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَتَلِفَ خَمْسُونَ صَاعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ له كُلُّهُ كما اشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ من الرَّجُلِ بِالْكِرَاءِ الصَّحِيحِ ثُمَّ أَصَابَهَا غَرَقٌ مَنَعَهُ الزَّرْعَ أو ذَهَبَ بها سَيْلٌ أو غَصَبَهَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَقَطَ عنه الْكِرَاءُ من يَوْمِ أَصَابَهَا ذلك وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا سَنَةً وَيَقْبِضُهَا فَتُهْدَمُ في أَوَّلِ السَّنَةِ أو آخِرِهَا وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ السَّنَةَ فَيَمُوتُ في أَوَّلِ السَّنَةِ أو آخِرِهَا فَيَكُونُ عليه من الاجارة بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَاسْتَخْدَمَ وَيَسْقُطُ عنه ما بَقِيَ وَإِنْ أَكْرَاهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ يَصْنَعُ فيها ما شَاءَ أو لم يذكر أَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ ثُمَّ انْحَسَرَ الْمَاءُ عنها في أَيَّامٍ لَا يُدْرِكُ فيها زَرْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ أو يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قد انْتَقَصَ مِمَّا اكْتَرَى وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ وَكِرَاؤُهَا لِلزَّرْعِ أَبْيَنُ في أَنَّ له أَنْ يَرُدَّهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كان مَرَّ بها مَاءٌ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ أو أَصَابَهُ حَرِيقٌ أو ضَرِيبٌ أو جَرَادٌ أو غَيْرُ ذلك فَهَذَا كُلُّهُ جَائِحَةٌ على الزَّرْعِ لَا على الْأَرْضِ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ زَرْعًا جَدَّدَهُ إنْ كان ذلك يُمْكِنُهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَهَذَا شَيْءٌ أُصِيبَ بِهِ في زَرْعِهِ لم تُصَبْ بِهِ الْأَرْضُ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ وَهَذَا مُفَارِقٌ لِلْجَائِحَةِ في الثَّمَرَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فَتُصِيبُهَا الْجَائِحَةُ في يَدَيْهِ قبل أَنْ يُمْكِنَهُ جِدَادُهَا وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ ثُمَّ انْبَغَى أَنْ لَا يَضَعَهَا ها هنا فَإِنْ قال قَائِلٌ إذَا كَانَتَا جَائِحَتَيْنِ فما بَالُ إحْدَاهُمَا تُوضَعُ وَالْأُخْرَى لَا تُوضَعُ فإن من وَضَعَ الْجَائِحَةَ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَضَعُهَا بِالْخَبَرِ وَبِأَنَّهُ إذَا كان الْبَيْعُ جَائِزًا في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَتَرَكَهَا حتى تُجَدَّ فَإِنَّمَا يُنْزِلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ الذي يَقْبِضُ بِهِ الدَّارَ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ أَشْهُرٌ ثُمَّ تَتْلَفُ الدَّارُ فَيَسْقُطُ عنه الْكِرَاءُ من يَوْمِ تَلِفَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ التي اكْتَرَى وَاشْتَرَى تَلِفَتْ وكان الشِّرَاءُ في هذا الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَتِمُّ بِسَلَامَتِهِ إلَى أَنْ يُجَدَّ وَالْمُكْتَرِي الْأَرْضَ لم يَشْتَرِ من رَبِّ الْأَرْضِ زَرْعًا إنَّمَا اكْتَرَى أَرْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَهَا فلم يَزْرَعْهَا حتى تَمْضِيَ السَّنَةُ كان عليه كِرَاؤُهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا بِشَيْءٍ يُقِيمُ تَحْتَ الْأَرْضِ حتى لو مَرَّ بِهِ سَيْلٌ لم يَنْزِعْهُ كان ذلك له وَلَوْ تَكَارَاهَا حتى إذَا اسْتَحْصَدَتْ فَأَصَابَ الْأَرْضَ حَرِيقٌ فَاحْتَرَقَ الزَّرْعُ لم يَرْجِعْ على رَبِّ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَتْلَفْ شَيْءٌ كان أَعْطَاهُ إيَّاهُ إنَّمَا تَلِفَ شَيْءٌ يَضَعُهُ الزراع ( ( ( الزارع ) ) ) من مَالِهِ كما لو تَكَارَى منه دَارًا لِلْبُرِّ فَاحْتَرَقَ الْبُرُّ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُ وَبَقِيَتْ الدَّارُ سَالِمَةً لم يُنْتَقَصْ سَكَنُهَا كان الْكِرَاءُ له لَازِمًا ولم يَكُنْ احْتِرَاقُ الْمَتَاعِ من مَعْنَى الدَّارِ بِسَبِيلٍ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ سَنَةً مُسَمَّاةً أو سَنَتَهُ هذه فَزَرَعَهَا وَحَصَدَ وَبَقِيَ من سَنَتِهِ هذه شَهْرٌ أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهَا من يَدِهِ حتى تَكْمُلَ سَنَتُهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْكِرَاءِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُكْتَرِي جَمِيعَ السَّنَةِ وَسَوَاءٌ كانت الْأَرْضُ أَرْضَ الْمَطَرِ أو أَرْضَ السَّقْيِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ فيها مَنَافِعُ من زَرْعٍ وعثرى وَسَيْلٍ وَمَطَرٍ وَلَا يُؤَيِّسُ من الْمَطَرِ على حَالٍ وَلِمَنَافِعَ سِوَى هذا لَا يَمْنَعُهَا الْمُكْتَرِي وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا قَمْحًا فَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَعِيرًا أو شيئا من الْحُبُوبِ سِوَى الْقَمْحِ فَإِنْ كان الذي أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهُ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ إضْرَارًا أَكْثَرَ من إضْرَارِ ما شَرَطَ أَنَّهُ يُزْرَعُ بِبَقَاءِ عُرُوقِهِ في الْأَرْضِ أو إفْسَادِهِ الْأَرْضَ بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ فَلَهُ زَرْعُهَا ما أَرَادَ بهذا الْمَعْنَى كما يَكْتَرِي منه الدَّارَ على أَنْ يَسْكُنَهَا فَيَسْكُنَهَا مِثْلُهُ وَإِنْ كان ما أَرَادَ زَرْعَهَا يُنْقِصُهَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أَكْثَرَ من نَقْصِ ما اشْتَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا لم يَكُنْ له زَرْعُهَا فَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ منه الْكِرَاءَ الذي سمي له وما نَقَصَ زَرْعُهُ الْأَرْضَ عَمَّا يُنْقِصُهَا الزَّرْعُ الذي شَرَطَ له أو يَأْخُذَ منه كِرَاءَ مِثْلِهَا في مِثْلِ ذلك الزَّرْعِ وَإِنْ كان قَائِمًا في وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فيه الزَّرْعُ كان لِرَبِّ الْأَرْضِ قَطْعُ زَرْعِهِ إنْ شَاءَ وَيَزْرَعُهَا الْمُكْتَرِي مِثْلَ الزَّرْعِ الذي شَرَطَ له أو ما لَا يَضُرُّ أَكْثَرَ من إضْرَارِهِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْبَعِيرَ لِيَحْمِلَ عليه خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ قُرْطًا فَحَمَلَ عليه
____________________

(4/17)


خَمْسَمِائَةِ رِطْلِ حَدِيدٍ أو تَكَارَى لِيَحْمِلَ عليه حَدِيدًا فَحَمَلَ عليه قُرْطًا بِوَزْنِهِ فَتَلِفَ الْبَعِيرُ فَهُوَ ضَامِنٌ من قِبَلِ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَجْمَعُ على ظَهْرِهِ اسْتِجْمَاعًا لَا يَسْتَجْمِعُهُ الْقُرْطُ فَبِهَذِهِ يَتْلَفُ وَأَنَّ الْقُرْطَ يَنْتَشِرُ على ظَهْرِ الْبَعِيرِ انْتِشَارًا لَا ينتشره ( ( ( مر ) ) ) الْحَدِيدُ فَيَعُمُّهُ فَيَتْلَفُ وَأَصْلُ هذا أَنْ يُنْظَرَ إذَا اكْتَرَى منه بَعِيرًا على أَنْ يَحْمِلَ عليه وَزْنًا من شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَحَمَلَ عليه وَزْنَهُ من شَيْءٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كان الشَّيْءُ الذي حَمَلَ عليه يُخَالِفُ الشَّيْءَ الذي شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ حتى يَكُونَ أَضَرَّ بِالْبَعِيرِ منه فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ كان لَا يَكُونُ أَضَرَّ بِهِ منه وكان مثله أو أَحْرَى أَنْ لَا يَتْلَفَ الْبَعِيرُ فَحَمَلَهُ فَتَلِفَ لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ عليها غَيْرَهُ مثله في الْخِفَّةِ أو أَخَفَّ منه فَهَكَذَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كان أَثْقَلَ منه فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ كان أَعْنَفَ رُكُوبًا منه وهو مِثْلُهُ في الْخِفَّةِ فَانْظُرْ إلَى الْعُنْفِ فَإِنْ كان الْعُنْفُ شيئا ليس كَرُكُوبِ الناس وكان مُتْلِفًا ضَمِنَ وَإِنْ كان كَرُكُوبِ الناس لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ إن أَرْكَبَ الناس قد يَخْتَلِفُ بِرُكُوبٍ وَلَا يُوقَفُ لِلرُّكُوبِ على حَدٍّ إلَّا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ في الرُّكُوبِ ما يَكُونُ خَارِجًا بِهِ من رُكُوبِ الْعَامَّةِ وَمُتْلِفًا فَتُلْفِ الدَّابَّةَ ضَمِنَ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ على أَنْ يَزْرَعَ فيها ما شَاءَ فَلَا يُمْنَعُ من شَيْءٍ من الزَّرْعِ بِحَالٍ فَإِنْ أَرَادَ الْغِرَاسَ فَالْغِرَاسُ غَيْرُ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَبْقَى فيها بَقَاءً لَا يَبْقَاهُ الزَّرْعُ وَيَفْسُدُ منها ما لَا يَفْسُدُ الزَّرْعُ فَإِنْ تَكَارَاهَا مُطْلَقَةً عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا يَزْرَعُ فيها أو يَغْرِسُ كَرِهْت الْكِرَاءَ وَفَسَخْته وَلَا يُشْبِهُ هذا السَّكَنُ شَيْءٌ على وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَذَا شَيْءٌ على وَجْهِهَا وَبَطْنِهَا فإذا تَكَارَاهَا على أَنْ يَغْرِسَ فيها وَيَزْرَعَ ما شَاءَ ولم يَزِدْ على ذلك فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وإذا انْقَضَتْ سنوه ( ( ( يرعى ) ) ) لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُ غِرَاسِهِ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ في الْيَوْمِ الذي يُخْرِجُهُ منها قَائِمًا على أُصُولِهِ وَبِثَمَرِهِ إنْ كان فيه ثَمَرٌ وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ على أَنَّ عليه إذَا قَلَعَهُ ما نَقَصَ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا كان بِإِذْنِ مَالِك الْأَرْضِ مُطْلَقًا لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا في الْيَوْمِ الذي يُخْرِجُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ يَزْرَعُهَا وَفِيهَا نخلة أو مِائَةُ نَخْلَةٍ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وقد رَأَى ما اسْتَأْجَرَ منه من الْبَيَاضِ زَرَعَ في الْبَيَاضِ ولم يَكُنْ له من ثَمَرِ النَّخْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وكان ثَمَرُ النَّخْلِ لِرَبِّ النَّخْلِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا منه بِأَلْفِ دِينَارٍ على أَنَّ له ثَمَرَ نخلة يسوي دِرْهَمًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً من قِبَلِ أنها انْعَقَدَتْ عَقْدَةً وَاحِدَةً على حَلَالٍ وَمُحَرَّمٍ فَالْحَلَالُ الْكِرَاءُ وَالْحَرَامُ ثَمَرُ النَّخْلَةِ إذَا كان هذا قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَإِنْ كان بعد ما يَبْدُو صَلَاحُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كانت النَّخْلَةُ بِعَيْنِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا كَثُرَ الْكِرَاءُ في الْأَرْضِ أو الدَّارِ وَقَلَّتْ الثَّمَرَةُ أو كَثُرَتْ أو قَلَّ الْكِرَاءُ كما كان لَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وكان هذا فيها مُحَرَّمًا كما هو في أَلْفِ نَخْلَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على بَيْعِهِ قبل يَبْدُو صَلَاحُهُ بِحَالٍ لِأَنَّ الذي يَحْرُمُ كَثِيرًا يَحْرُمُ قَلِيلًا وَسَوَاءٌ كانت النَّخْلَةُ صِنْوَانَا وَاحِدًا في الْأَرْضِ أو مُجْتَمِعَةً في نَاحِيَةٍ أو مُتَفَرِّقَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ أو الْأَرْضَ إلَى سَنَةٍ كِرَاءً فَاسِدًا فلم يَزْرَعْ الْأَرْضَ ولم يَنْتَفِعْ بها ولم يَسْكُنْ الدَّارَ ولم يَنْتَفِعْ بها إلَّا أَنَّهُ قد قَبَضَهَا عِنْدَ الْكِرَاءِ وَمَضَتْ السَّنَةُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا كما كان يَلْزَمُهُ إنْ انْتَفَعَ بها أَلَا تَرَى أَنَّ الْكِرَاءَ لو كان صَحِيحًا فلم يَنْتَفِعْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حتى تَمْضِيَ سَنَةٌ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَسَلِمَتْ له مَنْفَعَتُهُ فَتَرَكَ حَقَّهُ فيها فَلَا يُسْقِطُ ذلك حَقَّ رَبِّ الدَّارِ عليه فلما كان الْكِرَاءُ الْفَاسِدُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ الْمُكْتَرِي يُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِهِ كان حُكْمُ كِرَاءِ مِثْلِهِ في الْفَاسِدِ كَحُكْمِ الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّارَ سَنَةً فَقَبَضَهَا الْمُكْتَرِي ثُمَّ غَصَبَهُ إيَّاهَا من لَا يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ أو من يَرَى أَنَّهُ يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ فَسَوَاءٌ لَا كِرَاءَ عليه في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي
____________________

(4/18)


أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ لم يَكُنْ له خَصْمًا إلَّا بِوَكَالَةٍ من رَبِّ الدَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُصُومَةَ لِلْغَاصِبِ إنَّمَا تَكُونُ في رَقَبَةِ الدَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا في الدَّارِ إلَّا رَبُّ الدَّارِ أو وَكِيلٌ لِرَبِّ الدَّارِ وَالْكِرَاءُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُكْتَرِي إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي مَالِكًا لِلدَّارِ وَالْمُكْتَرِي لم يَكْتَرِ على أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لو كان ذلك جَائِزًا له أَرَأَيْت لو خَاصَمَهُ فيها سَنَةً فلم يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَتَجْعَلُ على الْمُكْتَرِي كِرَاءً ولم يُسَلَّمْ له أَمْ تَجْعَلُ لِلْمُخَاصِمِ إجَارَةً على رَبِّ الدَّارِ في عَمَلِهِ ولم يُوَكِّلْهُ أو رَأَيْت لو أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ بِأَنَّهُ كان غَصَبَهَا من الْغَاصِبِ أَلَا يَبْطُلُ الْكِرَاءُ أو رَأَيْت لو أَقَرَّ الْمُتَكَارِي أَنَّ رَبَّ الدَّارِ غَصَبَهَا من الْغَاصِبِ أيقضي على رَبِّ الدَّارِ أَنَّهُ غَاصِبٌ بِإِقْرَارِ غَيْرِ مَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ فَهَلْ يَعْدُو الْمُكْتَرِي إذَا قَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ غُصِبَتْ أَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ على رَبِّ الدَّارِ ولم تَسْلَمْ لِلْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةُ بِلَا مُؤْنَةٍ عليه كما اكْتَرَى فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَسَوَاءٌ غَصَبَهَا من لَا يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ أو من يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ وَلَا يَكُونُ عليه كِرَاءٌ لِأَنَّهُ لم تَسْلَمْ له الْمَنْفَعَةُ أو يَكُونُ الْغَصْبُ على الْمُكْتَرِي دُونَ رَبِّ الدَّارِ وَيَكُونُ ذلك شيئا أُصِيبَ بِهِ الْمُكْتَرِي كما يُصَابُ مَالُهُ فَيُلْزِمُهُ الْكِرَاءُ غَصْبَهَا إيَّاهُ من يَقْوَى عليه السُّلْطَانُ أو من لَا يَقْوَى عليه وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ أو لم يَدْفَعْهُ وَافْتَرَقَا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَحُلْ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كان حَاضِرًا عِنْدَهُمَا قبل الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ حتى تُوُفِّيَ الْعَبْدُ فَالْعَبْدُ من مَالِ الْبَائِعِ لَا من مَالِ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ حَدَثَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ كان الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ أو يَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ كان الثَّمَنُ دَارًا أو عَبْدًا أو ذَهَبًا بِأَعْيَانِهَا أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ فَتَلِفَ الذي ابْتَاعَ بِهِ الْعَبْدَ مِمَّا وَصَفْنَا في يَدَيْ مُشْتَرِي الْعَبْدِ كان الْبَيْعُ مُنْتَقَضًا وكان من مَالِ مَالِكِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد هَلَكَ هذا الْعَبْدُ وَهَذَا الْعَرَضُ ثُمَّ لم يُحْدِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَوْلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ من مَالِ الْبَائِعِ حتى يُسَلِّمَهُ لِلْمُبْتَاعِ فَقِيلَ له بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الناس فيه من أَنَّ من كان بيده مِلْكٌ لِرَجُلٍ مَضْمُونًا عليه أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ من دَيْنٍ عليه أو حَقٍّ لَزِمَهُ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ أو غَيْرِهَا أو غَصْبٍ أو أَيِّ شَيْءٍ ما كان فَأَحْضَرَهُ لِيَدْفَعَ إلَى مَالِكِهِ حَقَّهُ فيه عَرَضًا بِعَيْنِهِ أو غَيْرِ عَيْنِهِ فَهَلَكَ في يَدِهِ لم يَبْرَأْ بِهَلَاكِهِ في يَدِهِ وَإِنْ لم يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وكان ضَمَانُهُ منه حتى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إيَّاهُ في مَكَان وَاحِدٍ يَوْمًا وَاحِدًا أو سَنَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ الدَّفْعِ لَا يُخْرِجُ من عليه الدَّفْعُ إلَّا بِالدَّفْعِ فَكَانَ أَكْثَرُ ما على الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ هذا ما بَاعَ وَهَذَا ما اشْتَرَى بِهِ فلما لم يَفْعَلَا لم يَخْرُجَا من ضَمَانٍ بِحَالٍ وقال اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَلَوْ أَنَّ امرءا نَكَحَ امْرَأَةً وَاسْتَخْزَنَهَا مَالَهُ ولم يَحُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَبْضِ صَدَاقِهَا ولم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا لم يَبْرَأْ منه بِأَنْ يَكُونَ وَاجِدًا له وَغَيْرَ حَائِلٍ دُونَهُ وَأَنْ تَكُونَ وَاجِدَةً له غير مَحُولٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وقال اللَّهُ عز وجل { وَأُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَلَوْ أَنَّ امرءا أَحْضَرَ مَسَاكِينَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لهم في مَالِهِ دَرَاهِمَ أَخْرَجَهَا بِأَعْيَانِهَا من زَكَاةِ مَالِهِ فلم يَقْبِضُوهَا ولم يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا لم تَخْرُجْ من أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عليه حتى يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ تَلِفَتْ في يَدِهِ تَلِفَتْ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو تَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ وَقَامَ يُرِيدُهَا وَلَا يُصَلِّيهَا لم يَخْرُجْ من فَرْضِهَا حتى يُصَلِّيَهَا وَلَوْ وَجَبَ عليه أَنْ يَقْتَصَّ من نَفْسِهِ من دَمٍ أو جُرْحٍ فَأَحْضَرَ الذي له الْقِصَاصُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ أو خَلَّى الْحَاكِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فلم يَقْتَصَّ ولم يَعْفُ لم يَخْرُجْ هذا مِمَّا عليه من الْقِصَاصِ ثُمَّ لَا يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا مِمَّا قِبَلَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى من هو له أو يَعْفُوَهُ الذي هو له وَهَكَذَا أَصْلُ فَرْضِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ في جَمِيعِ ما فَرَضَ قال اللَّهُ عز وجل { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } فَجَعَلَ التسليم ( ( ( التسلم ) ) ) الدَّفْعَ لَا الْوُجُودَ وَتَرَكَ الْحَوْلَ وَالدَّفْعَ وقال في الْيَتَامَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ }
____________________

(4/19)


فَفَرَضَ على كل من صَارَ إلَيْهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أو حَقٌّ له أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيَهُ وَأَدَاؤُهُ دَفْعُهُ لَا تَرْكُ الْحَوْلِ دُونَهُ وسواء ( ( ( سواء ) ) ) دَعَاهُ إلَى قَبْضِهِ أو لم يَدْعُهُ ما لم يُبْرِئْهُ منه فَيَبْرَأُ منه بِالْبَرَاءَةِ أو بقبضه ( ( ( يقبضه ) ) ) منه في مَقَامِهِ أو غَيْرِ مَقَامِهِ ثُمَّ يُودِعُهُ إيَّاهُ وإذا قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَضَمَانُهُ من مَالِكِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ الْقَابِضَ له وهو الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ أو الدَّارَ كِرَاءً صَحِيحًا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ سَنَةً أو أَكْثَرَ ثم ( ( ( تم ) ) ) قَبْضُ الْمُكْتَرِي ما اكْتَرَى فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ فَيَدْفَعُهُ حين يَقْبِضُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَيَكُونُ إلَى أَجَلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ له ما اكْتَرَى فَقَدْ اسْتَوْفَى وَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ بِمَا قَبَضَ منه من الْكِرَاءِ كُلِّهِ فِيمَا لم يَسْتَوْفِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءَ كُلَّهُ وَلَعَلَّ الدَّارَ أَنْ تَتْلَفَ أو الْأَرْضَ قبل أَنْ يستوفي قِيلَ لَا أَعْلَمُ يَجُوزُ غَيْرُ هذا من أَنْ تَكُونَ الدَّارُ التي مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا مَدْفُوعَةً إلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ في الْمُدَّةَ التي شُرِطَتْ له وَأَوْلَى الناس أَنْ يَقُولَ بهذا من زَعَمَ أَنَّ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةٌ وقد دَفَعَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَهَا كُلَّهَا قَطَعَهَا فلما كان الْمُشْتَرِي إذَا تَرَكَهَا إلَى أَوَانٍ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَيْرًا له فَتَلِفَ رَجَعَ بِحِصَّةِ ما تَلِفَ كان في الدَّارِ التي لَا يَقْدِرُ على قَبْضِ مَنْفَعَتِهَا إلَّا في مُدَّةٍ تَأْتِي عليها أَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ لِلْمُكْرِي حَالًّا كما يَجْعَلُهُ لِلثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ من قال هذا قِيلَ له عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ من الْمَكِّيِّينَ فَإِنْ قال فما حُجَّتُك على من قال من الْمَشْرِقِيِّينَ إذَا تَشَارَطَا فَهُوَ على شَرْطِهِمَا وَإِنْ لم يَتَشَارَطَا فَكُلَّمَا مَرَّ عليه يَوْمٌ له حِصَّةٌ من الْكِرَاءِ كان عليه أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَ يَوْمِهِ قِيلَ له من قال هذا لَزِمَهُ في أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُجِيزَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إذَا لم يَقُلْ كما قُلْنَا إنَّ الْكِرَاءَ يُلْزِمُ بِدَفْعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ في هذا أَبَدًا دَفْعُ غَيْرِهِ وقال الْمَنْفَعَةُ تَأْتِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فَلَا أَجْعَلُ دَفْعَ الدَّارِ يَكُونُ في حُكْمِ دَفْعِ الْمَنْفَعَةِ قِيلَ فَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ لم يَأْتِ وَالْمَالُ دَيْنٌ لم يَأْتِ وَهَذَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كانت أَرْضَ نِيلٍ أو غَيْرَهَا أو أَرْضَ مَطَرٍ ( قال ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ من الذِّمِّيِّ أَرْضَ عُشْرٍ أو خَرَاجٍ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ من الزَّرْعِ الصَّدَقَةُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ لِمَا أَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الصَّدَقَةَ من قَوْم كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أَرْضٌ من زَرَعَهَا من الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا زَرَعَ ما لَا يَمْلِكُ من الْأَرْضِ وما كان أَصْلُهُ فَيْئًا أو غَنِيمَةً فإن اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ قال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها } وَخَاطَبَهُمْ بِأَنْ قال { وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ } فلما كان الزَّرْعُ مَالًا من مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَصَادُ حَصَادَ مُسْلِمٍ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وَجَبَ عليه ما كان لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ قال فَهَلْ من شَيْءٍ تُوَضِّحُهُ غير هذا قِيلَ نعم الرَّجُلُ يَتَكَارَى من الرَّجُلِ الْأَرْضَ أو يَمْنَحُهُ إيَّاهَا فَيَكُونُ عليه في زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ كما يَكُونُ عليه لو زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ فَإِنْ قال فَهَذِهِ لِمَالِكٍ مَعْرُوفٍ قِيلَ فَكَذَلِكَ يَتَكَارَى في الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ على أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ فَيَكُونُ عليه في زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ فَإِنْ قال هذا هَكَذَا وَلَكِنَّ أَصْلَ هذه لِمُسْلِمٍ أو لِمُسْلِمَيْنِ وَأَصْلَ تِلْكَ لِمُشْرِكٍ قِيلَ لو كانت لِمُشْرِكٍ ما حَلَّ لنا إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ ولكنها ( ( ( ولكن ) ) ) لَمَّا كانت عَنْوَةً أو صُلْحًا كانت مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ كما تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْنَا فيها الصَّدَقَةُ كما يَكُونُ عَلَيْنَا فِيمَا وَرِثْنَا من آبَائِنَا لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قد انْقَطَعَ عَنْهُمْ فَصَارَ لنا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهِيَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مَعْرُوفِينَ قِيلَ هِيَ لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّفَةِ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ بأعيانهم ( ( ( أعيانهم ) ) ) كما تَكُونُ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ فَإِنْ قال فَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ منها قِيلَ لَوْلَا أَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ حَرَّمَ على الْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَعَلَى الْآخِذِ منه أَنْ يَأْخُذَ منها خَرَاجًا وَلَكِنَّهُ إنَّمَا هو كِرَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ
____________________

(4/20)


فَلَا يُحْسَبُ عليه وَلَا له فَيُخَفَّفُ عنه من صَدَقَتِهَا شَيْءٌ لِمَا أَدَّى من كِرَائِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا فَتَصَادَقَا على الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فَإِنْ كان الْعَبْدُ تَالِفًا تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) قِيمَةَ الْعَبْدِ وإذا كان قَائِمًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ في الْبَيْعِ وَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ ما كان على إنْسَانٍ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ فَفَاتَ رَدُّهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا فَاتَتْ الْعَيْنُ فَإِنْ كان هذا في كل شَيْءٍ فما أَخْرَجَ هذا من تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمُجْتَمَعِ في الْمَعْنَى إلَّا بِخَبَرٍ يُلْزِمُ وَهَكَذَا في الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إذَا اخْتَلَفَا قبل أَنْ يَسْكُنَ أو يَزْرَعَ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) فإذا اخْتَلَفَا بَعْدَ الزَّرْعِ وَالسَّكَنِ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) قِيمَةَ الْكِرَاءِ وَإِنْ سَكَنَ بَعْضًا رَدَّ قِيمَةَ ما سَكَنَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِيمَا لم يَسْكُنْ وَإِنْ تَكَارَى أَرْضًا لِزَرْعٍ فَزَرَعَهَا وَبَقِيَ له سَنَةٌ أو أَكْثَرُ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِيمَا بَقِيَ وَرَدَّ كِرَاءَ مِثْلِهَا فِيمَا زَرَعَ قال وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِعَشْرَةٍ تَصَادَقَا على الْكِرَاءِ وَمَبْلَغِهِ وَاخْتَلَفَا في الْمَوْضِعِ الذي تَكَارَى إلَيْهِ فقال الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْتهَا إلَى الْمَدِينَةِ بِعَشْرَةٍ وقال الْمُكْرِي اكْتَرَيْتهَا بِعَشْرَةٍ إلَى أَيْلَةَ فَإِنْ لم يَكُنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) وَإِنْ كان رَكِبَهَا تَحَالَفَا وكان لِرَبِّ الدَّابَّةِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الذي رَكِبَهَا إلَيْهِ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ في ذلك الْمَوْضِعِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عليه لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِنَا في الْبُيُوعِ وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَتْ كُلُّهَا قبل الزَّرْعِ رَجَعَ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لم تَسْلَمْ له وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ تَنْهَدِمُ قبل السُّكْنَى فَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا فَهَذَا نَقْصٌ دخل عليه فِيمَا اكْتَرَى وَلَهُ الْخِيَارُ بين حَبْسِهَا بِالْكِرَاءِ أو رَدِّهَا لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له ما اكْتَرَى كما اكْتَرَى كما يَكُونُ له في الدَّارِ لو انْهَدَمَ بَعْضُهَا أَنْ يَحْبِسَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ كَأَنْ انْهَدَمَ نِصْفُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ في نِصْفِهَا الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الْكِرَاءِ فَذَلِكَ له لِأَنَّهُ نَقْصٌ دخل عليه فَرَضِيَ بِالنَّقْصِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَفْسَخَ الْكِرَاءَ كان ذلك له إذَا كان بَعْضُ ما بَقِيَ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ ليس مِثْلَ ما ذَهَبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى مِائَةَ أردب طَعَامًا فلم يَسْتَوْفِهَا حتى تَلِفَ نِصْفُهَا في يَدَيْ الْبَائِعِ كان له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ( قال الرَّبِيعُ ) الطَّعَامُ عِنْدِي خِلَافُ الدَّارِ يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا لِأَنَّ الطَّعَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالدَّارُ لَا يَكُونُ بَعْضُهَا مِثْلَ بَعْضٍ سَوَاءً مِثْلَ الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ هذا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَيْعَةِ فإذا وَقَعَتْ على شَيْءٍ يَتَبَعَّضُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قُلْت فيه هَكَذَا وَإِنْ وَقَعَتْ على شَيْءٍ لَا يَتَبَعَّضُ مِثْلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فلم تَقْبِضْهُ حتى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ كُنْت فيه بِالْخِيَارِ بين أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أو رَدِّهِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ لَك فَتَقْبِضَهُ غير مَعِيبٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرْقُ بين هَذَيْنِ قِيلَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ يَتَبَعَّضُ من الْعَيْبِ وَلَا الْعَيْبُ يَتَبَعَّضُ من الْعَبْدِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكَنُ مُتَبَعِّضًا من الْمَسْكَنِ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ عَشْرَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَ لِكُلِّ سَنَةٍ شيئا مَعْلُومًا وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضَهُ أو دَارِهِ فقال أَكْتَرِيهَا مِنْك كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ أو أَكْثَرَ ولم يُسَمِّ السَّنَةَ التي يَكْتَرِيهَا وَلَا السَّنَةَ التي يَنْقَطِعُ إلَيْهَا الْكِرَاءُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا على أَمْرٍ يَعْرِفُهُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي كما لَا تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا على ما يُعْرَفُ وَهَذَا كَلَامٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ فيه يَنْقَضِي إلَى مِائَةِ سَنَةٍ أو أَكْثَرَ أو اقل وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَنَةً وَيُحْتَمَلُ أَقَلَّ من سَنَةٍ فَكَانَ هذا كِرَاءً مَجْهُولًا يَفْسَخُهُ قبل السُّكْنَى فَإِنْ فَاتَ فيه السُّكْنَى جَعَلْنَا فيه على الْمُكْتَرِي أَجْرَ مِثْلِهِ كان أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْكِرَاءُ أو أَقَلَّ إذَا أَبْطَلْنَا أَصْلَ الْعَقْدِ فيه وَصَيَّرْنَاهُ قِيمَةً لم نَجْعَلْ الْبَاطِلَ دَلِيلًا على الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ
____________________

(4/21)


فَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَكْرَاهُ أو أَعَارَهُ إيَّاهَا وَجَحَدَ رَبُّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مع يَمِينِهِ وَيُقْلِعُ الزَّارِعُ في زَرْعِهِ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى يَوْمِ يُقْلِعُ زَرْعَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كان ذلك في إبَّانِ الزَّرْعِ أو في غَيْرِ إبَّانِهِ إذَا كان زَارِعُ الْأَرْضِ الْمُدَّعِي لِلْكِرَاءِ حَبَسَهَا عن مَالِكِهَا فَإِنَّمَا أَحْكُمُ عليه حُكْمَ الْغَاصِبِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضًا فيها زَرْعٌ لِغَيْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهُ منها إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ الْمُكْتَرِي يَرَى الْأَرْضَ لَا حَائِلَ دُونَهَا من الزَّرْعِ وَيَقْبِضُهَا لَا حَائِلَ دُونَهَا من الزَّارِعِينَ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ بَيْعًا من الْبُيُوعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ عَيْنًا لَا يَقْدِرُ الْمُبْتَاعُ على قَبْضِهَا حين تَجِبُ له وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ وَلَا أَنْ نَجْعَلَ على الْمُبْتَاعِ وَالْمُكْتَرِي الثَّمَنَ وَلَعَلَّ المكتري أَنْ يَتْلَفَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ له الثَّمَنُ دَيْنٌ إلَى أَنْ يَقْبِضَ فَذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْأَرْضِ وَالدَّارِ قبل أَنْ يَكْتَرِيَهُمَا وَيَقْبِضَهُمَا وَلَكِنْ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَالدَّارَ وَيَقْبِضُهُمَا مَكَانَهُمَا لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَمَتَى حَدَثَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَادِثٌ يَمْنَعُ من مَنْفَعَتِهِ رَجَعَ الْمُكْتَرِي بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ من يَوْمِ حَدَثَ الْحَادِثُ وَهَكَذَا الْعَبْدُ وَجَمِيعُ الْإِجَارَاتِ وَلَيْسَ هذا بَيْعٌ وَسَلَفٌ إنَّمَا الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْعُقْدَةُ على إيجَابِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ غير مَعْلُومٍ من قِبَلِ أَنَّ لِلْمَبِيعِ حصة ( ( ( حصته ) ) ) من السَّلَفِ في أَصْلِ ثَمَنِهِ لَا تُعْرَفُ لِأَنَّ السَّلَفَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما جَازَ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ جَازَ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ وَالْكِرَاءُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَكُلُّ ما لم يَجُزْ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ لم يَجُزْ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى من رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا شَجَرًا قَائِمًا على أَنَّ له الشَّجَرُ وَأَرْضُهُ كان في الشَّجَرِ ثمر ( ( ( ثم ) ) ) بَالَغَ أو غَضَّ أو لم يَكُنْ فيه كان هذا كِرَاءً جَائِزًا كما يَكُونُ بَيْعًا جَائِزًا ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ الشَّجَرَ وَأَرْضَ الشَّجَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَكَارَى الْأَرْضَ بِالثَّمَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ كانت الثَّمَرَةُ قد حَلَّ بَيْعُهَا جَازَ الْكِرَاءُ بها وَإِنْ كانت لم يَحِلَّ بَيْعُهَا لم يَحِلَّ الْكِرَاءُ بها قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال عز وجل { ذلك بِأَنَّهُمْ قالوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فَكَانَتْ الْآيَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ على إحْلَالِ الْبَيْعِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو في إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلُوا مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ تَخُصُّ تَحْرِيمَ بَيْعٍ دُونَ بَيْعٍ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِتَحْرِيمِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّفَاضُلُ في النَّقْدِ وَالْآخَرُ النَّسِيئَةُ كُلُّهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ وَكَذَلِكَ أَصْنَافٌ من الطَّعَامِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ فَحُرِّمَ في هذا كُلِّهِ مَعْنَيَانِ التَّفَاضُلُ في الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَبَاحَ التَّفَاضُلَ في الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَحَرَّمَ فيه كُلِّهِ النَّسِيئَةَ فَقُلْنَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ هَكَذَا لِأَنَّ نَصَّهُ في الْخَبَرِ وَقُلْنَا كُلُّ ما كان مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا هَكَذَا لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما نَصَّ في الْخَبَرِ وما سِوَى هذا فَعَلَى أَصْلِ الْآيَتَيْنِ من إحْلَالِ اللَّهِ الْبَيْعَ حَلَالٌ كُلُّهُ بِالتَّفَاضُلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فَكَانَتْ لنا بهذا دَلَائِلُ مع ما وَصْفِنَا منها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْتَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ وَأَجَازَ ذلك عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وبن الْمُسَيِّبِ وبن عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه هذا الْخَبَرُ ما جَازَ فيه إلَّا هذا الْقَوْلُ على هذا الْمَعْنَى أو قَوْلٍ ثَانٍ وهو أَنْ يُقَالَ إذَا كان الشَّيْئَانِ من صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ كما يَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ واذا اخْتَلَفَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كما يَكُونُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ وَالتَّمْرُ بِالْحِنْطَةِ ثُمَّ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ من قِبَلِ أَنَّهُمَا من صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِحْلَتُهُمَا وَنَجَابَتُهُمَا وإذا لم يَجُزْ يَدًا بِيَدٍ كانت النَّسِيئَةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يَخْتَلِفَانِ
____________________

(4/22)


في الرِّحْلَةِ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ قد يَخْتَلِفُ في الْحَلَاوَةِ وَالْجَوْدَةِ حتى يَكُونَ الْمُدُّ من البردى ( ( ( البرني ) ) ) خَيْرًا من الْمُدَّيْنِ من غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا تَمْرَانِ يُجْمَعَانِ مَعًا على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَكَذَلِكَ الْبَعِيرَانِ جِنْسٌ يَجْتَمِعَانِ على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ منه ما يَكُونُ الْمِثْقَالُ ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِجَوْدَتِهِ وَمِنْهُ ما يَكُونُ الْمِثْقَالُ بِشَيْءٍ أَقَلَّ منه بِكَثِيرٍ لِتَفَاضُلِهِمَا وَلَا يَجُوزُ وَإِنْ تَفَاضَلَا أَنْ يُبَاعَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَيُجْمَعَانِ على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ فَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا قِيَاسًا عليه وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ كما قُلْنَا وَبِالدَّلَائِلِ التي وَصَفْنَا وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا على أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا بِخِلَافِ ما سِوَاهُمَا فِيهِمَا فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ الْمُتَحَكِّمُ فيقول مَرَّةً في شَيْءٍ من الْجِنْسِ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ قِيَاسًا على هذا ثُمَّ يقول مَرَّةً أُخْرَى ليس هو من هذا فَإِنْ كان هذا جَائِزًا لِأَحَدٍ جَازَ لِكُلِّ امْرِئٍ أَنْ يَقُولَ ما خَطَر على قَلْبِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ من أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْخَاطِرَ لَا يَعْدُو أَنْ يُوَافِقَ أَثَرًا أو يُخَالِفَهُ أو قِيَاسًا أو يُخَالِفَهُ فإذا جَازَ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ بِالْأَثَرِ وَتَرْكُهُ وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ وَتَرْكُهُ لم يَكُنْ هَا هُنَا مَعْنًى إلَّا أَنْ يَقُولَ امْرُؤٌ بِمَا شَاءَ وَهَذَا مُحَرَّمٌ على الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْإِجَارَةُ كما وَصَفْت بَيْعًا من الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ سَنَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَتُعَجِّلَ الدَّنَانِيرَ أو تَكُونَ إلَى سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ أو عَشْرِ سِنِينَ فَلَا بَأْسَ إنْ كانت عَلَيْك خَمْسَةُ دَنَانِيرَ حَالَّةً أَنْ تُؤَاجِرَ بها عَبْدًا لَك من رَبِّ الدَّنَانِيرِ إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ وَلَيْسَ من هذا شَيْءٌ دَيْنًا بِدَيْنٍ الْحُكْمُ في الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ له نَقْدًا غير أَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَوْفِي الْإِجَارَةَ في مُدَّةٍ تَأْتِي وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ فيه هَكَذَا ما جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ أَبَدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَا عُرِفَتْ لها وَجْهًا تَجُوزُ فيه وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قُلْت لَا تَجِبُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ من الْمَنْفَعَةِ ما يَكُونُ له حِصَّةٌ من الثَّمَنِ كانت الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ فَكَانَ هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَوْ قُلْت يَجُوزُ أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك عَبْدَك بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ شَهْرًا فإذا مَضَى الشَّهْرُ دَفَعْت إلَيْك الْعَشَرَةَ كانت الْعَشَرَةُ دَيْنًا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فَكَانَ هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَوْ قُلْت أَدْفَع إلَيْك عَشْرَةً وَأَقْبِضُ الْعَبْدَ يَخْدُمُنِي شَهْرًا كان هذا سَلَفًا في شَيْءٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَسَلَفًا غير مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ وكان هذا في هذه الْمَعَانِي كُلِّهَا إبْطَالُ الْإِجَارَاتِ وقد أَجَازَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَجَازَتْهَا السُّنَّةُ وَأَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ وقد كَتَبْنَا تَثْبِيتَ إجَازَتِهَا في كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَلَوْلَا أَنَّ ما قُلْت كما قُلْت إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ من دَارٍ وَعَبْدٍ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ دَفَعَ الْعَيْنَ التي فيها الْمَنْفَعَةُ فَيَحِلُّ في الْإِجَارَةِ النَّقْدُ وَالتَّأْخِيرُ لِأَنَّ هذا نَقْدٌ بِنَقْدٍ وَنَقْدٌ بِدَيْنٍ ما جَازَتْ الْإِجَارَاتُ بِحَالٍ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهِيَ لَا يُقْدَرُ على الْمَنْفَعَةِ فيها إلَّا في مُدَّةٍ تَأْتِي قُلْنَا قد عَقَلْنَا أَنَّ الْإِجَارَاتِ مُنْذُ كانت هَكَذَا فإن حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّعَامِ يُبْتَاعُ كَيْلًا فَتُشْرَعُ في كَيْلِهِ فَلَا تَأْخُذْ منه ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ بَادِئٍ وَكَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُك فيه غَيْرُ هذا وَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا أَبَدًا غَيْرُ هذا فَأَمَّا من قال مِمَّنْ أَجَازَ الْإِجَارَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ شَهْرًا بِدِينَارٍ أو شَهْرَيْنِ أو ثَلَاثَةً ثُمَّ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لي عَلَيْك دِينَارٌ فاستأجره مِنْك بِهِ لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَاَلَّذِي أَجَازَ هو الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ إذَا كانت الْإِجَارَةُ دَيْنًا لَا شَكَّ وَاَلَّذِي أَبْطَلَ هو الذي يَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لي أَنْ يَكُونَ لي عَلَيْك دِينَارٌ فَآخُذُ بِهِ مِنْك دَرَاهِمَ وَيَكُونُ كَيْنُونَتُهُ عَلَيْك كَقَبْضِك إيَّاهُ من يَدِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَك دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ وَيَزْعُمُ هُنَا في الصَّرْفِ أَنَّهُ نَقْدٌ وَيَزْعُمُ في الْإِجَارَةِ أَنَّهُ دَيْنٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ أَنَّهُ نَقْدٌ فِيهِمَا جميعا أو دَيْنٌ فِيهِمَا جميعا فَإِنْ جَازَ هذا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ نَقْدًا حَيْثُ جَعَلَهُ دَيْنًا وَدَيْنًا حَيْثُ جَعَلَهُ نَقْدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ صِنْفَانِ بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على الْبَائِعِ وَبَيْعٌ ثَالِثٌ وهو الرَّجُلُ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً عن الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي غير مَضْمُونَةٍ على الْبَائِعِ إنْ سَلِمَتْ السِّلْعَةُ حتى يَرَاهَا الْمُشْتَرِي كان فيها بِالْخِيَارِ بَاعَهُ إيَّاهَا على صِفَةٍ وَكَانَتْ
____________________

(4/23)


على تِلْكَ الصِّفَةِ التي بَاعَهُ إيَّاهَا أو مُخَالِفَةً لِتِلْكَ الصِّفَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الصِّفَاتِ التي تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ما كان مَضْمُونًا على صَاحِبِهِ وَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ في هذا حتى يَرَى الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرْضَاهَا وَيَتَفَرَّقَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ من مَقَامِهِمَا الذي رَآهَا فيه فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عليه الثَّمَنُ كما يَجِبُ عليه الثَّمَنُ في سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ اشْتَرَاهَا حتى يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ فَيَلْزَمُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ هذه السِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْأَجَلِ وَيَجُوزُ فِيمَا حَلَّ لِصَاحِبِهِ وَأَخَذَهُ مُشْتَرِيه وَلَزِمَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَأَمَّا بَيْعٌ لم يَلْزَمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ على الْمُشْتَرِي دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ ولم يَتِمَّ له بَيْعٌ ولم يَرَهُ ولم يَرْضَهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَنَقَدَ فيه على أَنَّهُ إنْ رضي كان نَقْدُ الثَّمَنِ وَإِنْ سَخِطَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لم يَكُنْ بهذا بَأْسٌ وَلَيْسَ هذا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَلَا أَنْ أُسَلِّفَك في الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ فَآخُذَ مِنْك بَعْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ بَعْضَ طَعَامٍ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هَذَيْنِ أو أَحَدَهُمَا أو ما كان في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا أو مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَلَيْسَ هذا من ذلك بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْقُولًا لَا شَكَّ فيه في الحديث إذَا كان إنَّمَا نهى عن بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَإِنَّمَا نهى أَنْ يُجْمَعَا وَنَهْيُهُ أَنْ يُجْمَعَا مَعْقُولٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَحِلُّ إلَّا مَعْلُومَةً فإذا اشْتَرَيْت شيئا بِعَشْرَةٍ على أَنْ أُسَلِّفَك عَشْرَةً أو تُسَلِّفَنِي عَشْرَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْهُمَا مَعْلُومَ السَّلَفِ غير مَمْلُوكٍ لِلْمُسْتَسْلِفِ فَلَهُ حِصَّةٌ من الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ أو لَا تَرَى بِأَنْ لَا بَأْسَ بِأَنْ أَبِيعَك على حِدَةٍ وَأُسَلِّفَك على حِدَةٍ إنَّمَا النَّهْيُ أَنْ يَكُونَا بِالشَّرْطِ مَجْمُوعَيْنِ في صَفْقَةٍ فَأَمَّا إذَا أَعْطَيْتُك عَشْرَةَ دَنَانِيرَ على مِائَةِ فِرْقٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ فَإِنَّمَا لي عَلَيْك الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذْتهَا كُلَّهَا فَهِيَ مَالِي وَإِنْ أَخَذْت بَعْضَهَا فَهِيَ بعض مَالِي وَأُقِيلُك فِيمَا بَقِيَ منها بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لم يَكُنْ على ولم يَكُنْ في أَصْلِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ وإذا جَازَ أَنْ أُقِيلَك منها كُلِّهَا فَيَكُونُ هذا إحْدَاثُ إقَالَةٍ لم تَكُنْ عَلَيَّ جَازَ هذا في بَعْضِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْبَيْعُ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْضِعُ الذي يُقْبَضُ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) وقد كان الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ بَيْعَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً بِصِفَةٍ ثُمَّ قال لَا يَجُوزُ من قِبَلِ أنها قد تَتْلَفُ فَلَا يَكُونُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فيها فلما كانت مَرَّةً تَسْلَمُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَمَرَّةً تَعْطَبُ فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ كان هذا مَفْسُوخًا - * كِرَاءُ الدَّوَابِّ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال وإذا تَكَارَى رَجُلٌ دَابَّةً من مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَرَكِبَهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ الذي تَرَاضَيَا عليه إلَى مَرٍّ فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَدِينَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ دَخَلَهَا من رُكُوبِهِ فَأَثَّرَ فيها مِثْلَ الدَّبْرِ وَالْعَوَرِ وما أَشْبَهَ ذلك رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا كما يَأْخُذُ قِيمَتَهَا لو هَلَكَتْ وإذا رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا أَخَذَ ما نَقَصَهَا وَكِرَاءَ مِثْلِهَا إلَى حَيْثُ تَعَدَّى وإذا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ فلم يَتَعَدَّ الْمُكْتَرِي الْبَلَدَ الذي تَكَارَاهَا إلَيْهِ ولم يَتَعَدَّ بِأَنْ يَحْمِلَ عليها ما ليس له وَلَا أَنْ يَرْكَبَهَا رُكُوبًا لَا تَرْكَبُهُ الدَّوَابُّ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ كان الْكِرَاءُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنَّمَا عليه في الذَّهَابِ نِصْفُ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ وَالْجِيئَةُ يَخْتَلِفَانِ فَيُقْسَمُ الْكِرَاءُ على قَدْرِ اخْتِلَافِهِمَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَوْ تَعَدَّى عليها بعد ما بَلَغَتْ الْمَكَانَ الذي تكاراها ( ( ( تكارها ) ) ) إلَيْهِ مِيلًا أو أَقَلَّ ثُمَّ رَدَّهَا فَعَطِبَتْ في الْمَوْضِعِ الذي اكْتَرَاهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ الذي تَعَدَّى إلَّا بِأَدَائِهَا سَالِمَةً إلَى رَبِّهَا
____________________

(4/24)


- * الْإِجَارَاتُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال قَائِلٌ ليس كِرَاءُ الْبُيُوتِ وَلَا الْأَرْضِينَ وَلَا الظَّهْرِ يُلَازِمُ وَلَا جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ وَلَمَّا رَأَيْنَا الْبُيُوعَ تَقَعُ على أَعْيَانِ حَاضِرَةٍ تُرَى وَأَعْيَانٍ غَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ مَضْمُونَةٍ وَالْكِرَاءُ ليس بِعَيْنٍ حَاضِرٍ وَلَا غَائِبٍ يُرَى أَبَدًا وَرَأَيْنَا من أَجَازَهُمَا قال إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ أو هَلَكَ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ وَالْإِجَارَةُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا التَّمْلِيكُ ما انْقَطَعَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عنه إلَى من مَلَّكَهُ إيَّاهُ وهو إذَا مَلَكَ مُسْتَأْجِرُهُ مَنْفَعَتَهُ فَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا مِلْكُ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ وَمَنْفَعَتُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ إلَى الْمُدَّةِ التي تُشْتَرَطُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ وَبَذْلِهِ وَكَسَلِهِ وَضَعْفِهِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفٌ فَفِيهَا أُمُورٌ تُفْسِدُهَا وَهِيَ عِنْدَنَا بَيْعٌ وَالْبُيُوعُ كما وَصَفْنَا وَمَنْ أَجَازَهَا فَقَدْ يَحْكُمُ فيها بِحُكْمِ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَيُخَالِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ في أنها تَمْلِيكٌ وَلَيْسَتْ مُحَاطًا بها فَإِنْ قال أُشَبِّهُهَا بِالْبَيْعِ فَلْيَحْكُمْ لها بِحُكْمِهِ وَإِنْ قال هِيَ بَيْعٌ فَقَدْ أَجَازَ فيها ما لَا يُجِيزُهُ في الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَالْإِجَارَاتُ أُصُولٌ في أَنْفُسِهَا بُيُوعٌ على وَجْهِهَا وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَأَجَازَ الْإِجَارَةَ على الرَّضَاعِ وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ لِكَثْرَةِ رَضَاعِ الْمَوْلُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتِهِ وَلَكِنْ لَمَّا لم يُوجَدْ فيه إلَّا هذا جَازَتْ الْإِجَارَةُ عليه وإذا جَازَتْ عليه جَازَتْ على مِثْلِهِ وما هو في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَبَيْنَ منه وقد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْإِجَارَةَ في كِتَابِهِ وَعَمِلَ بها بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ قال اللَّهُ عز وجل { قالت إحْدَاهُمَا يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرَتْ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ على أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ نَبِيًّا من أَنْبِيَائِهِ آجَرَ نَفْسَهُ حِجَجًا مُسَمَّاةً مَلَّكَهُ بها بِضْعَ امْرَأَةٍ فَدَلَّ على تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ وعلى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بها على الْحِجَجِ إنْ كان على الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ وَإِنْ كان اسْتَأْجَرَهُ على غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ وقد قِيلَ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَرْعَى له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَضَتْ بها السُّنَّةُ وَعَمِلَ بها غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا عَلِمْنَاهُ في إجازتها ( ( ( إجارتها ) ) ) وَعَوَامُّ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن حَنْظَلَةَ بن قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بن خَدِيجٍ عن كِرَاءِ الْأَرْضِ فقال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن كِرَاءِ الْأَرْضِ فقال أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قال أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَافِعٌ سمع النَّهْيَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما سمع وَإِنَّمَا حَكَى رَافِعٌ النَّهْيَ عن كِرَائِهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَكَذَلِكَ كانت تُكْرَى وقد يَكُونُ سَالِمٌ سمع عن رَافِعٍ بِالْخَبَرِ جُمْلَةً فَرَأَى أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ عن الْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فلم يَرَ بِالْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بَأْسًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وقد بَيَّنَهُ غَيْرُ مَالِكٍ عن رَافِعٍ أَنَّهُ على كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها ( أخبرنا ) مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عن اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه شَبِيهًا بِهِ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه مثله أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فلم تَزَلْ بيده حتى هَلَكَ قال ابْنُهُ فما كُنْت أَرَاهَا إلَّا أنها له من طُولِ ما مَكَثَتْ بيده حتى ذَكَرَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ بَقِيَ عليه من كِرَائِهَا من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِجَارَاتُ صِنْفٌ من الْبُيُوعِ لِأَنَّ الْبُيُوعَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ تَمْلِيكٌ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ يَمْلِكُ بها الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ التي في الْعَبْدِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْمُدَّةِ التي اشْتَرَطَ حتى يَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَنْفَعَةِ التي مَلَكَ
____________________

(4/25)


من مَالِكِهَا وَيَمْلِكُ بها مَالِكٌ الدَّابَّةَ وَالْبَيْتَ الْعِوَضَ الذي أَخَذَهُ عنها وَهَذَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد تُخَالِفُ الْبُيُوعُ في أنها بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ عَيْنٍ إلَى مُدَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهِيَ مَنْفَعَةٌ مَعْقُولَةٌ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْبُيُوعُ قد تَجْتَمِعُ في مَعْنَى أنها مِلْكٌ وَتَخْتَلِفُ في أَحْكَامِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا اخْتِلَافُهَا في عَامَّةِ أَحْكَامِهَا وَأَنَّهُ يَضِيقُ في بَعْضِهَا الْأَمْرُ وَيَتَّسِعُ في غَيْرِهِ من أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بُيُوعًا يُحَلِّلُهَا ما يُحَلِّلُ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهَا ما يُحَرِّمُ الْبَيْعَ في الْجُمْلَةِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ بَعْدُ في مَعَانٍ أُخَرُ فَلَا يَبْطُلُ صِنْفٌ منها خَالَفَ صِنْفًا في بَعْضِ أَمْرِهِ بِخِلَافِهِ صَاحِبَهُ وَإِنْ كَانَا قد يَتَّفِقَانِ في مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الذي اخْتَلَفَا فيه فَالْبُيُوعُ لَا تَحِلُّ إلَّا بِرِضًا من الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ إلَّا بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي من مَقَامِهِمَا أو أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُ إجَازَةَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الْبُيُوعُ فَيَكُونُ منها الْمُتَصَارِفَانِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الذَّهَبُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ ثُمَّ يَكُونَانِ إنْ تَصَارَفَا ذَهَبًا بِوَرِقٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ الْأَوَّلَانِ أو هَذَانِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ سِوَى الصَّرْفِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ بِالنَّقْدِ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ المشترى وَلَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ حِينٍ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ السَّلَفُ في الشَّيْءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ يُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ المشتري غير حَالٍّ على صَاحِبِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا وَيُضَيَّقُ فِيمَا كان يَكُونُ غير هذا من الْبُيُوعِ التي جَازَتْ في هذا مع اخْتِلَافِ الْبُيُوعِ في غَيْرِ هذا وَكُلُّ ما يَقَعُ عليه جُمْلَةً اسْمُ الْبَيْعِ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُمَا في هذا وَاحِدٌ وفي سِوَاهُ مُخْتَلِفٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَبْضُ الْإِجَارَاتِ الذي يَجِبُ بِهِ على الْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الثَّمَنِ كما يَجِبُ دَفْعُ الثَّمَنِ إذَا دُفِعَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِعَيْنِهَا أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْءَ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ إنْ كان عَبْدًا اُسْتُؤْجِرَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَإِنْ كان بَعِيرًا دَفَعَ الْبَعِيرَ وَإِنْ كان مَسْكَنًا دَفَعَ الْمَسْكَنَ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ التي فيه كَمَالُ الشَّرْطِ إلَى الْمُدَّةِ التي اشْتَرَطَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ له دَفْعٌ إلَّا هَكَذَا فَإِنْ قال قَائِلٌ هذا دَفْعُ ما لَا يُعْرَفُ فَهَذَا من عِلَّةِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْإِجَارَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَنْفَعَةُ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ قَائِمَةٍ إلَى مُدَّةٍ كَدَفْعِ الْعَيْنِ وَإِنْ كانت الْمَنْفَعَةُ غير عَيْنٍ تُرَى فَهِيَ مَعْقُولَةٌ من عَيْنٍ وَلَيْسَ دَفْعُ الْمَنْفَعَةِ بِدَفْعِ الشَّيْءِ الذي بِهِ الْمَنْفَعَةُ وَإِنْ كانت الْمَنْفَعَةُ غير عَيْنٍ تُرَى حين دُفِعَتْ فَأَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ من مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كانت غير عَيْنٍ وإذا صَحَّ أَنْ يَمْلِكَهَا من السِّلْعَةِ وَالْمَسْكَنِ وَهِيَ غَيْرُ عَيْنٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ فلم تَفْسُدْ كما زَعَمَ من أَفْسَدَهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ كانت غير عَيْنٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ بِأَنَّهَا من عَيْنٍ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ انْتَفَعُوا بِهِ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ له فَدَفَعَهُ إذَا دَفَعَ كما لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الدَّفْعِ من الْأَعْيَانِ وَالدَّفْعُ أَخَفُّ من مِلْكِ الْعُقْدَةِ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تَفْسُدُ فَيَبْطُلُ الدَّفْعُ وَالدَّفْعُ يَفْسُدُ وَلَا تَفْسُدُ الْعُقْدَةُ فإذا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ مَعْرُوفًا وَإِنْ كان بِغَيْرِ عَيْنِهِ من عَيْنٍ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ كما يَصِحُّ مِلْكُ الْأَعْيَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ لِلْعَيْنِ التي فيها الْمَنْفَعَةُ يَقُومُ مَقَامَ دَفْعِ الْأَعْيَانِ إذَا دُفِعَتْ الْعَيْنُ التي فيها الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ كَدَفْعِ الْعَيْنِ إذَا كان هذا الدَّفْعُ الذي لَا يُسْتَطَاعُ فيها غَيْرُهُ أَبَدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَوْلَنَا في إجَازَةِ الْإِجَارَاتِ بَعْضُ الناس وَشَدَّدَهَا وَاحْتَجَّ فيها بِالْآثَارِ وَزَعَمَ أَنَّ ما احْتَجَجْنَا بِهِ فيها حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا في رَدِّهَا لَا يَخْرُجُ منها ثُمَّ عَادَ لِمَا ثَبَتَ منها فقال فيها أَقَاوِيلَ كَأَنَّهُ عَمَدَ نَقْضَ بَعْضِ ما ثَبَتَ منها وَتَوْهِينَ ما شُدِّدَ فقال الْإِجَارَاتُ جَائِزَةٌ وقال إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا أو مَنْزِلًا لم يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ المؤاجر ( ( ( المؤجر ) ) ) بِالْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ له من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما اُخْتُدِمَ الْعَبْدُ أو سَكَنَ الْمَسْكَنَ كَأَنَّهُ تَكَارَى بَيْتًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا في كل شَهْرٍ فما لم
____________________

(4/26)


يَسْكُن لم يَجِبْ عليه شَيْءٌ ثُمَّ إذَا سَكَنَ يَوْمًا فَقَدْ وَجَبَ عليه دِرْهَمٌ ثُمَّ هَكَذَا على هذا الْحِسَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ الْخَبَرُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ بِإِجَازَةِ الْإِجَارَةِ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَالْإِجَارَةُ مِلْكٌ من الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ وَمِنْ الْمُؤَجَّرِ لِلْعِوَضِ الذي بِالْمَنْفَعَةِ وَالْبُيُوعُ إنَّمَا هِيَ تَحْوِيلُ لملك ( ( ( الملك ) ) ) من شَيْءٍ لِمُلْكِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فقال منهم قَائِلٌ لَيْسَتْ الْإِجَارَةُ بِبَيْعٍ قُلْنَا وَكَيْفَ زَعَمْت أنها لَيْسَتْ بِبَيْعٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ قال أَلَا تَرَى أَنَّ لها اسْمًا غير الْبَيْعِ قُلْنَا قد يَكُونُ لِلْبُيُوعِ أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ تُعْرَفُ دُونَ الْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ تَجْمَعُهَا مِثْلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يُعْرَفَانِ بِلَا اسْمِ بَيْعٍ وَهُمَا من الْبُيُوعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك قال فَكَيْفَ يَقَعُ الْبَيْعُ مَغِيبًا لَعَلَّهُ لَا يَتِمُّ قُلْنَا أو ليس قد نُوقِعُ نَحْنُ وَأَنْتَ الْبَيْعَ على الْمَغِيبِ إلَى الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ في السَّلَمِ وَنُوقِعُهَا أَيْضًا على الرُّطَبِ بِكَيْلٍ وَالرُّطَبُ قد يَنْفَدُ ثُمَّ تُخَيِّرُ أنت الْمُشْتَرِي إذَا لم يَقْبِضْ حتى يَنْفَدَ في رَدِّهِ إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَأَنْ يترك ( ( ( تترك ) ) ) إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ فَإِمَّا أَخَّرَ مَالَهُ عن غَلَّةِ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى وَإِمَّا رَجَعَ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ بَعْدَ حَبْسِهِ وقد كان يَمْلِكُ بِهِ رُطَبًا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فلم يَقْبِضْ ما ملك كما مَلَكَ ولم يَكُنْ في يَدَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ قال هذا كُلُّهُ مَضْمُونٌ قُلْنَا أو لست قد جَعَلَتْهُ مَضْمُونًا ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ تَحْكُمَ له في الْمَضْمُونِ بِأَحَدِ حُكْمَيْنِ تُخَيِّرُهُ أنت في أَنْ يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ وَتُبْطِلُ ما وَجَبَ له وَضَمِنَ الرُّطَبَ بعد ما انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ ولم يَنْتَفِعْ الْمُسَلِّمُ وأما أَنْ يُؤَخِّرَ مَالَهُ عن غَلَّةِ سَنَةٍ بِلَا طِيبٍ من نَفْسِهِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فقال هذا كُلُّهُ كما قُلْت وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ غَيْرَهُ فيه قُلْت فإذا كان قَوْلُك لَا أَجِدُ غَيْرَهُ فيه حُجَّةً فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ لنا الذي هو أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ وَنَحْنُ لَا نَجِدُ فيه غَيْرَهُ حُجَّةً قال وما ذَاكَ قُلْنَا زَعَمْنَا أَنَّ الْبُيُوعَ تَجُوزُ وَيَحِلُّ ثَمَنُهَا مَقْبُوضًا وَأَنَّ الْقَبْضَ مُخْتَلِفٌ فَمِنْهُ ما يُقْبَضُ بِالْيَدِ وَمِنْهُ ما يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمِفْتَاحُ وَذَلِكَ في الدُّورِ وَمِنْهُ ما يُخَلَّى الْمَالِكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وهو لَا يُغْلِقُ عليه وَلَا يَقْبِضُهُ بيده وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَرْضِ الْمَحْدُودَةِ وَمِنْهُ ما هو مُشَاعٌ في الْأَرْضِ لَا يدري أَشَرْقِيُّهَا هو أَمْ غَرْبِيُّهَا غير أَنَّهُ شَرِيكٌ في كُلِّهَا وَمِنْهُ ما هو مُشَاعٌ في الْعَبْدِ لَا يَنْفَصِلُ أَبَدًا وَكُلُّ هذا يُقَالُ له دَفْعٌ يُقْبَضُ بِهِ الثَّمَنُ وَيَجِبُ دَفْعُهُ وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ وهو قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فيه مع اخْتِلَافِهِ غير هذا فَلَوْ قال لَك مُشْتَرِي نِصْفَ الْعَبْدِ الْبَيْعُ يَتِمُّ مَقْبُوضًا وَالْقَبْضُ ما يَكُونُ مُنْفَصِلًا مَعْرُوفًا وَلَيْسَ يَكُونُ في نِصْفِ الْعَبْد قَبْضٌ فَأَنَا أَنْقُضُ الْبَيْعَ قُلْت الْقَبْضُ يَخْتَلِفُ فإذا لم يَكُنْ دُونَ نِصْفِ الْعَبْدِ حَائِلٌ وَسَلَّمَهُ إلَيْك فَهَذَا الْقَبْضُ الذي لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ في هذا وَمِنْ دفع الدَّفْعِ الذي لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فَقَدْ وَجَبَ له الثَّمَنُ فَالْمَنْفَعَةُ التي في الْعَبْدِ بِالْإِجَارَةِ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهَا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ أو الْمَسْكَنَ فإذا دَفَعْت كما لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فَلِمَ لَا يَجِبُ ما تَمْلِكُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ ما بين هذا فَرْقٌ وَقَبْضُ الْإِجَارَةِ إنَّمَا هو دَفْعُ الذي فيه الْإِجَارَةُ وَسَلَامَتُهُ فإذا دَفَعَ الدَّارَ وَسَلِمَتْ فَلَهُ سُكْنَاهَا إلَى الْمُدَّةِ وإذا دَفَعَ الْعَبْدَ وَسَلِمَ فَلَهُ خِدْمَتُهُ إلَى مُدَّةِ شَرْطِهِ وَخِدْمَتِهِ حَرَكَةً يُحْدِثُهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ في الدَّارِ حَرَكَةٌ تُحْدِثُهَا إنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فيها مَحَلِّيَّتُهُ إيَّاهَا وَلَا يُسْتَطَاعُ أَبَدًا في دَفْعِ ما مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ غير تَسْلِيمِ ما فيه الْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ وَسَلَامَةُ ما فيه الْمَنْفَعَةُ حتى تَتِمَّ الْمَنْفَعَةُ إلَى مُدَّتِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَا ليس كَدَفْعِ الْأَعْيَانِ الْأَعْيَانَ بِدَفْعٍ يُرَى وَهَذَا بِدَفْعٍ لَا يُرَى قِيلَ وما يَخْتَلِفُ دَفْعُ الْأَعْيَانِ فيه فَتَكُونُ عين ( ( ( عينا ) ) ) أَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَك وتصف ( ( ( ونصف ) ) ) لي فإذا رَأَيْتهَا كُنْت بِالْخِيَارِ وقد كانت عِنْدَ تَبَايُعِنَا عَيْنًا مَضْمُونَةً كَالسَّلَمِ مَضْمُونًا وَيَكُونُ السَّلَمُ بِالصِّفَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيَجِبُ ثَمَنُهُ وَإِنَّمَا هو صِفَةٌ لَا عَيْنٌ فإذا أَرَادَ الْمُسَلِّمُ نَقْضَ الْبَيْعِ أو الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لم يَكُنْ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ جاء بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فقال الْمُسَلِّمُ لَا أَرْضَى قُلْت له ليس ذلك لَك إذَا جاء على الصِّفَةِ التي شُرِطَتْ لم يَكُنْ لَك خِيَارٌ قال بَلَى قد يَفْعَلُ هذا كُلَّهُ وَلَكِنَّ الْإِجَارَاتِ مَغِيبَةٌ قُلْنَا مَغِيبَةٌ مَعْقُولَةٌ كَالسَّلَمِ مَغِيبٌ مَوْصُوفٌ قال هو وَإِنْ كان مَوْصُوفًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَصِيرُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَيْنًا قُلْت يَكُونُ عَيْنًا وهو لم يُرَ فَلَا يَكُونُ فيها خِيَارٌ كما يَكُونُ
____________________

(4/27)


في الْأَعْيَانِ التي لم تُرَ قال فَهِيَ على الصِّفَةِ قُلْنَا وَلِمَ لَا تَجْعَلُ ما اشترى ولم يُرَ من غَيْرِ السَّلَمِ وقد وُصِفَ كما وُصِفَ السَّلَمُ إذَا جاء على الصِّفَةِ يَلْزَمُ كما يَلْزَمُ السَّلَمُ قال الْبُيُوعُ قد تَخْتَلِفُ قُلْنَا فَنَرَاك تُجِيزُهَا مع اخْتِلَافِهَا لِنَفْسِك وَتُرِيدُ أَنْ لَا تُجِيزَهَا مع اخْتِلَافِهَا لنا قال إنِّي وَإِنْ أَجَزْتهَا فَهِيَ صَائِرَةٌ عَيْنًا قُلْنَا الصِّفَةُ في السَّلَمِ قبل يَكُونُ الشِّرَاءُ مَغِيبَةٌ مَوْصُوفٌ بها شَيْءٌ لم يُخْلَقْ بَعْدُ من ثِيَابٍ وَطَعَامٍ قال وَلَكِنَّهَا تَقَعُ على عَيْنٍ فَتُعْرَفُ قُلْنَا فَالْإِجَارَةُ في عَيْنِ قَائِمٍ تَكُونُ في ذلك الْعَيْنِ قَائِمَةٌ تُعْرَفُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنْفَعَةُ مَغِيبَةٌ وقد تَخْتَلِفُ فَلِمَ أَجَزْتهَا ولم تَقُلْ فيها قَوْلَ من رَدَّهَا وَعِبْت من رَدَّهَا وَنَسَبْته إلَى الْجَهَالَةِ قال لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ في السُّنَّةِ وَلَا إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا التَّسْلِيمُ وَلَا تُضْرَبُ له الْأَمْثَالُ وَلَا تَدْخُلُ عليه الْمَقَايِيسُ قُلْنَا فإذا اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ على إجَازَتِهَا وَصَيَّرُوهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وَإِنْ كانت لَا تَكُونُ شيئا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُذْرَعُ وأجازوها ( ( ( وأجازها ) ) ) مَغِيبَةً وَأَوْجَبُوهَا كما أَوْجَبُوا غَيْرَهَا من الْبُيُوعِ ثُمَّ صِرْت إلَى عَيْبِ قَوْلنَا فيها وَأَنْتَ تُجِيزُهَا وَقَوْلُنَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ على السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَصِرْت تحتج بِحُجَّةِ من أَبْطَلَهَا فإذا قِيلَ لَك إنْ كانت في هذا حُجَّةٌ فَأَبْطِلْهَا وَإِنْ لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ فَلَا تَحْتَجَّ بِهِ قُلْت لَا أُبْطِلُهَا لِأَنَّهَا السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَدَعْ حُجَّةَ من أَخْطَأَ في إبْطَالِهَا وَأَجِزْهَا كما أَجَازَهَا الْفُقَهَاءُ فَقَدْ أَجَازُوهَا وإذا أَجَازُوهَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا أَجَازُوهَا إلَّا على أنها تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وما كان تَمْلِيكًا فَقَدْ يُوجِبُ ثَمَنَهُ وَإِلَّا صِرْت إلَى حُجَّةِ من أَبْطَلَهَا فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَكَيْفَ صَيَّرَتْ هذا قَبْضًا وَالْقَبْضُ ما يَصِيرُ في يَدَيْ صَاحِبِهِ الذي قَبَضَهُ وَيَقْطَعُ عنه مِلْكَ الذي دَفَعَهُ قِيلَ له إنَّ الدَّفْعَ من الْمَالِكِ لِمَنْ مَلَكَهُ يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو ابْتَاعَ بُيُوعًا وَدَفَعَ إلَيْهِ أَثْمَانَهَا ثُمَّ حَاكَمَهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى عليه بِدَفْعِهَا فَإِنْ كان عَبْدًا أو ثَوْبًا أو شيئا وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كان شيئا يَتَجَزَّأُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ طَعَامًا في بَيْتٍ اسْتَوْجَبَهُ كُلَّهُ بِكَيْلٍ على أَنَّ كُلَّ مُدٍّ بِدِرْهَمٍ قال كُلُّهُ له فَكَانَ يَقْبِضُهُ شيئا بَعْدَ شَيْءٍ لَا جُمْلَةً كَقَبْضِهِ الواحد ( ( ( الواحدة ) ) ) فَيَقْضِي عليه بِدَفْعِ كل صِنْفٍ من هذا كما يُسْتَطَاعُ قَبْضَهُ فَكَذَلِكَ قَضَى عليه بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ كما يُسْتَطَاعُ وَلَا يُسْتَطَاعُ فيها أَكْثَرُ من تَسْلِيمِ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ إلَى الذي مُلِكَ فيه الْمَنْفَعَةُ وَالْمَنْفَعَةُ فيها مَعْرُوفَةٌ كما الشِّرَاءُ في الدَّارِ الْمُشَاعَةِ مَعْرُوفٌ بِحِسَابٍ وفي غَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن الذي فيه الْمَنْفَعَةُ يسلم ( ( ( بسلم ) ) ) ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ أو يَمُوتُ الْعَبْدُ فَتَكُونُ أَوْجَبَتْ عليه دَفْعَ مَالِهِ وهو مِائَةٌ ثُمَّ لَا يستوفى بِالْمِائَةِ إلَّا حَقَّ بَعْضِهَا وَيَكُونُ الْمُؤَاجِرُ قد انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ قُلْنَا بِذَلِكَ رضي الْمُسْتَأْجِرُ قال ما رضي إلَّا بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ قُلْنَا إنْ قَدَرَ على الِاسْتِيفَاءِ فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يَقْدِرْ أَخَذَ مَالَهُ قال وَأَيُّ شَيْءٍ يُشْبِهُ هذا من الْبُيُوعِ قُلْنَا ما وَصَفْنَا من السَّلَمِ أَدْفَعُ لِهَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ في رُطَبٍ فَمَضَى الرُّطَبُ ولم يُوفِ منه شيئا فَيَعُودُ إلَى أَنْ يَقُولَ لي خُذْ رَأْسَ مَالِك وقد انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّم إلَيْهِ أو اخر مَالَك بَعْدَ مَحِلِّهِ سَنَةً بِلَا رِضًا مِنْك إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فإذا قُلْت قد انْتَفَعَ بِمَالِي فَإِنْ أَخَذْته فَقَدْ أَخَذَ مَنْفَعَةَ مَالِي بِلَا عِوَضٍ أَخَذْته وَإِنْ أَخَّرْته سَنَةً فَقَدْ انْتَفَعَ بِمَالِي سَنَةً بِلَا طِيبِ نَفْسِي وَلَا عِوَضٍ أَعْطَيْته منه قال لَا أَجِدُ إلَّا هذا فَإِنْ قُلْت لَك وَصَدَّقَنِي الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ تَغَيُّبٌ مِنِّي حتى مَضَى الرُّطَبُ قُلْت لَا أَجِدُ شيئا أُعَدِّيك عليه لِأَنَّك رَضِيت أَمَانَتَهُ قُلْت ما رَضِيت إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ وقد كان يَقْدِرُ على أَنْ يُوَفِّيَنِي قُلْت وقد فَاتَ الرُّطَبُ الذي يُوَفِّيك منه قِيلَ فَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ فَكَيْفَ عِبْته فيه وهو يَعْلَمُهُ ولم تَعِبْ في الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الذي ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ الرُّطَبَ كَيْلًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ من غَيْرِ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ كان أَوْلَى أَنْ تَعِيبَهُ فيه من الْمُسْتَأْجِرِ وهو يقول في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الشَّيْءَ من الرَّجُلِ وَالشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ بِعَيْنِهِ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عن الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى منه الثَّمَنَ وَافِيًا على أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي ما اشْتَرَى منه وَأَشْهَدَ بِهِ له وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ فيقول يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وقد انْتَفَعَ بِهِ رَبُّ السِّلْعَةِ ولم يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ عِوَضًا فيقول لِلْمُشْتَرِي أنت رَضِيت بِذَلِكَ وقد كانت لَك السِّلْعَةُ
____________________

(4/28)


لو تَمَّتْ فلما لم تَتِمَّ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا رَضِيت بِتَمَامِهَا وَيَقُولُ أَيْضًا في الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِعَبْدٍ فَتُخَلِّيهِ وَنَفْسَهَا فلم يَدْخُلْ بها وَتَخْلِيَتُهَا إيَّاهُ وَنَفْسَهَا هو الذي يَلْزَمُهَا فإذا فَعَلَتْ جَبَرَتْهُ على دَفْعِ الْعَبْدِ إلَيْهَا وَيَكُونُ مِلْكُهَا له صَحِيحًا فَإِنْ بَاعَتْ أو وَهَبَتْ أو أَعْتَقَتْ أو دَبَّرَتْ أو كَاتَبَتْ جَازَ لِأَنَّهُ لها مِلْكٌ تَامٌّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل يَكُونُ من هذا شَيْءٌ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَكَانَ شَرِيكُهَا فيه فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مِلْكَهَا فيه تَامٌّ كما يَتِمُّ مِلْكُ من دَفَعَ الْعِوَضَ بِالْعَبْدِ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهَا في نِصْفِهِ فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يَتِمُّ مِلْكُهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ قُلْت ليس في هذا قِيَاسٌ هو لم يَدْخُلْ بها فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يُنْتَقَضُ نِصْفُهُ رَأَيْت ذلك جَهْلًا مِمَّنْ يَقُولُهُ وَقُلْت هذا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فيه الْفُقَهَاءُ وَتَزْعُمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَدَلَّسَ له فيه عَيْبٌ كان مِلْكًا صَحِيحًا إنْ بَاعَ أو وَهَبَ أو أَعْتَقَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَشَاءَ حَبَسَهُ بِالْعَيْبِ حَبَسَهُ وَإِنْ لم يَشَأْ حَبَسَهُ وَشَاءَ نَقْضَ الْبَيْعِ وقد كان تَامًّا نَقَضَهُ وقد يَبِيعُ الرَّجُلُ الشِّقْصَ من الرَّجُلِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي تَامَّ الْمِلْكِ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عليه وَلَا على أَخْذِهِ منه وَيَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيَصْنَعَ ما يَصْنَعُ ذُو الْمَالِ في مَالِهِ فَإِنْ كان له شَفِيعٌ فَأَرَادَ أَخْذَهُ من يَدَيْهِ بِالثَّمَنِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ وَإِنْ كان كَارِهًا أَخْذَهُ وقد نَجْعَلُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِلْكًا تَامًّا وَيُؤْخَذُ بِهِ الثَّمَنُ ثُمَّ يُنْتَقَضُ بِأَسْبَابٍ بَعْدَ تَمَامِهِ فَكَيْفَ عِبْت هذا في الْإِجَارَةِ وَأَنَّ ما نَقُولُهُ في الْإِجَارَةِ إذَا فَاتَ الشَّيْءُ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ فلم يَكُنْ إلَى الإستيفاء سَبِيلٌ وَيَرُدُّ الْمُسْتَأْجِرُ ما بَقِيَ من حَقِّهِ كما يَرُدُّهُ لو اشْتَرَى سَفِينَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ هَلَكَ ما بَقِيَ من الطَّعَامِ رَدَدْنَاهُ بِمَا بَقِيَ من الْمَالِ وَأَلْزَمْنَاهُ عَشْرَةً بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ وَأَنْتَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ وَالْأَعْيَانَ التي فيها الْمِلْكُ قَائِمَةٌ ثُمَّ لو عَابَك أَحَدٌ بهذا قُلْت هذا من أَمْرِ الناس فَإِنْ كان في نَقْضِ الْإِجَارَةِ إذَا كانت الْعَيْنُ التي فيها الْمَنْفَعَةُ قد فَاتَتْ عَيْبٌ فَنَقَضَ الْمِلْكَ وَالْعَيْنَ الْمَمْلُوكَةَ قَائِمَةٌ أَعَيْبُ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه عَيْبٌ فَعَيْبُهُ فيه جَهْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ قالوا فيها أَيْضًا إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ قبل أَنْ يَسْكُنَ الْبَيْتَ أو يَرْكَبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ لم يَكُنْ ذلك له فَإِنْ كان دَفَعَ ما يَجِبُ عليه فَهُوَ ما قُلْنَا وَإِنْ كان دَفَعَ ما لَا يَجِبُ عليه فلم لَا يَرْجِعْ بِهِ فَهُوَ لم يَهَبْهُ ولم يَقْطَعْ عنه مِلْكَهُ إلَّا بِأَمْرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عليه أَنْ يَدْفَعَهُ وَلَا يَحِقُّ عليه منه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أو يَرْكَبَ وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ رَدَّهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ لَا وَاهِبًا له فَإِنْ كان دَفَعَهُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَلْزَمُهُ بها دَفَعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ عليه مَتَى شَاءَ ثُمَّ قال فيه قَوْلًا آخَرَ أَعْجَبَ من هذا قال إنْ تَكَارَى دَابَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فلم يَجِبْ من الْمِائَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا كان حَلَالًا فَقِيلَ له أَتَعْنِي بِهِ تَحَوُّلَ الْكِرَاءِ إلَى الدَّنَانِيرِ وَتَنْقُضُهُ من الدَّرَاهِمِ قال لَا وَلَكِنَّهُ يُصَارِفُهُ بها بِسِعْرِ يَوْمِهِ قُلْنَا أو يَحِلُّ الصَّرْفُ في شَيْءٍ لم يَجِبْ قال هو وَاجِبٌ فلما قالوا يَجِبُ على صَاحِبِهِ إذَا لم يُسَمِّ له أَجَلًا دَفَعَ مَكَانَهُ كما لو اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةٍ أو ضَمِنَ عن رَجُلٍ مِائَةً ولم يُسَمِّ أَجَلًا كان عليه أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ مَكَانَهُ وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُك في الْوَاجِبِ كُلِّهِ إذَا لم يُسَمِّ له أَجَلًا فَكَيْفَ قُلْت في الْمُسْتَأْجِرِ الْإِجَارَةُ وَاجِبَةٌ عليه وَلَيْسَ عليه أَنْ يَدْفَعَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَارِفَ بها وَالْإِجَارَةُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال هِيَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً فَكُلُّ يَوْمٍ من السَّنَةِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ من السَّنَةِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ التي اسْتَأْجَرَ بها الْعَبْدَ السَّنَةَ لَازِمَةٌ على هذا الْحِسَابِ قِيلَ له فما تَقُولُ فيه إنْ مَرِضَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا من السَّنَةِ أو شَهْرًا من أَوَّلِهَا أو وَسَطِهَا فلم يَقْدِرْ على الْخِدْمَةِ أَلَيْسَ إنْ قُلْت يَنْتَظِرُ فإذا صَحَّ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حِصَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا أو الشَّهْرِ قد كانت في وَقْتٍ لَازِمٍ ثُمَّ استأخر ( ( ( استأجر ) ) ) عنه أو كان وَاجِبًا ثُمَّ بَطَلَ فَإِنْ جَعَلْت له أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ شهرا ( ( ( شهر ) ) ) أو شَهْرًا من سَنَةٍ أُخْرَى فَقَدْ جَعَلْت أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ وَنَقَلْت عَمَلَ سَنَةٍ في سَنَةٍ أُخْرَى وَإِنْ قُلْت وَاجِبَةٌ إنْ كانت فَهَذَا الْفَسَادُ الذي لَا يشكل ( ( ( شكل ) ) ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ من عَيْنِ مَعْرُوفٍ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِتَمْلِيكِ
____________________

(4/29)


دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فإذا كان التَّمْلِيكُ مَغِيبًا لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ الْعَبْدُ ويابق وَيَمْرَضُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ مَنْفَعَةً مَغِيبَةً بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مُسَمَّاةٍ هذا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْمُسْلِمُونَ يُنْهَوْنَ عن بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ فَإِنْ قُلْت يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ إنْ كانت فَهَذَا أَفْسَدُ من قِبَلِ أَنَّ هذا مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُ أَنْ تَفْسُدَ الْإِجَارَةُ كما أَفْسَدَهَا من عَابَ قَوْلَهُ قال فَقَدْ يَلْزَمُك في هذا شَبِيهٌ بِمَا يَلْزَمُنِي فَلَيْسَ يَلْزَمُنِي إذَا زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ تَجِبُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ وَأَنَّهُ لَا قَبْضَ لها إلَّا بِقَبْضِ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ فإذا قَبَضْت كان ذلك قَبْضًا لِلْمَنْفَعَةِ إنْ سَلِمَتْ الْمَنْفَعَةُ وقد أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ هذا كُلَّهُ كما أَجَازُوا الْبُيُوعَ على اخْتِلَافِهَا وَكَمَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ بِضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ عَيْنٌ فَلَوْ اشْتَرَيْت من طَعَامٍ عَيْنٍ مِائَةَ قَفِيزٍ كان صَحِيحًا فَإِنْ أَخَذْت في اكْتِيَالِهِ وَاسْتَهْلَكْت ما اكْتَلْت منه وَهَلَكَ بَعْضُ الْمِائَةِ الْقَفِيزِ وَجَبَ على ما اسْتَهْلَكْت بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَبَطَل عَنِّي ثَمَنُ ما هَلَكَ فَإِنْ قال فَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ ثَمَنًا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ من عَيْنٍ لَا يُوصَلُ إلَى أَخْذِهَا لتستوفي إلَّا بِأَخْذِ الْعَيْنِ فَأَخْذُ الْعَيْنِ بِكَمَالِهَا التي هِيَ أَكْثَرُ من الْمَنْفَعَةِ يُوجِبُ الثَّمَنَ على شَرْطِ سَلَامَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَعْدُو الْإِجَارَةُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا أو تَكُونَ غير وَاجِبَةٍ وَالصَّرْفُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك فيها رِبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قِيلَ له فَإِنْ كانت أَثْمَانُ الْإِجَارَاتِ غير وَاجِبَةٍ فَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ لم يَكُنْ وَلَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ ثُمَّ يَأْخُذُ من جِهَةِ الصَّرْفِ فَيَفْسُدُ من أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الصَّرْفَ فِيمَا لم يَجِبْ رِبًا قال نعم وَلَكِنَّ الْإِجَارَةَ وَاجِبَةٌ وَثَمَنَهَا وَاجِبٌ فَلَا يَكُونُ رِبًا فإذا قِيلَ له وإذا كان وَاجِبًا فَلْيَدْفَعْهُ قال ليس بِوَاجِبٍ وَهُمْ يَرْوُونَ عن عُمَرَ أو بن عُمَرَ أَنَّهُ تَكَارَى من رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ صَارَفَهُ قبل أَنْ يَرْكَبَ فَإِنْ كان ثَابِتًا عن عُمَرَ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا وَحُجَّةٌ لنا عليهم قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ من الرَّجُلِ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ له لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي وَلَا المكري وَلَا بِحَالٍ أَبَدًا ما دَامَتْ الدَّارُ قَائِمَةً فإذا دَفَعَ الدَّارَ إلَى الْمُكْتَرِي كان الْكِرَاءُ لَازِمًا لِلْمُكْتَرِي كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ عقده الْكِرَاءِ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ إلَيْهِ كَالْبُيُوعِ وقال بَعْضُ الناس تُفْسَخُ الْإِجَارَاتُ بِمَوْتِ أَيِّهِمَا مَاتَ وَيَفْسَخُهَا بِالْعُذْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ يَفْسَخُهَا بها قد يَكُونُ مِثْلَهَا وَلَا يَفْسَخُهَا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَقُلْت هذا بِخَبَرٍ قال رَوَيْنَا عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال إذَا أَلْقَى الْمِفْتَاحَ بريء فَقِيلَ له أَكَذَا تقول ( ( ( نقول ) ) ) بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فَشُرَيْحٌ لَا يَرَى الْإِجَارَةَ لَازِمَةً وَيَرَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخَهَا بِلَا مَوْتٍ وَلَا عُذْرٍ قال هَكَذَا قال شُرَيْحٌ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ قِيلَ فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا تُخَالِفُ فيه وَتَزْعُمُ أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ قال فما عِنْدَنَا فيه خَبَرٌ وَلَكِنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَتَكَارَى رَجُلٌ مَنْزِلًا يَسْكُنُهُ فَيَمُوتُ وَوَلَدُهُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُقَالُ إنْ شِئْتُمْ فَاسْكُنُوهُ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَيَقْبُحُ أَنْ يَمُوتَ الْمُؤَجِّرُ فَيَتَحَوَّلُ مِلْكُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الدَّارُ لِوَلَدِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَيَسْكُنُهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ لَا أَمْرَ له حين مَاتَ فَقِيلَ له أو يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ إلَّا بِمُلْكِ الْمَيِّت قال لَا قِيلَ أَفَيَزِيدُ الْوَارِثُ أَبَدًا على أَنْ يَقُومَ إلَّا مَقَامَ الْمَيِّتِ فيها قال لَا قُلْنَا فَالْمَيِّتُ قبل مَوْتِهِ كان يَقْدِرُ أَنْ يَفْسَخَ هذه الْإِجَارَةَ عن دَارِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً قبل انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا عِنْدَك من غَيْرِ عُذْرٍ قال لَا قِيلَ أَفَيَكُونُ الْوَارِثُ الذي إنَّمَا مَلَكَ عن الْمَيِّتِ الْكُلَّ أو الْبَعْضَ أَحْسَنَ حَالًا من الْمَالِكِ قال فَهَلْ رَأَيْت مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ على من انْتَقِلْ إلَيْهِ فيه شَيْءٌ قُلْنَا الذي وَصَفْنَا لَك من أَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ ما كان الْمَيِّتُ يَمْلِكُ كَافٍ لَك منه وَنَحْنُ نُوجِدُك مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ على من انْتَقَلَ إلَيْهِ فيه شَيْءٌ قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا دَارًا تَسْوَى أَلْفًا بِمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ أَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ قال لَا قُلْنَا وَلِمَ وقد انْتَقَلَ مِلْكُ الدَّارِ فَصَارَ لِلْوَارِثِ قال إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ كما كان يَمْلِكُهَا الْمَيِّتُ وَالْمَيِّتُ قد أَوْجَبَ فيها حَقًّا لم يَكُنْ له فَسْخُهُ إلَّا بِإِيفَاءِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ فَالْوَارِثُ أَوْلَى أَنْ لَا يَفْسَخَهُ قُلْنَا فَلَا نَسْمَعُك تَقْبَلُ مِثْلَ هذا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْك
____________________

(4/30)


في الْإِجَارَةِ وَتَحْتَجُّ بِهِ في الرَّهْنِ وَلَا بُدَّ من أَنْ تَكُونَ تَارِكًا لِلْحَقِّ في رَدِّهِ في الْإِجَارَةِ أو في إنْفَاذِهِ في الرَّهْنِ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدٌ قد أَوْجَبَ الْمَيِّتُ في كِلَيْهِمَا حَقًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَلَا نَفْسَخُهُ بِوَجْهٍ حتى يَسْتَوْفِيَهُ من أَوْجَبَهُ له عِنْدَنَا بِحَالٍ وَعِنْدَك إلَّا من عُذْرٍ ثُمَّ تَفْسَخُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ في الْإِجَارَةِ مِمَّا لَا يَكُونُ عُذْرًا في حَيَاةِ الْمُؤَاجِرِ وَالْعُذْرُ أَيْضًا شَيْءٌ ما وَضَعْته أنت لَا أَثَرًا وَلَا مَعْقُولًا وَأَنْتَ لَا تَفْسَخُهُ بِعُذْرٍ وَلَا غَيْرِ عُذْرٍ في الرَّهْنِ وما بَيْنَهُمَا في هذا فَرْقٌ كِلَاهُمَا أَوْجَبُ له فيه مَالِكَهُ حَقًّا جَائِزًا عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَا مَعًا بِكُلِّ حَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ فَيَزُولُ الْآخَرُ أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ وَضَعْت الْعُذْرَ تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ وأنا أُبْطِلُهُ في الْإِجَارَةِ واضعه في الرَّهْنِ فَأَفْسَخُ بِهِ الرَّهْنَ أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ ما ثَبَتَ فيه حَقٌّ لِمُسْلِمٍ وكان الْحَقُّ حَلَالًا لم يَفْسَخْهُ عُذْرٌ وقد تَقَدَّمَهُ الْحَقُّ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) مع كَثِيرٍ من مِثْلِ هذا يَقُولُونَهُ من ذلك الرَّجُلِ يُوصِي لِلرَّجُلِ بِرَقَبَةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ أَنْ يَنْزِلَهَا في كل سَنَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى له بِرَقَبَةِ الدَّارِ فَيَمْلِكُ وَارِثُهُ الدَّارَ فَإِنْ أَرَادَ مَنْعَ الْمُوصَى له بِالنُّزُولِ قِيلَ ليس ذلك لَك أنت لِلدَّارِ مَالِكٌ وَلِهَذَا شُرِطَ في النُّزُولِ وَلَا تَمْلِكُ عن أَبِيك إلَّا ما كان يَمْلِكُ وَلَا يَكُونُ لَك فيها أَكْثَرُ مِمَّا كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا حَاجَةَ بِالْوَرَثَةِ إلَى الْمَسْكَنِ فَلَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ له لَسْت تَعْرِفُ ما تَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا كان يُرِيدُ التِّجَارَةَ فَاشْتَرَى دَابَّةً بِأَلْفٍ وهو لَا يَمْلِكُ إلَّا أَلْفًا فلما اسْتَوْجَبَهَا مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ أَطْفَالٌ وَالرَّاحِلَةُ تَسْوَى أَلْفًا أو مِائَةً فقال عَنْهُمْ وَصِيٌّ أو كان فِيهِمْ مُدْرِكٌ مُحْتَاجٌ كان أبو هَؤُلَاءِ يَعْنِي بِالرَّوَاحِلِ لِتَكَسُّبِهِ فيها وَهَؤُلَاءِ لَا يَكْتَسِبُونَ أو يَعْنِي بها لِضَرْبٍ من الجسارة ( ( ( الخسارة ) ) ) وقد أَصْبَحَ هَؤُلَاءِ أَيْتَامًا وَنَاقَةُ الرَّجُلِ في يَدِهِ لم تَخْرُجْ بَعْدُ من يَدِهِ فَأَفْسِخْ الْبَيْعَ وَرُدَّ الدَّرَاهِمَ لِحَاجَةِ الْأَيْتَامِ وَلَا تَنْزِعْهَا من أَيْدِيهِمْ إنْ لم يَكُنْ أَبُوهُمْ دَفَعَهَا أو كان هذا في حَمَّامٍ اشْتَرَاهُ أو ما أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فيه أو مِمَّا فيه الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ قال لَا أَفْسَخُ شيئا من هذا وَأُمْضِي عليهم ما فَعَلَ أَبُوهُمْ في مَالِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وهو يَمْلِكُ فَأُمَلِّكُهُمْ عنه ما كان هو يَمْلِكُ في حَيَاتِهِ وَلَا يَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالًا من أَبِيهِمْ فِيمَا مَلَكُوهُ عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) قِيلَ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ يَتَكَارَاهُ وهو حَلَالٌ جَائِزٌ له فَقَدْ مَلَكُوا ما مَلَكَ أَبُوهُمْ من مَنْفَعَةِ الْمَسْكَنِ فَإِنْ شاؤوا سَكَنُوا فَإِنْ شاؤوا أَكْرُوا قال وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو تَكَارَى من الرَّجُلِ أَلْفَ بَعِيرٍ على أَنْ يَسِيرَ من بَغْدَادَ ثَمَانِ عَشَرَةَ إلَى مَكَّةَ فَخَلَّفَ الْجَمَّالُ إبِلَهُ وَعَلَفَهَا بِأَثْمَانِهَا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَخَرَجَ الْحَاجُّ فلم يَبْقَ إلَّا هو وَتَرَكَ الْجَمَّالُ الْكِرَاءَ من غَيْرِهِ لِلشَّرْطِ حتى فَاتَهُ الْحَجُّ كان له ذلك ولم يَغْرَمْ شيئا فَإِنْ قال لَك الْجَمَّالُ قد غَرَرْتنِي وَمَنَعْتَنِي الْكِرَاءَ من غَيْرِك وَكَلَّفْتَنِي مُؤْنَةً أَتَتْ على أَثْمَانِ إبِلِي وَصَدَقَهُ المكترى فَلَا يقضي له عليه بِشَيْءٍ وَيَجْلِسُ بِلَا مُؤْنَةٍ عليه لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ منه شيئا وَإِنْ كان قد غَرَّهُ وقال قَائِلٌ هذا الْقَوْلَ فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يَجْلِسَ وقال بَدَا لي أَنْ أَدَعَ الْحَجَّ وَأَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذلك له فإذا قِيلَ له وَلِمَ لَا يَكُونُ ذلك له قال من قِبَلِ أَنَّهُ غَرَّهُ فَمَنَعَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ من غَيْرِهِ وَعَقَدَ له عُقْدَةً حَلَالًا فَلَيْسَ له أَنْ يَفْسَخَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلِمَ لَا يَكُونُ لِلْجَمَّالِ على الْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وقد عَقَدَ له كما قال عُقْدَةً حَلَالًا وَغَرَّهُ كما كان لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وَحَالُهُمَا وَحُجَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ لو كان يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا في الْعُقْدَةِ ما ليس لِلْآخَرِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ لِلْمُتَكَارِي أَلْزَمُ بِكُلِّ وَجْهٍ من قِبَلِ أَنَّ الْمُؤْنَةَ على الْجَمَّالِ في الْعَلَفِ وَحَبْسَ الْإِبِلِ وَضَمَانَهَا وَمِنْ قِبَلِ أَنْ لَا مُؤْنَةَ على الْمُكْتَرِي فَعَمَدَ إلَى أحقهما ( ( ( حقهما ) ) ) لو تَفَرَّقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُ فَأُبْطِلُ عنه وَأَحَقُّهُمَا أَنْ يُبْطَلَ عنه فَأُلْزِمُهُ قال وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا من قِبَلِ أَنَّ الْعُقْدَةَ حَلَالٌ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا على فَسْخِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسُئِلَ هل وَجَدَ عُقْدَةً حَلَالًا لَا شَرْطَ فيها وَلَا عَيْبَ يَكُونُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فيها ما ليس ليس للاخر فَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهَا
____________________

(4/31)


فَقِيلَ وما بَالُ هذه الْعُقْدَةِ من بَيْنِ الْعُقَدِ لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ المكاري وَالْمُكْتَرِي في قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا قِيلَ لهم في هذا كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ قال هو تَمْلِيكٌ وَإِنَّمَا الْبُيُوعُ تَمْلِيكٌ فَقِيلَ لهم فَاحْكُمُوا له بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فِيمَا أَثَبْتُمْ فيه حُكْمَ الْبُيُوعِ فَيَقُولُونَ ليس بِبَيْعٍ وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ هذا من أَحَدٍ فإذا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ أَنْتُمْ لَا تُصَيِّرُونَ في هذه الْأَقَاوِيلِ إلَى خَبَرٍ يَكُونُ حُجَّةً زَعَمْتُمْ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ فَكَيْفَ قُلْتُمُوهُ قالوا قاله ( ( ( قال ) ) ) أَصْحَابُنَا وقال لنا بَعْضُهُمْ ما في الْإِجَارَةِ إلَّا ما قُلْتُمْ من أَنْ نَحْكُمَ لها بِحُكْمِ الْبُيُوعِ ما كانت السَّلَامَةُ لِلْمَنْفَعَةِ قَائِمَةً أو تَبْطُلُ وَلَا تَجُوزُ بِحَالٍ فَقِيلَ له فَتَصِيرُ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَلَا أَعْلَمُهُ صَارَ إلَيْهِ ( قال ) وَإِنْ تَكَارَى رَجُلٌ من رَجُلٍ دَابَّةً من مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَتَعَدَّى بها إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ كان عليه كِرَاؤُهَا إلَى مَرٍّ وَكِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلَهُ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ في أَكْثَرَ ما كانت ثَمَنًا من حِينِ تَعَدَّى بها من السَّاعَةِ التي تَعَدَّى بها فيها كان أو بَعْدَهَا وَلَا يَكُونُ عليه قِيمَتُهَا قبل التَّعَدِّي إنَّمَا يَكُونُ عليه حين صَارَ ضَامِنًا في حَالِ التَّعَدِّي وقال بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ إنْ شَاءَ الْكِرَاءَ بِحِسَابٍ وَإِنْ شَاءَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ وَإِنْ سَلِمَتْ وَلَيْسَ نَقُولُ بهذا قَوْلُنَا هو الْأَوَّلُ لَا يَضْمَنُهَا حتى تَعْطَبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَعْطَى مَالًا رَجُلًا قِرَاضًا وَنَهَاهُ عن سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا فَاشْتَرَاهَا فَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قِرَاضًا على شَرْطِهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُقَارَضَ رَأْسَ مَالِهِ قال الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى غَيْرَهَا فَإِنْ كان عَقَدَ الشِّرَاءَ بِالْعَيْنِ بِعَيْنِهَا فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَالشِّرَاءُ قد تَمَّ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ له وَالنُّقْصَانُ عليه وهو ضَامِنٌ لِلْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى بِغَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ صَارَ الْمَالُ في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَصَارَ له الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ عليه وهو ضَامِنُ الْمَالِ لِصَاحِبِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فان أَعْطَى رَجُلٌ رَجُلًا شيئا لِيَشْتَرِيَ له شيئا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَى له ذلك الشَّيْءَ وَغَيْرَهُ بِمَا أَعْطَاهُ أو أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ له شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ أو عَبْدًا فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما أَمَرَ بِهِ وما ازْدَادَ له بِغَيْرِ أَمْرِهِ أو أَخْذِ ما أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَالرُّجُوعِ على الْمُشْتَرِي بِمَا يَبْقَى من الثَّمَنِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ التي اشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَبَاعَ وَالْخِيَارُ في ذلك إلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِمَالِهِ مَلَكَ ذلك كُلَّهُ وَبِمَالِهِ بَاعَ وفي مَالِهِ كان الْفَضْلُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ قد رضي أَنْ يَشْتَرِيَ له شيئا بِدِينَارٍ فَاشْتَرَاهُ وَازْدَادَ معه شيئا فَهُوَ له فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ لِأَنَّ من رضي شيئا بِدِينَارٍ فلم يَتَعَدَّ من زَادَهُ معه غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قد جاء بِاَلَّذِي رضي وَزَادَهُ شيئا لَا مُؤْنَةَ عليه في مَالِهِ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ وقال بَعْضُ الناس في الدَّابَّةِ يَسْقُطُ الْكِرَاءُ حَيْثُ تَعَدَّى لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وقال في الْمُقَارَضِ إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وكان له الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ وَلَا أَدْرِي أَقَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَمْ لَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال في الذي اشْتَرَى ما أَمَرَهُ بِهِ وَغَيْرَهُ معه للامر ما أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَلِلْمَأْمُورِ ما بَقِيَ وَلَا يَكُونُ للامر بِحَالٍ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَجُعِلَ هذا الْقَوْلُ بَابًا من الْعِلْمِ ثَبَّتَهُ أَصْلًا قَاسَ عليه في الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ وَالْمُقَارَضَةِ شيئا كثيرا أَحْسَبُهُ لو جُمِعَ كان دَفَاتِرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ قد زَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْأَصْلَ من الْعِلْمِ لَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو قَوْلِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو بَعْضِهِمْ أو أَمْرٍ أَجْمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ في الْأَمْصَارِ فَهَلْ قَوْلُكُمْ هذا وَاحِدٌ من هذا قال لَا قِيلَ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فيه قال قال شُرَيْحٌ في بَعْضِهِ قُلْنَا قد رَدَدْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ هذا الْكَلَامَ وَأَكْثَرْنَا أَتَزْعُمُونَ أَنَّ شُرَيْحًا حُجَّةً على أَحَدٍ إنْ لم يَقُلْهُ إلَّا شُرَيْحٌ قال لَا وقد نُخَالِفُ شُرَيْحًا في كَثِيرٍ من أَحْكَامِهِ بِآرَائِنَا قُلْنَا فإذا لم يَكُنْ شُرَيْحٌ عِنْدَكُمْ حُجَّةً على الإنفراد فَيَكُونُ حُجَّةً على خَبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو على أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ قال لَا وقال ما دَلَّكُمْ
____________________

(4/32)


على أَنَّ الْكِرَاءَ وَالرِّبْحَ وَالضَّمَانَ قد يَجْتَمِعُ فَقُلْنَا لو لم يَكُنْ فيه خير ( ( ( خبر ) ) ) كان مَعْقُولًا وَقُلْنَا دَلَّنَا عليه الْخَبَرُ الثَّابِتُ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ وَالْخَبَرُ عِنْدَكُمْ الذي تُثْبِتُونَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان ما قالوا من أَنَّ من ضُمِنَتْ له دَابَّتُهُ أو بَيْتُهُ أو شَيْءٌ من مِلْكِهِ لم يَكُنْ له إجَارَةٌ أو مَالُهُ لم يَكُنْ له من رِبْحِهِ شَيْءٌ كَانُوا قد أَكْثَرُوا خِلَافَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَجُلًا لو تَكَارَى من رَجُلٍ بَيْتًا لم يَكُنْ له أَنْ يَعْمَلَ فيه رَحًى وَلَا قَصَّارَةً وَلَا عَمَلَ الْحَدَّادِينَ لِأَنَّ هذا مُضِرٌّ بِالْبِنَاءِ فَإِنْ عَمِلَ هذا فَانْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْبَيْتِ وَإِنْ سَلِمَ الْبَيْتُ فَلَهُ أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ من تَكَارَى قَمِيصًا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُلْبَسُ هَكَذَا فَإِنْ فَعَلَ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْقَمِيصِ وَإِنْ سَلِّمْ كان له أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لو تَكَارَى قُبَّةً لِيُنَصِّبَهَا فَنَصَّبَهَا في شَمْسٍ أو مَطَرٍ فَقَدْ تَعَدَّى لِإِضْرَارِ ذلك بها فَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ وَإِنْ سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا مع أَشْيَاءَ من هذا الضَّرْبِ يكتفي بِأَقَلِّهَا حتى يُسْتَدَلَّ على أَنَّهُمْ قد تَرَكُوا ما قالوا وَدَخَلُوا فِيمَا عَابُوا مِمَّا مَضَتْ بِهِ الْآثَارُ وَمِمَّا فيه صَلَاحُ الناس ( قال الشافعى ) وَأَمَّا ما قالوا الْحِي