1.
مجلد1.الأم
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .
……………
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ (1)
* أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى قال قال اللَّهُ عز وجل { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم
) ) ) وَأَرْجُلَكُمْ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ
من خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غَسْلَهُمْ إنَّمَا كان بِالْمَاءِ ثُمَّ أَبَانَ في
هذه الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ وكان مَعْقُولًا عِنْدَ من خُوطِبَ
بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَاءَ ما خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لَا
صَنْعَةَ فيه لِلْآدَمِيِّينَ وَذِكْرُ الْمَاءِ عَامًّا فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ
وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ من
جَمِيعِهِ وَالْأُجَاجُ سَوَاءً في أَنَّهُ يُطَهِّرُ من تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ
منه وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ على أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ مَاءُ بَحْرٍ
وَغَيْرِهِ وقد رُوِيَ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثٌ يُوَافِقُ
ظَاهِرَ الْقُرْآنِ في إسْنَادِهِ من لَا أَعْرِفُهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَفْوَانَ بن سُلَيْمٍ عن سَعِيدِ بن
سَلَمَةَ رَجُلٌ من آلِ بن الْأَزْرَقِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بن أبي بُرْدَةَ وهو من
بَنِي عبد الدَّارِ خَبَّرَهُ أَنَّهُ سمع أَبَا هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه يقول
سَأَلَ رَجُلٌ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا
نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ من الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ
عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هو
الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد الْعَزِيزِ بن
عُمَرَ عن سَعِيدِ بن ثَوْبَانَ عن أبي هِنْدٍ الْفِرَاسِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ عن
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من لم يُطَهِّرْهُ الْبَحْرُ فَلَا طَهَّرَهُ
اللَّهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ الْمَاءِ طَهُورٌ ما لم تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ
وَلَا طَهُورَ إلَّا فيه أو في الصَّعِيدِ وَسَوَاءٌ كُلُّ مَاءٍ من بَرَدٍ أو
ثَلْجٍ أُذِيبَ وَمَاءٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ لِأَنَّ الْمَاءَ له
طَهَارَةُ وَالنَّارُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن
أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه كان يُسَخَّنُ له الْمَاءُ
فَيَغْتَسِلُ بِهِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ
الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إلَّا من جِهَةِ الطِّبِّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن صَدَقَةَ بن عبد
اللَّهِ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كان يَكْرَهُ
الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وقال إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) الْمَاءُ على الطَّهَارَةِ وَلَا يُنَجَّسُ إلَّا بِنَجَسٍ
خَالَطَهُ وَالشَّمْسُ وَالنَّارُ لَيْسَا بِنَجَسٍ إنَّمَا النَّجِسُ
الْمُحَرَّمُ فَأَمَّا ما اعْتَصَرَهُ الْآدَمِيُّونَ من مَاءِ شَجَرِ وَرْدٍ أو
غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ طَهُورًا وَكَذَلِكَ مَاءُ أَجْسَادِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ
لَا يَكُونُ
____________________
1- * الطَّهَارَةِ
(1/3)
طَهُورًا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ على
وَاحِدٍ من هذا اسْمُ مَاءٍ إنَّمَا يُقَالُ له مَاءٌ بِمَعْنَى مَاءِ وَرْدٍ
وَمَاءِ شَجَرِ كَذَا وَمَاءِ مَفْصِلِ كَذَا وَجَسَدِ كَذَا وَكَذَلِكَ لو نَحَرَ
جَزُورًا وَأَخَذَ كِرْشَهَا فَاعْتَصَرَ منه مَاءً لم يَكُنْ طَهُورًا لِأَنَّ
هذا لَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَاءِ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ
يُقَالُ مَاءُ كِرْشٍ وَمَاءُ مَفْصِلٍ كما يُقَالُ مَاءُ وَرْدٍ وَمَاءُ شَجَرِ
كَذَا وَكَذَا فَلَا يجزئ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِشَيْءٍ من هذا - * الْمَاءُ الذي
يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لَا يَنْجُسُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان
الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ
رِيحَهُ أو طَعْمَهُ أو لَوْنَهُ كان نَجِسًا وَإِنْ مَرَّتْ جَرْيَتُهُ بِشَيْءٍ
مُتَغَيِّرٍ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ فَتَغَيَّرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ جَرْيَةٌ
أُخْرَى غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ فَالْجَرْيَةُ التي غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ طَاهِرَةٌ
وَالْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ ( قال ) وإذا كان في الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ
مُنْخَفِضٌ فَرَكَدَ فيه الْمَاءُ وكان زَائِلًا عن سَنَنِ جَرْيَتِهِ بِالْمَاءِ
يَسْتَنْقِعُ فيه فَكَانَ يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ فَخَالَطَهُ حَرَامٌ نَجُسَ
لِأَنَّهُ رَاكِدٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْجَارِي يَدْخُلُهُ إذَا كان يَدْخُلُهُ
منه ما لَا يُكْثِرُهُ حتى يَصِيرَ كُلُّهُ خَمْسَ قِرَبٍ وَلَا يَجْرِي بِهِ
وَإِنْ كان في سَنَنِ الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ فَوَقَعَ فيه
مُحَرَّمٌ وكان الْمَاءُ يَجْرِي بِهِ فَهُوَ جَارٍ كُلُّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا
بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْجَارِي وإذا صَارَ الْمَاءُ الْجَارِي إلَى مَوْضِعٍ
يَرْكُدُ فيه الْمَاءُ فَهُوَ مَاءٌ رَاكِدٌ يُنَجِّسُهُ ما يُنَجِّسُ الْمَاءَ
الرَّاكِدَ - * الْمَاءُ الرَّاكِدُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَاءُ
الرَّاكِدُ ماأن ( ( ( ماءان ) ) ) مَاءٌ لَا يَنْجُسُ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ من
الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْنُهُ فيه أو رِيحُهُ أو طَعْمُهُ قائما ( ( (
قاتما ) ) ) وإذا كان شَيْءٌ من الْمُحَرَّمِ فيه مَوْجُودًا بِأَحَدِ ما
وَصَفْنَا تَنَجَّسَ كُلُّهُ قَلَّ أو كَثُرَ ( قال ) وَسَوَاءٌ إذَا وُجِدَ
الْمُحَرَّمُ في الْمَاءِ جَارِيًا كان أو رَاكِدًا ( قال ) وَمَاءٌ يَنْجُسُ
بِكُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ من الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَوْجُودًا فيه فَإِنْ
قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في فَرْقٍ بين ما يَنْجُسُ وما لَا يَنْجُسُ ولم
يَتَغَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قِيلَ السُّنَّةُ
أخبرنا الثِّقَةُ عن الْوَلِيدِ بن كَثِيرٍ عن مُحَمَّدِ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ
عن عبد ( ( ( عبيد ) ) ) اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنْ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا كان الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلْ نَجَسًا أو
خَبَثَا
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اذا كان الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم
يَحْمِلْ نَجَسًا + وقال في الحديث بِقِلَالِ هَجَرَ قال بن جُرَيْجٍ وَرَأَيْت
قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أو قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا + (
قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه الله كان مُسْلِمٌ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذلك أَقَلَّ من
نِصْفِ الْقِرْبَةِ أو نِصْفِ الْقِرْبَةِ فيقول
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَاءُ مَاءَانِ مَاءٌ جَارٍ وَمَاءٌ
رَاكِدٌ فَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي فإذا وَقَعَ فيه مُحَرَّمٌ من مَيْتَةٍ أو
دَمٍ أو غَيْرِ ذلك فَإِنْ كان فيه نَاحِيَةٌ يَقِفُ فيها الْمَاءُ فَتِلْكَ
النَّاحِيَةُ منه خَاصَّةً مَاءٌ رَاكِدٌ يَنْجُسُ إنْ كان مَوْضِعُهُ الذي فيه
الْمَيْتَةُ منه أَقَلَّ من خَمْسِ قِرَبٍ نَجُسَ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من خَمْسِ قِرَبٍ
لم يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أو لَوْنُهُ أو رِيحُهُ فَإِنْ كان
جَارِيًا لَا يَقِفُ منه شَيْءٌ فإذا مَرَّتْ الْجِيفَةُ أو ما خَالَطَهُ في
الْجَارِي تَوَضَّأَ بِمَا يَتْبَعُ مَوْضِعَ الْجِيفَةِ من الْمَاءِ لِأَنَّ ما
يَتْبَعُ مَوْضِعَهَا من الْمَاءِ غَيْرُ مَوْضِعِهَا منه لِأَنَّهُ لم
يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ وَإِنْ كان الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا فيه جِيفَةٌ
فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ مِمَّا حَوْلَ الْجِيفَةِ لم يُجْزِهِ إذَا ما كان حَوْلَهَا
أَقَلُّ من خَمْسِ قِرَبٍ كَالْمَاءِ الرَّاكِدِ وَيَتَوَضَّأُ بِمَا بَعْدَهُ
لِأَنَّ مَعْقُولًا في الْمَاءِ الْجَارِي أَنَّ كُلَّ ما مَضَى منه غَيْرُ ما
حَدَثَ وَأَنَّهُ ليس وَاحِدًا يَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فإذا كان
الْمُحَرَّمُ في مَوْضِعٍ منه يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ نَجُسَ وَلَوْلَا ما
وَصَفْت وكان الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا فَخَالَطَتْ النَّجَاسَةُ منه مَوْضِعًا
فَجَرَى نَجُسَ الْبَاقِي منه إذَا كَانَا إذَا اجْتَمَعَا مَعًا يَحْمِلَانِ
النَّجَاسَةَ وَلَكِنَّهُ كما وَصَفْت كُلُّ شَيْءٍ جاء منه غَيْرُ ما مَضَى
وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِمَا مَضَى وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ في هذا مُخَالِفٌ له
لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ كُلُّهُ فَيَقِفُ فَيَصِيرُ ما حَدَثَ فيه مُخْتَلِطًا بِمَا
كان قَبْلَهُ لَا يَنْفَصِلُ فَيَجْرِي بَعْضُهُ قبل بَعْضٍ كما يَنْفَصِلُ
الْجَارِي
(1/4)
خَمْسُ قِرَبٍ هو أَكْثَرُ ما يَسَعُ
قُلَّتَيْنِ وقد تَكُونُ الْقُلَّتَانِ أَقَلَّ من خَمْسِ قِرَبٍ وفي قَوْلِ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إذَا كان الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم
يَحْمِلْ نَجَسًا دَلَالَةٌ على أَنَّ ما دُونَ الْقُلَّتَيْنِ من الْمَاءِ
يَحْمِلُ النَّجَسَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّةُ قِرْبَتَيْنِ
وَنِصْفًا فإذا كان الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ لم يَحْمِلْ نَجَسًا في جَرَيَانٍ أو
غَيْرِهِ وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ الذي لَا يَحْمِلُ
النَّجَاسَةَ إلَّا بِقِرَبٍ كِبَارٍ وإذا كان الْمَاءُ أَقَلَّ من خَمْسِ قِرَبٍ
فَخَالَطَتْهُ مَيْتَةٌ نَجُسَ وَنَجُسَ كُلُّ وِعَاءٍ كان فيه فَأُهْرِيقَ ولم
يَطْهُرْ الْوِعَاءُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ وإذا كان الْمَاءُ أَقَلَّ من خَمْسِ
قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ فيه نَجَّسَتْهُ فَإِنْ
صُبَّ عليه مَاءٌ حتى يَصِيرَ هو بِاَلَّذِي صُبَّ عليه خَمْسَ قِرَبٍ فَأَكْثَرَ
طَهُرَ وَكَذَلِكَ لو صَبَّ هو على الْمَاءِ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ منه حتى يَصِيرَ
الماآن ( ( ( الماءان ) ) ) مَعًا أَكْثَرَ من خَمْسِ قِرَبٍ لم يُنَجِّسْ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وإذا صَارَا خَمْسَ قِرَبٍ فَطَهُرَا ثُمَّ فُرِّقَا لم
يَنْجُسَا بَعْدَ ما طَهُرَا إلَّا بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِمَا وإذا وَقَعَتْ
الْمَيْتَةُ في بِئْرٍ أو غَيْرِهَا فَأُخْرِجَتْ في دَلْوٍ أو غَيْرِهِ طُرِحَتْ
وَأُرِيقَ الْمَاءُ الذي مَعَهَا لِأَنَّهُ أَقَلُّ من خَمْسِ قِرَبٍ مُنْفَرِدًا
من مَاءِ غَيْرِهِ وَأَحَبُّ إلى لو غُسِلَ الدَّلْوُ فَإِنْ لم يُغْسَلْ وَرُدَّ
في الْمَاءِ الْكَثِيرِ طَهَّرَهُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ ولم يُنَجِّسْ هو الْمَاءَ
الْكَثِيرَ ( قال ) وَالْمُحَرَّمُ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا وَقَعَ في أَقَلَّ من
خَمْسِ قِرَبٍ نَجَّسَهُ وَلَوْ وَقَعَ حُوتٌ مَيِّتٌ في مَاءٍ قَلِيلٍ أو
جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ لم يَنْجُسْ لِأَنَّهُمَا حَلَالٌ مَيِّتَتَيْنِ وَكَذَلِكَ
كُلُّ ما كان من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِمَّا يَعِيشُ في الْمَاءِ وَمِمَّا لَا
يَعِيشُ في الْمَاءِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إذَا وَقَعَ في الْمَاءِ الذي
يَنْجُسُ مَيِّتًا نَجَّسَهُ إذَا كان مِمَّا له نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَأَمَّا ما كان
مِمَّا لَا نَفْسَ له سَائِلَةٌ مِثْلُ الذُّبَابِ وَالْخَنَافِسِ وما
أَشْبَهَهُمَا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما مَاتَ من هذا في مَاءٍ
قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ لم يُنَجِّسْهُ وَمَنْ قال هذا قال فَإِنْ قال قَائِلٌ هذه
مَيْتَةٌ فَكَيْفَ زَعَمْت أنها لَا تَنْجُسُ قِيلَ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ
بِحَالٍ وَلَا نَفْسَ لها فَإِنْ قال فَهَلْ من دَلَالَةٍ على ما وَصَفْت قِيلَ
نعم إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِالذُّبَابِ يَقَعُ في
الْمَاءِ أَنْ يُغْمَسَ فيه وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِهِ في الطَّعَامِ وقد يَمُوتُ
بِالْغَمْسِ وهو لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِهِ في الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وهو
يُنَجِّسُهُ لو مَاتَ فيه لِأَنَّ ذلك عَمْدُ إفْسَادِهِمَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي
أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا يَنْجُسُ نَجُسَ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وقد يَأْمُرُ
بِغَمْسِهِ لِلدَّاءِ الذي فيه وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ وَأَحَبُّ إلى
أَنَّ كُلَّ ما كان حَرَامًا أَنْ يُؤْكَلَ فَوَقَعَ في مَاءٍ فلم يَمُتْ حتى
أُخْرِجَ منه لم يُنَجِّسْهُ وَإِنْ مَاتَ فيه نَجَّسَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ
الْخُنْفُسَاءِ وَالْجُعَلِ وَالذُّبَابِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وما كان في
هذا الْمَعْنَى ( قال ) وَذُرَقُ الطَّيْرِ كُلِّهِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وما لَا
يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ نَجَّسَهُ لِأَنَّهُ يَرْطُبُ
بِرُطُوبَةِ الْمَاءِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَعَرَقُ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيِّ وَعَرَقُ كل دَابَّةٍ طَاهِرٌ
وَسُؤْرُ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا طَاهِرٌ إلَّا الْكَلْبَ
وَالْخِنْزِيرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وإذا وَضَعَ
الْمَرْءُ مَاءً فَاسْتَنَّ بِسِوَاكٍ وَغَمَسَ السِّوَاكَ في الْمَاءِ ثُمَّ
أَخْرَجَهُ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في السِّوَاكِ
رِيقُهُ وهو لو بَصَقَ أو تَنَخَّمَ أو امْتَخَطَ في مَاءٍ لم يُنَجِّسْهُ
وَالدَّابَّةُ نَفْسُهَا تَشْرَبُ في الْمَاءِ وقد يَخْتَلِطُ بِهِ لُعَابُهَا
فَلَا يُنَجِّسُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أو خِنْزِيرًا ( قال ) وَكَذَلِكَ
لو عَرِقَ فَقَطَرَ عَرَقُهُ في الْمَاءِ لم يَنْجُسْ لِأَنَّ عَرَقَ الْإِنْسَانِ
وَالدَّابَّةِ ليس بِنَجَسٍ وَسَوَاءٌ من أَيِّ مَوْضِعٍ كان الْعَرَقُ من تَحْتِ
مَنْكِبِهِ أو غَيْرِهِ وإذا كان الْحَرَامُ مَوْجُودًا في الْمَاءِ وَإِنْ كَثُرَ
الْمَاءُ لم يَطْهُرْ أَبَدًا بِشَيْءٍ يُنْزَحُ منه وَإِنْ كَثُرَ حتى يَصِيرَ
الْحَرَامُ منه عَدَمًا لَا يُوجَدُ منه فيه شَيْءٌ قَائِمٌ فإذا صَارَ الْحَرَامُ
فيه عَدَمًا طَهُرَ الْمَاءُ وَذَلِكَ أَنْ يَصُبَّ عليه مَاءً غَيْرَهُ أو
يَكُونَ مَعِينًا فَتَنْبُعُ الْعَيْنُ فيه فَيَكْثُرُ وَلَا يُوجَدُ الْمُحَرَّمُ
فيه فإذا كان هَكَذَا طَهُرَ وَإِنْ لم يُنْزَحْ منه شَيْءٌ ( قال ) وإذا نَجُسَ
الْإِنَاءُ فيه الْمَاءُ الْقَلِيلُ أو الْأَرْضُ أو الْبِئْرُ ذَاتُ الْبِنَاءِ
فيها الْمَاءُ الْكَثِيرُ بِحَرَامٍ يُخَالِطُهُ فَكَانَ مَوْجُودًا فيه ثُمَّ
صَبَّ عليه مَاءً غَيْرَهُ حتى يَصِيرَ الْحَرَامُ غير مَوْجُودٍ فيه وكان
الْمَاءُ قَلِيلًا فَنَجُسَ فَصَبَّ عليه مَاءً غَيْرَهُ حتى صَارَ مَاءً لَا
يَنْجُسُ مِثْلُهُ ولم يَكُنْ فيه حَرَامٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَالْإِنَاءُ
وَالْأَرْضُ التي الْمَاءُ فِيهِمَا طَاهِرَانِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا نَجُسَ
(1/5)
بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ فإذا صَارَ
حُكْمُ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كان كَذَلِكَ حُكْمُ ما مَسَّهُ
الْمَاءُ ولم يَجُزْ أَنْ يُحَوَّلَ حُكْمُ الْمَاءِ وَلَا يُحَوَّلُ حُكْمُهُ
وَإِنَّمَا هو تَبَعٌ لِلْمَاءِ يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهِ وَيَنْجُسُ بِنَجَاسَتِهِ
وإذا كان الْمَاءُ قَلِيلًا في إنَاءٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ أُرِيقَ وَغُسِلَ
الْإِنَاءُ وَأَحَبُّ إلى لو غُسِلَ ثَلَاثًا فَإِنْ غُسِلَ وَاحِدَةً تَأْتِي
عليه طَهُرَ وَهَذَا من كل شَيْءٍ خَالَطَهُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ فيه كَلْبٌ أو
خِنْزِيرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وإذا غَسَلَهُنَّ
سَبْعًا جَعَلَ أُولَاهُنَّ أو أُخْرَاهُنَّ تراب ( ( ( ترابا ) ) ) لَا يَطْهُرُ
إلَّا بِذَلِكَ فَإِنْ كان في بَحْرٍ لَا يَجِدُ فيه تُرَابًا فَغَسَلَهُ بِمَا يَقُومُ
مَقَامَ تُرَابٍ في التَّنْظِيفِ من أُشْنَانٍ أو نُخَالَةٍ أو ما أَشْبَهَهُ
فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُمَاسَّهُ التُّرَابَ
وَالْآخَرُ يَطْهُرُ بِمَا يَكُونُ خَلَفًا من التُّرَابِ وَأَنْظَفَ منه مِمَّا
وَصَفْت كما نقول ( ( ( تقول ) ) ) في الِاسْتِنْجَاءِ وإذا نَجَّسَ الْكَلْبُ أو
الْخِنْزِيرُ بِشُرْبِهِمَا نَجَّسَا ما مَاسَّا بِهِ الْمَاءَ من أَبْدَانِهِمَا
وَإِنْ لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ وَكُلُّ ما لم يَنْجُسْ بِشُرْبِهِ فإذا
أَدْخَلَ في الْمَاءِ يَدًا أو رِجْلًا أو شيئا من بَدَنِهِ لم يُنَجِّسْهُ إلَّا
بِأَنْ يَكُونَ عليه قَذَرٌ فَيُنَجِّسُ الْقَذَرُ الْمَاءَ لَا جَسَدُهُ فَإِنْ
قال قَائِلٌ فَكَيْفَ جَعَلْت الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا شَرِبَا في إنَاءٍ لم
يُطَهِّرْهُ إلَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَجَعَلْت الْمَيْتَةَ إذَا وَقَعَتْ فيه أو
الدَّمَ طَهَّرَتْهُ مَرَّةٌ إذَا لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَثَرٌ في
الْإِنَاءِ قِيلَ له اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه الله أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزِّنَادِ عن
الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قال إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ
مَرَّاتٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن
أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا وَلَغَ
الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ أو
أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضَةِ ولم يُوَقِّتْ فيه شيئا وكان اسْمُ
الْغُسْلِ يَقَعُ على غَسْلِهِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ }
فَأَجْزَأَتْ مَرَّةٌ لِأَنَّ كُلَّ هذا يَقَعُ عليه اسْمُ الْغُسْلِ ( قال )
فَكَانَتْ الْأَنْجَاسُ كُلُّهَا قِيَاسًا على دَمِ الْحَيْضَةِ لِمُوَافَقَتِهِ
مَعَانِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ في الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ ولم نَقِسْهُ على
الْكَلْبِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ يَقَعُ على
وَاحِدَةٍ وَأَكْثَرَ من سَبْعٍ وَأَنَّ الْإِنَاءَ يُنَقَّى بِوَاحِدَةٍ وَبِمَا
دُونَ السَّبْعِ وَيَكُونُ بَعْدَ السَّبْعِ في مُمَاسَّةِ الْمَاءِ مثله ( ( (
مثل ) ) ) قَبْلِ السَّبْعِ ( قال ) وَلَا نَجَاسَةَ في شَيْءٍ من الْأَحْيَاءِ
مَاسَّتْ مَاءً قَلِيلًا بِأَنْ شَرِبَتْ منه أو أَدْخَلَتْ فيه شيئا من
أَعْضَائِهَا إلَّا الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَإِنَّمَا النَّجَاسَةُ في
الْمَوْتَى أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيَعْرَقُ
الْحِمَارُ وهو عليه وَيَحِلُّ مَسُّهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الدَّلِيلُ على ذلك
قِيلَ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبيه عن جَابِرِ بن
عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ أَيُتَوَضَّأُ
بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ فقال نعم وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن أبي حَبِيبَةَ أو أبي
حَبِيبَةَ شَكَّ الرَّبِيعُ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ
عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بمثله
أخبرنا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ عن حَمِيدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بن
رفاعه عن كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بن مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ بن أبي قَتَادَةَ
أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دخل فَسَكَبَتْ له وُضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ
منه قالت فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فقال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْنَا في الْكَلْبِ بِمَا أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم وكان الْخِنْزِيرُ إنْ لم يَكُنْ في شَرٍّ من
حَالِهِ لم يَكُنْ في خَيْرٍ منها فَقُلْنَا بِهِ قِيَاسًا عليه وَقُلْنَا في
النَّجَاسَةِ سِوَاهُمَا بِمَا
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ أَنَّهُ سمع امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ
بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ سَمِعْت جَدَّتِي أَسْمَاءَ بِنْتَ أبي بَكْرٍ تَقُولُ
سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ
الثَّوْبَ فقال حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وصلى فيه
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عن
أَسْمَاءَ قالت سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت
يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إحْدَانَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ من
الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لها إذَا أَصَابَ
ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ من الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحهُ
بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ فيه
(1/6)
أَتَعْجَبِينَ يا ابْنَةَ أَخِي أن
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ أنها من
الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أو الطَّوَّافَاتِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن يحيى بن أبي
كَثِيرٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي قَتَادَةَ عن أبيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
مثله أو مِثْلَ مَعْنَاهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا تَغَيَّرَ الْمَاءُ
الْقَلِيلُ أو الْكَثِيرُ فَأَنْتَنَ أو تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِلَا حَرَامٍ
خَالَطَهُ فَهُوَ على الطَّهَارَةِ وَكَذَلِكَ لو بَالَ فيه إنْسَانٌ فلم يَدْرِ
أَخَالَطَهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وهو مُتَغَيِّرُ الرِّيحِ أو اللَّوْنِ أو
الطَّعْمِ فَهُوَ على الطَّهَارَةِ حتى تُعْلَمَ نَجَاسَتُهُ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ
لَا يُسْتَقَى منه فَيَتَغَيَّرُ وَيُخَالِطُهُ الشَّجَرُ وَالطُّحْلُبُ
فَيُغَيِّرُهُ ( قال ) وإذا وَقَعَ في الْمَاءِ شَيْءٌ حَلَالٌ فَغَيَّرَ له
رِيحًا أو طَعْمًا ولم يَكُنْ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فيه فَلَا بَأْسَ أَنْ
يَتَوَضَّأَ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فيه الْبَانُ أو الْقَطْرَانُ فَيَظْهَرُ
رِيحُهُ أو ما أَشْبَهَهُ وَإِنْ أَخَذَ مَاءً فَشِيبَ بِهِ لَبَنٌ أو سَوِيقٌ أو
عَسَلٌ فَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فيه لم يُتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ
مُسْتَهْلَكٌ فيه إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا مَاءُ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مَشُوبٌ
وَإِنْ طُرِحَ منه فيه شَيْءٌ قَلِيلٌ يَكُونُ ما طُرِحَ فيه من سَوِيقٍ وَلَبَنٍ
وَعَسَلٍ مُسْتَهْلَكًا فيه وَيَكُونُ لَوْنُ الْمَاءِ الظَّاهِرُ وَلَا طَعْمَ
لِشَيْءٍ من هذا فيه تَوَضَّأَ بِهِ وَهَذَا مَاءٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ما
خَالَطَ الْمَاءَ من طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا ما كان الْمَاءُ قَارًّا
فيه فإذا كان الْمَاءُ قَارًّا في الْأَرْضِ فَأَنْتَنَ أو تَغَيَّرَ تَوَضَّأَ
بِهِ لِأَنَّهُ لَا اسْمَ له دُونَ الْمَاءِ وَلَيْسَ هذا كما خُلِطَ بِهِ مِمَّا
لم يَكُنْ فيه وَلَوْ صَبَّ على الْمَاءِ مَاءَ وَرْدٍ فَظَهَرَ رِيحُ مَاءِ
الْوَرْدِ عليه لم يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فيه وَالْمَاءُ
الظَّاهِرُ لَا مَاءُ الْوَرْدِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو صُبَّ عليه قَطْرَانٌ
فَظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ في الْمَاءِ لم يَتَوَضَّأْ بِهِ وَإِنْ لم يَظْهَرْ
تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّ الْقَطْرَانَ وَمَاءَ الْوَرْدِ يَخْتَلِطَانِ بِالْمَاءِ
فَلَا يَتَمَيَّزَانِ منه وَلَوْ صُبَّ فيه دُهْنٌ طَيِّبٌ أو ألقى فيه عَنْبَرٌ
أو عُودٌ أو شَيْءٌ ذُو رِيحٍ لَا يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ فَظَهَرَ رِيحُهُ في
الْمَاءِ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ ليس في الْمَاءِ شَيْءٌ منه يُسَمَّى الْمَاءُ
مَخُوضًا بِهِ وَلَوْ كان صُبَّ فيه مِسْكٌ أو ذَرِيرَةٌ أو شَيْءٌ يَنْمَاعُ في
الْمَاءِ حتى يَصِيرَ الْمَاءُ غير مُتَمَيِّزٍ منه فَظَهَرَ فيه رِيحٌ لم
يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَخُوضٌ بِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ له
مَاءُ مِسْكٍ مخوض ( ( ( مخوضة ) ) ) وَذَرِيرَةٍ مَخُوضَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ ما
ألقى فيه من الْمَأْكُولِ من سَوِيقٍ أو دَقِيقٍ وَمَرَقٍ وَغَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ
فيه الطَّعْمُ وَالرِّيحُ مِمَّا يَخْتَلِطُ فيه لم يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّ
الْمَاءَ حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إلَى ما خَالَطَهُ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِسْنَا على ما عَقَلْنَا مِمَّا وَصَفْنَا وكان
الْفَرْقُ بين الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَبَيْنَ ما سِوَاهُمَا مِمَّا لَا
يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنَّهُ ليس منها شَيْءٌ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ إلَّا
لِمَعْنًى وَالْكَلْبُ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ لَا لِمَعْنَى وَجَعَلَ يَنْقُصُ من
عَمَلِ من اتَّخَذَهُ من غَيْرِ مَعْنًى كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ أو قِيرَاطَانِ مع
ما يَتَفَرَّقُ بِهِ من أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا هو فيه
وَغَيْرِ ذلك فَفَضْلُ كل شَيْءٍ من الدَّوَابِّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو لَا
يُؤْكَلُ حَلَالٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ
(1/7)
- * فضل ( ( ( فصل ) ) ) الْجُنُبُ
وَغَيْرُهُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن
الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ من الْقَدَحِ وهو الْفَرْقُ وَكُنْت
أَغْتَسِلُ أنا وهو من إنَاءٍ وَاحِدٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ إنه كان يقول إنَّ الرِّجَالَ
وَالنِّسَاءَ كَانُوا يتوضؤون ( ( ( يتوضئون ) ) ) في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم جميعا
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت كُنْت
أَغْتَسِلُ أنا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من إنَاءٍ وَاحِدٍ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي الشَّعْثَاءِ عن بن عَبَّاسٍ
عن مَيْمُونَةَ أنها كانت تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم من
إنَاءٍ وَاحِدٍ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَاصِمٍ عن مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عن
عَائِشَةَ قالت كُنْت أَغْتَسِلُ أنا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من
إنَاءٍ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا قُلْت له أَبْقِ لي أَبْقِ لي
( قال الشَّافِعِيُّ ) روى عن سَالِمٍ أبي النَّضْرِ عن الْقَاسِمِ عن عَائِشَةَ
قالت كُنْت أَغْتَسِلُ أنا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من إنَاءٍ
وَاحِدٍ من الْجَنَابَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ من
مَاءِ الْمُشْرِكِ وَبِفَضْلِ وُضُوئِهِ ما لم يَعْلَمْ فيه نَجَاسَةً لِأَنَّ
لِلْمَاءِ طَهَارَةً عِنْدَ من كان وَحَيْثُ كان حتى تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ خَالَطَتْهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ
بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
اغْتَسَلَ وَعَائِشَةَ من إنَاءٍ وَاحِدٍ من الْجَنَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ في الْيَدِ وَلَيْسَ
يَنْجُسُ الْمُؤْمِنُ إنَّمَا هو تَعَبُّدٌ بِأَنْ يُمَاسَّ الْمَاءَ في بَعْضِ
حَالَتِهِ دُونَ بَعْضٍ - * مَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَالْوُضُوءُ منه - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن
أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ تَوَضَّأَ من مَاءِ نَصْرَانِيَّةٍ في جَرَّةِ
نَصْرَانِيَّةٍ
(1/8)
- * بَابُ الْآنِيَةِ التي يُتَوَضَّأُ
فيها وَلَا يُتَوَضَّأُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد
اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال مَرَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِشَاةٍ
مَيِّتَةٍ قد كان أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم قال فَهَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّهَا مَيِّتَةٌ فقال إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ عن
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ سمع بن وَعْلَةَ سمع بن عَبَّاسٍ سمع
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ أخبرنا
مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن بن وَعْلَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ أخبرنا مَالِكٌ عن
يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن ثَوْبَانَ عن
أبيه عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَنْ
يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَمَنْ تَوَضَّأَ في شَيْءٍ منه أَعَادَ الْوُضُوءَ وَغَسَلَ ما مَسَّهُ من
الْمَاءِ الذي كان فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيُتَوَضَّأُ في جُلُودِ الْمَيْتَةِ كُلِّهَا إذَا
دُبِغَتْ وَجُلُودِ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ من السِّبَاعِ قِيَاسًا عليها إلَّا
جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فإنه لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لِأَنَّ
النَّجَاسَةَ فِيهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ قَائِمَةٌ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ
بِالدَّبَّاغِ ما لم يَكُنْ نَجِسًا حَيًّا وَالدِّبَاغُ بِكُلِّ ما دَبَغَتْ بِهِ
الْعَرَبُ من قَرْظٍ وَشَبٍّ وما عَمِلَ عَمَلَهُ مِمَّا يَمْكُثُ فيه الْإِهَابُ
حتى يُنَشِّفَ فُضُولَهُ وَيُطَيِّبَهُ وَيَمْنَعَهُ الْفَسَادَ إذَا أَصَابَهُ
الْمَاءُ وَلَا يَطْهُرُ إهَابُ الْمَيْتَةِ من الدِّبَاغِ إلَّا بِمَا وَصَفْت
وَإِنْ تَمَعَّطَ شَعْرُهُ فإن شَعْرَهُ نَجِسٌ فإذا دُبِغَ وَتُرِكَ عليه
شَعْرُهُ فَمَاسَّ الْمَاءُ شَعْرَهُ نَجُسَ الْمَاءُ وَإِنْ كان الْمَاءُ في
بَاطِنِهِ وكان شَعْرُهُ ظَاهِرًا لم يَنْجُسْ الْمَاءُ إذَا لم يُمَاسَّ شَعْرَهُ
فَأَمَّا جِلْدُ كل ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ
وَيَتَوَضَّأَ فيه إنْ لم يُدْبَغْ لِأَنَّ طَهَارَةَ الذَّكَاةِ وَقَعَتْ عليه
فإذا طَهُرَ الْإِهَابُ صلى فيه وصلى عليه وَجُلُودُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ
السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ ذَكِيُّهُ
وَمَيِّتُهُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُحِلُّهَا فإذا دُبِغَتْ كُلُّهَا طَهُرَتْ
لِأَنَّهَا في مَعَانِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ
وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَطْهُرَانِ بِحَالٍ أَبَدًا ( قال ) وَلَا
يَتَوَضَّأُ وَلَا يَشْرَبُ في عَظْمِ مَيْتَةٍ وَلَا عَظْمِ ذَكِيٍّ لَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ مِثْلِ عَظْمِ الْفِيلِ وَالْأَسَدِ وما أَشْبَهَهُ لِأَنَّ الدِّبَاغَ
وَالْغُسْلَ لَا يُطَهِّرَانِ الْعَظْمَ
رَوَى عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع بن عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَهَّنَ في
مُدْهُنٍ من عِظَامِ الْفِيلِ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ
(1/9)
- * الْآنِيَةُ غَيْرُ الْجُلُودِ - *
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدٌ فيها أو شَرِبَ كَرِهْتُ ذلك
له ولم آمُرْهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ ولم أَزْعُمْ أَنَّ الْمَاءَ الذي شَرِبَ وَلَا
الطَّعَامَ الذي أَكَلَ فيها مُحَرَّمٌ عليه وكان الْفِعْلُ من الشُّرْبِ فيها
مَعْصِيَةً فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُنْهَى عنها وَلَا يَحْرُمُ الْمَاءُ فيها
قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا نهى
عن الْفِعْلِ فيها لَا عن تِبْرِهَا وقد فُرِضَتْ فيها الزَّكَاةُ وَتَمَوَّلَهَا
الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ كانت نَجِسًا لم يَتَمَوَّلْهَا أَحَدٌ ولم يَحِلَّ
بَيْعُهَا وَلَا شِرَاؤُهَا - * بَابُ الْمَاءِ يَشُكُّ فيه - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ مُسَافِرًا وكان
معه مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ فَتَنَجَّسَ ولم يَسْتَيْقِنْ
فَالْمَاءُ على الطَّهَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَهُ حتى
يَسْتَيْقِنَ مُخَالَطَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ وكان
يُرِيدُ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَشَكَّ أَفَعَلَ أَمْ لَا
فَهُوَ على النَّجَاسَةِ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَهْرَاقَهُ وَأَبْدَلَ
غَيْرَهُ وإذا قَلَّتْ في الْمَاءِ فَهُوَ على النَّجَاسَةِ فَلَيْسَ له أَنْ
يَتَوَضَّأَ بِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ لم يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَهُ إنْ
اُضْطُرَّ إلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَهُ لِأَنَّ في الشُّرْبِ ضَرُورَةَ خَوْفِ
الْمَوْتِ وَلَيْسَ ذلك في الْوُضُوءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
التُّرَابَ طَهُورًا لِمَنْ لم يَجِدْ الْمَاءَ وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ مَاءً
يَكُونُ طَهُورًا وإذا كان الرَّجُلُ في السَّفَرِ وَمَعَهُ مَاءَانِ اسْتَيْقَنَ
أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرَ لم يَنْجُسْ فَأَهْرَاقَ النَّجِسَ مِنْهُمَا
على الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ تَوَضَّأَ بِالْآخَرِ وَإِنْ خَافَ
الْعَطَشَ حَبَسَ الذي الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَتَوَضَّأَ
بِالطَّاهِرِ عِنْدَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ في شَيْءٍ
فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ بِغَيْرِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ قِيلَ له إنَّهُ اسْتَيْقَنَ
النَّجَاسَةَ في شَيْءٍ وَاسْتَيْقَنَ الطَّهَارَةَ في غَيْرِهِ فَلَا نُفْسِدُ
عليه الطَّهَارَةَ إلَّا بِيَقِينِ أنها نَجِسَةٌ وَاَلَّذِي تَأَخَّى فَكَانَ
الْأَغْلَبُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ إنَاءً تُوُضِّئَ فيه من حِجَارَةٍ وَلَا
حَدِيدٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إلَّا آنِيَةَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنِّي أَكْرَهُ الْوُضُوءَ فِيهِمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن زَيْدِ بن عبد اللَّهِ بن
عُمَرَ عن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن أبي بَكْرٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الذي يَشْرَبُ
في إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ
(1/10)
عليه عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ
على أَصْلِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَمْكُنُ فيه ولم يَسْتَيْقِنْ
النَّجَاسَةَ فَإِنْ قال فَقَدْ نَجَّسْتَ عليه الْآخَرَ بِغَيْرِ يَقِينِ
نَجَاسَةٍ قِيلَ لَا إنَّمَا نَجَّسْتُهُ عليه بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ
وَأَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فلم أَقُلْ في تَنْجِيسِهِ إلَّا
بِيَقِينِ رَبِّ الْمَاءِ في نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَالْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ
هذا النَّجِسَ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدُ أَنَّ الذي تَوَضَّأَ بِهِ
النَّجِسُ وَاَلَّذِي تَرَكَ الطَّاهِرُ غَسَلَ كُلَّ ما أَصَابَ ذلك الْمَاءُ
النَّجِسُ من ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَأَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وكان له أَنْ
يَتَوَضَّأَ بهذا الذي كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ حتى اسْتَيْقَنَ
طَهَارَتَهُ وَلَوْ اشْتَبَهَ الماآن ( ( ( الماءان ) ) ) عليه فلم يَدْرِ
أَيَّهُمَا النَّجِسُ ولم يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِمَا أَغْلَبُ قِيلَ له إنْ لم
تَجِدْ مَاءً غَيْرَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْأَغْلَبِ وَلَيْسَ لَك
أَنْ تَتَيَمَّمَ وَلَوْ كان الذي أَشْكَلَ عليه الماآن ( ( ( الماءان ) ) )
أَعْمَى لَا يَعْرِفُ ما يَدُلُّهُ على الْأَغْلَبِ وكان معه بَصِيرٌ يُصَدِّقُهُ
وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْأَغْلَبَ عِنْدَ الْبَصِيرِ فَإِنْ لم يَكُنْ معه
أَحَدٌ يُصَدِّقُهُ أو كان معه بَصِيرٌ لَا يَدْرِي أَيَّ الْإِنَاءَيْنِ نَجِسٌ
وَاخْتَلَطَ عليه أَيُّهُمَا نَجِسٌ تَأَخَّى الْأَغْلَبَ وَإِنْ لم يَكُنْ له
دَلَالَةٌ على الْأَغْلَبِ من أَيِّهِمَا نَجِسٌ ولم يَكُنْ معه أَحَدٌ
يُصَدِّقُهُ تَأَخَّى على أَكْثَرِ ما يَقْدِرُ عليه فَيَتَوَضَّأُ وَلَا
يَتَيَمَّمُ وَمَعَهُ ماآن ( ( ( ماءان ) ) ) أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَلَا
يَتَيَمَّمُ مع الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُطَهِّرُ نَجَاسَةً إنْ
مَاسَّتْهُ من الْمَاءِ وَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ مع الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَلَوْ
تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ نَجِسٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَ
وُضُوءًا حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ يَفْعَلَ
فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ نَجِسٌ غَسَلَ كُلَّ ما أَصَابَ
الْمَاءُ منه وَاسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ
مُمَاسَّتِهِ الْمَاءَ النَّجِسَ وَكَذَلِكَ لو كان على وُضُوءٍ فَمَاسَّ مَاءً
نَجِسًا أو مَاسَّ رَطْبًا من الْأَنْجَاسِ ثُمَّ صلى غَسَلَ ما مَاسَّ من
النَّجَسِ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ
وَإِنْ مَاسَّ النَّجَسَ وهو مُسَافِرٌ ولم يَجِدْ ماءا ( ( ( ماء ) ) ) تَيَمَّمَ
وَصَلَّى وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ
لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ الْمُمَاسَّةَ لِلْأَبْدَانِ (
قال ) فإذا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ على الْأَرْضِ أو في بِئْرٍ أو
في وَقْرِ حَجَرٍ أو غَيْرِهِ فَوَجَدَهُ شَدِيدَ التَّغَيُّرِ لَا يَدْرِي
أَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ من بَوْلِ دَوَابَّ أو غَيْرِهِ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّ
الْمَاءَ قد يَتَغَيَّرُ بِلَا حَرَامٍ خَالَطَهُ فإذا أَمْكَنَ هذا فيه فَهُوَ
على الطَّهَارَةِ حتى يَسْتَيْقِنَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ ( قال ) وَلَوْ رَأَى
مَاءً أَكْثَرَ من خَمْسِ قِرَبٍ فَاسْتَيْقَنَ أَنَّ ظَبْيًا بَالَ فيه فَوَجَدَ
طَعْمَهُ أو لَوْنَهُ مُتَغَيِّرًا أو رِيحَهُ مُتَغَيِّرًا كان نَجِسًا وَإِنْ
ظَنَّ أَنَّ تَغَيُّرَهُ من غَيْرِ الْبَوْلِ لِأَنَّهُ قد اسْتَيْقَنَ
بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ وَوَجَدَ التَّغَيُّرَ قَائِمًا فيه وَالتَّغَيُّرُ
بِالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ يَخْتَلِفُ
____________________
(1/11)
- * ما يُوجِبُ الْوُضُوءَ وما لَا
يُوجِبُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ من قام
إلَى الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ
نَزَلَتْ في خَاصٍّ فَسَمِعْتُ من أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أنها
نَزَلَتْ في الْقَائِمِينَ من النَّوْمِ ( قال ) وَأَحْسَبُ ما قال كما قال لِأَنَّ
في السُّنَّةِ دَلِيلًا على أَنْ يَتَوَضَّأَ من قام من نَوْمِهِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من نَوْمِهِ
فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فإنه لَا يَدْرِي
أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ
قبل أَنْ يُدْخِلَهَا في وَضُوئِهِ فإنه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ اخبرنا
سُفْيَانُ قال أخبرنا أبو الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ
يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فإنه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ
يَدُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ نَامَ
مُضْطَجِعًا وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ من مُضْطَجَعٍ ( قال )
وَالنَّوْمُ غَلَبَةٌ على الْعَقْلِ فَمَنْ غُلِبَ على عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أو
مَرَضٍ مُضْطَجِعًا كان أو غير مُضْطَجِعٍ وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ في
أَكْثَرَ من حَالِ النَّائِمِ وَالنَّائِمُ يَتَحَرَّكُ الشَّيْءُ فَيَنْتَبِهُ
وَيَنْتَبِهُ من غَيْرِ تَحَرُّكِ الشَّيْءِ وَالْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ
بِجُنُونٍ أو غَيْرِهِ يُحَرَّكُ فَلَا يَتَحَرَّكُ ( قال ) وإذا نَامَ الرَّجُلُ
قَاعِدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ له أَنْ يَتَوَضَّأَ ( قال ) وَلَا يَبِينُ لي أَنْ
أُوجِبَ عليه الْوُضُوءَ
أخبرنا الثِّقَةُ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال كان أَصْحَابُ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ
أَحْسَبُهُ قال قُعُودًا حتى تَخْفِقَ رؤوسهم ( ( ( رءوسهم ) ) ) ثُمَّ يُصَلُّونَ
وَلَا يتوضؤون ( ( ( يتوضئون ) ) )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَنَامُ قَاعِدًا ثُمَّ
يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا
مُسْتَوِيًا لم يَجِبْ عليه عِنْدِي الْوُضُوءُ لِمَا ذَكَرْت من الْآثَارِ وَإِنْ
مَعْلُومًا أن كانت الْآيَةُ نَزَلَتْ في النَّائِمِينَ أَنَّ النَّائِمَ
مُضْطَجِعٌ وَأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ من قِيلَ له فُلَانٌ نَائِمٌ فَلَا
يَتَوَهَّمُ إلَّا مُضْطَجِعًا وَلَا يَقَعُ عليه اسْمُ النَّوْمِ مُطْلَقًا إلَّا
أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا وَنَائِمٌ قَاعِدًا بِمَعْنَى أَنْ يُوصَلَ فَيُقَالَ
نَامَ قَاعِدًا كما يُقَالُ نَامَ عن الشَّيْءِ كان يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَبِهَ له
من الرَّأْيِ لَا نَوْمَ الرُّقَادِ وَإِنَّ النَّائِمَ مُضْطَجِعًا في غَيْرِ
حَالِ النَّائِمِ قَاعِدًا لِأَنَّهُ يَسْتَثْقِلُ فَيَغْلِبُ على عَقْلِهِ
أَكْثَرُ من الْغَلَبَةِ على عَقْلِ النَّائِمِ جَالِسًا وَأَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا
قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } الْآيَةَ
(1/12)
سَبِيلَ الحديث ( ( ( الحدث ) ) ) منه
في سُهُولَةِ ما يَخْرُجُ منه وَخَفَائِهِ عليه غَيْرُ سَبِيلِهِ من النَّائِمِ
قَاعِدًا ( قال ) وَإِنْ زَالَ عن حَدِّ الِاسْتِوَاءِ في الْقُعُودِ نَائِمًا
وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ لِأَنَّ النَّائِمَ جَالِسًا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى
الْأَرْضِ وَلَا يَكَادُ يَخْرُجُ منه شَيْءٌ إلَّا يَنْتَبِهُ وإذا زَالَ كان في
حَدِّ الْمُضْطَجِعِ بِالْمَوْضِعِ الذي يَكُونُ منه الْحَدَثُ ( قال ) وإذا نَامَ
رَاكِعًا أو سَاجِدًا أوجب ( ( ( وجب ) ) ) عليه الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ أَحْرَى
أَنْ يَخْرُجَ منه الْحَدَثُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِ من الْمُضْطَجِعِ ( قال ) وَمَنْ
نَامَ قَائِمًا وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى
الْأَرْضِ وَأَنْ يُقَاسَ على الْمُضْطَجِعِ بِأَنَّ كُلًّا مَغْلُوبٌ على
عَقْلِهِ بِالنَّوْمِ أَوْلَى بِهِ من أَنْ يُقَاسَ على الْقَاعِدِ الذي إنَّمَا
سُلِّمَ فيه للأثار وَكَانَتْ فيه الْعِلَّةُ التي وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَكِلُ
نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ ( قال ) وَالنَّوْمُ الذي يُوجِبُ الْوُضُوءَ على من
وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ الْغَلَبَةُ على الْعَقْلِ كَائِنًا ذلك ما
كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَأَمَّا من لم يُغْلَبْ على عَقْلِهِ من
____________________
(1/13)
مُضْطَجِعٍ وَغَيْرِ ما طُرِقَ بِنُعَاسٍ
أو حديث نَفْسٍ فَلَا يَجِبُ عليه الْوُضُوءُ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ (
قال ) وَسَوَاءٌ الرَّاكِبُ السَّفِينَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّابَّةَ والمستوى
بِالْأَرْضِ مَتَى زَالَ عن حَدِّ الِاسْتِوَاءِ قَاعِدًا أو نَامَ قَائِمًا أو
رَاكِعًا أو سَاجِدًا أو مُضْطَجِعًا وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ وإذا شَكَّ الرَّجُلُ
في نَوْمٍ وَخَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ لم يَدْرِ أَرُؤْيَا أَمْ حَدِيثُ نَفْسٍ
فَهُوَ غَيْرُ نَائِمٍ حتى يَسْتَيْقِنَ النَّوْمَ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ الرُّؤْيَا
ولم يَسْتَيْقِنْ النَّوْمَ فَهُوَ نَائِمٌ وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالِاحْتِيَاطُ
في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلِّهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ في الرُّؤْيَا
وَيَقِينِ النَّوْمِ وَإِنْ قَلَّ الْوُضُوءُ
____________________
(1/14)
- * الْوُضُوءُ من الْمُلَامَسَةِ
وَالْغَائِطِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فذكر اللَّهُ عز وجل الْوُضُوءَ على
من قام إلَى الصَّلَاةِ وَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ من قام من مَضْجَعِ النَّوْمِ
وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ ثُمَّ قال بَعْدَ ذِكْرِ طَهَارَةِ الْجُنُبِ {
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أو على سَفَرٍ أو جاء أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِطِ أو
لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } فَأَشْبَهَ أَنْ
يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ من الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ من الْمُلَامَسَةِ
وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ
فَأَشْبَهَتْ الْمُلَامَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبْلَةَ غير
الْجَنَابَةِ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه قال قُبْلَةُ
الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بيده من الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ
امْرَأَتَهُ أو جَسَّهَا بيده فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا عن بن مَسْعُودٍ قَرِيبٌ من مَعْنَى قَوْلِ بن
عُمَرَ + وإذا أَفْضَى الرَّجُلُ بيده إلَى امْرَأَتِهِ أو بِبَعْضِ جَسَدِهِ إلَى
بَعْضِ جَسَدِهَا لَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِشَهْوَةٍ أو بِغَيْرِ
شَهْوَةٍ وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا قُمْتُمْ إلَى
الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ
(1/15)
وَوَجَبَ عليها وَكَذَلِكَ إنْ لَمَسَتْهُ
هِيَ وَجَبَ عليه وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَسَوَاءٌ في ذلك كُلِّهِ أَيُّ
بَدَنَيْهِمَا أَفْضَى إلَى الْآخَرِ إذَا أَفْضَى إلَى بَشَرَتِهَا أو أَفْضَتْ
إلَى بَشَرَتِهِ بِشَيْءٍ من بَشَرَتِهَا فَإِنْ أَفْضَى بيده إلَى شَعْرِهَا ولم
يُمَاسَّ لها بَشَرًا فَلَا وُضُوءَ عليه كان ذلك لِشَهْوَةٍ أو لِغَيْرِ شَهْوَةٍ
كما يَشْتَهِيهَا وَلَا يَمَسُّهَا فَلَا يَجِبُ عليه وُضُوءٌ وَلَا مَعْنَى
لِلشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا في الْقَلْبِ إنَّمَا الْمَعْنَى في الْفِعْلِ
وَالشَّعْرُ مُخَالِفٌ لِلْبَشَرَةِ ( قال ) وَلَوْ احْتَاطَ فَتَوَضَّأَ إذَا
لَمَسَ شَعْرَهَا كان أَحَبَّ إلَيَّ وَلَوْ مَسَّ بيده ما شَاءَ فَوْقَ بَدَنِهَا
من ثَوْبٍ رَقِيقٍ خَامٍ أو بَتٍّ أو غَيْرِهِ أو صَفِيقٍ مُتَلَذِّذًا أو غير
مُتَلَذِّذٍ وَفَعَلَتْ هِيَ ذلك لم يَجِبْ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءٌ لِأَنَّ
كِلَاهُمَا لم يَلْمِسْ صَاحِبَهُ إنَّمَا لَمَسَ ثَوْبَ صَاحِبِهِ قال الرَّبِيعُ
سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يقول اللَّمْسُ بِالْكَفِّ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُلَامَسَةِ قال الشَّاعِرُ % والمست
كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى % ولم أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ من كَفِّهِ يُعْدِي
% فَلَا أنا منه ما أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى % أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَذَّرْتُ
ما عِنْدِي
____________________
(1/16)
- * الْوُضُوءُ من الْغَائِطِ
وَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما دَلَّتْ السُّنَّةُ
على أَنَّ الرَّجُلَ يَنْصَرِفُ من الصَّلَاةِ بِالرِّيحِ كانت الرِّيحُ من
سَبِيلِ الْغَائِطِ وكان الْغَائِطُ أَكْثَرَ منها
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الْحُوَيْرِثِ عن الْأَعْرَجِ عن بن
الصِّمَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَالَ فَتَيَمَّمَ
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي النَّضْرِ مولى عُمَرَ بن عبد اللَّهِ عن سُلَيْمَانَ بن
يَسَارٍ عن الْمِقْدَادِ بن الْأَسْوَدِ أَنَّ عليا ( ( ( علي ) ) ) بن أبي
طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم عن الرَّجُلِ إذَا دَنَا من أَهْلِهِ يَخْرُجُ منه الْمَذْيُ
مَاذَا عليه قال عَلِيٌّ فإن عِنْدِي ابْنَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ قال الْمِقْدَادُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك فقال إذَا وَجَدَ أحدكم ذلك فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ
بِمَاءٍ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ + فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على
الْوُضُوءِ من الْمَذْيِ وَالْبَوْلِ مع دَلَالَتِهَا على الْوُضُوءِ من خُرُوجِ
الرِّيحِ فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ما خَرَجَ من ذَكَرٍ أو دُبُرٍ من
رَجُلٍ أو أمرأة أو قُبُلِ الْمَرْأَةِ الذي هو سَبِيلُ الْحَدَثِ يُوجِبُ
الْوُضُوءَ وَسَوَاءٌ ما دخل ذلك من سِبَارٍ أو حُقْنَةِ ذَكَرٍ أو دُبُرٍ
فَخَرَجَ على وَجْهِهِ أو يَخْلِطُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ كُلِّهِ الْوُضُوءُ
لِأَنَّهُ خَارِجٌ من سَبِيلِ الْحَدَثِ قال وَكَذَلِكَ الدُّودُ يَخْرُجُ منه
وَالْحَصَاةُ وَكُلُّ ما خَرَجَ من وَاحِدٍ من الْفُرُوجِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ
وَكَذَلِكَ الرِّيحُ تَخْرُجُ من ذَكَرِ الرَّجُلِ أو قُبُلِ الْمَرْأَةِ فيها
الْوُضُوءُ كما يَكُونُ الْوُضُوءُ في الْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَخْرُجُ من الدُّبُرِ
قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
الْغَائِطَ في آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ الْخَلَاءُ فَمَنْ تَخَلَّى
وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ
أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا الزُّهْرِيُّ قال أخبرني عَبَّادُ بن تَمِيمٍ عن
عَمِّهِ عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ قال شكى إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ الشَّيْءُ في الصَّلَاةِ فقال لَا يَنْفَتِلْ حتى
يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا
(1/17)
وَلَمَّا كان ما خَرَجَ من الْفُرُوجِ
حَدَثًا رِيحًا أو غير رِيحٍ في حُكْمِ الْحَدَثِ ولم يَخْتَلِفْ الناس في
الْبُصَاقِ يَخْرُجُ من الْفَمِ وَالْمُخَاطِ وَالنَّفَسِ يَأْتِي من الْأَنْفِ
وَالْجُشَاءِ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ يَأْتِي من الْفَمِ لَا
يُوجِبُ الْوُضُوءَ دَلَّ ذلك على أَنْ لَا وُضُوءَ في قَيْءٍ وَلَا رُعَافٍ وَلَا
حِجَامَةٍ وَلَا شَيْءٍ خَرَجَ من الْجَسَدِ وَلَا أُخْرِجَ منه غَيْرِ الْفُرُوجِ
الثَّلَاثَةِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ ليس على
نَجَاسَةِ ما يَخْرُجُ الا تَرَى أَنَّ الرِّيحَ تَخْرُجُ من الدُّبُرِ وَلَا
تُنَجِّسُ شيئا فَيَجِبُ بها الْوُضُوءُ كما يَجِبُ بِالْغَائِطِ وَأَنَّ
الْمَنِيَّ غَيْرُ نَجَسٍ وَالْغُسْلُ يَجِبُ بِهِ وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ
وَالْغُسْلُ تَعَبُّدٌ قال وإذا قَاءَ الرَّجُلُ غَسَلَ فَاهُ وما أَصَابَ
الْقَيْءُ منه لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وَكَذَلِكَ إذَا رَعَفَ غَسَلَ ما مَاسَّ
الدَّمُ من أَنْفِهِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذلك ولم يَكُنْ عليه
وُضُوءٌ وَهَكَذَا إذَا خَرَجَ من جَسَدِهِ دَمٌ أو قَيْحٌ أو غَيْرُ ذلك من
النَّجَسِ وَلَا يُنَجِّسُ عَرَقُ جُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ من تَحْتِ مَنْكِبٍ وَلَا
مَأْبِضٍ وَلَا مَوْضِعٍ مُتَغَيِّرٍ من الْجَسَدِ وَلَا غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ
فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُنَجِّسُ عَرَقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِيلَ
بأمر ( ( ( أمر ) ) ) النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَائِضَ بِغَسْلِ دَمِ
الْحَيْضِ من ثَوْبِهَا ولم يَأْمُرْهَا بِغَسْلِ الثَّوْبِ كُلِّهِ وَالثَّوْبُ
الذي فيه دَمُ الْحَيْضِ الْإِزَارُ وَلَا شَكَّ في كَثْرَةِ الْعَرَقِ فيه وقد
روى عن بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْرَقَانِ في الثِّيَابِ
وَهُمَا جُنُبَانِ ثُمَّ يُصَلِّيَانِ فيها وَلَا يَغْسِلَانِهَا وَكَذَلِكَ روى
عن غَيْرِهِمَا
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ ابنة ( ( ( بنت ) ) )
الْمُنْذِرِ قالت سَمِعْت جَدَّتِي أَسْمَاءَ بِنْتَ أبي بَكْرٍ تَقُولُ سَأَلْت
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فقال
حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ ثُمَّ صَلِّي فيه
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عن
أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ أنها قالت سَأَلَتْ امْرَأَةٌ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم فذكر نَحْوَهُ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَعْرَقُ في الثَّوْبِ وهو
جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فيه (1)
____________________
1- ( قال ) وَمَنْ تَوَضَّأَ وقد قَاءَ فلم يَتَمَضْمَضْ أو رَعَفَ فلم يَغْسِلْ
ما مَاسَّ الدَّمُ منه أَعَادَ بَعْدَ ما يُمَضْمِضُ وَيَغْسِلُ ما مَاسَّ الدَّمُ
منه لِأَنَّهُ صلى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا لِأَنَّ وُضُوءَهُ انْتَقَض
(1/18)
- * بَابُ الْوُضُوءِ من مَسِّ
الذَّكَرِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن
مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم أَنَّهُ سمع عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ يقول دَخَلْت
على مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا ما يَكُونُ منه الْوُضُوءُ فقال
مَرْوَانُ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ فقال عُرْوَةُ ما عَلِمْتُ ذلك فقال
مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) صَفْوَانَ أنها سَمِعَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا مَسَّ أحدكم ذَكَرَهُ
فَلْيَتَوَضَّأْ
أخبرنا سُلَيْمَانُ بن عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ بن عبد اللَّهِ عن يَزِيدَ بن عبد
الْمَلِكِ الْهَاشِمِيِّ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عن أبي
هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا أَفْضَى أحدكم بيده
إلَى ذَكَرِهِ ليس بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَوَضَّأْ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن نَافِعٍ وبن أبي فُدَيْكٍ عن بن
أبي ذِئْبٍ عن عُقْبَةَ بن عبد الرحمن عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن ثَوْبَانَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا أَفْضَى أحدكم بيده إلَى
ذَكَرِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وزاد بن نَافِعٍ فقال عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن
ثَوْبَانَ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَمِعْت
غير وَاحِدٍ من الْحُفَّاظِ يَرْوِيهِ وَلَا يَذْكُرُ فيه جَابِرًا (1)
____________________
1- ( قال ) وإذا أَفْضَى الرَّجُلُ بِبَطْنِ كَفِّهِ إلَى ذَكَرِهِ ليس بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ سِتْرٌ وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ قال وَسَوَاءٌ كان عَامِدًا أو غير
عَامِدٍ لِأَنَّ كُلَّ ما أَوْجَبَ الْوُضُوءَ بِالْعَمْدِ أَوْجَبَهُ بِغَيْرِ
الْعَمْدِ قال وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ما مَاسَّ ذَكَرَهُ وَكَثِيرُهُ وَكَذَلِكَ لو مَسَّ
دُبُرَهُ أو مَسَّ قُبُلَ امْرَأَتِهِ أو دُبُرَهَا أو مَسَّ ذلك من صَبِيٍّ
أَوْجَبَ عليه الْوُضُوءَ فَإِنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أو أَلْيَتَيْهِ أو
رُكْبَتَيْهِ ولم يَمَسَّ ذَكَرَهُ لم يَجِبْ عليه الْوُضُوءُ وَسَوَاءٌ مَسَّ ذلك
من حَيٍّ أو مَيِّتٍ وَإِنْ مَسَّ شيئا من هذا من بَهِيمَةٍ لم يَجِبْ عليه
وُضُوءٌ من قِبَلِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ لهم حُرْمَةٌ وَعَلَيْهِمْ تَعَبُّدٌ
وَلَيْسَ لِلْبَهَائِمِ وَلَا فيها مِثْلُهَا وما مَاسَّ من مُحَرَّمٍ من رَطْبٍ
دَمٍ أو قَيْحٍ أو غَيْرِهِ غَسَلَ ما مَاسَّ من
(1/19)
ولم يَجِبْ عليه وُضُوءٌ وَإِنْ مَسَّ
ذَكَرَهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ أو ذِرَاعِهِ أو شَيْءٍ غَيْرِ بَطْنِ كَفِّهِ لم
يَجِبْ عليه الْوُضُوءُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما فَرْقٌ بين ما وَصَفْت قِيلَ
الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هو بِبَطْنِهَا كما تَقُولُ أَفْضَى بيده مُبَايِعًا
وَأَفْضَى بيده إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا أو إلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا فإذا كان
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِالْوُضُوءِ منه إذَا أَفْضَى بِهِ
إلَى ذَكَرِهِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَكَرَهُ يُمَاسُّ فَخِذَيْهِ وما قَارَبَ من ذلك
من جَسَدِهِ فَلَا يُوجِبُ ذلك عليه بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وُضُوءًا فَكُلُّ ما
جَاوَزَ بَطْنَ الْكَفِّ كما مَاسَّ ذَكَرَهُ مِمَّا وَصَفْت وإذا كان
مُمَاسَّتَانِ تُوجِبُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تُوجِبُ بِالْأُخْرَى وُضُوءًا كان
الْقِيَاسُ على أَنْ لَا يَجِبَ وُضُوءٌ مِمَّا لم يَمَسَّا لِأَنَّ سُنَّةَ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنَّ ما مَاسَّ ما هو إنجس من
الذَّكَرِ لَا يَتَوَضَّأُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامٍ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ قالت سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ قال حُتِّيهِ
ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فيه (1) ( قال ) وإذا مَسَّ
الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ما كان إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ
مُفْضٍ إلَيْهِ لم يَكُنْ عليه وُضُوءٌ فيه رَقَّ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أو
صَفَقَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدَمِ
الْحَيْضِ أَنْ يُغْسَلَ بِالْيَدِ ولم يَأْمُرْ بِالْوُضُوءِ منه فَالدَّمُ
أَنْجَسُ من الذَّكَرِ ( قال ) وَكُلُّ ما مَاسَّ من نَجَسٍ قِيَاسًا عليه بِأَنْ
لَا يَكُونَ منه وُضُوءٌ وإذا كان هذا في النَّجَسِ فما ليس بِنَجَسٍ أَوْلَى أَنْ
لَا يُوجِبَ وُضُوءًا إلَّا ما جاء فيه الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ ( قال ) وإذا مَاسَّ
نَجَسًا رَطْبًا أو نَجَسًا يَابِسًا وهو رَطْبٌ وَجَبَ عليه أَنْ يَغْسِلَ ما
مَاسَّهُ منه وما مَاسَّهُ من نَجَسٍ ليس بِرَطْبٍ وَلَيْسَ ما مَاسَّ منه رَطْبًا
لم يَجِبْ عليه غَسْلُهُ وَيَطْرَحُهُ عنه
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال إنَّ الرِّيحَ لتسفى عَلَيْنَا
الرَّوْثَ وَالْخَرْءَ الْيَابِسَ فَيُصِيبُ وُجُوهَنَا وَثِيَابَنَا فَنَنْفُضُهُ
أو قال فَنَمْسَحُهُ ثُمَّ لَا نَتَوَضَّأُ وَلَا نَغْسِلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ
) وَكُلُّ ما قلت يُوجِبُ الْوُضُوءَ على الرَّجُلِ في ذَكَرِهِ أَوْجَبَ على
الْمَرْأَةِ إذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا أو مَسَّتْ ذلك من زَوْجِهَا كَالرَّجُلِ لَا
يَخْتَلِفَانِ أخبرنا الْقَاسِمُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ
قال الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن الْقَاسِمِ عن
عَائِشَةَ قالت إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ
(1/20)
- * بَابٌ لَا وُضُوءَ مِمَّا يَطْعَمُ
أَحَدٌ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن
رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا جَعْفَرُ بن عَمْرِو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عن أبيه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صلى ولم
يَتَوَضَّأْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا وُضُوءَ
من كَلَامٍ وَإِنْ عَظُمَ وَلَا ضَحِكٍ في صَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا
( قال ) وَرَوَى بن شِهَابٍ عن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من حَلَفَ بِاللَّاتِ فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ قال بن شِهَابٍ ولم يَبْلُغْنِي أَنَّهُ ذَكَرَ في ذلك وُضُوءًا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَا وُضُوءَ في ذلك وَلَا في أَذَى أَحَدٍ وَلَا قَذْفٍ وَلَا
غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ليس من سَبِيلِ الْأَحْدَاثِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى الْعَلَاءُ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا من
الشَّوَارِبِ وَغَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ من أَظْفَارِهِ وَرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
وَشَارِبِهِ لم يَكُنْ عليه إعَادَةُ وُضُوءٍ وَهَذَا زِيَادَةُ نَظَافَةٍ
وَطَهَارَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَدَّ وَلَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عليه لم يَكُنْ
بِذَلِكَ بَأْسٌ ولم يَكُنْ فيه شَيْءٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَلَالٍ أَكْلُهُ له
رِيحٌ أو لَا رِيحَ له وَشُرْبُهُ لَبَنٍ أو غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لو مَاسَّ ذلك
الْحَلَالُ جَسَدَهُ وَثَوْبَهُ لم يَكُنْ عليه غَسْلُهُ قد شَرِبَ بن عَبَّاسٍ
لَبَنًا وَصَلَّى ولم يَمَسَّ مَاءً - * بَابٌ في الِاسْتِنْجَاءِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم ) ) ) وَأَرْجُلَكُمْ إلَى
الْكَعْبَيْنِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فذكر اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ وكان مَذْهَبُنَا
أَنَّ ذلك إذَا قام النَّائِمُ من نَوْمِهِ ( قال ) وكان النَّائِمُ يَقُومُ من
نَوْمِهِ لَا مُحْدِثًا خَلَاءً وَلَا بَوْلًا فَكَانَ الْوُضُوءُ الذي ذَكَرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِدَلَالَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَنْ أَكَلَ شيئا مَسَّتْهُ نَارٌ
أو لم تَمَسَّهُ لم يَكُنْ عليه وُضُوءٌ وَكَذَلِكَ لو اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ
فَأَكَلَ منها لم يَجِبْ عليه وُضُوءٌ منه أَكَلَهَا نِيئَةً أو نَضِيجَةً وكان
عليه أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ وَفَاهُ وما مَسَّتْ الْمَيْتَةُ منه لَا يَجْزِيهِ
غَيْرُ ذلك فَإِنْ لم يَفْعَلْ غَسَلَهُ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ
أَكْلِهَا وَقَبْلَ غَسْلِهِ ما مَاسَّتْ الْمَيْتَةُ منه وَكَذَلِكَ كُلُّ
مُحَرَّمٍ أَكْلُهُ لم تَجُزْ له الصَّلَاةُ حتى يَغْسِلَ ما مَاسَّ منه من
يَدَيْهِ وَفِيهِ وَشَيْءٍ أَصَابَهُ غَيْرِهِمَا وَكُلُّ حَلَالٍ أَكْلُهُ أو
شُرْبُهُ فَلَا وُضُوءَ منه كان ذَا رِيحٍ أو غير ذِي رِيحٍ شَرِبَ بن عَبَّاسٍ
لَبَنًا ولم يَتَمَضْمَضْ قال ما بَالَيْتُهُ بَالَةً - * بَابُ الْكَلَامِ
وَالْأَخْذِ من الشَّارِبِ - *
(1/21)
السُّنَّةِ على من لم يُحْدِثْ
غَائِطًا وَلَا بَوْلًا دُونَ من أَحْدَثَ غَائِطًا أو بَوْلًا لِأَنَّهُمَا
نَجِسَانِ يُمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ ( قال ) وَلَا اسْتِنْجَاءَ على أَحَدٍ
وَجَبَ عليه وُضُوءٌ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ منه غَائِطٌ أو بَوْلٌ فَيَسْتَنْجِيَ
بِالْحِجَارَةِ أو الْمَاءِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن الْقَعْقَاعِ بن
حَكِيمٍ عن أبي صَالِحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم قال إنَّمَا أنا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فإذا ذَهَبَ أحدكم إلَى الْغَائِطِ
فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ
وَلْيَسْتَنْجِ بثلاث ( ( ( بثلاثة ) ) ) أَحْجَارٍ وَنَهَى عن الرَّوْثِ
وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ
) فَمَنْ تَخَلَّى أو بَالَ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّحَ بِثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أو آجُرَّاتٍ أو مَقَابِسَ أو ما كان طَاهِرًا
نَظِيفًا مِمَّا أَنْقَى نَقَاءَ الْحِجَارَةِ إذَا كان مِثْلَ التُّرَابِ
وَالْحَشِيشِ وَالْخَزَفِ وَغَيْرِهَا ( قال ) وَإِنْ وَجَدَ حَجَرًا أو آجُرَّةً
أو صِوَانَةً لها بِثَلَاثِ وُجُوهٍ فَامْتَسَحَ بِكُلِّ وَاحِدٍ منها
امْتِسَاحَةً كانت كَثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ امْتَسَحَ بها فَإِنْ امْتَسَحَ
بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَبْقَى أَثَرًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ
يَأْتِيَ من الِامْتِسَاحِ على ما يَرَى أَنَّهُ لم يُبْقِ أَثَرًا قَائِمًا
فَأَمَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ فَلَيْسَ عليه إنْقَاؤُهُ
لِأَنَّهُ لو جَهِدَ لم يُنَقِّهِ بِغَيْرِ مَاءٍ ( قال ) وَلَا يَمْتَسِحُ
بِحَجَرٍ عَلِمَ أَنَّهُ امْتَسَحَ بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنْ قد
أَصَابَهُ مَاءٌ طَهَّرَهُ فَإِنْ لم يَعْلَمْ طُهْرَهُ بِمَاءٍ لم يُجْزِهِ
الِامْتِسَاحُ بِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه أَثَرٌ وَكَذَلِكَ لو غَسَلَ بِمَاءِ
الشَّجَرِ حتى يَذْهَبَ ما فيه لم يُجْزِهِ الِامْتِسَاحُ بِهِ وَلَا يُطَهِّرُهُ
إلَّا الْمَاءُ الذي يُطَهِّرُ الْأَنْجَاسَ ( قال ) وَلَا يَسْتَنْجِي بِرَوْثَةٍ
لِلْخَبَرِ فيه فَإِنَّهَا من الْأَنْجَاسِ لِأَنَّهَا رَجِيعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ
رَجِيعٍ نَجِسٍ وَلَا بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فيه فإنه وَإِنْ كان غير نَجِسٍ
فَلَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ
شيئا في مَعْنَى الْعَظْمِ إلَّا جِلْدَ ذَكِيٍّ غير مَدْبُوغٍ فإنه ليس بِنَظِيفٍ
وَإِنْ كان طَاهِرًا فَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ فَلَا
بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ ( قال ) وَيَسْتَنْجِي الرَّقِيقُ الْبَطْنِ
وَالْغَلِيظُ بِالْحِجَارَةِ وما قام مَقَامَهَا ما لم يَعْدُ الْخَلَاءُ ما
حَوْلَ مَخْرَجِهِ مِمَّا أَقْبَلَ عليه من بَاطِنِ الْأَلْيَتَيْنِ فَإِنْ خَرَجَ
عن ذلك أَجْزَأَهُ فِيمَا بين الْأَلْيَتَيْنِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحِجَارَةِ
ولم يُجْزِهِ فِيمَا انْتَشَرَ فَخَرَجَ عنهما إلَّا الْمَاءُ ولم يَزَلْ في الناس
أَهْلُ رِقَّةِ بُطُونٍ وَغِلَظِهَا وَأَحْسَبُ رِقَّةَ الْبَطْنِ كانت في
الْمُهَاجِرِينَ أَكْثَرَ لِأَكْلِهِمْ التَّمْرَ وَكَانُوا يَقْتَاتُونَهُ وَهُمْ
الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالِاسْتِنْجَاءِ ( قال
) وَالِاسْتِنْجَاءُ من الْبَوْلِ مِثْلُهُ من الْخَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ وإذا
انْتَشَرَ الْبَوْلُ على ما أَقْبَلَ على الثُّقْبِ أَجْزَأَهُ الِاسْتِنْجَاءُ
وإذا انْتَشَرَ حتى تَجَاوَزَ ذلك لم يُجْزِهِ فِيمَا جَاوَزَ ذلك إلَّا الْمَاءُ
وَيَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ من الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عليه وَأَحَبُّ إلى
أَنْ يَسْتَبْرِئَ من الْبَوْلِ وَيُقِيمَ سَاعَةً قبل الْوُضُوءِ ثُمَّ يَنْثُرَ
ذَكَرَهُ قبل الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ ( قال ) وإذا اسْتَنْجَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ
غَيْرِ الْمَاءِ لم يُجْزِهِ أَقَلُّ من ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَإِنْ أَنْقَى
وَالِاسْتِنْجَاءُ كَافٍ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كان
أَحَبَّ إلَيَّ وَيُقَالَ إنَّ قَوْمًا من الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ
فَنَزَلَتْ فِيهِمْ فيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِرِينَ وإذا اقْتَصَرَ الْمُسْتَنْجِي على الْمَاءِ دُونَ الْحِجَارَةِ
أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَنْقَى من الْحِجَارَةِ وإذا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ فَلَا
عَدَدَ في الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ من ذلك ما يَرَى أَنَّهُ قد
أَنْقَى كُلَّ ما هُنَالِكَ وَلَا أَحْسَبُ ذلك يَكُونُ إلَّا في أَكْثَرَ من
ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ ( قال ) وَإِنْ كانت بِرَجُلٍ بَوَاسِيرُ
وَقُرُوحٌ قُرْبَ الْمَقْعَدَةِ أو في جَوْفِهَا فَسَالَتْ دَمًا أو قَيْحًا أو
صَدِيدًا لم يُجْزِهِ فيه إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يَجْزِيهِ
الْحِجَارَةُ وَالْمَاءُ طَهَارَةُ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا وَالرُّخْصَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الرِّمَّةُ الْعَظْمُ الْبَالِي قال الشَّاعِرُ % أَمَّا
عِظَامُهَا فَرِمٌّ % وَأَمَّا لَحْمُهَا فَصَلِيبُ %
أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرنا هِشَامُ بن عُرْوَةَ قال أخبرني أبو وَجْزَةَ عن
عُمَارَةَ بن خُزَيْمَةَ عن ثَابِتٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
قال في الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عن الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ
وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَحْجَارُ ليس
فِيهِنَّ رَجِيعٌ
(1/22)
في الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ في
مَوْضِعِهَا لَا يُعَدَّى بها مَوْضِعَهَا وَكَذَلِكَ الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ إذَا
عَدَّوْا مَوْضِعَهُمَا فَأَصَابُوا غَيْرَهُ من الْجَسَدِ لم يُطَهِّرْهُمَا
إلَّا الْمَاءُ وَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ في الْوُضُوءِ من يَجِدُ الْمَاءَ
وَمَنْ لَا يَجِدُهُ وإذا تَخَلَّى رَجُلٌ ولم يَجِدْ الْمَاءَ وهو مِمَّنْ له
التَّيَمُّمُ لم يُجْزِهِ إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ ثُمَّ التَّيَمُّمُ وَإِنْ
تَيَمَّمَ ثُمَّ اسْتَنْجَى لم يُجْزِهِ ذلك حتى يَكُونَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ
الِاسْتِنْجَاءِ قال الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُ
التَّيَمُّمُ قبل الِاسْتِنْجَاءِ وإذا كان قد اسْتَنْجَى بَعْدَهُ لم يَمَسَّ
ذَكَرَهُ وَلَا دُبُرَهُ بيده (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن بن أبي عَتِيقٍ عن عَائِشَةَ رضي
اللَّهُ عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ
لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في هذا دَلِيلٌ على أَنَّ
السِّوَاكَ ليس بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِأَنَّهُ لو كان وَاجِبًا
لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ عليهم أو لم يَشُقَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأستحب
السِّوَاكُ عِنْدَ كل حَالٍ يَتَغَيَّرُ فيه الْفَمُ وَعِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ من
النَّوْمِ وَالْأَزْمِ وَأَكْلِ كل ما يُغَيِّرُ الْفَمَ وَشُرْبِهِ وَعِنْدَ
الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَمَنْ تَرَكَهُ وَصَلَّى فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ وَلَا
يَجِبُ عليه وُضُوءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَجَبَ علي الرَّجُلِ الْغُسْلُ لم يُجْزِهِ في
مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا الْغُسْلُ - * بَابُ السِّوَاكِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ
عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ
بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل وُضُوءٍ وَبِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ
(1/23)
- * بَابُ غُسْلِ الْيَدَيْنِ قبل
الْوُضُوءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَدْخَلَ يَدَهُ في الْإِنَاءِ قبل
أَنْ يَغْسِلَهَا وهو لَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّ شيئا من النَّجَاسَةِ مَاسَّهَا لم
يَفْسُدْ وضوؤه وَكَذَلِكَ إنْ شَكَّ أَنْ يَكُونَ مَاسَّهَا فَإِنْ كان الْيَدُ
قد مَاسَّتْهُ نَجَاسَةٌ فَأَدْخَلَهَا في وُضُوئِهِ فَإِنْ كان الْمَاءُ الذي
تَوَضَّأَ بِهِ أَقَلَّ من قُلَّتَيْنِ فَسَدَ الْمَاءُ فَأَهْرَاقَهُ وَغَسَلَ
منه الْإِنَاءَ وَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك وَإِنْ
كان الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أو أَكْثَرَ لم يَفْسُدْ الْمَاءُ وَتَوَضَّأَ
وَطَهُرَتْ يَدُهُ بِدُخُولِهَا الْمَاءَ إنْ كانت نَجَاسَةً لَا أَثَرَ لها وَلَوْ
كانت نَجَاسَةً لها أَثَرٌ أَخْرَجَهَا وَغَسَلَهَا حتى يَذْهَبَ الْأَثَرُ ثُمَّ
يَتَوَضَّأُ - * بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ
) رحمه الله قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ
غَسْلُهُ في الْوُضُوءِ ما ظَهَرَ دُونَ ما بَطَنَ وَأَنْ ليس على الرَّجُلِ أَنْ
يَغْسِلَ عَيْنَيْهِ وَلَا أَنْ يَنْضَحَ فِيهِمَا فَكَانَتْ الْمَضْمَضَةُ
وَالِاسْتِنْشَاقُ أَقْرَبَ إلَى الظُّهُورِ من الْعَيْنَيْنِ ولم أَعْلَمْ
الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ على الْمُتَوَضِّئِ فَرْضًا ولم أَعْلَمْ
اخْتِلَافًا في أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لو تَرَكَهُمَا عَامِدًا أو نَاسِيًا
وَصَلَّى لم يُعِدْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ غَسْلِ
يَدَيْهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا يَأْخُذَ بِكَفِّهِ غَرْفَةً
لِفِيهِ وَأَنْفِهِ وَيُدْخِلَ الْمَاءَ أَنْفَهُ وَيَسْتَبْلِغَ بِقَدْرِ ما
يَرَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِخَيَاشِيمِهِ وَلَا يَزِيدَ على ذلك وَلَا يَجْعَلَهُ
كَالسَّعُوطِ وَإِنْ كان صَائِمًا رَفَقَ بِالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَدْخُلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْوُضُوءَ فَبَدَأَ فيه بِغَسْلِ
الْوَجْهِ فَدَلَّ على أَنَّ الْوُضُوءَ على من قام من النَّوْمِ كما ذَكَرَ
اللَّهُ عز وَعَلَا دُونَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ لِأَنَّ النَّائِمَ لم
يُحْدِثْ خَلَاءً وَلَا بَوْلًا وَأُحِبُّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قبل إدْخَالِهِمَا
الْإِنَاءَ لِلْوُضُوءِ لِلسُّنَّةِ لَا لِلْفَرْضِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي
هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من
نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قبل إدْخَالِهِمَا في الْوُضُوءِ فإن أَحَدَكُمْ
لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي
هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من
مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فإنه لَا
يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم مثله
(1/24)
رَأْسَهُ وَإِنَّمَا أَكَّدْت
الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ دُونَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَأَنَّ
الْفَمَ يَتَغَيَّرُ وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ وَأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ من
تَغَيُّرِهِمَا وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْعَيْنَانِ وَإِنْ تَرَكَ مُتَوَضِّئٌ أو
جُنُبٌ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى لم تَكُنْ عليه إعَادَةٌ لِمَا
وَصَفْت وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يَدَعَهُمَا وَإِنْ تَرَكَهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ
وَيَسْتَنْشِقَ - * بَابُ غُسْلِ الْوَجْهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال
اللَّهُ جل وعز { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في
أَنَّ الْمَرَافِقَ مِمَّا يُغْسَلُ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ مَعْنَاهَا
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلَا
يجزئ في غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُؤْتَى على ما بين
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ } فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ ما دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ
الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَلَيْسَ ما جَاوَزَ
مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْأَغَمِّ من النَّزْعَتَيْنِ من الرَّأْسِ
وَكَذَلِكَ أَصْلَعُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَتْ صَلْعَتُهُ من الْوَجْهِ
وَأَحَبُّ إلَيَّ لو غَسَلَ النَّزْعَتَيْنِ مع الْوَجْهِ وَإِنْ تَرَكَ ذلك لم
يَكُنْ عليه في تَرْكِهِ شَيْءٌ فإذا خَرَجَتْ لِحْيَةُ الرَّجُلِ فلم تَكْثُرْ
حتى توارى من وَجْهِهِ شيئا فَعَلَيْهِ غُسْلُ الْوَجْهِ كما كان قبل أَنْ
تَنْبُتَ فإذا كَثُرَتْ حتى تَسْتُرَ مَوْضِعَهَا من الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ
غَسْلُهَا كُلُّهَا وَلَا أَعْلَمُهُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَإِنَّمَا قُلْت
لَا أَعْلَمُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَعَمِّ
مِمَّنْ لَقِيت وحكى لي عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِأَنَّ الْوَجْهَ نَفْسَهُ ما
لَا شَعْرَ عليه إلَّا شَعْرُ الْحَاجِبِ وَأَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ وَالشَّارِبُ
وَالْعَنْفَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَجْهٌ دُونَ ما أَقْبَلَ من الرَّأْسِ وما
أَقْبَلَ من الرَّأْسِ وَجْهٌ في الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مُوَاجِهٌ وَإِنَّمَا كان
ما وَصَفْت من حَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ وَجْهًا من أَنَّ
كُلَّهُ مَحْدُودٌ من أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ بِشَيْءٍ من الْوَجْهِ مَكْشُوفٍ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ من الْوَجْهِ مَكْشُوفًا لَا يُغْسَلُ وَلَا أَنْ
يَكُونَ الْوَجْهُ فَهُوَ وَاحِدٌ مُنْقَطِعًا أَسْفَلُهُ وَأَعْلَاهُ وَجَنْبَاهُ
وَجْهٌ وما بين هذا ليس بِوَجْهٍ وَاللِّحْيَةُ فَهِيَ شَيْئَانِ فَعَذَارُ
اللِّحْيَةِ الْمُتَّصِلُ بِالصُّدْغَيْنِ الذي من وَرَائِهِ شَيْءٌ من الْوَجْهِ
وَالْوَاصِلُ بِهِ الْقَلِيلُ الشَّعْرِ في حُكْمِ شعر الْحَاجِبَيْنِ لَا
يُجْزِئُ فيه إلَّا الْغُسْلُ له لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالْوَجْهِ كما وَصَفْت
وَأَنَّ شَعْرَهُ لَا يَكْثُرُ عن أَنْ يَنَالَهُ الْمَاءُ كما يَنَالَ
الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعَنْفَقَةَ وَهِيَ على الذَّقَنِ وما وَالَى
الذَّقَنَ من اللَّحْيَيْنِ فَهَذَا مُجْتَمَعُ اللِّحْيَةِ بِمُنْقَطِعِ
اللِّحْيَةِ فيجزي ( ( ( فيجزئ ) ) ) في هذا أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ شَعْرِهِ مع
غَسْلِ شَعْرِ الْوَجْهِ وَلَا يُجْزِئُ تَرْكُهُ من الْمَاءِ وَلَا أَرَى ما
تَحْتَ مَنَابِتِ مُجْتَمَعِ اللِّحْيَةِ وَاجِبَ الْغُسْلِ وإذا لم يَجِبْ
غَسْلُهُ لم يَجِبْ تَخْلِيلُهُ وَيُمِرُّ الْمَاءَ على ظَهْرِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ
كما يُمِرُّهُ على وَجْهِهِ وما مَسَحَ من ظاهر ( ( ( مظاهر ) ) ) شَعْرِ
الرَّأْسِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وَإِنْ كان إبِطًا أو كان ما بين مَنَابِتِ
لِحْيَتِهِ مُنْقَطِعًا بَادِيًا من الْوَجْهِ لم يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ
وَكَذَلِكَ لو كان بَعْضُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ قَلِيلًا كَشَعْرِ الْعَنْفَقَةِ
وَالشَّارِبِ وَعِذَارِ اللِّحْيَةِ لم يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ وَكَذَلِكَ لو كانت
اللِّحْيَةُ كُلُّهَا قَلِيلًا لَاصِقَةً كَهِيَ حين تَنْبُتُ وَجَبَ عليه
غَسْلُهَا إنَّمَا لَا يَجِبُ عليه غَسْلُهَا إذَا كَثُرَتْ فَكَانَتْ إذَا
أَسْبَغَ الْمَاءَ على اللِّحْيَةِ حَالَ الشَّعْرُ لِكَثْرَتِهِ دُونَ
الْبَشَرَةِ فإذا كانت هَكَذَا لم يَجِبْ غَسْلُ ما كان هَكَذَا من مُجْتَمَعِ
اللِّحْيَةِ وَوَجَبَ عليه إمْرَارُ الْمَاءِ عليها بَالِغًا منها حَيْثُ بَلَغَ
كما يَصْنَعُ في الْوَجْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُمِرَّ الْمَاءَ على جَمِيعِ ما سَقَطَ
من اللِّحْيَةِ عن الْوَجْهِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَأَمْرُهُ على ما على الْوَجْهِ
فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجْزِيهِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تَنْزِلُ
وَجْهًا وَالْآخَرُ يَجْزِيهِ إذَا أَمَرَّهُ على ما على الْوَجْهِ منه - * بَابُ
غَسْلِ الْيَدَيْنِ - *
(1/25)
أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَنْ
تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلَا يجزئ إلَّا أَنْ يُؤْتَى بِالْغُسْلِ على ظَاهِرِ
الْيَدَيْنِ وَبَاطِنِهِمَا وَحُرُوفِهِمَا حتى ينقضى غَسْلُهُمَا وَإِنْ تُرِكَ
من هذا شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ لم يَجُزْ وَيَبْدَأُ بِالْيُمْنَى من يَدَيْهِ قبل
الْيُسْرَى فَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قبل الْيُمْنَى كَرِهْت ذلك وَلَا أَرَى
عليه إعَادَةً وإذا كان الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ غَسَلَ ما بقى حتى يَغْسِلَ
الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ كان أَقْطَعَهُمَا من فَوْقِ الْمِرْفَقَيْنِ غَسَلَ ما
بقى من الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كان أَقْطَعَهُمَا من الْمِرْفَقَيْنِ ولم يَبْقَ
من الْمِرْفَقَيْنِ شَيْءٌ فَقَدْ ارْتَفَعَ عنه فَرْضُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ
وَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَمَسَّ أَطْرَافَ ما بقى من يَدَيْهِ أو مَنْكِبَيْهِ
غَسْلًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم يَضُرَّهُ ذلك - * بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ - * (1)
( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ بِأَيِّ رَأْسِهِ شَاءَ إنْ كان لَا
شَعْرَ عليه وَبِأَيِّ شَعْرِ رَأْسِهِ شَاءَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أو بَعْضِ
أُصْبُعٍ أو بَطْنِ كَفِّهِ أو أَمَرَ من يَمْسَحُ بِهِ أَجْزَأَهُ ذلك فَكَذَلِكَ
إنْ مَسَحَ نَزْعَتَيْهِ أو إحْدَاهُمَا أو بَعْضَهُمَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ من
رَأْسِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانٍ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ وبن عليه عن
أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن عَمْرِو بن وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عن
الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ
وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ فَحَسِرَ الْعِمَامَةَ عن رَأْسِهِ
وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أو قال نَاصِيَتَهُ بِالْمَاءِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عَلِيِّ بن يحيى عن بن
سِيرِينَ عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أو قال مُقَدَّمَ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ
) وإذا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَكَانَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم مُعْتَمًّا فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ فَقَدْ دَلَّ على أَنَّ
الْمَسْحَ على الرَّأْسِ دُونَهَا وَأُحِبُّ لو مَسَحَ على الْعِمَامَةِ مع
الرَّأْسِ وَإِنْ تَرَكَ ذلك لم يَضُرَّهُ وَإِنْ مَسَحَ على الْعِمَامَةِ دُونَ
الرَّأْسِ لم يُجْزِئْهُ ذلك وَكَذَلِكَ لو مَسَحَ على بُرْقُعٍ أو قُفَّازَيْنِ
دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ لم يُجْزِئْهُ ذلك وَلَوْ كان ذَا جُمَّةٍ
فَمَسَحَ من شَعْرِ الْجُمَّةِ ما سَقَطَ عن أُصُولِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ
لم ( ( ( ولم ) ) ) يُجْزِئْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ على
الرَّأْسِ نَفْسِهِ أو على الشَّعْرِ الذي على نَفْسِ الرَّأْسِ لَا السَّاقِطِ عن
الرَّأْسِ وَلَوْ جَمَعَ شَعْرَهُ فَعَقَدَهُ في وَسَطِ رَأْسِهِ فَمَسَحَ ذلك
الْمَوْضِعَ وكان الذي يَمْسَحُ بِهِ الشَّعْرَ السَّاقِطَ عن مَنَابِتِ شَعْرِ
الرَّأْسِ لم يُجْزِهِ وَإِنْ كان مَسَحَ بِشَيْءٍ من الشَّعْرِ على مَنَابِتِ
الرَّأْسِ بعد ما أُزِيلَ عن مَنْبَتِهِ لم يُجِزْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَعْرٌ
على غَيْرِ مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ وَلَا يجزئ الْمَسْحُ على الشَّعْرِ
حتى يَمْسَحَ على الشَّعْرِ في مَوْضِعِ مَنَابِتِهِ فَتَقَعُ الطَّهَارَةُ عليه
كما تَقَعُ على الرَّأْسِ نَفْسِهِ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ
بِيَدَيْهِ فَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ مَعًا يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ
يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ
يَرُدَّهُمَا حتى يَرْجِعَ إلَى الْمَكَانِ الذي بَدَأَ منه وَهَكَذَا رُوِيَ
أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَسَحَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عَمْرِو بن يحيى الْمَازِنِيِّ عن أبيه
أَنَّهُ قال قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بن زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ هل تَسْتَطِيعُ
أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَتَوَضَّأُ فقال
عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ نعم وَدَعَا بِوُضُوءٍ فَأَفْرَغَ على يَدَيْهِ فَغَسَلَ
يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ
إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ بِهِمَا
وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ
رَدَّهُمَا إلَى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منه ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ لو مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً تُجْزِئُهُ
وَأُحِبُّ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ
الرَّأْسِ وَيَأْخُذَ بِأُصْبُعَيْهِ الْمَاءَ لِأُذُنَيْهِ فَيُدْخِلَهُمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى {
وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم ) ) ) } وكان مَعْقُولًا في الْآيَةِ أَنَّ من
مَسَحَ من رَأْسِهِ شيئا فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ولم تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا
هذا وهو أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أو مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ
على أَنْ ليس على الْمَرْءِ مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ وإذا دَلَّتْ السُّنَّةُ على
ذلك فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ من مَسَحَ شيئا من رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ
(1/26)
فِيمَا ظَهَرَ من الْفُرْجَةِ التي
تُفْضِي إلَى الصِّمَاخِ وَلَوْ تَرَكَ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ لم يُعِدْ
لِأَنَّهُمَا لو كَانَتَا من الْوَجْهِ غُسِلَتَا معه أو من الرَّأْسِ مُسِحَتَا
معه أو وَحْدَهُمَا أَجْزَأَتَا منه فإذا لم يَكُونَا هَكَذَا فلم يُذْكَرَا في
الْفَرْضِ وَلَوْ كَانَتَا من الرَّأْسِ كَفَى مَاسِحَهُمَا أَنْ يَمْسَحَ
بِالرَّأْسِ كما يكفى مِمَّا يَبْقَى من الرَّأْسِ - * بَابُ غُسْلِ الرِّجْلَيْنِ
- * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَسْمَعْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْكَعْبَيْنِ
اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ
وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ
كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حتى تَغْسِلُوا
الْكَعْبَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ الْمَرْءَ إلَّا غُسْلُ ظَاهِرِ قَدَمَيْهِ وباطنهما
( ( ( وباطنه ) ) ) وَعُرْقُوبَيْهِمَا وَكَعْبَيْهِمَا حتى يَسْتَوْظِفَ كُلَّ ما
أَشْرَفَ من الْكَعْبَيْنِ عن أَصْلِ السَّاقِ فَيَبْدَأُ فَيَنْصِبُ قَدَمَيْهِ
ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَمِينِهِ أو يَصُبُّ عليه غَيْرُهُ
وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا حتى يَأْتِيَ الْمَاءُ على ما بين أَصَابِعِهِمَا
وَلَا يُجْزِئُهُ تَرْكُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
الْمَاءَ قد أتى على جَمِيعِ ما بين الْأَصَابِعِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن سُلَيْمٍ قال حدثني أبو هَاشِمٍ إسْمَاعِيلُ
بن كَثِيرٍ عن عَاصِمِ بن لَقِيطِ بن صُبْرَةَ عن أبيه قال كُنْت وَافِدَ بَنِي
الْمُنْتَفِقِ أو في وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم فَأَتَيْنَاهُ فلم نُصَادِفْهُ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها
فَأَتَتْنَا بِقِنَاعٍ فيه تَمْرٌ وَالْقِنَاعُ الطَّبَقُ فَأَكَلْنَا وَأَمَرَتْ
لنا بِحَرِيرَةٍ فَصُنِعَتْ فَأَكَلْنَا فلم نَلْبَثْ أَنْ جاء رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم فقال هل أَكَلْتُمْ شيئا هل أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ فَقُلْنَا
نعم فلم نَلْبَثْ أَنْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ فإذا سَخْلَةٌ تَيْعَرُ قال
هِيهِ يا فُلَانُ ما وَلَدَتْ قال بَهْمَةً قال فَاذْبَحْ لنا مَكَانَهَا شَاةً
ثُمَّ انْحَرَفَ إلَيَّ وقال لي لَا تَحْسَبَنَّ ولم يَقُلْ لَا تَحْسَبَنَّ
أَنَّا من أَجْلِك ذَبَحْنَاهَا لنا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ فإذا
وَلَدَ الرَّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ لي امْرَأَةً في لِسَانِهَا شَيْءٌ يَعْنِي الْبَذَاءَ قال طَلِّقْهَا إذًا
قُلْت إنَّ لي منها وَلَدًا وَإِنَّ لها صُحْبَةً قال فَمُرْهَا يقول عِظْهَا
فَإِنْ يَكُ فيها خَيْرٌ فَسَتَعْقِلُ وَلَا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَك كَضَرْبِك
أَمَتَك قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عن الْوُضُوءِ قال أَسْبِغْ
الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بين الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ في الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ
تَكُونَ صَائِمًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان في أَصَابِعِهِ شَيْءٌ
خُلِقَ مُلْتَصِقًا غَلْغَلَ الْمَاءَ على عُضْوَيْهِ حتى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى ما
ظَهَرَ من جِلْدِهِ لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وَلَيْسَ عليه أَنْ يَفْتُقَ ما
خُلِقَ مُرْتَتِقًا مِنْهُمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } قال الشَّافِعِيُّ وَنَحْنُ
نَقْرَؤُهَا وَأَرْجُلَكُمْ على مَعْنَى اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
(1/27)
- * بَابُ مَقَامِ الموضىء ( ( (
الموضئ ) ) ) - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى إنَّ النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ وَبَعْضُ نِسَائِهِ من إنَاءٍ وَاحِدٍ فإذا
تَوَضَّأَ الناس مَعًا فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا وَقْتَ فِيمَا يَطْهُرُ
من المتوضيء ( ( ( المتوضئ ) ) ) من الْمَاءِ إلَّا الْإِتْيَانُ على ما أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ من غَسْلٍ وَمَسْحٍ وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَسَلَ الِاثْنَانِ مَعًا
فإذا أتى الْمَرْءُ على ما أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ من غَسْلٍ وَمَسْحٍ
فَقَدْ أَدَّى ما عليه قَلَّ الْمَاءُ أو كَثُرَ وقد يُرْفِقُ بِالْمَاءِ
الْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي وَأَقَلُّ ما يَكْفِي
فِيمَا أُمِرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قام رَجُلٌ يوضيء ( ( (
يوضئ ) ) ) رَجُلًا قام عن يَسَارِ المتوضيء ( ( ( المتوضئ ) ) ) لِأَنَّهُ
أَمْكَنُ له من الْمَاءِ وَأَحْسَنُ في الْأَدَبِ وَإِنْ قام عن يَمِينِهِ أو
حَيْثُ قام إذَا صَبَّ عليه الْمَاءَ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ
إنَّمَا هو في الْوُضُوءِ لَا في مَقَامِ الموضيء ( ( ( الموضئ ) ) ) - * بَابُ
قَدْرِ الْمَاءِ الذي يُتَوَضَّأُ بِهِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بن
عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَةَ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ الناس الْوُضُوءَ
فلم يَجِدُوهُ فَأَتَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِوُضُوءٍ فَوَضَعَ
يَدَهُ في ذلك الْإِنَاءِ وَأَمَرَ الناس أَنْ يَتَوَضَّئُوا منه قال فَرَأَيْت
الْمَاءَ يَنْبُعُ من بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الناس حتى تَوَضَّئُوا من
عِنْدِ آخِرِهِمْ
(1/28)
بِغَسْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ له الْمَاءَ
ثُمَّ يُجْرِيَهُ على الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِنْ جَرَى
الْمَاءُ بِنَفْسِهِ حتى أتى على جَمِيعِ ذلك أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَمَرَّ بِهِ على
يَدِهِ وكان ذلك بِتَحْرِيكٍ له بِالْيَدَيْنِ كان أَنْقَى وكان أَحَبَّ إلَيَّ
وَإِنْ كان على شَيْءٍ من أَعْضَائِهِ مِشْقٌ أو غَيْرُهُ مِمَّا يَصْبُغُ
الْجَسَدَ فَأَمَرَّ الْمَاءَ عليه فلم يَذْهَبْ لم يَكُنْ عليه إعَادَةُ غَسْلِ
الْعُضْوِ إذَا أَجْرَى الْمَاءَ عليه فَقَدْ جاء بِأَقَلَّ ما يَلْزَمُهُ
وَأَحَبَّ إلى لو غَسَلَهُ حتى يَذْهَبَ كُلَّهُ وَإِنْ كان عليه عِلْكٌ أو شَيْءٌ
ثَخِينٌ فَيَمْنَعُ الْمَاءَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجِلْدِ لم يُجْزِهِ وُضُوءُ ذلك
الْعُضْوِ حتى يُزِيلَ عنه ذلك أو يُزِيلَ منه ما يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ قد
مَاسَّ معه الْجِلْدَ كُلَّهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ فَأَمَّا الرَّأْسُ فَيَأْخُذُ
من الْمَاءِ بِمَا شَاءَ من يَدِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ
أؤ شَعْرَهُ الذي عليه فَإِنْ كان أَيْضًا دُونَ ما يَمْسَحُ من شَعْرِهِ حَائِلٌ
لم يُجْزِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان دُونَ الرَّأْسِ حَائِلٌ وَلَا شَعْرَ عليه لم
يُجْزِهِ حتى يُزِيلَ الْحَائِلَ فَيُبَاشِرَ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ أو شَعْرَهُ وَإِنْ
انْغَمَسَ في مَاءٍ جَارٍ أو نَاقِعٍ لَا يَنْجُسُ انغماسه تَأْتِي على جَمِيعِ
أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ بها أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَلَسَ
تَحْتَ مَصَبِّ مَاءٍ أؤ سِرْبٍ لِلْمَطَرِ أو مَطَرٍ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ
فَيَأْتِي الْمَاءُ على جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حتى لَا يَبْقَى منها شَيْءٌ
أَجْزَأَهُ وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَيَكْفِيهِ من النِّيَّةِ
فيه أَنْ يَتَوَضَّأَ يَنْوِي طَهَارَةً من حَدَثٍ أو طَهَارَةً لِصَلَاةِ
فَرِيضَةٍ أو نَافِلَةٍ أو لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أو صَلَاةٍ على جِنَازَةٍ أو
مِمَّا أَشْبَهَ هذا مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا طَاهِرٌ ( قال ) وَلَوْ وَضَّأَ
بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى في الْبَاقِي لم يُجْزِهِ إلَّا
أَنْ يَعُودَ لِلَّذِي وَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ فَيُحْدِثَ له نِيَّةً يُجْزِئُهُ
بها الْوُضُوءُ قال أبو مُحَمَّدٍ وَيَغْسِلُ ما بَعْدَهُ وهو قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَيَغْسِلُ ما بَعْدَهُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَدَّمَ النِّيَّةَ مع أَخْذِهِ في الْوُضُوءِ
أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ فَإِنْ قَدَّمَهَا قَبْلُ ثُمَّ عَزَبَتْ عنه لم يُجْزِهِ
وإذا تَوَضَّأَ وهو يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ عَزَبَتْ عنه النِّيَّةُ
أَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَبِيحُ بها الْوُضُوءَ ما لم يُحْدِثْ
نِيَّةَ أَنْ يَتَبَرَّدَ بِالْمَاءِ أو يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ لَا يَتَطَهَّرَ
بِهِ وإذا وَضَّأَ وَجْهَهُ يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ نَوَى بِغُسْلِ يَدَيْهِ
وما بقى من جَسَدِهِ التَّنْظِيفَ أو التَّبْرِيدَ لَا الطَّهَارَةَ لم يُجْزِهِ
الْوُضُوءُ حتى يَعُودَ لِغَسْلِ أَعْضَائِهِ التي أَحْدَثَ فيها غير نِيَّةِ
الطَّهَارَةِ فإذا وَضَّأَ نَفْسَهُ أو وَضَّأَ غَيْرَهُ فسوا ( ( ( فسواء ) ) )
وَيَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ منه مَاءً غير الْمَاءِ الذي أَخَذَ لِلْآخَرِ وَلَوْ
مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ بَلَلِ وُضُوءِ يَدَيْهِ أو مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ
لِحْيَتِهِ لم يُجْزِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَاءٌ جَدِيدٌ ( قال الرَّبِيعُ )
وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِلَا نِيَّةِ طَهَارَةٍ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ غَسَلَ
يَدَيْهِ بَعْدُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ كان
عليه أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْوَجْهِ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ وَغَسَلَ ما بَعْدَ
ذلك مِمَّا غَسَلَ لَا يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ حتى يَأْتِيَ الْوُضُوءُ على ما
ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل من شَيْءٍ قبل شَيْءٍ وَإِنْ كان غَسَلَ وَجْهَهُ يَنْوِي
الطَّهَارَةَ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لَا يَنْوِي
الطَّهَارَةَ كان عليه أَنْ يَغْسِلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ الذي لم يَنْوِ بِهِمَا
طَهَارَةً وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَمَسَ فيه ثَوْبًا لَيْسَتْ فيه نَجَاسَةٌ
وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لم يَخْلِطْهُ شَيْءٌ يَصِيرُ إلَيْهِ مُسْتَهْلِكًا فيه
أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ
تَوَضَّأَ بِمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ رَجُلٌ لَا نَجَاسَةَ على أَعْضَائِهِ لم
يُجْزِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ قد توضيء ( ( ( توضئ ) ) ) بِهِ وَكَذَلِكَ لو تَوَضَّأَ
بِمَاءٍ قد اغْتَسَلَ فيه رَجُلٌ وَالْمَاءُ أَقَلُّ من قُلَّتَيْنِ لم يُجْزِهِ
وَإِنْ كان الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ أو أَكْثَرَ فَانْغَمَس
(1/29)
فيه رَجُلٌ لَا نَجَاسَةَ عليه
فَتَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ هذا لَا يُفْسِدُهُ وَإِنَّمَا قُلْت لَا
يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قد تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل
يقول { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ
الْوَجْهَ لَا يَكُونُ مَغْسُولًا إلَّا بِأَنْ يُبْتَدَأَ له مَاءٌ فَيُغْسَلَ
بِهِ ثُمَّ عليه في الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ ما عليه في الْوَجْهِ من أَنْ
يَبْتَدِئَ له مَاءً فَيَغْسِلَهُ بِهِ وَلَوْ أَعَادَ عليه الْمَاءَ الذي غَسَلَ
بِهِ الْوَجْهَ كان لم يُسَوِّ بين يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلَا يَكُونُ مُسَوِّيًا
بَيْنَهُمَا حتى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ كما ابْتَدَأَ لِوَجْهِهِ وَأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ منه مَاءً جَدِيدًا
وَلَوْ أَصَابَ هذا الْمَاءُ الذي تَوَضَّأَ بِهِ من غَيْرِ نَجَاسَةٍ على
الْبَدَنِ ثَوْبَ الذي تَوَضَّأَ بِهِ أو غَيْرَهُ أو صُبَّ على الْأَرْضِ لم
يَغْسِلْ منه الثَّوْبَ وَصَلَّى على الْأَرْضِ لِأَنَّهُ ليس بِنَجَسٍ فَإِنْ قال
قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ لم يَكُنْ نَجِسًا قِيلَ من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ وَلَا شَكَّ أَنَّ من الْوُضُوءِ ما يُصِيبُ
ثِيَابَهُ ولم نَعْلَمْهُ غَسَلَ ثِيَابَهُ منه وَلَا أَبْدَلَهَا وَلَا عَلِمْت
فَعَلَ ذلك أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَعْقُولًا إذَا لم يُمَاسَّ
الْمَاءَ نَجَاسَةٌ لَا يَنْجُسُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا
لم يَكُنْ نَجِسًا قِيلَ لِمَا وَصَفْنَا وَإِنَّ على الناس تَعَبُّدًا في
أَنْفُسِهِمْ بِالطَّهَارَةِ من غَيْرِ نَجَاسَةٍ تُمَاسَّ أَبْدَانَهُمْ وَلَيْسَ
على ثَوْبٍ وَلَا على أَرْضٍ تَعَبُّدٌ وَلَا أَنْ يُمَاسَّهُ مَاءٌ من غَيْرِ
نَجَاسَةٍ - * بَابُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَمُتَابَعَتِهِ - * (1) ( وقال
الشَّافِعِيُّ ) إنَّهُ إذَا انْصَرَفَ من رُعَافٍ أو غَيْرِهِ قبل أَنْ يُتِمَّ
صَلَاتَهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ
عن هذه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل {
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم (
( ( برءوسكم ) ) ) وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } قال وَتَوَضَّأَ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ
اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قال فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ
على المتوضيء ( ( ( المتوضئ ) ) ) في الْوُضُوءِ شَيْئَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا
بَدَأَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهِ منه وَيَأْتِي
على إكْمَالِ ما أُمِرَ بِهِ فَمَنْ بَدَأَ بيده قبل وَجْهِهِ أو رَأْسِهِ قبل
يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ قبل رَأْسِهِ كان عليه عندى أَنْ يُعِيدَ حتى يَغْسِلَ
كُلًّا في مَوْضِعِهِ بَعْدَ الذي قَبْلَهُ وَقَبْلَ الذي بَعْدَهُ لَا يَجْزِيهِ
عِنْدِي غَيْرُ ذلك وَإِنْ صلى أَعَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ
وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَيْرُهُ في هذا سَوَاءٌ فإذا نسى مَسْحَ رَأْسِهِ حتى
غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَادَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَهُ
وَإِنَّمَا قُلْت يُعِيدُ كما قُلْت وقال غَيْرِي في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { إنَّ
الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ من شَعَائِرِ اللَّهِ } فَبَدَأَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بِالصَّفَا وقال نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ولم
أَعْلَمْ خِلَافًا أَنَّهُ لو بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ أَلْغَى طَوَافًا حتى يَكُونَ
بَدْؤُهُ بِالصَّفَا وَكَمَا قُلْنَا في الْجِمَارِ إنْ بَدَأَ بِالْآخِرَةِ قبل
الْأُولَى أَعَادَ حتى تَكُونَ بَعْدَهَا وَإِنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ قبل الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَعَادَ فَكَانَ الْوُضُوءُ في هذا
الْمَعْنَى أَوْكَدَ من بَعْضِهِ عندى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَذَكَرَ
اللَّهُ عز وجل الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ
بِالْيُمْنَى قبل الْيُسْرَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قبل الْيُمْنَى فَقَدْ
أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عليه وَأُحِبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْوُضُوءَ وَلَا
يُفَرِّقَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جاء بِهِ مُتَتَابِعًا
وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ جاؤوا بِالطَّوَافِ ورمى الْجِمَارِ وما أَشْبَهَهُمَا
من الْأَعْمَالِ مُتَتَابِعَةً وَلَا حَدَّ لِلتَّتَابُعِ إلَّا ما يَعْلَمُهُ
الناس من أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ فيه ثُمَّ لَا يَكُونُ قَاطِعًا له حتى
يُكْمِلَهُ إلَّا من عُذْرٍ وَالْعُذْرُ أَنْ يَفْزَعَ في مَوْضِعِهِ الذي
تَوَضَّأَ فيه من سَيْلٍ أو هَدْمٍ أو حَرِيقٍ أو غَيْرِهِ فَيَتَحَوَّلَ إلَى
غَيْرِهِ فَيَمْضِيَ فيه على وُضُوئِهِ أو يَقِلُّ بِهِ الْمَاءُ فَيَأْخُذُ
الْمَاءَ ثُمَّ يَمْضِي على وُضُوئِهِ في الْوَجْهَيْنِ جميعا وَإِنْ جَفَّ وضوؤه
كما يَعْرِضُ له في الصَّلَاةِ الرُّعَافُ وَغَيْرُهُ فَيَخْرُجُ ثُمَّ يبنى
وَكَمَا يَقْطَعُ بِهِ الطَّوَافَ لِصَلَاةٍ أو رُعَافٍ أو انْتِقَاضِ وُضُوءٍ
فَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يبنى ( قال الرَّبِيعُ ) ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن هذا
بَعْدُ وقال عليه أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ من رُعَافٍ
(1/30)
الْمَسْأَلَةِ وقال إذَا حَوَّلَ
وَجْهَهُ عن تَمَامِ الصَّلَاةِ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ من
رُعَافٍ وَغَيْرِهِ (1) ( قال ) وَهَذَا غَيْرُ مُتَابَعَةٍ لِلْوُضُوءِ
وَلَعَلَّهُ قد جَفَّ وضوؤه وقد يَجِفُّ فِيمَا أَقَلَّ مِمَّا بين السُّوقِ
وَالْمَسْجِدِ وَأَجِدُهُ حين تَرَكَ مَوْضِعَ وُضُوئِهِ وَصَارَ إلَى الْمَسْجِدِ
آخِذًا في عَمَلٍ غَيْرِ الْوُضُوءِ وَقَاطِعًا له ( قال ) وفي مَذْهَبِ كَثِيرٍ
من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثُمَّ
الْآخِرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى أَعَادَ الْوُسْطَى وَالْآخِرَةَ حتى يَكُونَا في
مَوْضِعِهِمَا ولم يُعِدْ الْأُولَى وهو دَلِيلٌ في قَوْلِهِمْ على أَنَّ
تَقْطِيعَ الْوُضُوءِ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يجزئ عنه كما قَطَعَ الذي رَمَى الْجَمْرَةَ
الْأُولَى رَمْيَهَا إلَى الْآخِرَةِ فلم يَمْنَعْهُ أَنْ تجزى عنه الْوُسْطَى - *
بَابُ التَّسْمِيَةِ على الْوُضُوءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ
لِلرَّجُلِ أَنْ يسمى اللَّهَ عز وجل في ابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنْ سَهَا سَمَّى
مَتَى ذَكَرَ وَإِنْ كان قبل أَنْ يُكْمِلَ الْوُضُوءَ وَإِنْ تَرَكَ
التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا أو عَامِدًا لم يَفْسُدْ وضوؤه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
- * بَابُ عَدَدِ الْوُضُوءِ وَالْحَدِّ فيه - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ
عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ قال تَوَضَّأَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ تَحَوَّلَ من مَوْضِعٍ قد وَضَّأَ بَعْضَ
أَعْضَائِهِ فيه إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لِنَظَافَتِهِ أو لِسَعَتِهِ أو ما
أَشْبَهَ ذلك مَضَى على وُضُوءِ ما بقى منه وَكَذَلِكَ لو تَحَوَّلَ
لِاخْتِيَارِهِ لَا لِضَرُورَةٍ كانت بِهِ في مَوْضِعِهِ الذي كان فيه وَإِنْ
قَطَعَ الْوُضُوءَ فيه فَذَهَبَ لِحَاجَةٍ أو أَخَذَ في غَيْرِ عَمَلِ الْوُضُوءِ
حتى تَطَاوَلَ ذلك بِهِ جَفَّ الْوُضُوءُ أو لم يَجِفَّ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو
اسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَكُونَ عليه اسْتِئْنَافُ وُضُوءٍ
وَإِنْ طَالَ تَرْكُهُ له ما لم يُحْدِثْ بين ظَهَرَانِي وُضُوئِهِ فَيَنْتَقِضُ
ما مَضَى من وُضُوئِهِ وَلِأَنِّي لَا أَجِدُ في مُتَابَعَتِهِ الْوُضُوءَ ما
أَجِدُ في تَقْدِيمِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي
بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { حتى
تَغْتَسِلُوا } فَهَذَا مُغْتَسِلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ وَلَا أَحْسَبُهُ
يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلَ هذا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ
بِالسُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دعى
لِجِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ليصلى عليها فَمَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ صلى
عليها
(1/31)
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَأَدْخَلَ يَدَهُ في الْإِنَاءِ فَاسْتَنْشَقَ وَتَمَضْمَضَ مَرَّةً وَاحِدَةً
ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَصَبَّ على وَجْهِهِ مَرَّةً وَصَبَّ على يَدَيْهِ مَرَّةً
وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن
حُمْرَانَ مولى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ
بِالْمَقَاعِدِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم يقول من تَوَضَّأَ وُضُوئِي هذا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ من وَجْهِهِ
وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ (1) ( قال ) وَلَا أُحِبُّ للمتوضيء ( ( ( للمتوضئ ) ) )
أَنْ يَزِيدَ على ثَلَاثٍ وَإِنْ زَادَ لم أَكْرَهْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وإذا وَضَّأَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ
- * بَابُ جِمَاعِ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا برؤوسكم ( ( ( برءوسكم ) ) ) وَأَرْجُلَكُمْ إلَى
الْكَعْبَيْنِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل
بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ على كل مُتَوَضِّئٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ
على بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّ مَسْحُ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم على الْخُفَّيْنِ أَنَّهُمَا على من لَا خُفَّيْنِ عليه إذَا هو
لَبِسَهُمَا على كَمَالِ الطَّهَارَةِ كما دَلَّ صَلَاةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ على أَنَّ
فَرْضَ الْوُضُوءِ على من قام إلَى الصَّلَاةِ على بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ
بَعْضٍ لَا أَنَّ الْمَسْحَ خِلَافٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا الْوُضُوءَ
على الْقَدَمَيْنِ وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ سُنَّةٌ من سُنَنِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
بِخِلَافٍ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد اللَّهِ بن نَافِعٍ عن دَاوُد بن قَيْسٍ عن
زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ قال دخل رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِلَالٌ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ
فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ خَرَجَا قال أُسَامَةُ فَسَأَلْت بِلَالًا مَاذَا صَنَعَ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال بِلَالٌ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ
تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ على
الْخُفَّيْنِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وعبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ
عن عَبَّادِ بن زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أخبره أَنَّ
الْمُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ أخبره أَنَّهُ غَزَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ قال الْمُغِيرَةُ فَتَبَرَّزَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قِبَلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْت معه أداوة قبل الْفَجْرِ فلما رَجَعَ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلْت أُهْرِيقَ على يَدَيْهِ من الأداوة وهو
يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُحْسِرُ
جُبَّتَهُ عن ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كما جُبَّتِهِ عن ذِرَاعَيْهِ فَأَدْخَلَ
يَدَيْهِ في الْجُبَّةِ حتى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ من أَسْفَلِ الْجُبَّةِ وَغَسَلَ
ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ
أَقْبَلَ قال الْمُغِيرَةُ فَأَقْبَلْت معه حتى نَجِدَ الناس قد قَدَّمُوا عَبْدَ
الرحمن بن عَوْفٍ يُصَلِّي لهم فَأَدْرَكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ معه وَصَلَّى مع الناس الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ فلما سَلَّمَ قام
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَأَفْزَعَ ذلك
الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ فلما قَضَى رسول اللَّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ هذا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم إذَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ مَرَّةً فَالْكَمَالُ
وَالِاخْتِيَارُ ثَلَاثٌ وَوَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فَأُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يوضيء (
( ( يوضئ ) ) ) وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَمْسَحَ
بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا وَيَعُمَّ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ في غَسْلِ
الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ على وَاحِدَةٍ تَأْتِي على جَمِيعِ ذلك
أَجْزَأَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ في الرَّأْسِ على مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا شَاءَ من
يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ ذلك وَذَلِكَ أَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ وَإِنْ وَضَّأَ بَعْضَ
أَعْضَائِهِ مَرَّةً وَبَعْضَهَا أثنين وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ
وَاحِدَةً إذَا أَجْزَأَتْ في الْكُلِّ أَجْزَأَتْ في الْبَعْضِ منه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عَمْرِو بن يحيى الْمَازِنِيِّ عن أبيه
عن عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ
فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ
بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ
ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الذي بَدَأَ منه
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ
(1/32)
صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاتَهُ
أَقْبَلَ عليهم ثُمَّ قال أَحْسَنْتُمْ أو قال أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ أَنْ
صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا
قال بن شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بن مُحَمَّدِ بن أبي وَقَّاصٍ عن
حَمْزَةَ بن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ بِنَحْوٍ من حديث عَبَّادٍ قال الْمُغِيرَةُ
فَأَرَدْت تَأْخِيرَ عبد الرحمن فقال لي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَعْهُ (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ لم يُدْخِلْ وَاحِدَةً من رِجْلَيْهِ في الْخُفَّيْنِ
إلَّا وَالصَّلَاةُ تَحِلُّ له فإنه كَامِلُ الطَّهَارَةِ وكان له أَنْ يَمْسَحَ
على الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَجُلٌ فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ
يَبْتَدِئَ بَعْدَ إكْمَالِهِ إدْخَالَ كل وَاحِدَةٍ من الْخُفَّيْنِ رِجْلَهُ
فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذلك كان له أَنْ يَمْسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَإِنْ
أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ أو وَاحِدَةً مِنْهُمَا الْخُفَّيْنِ قبل أَنْ تَحِلَّ له
الصَّلَاةُ لم يَكُنْ له إنْ أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أو
يوضيء ( ( ( يوضئ ) ) ) وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَيَغْسِلَ
إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ يَغْسِلَ الْأُخْرَى
فَيُدْخِلَهَا الْخُفَّ فَلَا يَكُونُ له إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ على
الْخُفَّيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ الْخُفَّ وهو غَيْرُ كَامِلِ
الطَّهَارَةِ وَتَحِلُّ له الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ لو غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ
تَوَضَّأَ بَعْدُ لم يَكُنْ له أَنْ يصلى حتى يَنْزِعَ الْخُفَّيْنِ وَيَتَوَضَّأَ
فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لو تَوَضَّأَ
فَأَكْمَلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَفَّفَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَهُ
الْأُخْرَى في سَاقِ الْخُفِّ فلم تَقَرَّ في مَوْضِعِ الْقَدَمِ حتى أَحْدَثَ لم
يَكُنْ له أَنْ يَمْسَحَ لِأَنَّ هذا لَا يَكُونُ مُتَخَفِّفًا حتى يُقِرَّ
قَدَمَهُ في قَدَمِ الْخُفِّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ وَيَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ
وإذا وَارَى الْخُفُّ من جَمِيعِ جَوَانِبِهِ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ وهو أَنْ يوارى
الْكَعْبَيْنِ فَلَا يُرَيَانِ منه كان لِمَنْ له الْمَسْحُ على الْخُفَّيْنِ أَنْ
يَمْسَحَ هَذَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُفَّانِ وَإِنْ كان الْكَعْبَانِ أؤ ما
يُحَاذِيهِمَا من مُقَدَّمِ السَّاقِ أو مُؤَخَّرِهَا يُرَى من الْخُفِّ
لِقِصَرِهِ أو لِشِقٍّ فيه أو يُرَى منه شَيْءٌ ما كان لم يَكُنْ لِمَنْ لَبِسَهُ
أَنْ يَمْسَحَ عليه وَهَكَذَا إنْ كان في الْخُفَّيْنِ خَرْقٌ يُرَى منه شَيْءٌ من
مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ في بَطْنِ الْقَدَمِ أو ظَهْرِهَا أو حُرُوفِهَا أو ما
ارْتَفَعَ من الْقَدَمِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عليه هَذَانِ الْخُفَّانِ
أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ لِمَنْ تَغَطَّتْ رِجْلَاهُ
بِالْخُفَّيْنِ فإذا كانت إحْدَاهُمَا بَارِزَةً بَادِيَةً فَلَيْسَتَا
بِمُتَغَطِّيَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عليه الْفَرْضُ من
الرِّجْلَيْنِ بَارِزًا وَلَا يُغْسَلَ وإذا وَجَبَ الْغُسْلُ على شَيْءٍ من
الْقَدَمِ وَجَبَ عليها كُلِّهَا وَإِنْ كان في الْخُفِّ خَرْقٌ وَجَوْرَبٌ
يُوَارِي الْقَدَمَ فَلَا نَرَى له الْمَسْحَ عليه لِأَنَّ الْخُفَّ ليس
بِجَوْرَبٍ وَلِأَنَّهُ لو تُرِكَ أَنْ يَلْبَسَ دُونَ الْخُفِّ جَوْرَبًا ريء
بَعْضُ رِجْلَيْهِ ( قال ) وَإِنْ انْفَتَقَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ وَبِطَانَتُهُ
صَحِيحَةٌ لَا يُرَى منها قَدَمٌ كان له الْمَسْحُ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ خُفٌّ
وَالْجَوْرَبُ ليس بِخُفٍّ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أُلْصِقَ بِالْخُفِّ فَهُوَ
منه وَلَوْ تَخَفَّفَ خُفًّا فيه خَرْقٌ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ آخَرَ صَحِيحًا كان
له أَنْ يَمْسَحَ وإذا كان الْخُفُّ الذي على قَدَمِهِ صَحِيحًا مَسَحَ عليه دُونَ
الذي فَوْقَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان في الْخُفِّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي حديث بِلَالٍ دَلِيلٌ على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم مَسَحَ على الْخُفَّيْنِ في الْحَضَرِ لِأَنَّ بِئْرَ جَمَلٍ في
الْحَضَرِ قال فَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ مَعًا - * بَابُ من له
الْمَسْحُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ
عن حُسَيْنٍ وَزَكَرِيَّا وَيُونُسَ عن الشَّعْبِيِّ عن عُرْوَةَ بن الْمُغِيرَةِ
بن شُعْبَةَ عن أبيه قال قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ أَتَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ
قال نعم إنِّي أَدْخَلَتْهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ
(1/33)
فَتْقٌ كَالْخَرْقِ الذي من قِبَلِ
الْخَرَزِ كان أو غَيْرَهُ وَالْخُفُّ الذي يَمْسَحُ عليه الْخُفُّ الْمَعْلُومُ
سَاذِجًا كان أؤ مُنَعَّلًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان الْخُفَّانِ من
لُبُودٍ أو ثِيَابٍ أو طُفًى فَلَا يَكُونَانِ في مَعْنَى الْخُفِّ حتى يُنَعَّلَا
جِلْدًا أو خَشَبًا أو ما يَبْقَى إذَا تُوبِعَ الْمَشْيُ عليه وَيَكُونُ كُلُّ ما
على مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ منها صَفِيقًا لَا يَشِفُّ فإذا كان هَكَذَا مَسَحَ عليه
وإذا لم يَكُنْ هَكَذَا لم يَمْسَحْ عليه وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَشِفُّ
وَغَيْرُ مُنَعَّلٍ فَهَذَا جَوْرَبٌ أو يَكُونَ مُنَعَّلًا وَيَكُونَ يَشِفُّ
فَلَا يَكُونُ هذا خُفًّا إنَّمَا الْخُفُّ ما لم يَشِفَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَإِنْ كان مُنَعَّلًا وما على مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ صَفِيقًا لَا يَشِفَّ وما
فَوْقَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَشِفُّ لم يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ في ذلك
شَيْءٌ لم يَضُرَّهُ وَإِنْ كان في شَيْءٍ مِمَّا على مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ شَيْءٌ
يَشِفُّ لم يَكُنْ له أَنْ يَمْسَحَ عليه فإذا كان عليه جَوْرَبَانِ يَقُومَانِ
مَقَامَ الْخُفَّيْنِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ أو
كان عليه خُفَّانِ فَلَبِسَهُمَا أو لَبِسَ عَلَيْهِمَا جُرْمُوقَيْنِ آخَرَيْنِ
أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ على الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ قَدَمَيْهِ ولم
يُعِدْ على الْخُفَّيْنِ فَوْقَهُمَا وَلَا على الْجُرْمُوقَيْنِ مَسْحًا وَلَوْ
تَوَضَّأَ فَأَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أو ما يَقُومُ
مَقَامَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا جُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَ
فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ على الْجُرْمُوقَيْنِ لم يَكُنْ ذلك له وكان عليه أَنْ
يَطْرَحَ الْجُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحَ على الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ
قَدَمَيْهِ ثُمَّ يُعِيدَ الْجُرْمُوقَيْنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ مَسَحَ على
الْجُرْمُوقَيْنِ وَدُونَهُمَا خُفَّانِ لم يُجْزِهِ الْمَسْحُ وَلَا الصَّلَاةُ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَبِسَ جَوْرَبَيْنِ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ
خُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ على الْخُفَّيْنِ لِأَنَّهُ
ليس دُونَ الْقَدَمَيْنِ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لو
جَعَلَ خَرْقًا وَلَفَائِفَ مُتَظَاهِرَةً على الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ لَبِسَ
فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَقَلَّمَا يُلْبَسُ الْخُفَّانِ
إلَّا وَدُونُهُمَا وِقَايَةٌ من جَوْرَبٍ أو شَيْءٍ يَقُومُ مَقَامَهُ يَقِي
الْقَدَمَيْنِ من خَرَزِ الْخُفِّ وَحُرُوفِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان
الْخُفَّانِ أو شَيْءٌ مِنْهُمَا نَجِسًا لم تَحِلَّ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ
كَانَا من جِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ كَلْبٍ أو خِنْزِيرٍ وَإِنْ كَانَا من جِلْدِ
سَبُعٍ فَدُبِغَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا إذَا لم يَبْقَ فِيهِمَا شَعْرٌ
فَإِنْ بقى فِيهِمَا شَعْرٌ فَلَا يُطَهِّرُ الشَّعْرَ الدِّبَاغُ وَلَا يصلى
فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا من جِلْدِ مَيْتَةٍ أو سَبُعٍ لم يُدْبَغَا لم تَحِلَّ
الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا من جِلْدِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيٌّ
حَلَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ لم يُدْبَغَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجْزِي
الْمَسْحُ من طَهَارَةِ الْوُضُوءِ فإذا وَجَبَ الْغُسْلُ وَجَبَ نَزْعُ
الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَكَذَلِكَ يجزئ الِاسْتِنْجَاءُ
بِالْحِجَارَةِ من الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ في الْوُضُوءِ وإذا وَجَبَ الْغُسْلُ
وَجَبَ غَسْلُ ما هُنَالِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَظْهَرُ من الْبَدَنِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ دَمِيَتْ الْقَدَمَانِ في الْخُفَّيْنِ أو وَصَلَتْ
إلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ وَجَبَ خَلْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ لِأَنَّ
الْمَسْحَ طَهَارَةُ تَعَبُّدِ وُضُوءٍ لَا طَهَارَةُ إزَالَةِ نَجَسٍ - * بَابُ
وَقْتِ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن
عبدالمجيد قال أخبرنا الْمُهَاجِرُ أبو مَخْلَدٍ عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن
أبيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ
يَمْسَحَ على الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ
يَوْمًا وَلَيْلَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ
فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَاصِمِ بن بَهْدَلَةَ عن زِرِّ بن
حُبَيْشٍ قال أَتَيْتُ صَفْوَانَ بن عَسَّالٍ فقال لي ما جاء بِك فَقُلْت
ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فقال إنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَخَفَّفَ وَاحِدًا غَيْرَهُ فَكَانَ في
مَعْنَاهُ مَسَحَ عليه وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ من جُلُودِ بَقَرٍ أو إبِلٍ
أو خَشَبٍ فَهَذَا أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ من جُلُودِ الْغَنَمِ
(1/34)
الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا
لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ قُلْت حَاكَ في نَفْسِي الْمَسْحُ على
الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَكُنْت امرءا من أَصْحَابِ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَتَيْتُك أَسْأَلُك هل سَمِعْت من رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك شيئا فقال نعم كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كنا سَفْرًا أو مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلَّا من جَنَابَةٍ لَكِنْ من بَوْلٍ
وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ
ثُمَّ أَحْدَثَ قبل زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ صلى بِالْمَسْحِ الْأَوَّلِ ما لم
يُنْتَقَضْ وضوؤه فَإِنْ انْتَقَضَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ أَيْضًا حتى السَّاعَةَ
التي أَحْدَثَ فيها من غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فإذا جاء الْوَقْتُ الذي
مَسَحَ فيه فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَإِنْ لم يُحْدِثْ وكان عليه أَنْ
يَنْزِعَ خُفَّيْهِ فإذا فَعَلَ وَتَوَضَّأَ كان على وُضُوئِهِ وَمَتَى لَبِسَ
خُفَّيْهِ فَأَحْدَثَ مَسَحَ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ التي أَحْدَثَ فيها ثُمَّ
يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ في السَّاعَةِ التي أَحْدَثَ فيها وَإِنْ لم يُحْدِثْ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ صلى الظُّهْرَ
وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَالظُّهْرَ إنْ قَدَّمَهَا
حتى يُصَلِّيَهَا قبل الْوَقْتِ الذي أَحْدَثَ فيه وَيَخْرُجَ منها فَإِنْ
أَخَّرَهَا حتى يَكُونَ الْوَقْتُ الذي أَحْدَثَ فيه لم يَكُنْ له أَنْ
يُصَلِّيَهَا بِمَسْحٍ وَإِنْ قَدَّمَهَا فلم يُسَلِّمْ منها حتى يَدْخُلَ
الْوَقْتُ الذي مَسَحَ فيه انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ بِانْتِقَاضِ مَسْحِهِ وكان عليه
أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ ويصلى بِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ
كُلَّمَا لَبِسَ خُفَّيْهِ على طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ كان هَكَذَا أَبَدًا + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَصْنَعُ هَكَذَا في السَّفَرِ في ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيِهِنَّ يَمْسَحُ في الْيَوْمُ الثَّالِثِ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ التي
أَحْدَثَ فيها فيصلى في الْحَضَرِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مَرَّةً وَسِتًّا مَرَّةً
أُخْرَى بِمَسْحٍ وفي السَّفَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً مَرَّةً وَسِتَّةَ عَشَرَ
أُخْرَى على مِثْلِ ما حَكَيْت إذَا صَلَّاهُنَّ على الِانْفِرَادِ وَكَذَلِكَ
إذَا جَمَعَ في السَّفَرِ لِأَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عِنْدَ الْعَصْرِ صلى خَمْسَ
عَشْرَةَ وَجَمَعَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ في وَقْتِ الظُّهْرِ فإذا دخل
الْوَقْتُ الذي مَسَحَ فيه انْتَقَضَ الْمَسْحُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ
مَسَحَ في الْحَضَرِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجَ
مُسَافِرًا صلى بِالْمَسْحِ حتى يَسْتَكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَزِيدُ على
ذلك لِأَنَّ أَصْلَ طَهَارَةِ مسحة كانت وَلَيْسَ له أَنْ يُصَلِّيَ بها إلَّا
يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَذَلِكَ لو مَسَحَ في الْحَضَرِ فلم يُصَلِّ صَلَاةً حتى
يَخْرُجَ إلَى السَّفَرِ لم يَكُنْ له أَنْ يصلى بِالْمَسْحِ الذي كان في
الْحَضَرِ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً كما كان يصلى بِهِ في الْحَضَرِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَحْدَثَ في الْحَضَرِ فلم يَمْسَحْ حتى خَرَجَ إلَى
السَّفَرِ صلى بِمَسْحِهِ في السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان مَسَحَ في الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ ولم يُحْدِثْ
فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ في السَّفَرِ لم يُصَلِّ بِذَلِكَ الْمَسْحِ إلَّا يَوْمًا
وَلَيْلَةً لِأَنَّهُ لم يَكُنْ لِمَسْحِهِ مَعْنًى إذَا مَسَحَ وهو طَاهِرٌ
لِمَسْحِهِ في الْحَضَرِ فَكَانَ مَسْحُهُ ذلك كما لم يَكُنْ إذَا لم يَكُنْ
يُطَهِّرُهُ غَيْرُ التَّطْهِيرُ الْأَوَّلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ
مَسَحَ وهو مُسَافِرٌ فَصَلَّى صَلَاةً أو أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ بَلَدًا يُقِيمُ
بِهِ أَرْبَعًا وَنَوَى الْمُقَامَ بِمَوْضِعِهِ الذي مَسَحَ فيه أَرْبَعًا لم
يُصَلِّ بِمَسْحِ السَّفَرِ بَعْدَ مُقَامِهِ إلَّا لِإِتْمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَلَا يَزِيدُ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا كان له أَنْ يصلى بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا
ثَلَاثًا فلما انْتَقَضَ سَفَرُهُ كان حُكْمُ مَسْحِهِ إذْ صَارَ مُقِيمًا
كَابْتِدَاءِ مَسْحِ الْمُقِيمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان اسْتَكْمَلَ
في سَفَرِهِ بِأَنْ صلى بِمَسْحِ السَّفَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو أَكْثَرَ ثُمَّ
بَدَا له الْمُقَامُ أو قَدِمَ بَلَدًا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ
لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك وَلَوْ كان اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِمَسْحِ
السَّفَرِ ثُمَّ دخل في صَلَاةٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَوَى الْمُقَامَ قبل
تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عليه صَلَاتُهُ وكان عليه أَنْ يَسْتَقْبِلَ
وُضُوءًا ثُمَّ يصلى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَوْ سَافَرَ فلم يَدْرِ أَمَسَحَ
مُقِيمًا أو مُسَافِرًا لم يُصَلِّ من حِينِ اسْتَيْقَنَ بِالْمَسْحِ أَنَّهُ كان
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لَبِسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ وهو طَاهِرٌ لِلصَّلَاةِ
صلى فِيهِمَا فإذا أَحْدَثَ عَرَفَ الْوَقْتَ الذي أَحْدَثَ فيه وَإِنْ لم
يَمْسَحْ إلَّا بَعْدَهُ فَإِنْ كان مُقِيمًا مَسَحَ على خُفَّيْهِ إلي الْوَقْتِ
الذي أَحْدَثَ فيه من غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا يَزِيدُ عليه وَإِنْ
كان مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلَى أَنْ يَقْطَعَ
الْمَسْحَ في الْوَقْتِ الذي ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فيه في الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا
يَزِيدُ على ذلك
(1/35)
وَشَكَّ أَكَانَ وهو مُقِيمٌ أو مسافرا
( ( ( مسافر ) ) ) إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَوْ صلى بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَسَحَ مُسَافِرًا صلى بِهِ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيَهُنَّ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا شَكَّ في أَوَّلِ ما مَسَحَ وهو
مُقِيمٌ فلم يَدْرِ أَمَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ
الْوُضُوءَ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ فَصَلَّى ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَشَكَّ
أَصَلَّى الرَّابِعَةَ أَمْ لَا لم يَكُنْ له إلَّا أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ صلى
بِالْمَسْحِ الرَّابِعَةَ حتى لَا يصلى بِمَسْحٍ وهو يَشُكُّ أَنَّهُ مَسَحَ أَمْ
لَا وَلَا يَكُونُ له تَرْكُ الصَّلَاةِ الرَّابِعَةِ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ
صَلَّاهَا - * بَابُ ما يَنْقُضُ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَمْسَحَ على الْخُفَّيْنِ في
وَقْتِهِ ما كَانَا على قَدَمَيْهِ فإذا أَخْرَجَ إحْدَى قَدَمَيْهِ من الْخُفِّ
أو هُمَا بَعْدَ ما مَسَحَ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ أَنْ
يَتَوَضَّأَ ثُمَّ إنْ تَخَفَّفَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعَلَيْهِ الْخُفَّانِ مَسَحَ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا زَالَتْ إحْدَى قَدَمَيْهِ أو بَعْضُهَا من
مَوْضِعِهَا من الْخُفِّ فَخَرَجَا حتى يُظْهِرَ بَعْضَ ما عليه الْوُضُوءُ منها
انْتَقَضَ الْمَسْحُ وإذا أَزَالَهَا من مَوْضِعِ قَدَمِ الْخُفِّ ولم يَبْرُزْ من
الْكَعْبَيْنِ وَلَا من شَيْءٍ عليه الْوُضُوءُ من الْقَدَمَيْنِ شيئا أَحْبَبْت أَنْ
يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ وَلَا يَتَبَيَّنَ أَنَّ ذلك عليه ( قال ) وَكَذَلِكَ لو
انْفَتَقَ الْخُفُّ حتى يُرَى بَعْضُ ما عليه الْوُضُوءُ من الْقَدَمَيْنِ
انْتَقَضَ الْمَسْحُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إنْ انْفَتَقَ الْخُفُّ
وَعَلَيْهِ جَوْرَبٌ يوارى الْقَدَمَ حتى بَدَا من الْجَوْرَبِ ما لو كانت
الْقَدَمُ بِلَا جَوْرَبٍ رؤيت ( ( ( رئيت ) ) ) فَهُوَ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْقَدَمِ
يُنْتَقَضُ بِهِ الْمَسْحُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْخُفُّ بِشَرَجٍ
فَإِنْ كان الشَّرَجُ فَوْقَ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَلَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ لو لم
يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَ الْمَسْحُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان
الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ من مَوْضِعِ الْوُضُوءِ من الْقَدَمِ فَكَانَ فيه خَلَلٌ
يُرَى منه شَيْءٌ من الْقَدَمِ لم يَمْسَحْ على الْخُفِّ وَإِنْ لم يَكُنْ في
الشَّرَجِ خَلَلٌ يُرَى منه شَيْءٌ من الْقَدَمِ مَسَحَ عليه وَإِنْ كان شَرَجُهُ
يُفْتَحُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ فَتَحَ شَرَجَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ
الْمَسْحُ لِأَنَّهُ إنْ لم يُرَ في ذلك الْوَقْتِ فَمَشَى فيه أو تَحَرَّكَ
انْفَرَجَ حتى يُرَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ
من مَوْضِعِ الْوُضُوءِ من الْقَدَمِ فَكَانَ فيه خَلَلٌ فَلَا يَضُرُّهُ
لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَهُ - * بَابُ ما يُوجِبُ الْغُسْلَ
وَلَا يُوجِبُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى
تَغْتَسِلُوا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل الْغُسْلَ من
الْجَنَابَةِ فَكَانَ مَعْرُوفًا في لِسَان الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ
الْجِمَاعُ وَإِنْ لم يَكُنْ مع الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ وَكَذَلِكَ ذلك في حَدِّ
الزنى وَإِيجَابِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ من خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا
أَجْنَبَ من فُلَانَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مُقْتَرِفًا (
قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ أَنَّهُ لم يُنْزِلْ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ
الْجَنَابَةَ أَنْ يفضى الرَّجُلُ من الْمَرْأَةِ حتى يُغَيِّبَ فَرْجَهُ في
فَرْجِهَا إلَى أَنْ يوارى حَشَفَتَهُ أو أَنْ يَرْمِيَ الْمَاءَ الدَّافِقَ
وَإِنْ لم يَكُنْ جِمَاعًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَلِيِّ بن زَيْدِ بن جُدْعَانَ عن
سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَكَّ أَمَسَحَ مُقِيمًا أو مُسَافِرًا فَصَلَّى
وهو مُسَافِرٌ أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ
مُسَافِرًا أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ زَادَتْ على يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ
صَلَّاهَا وهو لَا يَرَاهُ طَاهِرًا ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَعُودَ بِوُضُوءٍ إذَا
عَلِمَ أَنَّهُ على طَهَارَةِ الْمَسْحِ حتى يَسْتَكْمِلَ الْمَسْحَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ
(1/36)
الْأَشْعَرِيَّ سَأَلَ عَائِشَةَ عن
الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فقالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها قال رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ أو مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ
فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ
بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أبي
طَلْحَةَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي من الْحَقِّ هل على الْمَرْأَةِ من غُسْلٍ إذَا هِيَ
احْتَلَمَتْ فقال نعم إذَا هِيَ رَأَتْ الْمَاءَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَالْمَاءُ الدَّافِقُ الثَّخِينُ الذي يَكُونُ منه الْوَلَدُ وَالرَّائِحَةُ التي
تُشْبِهُ رَائِحَةَ الطَّلْعِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْمَاءُ
الدَّافِقُ من رَجُلٍ وَتَغَيَّرَ لِعِلَّةٍ بِهِ أو خِلْقَةٍ في مَائِهِ بِشَيْءٍ
خَرَجَ منه الْمَاءُ الدَّافِقُ الذي نَعْرِفُهُ أَوْجَبْتُ عليه الْغُسْلَ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا غَيَّبَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ في فَرْجِ امْرَأَةٍ
مُتَلَذِّذًا أو غير مُتَلَذِّذٍ وَمُتَحَرِّكًا بها أو مُسْتَكْرِهًا لِذَكَرِهِ
أو أَدْخَلَتْ هِيَ فَرْجَهُ في فَرْجِهَا وهو يَعْلَمُ أو هو نَائِمٌ لَا
يَعْلَمُ أَوَجَبَ عليه وَعَلَيْهَا الْغُسْلَ وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرْجٍ أو دُبُرٍ
أو غَيْرِهِ من امْرَأَةٍ أو بَهِيمَةٍ وَجَبَ عليه الْغُسْلُ إذَا غَيَّبَ
الْحَشَفَةَ فيه مع مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى في إتْيَانِ ذلك من غَيْرِ
امْرَأَتِهِ وهو مُحَرَّمٌ عليه إتْيَانُ امْرَأَتِهِ في دُبُرِهَا عِنْدَنَا
وَكَذَلِكَ لو غَيَّبَهُ في امْرَأَتِهِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَإِنْ غَيَّبَهُ في
دَمٍ أو خَمْرٍ أو غَيْرِ ذَاتِ رُوحٍ من مُحَرَّمٍ أو غَيْرِهِ لم يَجِبْ عليه
غُسْلٌ حتى يَأْتِيَ منه الْمَاءُ الدَّافِقُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا
إنْ اسْتَمْنَى فلم يُنْزِلْ لم يَجِبْ عليه غُسْلٌ لِأَنَّ الْكَفَّ ليس بِفَرْجٍ
وإذا مَاسَّ بِهِ شيئا من الْأَنْجَاسِ غَسَلَهُ ولم يَتَوَضَّأْ وإذا مَاسَّ
ذَكَرَهُ تَوَضَّأَ لِلَمْسِهِ إيَّاهُ إذَا أَفْضَى إلَيْهِ فَإِنْ غَسَلَهُ
وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ثَوْبٌ أو رُقْعَةٌ طَهُرَ ولم يَكُنْ عليه وُضُوءٌ
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَالَ من امْرَأَتِهِ ما دُونَ أَنْ يُغَيِّبَهُ
في فَرْجِهَا ولم يُنْزِلْ لم يُوجِبْ ذلك غُسْلًا وَلَا نُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا
أَنْ يُغَيِّبَهُ في الْفَرْجِ نَفْسِهِ أو الدُّبُرِ فَأَمَّا الْفَمُ أو غَيْرُ
ذلك من جَسَدِهَا فَلَا يُوجِبُ غُسْلًا إذَا لم يُنْزِلْ وَيَتَوَضَّأُ من
إفْضَائِهِ بِبَعْضِهِ إلَيْهَا وَلَوْ أَنْزَلَتْ هِيَ في هذه الْحَالِ
اغْتَسَلَتْ وَكَذَلِكَ في كل حَالٍ أَنْزَلَ فيها فَأَيُّهُمَا أَنْزَلَ بِحَالٍ
اغْتَسَلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَكَّ رَجُلٌ أَنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ
لم يَجِبْ عليه الْغُسْلُ حتى يَسْتَيْقِنَ بِالْإِنْزَالِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ
يَغْتَسِلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَجَدَ في ثَوْبِهِ ماءا ( ( ( ماء ) )
) دَافِقًا وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُ جاء منه مَاءٌ دَافِقٌ بِاحْتِلَامٍ وَلَا
بِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ وَيَتَأَخَّى
فَيُعِيدَ بِقَدْرِ ما يَرَى أَنَّ ذلك الِاحْتِلَامَ كان أو ما كان من
الصَّلَوَاتِ بَعْدَ نَوْمٍ رَأَى فيه شيئا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ فيه +
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَجِبَ هذا عليه وَإِنْ كان رَأَى في
الْمَنَامِ شيئا ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ أَنْزَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَلْبَسَ
ثَوْبَهُ غَيْرُهُ فَيَعْلَمَ أَنَّ الِاحْتِلَامَ كان منه فإذا كان هَكَذَا
وَجَبَ عليه الْغُسْلُ في الْوَقْتِ الذي لَا يَشُكُّ أَنَّ الِاحْتِلَامَ كان
قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ نَوْمَةً نَامَهَا فَإِنْ كان صلى بَعْدَهُ
صَلَاةً أَعَادَهَا وَإِنْ كان لم يُصَلِّ بَعْدَهُ صَلَاةً اغْتَسَلَ لِمَا
يُسْتَقْبَلْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه
عن زُبَيْدِ بن الصَّلْتِ أَنَّهُ قال خَرَجْت مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي
اللَّهُ تَعَالَى عنه إلَى الْجَرْفِ فَنَظَرَ فإذا هو قد احْتَلَمَ وَصَلَّى ولم
يَغْتَسِلْ فقال وَاَللَّهِ ما أَرَانِي إلَّا قد احْتَلَمْت وما شَعَرْت
وَصَلَّيْت وما اغْتَسَلْت قال فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ ما رأي في ثَوْبِهِ وَنَضَحَ
ما لم يَرَ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ثُمَّ صلى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى
مُتَمَكِّنًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ رأي الْمَاءَ الدَّافِقَ مُتَلَذِّذًا أو غير
مُتَلَذِّذٍ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَكَذَلِكَ لو جَامَعَ فَخَرَجَ منه مَاءٌ
دَافِقٌ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ منه مَاءٌ دَافِقٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أَعَادَ
الْغُسْلَ وَسَوَاءٌ كان ذلك قبل الْبَوْلِ أو بَعْدَ ما بَالَ إذَا جَعَلْت
الْمَاءَ الدَّافِقَ عَلَمًا لِإِيجَابِ الْغُسْلِ وهو قبل الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ
سَوَاءٌ
(1/37)
عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عُمَرَ
بن الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن يحيى بن عبد
الرحمن بن حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ثُمَّ ذَكَرَ نحو
هذا الحديث (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فإن
الدَّلَالَةَ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِهِ على الِاخْتِيَارِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه قال دخل
رَجُلٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسْجِدَ يوم
الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فقال عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هذه فقال يا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ من السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ فما زِدْت على أَنْ
تَوَضَّأْت فقال عُمَرُ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وقد عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ قال أخبرنا مَعْمَرٌ عن بن شِهَابٍ عن
سَالِمِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ بمثله وَسَمَّى الدَّاخِلَ
أَنَّهُ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ
أَحْبَبْت له أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَحْلِقَ شَعْرَهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ولم يَكُنْ
جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ويصلى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ
قَلَّمَا جُنَّ إنْسَانٌ إلَّا أَنْزَلَ فَإِنْ كان هذا هَكَذَا اغْتَسَلَ
الْمَجْنُونُ للانزال وَإِنْ شَكَّ فيه أَحْبَبْت له الِاغْتِسَالَ احْتِيَاطًا
ولم أُوجِبْ ذلك عليه حتى يَسْتَيْقِنَ الْإِنْزَالَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَعْلَمُهُ يَجِبُ الْغُسْلُ من غَيْرِ
الْجَنَابَةِ وُجُوبًا لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَأَوْلَى الْغُسْلِ
عِنْدِي أَنْ يَجِبَ بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ من غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا
أُحِبُّ تَرْكَهُ بِحَالٍ وَلَا تَرْكَ الْوُضُوءِ من مَسِّهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ
ثُمَّ الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ لو تَرَكَهُمَا تَارِكٌ ثُمَّ
صلى اغْتَسَلَ وَأَعَادَ إنَّمَا منعنى من أيجاب الْغُسْلِ من غُسْلِ الْمَيِّتِ
أَنَّ في إسْنَادِهِ رَجُلًا لم أَقَعْ من مَعْرِفَةِ ثَبْتِ حَدِيثِهِ إلَى
يَوْمِي هذا على ما يُقْنِعُنِي فَإِنْ وَجَدْت من يُقْنِعُنِي من مَعْرِفَةِ
ثَبْتِ حَدِيثِهِ أَوْجَبْت الْوُضُوءَ من مَسِّ الْمَيِّتِ مُفْضِيًا إلَيْهِ
فَإِنَّهُمَا في حَدِيثٍ وَاحِدٍ
(1/38)
- * بَابُ من خَرَجَ منه الْمَذْيُ - *
(1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَنَا الرَّجُلُ من
امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ منه الْمَذْيُ وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ حَدَثٌ
خَرَجَ من ذَكَرِهِ وَلَوْ أَفْضَى إلَى جَسَدِهَا بيده وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ من
الْوَجْهَيْنِ وَكَفَاهُ منه وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ من وَجَبَ عليه وُضُوءٌ
لِجَمِيعِ ما يُوجِبُ الْوُضُوءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَعْدَ ذلك كُلِّهِ وُضُوءًا
وَاحِدًا أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ عليه بِالْمَذْيِ الْغُسْل
(1/39)
- * بَابُ كَيْفَ الْغُسْلُ - * (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ فَرْضُ اللَّهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا لم يذكر فيه شيئا
يَبْدَأُ بِهِ قبل شَيْءٍ فإذا جاء الْمُغْتَسِلُ بِالْغُسْلِ أَجْزَأَهُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَمَا جاء بِهِ وَكَذَلِكَ لَا وَقْتَ في الْمَاءِ في
الْغُسْلِ إلَّا أَنْ يأتى بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
كَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ دَلَالَةُ السُّنَّةِ
قِيلَ لَمَّا حَكَتْ عَائِشَةُ أنها كانت تَغْتَسِلُ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ
عليه وسلم من إنَاءٍ وَاحِدٍ كان الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَخْذَهُمَا منه
مُخْتَلِفٌ لو كان فيه وَقْتٌ غَيْرُ ما وَصَفْت ما أَشْبَهَ أَنْ يَغْتَسِلَ
اثْنَانِ يُفْرِغَانِ من إنَاءٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِمَا وَأَكْثَرُ ما حَكَتْ
عَائِشَةُ غُسْلَهُ وَغُسْلَهَا فَرَقٌ ( قال ) وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وروى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال
لِأَبِي ذَرٍّ فإذا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَكَ ولم يُحْكَ أَنَّهُ
وَصَفَ له قَدْرًا من الْمَاءِ إلَّا إمْسَاسُ الْجِلْدِ وَالِاخْتِيَارُ في
الْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ ما حَكَتْ عَائِشَةُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن
عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا
اغْتَسَلَ من الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كما
يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ في الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بها
أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ على رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ
يُفِيضُ الْمَاءَ على جِلْدِهِ كُلِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كانت
الْمَرْأَةُ ذَاتَ شَعْرٍ تَشُدُّ ضُفُرَهَا فَلَيْسَ عليها أَنْ تَنْقُضَهُ في
غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُهَا من الْحَيْضِ كَغُسْلِهَا من الْجَنَابَةِ لَا
يَخْتَلِفَانِ يَكْفِيهَا في كُلٍّ ما يَكْفِيهَا في كُلٍّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن سَعِيدِ بن أبي
سَعِيدٍ عن عبد اللَّهِ بن رَافِعٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم إنى امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ
لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فقال لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِيَ عليه ثَلَاثَ
حَثَيَاتٍ من مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ أو قال فإذا
أَنْتِ قد طَهُرْت وَإِنْ حَسَّتْ رَأْسَهَا فَكَذَلِكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِهِ أو يَعْقِصُهُ فَلَا يَحِلُّهُ
وَيُشْرِبُ الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ لَبَّدَ
رَأْسَهُ بِشَيْءٍ يَحُولُ بين الْمَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يَصِلَ إلَى شَعْرِهِ
وَأُصُولِهِ كان عليه غُسْلُهُ حتى يَصِلَ إلَى بَشَرَتِهِ وَشَعْرِهِ وَإِنْ
لَبَّدَهُ بِشَيْءٍ لَا يَحُولُ دُونَ ذلك فَهُوَ كَالْعَقْصِ وَالضَّفْرِ الذي
لَا يَمْنَعُ الْمَاءَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَيْسَ عليه حَلُّهُ وَيَكْفِيهِ أَنْ
يَصِلَ الْمَاءُ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وتعالي
{ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُوا }
(1/40)
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن
أبيه عن عَائِشَةَ قالت كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ
يَغْتَسِلَ من الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَهُ قبل أَنْ يُدْخِلَهَا في
الْإِنَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ
ثُمَّ يُشْرِبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ ثُمَّ يحثى على رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ
عن أبيه عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان
يَغْرِفُ على رَأْسِهِ من الْجَنَابَةِ ثَلَاثًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان شَعْرُهُ مُلَبَّدًا كَثِيرًا فَغَرَفَ عليه
ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ وكان يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ لم يَتَغَلْغَلْ في جَمِيعِ
أُصُولِ الشَّعْرِ وَيَأْتِ على جَمِيعِ شَعْرِهِ كُلِّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَغْرِفَ على رَأْسِهِ وَيُغَلْغِلَ الْمَاءَ حتى يَعْلَمَ عِلْمًا مثله أَنْ قد
وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان
مَحْلُوقًا أو أَصْلَعَ أو أَقْرَعَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي على بَاقِي شَعْرِهِ
وَبَشَرَتِهِ في غَرْفَةٍ عَامَّةٍ أَجْزَأَتْهُ وَأُحِبُّ له أَنْ يَكُونَ
ثَلَاثًا وَإِنَّمَا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ بِثَلَاثٍ
لِلضَّفْرِ وأنا أَرَى أَنَّهُ أَقَلُّ ما يَصِيرُ الْمَاءُ إلَى بَشَرَتِهَا وكان
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَا لِمَّةٍ يَغْرِفُ عليها الْمَاءَ ثَلَاثًا
وَكَذَلِكَ كان وضوؤه في عَامَّةِ عُمُرِهِ ثَلَاثًا لِلِاخْتِيَارِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم وَوَاحِدَةٌ سَابِغَةٌ كَافِيَةٌ في الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ
يَقَعُ بها اسْمُ غُسْلٍ وَوُضُوءٍ إذَا عَلِمَ أنها قد جَاءَتْ على الشَّعْرِ
وَالْبَشَرِ - * بَابُ من نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ في غُسْلِ
الْجَنَابَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا
أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ
وَإِنْ تَرَكَهُ أَحْبَبْت له أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ لم يَكُنْ
عليه أَنْ يَعُودَ لِصَلَاةٍ إنْ صَلَّاهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ عليه
أَنْ يَنْضَحَ في عَيْنَيْهِ الْمَاءَ وَلَا يَغْسِلَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا
ظَاهِرَتَيْنِ من بَدَنِهِ لِأَنَّ دُونَهُمَا جُفُونًا + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا لِأَنَّهُمَا
ظَاهِرَتَانِ وَيُدْخِلُ الْمَاءَ فِيمَا ظَهَرَ من الصِّمَاخِ وَلَيْسَ عليه أَنْ
يُدْخِلَ الْمَاءَ فِيمَا بَطَنَ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ له أَنْ
يُدَلِّكَ ما يَقْدِرُ عليه من جَسَدِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَأَتَى الْمَاءُ على
جَسَدِهِ أَجْزَأَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إنْ انْغَمَسَ في نَهْرٍ
أو بِئْرٍ فَأَتَى الْمَاءُ على شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ أَجْزَأَهُ إذَا غَسَلَ شيئا
إنْ كان أَصَابَهُ وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ تَحْتَ مِيزَابٍ حتى يَأْتِيَ الْمَاءُ
على شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ ( قال ) وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ تَحْتَ مَطَرٍ حتي
يَأْتِيَ الْمَاءُ على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِنَ على رَأْسِهِ في
الْجَنَابَةِ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَأُحِبُّ له أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ في
أُصُولِ شَعْرِهِ حتى يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قد وَصَلَ إلَى أُصُولِهِ
وَبَشَرَتِهِ قال وَإِنْ صَبَّ على رَأْسِهِ صَبًّا وَاحِدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قد
تَغَلْغَلَ الْمَاءُ في أُصُولِهِ وَأَتَى على شَعْرِهِ وَبَشَرَتِهِ أَجْزَأَهُ
وَذَلِكَ أَكْثَرُ من ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَقْطَعُ بين كل غَرْفَةٍ منها
(1/41)
شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أو على سَفَرٍ } الْآيَةَ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فلم يُرَخِّصْ اللَّهُ في التَّيَمُّمِ إلَّا في الْحَالَيْنِ
السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ من الْمَاءِ أو الْمَرَضِ فَإِنْ كان الرَّجُلُ مَرِيضًا
بَعْضَ الْمَرَضِ تَيَمَّمَ حَاضِرًا أو مُسَافِرًا أو وَاجِدًا لِلْمَاءِ أو غير
وَاجِدٍ له ( قال ) وَالْمَرَضُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ
فَاَلَّذِي سَمِعْت أَنَّ الْمَرَضَ الذي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فيه
الْجِرَاحُ ( قال ) وَالْقُرْحُ دُونَ الْغَوْرِ كُلِّهِ مِثْلُ الْجِرَاحِ
لِأَنَّهُ يَخَافُ في كُلِّهِ إذَا مَاسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ فَيَكُونَ من
النُّطَفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَأَقَلُّهُ ما يَخَافُ هذا فيه
فَإِنْ كان جَائِفًا خِيفَ في وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ مُعَاجَلَةُ
التَّلَفِ جَازَ له أَنْ يَتَيَمَّمَ وَإِنْ كان الْقُرْحُ الْخَفِيفُ غير ذِي
الْغَوْرِ الذي لَا يَخَافُ منه إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ التَّلَفَ وَلَا النَّطْفَ
لم يَجُزْ فيه إلَّا غُسْلُهُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ التي رَخَّصَ اللَّهُ فيها
بِالتَّيَمُّمِ زَائِلَةٌ عنه وَلَا يجزئ التَّيَمُّمُ مَرِيضًا أَيَّ مَرَضٍ كان
إذَا لم يَكُنْ قَرِيحًا في شِتَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ كُلَّ
صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَا لَا يجزئ رَجُلًا في بَرْدٍ شَدِيدٍ
فإذا كان الرَّجُلُ قَرِيحًا في رَأْسِهِ وَجَمِيعِ بَدَنِهِ غَسَلَ ما أَصَابَهُ
من النَّجَاسَةِ لَا يُجْزِئُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ في شَيْءٍ مِمَّا وصفت ( ( (
وصف ) ) ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْغُسْلِ الطَّهَارَةَ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ
لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّهَارَةَ وَإِنْ نَوَى بِالْغُسْلِ
الطَّهَارَةَ من الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءُ الطَّهَارَةُ مِمَّا أَوْجَبَ
الْوُضُوءُ وَنَوَى بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَكْتُوبَةً أو نَافِلَةً على جِنَازَةٍ
أو يَقْرَأَ مُصْحَفًا فَكُلُّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قد نَوَى بِكُلِّهِ
الطَّهَارَةَ ( قال ) وَلَوْ كان من وَجَبَ عليه الْغُسْلُ ذَا شَعْرٍ طَوِيلٍ
فَغَسَلَ ما على رَأْسِهِ منه وَجَمِيعَ بَدَنِهِ وَتَرَكَ ما اسْتَرْخَى منه فلم
يَغْسِلْهُ لم يُجِزْهُ لِأَنَّ عليه طَهَارَةَ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَلَوْ تَرَكَ
لَمْعَةً من جَسَدِهِ تَقِلُّ أو تَكْثُرُ إذَا احْتَاطَ أَنَّهُ قد تَرَكَ من
جَسَدِهِ شيئا فَصَلَّى أَعَادَ غُسْلَ ما تَرَكَ من جَسَدِهِ ثُمَّ أَعَادَ
الصَّلَاةَ بَعْدَ غُسْلِهِ وَلَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ فلم يُكْمِلْ
غُسْلَهُ حتى أَحْدَثَ مَضَى على الْغُسْلِ كما هو وَتَوَضَّأَ بَعْدَ للصلاة ( (
( الصلاة ) ) ) ( قال ) وَلَوْ بَدَأَ فَاغْتَسَلَ ولم يَتَوَضَّأْ فَأَكْمَلَ
الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ من وُضُوءِ السَّاعَةِ لِلصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةُ
بِالْغُسْلِ أَكْثَرُ منها بِالْوُضُوءِ أو مِثْلُهَا وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ
في الْغُسْلِ قبل رَأْسِهِ أو فَرَّقَ غُسْلَهُ فَغَسَلَ منه السَّاعَةَ شيئا
بَعْدَ السَّاعَةِ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ وَلَيْسَ هذا كَالْوُضُوءِ الذي ذَكَرَهُ
اللَّهُ عز وجل فَبَدَأَ بِبَعْضِهِ قبل بَعْضٍ وَيُخَلِّلُ الْمُغْتَسِلُ والمتوضيء
( ( ( والمتوضئ ) ) ) أَصَابِعَ أَرْجُلِهِمَا حتى يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قد
وَصَلَ إلَى ما بين الْأَصَابِعِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
الْمَاءَ قد وَصَلَ إلَى ما بَيْنَهُمَا وَيُجْزِئُهُ ذلك وَإِنْ لم
يُخَلِّلْهُمَا ( قال ) وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مُلْتَصِقٌ ذَا غُضُونٍ
أَدْخَلَ الْمَاءَ الْغُضُونَ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُدْخِلَهُ حَيْثُ لَا
يَدْخُلُ من الْمُلْتَصِقِ وَكَذَلِكَ إنْ كان ذَا غُضُونٍ في جَسَدِهِ أو
رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ في غُضُونِهِ حتى يَدْخُلَهُ - *
بَابُ عِلَّةُ من يَجِبُ عليه الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ - *
(1/42)
غَيْرُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ
وَكَذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ فَلَا يُجْزِئُهُ فيها إلَّا غُسْلُهَا
وَإِنْ كانت على رَجُلٍ قُرُوحٌ فَإِنْ كان الْقُرْحُ جَائِفًا يَخَافُ التَّلَفَ
إنْ غَسَلَهَا فلم يَغْسِلْهَا أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وقد أَصَابَتْهُ
النَّجَاسَةُ فلم يَغْسِلْهَا وَإِنْ كان الْقُرُوحُ في كَفَّيْهِ دُونَ جَسَدِهِ
لم يُجِزْهُ إلَّا غُسْلُ جَمِيعِ جَسَدِهِ ما خَلَا كَفَّيْهِ ثُمَّ لم يَطْهُرْ
إلَّا بِأَنْ يَتَيَمَّمَ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِالْغُسْلِ كما فَرَضَ اللَّهُ عز
وجل عليه وَلَا بِالتَّيَمُّمِ ( قال ) وَإِنْ تَيَمَّمَ وهو يَقْدِرُ على غُسْلِ
شَيْءٍ من جَسَدِهِ بِلَا ضَرَرٍ عليه لم يُجِزْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ
جَمِيعَ ما قَدَرَ عليه من جَسَدِهِ وَيَتَيَمَّمَ لَا يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا
دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ كان الْقُرْحُ في مُقَدَّمِ رَأْسِهِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لم
يُجِزْهُ إلَّا غُسْلُ مُؤَخَّرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في بَعْضِ مُقَدَّمِ
رَأْسِهِ دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ ما لم يَكُنْ فيه وَتَرَكَ ما كان فيه فَإِنْ كان
الْقُرْحُ في وَجْهِهِ وَرَأْسُهُ سَالِمٌ وَإِنْ غَسَلَهُ فَاضَ الْمَاءُ على
وَجْهِهِ لم يَكُنْ له تَرْكُهُ وكان عليه أَنْ يستلقى وَيُقَنِّعَ رَأْسَهُ
وَيَصُبَّ الْمَاءَ عليه حتى يَنْصَبَّ الْمَاءُ على غَيْرِ وَجْهِهِ وَهَكَذَا
حَيْثُ كان الْقُرْحُ من بَدَنِهِ فَخَافَ إذَا صَبَّ الْمَاءَ على مَوْضِعٍ
صَحِيحٍ منه أَنْ يُفِيضَ على الْقُرْحِ أَمَسَّ الْمَاءَ الصَّحِيحَ إمْسَاسًا
لَا يُفِيضُ وَأَجْزَأَهُ ذلك إذَا بَلَّ الشَّعْرَ وَالْبَشَرَ وَإِنْ كان
يَقْدِرُ على أَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ وَيَحْتَالَ حتى لَا يُفِيضَ على الْقُرُوحِ
أَفَاضَهُ ( قال ) وَإِنْ كان الْقُرْحُ في ظَهْرِهِ فلم يَضْبِطْ هذا منه
وَمَعَهُ من يَضْبِطُهُ منه بِرُؤْيَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ
وَكَذَلِكَ إنْ كان أَعْمَى وكان لَا يَضْبِطُ هذا في شَيْءٍ من بَدَنِهِ إلَّا
هَكَذَا وَإِنْ كان في سَفَرٍ فلم يَقْدِرْ على أَحَدٍ يَفْعَلُ هذا بِهِ غَسَلَ
ما قَدَرَ عليه وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَعَلَيْهِ إعَادَةُ كل صَلَاةٍ صَلَّاهَا
لِأَنَّهُ قد تَرَكَ ما يَقْدِرُ على غُسْلِهِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ كان
أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ لم يُجِزْهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ من يَصُبَّ عليه الْمَاءَ
لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عليه وَمَتَى لم يَقْدِرْ وَصَلَّى أَمَرْتُهُ أَنْ يَأْمُرَ
من يَغْسِلُهُ إذَا قَدَرَ وَقَضَى ما صلى بِلَا غُسْلٍ وَإِنْ كان الْقُرْحُ في
مَوْضِعٍ من الْجَسَدِ فَغَسَلَ ما بقى منه فَإِنَّمَا عليه أَنْ يُيَمِّمَ
وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ فَقَطْ وَلَيْسَ عليه أَنْ يُيَمِّمَ مَوْضِعَ الْقُرْحِ
لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ طَهَارَةً إلَّا على الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ
فَكُلُّ ما عَدَاهُمَا فَالتُّرَابُ لَا يُطَهِّرُهُ وَإِنْ كان الْقُرْحُ في الْوَجْه
وَالْيَدَيْنِ يَمَّمَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَغَسَلَ ما
يَقْدِرُ عليه بَعْدُ من بَدَنِهِ وَإِنْ كان الْقُرْحُ الذي في مَوْضِعِ
التَّيَمُّمِ من الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ قُرْحًا ليس بِكَبِيرٍ أو كَبِيرًا لم
يُجِزْهُ إلَّا أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ عليه كُلَّهُ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا
يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ إنْ كانت له أَفْوَاهٌ مُفَتَّحَةٌ أَمَرَّ التُّرَابَ على
ما انْفَتَحَ منه لِأَنَّ ذلك ظَاهِرٌ وَأَفْوَاهُهُ وما حَوْلَ أَفْوَاهِهِ
وَكُلُّ ما يَظْهَرُ له لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَضُرُّهُ
وإذا أَرَادَ أَنْ يُلْصِقَ على شَيْءٍ منه لُصُوقًا يَمْنَعُ التُّرَابَ لم
يَكُنْ له إلَّا أَنْ يَنْزِعَ اللُّصُوقَ عِنْدَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا
ضَرَرَ في ذلك عليه وَلَوْ رأي أَنَّ أَعْجَلَ لِبُرْئِهِ أَنْ يَدَعَهُ وَكَذَلِكَ
لَا يُلَطِّخَهُ بِشَيْءٍ له ثَخَانَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ التُّرَابِ
الْبَشَرَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك في الْبَشَرَةِ الذي يُوَارِيهِ شَعْرُ
اللِّحْيَةِ فإنه ليس عليه أَنْ يُمَاسَّ بِالتُّرَابِ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ
لِلْحَائِلِ دُونَهَا من الشَّعْرِ وَيُمِرَّ على ما ظَهَرَ من اللِّحْيَةِ
التُّرَابَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وإذا كان هَكَذَا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْبِطَ
الشَّعْرَ من اللِّحْيَةِ حتى يَمْنَعَهَا أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ التُّرَابُ
وَكَذَلِكَ إنْ كانت بِهِ قُرْحَةٌ في شَيْءٍ من جَسَدِهِ فَأَلْصَقَ عليها
خِرْقَةً تَلُفُّ مَوْضِعَ الْقُرْحَةِ لم يُجِزْهُ إلَّا إزَالَةُ الْخِرْقَةِ
حتى يُمَاسَّ الْمَاءُ كُلَّ ما عَدَا الْقُرْحَةِ فَإِنْ كان الْقُرْحُ الذي بِهِ
كَسْرًا لَا يَرْجِعُ إلَّا بِجَبَائِرَ فَوَضَعَ الْجَبَائِرَ على ماسامته
وَوَضَعَ على مَوْضِعِ الْجَبَائِرِ غَيْرَهَا إنْ شَاءَ إذَا أُلْقِيَتْ
الْجَبَائِرُ وما مَعَهَا مَاسَّ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ
وَضَعَهُ وكان عليه إذَا أَحْدَثَ طَرْحُهُ وَإِمْسَاسُهُ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ
إنْ ضَرَّهُ الْمَاءُ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك بِحَالٍ وَإِنْ كان ذلك أَبْعَدَ
من بُرْئِهِ وَأَقْبَحَ في جَبْرِهِ لَا يَكُونُ له أَنْ يَدَعَ ذلك إلَّا بِأَنْ
يَكُونَ فيه خَوْفُ تَلَفٍ وَلَا أَحْسَبُ جَبْرًا يَكُونُ فيه تَلَفٌ إذَا
نُحِّيَتْ الْجَبَائِرُ عنه ووضيء ( ( ( ووضئ ) ) ) أو يُمِّمَ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ
أَبْطَأُ لِلْبُرْءِ وأشق ( ( ( وأشفق ) ) ) على الْكَسْرِ وَإِنْ كان يَخَافُ
عليه إذَا أُلْقِيَتْ الْجَبَائِرُ وما مَعَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا
أَنْ يَمْسَحَ بِالْمَاءِ على الْجَبَائِرِ وَيَتَيَمَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ
صَلَّاهَا إذَا قَدَرَ على الْوُضُوءِ
____________________
(1/43)
وَالْآخَرُ لَا يُعِيدُ وَمَنْ قال
يَمْسَحُ على الْجَبَائِرِ قال لَا يَضَعُهَا إلَّا على وُضُوءٍ فَإِنْ لم
يَضَعْهَا على وُضُوءٍ لم يَمْسَحْ عليها كما يقول في الْخُفَّيْنِ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وقد روى حَدِيثٌ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ انْكَسَرَ
إحْدَى زَنْدَيْ يَدَيْهِ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَمْسَحَ
بِالْمَاءِ على الْجَبَائِرِ وَلَوْ عَرَفْت إسْنَادَهُ بِالصِّحَّةِ قُلْت بِهِ (
قال الرَّبِيعُ ) أَحَبُّ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنْ يُعِيدَ مَتَى قَدَرَ على
الْوُضُوءِ أو التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لم يُصَلِّ وبضوء ( ( ( بوضوء ) ) )
بِالْمَاءِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى التَّيَمُّمَ
بَدَلًا من الْمَاءِ فلما لم يَصِلْ إلَى الْعُضْوِ الذي عليه الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ
كان عليه إذَا قَدَرَ أَنْ يُعِيدَهُ وَهَذَا مِمَّا أستخير اللَّهُ فيه + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في الْوُضُوءِ إذَا كان الْقُرْحُ وَالْكَسْرُ
الْقَوْلُ في الْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ إذَا كان ذلك في
مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ في مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فَذَلِكَ
ليس عليه غُسْلُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَائِضُ تَطْهُرُ مِثْلَ
الْجُنُبِ في جَمِيعِ ما وَصَفْت وَهَكَذَا لو وَجَبَ على رَجُلٍ غُسْلٌ
بِوَجْهِهِ غَسَلَ أو امْرَأَةٍ كان هَكَذَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان على
الْحَائِضِ أَثَرُ الدَّمِ وَعَلَى الْجُنُبِ النَّجَاسَةُ فَإِنْ قَدَرَا على
مَاءٍ اغْتَسَلَا وَإِنْ لم يَقْدِرَا عليه تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا وَلَا
يُعِيدَانِ الصَّلَاةَ في وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا
يُجْزِئُ مَرِيضًا غير الْقَرِيحِ وَلَا أَحَدًا في بَرْدٍ شَدِيدٍ يَخَافُ
التَّلَفَ إنْ اغْتَسَلَ أو ذَا مَرَضٍ شَدِيدٍ يَخَافُ من الْمَاءِ إنْ اغْتَسَلَ
وَلَا ذَا قُرُوحٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا غُسْلُ النَّجَاسَةَ وَالْغُسْلَ
إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَتْلَفُ إنْ فَعَلَ
وَيَتَيَمَّمُ في ذلك الْوَقْتِ ويصلى وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ النَّجَاسَةَ إذَا
ذَهَبَ ذلك عنه وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا في الْوَقْتِ الذي قُلْت لَا
يُجْزِيهِ فيه إلَّا الْمَاءُ وَإِنْ لم يَقْدِرَا عليه تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا
وَلَا يُعِيدَانِ الصَّلَاةَ في وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَكَذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُمَا مُغْتَسِلَيْنِ أو مُتَوَضِّئَيْنِ
فَلَا يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ إلَّا الْمَاءُ فإذا لم يَجِدْ من أَصَابَتْهُ
نَجَاسَةٌ من حَائِضٍ وَجُنُبٍ ومتوضيء ( ( ( ومتوضئ ) ) ) مَاءً تَيَمَّمَ
وَصَلَّى وإذا وَجَدَ الْمَاءَ غَسَلَ ما أَصَابَ النَّجَاسَةُ منه وَاغْتَسَلَ
إنْ كان عليه غُسْلٌ وَتَوَضَّأَ إنْ كان عليه وُضُوءٌ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ
صَلَّاهَا وَالنَّجَاسَةُ عليه لِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ إلَّا
الْمَاءُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ وَجَدَ ما يُنَقِّي النَّجَاسَةَ عنه من
الْمَاءِ وهو مُسَافِرٌ فلم يَجِدْ ما يُطَهِّرُهُ لِغُسْلٍ إنْ كان عليه أو
وُضُوءٍ غَسَلَ أَثَرَ النَّجَاسَةِ عنه وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عليه
لِأَنَّهُ صلى طَاهِرًا من النَّجَاسَةِ وَطَاهِرًا بِالتَّيَمُّمِ من بَعْدِ
الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ الْوَاجِبِ عليه ( قال ) وإذا وَجَدَ الْجُنُبُ مَاءً
يَغْسِلُهُ وهو يَخَافُ الْعَطَشَ فَهُوَ كَمَنْ لم يَجِدْ مَاءً وَلَهُ أَنْ
يَغْسِلَ النَّجَاسَةَ إنْ أَصَابَتْهُ عنه وَيَتَيَمَّمَ وَلَا يُجْزِيهِ في
النَّجَاسَةِ إلَّا ما وَصَفْت من غَسْلِهَا فَإِنْ خَافَ إذَا غَسَلَ
النَّجَاسَةَ الْعَطَشَ قبل الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَسَحَ النَّجَاسَةَ
وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا طَهَّرَ النَّجَاسَةَ بِالْمَاءِ
لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان لَا يَخَافُ
الْعَطَشَ وكان معه مَاءٌ لَا يَغْسِلُهُ إنْ غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَلَا
النَّجَاسَةَ إنْ أَفَاضَهُ عليه غَسَلَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ غَسَلَ بِمَا بقى من
الْمَاءِ معه ما شَاءَ من جَسَدِهِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ بِغُسْلِ جَسَدِهِ لَا
بَعْضِهِ فَالْغُسْلُ على كُلِّهِ فَأَيُّهَا شَاءَ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ
أو غَيْرَهَا وَلَيْسَتْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ بِأَوْجَبَ في الْجَنَابَةِ من
غَيْرِهَا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ويصلى وَلَيْسَ عليه إعَادَةٌ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ
لِأَنَّهُ صلى طَاهِرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ لم
يُجِزْهُ في النَّجَاسَةِ تُصِيبُهُ إلَّا غَسْلُهَا بِالْمَاءِ وَأَجْزَأَ في
الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ قِيلَ له أَصْلُ الطَّهَارَةِ
الْمَاءُ إلَّا حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ التُّرَابَ طَهَارَةً وَذَلِكَ في السَّفَرِ
وَالْإِعْوَازِ من الْمَاءِ أو الْحَضَرِ أو السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فَلَا يَطْهُرُ
بَشَرٌ وَلَا غَيْرُهُ مَاسَّتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا بِالْمَاءِ إلَّا حَيْثُ جَعَلَ
اللَّهُ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا حَيْثُ تَعَبَّدَهُ
بِوُضُوءٍ أو غُسْلٍ وَالتَّعَبُّدُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَرْضُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَعْدُو بِالْجَبَائِرِ أَبَدًا مَوْضِعَ الْكَسْرِ
إذَا كان لَا يُزِيلُهَا
(1/44)
تَعَبُّدٍ ليس بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ
قَائِمَةٍ وَالنَّجَاسَةُ إذَا كانت على شَيْءٍ من الْبَدَنِ أو الثَّوْبِ فَهُوَ
مُتَعَبِّدٌ بأزالتها بِالْمَاءِ حتى لَا تَكُونَ مَوْجُودَةً في بَدَنِهِ وَلَا
في ثَوْبِهِ إذَا كان إلَى إخْرَاجِهَا سَبِيلٌ وَهَذَا تَعَبُّدٌ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا أَصَابَتْ الْمَرْأَةَ جَنَابَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ
قبل أَنْ تَغْتَسِلَ من الْجَنَابَةِ لم يَكُنْ عليها غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَهِيَ
حَائِضٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْتَسِلُ فَتَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَهِيَ لَا
تَطْهُرُ بِالْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ وَهِيَ حَائِضٌ فإذا ذَهَبَ الْحَيْضُ عنها
أَجْزَأَهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لو احْتَلَمَتْ وَهِيَ حَائِضٌ أَجْزَأَهَا
غُسْلٌ وَاحِدٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ ولم يَكُنْ عليها غُسْلٌ وَإِنْ كَثُرَ
احْتِلَامُهَا حتى تَطْهُرَ من الْحَيْضِ فَتَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَائِضُ في الْغُسْلِ كَالْجُنُبِ لَا يَخْتَلِفَانِ إلَّا
أَنِّي أُحِبُّ لِلْحَائِضِ إذَا اغْتَسَلَتْ من الْحَيْضِ أَنْ تَأْخُذَ شيئأ من
مِسْكٍ فَتَتْبَعَ بِهِ آثَارَ الدَّمِ فَإِنْ لم يَكُنْ مِسْكٌ فَطِيبٌ ما كان
اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَالْتِمَاسًا لِلطِّيبِ فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَالْمَاءُ
كَافٍ مِمَّا سِوَاهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ الْحَجَبِيِّ عن أُمِّهِ
صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائِشَةَ قالت جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم تَسْأَلُهُ عن الْغُسْلِ من الْحَيْضِ فقال خُذِي فِرْصَةً من
مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بها فقالت كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بها قال تَطَهَّرِي بها قالت
كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بها فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُبْحَانَ اللَّهِ
وَاسْتَتَرَ بِثَوْبِهِ تَطَهَّرِي بها فَاجْتَذَبْتهَا وَعَرَفْت الذي أَرَادَ
وَقُلْت لها تَتَّبِعِي بها أَثَرَ الدَّمِ يَعْنِي الْفَرْجَ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّجُلُ الْمُسَافِرُ لَا مَاءَ معه وَالْمُعْزِبُ في
الْإِبِلِ له أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ وَيُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ إذَا غَسَلَ ما
أَصَابَ ذَكَرَهُ وَغَسَلَتْ الْمَرْأَةُ ما أَصَابَ فَرْجِهَا أَبَدًا حتى
يَجِدَا الْمَاءَ فإذا وَجَدَا الْمَاءَ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَغْتَسِلَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عَبَّادِ بن مَنْصُورٍ
عن أبي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى
عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا كان جُنُبًا أَنْ
يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يصلى فإذا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ وَأَخْبَرَنَا بِحَدِيثِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين قال لِأَبِي ذَرٍّ إنْ وَجَدْت الْمَاءَ
فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك - * جِمَاعُ التَّيَمُّمِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ - * +
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } الْآيَةَ وقال في سِيَاقِهَا { وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أو على سَفَرٍ } إلَى { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
منه } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل على أَنَّهُ أَبَاحَ
التَّيَمُّمَ في حَالَيْنِ أَحَدِهِمَا السَّفَرُ وَالْإِعْوَازُ من الْمَاءِ
وَالْآخَرِ لِلْمَرِيضِ في حَضَرٍ كان أو في سَفَرٍ وَدَلَّ ذلك على أَنَّ
لِلْمُسَافِرِ طَلَبَ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ { فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } +
( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان كُلُّ من خَرَجَ مُجْتَازًا من بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ
يَقَعُ عليه اسْمُ السَّفَرِ قَصَرَ السَّفَرُ أَمْ طَالَ ولم أَعْلَمْ من
السُّنَّةِ دَلِيلًا على أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ
بَعْضٍ وكان ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ سَفَرًا بَعِيدًا أو
قَرِيبًا يَتَيَمَّمُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن عَجْلَانَ عن نَافِعٍ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَجْعَلْ التُّرَابَ بَدَلًا من نَجَاسَةٍ تُصِيبُهُ
وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ من
الثَّوْبِ وهو نَجَاسَةٌ فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ عِنْدَنَا على أَصْلِهَا لَا
يُطَهِّرُهَا إلَّا الْمَاءُ وَالتَّيَمُّمُ يُطَهِّرُ حَيْثُ جُعِلَ وَلَا
يَتَعَدَّى بِهِ حَيْثُ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فيه وما خَرَجَ من ذلك فَهُوَ
على أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ في الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ
(1/45)
بن عُمَرَ أَنَّهُ أَقْبَلَ من الْجَرْفِ
حتى إذَا كان بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَصَلَّى
الْعَصْرَ ثُمَّ دخل الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فلم يُعِدْ الصَّلَاةَ
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى
الْمَوَاقِيتِ لِلصَّلَاةِ فلم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَهَا
وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالْقِيَامِ إلَيْهَا إذَا دخل وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ
أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَالْإِعْوَازِ من الْمَاءِ
فَمَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ قبل دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَلَبِ الْمَاءَ لم يَكُنْ له
أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا له أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا
دخل وَقْتُهَا الذي إذَا صَلَّاهَا فيه أَجْزَأَتْ عنه وَطَلَبَ الْمَاءَ
فَأَعْوَزَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا دخل وَقْتُ الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ
وَلَا يَنْتَظِرَ آخِرَ الْوَقْتِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ على
أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا قام إلَى الصَّلَاةِ فَأَعْوَزَهُ الْمَاءُ وهو إذَا صلى
حِينَئِذٍ أَجْزَأَ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَلَوَّمَ إلَى آخِرِ
الْوَقْتِ كان ذلك له وَلَسْت أَسْتَحِبُّهُ كَاسْتِحْبَابِي في كل حَالِ
تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ على ثِقَةٍ من وُجُودِ الْمَاءِ واحب
أَنْ يُؤَخِّرَ التَّيَمُّمَ إلَى أَنْ يُؤَيَّسَ منه أو يَخَافَ خُرُوجَ
الْوَقْتِ فَيَتَيَمَّمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ معه
مَاءٌ قبل طَلَبِ الْمَاءِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ حتى
يَكُونَ تَيَمَّمَ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ وَلَا يَجِدَهُ وَطَلَبُ الْمَاءِ أَنْ
يَطْلُبَهُ وَإِنْ كان على غَيْرِ عِلْمٍ من أَنَّهُ ليس معه شَيْءٌ فإذا عَلِمَ أَنَّهُ
ليس معه طَلَبَهُ مع غَيْرِهِ وَإِنْ بَذَلَهُ غَيْرُهُ بِلَا ثَمَنٍ أو بِثَمَنِ
مِثْلِهِ وهو وَاجِدٌ لِثَمَنِ مِثْلِهِ في مَوْضِعِهِ ذلك غَيْرُ خَائِفٍ إنْ
اشْتَرَاهُ الْجُوعَ في سَفَرٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَتَيَمَّمَ وهو يَجِدُهُ
بِهَذِهِ الْحَالِ وإن امْتَنَعَ عليه من أَنْ يُعْطَاهُ مُتَطَوِّعًا له
بِإِعْطَائِهِ أو بَاعَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ من ثَمَنِهِ لم يَكُنْ عليه أَنْ
يَشْتَرِيَهُ وَلَوْ كان مُوسِرًا وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ على ثَمَنِهِ قليلة ( (
( قليلا ) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان وَاجِدًا بِئْرًا وَلَا حَبْلَ
معه فَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا حَلًّا أو حَبْلًا أو
ثِيَابًا فَلَا حَلَّ حتى يَصِلَ أَنْ يَأْخُذَ منها بِإِنَاءٍ أو رَامٍ شَنًّا أو
دَلْوًا فَإِنْ لم يَقْدِرْ دَلَّى طَرَفَ الثَّوْبِ ثُمَّ اعْتَصَرَهُ حتى يَخْرُجَ
منه مَاءٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فَيَفْعَلُ ذلك حتى يَصِيرَ له من الْمَاءِ ما
يَتَوَضَّأُ بِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَتَيَمَّمْ وهو يَقْدِرُ على هذا أَنْ
يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ أو بِمَنْ يَفْعَلُهُ له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ
كان لَا يَقْدِرُ على هذا وكان يَقْدِرُ على نُزُولِهَا بِأَمْرٍ ليس عليه فيه
خَوْفٌ نَزَلَهَا فَإِنْ لم يَقْدِرْ على ذلك إلَّا بِخَوْفٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ
يَنْزِلَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ دُلَّ على مَاءٍ قَرِيبٍ من حَيْثُ
تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ فَإِنْ كان لَا يَقْطَعُ بِهِ صُحْبَةَ أَصْحَابِهِ وَلَا
يَخَافُ على رَحْلِهِ إذَا وَجَّهَ إلَيْهِ وَلَا في طَرِيقِهِ إلَيْهِ وَلَا
يَخْرُجُ من الْوَقْتِ حتى يَأْتِيَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ وَإِنْ كان
يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ وكان أَصْحَابُهُ لَا يَنْتَظِرُونَهُ أو خَافَ طَرِيقَهُ
أو فَوْتَ وَقْتٍ إنْ طَلَبَهُ فَلَيْسَ عليه طَلَبُهُ وَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كان في
رَحْلِهِ مَاءٌ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ بِئْرًا كانت منه قَرِيبًا
يَقْدِرُ على مَائِهَا لو عَلِمَهَا لم يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَلَوْ أَعَادَ كان
احْتِيَاطًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْفَرْقُ بين ما في رَحْلِهِ وَالْبِئْرِ
لَا يَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَنَّ ما في رَحْلِهِ شَيْءٌ كَعِلْمِهِ أَمْرَ
نَفْسِهِ وهو مُكَلَّفٌ في نَفْسِهِ الْإِحَاطَةَ وما ليس في مِلْكِهِ فَهُوَ
شَيْءٌ في غَيْرِ مِلْكِهِ وهو مُكَلَّفٌ في غَيْرِهِ الظَّاهِرَ لَا الْإِحَاطَةَ
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان في رَحْلِهِ مَاءٌ فَحَالَ الْعَدُوُّ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ أو حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ أو حَرِيقٌ حتى
لَا يَصِلَ إلَيْهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ إذَا كان
لَا يَصِلُ إلَيْهِ وَإِنْ كان في رَحْلِهِ مَاءٌ فَأَخْطَأَ رَحْلَهُ وَحَضَرَتْ
الصَّلَاةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجَرْفُ قَرِيبٌ من الْمَدِينَةِ - * بَابُ مَتَى
يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ - *
(1/46)
طَلَبَ مَاءً فلم يَجِدْهُ تَيَمَّمَ
وَصَلَّى وَلَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ فلم يَكُنْ معه مَاءٌ في مَرْكَبِهِ فلم
يَقْدِرْ على الِاسْتِقَاءِ من الْبَحْرِ لِلشِّدَّةِ بِحَالٍ وَلَا على شَيْءٍ
يُدْلِيهِ يَأْخُذُ بِهِ من الْبَحْرِ بِحَالٍ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ
وَهَذَا غَيْرُ قَادِرٍ على الْمَاءِ - * بَابُ النِّيَّةِ في التَّيَمُّمِ - *
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يجزئ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَإِنْ
تَيَمَّمَ قبل أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ لم يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ وكان عليه أَنْ
يَعُودَ لِلتَّيَمُّمِ بَعْدَ طَلَبِهِ الْمَاءَ وَإِعْوَازِهِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَوَى التَّيَمُّمَ لِيَتَطَهَّرَ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ صلى
بَعْدَهَا النَّوَافِلَ وَقَرَأَ في الْمُصْحَفِ وَصَلَّى على الْجَنَائِزِ
وَسَجَدَ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَسُجُودَ الشُّكْرِ فإذا حَضَرَتْ مَكْتُوبَةٌ
غَيْرُهَا ولم يُحْدِثْ لم يَكُنْ له أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا بِأَنْ يَطْلُبَ لها
الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ فإذا لم يَجِدْ اسْتَأْنَفَ نِيَّةً يَجُوزُ له بها
التَّيَمُّمُ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بين
الصَّلَاتَيْنِ فَصَلَّى الْأُولَى مِنْهُمَا وَطَلَبَ الْمَاءَ فلم يَجِدْهُ
أَحْدَثَ نِيَّةً يَجُوزُ له بها التَّيَمُّمُ ثُمَّ تَيَمَّمَ ثُمَّ صلى
الْمَكْتُوبَةَ التي تَلِيهَا وَإِنْ كان قد فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ اسْتَأْنَفَ
التَّيَمُّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ منها كما وَصَفْت لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك فَإِنْ
صلى صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَعَادَ الْآخِرَةَ مِنْهُمَا لِأَنَّ
التَّيَمُّمَ يُجْزِيهِ لِلْأُولَى وَلَا يُجْزِيهِ لِلْآخِرَةِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ تَيَمَّمَ يَنْوِي نَافِلَةً أو جِنَازَةً أو قِرَاءَةَ
مُصْحَفٍ أو سُجُودَ قُرْآنٍ أو سُجُودَ شُكْرٍ لم يَكُنْ له أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ
مَكْتُوبَةً حتى ينوى بِالتَّيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةَ ( قال ) وَكَذَلِكَ إنْ
تَيَمَّمَ فَجَمَعَ بين صَلَوَاتٍ فَائِتَاتٍ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ لِلْأُولَى
مِنْهُنَّ ولم يُجِزْهُ لِغَيْرِهَا وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا
بِتَيَمُّمٍ لِصَلَاةٍ غَيْرِهَا وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ تَيَمَّمَ ينوى بِالتَّيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةَ فَلَا
بَأْسَ أَنْ يصلى قَبْلَهَا نَافِلَةً وَعَلَى جِنَازَةٍ وَقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ
وَيَسْجُدُ سُجُودَ الشُّكْرِ وَالْقُرْآنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ لَا يصلى
بِالتَّيَمُّمِ فَرِيضَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِهِ النَّوَافِلَ قبل الْفَرِيضَةِ
وَبَعْدَهَا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا
أَمَرَ الْقَائِمَ إلَى الصَّلَاةِ إذَا لم يَجِدْ الْمَاءَ أَنْ يَتَيَمَّمَ
دَلَّ على أَنَّهُ لَا يُقَالُ له لم يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا وقد تَقَدَّمَ قبل
طَلَبِهِ الْمَاءَ وَالْإِعْوَازُ منه نِيَّةٌ في طَلَبِهِ وَإِنَّ اللَّهَ
إنَّمَا عَنَى فَرْضَ الطَّلَبِ لِمَكْتُوبَةٍ فلم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ في التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ يصلى
بِهِ مَكْتُوبَةً وكان عليه في كل مَكْتُوبَةٍ ما عليه في الْأُخْرَى فَدَلَّ على
أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ له طَهَارَةً إلَّا بِأَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ
فَيَعُوزُهُ فَقُلْنَا لَا يُصَلِّي مَكْتُوبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ
عليه في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ما عليه في الْأُخْرَى وَكَانَتْ النَّوَافِلُ
أَتْبَاعًا لِلْفَرَائِضِ لَا لها حُكْمٌ سِوَى حُكْمَ الْفَرَائِضِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) ولم يَكُنْ التَّيَمُّمُ إلَّا على شَرْطٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ
إذَا تَيَمَّمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يجزئ التَّيَمُّمُ
إلَّا بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ فلم يَجِدْهُ فَيُحْدِثَ نِيَّةَ
التَّيَمُّمِ
(1/47)
فَوَجَدَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَتَوَضَّأَ وَهَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ عِرْقٌ سَائِلٌ وهو وَاجِدٌ
لِلْمَاءِ لَا يَخْتَلِفُ هو وَالْمُتَيَمِّمُ في أَنَّ على كل وَاحِدٍ منهم أَنْ
يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ لَا
طَهَارَةٌ على كَمَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنْ كان بِمَوْضِعٍ لَا يَطْمَعُ فيه
بِمَاءٍ قِيلَ ليس يَنْقَضِي الطَّمَعُ بِهِ قد يَطْلُعُ عليه الرَّاكِبُ معه
الْمَاءُ وَالسَّيْلُ وَيَجِدُ الْحَفِيرَةَ وَالْمَاءَ الظَّاهِرَ
وَالِاخْتِبَاءَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ تَيَمَّمَ
فَدَخَلَ في نَافِلَةٍ أو في صَلَاةٍ على جِنَازَةٍ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ مَضَى في
صَلَاتِهِ التي دخل فيها ثُمَّ إذَا انْصَرَفَ تَوَضَّأَ إنْ قَدَرَ
لِلْمَكْتُوبَةِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ أَحْدَثَ نِيَّةً لِلْمَكْتُوبَةِ فَتَيَمَّمَ
لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو ابْتَدَأَ نَافِلَةً فَكَبَّرَ ثُمَّ
رَأَى الْمَاءَ مَضَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لم يَكُنْ له أَنْ يَزِيدَ
عَلَيْهِمَا وسلم ثُمَّ طَلَبَ الْمَاءَ ( قال ) وإذا تَيَمَّمَ فَدَخَلَ في
الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ
وكان له أَنْ يُتِمَّهَا فإذا أَتَمَّهَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ غَيْرِهَا ولم
يَكُنْ له أَنْ يَتَنَقَّلَ بِتَيَمُّمِهِ لِلْمَكْتُوبَةِ إذَا كان وَاجِدًا
لِلْمَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ منها وَلَوْ تَيَمَّمَ فَدَخَلَ في مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ
رَعَفَ فَانْصَرَفَ لِيَغْسِلَ الدَّمَ عنه فَوَجَدَ الْمَاءَ لم يَكُنْ له أَنْ
يبنى على الْمَكْتُوبَةِ حتى يُحْدِثَ وُضُوءًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قد صَارَ في حَالٍ
ليس له فيها أَنْ يصلى وهو وَاجِدٌ لِلْمَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان
إذَا رَعَفَ طَلَبَ الْمَاءَ فلم يَجِدْ منه ما يُوَضِّئُهُ وَوَجَدَ ما يَغْسِلُ
الدَّمَ عنه غَسَلَهُ وَاسْتَأْنَفَ تَيَمُّمًا لِأَنَّهُ قد كان صَارَ إلَى حَالٍ
لَا يَجُوزُ له أَنْ يصلى ما كانت قَائِمَةً فَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ الْمَاءَ في ذلك
الْحَالِ تُوجِبُ عليه طَلَبَهُ فإذا طَلَبَهُ فَأَعْوَزَهُ منه كان عليه
اسْتِئْنَافُ نِيَّةٍ تُجِيزُ له التَّيَمُّمَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ
بين أَنْ يَرَى الْمَاءَ قبل أَنْ يَدْخُلَ في الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ له
الدُّخُولُ فيها حتى يَطْلُبَهُ فَإِنْ لم يَجِدْهُ اسْتَأْنَفَ نِيَّةً
وَتَيَمُّمًا وَبَيْنَ دُخُولِهِ في الصَّلَاةِ فَيَرَى الْمَاءَ جَارِيًا إلي
جَنْبِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وقد صَلَّتْ رَكْعَةً تَقَنَّعَتْ
فِيمَا بقى من صَلَاتِهَا لَا يُجْزِيهَا غَيْرُ ذلك قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى إنِّي آمُرُ الْأَمَةَ بِالْقِنَاعِ فِيمَا بقى من صَلَاتِهَا
وَالْمَرِيضَ بِالْقِيَامِ إذَا أَطَاقَهُ فِيمَا بقى من صَلَاتِهِ لِأَنَّهُمَا
في صَلَاتِهِمَا بَعْدُ وَحُكْمُهُمَا في حَالِهِمَا فِيمَا بَقِيَ من
صَلَاتِهِمَا أَنْ تَقَنَّعَ هذه حُرَّةً وَيَقُومَ هذا مُطِيقًا وَلَا أَنْقُضُ
عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى من صَلَاتِهِمَا شيئا لِأَنَّ حَالَهُمَا الْأُولَى
غَيْرُ حَالِهِمَا الْأُخْرَى وَالْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ عَمَلَانِ غَيْرُ
الصَّلَاةِ فإذا كَانَا مَضَيَا وَهُمَا يَجْزِيَانِ حَلَّ لِلدَّاخِلِ الصَّلَاةُ
وَكَانَا منقضيين ( ( ( منقضين ) ) ) مَفْرُوغًا مِنْهُمَا وكان الدَّاخِلُ
مُطِيعًا بِدُخُولِهِ في الصَّلَاةِ وكان ما صلى منها مَكْتُوبًا له فلم يَجُزْ
أَنْ يُحْبِطَ عَمَلَهُ عنه ما كان مَكْتُوبًا له فَيَسْتَأْنِفَ وضوء ( ( ( وضوءا
) ) ) وَإِنَّمَا أَحْبَطَ اللَّهُ الْأَعْمَالَ بِالشِّرْكِ بِهِ فلم يَجُزْ أَنْ
يُقَالَ له تَوَضَّأْ وبن على صَلَاتِك فَإِنْ حَدَثَتْ حَالَةٌ لَا يَجُوزُ له
فيها ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ وقد تَيَمَّمَ فَانْقَضَى تَيَمُّمُهُ وَصَارَ إلَى
صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ غَيْرُ التَّيَمُّمِ فَانْفَصَلَ لِصَلَاةٍ بِعَمَلِ
غَيْرِهَا وقد انْقَضَى وهو يجزئ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ في الصَّلَاةِ لم يَكُنْ
لِلْمُتَيَمِّمِ حُكْمٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ في الصَّلَاةِ فلما دخل فيها بِهِ كان
حُكْمُهُ مُنْقَضِيًا وَاَلَّذِي يَحِلُّ له أَوَّلَ الصَّلَاةِ يَحِلُّ له
آخِرَهَا - * بَابُ كَيْفَ التَّيَمُّمُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الْحُوَيْرِثِ عبد
الرحمن بن مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْرَجِ عن بن الصِّمَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ
) وَمَعْقُولٌ إذَا كان التَّيَمُّمُ بَدَلًا من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَتَيَمَّمَ فلم
يَدْخُلْ في الصَّلَاةِ حتى وَجَدَ الْمَاءَ قبل أَنْ يُكَبِّرَ لِلْمَكْتُوبَةِ
لم يَكُنْ له أَنْ يُصَلِّيَ حتى يَتَوَضَّأَ فَإِنْ كان طَلَعَ عليه رَاكِبٌ
بِمَاءٍ فَامْتَنَعَ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ منه أو وَجَدَ مَاءً فَحِيلَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُ أو لم يَقْدِرْ عليه بِوَجْهٍ لم يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ
وَأَحْدَثَ بَعْدَ إعْوَازِهِ من الْمَاءِ الذي رَآهُ نِيَّةً في التَّيَمُّمِ
لِلْمَكْتُوبَةِ يَجُوزُ له بها الصَّلَاةُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ
(1/48)
الْوُضُوءِ على الْوَجْهِ
وَالْيَدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّيَمُّمِ على ما يُؤْتَى بِالْوُضُوءِ عليه
فِيهِمَا وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا ذَكَرَهُمَا فَقَدْ عَفَا في التَّيَمُّمِ
عَمَّا سِوَاهُمَا من أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَةً لِوَجْهِهِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ
يَضْرِبَهَا بِيَدَيْهِ مَعًا فَإِنْ اقْتَصَرَ على ضَرْبِهَا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَأَمَرَّهَا
على جَمِيعِ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهَا بِبَعْضِ يَدَيْهِ
إنَّمَا أَنْظُرُ من هذا إلَى أَنْ يُمِرَّهَا على وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ
التُّرَابَ بِشَيْءٍ فَأَخَذَ الْغُبَارَ من أَدَاتِهِ غير يَدَيْهِ ثُمَّ
أَمَرَّهُ على وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ
سَفَتْ عليه الرِّيحُ تُرَابًا عَمَّهُ فَأَمَرَّ ما على وَجْهِهِ منه على
وَجْهِهِ لم يُجِزْهُ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ لِوَجْهِهِ وَلَوْ أَخَذَ ما على
رَأْسِهِ لِوَجْهِهِ فَأَمَرَّهُ عليه أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ لو أَخَذَ ما على
بَعْضِ بَدَنِهِ غَيْرِ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَضْرِبُ
بِيَدَيْهِ مَعًا لِذِرَاعَيْهِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك إذَا يَمَّمَ نَفْسَهُ
لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْسَحَ يَدًا إلَّا بِالْيَدِ التي تُخَالِفُهَا
فَيَمْسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَالْيُسْرَى بِالْيُمْنَى + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ بِالتُّرَابِ وَيَتَتَبَّعُ مَوَاضِعَ
الْوُضُوءِ بِالتُّرَابِ كما يَتَتَبَّعُهَا بِالْمَاءِ ( قال ) وَكَيْفَمَا جاء
بِالْغُبَارِ على ذِرَاعَيْهِ أَجْزَأَهُ أو أتى بِهِ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ كما
قُلْت في الْوَجْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجْهُ التَّيَمُّمِ ما وَصَفْت من
ضَرْبِهِ بِيَدَيْهِ مَعًا لِوَجْهِهِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا مَعًا عليه وَعَلَى
ظَاهِرِ لِحْيَتِهِ وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ وَلَا يَدَعُ إمْرَارَهُ على
لِحْيَتِهِ وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ مَعًا لِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَضَعُ ذِرَاعَهُ
الْيُمْنَى في بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يُمِرَّ بَطْنَ رَاحَتِهِ على
ظَهْرِ ذِرَاعِهِ وَيُمِرَّ أَصَابِعَهُ على حَرْفِ ذِرَاعِهِ وَأُصْبُعِهِ
الْإِبْهَامِ على بَطْنِ ذِرَاعِهِ لِيَعْلَمَ أن ( ( ( أنه ) ) ) قد اسْتَوْظَفَ
وَإِنْ اسْتَوْظَفَ في الْأُولَى كَفَاهُ من أَنْ يَقْلِبَ يَدَهُ فإذا فَرَغَ من
يُمْنَى يَدَيْهِ يَمَّمَ يُسْرَى ذِرَاعَيْهِ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى ( قال )
وَإِنْ بَدَأَ بِيَدَيْهِ قبل وَجْهِهِ أَعَادَ فَيَمَّمَ وَجْهَهُ ثُمَّ
يُيَمِّمَ ذِرَاعَيْهِ وَإِنْ بَدَأَ بِيُسْرَى ذِرَاعَيْهِ قبل يُمْنَاهَا لم
يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَكَرِهْت ذلك له كما قُلْت في الْوُضُوءِ وَإِنْ كان
أَقْطَعَ الْيَدِ أو الْيَدَيْنِ يَمَّمَ ما بقى من الْقَطْعِ وَإِنْ كان
أَقْطَعَهُمَا من الْمِرْفَقَيْنِ يَمَّمَ ما بقى من الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كان
أَقْطَعَهُمَا من الْمَنْكِبَيْنِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ على
الْمَنْكِبَيْنِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ لَا يَدِينُ له
عَلَيْهِمَا فَرْضُ وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَفَرْضُ التَّيَمُّمِ من الْيَدَيْنِ
على ما عليه فَرْضُ الْوُضُوءِ وَلَوْ كان أَقْطَعَهُمَا من الْمِرْفَقَيْنِ
فَأَمَرَّ التُّرَابَ على الْعَضُدَيْنِ كان أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا
وَإِنَّمَا قُلْت بهذا لِأَنَّهُ اسْمُ الْيَدِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَمَّمَ ذِرَاعَيْهِ فَدَلَّ على أَنَّ
فَرْضَ اللَّهِ عز وجل في التَّيَمُّمِ على الْيَدَيْنِ كَفَرْضِهِ على الْوُضُوءِ
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان أَقْطَعَ فلم يَجِدْ من يُيَمِّمَهُ فَإِنْ قَدَرَ
على أَنْ يُلَوِّثَ يَدَيْهِ بِالتُّرَابِ حتى يأتى بِهِ عَلَيْهِمَا أو يَحْتَالَ
له بِوَجْهٍ إمَّا بِرِجْلِهِ أو غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على ذلك
لَاثَ بِوَجْهِهِ لَوْثًا رَفِيقًا حتى يأتى بِالْغُبَارِ عليه وَفَعَلَ ذلك
بِيَدَيْهِ وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ فَإِنْ لم يَقْدِرْ على لَوْثِهِمَا
مَعًا لَاثَ إحْدَاهُمَا وَصَلَّى وَأَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا قَدَرَ على من
يُيَمِّمُهُ أو يُوَضِّئُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ
الْمُسَافِرُ مَاءً لَا يُطَهِّرُ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا لم يَكُنْ عليه أَنْ
يَغْسِلَ منها شيئا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَغْسِلُ
بِمَا معه من الْمَاءِ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَيَتَيَمَّمَ بَعْدَ ذلك (
قال الرَّبِيعُ ) لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لم تَتِمَّ فيه كما لو كان بَعْضُ أَعْضَاءِ
الْوُضُوءِ جَرِيحًا غَسَلَ ما صَحَّ منه وَتَيَمَّمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ إلَّا أَنْ
يُيَمِّمَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَكُونُ الْمِرْفَقَانِ
فِيمَا يُيَمِّمُ فَإِنْ تَرَكَ شيئا من هذا لم يُمِرَّ عليه التُّرَابَ قَلَّ أو
كَثُرَ كان عليه أَنْ يُيَمِّمَهُ وَإِنْ صلى قبل أَنْ يُيَمِّمَهُ أَعَادَ
الصَّلَاةَ وَسَوَاءٌ كان ذلك مِثْلَ الدِّرْهَمِ أو أَقَلَّ منه أو أَكْثَرَ
كُلُّ ما أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ منه أو اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَإِنْ لم
يُدْرِكْهُ طَرَفُهُ وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَ شيئا فَعَلَيْهِ أعادته وأعادة
كل صَلَاةٍ صَلَّاهَا قبل أَنْ يُعِيدَهُ ( قال ) وإذا رَأَى أَنْ قد أَمَسَّ
يَدَيْهِ التُّرَابَ على وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ ولم يُبْقِ شيئا أَجْزَأَهُ
(1/49)
لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لم تَكْمُلْ فيه
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما وَقَعَ
عليه اسْمُ صَعِيدٍ لم تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ فَهُوَ صَعِيدٌ طَيِّبٌ يَتَيَمَّمُ
بِهِ وَكُلُّ ما حَالَ عن اسْمِ صَعِيدٍ لم يَتَيَمَّمْ بِهِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ
صَعِيدٍ إلَّا على تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ
الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عليه اسْمُ
صَعِيدٍ وَإِنْ خَالَطَهُ تُرَابٌ أو مَدَرٌ يَكُونُ له غُبَارٌ كان الذي
خَالَطَهُ هو الصَّعِيدُ وإذا ضَرَبَ الْمُتَيَمِّمُ عليه بِيَدَيْهِ
فَعَلِقَهُمَا غُبَارٌ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ بِهِ وإذا ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عليه
أو على غَيْرِهِ فلم يَعْلَقْهُ غُبَارٌ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ لم يُجِزْهُ وَهَكَذَا
كُلُّ أَرْضٍ سَبْخُهَا وَمَدَرُهَا وَبَطْحَاؤُهَا وَغَيْرُهُ فما عَلِقَ منه
إذَا ضَرَبَ بِالْيَدِ غُبَارٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ وما لم يَعْلَقْ بِهِ
غُبَارٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ لم يُجِزْهُ وَهَكَذَا إنْ نَفَضَ الْمُتَيَمِّمُ
ثَوْبَهُ أو بَعْضَ أَدَاتِهِ فَخَرَجَ عليه غُبَارُ تُرَابٍ فَتَيَمَّمَ بِهِ
أَجْزَأَهُ إذَا كان التُّرَابُ دَقْعَاءَ فَضَرَبَ فيه الْمُتَيَمِّمُ بِيَدَيْهِ
فَعَلِقَهُمَا منه شَيْءٌ كَثِيرٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْفُضَ شيئا إذَا بقى في
يَدَيْهِ غُبَارٌ يُمَاسَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو بَدَأَ فَوَضَعَ
يَدَيْهِ على التُّرَابِ وَضْعًا رَفِيقًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَإِنْ عَلِقَ
بِيَدَيْهِ تُرَابٌ كَثِيرٌ فَأَمَرَّهُ على وَجْهِهِ لم يَضُرَّهُ وَإِنْ
عَلِقَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ لم يُجِزْهُ أَنْ يَأْخُذَ من
الذي على وَجْهِهِ فَيَمْسَحَ بِهِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ
يَأْخُذَ تُرَابًا غَيْرَهُ لِذِرَاعَيْهِ فَإِنْ أَمَرَّهُ على ذِرَاعَيْهِ عَادَ
فَأَخَذَ تُرَابًا آخَرَ ثُمَّ أَمَرَّهُ على ذِرَاعَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَ على
مَوْضِعٍ من الْأَرْضِ فَيَمَّمَ بِهِ وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عليه أُخْرَى
فَيَمَّمَ بِهِ ذِرَاعَيْهِ فَجَائِزٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَيَمَّمَ من مَوْضِعِهِ ذلك
جَازَ لِأَنَّ ما أَخَذَ منه في كل ضَرْبَةٍ غَيْرُ ما يَبْقَى بَعْدَهَا ( قال )
وإذا حَتَّ التُّرَابَ من الْجِدَارِ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ وَضَعَ
يَدَيْهِ على الْجِدَارِ وَعَلِقَ بِهِمَا غُبَارُ تُرَابٍ فَتَيَمَّمَ بِهِ
أَجْزَأَهُ فَإِنْ لم يَعْلَقْ لم يُجِزْهُ وَإِنْ كان التُّرَابُ مُخْتَلِطًا
بِنُورَةٍ أو تِبْنٍ رَقِيقٍ أو دَقِيقِ حِنْطَةٍ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ
التَّيَمُّمُ بِهِ حتى يَكُونَ تُرَابًا مَحْضًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا
حَالَ التُّرَابَ بِصَنْعَةٍ عن أَنْ يَقَعَ عليه اسْمُ تُرَابٍ أو صَعِيدٍ
فَتَيَمَّمَ بِهِ لم يَجُزْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَطْبُخَ قَصَبَةً أو يَجْعَلَ
آجُرًّا ثُمَّ يَدُقَّ وما أَشْبَهَ هذا ( قال ) وَلَا يَتَيَمَّمُ بِنُورَةٍ
وَلَا كُحْلٍ وَلَا زِرْنِيخٍ وَكُلُّ هذا حِجَارَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ دُقَّتْ
الْحِجَارَةُ حتى تَكُونَ كَالتُّرَابِ أو الْفَخَّارِ أو خُرِطَ الْمَرْمَرُ حتى
يَكُونَ غُبَارًا لم يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوَارِيرُ تُسْحَقُ
وَاللُّؤْلُؤُ وَغَيْرُهُ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالْأَطْيَابُ كُلُّهَا وما
يُسْحَقُ حتى يَكُونَ غُبَارًا مِمَّا ليس بِصَعِيدٍ فَأَمَّا الطِّينُ
الْأَرْمَنِيُّ وَالطِّينُ الطَّيِّبُ الذي يُؤْكَلُ فَإِنْ دُقَّ فَتَيَمَّمَ
بِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ دُقَّ الْكَذَّانُ فَتَيَمَّمَ بِهِ لم يُجِزْهُ لِأَنَّ
الْكَذَّانَ حَجَرٌ خُوَارٌ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِشَبٍّ وَلَا ذَرِيرَةٍ وَلَا لِبَانِ
شَجَرَةٍ وَلَا سِحَالَةِ فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرِ ما وَصَفْت من
الصَّعِيدِ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِشَيْءٍ من الصَّعِيدِ عَلِمَ الْمُتَيَمِّمُ
أَنَّهُ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ بِحَالٍ حتى يَعْلَمَ أَنْ قد طَهُرَ بِالْمَاءِ
كما وَصَفْنَا من التُّرَابِ الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ الذي لَا جَسَدَ له
قَائِمٌ مِثْلَ الْبَوْلِ وما أَشْبَهَهُ أَنْ يَصُبَّ عليه الْمَاءَ حتى
يَغْمُرَهُ وَمِنْ الْجَسَدِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يُجْزِيهِ في التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ
بِالْغُبَارِ على ما يَأْتِيَ عليه بِالْوُضُوءِ من وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى
الْمِرْفَقَيْنِ - * بَابُ التُّرَابِ الذي يُتَيَمَّمُ بِهِ وَلَا يُتَيَمَّمُ -
*
(1/50)
الْقَائِمِ بِأَنْ يُزَالَ ثُمَّ
يَصُبَّ عليه الْمَاءَ على مَوْضِعِهِ أو يَحْفِرَ مَوْضِعَهُ حتى يَعْلَمَ
أَنَّهُ لم يَبْقَ منه شَيْءٌ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِتُرَابِ الْمَقَابِرِ
لِاخْتِلَاطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى وَلُحُومِهِمْ وَعِظَامِهِمْ وَلَوْ
أَصَابَهَا الْمَطَرُ لم يَجُزْ التَّيَمُّمُ بها لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَائِمٌ فيها
لَا يُذْهِبُهُ الْمَاءُ إلَّا كما يَذْهَبُ التُّرَابُ وَهَكَذَا كُلُّ ما
اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ من الْأَنْجَاسِ مِمَّا يَعُودُ فيه كَالتُّرَابِ وإذا كان
التُّرَابُ مَبْلُولًا لم يَتَيَمَّمْ بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طِينٌ
وَيَتَيَمَّمُ بِغُبَارٍ من أَيْنَ كان فَإِنْ كانت ثِيَابُهُ وَرِجْلُهُ
مَبْلُولَةً اسْتَجَفَّ من الطِّينِ شيئا على بَعْضِ أَدَاتِهِ أو جَسَدِهِ فإذا
جَفَّ حَتَّهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذلك وَإِنْ لَطَّخَ
وَجْهَهُ بِطِينٍ لم يُجِزْهُ من التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عليه اسْمُ
صَعِيدٍ وَهَكَذَا إنْ كان التُّرَابُ في سَبْخَةٍ نَدِيَّةٍ لم يَتَيَمَّمْ بها
لِأَنَّهَا كَالطِّينِ لَا غُبَارَ لها وَإِنْ كان في الطِّينِ ولم يَجِفَّ له منه
شَيْءٌ حتى خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ صلى ثُمَّ إذَا جَفَّ الطِّينُ تَيَمَّمَ
وَأَعَادَ الصَّلَاةَ ولم يَعْتَدَّ بِصَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا بِوُضُوءٍ وَلَا
تَيَمُّمٍ وإذا كان الرَّجُلُ مَحْبُوسًا في الْمِصْرِ في الْحُشِّ أو في مَوْضِعٍ
نَجِسِ التُّرَابِ وَلَا يَجِدُ مَاءً أو يَجِدُهُ وَلَا يَجِدُ مَوْضِعًا
طَاهِرًا يصلى عليه وَلَا شيئا طَاهِرًا يَفْرِشُهُ يصلى عليه صلى يُومِئُ إيمَاءً
وَأَمَرْتُهُ أَنْ يصلى ولا ( ( ( وأن ) ) ) يُعِيدَ صَلَاتَهُ ها هنا وَإِنَّمَا
أَمَرْته بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ على الصَّلَاةِ بِحَالٍ فلم أَرَهُ يَجُوزُ
عِنْدِي أَنْ يَمُرَّ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ لَا يصلى فيها كما أَمْكَنَهُ
وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ لم يُصَلِّ كما يُجْزِيهِ وَهَكَذَا
الْأَسِيرُ يُمْنَعُ وَالْمُسْتَكْرَهُ وَمَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ
الصَّلَاةِ صلى كما قَدَرَ جَالِسًا أو مُومِيًا وَعَادَ فَصَلَّى مُكَمِّلًا
لِلصَّلَاةِ إذَا قَدَرَ وَلَوْ كان هذا الْمَحْبُوسُ يَقْدِرُ على الْمَاءِ لم
يَكُنْ له إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَإِنْ كان لَا تُجْزِيهِ بِهِ صَلَاتُهُ
وَكَذَلِكَ لو قَدَرَ على شَيْءٍ يَبْسُطُهُ ليس بِنَجِسٍ لم يَكُنْ له إلَّا أَنْ
يَبْسُطَهُ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على ما قال فَأَتَى بِأَيِّ شَيْءٍ قَدَرَ على أَنْ
يَأْتِيَ بِهِ جاء بِهِ مِمَّا عليه وَإِنْ كان عليه الْبَدَلُ وَهَكَذَا إنْ
حُبِسَ مَرْبُوطًا على خَشَبَةٍ وَهَكَذَا إنْ حُبِسَ مَرْبُوطًا لَا يَقْدِرُ على
الصَّلَاةِ أَوْمَأَ إيمَاءً ويقضى في كل هذا إذَا قَدَرَ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ
يَقْدِرَ على الْقَضَاءِ رَجَوْت له أَنْ لَا يَكُونَ عليه مَأْثَمٌ لِأَنَّهُ
حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ وقد عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى
نِيَّتَهُ في تَأْدِيَتِهَا - * بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل على غَيْرِ وُضُوءٍ -
*
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ
قال أخبرني أبو بَكْرِ بن عُمَرَ بن عبد الرحمن عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ
رَجُلًا مَرَّ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَبُولُ فَسَلَّمَ عليه
الرَّجُلُ فَرَدَّ عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما جَاوَزَهُ نَادَاهُ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّمَا حَمَلَنِي على الرَّدِّ عَلَيْك
خَشْيَةَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَقُولَ إنِّي سَلَّمْت على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فلم يَرُدَّ عَلَيَّ فإذا رَأَيْتنِي على هذه الْحَالِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ
فَإِنَّك إنْ تَفْعَلْ لَا إرد عَلَيْك
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الْحُوَيْرِثِ عن الْأَعْرَجِ عن بن
الصِّمَّةِ قال مَرَرْت على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَبُولُ فَسَلَّمْت
عليه فلم يَرُدَّ عَلَيَّ حتى قام إلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصَا كانت معه ثُمَّ
مَسَحَ يَدَيْهِ على الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ على
أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ إلَى بِئْرِ جَمَلٍ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ
فَسَلَّمَ عليه فلم يَرُدَّ عليه حتى تَمَسَّحَ بِجِدَارٍ ثُمَّ رَدَّ عليه
السَّلَامَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَدِيثَانِ الْأَوَّلَانِ ثَابِتَانِ وَبِهِمَا
نَأْخُذُ وَفِيهِمَا وفي الحديث بَعْدَهُمَا دَلَائِلُ منه أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ
من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فإذا رَدَّهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
قبل التَّيَمُّمِ وَبَعْدَ التَّيَمُّمِ في الْحَضَرِ وَالتَّيَمُّمِ لَا يجزئ
الْمَرْءَ وهو صَحِيحٌ في الْوَقْتِ الذي لَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ فيه طَهَارَةً
لِلصَّلَاةِ دَلَّ ذلك على أَنّ
(1/51)
ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل يَجُوزُ
وَالْمَرْءُ غَيْرُ طَاهِرٍ لِلصَّلَاةِ ( قال ) وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ غير طَاهِرٍ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا من ذِكْرِ
اللَّهِ تَعَالَى ( قال ) وَدَلِيلٌ على أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ مَرَّ على من
يَبُولُ أو يَتَغَوَّطُ أَنْ يُكَفَّ عن السَّلَامِ عليه في حَالَتِهِ تِلْكَ
وَدَلِيلٌ على أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ في تِلْكَ الْحَالِ مُبَاحٌ لِأَنَّ النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ في حَالَتِهِ تِلْكَ وَعَلَى أَنَّ تَرْكَ الرَّدِّ
حتى يُفَارِقَ تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَيَمَّمَ مُبَاحٌ ثُمَّ يَرُدَّ وَلَيْسَ
تَرْكُ الرَّدِّ مُعَطِّلًا لِوُجُوبِهِ وَلَكِنَّ تَأْخِيرَهُ إلَى التَّيَمُّمِ
( قال ) وَتَرْكُ رَدِّ السَّلَامِ إلَى التَّيَمُّمِ يَدُلُّ على أَنَّ الذِّكْرَ
بَعْدَ التَّيَمُّمِ اخْتِيَارًا على الذِّكْرِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَا
مُبَاحَيْنِ لِرَدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل التَّيَمُّمِ وَبَعْدَهُ (
قال ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ لَمَّا تَيَمَّمَ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ السَّلَامَ لِأَنَّهُ قد جَازَ له قُلْنَا بِالتَّيَمُّمِ
لِلْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ ذلك وَخَافَ فَوْتَهُمَا
قُلْنَا وَالْجِنَازَةُ وَالْعِيدُ صَلَاةٌ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَجُوزُ في
الْمِصْرِ لِصَلَاةٍ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُمَا ذِكْرٌ جَازَ الْعِيدُ بِغَيْرِ
تَيَمُّمٍ كما جَازَ في السَّلَامِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ - * بَابُ ما يُطَهِّرُ
الْأَرْضَ وما لَا يُطَهِّرُهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ
عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ
تَعَالَى عنه قال دخل أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فقال اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم لقد تَحَجَّرْت وَاسِعًا قال فما لَبِثَ أَنْ بَالَ في نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ
فَكَأَنَّهُمْ عَجَّلُوا عليه فَنَهَاهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ من مَاءٍ أو سَجْلٍ من مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عليه ثُمَّ قال
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال سَمِعْت أَنَسَ
بن مَالِكٍ يقول بَالَ أَعْرَابِيٌّ في الْمَسْجِدِ فَعَجَّلَ الناس عليه
فَنَهَاهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه وقال صُبُّوا عليه دَلْوًا من
مَاءٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان مَكَانُ الْبَوْلِ خمر ( ( ( خمرا ) ) )
صُبَّ عليه كما يُصَبُّ على الْبَوْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ في قَدْرِ ما يُصَبُّ
عليه من الْمَاءِ فإذا ذَهَبَ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ من التُّرَابِ فَقَدْ طَهُرَ
التُّرَابُ الذي خَالَطَهُ ( قال ) وإذا ذَهَبَ لَوْنُهُ ولم يَذْهَبْ رِيحُهُ
فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ حتى يَذْهَبَ رِيحُهُ
وَذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا كانت الرَّائِحَةُ قَائِمَةً فيه فَهِيَ
كَاللَّوْنِ وَالْجَسَدِ فَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ حتى يَصُبَّ عليها من الْمَاءِ
قَدْرَ ما يُذْهِبُهُ فَإِنْ ذَهَبَتْ بِغَيْرِ صَبِّ مَاءٍ لم تَطْهُرْ حتى يُصَبَّ
عليها من الْمَاءِ قَدْرُ ما يَطْهُرُ بِهِ الْبَوْلُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي
أَنَّهُ إذَا صُبَّ على ذلك من الْمَاءِ قَدْرُ ما يُطَهِّرُهَا وَذَهَبَ
اللَّوْنُ وَالرِّيحُ ليس بِجَسَدٍ وَلَا لَوْنٍ فَقَدْ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وإذا
كَثُرَ ما يُصَبُّ من الْخَمْرِ على الْأَرْضِ فَهُوَ كَكَثْرَةِ الْبَوْلِ
يُزَادُ عليه من الْمَاءِ كما وَصَفْته يُزَادُ على الْبَوْلِ إذَا كَثُرَ وَكُلُّ
ما كان غير جَسَدٍ في هذا الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ فَإِنْ كانت جِيفَةً على
وَجْهِ الْأَرْضِ فَسَالَ منها ما يَسِيلُ من الْجِيَفِ فَأُزِيلَ جَسَدُهَا صُبَّ
على ما خَرَجَ منها من الْمَاءِ كما وَصَفْته يُصَبُّ على الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ
فإذا صُبَّ الْمَاءُ فلم يُوجَدْ له عَيْنٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ فَهَكَذَا (
قال ) وَهَكَذَا إذَا كانت عليها عَذِرَةٌ أو دَمٌ أو جَسَدٌ نَجَسٌ فَأُزِيلَ ( قال
) وإذا صَبَّ على الْأَرْضِ شيئا من الذَّائِبِ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ
وَالصَّدِيدِ وما أَشْبَهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ أَثَرُهُ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ فَكَانَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا بِيلَ على الْأَرْضِ وكان الْبَوْلُ رَطْبًا
مَكَانَهُ أو نَشَّفَتْهُ الْأَرْضُ وكان مَوْضِعُهُ يَابِسًا فَصَبَّ عليه من
الْمَاءِ ما يَغْمُرُهُ حتى يَصِيرَ الْبَوْلُ مُسْتَهْلَكًا في التُّرَابِ
وَالْمَاءُ جَارِيًا على مَوَاضِعِهِ كُلِّهَا مُزِيلًا لِرِيحِهِ فَلَا يَكُونُ
له جَسَدٌ قَائِمٌ وَلَا شَيْءَ في مَعْنَى جَسَدٍ من رِيحٍ وَلَا لَوْنٍ فَقَدْ
طَهُرَ وَأَقَلُّ قَدْرِ ذلك ما يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ كَالدَّلْوِ الْكَبِيرِ
على بَوْلِ الرَّجُلِ وَإِنْ كَثُرَ وَذَلِكَ أَكْثَرُ منه أَضْعَافًا لَا أَشُكُّ
في أَنَّ ذلك سَبْعُ مَرَّاتٍ أو أَكْثَرُ لَا يُطَهِّرُهُ شَيْءُ غَيْرُهُ ( قال
) فَإِنْ بَالَ على بَوْلِ الْوَاحِدِ آخَرُ لم يُطَهِّرْهُ إلَّا دَلْوَانِ
وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ معه لم يُطَهِّرْهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَثُرُوا لم
يَطْهُرْ الْمَوْضِعُ حتى يُفْرَغَ عليه من الْمَاءِ ما يُعْلَمُ أَنْ قد صُبَّ
مَكَانَ بَوْلِ كل رَجُلٍ دَلْوٌ عَظِيمٌ أو كَبِيرٌ
(1/52)
في شَمْسٍ أو غَيْرِ شَمْسٍ فَسَوَاءٌ
وَلَا يُطَهِّرُهُ إلَّا أَنْ يَصُبَّ عليه الْمَاءَ وَإِنْ أتى على الْأَرْضِ
مَطَرٌ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ يُصِيبُ مَوْضِعَ الْبَوْلِ منه أَكْثَرُ من
الْمَاءِ الذي وَصَفْت أَنَّهُ يُطَهِّرُهُ كان لها طَهُورًا وَكَذَلِكَ إنْ أتى
عليها سَيْلٌ يَدُومُ عليها قَلِيلًا حتى تَأْخُذَ الْأَرْضُ منه مِثْلَ ما كانت
آخِذَةً مِمَّا صُبَّ عليها وَلَا أَحْسَبُ سَيْلًا يَمُرُّ عليها إلَّا أَخَذَتْ
منه مِثْلَ أو أَكْثَرَ مِمَّا كان يُطَهِّرُهَا من مَاءٍ يُصَبُّ عليها فَإِنْ
كان الْعِلْمُ يُحِيطُ بِأَنَّ سَيْلًا لو مَسَحَهَا مَسْحَةً لم تَأْخُذْ منه
قَدْرَ ما كان يُطَهِّرُهَا لم تَطْهُرْ حتى يَصُبّ عليها ما يُطَهِّرُهَا وَإِنْ
صَبَّ على الْأَرْضِ نَجِسًا كَالْبَوْلِ فَبُودِرَ مَكَانُهُ فَحَفَرَ حتى لَا
يَبْقَى في الْأَرْضِ منه شَيْءٌ رَطْبٌ ذَهَبَتْ النَّجَاسَةُ كُلُّهَا
وَطَهُرَتْ بِلَا مَاءٍ وان يَبِسَ وبقى له أَثَرٌ فَحُفِرَتْ حتى لَا يَبْقَى
يُرَى له أَثَرٌ لم تَطْهُرْ لِأَنَّ الْأَثَرَ لَا يَكُونُ منه إلَّا الْمَاءُ
طَهُرَ حَيْثُ تَرَدَّدَ إلَّا أَنْ يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنْ قد أتى بِالْحَفْرِ
على ما يَبْلُغُهُ الْبَوْلُ فَيُطَهِّرُهُ فَأَمَّا كُلُّ جَسَدٍ وَمُسْتَجْسِدٍ
قَائِمٍ من الْأَنْجَاسِ مِثْلَ الْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وما
أَشْبَهَهَا فَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ منه إلَّا بِأَنْ يَزُولَ عنها ثُمَّ
يُصَبَّ على رَطْبٍ إنْ كان منه فيها ما يُصَبُّ على الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَإِنْ
ذَهَبَتْ الْأَجْسَادُ في التُّرَابِ حتى يَخْتَلِطَ بها فَلَا يَتَمَيَّزُ منها
كانت كَالْمَقَابِرِ لَا يُصَلَّى فيها وَلَا تَطْهُرُ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ
مُتَمَيِّزٍ من الْمُحَرَّمِ الْمُخْتَلَطِ وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَطَ بِمَا في
الْكَرَايِيسِ وما أَشْبَهَهُ وإذا ذَهَبَتْ جِيفَةٌ في الْأَرْضِ فَكَانَ عليها
من التُّرَابِ ما يُوَارِيهَا وَلَا يَرْطَبُ بِرُطُوبَةٍ إنْ كانت منها كُرِهَتْ
الصَّلَاةُ على مَدْفِنِهَا وَإِنْ صلى عليها مُصَلٍّ لم آمُرْهُ بِإِعَادَةِ
الصَّلَاةِ وَهَكَذَا ما دُفِنَ من الْأَنْجَاسِ مِمَّا لم يَخْتَلِطْ
بِالتُّرَابِ وإذا ضُرِبَ اللَّبِنُ مِمَّا فيه بَوْلٌ لم يُصَلِّ عليه حتى
يَصُبَّ عليه الْمَاءَ كما يَصُبَّ على ما يُبَلْ عليه من الْأَرْضِ وَأَكْرَهُ
أَنْ يُفْرَشَ بِهِ مَسْجِدٌ أو يُبْنَى بِهِ فَإِنْ بنى بِهِ مَسْجِدٌ أو كان منه
جُدْرَانُهُ كَرِهْتُهُ وَإِنْ صلى إلَيْهَا مُصَلٍّ لم أَكْرَهْهُ ولم يَكُنْ
عليه إعَادَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ صلى في مَقْبَرَةٍ أو قَبْرٍ أو جِيفَةٍ أَمَامَهُ
وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ ما يُمَاسَّهُ من الْأَرْضِ وَسَوَاءٌ إنْ كان
اللَّبِنُ الذي ضُرِبَ بِالْبَوْلِ مَطْبُوخًا أو نِيئًا لَا يَطْهُرُ اللَّبِنُ
بِالنَّارِ وَلَا تُطَهِّرُ شيئا وَيَصُبُّ عليه الْمَاءَ كُلَّهُ كما وَصَفْت لك
وَإِنْ ضُرِبَ اللَّبِنُ بِعِظَامِ مَيْتَةٍ أو لَحْمِهَا أو بِدَمٍ أو بِنَجَسٍ
مُسْتَجْسِدٍ من الْمُحَرَّمِ لم يُصَلِّ عليه أَبَدًا طُبِخَ أو لم يُطْبَخْ
غُسِلَ أو لم يُغْسَلْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ جُزْءٌ قَائِمٌ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ
الْمَيِّتَ لو غُسِّلَ بِمَاءِ الدُّنْيَا لم يَطْهُرْ ولم يُصَلَّ عليه إذَا كان
جَسَدًا قَائِمًا وَلَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ على الْأَرْضِ وَلَا شَيْءٍ
يَقُومُ عليه دُونَهَا حتى يَكُونُ جَمِيعُ ما يُمَاسَّ جَسَدَهُ منها طَاهِرًا
كُلَّهُ فَإِنْ كان منها شَيْءٌ غَيْرُ طَاهِرٍ فَكَانَ لَا يُمَاسَّهُ وما
مَاسَّهُ منها طَاهِرٌ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَأَكْرَهُ له أَنْ يصلى إلَّا على
مَوْضِعٍ طَاهِرٍ كُلِّهِ وَسَوَاءٌ مَاسَّ من يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو
رُكْبَتَيْهِ أو جَبْهَتِهِ أو أَنْفِهِ أو أَيِّ شَيْءٍ مَاسَّ منه وَكَذَلِكَ
سَوَاءٌ ما سَقَطَتْ عليه ثِيَابُهُ منه إذَا مَاسَّ من ذلك شيئا نَجِسًا لم
تَتِمَّ صَلَاتُهُ وَكَانَتْ عليه الْإِعَادَةُ وَالْبِسَاطُ وما صلى عليه مِثْلُ
الْأَرْضِ إذَا قام منه على مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَإِنْ كان الْبَاقِي منه نَجِسًا
أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ هَكَذَا الثَّوْبُ لو لَبِسَ بَعْضَ ثَوْبٍ
طَاهِرٍ وكان بَعْضُهُ سَاقِطًا عنه وَالسَّاقِطُ عنه منه غَيْرُ طَاهِرٍ لم
تُجِزْهُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ له لَابِسٌ لِثَوْبٍ وَيَزُولُ فَيَزُولُ
بِالثَّوْبِ معه إذَا كان قَائِمًا على الْأَرْضِ فَحَظُّهُ منها ما يُمَاسُّهُ وإذا
زَالَ لم يَزُلْ بها وَكَذَلِكَ ما قام عليه سِوَاهَا وإذا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ
بِأَنْ قد مَاسَّ بَعْدَ الْأَرْضِ نَجَاسَةً أَحْبَبْت أَنْ يَتَنَحَّى عنه حتى
يأتى مَوْضِعًا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ لم تُصِبْهُ نَجَاسَةٌ وَإِنْ لم يَفْعَلْ
أَجْزَأَ عنه حَيْثُ صلى إذَا لم يَسْتَيْقِنْ فيه النَّجَاسَةَ وَكَذَلِكَ إنْ
صلى في مَوْضِعٍ فَشَكَّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ
وَالْأَرْضُ على الطَّهَارَةِ حتى يَسْتَيْقِنَ فيها النَّجَاسَةَ
____________________
(1/53)
- * بَابُ مَمَرِّ الْجُنُبِ وَالْمُشْرِكِ
على الْأَرْضِ وَمَشْيِهِمَا عليها - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا جُنُبًا إلَّا
عَابِرِي سَبِيلٍ } قال لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ وما أَشْبَهَ ما قال
بِمَا قال لِأَنَّهُ ليس في الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ
السَّبِيلِ في مَوْضِعِهَا وهو الْمَسْجِدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ
في الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلَا يُقِيمَ فيه لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا
جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عُثْمَانَ بن أبي
سُلَيْمَانَ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حين أَتَوْا الْمَدِينَةَ في فِدَاءِ
أَسْرَاهُمْ كَانُوا يَبِيتُونَ في الْمَسْجِدِ منهم جُبَيْرُ بن مُطْعِمٍ قال
جُبَيْرٌ فَكُنْت أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ في كل مَسْجِدٍ إلَّا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } فَلَا يَنْبَغِي
لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ ( قال ) وإذا بَاتَ الْمُشْرِكُ في
الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ فإن بن عُمَرَ
يَرْوِي أَنَّهُ كان يَبِيتُ في الْمَسْجِدِ زَمَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم وهو أَعْزَبُ وَمَسَاكِينُ الصُّفَّةِ ( قال ) وَلَا تَنْجُسُ الْأَرْضُ
بِمَمَرِّ حَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ وَلَا مُشْرِكٍ وَلَا مَيْتَةٍ لِأَنَّهُ ليس في
الْأَحْيَاءِ من الْآدَمِيِّينَ نَجَاسَةٌ وَأَكْرَهُ لِلْحَائِضِ تَمُرُّ في
الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ لم تُنَجِّسْهُ - * بَابُ ما يُوصَلُ بِالرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كُسِرَ
لِلْمَرْأَةِ عَظْمٌ فَطَارَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُرَقِّعَهُ إلَّا بِعَظْمِ ما
يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا وَكَذَلِكَ إنْ سَقَطَتْ سنه صَارَتْ مَيِّتَةً فَلَا
يَجُوزُ له أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ ما بَانَتْ فَلَا يُعِيدُ سِنَّ شَيْءٍ غَيْرِ
سِنٍّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ رَقَّعَ عَظْمَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ أو
ذَكِيٍّ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو عَظْمِ إنْسَانٍ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ
فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ وَإِعَادَةُ كل صَلَاةٍ صَلَّاهَا وهو عليه فَإِنْ لم
يَقْلَعْهُ جَبَرَهُ السُّلْطَانُ على قَلْعِهِ فَإِنْ لم يَقْلَعْ حتى مَاتَ لم
يُقْلَعْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا كُلَّهُ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ
وَكَذَلِكَ سنه إذَا نَدَرَتْ فَإِنْ اعْتَلَتْ سنه فَرَبَطَهَا قبل أَنْ تَنْدُرَ
فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَيْتَةً حتى تَسْقُطَ ( قال ) وَلَا بَأْسَ
أَنْ يَرْبِطَهَا بِالذَّهَبِ لِأَنَّهُ ليس لُبْسَ ذَهَبٍ وَإِنَّهُ مَوْضِعُ
ضَرُورَةٍ وهو يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الذَّهَبِ ما هو
أَكْثَرُ من هذا يُرْوَى أَنَّ أَنْفَ رَجُلٍ قُطِعَ بِالْكُلَابِ فَاتَّخَذَ
أَنْفًا من فِضَّةٍ فشكى ( ( ( فشكا ) ) ) إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
نَتِنَهُ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا من
ذَهَبٍ ( قال ) وَإِنْ أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ جِلْدِهِ فَنَبَتَ عليه فَعَلَيْهِ
أَنْ يُخْرِجَ ذلك الدَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ إدْخَالِهِ
الدَّمَ تَحْتَ جِلْدِهِ قال وَلَا يصلى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَاصِلَيْنِ
شَعْرَ إنْسَانٍ بِشُعُورِهِمَا وَلَا شَعْرَهُ بِشَعْرِ شَيْءٍ لَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ وَلَا شَعْرِ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ منه شَعْرُهُ
وهو حَيٌّ فَيَكُونُ في مَعْنَى الذَّكِيِّ كما يَكُونُ اللَّبَنُ في مَعْنَى
الذكى أو يُؤْخَذُ بعد ما يُذَكَّى ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَتَقَعُ الذَّكَاةُ على
كل حَيٍّ منه وَمَيِّتٍ فَإِنْ سَقَطَ من شَعْرِهِمَا شَيْءٌ فَوَصَلَاهُ بِشَعْرِ
إنْسَانٍ أو شُعُورِهِمَا لم يُصَلِّيَا فيه فَإِنْ فَعَلَا فَقَدْ قِيلَ
يُعِيدَانِ وَشُعُورُ الْآدَمِيِّينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَمْتَعَ من
الْآدَمِيِّينَ كما يُسْتَمْتَعُ بِهِ من الْبَهَائِمِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا
مُخَالِفَةٌ لِشُعُورِ ما يَكُونُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا أو حَيًّا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أَخْبَرْنَا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن
فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالت أَتَتْ امْرَأَةٌ
إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بِنْتًا لي
أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُ فيه فقال رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فإذا ذكى الثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ صلى في جُلُودِهِمَا وَعَلَى
جُلُودِهِمَا شُعُورُهُمَا لِأَنَّ لُحُومَهُمَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ
من شُعُورِهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ صلى فِيهِمَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ ما أُكِلَ
لَحْمُهُ يُصَلَّى في جِلْدِهِ إذَا ذكى وفي شَعْرِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حتى تَعْلَمُوا ما
تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُوا }
(1/54)
وَرِيشِهِ إذَا أُخِذَ منه وهو حَيٌّ
فَأَمَّا ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فما أُخِذَ من شَعْرِهِ حَيًّا أو مَذْبُوحًا
فصلى فيه أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكِيٍّ في الْحَيَاةِ
وَأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ على الشَّعْرِ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ وَغَيْرَ ذَكَاتِهِ
سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ دُبِغَ لم يُصَلِّ له في شَعْرِ ذِي شَعْرٍ منه وَلَا
رِيشِ ذِي رِيشٍ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ شَعْرًا وَلَا رِيشًا
وَيُطَهِّرُ الْإِهَابَ لِأَنَّ الْإِهَابَ غَيْرُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ
وَكَذَلِكَ عَظْمُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُطَهِّرُهُ دِبَاغٌ وَلَا غُسْلٌ
ذَكِيًّا كان أو غير ذَكِيٍّ - * بَابُ طَهَارَةِ الثِّيَابِ - * (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ وَمَاءُ الْقَرْحِ أَخَفُّ منه وَلَا
يُغْسَلُ من شَيْءٍ منه إلَّا ما كان لُمْعَةً وقد قِيلَ إذَا لَزِمَ الْقَرْحُ
صَاحِبَهُ لم يَغْسِلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَعْلَمُ - * بَابُ المنى - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بَدَأَ اللَّهُ جل وعز خَلْقَ آدَمَ من مَاءٍ وَطِينٍ وَجَعَلَهُمَا مَعًا
طَهَارَةً وَبَدَأَ خَلْقَ وَلَدِهِ من مَاءٍ دَافِقٍ فَكَانَ في ابْتِدَائِهِ
خَلْقَ آدَمَ من الطَّهَارَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا الطَّهَارَةُ دَلَالَةَ أَنْ
لَا يَبْدَأَ خَلْقُ غَيْرِهِ إلَّا من طَاهِرٍ لَا من نَجِسٍ وَدَلَّتْ سُنَّةُ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ ذلك
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عَمْرُو بن أبي سَلَمَةَ عن الْأَوْزَاعِيِّ عن يحيى
بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ
الْمَنِيَّ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَالْمَنِيُّ ليس بِنَجَسٍ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ يُفْرَكُ أو يُمْسَحُ قِيلَ كما
يُفْرَكُ الْمُخَاطُ أو الْبُصَاقُ أو الطِّينُ وَالشَّيْءُ من الطَّعَامِ
يَلْصَقُ بِالثَّوْبِ تَنْظِيفًا لَا تَنْجِيسًا فَإِنْ صلى فيه قبل أَنْ يُفْرَكَ
أو يُمْسَحَ فَلَا بَأْسَ وَلَا يَنْجُسُ شَيْءٌ منه من مَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إمْلَاءُ كل ما
خَرَجَ من ذَكَرٍ من رُطُوبَةِ بَوْلٍ أو مَذْيٍ أو وَدْيٍ أو ما لَا يُعْرَفُ أو
يُعْرَفُ فَهُوَ نَجِسٌ كُلُّهُ ما خَلَا المنى وَالْمَنِيُّ الثَّخِينُ الذي
يَكُونُ منه الْوَلَدُ الذي يَكُونُ له رَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ ليس
لِشَيْءٍ يَخْرُجُ من ذَكَرٍ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ غَيْرُهُ وَكُلُّ ما مَسَّ ما
سِوَى المنى مِمَّا خَرَجَ من ذَكَرٍ من ثَوْبٍ أو جَسَدٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ
يُنَجِّسُهُ وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ
أَصَابَهُ غَسَلَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك فَإِنْ لم يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ
غَسَلَ الثَّوْبَ كُلَّهُ وَإِنْ عَرَفَ الْمَوْضِعَ ولم يَعْرِفْ قَدْرَ ذلك
غَسَلَ الْمَوْضِعَ وَأَكْثَرَ منه وإن صلى في الثَّوْبِ قبل أَنْ يَغْسِلَهُ
عَالِمًا أو جَاهِلًا فَسَوَاءٌ إلَّا في الْمَأْثَمِ فإنه يَأْثَمُ بِالْعِلْمِ
وَلَا يَأْثَمُ في الْجَهْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل {
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } فَقِيلَ يصلى في ثِيَابٍ طاهره وَقِيلَ غَيْرُ ذلك
وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَنْ
يُغْسَلَ دَمُ الْحَيْضِ من الثَّوْبِ فَكُلُّ ثَوْبٍ جُهِلَ من يَنْسِجُهُ
أَنَسَجَهُ مُسْلِمٌ أو مُشْرِكٌ أو وَثَنِيٌّ أو مَجُوسِيٌّ أو كِتَابِيٌّ أو
لَبِسَهُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ أو صَبِيٌّ فَهُوَ على الطَّهَارَةِ حتى يُعْلَمَ
أَنَّ فيه نَجَاسَةً وَكَذَلِكَ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أبي الْعَاصِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ
عليها ثَوْبُ صَبِيٍّ والأختيار أَنْ لَا يُصَلَّى في ثَوْبِ مُشْرِكٍ وَلَا
سَرَاوِيلَ وَلَا إزَارٍ وَلَا رِدَاءٍ حتى يُغْسَلَ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ
وَاجِبًا وإذا صلى رَجُلٌ في ثَوْبِ مُشْرِكٍ أو مُسْلِمٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ
كان نَجِسًا أَعَادَ ما صلى فيه وَكُلُّ ما أَصَابَ الثَّوْبَ من غَائِطٍ رَطْبٍ
أو بَوْلٍ أو دَمٍ أو خَمْرٍ أو مُحَرَّمٍ ما كان فَاسْتَيْقَنَهُ صَاحِبُهُ
وَأَدْرَكَهُ طَرَفُهُ أو لم يُدْرِكْهُ فَعَلَيْهِ غُسْلُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه
مَوْضِعُهُ لم يُجْزِهِ إلَّا غُسْلُ الثَّوْبِ كُلِّهِ ما خَلَا الدَّمَ
وَالْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ وَمَاءَ الْقَرْحِ فإذا كان الدَّمُ لُمْعَةً
مُجْتَمِعَةً وَإِنْ كانت أَقَلَّ من مَوْضِعِ دِينَارٍ أو فَلْسٍ وَجَبَ عليه
غُسْلُهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ
وَأَقَلُّ ما يَكُونُ دَمُ الْحَيْضِ في الْمَعْقُولِ لُمْعَةٌ وإذا كان يَسِيرًا
كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وما أَشْبَهَهُ لم يُغْسَلْ لِأَنَّ الْعَامَّةَ أَجَازَتْ
هذا
(1/55)
يُعِيدَ صَلَاتِهِ وَمَتَى قُلْت
يُعِيدُ فَهُوَ يُعِيدُ الدَّهْرَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو إذَا صلى أَنْ
تَكُونَ صَلَاتُهُ مُجْزِئَةً عنه فَلَا إعَادَةَ عليه فِيمَا أَجْزَأَ عنه في
وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ أو لَا تَكُونُ مجزئه عنه بِأَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً
وَحُكْمُ من صلى صَلَاةً فَاسِدَةً حُكْمُ من لم يُصَلِّ فَيُعِيدُ في الدَّهْرِ
كُلِّهِ وَإِنَّمَا قُلْت في الْمَنِيِّ إنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا خَبَرًا عن
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعْقُولًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْخَبَرُ
قُلْت
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ عن إبْرَاهِيمَ عن هَمَّامِ بن
الْحَارِثِ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ المنى من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ
عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن حَمَّادِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن إبْرَاهِيمَ عن
عَلْقَمَةَ أو الْأَسْوَدِ شَكَّ الرَّبِيعُ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أَفْرُكُ
الْمَنِيَّ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه ( قال
الرَّبِيعُ ) وَحَدَّثَنَا يحيى بن حَسَّانَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وبن
جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا يُخْبِرُ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال في المنى
يُصِيبُ الثَّوْبَ أَمِطْهُ عَنْكَ قال أَحَدُهُمَا بِعُودٍ أو إذْخِرَةٍ
وَإِنَّمَا هو بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أو الْمُخَاطِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن جَرِيرِ بن عبد الْحَمِيدِ عن
مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ قال أخبرني مُصْعَبُ بن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ عن أبيه
أَنَّهُ كان إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ المنى إنْ كان رَطْبًا مَسَحَهُ وَإِنْ كان
يَابِسًا حَتَّهُ ثُمَّ صلى فيه (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْمَعْقُولُ في أَنَّهُ ليس بِنَجِسٍ
فإن اللَّهَ عز وجل بَدَأَ خَلْقَ آدَمَ من مَاءٍ وَطِينٍ وَجَعَلَهُمَا جميعا
طَهَارَةً الْمَاءُ وَالطِّينُ في حَالِ الْإِعْوَازِ من الْمَاءِ طَهَارَةٌ
وَهَذَا أَكْثَرُ ما يَكُونُ في خَلْقٍ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَغَيْرَ نَجِسٍ وقد
خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَنِي آدَمَ من الْمَاءِ الدَّافِقِ فَكَانَ
جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعَزَّ وَأَجَلَّ من أَنْ يتبديء ( ( ( يبتدئ ) ) ) خَلْقًا من
نَجَسٍ مع ما وَصَفْت مِمَّا دَلَّتْ عليه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم وَالْخَبَرُ عن عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ مع ما
وَصَفْت مِمَّا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ من أَنَّ رِيحَهُ وَخَلْقَهُ مُبَايِنٌ
خَلْقَ ما يَخْرُجُ من ذَكَرٍ وَرِيحِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن بَعْضَ أَصْحَابِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اغْسِلْ ما رَأَيْت وَانْضَحْ ما لم تَرَ فكلنا (
( ( فكنا ) ) ) نَغْسِلُهُ بِغَيْرِ أَنْ نَرَاهُ نَجِسًا وَنَغْسِلُ الْوَسَخَ
وَالْعَرَقَ وما لَا نَرَاهُ نَجِسًا وَلَوْ قال بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم إنَّهُ نَجِسٌ لم يَكُنْ في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعَ ما وَصَفْنَا مِمَّا سِوَى ما وَصَفْنَا من
الْمَعْقُولِ وَقَوْلِ من سَمَّيْنَا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ منه قُلْنَا الْغُسْلُ ليس
من نَجَاسَةِ ما يَخْرُجُ إنَّمَا الْغُسْلُ شَيْءٌ تَعَبَّدَ اللَّهُ بِهِ
الْخَلْقَ جل وعز فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ أَرَأَيْت الرَّجُلَ
إذَا غَيَّبَ ذَكَرَهُ في الْفَرْجِ الْحَلَالِ ولم يَأْتِ منه مَاءٌ فَأَوْجَبْت
عليه الْغُسْلَ وَلَيْسَتْ في الْفَرْجِ نَجَاسَةٌ وَإِنْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ في
دَمِ خِنْزِيرٍ أو خَمْرٍ أو عَذِرَةٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ نَجِسٌ أَيَجِبُ عليه
الْغُسْلُ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَالْغُسْلُ إنْ كان إنَّمَا يَجِبُ من نَجَاسَةٍ
كان هذا أَوْلَى أَنْ يَجِبَ عليه الْغُسْلُ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ من الذي
غَيَّبَهُ في حَلَالٍ نَظِيفٍ وَلَوْ كان يَكُونُ لِقَذَرِ ما يَخْرُجُ منه كان
الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ أَقْذَرَ منه ثُمَّ ليس يَجِبُ عليه غُسْلُ مَوْضِعِهِمَا
الذي خَرَجَا منه وَيَكْفِيهِ من ذلك الْمَسْحُ بِالْحِجَارَةِ وَلَا يُجْزِئُهُ
في وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ إلَّا الْمَاءُ وَلَا يَكُونُ
عليه غَسْلُ فَخِذَيْهِ وَلَا أَلْيَتَيْهِ سِوَى ما سَمَّيْت وَلَوْ كان كَثْرَةُ
الْمَاءِ إنَّمَا تَجِبُ لِقَذَرِ ما يَخْرُجُ كان هَذَانِ أَقْذَرَ وَأَوْلَى
أَنْ يَكُونَ على صَاحِبِهِمَا الْغُسْلُ مَرَّاتٍ وكان مَخْرَجُهُمَا أَوْلَى
بِالْغُسْلِ من الْوَجْهِ الذي لم يَخْرُجَا منه وَلَكِنْ إنَّمَا أُمِرْنَا
بِالْوُضُوءِ لِمَعْنَى تَعَبُّدٍ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ طَاعَةَ الْعِبَادِ
لِيَنْظُرَ من يُطِيعُهُ منهم وَمَنْ يَعْصِيهِ لَا على قَذَرِ وَلَا نَظَافَةِ ما
يَخْرُجُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن عَمْرَو بن مَيْمُونٍ رَوَى عن أبيه عن
سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عَائِشَةَ أنها كانت تَغْسِلُ الْمَنِيَّ من ثَوْبِ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا هذا إنْ جَعَلْنَاهُ ثَابِتًا
فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِهَا كُنْت أَفْرُكُهُ من ثَوْبِ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يصلى فيه كما لَا يَكُونُ غُسْلُهُ قَدَمَيْهِ عُمْرَهُ
خِلَافًا لِمَسْحِهِ على خُفَّيْهِ يَوْمًا من أَيَّامِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا
مَسَحَ عَلِمْنَ
(1/56)
أَنَّهُ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ
بِالْمَسْحِ وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِالْغُسْلِ وَكَذَلِكَ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ
بِحَتِّهِ وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِغُسْلِهِ لَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا خِلَافُ
الْآخَرِ مع أَنَّ هذا ليس بِثَابِتٍ عن عَائِشَةَ هُمْ يَخَافُونَ فيه غَلَطَ
عَمْرِو بن مَيْمُونٍ إنَّمَا هو رَأْيُ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ كَذَا حَفِظَهُ
عنه الْحُفَّاظُ أَنَّهُ قال غُسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وقد روى عن عَائِشَةَ
خِلَافُ هذا الْقَوْلِ ولم يَسْمَعْ سُلَيْمَانُ عَلِمْنَاهُ من عَائِشَةَ حَرْفًا
قَطُّ وَلَوْ رَوَاهُ عنها كان مُرْسَلًا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ عنه وإذا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ أَنْ قد
أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ ثَوْبًا له فَصَلَّى فيه وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ
النَّجَاسَةُ فإن الْوَاجِبَ عليه إنْ كان يَسْتَيْقِنُ شيئا أَنْ يصلى ما
اسْتَيْقَنَ وَإِنْ كان لَا يَسْتَيْقِنُ تَأَخَّى حتى يصلى ما يَرَى أَنَّهُ قد
صلى كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وفي ثَوْبِهِ النَّجَسُ أو أَكْثَرَ منها وَلَا
يَلْزَمُهُ إعَادَةُ شَيْءٍ إلَّا ما اسْتَيْقَنَ وَالْفُتْيَا وَالِاخْتِيَارُ له
كما وَصَفْت وَالثَّوْبُ وَالْجَسَدُ سَوَاءٌ يُنَجِّسُهُمَا ما أَصَابَهُمَا
وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ ثَوْبَانِ فإذا صلى فِيهِمَا وقد أَصَابَتْهُمَا نَجَاسَةٌ
رَطْبَةٌ ولم يَغْسِلْهَا أَعَادَ فإذا أَصَابَتْهُمَا نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ لَا
رُطُوبَةَ فيها فَحَكَّهُمَا حتى نَظُفَا وَزَالَتْ النَّجَاسَةُ عنهما صلى
فِيهِمَا فَإِنْ كان الرَّجُلُ في سَفَرٍ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا قَلِيلًا
فَأَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَسٌ غَسَلَ النَّجَسَ وَتَيَمَّمَ إنْ لم يَجِدْ ما
يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ إذَا لم يَغْسِلْ
النَّجَاسَةَ من قِبَلِ أَنَّ الْأَنْجَاسَ لَا يُزِيلُهَا إلَّا الْمَاءُ فَإِنْ
قال قَائِلٌ فَلِمَ طَهَّرَهُ التُّرَابُ من الْجَنَابَةِ وَمِنْ الْحَدَثِ ولم
يَطْهُرْ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ التي مَاسَّتْ عُضْوًا من أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أو
غَيْرِ أَعْضَائِهِ قُلْنَا إنَّ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ من الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ
ليس لِأَنَّ الْمُسْلِمَ نَجَسٌ وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ مُتَعَبِّدٌ بِهِمَا
وَجُعِلَ التُّرَابُ بَدَلًا لِلطَّهَارَةِ التي هِيَ تَعَبُّدٌ ولم يُجْعَلْ
بَدَلًا في النَّجَاسَةِ التي غُسْلُهَا لِمَعْنًى لَا تَعَبُّدًا إنَّمَا
مَعْنَاهَا أَنْ تُزَالَ بِالْمَاءِ ليس أنها تَعَبُّدٌ بِلَا مَعْنًى وَلَوْ
أَصَابَتْ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ ولم يَجِدْ مَاءً لِغُسْلِهِ صلى عُرْيَانًا وَلَا
يُعِيدُ ولم يَكُنْ له أَنْ يصلى في ثَوْبٍ نَجِسٍ بِحَالٍ وَلَهُ أَنْ يصلى في
الْإِعْوَازِ من الثَّوْبِ الطَّاهِرِ عُرْيَانًا ( قال ) وإذا كان مع الرَّجُلِ
الْمَاءُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لم يَتَوَضَّأْ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ
بِهِ إنَّمَا يَزِيدُهُ نَجَاسَةً وإذا كان مع الرَّجُلِ مَاءَانِ أَحَدُهُمَا
نَجِسٌ وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يَخْلُصُ النَّجِسُ من الطَّاهِرِ تَأَخَّى وَتَوَضَّأَ
بِأَحَدِهِمَا وَكَفَّ عن الْوُضُوءِ من الْآخَرِ وَشُرْبِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ
إلَى شُرْبِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِهِ شَرِبَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى
الْوُضُوءِ بِهِ لم يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّهُ ليس عليه في الْوُضُوءِ وِزْرٌ
وَيَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ في خَوْفِ الْمَوْتِ ضَرُورَةٌ فَيَشْرَبُهُ إذَا لم
يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَوْ كان في سَفَرٍ أو حَضَرٍ فَتَوَضَّأَ من مَاءٍ نَجِسٍ أو
كان على وُضُوءٍ فَمَسَّ مَاءً نَجِسًا لم يَكُنْ له أَنْ يصلى وَإِنْ صلى كان
عليه أَنْ يُعِيدَ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ ما مَاسَّ ذلك الْمَاءُ من جَسَدِهِ
وَثِيَابِه
(1/57)
(1) * - * اعْتِزَالُ الرَّجُلِ
امْرَأَتَهُ حَائِضًا وَإِتْيَانُ الْمُسْتَحَاضَةِ - * + أَخْبَرْنَا الرَّبِيعُ
قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } الْآيَةَ
____________________
1- * كِتَابُ الْحَيْضِ
(1/58)
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما أَمَرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِاعْتِزَالِ الْحُيَّضِ وَأَبَاحَهُنَّ بَعْدَ الطُّهْرِ وَالتَّطْهِيرِ
وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تصلى دَلَّ ذلك على أَنَّ
لِزَوْجِ الْمُسْتَحَاضَةِ إصَابَتَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ
اللَّهَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ طَوَاهِرَ وَأَبَاحَ أَنْ
يُؤْتَيْنَ طَوَاهِرَ - * بَابُ ما يَحْرُمُ أَنْ يُؤْتَى من الْحَائِضِ - * + (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ
أَمَرَكُمْ اللَّهُ } أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يعنى من مَوَاضِعِ المحيض ( ( ( الحيض
) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قال
وَمُحْتَمِلَةً أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على اعْتِزَالِ
ما تَحْتَ الْإِزَارِ منها وَإِبَاحَةِ ما سِوَى ذلك منها - * بَابُ تَرْكِ
الْحَائِضِ الصَّلَاةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال
اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في
قَوْلِ اللَّهِ عز وجل حتى يَطْهُرْنَ بِأَنَّهُنَّ حُيَّضٌ في غَيْرِ حَالِ
الطَّهَارَةِ وَقَضَى اللَّهُ على الْجُنُبِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حتى
يَغْتَسِلَ وكان بَيِّنًا أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلُ
وَأَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابُ الْحَيْضِ ثُمَّ
الِاغْتِسَالُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { حتى يَطْهُرْنَ } وَذَلِكَ بِانْقِضَاءِ
الْحَيْضِ فإذا تَطَهَّرْنَ يَعْنِي بِالْغُسْلِ فإن السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنَّ
طَهَارَةَ الْحَائِضِ بِالْغُسْلِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم على بَيَانِ ما دَلَّ عليه كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى من أَنْ لَا تصلى
الْحَائِضُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد
الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت قَدِمْت مَكَّةَ وأنا حَائِضٌ ولم
أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذلك إلَى رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال افعلى كما يَفْعَلُ الْحَاجُّ غير أَنْ لَا
تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى تَطْهُرِي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد
الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم في حجة لَا نَرَاهُ إلَّا الْحَجَّ حتى إذَا كنا بِسَرِفٍ أو قَرِيبًا
منها حِضْت فَدَخَلَ عَلَيَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا أبكى فقال
ما بَالُكَ أَنُفِسْتِ قُلْت نعم قال إنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى
على بَنَاتِ آدَمَ فاقضى ما يقضى الْحَاجَّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى
تَطْهُرِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
عَائِشَةَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حتى تَطْهُرَ فَدَلَّ على أَنْ لَا تصلى
حَائِضًا لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ ما كان الْحَيْضُ قَائِمًا وَكَذَلِكَ قال
اللَّهُ عز وجل { حتى يَطْهُرْنَ } - * بَابُ أَنْ لَا تقضى الصَّلَاةَ حَائِضٌ -
* + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا
لِلَّهِ قَانِتِينَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما لم يُرَخِّصْ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم في أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ في الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ
يُصَلِّيَهَا المصلى كما أَمْكَنَهُ رَاجِلًا أو رَاكِبًا وقال { إنَّ الصَّلَاةَ
كانت على الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان من
عَقَلَ الصَّلَاةَ من الْبَالِغِينَ عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جاء وَقْتُهَا
وَذَكَرَهَا وكان غير نَاسٍ لها وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً
ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ مُطِيقَةً لها فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل لَا
يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَبَانَ عز وجل أنها حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَأَمَرَ
أَنْ لَا تُقْرَبَ حَائِضٌ حتى تَطْهُرَ وَلَا إذَا طَهُرَتْ حتى تَتَطَهَّرَ
بِالْمَاءِ وَتَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لها الصَّلَاةُ وَلَا يَحِلُّ لامريء ( ( (
لامرئ ) ) ) كانت امْرَأَتُهُ حَائِضًا أَنْ يُجَامِعَهَا حتى تَطْهُرَ فإن
اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّيَمُّمَ طَهَارَةً إذَا لم يُوجَدْ الْمَاءُ أو كان
الْمُتَيَمِّمُ مَرِيضًا وَيَحِلُّ لها الصَّلَاةُ بِغُسْلٍ إنْ وَجَدَتْ مَاءً أو
تَيَمُّمٍ إنْ لم تَجِدْهُ
(1/59)
إنه إذَا حَرُمَ على زَوْجِهَا أَنْ
يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ حَرُمَ عليها أَنْ تصلى كان في هذا دَلَائِلُ على أَنَّ
فَرْضَ الصَّلَاةِ في أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عنها فإذا زَالَ عنها وَهِيَ
ذَاكِرَةٌ عاقله مُطِيقَةٌ لم يَكُنْ عليها قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَكَيْفَ تَقْضِي
ما ليس بِفَرْضٍ عليها بِزَوَالِ فَرْضِهِ عنها ( قال ) وَهَذَا مِمَّا لَا
أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا يَدُلُّ على أنها تَعْرِفُ
أَيَّامَ حَيْضِهَا سِتًّا أو سَبْعًا فَلِذَلِكَ قال لها رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ قَوِيت على أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي
الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِي حتى تَطْهُرِي ثُمَّ تصلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا
ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِي
وَتَجْمَعِي بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ عِنْدَ
الْفَجْرِ ثُمَّ تُصَلِّينَ الصُّبْحَ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي وَصُومِي إنْ
قَوِيَتْ على ذلك وقال هذا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلى
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن
سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
أَنَّ امْرَأَةً كانت تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم فَاسْتَفْتَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَنْظُرَ عَدَدَ اللَّيَالِي
وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي
أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذلك من الشَّهْرِ فإذا فَعَلَتْ ذلك
فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تصلى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ نَأْخُذُ وَهِيَ عِنْدَنَا مُتَّفِقَةٌ فِيمَا
اجْتَمَعَتْ فيه وفي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ على بَعْضٍ وَمَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى
صَاحِبِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ
فَاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ كان دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا مُنْفَصِلًا من دَمِ
حَيْضِهَا لِجَوَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّهُ قال فإذا
أَقْبَلَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يُفِيقُ وَالْمُغْمَى
عليه في أَكْثَرَ من حَالِ الْحَائِضِ من أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وفي أَنَّ
الْفَرَائِضَ عَنْهُمْ زَائِلَةٌ ما كَانُوا بِهَذِهِ الْحَالِ كما الْفَرْضُ عنها
زَائِلٌ ما كانت حَائِضًا وَلَا يَكُونُ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قَضَاءُ
الصَّلَاةِ وَمَتَى أَفَاقَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ أو طَهُرَتْ حَائِضٌ في وَقْتِ
الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ عليه فَرْضُ
الصَّلَاةِ - * بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن
عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فقال
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ
فإذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فإذا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي
الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ
قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ عن إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدِ بن
طَلْحَةَ عن عَمِّهِ عِمْرَانَ بن طَلْحَةَ عن أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ
قالت كُنْت أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَجِئْت إلَى رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ فَوَجَدْتُهُ في بَيْتِ أختى زَيْنَبَ
فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لي إلَيْك حَاجَةً وأنه لَحَدِيثٌ ما منه بُدٌّ
وأني لَأَسْتَحْيِي منه قال فما هو يا هَنْتَاهُ قالت أني امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ
حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فما تَرَى فيها فَقَدْ مَنَعْتنِي الصَّلَاةَ
وَالصَّوْمَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنِّي أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ
فإنه يُذْهِبُ الدَّمَ قالت هو أَكْثَرُ من ذلك قال فَتَلَجَّمِي قالت هو أَكْثَرُ
من ذلك قال فَاِتَّخِذِي ثَوْبًا قالت هو أَكْثَرُ من ذلك إنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا
قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَآمُرُك بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْت
أَجْزَأَكِ عن الْآخَرِ فَإِنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ قال لها
إنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ
أو سَبْعَةَ أَيَّامٍ في عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ اغْتَسِلِي حتى إذَا
رَأَيْت أَنَّك قد طَهُرْت واستنقيت فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً
وَأَيَّامَهَا أو ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ وَأَيَّامَهَا وَصُومِي فإنه يُجْزِئُكِ
وَهَكَذَا افعلى في كل شَهْرٍ كما تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ
حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ وَمِنْ غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَإِنْ قَوِيَتْ على أَنْ
تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلِي حتى تَطْهُرِي ثُمَّ
تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ
الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بين الصَّلَاتَيْنِ وَتَغْتَسِلِينَ
مع الْفَجْرِ
(1/60)
الْحَيْضَةُ فدعى الصَّلَاةَ فإذا
ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
ولم يذكر في حديث عَائِشَةَ الْغُسْلَ عِنْدَ تولى الْحَيْضَةِ وَذَكَرَ غُسْلَ
الدَّمِ فَأَخَذْنَا بِإِثْبَاتِ الْغُسْلِ من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {
وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَقِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَطْهُرْنَ من الْحَيْضِ فإذا تَطَهَّرْنَ
بِالْمَاءِ ثُمَّ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَبَانَ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ الْغُسْلُ وفي حديث
حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَمَرَهَا في الْحَيْضِ أَنْ تَغْتَسِلَ إذَا رَأَتْ
أنها طَهُرَتْ ثُمَّ أَمَرَهَا في حديث حَمْنَةَ بِالصَّلَاةِ فَدَلَّ ذلك على
أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ
بِاعْتِزَالِهَا حَائِضًا وَأَذِنَ في إتْيَانِهَا طَاهِرًا فلما حَكَمَ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُسْتَحَاضَةِ حُكْمَ الطَّهَارَةِ في أَنْ تَغْتَسِلَ
وتصلى دَلَّ ذلك على أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَأْتِيَهَا ( قال ) وَلَيْسَ عليها إلَّا
الْغُسْلُ الذي حُكْمُهُ الطُّهْرُ من الْحَيْضِ بِالسُّنَّةِ وَعَلَيْهَا
الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قِيَاسًا على السُّنَّةِ في الْوُضُوءِ بِمَا خَرَجَ
من دُبُرٍ أو فَرْجٍ مِمَّا له أَثَرٌ أو لَا أَثَرَ له + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَجَوَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ في
الْمُسْتَحَاضَةِ يَدُلُّ على أَنَّ الْمَرْأَةَ التي سَأَلَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ
كانت لَا يَنْفَصِلُ دَمُهَا فَأَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَدَدَ
اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ
يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا دَلِيلٌ على أَنْ لَا
وَقْتَ لِلْحَيْضَةِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ تَرَى حَيْضًا مُسْتَقِيمًا وَطُهْرًا
مُسْتَقِيمًا وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ حَائِضًا يَوْمًا أو أَكْثَرَ فَهُوَ حَيْضٌ
وَكَذَلِكَ إنْ جَاوَزَتْ عَشَرَةً فَهُوَ حَيْضٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي
كانت تَحِيضُهُنَّ ولم يَقُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا أَيْ تُجَاوِزَ
كَذَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ ولم تَحِضْ حتى
حَاضَتْ فَطَبَقَ الدَّمُ عليها فَإِنْ كان دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَأَيَّامُ
حَيْضِهَا أَيَّامُ الدَّمِ الثَّخِينِ الْأَحْمَرِ الْقَانِئِ الْمُحْتَدِمِ
وَأَيَّامُ اسْتِحَاضَتِهَا أَيَّامُ الدَّمِ الرَّقِيقِ فَإِنْ كان لَا
يَنْفَصِلُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ سِتًّا أو
سَبْعًا ثُمَّ تَغْتَسِلَ وتصلى كما يَكُونُ الْأَغْلَبُ من حَيْضِ النِّسَاءِ (
قال ) وَمَنْ ذَهَبَ إلَى جُمْلَةِ حديث حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وقال لم يذكر في
الحديث عَدَدَ حَيْضِهَا فَأُمِرَتْ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا سِتًّا أو سَبْعًا
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَقَلَّ ما عُلِمَ من حَيْضِهِنَّ
وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ثُمَّ تَغْتَسِلَ وتصلى وَلِزَوْجِهَا أَنْ
يَأْتِيَهَا وَلَوْ احْتَاطَ فَتَرَكَهَا وَسَطًا من حَيْضِ النِّسَاءِ أو
أَكْثَرَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَمَنْ قال بهذا قال إنَّ حَمْنَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ
في حَدِيثِهَا ما نَصَّ أَنَّ حَيْضَهَا كان سِتًّا أو سَبْعًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ
حَدِيثُهَا ما احْتَمَلَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ من أَنْ يَكُونَ فيه دَلَالَةٌ أَنَّ
حَيْضَهَا كان سِتًّا أو سَبْعًا لِأَنَّ فيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قال فَتَحَيَّضِي سِتًّا أو سَبْعًا ثُمَّ اغْتَسِلِي فإذا رَأَيْت
أَنَّكِ قد طَهُرْت فَصَلِّي فَيَحْتَمِلُ إذَا رَأَتْ أنها قد طَهُرَتْ
بِالْمَاءِ واستنقت من الدَّمِ الْأَحْمَرِ الْقَانِئِ ( قال ) وَإِنْ كان
يَحْتَمِلُ طَهُرْت واستنقت بِالْمَاءِ ( قال ) فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَمْنَةَ
كانت عِنْدَ طَلْحَةَ وَوَلَدَتْ له وَأَنَّهَا حَكَتْ حين استنقت ذَكَرَتْ أنها
تَثُجُّ الدَّمَ ثَجًّا وكان الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ طَلْحَةَ لَا يَقْرَبُهَا في
هذه الْحَالِ وَلَا تَطِيبُ هِيَ نَفْسُهَا بِالدُّنُوِّ منه وكان مَسْأَلَتُهَا
بعد ما كانت زَيْنَبُ عِنْدَهُ دَلِيلًا مُحْتَمَلًا على أَنَّهُ أَوَّلُ ما
اُبْتُلِيَتْ بالاستحاضه وَذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهَا بِزَمَانٍ فَدَلَّ على أَنَّ
حَيْضَهَا كان يَكُونُ سِتًّا أو سَبْعًا فَسَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَشَكَتْ أَنَّهُ كان سِتًّا أو سَبْعًا فَأَمَرَهَا إنْ كان سِتًّا أَنْ
تَتْرُكَهُ سِتًّا وَإِنْ كان سَبْعًا أَنْ تَتْرُكَهُ سَبْعًا وَذَكَرَتْ الحديث
فَشَكَتْ وَسَأَلَتْهُ عن سِتٍّ فقال لها سِتٌّ أو عن سَبْعٍ فقال لها سَبْعٌ وقال
كما تَحِيضُ النِّسَاءُ إنَّ النِّسَاءَ يَحِضْنَ كما تَحِيضِينَ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحَيَّضِي سِتًّا أو
سَبْعًا في عِلْمِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سِتٌّ أو سَبْعٌ
تَحِيضِينَ ( قال ) وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (
قال ) وفي حديث حَمْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لها إنْ
قَوِيت فَاجْمَعِي بين
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَنَقُولُ إذَا كان الدَّمُ يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ في
أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِئًا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا وَأَيَّامًا رَقِيقًا إلَى
الصُّفْرَةِ أو رَقِيقًا إلَى الْقِلَّةِ فَأَيَّامُ الدَّمِ الْأَحْمَرِ
الْقَانِئِ الْمُحْتَدِمِ الثَّخِينِ أَيَّامُ الْحَيْضِ وَأَيَّامُ الدَّمِ الرَّقِيقِ
أَيَّامُ الِاسْتِحَاضَةِ
(1/61)
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ
وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وصلى الصُّبْحَ بِغُسْلٍ
وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلَيْهِ لها وَأَنَّهُ يَجْزِيهَا
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ من أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ الطُّهْرِ من الْمَحِيضِ ثُمَّ لم
يَأْمُرْهَا بِغُسْلٍ بَعْدَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ رَوَى هذا أَحَدٌ
أَنَّهُ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْغُسْلِ سِوَى الْغُسْلِ الذي تَخْرُجُ بِهِ
من حُكْمِ الْحَيْضِ فَحَدِيثُ حَمْنَةَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ وَأَنَّ
غَيْرَهُ يجزئ منه (1) أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا
إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ أَنَّهُ سمع بن شِهَابٍ يحدث عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ
أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاسْتَفْتَتْهُ فيه قالت عَائِشَةُ فقال
لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْسَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ وَإِنَّمَا
ذلك عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وصلى قالت عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْلِسُ في مِرْكَنٍ
فَيَعْلُو الْمَاءَ حُمْرَةُ الدَّمِ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُصَلِّي
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرني
الزُّهْرِيُّ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ
فَكَانَتْ لَا تصلى سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم فقال إنَّمَا هو عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَأَمَرَهَا رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ
صَلَاةٍ وَتَجْلِسُ في الْمِرْكَنِ فَيَعْلُوهُ الدَّمُ فَإِنْ قال فَهَذَا
حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَهَلْ يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ التي ذَهَبْت إلَيْهَا قُلْت لَا
إنَّمَا أَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ
وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فيه أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ
فَإِنْ قال ذَهَبْنَا إلَى أنها لَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا وقد
أَمَرَهَا بِذَلِكَ وَلَا تَفْعَلُ إلَّا ما أَمَرَهَا قِيلَ له أَفَتَرَى
أَمْرَهَا أَنْ تَسْتَنْقِعَ في مِرْكَنٍ حتى يَعْلُوَ الْمَاءَ حُمْرَةُ الدَّمِ
ثُمَّ تَخْرُجَ منه فَتُصَلِّي أو تَرَاهَا تَطْهُرُ بهذا الْغُسْلِ قال ما
تَطْهُرُ بهذا الْغُسْلِ الذي يَغْشَى جَسَدَهَا فيه حُمْرَةُ الدَّمِ وَلَا
تَطْهُرُ حتى تَغْسِلَهُ وَلَكِنْ لَعَلَّهَا تَغْسِلُهُ قُلْت أَفَأُبَيِّنُ لك
أَنَّ اسْتِنْقَاعَهَا غَيْرُ ما أُمِرَتْ بِهِ قال نعم قُلْت فَلَا تُنْكِرُ أَنْ
يَكُونَ غُسْلُهَا وَلَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ غُسْلَهَا كان
تَطَوُّعًا غير ما أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لها أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يَسَعُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَلَوْ لم تُؤْمَرْ بِالْغُسْلِ قال بَلَى + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وقد رَوَى غَيْرُ الزُّهْرِيِّ هذا الحديث أَنَّ النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَكِنْ رَوَاهُ عن
عَمْرَةَ بهذا الْإِسْنَادِ وَالسِّيَاقِ وَالزُّهْرِيُّ أَحْفَظُ منه وقد رَوَى
فيه شيئا يَدُلُّ على أَنَّ الحديث غَلَطٌ قال تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ
أَقْرَائِهَا وَعَائِشَةُ تَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ قال أَفَرَأَيْت لو
كانت تَثْبُتُ الرِّوَايَتَانِ فَإِلَى أَيِّهِمَا تَذْهَبُ قُلْت إلَى حديث
حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا أُمِرْنَ فيه بِالْغُسْلِ عِنْدَ
انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَوْ لم يُؤْمَرْنَ بِهِ عِنْدَ كل صَلَاةٍ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فَهَلْ من دَلِيلٍ غَيْرِ الْخَبَرِ قِيلَ نعم قال
اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } إلَى قَوْلِهِ {
فإذا تَطَهَّرْنَ } فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ
الطُّهْرَ هو الْغُسْلُ وَأَنَّ الْحَائِضَ لَا تصلى وَالطَّاهِرَ تصلى وَجُعِلَتْ
الْمُسْتَحَاضَةُ في مَعْنَى الطَّاهِرِ في الصَّلَاةِ فلم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ في
مَعْنَى طَاهِرٍ وَعَلَيْهَا غُسْلٌ بِلَا حَادِثِ حَيْضَةٍ وَلَا جَنَابَةٍ ( قال
) أَمَا إنَّا فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ
الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قُلْت نعم قد رَوَيْتُمْ ذلك وَبِهِ
نَقُولُ قِيَاسًا على سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كان
مَحْفُوظًا عِنْدَنَا كان أَحَبَّ إلَيْنَا من الْقِيَاسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ روى في الْمُسْتَحَاضَةِ حَدِيثٌ مُسْتَغْلِقٌ
فَفِي إيضَاحِ هذه الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ على مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يُرْوَى في الْمُسْتَحَاضَةِ شَيْءٌ غَيْرُ ما
ذَكَرْت قِيلَ له نعم
(1/62)
- * بَابُ الْخِلَافِ في
الْمُسْتَحَاضَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له حُكْمُ اللَّهِ عز وجل
في أَذَى الْمَحِيضِ أَنْ تَعْتَزِلَ الْمَرْأَةَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ الْحَائِضَ لَا تصلى
فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَقْتَ
الذي أُمِرَ الزَّوْجُ بِاجْتِنَابِ الْمَرْأَةِ فيه لِلْمَحِيضِ الْوَقْتُ الذي
أُمِرَتْ الْمَرْأَةُ فيه إذَا انْقَضَى الْمَحِيضُ بِالصَّلَاةِ قال نعم فَقِيلَ
له فَالْحَائِضُ لَا تَطْهُرُ وَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَلَا يَحِلُّ لها أَنْ تصلى
وَلَا تَمَسَّ مُصْحَفًا قال نعم فَقِيلَ له فَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ حُكْمَ أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمُ الطُّهْرِ
وقد أَبَاحَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ الْإِصَابَةَ إذَا تَطَهَّرَتْ الْحَائِضُ وَلَا
أَعْلَمُكِ إلَّا خَالَفْت كِتَابَ اللَّهِ في أَنْ حَرَّمْت ما أَحَلَّ اللَّهُ
من الْمَرْأَةِ إذَا تَطَهَّرَتْ وَخَالَفْت سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم بِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ غُسْلَهَا من أَيَّامِ الْمَحِيضِ تَحِلُّ
بِهِ الصَّلَاةُ في أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ وَفَرَّقَ بين الدَّمَيْنِ
بِحُكْمِهِ وَقَوْلِهِ في الِاسْتِحَاضَةِ إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَ
بِالْحَيْضَةِ قال هو أَذًى قُلْت فَبَيِّنٌ إذَا فَرَّقَ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم بين حُكْمَهُ فَجَعَلَهَا حَائِضًا في أَحَدِ الْأَذَيَيْنِ يَحْرُمُ عليها
الصَّلَاةُ وَطَاهِرًا في أَحَدِ الْأَذَيَيْنِ يَحْرُمُ عليها تَرْكُ الصَّلَاةِ
وَكَيْفَ جَمَعَتْ ما فَرَّقَ بَيْنَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ له أَتَحْرُمُ لو كانت خِلْقَتُهَا أَنَّ هُنَالِكَ
رُطُوبَةً وَتَغَيُّرَ رِيحٍ مُؤْذِيَةٍ غَيْرِ دَمٍ قال لَا وَلَيْسَ هذا أَذَى
الْمَحِيضِ قُلْت وَلَا أَذَى الِاسْتِحَاضَةِ أَذَى الْمَحِيضِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ تصلى
الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَزَعَمَ لي بَعْضُ من يَذْهَبُ
مَذْهَبَهُ أَنَّ حُجَّتَهُ فيه أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال {
وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى } الْآيَةَ وَأَنَّهُ قال في الْأَذَى
أنه أَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا فيه فَأَثِمَ فيها فَلَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا
(1/63)
- * الرَّدُّ على من قال لَا يَكُونُ
الْحَيْضُ أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ
لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَرَأَيْت إذَا قُلْت لَا يَكُونُ شَيْءٌ وقد
أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ يَكُونُ أَتَجِدُ قَوْلَك لَا يَكُونُ إلَّا خَطَأً
عَمَدْته فَيَجِبُ أَنْ تَأْثَمَ بِهِ أو تَكُونَ غَبَاوَتُكَ شَدِيدَةً وَلَا
يَكُونُ لك أَنْ تَقُولَ في الْعِلْمِ ( قال ) لَا يَجُوزُ إلَّا ما قُلْت إنْ لم
تَكُنْ فيه حُجَّةٌ أو تَكُونُ ( قُلْت ) قد رَأَيْت امْرَأَةً أُثْبِتَ لي عنها
أنها لم تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ عليه وَأُثْبِتَ لي عن نِسَاءٍ
أَنَّهُنَّ لم ( ( ( ولم ) ) ) يَزَلْنَ يَحِضْنَ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَعَنْ
نِسَاءٍ أَنَّهُنَّ لم يَزَلْنَ يَحِضْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَنْ
امْرَأَةٍ أو أَكْثَرَ أنها لم تَزَلْ تَحِيضُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَكَيْفَ زَعَمْت
أَنَّهُ لَا يَكُونُ ما قد عَلِمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
فقال إنَّمَا قُلْتُهُ لِشَيْءٍ قد رَوَيْته عن أَنَسِ بن مَالِكٍ فَقُلْت له
أَلَيْسَ حَدِيثُ الْجَلْدِ بن أَيُّوبَ فقال بَلَى فَقُلْت فَقَدْ أخبرني بن
عُلَيَّةَ عن الْجَلْدِ بن أَيُّوبَ عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عن أَنَسِ بن
مَالِكٍ أَنَّهُ قال قُرْءُ الْمَرْأَةِ أو قُرْءُ حَيْضِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثٌ أو
أَرْبَعٌ حتى انْتَهَى إلَى عَشْرٍ فقال لي بن عُلَيَّةَ الْجَلْدُ بن أَيُّوبَ
أَعْرَابِيٌّ لَا يَعْرِفُ الحديث وقال لي قد اُسْتُحِيضَتْ امْرَأَةٌ من آلِ
أَنَسٍ فَسُئِلَ بن عَبَّاسٍ عنها فَأَفْتَى فيها وَأَنَسٌ حَيٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ
عِنْدَ أَنَسٍ ما قُلْت من عِلْمِ الْحَيْضِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَسْأَلَةِ
غَيْرِهِ فِيمَا عِنْدَهُ فيه عِلْمٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا عن
الْجَلْدِ وَيُسْتَدَلُّ على غَلَطِ من هو أَحْفَظُ منه بِأَقَلَّ من هذا وَأَنْتَ
تَتْرُكُ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عن أَنَسٍ فإنه قال إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ
الْمَرْأَةَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ فَلِلْبِكْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ سَبْعٌ
وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وهو يُوَافِقُ سُنَّةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَتَدَعُ السُّنَّةَ وَقَوْلَ أَنَسٍ وَتَزْعُمُ أَنَّكَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفْنَا بَعْضُ الناس في
شَيْءٍ من الْمَحِيضِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ وقال لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ من
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ أو
بَعْضَ يَوْمٍ ثَالِثٍ ولم تَسْتَكْمِلْهُ فَلَيْسَ هذا بِحَيْضٍ وَهِيَ طَاهِرٌ
تَقْضِي الصَّلَاةَ فيه وَلَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ من عَشَرَةِ أَيَّامٍ
فما جَاوَزَ الْعَشَرَةَ بِيَوْمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ
وَلَا يَكُونُ بين حَيْضَتَيْنِ أَقَلُّ من خَمْسَةَ عَشَرَ
(1/64)
قَبِلْت قَوْلَ بن عَبَّاسٍ على ما
يُعْرَفُ خِلَافُهُ قال أَفَيَثْبُتُ عِنْدَك عن أَنَسٍ قُلْت لَا وَلَا عِنْدَ
أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ولكنى أَحْبَبْت أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي
أَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا تَتَسَتَّرُ بِالشَّيْءِ لَيْسَتْ لك فيه حُجَّةٌ قال
فَلَوْ كان ثَابِتًا عن أَنَسِ بن مَالِكٍ ( قُلْت ) ليس بِثَابِتٍ فَتَسْأَلُ عنه
قال فَأَجِبْ على أَنَّهُ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فيه لو كان ثَابِتًا حَرْفٌ مِمَّا
قُلْتَ قال وَكَيْفَ قلت لو كان إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قد رَأَى من تَحِيضُ
ثَلَاثًا وما بين ثَلَاثٍ وَعَشْرٍ كان إنَّمَا أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي
أَنَّ حَيْضَ الْمَرْأَةِ كما تَحِيضُ لَا تَنْتَقِلُ التي تَحِيضُ ثَلَاثًا إلَى
عَشْرٍ وَلَا تَنْتَقِلُ التي تَحِيضُ عَشْرًا إلَى ثَلَاثٍ وَأَنَّ الْحَيْضَ
كُلَّمَا رَأَتْ الدَّمَ ولم يَقُلْ لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ من ثَلَاثٍ
وَلَا أَكْثَرَ من عَشْرٍ وهو إنْ شَاءَ اللَّهُ كان أَعْلَمَ مِمَّنْ يقول لَا
يَكُونُ خَلْقٌ من خَلْقِ اللَّهِ لَا يدرى لَعَلَّهُ كان أو يَكُونُ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ زَادَ فقال لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أنها
رَأَتْ الْحَيْضَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ خَمْسًا أو عَشْرًا كانت في
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ بَعْدَهُ حَائِضًا وَلَا أَدْرِي أَقَالَ
الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُسْتَحَاضَةٌ طَاهِرٌ أو قال فِيمَا
بَعْدَ الْعَاشِرِ مُسْتَحَاضَةٌ طَاهِرٌ فَعَابَ صَاحِبُهُ قَوْلَهُ عليه
فَسَمِعَتْهُ يقول سُبْحَانَ اللَّهِ ما يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْطَأَ بِمِثْلِ هذا
أَنْ يفتى أَبَدًا فَجَعَلَهَا في أَيَّامٍ تَرَى الدَّمَ طَاهِرًا وَأَيَّامٍ
تَرَى الطُّهْرَ حَائِضًا وَخَالَفَهُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ فَزَعَمَ في الْأُولَى
أنها طَاهِرٌ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ وَالْيَوْمِ الْعَاشِرِ
وَزَعَمَ في الثَّانِيَةِ أنها طَاهِرٌ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِيَةِ
بَعْدَهُ حَائِضٌ في الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وما بَعْدَهُ إلَى أَنْ تُكْمِلَ
عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ زَعَمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ زَادَ الذي يقول هذا الْقَوْلَ الذي لَا أَصْلَ له
وهو يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ في حَلَالٍ أو حَرَامٍ
إلَّا من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ على وَاحِدٍ من هذا فقال
أَحَدُهُمْ لو كان حَيْضُ امْرَأَةٍ عَشْرَةً مَعْرُوفَةً لها ذلك فَانْتَقَلَ
حَيْضُهَا فَرَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا ثُمَّ ارْتَفَعَ عنها أَيَّامًا ثُمَّ
رَأَتْهُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ من مُبْتَدَأِ حَيْضِهَا كانت حَائِضًا في الْيَوْمِ
الْأَوَّلِ وَالثَّمَانِ التي رَأَتْ فيها الطُّهْرَ وَالْيَوْمِ الْعَاشِرِ الذي
رَأَتْ فيه الدَّمَ
(1/65)
أنها لو حَاضَتْ ثَلَاثًا أَوَّلًا
وَرَأَتْ الطُّهْرَ أَرْبَعًا أو خَمْسًا ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثًا أو يَوْمَيْنِ
كانت حَائِضًا أَيَّامَ رَأَتْ الدَّمَ وَأَيَّامَ رَأَتْ الطُّهْرَ وقال إنَّمَا
يَكُونُ الطُّهْرُ الذي بين الْحَيْضَتَيْنِ حَيْضًا إذَا كانت الْحَيْضَتَانِ
أَكْثَرَ منه أو مثله فإذا كان الطُّهْرُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقلت له فَمَنْ قال لك هذا ( قال ) فَبِقَوْلِ مَاذَا
قُلْت لَا يَكُونُ الطُّهْرُ حَيْضًا فَإِنْ قُلْتَهُ أنت قُلْت فَمُحَالٌ لَا
يُشْكِلُ أَفَقُلْته بِخَبَرِ قال لَا قُلْت أَفَبِقِيَاسِ قال لَا قُلْت
فَمَعْقُولٌ قال نعم إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ تَرَى الدَّمَ أَبَدًا
وَلَكِنَّهَا تَرَاهُ مَرَّةً وَيَنْقَطِعُ عنها أُخْرَى ( قلت ) فَهِيَ في
الْحَالِ التي تَصِفُهُ مُنْقَطِعًا اسْتَدْخَلَتْ ( قلت ) إذَا اسْتَثْفَرَتْ
شيئا فَوَجَدَتْ دَمًا وَإِنْ لم يَكُنْ يَثُجُّ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يَكُونَ
حُمْرَةٌ أو كُدْرَةٌ فإذا رَأَتْ الطُّهْرَ لم تَجِدْ من ذلك شيئا لم يَخْرُجْ
مِمَّا اسْتَدْخَلَتْ من ذلك إلَّا الْبَيَاضَ ( قال ) فَلَوْ رَأَتْ ما تَقُولُ
من الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ في
أَيَّامِ حَيْضِهَا ( قلت ) إذًا تَكُونُ طَاهِرًا حين رَأَتْ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ
إلَى أَنْ تري الدَّمَ وَلَوْ سَاعَةً قال فَمَنْ قال هذا قلت بن عَبَّاسٍ قال
إنَّهُ لَيُرْوَى عن بن عَبَّاسٍ قُلْت نعم ثَابِتًا عنه وهو مَعْنَى الْقُرْآنِ
وَالْمَعْقُولِ قال وَأَيْنَ قلت أَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل
بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ في الْمَحِيضِ وَأَذِنَ بِإِتْيَانِهِنَّ إذَا
تَطَهَّرْنَ عَرَفْت أو نَحْنُ الْمَحِيضَ إلَّا بِالدَّمِ وَالطُّهْرَ إلَّا
بِارْتِفَاعِهِ وَرُؤْيَةِ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ قال لَا قُلْت أَرَأَيْت
امْرَأَةً كان حَيْضُهَا عَشْرَةً كُلَّ شَهْرٍ ثُمَّ انْتَقَلَ فَصَارَ كُلَّ
شَهْرَيْنِ أو كُلَّ سَنَةٍ أو بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أو صَارَ بَعْدَ عَشْرِ
سِنِينَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فقالت أَدَعُ الصَّلَاةَ في وَقْتِ حَيْضِي
وَذَلِكَ عَشْرٌ في كل شَهْرٍ قال ليس ذلك لها قلت وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أنها
حَائِضٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَغَيْرُ حَائِضٍ إذَا لم تَرَهُ قال نعم قُلْت
وَكَذَلِكَ الْمَعْقُولُ قال نعم قُلْت فَلِمَ لَا تَقُولُ بِقَوْلِنَا تَكُونُ قد
وَافَقْت الْقُرْآنَ وَالْمَعْقُولَ فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ بَقِيَتْ خَصْلَةٌ
هِيَ التي تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ قلت وما هِيَ قال أَرَأَيْت إذَا حَاضَتْ يَوْمًا
وَطَهُرَتْ يَوْمًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَجْعَلُ هذا حَيْضًا وَاحِدًا أو حَيْضًا
إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قُلْت بَلْ حَيْضًا إذَا
رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قال وَإِنْ كانت مُطَلَّقَةً
فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت
لِقَائِلِ هذا الْقَوْلِ ما أَدْرِي أنت في قَوْلِكَ الْأَوَّلِ أَضْعَفُ حُجَّةً
أَمْ في هذا الْقَوْلِ قال وما في هذا الْقَوْلِ من الضَّعْفِ قُلْت احْتِجَاجُكَ
بِأَنْ جَعَلْتهَا مُصَلِّيَةً يَوْمًا وَتَارِكَةً لِلصَّلَاةِ يَوْمًا
بِالْعِدَّةِ وَبَيْنَ هذا فَرْقٌ قال فما تقوله ( ( ( تقول ) ) ) قُلْت لَا وَلَا
لِلصَّلَاةِ من الْعِدَّةِ سَبِيلٌ قال فَكَيْفَ ذلك قُلْت أَرَأَيْت
الْمُؤَيَّسَةَ من الْحَيْضِ التي لم تَحِضْ وَالْحَامِلَ أَلَيْسَ يَعْتَدِدْنَ
وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ أَمْ لَا تَخْلُو
عِدَدُهُنَّ حتى يَدَعْنَ الصَّلَاةَ في بَعْضِهَا أَيَّامًا كما تَدَعُهَا
الْحَائِضُ قال بَلْ يَعْتَدِدْنَ وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ قلت فَالْمَرْأَةُ
تَطْلُقُ فَيُغْمَى عليها أو تُجَنُّ أو يَذْهَبُ عَقْلُهَا أَلَيْسَ تنقضى
عِدَّتُهَا ولم تُصَلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً قال بَلَى قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ
عِدَّتَهَا تنقضى ولم تُصَلِّ أَيَّامًا وَتَدَعْ الصَّلَاةَ أَيَّامًا قال من
ذَهَابِ عَقْلِهَا وَأَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ من الصَّلَاةِ قلت أَفَرَأَيْت
الْمَرْأَةَ التي تَحِيضُ حَيْضَ النِّسَاءِ وَتَطْهُرُ طُهْرَهُنَّ إنْ
اعْتَدَّتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ ارْتَابَتْ في نَفْسِهَا قال فَلَا تُنْكَحُ حتى
تَسْتَبْرِئَ قُلْت فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً لَا بِحَيْضٍ وَلَا بِشُهُورٍ وَلَكِنْ
بِاسْتِبْرَاءٍ قال نعم إذَا آنَسَتْ شيئا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا قلت
وَكَذَلِكَ التي تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَإِنْ ارْتَابَتْ كَفَّتْ عن النِّكَاحِ
قال نعم قُلْت لِأَنَّ الْبَرِيئَةَ إذَا كانت مُخَالِفَةً غير الْبَرِيئَةِ قال نعم
وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ
مُرْتَابَةً وَغَيْرَ برية ( ( ( بريئة ) ) ) من الْحَمْلِ مِمَّنْ سَمَّيْت وقد
عَقَلْنَا عن اللَّهِ عز وجل أَنَّ في الْعِدَّةِ مَعْنَيَيْنِ بَرَاءَةٌ
وَزِيَادَةُ تَعَبُّدٍ بِأَنَّهُ جَعَلَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أو
ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ الْحَمْلِ وَذَلِكَ غَايَةُ
الْبَرَاءَةِ وفي ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بَرَاءَةٌ وَتَعَبُّدٌ لِأَنَّ حَيْضَتَهُنَّ
مُسْتَقِيمَةٌ تُبْرِئُ فَعَقَلْنَا أَنْ لَا عِدَّةَ إلَّا وَفِيهَا بَرَاءَةٌ أو
بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةٌ لِأَنَّ عدة ( ( ( العدة ) ) ) لم تَكُنْ أَقَلَّ من
ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أو ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له لقد عِبْت مَعِيبًا وما أَرَاك إلَّا قد
دَخَلْت في قَرِيبٍ مِمَّا عِبْت وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعِيبَ شيئا ثُمَّ تَقُولُ
بِهِ ( قال ) إنَّمَا قُلْت إذَا كان الدَّمَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الطُّهْرُ
أَكْثَرَ أو مِثْلَ الطُّهْرِ
(1/66)
أو أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعشرا ( ( (
وعشر ) ) ) أو وَضْعِ حَمْلٍ وَالْحَائِضُ يَوْمًا وَطَاهِرٌ يَوْمًا لَيْسَتْ في
مَعْنَى بَرَاءَةٍ وقد لَزِمَكَ بِأَنْ أَبْطَلْت عِدَّةَ الْحَيْضِ وَالشُّهُورِ
وَبَايَنْت بها إلَى الْبَرَاءَةِ إذَا ارْتَابَتْ كما زَعَمْت أَنَّهُ
يَلْزَمُنَا في التي تَحِيضُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا - * بَابُ دَمِ الْحَيْضِ -
*
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن
عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قالت سَمِعْت أَسْمَاءَ تَقُولُ
سَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فقال
حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ وَانْضَحِيهِ وَصَلِّي فيه
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن
عُرْوَةَ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ مِثْلَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ قال
تَقْرُصُهُ ولم يَقُلْ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا
دَلِيلٌ على أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ نَجَسٌ وَكَذَا كُلُّ دَمٍ غَيْرُهُ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَقَرْصُهُ فَرْكُهُ وَقَوْلُهُ بِالْمَاءِ غَسَلَ بِالْمَاءِ
وَأَمَرَهُ بِالنَّضْحِ لِمَا حَوْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا
النَّجَاسَةُ فَلَا يُطَهِّرُهَا الا الْغُسْلُ وَالنَّضْحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ اخْتِيَارٌ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ
قال أخبرني بن عَجْلَانَ عن عبد اللَّهِ بن رَافِعٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن
الثَّوْبِ يُصِيبُهُ دَمُ الْحَيْضِ قال تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ
ثُمَّ تُصَلِّي فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِثْلُ حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ
أبي بَكْرٍ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على ما قُلْنَا من أَنَّ النَّضْحَ
اخْتِيَارٌ لِأَنَّهُ لم يَأْمُرْ بِالنَّضْحِ في حديث أُمِّ سَلَمَةَ وقد أَمَرَ
بِالْمَاءِ في حَدِيثِهَا وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ ( قال الرَّبِيعُ ) + قال
الشَّافِعِيُّ وهو الذي نَقُولُ بِهِ قال الرَّبِيعُ وهو آخِرُ قَوْلَيْهِ يَعْنِي
الشَّافِعِيَّ إنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرَهُ خَمْسَةَ
عَشَرَ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَوَّلَ ما
حَاضَتْ طَبَقَ الدَّمُ عليها أَمَرْنَاهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ إلَى خَمْسَةَ
عَشَرَ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ في خمس ( ( ( خمسة ) ) ) عَشَرَةَ كان ذلك
كُلُّهُ حَيْضًا وَإِنْ زَادَ على خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أنها مُسْتَحَاضَةٌ
وَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتُعِيدُ
أَرْبَعَ عَشَرَةَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا يَوْمًا
وَلَيْلَةً وَيَحْتَمِلُ أَكْثَرَ فلما احْتَمَلَ ذلك وَكَانَتْ الصَّلَاةُ عليها
فَرْضًا لم نَأْمُرْهَا بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ إلَّا بِحَيْضٍ يَقِينٍ ولم
تُحْسَبْ طَاهِرَةً الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا في صِيَامِهَا لو صَامَتْ
لِأَنَّ فَرْضَ الصِّيَامِ عليها بِيَقِينِ أنها طَاهِرَةٌ فلما أَشْكَلَ عليها
أَنْ تَكُونَ قد قَضَتْ فَرْضَ الصَّوْمِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ أو لم تَقْضِهِ لم
أَحْسِبْ لها الصَّوْمَ إلَّا بِيَقِينِ أنها طَاهِرَةٌ وَكَذَلِكَ طَوَافُهَا
بِالْبَيْتِ لَسْت أَحْسِبُهُ لها إلَّا بِأَنْ يَمْضِيَ لها خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا لأنه ( ( ( لأن ) ) ) أَكْثَرَ ما حَاضَتْ له امْرَأَةٌ قَطُّ عَلِمْنَاهُ
ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذلك لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أنها من بَعْدِ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا طَاهِرَةٌ وَإِنْ كانت تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا
أَمَرْنَاهَا أَنْ تصلى في يَوْمِ الطُّهْرِ بَعْدَ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ فَإِنْ جَاءَهَا الدَّمُ
في الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلِمْنَا أَنَّ الْيَوْمَ الذي قَبْلَهُ الذي رَأَتْ فيه
الطُّهْرَ كان حَيْضًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ يَوْمًا
لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُلَّمَا رَأَتْ الطُّهْرَ
أَمَرْنَاهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
طُهْرًا صَحِيحًا وإذا جَاءَهَا الدَّمُ بَعْدَهُ من الْغَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ
غَيْرُ طُهْرٍ حتى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ فان انْقَطَعَ بِخَمْسَ عَشَرَةَ
فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ وَإِنْ زَادَ على خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أنها
مُسْتَحَاضَةٌ فَقُلْنَا لها أَعِيدِي كُلَّ يَوْمٍ تَرَكْت فيه الصَّلَاةَ إلَّا
أَوَّلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضُهَا إلَّا
يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ إلَّا بِيَقِينِ الْحَيْضِ وَهَذَا
لِلَّتِي لَا يُعْرَفُ لها أَيَّامٌ وَكَانَتْ أَوَّلُ ما يَبْتَدِئُ بها
الْحَيْضُ مُسْتَحَاضَةً فَأَمَّا التي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا ثُمَّ طَبَقَ عليها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَدِيثِ سُفْيَانَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ نَأْخُذُ
وهو يُحْفَظُ فيه الْمَاءُ ولم يُحْفَظْ ذلك وَكَذَلِكَ رَوَى غَيْرُهُ عن هِشَامٍ
(1/67)
الدَّمُ فَتَنْظُرُ عَدَدَ اللَّيَالِي
وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ فَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ
فإذا ذَهَبَ وَقْتُهُنَّ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ
فِيمَا تَسْتَقْبِلُ بَقِيَّةَ شَهْرِهَا فإذا جَاءَهَا ذلك الْوَقْتُ من
حَيْضِهَا من الشَّهْرِ الثَّانِي تَرَكَتْ أَيْضًا الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا
ثُمَّ اغْتَسَلَتْ بَعْدُ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَهَذَا حُكْمُهَا ما
دَامَتْ مُسْتَحَاضَةً وان كانت لها أَيَّامٌ تَعْرِفُهَا فَنَسِيَتْ فلم تَدْرِ
في أَوَّلِ الشَّهْرِ أو بَعْدَهُ بِيَوْمَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ
اغْتَسَلَتْ عِنْدَ كل صَلَاةٍ وَصَلَّتْ وَلَا يَجْزِيهَا أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاةً
بِغَيْرِ غُسْلٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ في حِينِ ما قَامَتْ تصلى
الصُّبْحَ أَنْ يَكُونَ هذا وَقْتَ طُهْرِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فإذا
جَاءَتْ الظُّهْرُ احْتَمَلَ هذا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حين طُهْرِهَا فَعَلَيْهَا
أَنْ تَغْتَسِلَ وَهَكَذَا في كل وَقْتٍ تُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ فيه فَرِيضَةً
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هو وَقْتُ طُهْرِهَا فَلَا يَجْزِيهَا إلَّا الْغُسْلُ
وَلَمَّا كانت الصَّلَاةُ فَرْضًا عليها اُحْتُمِلَ إذَا قَامَتْ لها أَنْ يَكُونَ
يَجْزِيهَا فيه الْوُضُوءُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجْزِيَهَا فيه إلَّا الْغُسْلُ
فلما لم يَكُنْ لها أَنْ تصلى إلَّا بِطَهَارَةٍ بِيَقِينٍ لم يُجْزِئْهَا إلَّا
الْغُسْلُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَالشَّكُّ في الْوُضُوءِ وَلَا يَجْزِيهَا أَنْ
تصلى بِالشَّكِّ وَلَا يُجْزِئُهَا إلَّا الْيَقِينُ وهو الْغُسْلُ فَتَغْتَسِلُ
لِكُلِّ صَلَاةٍ - * بَابُ أَصْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ
) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَمِعْت من أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ
أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ
ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ( قال ) كَأَنَّهُ
يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا
قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا } الْآيَةَ ثُمَّ نَسَخَهَا في
السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ
تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ } إلَى قَوْلِهِ فَاقْرَءُوا ما
تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو
أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ
أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدٌ أَنْ يَقْرَأَ ما تَيَسَّرَ عليه من لَيْلَتِهِ وَيُقَالُ
نُسِخَتْ ما وَصَفْت من الْمُزَّمِّلِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أَقِمْ
الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدُلُوكُهَا زَوَالُهَا { إلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ } الْعَتَمَةِ { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كان
مَشْهُودًا } الصُّبْحَ { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لك }
فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَأَنَّ
الْفَرَائِضَ فِيمَا ذُكِرَ من لَيْلٍ أو نَهَارٍ وَيُقَالُ في قَوْلِ اللَّهِ عز
وجل { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حين تُمْسُونَ } الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ { وَحِينَ
تُصْبِحُونَ } الصُّبْحُ { وَلَهُ الْحَمْدُ في السماوات وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا }
الْعَصْرُ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الظُّهْرُ وما أَشْبَهَ ما قِيلَ من هذا بِمَا
قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَبَيَانُ ما وَصَفْت في سُنَّةِ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مَالِكٌ عن عَمِّهِ أبي سُهَيْلِ بن مَالِكٍ عن أبيه أَنَّهُ سمع طَلْحَةَ
بن عُبَيْدِ اللَّهِ يقول جاء رَجُلٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
فإذا هو يَسْأَلُ عن الْإِسْلَامِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسُ
صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فقال هل عَلَيَّ غَيْرُهَا فقال لَا إلَّا
أَنْ تَطَّوَّعَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفَرَائِضُ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ وما
سِوَاهَا تَطَوُّعٌ فَأَوْتَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْبَعِيرِ
ولم يُصَلِّ مَكْتُوبَةً عَلِمْنَاهُ على بَعِيرٍ وَلِلتَّطَوُّعِ وَجْهَانِ صَلَاةٌ
جَمَاعَةً وَصَلَاةٌ مُنْفَرِدَةً وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا
أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عليها بِحَالٍ وهو صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ
وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ
رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ منه وَأَوْكَدُ صَلَاةُ
الْمُنْفَرِدِ وَبَعْضُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { إنَّ الصَّلَاةَ كانت على الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وقال
{ وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ } الْآيَةَ مع
عَدَدٍ آي فيه ذِكْرُ فَرْضِ الصَّلَاةِ ( قال ) وَسُئِلَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم عن الْإِسْلَامِ فقال خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ فقال السَّائِلُ هل عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ
- * أَوَّلُ ما فُرِضَتْ الصَّلَاةُ - *
(1/68)
أَوْكَدُ من بَعْضِ الْوِتْرِ وهو
يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلَا
أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ في تَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لم أُوجِبْهُمَا عليه
وَمَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً مِنْهُمَا كان أَسْوَأَ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ
جَمِيعَ النَّوَافِلِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ - * عَدَدُ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الِاسْتِئْذَانَ فقال في سِيَاقِ الْآيَةِ { وإذا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا } وقال عز وجل {
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم
رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ولم يذكر الرُّشْدَ الذي
يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ
النِّكَاحِ وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْجِهَادَ فَأَبَانَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بِهِ على من اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِأَنْ أَجَازَ
بن عُمَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَدَّهُ عَامَ أُحُدٍ بن
أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فإذا بَلَغَ الْغُلَامُ الْحُلُمَ وَالْجَارِيَةُ
الْمَحِيضَ غير مَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمَا أَوْجَبْت عَلَيْهِمَا الصَّلَاةَ
وَالْفَرَائِضَ كُلَّهَا وَإِنْ كَانَا ابْنَيْ أَقَلَّ من خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً
وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّلَاةِ
إذَا عَقَلَهَا فإذا لم يَعْقِلَا لم يَكُونَا كَمَنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ
وَأُؤَدِّبُهُمَا على تَرْكِهَا أَدَبًا خَفِيفًا وَمَنْ غُلِبَ على عَقْلِهِ
بِعَارِضِ مَرَضٍ أَيِّ مَرَضٍ كان ارْتَفَعَ عنه الْفَرْضُ في قَوْلِ اللَّهِ عز
وجل { وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبَابِ } وَقَوْلِهِ { إنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أولوا ( ( ( أولو ) ) ) الْأَلْبَابِ } وَإِنْ كان مَعْقُولًا لَا يُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ إلَّا من عَقَلَهُمَا - * صَلَاةُ السَّكْرَانِ وَالْمَغْلُوبِ على
عَقْلِهِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ نَزَلَتْ قبل تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَأَيُّمَا كان
نُزُولُهَا قبل تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أو بَعْدَهُ فَمَنْ صلى سَكْرَانَ لم تَجُزْ
صَلَاتُهُ لِنَهْيِ اللَّهِ عز وجل إيَّاهُ عن الصَّلَاةِ حتى يَعْلَمَ ما يقول
وَإِنْ مَعْقُولًا أَنَّ الصَّلَاةَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِمْسَاكٌ في مَوَاضِعَ
مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُؤَدِّي هذا إلَّا من أُمِرَ بِهِ مِمَّنْ عَقَلَهُ
وَعَلَيْهِ إذَا صلى سَكْرَانَ أَنْ يُعِيدَ إذَا صَحَا وَلَوْ صلى شَارِبُ
مُحَرَّمٍ غَيْرُ سَكْرَانَ كان عَاصِيًا في شُرْبِهِ الْمُحَرَّمَ ولم يَكُنْ
عليه إعَادَةُ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ ما يقول وَالسَّكْرَانُ الذي
لَا يَعْقِلُ ما يقول وَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَعَادَ وَأَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ
يَكُونَ يَغْلِبُ على عَقْلِهِ في بَعْضِ ما لم يَكُنْ يَغْلِبُ عليه قبل
الشُّرْبِ وَمَنْ غَلَبَ على عَقْلِهِ بِوَسَنٍ ثَقِيلٍ فَصَلَّى وهو لَا يَعْقِلُ
أَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا عَقَلَ وَذَهَبَ عنه الْوَسَنُ وَمَنْ شَرِبَ شيئا
لِيَذْهَبَ عَقْلُهُ كان عَاصِيًا بِالشُّرْبِ ولم تُجْزِ عنه صَلَاتُهُ
وَعَلَيْهِ وَعَلَى السَّكْرَانِ إذَا أَفَاقَا قَضَاءُ كل صَلَاةٍ صَلَّيَاهَا
وَعُقُولُهُمَا ذَاهِبَةٌ وَسَوَاءٌ شَرِبَا نَبِيذًا لَا يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ أو
نَبِيذًا يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ فِيمَا وَصَفْت من الصَّلَاةِ وَإِنْ افْتَتَحَا
الصَّلَاةَ يَعْقِلَانِ فلم يُسَلِّمَا من الصَّلَاةِ حتى يَغْلِبَا على
عُقُولِهِمَا أَعَادَا الصَّلَاةَ لِأَنَّ ما أَفْسَدَ أَوَّلَهَا أَفْسَدَ
آخِرَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَا ذَاهِبَيْ الْعَقْلِ ثُمَّ أَفَاقَا قبل أَنْ
يَفْتَرِقَا فَصَلَّيَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ إلَّا التَّكْبِيرَ مُفِيقِينَ كانت
عَلَيْهِمَا الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا الصَّلَاةَ وَهُمَا لَا
يَعْقِلَانِ وَأَقَلُّ ذَهَابِ الْعَقْلِ الذي يُوجِبُ إعَادَةَ الصَّلَاةِ أَنْ
يَكُونَ مُخْتَلِطًا يَعْزُبُ عَقْلُهُ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَيَثُوبُ - *
الْغَلَبَةُ على الْعَقْلِ - * في غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا غُلِبَ الرَّجُلُ على عَقْلِهِ
بِعَارِضِ جِنٍّ أو عَتَهٍ أو مَرَضٍ ما كان الْمَرَضُ ارْتَفَعَ عنه فَرْضُ
الصَّلَاةِ ما كان الْمَرَضُ بِذَهَابِ الْعَقْلِ عليه قَائِمًا لِأَنَّهُ
مَنْهِيٌّ عن الصَّلَاةِ حتى يَعْقِلَ ما يقول وهو مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ
وَمَغْلُوبٌ بِأَمْرٍ لَا ذَنْبَ له فيه بَلْ يُؤْجَرُ عليه وَيُكَفَّرُ عنه بِهِ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُفِيقَ في وَقْتٍ فَيُصَلِّي صَلَاةَ
الْوَقْتِ وَهَكَذَا إنْ شَرِبَ دَوَاءً فيه بَعْضُ السَّمُومِ وَإِلَّا غَلَبَ
منه أَنَّ السَّلَامَةَ تَكُونُ منه لم يَكُنْ عَاصِيًا بِشُرْبِهِ لِأَنَّهُ لم
يَشْرَبْهُ على ضُرِّ نَفْسِهِ وَلَا إذْهَابِ عَقْلِهِ وَإِنْ ذَهَبَ وَلَوْ
احْتَاطَ فَصَلَّى كان أَحَبَّ إلَيَّ لِأَنَّهُ قد شَرِبَ شيئا فيه سُمٌّ وَلَوْ
كان مُبَاحًا وَلَوْ أَكَلَ أو شَرِبَ حَلَالًا فَخَبَلَ عَقْلُهُ أو وَثَبَ
وَثْبَةً فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ أو تَدَلَّى على شَيْءٍ فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ
فَخَبَلَ عَقْلُهُ إذَا لم يُرِدْ بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعَ ذَهَابَ عَقْلِهِ لم
يَكُنْ عليه إعَادَةُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا يَعْقِلُ أو تَرَكَهَا بِذَهَابِ
الْعَقْلِ فَإِنْ وَثَبَ في غَيْرِ مَنْفَعَةٍ أو تَنَكَّسَ لِيُذْهِبَ عَقْلَهُ
فَذَهَبَ كان عَاصِيًا وكان عليه إذَا ثَابَ عَقْلُهُ إعَادَةُ كل ما صلى ذَاهِبَ
الْعَقْلِ أو تَرَكَ من الصَّلَاةِ وإذا جَعَلْتُهُ عَاصِيًا بِمَا عَمَدَ من
إذْهَابِ عَقْلِهِ أو إتْلَافِ نَفْسِهِ جَعَلَتْ عليه إعَادَةَ ما صلى ذَاهِبَ
الْعَقْلِ أو تَرَكَ من الصَّلَوَاتِ وإذا لم أَجْعَلْهُ عَاصِيًا بِمَا صَنَعَ لم
تَكُنْ عليه إعَادَةٌ إلَّا أَنْ يُفِيقَ في وَقْتٍ بِحَالٍ وإذا أَفَاقَ
الْمُغْمَى عليه وقد بَقِيَ عليه من النَّهَارِ قَدْرُ ما يُكَبِّرُ فيه
تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ولم يُعِدْ ما قَبْلَهُمَا
لَا صُبْحًا وَلَا مَغْرِبًا وَلَا عِشَاءً وإذا أَفَاقَ وقد بَقِيَ عليه من
اللَّيْلِ قبل أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ قَضَى
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وإذا أَفَاقَ الرَّجُلُ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ
بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَضَى الصُّبْحَ وإذا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لم يَقْضِهَا
وَإِنَّمَا قُلْت هذا لِأَنَّ هذا وَقْتٌ في حَالِ عُذْرٍ جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في السَّفَرِ في وَقْتِ الظُّهْرِ
وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في وَقْتِ الْعِشَاءِ فلما جَعَلَ الْأُولَى
مِنْهُمَا وَقْتًا لِلْآخِرَةِ في حَالٍ وَالْآخِرَةَ وَقْتًا لِلْأُولَى في حَالٍ
كان وَقْتُ إحْدَاهُمَا وَقْتًا لِلْأُخْرَى في حَالٍ وكان ذَهَابُ الْعَقْلِ
عُذْرًا وَبِالْإِفَاقَةِ عليه أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَأَمَرْته أَنْ يَقْضِيَ
لِأَنَّهُ قد أَفَاقَ في وَقْتٍ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ آمُرُ الْحَائِضَ وَالرَّجُلَ
يُسَلِّمُ كما آمُرُ الْمُغْمَى عليه من أَمَرْته بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجْزِيهِ
إلَّا أَنْ يَقْضِيَ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن بن عُمَرَ
قال كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا عَجَّلَ في الْمَسِيرِ جَمَعَ بين
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ - * صَلَاةُ الْمُرْتَدِّ - * قال الشَّافِعِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ
أَسْلَمَ كان عليه قَضَاءُ كل صَلَاةٍ تَرَكَهَا في رِدَّتِهِ وَكُلِّ زَكَاةٍ
وَجَبَتْ عليه فيها فَإِنْ غُلِبَ على عَقْلِهِ في رِدَّتِهِ لِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ
قَضَى الصَّلَاةَ في أَيَّامِ غَلَبَتِهِ على عَقْلِهِ كما يَقْضِيهَا في أَيَّامِ
عَقْلِهِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لم تَجْعَلْهُ قِيَاسًا على الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ
فَلَا تَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ قِيلَ فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل
بَيْنَهُمَا فقال قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد
سَلَفَ وَأَسْلَمَ رِجَالٌ فلم يَأْمُرْهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
بِقَضَاءِ صَلَاةٍ وَمَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُشْرِكِينَ
وَحَرَّمَ اللَّهُ دِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنَعَ أَمْوَالَهُمْ بِإِعْطَاءِ
الْجِزْيَةِ ولم يَكُنْ الْمُرْتَدُّ في هذه الْمَعَانِي بَلْ أَحْبَطَ اللَّهُ
تَعَالَى عَمَلَهُ بِالرِّدَّةِ وَأَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أَنَّ عليه الْقَتْلَ إنْ لم يَتُبْ بِمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَمَ اللَّهُ تَعَالَى
فَرْضَ الصَّلَاةِ في كِتَابِهِ فَبَيَّنَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم عَدَدَهَا وما على الْمَرْءِ أَنْ يأتى بِهِ وَيَكُفَّ عنه فيها وكان نَقْلُ
عَدَدِ كل وَاحِدَةِ منها مِمَّا نَقَلَهُ الْعَامَّةُ عن الْعَامَّةِ ولم
يُحْتَجْ فيه إلي خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ كانت الْخَاصَّةُ قد نَقَلَتْهَا لَا
تَخْتَلِفُ هِيَ من وُجُوهٍ هِيَ مُبَيَّنَةٌ في أَبْوَابِهَا فَنَقَلُوا
الظُّهْرَ أَرْبَعًا لَا يُجْهَرُ فيها بِشَيْءٍ من الْقِرَاءَةِ وَالْعَصْرَ
أَرْبَعًا لَا يُجْهَرُ فيها بِشَيْءٍ من الْقِرَاءَةِ وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثًا
يُجْهَرُ في رَكْعَتَيْنِ منها بِالْقِرَاءَةِ وَيُخَافَتُ في الثَّالِثَةِ
وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا يُجْهَرُ في رَكْعَتَيْنِ منها بِالْقِرَاءَةِ وَيُخَافَتُ
في اثْنَتَيْنِ وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ يُجْهَرُ فِيهِمَا مَعًا بِالْقِرَاءَةِ
( قال ) وَنَقَلَ الْخَاصَّةُ ما ذَكَرْت من عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهِ
مُفَرَّقًا في مَوَاضِعِهِ - * فِيمَنْ تَجِبُ عليه الصَّلَاةُ - *
(1/69)
تَقَدَّمَ له من حُكْمِ الْإِيمَانِ
وكان مَالُ الْكَافِرِ غَيْرِ الْمُعَاهَدِ مَغْنُومًا بِحَالٍ وَمَالُ
الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا لِيُغْنَمَ إنْ مَاتَ على الرِّدَّةِ أو يَكُونَ على
مِلْكِهِ إنْ تَابَ وَمَالُ الْمُعَاهَدِ له عَاشَ أو مَاتَ فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ
يقضى الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَكُلَّ ما كان يَلْزَمُ مُسْلِمًا
لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يَفْعَلَ فلم تَكُنْ مَعْصِيَتُهُ بِالرِّدَّةِ تُخَفِّفُ
عنه فَرْضًا كان عليه فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يقضى وهو لو صلى في تِلْكَ الْحَالِ
لم يُقْبَلْ عَمَلُهُ قِيلَ لِأَنَّهُ لو صلى في تِلْكَ الْحَالِ صلى على غَيْرِ
ما أُمِرَ بِهِ فَكَانَتْ عليه الْإِعَادَةُ إذَا أَسْلَمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو
صلى قبل الْوَقْتِ وهو مُسْلِمٌ أَعَادَ وَالْمُرْتَدُّ صلى قبل الْوَقْتِ الذي
تَكُونُ الصَّلَاةُ مَكْتُوبَةً له فيه لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَحْبَطَ
عَمَلُهُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ قِيلَ ما أُحْبِطَ من عَمَلِهِ قِيلَ أَجْرُ
عَمَلِهِ لَا أَنَّ عليه أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ من صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ
وَلَا غَيْرِهِ قبل أَنْ يَرْتَدَّ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مُسْلِمًا فَإِنْ قِيلَ وما
يُشْبِهُ هذا قِيلَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَدَّى زَكَاةً كانت عليه أو نَذَرَ
نَذْرًا لم يَكُنْ عليه إذَا أُحْبِطَ أَجْرُهُ فيها أَنْ يَبْطُلَ فَيَكُونُ كما
لم يَكُنْ أو لَا تَرَى أَنَّهُ لو أُخِذَ منه حَدًّا أو قِصَاصًا ثُمَّ ارْتَدَّ
ثُمَّ أَسْلَمَ لم يَعُدْ عليه وكان هذا فَرْضًا عليه وَلَوْ حَبِطَ بهذا
الْمَعْنَى فَرْضٌ منه حَبِطَ كُلُّهُ - * جِمَاعُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ - * (1)
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ في الْحَضَرِ
فَاحْتَمَلَ ما وَصَفْته من الْمَوَاقِيتِ أَنْ يَكُونَ لِلْحَاضِرِ
وَالْمُسَافِرِ في الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ كان في الْمَعْنَى
الذي صلى فيه جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَضَرِ وفي
غَيْرِ عُذْرٍ فَجَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ غير
خَائِفٍ فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ ذلك في مَطَرٍ وَجَمَعَ مُسَافِرًا فَدَلَّ ذلك
على أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّلَوَاتِ كُلَّ صَلَاةٍ في وَقْتِهَا إنَّمَا هو على
الْحَاضِرِ في غَيْرِ مَطَرٍ فَلَا يُجْزِئُ حَاضِرًا في غَيْرِ مَطَرٍ أَنْ يصلى
صَلَاةً إلَّا في وَقْتِهَا وَلَا يَضُمَّ إلَيْهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَنْسَى
فَيَذْكُرَ في وَقْتِ إحْدَاهُمَا أو يَنَامَ فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ قَضَاءً
وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ كان له الْجَمْعُ بين الصَّلَاتَيْنِ من آخِرِ وَقْتِ
الْآخِرَةِ مِنْهُمَا وَلَا يُقَدِّمُ وَقْتَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَالْوَقْتُ
حَدٌّ لَا يُجَاوَزُ وَلَا يُقَدَّمُ وَلَا تُؤَخَّرُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ عن
الثُّلُثِ الْأَوَّلِ في مَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَمَ اللَّهُ عز وجل
كِتَابَهُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ مَوْقُوتٌ وَالْمَوْقُوتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الْوَقْتُ الذي يصلى فيه وَعَدَدُهَا فقال عز وجل { إنَّ الصَّلَاةَ كانت على
الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وقد ذَكَرْنَا نَقْلَ الْعَامَّةِ عَدَدَ
الصَّلَاةِ في مَوَاضِعِهَا وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ الْوَقْتَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ قال أَخَّرَ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ
الصَّلَاةَ فقال له عُرْوَةُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال
نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت معه ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت
معه ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت معه حتى عَدَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ
فقال عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ اتَّقِ اللَّهَ يا عُرْوَةُ وَانْظُرْ ما تَقُولُ
فقال عُرْوَةُ أَخْبَرَنِيهِ بَشِيرُ بن أبي مَسْعُودٍ عن أبيه عن رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا عَمْرُو بن أبي سَلَمَةَ عن عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن عبد الرحمن بن
الحرث عن حَكِيمِ بن حَكِيمٍ عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ
عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ
بَابِ الْكَعْبَةِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حين كان الْفَيْءُ مِثْلَ
الشِّرَاكِ ثُمَّ صلى الْعَصْرَ حين كان كُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرِ ظِلِّهِ وَصَلَّى
الْمَغْرِبَ حين أَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صلى الْعِشَاءَ حين غَابَ الشَّفَقُ
ثُمَّ صلى الصُّبْحَ حين حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ على الصَّائِمِ ثُمَّ صلى
الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ الظُّهْرَ حين كان كُلُّ شَيْءٍ قَدْرَ ظِلِّهِ قَدْرَ
الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صلى الْعَصْرَ حين كان ظِلُّ كل شَيْءٍ مِثْلَيْهِ
ثُمَّ صلى الْمَغْرِبَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ لم يُؤَخِّرْهَا ثُمَّ صلى الْعِشَاءَ
الْآخِرَةَ حين ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صلى الصُّبْحَ حين أَسْفَرَ ثُمَّ
الْتَفَتَ فقال يا محمد هذا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ من قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ فِيمَا
بين هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ
(1/71)
- * وَقْتُ الظُّهْرِ - * (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان الْغَيْمُ مُطْبِقًا رَاعَى الشَّمْسَ وَاحْتَاطَ
بِتَأْخِيرِهَا ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فإذا
تَوَخَّى فَصَلَّى على الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ عنه وَذَلِكَ
أَنَّ مُدَّةَ وَقْتِهَا مُتَطَاوِلٌ حتى يَكَادَ يُحِيطُ إذَا احْتَاطَ بِأَنْ قد
زَالَتْ وَلَيْسَتْ كَالْقِبْلَةِ التي لَا مُدَّةَ لها إنَّمَا عليها دَلِيلٌ لَا
مُدَّةٌ وَعَلَى هذا الْوَقْتِ دَلِيلٌ من مُدَّةٍ وَمَوْضِعٍ وَظِلٍّ فإذا كان
هَكَذَا فَلَا إعَادَةَ عليه حتى يَعْلَمَ أَنْ قد صلى قبل الزَّوَالِ فإذا عَلِمَ
ذلك أَعَادَ وَهَكَذَا إنْ تَوَخَّى بِلَا غَيْمٍ ( قال ) وَعِلْمُهُ بِنَفْسِهِ
وأخبار غَيْرِهِ مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ أَنَّهُ صلى قبل الزَّوَالِ إذَا لم يَرَ هو
أو هُمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَذَّبَ من أَعْلَمَهُ أَنَّهُ
صلى قبل الزَّوَالِ لم يَكُنْ عليه إعَادَةٌ وَالِاحْتِيَاطُ له أَنْ يُعِيدَ وإذا
كان أَعْمَى وَسِعَهُ خَبَرُ من يُصَدِّقُ خَبَرَهُ في الْوَقْتِ وَالِاقْتِدَاءُ
بِالْمُؤَذِّنِينَ فيه وَإِنْ كان مَحْبُوسًا في مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ أو كان أَعْمَى
ليس قُرْبَهُ أَحَدٌ تَوَخَّى وَأَجْزَأَتْ صَلَاتُهُ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ
صلى قبل الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ يُخَالِفُ الْقِبْلَةَ لِأَنَّ في الْوَقْتِ
مُدَّةً فَجُعِلَ مُرُورُهَا كَالدَّلِيلِ وَلَيْسَ ذلك في الْقِبْلَةِ فَإِنْ
عَلِمَ أَنَّهُ صلى بَعْدَ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ وكان أَقَلُّ أَمْرِهِ أَنْ
يَكُونَ قَضَاءً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان كما وَصَفْت مَحْبُوسًا في
ظُلْمَةٍ أو أَعْمَى ليس قُرْبَهُ أَحَدٌ لم يَسَعْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِلَا
تَأَخٍّ على الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ من مُرُورِ الْوَقْتِ من نَهَارٍ وَلَيْلٍ
وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ تَأَخَّى بِهِ وَإِنْ صلى على غَيْرِ تَأَخٍّ أَعَادَ
كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا على غَيْرِ تَأَخٍّ وَلَا يَفُوتُ الظُّهْرُ حتى
يُجَاوِزَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله فإذا جَاوَزَهُ فَهُوَ فَائِتٌ وَذَلِكَ أَنَّ من
أَخَّرَهَا إلَى هذا الْوَقْتِ جَمَعَ أَمْرَيْنِ تَأْخِيرَهَا عن الْوَقْتِ
الْمَقْصُودِ وَحُلُولَ وَقْتِ غَيْرِهَا - * تَعْجِيلُ الظُّهْرِ وَتَأْخِيرُهَا
- * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعْجِيلُ الْحَاضِرِ
الظُّهْرَ إمَامًا وَمُنْفَرِدًا في كل وَقْتٍ إلَّا في شِدَّةِ الْحَرِّ فإذا
اشْتَدَّ الْحَرُّ أَخَّرَ إمَامُ الْجَمَاعَةِ الذي يَنْتَابُ من الْبُعْدِ الظُّهْرَ
حتى يَبْرُدَ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ
فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ وقد
اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فقالت رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فإذن لها
بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ في الشِّتَاءِ وَنَفْسٍ في الصَّيْفِ فَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ
من الْحَرِّ من حَرِّهَا وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الْبَرْدِ من زَمْهَرِيرِهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عن
الصَّلَاةِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ
أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن
سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وأبى سَلَمَةَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ
إذَا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ عن وَسَطِ الْفَلَكِ وَظِلُّ الشَّمْسِ
في الصَّيْفِ يَتَقَلَّصُ حتى لَا يَكُونَ لِشَيْءٍ قَائِمٍ مُعْتَدِلٍ نِصْفَ
النَّهَارِ ظِلٌّ بِحَالٍ وإذا كان ذلك فَسَقَطَ لِلْقَائِمِ ظِلٌّ ما كان
الظِّلُّ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا في هذا الْحِينِ إذَا صَارَ
ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله فإذا جَاوَزَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله بِشَيْءٍ ما كان فَقَدْ
خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا إلَّا ما
وَصَفْت وَالظِّلُّ في الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ مُخَالِفٌ له فِيمَا
وَصَفْت من الصَّيْفِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الزَّوَالُ في هذه الْأَوْقَاتِ بِأَنْ
يَنْظُرَ إلَى الظِّلِّ وَيَتَفَقَّدَ نُقْصَانَهُ فإنه إذَا تَنَاهَى نُقْصَانُهُ
زَادَ فإذا زَادَ بَعْدَ تناهى نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ الزَّوَالُ وهو أَوَّلُ
وَقْتِ الظُّهْرِ ثُمَّ آخِرُ وَقْتِهَا إذَا عَلِمَ أَنْ قد بَلَغَ الظِّلُّ مع
خِلَافِهِ ظِلَّ الصَّيْفِ قَدْرَ ما يَكُونُ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله في الصَّيْفِ
وَذَلِكَ أَنْ تَعْلَمَ ما بين زَوَالِ الشَّمْسِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ
أَقَلُّ مِمَّا بين أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَاللَّيْلِ فَإِنْ بَرَزَ له منها
ما يَدُلُّهُ وَإِلَّا تَوَخَّى حتى يَرَى أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ
وَاحْتَاطَ
(1/72)
بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا
بِالصَّلَاةِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَلَا تُؤَخَّرُ في الشِّتَاءِ بِحَالٍ وَكُلَّمَا قُدِّمَتْ كان أَلْيَنَ على من
صَلَّاهَا في الشِّتَاءِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا إمَامُ جَمَاعَةٍ يَنْتَابُ إلَّا
بِبِلَادٍ لها حَرٌّ مُؤْذٍ كَالْحِجَازِ فإذا كانت بِلَادٌ لَا أَذَى لِحَرِّهَا
لم يُؤَخِّرْهَا لِأَنَّهُ لَا شِدَّةَ لِحَرِّهَا يُرْفَقُ على أَحَدٍ
بِتَنْحِيَةِ الْأَذَى عنه في شُهُودِهَا - * وَقْتُ الْعَصْرِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقْتُ الْعَصْرِ في الصَّيْفِ إذَا
جَاوَزَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله بِشَيْءٍ ما كان وَذَلِكَ حين يَنْفَصِلُ من أخر
وَقْتِ الظُّهْرِ وبلغنى عن بَعْضِ أَصْحَابِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال مَعْنَى ما
وَصَفْت وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عن بن عَبَّاسٍ وَأَنَّ بن عَبَّاسٍ أَرَادَ بِهِ
صَلَاةَ الْعَصْرِ في آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ على هذا الْمَعْنَى أَنَّهُ
صَلَّاهَا حين كان ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله يعنى حين تَمَّ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله
ثُمَّ جَاوَزَ ذلك بِأَقَلَّ ما يُجَاوِزُهُ وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ مُحْتَمِلٌ له
وهو قَوْلُ عَامَّةِ من حَفِظْت عنه وإذا كان الزَّمَانُ الذي لَا يَكُونُ
الظِّلُّ فيه هَكَذَا قَدْرَ الظِّلِّ ما كان يَنْقُصُ فإذا زَادَ بَعْدَ
نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ زَوَالُهُ ثُمَّ قَدْرُ ما لو كان الصَّيْفُ بَلَغَ الظِّلَّ
أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ فإذا جَاوَزَ ذلك قَلِيلًا فَقَدْ دخل أَوَّلُ
وَقْتِ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ في كل بَلَدٍ وَكُلِّ زَمَانٍ وَإِمَامِ
جَمَاعَةِ يَنْتَابُ من بُعْدٍ وَغَيْرِ بُعْدٍ وَمُنْفَرِدٍ في أَوَّلِ وَقْتِهَا
لَا أُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عنه وإذا كان الْغَيْمُ مُطْلَقًا أو كان
مَحْبُوسًا في ظُلْمَةٍ أو أَعْمَى بِبَلَدٍ لَا أَحَدَ معه فيها صَنَعَ ما وَصَفْت
يَصْنَعُهُ في الظُّهْرِ لَا يَخْتَلِفُ في شَيْءٍ وَمَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ حتى
تَجَاوَزَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مِثْلَيْهِ في الصَّيْفِ وَقَدْرَ ذلك في الشِّتَاءِ
فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَجُوزُ عليه أَنْ يُقَالَ قد فَاتَهُ
وَقْتُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا كما جَازَ على الذي أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى أَنْ
جَاوَزَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مثله مُطْلَقًا لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ تَحِلُّ له
صَلَاةُ الْعَصْرِ في ذلك الْوَقْتِ وَهَذَا لَا يَحِلُّ له صَلَاةُ الظُّهْرِ في
هذا الْوَقْتِ وَإِنَّمَا قُلْت لَا يَتَبَيَّنُ عليه ما وَصَفْت من أَنَّ
مَالِكًا أخبرنا عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ وَعَنْ بِشْرِ بن
سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصُّبْحِ قبل أَنْ تَطْلُعَ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْعَصْرِ قبل
أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَمَنْ لم يُدْرِكْ رَكْعَةً من الْعَصْرِ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَتْهُ
الْعَصْرُ وَالرَّكْعَةُ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَحْبَبْت تَقْدِيمَ
الْعَصْرِ لِأَنَّ
مُحَمَّدَ بن إسْمَاعِيلَ أخبرنا عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن أَنَسِ بن
مَالِكٍ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ
وَالشَّمْسُ صَاحِيَةٌ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهَا
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ
أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن
أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ
الدِّيلِيِّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من فَاتَهُ الْعَصْرُ
فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ - * وَقْتُ الْمَغْرِبِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَاحِدٌ
وَذَلِكَ حين تَجِبُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ في حديث إمَامَةِ جِبْرِيلَ النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي غَيْرِهِ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ عن أبي
نُعَيْمٍ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَبْلُغُ بِتَأْخِيرِهَا آخِرَ وَقْتِهَا
فَيُصَلِّيهِمَا جميعا مَعًا وَلَكِنَّ الْإِبْرَادَ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ
يُصَلِّيهَا مُتَمَهِّلًا وَيَنْصَرِفُ منها قبل آخِرِ وَقْتِهَا لِيَكُونَ بين
انْصِرَافِهِ منها وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا فَصْلٌ فَأَمَّا من صَلَّاهَا في
بَيْتِهِ أو في جَمَاعَةٍ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ لَا يَحْضُرُهَا إلَّا من
بِحَضْرَتِهِ فَلْيُصَلِّهَا في أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ لَا أَذَى عليهم في
حَرِّهَا
(1/73)
جَابِرٍ قال كنا نصلى الْمَغْرِبَ مع
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ نَخْرُجُ نَتَنَاضَلُ حتى نَبْلُغَ
بُيُوتَ بَنِي سَلِمَةَ نَنْظُرُ إلَى مَوَاقِعِ النَّبْلِ من الْإِسْفَارِ
أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ عن بن أبي ذِئْبٍ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عن الْقَعْقَاعِ بن حَكِيمٍ قال دَخَلْنَا على جَابِرِ بن عبد
اللَّهِ فقال جَابِرٌ كنا نصلى مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ نَنْصَرِفُ
فنأتى ( ( ( فتأتي ) ) ) بَنِي سَلَمَةَ فَنُبْصِرُ مَوَاقِعَ النَّبْلِ
أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ عن بن أبي ذِئْبٍ عن صَالِحٍ مولى التَّوْأَمَةَ عن
زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قال كنا نُصَلِّي مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
الْمَغْرِبَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ فنأتى السُّوقَ وَلَوْ رمى بِنَبْلٍ لرؤى ( ( ( لرئي
) ) ) مَوَاقِعُهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قِيلَ تَفُوتُ الْمَغْرِبُ
إذَا لم تُصَلَّ في وَقْتِهَا كان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَشْبَهَ بِمَا
قال وَيَتَأَخَّاهَا الْمُصَلِّي في الْغَيْمِ وَالْمَحْبُوسُ في الظُّلْمَةِ
وَالْأَعْمَى كما وَصَفْت في الظُّهْرِ وَيُؤَخِّرُهَا حتى يَرَى أَنْ قد دخل
وَقْتُهَا أو جَاوَزَ دُخُولَهُ - * وَقْتُ الْعِشَاءِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي
لَبِيدٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم قال لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ على اسْمِ صَلَاتِكُمْ هِيَ الْعِشَاءُ
إلَّا أَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأُحِبُّ أَنْ
لَا تُسَمَّى إلَّا الْعِشَاءَ كما سَمَّاهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَأَوَّلُ وَقْتِهَا حين يَغِيبُ الشَّفَقُ وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ التي في
الْمَغْرِبِ فإذا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فلم يُرَ منها شَيْءٌ حَلَّ وَقْتُهَا
وَمَنْ افْتَتَحَهَا وقد بقى عليه من الْحُمْرَةِ شَيْءٌ أَعَادَهَا وَإِنَّمَا
قُلْت الْوَقْتُ في الدُّخُولِ في الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ
يَدْخُلَ في الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَإِنْ لم يُعْمَلْ فيها
شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَا التَّكْبِيرِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ هو
مَدْخَلُهُ فيها فإذا أَدْخَلَهُ التَّكْبِيرُ فيها قبل الْوَقْتِ أَعَادَهَا وآخر
وَقْتَهَا إلَى أَنْ يمضى ثُلُثُ اللَّيْلِ فإذا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ
الْأَوَّلِ فَلَا أُرَاهَا إلَّا فَائِتَةً لِأَنَّهُ آخِرُ وَقْتِهَا ولم يَأْتِ
عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها شَيْءٌ يَدُلُّ على أنها لَا تَفُوتُ إلَّا
بَعْدَ ذلك الْوَقْتِ ( قال ) والمواقيت ( ( ( المواقيت ) ) ) كُلُّهَا كما
وَصَفْت لَا تُقَاسُ وَيَصْنَعُ الْمُتَأَخِّي لها في الْغَيْمِ وفي الْحَبْسِ
الْمُظْلِمِ وَالْأَعْمَى ليس معه أَحَدٌ كما وَصَفْته يَصْنَعُهُ في الظُّهْرِ
والتأخى في اللَّيْلِ أَخَفُّ من التأخى لِصَلَاةِ النَّهَارِ لِطُولِ الْمُدَّةِ
وَشِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَبَيَانِ اللَّيْلِ - * وَقْتُ الْفَجْرِ - * قال اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كان
مَشْهُودًا } وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصُّبْحِ
وَالصُّبْحُ الْفَجْرُ فَلَهَا اسْمَانِ الصُّبْحُ وَالْفَجْرُ لَا أُحِبُّ أَنْ
تُسَمَّى إلَّا بِأَحَدِهِمَا وإذا بَانَ الْفَجْرُ الْأَخِيرُ مُعْتَرَضًا
حَلَّتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَمَنْ صَلَّاهَا قبل تَبَيُّنِ الْفَجْرِ الْأَخِيرِ
مُعْتَرَضًا أَعَادَ وَيُصَلِّيهَا أَوَّلَ ما يَسْتَيْقِنُ الْفَجْرَ مُعْتَرَضًا
حتى يَخْرُجَ منها مُغَلِّسًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن
عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن عَائِشَةَ قالت إنْ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم ليصلى الصُّبْحَ فَتَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ
ما يُعْرَفْنَ من الْغَلَسِ وَلَا تَفُوتُ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قبل أَنْ
يُصَلِّيَ منها رَكْعَةً وَالرَّكْعَةُ رَكْعَةٌ بِسُجُودِهَا فَمَنْ لم يُكْمِلْ
رَكْعَةً بِسُجُودِهَا قبل
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد لَا قيل تَفُوتُ حتى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ
صَلَاةِ الْعِشَاءِ قبل ( ( ( قيل ) ) ) يصلى منها رَكْعَةً كما قِيلَ في
الْعَصْرِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الصُّبْحَ تَفُوتُ بِأَنْ تَطْلُعَ
الشَّمْسُ قِيلَ يصلى منها رَكْعَةً فَإِنْ قِيلَ فَتَقِيسُهَا على الصُّبْحِ
قِيلَ لَا أَقِيسُ شيئا من الْمَوَاقِيتِ على غَيْرِهِ وَهِيَ على الْأَصْلِ
وَالْأَصْلُ حَدِيثُ إمَامَةِ جِبْرِيلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا ما جاء
فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً دَلَالَةً أو قَالَهُ عَامَّةُ
الْعُلَمَاءِ لم يَخْتَلِفُوا فيه
(1/74)
طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَتْهُ
الصُّبْحُ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ رَكْعَةً من
الصُّبْحِ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ
____________________
(1/75)
- * اخْتِلَافُ الْوَقْتِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما أَمَّ جِبْرِيلُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَضَرِ لَا في مَطَرٍ وقال ما بين هَذَيْنِ
وَقْتٌ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمِدَ أَنْ يصلى الصَّلَاةَ في حَضَرٍ وَلَا في
مَطَرٍ إلَّا في هذا الْوَقْتِ وَلَا صَلَاةَ إلَّا مُنْفَرِدَةٌ كما صلى
جِبْرِيلُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَلَّى النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم بَعْدُ مُقِيمًا في عُمْرِهِ وَلَمَّا جَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ آمِنًا مُقِيمًا لم يَحْتَمِلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ
مُخَالِفًا لِهَذَا الحديث أو يَكُونَ الْحَالُ التي جَمَعَ فيها حَالًا غير
الْحَالِ التي فَرَّقَ فيها فلم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ جَمْعُهُ في الْحَضَرِ
مُخَالِفٌ لِإِفْرَادِهِ في الْحَضَرِ من وَجْهَيْنِ أَنَّهُ يُوجَدُ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ وَأَنَّ الذي رَوَاهُ مِنْهُمَا مَعًا وَاحِدٌ وهو بن
عَبَّاسٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ لِجَمْعِهِ في الْحَضَرِ عِلَّةٌ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ إفْرَادِهِ فلم يَكُنْ إلَّا الْمَطَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
إذَا لم يَكُنْ خَوْفٌ وَوَجَدْنَا في الْمَطَرِ عِلَّةَ الْمَشَقَّةِ كما كان في
الْجَمْعِ في السَّفَرِ عِلَّةُ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ فَقُلْنَا إذَا كانت
الْعِلَّةُ من مَطَرٍ في حَضَرٍ جَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ ( قال ) وَلَا يَجْمَعُ إلَّا وَالْمَطَرُ مُقِيمٌ في الْوَقْتِ الذي
يجمع ( ( ( تجمع ) ) ) فيه فَإِنْ صلى إحْدَاهُمَا ثُمَّ انْقَطَعَ الْمَطَرُ لم
يَكُنْ له أَنْ يَجْمَعَ الْأُخْرَى إلَيْهَا وإذا صلى إحْدَاهُمَا وَالسَّمَاءُ
تُمْطِرُ ثُمَّ ابْتَدَأَ الْأُخْرَى وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ ثُمَّ انْقَطَعَ
الْمَطَرُ مضي على صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان له الدُّخُولُ فيها كان له
إتْمَامُهَا ( قال ) وَيَجْمَعُ من قَلِيلِ الْمَطَرِ وَكَثِيرِهِ وَلَا يَجْمَعُ
إلَّا من خَرَجَ من بَيْتِهِ إلَى مَسْجِدٍ يَجْمَعُ فيه قَرُبَ الْمَسْجِدُ أو
كَثُرَ أَهْلُهُ أو قَلُّوا أو بَعُدُوا وَلَا يَجْمَعُ أَحَدٌ في بَيْتِهِ
لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ في الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلِّي في
بَيْتِهِ مُخَالِفُ الْمُصَلِّي في الْمَسْجِدِ وَإِنْ صلى رَجُلٌ الظُّهْرَ في
غَيْرِ مَطَرٍ ثُمَّ مُطِرَ الناس لم يَكُنْ له أَنْ يصلى الْعَصْرَ لِأَنَّهُ صلى
الظُّهْرَ وَلَيْسَ له جَمْعُ الْعَصْرِ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ لو افْتَتَحَ
الظُّهْرَ ولم يُمْطَرْ ثُمَّ مُطِرَ بَعْدَ ذلك لم يَكُنْ له جَمْعُ الْعَصْرِ
إلَيْهَا وَلَا يَكُونُ له الْجَمْعُ إلَّا بِأَنْ يَدْخُلَ في الأولي يَنْوِي
الْجَمْعَ وهو له فإذا دخل فيها وهو يُمْطَرُ وَدَخَلَ في الْآخِرَةِ وهو يُمْطَرُ
فَإِنْ سَكَنَتْ السَّمَاءُ فِيمَا بين ذلك كان له الْجَمْعُ لِأَنَّ الْوَقْتَ في
كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الدُّخُولُ فيها وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ في هذا وَقْتٌ
كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَسَوَاءٌ كُلُّ بَلَدٍ في هذا لِأَنَّ
بَلَّ الْمَطَرِ في كل مَوْضِعٍ أَذًى وإذا جَمَعَ بين صَلَاتَيْنِ في مَطَرٍ
جَمَعَهُمَا في وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا لَا يُؤَخِّرُ ذلك وَلَا يَجْمَعُ في
حَضَرٍ في غَيْرِ الْمَطَرِ من قِبَلِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ
الصَّلَوَاتِ مُنْفَرِدَاتٍ وَالْجَمْعُ في الْمَطَرِ رُخْصَةٌ لِعُذْرٍ وَإِنْ
كان عُذْرَ غَيْرِهِ لم يَجْمَعْ فيه لِأَنَّ الْعُذْرَ في غَيْرِهِ خَاصٌّ
وَذَلِكَ الْمَرَض وَالْخَوْفُ وما أَشْبَهَهُ وقد كانت أَمْرَاضٌ وَخَوْفٌ فلم
يُعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ وَالْعُذْرُ
بِالْمَطَرِ عَامٌّ وَيَجْمَعُ في السَّفَرِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم وَالدَّلَالَةُ على الْمَوَاقِيتِ عَامَّةٌ لَا رُخْصَةَ في
تَرْكِ شَيْءٍ منها وَلَا الْجَمْعِ إلَّا حَيْثُ رَخَّصَ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم في سَفَرٍ وَلَا رَأَيْنَا من جَمْعِهِ الذي رَأَيْنَاهُ في الْمَطَرِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم
(1/76)
- * وَقْتُ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ -
*
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَابِرِ بن
عبد اللَّهِ وهو يَذْكُرُ حَجَّةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَاحَ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم من مَنْزِلِهِ
وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم صلى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جميعا
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ عن أبي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بن وَاثِلَةَ أَنَّ
مُعَاذَ بن جَبَلٍ أخبره أَنَّهُمْ خَرَجُوا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَجْمَعُ بين
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قال فَأَخَّرَ
الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا ثُمَّ دخل
ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ لِلْمُسَافِرِ
أَنْ يَجْمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في
وَقْتِ إحْدَاهُمَا إنْ شَاءَ في وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا وَإِنْ شَاءَ في
وَقْتِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ في وَقْتِ الظُّهْرِ وَجَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في وَقْتِ
الْعِشَاءِ فلما حَكَى بن عَبَّاسٍ وَمُعَاذٌ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا جَدَّ بِهِ
السَّيْرُ أو لم يَجِدَّ سَائِرًا وَنَازِلًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَرَفَةَ غير سَائِرٍ إلَّا إلَى الْمَوْقِفِ إلَى جَنْبِ
الْمَسْجِدِ وَبِالْمُزْدَلِفَةِ نَازِلًا ثَانِيًا وَحَكَى عنه مُعَاذٌ أَنَّهُ
جَمَعَ وَرَأَيْت حِكَايَتَهُ على أَنَّ جَمْعَهُ وهو نَازِلٌ في سَفَرٍ غَيْرِ
سَائِرٍ فيه فَمَنْ كان له أَنْ يَقْصُرَ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ لِمَا وَصَفْتُ من
دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ له أَنْ يَجْمَعَ الصُّبْحَ إلَى صَلَاةٍ وَلَا
يَجْمَعَ إلَيْهَا صَلَاةً لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَجْمَعْهَا
ولم يَجْمَعْ إلَيْهَا غَيْرَهَا وَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ بين
صَلَاتَيْنِ قبل وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا فان فَعَلَ أَعَادَ كما يُعِيدُ
الْمُقِيمُ إذَا صلى قبل الْوَقْتِ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا بَعْدَ الْوَقْتِ
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْضِي وَلَوْ افْتَتَحَ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ قبل
الزَّوَالِ ثُمَّ لم يَقْرَأْ حتى تَزُولَ الشَّمْسُ ثُمَّ مَضَى في صَلَاتِهِ
فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا كانت عليه إعَادَتُهُمَا مَعًا أَمَّا
الظُّهْرُ فَيُعِيدُهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ لم يَدْخُلْ حين الدُّخُولِ في
الصَّلَاةِ فَدَخَلَ فيها قبل وَقْتِهَا وَأَمَّا الْعَصْرُ فَإِنَّمَا كان له
أَنْ يُصَلِّيَهَا قبل وَقْتِهَا إذَا جمع ( ( ( أجمع ) ) ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الظُّهْرِ وَهِيَ مُجْزِئَةٌ عنه وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وهو يَرَى أَنَّ
الشَّمْسَ لم تَزُلْ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّ دُخُولَهُ فيها كان بَعْدَ
الزَّوَالِ صَلَّاهَا وَالْعَصْرَ أَعَادَ لِأَنَّهُ حين افْتَتَحَهَا
افْتَتَحَهَا ولم تَحِلَّ عِنْدَهُ فَلَيْسَتْ مُجْزِئَةً عنه وكان في مَعْنَى من
صَلَّاهَا لَا يَنْوِيهَا وفي أَكْثَرَ من حَالِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ
فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ ثُمَّ الظُّهْرِ أَجْزَأَتْ عنه الظُّهْرُ وَلَا تُجْزِئُ
عنه الْعَصْرُ لَا تُجْزِئُ عنه مُقَدَّمَةً عن وَقْتِهَا حتى تُجْزِئَ عنه
الظُّهْرُ التي قَبْلَهَا وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ على غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ
تَوَضَّأَ لِلْعَصْرِ فَصَلَّاهَا أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَا تُجْزِئُ عنه
الْعَصْرُ مُقَدَّمَةً عن وَقْتِهَا حتى تُجْزِئَ عنه الظُّهْرُ قَبْلَهَا
وَهَكَذَا لو أَفْسَدَ الظُّهْرَ بِأَيِّ فَسَادٍ ما كان لم تُجْزِئْ عنه
الْعَصْرُ مُقَدَّمَةً عن وَقْتِهَا وَلَوْ كان هذا كُلُّهُ في وَقْتِ الْعَصْرِ
حتى لَا يَكُونَ الْعَصْرُ إلَّا بَعْدَ وَقْتِهَا أَجْزَأَتْ عنه الْعَصْرُ
وَكَانَتْ عليه إعَادَةُ الظُّهْرِ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وهو يَشُكُّ في
وَقْتِهَا فَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لم يَدْخُلْ فيها إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا
لم تُجْزِئْ عنه صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ لو ظَنَّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاتَتْهُ
اسْتَفْتَحَ صَلَاةً على أنها إنْ كانت فَائِتَةً فَهِيَ التي افْتَتَحَ ثُمَّ
عَلِمَ أَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وهو نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ
دخل ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُونُ إلَّا وهو نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ
نَازِلًا وَسَائِرًا
أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن إسْمَاعِيلَ بن عبد الرحمن بن أبي ذُؤَيْبٍ
الْأَسَدِيِّ قال خَرَجْنَا مع بن عُمَرَ إلَى الْحِمَى فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ
فَهِبْنَا أَنْ نَقُولَ له انْزِلْ فَصَلِّ فلما ذَهَبَ بَيَاضُ الْأُفُقِ
وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ نَزَلَ فَصَلَّى ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ صلى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فقال هَكَذَا رَأَيْت
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ
(1/77)
عليه صَلَاةً فَائِتَةً لم تُجْزِهِ
وَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ من هذا حتى يَدْخُلَ فيه على نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى
نِيَّةِ أَنَّ الْوَقْتَ دخل فأما ( ( ( فإنا ) ) ) إذَا دخل على الشَّكِّ
فَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِتَامَّةٍ وَلَوْ كان مُسَافِرًا فَأَرَادَ الْجَمْعَ بين
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في وَقْتِ الظُّهْرِ فَسَهَا أو عَمَدَ فبدأ بِالْعَصْرِ لم
يُجْزِهِ وَلَا يجزئه ( ( ( يجزه ) ) ) الْعَصْرُ قبل وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يصلى
الظُّهْرَ قَبْلَهَا فَتُجْزِئُ عنه وَكَذَلِكَ لو صلى الظُّهْرَ في وَقْتِهَا
فَأَفْسَدَهَا فَسَهَا عن إفْسَادِهِ إيَّاهَا ثُمَّ صلى الْعَصْرَ بَعْدَهَا في
وَقْتِ الظُّهْرِ أَعَادَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ - * الرَّجُلُ يصلى وقد
فَاتَتْهُ قَبْلَهَا صَلَاةٌ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كانت الصَّلَوَاتُ الْفَائِتَاتُ صَلَاةَ يَوْمٍ أو
صَلَاةَ سَنَةٍ وقد أُثْبِتَ هذا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا قُلْتُهُ
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَامَ عن الصُّبْحِ فَارْتَحَلَ عن
مَوْضِعِهِ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ وَصَلَاتُهَا مُمْكِنَةٌ له فلم
يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ من نسى صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا على
مَعْنَى أَنَّ وَقْتَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا وَقْتُهَا لَا وَقْتَ لها غَيْرُهُ
لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا فلما لم
يَكُنْ هذا مَعْنَى قَوْلِهِ لم يَكُنْ له مَعْنًى إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا
ذَكَرَهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةِ الْفَرْضِ عنه بِالنِّسْيَانِ إذَا كان
الذِّكْرُ الذي هو خِلَافُ النِّسْيَانِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا أَيَّ سَاعَةٍ كانت
مَنْهِيًّا عن الصَّلَاةِ فيها أو غير منهى ( قال الرَّبِيعُ ) + قال
الشَّافِعِيُّ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا حين يَذْكُرُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
يُصَلِّيهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا أَنَّ ذَهَابَ وَقْتِهَا يَذْهَبُ بِفَرْضِهَا
فلما ( ( ( قلما ) ) ) ذَكَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو في الْوَادِي
صَلَاةَ الصُّبْحِ فلم يُصَلِّهَا حتى قَطَعَ الْوَادِيَ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا أَيْ وَإِنْ ذَهَبَ
وَقْتُهَا ولم يَذْهَبْ فَرْضُهَا فَإِنْ قِيلَ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
إنَّمَا خَرَجَ من الْوَادِي فإنه وَادٍ فيه شَيْطَانٌ فَقِيلَ لو كانت الصَّلَاةُ
لَا تَصْلُحُ في وَادٍ فيه شَيْطَانٌ فَقَدْ صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو
يَخْنُقُ الشَّيْطَانَ فَخَنْقُهُ أَكْثَرُ من صَلَاةٍ في وَادٍ فيه شَيْطَانٌ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بين الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ في وَقْتِ الْعَصْرِ فَبَدَأَ بِالظُّهْرِ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ صلى
الْعَصْرَ أَجْزَأَهُ الْعَصْرُ وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهَا صُلِّيَتْ في
وَقْتِهَا على الِانْفِرَادِ الذي لو صُلِّيَتْ فيه وَحْدَهَا أَجْزَأَتْ ثُمَّ
يصلى الظُّهْرَ بَعْدَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَدَأَ فَصَلَّى
الْعَصْرَ ثُمَّ صلى الظُّهْرَ أَجْزَأَتْ عنه الْعَصْرُ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا في
وَقْتِهَا على الِانْفِرَادِ وكان عليه أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَأَكْرَهُ هذا له
وَإِنْ كان مُجْزِئًا عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْغَيْمُ مُطْبِقًا
في السَّفَرِ فَهُوَ كَإِطْبَاقِهِ في الْحَضَرِ يَتَأَخَّى فَإِنْ فَعَلَ
فَجَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ تَكَشَّفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ
قد كان افْتَتَحَ الظُّهْرَ قبل الزَّوَالِ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا
لِأَنَّهُ صلى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غير مُجْزِئَةٍ الظُّهْرَ قبل وَقْتِهَا
وَالْعَصْرَ في الْوَقْتِ الذي لَا تجزئ ( ( ( نجزئ ) ) ) عنه فيه إلَّا أَنْ
تَكُونَ الظُّهْرُ قَبْلَهَا مُجْزِئَةً ( قال الشَّافِعِيّ ) وَلَوْ كان تَأَخَّى
فَصَلَّاهُمَا فَكُشِفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا في وَقْتِ الْعَصْرِ
أَجْزَأَتَا عنه لِأَنَّهُ كان له أَنْ يُصَلِّيَهُمَا عَامِدًا في ذلك الْوَقْتِ
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَكَشَّفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا
بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَتَا عنه لِأَنَّ أَقَلَّ أَمْرِهِمَا أَنْ
يَكُونَا
____________________
1- قال الشَّافِعِيّ من فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَذَكَرهَا وقد دخل في صَلَاةٍ
غَيْرِهَا مَضَى على صَلَاتِهِ التي هو فيها ولم تَفْسُدْ عليه إمَامًا كان أو
مَأْمُومًا فاذا فَرَغَ من صَلَاتِهِ صلى الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ وَكَذَلِكَ لو
ذَكَرَهَا ولم يَدْخُلْ في صَلَاةٍ فَدَخَلَ فيها وهو ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ
أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ التي دخل فيها وَصَلَّى الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ
الْفَائِتَةَ له وكان الِاخْتِيَارُ له إنْ شَاءَ أتى بِالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ
له قبل الصَّلَاةِ التي ذَكَرَهَا قبل الدُّخُولِ فيها إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ
التي هو في وَقْتِهَا فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يُصَلِّي التي فَاتَتْهُ أخبرنا
الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ
(1/78)
قَضَاءً مِمَّا عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان مُسَافِرًا فلم يَكُنْ له في يَوْمِ سَفَرِهِ نِيَّةٌ في أَنْ يَجْمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَخَّرَ الظُّهْرَ ذَاكِرًا لَا يُرِيدُ بها الْجَمْعَ حتى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ كان عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا لَا يُرِيدُ الْجَمْعَ بها لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إنَّمَا كان له على إرَادَةِ الْجَمْعِ فَيَكُونُ ذلك وَقْتًا لها فإذا لم يُرِدْ بِهِ الْجَمْعَ كان تَأْخِيرُهَا وَصَلَاتُهَا تُمْكِنُهُ مَعْصِيَةً وَصَلَاتُهَا قَضَاءً وَالْعَصْرُ في وَقْتِهَا وَأَجْزَأَتَا عنه وَأَخَافُ الْمَأْثَمَ عليه في تَأْخِيرِ الظُّهْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ صلى الظُّهْرَ وَلَا ينوى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فلما أَكْمَلَ الظُّهْرَ أو كان وَقْتُهَا كانت له نِيَّةٌ في أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كان ذلك له لِأَنَّهُ إذَا كان له أَنْ ينوى ذلك على الِابْتِدَاءِ كان له أَنْ يُحْدِثَ فيه نِيَّةً في الْوَقْتِ الذي يَجُوزُ له ف