Translate فتح الباري وتفسير بن كثير كيكي520.

الجمعة، 13 مايو 2022

الأم مجلد 9. محمد بن إدريس الشافعي

 

9.

الأم مجلد 9. محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204 .

  - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً على غَيْرِ جِزْيَةٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } إنَّمَا نَزَلَتْ في الْيَهُودِ الْمُوَادِعِينَ الَّذِينَ لم يُعْطُوا جِزْيَةً ولم يُقِرُّوا بِأَنْ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ وقال بَعْضٌ نَزَلَتْ في الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي قالوا يُشْبِهُ ما قالوا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فيها حُكْمُ اللَّهِ } وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ } الْآيَةَ يَعْنِيَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ تَوَلَّوْا عن حُكْمِك بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أتى حَاكِمًا غير مَقْهُورٍ على الْحُكْمِ وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في امْرَأَةٍ منهم وَرَجُلٍ زَنَيَا مُوَادِعُونَ وكان في التَّوْرَاةِ الرَّجْمُ وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ من حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّجْمُ فجاؤوا ( ( ( فجاءوا ) ) ) بهما ( ( ( بها ) ) ) فَرَجَمَهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا من أَهْلِ الشِّرْكِ ولم يَشْتَرِطْ أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أو يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بين الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل الذي أَنْزَلَهُ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ في أَحَدٍ من الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ إذَا جَاءُوهُ في حَدِّ لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَا يُفَارِقُونَ الْمُوَادِعِينَ إلَّا في هذا الْمَوْضِعِ ثُمَّ على الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ على الْمُوَادِعِينَ حُكْمَهُ على الْمُسْلِمِينَ إذَا جَاءُوهُ فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ حَارَبَهُمْ وَسَوَاءٌ في أَنَّ له الْخِيَارَ في الْمُوَادِعِينَ إذَا أَصَابُوا حد ( ( ( حدا ) ) ) الله ( ( ( لله ) ) ) أو حَدًّا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُصَابَ منه الْحَدُّ لم يُسْلِمْ ولم يُقِرَّ بِأَنْ يجري عليه الْحُكْمُ - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ الصَّغَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَأَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم على أَنْ قد عَلِمَ شِرْكَهُمْ بِهِ وَاسْتِحْلَالَهُمْ لِمَحَارِمِهِ فَلَا يَكْشِفُوا عن شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوا بَيْنَهُمْ ما لم يَكُنْ ضَرَرًا على مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ أو مُسْتَأْمَنِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان فيه ضَرَرٌ على أَحَدٍ من أَنْفُسِهِمْ لم يَطْلُبْهُ لم يَكْشِفُوا عنه فإذا أَبَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ما فيه له عليه حَقٌّ فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ له على من كان له عليه حَقٌّ منهم وَإِنْ لم يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخْطَةَ لِحُكْمِهِ لِمَا وَصَفْت من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ مُقَامٍ لِمَنْ يَمْتَنِعُ من الْحُكْمِ في حَالٍ وَيُقَالُ نَزَلَتْ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَكَانَ ظَاهِرُ ما عَرَفْنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم تَسْتَعْدِي عليه بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أو آلَى منها حَكَمْت عليه حُكْمِي على الْمُسْلِمِينَ فَأَلْزَمْته الطَّلَاقَ وَفَيْئِيَّةَ الْإِيلَاءِ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا أَخَذْته بِأَنْ يُطَلِّقَ وَإِنْ قالت تَظَاهَرَ مِنِّي أَمَرْته أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حتى يُكَفِّرَ وَلَا يُجْزِئُهُ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ في الْقَتْلِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يُكَفِّرُ الْكَافِرُ قِيلَ كما يُؤَدِّي الْوَاجِبَ وَإِنْ كان لَا يُؤْجَرُ على أَدَائِهِ من دِيَةٍ أو أَرْشِ جُرْحٍ أو غَيْرِهِ وَكَمَا يُحَدُّ وَإِنْ كان لَا يُكَفِّرُ عنه بِالْحَدِّ لَشِرْكِهِ فَإِنْ قال فَيُكَفِّرُ عنه خَطِيئَةَ الْحَدِّ قِيلَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ خَطِيئَةَ الْحَدِّ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه خَطِيئَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ قِيلَ يُؤَدِّي وَيُؤْخَذُ منه
____________________

(4/210)


الْوَاجِبُ وَإِنْ لم يُؤْجَرْ وَإِنْ لم يُكَفِّرْ عنه قِيلَ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْأَيْمَانُ وَالرَّقَبَةُ في الْقَتْلِ فَإِنْ جَاءَنَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لم نُزَوِّجْهُ إلَّا كما يُزَوَّجُ الْمُسْلِمُ بِرِضًا من الزَّوْجَةِ وَمَهْرٍ وَشُهُودِ عُدُولٍ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ قد نَكَحَهَا تُرِيدُ فَسَادَ نِكَاحِهَا بِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ مُسْلِمِينَ أو غَيْرِ وَلِيٍّ وما يُرَدُّ بِهِ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا حَقَّ فيه لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لم يُرَدَّ نِكَاحُهُ إذَا كان اسْمُهُ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِأَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ قبل حُكْمِنَا فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ قُلْت هذا قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا } وقال { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ } فلم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ ما بَقِيَ من الرِّبَا وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا ما لم يَقْبِضُوا منه وَرَجَعُوا منه إلَى رؤوس أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِكَاحَ الْمُشْرِكِ بِمَا كان قبل حُكْمِهِ وَإِسْلَامِهِمْ وكان مُقْتَضِيًا وَرَدَّ ما جَاوَزَ أَرْبَعًا من النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ بِوَاقٍ فَتَجَاوَزَ عَمَّا مَضَى كُلِّهِ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رَسُولِهِ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذِمَّةٌ وَأَهْلُ هُدْنَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ نِكَاحَهُمْ ولم يَأْمُرْهُمْ بِأَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَهُ ولم نَعْلَمْهُ أَفْسَدَ لهم نِكَاحًا وَلَا مَنَعَ أَحَدًا منهم أَسْلَمَ امْرَأَتَهُ وأمرأته امرأة بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ في الشِّرْكِ بَلْ أَقَرَّهُمْ على ذلك النِّكَاحِ إذَا كان مَاضِيًا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَإِنْ كَانُوا مُعَاهَدِينَ وَمُهَادَنِينَ وَهَكَذَا إنْ جَاءَنَا رَجُلَانِ منهم قد تَبَايَعَا خَمْرًا ولم يتقابضاها أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ تَقَابَضَاهَا لم نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قد مَضَى وَإِنْ تَبَايَعَاهَا فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعْضًا ولم يَقْبِضْ بَعْضًا لم يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَرَدَّ ما لم يَقْبِضْ وَهَكَذَا بُيُوعُ الرِّبَا كُلُّهَا وَلَوْ جَاءَتْنَا نَصْرَانِيَّةٌ قد نَكَحَهَا مُسْلِمٌ بِلَا وَلِيٍّ أو شُهُودٍ نَصَارَى أَفْسَدْنَا النِّكَاحَ لِأَنَّهُ ليس لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبَدًا غير تَزْوِيجِ الْإِسْلَامِ فَنُنَفِّذُ له وَلَوْ جَاءَنَا نَصْرَانِيٌّ بَاعَ مُسْلِمًا خَمْرًا أو نَصْرَانِيٌّ ابْتَاعَ من مُسْلِمٍ خَمْرًا تَقَابَضَاهَا أو لم يتقابضاها أَبْطَلْنَاهَا بِكُلِّ حَالٍ وَرَدَدْنَا الْمَالَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَبْطَلْنَا ثَمَنَ الْخَمْرِ عنه إنْ كان الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي لها لم يَمْلِكْ خَمْرًا وَإِنْ كان الْبَائِعُ لها لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ ثَمَنَ خَمْرٍ وَلَا آمُرُ الذِّمِّيَّ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْرَ على الْمُسْلِمِ وَأُهْرِيقَهَا على الذِّمِّيِّ إذَا كان مَلَكَهَا على الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَالِهِ وَإِنْ كان الْمُسْلِمُ الْقَابِضُ لِلْخَمْرِ يَرُدُّ ثَمَنَ الْخَمْرِ على الْمُسْلِمِ وأهريقت الْخَمْرُ لِأَنِّي لَا أَقْضِي على مُسْلِمٍ أَنْ يَرُدَّ خَمْرًا وَيَجُوزُ أَنْ أُهْرِيقَهَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ عَصَى بِإِخْرَاجِهَا إلَى الْمُسْلِمِ مع مَعْصِيَتِهِ بِمِلْكِهَا وَأَخْرَجَهَا طَائِعًا فَأَدَّبْته بِإِهْرَاقِهَا لم أَكُنْ أُهْرِيقَهَا ولم يَأْذَنْ فيها إنَّمَا أُهْرِيقَهَا بَعْدَ ما أَذِنَ فيها بِالْبَيْعِ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةُ الذِّمِّيِّ قد نَكَحَتْهُ في بَقِيَّةٍ من عِدَّتِهَا من زَوْجٍ غَيْرِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هذا كَفَسَادِ عُقْدَةٍ نجيرها ( ( ( نجيزها ) ) ) له إذَا كانت جَائِزَةً عِنْدَهُ لَا ضَرَرَ فيها على غَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَجَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا ولم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُصِيبُهَا فإذا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا حَلَّ له نِكَاحُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبْطُلُ بَيْنَهُمْ الْبُيُوعُ التي تَبْطُلُ بين الْمُسْلِمِينَ كُلُّهَا فإذا مَضَتْ وَاسْتُهْلِكَتْ لم نُبْطِلْهَا إنَّمَا نُبْطِلُهَا ما كانت قَائِمَةً وَإِنْ جَاءَنَا عبد أَحَدِهِمْ قد أَعْتَقَهُ أَعْتَقْنَا عليه وَإِنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً جَائِزَةً عندنا ( ( ( عندما ) ) ) أَجَزْنَاهَا له أو أُمُّ وَلَدٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا لم نَدَعْهُ يَبِيعُهَا في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ وَيَبِيعُهَا في قَوْلِ من يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ فإذا أَسْلَمَ عبد الذِّمِّيِّ بِيعَ عليه فَإِنْ أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ أو وَهَبَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ وَأَقْبَضَهُ فَكُلُّ ذلك جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَوَلَاؤُهُ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ الذي أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُهُ إنْ مَاتَ بِالْوَلَاءِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ وَهَكَذَا أَمَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ عُزِلَ عنها وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا وكان له أَنْ يُؤَاجِرَهَا فإذا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا له فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَاعَ عليه كما يُبَاعُ عَبْدُهُ لو قال له أنت حُرٌّ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أو كان غَدٌ أو جاء شَهْرُ كَذَا وَالْآخَرُ لَا يُبَاعُ حتى يَمُوتَ فَيَعْتِقَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ السَّيِّدُ بَيْعَهُ فإذا شَاءَ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْ الْكِتَابَةَ وَتُبَاعُ وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ على الْكِتَابَةِ فإذا أَدَّيْت عَتَقْت وَمَتَى عَجَزْت أُبِعْتَ
____________________

(4/211)


وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ النَّصْرَانِيُّ أو أَسْلَمَ ثُمَّ دَبَّرَ أو أَسْلَمَتْ أَمَتُهُ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لهم في هذه الْحَالِ وَلَا حَدَّ عليه وَلَا عليها وإذا جَنَى النَّصْرَانِيُّ على النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَالْمَجْنِيُّ عليه بِالْخِيَارِ بين الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ إنْ كان جَنَى جِنَايَةً فيها الْقَوَدُ فإذا اخْتَارَ الْعَقْلَ فَهُوَ حَالٌّ في مَالِ الْجَانِي وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي كما تَكُونُ على عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْجَانِي عَاقِلَةٌ فَالْجِنَايَةُ في مَالِهِ دَيْنٌ يُتْبَعُ بها وَلَا يَعْقِلُ عنه النَّصَارَى وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَهُمْ لَا يَرِثُونَ وَلَا يَعْقِلُ الْمُسْلِمُونَ عنه وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ ما تَرَكَ إذَا مَاتَ مِيرَاثًا إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوُلَاةُ دِمَاءِ النَّصَارَى كَوُلَاةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمْ شَهَادَةٌ إلَّا شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُمْ بَيْنَهُمْ كما يَجُوزُ إقْرَارُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَكُلُّ حَقٍّ بَيْنَهُمْ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ كما يُؤْخَذُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فاذا أَهَرَاقَ وَاحِدٌ منهم لِصَاحِبِهِ خَمْرًا أو قَتَلَ له خِنْزِيرًا أو حَرَقَ له مَيْتَةً أو خِنْزِيرًا أو جِلْدَ مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ لم يَضْمَنْ له في شَيْءٍ من ذلك شيئا لِأَنَّ هذا حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرَامِ ثَمَنٌ وَلَوْ كانت الْخَمْرُ في زِقٍّ فَخَرَقَهُ أو جر ( ( ( جرة ) ) ) فكسره ( ( ( فكسرها ) ) ) ضَمِنَ ما نَقَصَ الْجَرَّ أو الزق ( ( ( أحلفه ) ) ) ولم يَضْمَنْ الْخَمْرَ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مِلْكُ الزِّقِّ وَالْجَرَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّقُّ من مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ أو جِلْدِ خِنْزِيرٍ دُبِغَ أو لم يُدْبَغْ فَلَا يَكُونُ له ثَمَنٌ وَلَوْ كَسَرَ له صَلِيبًا من ذَهَبٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَلَوْ كَسَرَهُ من عُودٍ وكان الْعُودُ إذَا فُرِّقَ لم يَكُنْ صَلِيبًا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الصَّلِيبِ فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ الْكَسْرُ الْعُودَ وَكَذَلِكَ لو كَسَرَ له تِمْثَالًا من ذَهَبٍ أو خَشَبٍ يَعْبُدُهُ لم يَكُنْ عليه في الذَّهَبِ شَيْءٌ ولم يَكُنْ أَيْضًا في الْخَشَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَشَبُ مَوْصُولًا فإذا فُرِّقَ صَلُحَ لِغَيْرِ تِمْثَالٍ فَيَكُونَ عليه ما نَقَصَ كَسْرُ الْخَشَبِ لَا ما نَقَصَ قِيمَةَ الصَّنَمِ وَلَوْ كَسَرَ له طُنْبُورًا أو مِزْمَارًا أو كَبَرًا فَإِنْ كان في هذا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْمَلَاهِي فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ الْكَسْرُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَلَاهِي فَلَا شَيْءَ عليه وَهَكَذَا لو كَسَرَهَا نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ أو نَصْرَانِيٌّ أو يَهُودِيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ أو كَسَرَهَا مُسْلِمٌ لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَبْطَلْت ذلك كُلَّهُ قال وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَفْسَدَ لِنَصْرَانِيٍّ ما أَبْطَلَ عنه فَغَرِمَ الْمُفْسِدُ شيئا بِحُكْمِ حَاكِمِهِمْ أو شيء ( ( ( شيئا ) ) ) يَرَوْنَهُ حَقًّا يُلْزِمُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو شيء ( ( ( شيئا ) ) ) تَطَوَّعَ له بِهِ وَضَمِنَهُ ولم يَقْبِضْهُ الْمَضْمُونُ له حتى جَاءَنَا الضَّامِنُ أَبْطَلْنَاهُ عنه لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْ وَلَوْ لم يَأْتِنَا حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ سَأَلْنَا إبْطَالَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا نُبْطِلُهُ وَنَجْعَلُهُ كما مَضَى من بُيُوعِ الرِّبَا وَالْآخَرُ أَنْ نُبْطِلَهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أخذ منه على غَيْرِ بَيْعٍ إنَّمَا أُخِذَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ لَا قِيمَةَ لها وَلَوْ كان الذي غَرِمَ له ما أَبْطَلَ عنه في الْحُكْمِ مُسْلِمًا وَقَبَضَهُ منه ثُمَّ جَاءَنِي رَدَدْته على الْمُسْلِمِ كما لو أَرْبَى على مُسْلِمٍ أو أَرْبَى عليه مُسْلِمٌ وَتَقَابَضَا رَدَدْت ذلك بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لو أَهَرَاقَ نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا أو أَفْسَدَ له شيئا مِمَّا أَبْطَلَهُ عنه وَتَرَافَعَا إلَيَّ وَغَرِمَ له النَّصْرَانِيُّ قِيمَتَهُ مُتَطَوِّعًا أو بِحُكْمِ ذِمِّيٍّ أو بِأَمْرٍ رَآهُ النَّصْرَانِيُّ لَازِمًا له وَدَفَعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ جَاءَنِي أَبْطَلْته عنه وَرَدَدْت النَّصْرَانِيَّ بِهِ على الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ ليس لِمُسْلِمٍ قَبْضُ حَرَامٍ وما مَضَى من قَبْضِهِ الْحَرَامِ وَبَقِيَ سَوَاءٌ في أَنَّهُ يَرُدُّ عنه وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ على حَرَامٍ جَهِلَهُ وَلَا عَرَفَهُ بِحَالٍ وَيَجُوزُ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَارِضَ الْمُسْلِمَ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ أو يُشَارِكَهُ خَوْفَ الرِّبَا وَاسْتِحْلَالَ الْبُيُوعِ الْحَرَامِ وَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْ ذلك لِأَنَّهُ قد يَعْمَلُ بِالْحَلَالِ وَلَا أَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيَّ وَأَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ وَلَا أَفْسَخُ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ وَأَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ من النَّصْرَانِيِّ عَبْدًا مُسْلِمًا أو أَمَةً مُسْلِمَةً وَإِنْ بَاعَهُ لم يَبِنْ لي أَنْ أَفْسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَرْتُ النَّصْرَانِيَّ على بَيْعِهِ مَكَانَهُ إلَى أَنْ يَعْتِقَهُ أو يَتَعَذَّرَ السُّوقُ عليه في مَوْضِعِهِ فَأُلْحِقُهُ بِالسُّوقِ وَيَتَأَنَّى بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ قال وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أن الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ بَاعَ مُسْلِمٌ من نَصْرَانِيٍّ مُصْحَفًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ منه دَفْتَرًا فيه أَحَادِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا فُرِّقَ بين هذا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ قد يَعْتِقَانِ فَيَعْتِقَانِ
____________________

(4/212)


بِعِتْقِ النَّصْرَانِيِّ وَهَذَا مَالٌ لَا يَخْرُجُ من مِلْكِ مَالِكِهِ إلَّا إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فيها رَأْيٌ كَرِهْت ذلك له ولم أَفْسَخْ الْبَيْعَ وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فيها شِعْرٌ أو نَحْوٌ لم أَكْرَهْ ذلك له ولم أَفْسَخْ الْبَيْعَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ طِبًّا أو عِبَارَةَ رُؤْيَا وما أَشْبَهَهُمَا في كِتَابٍ قال وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا بَاعَ مُسْلِمًا مُصْحَفًا أو أَحَادِيثَ من أَحَادِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عَبْدًا مُسْلِمًا لم أَفْسَخْ له الْبَيْعَ ولم أَكْرَهْهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَصْلَ مِلْكِ النَّصْرَانِيِّ فإذا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِمُصْحَفٍ أو دَفْتَرٍ فيه أَحَادِيثُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْطَلْت الْوَصِيَّةَ وَلَوْ أَوْصَى بها النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ لم أُبْطِلْهَا وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فَمَنْ قال أَفْسَخُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لو اشْتَرَاهُ النَّصْرَانِيُّ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ وَمَنْ قال أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ وَهَكَذَا هِبَةُ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ في جَمِيعِ ما ذَكَرْت وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِعَبْدٍ نَصْرَانِيٍّ فَمَاتَ الْمُسْلِمُ ( 1 ) ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي وهو نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَيُبَاعُ عليه وَلَوْ أَسْلَمَ قبل مَوْتِهِ النَّصْرَانِيُّ كان كَوَصِيَّةٍ له بِعَبْدٍ مسلم لَا يَخْتَلِفَانِ فإذا أَوْصَى النَّصْرَانِيُّ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِهِ فَجَاءَنَا وَرَثَتُهُ أَبْطَلْنَا ما جَاوَزَ الثُّلُثَ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ كما نُبْطِلُهُ إنْ شَاءَ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أو بِشَيْءٍ منه يَبْنِي بِهِ كَنِيسَةً لِصَلَاةِ النصراني ( ( ( النصارى ) ) ) أو يَسْتَأْجِرُ بِهِ خَدَمًا لِلْكَنِيسَةِ أو يَعْمُرُ بِهِ الْكَنِيسَةَ أو يَسْتَصْبِحُ بِهِ فيها أو يَشْتَرِي بِهِ أَرْضًا فَتَكُونُ صَدَقَةً على الْكَنِيسَةِ وَتَعْمُرُ بها أو ما في هذا الْمَعْنَى كانت الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ خَمْرًا أو خَنَازِيرَ فَيَتَصَدَّقَ بها أو أَوْصَى بِخَنَازِيرِ له أو خَمْرٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ في هذا كُلِّهِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تبني كَنِيسَةٌ يَنْزِلُهَا مَارُّ الطَّرِيقِ أو وَقَفَهَا على قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أو جَعَلَ كِرَاءَهَا لِلنَّصَارَى أو لِلْمَسَاكِينِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَيْسَ في بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ لِمُصَلَّى النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتِمَاعُهُمْ فيها على الشِّرْكِ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أو نِجَارَةً أو غَيْرَهُ في كَنَائِسِهِمْ التي لِصَلَوَاتِهِمْ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَ الرُّهْبَانَ وَالشَّمَامِسَةَ ثُلُثَهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ قد تَجُوزُ الصَّدَقَةُ على هَؤُلَاءِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِثُلُثِهِ الْإِنْجِيلَ وَالتَّوْرَاةَ لِدَرْسٍ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد ذَكَرَ تَبْدِيلَهُمْ منها فقال { للذين ( ( ( الذين ) ) ) يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا من عِنْدِ اللَّهِ } وقال { وَإِنَّ منهم لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِهِ كُتُبَ طِبٍّ فَتَكُونُ صَدَقَةً جَازَتْ له الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُكْتَبَ بِهِ كُتُبُ سِحْرٍ لم يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ سِلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلَاحًا لِلْعَدُوِّ من الْمُشْرِكِينَ لم يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ لِأَنَّهُ لم يَحْرُمْ أَنْ يُعْطَوْا مَالًا وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى أَنْ يُفْتَدَى منه أَسِيرٌ في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ من أَهْلِ الْحَرْبِ قال وَمَنْ اسْتَعْدَى على ذِمِّيٍّ أو مُسْتَأْمَنٍ أَعْدَى عليه وَإِنْ لم يَرْضَ ذلك المستعدي عليه إذَا اسْتَعْدَى عليه في شَيْءٍ فيه حَقٌّ لِلْمُسْتَعْدِي وَإِنْ جَاءَنَا مُحْتَسِبٌ من الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِهِمْ يَذْكُرُ أَنَّ الذِّمِّيِّينَ يَعْمَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَعْمَالًا من رِبَاءٍ لم نَكْشِفْهُمْ عنها لِأَنَّ ما أَقْرَرْنَاهُمْ عليه من الشِّرْكِ أَعْظَمُ ما لم يَكُنْ لها طَالِبٌ يَسْتَحِقُّهَا وَكَذَلِكَ لَا يَكْشِفُونَ عَمَّا اسْتَحَلُّوا من نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ جَاءَتْنَا مَحْرَمٌ لِلرَّجُلِ قد نَكَحَتْهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ فَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ نَكَحَهَا على أَرْبَعٍ أَجْبَرْنَاهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ وَإِنْ لم تَأْتِنَا لم نَكْشِفْهُ عن ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ يُفَرِّقُ بين كل ذِي مَحْرَمٍ من الْمَجُوسِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ إذَا طَلَبَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو وَلِيُّهَا أو طَلَبَهُ الزَّوْجُ لِيُسْقِطَ عنه مَهْرَهَا وَتَرْكُنَا لهم على الشِّرْكِ أَعْظَمُ من تَرْكِنَا لهم على نِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَجَمْعُ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ ما لم يَأْتُونَا فَإِنْ جَاءَنَا منهم مَسْرُوقٌ بِسَارِقٍ قَطَعْنَاهُ له وَإِنْ جَاءَنَا منهم سَارِقٌ قد اسْتَعْبَدَهُ مَسْرُوقٌ بِحُكْمٍ له أَبْطَلْنَا الْعُبُودِيَّةَ عنه وَحَكَمْنَا عليه حُكْمَنَا على السَّارِقِ قال وَلِلنَّصْرَانِيِّ الشُّفْعَةُ على الْمُسْلِمِ وَلِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ عليه وَلَا يُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ أَنْ
____________________

(4/213)


يَشْتَرِيَ من مُسْلِمٍ مَاشِيَةً فيها صَدَقَةٌ وَلَا أَرْضَ زَرْعٍ وَلَا نَخْلًا وَإِنْ أَبْطَلَ ذلك الصَّدَقَةَ فيها كما لَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَ ذلك مُفَرَّقًا من جَمَاعَةٍ فَتَسْقُطَ فيه الصَّدَقَةُ قال وَلَا يَكُونُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يحيى مَوَاتًا من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا لم تَكُنْ له بِإِحْيَائِهَا وَقِيلَ له خُذْ عِمَارَتَهَا وَإِنْ كان ذلك فيها وَالْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ فَضْلٌ من اللَّهِ تَعَالَى بَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ ولم يَكُنْ له قَبْلُ يُحْيِيهِ كَالْفَيْءِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَيْءَ وَمِلْكَ ما لَا مَالِكَ له لِأَهْلِ دِينِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ (1) * - * بَابٌ فِيمَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ من أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فذكر اللَّهُ عز وجل اقْتِتَالَ الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ الْجَمَاعَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ أو أَضْعَفَ أذا لَزِمَهَا اسْمُ الِامْتِنَاعِ وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقٌّ على كل أَحَدٍ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا وَأَرَادُوا الْقِتَالَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حتى يَدْعُوا إلَى الصُّلْحِ وَبِذَلِكَ قُلْت لَا يَبِيتُ أَهْلُ الْبَغْيِ قبل دُعَائِهِمْ لِأَنَّ على الْإِمَامِ الدُّعَاءَ كما أَمَرَ اللَّهُ عز وجل قبل الْقِتَالِ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ في قِتَالِهَا في مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْفَيْءُ الرَّجْعَةُ عن الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أو التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بها الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عن الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عن مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ إلَى طَاعَتِهِ في الْكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل قال وقال أبو ذُؤَيْبٍ يُعَيِّرُ نَفَرًا من قَوْمِهِ انْهَزَمُوا عن رَجُلٍ من أَهْلِهِ في وَقْعَةٍ فَقُتِلَ % لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا * % يوم الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جُرِحُوا % عَقُّوا بِسَهْمٍ فلم يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ * % ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ولم يذكر تِبَاعَةً في دَمٍ وَلَا مَالٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصُّلْحَ آخِرًا كما ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا قبل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ فَأَشْبَهَ هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتُ في الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وما فَاتَ من الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ قال وقد يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ فَاءَتْ فَأُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قد فَعَلُوا ما فيه حُكْمٌ فَيُعْطِي بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ ما وَجَبَ له لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { بِالْعَدْلِ } والعدل أَخَذَ الْحَقَّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْقَوَدَ سَاقِطٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ عن الزُّهْرِيِّ قال أَدْرَكَتْ الْفِتْنَةَ الْأُولَى أَصْحَابُ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ فيها دِمَاءٌ وَأَمْوَالٌ فلم يُقْتَصَّ فيها من دَمٍ وَلَا مَالٍ وَلَا قُرْحٍ أُصِيبَ بِوَجْهِ التَّأْوِيلِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال الزُّهْرِيُّ عِنْدَنَا قد كانت في تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ في بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فيها أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ الناس إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عليهم فما عَلِمْته اقْتَصَّ أَحَدٌ من أَحَدٍ وَلَا غَرِمَ له مَالًا أَتْلَفَهُ وَلَا عَلِمْتُ الناس اخْتَلَفُوا في أَنْ ما حَوَوْا في الْبَغْيِ من مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ
____________________
1- * كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ

(4/214)


عن الزُّهْرِيِّ عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ عن سَعِيدِ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَمْنَعَ مَالَهُ وإذا مَنَعَهُ بِالْقِتَالِ دُونَهُ فَهُوَ إحْلَالٌ لِلْقِتَالِ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْإِتْلَافِ لِمَنْ يُقَاتِلُ في النَّفْسِ وما دُونَهَا قال وَلَا يَحْتَمِلُ قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُ وَلَوْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَحْمِلَ هذا الْقَوْلَ على أَنْ يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ كان اللَّفْظُ في الحديث من قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ أو قُتِلَ لِيُؤْخَذَ مَالُهُ وَلَا يُقَالُ له قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَنْ قُتِلَ بِلَا أَنْ يُقَاتِلَ فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَهِيدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرْبَانِ منهم قَوْمٌ كفروا ( ( ( أغروا ) ) ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لهم أَهْلَ الرِّدَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ فَالرِّدَّةُ الِارْتِدَادُ عَمَّا كَانُوا عليه بِالْكُفْرِ وَالِارْتِدَادُ بمنع ( ( ( يمنع ) ) ) الْحَقَّ قال وَمَنْ رَجَعَ عن شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ ارْتَدَّ عن كَذَا وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَلَيْسَ قد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) في قَوْلِ أبي بَكْرٍ ( هذا من حَقِّهَا لو مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا اعطوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عليه ) مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا بِأَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا من هو علي التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ وَلَوْلَا ذلك ما شَكَّ عُمَرُ في قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أبو بَكْرٍ قد تَرَكُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ في مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أبي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ من قال الشِّعْرَ منهم وَمُخَاطَبَتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ فقال شَاعِرُهُمْ % أَلَا أصبحينا ( ( ( أصبحنا ) ) ) قبل نَائِرَةِ الْفَجْرِ * % لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وما نَدْرِي % أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ما كان وَسَطَنَا * % فَيَا عَجَبًا ما بَالُ مِلْكِ أبي بَكْرٍ % فإن الذي يسألكمو فَمَنَعْتُمْ * % لَكَالتَّمْرِ أو أَحْلَى إلَيْهِمْ من التَّمْرِ % سَنَمْنَعُهُمْ ما كان فِينَا بَقِيَّةٌ * % كِرَامٌ على الْعَزَاءِ في سَاعَةِ الْعُسْرِ % وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ ما كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنْ شَحِحْنَا على أَمْوَالِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ أبي بَكْرٍ لَا تُفَرِّقُوا بين ما جَمَعَ اللَّهُ يَعْنِي فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ مُجَاهِدُهُمْ على الصَّلَاةِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهَا وَلَعَلَّ مَذْهَبَهُ فيه أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عليهم شَهَادَةَ الْحَقِّ وَالصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنَّهُ مَتَى مَنَعَ فَرْضًا قد لَزِمَهُ لم يُتْرَكْ وَمَنْعَهُ حتى يُؤَدِّيَهُ أو يُقْتَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَسَارَ إلَيْهِمْ أبو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حتى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ معه عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَمْضَى أبو بَكْرٍ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ في قِتَالِ من ارْتَدَّ وَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ مَعًا فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَفِي هذا الدَّلِيلُ على أَنْ من مَنَعَ ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليه فلم يَقْدِرْ الْإِمَامُ على أَخْذِهِ منه بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ وَإِنْ أنى ( ( ( أتى ) ) ) الْقِتَالُ على نَفْسِهِ وفي هذا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَنَعَهُ قال فإذا امْتَنَعَ رَجُلٌ من تَأْدِيَةِ حَقٍّ وَجَبَ عليه وَالسُّلْطَانُ يَقْدِرُ على أَخْذِهِ منه أَخَذَهُ ولم يَقْتُلْهُ وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ فَيَقْتُلَهُ أو يَسْرِقَ فَيَقْطَعَهُ أو يَمْنَعَ أَدَاءَ دَيْنٍ فَيُبَاعَ فيه مَالُهُ أو زَكَاةٍ فَتُؤْخَذَ منه فَإِنْ امْتَنَعَ دُونَ هذا أو شَيْءٍ منه بِجَمَاعَةٍ وكان إذَا قِيلَ له أَدِّ هذا قال لَا أُؤَدِّيه وَلَا أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ إلَّا أَنْ تُقَاتِلُونِي قُوتِلَ عليه لِأَنَّ هذا إنَّمَا يُقَاتِلُ على ما مَنَعَ من حَقٍّ لَزِمَهُ وَهَكَذَا من مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ أبو بَكْرٍ بِأَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَانِعُ
____________________

(4/215)


الصَّدَقَةِ مُمْتَنِعٌ بِحَقٍّ نَاصِبٍ دُونَهُ فإذا لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِتَالِهِ فَالْبَاغِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى في أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا إذَا وَجَبَ عليه وَيَمْتَنِعُ من حُكْمِهِ وَيَزِيدُ على مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هو على الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُقَاتِلَهُ فَيَحِلَّ قِتَالُهُ بِإِرَادَتِهِ قتال ( ( ( قتاله ) ) ) الْإِمَامَ قال وقد قَاتَلَ أَهْلُ الِامْتِنَاعِ بِالصَّدَقَةِ وَقُتِلُوا ثُمَّ قُهِرُوا فلم يُقِدْ منهم أَحَدًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكِلَا هَذَيْنِ مُتَأَوِّلٌ أَمَّا أَهْلُ الِامْتِنَاعِ فَقَالُوا قد فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى رَسُولِهِ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَقَالُوا لَا نَعْلَمُهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم واما أَهْلُ الْبَغْيِ فَشَهِدُوا على من بَغَوْا عليه بِالضَّلَالِ وَرَأَوْا أَنَّ جِهَادَهُ حَقٌّ فلم يَكُنْ على وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ تقضى الْحَرْبِ قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَاحِدًا قُتِلَ على التَّأْوِيلِ أو جَمَاعَةً غير مُمْتَنِعِينَ ثُمَّ كانت لهم بَعْدَ ذلك جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أو لم تَكُنْ كان عليهم الْقِصَاصُ في الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِ ذلك كما يَكُونُ على غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فقال لي قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت في الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الناصبة ( ( ( الغاصبة ) ) ) الْمُتَأَوِّلَةِ تَقْتُلُ وَتُصِيبُ الْمَالَ أُزِيلُ عنها الْقِصَاصِ وَغُرْمَ الْمَالَ إذَا تَلِفَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَأَوَّلَ فَقَتَلَ أو أَتْلَفَ مَالًا اقْتَصَصْت منه وَأَغْرَمْته الْمَالَ فَقُلْت له وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا يُحِلُّ دَمَ مُسْلِمٍ ( أو قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ) وروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ ) وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى قال { وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } فذكر اللَّهُ عز وجل قِتَالَهُمْ ولم يذكر الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَأَثْبَتْنَا الْقِصَاصَ بين الْمُسْلِمِينَ على ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الْقِصَاصِ وَأَزَلْنَاهُ في الْمُتَأَوِّلِينَ الممتنعين ( ( ( الممتغين ) ) ) وَرَأَيْنَا أَنَّ الْمَعْنَى بِالْقِصَاصِ من الْمُسْلِمِينَ هو من لم يَكُنْ مُمْتَنِعًا مُتَأَوِّلًا فَأَمْضَيْنَا الْحُكْمَيْنِ على ما أَمْضَيَا عليه وَقُلْت له عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ ولى قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ فلم يَقْصُصْ من دَمٍ وَلَا مَالٍ أُصِيبَ في التَّأْوِيلِ وَقَتَلَهُ بن مُلْجِمٍ مُتَأَوِّلًا فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ وقال لِوَلَدِهِ إنْ قَتَلْتُمْ فَلَا تُمَثِّلُوا وَرَأَى له الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وفي الناس بَقِيَّةٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلَا عَابَهُ وَلَا خَالَفَهُ في أَنْ يُقْتَلَ إذْ لم يَكُنْ له جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا ولم يُقِدْ عَلِيٌّ وأبو بَكْرٍ قَبْلَهُ ولى من قَتَلَتْهُ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا على التَّأْوِيلِ كما وَصَفْنَا وَلَا على الْكُفْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْآيَةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ في حَالٍ وَلَيْسَ في ذلك إبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءٍ منها وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَتَلَ على غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَسَوَاءٌ جَمَاعَةً كَانُوا أو وُحْدَانًا يَقْتُلُونَ حَدًّا وَبِالْقِصَاصِ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل في الْقَتَلَةِ وفي الْمُحَارَبِينَ - * بَابُ السِّيرَةِ في أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى روى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّهِ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال دَخَلْت على مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا أَكْرَمَ غَلَبَةً من أَبِيك ما هو إلَّا أَنْ وَلِيَنَا يوم الْجَمَلِ فَنَادَى مُنَادِيهِ ( لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يَذْفِفْ على جَرِيحٍ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت هذا الحديث لِلدَّرَاوَرْدِيِّ فقال ما أَحْفَظُهُ يُرِيدُ يَعْجَبُ بِحِفْظِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ بهذا الْإِسْنَادِ * قال الدَّرَاوَرْدِيُّ أخبرنا جَعْفَرٌ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان لَا يَأْخُذُ سَلَبًا وَأَنَّهُ كان يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ كان لَا يَذْفِفْ على جَرِيحٍ وَلَا يَقْتُلُ مُدْبِرًا
____________________

(4/216)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في بن مُلْجِمٍ بَعْدَ ما ضَرَبَهُ ( أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَأَحْسِنُوا إسَارَهُ إنْ عِشْت فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي أَعْفُو إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت اسْتَقَدْت وَإِنْ مِتُّ فَقَتَلْتُمُوهُ فَلَا تُمَثِّلُوا ) - * بَابُ الْحَالِ التي لَا يَحِلُّ فيها دِمَاءُ أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا جَمَاعَاتِ الناس وَكَفَّرُوهُمْ لم يَحْلِلْ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ على حُرْمَةِ الْإِيمَانِ لم يَصِيرُوا إلَى الْحَالِ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل وجل بِقِتَالِهِمْ فيها بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بينا ( ( ( بينما ) ) ) هو يَخْطُبُ إذْ سمع تَحْكِيمًا من نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ( لَا حَكَمَ إلَّا لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل ) فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فيها اسْمَ اللَّهِ وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ ما كانت أَيْدِيكُمْ مع أَيْدِينَا وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ ) ( قال الشافعى ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا عبد الرحمن بن الْحَسَنِ بن الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عن أبيه أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ ( إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أو اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلَاحَ فَأَشْهِرُوا عليهم وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَعْنِهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَلَا أَنْ يُمْنَعُوا الْفَيْءَ ما جَرَى عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَكَانُوا أُسْوَتَهُمْ في جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ قال وَلَوْ شَهِدُوا شَهَادَةَ الْحَقِّ وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِهَذَا قبل الِاعْتِقَادِ أو بَعْدَهُ وَكَانَتْ حَالُهُمْ في الْعَفَافِ وَالْعُقُولُ حَسَنَةٌ انبغى ( ( ( البغي ) ) ) لِلْقَاضِي أَنْ يُحْصِيَهُمْ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ في مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ على ما لم يَسْمَعُوا ولم يُعَايِنُوا أو يَسْتَحِلُّوا أَنْ يَنَالُوا من أَمْوَالِ من خَالَفَهُمْ أو أَبْدَانِهِمْ شيئا يَجْعَلُونَ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَحِلُّونَ ذلك جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَهَكَذَا من بَغَى من أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَجِبُ لهم وَعَلَيْهِمْ من أَخْذِ الْحَقَّ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ أَصَابُوا في هذه الْحَالِ حَدًّا لِلَّهِ عز وجل أو لِلنَّاسِ دَمًا أو غَيْرَهُ ثُمَّ اعْتَقَدُوا وَنَصَبُوا إمَامًا وَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُؤْمِنُوا على أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ ما أَصَابُوا قبل أَنْ يَعْتَقِدُوا أو شَيْءٌ منه لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ منه شيئا لِلَّهِ عز ذِكْرُهُ وَلَا لِلنَّاسِ وكان عليه أَخْذُهُمْ بِهِ كما يَكُونُ عليه أَخْذُ من أَحْدَثَ حَدًّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أو لِلنَّاسِ ثُمَّ هَرَبَ ولم يَتَأَوَّلْ وَيَمْتَنِعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا في مِصْرٍ أو صَحْرَاءَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ كان حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَسَوَاءٌ الْمُكَابَرَةُ في الْمِصْرِ أو الصَّحْرَاءِ وَلَوْ افْتَرَقَا كانت الْمُكَابَرَةُ في الْمِصْرِ أَعْظَمَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو أَنَّ قَوْمًا كَابَرُوا فَقَتَلُوا ولم يَأْخُذُوا مَالًا أُقِيمَ عليهم الْحَقُّ في جَمِيعِ ما أَخَذُوا وَكَذَلِكَ لو امْتَنَعُوا فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا على غَيْرِ التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَدَرَ عليهم أَخَذَ منهم الْحَقَّ في الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَكُلِّ ما أَتَوْا من حَدٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مُتَأَوِّلِينَ كَثِيرًا كَانُوا أو قَلِيلًا اعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ الناس فَكَانَ عليهم وَالٍ لِأَهْلِ الْعَدْلِ يُجْرِي حُكْمَهُ فَقَتَلُوهُ وَغَيْرَهُ قبل أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَعْتَقِدُوا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ كان عليهم في ذلك الْقِصَاصُ وَهَكَذَا كان شَأْنُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَنَقَمُوا عليه الْحُكُومَةَ فَقَالُوا لَا نُسَاكِنُك في بَلَدٍ فَاسْتَعْمَلَ عليهم عَامِلًا فَسَمِعُوا له ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ قالوا كُلُّنَا قَاتِلُهُ قال فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قالوا لَا فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ قال وَكُلُّ ما أَصَابُوهُ في هذه الْحَالِ من حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أو لِلنَّاسِ أُقِيمَ عليهم مَتَى قَدَرَ عليهم
____________________

(4/217)


وَلَيْسَ عليهم في هذه الْحَالِ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حتى يَمْتَنِعُوا من الْحُكْمِ وَيَنْتَصِبُوا قال وَهَكَذَا لو خَرَجَ رَجُلٌ أو رَجُلَانِ أو نَفَرٌ يَسِيرٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ فَأَظْهَرُوا رَأْيَهُمْ وَنَابَذُوا إمَامَهُمْ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ من الْحُكْمِ فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا وَحُدُودًا في هذه الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ منهم الْحُقُوقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ في كل شَيْءٍ كما يُؤْخَذُ من غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنْ كانت لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْثُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الذي هِيَ بِهِ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ حتى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُنَالُ حتى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبُوا إمَامًا وَأَظْهَرُوا حُكْمًا وَامْتَنَعُوا من حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ التي تُفَارِقُ حُكْمَ من ذَكَرْنَا قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي إذَا فَعَلُوا هذا أَنْ نَسْأَلَهُمْ ما نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ فَإِنْ لم يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ لهم عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ من طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ على الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا تَمْتَنِعُوا من الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ منهم وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ فَإِنْ لم يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلَا يُقَاتَلُونَ حتى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا من الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا قال وإذا امْتَنَعُوا من الْإِجَابَةِ وَحُكِمَ عليهم بِحُكْمٍ فلم يُسَلِّمُوا أو حَلَّتْ عليهم صَدَقَةٌ فَمَنَعُوهَا وَحَالُوا دُونَهَا وَقَالُوا لَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلُوا حتى يُقِرُّوا بِالْحُكْمِ وَيَعُودُوا لِمَا امْتَنَعُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَصَابُوا في هذه الْحَالِ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ما أَصَابُوا من دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ على التَّأْوِيلِ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم بَعْدُ لم يَقُمْ عليهم منه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ما أَصَابُوا على غَيْرِ وَجْهِ التَّأْوِيلِ من حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أو لِلنَّاسِ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم رَأَيْت أَنْ يُقَامَ عليهم كما يُقَامُ على غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هَرَبَ من حَدٍّ أو أَصَابَهُ وهو في بِلَادٍ لَا وَالِيَ لها ثُمَّ جاء لها وَالٍ وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ من أَهْلِ دَارٍ غَلَبُوا الْإِمَامَ عليها فَصَارَ لَا يَجْرِي له بها حُكْمٌ فَمَتَى قَدَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم تِلْكَ الْحُدُودُ ولم يَسْقُطْ عَنْهُمْ ما أَصَابُوا بِالِامْتِنَاعِ وَلَا يَمْنَعُ الِامْتِنَاعُ حَقًّا يُقَامُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّأْوِيلُ وَالِامْتِنَاعُ مَعًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تُسْقِطُ ما أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ من أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا ( 1 ) فَكَذَلِكَ أُسْقِطَ عن حَرْبِيٍّ لو قَتَلَ مُسْلِمًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقْتُلُ الْحَرْبِيَّ بَدِيئًا من غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا وَلَيْسَ هذا الْحُكْمُ في الْمُتَأَوِّلِ في وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا دعى أَهْلُ الْبَغْيِ فَامْتَنَعُوا من الْإِجَابَةِ فَقُوتِلُوا فَالسِّيرَةُ فِيهِمْ مُخَالِفَةٌ لِلسِّيرَةِ في أَهْلِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ ثُمَّ رَسُولَهُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ ما كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ مُقَاتِلِينَ أَبَدًا إلَّا مُقْبِلِينَ مُمْتَنِعِينَ مَرِيدِينَ فَمَتَى زَايَلُوا هذه الْمَعَانِي فَقَدْ خَرَجُوا من الْحَالِ التي أُبِيحَ بها قِتَالُهُمْ وَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ منها أَبَدًا إلَّا إلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةً كَهِيَ قَبْلُ يُحْدِثُونَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْفَيْئَةِ فَسَوَاءٌ كان لِلَّذِي فَاءَ فِئَةٌ أو لم تَكُنْ له فِئَةٌ فَمَتَى فَاءَ وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ حُرِّمَ دَمُهُ وَلَا يُقْتَلُ منهم مُدْبِرٌ أَبَدًا وَلَا أَسِيرٌ وَلَا جَرِيحٌ بِحَالٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قد صَارُوا في غَيْرِ الْمَعْنَى الذي حَلَّتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَمْتَعُ من أَمْوَالِهِمْ بِدَابَّةٍ تُرْكَبُ وَلَا مَتَاعٍ وَلَا سِلَاحٍ يُقَاتَلُ بِهِ في حَرْبِهِمْ وَإِنْ كانت قَائِمَةً وَلَا بَعْدَ تَقَضِّيهَا وَلَا غَيْرِ ذلك من أَمْوَالِهِمْ وما صَارَ إلَيْهِمْ من دَابَّةٍ فَحَبَسُوهَا أو سِلَاحٍ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ عليهم وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ في الْقِتَالِ إنَّمَا تَحِلُّ من أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ إذَا قَدَرَ عليهم فَأَمَّا من أَسْلَمَ فَحُدَّ في قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَهُوَ لَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَهُوَ إذَا
____________________

(4/218)


قُوتِلَ في الْبَغْيِ كان أَخَفَّ حَالًا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عن الْقِتَالِ لم يُقْتَلْ فَلَا يُسْتَمْتَعُ من مَالِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ على مَالِهِ بِدَلَالَةٍ تُوجِبُ في مَالِهِ شيئا قال وَمَتَى أَلْقَى أَهْلُ الْبَغْيِ السِّلَاحَ لم يُقَاتَلُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ أو الْعَبْدُ مع أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ فَهُمْ مِثْلُهُمْ يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ قال وَيَخْتَلِفُونَ في الْأُسَارَى فَلَوْ أُسِرَ الْبَالِغُ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلَا يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلَا غَيْرُ بَالِغٍ من الْأَحْرَارِ وَلَا امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ وَإِنَّمَا يُبَايِعُ النِّسَاءُ على الْإِسْلَامِ فَأَمَّا على الطَّاعَةِ فَهُنَّ لَا جِهَادَ عَلَيْهِنَّ وَكَيْفَ يُبَايِعْنَ وَالْبَيْعَةُ على الْمُسْلِمِينَ الْمَوْلُودِينَ في الْإِسْلَامِ إنَّمَا هِيَ على الْجِهَادِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ قال أَهْلُ الْبَغْيِ أَنْظِرُونَا نَنْظُرْ في أَمْرِنَا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُنْظَرُوا قال وَلَوْ قالوا أَنْظِرُونَا مُدَّةً رَأَيْت أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ فيه فَإِنْ كان يَرْجُو فَيْئَتَهُمْ أَحْبَبْت الِاسْتِينَاءُ بِهِمْ وَإِنْ لم يَرْجُ ذلك فله جِهَادَهُمْ وَإِنْ كان يَخَافُ على الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَجَوْتُ تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا أو تُمْكِنُهُ الْقُوَّةُ عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا بِجُعْلٍ يُؤْخَذُ منهم لم يَنْبَغِ أَنْ يُؤْخَذَ من مُسْلِمٍ جَعْلٌ على تَرْكِ حَقٍّ قَبِلَهُ وَلَا يَتْرُكُ جِهَادَهُ لِيَرْجِعَ إلَى حَقٍّ مَنَعَهُ أو عن بَاطِلٍ رَكِبَهُ وَالْأَخْذُ منهم على هذا الْوَجْهِ في مَعْنَى الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ وَالصَّغَارُ لَا يَجْرِي على مُسْلِمٍ قال وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا أَبَدًا مُمْتَنِعِينَ لم يَكُنْ ذلك لِلْإِمَامِ إذَا قوى على قِتَالِهِمْ وإذا تَحَصَّنُوا فَقَدْ قِيلَ يُقَاتَلُونَ بِالْمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهَا وَيَبِيتُونَ إنْ شَاءَ من يُقَاتِلُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وأنا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذلك فِيهِمْ ما لم يَكُنْ بإلامام ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُتَحَصِّنًا فَيَغْزُونَهُ أو يُحَرِّقُونَ عليه أو يَرْمُونَهُ بِمَجَانِيقَ أو عَرَّادَاتٍ أو يُحِيطُونَ بِهِ فَيَخَافُ الِاصْطِلَامَ على من معه فإذا كان هذا أو بَعْضُهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ دَفْعًا عن نَفْسِهِ أو مُعَاقَبَةً بِمِثْلِ ما فَعَلَ بِهِ قال وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَعِينُوا على أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَحَدٍ من الْمُشْرِكِينَ ذِمِّيٍّ وَلَا حَرْبِيٍّ وَلَوْ كان حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ وَلَا أَجْعَلُ لِمَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عز وجل الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ قال وَلَا بَأْسَ إذَا كان حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَنِيَامًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ عليهم إذَا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ إنَّمَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لهم عَمَّا أَرَادُوا من قِتَالٍ أو امْتِنَاعٍ من الْحُكْمِ فإذا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ قال وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَيْضًا بِأَحَدٍ يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَجَرْحَى وَأَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ فَيُسَلِّطَ عليهم من يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَهَكَذَا من وَلِيَ شيئا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَلَّاهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخِلَافِ الْحَقِّ فيه وَلَوْ كان الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ من أَهْلِ الْبَغْيِ ما وَصَفْت يُضْبَطُونَ بِقُوَّةِ الْإِمَامِ وَكَثْرَةِ من معه حتى لَا يَتَقَدَّمُوا على خِلَافِهِ وَإِنْ رَأَوْهُ حَقًّا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ على أَهْلِ الْبَغْيِ على هذا الْمَعْنَى إذَا لم يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي كِفَايَتَهُمْ وَكَانُوا أَجْزَأَ في قِتَالِهِمْ من غَيْرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَنَصَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَسَأَلَتْ الطَّائِفَتَانِ أو إحْدَاهُمَا إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعُونَتَهَا على الطَّائِفَةِ الْمُفَارِقَةِ لها بِلَا رُجُوعٍ إلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَكَانَتْ بِالْإِمَامِ وَمَنْ معه قُوَّةٌ على الِامْتِنَاعِ منهم لو أَجْمَعُوا عليه لم أَرَ أَنْ يُعِينَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ على الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ قِتَالَ إحْدَاهُمَا ليس بِأَوْجَبَ من قِتَالِ الْأُخْرَى وَأَنَّ قِتَالَهُ مع إحْدَاهُمَا كَالْأَمَانِ لِلَّتِي تُقَاتِلُ معه وَإِنْ كان الْإِمَامُ يَضْعُفُ فَذَلِكَ أَسْهَلُ في أَنْ يَجُوزَ مُعَاوَنَةُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ على الْأُخْرَى فَإِنْ انْقَضَى حَرْبُ الْإِمَامِ الْأُخْرَى لم يَكُنْ له جِهَادُ التي أَعَانَ حتى يَدْعُوَهَا وَيُعْذِرَ إلَيْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ من الرُّجُوعِ نَبَذَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاهَدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الْعَدْلِ في شُغْلِ الْحَرْبِ وَعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فقال أَخْطَأْت بِهِ ظَنَنْته من أَهْلِ الْبَغْيِ أُحْلِفَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَلَوْ قال عَمَدْته أُقِيدُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو صَارَ إلَى أَهْلِ
____________________

(4/219)


الْعَدْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا مُجَاهِدًا أَهْلَ الْبَغْيِ أو تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَإِنْ لم يُجَاهِدْ أَهْلَ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَدْلِ وقال قد عَرَفْته بِالْبَغْيِ وَكُنْت أَرَاهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْنَا لِيَنَالَ من بَعْضِنَا غِرَّةً فَقَتَلْته أُحْلِفَ على ذلك وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ لم يَدَّعِ هذه الشُّبْهَةَ أُقِيدُ منه لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ رَجَعَ نَفَرٌ من أَهْلِ الْبَغْيِ عن رَأْيِهِمْ وَأَمَّنَهُمْ السُّلْطَانُ فَقَتَلَ رَجُلًا منهم رَجُلٌ فَادَّعَى مَعْرِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَجَهَالَتُهُ بِأَمَانِ السُّلْطَانِ لهم وَرُجُوعُهُمْ عن رَأْيِهِمْ دُرِئَ عنه الْقَوَدُ وَأُلْزِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ ما يَحْلِفُ على ما ادَّعَى من ذلك وَإِنْ أتى ذلك عَامِدًا أَقِيدَ بِمَا نَالَ من دَمٍ وَجُرْحٍ يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ وكان عليه الْأَرْشُ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ من الْجِرَاحِ قال وَلَوْ أَنَّ تُجَّارًا في عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ أو أَهْلِ مَدِينَةٍ غَلَبَ عليها أَهْلُ الْبَغْيِ أو أَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ كَانُوا في أَيْدِيهِمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ دَاخِلٍ مع أَهْلِ الْبَغْيِ بِرَأْيٍ وَلَا مَعُونَةٍ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو أتى حَدًّا لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ عَارِفًا بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه ثُمَّ قَدَرَ على إقَامَتِهِ عليه أُقِيم عليه ذلك كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لو كَانُوا في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَتَوْا ذلك عَالَمِينَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَيْرَ مُكْرَهِينَ على إتْيَانِهِ أُقِيمَ عليهم كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل وَلِلنَّاسِ وَكَذَلِكَ لو تَلَصَّصُوا فَكَانُوا بِطَرَفٍ مُمْتَنِعِينَ لَا يَجْرِي عليهم حُكْمٌ أو لَا يَتَلَصَّصُونَ وَلَا مُتَأَوِّلِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا تَجْرِي عليهم الْأَحْكَامُ وَكَانُوا مِمَّنْ قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ بِالْعِلْمِ مع الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَدَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم الْحُقُوقُ - * حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ في الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ على بَلَدٍ من بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامَ إمَامُهُمْ على أَحَدٍ حَدًّا لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ فَأَصَابَ في إقَامَتِهِ أو أَخَذَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَوْفَى ما عليهم أو زاد ( ( ( زاده ) ) ) مع أَخْذِهِ ما عليهم ما ليس عليهم ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عليهم لم يَعُودُوا على من حَدَّهُ إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِحَدٍّ وَلَا على من أَخَذُوا صَدَقَتَهُ بِصَدَقَةٍ عامه ذلك فَإِنْ كانت وَجَبَتْ عليهم صَدَقَةٌ فَأَخَذُوا بَعْضَهَا اسْتَوْفَى إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ ما بَقِيَ منها وَحَسَبَ لهم ما أَخَذَ أَهْلُ الْبَغْيِ منها قال وَكَذَلِكَ من مَرَّ بِهِمْ فَأَخَذُوا ذلك منه قال وَإِنْ أَرَادَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ منهم فَادَّعَوْا أَنَّ إمَامَ أَهْلِ الْبَغْيِ أَخَذَهَا منهم فَهُمْ أُمَنَاءُ على صَدَقَاتِهِمْ وَإِنْ ارْتَابَ بِأَحَدٍ منهم أَحْلَفَهُ فإذا حَلَفَ لم تُعَدَّ عليه الصَّدَقَةُ وَكَذَلِكَ ما أَخَذُوا من خَرَاجِ الْأَرْضِ وَجِزْيَةِ الرِّقَابِ لم يُعَدَّ على من أَخَذُوهُ منه لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرُ حُكْمِهِمْ في الْمَوْضِعِ الذي أَخَذُوا ذلك فيه ما عليهم من خَرَاجٍ وَجِزْيَةِ رَقَبَةٍ وَحَقٍّ لَزِمَ في مَالٍ أو غَيْرِهِ قال وَلَوْ اسْتَقْضَى إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا كان عليه أَنْ يُقَوِّمَ بِمَا يُقَوِّمُ بِهِ الْقَاضِي من أَخْذِ الْحَقِّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ في الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا إذَا جَعَلَ ذلك إلَيْهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ على أَهْلِ الْبَغْيِ لم يَرْدُدْ من قَضَاءِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا ما يُرَدُّ من قَضَاءِ الْقُضَاةِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو إجْمَاعِ الناس أو ما هو في مَعْنَى هذا أو عَمَدَ الْحَيْفَ بِرَدِّ شَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحِينِ الذي يَرُدُّهَا فيه أو إجَازَةِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ في الْحِينِ الذي يُجِيزُهَا فيه وَلَوْ كَتَبَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ على آخَرَ من غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَالْأَغْلَبُ من هذا خَوْفُ أَنْ يَكُونَ يَرُدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ من لَا عَدْلَ له بِمُوَافَقَتِهِ وَمِنْهُمْ من هو مَخُوفٌ أَنْ يَكُونَ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ أَخْذِ أَمْوَالِ الناس بِمَا أَمْكَنَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ كِتَابَهُ وَكِتَابُهُ ليس بِحُكْمٍ نَفَذَ منه فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي رَدُّهُ إلَّا بِجَوْرٍ تَبَيَّنَ له وَلَوْ كَانُوا مَأْمُونِينَ على ما وَصَفْنَا بِرَاءٍ من كل خَصْلَةٍ منه وَكَتَبَ من بِلَادٍ نَائِيَةٍ يَهْلِكُ حَقُّ الْمَشْهُودِ له إنْ رَدَّ كِتَابَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي كِتَابَهُ كان لِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وكان كِتَابُ قَاضِيهِمْ إذَا كان كما وَصَفْت في فَوْتِ الْحَقِّ إنْ رَدَّ شَبِيهًا بِحُكْمِهِ قال وَمَنْ شَهِدَ من أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ قَاضٍ من أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحَالِ التي يَكُونُ فيها مُحَارِبًا أو مِمَّنْ يَرَى رَأْيَهُمْ في غَيْرِ مُحَارَبَةٍ فَإِنْ كان يُعْرَفُ
____________________

(4/220)


بِاسْتِحْلَالِ بَعْضِ ما وَصَفْت من أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ وَافَقَهُ بِالتَّصْدِيقِ له على ما لم يُعَايِنْ ولم يَسْمَعْ أو بِاسْتِحْلَالٍ لِمَالِ الْمَشْهُودِ عليه أو دَمِهِ أو غَيْرِ ذلك من الْوُجُوهِ التي يَطْلُبُ بها الذَّرِيعَةَ إلَى مَنْفَعَةِ الْمَشْهُودِ له أو نِكَايَةِ الْمَشْهُودِ عليه اسْتِحْلَالًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَنْ كان من هذا بَرِيئًا منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ قال وَلَوْ وَقَعَ لِرَجُلٍ في عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ على رَجُلٍ في عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ حَقٌّ في دَمِ نَفْسٍ أو جُرْحٍ أو مَالٍ وَجَبَ على قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ الْأَخْذُ له بِهِ لَا يَخْتَلِفُ هو وَغَيْرُهُ فِيمَا يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ من الْحَقِّ في الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ حَقٌّ على قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَأْخُذَ من الْبَاغِي لِغَيْرِ الْبَاغِي من الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ حَقَّهُ وَلَوْ امْتَنَعَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ من أَخْذِ الْحَقِّ منهم لِمَنْ خَالَفَهُمْ كان بِذَلِكَ عِنْدَنَا ظَالِمًا ولم يَكُنْ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْبَغْيِ حُقُوقَهُمْ قِبَلَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِمَنْعِ قَاضِيهِمْ الْحَقَّ منهم قال وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَأْخُذُ من أَهْلِ الْعَدْلِ الْحَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالذِّمَّةِ وَإِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْحَقَّ يَقَعُ عليهم وَأَحَقُّ الناس بِالصَّبْرِ لِلْحَقِّ أَهْلُ السُّنَّةِ من أَهْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مَنْعُ رَئِيسِ الْمُشْرِكِينَ حَقًّا قِبَلَ من بِحَضْرَتِهِ لِمُسْلِمٍ بِاَلَّذِي يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَمْنَعَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا حَقَّهُ لِأَنَّهُ ليس بِاَلَّذِي ظَلَمَهُ فَيُحْبَسُ له مِثْلُ ما أَخَذَ منه وَلَا يَمْنَعُ رَجُلًا حَقًّا بِظُلْمِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ قال وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ على مِصْرٍ فَوَلَّوْا قَضَاءَهُ رَجُلًا من أهله ( ( ( أهل ) ) ) مَعْرُوفًا بِخِلَافِ رأى أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَتَبَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ نُظِرَ فَإِنْ كان الْقَاضِي عَدْلًا وَسَمَّى شُهُودًا شَهِدُوا عِنْدَهُ يُعَرِّفُهُمْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أو يُعَرِّفُهُمْ أَهْلُ الْعَدَالَةِ بِالْعَدْلِ وَخِلَافُ أَهْلِ الْبَغْيِ قبل الْكِتَابِ فَإِنْ لم يَعْرِفُوا فَكِتَابُهُ كما وَصَفْت من كِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ قال وإذا غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُشْرِكِينَ مع أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْتَقُوا في بِلَادِهِمْ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ قَاتَلُوا مَعًا فَإِنْ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ من الطَّائِفَتَيْنِ إمَامٌ فَأَهْلُ الْبَغْيِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ جَمَاعَتُهُمْ كَجَمَاعَتِهِمْ وَوَاحِدُهُمْ مِثْلُ وَاحِدِهِمْ في كل شَيْءٍ ليس الْخُمُسُ قال فَإِنْ أَمَّنَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا كان أو حُرًّا أو امْرَأَةً منهم جَازَ الْأَمَانُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ منهم في الْإِقْبَالِ كان له السَّلَبُ وَإِنْ كان أَهْلُ الْبَغْيِ في عَسْكَرٍ رِدْءًا لِأَهْلِ الْعَدْلِ فَسَرَّى أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ أو كان أَهْلُ الْعَدْلِ رِدْءًا فَسَرَّى أَهْلُ الْبَغْيِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ من الطَّائِفَتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لَا يَفْتَرِقُونَ في حَالٍ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا دَفَعُوا الْخُمُسَ من الْغَنِيمَةِ كان إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُفْتَرِقِينَ في الْبُلْدَانِ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُ جَارٍ عليهم دُونَ حُكْمِ إمَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ حَبْسَهُ اسْتِحْلَالَ الْبَاغِي قال وَلَوْ وَادَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ غَزْوُهُمْ فَإِنْ غَزَاهُمْ فَأَصَابَ لهم شيئا رَدَّهُ عليهم وَلَوْ غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا قد وَادَعَهُمْ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ فَسَبَاهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على أَهْلِ الْبَغْيِ اسْتَخْرَجُوا ذلك من أَيْدِيهِمْ وَرَدُّوهُ على أَهْلِهِ الْمُشْرِكِينَ قال وَلَا يَحِلُّ شِرَاءُ أَحَدٍ من ذلك السَّبْيِ وَإِنْ اشْتَرَى فَشِرَاؤُهُ مَرْدُودٌ قال وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ على قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وقد كان أَهْلُ الْعَدْلِ وَادَعُوا أَهْلَ الْحَرْبِ فإنه حَلَالٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَسَبْيُهُمْ وَلَيْسَ كَيْنُونَتُهُمْ مع أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمَانٍ إنَّمَا يَكُونُ لهم الْأَمَانُ على الْكَفِّ فَأَمَّا على قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كان لهم إمان فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كان نَقْضًا له وقد قِيلَ لو اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِقَوْمٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ على قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُمْ مع طَائِفَةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَأَرَى إنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ أو ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا كنا نَرَى عَلَيْنَا إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ من الْمُسْلِمِينَ على طَائِفَةٍ من الْمُسْلِمِينَ أُخْرَى أنها إنَّمَا تَحْمِلُنَا على من يَحِلُّ دَمُهُ في الْإِسْلَامِ مِثْلُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أو قالوا لم نَعْلَمُ أَنَّ من حَمَلُونَا على قِتَالِهِ مُسْلِمًا لم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ وَيُؤْخَذُونَ بِكُلِّ ما أَصَابُوا من أَهْلِ الْعَدْلِ من دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَتَقَدَّمُ إلَيْهِمْ وَنُجَدِّدُ عليهم شَرْطًا بِأَنَّهُمْ إنْ خرجوا ( ( ( درجوا ) ) ) إلَى مِثْلِ هذا اُسْتُحِلَّ قَتْلُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ قال فَإِنْ أتى أَحَدٌ من أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا
____________________

(4/221)


لم يُقْتَصَّ منه لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ وإذا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مع أَهْلِ الْعَدْلِ أَهْلَ الْحَرْبِ لم يُعْطَوْا سَلَبًا وَلَا خُمُسًا وَلَا سَهْمًا وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لهم وَلَوْ رَهَنَ أَهْلُ الْبَغْيِ نَفَرًا منهم عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَرَهَنَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ رَهْنًا وَقَالُوا احْبِسُوا رَهْنَنَا حتى نَدْفَعَ إلَيْكُمْ رَهْنَكُمْ وَتَوَادَعُوا على ذلك إلَى مُدَّةٍ جَعَلُوهَا بَيْنَهُمْ فَعَدَا أَهْلُ الْبَغْيِ على رَهْنِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَتَلُوهُمْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ وَلَا ان يَحْبِسُوهُمْ إذَا أَثْبَتُوا أَنْ قد قُتِلَ أَصْحَابُهُمْ لِأَنَّ أَصْحَابَهُمْ لَا يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ أَبَدًا وَلَا يُقْتَلُ الرَّهْنُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان رَهْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِلَا رَهْنٍ من أَهْلِ الْعَدْلِ وَوَادَعُوهُمْ إلَى مُدَّةٍ فَجَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وقد غَدَرَ أهل الْبَغْيُ لم يَكُنْ لهم حَبْسُ الرَّهْنِ بِغَدْرِ غَيْرِهِمْ قال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ أَمَّنُوا رَجُلًا من أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ جَاهِلٌ كان فيه الدِّيَةُ وإذا قَتَلَ الْعَدْلِيُّ الْبَاغِيَّ عَامِدًا وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الْمَقْتُولِ أو قَتَلَ الْبَاغِي الْعَدْلِيَّ وهو وَارِثُهُ لم أَرَ ان يَتَوَارَثَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَرِثُهُمَا مَعًا وَرَثَتُهُمَا غَيْرُ الْقَاتِلَيْنِ وإذا قُتِلَ أَهْلُ الْبَغْيِ في مَعْرَكَةٍ وَغَيْرِهَا صلي عليهم لِأَنَّ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ في الْمُسْلِمِينَ إلَّا من قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ في الْمَعْرَكَةِ فإنه لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا في الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عليهم وَيُصْنَعُ بِهِمْ ما يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَلَا يُبْعَثُ بِرُءُوسِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُصْلَبُونَ وَلَا يُمْنَعُونَ الدَّفْنَ وإذا قَتَلَ أَهْلَ الْعَدْلِ أَهْلُ الْبَغْيِ في الْمَعْرَكَةِ فَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْفَنُوا بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَالثِّيَابِ التي قُتِلُوا فيها إنْ شاؤوا لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَلَا يُصَلَّى عليهم وَيُصْنَعُ بِهِمْ كما يُصْنَعُ بِمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ في الْمَعْرَكَةِ وَشُهَدَاءُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُصَلَّى عليهم لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ في الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ على الموتي إلَّا حَيْثُ تَرَكَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا تَرَكَهَا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ في الْمَعْرَكَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ من أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا مَعَهُمْ فَهُمْ في الصَّلَاةِ عليهم مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ قال وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِيِّ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَوْ كَفَّ عن قَتْلِ أبيه أو ذِي رَحِمِهِ أو أَخِيهِ من أَهْلِ الشِّرْكِ لم أَكْرَهْ ذلك له بَلْ أُحِبُّهُ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ عن قَتْلِ أبيه وَأَبَا بَكْرٍ يوم أُحُدٍ عن قَتْلِ أبيه وإذا قَتَلَتْ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعَةُ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ أو أَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ * وإذا ارْتَدَّ قَوْمٌ عن الْإِسْلَامِ فَاجْتَمَعُوا وَقَاتَلُوا فَقُتِلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ من الْمُشْرِكِينَ وإذا تَابُوا لم يُتْبَعُوا بِدَمٍ وَلَا مَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ لَا يُتْبَعُونَ قِيلَ هَؤُلَاءِ صَارُوا مُحَارَبِينَ حَلَالَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وما أَصَابَ الْمُحَارِبُونَ لم يُقْتَصَّ منهم وما أُصِيبَ لهم لم يُرَدَّ عليهم وقد قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بن مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بن أفرم ( ( ( أقرم ) ) ) ثُمَّ أَسْلَمَ هو فلم يَضْمَنْ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَدُّ في الْمُكَابَرَةِ في الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ الْمُحَارِبَ في الْمِصْرِ أَعْظَمُ ذَنْبًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ يُقَادُ منهم إذَا ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا فَقَتَلُوا من قِبَلِ أَنَّ الشِّرْكَ إنْ لم يَزِدْهُمْ شَرًّا لم يَزِدْهُمْ خَيْرًا بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَوَدَ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ظَهَرُوا على مَدِينَةٍ فَأَرَادَ قَوْمٌ غَيْرُهُمْ من أَهْلِ الْبَغْيِ قِتَالَهُمْ لم أَرَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَهُمْ فَإِنْ قالوا نُقَاتِلُكُمْ مَعًا وَسِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لهم عن أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا في مَعْنَى من قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لم يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عن قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يَسْتَنْقِذُوا أَهْلَ الْبَغْيِ وَلَوْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَمَاتَ عَامِلُهُمْ فَغَزَوْا مَعًا أو مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ منهم ردء ( ( ( رد ) ) ) لِصَاحِبِهِ شَرِكَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم صَاحِبَهُ في الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لي قَائِلٌ فما تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ مَالَ رَجُلٍ أو دَمَهُ أو حُرْمَتَهُ قلت له فَلَهُ دَفْعُهُ عنه قال فَإِنْ لم يَكُنْ يُدْفَعُ عنه إلَّا بِقِتَالٍ قُلْت فَيُقَاتِلُهُ
____________________

(4/222)


قال وَإِنْ أتى الْقِتَالُ على نَفْسِهِ قُلْت نعم إذَا لم يَقْدِرْ على دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ قال وما مَعْنَى يَقْدِرُ على دَفْعِهِ بِغَيْرِ ذلك قُلْت أَنْ يَكُونَ فَارِسًا وَالْعَارِضُ له رَاجِلٌ فَيُمْعِنَ على الْفَرَسِ أو يَكُونَ مُتَحَصِّنًا فَيُغْلِقَ الْحِصْنَ السَّاعَةَ فَيَمْضِيَ عنه وَإِنْ أَبَى إلَّا حَصْرَهُ وَقِتَالَهُ قَاتَلَهُ أَيْضًا قال أَفَلَيْسَ قد ذَكَرَ حَمَّادٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ) فَقُلْت له حَدِيثَ عُثْمَانَ كما حَدَّثَ بِهِ وَقَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ) كما قال وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أتى وَاحِدَةً من ثَلَاثٍ حَلَّ دَمُهُ كما قال فَكَانَ رَجُلٌ زنا ( ( ( زنى ) ) ) ثُمَّ تَرَكَ الزنى وَتَابَ منه أو هَرَبَ من الْمَوْضِعِ الذي زَنَى فيه فَقُدِرَ عليه قُتِلَ رَجْمًا وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَامِدًا ثُمَّ تَرَكَ الْقَتْلَ فَتَابَ وَهَرَبَ فقدر عليه قَتْلٌ قَوَدًا وإذا كَفَرَ فَتَابَ زَالَ عنه اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لَا يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزنى وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا فَيُقْتَلَانِ بالإسم اللَّازِمِ لَهُمَا وَالْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِهِ لو هَرَبَ ولم يَتْرُكْ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ ما أَظْهَرَهُ قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ من الْكُفْرِ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ حَقَنَ دَمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عنه إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ اسْمُ الْكُفْرِ فَلَا يُقْتَلُ وقد عَادَ مُسْلِمًا وَمَتَى لَزِمَهُ اسْمُ الْكُفْرِ فَهُوَ كَالزَّانِي وَالْقَاتِلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبَاغِي خَارِجٌ من أَنْ يُقَالَ له حَلَالُ الدَّمِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُسْتَثْنًى فيه وَإِنَّمَا يُقَالُ إذَا بَغَى وَامْتَنَعَ أو قَاتَلَ مع أَهْلِ الِامْتِنَاعِ قُوتِلَ دَفْعًا عن أَنْ يُقْتَلَ أو مُنَازَعَةً لِيَرْجِعَ أو يَدْفَعَ حَقًّا إنْ مَنَعَهُ فَإِنْ أتى القتال على نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ فَإِنَّا أَبَحْنَا قِتَالَهُ وَلَوْ ولي عن الْقِتَالِ أو اعْتَزَلَ أو جُرِحَ أو أُسِرَ أو كان مَرِيضًا لَا قِتَالَ بِهِ لم يُقْتَلْ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي وَحَالُهُ هَكَذَا حَلَالُ الدَّمِ وَلَوْ حَلَّ دَمُهُ ما حُقِنَ بِالتَّوْلِيَةِ وَالْإِسَارِ وَالْجُرْحِ وَعَزْلِهِ الْقِتَالَ وَلَا يُحْقَنُ دَمُ الْكَافِرِ حتى يُسْلِمَ وَحَالُهُ ما وَصَفْت قَبْلَهُ من حَالِ من أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أو مَالَهُ - * الْخِلَافُ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَضَرَنِي بَعْضُ الناس الذي حَكَيْت حُجَّتَهُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ فَكَلَّمَنِي بِمَا وَصَفْتُ وَحَكَيْت له جُمْلَةَ ما ذَكَرْتَ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فقال هذا كما قُلْت وما عَلِمْتُ أَحَدًا احْتَجَّ في هذا بِشَبِيهِ بِمَا احْتَجَجْتَ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَك أَصْحَابُنَا منه في مَوَاضِعَ قلت وما هِيَ قال قالوا إذَا كانت لِلْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ فِئَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا وَانْهَزَمُوا قُتِلُوا مُنْهَزِمِينَ وَذُفِّفَ عليهم جَرْحَى وَقُتِلُوا أَسْرَى فَإِنْ كانت حَرْبُهُمْ قَائِمَةً فَأُسِرَ منهم أَسِيرٌ قُتِلَ أَسِيرُهُمْ وَذُفِّفَ على جَرْحَاهُمْ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ فِئَةٌ وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرُهُمْ وَلَا أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرْحَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْتَ له إذَا زَعَمْتَ أَنَّ ما احْتَجَجْنَا بِهِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَغِبْت عن الْأَمْرِ الذي فيه الْحُجَّةُ أَقُلْت بهذا خَبَرًا أو قِيَاسًا قال بَلْ قُلْت بِهِ خَبَرًا قُلْت وما الْخَبَرُ قال إنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال يوم الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ فَكَانَ ذلك عِنْدَنَا على أَنَّهُ ليس لِأَهْلِ الْجَمَلِ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له أَفَرَوَيْت عن عَلِيٍّ أَنَّهُ قال لو كانت لهم فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا قَتَلْنَا مُدْبِرَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَجَرِيحَهُمْ فَتَسْتَدِلُّ بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ على اخْتِلَافِ السِّيرَةِ في الطَّائِفَتَيْنِ عِنْدَهُ قال لَا وَلَكِنَّهُ عِنْدِي على هذا الْمَعْنَى قُلْت أَفَبِدَلَالَةٍ فَأَوْجَدْنَاهَا فقال فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَلَا يَجُوزُ مُدْبِرِينَ قُلْت بِمَا قُلْنَا من أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ إذَا كَانُوا بَاغِينَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ من يُقَاتِلُ فَأَمَّا من لَا يُقَاتِلُ فَإِنَّمَا يُقَالُ اُقْتُلُوهُ لَا فَقَاتِلُوهُ وَلَوْ كان فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ من
____________________

(4/223)


هذا حُجَّةٌ كانت عَلَيْك لِأَنَّك تَقُولُ لَا تَقْتُلُونَ مُدْبِرًا وَلَا أَسِيرًا وَلَا جَرِيحًا إذَا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ ولم تَكُنْ لهم فِئَةٌ قال قُلْته اتِّبَاعًا لِعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه في مِثْلِ ما اتَّبَعْته فيه وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك وقال نَقْتُلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا قد يَكُونُ تَرَكَ قَتْلَهُمْ على وَجْهِ الْمَنِّ لَا على وَجْهِ التَّحْرِيمِ قال ليس ذلك له وَإِنْ احْتَمَلَ ذلك الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ ليس في الحديث دَلَالَةٌ عليه قُلْت وَلَا لَك لِأَنَّهُ ليس في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَا يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً على قَتْلِ من كانت له فِئَةٌ مُوَلِّيًا وَأَسِيرًا وجريحا ( قال ) وَقُلْت وما أَلْفَيْته من هذا الْمَعْنَى ما هو إلَّا وَاحِدٌ من مَعْنَيَيْنِ أما ما قُلْنَا بالإستدلال بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَفِعْلِ من يقتدي بِهِ من السَّلَفِ فإن أَبَا بَكْرٍ قد أَسَرَ غير وَاحِدٍ مِمَّنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ فما ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ وَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قد أَسَرَ وَقَدَرَ على من امْتَنَعَ فما ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ إلَى هذا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَيُقْتَلُونَ في كل حَالٍ كانت لهم فِئَةٌ أو لم تَكُنْ قال لَا يُقْتَلُونَ في هذه الْحَالِ قُلْت أَجَلٌ وَلَا في الْحَالِ التي أَبَحْت دِمَاءَهُمْ فيها وقد كان مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لهم فِئَةٌ كَانُوا كَثِيرًا وَانْصَرَفَ بَعْضُهُمْ قبل بَعْضٍ فَكَانُوا يَحْتَمِلُونَ أَنْ تَكُونَ الْفِئَةُ الْمُنْصَرِفَةُ أَوَّلًا فِئَةً لِلْفِئَةِ الْمُنْصَرِفَةِ آخِرًا وقد كانت في الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَةٌ يوم أُحُدٍ وَثَبَتَ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَطَائِفَةٌ بِالشِّعْبِ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِئَةً لِمَنْ انْحَازَ إلَيْهِ وَهُمْ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وقد يَكُونُ لِلْقَوْمِ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ وَلَا يُرِيدُونَهَا وَلَا يُرِيدُونَ الْعَوْدَةَ لِلْقِتَالِ وَلَا يَكُونُ لهم فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ لِلْقِتَالِ وقد وَجَدْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَيَشْحَذُونَ السِّلَاحَ فنزعم ( ( ( فتزعم ) ) ) نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّهُ ليس لنا قِتَالُهُمْ ما لم يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَسِيرُوا وَنَحْنُ نَخَافُهُمْ على الْإِيقَاع بِنَا فَكَيْفَ أَبَحْت قِتَالَهُمْ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِمْ الْقِتَالَ أو بِتَرْكِ غَيْرِهِمْ الْهَزِيمَةَ وقد انْهَزَمُوا هُمْ وَجُرِحُوا وَأُسِرُوا وَلَا تُبِيحُ قِتَالَهُمْ بِإِرَادَتِهِمْ الْقِتَالَ وَقُلْت له لو لم يَكُنْ عَلَيْك في هذا حُجَّةٌ إلَّا فِعْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وَقَوْلُهُ كُنْت مَحْجُوجًا بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَقَوْلِهِ قال وما ذَاكَ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي فَاخِتَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أتى بِأَسِيرٍ يوم صِفِّينَ فقال لَا تَقْتُلْنِي صَبْرًا فقال عَلِيٌّ ( لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قال أَفِيك خَيْرٌ أَيُبَايِعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَرْبُ يوم صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا في أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أو مُسْتَعْلِيًا وَعَلِيٌّ يقول لِأَسِيرٍ من أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ مِثْلِهِ قال فَلَعَلَّهُ مَنَّ عليه قُلْت هو يقول إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قال يقول إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فَأَطْلُبُ الْأَجْرَ بِالْمَنِّ عَلَيْك قُلْت أَفَيَجُوزُ إذْ قال لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ لِمَنْ لَا فِئَةَ له مِثْلُ حُجَّتِك قال لَا لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ في الحديث عليه قُلْت وَلَا دَلَالَةَ في حديث أبي فَاخِتَةَ على ما قُلْت وَفِيهِ الدَّلَالَةُ على خِلَافِك لِأَنَّهُ لو قَالَهُ رَجَاءَ الْأَجْرِ قال إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ وَاسْمُ الرَّجَاءِ بِمَنْ تَرَكَ شيئا مُبَاحًا له أَوْلَى من اسْمِ الْخَوْفِ وَاسْمُ الْخَوْفِ بِمَنْ تَرَكَ شيئا خَوْفَ الْمَأْثَمِ أَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ الْمَعْنَيَيْنِ قال فإن أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ قَوْلَك لَا نَسْتَمْتِعُ من أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِشَيْءٍ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ قُلْت وما تِلْكَ الْحَالُ قال إذَا كانت الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فإذا انْقَضَتْ الْحَرْبُ رُدَّ ذلك عليهم وَعَلَى وَرَثَتِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاكَ مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ من اُسْتُحِلَّ دَمُهُ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ فقال الدَّمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً من الْمَالِ فإذا حَلَّ الدَّمُ كان الْمَالُ له تَبَعًا هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ هذا في رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ عز وجل هَكَذَا وَتَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ أَيْضًا بِمَا لَا تَحِلُّ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَذَلِكَ أن يُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ ونساؤهم وذراريهم ولا تحل دماؤهم وَالْحُكْمُ في أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُبَايِنٌ لِهَذَا قد يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي منهم وَالْقَاتِلُ وَلَا يَحِلُّ من مَالِهِمَا شَيْءٌ وَذَلِكَ لِجِنَايَتِهِمَا وَلَا جِنَايَةَ على أَمْوَالِهِمَا
____________________

(4/224)


وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ هذا مُبَاحُ الدَّمِ مُطْلَقًا لَا اسْتِثْنَاءَ فيه وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي مُبَاحُ الدَّمِ إنَّمَا يُقَالُ على الْبَاغِي ان يُمْنَعَ من الْبَغْيِ فَإِنْ قَدَرَ على مَنْعِهِ منه بِالْكَلَامِ أو كان بَاغِيًا غير مُمْتَنِعٍ مُقَاتِلٍ لم يَحِلَّ قِتَالُهُ وَإِنْ يُقَاتِلْ فلم يَخْلُصْ إلَى دَمِهِ حتى يَصِيرَ في غَيْرِ مَعْنَى قِتَالٍ بِتَوْلِيَةٍ أو أَنْ يَصِيرَ جَرِيحًا أو مُلْقِيًا لِلسِّلَاحِ أو أَسِيرًا لم يَحِلَّ دَمُهُ فقال هذا الذي إذَا كان هَكَذَا حُرِّمَ أو مِثْلُ حَالِ الزَّانِي وَالْقَاتِلُ مُحَرَّمُ الْمَالِ قال ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا هذا وما فَوْقَ هذا حُجَّةٌ فَقُلْت هل الذي حَمِدْت حُجَّةً عَلَيْك قال إنِّي إنَّمَا آخُذُهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى لي وَأَوْهَنُ لهم ما كَانُوا يُقَاتِلُونَ فَقُلْت فَهَلْ يَعْدُو ما أَخَذْت من أَمْوَالِهِمْ أَنْ تَأْخُذَ مَالَ قَتِيلٍ قد صَارَ مِلْكُهُ لِطِفْلٍ أو كَبِيرٍ لم يُقَاتِلْك قَطُّ فَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ عَنْك غَيْرِ بَاغٍ على بَاغٍ يُقَاتِلُك غَيْرُهُ أو مَالِ جَرِيحٍ أو أَسِيرٍ أو مُوَلٍّ قد صَارُوا في غَيْرِ مَعْنَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أو مَالُ رَجُلٍ يُقَاتِلُك يَحِلُّ لَك دَفْعُهُ وَإِنْ أتى الدَّفْعُ على نَفْسِهِ وَلَا جِنَايَةَ على مَالِهِ أو رَأَيْت لو سَبَى أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ أَنَأْخُذُ من أَمْوَالِهِمْ ما نَسْتَعِينُ بِهِ على قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لِنَسْتَنْقِذَهُمْ فَنُعْطِيَهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِمْ خَيْرًا مِمَّا نَسْتَمْتِعُ بِهِ من أَمْوَالِهِمْ قال لَا قُلْت وَقَلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَمْوَالِ الناس مُحَرَّمٌ قال نعم قُلْت فما أَحَلَّ لَك الِاسْتِمْتَاعَ بِأَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ حتى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ اسْتَمْتَعْت بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ دُونَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَالْمَالُ غَيْرُهُمَا قال فما فيه قِيَاسٌ وما الْقِيَاسُ فيه إلَّا ما قُلْت وَلَكِنِّي قُلْته خَبَرًا قُلْت وما الْخَبَرُ قال بَلَغَنَا ان عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه غَنِمَ ما في عَسْكَرِ من قَاتَلَهُ فَقُلْت له قد رَوَيْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَ وَرَثَةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ حتى تَغَيُّبَ قِدْرٍ أو مِرْجَلٍ أَفَسَارَ على عَلِيٍّ بِسِيرَتَيْنِ إحْدَاهُمَا غَنِمَ وَالْأُخْرَى لم يَغْنَمْ فيها قال لَا وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَهْمٌ قُلْت فَأَيُّهُمَا الْوَهْمُ قال ما تَقُولُ أنت قُلْت ما أَعْرِفُ مِنْهُمَا وَاحِدًا ثَابِتًا عنه فَإِنْ عَرَفْت الثَّابِتَ فَقُلْ بِمَا يَثْبُتُ عنه قال مَالُهُ أَنْ يَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ قُلْت الآن أَمْوَالَهُمْ مُحَبَّةٌ قال نعم فَقُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ عنه وَأَنْتَ لَا تَغْنَمُ وقد زَعَمْت أَنَّهُ غَنِمَ وَلَا تَتْرُكُ وقد زَعَمْت أَنَّهُ تَرَكَ قال إنَّمَا اسْتَمْتَعَ بها في حَالٍ قُلْت فَالْمَحْظُورُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ فِيمَا سِوَى هذا قال لَا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شيآن ( ( ( شيئان ) ) ) مَحْظُورَانِ فَيُسْتَمْتَعُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْآخَرِ بِلَا خَبَرٍ قال لَا قُلْت فَقَدْ أَجَزْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو وَجَدْت لهم دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ تُقَوِّيَك عليهم أنأخذها ( ( ( أتأخذها ) ) ) قال لَا قُلْت فَقَدْ تَرَكْت ما هو أَشَدُّ لَك عليهم تَقْوِيَةً من السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ قال فإن صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي على قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَقُلْت له وَلِمَ وَصَاحِبُك يُصَلِّي على من قَتَلَهُ في حَدٍّ وَالْمَقْتُولُ في حَدٍّ يَجِبُ على صَاحِبِك قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ له تَرْكُهُ وَالْبَاغِي يَحْرُمُ على صَاحِبِك قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عن الْبَغْيِ فإذا تَرَكَ صَاحِبُك الصَّلَاةَ على أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كان من لَا يَحِلُّ له إلَّا قَتْلُهُ أَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عليه قال كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذلك عُقُوبَةٌ ليتنكل غَيْرُهُ عن مِثْلِ ما صَنَعَ قُلْت أو يُعَاقِبُهُ صَاحِبُك بِمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهِ فإذا كان ذلك جَائِزًا فَلْيَصْلُبْهُ أو لِيُحَرِّقْهُ فَهُوَ أَشَدُّ في الْعُقُوبَةِ من تَرْكِ الصَّلَاةِ عليه أو يَجُزَّ رَأْسَهُ فَيَبْعَثْ بِهِ قال لَا يَفْعَلُ بِهِ من هذا شيئا قُلْت وَهَلْ يُبَالِي من قَاتَلَك على أَنَّك كَافِرٌ أَنْ لَا تُصَلِّيَ عليه وهو يَرَى صَلَاتَك لَا تُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْت وصاحبك ( ( ( صاحبك ) ) ) لو غَنِمَ مَالَ الْبَاغِي كان أَبْلَغَ في تَنْكِيلِ الناس حتى لَا يَصْنَعُوا مِثْلَ ما صَنَعَ الْبَاغِي قال ما يُنَكِّلُ أَحَدٌ بِمَا ليس له أَنْ يُنَكِّلَ بِهِ قُلْت فَقَدْ فَعَلْت وَقُلْتُ له أَتَمْنَعُ الْبَاغِيَ أَنْ تُجُوِّزَ شَهَادَتُهُ أو يُنَاكِحَ أو يُوَارِثُ أو شيئا مِمَّا يحوز ( ( ( يجوز ) ) ) لِأَهْلِ الاسلام قال لَا قُلْت قال فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلَاةَ وَحْدَهَا أَبِخَبَرٍ لَا قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أُصَلِّي عليه وَأَمْنَعُهُ أَنْ يُنَاكِحَ أو يُوَارِثُ قال ليس له أَنْ يَمْنَعَهُ شيئا مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْمُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ قُلْت فَقَدْ مَنَعَهُ الصَّلَاةَ بِلَا خَبَرٍ وقال إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَخَاهُ وَأَخُوهُ بَاغٍ وَرِثَهُ لِأَنَّ له قَتْلَهُ وإذا قَتَلَهُ أَخُوهُ لم يَرِثْهُ لِأَنَّهُ ليس له قَتْلُهُ فَقُلْت له فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ من قَتَلَ أَخَاهُ عَمْدًا لم يَرِثْ من مَالِهِ وَلَا من ديته ( ( ( دينه ) ) ) إنْ أَخَذْت منه شيئا وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَرِثَ من مَالِهِ ولم يَرِثْ من دِيَتِهِ شيئا لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ على أَنْ
____________________

(4/225)


يَكُونَ قَتَلَهُ لِيَرِثَ مَالَهُ وَرَوَى هذا عَمْرُو بن شُعَيْبٍ يَرْفَعُهُ فَقُلْت حَدِيثُ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَقُلْت إنَّمَا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( ليس لِقَاتِلٍ شَيْءٌ ) هذا على من لَزِمَهُ اسْمُ الْقَتْلِ أَيُّمَا كان تَعَمَّدَ الْقَتْلَ أو مَرْفُوعًا عنه الْإِثْمُ بِأَنْ عَمَدَ غَرَضًا فَأَصَابَ إنْسَانًا فَكَيْفَ لم يَقُلْ بهذا في الْقَتِيلِ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ فيقول كُلُّ من يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَلَا يَرِثُ كما احْتَجَجْت عَلَيْنَا وَأَنْتَ أَيْضًا تُسَوِّي بَيْنَهُمَا في الْقَتْلِ فَتَقُولُ لَا أُقِيدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا ظَالِمًا لِأَنَّ كُلًّا مُتَأَوِّلٌ قال فإن صَاحِبَنَا قال نُقَاتِلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَلَا يُدْعَوْنَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ما يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وقال حُجَّتُنَا فيه أَنَّ من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ من أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ وَلَا يدعي فَقُلْت له لو قَاسَ غَيْرُك أَهْلَ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ كُنْت شَبِيهًا بِالْخُرُوجِ إلَى الْإِسْرَافِ في تَضْعِيفِهِ كما رَأَيْتُك تَفْعَلُ في أَقَلَّ من هذا قال وما الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا أَظْهَرُوا إرَادَةَ الْخُرُوجِ عَلَيْنَا وَالْبَرَاءَةَ مِنَّا وَاعْتَزَلُوا جَمَاعَتَنَا أنقتلهم ( ( ( أتقتلهم ) ) ) في هذه الْحَالِ قال لَا فَقُلْت وَلَا نَأْخُذُ لهم مَالًا وَلَا نَسْبِي لهم ذُرِّيَّةً قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا كَانُوا في دِيَارِهِمْ لَا يَهُمُّونَ بِنَا وَلَا يُعَرِّضُونَ بِذِكْرِنَا أَهْلَ قُوَّةٍ على حَرْبِنَا فَتَرَكُوهَا أو ضَعُفَ عنها فلم يَذْكُرُوهَا أَيَحِلُّ لنا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ نِيَامًا كَانُوا أو مُوَلِّينَ وَمَرْضَى وَنَأْخُذَ ما قَدَرْنَا عليه من مَالٍ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ وَرِجَالِهِمْ قال نعم قُلْت وما يَحِلُّ منهم مُقَاتِلِينَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ مِثْلُ ما يَحِلُّ منهم تَارِكِينَ لِلْحَرْبِ غَافِلِينَ قال نعم قُلْت وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُقْبِلِينَ يُقَاتَلُونَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ فَلَا يُؤْخَذُ لهم مَالٌ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاهُمْ يُشْبِهُونَهُمْ قال أنهم لَيُفَارِقُونَهُمْ في بَعْضِ الْأُمُورِ قُلْت بَلْ في أَكْثَرِهَا أو كُلِّهَا قال فما مَعْنَى دَعْوَتِهِمْ قُلْت قد يَطْلُبُونَ الْأَمْرَ بِبَعْضِ الْخَوْفِ وَالْإِرْعَادِ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَعْتَقِدُونَ وَيَسْأَلُونَ عَزْلَ الْعَامِلِ وَيَذْكُرُونَ جَوْرَهُ أو رَدَّ مَظْلِمَتِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا فَيُنَاظِرُونَ فَإِنْ كان ما طَلَبُوا حَقًّا أُعْطُوهُ وَإِنْ كان بَاطِلًا أُقِيمَتْ الْحُجَّةُ عليهم فيه فَإِنْ تَفَرَّقُوا قبل هذا تَفَرُّقًا لَا يَعُودُونَ له فَذَاكَ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقِتَالَ قُوتِلُوا وقد اجْتَمَعُوا في زَمَانِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فَكَلَّمَهُمْ فَتَفَرَّقُوا بِلَا حَرْبٍ وَقُلْت له وإذا كَانُوا عِنْدَنَا وَعِنْدَك إذَا قَاتَلُوا فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ ثُمَّ وَلَّوْا لم يُقْتَلُوا مُوَلِّينَ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ مع عِظَمِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تُبَيِّتُهُمْ فَتَقْتُلُهُمْ قبل قِتَالِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ وقد يُمْكِنُ فِيهِمْ الرُّجُوعُ بِلَا سَفْكِ دَمٍ وَلَا مُؤْنَةٍ أَكْثَرَ من الْكَلَامِ وَرَدِّ مَظْلِمَةٍ إنْ كانت يَجِبُ على الْإِمَامِ رَدُّهَا إذَا عَلِمَهَا قبل أَنْ يُسْأَلَهَا - * الْأَمَانُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ الناس يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ أَمَّنَ أَهْلَ بَغْيٍ أو حَرْبٍ وكان يُقَاتِلُ أَجَزْنَا أَمَانَهُ كما نُجِيزُ أَمَانَ الْحُرِّ وَإِنْ كان لَا يُقَاتِلُ لم نُجِزْ أَمَانَهُ فَقُلْت له لِمَ فَرَّقْت بين الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا يُقَاتِلُ فقال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) فَقُلْت له هذه الْحُجَّةُ عَلَيْك قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إنْ زَعَمْت أَنَّ قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) على الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمَمْلُوكَ يُؤَمِّنُ وهو خَارِجٌ من الحديث قال ما هو بخارج ( ( ( خارج ) ) ) من الحديث وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ اسْمُ الْإِيمَانِ فَقُلْت له فَإِنْ كان دَاخِلًا في الحديث فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ إذَا لم يُقَاتِلْ قال إنَّمَا يُؤَمِّنُ الْمُقَاتِلِينَ مُقَاتِلٌ قُلْت وَرَأَيْت ذلك اسْتِثْنَاءً في الحديث أو وَجَدْت عليه دَلَالَةً منه قال كان الْعَقْلُ يَدُلُّ على هذا قُلْت ليس كما تَقُولُ الْحَدِيثُ وَالْعَقْلُ مَعًا يَدُلَّانِ على أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ الْمُؤْمِنِ بِالْإِيمَانِ لَا بِالْقِتَالِ وَلَوْ كان كما قُلْتَ كُنْتَ قد خَالَفْت أَصْلَ مَذْهَبِك قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ تُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهَا وَالزَّمِنُ لَا يُقَاتِلُ يُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ وكان يَلْزَمُك في هَذَيْنِ على أَصْلِ ما ذَهَبْت إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ قال فَإِنِّي أَتْرُكُ هذا كُلَّهُ
____________________

(4/226)


فَأَقُولُ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قال ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) فَدِيَةُ الْعَبْدِ أَقَلُّ من دِيَةِ الْحُرِّ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ بِدَمِهِ لِدَمِهِ فَقُلْت له الْقَوْلُ الذي صِرْت إلَيْهِ أَبْعَدُ من الصَّوَابِ من الْقَوْلِ الذي بَانَ لَك تَنَاقُضُ قَوْلِك فيه قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَتَنْظُرُ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) إلَى الْقَوَدِ أَمْ إلَى الدِّيَةِ قال إلَى الدِّيَةِ قُلْت فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ عِنْدَك أَكْثَرُ من دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وقد يَكُونُ الْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ أَكْثَرَ دِيَةً من الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ عن مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك في إجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُقَاتِلِ يسوي ( ( ( يساوي ) ) ) مِائَةَ دِرْهَمٍ وفي الْمَرْأَةِ قال فَإِنْ قُلْت إنَّمَا عَنَى ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) في الْقَوَدِ قُلْت فَقُلْهُ قال فَقَدْ قلته قُلْت فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الذي لَا يسوي ( ( ( يساوي ) ) ) عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كان الْعَبْدُ مِمَّنْ يُحْسِنُ قِتَالًا أو لَا يُحْسِنُهُ قال إنِّي لَأَفْعَلُ وما هذا على الْقَوَدِ قُلْت أَجَلْ وَلَا على الدِّيَةِ وَلَا على الْقِتَالِ وَلَوْ كان على شَيْءٍ من ذلك كُنْت قد تَرَكْته كُلَّهُ قال فَعَلَامَ هو قُلْت على اسْمِ الْإِيمَانِ قال وإذا أَسَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ وكان أَهْلُ الْعَدْلِ فِيهِمْ تُجَّارٌ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَالًا لم يُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ولم يَلْزَمْ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ في ذلك شَيْءٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجْرِي عليهم وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا في دَارِ حَرْبٍ فَقُلْت له أَتَعْنِي أَنَّهُمْ في حَالِ شُبْهَةٍ بِجُهَّالِهِمْ وَتَنَحِّيهِمْ عن أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَهَالَةِ من هُمْ بين ظَهْرَانَيْهِ من ( ( ( ممن ) ) ) أَهْلُ بَغْيٍ أو مُشْرِكِينَ قال لَا وَلَوْ كَانُوا فُقَهَاءَ يَعْرِفُونَ أَنَّ ما أَتَوْا وما هو دُونَهُ مُحَرَّمٌ أَسْقَطْت ذلك عَنْهُمْ في الْحُكْمِ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يَجْرِي عليها الْحُكْمُ فَقُلْت له إنَّمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُك لَا يَجْرِي عليها الْحُكْم مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ ليس على أَهْلِهَا أَنْ يُعْطُوا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عليهم جَارِيًا وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ أَهْلُهَا عليها فيمنعونها ( ( ( فيمنعوها ) ) ) من الْحُكْمِ في الْوَقْتِ الذي يُصِيبُ فيه هَؤُلَاءِ الْحُدُودِ فَأَيَّهُمَا عَنَيْت قال أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلَا أَقُولُ بِهِ على أَهْلِهَا أَنْ يَصِيرُوا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَسْلِمُوا لِلْحُكْمِ وَهُمْ بِمَنْعِهِ ظَالِمُونَ مسلمين ( ( ( مسلمون ) ) ) كَانُوا أو مُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إذَا مَنَعُوا دَارَهُمْ من أَنْ يَكُونَ عليها طَاعَةٌ يَجْرِي فيها الْحُكْمُ كَانُوا قبل الْمَنْعِ مُطِيعِينَ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ أو لم يَكُونُوا مُطِيعِينَ قَبْلَهُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ في هذه الدَّارِ حُدُودًا بَيْنَهُمْ أو لِلَّهِ لم تُؤْخَذْ منهم الْحُدُودُ وَلَا الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل تَأْدِيَتُهَا فَقُلْت له نَحْنُ وَأَنْتَ تُزْعَمُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أو قِيَاسًا مَعْقُولًا فَأَخْبِرْنَا في أَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ قَوْلُك قال قَوْلِي قِيَاسٌ لَا خَبَرٌ قُلْنَا فَعَلَامَ قِسْتَهُ قال على أَهْلِ دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَظْهَرُ عليهم فَلَا نُقِيدُ منهم قُلْت أَتَعْنِي من الْمُشْرِكِينَ قال نعم فَقُلْت له أَهْلُ الدَّارِ من الْمُشْرِكِينَ يُخَالِفُونَ التُّجَّارَ وَالْأُسَارَى فِيهِمْ في الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلَافًا بَيِّنًا قال فَأَوْجَدَنِيهِ قُلْت أَرَأَيْت الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ لو سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَتَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَوْقُوفًا له قال نعم قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذلك الْأُسَارَى أو التُّجَّارُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عليهم قال فَلَا يَكُونُ لهم أَنْ يَسْتَرِقَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ لو غَزَوْنَا فَقَتَلُوا فِينَا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى دَارِهِمْ فَأَسْلَمُوا أو أَسْلَمُوا قبل الرُّجُوعِ أَيَكُونُ على الْقَاتِلِ منهم قَوَدٌ قال لَا قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذلك الْأُسَارَى أو التُّجَّارُ غير مُكْرَهِينَ وَلَا مُشْتَبَهٍ عليهم قال يُقْتَلُونَ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ أَيَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَصْدَ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ من الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَيَقْتُلُونَهُمْ قال لَا بَلْ مُحَرَّمٌ عليهم قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ ذلك في أَهْلِ الْحَرْبِ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت الْأُسَارَى وَالتُّجَّارَ لو تَرَكُوا صَلَوَاتٍ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيَكُونُ عليهم قَضَاؤُهَا أو زَكَاةً كان عليهم أَدَاؤُهَا قال نعم قُلْت وَلَا يَحِلُّ لهم في دَارِ الْحَرْبِ إلَّا ما يَحِلُّ في دَارِ الاسلام قال نعم قُلْت فَإِنْ كانت الدَّارُ لَا تُغَيِّرُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لهم وَحَرَّمَ عليهم شيئا فكيف ( ( ( فيكون ) ) ) أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ عز وجل وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الذي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل فِيمَا أَتَوْا في الدَّارِ التي لَا تُغَيِّرُ عِنْدَك شيئا ثُمَّ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لهم حَبْسُ حَقٍّ قِبَلَهُمْ في دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وما كان لَا يَحِلُّ لهم حَبْسُهُ كان على السُّلْطَانِ اسْتِخْرَاجُهُ منهم عِنْدَك في غَيْرِ هذا
____________________

(4/227)


الْمَوْضِعِ فقال فَإِنِّي أَقِيسُهُمْ على أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَبْطَلَ ما أَصَابُوا إذَا كان الْحُكْمُ لَا يَجْرِي عليهم قُلْت وَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كُنْت قد أَخْطَأْت الْقِيَاسَ قال وَأَيْنَ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ما لم يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمَهُمْ يُقَادُ منهم في كل ما أَصَابُوا وَتُقَامُ عليهم الْحُدُودُ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ لَا إمَامَ لهم وَلَا امْتِنَاعَ فَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كان الذي نقيم ( ( ( تقيم ) ) ) عليه الْحُدُودَ من أَهْلِ الْبَغْيِ أَشْبَهُ بِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُمْتَنِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عِنْدَك إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عليهم أَقَدْتهمْ وَأَخَذْت لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ما ذَهَبَ لهم من مَالٍ فقال وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ من أَنْ يجري عليها الْحُكْمُ بِغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مَنَعْتَهُمْ بِأَنَّ الدَّارَ لَا يجري عليها الْحُكْمُ فَقُلْت له فَأَنْتَ إنْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ مُخْطِئٌ وَإِنَّمَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِاَلَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ قال فَيَدْخُلُ عَلَيَّ في الذي رَجَعْت إلَيْهِ شَيْءٌ قُلْت نعم قال وما هو قُلْت أَرَأَيْت الْجَمَاعَةَ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُحَارِبُونَ فَيَمْتَنِعُونَ في مَدِينَةٍ أو صَحْرَاءَ فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ وَيَأْتُونَ الْحُدُودَ قال يُقَامُ هذا كُلُّهُ عليهم قُلْت وَلِمَ وقد مَنَعُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دَارَهُمْ وَمَوَاضِعَهُمْ حتى صَارُوا لَا تَجْرِي الْأَحْكَامُ عليهم وَإِنْ كُنْت إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الْحُكْمَ عن الْمُسْلِمِينَ امْتِنَاعُ الدَّارِ فَهَؤُلَاءِ مَنَعُوا الدَّارَ بِأَنْفُسِهِمْ من أَنْ يجري عليها حُكْمٌ وقد أَجْرَيْت عليهم الْحُكْمَ فَلِمَ أَجْرَيْته على قَوْمٍ في دَارٍ مَمْنُوعَةٍ من الْقَوْمِ وَأَسْقَطْته عن آخَرِينَ وَإِنْ كُنْت قُلْت يَسْقُطُ عن أَهْلِ الْبَغْيِ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ مُتَأَوِّلُونَ مع الْمَنْعِيَّةِ مُشْبَهٌ عليهم يَرَوْنَ أَنَّ ما صَنَعُوا مُبَاحٌ لهم وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ الْحُدُودَ يَرَوْنَ ذلك مُحَرَّمًا عليهم قال فَإِنَّمَا قُلْت هذا في الْمُحَارِبِينَ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عليهم أَنْ يُقْتَلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تَقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ قُلْت له أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عليهم إنْ كَانُوا غير مُمْتَنِعِينَ قال نعم وَيُحْتَمَلُ وقل ( ( ( وكل ) ) ) شَيْءٍ إلَّا وهو يُحْتَمَلُ وَلَكِنْ ليس في الْآيَةِ دَلَالَةٌ عليه وَالْآيَةُ على ظَاهِرِهَا حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ على بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له وَمَنْ قال بِبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ بِلَا دَلَالَةٍ له في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ قال نعم فَقُلْت له فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال اللَّهُ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } فَزَعَمْت في هذا وَغَيْرِهِ أَنَّك تَطْرَحُهُ عن الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ بِأَنْ يَكُونُوا في دَارٍ مُمْتَنِعَةٍ ولم تَجِدْ دَلَالَةً على هذا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا إجْمَاعٍ فَتُزِيلُ ذلك عَنْهُمْ بِلَا دَلَالَةٍ وَتَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ وقال بَعْضُ الناس لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَحْكُمَ في الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَحُقُوقِ الناس وإذا ظَهَرَ الْإِمَامُ على الْبَلَدِ الذي فيه قَاضٍ لِأَهْلِ الْبَغْيِ لم يَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما يَرُدُّ من حُكْمِ غَيْرِهِ من قُضَاةِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْ حَكَمَ على غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ كِتَابَهُ خَوْفَ اسْتِحْلَالِهِ أَمْوَالَ الناس بِمَا لَا يَحِلُّ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان غير مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ على اسْتِحْلَالِ ما لَا يَحِلُّ له من مَالِ امْرِئٍ أو دَمِهِ لم يَحِلَّ قَبُولُ كِتَابِهِ وَلَا إنْفَاذُ حُكْمِهِ وَحُكْمُهُ أَكْثَرُ من كِتَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّذَ حُكْمُهُ وهو الْأَكْثَرُ وَيُرَدَّ كِتَابُهُ وهو الْأَقَلُّ وقال من خَالَفَنَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وإذا قَتَلَ الْبَاغِي أباه لم يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فقال هُمَا سَوَاءٌ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فقال لَا يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والذي ( ( ( الذي ) ) ) هو أَشْبَهُ بِمَعْنَى الحديث أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا يَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا من وَرَثَتِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال من خَالَفَنَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ على أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْمُشْرِكِينَ إذَا كان حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له إنَّ اللَّهَ عز وجل أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ فَخَوَّلَهُمْ من خَالَفَهُمْ بِخِلَافِ دِينِهِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ صِنْفًا مَرْقُوقِينَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَصِنْفًا مَأْخُوذًا من أَمْوَالِهِمْ ما فيه لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَنْفَعَةُ صَغَارًا غير مَأْجُورِينَ عليه وَمَنَعَهُمْ من أَنْ يَنَالُوا نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَأَبَاحَ
____________________

(4/228)


نِسَاءَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لَا يَذْبَحَ النُّسُكَ إذَا كان تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ أَجَزْت أَنْ تَجْعَلَ الْمُشْرِكَ في مَنْزِلَةٍ يَنَالُ بها مُسْلِمًا حتى يَسْفِكَ بها دَمَهُ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ من أَنْ تُسَلِّطَهُ على شَاتِه التي يَتَقَرَّبُ بها إلَى رَبِّهِ قال حُكْمُ الْإِسْلَامِ هو الظَّاهِرُ قُلْت وَالْمُشْرِكُ هو الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ قد مَضَى عنه الْحُكْمُ وَصَيَّرْتَ حَتْفَهُ بِيَدَيْ من خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عز وجل وَلَعَلَّهُ يَقْتُلُهُ بِعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ في الْحَالِ التي لَا تَسْتَحِلُّ أنت فيها قَتْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أَرَأَيْت قَاضِيًا إنْ اسْتَقْضَى تَحْتَ يَدِهِ قَاضِيًا هل يُوَلِّي ذِمِّيًّا مَأْمُونًا أَنْ يَقْضِيَ في حُزْمَةِ بَقْلٍ وهو يَسْمَعُ قَضَاءَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ رَدَّهُ قال لَا قُلْت وَلِمَ وَحُكْمُ الْقَاضِي الظَّاهِرُ قال وَإِنْ فَإِنْ عَظِيمًا أَنْ يَنْفُذَ على مُسْلِمٍ شَيْءٌ بِقَوْلِ ذِمِّيٍّ قُلْت إنَّهُ بِأَمْرِ مُسْلِمٍ قال وَإِنْ كان كَذَلِكَ فَالذِّمِّيُّ مَوْضِعُ حَاكِمٍ فَقُلْت له أَفَتَجِدُ الذِّمِّيَّ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَاتِلًا في الْمَوْضِعِ الذي لَا يَصِلُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَتْلٍ إنْ رَآهُ وَلَا كَفَّ قال إنَّ هذا كما وَصَفْت وَلَكِنَّ أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على الْمُشْرِكِينَ قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ لَك اسْتَعِنْ بِالْمُشْرِكِينَ على الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ ليس في الْمُشْرِكِينَ عِزٌّ مُحَرَّمٌ أَنْ نُذِلَّهُ وَلَا حُرْمَةٌ حُرِّمَتْ إلَّا أَنْ نَسْتَبْقِيَهَا كما يَكُونُ في أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ على قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ في الْحَرْبِ كان أَنْ يَمْضُوا حُكْمًا في حُزْمَةِ بَقْلٍ أَجْوَزْ وَقُلْت له ما أَبْعَدَ ما بين أَقَاوِيلِك قال في أَيِّ شَيْءٍ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَذَا جَعَلْت الْوَلَدَ لِلْمُسْلِمِ وَحُجَّتُهُمَا فيه وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ قبل أَنْ يَصِفَ الْوَلَدَ الْإِسْلَامُ وَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا أَسْلَمَ كان الْوَلَدُ مع أَيِّهِمَا أَسْلَمَ تعزيزا ( ( ( تعزيرا ) ) ) لِلْإِسْلَامِ فَأَنْتَ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَقُولُ هذا وفي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا تُسَلِّطُ الْمُشْرِكِينَ على قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سلمان ( ( ( سليمان ) ) ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال جِمَاعُ ما يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا ما وَجَبَ على الناس في أَمْوَالِهِمْ مِمَّا ليس لهم دَفْعُهُ من جِنَايَاتِهِمْ وَجِنَايَاتِ من يَعْقِلُونَ عنه وما وَجَبَ عليهم بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وما أَشْبَهَ ذلك وما أَوْجَبُوا على أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ من الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ لِلثَّوَابِ وما في مَعْنَاهُ وما أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ من أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ مِمَّنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَرْجُو عليه الثَّوَابَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ما أَعْطَى الناس من أَمْوَالِهِمْ من غَيْرِ هذه الْوُجُوهِ وما في مَعْنَاهَا وَاحِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ فما أَعْطَوْا من الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لهم وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } فَالْحَقُّ من هذا الْوَجْهِ الذي هو خَارِجٌ من هذه الْوُجُوهِ التي وَصَفْت يَدُلُّ على الْحَقِّ في نَفْسِهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ وَأَصْلُ ذِكْرِهِ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا نَدَبَ إلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ الرَّمْيُ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم فما أَوَجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن نَافِعِ بن أبي نَافِعٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا سَبَقَ إلَّا في نَصْلٍ أو حَافِرٍ أو خُفٍّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنِي بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن عَبَّادِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا سَبَقَ إلَّا في حَافِرٍ أو خُفٍّ ) قال وَأَخْبَرَنَا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ قال مَضَتْ السُّنَّةُ في النَّصْلِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ
____________________
1- * كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَالِ

(4/229)


حَلَالٌ قال وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَابَقَ بين الْخَيْلِ التي قد أُضْمِرَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو حَافِرٍ أو نَصْلٍ ) يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ كُلَّ نَصْلٍ رُمِيَ بِهِ من سَهْمٍ أو نُشَّابَةٍ أو ما يَنْكَأُ الْعَدُوُّ نِكَايَتَهُمَا وَكُلَّ حَافِرٍ من خَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَبِغَالٍ وَكُلَّ خُفٍّ من إبِلٍ بُخْتٍ أو عِرَابٍ دَاخِلٌ في هذا الْمَعْنَى الذي يَحِلُّ فيه السَّبَقُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا في هذا وَهَذَا دَاخِلٌ في مَعْنَى ما نَدَبَ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِ وَحَمِدَ عليه أَهْلَ دِينِهِ من الْإِعْدَادِ لِعَدُوِّهِ الْقُوَّةَ وَرِبَاطَ الْخَيْلِ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى فما أَوَجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لِأَنَّ هذه الرِّكَابَ لَمَّا كان السَّبَقُ عليها يُرَغِّبُ أَهْلَهَا في اتِّخَاذِهَا لِآمَالِهِمْ إدْرَاكَ السَّبَقِ فيها وَالْغَنِيمَةِ عليها كانت من الْعَطَايَا الْجَائِزَةِ بِمَا وَصَفْتهَا فالإستباق فيها حَلَالٌ وَفِيمَا سِوَاهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَابَقَ رَجُلًا على أَنْ يَتَسَابَقَا على أَقْدَامِهِمَا أو سَابَقَهُ على أَنْ يَعْدُوَ إلَى رَأْسِ جَبَلٍ أو على أَنْ يَعْدُوَ فَيَسْبِقَ طَائِرًا أو على أَنْ يُصِيبَ ما في يَدَيْهِ أو على أَنْ يُمْسِكَ في يَدِهِ شيئا فَيَقُولَ له ارْكِنْ فَيَرْكَنُ فَيُصِيبُهُ أو على أَنْ يَقُومَ على قَدَمَيْهِ سَاعَةً أو أَكْثَرَ منها أو على أَنْ يُصَارِعَ رَجُلًا أو على أَنْ يُدَاحِيَ رَجُلًا بِالْحِجَارَةِ فَيَغْلِبَهُ كان هذا كُلُّهُ غير جَائِزٍ من قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ من مَعَانِي الْحَقِّ الذي حَمِدَ اللَّهُ عليه وَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِمَا يَحِلُّ فيه السَّبَقُ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى ما حَظَرَتْهُ السُّنَّةُ إذْ نَفَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا في خُفٍّ أو نَصْلٍ أو حَافِرٍ وَدَاخِلٍ في مَعْنَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ ليس مِمَّا أَخَذَ الْمُعْطِي عليه عِوَضًا وَلَا لَزِمَهُ بِأَصْلِ حَقٍّ وَلَا أَعْطَاهُ طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا لِمَحْمَدَةِ صَاحِبِهِ بَلْ صَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ غير حَامِدٍ له وهو غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ له فَعَلَى هذا عَطَايَا الناس وَقِيَاسُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيه الْوَالِي أو الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي من ماله مُتَطَوِّعًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَبِّقَ بين الْخَيْلِ من غَايَةٍ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شيئا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِقَدْرِ ما رأى ( ( ( أرى ) ) ) فما جَعَلَ لهم كان لهم على ما جَعَلَ لهم وكان مَأْجُورًا عليه أَنْ يُؤَدِّيَ فيه وَحَلَالًا لِمَنْ أَخَذَهُ وَهَذَا وَجْهٌ لَيْسَتْ فيه عِلَّةٌ وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ يُرِيدَانِ يَسْتَبِقَانِ بِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَا سَبَقَيْنِ من عِنْدِهِمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ حتى يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا وَالْمُحَلِّلُ فَارِسٌ أو أَكْثَرُ من فَارِسٍ وَلَا يَجُوزُ الْمُحَلِّلُ حتى يَكُونَ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فإذا كان بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أو أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه مِائَةً مِائَةً أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدَيْ من يَثِقَانِ بِهِ أو يَضْمَنَانِهَا وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ كان ما أَخْرَجَا جميعا له وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لم يَأْخُذْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ شيئا وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْهَادِي أو بَعْضِهِ أو بِالْكَتَدِ أو بَعْضِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) الْهَادِي عُنُقُ الْفَرَسِ وَالْكَتَدُ كَتِفُ الْفَرَسِ وَالْمُصَلِّي هو الثَّانِي وَالْمُحَلِّلُ هو الذي يَرْمِي معى وَمَعَك وَيَكُونُ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ فَإِنْ سَبَقَنَا الْمُحَلِّلُ أَخَذَ مِنَّا جميعا وَإِنْ سَبَقْنَاهُ لم نَأْخُذْ منه شيئا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ وَسَبَقَهُ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ منه السَّبَقَ ولم يَأْخُذْ مِنِّي لِأَنِّي قد أَخَذْت سَبَقِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان هذا في الِاثْنَيْنِ هَكَذَا فَسَوَاءٌ لو كَانُوا مِائَةً أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم مِثْلَ ما يُخْرِجُ صَاحِبُهُ وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا إنْ سَبَقَ كان له جَمِيعُ ذلك وَإِنْ سُبِقَ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا هذا لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ في السَّبَقِ أَنْ يَكُونَ بين الْخَيْلِ وما يَجْرِي فَإِنْ سَبَقَ غَنِمَ وَإِنْ سُبِقَ لم يَغْرَمْ وَهَكَذَا هذا في الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ الْفَارِسَيْنِ صَاحِبَهُ فَيَكُونَ السَّبَقُ منه دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ كان له السَّبَقُ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبُهُ لم يَغْرَمْ صَاحِبُهُ شيئا وَأَحْرَزَ هو مَالَهُ وَسَوَاءٌ لو أَدْخَلَ معه عَشَرَةً هَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ الرَّجُلُ مع الرَّجُلِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ منها سَبَقًا وَيُدْخِلَانِ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا إلَّا وَالْغَايَةُ التي يَجْرِيَانِ منها وَالْغَايَةُ التي يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ
____________________

(4/230)


- * ما ذُكِرَ في النِّضَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالنِّضَالُ فِيمَا بين الِاثْنَيْنِ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالثَّالِثُ بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَهُوَ في الْخَيْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ في الْأَصْلِ فَيَجُوزُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما جَازَ في الْآخَرِ وَيَرِدُ فِيهِمَا ما يَرِدُ في الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فإذا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا اخْتَلَفَا وإذا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ على أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا قَرَعًا مَعْرُوفًا خَوَاسِقَ ( 1 ) أو حَوَابِي فَهُوَ جَائِزٌ إذَا سَمَّيَا الْغَرَضَ الذي يَرْمِيَانِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَتَشَارَطَا ذلك مُحَاطَّةٌ أو مُبَادَرَةً فإذا تَشَارَطَاهُ مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِعَدَدٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ بمثله سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْعَدَدَيْنِ وَاسْتَأْنَفَا عَدَدًا كَأَنَّهُمَا أَصَابَا بِعَشَرَةِ أَسْهُمٍ عَشَرَةً سَقَطَتْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ وَلَا يَعْتَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ إلَّا بِالْفَضْلِ من إصَابَتِهِ على إصَابَةِ صَاحِبِهِ وَهَذَا من حِينِ يَبْتَدِئَانِ السَّبْقَ إلَى أَنْ يَفْرُغَا منه وَسَوَاءٌ كان لِأَحَدِهِمَا فَضْلُ عِشْرِينَ سَهْمًا ثُمَّ أَصَابَ معه صَاحِبُهُ بِسَهْمٍ حُطَّ منها ( ( ( منهما ) ) ) سهما ( ( ( سهم ) ) ) ثُمَّ كُلَّمَا أَصَابَ حَطَّهُ حتى يَخْلُصَ له فَضْلُ الْعَدَدِ الذي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ وَإِنْ وَقَفَ وَقَرَعَ بَيْنَهُمَا من عِشْرِينَ خَاسِقًا وَلَهُ فَضْلُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَأَصَابَ بِسَهْمٍ وَقَّفْنَا الْمَفْلُوجَ وَأَمَرْنَا الْآخَرَ بِالرَّمْيِ حتى ينفد ( ( ( ينفذ ) ) ) ما في أَيْدِيهِمَا في رَشْقِهَا فَإِنْ حَطَّهُ الْمَفْلُوجُ عليه بَطَلَ فَلْجُهُ وَإِنْ أَنْفَدَ ما في يَدَيْهِ وَلِلْآخِرِ في ذلك الرَّشْقِ عِشْرُونَ لم يُكَلَّفْ أَنْ يَرْمِيَ معه وكان قد فَلَجَ عليه وَإِنْ تَشَارَطَا أَنَّ الْقَرَعَ بَيْنَهُمَا حَوَابٍ كان الْحَابِي قُرْعَةً وَالْخَاسِقُ قُرْعَتَيْنِ وَيَتَقَايَسَانِ إذَا أَخْطَآ في الْوَجْهِ مَعًا فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ من صَاحِبِهِ بِسَهْمٍ فَأَكْثَرُ عَدَدِ ذلك عليه وَإِنْ كان أَقْرَبَ منه بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ أَقْرَبُ بِأَسْهُمٍ بَطَلَتْ أَسْهُمُهُ بالسهم الذي هو أَقْرَبُ بِهِ لَا يُعَدُّ الْقُرْبُ لِوَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ وَثُمَّ وَاحِدٌ أَقْرَبُ منه وَكَذَلِكَ لو كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِسَهْمٍ حَسَبْنَاهُ له وَالْآخَرُ أَقْرَبَ بِخَمْسَةٍ أَسْهُمٍ بَعْدَ ذلك السَّهْمِ لم نَحْسُبْهَا له إنَّمَا نَحْسُبُ له الْأَقْرَبَ فَأَيُّهُمَا كان أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ حَسَبْنَاهُ له وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْآخَرُ بَعْدَهُ أَقْرَبُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْأَوَّلُ الذي هو أَقْرَبُهُمَا أَقْرَبُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ لم يُحْسَبْ له من الْخَمْسَةِ من قِبَلِ أَنَّ لِمُنَاضِلِهِ سَهْمًا أَقْرَبَ منها وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِأَسْهُمٍ فَأَصَابَ صَاحِبُهُ بَطَلَ الْقُرْبُ لِأَنَّ الْمُصِيبَ أَوْلَى من الْقَرِيبِ إنَّمَا يُحْسَبُ الْقَرِيبُ لِقُرْبِهِ من الْمُصِيبِ وَلَكِنْ إنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْلَى الْآخَرُ حُسِبَ لِلْمُصِيبِ صَوَابُهُ ثُمَّ نَظَرَ في حوابيهما فَإِنْ كان الذي لم يُصِبْ أَقْرَبَ بَطَلَ قُرْبُهُ بِمُصِيبِ مُنَاضِلِهِ فَإِنْ كان الْمُصِيبُ أَقْرَبَ حُسِبَ له من نَبْلِهِ ما كان أَقْرَبَ مع مُصِيبِهِ لِأَنَّا إذَا حَسَبْنَا له ما قَرُبَ من نَبْلِهِ مع غَيْرِ مُصِيبِهِ كانت مَحْسُوبَةً مع مُصِيبِهِ وقد رأيت من أَهْلِ الرَّمْيِ من يَزْعُمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَقَايَسُونَ في الْقُرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْعَظْمِ وَمَوْضِعُ الْعَظْمِ وَسَطُ الشَّنِّ بالأرض ( ( ( والأرض ) ) ) وَلَسْتُ أَرَى هذا يَسْتَقِيمُ في الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَقَارَبُوا إلَى الشَّنِّ من قِبَلِ أَنَّ الشَّنَّ مَوْضِعُ الصَّوَابِ وقد رأيت منهم من يُقَايِسُ بين النَّبْلِ في الْوَجْهِ والعواضد يَمِينًا وَشِمَالًا ما لم يُجَاوِزْ الْهَدَفَ فإذا جَاوَزَ الْهَدَفَ أو الشَّنَّ أو كان مَنْصُوبًا أَلْغَوْهَا فلم يُقَايِسُوا بها ما كان عَضُدًا أو كان في الْوَجْهِ وَلَا يَجُوزُ هذا في الْقِيَاسُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَاسَ بِهِ خَارِجًا أو سَاقِطًا أو عَاضِدًا أو كان في الْوَجْهِ وَهَذَا في الْمُبَادَرَةِ مِثْلُهُ في الْمُحَاطَّةِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا ثُمَّ يُحْسَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ إنْ تَشَارَطُوا الصَّوَابَ وحوابيه إنْ تَشَارَطُوا الحوابي مع الصَّوَابِ ثُمَّ أَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى ذلك الْعَدَدِ كان له النضل ( ( ( الفضل ) ) ) ( قال الرَّبِيعُ الْحَابِي الذي يُصِيبُ الْهَدَفَ وَلَا يُصِيبُ الشَّنَّ ) فإذا تَقَايَسَا بالحوابي فَاسْتَوَى حَابَيَاهُمَا تباطلا في ذلك الْوَجْهِ فلم يَتَعَادَّا لِأَنَّا إنَّمَا نُعَاد من كل
____________________

(4/231)


وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما كان أَقْرَبَ بِهِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَقْرَبَ من صَاحِبِهِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه أو سَبَقَ رَجُلٌ بين رَجُلَيْنِ فَقَدْ رأيت من الرُّمَاةِ من يقول صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأ وَالْمُسْبَقُ يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ في الْقِيَاسِ أَنْ يَتَشَارَطَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اقْتَرَعَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْمِيَا إلَّا عن شَرْطٍ وإذا بَدَأَ أَحَدُهُمَا من وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ من الْوَجْهِ الذي يَلِيهِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حتى يَنْفَدَ نَبْلُهُمَا وإذا عَرِقَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ السَّهْمُ من يَدِهِ فلم يَبْلُغْ الْغَرَضَ كان له أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِهِ من قِبَلِ الْعَارِضِ فيه وَكَذَلِكَ لو زَهَقَ من قِبَلِ الْعَارِضِ فيه أَعَادَهُ فَرَمَى بِهِ وَكَذَلِكَ لو انْقَطَعَ وَتَرُهُ فلم يَبْلُغْ أو انْكَسَرَ قَوْسُهُ فلم يَبْلُغْ كان له أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَلِكَ لو أَرْسَلَهُ فَعَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أو إنْسَانٌ فَأَصَابَهُمَا كان له أَنْ يُعِيدَهُ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ لو اضْطَرَبَتْ بِهِ يَدَاهُ أو عَرَضَ له في يَدَيْهِ ما لَا يَمْضِي معه السَّهْمُ كان له أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إنْ جَازَ وَأَخْطَأَ الْقَصْدَ فَرَمَى فَأَصَابَ الناس أو أَجَازَ من وَرَائِهِمْ فَهَذَا سُوءُ رمى منه ليس بِعَارِضٍ غَلَبَ عليه وَلَيْسَ له أَنْ يُعِيدَهُ وإذا كان رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ من عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الذي يُرَاسَلُهُ بِهِ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ بِسَهْمِهِ ذلك فَلَجَ عليه ولم يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَقِ مُبَادَرَةٌ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَتْ كَالْمُحَاطَةِ وإذا تَشَارَطَا الخواسق فَلَا يُحْسَبْ لِرَجُلٍ خَاسِقٌ حتى يَخْرِقَ الْجِلْدَ وَيَكُونَ مُتَعَلِّقًا مثله وَإِنْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ولم يَخْرِقْهُ حُسِبَ له لِأَنَّهُ مُصِيبٌ وإذا تَشَارَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِهَدَفٍ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ ولم يَثْبُتْ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ من حَصَاةٍ أو غَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عليه أَنَّهُ لم يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بها وَكَذَلِكَ إنْ كان الشَّنُّ بَالِيًا فيه خُرُوقٌ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخُرُوقِ فَغَابَ في الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ وَإِنْ لم يَغِبْ في الْهَدَفِ ولم يَسْتَمْسِكْ بِشَيْءٍ من الشَّنِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَابِ عليه مع يَمِينه فَإِنْ أَصَابَ طَرَفًا من الشَّنِّ فَخَرَمَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ له خَاسِقًا إذَا كان شَرْطُهُمَا الخواسق إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عليه من الشَّنِّ طَغْيَةٌ أو خَيْطٌ أو جِلْدٌ أو شَيْءٌ من الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ فَيَكُونُ يُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا لِأَنَّ الْخَاسِقَ ما كان ثَابِتًا في الشَّنِّ وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ وَلَا يَعْرِفُ الناس إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ هذا خَاسِقٌ إلَّا أَنَّ الْخَاسِقَ ما أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فيه وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لَا خَاسِقٌ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قد يَقَعَ بالإسم على ما أَوْهَى الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فإذا خَرَقَ منه شيئا قَلَّ أو كَثُرَ بِبَعْضِ الفصل ( ( ( النصل ) ) ) فَهُوَ خَاسِقٌ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قد ثَقَبَ وَإِنْ خَرَمَ وَإِنْ كان السَّهْمُ ثَابِتًا في الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ من الشَّنِّ أو طَغْيَةٌ لَيْسَتْ بِمُحِيطَةٍ فقال الرَّامِي خَرَقَ هذه الْجِلْدَةَ فَانْخَرَمَتْ أو هذه الطَّغْيَةُ فَانْخَرَمَتْ وقال الْمَخْسُوقُ عليه إنَّمَا وَقَعَ في الْهَدَفِ مُتَغَلْغِلًا تَحْتَ هذه الْجِلْدَةِ أو الطَّغْيَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا طَائِرَتَانِ عَمَّا سِوَاهُمَا من الشَّنِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا يُحْسَبُ هذا خَاسِقًا بِحَالٍ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ كان في الشَّنِّ خَرْقٌ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ في الْخَرْقِ ثُمَّ ثَبَتَ في الْهَدَفِ كان خَاسِقًا لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ في الْهَدَفِ فَالشَّنُّ أَضْعَفُ منه وَلَوْ كان الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَرَمَى فَأَصَابَ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ فلم يَثْبُتْ كان عِنْدِي خَاسِقًا وَمِنْ الرُّمَاةِ من لَا يَعُدَّهُ إذَا لم يَثْبُتْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فيه فقال الرَّامِي أَصَابَ وَمَارَ فَخَرَجَ وقال المرمي عليه لم يُصِبْ أو أَصَابَ حَرْفَ الشَّنِّ بِالْقِدْحِ ثُمَّ مَضَى كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَخَرَقَ الشَّنَّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فَمِنْهُمْ من أثبته ( ( ( أنبته ) ) ) خَاسِقًا وقال بِالرَّمْيَةِ أَصَابَ وَإِنْ عَرَضَ له دُونَهَا شَيْءٌ فَقَدْ مَضَى بِالنَّزْعَةِ التي أَرْسَلَ بها وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّ هذا لَا يُحْسَبُ له لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ بِضَرْبَتِهِ الْأَرْضَ شيئا أَحْمَاهُ فَهُوَ غَيْرُ رَمْيِ الرَّامِي وَلَوْ أَصَابَ وهو
____________________

(4/232)


مُزْدَلِفٌ فلم يَخْسِقْ وَشَرْطُهُمْ الخواسق لم يُحْسَبْ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ خَاسِقًا وَلَوْ كان شَرْطُهُمَا الْمُصِيبَ حُسِبَ في قَوْلِ من يَحْسُبُ الْمُزْدَلِفَ وَسَقَطَ في قَوْلِ من يُسْقِطُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُزْدَلِفُ الذي يُصِيبُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ من الْأَرْضِ فَيُصِيبُ الشَّنَّ وَلَوْ كان شَرْطُهُمْ الْمُصِيبَ فَأَصَابَ السَّهْمُ حين تَفَلَّتَ غير مُزْدَلَفِ الشَّنِّ بِقِدْحِهِ دُونَ نَصْلِهِ لم يُحْسَبْ لِأَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هو بِالنَّصْلِ دُونَ الْقِدْحِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ فَأَصَابَ حُسِبَ له مُصِيبًا وَكَذَلِكَ لو صَرَفْته عن الشَّنِّ وقد أَرْسَلَهُ مُصِيبًا وَكَذَلِكَ لو أَسْرَعْت بِهِ وهو يَرَاهُ قَاصِرًا فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا وَلَوْ أَسْرَعْت بِهِ وهو يَرَاهُ مُصِيبًا فَأَخْطَأَ كان مُخْطِئًا وَلَا حُكْمَ لِلرِّيحِ يُبْطِلُ شيئا وَلَا يَحِقُّهُ لَيْسَتْ كَالْأَرْضِ وَلَا كَالدَّابَّةِ يُصِيبُهَا ثُمَّ يَزْدَلِفُ عنها فَيُصِيبُ وَلَوْ كان دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ ما كان دَابَّةً أو ثَوْبًا أو شيئا غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَهَتَكَهُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حتى يُصِيبَ الشَّنَّ حُسِبَ في هذه الْحَالَةِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ وَهَتْكَهُ لم يُحْدِثْ له قُوَّةً غير النَّزْعِ إنَّمَا أَحْدَثَ فيه ضَعْفًا وَلَوْ رَمَى وَالشَّنُّ مَنْصُوبٌ فَطَرَحَتْ الرِّيحُ الشَّنَّ أو أَزَالَهُ إنْسَانٌ قبل يَقَعُ سَهْمَهُ كان له أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِذَلِكَ السَّهْمَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ زَالَتْ وَكَذَلِكَ لو زَالَ الشَّنُّ عن مَوْضِعِهِ بِرِيحٍ أو إزَالَةِ إنْسَانٍ بَعْدَ ما أَرْسَلَ السَّهْمَ فَأَصَابَ الشَّنَّ حَيْثُ زَالَ لم يُحْسَبْ له وَلَكِنَّهُ لو أُزِيلَ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَرْمِيَاهُ حَيْثُ أُزِيلَ حُسِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ فَانْكَسَرَ سَهْمُهُ أو خَرَجَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ له خَاسِقًا لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ وَهَذَا كَنَزْعِ الْإِنْسَانِ إيَّاهُ بَعْدَ ما يُصِيبُ وَلَوْ تَشَارَطَا أَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هو في الشَّنِّ خَاصَّةً فَكَانَ لِلشَّنِّ وَتَرٌ يُعَلَّقُ بِهِ أو جَرِيدٌ يَقُومُ عليه فَأَثْبَتَ السَّهْمَ في الْوَتَرِ أو في الْجَرِيدِ لم يُحْسَبْ ذلك له لِأَنَّ هذا وَإِنْ كان مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الشَّنُّ فَهُوَ غَيْرُ الشَّنِّ وَلَوْ لم يَتَشَارَطَا فَأَثْبَتَ في الْجَرِيدِ أو في الْوَتَرِ كان فِيهِمَا قُولَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اسْمَ الشَّنِّ وَالصَّوَابُ لَا يَقَع على الْمِعْلَاقِ لِأَنَّهُ يُزَايِلُ الشَّنَّ فَلَا يَضُرُّ بِهِ وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ لِيُرْبَطَ بِهِ كما يُتَّخَذُ الْجِدَارُ لِيُسْنَدَ إلَيْهِ وقد يُزَايِلُهُ فَتَكُونُ مُزَايَلَتُهُ غير إخْرَابٍ له وَيُحْسَبُ ما ثَبَتَ في الْجَرِيدِ إذَا كان الْجَرِيدُ مَخِيطًا عليه لِأَنَّ إخْرَاجَ الْجَرِيدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِضَرَرٍ على الشَّنِّ وَيُحْسَبُ ما ثُبِّتَ في عُرَى الشَّنِّ الْمَخْرُوزَةِ عليه وَالْعَلَّاقَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُحْسَبَ أَيْضًا ما يُثَبَّتُ في الْعَلَّاقَةِ من الخواسق لِأَنَّهَا تَزُولُ بِزَوَالِهِ في حَالِهَا تِلْكَ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ لِأَنَّ كُلَّهَا نَبْلٌ وَكَذَلِكَ القسى الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عنها بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَ رَجُلَانِ على أَنَّ في يَدِ أَحَدِهِمَا من النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا في يَدِ الْآخَرِ وَلَا على أَنَّهُ إذَا خَسَقَ أَحَدُهُمَا حُسِبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَخَاسِقُ الْآخَرِ خاسقا وَلَا على أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لم يَرْمِ بِهِ يُحْسَبُ مع خواسقه وَلَا على أَنَّهُ يُطْرَحُ من خَوَاسِقُ أَحَدِهِمَا خَاسِقٌ وَلَا على أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي من عَرْضٍ وَالْآخَرَ من أَقْرَبَ منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا إلَّا من عَرْضٍ وَاحِدٍ وَبِعَدَدِ نَبْلٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَسْتَبِقَا إلَى عَدَدِ قُرَعٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أُسَابِقُك على أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ خَاسِقًا فَأَكُونُ نَاضِلًا إنْ لم تَأْتِ بِعِشْرِينَ وَلَا تَكُونُ نَاضِلًا إنْ جِئْت بِعِشْرِينَ قبل أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ حتى يَكُونَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِنَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لم يُبَدِّلْهَا وَلَا إنْ أَنْفَذَ سَهْمًا أَنْ لَا يُبَدِّلَهُ وَلَا على أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ بِعَيْنِهَا لَا يُبَدِّلُهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ذلك إلَى الرَّامِي يُبَدِّلُ ما شَاءَ من نَبْلِهِ وَقَوْسِهِ ما كان عَدَدُ النَّبْلِ وَالْغَرَضِ وَالْقَرَعِ وَاحِدًا وَإِنْ انْتَضَلَا فَانْكَسَرَتْ نَبْلُ أَحَدِهِمَا أو قَوْسُهُ أُبْدِلَ نَبْلًا وَقَوْسًا وَإِنْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أُبْدِلَ وَتَرًا مَكَانَ وَتَرِهِ وَمِنْ الرُّمَاةِ من زَعَمَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا سَمَّى قُرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أو يتحاطانه فَكَانَا على السَّوَاءِ أو بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كان لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ الْقُرَعِ ما شَاءَ وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ الْقُرَعِ ما لم يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا رَمَيَا على عَدَدِ قُرَعٍ لم يَكُنْ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فيه بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْبَقِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُجْعَلَ خَاسِقٌ في السَّوَادِ بِخَاسِقَيْنِ في الْبَيَاضِ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ
____________________

(4/233)


الجواسق ( ( ( الخواسق ) ) ) لَا تَكُونُ إلَّا في السَّوَادِ فَيَكُونُ بَيَاضُ الشَّنِّ كَالْهَدَفِ لَا يُحْسَبُ خَاسِقًا وَإِنَّمَا يُحْسَبُ حَابِيًا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا مَعْلُومًا فَلَا يَبْلُغَانِهِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ الذي في يَدِك فَقَدْ نَضَلْت إلَّا أَنْ يَتَنَاقَضَا السَّبَقَ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَجْعَلَ له جُعْلًا مَعْرُوفًا على أَنْ يُصِيبَ بِسَهْمٍ وَلَا بَأْسَ على الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ عليه فَيَقُولَ إنْ أَصَبْت بِسَهْمٍ فَلَكَ كَذَا وَإِنْ أَصَبْت بِأَسْهُمٍ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَصَابَ بها فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يُصِبْ بها فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّ هذا سَبَقٌ على غَيْرِ نِضَالٍ وَلَكِنْ لو قال له ارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ فَنَاضِلِ الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كان صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ سَبَقُ كَذَا لم يَكُنْ في هذا خَيْرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ وإذا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَأَصَابَ النَّصْلَ حُسِبَ خَاسِقًا وَإِنْ سَقَطَ الشِّقُّ الذي فيه النَّصْلُ دُونَ الشَّنِّ وَأَصَابَ بِالْقِدْحِ الذي لَا نَصْلَ فيه لم يُحْسَبْ وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا مَعًا حُسِبَ له الذي فيه النَّصْلُ وَأُلْغِيَ عنه الْآخَرُ وَلَوْ كان في الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ بِسَهْمِهِ فَوْقَ سَهْمٍ من النَّبْلِ ولم يَمْضِ سَهْمُهُ إلَى الشَّنِّ لم يُحْسَبْ له لِأَنَّهُ لم يُصِبْ الشَّنَّ وَأُعِيد عليه فَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ قد عَرَضَ له دُونَ الشَّنِّ عَارِضٌ كما تَعْرِضُ له الدَّابَّةُ فَيُصِيبُهَا فَيُعَادُ عليه وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه فَرَمَى معه ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَرْمِي معه وَلِلْمُسْبَقِ فَضْلٌ أو لَا فَضْلَ له أو عليه فَضْلٌ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ عليه الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَيَكُونُ له الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ في ذلك فَمِنْهُمْ من يَجْعَلُ له أَنْ يَجْلِسَ ما لم يَنْضُلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول هو شَيْءٌ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ غَايَةٍ تُعْرَفُ وقد لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيَكُونُ مَنْضُولًا وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ فَيَكُونُ له حِصَّتُهُ مِمَّا عَمِلَ وَمِنْهُمْ من يقول ليس له أَنْ يَجْلِسَ بِهِ إلَّا من عُذْرٍ وَأَحْسَبُ الْعُذْرَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمُوتَ أو يَمْرَضَ الْمَرَضَ الذي يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أو يُصِيبُهُ بَعْضَ ذلك في إحْدَى يَدَيْهِ أو بَصَرِهِ وَيَنْبَغِي إذَا قالوا له هذا أَنْ يَقُولُوا فَمَتَى تَرَاضَيَا على أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْبَقَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا جَلَسَ بِهِ كان السَّبَقُ له بِهِ لِأَنَّ السَّبَقَ على النَّضْلِ وَالنَّضْلُ غَيْرُ الْجُلُوسِ وَهَذَانِ شَرْطَانِ وَكَذَلِكَ لو سَبَقَهُ ولم يَشْتَرِطْ هذا عليه ثُمَّ شَرَطَ هذا بَعْدَ السَّبَقِ سَقَطَ الشَّرْطُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ له أَرْمِي مَعَك بِلَا عَدَدِ قُرَعٍ يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أو يتحاطانه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَسْبِقَهُ على أَنَّهُمَا إذَا تفالجا أَعَادَ عليه وَإِنْ سَبَقَهُ وَنِيَّتُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فَالسَّبَقُ غَيْرُ فَاسِدٍ وَأَكْرَهَ لَهُمَا النِّيَّةُ إنَّمَا أَنْظُرُ في كل شَيْءٍ إلَى ظَاهِرِ الْعَقْدِ فإذا كان صَحِيحًا أَجَزْته في الْحُكْمِ وَإِنْ كانت فيه نِيَّةٌ لو شُرِطَتْ أَفْسَدَتْ الْعَقْدَ لم أُفْسِدْهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وقد وَضَعَ اللَّهُ عن الناس حَدِيثَ أَنْفُسِهِمْ وَكَتَبَ عليهم ما قالوا وما عَمِلُوا وإذا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ على أَنْ لَا يَرْمِيَ معه إلَّا بِنَبْلٍ مَعْرُوفٍ أو قَوْسٍ مَعْرُوفَةٍ فَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَكُونَ السَّبَقُ مُطْلَقًا من قِبَلِ أَنَّ الْقَوْسَ قد تَنْكَسِرُ وَتَعْتَلُّ فَيَفْسُدُ عنها الرَّمْيُ فَإِنْ تَشَارَطَا على هذا فَالشَّرْطُ يُبْطِلُ السَّبَقَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ النَّاشِبُ مع صَاحِبِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ سَابَقَهُ على أَنْ يَرْمِيَ معه بِالْعَرَبِيَّةِ رَمَى بِأَيِّ قَوْسٍ شَاءَ من الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ من الْفَارِسِيَّةِ لم يَكُنْ له ذلك لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عن الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرَ منه عن الْعَرَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْسٍ اخْتَلَفَتْ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين أَنْ لَا نُجِيزَ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِقَوْسٍ وَاحِدَةٍ أو نَبْلٍ وَأَجَزْنَا ذلك في الْفَرَسِ إنْ سَابَقَهُ بِفَرَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ في السَّبَقِ في الرَّمْيِ إنَّمَا هو لِلرَّامِي وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ أَدَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّمْيَ بِمِثْلِ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ الذي شَرَطَ أَنْ يرمى بها فَيُدْخِلَ عليه الضَّرَرَ بِمَنْعِ ما هو أَرْفَقُ بِهِ من أَدَاتِهِ التي تُصْلِحُ رَمْيَهُ وَالْفَرَسُ نَفْسُهُ هو الْجَارِي الْمُسْبِقُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَدِّلَهُ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا فَارِسُهُ أَدَاةٌ فَوْقَهُ وَلَكِنَّهُ لو شَرَطَ عليه أَنْ لَا يُجَرِّيَهُ إلَّا إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ لم يَجُزْ ذلك وَلَوْ أَجَزْنَا أَنْ يُرَاهِنَ رَجُلٌ رَجُلًا بِفَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَيَأْتِيَ بِغَيْرِهِ أَجَزْنَا أَنْ يَسْبِقَ رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ يُبَدِّلُ مَكَانَهُ رَجُلًا يُنَاضِلُهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِهِ وإذا كان عن فَرَسٍ
____________________

(4/234)


بِعَيْنِهِ فَلَا يُبَدَّلُ غَيْرُهُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْمِيَ بِأَيِّ نَبْلٍ أو قَوْسٍ شَاءَ إذَا كانت من صِنْفِ الْقَوْسِ التي سَابَقَ عليها وَلَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبُ الْفَرَسِ أَنْ يُحْمَلَ على فَرَسِهِ من شَاءَ لِأَنَّ الْفَارِسَ كَالْأَدَاةِ لِلْفَرَسِ وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ كَالْأَدَاةِ لِلرَّامِي وَلَا خَيْرَ في ان يَشْتَرِطَ الْمُتَنَاضَلَانِ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حتى يَفْرُغَ من السَّبَقِ وَلَا أَنْ يَفْتَرِشَ فِرَاشًا وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْفَرَسِ لَا يَعْلِفُ حتى يَفْرُغَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ لِأَنَّ هذا شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ وَالضَّرَرُ على الْمَشْرُوطِ عليه وَلَيْسَ من النِّضَالِ الْمُبَاحِ وإذا نهى الرَّجُلُ أَنْ يُحَرِّمَ على نَفْسِهِ ما أَحَلَّ اللَّهُ له لِغَيْرِ تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَوْمٍ كان أن يَشْرِطُ ذلك عليه غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عنه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ معه بِقُرَعٍ مَعْلُومٍ على أَنْ لِلْمُسْبِقِ أَنْ يُعْطِيَهُ ما شَاءَ النَّاضِلُ أو ما شَاءَ الْمَنْضُولُ وَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَكُونَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَحِلُّ في الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَهُ شيئا مَعْلُومًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وكان له عليه أَنْ لَا يَرْمِيَ أَبَدًا أو إلَى مُدَّةٍ من الْمَدَدِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عليه أَنْ يَمْتَنِعَ من الْمُبَاحِ له وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ كان ذلك الدِّينَارُ له وكان له عليه أَنْ يُعْطِيَهُ صَاعَ حِنْطَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كان هذا سَبَقًا جَائِزًا إذَا كان ذلك كُلُّهُ من مَالِ الْمَنْضُولِ وَلَكِنَّهُ لو سَبَقَهُ دِينَارًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ أَعْطَاهُ الْمَنْضُولُ دِينَارَهُ وَأَعْطَى النَّاضِلُ الْمَنْضُولَ مُدَّ حِنْطَةٍ أو دِرْهَمًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لم يَكُنْ هذا جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ الْعَقْدَ قد وَقَعَ منه على شَيْئَيْنِ شَيْءٌ يُخْرِجُهُ الْمَنْضُولُ جَائِزًا في السُّنَّةِ لِلنَّاضِلِ وَشَيْءُ يُخْرِجُهُ النَّاضِلُ فَيَفْسُدُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَرَاهَنَا على النِّضَالِ لَا مُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّرَاهُنَ من الْقِمَارِ وَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّ ليس بِبَيْعٍ وَلَا سَبَقٍ فَيَفْسُدَ من كل وَجْهٍ وَلَوْ كان على لَك دِينَارٌ فَسَبَقْتَنِي دِينَارًا فَنَضَلْتُك فَإِنْ كان دِينَارُك حَالًّا فَلَكَ أَنْ تُقَاصَّنِي وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَعَلَيْك أَنْ تُعْطِيَنِي الدِّينَارَ وَعَلَيَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ أُعْطِيَك دِينَارَك وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا فَنَضَلَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كان أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ حَلَّ في مَالِهِ بِحَقٍّ أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ رَجُلًا دِينَارًا إلَّا دِرْهَمًا أو دِينَارًا إلَّا مُدًّا من حِنْطَةٍ كان السَّبَقُ غير جَائِزٍ لِأَنَّهُ قد يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَحِصَّةُ الدِّرْهَمِ من الدِّينَارِ عَشْرٌ وَلَعَلَّ حِصَّتَهُ يوم سَبَقَهُ نِصْفُ عُشْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدُّ من الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَسْبِقَك وَلَا أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك وَلَا أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك إلَى أَجَلٍ بِشَيْءٍ إلَّا شيئا يُسْتَثْنَى منه لَا من غَيْرِهِ وَلَا أَنْ أَسْبِقَك بِمُدِّ تَمْرٍ إلَّا رُبْعَ حِنْطَةٍ وَلَا دِرْهَمَ إلَّا عَشَرَةُ أَفْلُسٍ وَلَكِنْ إنْ اسْتَثْنَيْت شيئا من الشَّيْءِ الذي سبقتكه ( ( ( سبقته ) ) ) فَلَا بَأْسَ إذَا سَبَقْتُك دِينَارًا إلَّا سُدُسًا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك خَمْسَةَ أَسْدَاسِ دِينَارٍ وَإِنْ سَبَقْتُك صَاعًا إلَّا مُدًّا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ فَعَلَى هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ قال وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَسْبِقَك دِينَارًا على أَنَّك إنْ نضلتنيه أَطْعَمْت بِهِ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَلَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَا تَصَدَّقْت بِهِ على الْمَسَاكِينِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَك شيئا بِدِينَارٍ على أَنْ تَفْعَلَ هذا فيه وَلَا يَجُوزُ إذَا مَلَّكْتُك شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكُك فيه تَامًّا تَفْعَلُ فيه ما شِئْت دُونِي وإذا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ من حَيْثُ يُرْسِلَانِ وَهُمَا يَرْمِيَانِ في الْمِائَتَيْنِ يَعْنِي ذِرَاعًا فَإِنْ كان أَهْلُ الرَّمْيِ يَعْلَمُونَ أَنَّ من رَمَى في هَدَفٍ يُقَدَّمُ أَمَامَ الْهَدَفِ الذي يَرْمِي من عِنْدِهِ ذِرَاعًا أو أَكْثَرَ حُمِلَ على ذلك إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا في الْأَصْلِ أَنْ يَرْمِيَا من مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا من مَوْضِعِ شَرْطِهِمَا وَإِنْ تَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا في شَيْئَيْنِ مَوْضُوعِينَ أو شَيْئَيْنِ يَرَيَانِهِمَا أو يَذْكُرَانِ سَيْرَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَلِّقَ ما تَشَارَطَا على أَنْ يَضَعَاهُ أو يَضَعَ ما تَشَارَطَا على أَنْ يُعَلِّقَاهُ أو يُبَدَّلَ الشَّنُّ بِشَنٍّ اكبر أو أَصْغَرَ منه فَلَا يَجُوزُ له وَيُحْمَلُ على أَنْ يَرْمِيَ على شَرْطِهِ وإذا سَبَقَهُ ولم يُسَمِّ الْغَرَضَ فَأَكْرَهُ السَّبَقَ حتى يَسْبِقَهُ على غَرَضٍ مَعْلُومٍ وإذا سَبَقَهُ على غَرَضٍ مَعْلُومٍ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أو يَخْفِضَهُ دُونَهُ وقد أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْبِقَ وَيَخْفِضَهُ فَيَرْمِيَ معه رَشْقًا وَأَكْثَرَ في الْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ في الْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ في
____________________

(4/235)


الثلثمائة ( ( ( الثلاثمائة ) ) ) وَمَنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ له أَنْ يَرْمِيَ بِهِ في الرُّقْعَةِ وفي أَكْثَرَ من ثَلَاثِمِائَةٍ وَمَنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ له أَنْ يُبَدِّلَ الشَّنَّ وَجَعَلَ هذا كُلَّهُ إلَى الْمُسْبَقِ ما لم يَكُونَا تَشَارَطَا شَرْطًا وَيَدْخُلُ عليه إذَا كَانَا رَمَيَا أَوَّلَ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ النَّبْلِ وَيُنْقِصَ منها إذَا اسْتَوَيَا في حَالٍ أَبَدًا جَعَلُوا ذلك إلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلُّ يَوْمٍ من أَوَّلِ النَّهَارِ أو آخِرِهِ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَفْرُغَا منها إلَّا من عُذْرٍ بِمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا أو حَائِلٍ يَحُولُ دُونَ الرَّمْيِ وَالْمَطَرِ عُذْرٌ لِأَنَّهُ قد يُفْسِدُ النَّبْلَ وَالْقِسِيَّ وَيَقْطَعُ الْأَوْتَارَ وَلَا يَكُونُ الْحَرُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْحَرَّ كَائِنٌ كَالشَّمْسِ وَلَا الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ وَإِنْ كانت قد تَصْرِفُ النَّبْلَ بَعْضَ الصَّرْفِ وَلَكِنْ إنْ كانت الرِّيحُ عَاصِفًا كان لِأَيِّهِمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ عن الرَّمْيِ حتى تَسْكُنَ أو تَخِفَّ وَإِنْ غَرَبَتْ لَهُمَا الشَّمْسُ قبل أَنْ يَفْرُغَا من أَرْشَاقِهِمَا التي تَشَارَطَا لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا في اللَّيْلِ وَإِنْ انْكَسَرَتْ قَوْسُ أَحَدِهِمَا أو نَبْلُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ وَالْوَتَرِ مَتَى قَدَرَ عليه فَإِنْ لم يَقْدِرْ على بَدْلِ الْقَوْسِ وَلَا الْوَتَرِ فَهَذَا عُذْرٌ وَكَذَلِكَ إنْ ذَهَبَتْ نَبْلُهُ كُلُّهَا فلم يَقْدِرْ على بَدَلِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ نَبْلِهِ ولم يَقْدِرْ على بَدَلِهِ قِيلَ لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ حتى يَجِدَ الْبَدَلَ وَإِنْ شِئْت فَارْمِ معه بِعَدَدِ ما بَقِيَ في يَدَيْهِ من النَّبْلِ وَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ عليه مِمَّا رَمَى بِهِ من نَبْلِهِ ما يُعِيدُ الرَّمْيَ بِهِ حتى يُكْمِلَ الْعَدَدَ وإذا رَمَوْا اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ من الْعَدَدِ فَاعْتَلَّ وَاحِدٌ من الْحِزْبَيْنِ عِلَّةً ظَاهِرَةً قِيلَ لِلْحِزْبِ الَّذِينَ يُنَاضِلُونَهُ إنْ اصْطَلَحْتُمْ على أَنْ تُجْلِسُوا مَكَانَهُ رَجُلًا من كان فَذَلِكَ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ لم نجبركم ( ( ( نخبركم ) ) ) على ذلك وَإِنْ رضي أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ ولم يَرْضَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ الَّذِينَ لم يَرْضَوْا وإذا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ في مَوْضِعِ شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَأَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ عَيْنَ الشَّمْسِ لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْبِقُ كما لو أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ في اللَّيْلِ أو الْمَطَرِ لم يُجْبَرْ على ذلك الْمُسْبِقُ وَعَيْنُ الشَّمْسِ تَمْنَعُ الْبَصَرَ من السَّهْمِ كما تَمْنَعُهُ الظُّلْمَةُ ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُسْبِقُ أَبَدًا هو الذي يَغْرَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْإِرْسَالِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطَوِّلُ بِالْإِرْسَالِ إلتماس أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أو يَنْسَى صَنِيعَهُ في السَّهْمِ الذي رَمَى بِهِ فَأَصَابَ أو أَخْطَأَ فَيَلْزَمُ طَرِيقَ الصَّوَابِ وَيُسْتَعْتَبُ من طَرِيقِ الْخَطَأِ أو قال هو لم أَنْوِ هذا وَهَذَا يَدْخُلُ على الرَّامِي لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ له ارْمِ كما يَرْمِي الناس لَا مُعَجِّلًا عن أَنْ تَثْبُتَ في مَقَامِك وفي إرْسَالِك وَنَزْعِك وَلَا مُبْطِئًا لِغَيْرِ هذا لإدخال ( ( ( الإدخال ) ) ) الْحَبْسِ على صَاحِبِك وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَفَا في الذي يُوَطِّنُ له فَكَانَ يُرِيدُ الْحَبْسَ أو قال لَا أُرِيدُهُ وَالْمُوَطِّنُ يُطِيلُ الْكَلَامَ قِيلَ للموطن ( ( ( للمواطن ) ) ) وَطِّنْ له بِأَقَلِّ ما يَفْهَمُ بِهِ ولا تطل وَلَا تَعْجَلْ عن أَقَلِّ ما يَفْهَمُ بِهِ وَلَوْ حَضَرَهُمَا من يَحْبِسُهُمَا أو أَحَدُهُمَا أو يلغط ( ( ( يغلط ) ) ) فَيَكُونُ ذلك مُضِرًّا بِهِمَا أو بِأَحَدِهِمَا نُهُوا عن ذلك ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُوَطِّنُ الذي يَكُونُ عِنْدَ الْهَدَفِ فإذا رَمَى الرَّامِي قال دُونَ ذَا قَلِيلٌ أَرْفَعُ من ذَا قَلِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَفَ الرَّامِيَانِ في الْمَوْقِفِ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمَا على أَنْ يَبْدَأَ فَبَدَأَ من عَرْضٍ وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ من الْمُقَامِ ثُمَّ كان لِلْآخَرِ من الْعَرْضِ الْآخَرِ الذي بَدَأَ منه أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ من الْمُقَامِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ سَبَقًا مَعْلُومًا فَنَضَلَهُ الْمُسْبِقُ كان السَّبَقُ في ذِمَّةِ الْمَنْضُولِ حَالًّا يَأْخُذُهُ بِهِ كما يَأْخُذُ بِالدَّيْنِ فَإِنْ أَرَادَ النَّاضِلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمَنْضُولُ أو يَشْتَرِيَ بِهِ النَّاضِلُ ما شَاءَ فَلَا بَأْسَ وهو مُتَطَوِّعٌ بِإِطْعَامِهِ إياء ( ( ( إياه ) ) ) وما نَضَلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحْرِزَهُ ويتموله وَيَمْنَعَهُ منه وَمِنْ غَيْرِهِ وهو عِنْدِي كَرَجُلٍ كان له على رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَسْلَفَهُ الدِّينَارَ وَرَدَّهُ عليه أو أَطْعَمَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ كما هو وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ رَأَيْته مِمَّنْ يُبْصِرُ الرَّمْيَ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ بِعَشْرٍ وَيَجْعَلَ الْقُرَعَ من تِسْعٍ وَمِنْهُمْ من يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرَعُ من عَشْرٍ وَلَا يُجِيزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقُرَعُ لَا يؤتى بِهِ بِحَالٍ إلَّا في أَكْثَرَ من رَشْقٍ فإذا كان لَا يؤتى بِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ من الرَّشْقِ فَسَوَاءٌ قَلَّ ذلك أو كَثُرَ فَهُوَ جَائِزٌ فإذا أَصَابَ الرَّجُلُ بِالسَّهْمِ فَخَسَقَ وَثَبَتَ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ بِهِ حُسِبَ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ وَقَفَ
____________________

(4/236)


رَجُلٌ على أَنْ يَفْلُجَ فَرَمَى بِسَهْمٍ فقال إنْ أَصَبْت فَقَدْ فَلَجْت وَإِنْ لم أُصِبْ ( 1 ) فَالْفَلْجُ لَكُمْ وقال له صَاحِبُهُ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ بِهِ الْفُلُوجُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَبْلُغْهُ بِهِ إذَا أَصَابَهُ وَإِنْ أَخْطَأْت بِهِ فَقَدْ أَنَضَلْتَنِي نَفْسَك فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَهُمَا على أَصْلِ رَمْيِهِمَا لَا يَفْلُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْفُلُوجَ وَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُسْبَقِ أَنْ يُسْلِمَ له السَّبَقَ من غَيْرِ ان يَبْلُغَهُ كان هذا شيئا تَطَوَّعَ بِهِ من مَالِهِ كما وَهَبَ له وإذا كَانُوا في السَّبَقِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ فَبَدَأَ رَجُلَانِ فَانْقَطَعَ أَوْتَارُهُمَا أو وَتَرُ أَحَدِهِمَا كان له أَنْ يَقِفَ من بَقِيَ حتى يُرَكِّبَ وَتَرًا وَيُنْفِدَ نَبْلَهُ وقد رَأَيْت من يقول هذا إذَا رجى ( ( ( رجا ) ) ) أَنْ يتفالجا وَيَقُولُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا والحزب ( ( ( والحرب ) ) ) كُلُّهُ لَا يتفالجون لو أَصَابُوا بِمَا في أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لم يُقَارِبُوا عَدَدَ الْغَايَةِ التي بَيْنَهُمْ يَرْمِي من بَقِيَ ثُمَّ يُتِمُّ هَذَانِ وإذا اقْتَسَمُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قِسْمًا مَعْرُوفًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخْتَار على أَنْ أَسْبِقَ وَلَا يَخْتَارُ على أَنْ يَسْبِقَ وَلَا أَنْ يَقْتَرِعَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَيَسْبِقُ أَيُّهَا شَاءَ مُتَطَوِّعًا لَا مُخَاطَرَةً بِالْقُرْعَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا ( 2 ) من أَنْ يَقُولَ أَرْمِي أنا وَأَنْتَ هذا الْوَجْهُ فَأَيُّنَا أَفْضَلَ على صَاحِبِهِ سَبَقَهُ الْمَفْضُولُ وَالسَّبَقُ على من بَذَلَهُ دُونَ حِزْبِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ حِزْبُهُ أَنْفُسَهُمْ معه في ضَمَانِ السَّبَقِ أو يَأْمُرُوهُ أَنْ يَسْبِقَ عَنْهُمْ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ منهم حِصَّتُهُ على قَدْرِ عَدَدِ الرِّجَالِ لَا على قَدْرِ جَوْدَةِ الرَّمْيِ وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ هذا من وَجْهِ النِّضَالِ فَإِنْ قال إنْ أَخْطَأْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلُ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فقال من معه كنا نَرَاهُ رَامِيًا وَلَسْنَا نَرَاهُ رَامِيًا أو قال أَهْلُ الحزب ( ( ( الحرب ) ) ) الَّذِينَ يَرْمِي عليهم كنا نَرَاهُ غير رَامٍ وهو الْآنَ رَامٍ لم يَكُنْ لهم من إخْرَاجِهِ إلَّا ما لهم من إخْرَاجِ من عَرَفُوا رَمْيَهُ مِمَّنْ قَسَمُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِالرَّمْيِ فَسَقَطَ أو بِغَيْرِ الرَّمْيِ فَوَافَقَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سَبَقَ فُلَانًا دِينَارَيْنِ على أَنِّي شَرِيكٌ في الدِّينَارَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَهَبَ له أَحَدُهُمَا أو كِلَيْهِمَا بَعْدَ ما يَنْضُلُ وَكَذَلِكَ لو تَطَارَدَ ثَلَاثَةٌ فَأَخْرَجَ اثْنَانِ سَبَقَيْنِ وَأَدْخَلَا مُحَلِّلًا لم يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ رَجُلًا لَا يَرْمِي عليه نِصْفَ سَبَقِ أَحَدِهِمَا على أَنَّ له نِصْفَ الْفَضْلِ إنْ أَحْرَزَ على صَاحِبِهِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنَّ له أَنْ يَبْدَأَ عليه رِشْقَيْنِ فَأَكْثَرَ لم يَجُزْ ذلك له وَذَلِكَ أنا إذَا أَعْطَيْنَاهُ ذلك أَعْطَيْنَاهُ فَضْلَ سَهْمٍ أو أَكْثَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو رَمَيَا بِعَشْرٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ الذي بَدَأَ كان لو فَلَجَ بِذَلِكَ السَّهْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ كنا أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَرْمِيَ بِسَهْمٍ يَكُونُ في ذلك الْوَقْتِ فَضْلًا على مُرَاسِلِهِ عن غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ وَإِنَّمَا نُجِيزُ هذا له إذَا تكافئا ( ( ( تكافأ ) ) ) فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْدَأُ في وَجْهٍ وَالْآخَرُ في آخَرَ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّبَقَ مَوْضُوعًا على يَدَيْهِ أو رَهْنًا بِهِ أو حَمِيلًا أو رَهْنًا وَحَمِيلًا أو يَأْمَنَهُ كُلُّ ذلك جَائِزٌ وإذا رَمَيَا إلَى خَمْسِينَ مُبَادَرَةً فَأَفْضَلُ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ خَمْسًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فقال الذي أَفْضَلَ عليه اطْرَحْ فَضْلَك على أَنْ أُعْطِيَك بِهِ شيئا لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُتَفَاسَخَا هذا السَّبَقَ بِرِضَاهُمَا وَيَتَسَابَقَانِ سَبَقًا آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الصَّلَاةِ في الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كان جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو مَدْبُوغًا من جِلْدِ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ما عَدَا جِلْدَ كَلْبٍ أو خِنْزِيرٍ فإن ذلك لَا يطهر ( ( ( يظهر ) ) ) بِالدَّبَّاغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ صلى الرَّجُلُ والمضربة ( ( ( والضربة ) ) ) وَالْأَصَابِعُ عليه فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ عنه غير أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ إنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وإذا كانت عليه الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعُ مَنَعَتَاهُ أَنْ يفضي ( ( ( يقضي ) ) ) بِجَمِيعِ بُطُونِ كَفِيهِ لَا مَعْنَى غير ذلك وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبًا الْقَوْسَ
____________________

(4/237)


وَالْقَرْنَ إلَّا أَنْ يكونا ( ( ( يكون ) ) ) يَتَحَرَّكَانِ عليه حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُ ذلك له وَإِنْ صلى أَجْزَأَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه وَيَخْتَارُ الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبَقِ وَلَا الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبِقِ قال وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ حتى يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُتَنَاضَلِينَ من يَرْمِي معه وَعَلَيْهِ بِأَنْ يَكُون حَاضِرًا يَرَاهُ أو غَائِبًا يَعْرِفُهُ وإذا كان الْقَوْمُ الْمُتَنَاضِلُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً أو أَكْثَرَ كان لِمَنْ له الْإِرْسَالُ وَحِزْبُهُ وَلِمُنَاضِلِيهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّهُمْ شاؤوا كما شاؤوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ وَلَوْ عَقَدُوا السَّبَقَ على أَنَّ فُلَانًا يَكُونُ مُقَدَّمًا وَفُلَانٌ معه وَفُلَانٌ ثَانٍ وَفُلَانٌ معه كان السَّبَقُ مَفْسُوخًا وَلَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ الْقَوْمُ يُقَدِّمُونَ من رَأَوْا تَقْدِيمَهُ وإذا كان الْبَدْءُ لِأَحَدٍ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عليه فَأَصَابَ أو أَخْطَأَ رُدَّ ذلك السَّهْمُ خَاصَّةً وَإِنْ لم يَعْلَمَا حتى يَفْرُغَا من رَمْيِهِمَا رُدَّ عليه السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَرَمَى بِهِ فَإِنْ كان أَصَابَ بِهِ بَطَلَ عنه وَإِنْ كان أَخْطَأَ بِهِ رَمَى بِهِ فَإِنْ أَصَابَ بِهِ حُسِبَ له لِأَنَّهُ رَمَى بِهِ في الْبَدْءِ وَلَيْسَ له الرَّمْيُ بِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ مُصِيبًا كان أو مُخْطِئًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال الْحُكْمُ في قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَمَنْ غَزَا منهم أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَمَنْ عَبَدَ ما اسْتَحْسَنَ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ من كَانُوا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَيُقَاتِلُهُمْ إذَا قوى عليهم حتى يَقْتُلَهُمْ أو يُسْلِمُوا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } الْآيَتَيْنِ وَلِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كان من أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ قُوتِلُوا حتيى ( ( ( حتى ) ) ) يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فإذا أَعْطَوْهَا لم يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ وَلَا إكْرَاهُهُمْ على غَيْرِ دِينِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ وإذا قُوتِلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَمَنْ لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَالْمَحِيضَ منهم وَنِسَاؤُهُمْ الْبَوَالِغُ وَغَيْرُ البوالغ ثُمَّ كَانُوا جميعا فَيْئًا يُرْفَعُ منهم الْخُمُسُ وَيُقَسَّمُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ على من أَوْجَفَ عليهم بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَإِنْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ وَقَهَرُوا من قَاتَلُوهُ منهم حتى تَغَلَّبُوا على بِلَادِهِمْ قُسِّمَتْ الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ قَسْمَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك تُخَمَّسُ وَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ وإذا أُسِرَ الْبَالِغُونَ من الرِّجَالِ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْتُلَهُمْ إنْ لم يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ أو يُعْطِ الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْكِتَابِ أو يَمُنُّ عليهم أو يُفَادِيَهُمْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ منهم أو بِأَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَ لهم أو يَسْتَرِقُّهُمْ فَإِنْ اسْتَرَقَّهُمْ أو أَخَذَ منهم مَالًا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ يُخَمَّسُ وَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ حَكَمْت في الْمَالِ وَالْوِلْدَانِ وَالنِّسَاءِ حُكْمًا وَاحِدًا وَحَكَمْت في الرِّجَالِ أَحْكَامًا مُتَفَرِّقَةً قِيلَ ظَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ فَقَسَّمَ عَقَارَهُمَا من الْأَرَضِينَ وَالنَّخْلِ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَسَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وِلْدَانَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَنِسَاءَهُمْ فَقَسَّمَهُمْ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَأَسَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ بَدْرٍ فَمِنْهُمْ من مَنَّ عليه بِلَا شَيْءٍ أَخَذَهُ منه وَمِنْهُمْ من أَخَذَ منه فِدْيَةً وَمِنْهُمْ من قَتَلَهُ وكان الْمَقْتُولَانِ بَعْدَ الْإِسَارِ يوم بَدْرٍ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بن الحرث وكان من الْمَمْنُونِ عليهم بِلَا فِدْيَةٍ أبو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ تَرَكَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِبَنَاتِهِ وَأَخَذَ عليه عَهْدًا أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يوم أُحُدٍ فَدَعَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَفْلِتَ فما أُسِرَ من الْمُشْرِكِينَ رَجُلًا غَيْرَهُ فقال يا محمد اُمْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأُعْطِيك عَهْدًا أَنْ لَا أَعُودَ لِقِتَالِك فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا تَمْسَحْ
____________________
1- * كِتَابُ الْحُكْمِ في قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ

(4/238)


على عَارِضَيْك بِمَكَّةَ تَقُولُ قد خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ ) فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ أَسَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَامَةَ بن أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ بَعْدُ فَمَنَّ عليه ثُمَّ عَادَ ثُمَامَةُ بن أَثَالٍ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ * أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن قَتْلِهِمْ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن بن كَعْبِ بن مَالِكٍ عن عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى الَّذِينَ بَعَثَ إلَى بن أبي الْحَقِيقِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَعْمِدُونَ بِقَتْلٍ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشُنُّوا عليهم الْغَارَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ أَصَابُوا من النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَحَدًا لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سئل عن أَهْلِ الدَّارِ من الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ من نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( هُمْ منهم ) وَرُبَّمَا قال سُفْيَانُ في الحديث ( هُمْ من آبَائِهِمْ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قائل قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( هُمْ من آبَائِهِمْ ) قِيلَ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ فَإِنْ قال فَلِمَ لَا يَعْمِدُونَ بِالْقَتْلِ قِيلَ لِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَعْمِدُوا بِهِ فَإِنْ قال فَلَعَلَّ الْحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَانِ قِيلَ لَا وَلَكِنْ مَعْنَاهُمَا ما وَصَفْت فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما قُلْت قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لم يَنْهَ عن الْإِغَارَةِ لَيْلًا فَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْقَتْلَ قد يَقَعُ على الْوِلْدَانِ وَعَلَى النِّسَاءِ فَإِنْ قال فَهَلْ أَغَارَ على قَوْمٍ بِبَلَدٍ غَارَيْنِ لَيْلًا أو نَهَارًا قِيلَ نعم أَخْبَرْنَا عُمَرُ بن حَبِيبٍ عن عبد اللَّهِ بن عَوْنٍ أَنَّ نَافِعًا مولى بن عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَغَارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونِ في نِعَمِهِمْ بالمريسيع فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وفي أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِقَتْلِ بن أبي الْحَقِيقِ غَارًّا دَلَالَةٌ على أَنَّ الْغَارَّ يُقْتَلُ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِ كَعْبِ بن الْأَشْرَفِ فَقُتِلَ غَارًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال أَنَسٌ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ لَيْلًا لم يُغِرْ حتى يُصْبِحَ قِيلَ له إذَا كان مَوْجُودًا في سُنَّتِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِمَا وَصَفْنَا من قَتْلِ الْغَارِّينَ وَأَغَارَ على الْغَارِّينَ ولم يَنْهَ في حديث الصَّعْبِ عن الْبَيَاتِ دَلَّ ذلك على أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَكِنَّهُ قد يَتْرُكُ الْغَارَةَ لَيْلًا لَأَنْ يَعْرِفَ الرَّجُلُ من يُقَاتِلُ أو أَنْ لَا يَقْتُلَ الناس بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ من الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَقْتُلُونَ بين الْحِصْنِ وَلَا في الْآكَامِ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ من قِبَلَهُمْ لَا على مَعْنَى أَنَّهُ حَرُمَ ذلك وَفِيمَا وَصَفْنَا من هذا كُلِّهِ ما يَدُلُّ على أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ أو إلَى الْجِزْيَةِ إنَّمَا هو وَاجِبٌ لِمَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ فَأَمَّا من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُ قبل أَنْ يُدْعَى وَإِنْ دَعَوْهُ فَذَلِكَ لهم من قِبَلِ أَنَّهُمْ إذَا كان لهم تَرْكُ قِتَالِهِ بِمُدَّةٍ تَطُولُ فَتَرْكُ قِتَالِهِ إلَى أَنْ يدعي أَقْرَبُ فَأَمَّا من لم تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلُوا حتى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ إنْ كَانُوا من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أو إلَى الْإِيمَانِ أو إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ إنْ كَانُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ من وَرَاءِ عَدُوِّنَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَا أُمَّةً من الْمُشْرِكِينَ فَلَعَلَّ أُولَئِكَ أَنْ لَا تَكُونَ الدَّعْوَةُ بَلَغَتْهُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَ الرُّومِ أو التُّرْكِ ( 1 ) أو الْخَزَرِ أُمَّةً لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا من الْمُشْرِكِينَ لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَدَاهُ إنْ كان نَصْرَانِيًّا أو يَهُودِيًّا دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ أو يَهُودِيٍّ وَإِنْ كان وَثَنِيًّا أو مَجُوسِيًّا دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَإِنْ قَاتَلَ النِّسَاءَ أو من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ لم يَتَوَقَّ ضَرْبَهُمْ
____________________

(4/239)


بِالسِّلَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ ذلك إذَا لم يَتَوَقَّ من الْمُسْلِمِ إذَا أَرَادَ دَمَ الْمُسْلِمِ كان ذلك من نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ منهم أَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَقَّى وَكَانُوا قد زَايَلُوا الْحَالَ التي نهى عن قَتْلِهِمْ فيها وإذا أُسِرُوا أو هَرَبُوا أو جُرِحُوا وَكَانُوا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ فَلَا يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ قد زَايَلُوا الْحَالَ التي أُبِيحَتْ فيها دِمَاؤُهُمْ وَعَادُوا إلَى أَصْلِ حُكْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَمْنُوعِينَ بِأَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُمْ بِالْقَتْلِ وَيَتْرُكَ قَتْلَ الرُّهْبَانِ وَسَوَاءٌ رُهْبَانُ الصَّوَامِعِ وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ والصحارى وَكُلُّ من يَحْبِسُ نَفْسَهُ بِالتَّرَهُّبِ تَرَكْنَا قَتْلَهُ اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كان لنا أَنْ نَدَعَ قَتْلَ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ بَعْدَ الْمَقْدِرَةِ وَقَتْلَ الرِّجَالِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ لم نَكُنْ آثِمِينَ بِتَرْكِ الرُّهْبَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هذا تَبَعًا لَا قِيَاسًا وَلَوْ أَنَّا زَعَمْنَا انا تَرَكْنَا قَتْلَ الرُّهْبَانِ لِأَنَّهُمْ في مَعْنَى من لَا يُقَاتِلُ تَرَكْنَا قَتْلَ الْمَرْضَى حين نُغِيرُ عليهم وَالرُّهْبَانَ وَأَهْلَ الْجُبْنَ وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ وَأَهْلَ الصِّنَاعَاتِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّهُ يُقْتَلُ من لَا قِتَالَ منه من الْمُشْرِكِينَ قِيلَ قَتَلَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ دُرَيْدَ بن الصِّمَّةِ وهو في شِجَارٍ مَطْرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُثْبِتَ جَالِسًا وكان قد بَلَغَ نَحْوًا من خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فلم يَعِبْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ عَابَ أَنْ نَقْتُلَ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ من عَدَا الرُّهْبَانَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَابَ قَتْلُ من عَدَا الرُّهْبَانَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ لم يُقْتَلْ الْأَسِيرُ وَلَا الْجَرِيحُ الْمُثْبَتُ وقد ذُفِّفَ على الْجَرْحَى بِحَضْرَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منهم أبو جَهْلِ بن هِشَامٍ ذَفَّفَ عليه بن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ وإذا لم يَكُنْ في تَرْكِ قَتْلِ الرَّاهِبِ حُجَّةٌ إلَّا ما وَصَفْنَا غَنِمْنَا كُلَّ مَالٍ له في صَوْمَعَتِهِ وَغَيْرِ صَوْمَعَتِهِ ولم نَدَعْ له منه شيئا لِأَنَّهُ لَا خبر ( ( ( خير ) ) ) في أَنْ يُتْرَكَ ذلك له فَيُتْبَعَ وَتُسْبَى أَوْلَادُ الرُّهْبَانِ وَنِسَاؤُهُمْ إنْ كَانُوا غير مُتَرَهَّبِينَ وَالْأَصْلُ في ذلك أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَمْنَعُ مَالَهُ قِيلَ كما لَا أَمْنَعُ مَالَ الْمَوْلُودِ وَالْمَرْأَةِ وَأَمْنَعُ دِمَاءَهُمَا وَأُحِبُّ لو تَرَهَّبَ النِّسَاءُ تَرْكَهُنَّ كما أَتْرُكُ الرِّجَالَ فَإِنْ تَرَهَّبَ عَبْدٌ من الْمُشْرِكِينَ أو أَمَةٌ سَبَيْتهمَا من قِبَلِ أَنَّ السَّيِّدَ لو أَسْلَمَ قَضَيْت له أَنْ يَسْتَرِقَّهُمَا وَيَمْنَعَهُمَا التَّرَهُّبَ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ لَا يَمْلِكُونَ من أَنْفُسِهِمْ ما يَمْلِكُ الْأَحْرَارُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما الْفَرْقُ بين الْمَمَالِيكِ وَالْأَحْرَارِ قِيلَ لَا يُمْنَعُ حُرٌّ من غَزْوٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا تَشَاغُلٍ بِبِرٍّ عن صَنْعَتِهِ بَلْ يُحْمَدُ على ذلك وَيَكُونُ الْحَجُّ وَالْغَزْوُ لَازِمِينَ له في بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلِمَالِكِ الْعَبْدِ مَنْعُهُ من ذلك وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْعَبْدَ من هذا شَيْءٌ - * الْخِلَافُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَجُوسِ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ أَهْلُ كِتَابٍ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال أَمَّا الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا صِنْفَانِ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وفي الحديث ما يَدُلُّ على أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَهُمْ ( 1 ) فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا أُبِيحَ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ فَكُلُّ مُشْرِكٍ عَابِدِ وَثَنٍ أو غَيْرِهِ فَحَرَامٌ إذَا أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَنْ لاتقبل منه وَحَالُهُمْ حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ في أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ وَتُحْقَنَ دِمَاؤُهُمْ بها إلَّا الْعَرَبَ خَاصَّةً فَلَا يُقْبَلُ منهم إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ وقال لي بَعْضُ من يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ ما حُجَّتُك في أَنْ حَكَمْت في الْمَجُوسِ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ ولم تَحْكُمْ بِذَلِكَ في غَيْرِ الْمَجُوسِ فَقُلْت الْحُجَّةُ أَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن أبي سَعِيدٍ عن نَصْرِ بن عَاصِمٍ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه سئل عن الْمَجُوسِ فقال ( كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ ) فما قَوْلُهُ ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْت كَلَامٌ عَرَبِيٌّ
____________________

(4/240)


وَالْكِتَابَانِ الْمَعْرُوفَانِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَلِلَّهِ كُتُبٌ سِوَاهُمَا قال وما دَلَّ على ما قُلْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى } فَالتَّوْرَاةُ كِتَابُ مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ كِتَابُ عِيسَى وَالصُّحُفُ كِتَابُ إبْرَاهِيمِ ما لم تَعْرِفْهُ الْعَامَّةُ من الْعَرَبِ حتى أَنْزَلَ اللَّهُ وقال الله عز وجل { وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ من بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قال فما مَعْنَى قَوْلِهِ ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْنَا في أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ قال فما دَلَّ على أَنَّهُ كَلَامٌ خَاصٌّ قُلْنَا لو كان عَامًّا أَكَلْنَا ذَبَائِحَهُمْ وَنَكَحْنَا نِسَاءَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَفِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ حُكْمٌ وَاحِدٌ أو حُكْمَانِ قِيلَ بَلْ حُكْمَانِ قال وَهَلْ يُشْبِهُ هذا شَيْءٌ قُلْنَا نعم حَكَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَنْ قُتِلَ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ غير الْمَجُوسِ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ قِيَاسًا على الْمَجُوسِ قُلْنَا فَأَيْنَ ذَهَبْت عن قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } إلَى { فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) فَإِنْ زَعَمْت أنها وَالْحَدِيثَ مَنْسُوخَانِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } وَبِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْنَا فَإِذْ زَعَمْت ذلك دخل عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ مِمَّنْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لم يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ قال فَإِنْ قُلْت لَا يَصْلُحُ أَنْ تعطى الْعَرَبُ الْجِزْيَةُ قُلْنَا أو لَيْسُوا دَاخِلِينَ في اسْمِ الشِّرْكِ قال بَلَى وَلَكِنْ لم أَعْلَمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ منهم جِزْيَةً قُلْنَا أَفَعَلِمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ جِزْيَةً من غَيْرِ كِتَابِيٍّ أو مَجُوسِيٍّ قال لَا قُلْنَا فَكَيْفَ جَعَلْت غير الْكِتَابِيِّينَ من الْمُشْرِكِينَ قِيَاسًا على الْمَجُوسِ أَرَأَيْتَ لو قال لَك قَائِلٌ بَلْ آخُذُهَا من الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ليس من أَهْلِ الْكِتَابِ ما تَقُولُ له قال أَفَتَزْعُمُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من عَرَبِيٍّ قُلْنَا نعم وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يأخذونها ( ( ( يأخذوها ) ) ) حتى السَّاعَةِ من الْعَرَبِ قد صَالَحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وَصَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَالْيَمَنِ وَمِنْهُمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَبَنِي نُمَيْرٍ إذْ كَانُوا كلهم يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ إلَى الْيَوْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَازَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ نَاسِخٌ لِلْآخَرِ جَازَ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ في الْقُرْآنِ وَمِنْ الْمَجُوسِ في السُّنَّةِ مَنْسُوخٌ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا وَقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَاسِخٌ إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَمْضِيَانِ جميعا على وُجُوهِهِمَا ما كان إلَى إمْضَائِهِمَا سَبِيلٌ بِمَا وَصَفْنَا وَذَلِكَ إمْضَاءُ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رَسُولِهِ مَعًا وَقَوْلُك خَارِجٌ من ذلك في بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قال فقال لي أَفَعَلَيَّ أَيَّ شَيْءٍ الْجِزْيَةُ قُلْنَا على الْأَدْيَانِ لَا على الْأَنْسَابِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّ الذي قُلْت على ما قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سَخَطٌ وما رَأَيْنَا اللَّهَ عز وجل فَرَّقَ بين عَرَبِيٍّ وَلَا عَجَمِيٍّ في شِرْكٍ وَلَا إيمَانٍ وَلَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّا لَنَقْتُلُ كُلًّا بِالشِّرْكِ وَنَحْقِنُ دَمَ كل بِالْإِسْلَامِ وَنَحْكُمُ على كُلٍّ بِالْحُدُودِ فِيمَا أَصَابُوا وَغَيْرَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على رِجَالٍ من الْعَدُوِّ فَأَسَرُوهُمْ فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ مَرْقُوقُونَ لَا تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَأَيُّ حَالٍ أَسْلَمُوا فيها قبل الْإِسَارِ حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ إلَّا ما حَوَوْا قبل أَنْ يُسْلِمُوا وَكَانُوا أَحْرَارًا ولم يُسْبَ من ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ الْبَالِغُونَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ في الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمُوا وقد حُصِرُوا في مَدِينَةٍ أو بَيْتٍ أو أَحَاطَتْ بِهِمْ الْخَيْلُ أو غَرِقُوا في الْبَحْرِ فَكَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّنْ أَرَادَ أَخْذُهُمْ أو وَقَعُوا في نَارٍ أو بِئْرٍ وَخَرَجُوا وَكَانُوا غير مُمْتَنِعِينَ كَانُوا بهذا كُلِّهِ مَحْقُونِي الدِّمَاءِ مَمْنُوعِينَ من أَنْ يُسْبَوْا وَلَكِنْ لو سُبُوا فَرُبِطُوا أو سُجِنُوا غير مَرْبُوطِينَ أو صَارُوا إلَى الإستسلام
____________________

(4/241)


فَأَمَرَ بِهِمْ الْحَاكِمُ قَوْمًا يَحْفَظُونَهُمْ فَأَسْلَمُوا حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ وَجَرَى السَّبْيُ عليهم فَإِنْ قال ما فَرْقٌ بين هذه الْحَالِ وَبَيْنَ الْمُحَاطِ بِهِمْ في صَحْرَاءَ أو بَيْتٍ أو مَدِينَةٍ قِيلَ قد يَمْتَنِعُ أُولَئِكَ حتى يَغْلِبُوا من أَحَاطَ بِهِمْ أو يَأْتِيَهُمْ الْمَدَدُ أو يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ فَيَهْرُبُوا وَلَيْسَ من كان بِهَذِهِ الْحَالِ مِمَّنْ يَقَعُ عليه اسْمُ السَّبْيِ إنَّمَا يَقَعُ عليه اسْمُ السَّبْيِ إذَا حَوَى غير مُمْتَنِعٍ وَلَوْ أُسِرَ جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ على مُشْرِكِينَ مِثْلِهِمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَدْ قِيلَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَقِيلَ قَاتَلَ الزُّبَيْرُ وَأَصْحَابٌ له بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ مُشْرِكِينَ عن مُشْرِكِينَ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال وما يَحْرُمُ من الْقِتَالِ مَعَهُمْ وَدِمَاءُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ بِالشِّرْكِ وَلَوْ قال قَائِلٌ قِتَالُهُمْ حَرَامٌ لِمَعَانٍ منها أَنَّ وَاجِبًا على من ظَهَرَ من الْمُسْلِمِينَ على الْمُشْرِكِينَ فَغَنِمَ فَالْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ في الْبُلْدَانِ وَهَذَا لَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ مِمَّا غَنِمَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الْإِمَامِ فَيُفَرِّقَهُ وَوَاجِبٌ عليهم ان قَاتَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ فَأَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَنْ يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَهَذَا إنْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لم يَقْدِرْ على أَنْ يَمْنَعَهُمْ حتى يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ كان مَذْهَبًا وَإِنْ لم يَسْتَكْرِهُوهُمْ على قِتَالِهِمْ كان أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا وَلَا نَعْلَمُ خَبَرَ الزُّبَيْرِ يَثْبُت وَلَوْ ثَبَتَ كان النَّجَاشِيُّ مُسْلِمًا كان آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَلَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه وإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ فَسَرَتْ سَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ أو قَلِيلَةٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِ إذْنِهِ فَسَوَاءٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِخِصَالٍ منها أَنَّ الْإِمَامَ يُغْنِي عن الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِيهِ من الْخَبَرِ ما لَا تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ فَيَقْدَمُ بِالسَّرِيَّةِ حَيْثُ يَرْجُو قُوَّتَهَا وَيَكُفُّهَا حَيْثُ يَخَافُ هَلَكَتَهَا وَإِنْ أَجْمَعَ لِأَمْرِ الناس أَنْ يَكُونَ ذلك بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَإِنَّ ذلك أَبْعَدُ من الضَّيْعَةِ لِأَنَّهُمْ قد يَسِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيَرْحَلُ وَلَا يُقِيمُ عليهم فَيُتْلِفُونَ إذَا انْفَرَدُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَيَسِيرُونَ وَلَا يَعْلَمُ فَيَرَى الْإِمَامُ الْغَارَّةَ في نَاحِيَتِهِمْ فَلَا يُعِينُهُمْ وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُمْ أَعَانَهُمْ وأما أَنْ يَكُونَ ذلك يَحْرُمُ عليهم فَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ الْجَنَّةَ فقال له رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ إنْ قُتِلْت صَابِرًا مُحْتَسِبًا قال ( فَلَكَ الْجَنَّةُ ) قال فَانْغَمَسَ في جَمَاعَةِ الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ دِرْعًا كانت عليه حين ذَكَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ في الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ تَخَلَّفَ عن أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَرَأَى الطَّيْرَ عُكُوفًا على مُقْتَلَةِ أَصْحَابِهِ فقال لِعَمْرِو بن أُمَيَّةَ سَأَتَقَدَّمُ إلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْتُلُونِي وَلَا أَتَخَلَّفُ عن مَشْهَدٍ قُتِلَ فيه أَصْحَابُنَا فَفَعَلَ فَقُتِلَ فَرَجَعَ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ فذكر ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال فيه قَوْلًا حَسَنًا وَيُقَالُ فقال لِعَمْرٍو فَهَلَّا تَقَدَّمْت فَقَاتَلْت حتى تُقْتَلَ فإذا حَلَّ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ على الْجَمَاعَةِ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ من رَآهُ أنها سَتَقْتُلُهُ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد رَآهُ حَيْثُ لَا يَرَى وَلَا يَأْمَنُ كان هذا أَكْثَرَ مِمَّا في انْفِرَادِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ وقال { يا أَيُّهَا النبي حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ } إلَى قَوْلِهِ { وَاَللَّهُ مع الصَّابِرِينَ } أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ وَمُسْتَغْنٍ بِالتَّنْزِيلِ عن التَّأْوِيلِ لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ عز وجل من أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ من الْمِائَتَيْنِ فَكَانَ هذا الْوَاحِدُ من الْعَشَرَةِ ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى ان لَا تَفِرُّ الْمِائَةُ من الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ من الرَّجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن بن عَبَّاسٍ قال من فَرَّ من ثَلَاثَةٍ فلم يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ من اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وَقَوْلِنَا وَهَؤُلَاءِ الْخَارِجُونَ من السَّخَطِ إنْ فَرُّوا من
____________________

(4/242)


أَكْثَرَ منهم حتى يَكُونَ الْوَاحِدُ فَرَّ من ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فِيمَا نرى ( ( ( ترى ) ) ) وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الفارين ( ( ( بالفارين ) ) ) بِكُلِّ حَالٍ أَمَّا الَّذِينَ يَجِبُ عليهم السَّخَطُ فإذا فَرَّ الْوَاحِدُ من اثْنَيْنِ فَأَقَلُّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا وَالْمُتَحَرِّفُ له يَمِينًا وَشِمَالًا وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ وَالْفَارُّ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ من الْمُسْلِمِينَ قُلْت أو كَثُرَتْ كانت بِحَضْرَتِهِ أو مُنْتَئِيَةً عنه سَوَاءٌ إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ في ذلك إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ وَالْمُتَحَيِّزُ فَإِنْ كان اللَّهُ عز وجل يَعْلَمُ أنه إنَّمَا تَحَرَّفَ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ أو تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الذي اسْتَثْنَى اللَّهُ فَأَخْرَجَهُ من سَخَطِهِ في التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ وَإِنْ كان لِغَيْرِ هذا الْمَعْنَى خِفْت عليه إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنْ يَكُونَ قد بَاءَ بِسَخَطٍ من اللَّهِ وإذا تَحَرَّفَ إلَى الْفِئَةِ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَنْفَرِدَ إلَى الْعَدُوِّ فَيُقَاتِلَهُمْ وَحْدَهُ وَلَوْ كان ذلك الْآنَ لم يَكُنْ له أَوَّلًا أَنْ يَتَحَرَّفَ وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وقد بَارَزَ يوم بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بن الحرث وَحَمْزَةُ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَارَزَ محمد بن مَسْلَمَةَ مُرَحِّبًا يوم خَيْبَرَ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَبَارِز يَوْم الْخَنْدَقِ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ عَمْرَو بن عبد وُدٍّ وإذا بَارَزَ الرَّجُلُ من الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ أو يُدْعَى إلَى الْمُبَارَزَةِ فَبَرَزَ له رَجُلٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَهُ عليه غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ لم يُعْطُوهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ ولم يَسْأَلْهُمْ ذلك وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَاحِدٌ فَقَدْ تَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ فَضَرَبَ عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَأَرْخَى عَاتِقَهُ الْأَيْسَرَ وَضَرَبَهُ عَتَبَة فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَقَتَلَا عُتْبَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا إنْ دَعَا مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أو مُشْرِكٌ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يُبَارِزَهُ فقال له لَا يُقَاتِلُك غَيْرِي أو لم يَقُلْ له ذلك إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى مُبَارَزَةِ الْوَاحِدِ كُلٌّ من الْفَرِيقَيْنِ مَعًا سِوَى الْمُبَارِزَيْنِ أَحْبَبْت أَنْ يَكُفَّ عن أَنْ يَحْمِلَ عليه غَيْرُهُ فَإِنْ وَلَّى عنه الْمُسْلِمُ أو جَرَحَهُ ( 1 ) فَأَثْخَنَهُ فَحَمَلَ عليه بَعْدَ تَبَارُزِهِمَا فَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إنْ قَدَرُوا على ذلك لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قد انْقَضَى وَلَا أَمَانَ له عليهم إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمَنَ منهم حتى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ من الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لهم قَتْلُهُ حتى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَوْ شَرَطُوا ذلك له فَخَافُوهُ على الْمُسْلِمِ أو يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَنْقِذُوا الْمُسْلِمَ منه بِلَا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ وَإِنْقَاذَ صَاحِبِهِمْ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ وَلَوْ عَرَضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فقال أنا مِنْكُمْ في أَمَانٍ قالوا نعم إنْ خَلَّيْتنَا وَصَاحِبَنَا فَإِنْ لم تَفْعَلْ تَقَدَّمْنَا لِأَخْذِ صَاحِبِنَا فَإِنْ قَاتَلْتنَا قَاتَلْنَاك وَكُنْت أنت نَقَضْت أَمَانَك فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُعَانُ الرَّجُلُ المبارز ( ( ( البارز ) ) ) على الْمُشْرِكِ قَاهِرًا له قِيلَ إنَّ مَعُونَةَ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ على عُتْبَةَ إنَّمَا كانت بَعْدَ أَنْ لم يَكُنْ في عبيدة قِتَالٌ ولم يَكُنْ منهم لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عنه فَإِنْ تَشَارَطَا الْأَمَانَ فَأَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كان لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا من أَعَانَ عليه الْمُبَارِزِ له وَلَا يَقْتُلُوا الْمُبَارِزَ ما لم يَكُنْ هو اسْتَنْجَدَهُمْ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ في جَبَلٍ أو حِصْنٍ أو خَنْدَقٍ أو بِحَسَكٍ أو بِمَا يُتَحَصَّنُ بِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمُوا بِالْمَجَانِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ وَالنِّيرَانِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَكُلُّ ما يَكْرَهُونَهُ وَأَنْ يَبْثُقُوا عليهم الْمَاءَ لِيُغْرِقُوهُمْ أو يُوحِلُوهُمْ فيه وَسَوَاءٌ كان مَعَهُمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ أو لم يَكُونُوا لِأَنَّ الدَّارَ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامٍ وَلَا عَهْدٍ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ الْمُثْمِرَ وَغَيْرَ الْمُثْمِرِ وَيُخَرِّبُوا عَامِرَهُمْ وَكُلَّ ما لَا رُوحَ فيه من أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت وَفِيهِمْ الوالدان ( ( ( الولدان ) ) ) وَالنِّسَاءُ المنهي عن قَتْلِهِمْ قِيلَ الْحُجَّةُ فيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَصَبَ على أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أو عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا * أخبرنا أبو ضَمْرَةَ أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
____________________

(4/243)


وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فقال قَائِلٌ % وَهَانَ على سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ % حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ نهى بَعْدَ التَّحْرِيقِ في أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نهى عنه أَنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَهُ بها فَكَانَ تَحْرِيقُهُ إذْهَابًا منه لِعَيْنِ مَالِهِ وَذَلِكَ في بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ حَرَّقَ أو قَطَّعَ بَعْدَ ذلك قِيلَ نعم قَطَّعَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ وَبِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا لَقِيَ فيها قِتَالًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت الرَّمْيَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَبِالنَّارِ على جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ وَهُمْ مَنْهِيٌّ عن قَتْلِهِمْ قِيلَ أَجَزْنَا بِمَا وَصَفْنَا وَبِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَنَّ الْغَارَةَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَبِالتَّحْرِيقِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ فِيهِمْ الْوِلْدَانَ وَالنِّسَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ دَارُ شِرْكٍ غَيْرِ مَمْنُوعَةٍ وَإِنَّمَا نهى أَنْ تُقْصَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ بِالْقَتْلِ إذَا كان قَاتِلُهُمْ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِلْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبَاهُمْ فَجَعَلَهُمْ مَالًا وقد كَتَبَ هذا قبل هذا فَإِنْ كان في الدَّارِ أُسَارَى من الْمُسْلِمِينَ أو تُجَّارٌ مُسْتَأْمَنُونَ كَرِهْت النُّصْبَ عليهم بِمَا يَعُمُّ من التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وما أَشْبَهَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ له تَحْرِيمًا بَيِّنًا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ إذَا كانت مُبَاحَةً فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ تَحْرُمَ بِأَنْ يَكُونَ فيها مُسْلِمٌ يَحْرُمُ دَمُهُ وَإِنَّمَا كَرِهْت ذلك احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ مُبَاحًا لنا لو لم يَكُنْ فيها مُسْلِمٌ أَنْ نجاوزها ( ( ( تجاوزها ) ) ) فَلَا نُقَاتِلُهَا وَإِنْ قَاتَلْنَاهَا قَاتَلْنَاهَا بِغَيْرِ ما يَعُمُّ من التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَلَكِنْ لو الْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ أو بَعْضُهُمْ ( 1 ) فَكَانَ الذي يَرَوْنَ أَنَّهُ يَنْكَأُ من التحمهم يُغْرِقُوهُ أو يُحَرِّقُوهُ كان ذلك رَأَيْت لهم أَنْ يَفْعَلُوا ذلك ولم أَكْرَهْهُ لهم بِأَنَّهُمْ مَأْجُورُونَ أَجْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الدَّفْعُ عن أَنْفُسِهِمْ وَالْآخَرُ نِكَايَةُ عَدُوِّهِمْ غير مُلْتَحِمِينَ فَتَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَتَوَقَّوْنَ وَيُضْرَبُ الْمُتَتَرِّسُ منهم وَلَا يَعْمِدُ الطِّفْلُ وقد قِيلَ يُكَفُّ عن الْمُتَتَرِّسِ بِهِ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ رَأَيْت أَنْ يُكَفَّ عَمَّنْ تَتَرَّسُوا بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمِينَ فَلَا يَكُفُّ عن الْمُتَتَرِّسِ وَيُضْرَبُ الْمُشْرِكُ وَيَتَوَقَّى الْمُسْلِمُ جَهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ مُسْلِمًا أَعْتَقَ رَقَبَةً وإذا حَاصَرْنَا الْمُشْرِكِينَ فَظَفِرْنَا لهم بِخَيْلٍ أَحْرَزْنَاهَا أو بنابها عَنْهُمْ فَرَجَعَتْ عَلَيْنَا واستلحمنا وَهِيَ في أَيْدِينَا أو خِفْنَا الدَّرْكَ وَهِيَ في أَيْدِينَا وَلَا حَاجَةَ لنا بِرُكُوبِهَا إنَّمَا نُرِيدُ غَنِيمَتَهَا أو بِنَا حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِهَا أو كانت مَعَهَا مَاشِيَةٌ ما كانت أو نَحْلٌ أو ذُو رُوحٍ من أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ اتِّخَاذُهُ لِمَأْكَلَةٍ فَلَا يَجُوزُ عُقْرُ شَيْءٍ منها وَلَا قَتْلُهُ بِشَيْءٍ من الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ نَذْبَحَهُ كما قال أبو بَكْرٍ ( لَا تَعْقِرُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تُغْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُحَرِّقَنَّهُ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال أبو بَكْرٍ ( وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا فَقَطَعْته ) قِيلَ فَإِنَّا قَطَعْنَاهُ بِالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان أَوْلَى بِي وَبِالْمُسْلِمِينَ ولم أَجِدْ لِأَبِي بَكْرٍ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مُخَالِفًا من كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مِثْلِهِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا حَفِظْت فَلَوْ لم يَكُنْ فيه إلَّا اتِّبَاعُ أبي بَكْرٍ كانت في اتِّبَاعِهِ حُجَّةٌ مع أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ على مِثْلِ ما قال أبو بَكْرٍ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما السُّنَّةُ قُلْنَا أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن صُهَيْبٍ مولى بَنِي عَامِرٍ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عز وجل عن قَتْلِهِ ) قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وما حَقُّهَا قال ( أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا ) وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَة وَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ قَتْلَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْمَأْكُولِ بِوَاحِدٍ من مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُذَكَّى فَتُؤْكَلَ إذَا قَدَرَ
____________________

(4/244)


عليها والآخر أن تُذَكَّى بِالرَّمْيِ إذَا لم يَقْدِرْ عليها ولم أَجِدْهُ أَبَاحَ قَتْلَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَقَتْلُهَا لِغَيْرِ هذا الْوَجْهِ عِنْدِي مَحْظُورٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي ذلك نِكَايَتُهُمْ وَتَوْهِينٌ وَغَيْظٌ قُلْنَا وقد يُغَاظُونَ بِمَا يَحِلُّ فَنَفْعَلُهُ وَبِمَا لَا يَحِلُّ فَنَتْرُكُهُ فَإِنْ قال وَمِثْلُ ما يُغَاظُونَ بِهِ فَنَتْرُكُهُ قُلْنَا قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَهُمْ لو أَدْرَكُونَا وَهُمْ في أَيْدِينَا لم نَقْتُلْهُمْ وَكَذَلِكَ لو كان إلَى جَنْبِنَا رُهْبَانٌ يَغِيظُهُمْ قَتْلُهُمْ لم نَقْتُلْهُمْ وَلَكِنْ إنْ قَاتَلُوا فُرْسَانًا لم نَرَ بَأْسًا إذَا كنا نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَرْجَالِهِمْ أَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ كما نَرْمِيهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَإِنْ أَصَابَ ذلك غَيْرُهُمْ وقد عَقَرَ حَنْظَلَةُ بن الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ يوم أُحُدٍ فانكسعت ( ( ( فانعكست ) ) ) بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عنها فَجَلَسَ على صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ فَرَآهُ بن شَعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ يَعْدُو كَأَنَّهُ سَبْعٌ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ من تَحْتِهِ فقال أبو سُفْيَانَ بَعْدَ ذلك شِعْرًا % فَلَوْ شِئْت نَجَتْنِي كُمَيْتَ رَجِيلَةٍ * % ولم أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ % وما زَالَ مَهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ منهم * % لَدُنْ غَدْوَةٍ حتى دَنَتْ لِغُرُوبِ % أُقَاتِلُهُمْ طُرًّا وَأَدْعُو لِغَالِبٍ * % وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْعَقْرِ بِهِمْ وَعَقْرِ بَهَائِمِهِمْ قِيلَ الْعَقْرُ بِهِمْ يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا دَفْعٌ عن الْعَاقِرِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ أَدَاةٌ عليه يُقْبِلُ بِقُوَّتِهِ وَيَحْمِلُ عليه فَيَقْتُلُهُ وَالْآخَرُ يَصِلُ بِهِ إلَى قَتْلِ الْمُشْرِكِ وَالدَّوَابِّ تُوجِفُ أو يَخَافُ طَلَبَ الْعَدُوِّ لها إذَا قُتِلَتْ لَيْسَتْ في وَاحِدٍ من هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لَا أَنَّ قَتْلَهَا مَنْعُ الْعَدُوِّ لِلطَّلَبِ وَلَا أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ من قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَى ما لم يَكُنْ يَصِلُ إلَيْهِ قبل قَتْلِهَا وإذا أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُمْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ ولم يُجَاوِزُوا ذلك إلَى أَنْ يُمَثِّلُوا بِقَطْعِ يَدٍ وَلَا رِجْلٍ وَلَا عُضْوٍ وَلَا مِفْصَلٍ وَلَا بَقَرِ بَطْنٍ وَلَا تَحْرِيقٍ وَلَا تَغْرِيقٍ وَلَا شَيْءٍ يَعْدُو ما وَصَفْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُثْلَةِ وَقَتْلِ من قُتِلَ كما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ قد قَطَعَ أَيْدِي الَّذِينَ اسْتَاقُوا لِقَاحَهُ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فإن أَنَسَ بن مَالِكٍ وَرَجُلًا رَوَيَا هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ رَوَيَا فيه أو أَحَدُهُمَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخْطُبْ بَعْدَ ذلك خُطْبَةً إلَّا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عن الْمُثْلَةِ أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بن الْأَسْوَدِ كان قد أَصَابَ زَيْنَبَ بِنْتِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِشَيْءٍ فَبَعَثَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَرِيَّةً فقال ( إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بن الْأَسْوَدِ فَاجْعَلُوهُ بين حُزْمَتَيْنِ من حَطَبٍ ثُمَّ أَحْرَقُوهُ ) ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُبْحَانَ اللَّهِ ما يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ عز وجل إنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ فَاقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان عَلِيُّ بن حُسَيْنٍ يُنْكِرُ حَدِيثَ أَنَسٍ في أَصْحَابِ اللِّقَاحِ * أخبرنا بن أبي يحيى عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ قال وَاَللَّهِ ما سَمَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَيْنًا وَلَا زَادَ أَهْلَ اللِّقَاحِ على قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأُسَارَى من الْمُسْلِمِينَ في بِلَادِ الْحَرْبِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو يَغْصِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَصِيرُونَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عليهم إذَا صَارُوا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَمْنَعُ الدَّارُ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل وَيُؤَدُّونَ كُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عليهم لَا تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ شيئا من الْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُمْ لو كَانُوا من الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمُوا ولم يَعْرِفُوا الْأَحْكَامَ فنال ( ( ( وأصاب ) ) ) بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ شيئا بِجِرَاحٍ أو قَتْلٍ دَرَأْنَا عَنْهُمْ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ وَأَلْزَمْنَاهُمْ الدِّيَةَ في أَمْوَالِهِمْ وَأَخَذْنَا منهم في أَمْوَالِهِمْ كُلَّ ما أَصَابَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَكَذَلِكَ لو زَنَى رَجُلٌ منهم بِامْرَأَةٍ وهو لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزنى مُحَرَّمٌ دَرَأْنَا عنه الْحَدَّ بِأَنَّ الْحُجَّةَ لم تَقُمْ وَتُطْرَحُ عنه حُقُوقُ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً أُسِرَتْ أو اُسْتُؤْمِنَتْ مِمَّنْ قد قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ
____________________

(4/245)


فامكنته من نَفْسِهَا حدت ( ( ( حدث ) ) ) ولم يَكُنْ لها مَهْرٌ ولم يَكُنْ عليه حَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ وَدَرَأْنَا عنه الْحَدَّ وَجَعَلْنَا لها الْمَهْرَ وَلَوْ سَرَقَ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ شيئا دَرَأْنَا عنه الْقَطْعَ وَأَلْزَمْنَاهُ الْغَرَامَةَ وَلَوْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ رَدَدْنَا الرِّبَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ هذا من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وقال في الْقَوْمِ من الْمُسْلِمِينَ يَنْصِبُونَ الْمَجَانِيقَ على الْمُشْرِكِينَ فَيَرْجِعُ عليهم حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ فَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ فَهَذَا قَتْلُ خَطَأٍ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِينَ على عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ قَدْرَ حِصَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَأَنَّهُ جَرَّ حبل الْمَنْجَنِيقَ عَشَرَةٌ فَرَجَعَ الْحَجَرُ على خَمْسَةٍ منهم فَقَتَلَهُمْ فَأَنْصَافُ دِيَاتِهِمْ على عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا بِفِعْلِهِمْ وَفِعْلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يُؤَدُّونَ حِصَّتَهُمْ من فِعْلِهِمْ فَهُمْ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ مع غَيْرِهِمْ وَلَوْ رَجَعَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ على رَجُلٍ لم يَجُرَّهُ كان قَرِيبًا من الْمَنْجَنِيقِ أو بَعِيدًا مُعِينًا لِأَهْلِ الْمَنْجَنِيقِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أو غَيْرِ مُعِينٍ لهم كانت دِيَتُهُ على عَوَاقِلِ الْجَارِّينَ كُلِّهِمْ وَلَوْ كان فِيهِمْ رَجُلٌ يُمْسِكُ لهم من الْحِبَالِ التي يَجُرُّونَهَا بِشَيْءٍ وَلَا يَجُرُّ مَعَهُمْ في إمْسَاكِهِ لهم لم يَلْزَمْهُ وَلَا عَاقِلَتَهُ شَيْءٌ من قِبَلِ أَنَّا لم نُدَّ إلَّا بِفِعْلِ الْقَتْلِ فَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّلَاحِ فَلَا وَلَوْ رَجَعَ عليهم الْحَجَرُ فَقَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ أو سَقَطَ الْمَنْجَنِيقُ عليهم من جَرِّهِمْ فَقَتَلَ كُلَّهُمْ وَهُمْ عَشَرَةٌ وُدُوا كلهم وَرُفِعَ عن عَوَاقِلِ من يَدِيهِمْ عُشْرُ دِيَةِ كل وَاحِدٍ منهم لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ تِسْعَةٍ معه فَيُرْفَعُ عنه حِصَّةُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ له حِصَّةُ فِعْلِ غَيْرِهِ ثُمَّ هَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ بِعَرَّادَةٍ أو بِغَيْرِهَا أو ضَرَبَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَتْ الرَّمْيَةُ عليه كَأَنَّهَا أَصَابَتْ جِدَارًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أو ضَرَبَ بِسَيْفٍ شيئا فَرَجَعَ عليه السَّيْفُ فَلَا دِيَةَ له لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شيئا وَلَوْ رَمَى في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا أو أَسِيرًا أو كَافِرًا أَسْلَمَ فلم يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِالرَّمْيَةِ ولم يَرَهُ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ له وَإِنْ رَآهُ وَعَرَفَ مَكَانَهُ وَرَمَى وهو مُضْطَرٌّ إلَى الرَّمْيِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِنْ كان عَمْدُهُ وهو يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا خَطَأٍ وَعَمْدٍ قَتَلَهُ فَإِنْ تَتَرَّسَ بِهِ مُشْرِكٌ وهو يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وقد الْتَحَمَ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهِ إلَّا ضَرْبُهُ الْمُسْلِمَ فَضَرَبَهُ يُرِيدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَإِنْ أَصَابَهُ دَرَأْنَا عنه الْقِصَاصَ وَجَعَلْنَا عليه الدِّيَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ أو صَفِّهِمْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَجَ عن الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ بين صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فيه الْمُسْلِمُ وَالْمُشْرِكُ فَإِنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وقال ظَنَنْته مُشْرِكًا فَوَجَدْته مُسْلِمًا فَهَذَا من الْخَطَأِ وَفِيهِ الْعَقْلُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ أُحْلِفَ لهم ما عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَبْطَلْت دِيَةَ مُسْلِمٍ أُصِيبَ بِبِلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِرَمْيٍ أو غَارَةٍ لَا يُعْمَدُ فيها بِقَتْلٍ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } إلَى قَوْلِهِ { مُتَتَابِعَيْنِ } فذكر اللَّهُ عز وجل في الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلُ خَطَأً الدِّيَةُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ هَذَيْنِ مَقْتُولَانِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْمَمْنُوعَةِ لَا بِلَادِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ وَذَكَرَ من حُكْمِهِمَا حُكْمَ الْمُؤْمِنِ من عَدُوٍّ لنا يُقْتَلُ فَجَعَلَ فيه تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فلم تَحْتَمِلْ الْآيَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ يَعْنِي في قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) وَذَلِكَ أنها نَزَلَتْ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ من قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مُسْلِمِي الْعَرَبِ هُمْ من قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مسلموا ( ( ( مسلمو ) ) ) الْعَجَمِ وَلَوْ كانت على أَنْ لَا يَكُونَ دِيَةٌ في مُسْلِمٍ خَرَجَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ من جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُمْ عَدُوٌّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لَلَزِمَ من قال هذا الْقَوْلَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ من أَسْلَمَ من قَوْمٍ مُشْرِكِينَ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ كانت فيه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ولم تَكُنْ فيه دِيَةٌ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على ما قُلْنَا وقد سَمِعْت بَعْضَ من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يقول ذلك فَالْفَرْقُ بين الْقَتْلَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ في دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ فيه دِيَةٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أو يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الْحَرْبِ التي لَا إسْلَامَ فيها ظَاهِرٌ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَفِي ذلك تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ
____________________

(4/246)


- * مَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دخل الذِّمِّيُّ أو الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ من مَالِهِمْ يَشْتَرِي لهم شيئا فَأَمَّا مع الْمُسْلِمِ فَلَا نَعْرِضُ له وَيُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ من أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ ما فيه أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فيه وَأَمَّا مع الذِّمِّيِّ ( قال الرَّبِيعُ ) فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَغْنَمُهُ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ كَيْنُونَتُهُ معه أَمَانًا له مِنَّا لِأَنَّهُ إنَّمَا روى ( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) فَلَا يَكُونُ ما مع الذِّمِّيِّ من أَمْوَالِهِمْ ( 1 ) أَمَانًا لِأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ ظَنَّ الْحَرْبِيُّ الذي بَعَثَ بِمَالِهِ معه أَنَّ ذلك أَمَانٌ له كما لو دخل حَرْبِيٌّ بِتِجَارَةٍ إلَيْنَا بِلَا أَمَانٍ مِنَّا كان لنا أَنْ نَسْبِيَهُ وَنَأْخُذَ مَالَهُ وَلَا يَكُونُ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ إذَا دخل تَاجِرًا أَنَّ ذلك أَمَانٌ له وَلِمَالِهِ بِاَلَّذِي يُزِيلُ عنه حُكْمًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّا لَا نَغْنَمُ ما مع الذِّمِّيِّ من مَالِ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا كان عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْرِضَ لِلذِّمِّيِّ في مَالِهِ كان ما معه من مَالِ غَيْرِهِ له أَمَانٌ مِثْلُ مَالِهِ كما لو أَنَّ حَرْبِيًّا دخل إلَيْنَا بِأَمَانٍ وكان معه مَالٌ لِنَفْسِهِ وَمَالٌ لِغَيْرِهِ من أَهْلِ الْحَرْبِ لم نَعْرِضْ له في مَالِهِ لِمَا تَقَدَّمَ له من الْأَمَانِ وَلَا في الْمَالِ الذي معه لِغَيْرِهِ فَهَكَذَا لَمَّا كان لِلذِّمِّيِّ أَمَانٌ مُتَقَدِّمٌ لم يُتَعَرَّضْ له في مَالِهِ وَلَا في الْمَالِ الذي معه لِغَيْرِهِ مِثْلُ هذا سَوَاءٌ وَاَللَّهَ نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ بِرَحْمَتِهِ وكان آخِرُ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * الْأُسَارَى وَالْغُلُولُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في بِلَادِ الْحَرْبِ أَسِيرًا مُوثَقًا أو مَحْبُوسًا أو مُخْلًى في مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الْبَرَاحِ منه أو مَوْضِعِ غَيْرِهِ ولم يُؤَمِّنُوهُ ولم يَأْخُذُوا عليه أَنَّهُمْ أَمَّنُوا منه فَلَهُ أَخْذُ ما قَدَرَ عليه من وِلْدَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أَمَّنُوهُ أو بَعْضُهُمْ وَأَدْخَلُوهُ في بِلَادِهِمْ بِمَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ في أَمَانِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ قَادِرُونَ عليه فإنه يَلْزَمُهُ لهم أَنْ يَكُونُوا منه آمِنِينَ وَإِنْ لم يَقُلْ ذلك إلَّا أَنْ يَقُولُوا قد أَمَّنَاك وَلَا أَمَانَ لنا عَلَيْك لِأَنَّا لَا نَطْلُبُ مِنْك أَمَانًا فإذا قالوا هذا هَكَذَا كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحِلُّ له اغْتِيَالُهُمْ وَالذَّهَابُ بِأَمْوَالِهِمْ وَإِفْسَادُهَا وَالذَّهَابُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمَّنُوهُ وَخَلَّوْهُ وَشَرَطُوا عليه أَنْ لَا يَبْرَحَ بِلَادَهُمْ أو بَلَدًا سَمَّوْهُ وَأَخَذُوا عليه أَمَانًا أو لم يَأْخُذُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَهْرُبُ وقال بَعْضُهُمْ ليس له أَنْ يَهْرُبَ وقال وإذا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ من الْمُسْلِمِينَ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ من ضَيَاعِهِمْ أو لم يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لهم منه فَلَيْسَ له أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ فَإِنْ أَدْرَكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عن نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الذي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ غَيْرُ الْأَمَانِ فَيَقْتُلَهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ ما لم يَرْجِعْ عن طَلَبِهِ فاذا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلَّوْهُ على فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا من تَخْلِيَتِهِ إلَّا على مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ منه شيئا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ على أَخْذِهِ منه بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ كان أَعْطَاهُمُوهُ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منهم لم يحل ( ( ( يحق ) ) ) له إلَّا أَدَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا على شَيْءٍ انْبَغَى له أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عليهم ما اُسْتُكْرِهَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في أَسِيرٍ في أَيْدِي الْعَدُوِّ وَأَرْسَلُوا معه رُسُلًا لِيُعْطِيَهُمْ فِدَاءً أو أَرْسَلُوهُ بِعَهْدٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِدَاءً سَمَّاهُ لهم وَشَرَطُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْهُ إلَى رَسُولِهِمْ أو يُرْسِلَ بِهِ إلَيْهِمْ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُرْوَى عن أبي هُرَيْرَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قالوا لَا يَعُودُ في إسَارِهِمْ وَيَفِي لهم بِالْمَالِ وقال بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ
____________________

(4/247)


مَنَعَهُ السُّلْطَانُ الْعَوْدَةَ وقال بن هُرْمُزَ يُحْبَسُ لهم بِالْمَالِ وقال بَعْضُهُمْ يَفِي لهم وَلَا يَحْبِسُونَهُ وَلَا يَكُونُ كَدُيُونِ الناس وروى عن الْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ يَعُودُ في إسَارِهِمْ إنْ لم يُعْطِهِمْ الْمَالَ وروى ذلك عن رَبِيعَةَ وَعَنْ بن هُرْمُزَ خِلَافُ ما روى عنه في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ قال قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَجُّ فِيمَا أَرَاهُ بِمَا روى عن بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يروي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرُدَّ من جَاءَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا فَجَاءَهُ أبو جُنْدَلٍ فَرَدَّهُ إلَى أبيه وأبو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ فَقَتَلَ أبو بَصِيرٍ الْمَرْدُودَ معه ثُمَّ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد وَفَّيْتُ لهم وَنَجَّانِي اللَّهُ منهم فلم يَرُدَّهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَعِبْ ذلك عليه وَتَرَكَهُ فَكَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ يَقْطَعُ على كل مَالِ قُرَيْشٍ حتى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَضُمَّهُ إلَيْهِ لِمَا نَالُوهُ من أَذَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ قد رَوَاهُ أَهْلُ الْمَغَازِي كما وَصَفْت وَلَا يَحْضُرنِي ذِكْرُ إسْنَادِهِ فَأَعْرِفُ ثُبُوتَهُ من غَيْرِهِ قال وإذا كان الْمُسْلِمُونَ أُسَارَى أو مُسْتَأْمَنِينَ أو رُسُلًا في دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بعضا ( ( ( بعضهم ) ) ) أو قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ في هذا كُلِّهِ الْحُكْمُ كما يَكُونُ عليهم وَلَوْ فَعَلُوهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لو زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كما لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً فَالْحُدُودُ فَرْضٌ عليهم وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وهو مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عليه من اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ ما أَقَمْنَا عليه الْحَدَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ من أَيِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عنه حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منها وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الرَّجُلُ بِلَادَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ في أَيْدِيهِمْ أَسِيرًا أو أُسَارَى رِجَالًا وَنِسَاءً من الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ من بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ لم يَكُنْ ذلك له وكان مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ وَزَائِدًا أَنْ اشْتَرَى ما ليس يُبَاعُ من الْأَحْرَارِ فَإِنْ كان بِأَمْرِهِمْ اشْتَرَاهُمْ رَجَعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ من قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وإذا أُسِرَتْ الْمَرْأَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أو وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ لم تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا أَوْلَادُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كان لها زَوْجٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَلْحَقْ بِهِ هذا الْوَلَدُ وَلَحِقُوا بِالنِّكَاحِ الْمُشْرِكَ وَإِنْ كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وإذا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امراته إلَّا بَعْدَ يَقِينِ وَفَاتِهِ عَرَفَ مَكَانَهُ أو خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ وما صَنَعَ الْأَسِيرُ من الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ أو في دَارِ الْإِسْلَامِ أو الْمَسْجُونُ وهو صَحِيحٌ في مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عليه فَهُوَ جَائِزٌ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذلك - * الْمُسْتَأْمَنُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا دخل قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَالْعَدُوُّ منهم آمِنُونَ إلَى أَنْ يُفَارِقُوهُمْ أو يَبْلُغُوا مُدَّةَ أَمَانِهِمْ وَلَيْسَ لهم ظُلْمُهُمْ وَلَا خِيَانَتُهُمْ وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ لم أَكُنْ أُحِبُّ لهم الْغَدْرَ بِالْعَدُوِّ وَلَكِنْ أُحِبُّ لهم لو سَأَلُوهُمْ أَنْ يَرُدُّوا إلَيْهِمْ الْأَمَانَ وَيَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فإذا فَعَلُوا قَاتَلُوهُمْ عن أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ
____________________

(4/248)


- * ما يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في مَالِهِ إذَا أَرَادَ الْوَصِيَّةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ما صَنَعَ في مَالِهِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ ما لم يَنَلْهُ منه ضَرْبٌ يَكُونُ مَرَضًا وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ بَيْن الصَّفَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَسْرُوقًا قَدِمَ بين يَدَيْ عبد اللَّهِ بن زَمْعَةَ يوم الْحَرَّةِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ولم يَدْخُلْ بها فَسَأَلُوا أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا لها نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا مِيرَاثَ لها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ عَامَّةَ صَدَقَاتِ الزُّبَيْرِ تَصَدَّقَ بها وَفَعَلَ أُمُورًا وهو وَاقِفٌ على ظَهْرِ فَرَسِهِ يوم الْجَمَلِ وروى عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عَطِيَّةُ الْحُبْلَى جَائِزَةٌ حتى تَجْلِسَ بين الْقَوَابِلَ وَبِهَذَا كُلُّهُ نَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ جَائِزَةٌ ما لم يَصِلْ إلَى الْغَرَقِ أو شِبْهِ الْغَرَقِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال الْقَاسِمُ بن مُحَمَّدٍ وبن الْمُسَيِّبِ عَطِيَّةُ الْحَامِلِ جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَصَفْت من قَوْلِ من سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وقد روى عن بن أبي ذِئْبٍ أَنَّهُ قال عَطِيَّةُ الْحَامِلِ من الثُّلُثِ وَعَطِيَّةُ الْأَسِيرِ من الثُّلُثِ وَرَوَى ذلك عن الزُّهْرِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ يَجُوزُ إلَّا وَاحِدٌ من هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ قال قَائِلٌ في الْحُبْلَى عَطِيَّتُهَا جَائِزَةٌ حتى تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فلما أَثْقَلَتْ } وَلَيْسَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فلما أَثْقَلَتْ } دَلَالَةٌ على مَرَضٍ وَلَوْ كانت فيه دَلَالَةٌ على مَرَضٍ يُغَيِّرُ الْحُكْمَ ( 1 ) قد يَكُونُ مَرَضًا غير ثَقِيلٍ وَثَقِيلًا وَحُكْمُهُ في أَنْ لَا يَجُوزَ له في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ سَوَاءٌ وَلَوْ كان ذلك فيه كان الْإِثْقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُ الْوِلَادِ حين تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ لِأَنَّ ذلك الْوَقْتَ الذي يَخْشَيَانِ فيه قَضَاءَ اللَّهِ عز وجل وَيَسْأَلَانِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمَا صَالِحًا فَإِنْ قال قد يَدْعُوَانِ اللَّهَ قَبْلُ قِيلَ نعم مع أَوَّلِ الْحَمْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ وَقَبْلِهِ وَالْحُبْلَى في اول حَمْلِهَا أَشْبَهُ بِالْمَرَضِ منها بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّغَيُّرِ وَالْكَسَلِ وَالنَّوْمِ وَالضَّعْفِ وَلَهِيَ في شَهْرِهَا أَخَفُّ منها في شَهْرِ الْبَدْءِ من حَمْلِهَا وما في هذا إلَّا أَنَّ الْحَبَلَ سُرُورٌ ليس بِمَرَضٍ حتى تَحْضُرَ الْحَالُ الْمَخُوفَةُ للولاد ( ( ( للأولاد ) ) ) أو يَكُونَ تَغَيُّرُهَا بِالْحَبَلِ مَرَضًا كُلُّهُ من أَوَّلِهِ إلَى آخره ( ( ( آخر ) ) ) فَيَكُونُ ما قال بن أبي ذِئْبٍ فَأَمَّا غَيْرُ هذا لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ - * الْمُسْلِمُ يَدُلُّ الْمُشْرِكِينَ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ - * قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الْمُسْلِمَ يَكْتُبُ إلَى الْمُشْرِكِينَ من أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ غَزْوَهُمْ أو بِالْعَوْرَةِ من عَوْرَاتِهِمْ هل يُحِلُّ ذلك دَمَهُ وَيَكُونُ في ذلك دَلَالَةٌ على مُمَالَأَةِ الْمُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ دَمُ من ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أو يَزْنِيَ بَعْدَ إحْصَانٍ أو يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ إيمَانٍ ثُمَّ يَثْبُتُ على الْكُفْرِ وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ على عَوْرَةِ مُسْلِمٍ وَلَا تَأْيِيدُ كَافِرٍ بِأَنْ يُحَذِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ منه غِرَّة لِيُحَذَّرَهَا أو يَتَقَدَّمَ في نِكَايَةِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَقَلْت هذا خبرا ( ( ( خير ) ) ) أَمْ قِيَاسًا قال قُلْتُهُ بِمَا لَا يَسَعُ مُسْلِمًا عَلِمَهُ عِنْدِي أَنْ يُخَالِفَهُ بِالسُّنَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فاذكر ( ( ( فذكر ) ) ) السُّنَّةِ فيه قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ قال سَمِعْت عَلِيًّا يقول بَعَثَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنا وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ فقال انْطَلِقُوا حتى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فإن بها ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فإذا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا لها أَخْرِجِي الْكِتَابَ فقالت ما مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أو لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ من عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/249)


فإذا فيه ( من حَاطِبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ من الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ ) يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( ما هذا يا حَاطِبُ ) قال لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت امرءا مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ ولم أَكُنْ من أَنْفُسِهَا وكان من مَعَك من الْمُهَاجِرِينَ لهم قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بها قَرَابَاتِهِمْ ولم يَكُنْ لي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذلك أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَاَللَّهِ ما فَعَلْتُهُ شَكًّا في دِينِي وَلَا رِضًا بالكفر بَعْدَ الْإِسْلَامِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّهُ قد صَدَقَ ) فقال عُمَرُ يا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا الْمُنَافِقِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّهُ قد شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ عز وجل قد اطَّلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فقال اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ) قال فَنَزَلَتْ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في هذا الحديث مع ما وَصَفْنَا لَك طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كان الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ما قال حَاطِبٌ كما قال من أَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ شَاكًّا في الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا رَغْبَةً عن الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا اُحْتُمِلَ فِعْلُهُ وَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِأَنْ لم يَقْتُلْهُ ولم يَسْتَعْمِلْ عليه الْأَغْلَبَ وَلَا أَحَدٌ أتى في مِثْلِ هذا أَعْظَمُ في الظَّاهِرِ من هذا ( ( ( هذه ) ) ) لِأَنَّ أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُبَايِنٌ في عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ فإذا كان من خَابَرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُرِيدُ غِرَّتَهُمْ فَصَدَّقَهُ ما عَابَ عليه الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ في النُّفُوسِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا كان من بَعْدِهِ في أَقَلَّ من حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ منه مِثْلَ ما قَبِلَ منه قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قد صَدَقَ إنَّمَا تَرَكَهُ لِمَعْرِفَتِهِ بِصِدْقِهِ لَا بِأَنَّ فِعْلَهُ كان يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَغَيْرَهُ فَيُقَالُ له قد عَلِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَاذِبُونَ وَحَقَنَ دِمَاءَهُمْ بِالظَّاهِرِ فَلَوْ كان حُكْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَاطِبٍ بِالْعِلْمِ بِصِدْقِهِ كان حُكْمُهُ على الْمُنَافِقِينَ الْقَتْلَ بِالْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ في كُلٍّ بِالظَّاهِرِ وَتَوَلَّى اللَّهُ عز وجل منهم السَّرَائِرَ وَلِئَلَّا يَكُونَ لِحَاكِمٍ بَعْدَهُ أَنْ يَدَعَ حُكْمًا له مِثْلَ ما وَصَفْت من عِلَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلُّ ما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ عَامٌّ حتى يَأْتِيَ عنه دَلَالَةً على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا أو عن جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ يجهلوا ( ( ( يجعلوا ) ) ) له سُنَّةً أو يَكُونُ ذلك مَوْجُودًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَأْمُرُ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مِثْلَ هذا بِعُقُوبَةِ من فَعَلَهُ أَمْ تَرْكُهُ كما تَرَكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال الشَّافِعِيُّ إنَّ الْعُقُوبَاتِ غَيْرُ الْحُدُودِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَلَا تُعَطَّلُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَلِلْإِمَامِ تَرْكُهَا على الِاجْتِهَادِ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ( تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ ) وقد قِيلَ في الحديث ( ما لم يَكُنْ حَدٌّ ) فإذا كان هذا من الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ كما كان هذا من حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ وكان غير مُتَّهَمٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى له وإذا كان من غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كان لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَعْزِيرُهُ وقد كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُرَدِّدُ الْمُعْتَرِفَ بالزنى ( 1 ) فَتَرَكَ ذلك من أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِجَهَالَتِهِ يَعْنِي الْمُعْتَرِفُ بِمَا عليه وقد تَرَكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُقُوبَةَ من غَلَّ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الذي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ أو يُخْبِرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شيئا لِيَحْذَرُوهُ من الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُوَادِعِ أو يَمْضِي إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ قال يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً وَلَيْسَ هذا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وإذا صَارَ منهم وَاحِدٌ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَالُوا لم نَرَ بهذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الرُّهْبَانَ إذَا دَلُّوا على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ قال يُعَاقَبُونَ وَيَنْزِلُونَ من الصَّوَامِعِ وَيَكُونُ من عُقُوبَتِهِمْ إخْرَاجُهُمْ من أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَيُخَيَّرُونَ بين أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيُقِيمُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أو يُتْرَكُوا يَرْجِعُونَ فَإِنْ عَادُوا أَوْدَعَهُمْ السَّجْنَ وَعَاقَبَهُمْ مع السَّجْنِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ أَعَانُوهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أو الْمَالِ أَهُوَ
____________________

(4/250)


كَدَلَالَتِهِمْ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ قال إنْ كُنْت تُرِيدُ في أَنَّ هذا لَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَنَعَمْ وَبَعْضُ هذا أَعْظَمُ من بَعْضٍ وَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت أو أَكْثَرُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ قَتْلٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا سَبْيٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما الذي يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ قال إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ من غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ رَاهِبٌ أو ذِمِّيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ مع أَهْلِ الْحَرْبِ حَلَّ قَتْلُهُ وَسِبَاؤُهُ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِ وَأَخْذُ مَالِهِ فَأَمَّا ما دُونَ الْقِتَالِ فَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت وَلَا يُقْتَلُونَ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا يُسْبَوْنَ - * الْغُلُولُ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمَ الْحُرَّ أو الْعَبْدَ الْغَازِيَ أو الذِّمِّيَّ أو الْمُسْتَأْمَنَ يَغُلُّونَ من الْغَنَائِمِ شيئا قبل أَنْ تُقَسَّمَ فقال لَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قِيمَةَ ما سَرَقَ إنْ هَلَكَ الذي أَخَذَهُ قبل أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَإِنْ كان الْقَوْمُ جَهَلَةً عُلِّمُوا ولم يُعَاقَبُوا فَإِنْ عَادُوا عُوقِبُوا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَيُرَجَّلُ عن دَابَّتِهِ وَيُحْرَقُ سَرْجُهُ أو يُحْرَقُ مَتَاعُهُ فقال لَا يُعَاقَبُ رَجُلٌ في مَالِهِ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ في بَدَنِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ على الْأَبَدَانِ وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ فَأَمَّا على الْأَمْوَالِ فَلَا عُقُوبَةَ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَلِيلُ الْغُلُولِ وَكَثِيرُهُ مُحَرَّمٌ قُلْت فما الْحُجَّةُ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وبن عَجْلَانَ كِلَاهُمَا عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ ( 1 ) وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال حَاصَرْنَا ( تُسْتَرَ ) فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ على حُكْمِ عُمَرَ فَقَدِمْت بِهِ على عُمَرَ فلما انْتَهَيْنَا إلَيْهِ قال له عُمَرُ تَكَلَّمْ قال كَلَامُ حَيٍّ أو كَلَامُ مَيِّتٍ قال تَكَلَّمَ لَا بَأْسَ قال ( إنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ ما خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كنا نَتَعَبَّدُكُمْ وَنَقْتُلُكُمْ وَنَغْصِبُكُمْ فلما كان اللَّهُ عز وجل مَعَكُمْ لم يَكُنْ لنا بِكُمْ يَدَانِ ) فقال عُمَرُ ما تَقُولُ فَقُلْت يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَكْت بَعْدِي عَدُوًّا كَثِيرًا وَشَوْكَةً شَدِيدَةً فَإِنْ تَقْتُلْهُ يَيْأَسْ الْقَوْمُ من الْحَيَاةِ وَيَكُونُ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ فقال عُمَرُ أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بن مَالِكٍ ومجزأة بن ثَوْرٍ فلما خَشِيت أَنْ يَقْتُلَهُ قُلْت ليس إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ قد قُلْت له تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ فقال عُمَرُ ارْتَشَيْت وَأَصَبْت منه فَقُلْت وَاَللَّهِ ما ارْتَشَيْت وَلَا أَصَبْت منه قال لِتَأْتِينِي على ما شَهِدْت بِهِ بِغَيْرِك أو لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك قال فَخَرَجْت فَلَقِيتُ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ فَشَهِدَ مَعِي وَأَمْسَكَ عُمَرُ وَأَسْلَمَ وَفَرَضَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَبُولُ من قَبِلَ من الْهُرْمُزَانِ أَنْ يَنْزِلَ على حُكْمِ عُمَرَ يُوَافِقُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلَ من بَنِي قُرَيْظَةَ حين حَصَرَهُمْ وَجَهِدَ بِهِمْ الْحَرْبُ أَنْ يَنْزِلُوا على حُكْمِ سَعْدِ بن مُعَاذٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْإِمَامُ من أَهْلِ الْحِصْنِ ( 2 ) عَقْلَهُ وَنَظَرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ على أَنَّ قَبُولَ الْإِمَامِ إنَّمَا كان لِمَنْ وَصَفْت من أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ عِنْدِي أَنْ يَقْبَلَ خِلَافَهُمْ من غَيْرِ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ وَالْعَقْلِ فَيَكُونُ قَبِلَ خِلَافَ ما قَبِلُوا منه وَلَوْ فَعَلَ كان قد تَرَكَ النَّظَرَ ولم يَكُنْ له عُذْرٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ على حُكْمِ من لَعَلَّهُ لَا يَدْرِي ما يَصْنَعُ قِيلَ لَمَّا كان اللَّهُ عز وجل أَذِنَ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ في الْأُسَارَى من الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك لِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ أَبَدًا أَنْ يَمُنَّ أو يُفَادِيَ أو يَقْتُلَ أو يَسْتَرِقَّ فَأَيُّ ذلك فَعَلَ فَقَدْ جاء بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ في الْأَسَارَى الْخِيَارُ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ على النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَيَقْتُلُ إنْ كان ذلك أَوْهَنُ للعدو وَأَطْفَأُ لِلْحَرْبِ وَيَدْعُ إنْ كان ذلك أَشَدَّ لِنَشْرِ الْحَرْبِ وَأَطْلَبَ لِلْعَدُوِّ على نَحْوِ ما أَشَارَ بِهِ أَنَسٌ على عُمَرَ وَمَتَى سَبَقَ من الْإِمَامِ قَوْلٌ فيه أَمَانٌ ثُمَّ نَدِمَ عليه لم يَكُنْ له نَقْضُ الْأَمَانِ بعد ما سَبَقَ منه وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْلٍ يُشْبِهُ الْأَمَانَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ ( تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا قَوَدَ على قَاتِلِ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْهُرْمُزَانَ قَاتَلَ الْبَرَاءَ بن مَالِكٍ وَمَجْزَأَةَ بن ثَوْرٍ فلم يَرَ عليه عُمَرُ قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ في هذا
____________________

(4/251)


مُوَافِقٌ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَاءَهُ قَاتِلُ حَمْزَةَ مُسْلِمًا فلم يَقْتُلْهُ بِهِ قَوَدًا وَجَاءَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ كلهم قَاتِلٌ مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ فلم يَرَ عليه قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ ( لِتَأْتِينِي بِمَنْ يَشْهَدُ على ذلك أو لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك ) يَحْتَمِلُ أَنْ لم يذكر ما قال لِلْهُرْمُزَانِ ( 1 ) من أَنْ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ احْتِيَاطًا كما احْتَاطَ في الْأَخْبَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في يَدَيْهِ فَجَعَلَ الشَّاهِدَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَافِعٌ عَمَّنْ هو بِيَدَيْهِ وَأَشْبَهَ ذلك عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن مُوسَى بن أَنَسٍ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سَأَلَهُ ( إذَا حَاصَرْتُمْ الْمَدِينَةَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ ) قال نَبْعَثُ الرَّجُلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَنَصْنَعُ له هَنَةً من جُلُودٍ قال ( أَرَأَيْت إنْ رمى بِحَجَرٍ ) قال إذًا يُقْتَلُ قال فَلَا تَفْعَلُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بيده ما يَسُرّنِي أَنْ تَفْتَحُوا مَدِينَةً فيها أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ بِتَضْيِيعِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ من هذا احْتِيَاطٌ وَحُسْنُ نَظَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنِّي أَسْتَحِبُّ لِلْإِمَامِ وَلِجَمِيعِ الْعُمَّالِ وَلِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا مُعْتَرِضِينَ لِمِثْلِ هذا وَلَا لِغَيْرِهِ مِمَّا الْأَغْلَبُ عليه منه التَّلَفُ وَلَيْسَ هذا بِمُحَرَّمٍ على من تعرضه ( ( ( عرضه ) ) ) وَالْمُبَارَزَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ إنَّمَا يَبْرُزُ لِوَاحِدٍ فَلَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُخَاطِرٌ إنَّمَا الْمُخَاطِرُ الْمُتَقَدِّمُ على جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحِصْنِ فيرمي أو على الْجَمَاعَةِ وَحْدَهُ الْأَغْلَبُ أَنْ لَا يَدَانِ له بِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ لَا بَأْسَ بِالتَّقَدُّمِ على الْجَمَاعَةِ قِيلَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ إلَامَ يَضْحَكُ اللَّهُ من عَبْدِهِ قال ( غَمْسُهُ يَدَهُ في الْعَدُوِّ حَاسِرًا ) فَأَلْقَى دِرْعًا كانت عليه وَحَمَلَ حَاسِرًا حتى قُتِلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَتَحَرَّزَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهَرَ يوم أُحُدٍ بين دِرْعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال سَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَى إلَيْهَا لَيْلًا وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا طَرَقَ قَوْمًا لَيْلًا لم يُغِرْ عليهم حتى يُصْبِحَ فَإِنْ سمع أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لم يَكُونُوا يُصَلُّونَ أَغَارَ عليهم حين يُصْبِحُ فلما أَصْبَحَ رَكِبَ وَرَكِبَ معه الْمُسْلِمُونَ وَخَرَجَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَمَعَهُمْ مَكَاتِلُهُمْ وَمَسَاحِيهُمْ فلما رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرَ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ) قال أَنَسٌ وَإِنِّي لَرَدِيفُ أبي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان لَا يُغِيرُ حتى يُصْبِحَ ليس بِتَحْرِيمٍ لِلْإِغَارَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا غَارِّينَ في حَالٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَكِنَّهُ على أَنْ يَكُونَ يُبْصِرُ من معه كَيْفَ يُغِيرُونَ احْتِيَاطًا من أَنْ يُؤْتَوْا من كَمِينٍ أو حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وقد تَخْتَلِطُ الْحَرْبُ إذَا أَغَارُوا لَيْلًا فَيَقْتُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا وقد أَصَابَهُمْ ( 2 ) ذلك في قَتْلِ بن عَتِيكٍ فَقَطَعُوا رِجْلَ أَحَدِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا من فِعْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس بِتَحْرِيمٍ أَنْ يُغِيرَ أَحَدٌ لَيْلًا قِيلَ قد أَمَرَ بِالْغَارَةِ على غَيْرِ وَاحِدٍ من الْيَهُودِ فَقَتَلُوهُ - * الْفِدَاءُ بِالْأُسَارَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال أَسَرَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ وَطَرَحُوهُ في الْحَرَّةِ فَمَرَّ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ معه أو قال أتى عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو على حِمَارٍ وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد
____________________

(4/252)


فَأَتَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( ما شَأْنك ) قال فبم ( ( ( فيم ) ) ) أُخِذْت وَفِيمَ أَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ قال ( أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ ) وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد فَرَحِمَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَجَعَ إلَيْهِ فقال ( ما شَأْنُك ) قال إنِّي مُسْلِمٌ فقال ( لو قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ ) قال فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد فَرَجَعَ إلَيْهِ فقال إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي قال وَأَحْسَبُهُ قال وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي قال هذه حَاجَتُك فَفَدَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ ) إنَّمَا هو أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ لِشِرْكِهِ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَالْعَفْوُ عنه مُبَاحٌ فلما كان هَكَذَا لم يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ أُخِذْت أَيْ حُبِسْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٌ وَيَحْبِسُهُ بِذَلِكَ لِيَصِيرَ إلَى أَنْ يُخَلُّوا من أَرَادَ وَيَصِيرُوا إلَى ما أَرَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد غَلِطَ بهذا بَعْضُ من يُشَدِّدُ الْوِلَايَةَ فقال يُؤْخَذُ الْوَلِيُّ من الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مُشْرِكٌ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِكُلِّ جِهَةٍ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ( هذا ابْنُك ) قال نعم قال ( أَمَّا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عليه وَقَضَى اللَّهُ عز وجل أَنْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) وَلَمَّا كان حَبْسُ هذا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا كان جَائِزًا أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذلك بِنَفْسِهِ ويخلي تَطَوُّعًا إذَا نَالَ بِهِ بَعْضَ ما يُحِبُّ حَابِسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَسْلَمَ هذا الْأَسِيرُ فَرَأَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْلَمَ لَا بِنِيَّةٍ فقال ( لو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ ) وَحَقَنَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ ولم يُخْلِهِ بِالْإِسْلَامِ إذْ كان بَعْدَ إسَارِهِ وَهَكَذَا من أُسِرَ من الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ حَقَنَ له إسْلَامُهُ دَمَهُ ولم يُخْرِجْهُ إسْلَامُهُ من الرِّقِّ إنْ رَأَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْنَا من الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلِهِ بِالرَّجُلَيْنِ ( 1 ) بَعْدَ إسلامه ( ( ( إسلامهما ) ) ) بالرجلين فَهَذَا أنه أَثْبَتَ عليه الرِّقَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ قال إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَرَكْنَا هذا اسْتِدْلَالًا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَادَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ من أَصْحَابِهِ فَإِنَّمَا فَادَاهُ بِهِمَا أَنَّهُ فَكَّ الرِّقَّ عنه بِأَنْ خَلَّوْا صَاحِبَيْهِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ من يَجْرِي عليه الرِّقُّ وَإِنْ أَسْلَمَ إذَا كان من يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ من الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَرْقِ وَهَذَا الْعُقَيْلِيِّ لَا يُسْتَرَقُّ لِمَوْضِعِهِ فِيهِمْ وَإِنْ خَرَجَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْلِمُ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا فَدَى صَاحِبَيْهِ بالعقيل ( ( ( فالعقيلي ) ) ) بَعْدَ إسْلَامِهِ وَبِلَادُهُ بِلَادُ شِرْكٍ فَفِي ذلك دَلَالَةٌ على ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِدَاءُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا بالعقيلي وَرَدُّهُ إلَى بَلَدِهِ وَهِيَ أَرْضُ كُفْرٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَهُ وَلَا يَجْتَرِئُونَ عليه لِقَدْرِهِ فِيهِمْ وَشَرَفِهِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ لم يُرَدَّ إلَى قَوْمٍ يَقُومُونَ عليه أَنْ يَضُرُّوهُ إلَّا في مِثْلِ حَالِ الْعُقَيْلِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِدَاؤُهُ بالعقيلي والعقيلي لَا يُسْتَرَقُّ خِلَافُ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ من الْمُسْلِمِينَ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ من الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ وإذا جَازَ أَنْ يُفْدَى بِمِنْ يُسْتَرَقُّ جَازَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ من الْمُشْرِكِينَ
____________________

(4/253)


- * الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَأْبَقُ إلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْعَدُوِّ يَأْبَقُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ أو يَشْرُدُ الْبَعِيرُ أو يُغِيرُونَ فَيَنَالُونَهُمَا أو يَمْلِكُونَهُمَا أَسْهُمًا قال لَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما تَقُولُ فِيهِمَا إذَا ظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَجَاءَ أَصْحَابُهُمَا قبل أَنْ يُقْتَسَمَا فقال هُمَا لِصَاحِبِهِمَا فَقُلْت أَرَأَيْت إنْ وَقَعَا في الْمَقَاسِمِ فقال اخْتَلَفَ فِيهِمَا الْمُفْتُونَ فَمِنْهُمْ من قال هُمَا قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ لِصَاحِبِهِمَا وَمِنْهُمْ من قال هُمَا لِصَاحِبِهِمَا قبل الْمَقَاسِمِ فإذا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمِ وَصَارَا في سَهْمِ رَجُلٍ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمَا وَمِنْهُمْ من قال صَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا ما لم يُقْسَمَا فإذا قُسِمَا فَصَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا بِالْقِيمَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما اخْتَرْت من هذا قال أنا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عز وجل فيه قُلْت فَمَعَ أَيِّ الْقَوْلَيْنِ الْآثَارُ وَالْقِيَاسُ ( 1 ) فقال دَلَالَةُ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَاذْكُرْ السُّنَّةَ فقال أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال سُبِيَتْ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ النَّاقَةُ قد أُصِيبَتْ قَبِلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَعْنِي نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ آخِرَ حَدِيثِهِ يَدُلُّ على ذلك قال عِمْرَانُ بن حُصَيْنٍ فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إلَيْهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ من الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا منها فَمَسَّتْهُ رَغَا فَتَرَكَتْهُ حتى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَمَسَّتْهَا فلم تَرْغُ وَهِيَ نَاقَةٌ هَدَرَةٌ فَقَعَدَتْ في عَجُزِهَا ثُمَّ صَاحَتْ بها فَانْطَلَقَتْ وَطُلِبَتْ من لَيْلَتِهَا فلم يُقْدَرْ عليها فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عليها إنْ اللَّهُ أَنْجَاهَا عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ عَرَفُوا النَّاقَةَ وَقَالُوا نَاقَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إنَّهَا قد جَعَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالُوا وَاَللَّهِ لَا تَنْحَرِيهَا حتى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلَانَةَ قد جَاءَتْ على نَاقَتِك وَأَنَّهَا قد جَعَلَتْ لِلَّهِ عليها إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لبئسما جَزَتْهَا إنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عليها لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أو قال بن آدَمَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أَنَّ الْعَدُوَّ قد أَحْرَزَ نَاقَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ انْفَلَتَتْ من إسَارِهِمْ عليها بَعْدَ إحرازهموها وَرَأَتْ أنها لها فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها قد نَذَرَتْ فِيمَا لَا تَمْلِكُ وَلَا نَذْرَ لها وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ وَلَوْ كان الْمُشْرِكُونَ يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ لم يَعُدَّ أَخْذَ الْأَنْصَارِيَّةِ النَّاقَةَ أَنْ تَكُونَ ملكتها ( ( ( ملكها ) ) ) بِأَنَّهَا أَخَذَتْهَا وَلَا خُمُسَ فيها لِأَنَّهَا لم تُوجِفْ عليها وقد قال بهذا غَيْرُنَا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ أو تَكُونُ مَلَكَتْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ أو تَكُونُ من الْفَيْءِ الذي لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَلَا أَحْفَظُ قَوْلًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ في هذا غير أَحَدِ هذه الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ قال فلما أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ دَلَّ هذا على أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ شيئا على الْمُسْلِمِينَ وإذا لم يَمْلِكْ الْمُشْرِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ ما أَوْجَفُوا عليه بِخَيْلِهِمْ فَأَحْرَزُوهُ في دِيَارِهِمْ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ ما لم يَمْلِكُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قبل قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَلَا بَعْدَهُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان هذا ثَابِتًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ اُخْتُلِفَ فيه فقال قد يَذْهَبُ بَعْضُ السُّنَنِ على بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ عَلِمَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال بها قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت من لَقِيت مِمَّنْ سمع هذا كَيْفَ تَرَكَهُ فقال لم يَدَعْهُ كُلَّهُ ولم يَأْخُذْ بِهِ كُلَّهُ فَقُلْت فَكَيْفَ كان هذا قال الله ( ( ( والله ) ) ) تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ هذا لِأَحَدٍ فَقُلْت فَهَلْ ذَهَبَ فيه إلَى شَيْءٍ فقال كَلَّمَنِي بَعْضُ من ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ فقال ( 2 ) وَهَكَذَا يقول فيه الْمَقَاسِمُ فَيَصِيرُ عبد رَجُلٍ في سَهْمِ رَجُلٍ فَيَكُونُ مَفْرُوزًا من حَقِّهِ ويتفرق ( ( ( وبتفرق ) ) ) الْجَيْشِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَتْبَعُهُ بِسَهْمِهِ
____________________

(4/254)


فَيَنْقَلِبُ لَا سَهْمَ له فَقُلْت له أَفَرَأَيْت لو وَقَعَ في سَهْمِهِ حُرٌّ أو أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ قال يَخْرُجُ من يَدِهِ وَيُعَوَّضُ من بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت له وَإِنْ لم يَسْتَحِقَّ الْحُرُّ الْحُرِّيَّةَ وَلَا مَالِكُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ قال نعم وَيُعَوَّضُ من بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت له وما يَدْخُلُ على من قال هذا الْقَوْلَ في عبد الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَخْرُجُ من يَدَيْ من صَارَ سَهْمُهُ وَيُعَوَّضُ منه قِيمَتُهُ فقال من أَيْنَ يُعَوَّضُ قُلْت من الْخُمُسِ خَاصَّةً قال وَمِنْ أَيِّ الْخُمُسِ قُلْت سَهْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه كان يَضَعُهُ في الْأَنْفَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ تَوَلَّ الْجَوَابَ عَمَّنْ قال صَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهُ قُلْت فَاسْأَلْ فقال ما حُجَّتُك فيه قُلْت ما وَصَفْت من السُّنَّةِ في حديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ وَالْخَبَرُ عن جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ السُّنَّةَ إذَا دَلَّتْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ شيئا بِحَالٍ لم يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عليهم بِحَالٍ أُخْرَى إلَّا بِسُنَّةٍ مِثْلِهَا فقال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إنِّي إذَا أَعْطَيْت أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ إذَا وَجَدَ عَبْدَهُ ( 1 ) قبل ما يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ يُحْرِزُهُ الْمُسْلِمُونَ على الْعَدُوِّ قبل أَنْ يَقْسِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ أَعْطَيْت أَنَّ الْعَدُوَّ لم يَمْلِكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لهم وَلَوْ مَلَكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لهم لم يَكُنْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ إذَا مَلَكَهُ الموجفون عليه من الْمُسْلِمِينَ قبل الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ أَرَأَيْت لو كان أَسْرُهُمْ إيَّاهُ وَغَلَبَتُهُمْ عليه كَبَيْعِ مَوْلَاهُ له منهم أو هِبَتِهِ إيَّاهُ ثُمَّ أَوْجَفَ عليه أَلَّا يَكُونَ لِلْمُوجِفِينَ قال بَلَى قُلْت أَفَتَعْدُو غَلَبَةُ الْعَدُوِّ عليه أَنْ تَكُونَ مِلْكًا فَيَكُونُ كَمَالٍ لهم سَوَاءٌ مِمَّا وُهِبَ لهم أو اشْتَرَوْهُ أو تَكُونُ غَصْبًا لَا يَمْلِكُونَهُ عليه فإذا كانت السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْإِجْمَاعُ تَدُلُّ على أَنَّهُ كَالْغَصْبِ قبل أَنْ يُقْسَمَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بعد ما يُقْسَمُ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا مُتَأَوِّلًا أو غير مُتَأَوِّلٍ لو أَوْجَفَ على عَبْدٍ ثُمَّ أُخِذَ من يَدِ من قَهَرَهُ عليه كان لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ فإذا لم يَمْلِكْ مُسْلِمٌ على مُسْلِمٍ بِغَصْبٍ كان الْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا مع أَنَّك لم تَجْعَلْ الْمُشْرِكَ مَالِكًا وَلَا غير مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال إنَّ هذا لَيَدْخُلُهُ وَلَكِنَّا قُلْنَا فيه بِالْأَثَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ هذه السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ تُجَامِعُ ما قُلْنَا وهو الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَكَيْفَ صِرْت إلَى أَنْ تَأْخُذَ بِشَيْءٍ دُونَ السُّنَّةِ وَتَدَعَ السُّنَّةَ وَشَيْءٍ من الْأَثَرِ أَقَلَّ من الْآثَارِ وتدع الْأَكْثَرَ فما حُجَّتُك فيه قال إنَّا قد قُلْنَا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ التي ذَهَبَتْ إلَيْهَا ولم يَكُنْ فيها بَيَانُ أَنَّ ذلك بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَهُوَ قَبْلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له أَمَا فيها بَيَانُ أَنَّ الْعَدُوَّ لو مَلَكُوا على الْمُسْلِمِينَ ما أَحْرَزُوا من أَمْوَالِهِمْ مِلْكًا تَامًّا كان ذلك لِمَنْ مَلَكَ من الْمُسْلِمِينَ على الْمُشْرِكِينَ دُونَ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ قال بَلَى قُلْت أَوَّلًا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ أو لِلْعَدُوِّ إذَا أَحْرَزُوهُ فقال إنَّ هذا لَيُدْخِلُ ذلك وَلَكِنْ صِرْنَا إلَى الْأَثَرِ وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له فَهَذِهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ عليها فقال قد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ قبل ما يُقْسَمُ ( 2 ) حُكْمُهُ بَعْدَ ما يُقْسَمُ حُكْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له أَمَا في قِيَاسٍ أو عَقْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا لو كان إلَّا بِالْأَثَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ لم يُرْوَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه شَيْءٌ ويروي عَمَّنْ دُونَهُ فَلَيْسَ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قال أَفَيَحْتَمِلُ من رَوَى عنه قَوْلُنَا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عليه هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت أَفَيَحْتَمِلُ عِنْدَك فقال نعم فَقُلْت فما مَسْأَلَتُك عن أَمْرٍ تَعْلَمُ أَنْ لَا مَسْأَلَةَ فيه قال فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ هذا فَقُلْت نعم وَأَبْيَنُ قال مِثْلُ مَاذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السِّنِّ بِخَمْسٍ وَقَضَى عُمَرُ في الضِّرْسِ بِبَعِيرٍ فَكَانَ يَحْتَمِلُ لِذَاهِبٍ لو ذَهَبَ مَذْهَبَ
____________________

(4/255)


عُمَرَ أَنْ يَقُولَ السِّنُّ ما أَقْبَلَ وَالضِّرْسُ ما أَكَلَ عليه ثُمَّ يَكُونُ هذا وَجْهًا مُحْتَمَلًا يَصِحُّ الْمَذْهَبُ فيه فلما كانت السِّنُّ دَاخِلَةً في مَعْنَى الْأَسْنَانِ في حَالٍ فَإِنْ بَايَنَتْهَا بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَهَا كما تَبَايَنَ الْأَسْنَانُ بِأَسْمَاءٍ تُعْرَفُ بها صِرْنَا وَأَنْتَ إلَى ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً وَجَعَلْنَا الْأَعَمَّ أَوْلَى بِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْأَخَصِّ وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَخَصَّ من حُكْمِ كَثِيرٍ غَيْرِ هذا نَقُولُ فيه نَحْنُ وَأَنْتَ بِمِثْلِ هذا قال هذا في هذا وَغَيْرِهِ كما تَقُولُ قُلْت فما أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أُحْرِزَ عَنْهُمْ فَكَانَ لِمَالِكِهِ قبل الْقَسْمِ ولم يَأْتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ ليس له بَعْدَ الْقَسْمِ أَثَرٌ غَيْرُ هذا فَأَحْرَى لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحْرِزُونَ على الْمُسْلِمِينَ شيئا قال فَإِنَّا نَأْخُذُ قَوْلَنَا من غَيْرِ هذا الْوَجْهِ إذَا دخل من هذا الْوَجْهِ فنأخذه ( ( ( فأخذه ) ) ) من أَنَّا رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) وَرَوَيْنَا عنه أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَسْلَمَ على مَالِ قَوْمٍ قد قَتَلَهُمْ وَأَخْفَاهُ فَكَانَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَأَيْت ما رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنَّهُ ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) أَيَثْبُتُ قال هو من حَدِيثِكُمْ قُلْت نعم مُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ نُكَلِّمُك على تَثْبِيتِهِ فَنَقُولُ لَك أَرَأَيْت إنْ كان ثَابِتًا أَهُوَ عَامٌّ أو خَاصٌّ قال فَإِنْ قُلْت هو عَامٌّ قُلْت إذَا نَقُولُ لَك أَرَأَيْت عَدُوًّا أَحْرَزَ حُرًّا أو أُمَّ وَلَدٍ أو مُكَاتَبًا أو مُدَبَّرًا أو عَبْدًا مَرْهُونًا فَأَسْلَمَ عليهم قال لَا يَكُونُ له حُرٌّ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا شَيْءَ لَا يَجُوزُ مِلْكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له فَتَرَكْت قَوْلَك إنَّهُ عَامٌّ قال نعم وَأَقُولُ من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ الذي غَصَبَهُ عليه قُلْنَا فَأُمُّ الْوَلَدِ يَجُوزُ مِلْكُهَا لِمَالِكِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ أَفَتَجْعَلُ لِلْعَدُوِّ مِلْكَهَا إلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا قال لَا لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحِلُّ لهم قُلْت إنْ أَحْلَلْت مِلْكَ رَقَبَتِهَا بِالْغَصْبِ حين تُقِيمُ الْغَاصِبَ مَقَامَ سَيِّدِهَا إنَّك لَشَبِيهٌ أَنْ تُحِلَّ فَرْجَهَا أو مِلْكَهَا وَإِنْ مَنَعْت فَرْجَهَا أو رَأَيْت إنْ جَعَلْت الحديث خَاصًّا وَأَخْرَجْتَهُ من الْعُمُومِ أَيَجُوزُ لَك فيه أَنْ تَقُولَ فيه بِالْخَاصِّ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَأَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ على أَنَّ الْمُغِيرَةَ مَلَكَ ما يَجُوزُ له تَمَلُّكُهُ فَأَسْلَمَ عليه فلم يُخْرِجْهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من يَدِهِ ولم ( ( ( لم ) ) ) يُخَمِّسْهُ قال فَقُلْت له الَّذِينَ قتل ( ( ( قتلوا ) ) ) الْمُغِيرَةَ مُشْرِكُونَ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ كَلَّمْنَاك على ذلك قال ما حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ على هذا الْقَوْلِ ما وَصَفْت فَهَلْ تَجِدُ إنْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أقال ( ( ( أنه ) ) ) من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له مَخْرَجًا صَحِيحًا لَا يَدْخُلُ فيه شَيْءٌ مِثْلُ ما دخل هذا الْقَوْلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له نعم من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ له مِلْكُهُ فَهُوَ له فقال هذا جُمْلَةٌ فَأَبِنْهُ فَقُلْت له إنْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَزَّ أَهْلَ دِينِهِ ( 1 ) إلَّا بِحَقِّهَا فَهِيَ من غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً أو أَقْوَى على مَنْعِهَا فإذا كان الْمُسْلِمُ لو قَهَرَ مُسْلِمًا على عَبْدٍ ثُمَّ وَرِثَ عن الْقَاهِرِ أو غَلَبَهُ عليه مُتَأَوِّلٌ أو لِصٌّ أَخَذَهُ الْمَقْهُورُ عليه بِأَصْلِ مِلْكِهِ الْأَوَّلِ وكان لَا يَمْلِكُهُ مُسْلِمٌ بِغَصْبٍ فَالْكَافِرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِغَصْبٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ إنْ كَانُوا إذَا قَدَرُوا عليهم وَأَمْوَالِهِمْ خَوْلًا لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَكُونَ لهم أَنْ يتخولوا ( ( ( يتحولوا ) ) ) من أَمْوَالِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ شيئا يُقْدَرُ على إخْرَاجِهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَخَوِّلُ مُتَخَوِّلًا على مِمَّنْ يَتَخَوَّلُهُ إذَا قَدَرَ عليه قال فما الذي يُسْلِمُونَ عليه فَيَكُونُ لهم فَقُلْت ما غَصَبَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ عليه الْغَاصِبُ كان له كما أَخْذُهُ الْمُغِيرَةُ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْغَاصِبِينَ وَالْمَغْصُوبِينَ لم يَكُونُوا مَمْنُوعِي الْأَمْوَالِ بِدَيْنِ اللَّهِ عز وجل فلما أَخَذَهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أو سبا ( ( ( سبى ) ) ) بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ لِلْمَالِ كان له ما أَسْلَمَ عليه لِأَنَّهُ أَسْلَمَ على ما لو ابْتَدَأَ أَخْذَهُ في الْإِسْلَامِ كان له ولم يَكُنْ له أَنْ يَبْتَدِئَ في الْإِسْلَامِ أَخْذَ شَيْءٍ لِمُسْلِمٍ فقال
____________________

(4/256)


لي أَرَأَيْت من قال هذا الْقَوْلَ كَيْفَ زَعَمَ في الْمُشْرِكِينَ إذَا أَخَذُوا لِمُسْلِمٍ عَبْدًا أو مَالًا غَيْرَهُ أو أَمَتَهُ أو أَمَّ وَلَدِهِ أو مُدَبَّرَهُ أو مُكَاتَبَهُ أو مَرْهُونَهُ أو أَمَةً جَانِيَةً أو غير ذلك ثُمَّ أَحْرَزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُلْت هذا يَكُونُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَبِالْحَالِ الْأَوَّلِ قبل أَنْ يُحْرِزَهَا الْعَدُوُّ وَتَكُونُ أُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ في بِلَادِ الْحَرْبِ أو بَعْدُ وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً ما لم يَرْجِعْ فيها سَيِّدُهَا وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَالْأَمَةُ الْجَانِيَةُ جَانِيَيْنِ في رِقَابِهِمَا الْجِنَايَةُ لَا يُغَيِّرُ السِّبَاءُ مِنْهُمَا شيئا وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ قال أَفَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ هذا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عليهم مُشْرِكُونَ غَيْرُهُمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ عليهم قُلْت كَيْفَ كان هذا وَتَطَاوَلَ فَهَذَا قَوْلٌ لَا يَدْخُلُ بِحَالٍ هو على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ حَادِثٍ فيه بَعْدَهُ لَا يُبْطِلُهُ وَيُدْفَعُونَ إلَى مَالِكِيهِمْ الْأَوَّلِينَ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَجِبْ على هذا الْقَوْلِ أَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ الْعَدُوُّ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِزُ لها فَوَلَدَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ فقال هِيَ وَأَوْلَادُهَا لِمَالِكِهَا فَقُلْت فَإِنْ أَسْلَمُوا عليها قال تُدْفَعُ الْجَارِيَةُ إلَى مَالِكِهَا وَيَأْخُذُ مِمَّنْ وَطِئَهَا عَقْرُهَا وَقِيمَةُ أَوْلَادِهَا يوم سَقَطُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا حَاتِمٌ عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن يَزِيدَ بن هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلْهُ عن خِلَالٍ فقال بن عَبَّاسٍ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إنَّ بن عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لم أَكْتُبْ إلَيْهِ فَكَتَبَ نَجْدَةُ إلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ فأخبرني ( ( ( أخبرني ) ) ) هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كان يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَهَلْ كان يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَعَنْ الْخُمُسِ لِمَنْ هو فَكَتَبَ إلَيْهِ بن عَبَّاسٍ ( إنَّك كَتَبْت تَسْأَلُنِي هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وقد كان يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَيَحْذِينَ من الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا السَّهْمُ فلم يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَقْتُلْ الْوِلْدَانَ فَلَا تَقْتُلْهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمَ منهم ما عَلِمَ الْخَضِرُ من الصَّبِيِّ الذي قَتَلَهُ فَتُمَيِّزَ بين الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَتَقْتُلَ الْكَافِرَ وَتَدَعَ الْمُؤْمِنَ وَكَتَبْت مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَلَعَمْرِي إنَّ الرَّجُلَ لَتَشِيبُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ ضَعِيفُ الْإِعْطَاءِ فإذا أَخَذَ لِنَفْسِهِ من صَالِحِ ما يَأْخُذُ الناس فَقَدْ ذَهَبَ عنه الْيُتْمُ وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عن الْخُمُسِ وَإِنَّا كنا نَقُولُ هو لنا فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَصَبْرِنَا عليه ) * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْمُسْلِمِينَ إذَا غَزَوْا أَهْلَ الْحَرْبِ هل يُكْرَهُ لهم أَنْ يَقْطَعُوا الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ وَيُخَرِّبُوا مَنَازِلَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ وَيُغْرِقُوهَا وَيُحَرِّقُوهَا وَيُخَرِّبُوا ما قَدَرُوا عليه من ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْتِعَتُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما كان مِمَّا يَمْلِكُوا لَا رُوحَ له فَإِتْلَافُهُ مُبَاحٌ بِكُلِّ وَجْهٍ وَكُلُّ ما زَعَمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ فَحَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِعْلُهُ وَغَيْرُ مُحَرَّمٍ عليهم تَرْكُهُ وَأُحِبُّ إذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ وَكَانَتْ غُزَاتُهُمْ غَارَةً أو كان عَدُوُّهُمْ كَثِيرًا وَمُتَحَصِّنًا مُمْتَنِعًا لَا يُغْلَبُ عليهم أَنْ تَصِيرَ دَارُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عليها الْحُكْمُ أَنْ يَقْطَعُوا وَيُحَرِّقُوا وَيُخَرِّبُوا ما قَدَرُوا عليه من ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَيُؤْخَذُ مَتَاعُهُمْ وما كان يُحْمَلُ من خَفِيفِ مَتَاعِهِمْ فَقَدَرُوا عليه اخْتَرْت أَنْ يَغْنَمُوهُ وما لم يَقْدِرُوا عليه حَرَّقُوهُ وَغَرَّقُوهُ وإذا كان الْأَغْلَبُ عليهم أنها سَتَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ أو دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ اخْتَرْت لهم الْكَفَّ عن أَمْوَالِهِمْ لِيَغْنَمُوهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحْرُمُ عليهم تَحْرِيقُهَا وَلَا تَخْرِيبُهَا حتى يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ أو ذِمَّةً أو يَصِيرَ منها في أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يُحْمَلُ فَيُنْقَلُ فَلَا يَحِلُّ تَحْرِيقُ ذلك لِأَنَّهُ صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُحَرِّقُوا ما سِوَاهُ مِمَّا لَا يُحْمَلُ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَحْرِيقُ شَجَرِهِمْ وَعَامِرِهِمْ وَإِنْ طَمِعَ بِهِمْ لِأَنَّهُ قد يَطْمَعُ بِالْقَوْمِ ثُمَّ يَكُونُ الْأَمْرُ على غَيْرِ ما عليه الطَّمَعُ وَإِنَّهَا حُرِّقَتْ ولم يُحْرِزْهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ لهم الْكَفَّ عن تَحْرِيقِهَا لِأَنَّ هَكَذَا أَصْلُ الْمُبَاحِ وقد حَرَّقَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على قَوْمٍ ولم يُحَرِّقْ على آخَرِينَ وَإِنْ حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ شيئا من أَمْوَالِهِمْ فلم يَقْتَسِمُوهُ حتى أَدْرَكَهُمْ عَدُوٌّ وَخَافُوا غَلَبَتَهُمْ عليه فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِأَنْ أَجْمَعُوا على ذلك وَكَذَلِكَ لو اقْتَسَمُوهُ لم أَرَ بَأْسًا على أَحَدٍ صَارَ في يَدِهِ أَنْ يُحَرِّقَهُ وَإِنْ كَانُوا يَرْجُونَ مَنْعَهُ لم أُحِبَّ أَنْ يُعَجِّلُوا
____________________

(4/257)


بِتَحْرِيقِهِ وَالْبَيْضُ ما لم يَكُنْ فيه فِرَاخٌ من غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ ( 1 ) بِمَعْنَى الْكُفَّارِ وما ذَبَحُوا من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ حتى زَايَلَهُ الرُّوحُ بِمَنْزِلَةِ ما لَا رُوحَ له فَيُحْرَقُ كُلُّهُ إنْ أَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ على ما وَصَفْت إنْ شاؤوا ذلك وَإِنْ شاؤوا تَرَكُوهُ فَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ من الْخَيْلِ وَالْبَقَرِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا تُحْرَقُ وَلَا تُعْقَرُ وَلَا تُغْرَقُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ذَبْحُهَا أو في مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ ( 2 ) فَقُلْت كِتَابُ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في بَنِي النَّضِيرِ حين حَارَبَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هو الذي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ قَرَأَ إلَى يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصَفَهُ إيَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَالرِّضَا بِهِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَطْعِ نَخْلٍ من أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِضًا بِمَا صَنَعُوا من قَطْعِ نَخِيلِهِمْ ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ فَرَضِيَ الْقَطْعَ وَأَبَاحَ التَّرْكَ فَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ وَمِمَّنْ غَزَا من لم يَقْطَعْ نَخْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فقال قَائِلٌ % وَهَانَ على سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ * % حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ % فَإِنْ قال قَائِلٌ وَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ مَالَ بَنِي النَّضِيرِ ثُمَّ تَرَكَ قِيلَ على مَعْنَى ما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل وقد قَطَعَ وَحَرَّقَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ النَّضِيرِ وَحَرَّقَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غُزَاةٍ قَاتَلَ بها وَأَمَرَ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ أَنْ يُحَرِّقَ على أَهْلِ أُبْنَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ الْأَزْهَرِيِّ قال سَمِعْت بن شِهَابٍ يحدث عن عُرْوَةَ عن أُسَامَة بن زَيْدٍ قال أَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَغْزُوَ صَبَاحًا على أَهْلِ أُبْنَى وَأُحَرِّقَ - * الْخِلَافُ في التَّحْرِيقِ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ خَالَفَ ما قُلْت في هذا أَحَدٌ فقال نعم بَعْضُ إخْوَانِنَا من مُفْتِي الشَّامِيِّينَ فَقُلْت إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبُوا قال إلَى أَنَّهُمْ رَوَوْا عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ نهى أَنْ يُخَرَّبَ عَامِرٌ وَأَنْ يُقْطَعَ شَجَرٌ مُثْمِرٌ فيها فِيمَا نهى عنه قُلْت فما الْحُجَّةِ عليه قال ما وَصَفْت من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقُلْت عَلَامَ تَعُدُّ نَهْيَ أبي بَكْرٍ عن ذلك فقال اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَمَّا الظَّنُّ بِهِ فإنه سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَذْكُرُ فَتْحَ الشَّامِ فَكَانَ على يَقِينٍ منه فَأَمَرَ بِتَرْكِ تَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَقَطْعِ الْمُثْمِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِأَنَّهُ رَآهُ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ قد حَضَرَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحْرِيقَهُ بِالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَالطَّائِفِ فَلَعَلَّهُمْ أَنْزَلُوهُ على غَيْرِ ما أَنْزَلَهُ عليه وَالْحُجَّةُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في صَنِيعِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَكُلُّ شَيْءٍ في وَصِيَّةِ أبي بَكْرٍ سِوَى هذا فبه ( ( ( فيه ) ) ) نَأْخُذُ - * ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت ما ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ من الْخَيْلِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا من الْمَاشِيَةِ فَقَدَرُوا على إتْلَافِهِ قبل أَنْ يَغْنَمُوهُ أو غَنِمُوهُ فَأَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ فَخَافُوا أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ منهم
____________________

(4/258)


وَيَقْوَوْا بِهِ على الْمُسْلِمِينَ أَيَجُوزُ لهم إتْلَافُهُ بِذَبْحٍ أو عَقْرٍ أو تَحْرِيقٍ أو تَغْرِيقٍ في شَيْءٍ من الْأَحْوَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ عِنْدِي أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِشَيْءٍ يُتْلِفُهُ إذَا كان لَا رَاكِبَ عليه فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَلِمَ قُلْت وَإِنَّمَا هو مَالٌ من أَمْوَالِهِمْ لَا يُقْصَدُ قَصْدُهُ بِالتَّلَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِفِرَاقِهِ ما سِوَاهُ من الْمَالِ لِأَنَّهُ ذُو رُوحٍ يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ وَلَا ذَنْبَ له وَلَيْسَ كما لَا رُوحَ له يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ من أَمْوَالِهِمْ وقد نهى عن ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَنْ يُقْتَلَ ما قُدِرَ عليه منها إلَّا بِالذَّبْحِ لِتُؤْكَلَ وما امْتَنَعَ بِمَا نِيلَ من السِّلَاحِ لِتُؤْكَلَ وما كان منها عَدَاءً وَضَارًّا لِلضَّرُورَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ اُذْكُرْ ما وَصَفْت فقال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن صُهَيْبٍ مولى عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عز وجل عن قَتْلِهَا ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما كان قَتْلُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْبَهَائِمِ مَحْظُورًا إلَّا بِمَا وَصَفْت كان عَقْرُ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ التي لَا رُكْبَانَ عليها من الْمُشْرِكِينَ دَاخِلًا في مَعْنَى الْحَظْرِ خَارِجًا من مَعْنَى الْمُبَاحِ فلم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ تَعْقِرَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إلَّا على ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي ذلك غَيْظُ الْمُشْرِكِينَ وَقَطْعٌ لِبَعْضِ قُوَّتِهِمْ قِيلَ له إنَّمَا يُنَالُ من غَيْظِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا كان غير مَمْنُوعٍ من أَنْ يُنَالَ فَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَلَا يُغَاظُ أَحَدٌ بِأَنْ يَأْتِيَ الْغَائِظُ له ما نهى عن إتْيَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّا لو سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ وَوِلْدَانَهُمْ فَأَدْرَكُونَا فلم نَشُكَّ في اسْتِنْفَاذِهِمْ إيَّاهُمْ مِنَّا لم يَجُزْ لنا قَتْلُهُمْ وَقَتْلُهُمْ أَغْيَظُ لهم وَأَنْكَى من قَتْلِ دَوَابِّهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ روى أَنَّ جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَلَا أَحْفَظُ ذلك من وَجْهٍ يَثْبُتُ على الِانْفِرَادِ وَلَا أَعْلَمُهُ مَشْهُورًا عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت الْفَارِسَ من الْمُشْرِكِينَ أَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْقِرَهُ قال نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هذه مَنْزِلَةٌ يَجِدُ السَّبِيلُ بها إلَى قَتْلِ من أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَاذْكُرْ ما يُشْبِهُ هذا قِيلَ يَكُونُ له أَنْ يَرْمِيَ الْمُشْرِكَ بِالنَّبْلِ وَالنَّارِ وَالْمَنْجَنِيقِ فإذا صَارَ أَسِيرًا في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك بِهِ وكان له قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ له أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ فَيَقْتُلَهُ فإذا صَارَ في يَدَيْهِ لم يَقْتُلْهُ إلَّا بالذكاة ( ( ( بالذكاء ) ) ) التي هِيَ أَخَفُّ عليه وقد أُبِيحَ له دَمُ الْمُشْرِكِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ أَصَابَ ذلك بَعْضَ من مَعَهُمْ مِمَّنْ هو مَحْظُورُ الدَّمِ لِلْمَرْءِ في دَفْعِهِ عن نَفْسِهِ عَدُوَّهُ أَكْثَرَ من هذا فَإِنْ قال فَهَلْ في هذا خَبَرٌ قِيلَ نعم عَقَرَ حَنْظَلَةُ بن الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ يوم أُحُدٍ فَرَسَهُ فانكسعت ( ( ( فانعكست ) ) ) بِهِ وَصُرِعَ عنها فَجَلَسَ حَنْظَلَةُ على صَدْرِهِ وَعَطَفَ بن شُعُوبٍ على حَنْظَلَةَ فَقَتَلَهُ وَذَلِكَ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْكَرَ ذلك عليه وَلَا نَهَاهُ وَلَا نهى غَيْرَهُ عن مِثْلِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَنْ يُفَارِقَهُ فَارِسُهُ لم يَكُنْ له عَقْرُهُ في تِلْكَ الْحَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ لو كانت عليه امْرَأَةٌ أو صَبِيٌّ لَا يُقَاتِلُ لم يَعْقِرْ إنَّمَا يَعْقِرُ لِمَعْنَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَى فَارِسِهِ لِيُقْتَلَ أو لِيُؤْسَرَ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ سَمِعْت في هذا حَدِيثًا عَمَّنْ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّمَا الْغَايَةُ أَنْ يُوجَدَ على شَيْءٍ دَلَالَةٌ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ وقد وَصَفْت لَك بَعْضَ ما حَضَرَنِي من ذلك فَلَا يَزِيدُهُ شَيْءٌ وَافَقَهُ قُوَّةً وَلَا يُوهِنُهُ شَيْءٌ خَالَفَهُ وقد بَلَغَنَا عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ أَوْصَى ابْنَهُ لَا يَعْقِرُ جَسَدًا وَعَنْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ نهى عن عَقْرِ الدَّابَّةِ إذَا هِيَ قَامَتْ وَعَنْ قَبِيصَةَ أَنَّ فَرَسًا قام عليه بِأَرْضِ الرُّومِ فَتَرَكَهُ وَنَهَى عن عَقْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا من سمع هِشَامَ بن الْغَازِي يَرْوِي عن مَكْحُولٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عنه فَنَهَاهُ وقال إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُثْلَةِ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أفرايت ما أَدْرَكَ مَعَهُمْ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قال لَا تَعْقِرُوا منه شيئا إلَّا أَنْ تَذْبَحُوهُ لِتَأْكُلُوا كما وَصَفْت بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وَأَمَّا ما فَارَقَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ فَيَصْنَعُونَ فِيمَا خَافُوا أَنْ يُسْتَنْقَذَ من أَيْدِيهِمْ فيه ما شاؤوا من تَحْرِيقٍ وَكَسْرٍ وَتَغْرِيقٍ وَغَيْرِهِ قُلْت أو يَدَعُونَ أَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ فقال نعم إذَا لم يَقْدِرُوا على اسْتِنْقَاذِهِمْ منهم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ كان السَّبْيُ وَالْمَتَاعُ قُسِّمَ قال كُلُّ رَجُلٍ صَارَ له من ذلك شَيْءٌ فَهُوَ مُسَلَّطٌ على مَالِهِ وَيَدَعُ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إنْ لم يَقْوَ على سَوْقِهَا وَعَلَى مَنْعِهَا وَيَصْنَعُ
____________________

(4/259)


في غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ ما شَاءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت الْإِمَامَ إذَا أَحْرَزَ ما يُحْمَلُ من الْمَتَاعِ فَحَرَّقَهُ في بِلَادِ الشِّرْكِ وهو يُقَاتِلُ أو حَرَّقَهُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ له وَخَوَّفَهُ أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ قبل أَنْ يُقْسَمَ وبعد ما قُسِمَ فقال كُلُّ ذلك في الْحُكْمِ سَوَاءٌ إنْ أَحْرَقَهُ بِإِذْنِ من معه حَلَّ له ولم يَضْمَنْ لهم سِوَاهُ وَيُعْزَلُ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ بِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِنْ لم يُسَلِّمْ بِهِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَمَتَى حَرَّقَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَمِنَهُ لهم إنْ شاؤوا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ إنْ حَرَّقَهُ يَضْمَنُ ما حَرَّقَ منه إنْ حَرَّقَهُ بَعْدَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّا إذَا أَحْرَقَهُ قبل أَنْ يُحْرِزَ فَلَا ضَمَانَ عليه - * السَّبْيُ يُقْتَلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أُسِرَ الْمُشْرِكُونَ فَصَارُوا في يَدِ الْإِمَامِ فَفِيهِمْ حُكْمَانِ أَمَّا الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ فَلِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أو بَعْضَهُمْ أو يَمُنَّ عليهم أو على بَعْضِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عليه فِيمَا صَنَعَ من ذلك أَسَرَتْهُمْ الْعَامَّةُ أو أَحَدٌ أو نَزَلُوا على حُكْمِهِمْ أو وَالٍ هو أَسَرَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ من تَقْوِيَةِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ وَقَتْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٍ وَلَا يَنْبَغِي له ان يَمُنَّ عليهم إلَّا بِأَنْ يَكُونَ يَرَى له سَبَبًا مِمَّنْ مَنَّ عليه يَرْجُو إسْلَامَهُ أو كَفَّهُ الْمُشْرِكِينَ أو تَخْذِيلَهُمْ عن الْمُسْلِمِينَ أو تَرْهِيبَهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان وَإِنْ فَعَلَ على غَيْرِ هذا الْمَعْنَى كُرِهْتُ له وَلَا يَضْمَنُ شيئا وَكَذَلِكَ له أَنْ يفادى بِهِمْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كان له الْمَنُّ بِلَا مُفَادَاةٍ فَالْمُفَادَاةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ أُرِقَّ منهم أو أُخِذَ منه فِدْيَةٌ فَهُوَ كَالْمَالِ الذي غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُخَمَّسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدُونَ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُسِرُوا بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْإِسَارُ فَهُمْ كَالْمَتَاعِ الْمَغْنُومِ ليس له تَرْكُ أَحَدٍ منهم وَلَا قَتْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ من الْجُنْدِ إنْ فَعَلَ كان ضَامِنًا لِقِيمَةِ ما اسْتَهْلَكَ منهم وَأَتْلَفَ - * سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ وَالْحُدُودِ على الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالْفَرَائِضِ على البوالغ من النِّسَاءِ من الْمُسْلِمِينَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ من مَوْضِعَيْنِ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ } فَأَخْبَرَ أَنَّ عليهم إذَا بَلَغُوا الِاسْتِئْذَانَ فَرْضًا كما كان على من قَبْلَهُمْ من الْبَالِغِينَ وَقَوْلُهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } وكان بُلُوغُ النِّكَاحِ اسْتِكْمَالَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَأَقَلَّ فَمَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ أو قَبْلَهَا ثَبَتَ عليه الْفَرْضُ كُلُّهُ وَالْحُدُودُ وَمَنْ أَبْطَأَ عنه بُلُوغُ النِّكَاحِ فَالسِّنُّ التي يَلْزَمُهُ بها الْفَرَائِضُ من الْحُدُودِ وغيرها ( ( ( وغيرهما ) ) ) اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْأَصْلُ فيه من السُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ عن الْجِهَادِ وهو بن أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَجَازَهُ وهو بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَعَبْدُ اللَّهِ وابو عبد اللَّهِ طَالِبَانِ لَأَنْ يَكُونَ عبد اللَّهِ مُجَاهِدًا في الْحَالَيْنِ فَأَجَازَهُ إذَا بَلَغَ أَنْ تَجِبَ عليه الْفَرَائِضُ وَرَدَّهُ إذَا لم يَبْلُغْهَا وَفَعَلَ ذلك مع بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا منهم زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَرَافِعُ بن خَدِيجٍ وَغَيْرُهُمْ فَمَنْ لم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشَرَةَ ولم يَحْتَلِمْ قَبْلَهَا فَلَا جِهَادَ وَلَا حَدَّ عليه في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَسَوَاءٌ كان جَسِيمًا شَدِيدًا مُقَارِبًا لَخَمْسَ عَشَرَةَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا إلَّا يَوْمًا أو ضَعِيفًا ( 1 ) مُودِيًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا سَنَةٌ أو سَنَتَانِ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ على الْخَلْقِ
____________________

(4/260)


إلَّا كتاب ( ( ( بكتاب ) ) ) أو سُنَّةٍ فَأَمَّا إدْخَالُ الْغَفْلَةِ مَعَهُمَا فَالْغَفْلَةُ مَرْدُودَةٌ إذَا لم تَكُنْ خِلَافَهُمَا فَكَيْفَ إذَا كانت بِخِلَافِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدُّ الْبُلُوغِ في أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يُقْتَلُ بَالِغُهُمْ وَيُتْرَكُ غَيْرُ بَالِغِهِمْ أَنْ يُنْبِتُوا الشَّعْرَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ في الْحَالِ التي يُقْتَلُونَ فيها مُدَافِعُونَ لِلْبُلُوغِ لِئَلَّا يُقْتَلُوا وَغَيْرُ مَشْهُودٍ عليهم فَلَوْ شَهِدَ عليهم أَهْلُ الشِّرْكِ لم يَكُونُوا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَشْهَدُونَ بِالْبُلُوغِ على من بَلَغَ فَيُصَدَّقُونَ بِالْبُلُوغِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من خَبَرٍ سِوَى الْفَرْقِ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ في حَدِّ الْبُلُوغِ قِيلَ نعم كَشَفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ حين قَتَلَ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ فَكَانَ من سُنَّتِهِ أَنْ لَا يُقْتَلَ إلَّا رَجُلٌ بَالِغٌ فَمَنْ كان أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَمَنْ لم يَكُنْ أَنْبَتَ سَبَاهُ فإذا غَزَا الْبَالِغُ فَحَضَرَ الْقِتَالَ فَسَهْمُهُ ثَابِتٌ وإذا حَضَرَ من دُونَ الْبُلُوغِ فَلَا سَهْمَ له فَيُرْضَخُ له وَلِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يَحْضُرُونَ الْغَنِيمَةَ وَلَا يُسْهَمُ لهم وَيُرْضَخُ أَيْضًا لِلْمُشْرِكِ يُقَاتِلُ مَعَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ له - * الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ على قِتَالِ الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي رَوَى مَالِكٌ كما رَوَى رَدَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُشْرِكًا أو مُشْرِكِينَ في غُزَاةِ بَدْرٍ وَأَبَى أَنْ يَسْتَعِينَ إلَّا بِمُسْلِمٍ ثُمَّ أستعان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ في غُزَاةِ خَيْبَرَ بِعَدَدٍ من يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعِ كَانُوا أَشِدَّاءَ وَاسْتَعَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غُزَاةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وهو مُشْرِكٌ فَالرَّدُّ الْأَوَّلُ إنْ كان لِأَنَّ له الْخِيَارُ أَنْ يَسْتَعِينَ ( 1 ) بِمُسْلِمٍ أو يَرُدَّهُ كما يَكُونُ له رَدُّ الْمُسْلِمِ من مَعْنَى يَخَافُهُ منه أو لِشِدَّةٍ بِهِ فَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ وَإِنْ كان رَدَّهُ لِأَنَّهُ لم يَرَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ فَقَدْ نَسَخَهُ ما بَعْدَهُ من اسْتِعَانَتِهِ بِمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا طَوْعًا وَيُرْضَخُ لهم وَلَا يُسْهَمُ لهم ولم يَثْبُتْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَبِيدَ من الْمُسْلِمِينَ بِلَا سَهْمٍ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَإِنْ قَاتَلُوا وَالنِّسَاءِ وَإِنْ قَاتَلْنَ لِتَقْصِيرِ هَؤُلَاءِ عن الرَّجُلِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَيُسْهَمُ لِلْمُشْرِكِ وَفِيهِ التَّقْصِيرُ الْأَكْثَرُ من التَّقْصِيرِ عن الْإِسْلَامِ وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه وَإِنْ أُكْرِهَ أَهْلُ الذِّمَّةِ على أَنْ يَغْزُوا فَلَهُمْ أَجْرُ مِثْلِهِمْ في مِثْلِ مَخْرَجِهِمْ من أَهْلِهِمْ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِرْسَالُهُمْ إيَّاهُمْ وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا غَزَا بِهِمْ لو اُسْتُؤْجِرُوا - * الرَّجُلُ يُسْلِمُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ كان مُشْرِكًا أو مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ أو أَسِيرًا في أَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فإذا خَرَجَ إلَى الْمُسْلِمِينَ بعد ما غَنِمُوا فَلَا يُسْهَمُ له وَهَكَذَا من جَاءَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا وَإِنْ بَقِيَ من الْحَرْبِ شَيْءٌ شَهِدَهَا هذا الْمُسْلِمُ الْخَارِجُ أو الجيش شَرِكُوهُمْ في الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا لم تُحْرَزْ إلَّا بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ وقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ) فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ فَارِسًا أُسْهِمَ له سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ حَضَرَ رَاجِلًا أُسْهِمَ له سَهْمُ رَاجِلٍ فَإِنْ قَاتَلَ التُّجَّارُ مع الْمُسْلِمِينَ أُسْهِمَ لهم سهم فَرَسَانِ إنْ كَانُوا فُرْسَانًا وَسَهْمُ رجالة إنْ كَانُوا رَجَّالَةً - * في السَّرِيَّةِ تَأْخُذُ الْعَلَفَ وَالطَّعَامَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ من الْجَيْشِ أَنْ يَأْخُذَ شيئا دُونَ الْجَيْشِ مِمَّا يَتَمَوَّلُهُ الْعَدُوُّ إلَّا الطَّعَامَ خَاصَّةً وَالطَّعَامُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وفي مَعْنَاهُ الشَّرَابُ كُلُّهُ فَمَنْ قَدَرَ منهم على شَيْءٍ له أَنْ يَأْكُلَهُ أو يُشْرِبَهُ وَيَعْلِفَهُ وَيُطْعِمَهُ
____________________

(4/261)


غَيْرَهُ وَيَسْقِيَهُ وَيَعْلِفَ له وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَهُ وإذا بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ في الْمَغْنَمِ وَيَأْكُلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وما كان حَلَالًا من مَأْكُولٍ أو مَشْرُوبٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * في الرَّجُلِ يُقْرِضُ الرَّجُلَ الطَّعَامَ أو الْعَلَفَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقْرَضَ الرَّجُلُ رَجُلًا طَعَامًا أو عَلَفًا في بِلَادِ الْعَدُوِّ رَدَّهُ فَإِنْ خَرَجَ من بِلَادِ الْعَدُوِّ لم يَكُنْ له رَدُّهُ عليه لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ له في بِلَادِ الْعَدُوِّ في أَكْلِهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ له إنْ فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ في أَكْلِهِ وَيَرُدُّهُ الْمُسْتَقْرِضُ على الْإِمَامِ - * الرَّجُلُ يُخْرِجُ الشَّيْءَ من الطَّعَامِ أو الْعَلَفِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ فَضَلَ في يَدَيْهِ شَيْءٌ من الطَّعَامِ قَلَّ أو كَثُرَ فَخَرَجَ بِهِ من دَارِ الْعَدُوِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَأْكُلَهُ وكان عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْإِمَامِ فَيَكُونُ في الْمَغْنَمِ فان لم يَفْعَلْ حتى يَتَفَرَّقَ الْجَيْشُ فَلَا يُخْرِجُهُ منه إن يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا بأضعافه كما لَا يُخْرِجُهُ من حَقٍّ وَاحِدٍ وَلَا جَمَاعَةَ إلَّا تَأْدِيَتَهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ قال لَا أَجِدُهُمْ فَهُوَ يَجِدُ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ الذي عليه تَفْرِيقُهُ فِيهِمْ وَلَا أَعْرِفُ لِقَوْلِ من قال يَتَصَدَّقُ بِهِ وَجْهًا فَإِنْ كان ليس له مالا فَلَيْسَ له الصَّدَقَةُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُهُمْ قِيلَ وَلَكِنْ تَعْرِفُ الْوَالِي الذي يَقُومُ بِهِ عليهم وَلَوْ لم تَعْرِفْهُمْ وَلَا وَالِيهِمْ ما أَخْرَجَك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا أَدَاءُ قَلِيلِ ما لهم وَكَثِيرُهُ عليهم - * الْحُجَّةُ في الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَعْلِفَ مِمَّا أَصَابَ في دَارِ الْحَرْبِ ولم تَجُزْ له أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ فِرَاقِهِ إيَّاهَا قِيلَ إنَّ الْغُلُولَ حَرَامٌ وما كان في بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا دُونَ أَحَدٍ حَضَرَهُ فَهُمْ فيه شَرْعٌ سَوَاءٌ على ما قُسِمَ لهم فَلَوْ أَخَذَ إبْرَةً أو خَيْطًا كان مُحَرَّمًا وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فإن الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ وَنَارٌ يوم الْقِيَامَةِ ) فَكَانَ الطَّعَامُ دَاخِلًا في مَعْنَى أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ من الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ وَالْفَلْسِ وَالْخَرَزَةِ التي لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ فلما أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الطَّعَامِ في بِلَادِ الْحَرْبِ كان الْإِذْنُ فيه خَاصًّا خَارِجًا من الْجُمْلَةِ ( 1 ) التي اسْتَثْنَى فلم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا حَيْثُ أَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْأَكْلِ وهو بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَاصَّةً فإذا زَايَلَهَا لم يَكُنْ بِأَحَقَّ بِمَا أَخَذَ من الطَّعَامِ من غَيْرِهِ كما لَا يَكُونُ بِأَحَقَّ بِمِخْيَطٍ لو أَخَذَهُ من غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَحَلَّ من مُحَرَّمٍ في مَعْنَى لَا يَحِلُّ إلَّا في ذلك الْمَعْنَى خَاصَّةً فإذا زَايَلَ ذلك الْمَعْنَى عَادَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَثَلًا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ في الْأَصْلِ الْمُحَلَّةِ لِلْمُضْطَرِّ فإذا زَايَلَتْ الضَّرُورَةَ عَادَتْ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مع أَنَّهُ يُرْوَى من حديث بَعْضِ الناس مِثْلُ ما قُلْت من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لهم أَنْ يَأْكُلُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْرُجُوا بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ فَإِنْ كان مِثْلُ هذا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ معه وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ في رِجَالِهِ من يَجْهَلُ وَكَذَلِكَ في رِجَالِ من روى عنه إحْلَالُهُ من يُجْهَلُ
____________________

(4/262)


- * بَيْعُ الطَّعَامِ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَبَايَعَ رَجُلَانِ طَعَامًا بِطَعَامٍ في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مُبَاحًا بِمُبَاحٍ فَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما صَارَ إلَيْهِ ما لم يَخْرُجْ فإذا خَرَجَ رَدَّ الْفَضْلَ فإذا جَازَ له أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قد كان يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ كما أَخَذَ فَيَأْكُلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَايِعَهُ بِهِ - * الرَّجُلُ يَكُونُ معه الطَّعَامُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَضَلَ في يَدَيْ رَجُلٍ طَعَامٌ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ وَدَخَلَ رَجُلٌ لم يُشْرِكْهُمْ في الْغَنِيمَةِ فَبَايَعَهُ لم يَجُزْ له بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَعْطَى من ليس له أَكْلُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فَإِنْ فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ إلَى الْإِمَامِ ولم يَكُنْ له حَبْسُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا من يَدَيْهِ إلَى من ليس له أَكْلُهَا وكان كَإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا من بِلَادِ الْعَدُوِّ إلَى الْمَوْضِعِ الذي ليس له أَكْلُهَا فيه - * ذَبْحُ الْبَهَائِمِ من أَجْلِ جُلُودِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانُوا غير مُتَفَاوِتِينَ وَلَا خَائِفِينَ من أَنْ يُدْرَكُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا مُضْطَرِّينَ أَنْ لَا يَذْبَحُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلِهِ وَلَا يَذْبَحُوا لِنَعْلٍ وَلَا شِرَاكٍ وَلَا سِقَاءٍ يَتَّخِذُونَهَا من جُلُودِهَا وَلَوْ فَعَلُوا كان مِمَّا أَكْرَهُ ولم أُجِزْ لهم اتِّخَاذَ شَيْءٍ من جُلُودِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُلُودُ الْبَهَائِمِ التي يَمْلِكُهَا الْعَدُوُّ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لهم في الْأَكْلِ من لُحُومِهَا ولم يُؤْذَنْ لهم في ادِّخَارِ جُلُودِهَا وَأَسْقِيَتِهَا وَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ وإذا كانت الرُّخْصَةُ في الطَّعَامِ خَاصَّةً فَلَا رُخْصَةَ في جِلْدِ شَيْءٍ من الْمَاشِيَةِ وَلَا ظَرْفَ فيه طَعَامٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ الطَّعَامِ وَالْجِلْدَ غَيْرُ اللَّحْمِ فَيُرَدُّ الظَّرْفُ وَالْجِلْدُ وَالْوِكَاءُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ حتى يَرُدَّهُ وما نَقَصَهُ الِانْتِفَاعُ وَأَجْرُ مِثْلِهِ إنْ كان لِمِثْلِهِ أَجْرٌ - * كُتُبُ الْأَعَاجِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وُجِدَ من كُتُبِهِمْ فَهُوَ مَغْنَمٌ كُلُّهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ من يُتَرْجِمُهُ فَإِنْ كان عِلْمًا من طِبٍّ أو غَيْرِهِ لا مَكْرُوهَ فيه بَاعَهُ كما يَبِيعُ ما سِوَاهُ من الْمَغَانِمِ وَإِنْ كان كِتَابَ شِرْكٍ شَقُّوا الْكِتَابَ وَانْتَفَعُوا بِأَوْعِيَتِهِ وَأَدَاتِهِ فَبَاعَهَا وَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيقِهِ وَلَا دَفْنِهِ قبل أَنْ يَعْلَمَ ما هو - * تَوْقِيحُ الدَّوَابِّ من دُهْنِ الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُوَقِّحُ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ وَلَا يُدْهِنُ أَشَاعِرَهَا من أَدْهَانِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ هذا غَيْرُ مَأْذُونٍ له بِهِ من الْأَكْلِ وَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ - * زُقَاقُ الْخَمْرِ وَالْخَوَابِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على بِلَادِ الْحَرْبِ حتى تَصِيرَ دَارَ الْإِسْلَامِ أو ذِمَّةٍ يَجْرِي عليها الْحُكْمُ فَأَصَابُوا فيها خَمْرًا في خَوَابٍ أو زُقَاقٍ أهراقوا الْخَمْرَ وَانْتَفَعُوا بِالزُّقَاقِ وَالْخَوَابِي وَطَهَّرُوهَا ولم يَكْسِرُوهَا لِأَنَّ كَسْرَهَا فَسَادٌ وإذا لم يَظْهَرُوا عليها وكان ظَفَرُهُمْ بها ظَفَرَ غَارَةٍ لَا ظَفَرَ أَنْ يَجْرِيَ بها حُكْمٌ أهراقوا الْخَمْرَ من الزُّقَاقِ
____________________

(4/263)


وَالْخَوَابِي فَإِنْ اسْتَطَاعُوا حَمْلَهَا أو حَمْلَ ما خَفَّ منها حَمَلُوهُ مَغْنَمًا وَإِنْ لم يَسْتَطِيعُوا أَحْرَقُوهُ وَكَسَرُوهُ إذَا سَارُوا وإذا ظَفِرُوا بِالْكُشُوثِ في الْحَالَيْنِ انْتَفَعُوا بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما ظَهَرُوا عليه غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَيْسَ الْكَشُوثُ وَإِنْ كان غير مُحَرَّمٍ وَإِنْ كان يُطْرَحُ في السُّكَّرِ إذَا كان حَلَالًا بِأَوْلَى أَنْ يُحَرَّمَ من الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ اللَّذَيْنِ يُعْمَلُ مِنْهُمَا الْمُحَرَّمُ وَلَا يُحَرَّقُ هذا وَلَا هذا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُحَرَّمَيْنِ - * إحْلَالُ ما يَمْلِكُهُ الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْقَوْمُ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَأَصَابُوا منها شيئا سِوَى الطَّعَامِ فَأَصْلُ ما يُصِيبُونَهُ سِوَى الطَّعَامِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا مَحْظُورٌ أَخْذُهُ غُلُولٌ وَالْآخَرُ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ فَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُبَاحِ منه أَنْ يُنْظَرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فما كان فيها مُبَاحًا من شَجَرٍ ليس يَمْلِكُهُ الْآدَمِيُّ أو صَيْدٌ من بَرٍّ أو بَحْرٍ فَأَخَذَ مثله في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ يَدْخُلُ في ذلك الْقَوْسُ يَقْطَعُهَا الرَّجُلُ من الصَّحْرَاءِ أو الْجَبَلُ وَالْقَدَحُ يَنْحِتُهُ وما شَاءَ من الْخَشَبِ وما شَاءَ من الْحِجَارَةِ الْبِرَامِ وَغَيْرِهَا إذَا كانت غير مَمْلُوكَةٍ مُحْرَزَةٍ فَكُلُّ ما أُصِيبَ من هذه فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكُلُّ ما مَلَكَهُ الْقَوْمُ فَأَحْرَزُوهُ في مَنَازِلِهِمْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِثْلُ حَجَرٍ نَقَلُوهُ إلَى مَنَازِلِهِمْ أو عُودٍ أو غَيْرِهِ أو صَيْدٍ فَأَخْذُ هذا غُلُولٌ - * الْبَازِي الْمُعَلَّمُ وَالصَّيْدُ الْمُقَرَّطُ وَالْمُقَلَّدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَيَرُدُّهُ في المغنم ( ( ( الغنم ) ) ) وَهَكَذَا إنْ أَخَذَ صَيْدًا مُقَلَّدًا أو مُقَرَّطًا أو مَوْسُومًا فَكُلُّ هذا قد عُلِمَ أَنَّهُ قد كان له مَالِكٌ وَهَكَذَا إنْ وَجَدَ في الصَّحْرَاءِ وَتَدًا مَنْحُوتًا أو قَدَحًا مَنْحُوتًا كان النَّحْتُ دَلِيلًا على أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَيُعَرَّفُ فَإِنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لهم وَإِنْ لم يَعْرِفُوهُ فَهُوَ مَغْنَمٌ لِأَنَّهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ - * في الْهِرِّ وَالصَّقْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَجَدْنَا من أَمْوَالِ الْعَدُوِّ من كل شَيْءٍ له ثَمَنٌ من هِرٍّ أو صَقْرٍ فَهُوَ مَغْنَمٌ وما أُصِيبَ من الْكِلَابِ فَهُوَ مَغْنَمٌ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ لِصَيْدٍ أو مَاشِيَةٍ أو زَرْعٍ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْجَيْشِ أَحَدٌ يُرِيدُهُ لِذَلِكَ لم يَكُنْ لهم حَبْسُهُ لِأَنَّ من اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ هذا كان آثِمًا وَرَأَيْت لِصَاحِبِ الْجَيْشِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ الْأَخْمَاسِ من الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ منهم لِزَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ فَإِنْ لم يَرُدَّهُ قَتَلَهُ أو خَلَّاهُ وَلَا يَكُونُ له بَيْعُهُ وما أَصَابَ من الْخَنَازِيرِ فَإِنْ كانت تَعْدُو إذَا كَبِرَتْ أمرته ( ( ( يقتلها ) ) ) بقتلها كُلَّهَا وَلَا تَدْخُلُ مَغْنَمًا بِحَالٍ وَلَا تُتْرَكُ وَهُنَّ عَوَادٍ إذَا قَدَرَ على قَتْلِهَا فَإِنْ عَجَّلَ بِهِ مَسِيرٌ خَلَّاهَا ولم يَكُنْ تَرْكُ قَتْلِهَا بِأَكْثَرَ من تَرْكِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لو كَانُوا بِإِزَائِهِ - * في الْأَدْوِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الطَّعَامُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ الشَّرَابُ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى ما يَكُونُ مَأْكُولًا مُغْنِيًا من جُوعٍ وَعَطَشٍ وَيَكُونُ قُوتًا في بَعْضِ أَحْوَالِهِ فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا فَلَيْسَتْ من حِسَابِ الطَّعَامِ الْمَأْذُونِ وَكَذَلِكَ الزَّنْجَبِيلُ وهو مربب ( ( ( مريب ) ) ) وَغَيْرُ مربب ( ( ( مريب ) ) ) إنَّمَا هو من حِسَابِ الْأَدْوِيَةِ وَأَمَّا الْأَلَايَا فَطَعَامٌ يُؤْكَلُ فما كان من حِسَابِ الطَّعَامِ فَلِصَاحِبِهِ أَكْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ من بِلَادِ الْعَدُوِّ وما كان من حِسَابِ الدَّوَاءِ فَلَيْسَ له أَخْذُهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا غَيْرِهَا
____________________

(4/264)


- * الحربي يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ الْحَرْبِيُّ وَثَنِيًّا كان أو كِتَابِيًّا وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نَكَحَهُنَّ في عَقْدَةٍ أو عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أو دخل بِهِنَّ كُلِّهِنَّ أو دخل بِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ أو فِيهِنَّ أُخْتَانِ أو كُلُّهُنَّ غَيْرُ أُخْتٍ لِلْأُخْرَى قِيلَ له أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت ليس في الْأَرْبَعِ أُخْتَانِ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْظَرُ في ذلك إلَى نِكَاحِهِ أَيَّةَ كانت قَبْلُ وَبِهَذَا مَضَتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ وَأَحْسَبُهُ بن عُلَيَّةَ عن مَعْمَرٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَجُلًا من ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرني من سمع بن أبي الزِّنَادِ يقول أخبرني عبد الْمَجِيدِ بن سُهَيْلِ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ عن عَوْفِ بن الحرث عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ قال أَسْلَمْت وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فقال لي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت وَفَارِقْ الْأُخْرَى ) فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عَجُوزٌ عَاقِرٌ مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فقال إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنْ كان نَكَحَهُنَّ في عَقْدَةٍ فَارَقَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَإِنْ كان نَكَحَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ في عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِيهِنَّ أُخْتَانِ أَمْسَكَ الْأُولَى وَفَارَقَ التي نَكَحَ بَعْدَهَا وَإِنْ كان نَكَحَهُنَّ في عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَمْسَكَ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَفَارَقَ اللَّوَاتِي بَعْدَهُنَّ وقال أنظر في هذا إلَى كل ما لو ابْتَدَأَهُ في الْإِسْلَامِ جَازَ له فَأَجْعَلُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ في الشِّرْكِ جَائِزًا له وإذا كان إذَا ابْتَدَأَهُ في الْإِسْلَامِ لم يَجُزْ له جَعَلْتُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ في الشِّرْكِ غير جَائِزٍ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ لو لم يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا أَصْلَ الْقَوْلِ الذي ذَهَبْت إلَيْهِ كُنْت مَحْجُوجًا بِهِ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْأَوْثَانِ لو ابْتَدَأَ رَجُلٌ نِكَاحًا في الْإِسْلَامِ بولي ( ( ( لولي ) ) ) منهم وَشُهُودٌ منهم أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ حَالِ نِكَاحٍ كان لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ قَطُّ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ بِوَلِيٍّ منهم وَشُهُودٍ منهم قال بَلَى قُلْت فَكَانَ يَلْزَمُك في أَصْلِ قَوْلِك أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ بَاطِلًا لِأَنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ كان منه عِنْدَك لَا يَجُوزُ في الْإِسْلَامِ مع انهم قد كَانُوا يَنْكِحُونَ في الْعِدَّةِ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ قال فَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ لهم نِكَاحَهُمْ قُلْنَا اتِّبَاعًا لِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْتَ لم تَتَّبِعْ فيه أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ في نِكَاحِهِنَّ حُكْمًا جَمَعَ أُمُورًا فَكَيْفَ خَالَفْت بَعْضَهَا وَوَافَقْت بَعْضَهَا قال فَأَيْنَ ما خَالَفْت منها قُلْت مَوْجُودٌ على لِسَانِك لو لم يَكُنْ فيه خَبَرٌ غَيْرُهُ قال وَأَيْنَ قُلْت إذْ زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَفَا لهم عن الْعَقْدِ الْفَاسِدِ في الشِّرْكِ حتى أَقَامَهُ مَقَامَ الصَّحِيحِ في الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ لم تُعْفِهِ لهم فَتَقُولَ بِمَا قُلْنَا قال وَأَيْنَ عَفَا لهم عن النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قُلْت نِكَاحُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلُّهُ قال فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فَاسِدٌ لو اُبْتُدِئَ في الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ اتَّبَعْت فيه الْخَبَرَ قُلْنَا فإذا كان مَوْجُودًا في الْخَبَرِ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ في الشِّرْكِ كَالْعَقْدِ في الْإِسْلَامِ كَيْفَ لم تَقُلْ فيه بِقَوْلِنَا تَزْعُمُ ان الْعُقُودَ كُلَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَكِنَّهَا مَاضِيَةٌ فَهِيَ مَعْفُوَّةٌ وما أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ من النِّسَاءِ وهو بَاقٍ فَهُوَ غَيْرُ مَعْفُوِّ الْعَدَدِ فيه فَنَقُولُ أَصْلُ الْعَقْدِ كُلِّهِ فَاسِدٌ مَعْفُوٌّ عنه وَغَيْرُ مَعْفُوٍّ عَمَّا زَادَ من الْعَدَدِ فاترك ما زَادَ على أَرْبَعٍ وَالتَّرْكُ إلَيْك وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا قال فَهَلْ تَجِدُ على هذا دَلَالَةً غير الْخَبَرِ مِمَّا نجامعك ( ( ( تجامعك ) ) ) عليه قُلْت نعم قال اللَّهُ عز وجل { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إلَى { تُظْلَمُونَ } فَعَفَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّا قَبَضُوا من الرِّبَا فلم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّهِ وَأَبْطَلَ ما أَدْرَكَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ من الرِّبَا ما لم يَقْبِضُوهُ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِهِ وَرَدَّهُمْ إلَى رؤوس أَمْوَالِهِمْ التي كانت حَلَالًا لهم فَجَمَعَ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/265)


في الرِّبَا أن عَفَا عما فَاتَ وَأَبْطَلَ ما أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النِّكَاحِ كانت الْعُقْدَةُ فيه ثَابِتَةً فَعَفَاهَا وَأَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُدْرِكَاتٍ في الْإِسْلَامِ فلم يَعْفُهُنَّ وَأَنْتَ لم تَقُلْ بِأَصْلِ ما قُلْت وَلَا الْقِيَاسُ على حُكْمِ اللَّهِ وَلَا الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان قَوْلُك خَارِجًا من هذا كُلِّهِ وَمِنْ الْمَعْقُولِ قال أَفَرَأَيْت لو تَرَكْت حَدِيثَ نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ وَحَدِيثَ بن الدَّيْلَمِيِّ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْبَيَانُ لِقَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا وَاقْتَصَرْت على حديث الزُّهْرِيِّ أَيَكُونُ فيه دَلَالَةٌ على قَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا قُلْنَا نعم قال وَأَيْنَ قُلْت إذَا كَانُوا مُبْتَدِئِينَ في الْإِسْلَامِ لَا يَعْرِفُونَ بِابْتِدَائِهِ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا من نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ فَعَلَّمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يُمْسِكُوا أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ دَلَّ الْمَعْقُولُ على أَنَّهُ لو كان أَمَرَهُمْ أَنْ يُمْسِكُوا الْأَوَائِلَ كان ذلك فِيمَا يُعْلِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا نِكَاحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا ثُمَّ هو أَوْلَى ثُمَّ أَحْرَى مع أَنَّ حَدِيثَ نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ ثَبَتَ قاطع ( ( ( قاطعا ) ) ) لِمَوْضِعِ الِاحْتِجَاجِ وَالشُّبْهَةِ - * الْحَرْبِيُّ يُصَدِّقُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَصْلُ نِكَاحِ الْحَرْبِيِّ كُلِّهِ فَاسِدٌ سَوَاءٌ كان بِشُهُودٍ أو بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيَّةً على حَرَامٍ من خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا لم يَكُنْ لها عليه مَهْرٌ وَلَوْ أَسْلَمَا ولم تَقْبِضْهُ كان لها عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا على حُرٍّ مُسْلِمٍ أو مُكَاتَبٍ لِمُسْلِمٍ أو أُمِّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ أو عَبْدٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَا وقد قَبَضَتْ أو لم تَقْبِضْ لم يَكُنْ لها سَبِيلٌ على وَاحِدٍ منهم كان الْحُرُّ حُرًّا وَمَنْ بَقِيَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَالْمُكَاتَبُ مُكَاتَبٌ لِمَالِكِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا في هذا كُلِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * كَرَاهِيَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرْبِيَّاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ طَعَامَهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَكَانَ هذا على الْكِتَابِيِّينَ مُحَارَبِينَ كَانُوا أو ذِمَّةً لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِمْ قَصْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ حَلَالٌ لَا يَخْتَلِفُ في ذلك أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ كما لو كان عِنْدَنَا مُسْتَأْمَنٌ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وكان عِنْدَنَا ذِمَّةٌ مَجُوسٌ فلم تُحَلَّلْ نِسَاؤُهُمْ إنَّمَا رَأَيْنَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فِيهِمْ على أَنْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ من أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَيَحْلُلْنَ وَلَوْ كُنَّ يَحْلُلْنَ في الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ وَيَحْرُمْنَ من الْمُحَارَبَةِ حَلَّ الْمَجُوسِيَّاتُ وَالْوَثَنِيَّاتُ إذَا كُنَّ مُسْتَأْمَنَاتٍ غير إنا نَخْتَارُ لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَنْكِحَ حَرْبِيَّةً خَوْفًا على وَلَدِهِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَيُكْرَهُ له أَنْ لو كانت مُسْلِمَةً بين ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَنْ يَنْكِحَهَا خَوْفًا على وَلَدِهِ أَنْ يَسْتَرِقُوا أو يُفْتَنُوا فَأَمَّا تَحْرِيمُ ذلك فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * من أَسْلَمَ على شَيْءٍ غَصَبَهُ أو لم يَغْصِبْهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَى بن أبي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) وكان مَعْنَى ذلك من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ له مِلْكُهُ فَهُوَ له وَذَلِكَ كُلُّ ما كان جَائِزًا لِلْمُسْلِمِ من الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ عليه مِمَّا أَخَذَهُ من مَالِ مُشْرِكٍ لَا ذِمَّةَ له فَإِنْ غَصَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَالًا أو اسْتَرَقَّ منهم حُرًّا فلم يَزَلْ في يَدِهِ مَوْقُوفًا حتى أَسْلَمَ عليه فَهُوَ له وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ من أَمْوَالِهِمْ فَأَسْلَمَ عليها فَهِيَ له وهو إذَا أَسْلَمَ وقد مَضَى ذلك منه في الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ يوجفون على أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ لهم أَنْ يَسْبُوهُمْ فَيَسْتَرِقُّوهُمْ وَيَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ فيتمولونها إلَّا أَنَّهُ لَا خُمُسَ عليهم من أَجْلِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وهو مُشْرِكٌ فَهُوَ له كُلُّهُ وَمَنْ أَخَذَ من الْمُشْرِكِينَ من أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ حُرًّا
____________________

(4/266)


أو عَبْدًا أو أُمَّ وَلَدٍ أو مَالًا فَأَحْرَزَهُ عليه ثُمَّ أَسْلَمَ عليه فَلَيْسَ له منه شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عليه في يَدَيْ من أَخَذَهُ كان عليهم رَدُّ ذلك كُلِّهِ بِلَا قِيمَةٍ قبل الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَالدَّلَالَةُ عليه من الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْعَقْلُ وَالْإِجْمَاعُ في مَوْضِعٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ في آخَرَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْرَثَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فَجَعَلَهَا غُنْمًا لهم وَخَوَلًا لِإِعْزَازِ أَهْلِ دِينِهِ وَإِذْلَالِ من حَارَبَهُ سِوَى أَهْلِ دِينِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ إذَا قَدَرُوا على أَهْلِ الْحَرْبِ تَخَوَّلُوهُمْ وَتَمَوَّلُوا أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَحُوزُونَ على الْإِسْلَامِ شيئا فَيَكُونُ لهم أَنْ يَتَخَوَّلُوهُ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ التي دَلَّتْ على ما ذَكَرْت قِيلَ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن عبد الْمَجِيدِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَأَحْرَزُوا نَاقَةً لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَانْفَلَتَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ من الْإِسَارِ فَرَكِبَتْ نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فنجت عليها فَأَرَادَتْ نَحْرَهَا حين وَرَدَتْ الْمَدِينَةَ وَقَالَتْ إنِّي نَذَرْت لَئِنْ أَنْجَانِي اللَّهُ عليها لَأَنْحَرَنَّهَا فَمَنَعُوهَا حتى يَذْكُرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرُوهُ له فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ كان الْمُشْرِكُونَ إذَا أَحْرَزُوا شيئا كان لهم لانتفى أَنْ تَكُونَ النَّاقَةُ إلَّا لِلْأَنْصَارِيَّةِ كُلُّهَا لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْهَا عن الْمُشْرِكِينَ أو يَكُونُ لها أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا وَتَكُونُ مَخْمُوسَةً وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَرَ لها منها شيئا وكان يَرَاهَا على أَصْلِ مِلْكِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُ في أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِرَجُلٍ أو مَالًا له فَأَدْرَكَهُ قد أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عليه قبل الْمَقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ له بِلَا قِيمَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بعد ما يَقَعُ في الْمَقَاسِمِ فقال منهم قَائِلٌ مِثْلَ ما قُلْت هو أَحَقُّ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَوِّضَ من صَارَ في سَهْمِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ من خُمُسُ الْخُمْسِ وهو سَهْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ ثُمَّ قال غَيْرُنَا يَكُونُ إذَا وَقَعَ في الْمَقَاسِمِ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ وقال غَيْرُهُمْ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذَا وَقَعَ في الْمَقَاسِمِ وَإِجْمَاعُهُمْ على أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بَعْدَ إحْرَازِ الْعَدُوِّ له وَإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ عن الْعَدُوِّ له حُجَّةٌ عليهم في أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَسْمِ وإذا كَانُوا لو أَحْرَزَهُ مُسْلِمُونَ مُتَأَوِّلِينَ أو غير مُتَأَوِّلِينَ فَقَدَرُوا عليه بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان رَدُّوهُ على صَاحِبِهِ كان الْمُشْرِكُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لهم عليهم سَبِيلٌ أَوْلَى بِهِمْ وما يَعْدُوا الحديث لو كان ثَابِتًا أَنْ يَكُونَ من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له فَيَكُونَ عَامًّا فَيَكُونُ مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ سَوَاءٌ إذَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَمَنْ قال هذا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لو أَسْلَمُوا على حُرٍّ مُسْلِمٍ كان لهم أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ أو يَكُونَ خَاصًّا فَيَكُونَ كما قُلْنَا بِالدَّلَائِلِ التي وَصَفْنَا وَلَوْ كان إحْرَازُ الْمُشْرِكِينَ لِمَا أَحْرَزُوا من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصِيرُ ذلك مِلْكًا لهم لو أَسْلَمُوا عليه ما جَازَ إذَا ما أَحْرَزَ الْمُسْلِمُونَ ما أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَالِكُهُ من الْمُسْلِمِينَ بِقِيمَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قِيمَةٍ قبل الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا سِوَى ذلك من أَمْوَالِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا له أَبَقَ وَفَرَسًا له عَارٍ فَأَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عليه بِلَا قِيمَةٍ فَلَوْ أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةَ رَجُلٍ أو أُمَّ وَلَدِهِ أو مُدَبَّرَةً أو جَارِيَةً غير مُدَبَّرَةٍ فلم يَصِلْ إلَى أَخْذِهَا وَوَصَلَ إلَى وَطْئِهَا لم يُحْرَمْ عليه أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ على أَصْلِ مِلْكِهِ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ لَا يَطَأَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً خَوْفَ الْوَلَدِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَكَرَاهِيَةَ أَنْ يُشْرِكَهُ في بُضْعِهَا غَيْرُهُ
____________________

(4/267)


- * الْمُسْلِمُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَيَجِدُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل رَجُلٌ مسلم دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ أو امْرَأَةَ غَيْرِهِ أو مَالَهُ أو مَالَ غَيْرِهِ من الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلَ الذِّمَّةِ مِمَّا غَصَبَهُ الْمُشْرِكُونَ كان له أَنْ يَخْرُجَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس بِمِلْكٍ لِلْعَدُوِّ وَلَوْ أَسْلَمُوا عليه لم يَكُنْ لهم فَلَيْسَ بِخِيَانَةٍ كما لو قَدَرَ على مُسْلِمٍ غَصَبَ شيئا فَأَخَذَهُ بِلَا عِلْمِ الْمُسْلِمِ فَأَدَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ لم يَكُنْ خَانَ إنَّمَا الْخِيَانَةُ أَخَذَ ما لَا يَحِلُّ له أَخْذُهُ وَلَكِنَّهُ لو قَدَرَ على شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ لم يَحِلَّ له أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا قَلَّ أو كَثُرَ لِأَنَّهُ إذَا كان منهم في أَمَانٍ فَهُمْ منه في مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له في أَمَانِهِمْ إلَّا ما يَحِلُّ له من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَمْنُوعٌ بِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا إسْلَامُ صَاحِبِهِ وَالثَّانِي مَالُ من له ذِمَّةٌ وَالثَّالِثُ مَالُ من له أَمَانٌ إلَى مُدَّةِ أَمَانِهِ وهو كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يُمْنَعُ من مَالِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ - * الذِّمِّيَّةُ تُسْلِمُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ حَامِلًا كانت لها النَّفَقَةُ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَهَا أَجْرُ الرَّضَاعِ وَهِيَ كَالْمَبْتُوتَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ أو أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ منها وإذا كان بين الْمُشْرِكِينَ وَلَدٌ فَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ من لم يَبْلُغْ من الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ يصلي عليه إذَا مَاتَ وَيُورَثُ من الْمُسْلِمِ وَيَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كان الْأَبَوَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِمُشْرِكٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَ الْمُسْلِمَ الْوَلَدَانِ الذين ( ( ( اللذان ) ) ) لم يَبْلُغُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا هذا الْقَوْلُ ما كان الْأَوْلَادُ صِغَارًا وَكَانُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ لَا يُشْرَكُ دِينُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ ( 1 ) في دِينٍ إلَّا كان الْإِسْلَامُ أَوْلَى بِهِ أو قَوْلُ ثَانٍ أَنَّهُمْ إذَا وُلِدُوا على الشِّرْكِ كَانُوا عليه حتى يُعْرِبُوا عن أَنْفُسِهِمْ فَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ لم يَكُنْ حُكْمُ وَاحِدٍ منهم حُكْمَ مُسْلِمٍ وَلَسْت أَقُولُ هذا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يقول بِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ فأين حَظُّ الْأُمِّ منه وَلَوْ اتَّبَعَ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ كما يَتْبَعُهَا في الْعِتْقِ وَالرِّقِّ كان أَوْلَى أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ من أَنْ يُقَالَ هو لِلْأَبِ وَإِنْ كان الدِّينُ ليس من مَعْنَى الرِّقِّ وَلَكِنَّهُ من الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا شَارَكَ غَيْرَهُ في الدِّينِ وَالْمِلْكِ كان الْإِسْلَامُ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ بعد ما يَدْخُلُ بها زَوْجُهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ بعد ما يَدْخُلُ بها لها الْمَهْرُ فَإِنْ كانت قَبَضَتْهُ وَإِلَّا أَخَذَتْهُ بَعْدَ إسْلَامِهَا أَسْلَمَ أو لم يُسْلِمْ فَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها حتى أَسْلَمَتْ قَبَضَتْ منه مَهْرًا أو لم تَقْبِضْهُ فَسَوَاءٌ وَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لها نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ لو أَسْلَمَ كان أَحَقَّ بها أو لَا يَكُونُ لها شَيْءٌ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ جاء من قِبَلِهَا فإذا كان هذا فَعَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ إنْ كانت أَخَذَتْهُ له كما لو أَخَذَتْ منه شيئا عِوَضًا من شَيْءٍ كَالثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فَفَاتَتْ السِّلْعَةُ كان عليها رَدُّ الثَّمَنِ فَأَمَّا لها ( ( ( مالها ) ) ) ما أَخَذَتْ وَلَا تَأْخُذُ شيئا إنْ لم تَكُنْ أَخَذَتْ فَلَا يُشْبِهُ هذا من الْعِلْمِ شيئا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَطَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ جُبِرَتْ على الْغُسْلِ منها فَإِنْ امْتَنَعَتْ أُدِّبَتْ حتى تَفْعَلَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ له وقد قال اللَّهُ عز وجل { ولا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ }
____________________

(4/268)


فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ حتى يَطْهُرْنَ من الْحَيْضِ قال اللَّهُ تَعَالَى { فإذا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْمَاءِ { فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } فلما كان مَمْنُوعًا من أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ إلَّا بِأَنْ تَطْهُرَ من الْحَيْضَةِ وَتَطْهُرَ بِالْمَاءِ فَيَجْتَمِعُ فيها الْمَعْنَيَانِ كان بَيِّنًا أَنْ نُجْبَرَ النَّصْرَانِيَّةُ على الْغُسْلِ من الْحَيْضَةِ لِئَلَّا يُمْنَعَ الْجِمَاعَ فَأَمَّا الْغُسْلُ من الْجَنَابَةِ فَهُوَ مُبَاحٌ له أَنْ يُجَامِعَهَا جُنُبًا فَتُؤْمَرُ بِهِ كما تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ من الْوَسَخِ وَالدُّخَانِ وما غَيَّرَ رِيحَهَا وَلَا يَبِينُ لي أَنْ تُضْرَبَ عليه لو امْتَنَعَتْ منه لِأَنَّهُ غُسْلُ تَنْظِيفٍ لها - * نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ وَاسْتَثْنَى في إمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُحَلِّلَهُنَّ بِأَنْ يَجْمَعَ نَاكِحُهُنَّ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ في تَرْكِ نِكَاحِهِنَّ فَزَعَمْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ حتى يَجْمَعَ نَاكِحُهَا الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَهَا بِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ إذَا كان الشَّيْءُ مُبَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يُبَاحَ بِهِ فَلَا يُبَاحُ إذَا لم يَكُنْ الشَّرْطُ كما قُلْنَا في الْمَيِّتَةِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وفي الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ يُبَاحُ لِمَنْ لَبِسَهُمَا كَامِلَ الطَّهَارَةِ ما لم يُحْدِثْ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ وفي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُبَاحُ لِلْخَائِفِ أَنْ يُخَالِفَ بها الصَّلَوَاتِ من غَيْرِ الْخَوْفِ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ } فَأَطْلَقَ التَّحْرِيمُ تَحْرِيمًا بِأَمْرٍ وَقَعَ عليه اسْمُ الشِّرْكِ قال { وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَطْلَقْنَا من اسْتَثْنَى اللَّهُ إحْلَالَهُ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْحَرَائِرُ غَيْرُ الْإِمَاءِ ( 1 ) كما قُلْنَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ وقال غَيْرُنَا كَذَلِكَ كان يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ حُرَّةٍ حتى يَجْتَمِعَ فيها أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فإذا كان نِكَاحُ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَمْنُوعًا إلَّا بِشَرْطَيْنِ كان فيه الدَّلَالَةُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ غَيْرِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مع الدَّلَالَةِ الْأُولَى فَإِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُحَرَّمَاتٌ من الْوَجْهَيْنِ في دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * إيلَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَظِهَارُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا آلَى النَّصْرَانِيُّ من امْرَأَتِهِ فَتَحَاكَمَا إلَيْنَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَكَمْنَا عليه حُكْمَنَا على الْمُسْلِمِ في أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَنَأْمُرُهُ إذَا فَاءَ بِالْكَفَّارَةِ وَلَا نُجْبِرُهُ عليها لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عنه بِالشِّرْكِ من حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَإِنْ كان غير مَقْبُولٍ منه حتى يُؤْمِنَ فاذا تَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ فَلَيْسَ في الظِّهَارِ طَلَاقٌ فَنَحْكُمُ عليه وَإِنَّمَا فيه كَفَّارَةٌ فَنَأْمُرُهُ بها وَلَا نُجْبِرُهُ عليها كما قُلْنَا في يَمِينِ الْإِيلَاءِ - * في النَّصْرَانِيِّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَذَفَ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ لَاعَنَّا بَيْنَهُمَا وَفَرَّقْنَا وَنَفَيْنَا الْوَلَدَ كما نَصْنَعُ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ فَعَلَ وَتَرَافَعَا فَأَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ عَزَّرْنَاهُ ولم نَحُدَّهُ لِأَنَّهُ ليس على من قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً حَدٌّ وَأَقْرَرْنَاهَا معه لِأَنَّا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْتِعَانِهِ - * فِيمَنْ يَقَعُ على جَارِيَةٍ من الْمَغْنَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَقَعَ الرَّجُلُ من الْمُسْلِمِينَ قد شَهِدَ الْحَرْبَ على جَارِيَةٍ من الرَّقِيقِ قبل أَنْ يُقَسَّمَ فَإِنْ لم تَحْمِلْ أُخِذَ منه عُقْرُهَا وَرُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْجَهَالَةِ نُهِيَ وَإِنْ كان من أَهْلِ الْعِلْمِ عُزِّرَ
____________________

(4/269)


وَلَا حَدَّ من قِبَلِ الشُّبْهَةِ في أَنَّهُ يَمْلِكُ منها شيئا وَإِنْ أَحْصَى الْمَغْنَمَ فَعَرَفَ قَدْرَ مِلْكِهِ منها مع جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ وَقَعَ عنه من الْمَهْرِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتَقُومُ عليه وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ وإذا كان الزنى بِعَيْنِهِ فَلَا مَهْرَ فيه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالْبَغِيُّ هِيَ التي تُمَكِّنُ من نَفْسِهَا فَتَكُونُ وَاَلَّذِي زَنَى بها زَانِيَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فإذا كانت مَغْصُوبَةً فَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ مَحْدُودَةٍ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَى الزَّانِي بها الْحَدُّ - * الْمُسْلِمُونَ يوجفون على الْعَدُوِّ فَيُصِيبُونَ سَبْيًا فِيهِمْ قَرَابَةٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ على الْعَدُوِّ فَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ مَمْلُوكٍ لِلْعَدُوِّ أو كان فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ لم يَزَلْ من أَهْلِ الْحَرْبِ وقد شَهِدَ ابْنِهِ الْحَرْبَ فَصَارَ له الْحَظُّ في أبيه أو ابْنُهُ منهم لم يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عليه حتى يَقْسِمُوا فإذا صَارَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا في حَظِّهِ عَتَقَ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَعْتِقُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تَقُولُ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ أو وَلَدَهُ عَتَقَ عليه فَإِنَّمَا أَقُولُ ذلك إذَا اُجْتُلِبَ هو في مِلْكِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ أو يَتَّهِبَهُ أو يَزْعُمَ أَنَّهُ وُهِبَ له أو أَوْصَى له بِهِ لم أَعْتِقْهُ عليه حتى يَقْبَلَهُ وكان له رَدُّ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَهُوَ إذَا أَوْجَفَ عليه فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ من الْغَنِيمَةِ وَلَا يُعْتَقُ حتى يَصِيرَ في مِلْكِهِ بِقِسْمٍ أو شِرَاءٍ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْجَارِيَةَ يَطَؤُهَا وَلَهُ فيها حَقٌّ من قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ وَلَا نُثْبِتُ الْمِلْكَ بِالشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْمَرْأَةُ تُسْبَى مع زَوْجِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ حُكْمَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاَللَّائِي سُبِينَ فَاسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَسَّمَهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَهَى من صِرْنَ إلَيْهِ أَنْ يَطَأَ حَائِلًا حتى تَحِيضَ أو حَامِلًا حتى تَضَعَ وَذَلِكَ في سَبْيِ أَوْطَاسٍ وَدَلَّ ذلك على أَنَّ بِالسَّبَاءِ نَفْسِهِ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بين الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِوَطْءِ ذَاتِ زَوْجٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ إلَّا وَذَلِكَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ وقد ذَكَرَ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ أللاتي مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ ولم يَكُنْ اسْتِيمَاؤُهُنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِأَكْثَرَ من قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَسَوَاءٌ أُسِرْنَ مع أَزْوَاجِهِنَّ أو قبل أَزْوَاجِهِنَّ أو بَعْدَ أو كُنَّ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ لَا تَقَعُ الْعِصْمَةُ إلَّا ما كان بِالسِّبَاءِ الذي كُنَّ بِهِ مُسْتَأْمَيَاتٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وقد سَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رِجَالًا من هَوَازِنَ فما عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عن أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ أُسْبُوا مَعَهُنَّ أو قَبْلَهُنَّ أو بَعْدَهُنَّ أو لم يُسْبَوْا وَلَوْ كان في أَزْوَاجِهِنَّ مَعْنًى لسأل ( ( ( يسأل ) ) ) عَنْهُنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ من قال خَلَّاهُنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ اسْتَحَلُّوا شيئا من نِسَائِهِمْ فَلَا حُجَّةَ بِالْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَبَاحَهُنَّ لِمَالِكِيهِنَّ وهو لَا يُبِيحُهُنَّ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُبِيحُهُنَّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ وإذا انْقَطَعَ النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ من تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قبل زَوْجِهَا وَالزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللَّائِي أَسْلَمْنَ ولم يُسْبَيْنَ قبل أَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَهُمْ سُنَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بن حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهِرٌ عليه وَمَكَّةُ دَارُ كُفْرٍ وَبِهَا أَزْوَاجُهُمَا وَرَجَعَ أبو سُفْيَانَ أَمَامَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُسْلِمًا وَهِنْدُ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) عُتْبَةَ مُشْرِكَةً فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا هذا الشَّيْخَ الضَّالَّ وَأَقَامَتْ على الشِّرْكِ حتى أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَيَّامٍ فَأَقَرَّهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهَا لم تَنْقَضِ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ
____________________

(4/270)


عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ وَأَقَامَتَا بِمَكَّةَ مُسْلِمَتَيْنِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا مُشْرِكَيْنِ نَاحِيَةَ الْيَمَنِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بن أبي جَهْلٍ ولم يُسْلِمْ صَفْوَانُ حتى شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَقَرَّهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِكَاحِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لم تَنْقَضِ وفي هذا حُجَّةٌ على من فَرَّقَ بين الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قبل الْمَرْأَةِ وقد فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَزَعَمَ في الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ ما زَعَمْنَا وَزَعَمَ في الرَّجُلِ يُسْلِمُ قبل الْمَرْأَةِ خِلَافَ ما زَعَمْنَا وَأَنَّهَا تَبِينُ منه إلَّا أَنْ يَتَقَارَبَ إسْلَامُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ في الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ قد انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ بِحَالٍ وَالْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ قد تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِحَالٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً فَشَدَّدَ في الذي يَنْبَغِي أَنْ يُهَوِّنَ فيه وَهَوَّنَ في الذي يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ فيه لو كان يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال رَجُلٌ ما السُّنَّةُ التي تَدُلُّ على ما قُلْت دُونَ ما قال فما وَصَفْنَا قبل هذا وَإِنْ قال فما الْكِتَابُ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فَلَا يَجُوزُ في هذه الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ سَاعَةَ اخْتَلَفَا أو يَكُونَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ وَالثُّبُوتُ على الِاخْتِلَافِ إلَى مُدَّةٍ وَالْمُدَّةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما وَصَفْنَا وَجَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمُسْلِمَةِ قبل زَوْجِهَا وَالْمُسْلِمِ قبل امْرَأَتِهِ فَحَكَمَ فِيهِمَا حُكْمًا وَاحِدًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَجَمَعَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمَا فقال { لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَهِيَ كَالْآيَةِ قَبْلَهَا لَا تَعْدُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ سَاعَةَ يُسْلِمُ قبل امْرَأَتِهِ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ أولا تَكُونَ الْعِصْمَةُ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا إلَّا إلَى مُدَّةٍ فَقَدْ دَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُدَّةِ وَقَوْلُ من حَكَيْنَا قَوْلَهُ لَا قَطْعَ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بإلاسلام حين كان متأول ( ( ( متأولا ) ) ) فَكَانَ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلُهُ السُّنَّةَ قد ذَهَبَ إلَى ما تَأَوَّلَ وَلَا جَعَلَ لَهُمَا الْمُدَّةَ التي دَلَّتْ عليها السُّنَّةُ بَلْ خَرَجَ من الْقَوْلَيْنِ وَأَحْدَثَ مُدَّةً لَا يَعْرِفُهَا آدَمِيٌّ في الْأَرْضِ فقال إذَا تَقَارَبَ فإذا جَازَ له أَنْ يَقُولَ إذَا تَقَارَبَ قال إنْسَانٌ التَّقَارُبُ بِقَدْرِ النَّفْسِ أو قَدْرِ السَّاعَةِ أو قَدْرِ بَعْضِ الْيَوْمِ أو قَدْرِ السُّنَّةِ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَحُدُّ مِثْلَ هذا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا أَنْ يَحُدَّ هذا بِالرَّأْيِ وَالْغَفْلَةِ فَهَذَا ما لَا يَجُوزُ مع الرَّأْيِ وَالْيَقَظَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ في دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَنْكِحْ أُخْتَهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ ولم تُسْلِمْ فَتَبِينَ منه فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وأربع سِوَاهَا - * من قُوتِلَ من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَمَنْ يَجْرِي عليه الرِّقُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُوتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ من الْعَجَمِ جَرَى السِّبَاءُ على ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ لَا اخْتِلَافَ في ذلك وإذا قُوتِلُوا وَهُمْ من الْعَرَبِ فَقَدْ سبا ( ( ( سبى ) ) ) رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ من الْعَرَبِ وَأَجْرَى عليهم الرِّقَّ حتى مَنَّ عليهم بَعْدُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَطْلَقَ سبى ( ( ( بني ) ) ) هَوَازِنَ قال لو كان تَامًّا على أَحَدٍ من الْعَرَبِ سبى لتم ( ( ( تم ) ) ) على هَؤُلَاءِ وَلَكِنَّهُ إسَارٌ وَفِدَاءٌ فَمَنْ أَثْبَتَ هذا الحديث زعم ( ( ( عم ) ) ) أَنَّ الرِّقَّ لَا يَجْرِي على عَرَبِيٍّ بِحَالٍ وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ ويروي عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ
____________________

(4/271)


وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشافعي ( ( ( والشافعي ) ) ) ) أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن يحيى الْغَسَّانِيِّ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قال وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لَا يُسْتَرَقُّ عَرَبِيٌّ ( قال الرَّبِيعُ ) قال الشَّافِعِيُّ وَلَوْلَا أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هذا هَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال في الْمَوْلَى يَنْكِحُ الْأَمَةَ يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وفي الْعَرَبِيِّ يَنْكِحُهَا لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ ( قال الرَّبِيعُ ) رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَوَلَدُهُمْ رفيق ( ( ( رقيق ) ) ) مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لم يُثْبِتْ هذا الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمِ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ يَجْرِي عليهم الرِّقُّ حَيْثُ جَرَى على الْعَجَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْحَرْبِيِّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ في دَارِ الْحَرْبِ على دِينِهِ لَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فأما ( ( ( أما ) ) ) وَالدِّينُ وَاحِدٌ فَلَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ أَرَأَيْت لو أَنَّ مُسْلِمًا أُسِرَ وَامْرَأَتُهُ أو دخل دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ أو أَسْلَمَ هو وَامْرَأَتُهُ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَدَرَ على الْخُرُوجِ ولم تَقْدِرْ امْرَأَتُهُ أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا على دِينٍ وَاحِدٍ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ إلَّا بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَيُّ الزَّوْجَيْنِ أَسْلَمَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وهو فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وإذا طَلَّقَ النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ولم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لو كان حَرْبِيًّا من قِبَلِ أَنَّا إذَا أَثْبَتِنَا له عَقْدَ النِّكَاحِ فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ فيه كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ لَزِمَنَا أَنْ نَجْعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَفْسَخُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَفَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ بِالطَّلَاقِ - * الْمُسْلِمُ يُطَلِّقُ النَّصْرَانِيَّةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا نَصْرَانِيٌّ أو عَبْدٌ فَأَصَابَهَا حَلَّتْ له إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ زَوْجٌ وَإِنَّمَا قال اللَّهُ عز وجل { حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَقَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وإذا جَازَ لنا أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَنْكِحُ النَّصْرَانِيَّةَ فَيُحْصِنُهَا حتى نرجمها ( ( ( ترجمها ) ) ) لو زَنَتْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَقَدْ زَعَمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جعل نِكَاحَهُ يُحْصِنُهَا فَكَيْفَ يَذْهَبُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ لَا يُحِلُّهَا وهو يُحْصِنُهَا - * وَطْءُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا سُبِيَتْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سبى الْمَجُوسِيُّ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ لم تُوطَأْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ بَالِغٌ حتى تُسْلِمَ وَإِنْ سبى مِنْهُنَّ صِبْيَاتٌ فَمَنْ كان مِنْهُنَّ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ ولم يُسْلِمْ فَلَا تُوطَأُ لِأَنَّ دِينَهَا دِينُ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ وُطِئَتْ فإذا سُبِيَتْ مُنْفَرِدَةً لَيْسَتْ مع أَحَدِ أَبَوَيْهَا وُطِئَتْ لِأَنَّا نَحْكُمُ لها بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَنُجْبِرُهَا عليه ما لم تَكُنْ بَالِغًا مُشْرِكَةً أو صَغِيرَةً مع أَحَدِ أَبَوَيْهَا مُشْرِكًا فإذا حَكَمْنَا لهم بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ لِتَحْرِيمِ فَرْجِهَا مَعْنًى - * ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) من دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى من الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ وقد رُوِيَ عن عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ فِيهِمْ أو في أَحَدِهِمْ فَكَتَبَ بِمِثْلِ ما قُلْنَا فإذا كَانُوا يَعْرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ أو النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ
____________________

(4/272)


النَّصَارَى فِرَقٌ فَلَا يَجُوزُ إذَا جَمَعَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ نزعم ( ( ( تزعم ) ) ) أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْرُمُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ ولم نَعْلَمْ في هذا خَبَرًا فَمَنْ جَمَعَهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ وقال لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ عليها - * الرَّجُلُ تُؤْسَرُ جَارِيَتُهُ أو تُغْصَبُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُغْتُصِبَتْ جَارِيَةُ الرَّجُلِ أُمَّ وَلَدٍ كانت أو غير أُمِّ وَلَدٍ وَأَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ أو غَيْرُهُمْ فَصَارَتْ إلَيْهِ لم يَكُنْ عليه اسْتِبْرَاءٌ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ لِأَنَّهَا لم تُمْلَكْ عليه كما لَا يَكُونُ عليه اسْتِبْرَاءٌ لو غَابَتْ عنه فلم يَدْرِ لَعَلَّهَا فَجَرَتْ أو فَجَرَ بها وَالِاخْتِيَارُ له في هذا كُلِّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً من الْمَغْنَمِ أو وَقَعَتْ في سَهْمِهِ أو من سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لم يُقَبِّلْهَا ولم يُبَاشِرْهَا ولم يَتَلَذَّذْ منها بِشَيْءٍ حتى يَسْتَبْرِئَهَا - * الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَائِضٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ وَهِيَ في أَوَّلِ حَيْضَتِهَا أو وَسَطِهَا أو آخِرِهَا لم تَكُنْ هذه الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً كما لَا تَكُونُ من الْعِدَّةِ في قَوْلِ من قال الْعِدَّةُ الْحَيْضُ وَلَا قَوْلُ من قال الْعِدَّةُ الطُّهْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أَمَامَهَا طُهْرٌ وَيَجْزِيَهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً وإذا ارْتَابَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ لم تُوطَأْ حتى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا ذَهَابُ الرِّيبَةِ وَإِنْ كانت مُشْتَرَاةً لم تُرَدَّ بهذا وَأُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هذا حَمْلٌ أو دَاءٌ رُدَّتْ - * عِدَّةُ الْأَمَةِ التي لَا تَحِيضُ - * ( قال الشافعى ) اخْتَلَفَ الناس في اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ التي لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فقال بَعْضُهُمْ شَهْرٌ قِيَاسًا على الْحَيْضَةِ وقال بَعْضُهُمْ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ وهو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَهْرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ شَهْرٌ إذَا كانت مِمَّنْ لَا تَحِيضُ قِيَاسًا على حَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَلِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى فيه أَثَرٌ بِخِلَافِهِ يُثْبِتُ مثله فَالْأَثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ - * من مَلَكَ الْأُخْتَيْنِ فَأَرَادَ وَطْأَهُمَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ الْأُخْتَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وإذا وطىء إحْدَاهُمَا لم يَجُزْ له وَطْءُ الْأُخْرَى حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي وطىء بِأَيِّ وَجْهٍ ما حَرَّمَ من نِكَاحٍ أو عَتَاقَةٍ أو كِتَابَةٍ فإذا كان ذلك فَوَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أو طَلُقَتْ ثَبَتَ على وَطْءِ التي وطىء بَعْدَهَا ولم يَكُنْ له أَنْ يَطَأَ الْعَاجِزَةَ وَلَا الْمُطَلَّقَةَ فَتَكُونُ في هذه الْحَالِ وَأُخْتُهَا في الْحَالَةِ الْأُولَى - * وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ من مِلْكِ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ وَلَا الْبِنْتِ بَعْدَ الْأُمِّ من مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَاتِ بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ من وَطْءِ الْحَرَائِرِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُنَّ يُخَالِفْنَ الْحَرَائِرَ في مَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْلِكَ الْأُمَّ
____________________

(4/273)


وَوَلَدَهَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا وَيَجْمَعُ بين الْأُخْتَيْنِ من الْمِلْكِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا من النِّكَاحِ وَيَطَأُ من الْوَلَائِدِ ما شَاءَ بِالْمِلْكِ في ( ( ( وفي ) ) ) وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَجْمَعَ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ بِالنِّكَاحِ - * التَّفْرِيقُ بين ذَوِي الْمَحَارِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ أَهْلَ الْبَيْتِ لم يُفَرِّقْ بين الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حتى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعًا أو ثَمَانِ سِنِينَ فإذا بَلَغَ ذلك جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ وَقَّتَ سَبْعًا أو ثَمَانِ سِنِينَ قِيلَ رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بين أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَالْغُلَامُ غَيْرُ بَالِغٍ عِنْدَنَا وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بين أُمِّهِ وَعَمِّهِ وكان في الحديث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَالْغُلَامُ بن سَبْعٍ أو ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ نَظَرَ إلَى أَخٍ له أَصْغَرَ منه فقال وَهَذَا لو بَلَغَ مَبْلَغَ هذا خَيَّرْنَاهُ فَجَعَلْنَا هذا حَدًّا لِاسْتِغْنَاءِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَكُونُ لَهُمَا في أَنْفُسِهِمَا قَوْلٌ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ من كَانُوا فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بين الْأَخَوَيْنِ ولم تُفَرِّقُوا بين الْوَلَدِ وَأُمِّهِ قِيلَ السُّنَّةُ في الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَوَجَدْت حَالَ الْوَلَدِ من الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ من أَخِيهِ وَوَجَدْتَنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ على نَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَ على نَفَقَةِ الْوَلَدِ في الْحِينِ الذي لَا غِنَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ ولم أَجِدُنِي أَجْبُرُ الْأَخَ على نَفَقَةِ أَخِيهِ - * الذِّمِّيُّ يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَأُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من أَنْ أَجْعَلَ الشِّرَاءَ فيه بَاطِلًا أَنَّهُ لو أَسْلَمَ عِنْدَهُ جَبَرْتُهُ على بَيْعِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أو وهبة لِمُسْلِمٍ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو مَاتَ وَلَا وَارِثَ له قَبَضَ عنه وَجَازَ فيه الْعِتْقُ في حَيَاتِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَلَا يَكُونُ هذا إلَّا لِمَنْ يَكُونُ مِلْكُهُ ثَابِتًا مُدَّةً من الْمُدَدِ وَإِنْ كُنْت لَا أُثْبِتُهُ على الْأَبَدِ كما أُثْبِتُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ وإذا كان لِلذِّمِّيِّ مَمْلُوكَانِ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ جَبَرْت السَّيِّدَ على بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَالْوَلَدُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مَمْلُوكَةٌ أو مَمْلُوكٌ فَأَسْلَمَا أو أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا جبرته ( ( ( أجبرته ) ) ) على بَيْعِهِمَا أو بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَدَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُمَا وَلَيْسَ له أَمَانٌ يعطى بِهِ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمًا وَأَمَانُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدِ أَكْثَرُ من أَمَانِهِ وأنا أُجْبِرُهُ على بَيْعِ من أَسْلَمَ من مَمَالِيكِهِ - * الْعَبْدُ الذي يَكُونُ بين الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَيُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ الْكَافِرُ بين مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَأَسْلَمَ جَبَرْت الْكَافِرَ على بَيْعِ نَصِيبِهِ فيه وجبريه ( ( ( وجبرته ) ) ) على بَيْعِ كُلِّهِ أَكْثَرَ من جبريه ( ( ( جبرته ) ) ) على بَيْعِ نَصِيبِهِ وإذا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنَ رَجُلٌ من الْمُشْرِكِينَ لِجَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كان لهم الْأَمَانُ ولم يَكُنْ الْأَمَانُ لِغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ لو اسْتَأْمَنَ لِعَدَدٍ كان الْأَمَانُ لِأُولَئِكَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا إنْ قال تُؤَمِّنُ لي مِائَةَ رَجُلٍ وَأُخْلِي بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَقِيَّةِ كان الْأَمَانُ في الْمِائَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فَمَنْ سَمَّى فَهُوَ آمِنٌ ( 1 ) وَمَنْ لم يُسْتَثْنَ فَلَيْسَ بِآمِنٍ وَهَكَذَا إنْ قال تُؤَمِّنُ لي أَهْلَ الْحِصْنِ على أَنْ أَدْفَعَ إلَيْك مِائَةً منهم فَلَا بَأْسَ وَالْمِائَةُ
____________________

(4/274)


رَقِيقٌ كَانُوا من حَرْبِهِمْ أو رَقِيقِهِمْ من قِبَلِ أَنِّي إذَا قَدَرْت عليهم كَانُوا جميعا رَقِيقًا فلما كُنْت قَادِرًا على بَعْضِهِمْ كَانُوا رَقِيقًا وكان من أَمَّنْت غير رَقِيقٍ وَلَيْسَ هذا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَلَا رُجُوعَ في صُلْحٍ إنَّمَا هذا صُلْحٌ على شَرْطٍ فَمَنْ أَدْخَلَهُ الْمُسْتَأْمِنُ في الْأَمَانِ فَهُوَ دَاخِلٌ فيه وَمَنْ أَخْرَجَهُ منه مِمَّنْ لم أُعْطِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ خَارِجٌ منه حُكْمُهُ حُكْمُ مُشْرِكٍ يَجْرِي عليه الرِّقُّ إذَا قَدَرَ عليه - * الْأَسِيرُ يُؤْخَذُ عليه الْعَهْدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَثْبُتَ في بِلَادِهِمْ وَلَا يَخْرُجُ منها على أَنْ يُخْلُوهُ فَمَتَى قَدَرَ على الْخُرُوجِ منها فَلْيَخْرُجْ لِأَنَّ يَمِينَهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلَا سَبِيلَ لهم على حَبْسِهِ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ لهم بِخُرُوجِهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَعَلَّهُ ليس بِوَاسِعٍ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ إذَا قَدَرَ على التَّنَحِّي عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ ليس له أَنْ يَغْتَالَهُمْ في أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ في أَمَانٍ منه وَلَا نَعْرِفُ شيئا يُرْوَى خِلَافَ هذا وَلَوْ كان أَعْطَاهُمْ الْيَمِينَ وهو مُطْلَقٌ لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ إذَا كان غير مُكْرَهٍ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وكان له أَنْ يَخْرُجَ وَيَحْنَثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ غير مُكْرَهٍ وَإِنَّمَا ألغينا ( ( ( ألغيا ) ) ) عنه الْحِنْثَ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كان مُكْرَهًا - * الْأَسِيرُ يَأْمَنُهُ الْعَدُوُّ على أَمْوَالِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ من الْمُسْلِمِينَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ ضِيَاعَهُمْ أو لم يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لهم منه وَلَيْسَ له أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عن نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الذي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إحْدَاثٌ من الطَّالِبِ غير الْأَمَانِ فَيَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ ما لم يَرْجِعْ عن طَلَبِهِ - * الْأَسِيرُ يُرْسِلُهُ الْمُشْرِكُونَ على أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلُّوهُ على فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَدَعَهُ وَالْعَوْدَةَ وإذا كَانُوا امْتَنَعُوا من تَخْلِيَتِهِ إلَّا على مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ منه شيئا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ على أَخْذِهِ منه بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كان أَعْطَاهُمُوهُ على شَيْءٍ فَأَخَذَهُ منهم لم يَحِلَّ له إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا على شَيْءٍ انْبَغَى له أَنْ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عنه ما استكره ( ( ( استنكره ) ) ) عليه - * الْمُسْلِمُونَ يَدْخُلُونَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَرَوْنَ قَوْمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فسبي أَهْلُ الْحَرْبِ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ حتى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فإذا نَبَذُوا إلَيْهِمْ فَحَذَّرُوهُمْ وَانْقَطَعَ الْأَمَانُ بَيْنَهُمْ كان لهم قِتَالُهُمْ فَأَمَّا ما كَانُوا في مُدَّةِ الْأَمَانِ فَلَيْسَ لهم قِتَالُهُمْ - * الرَّجُلُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَتُوهَبُ له الْجَارِيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوُهِبَتْ له جَارِيَةٌ أو غُلَامٌ أو مَتَاعٌ لِمُسْلِمٍ قد أَحْرَزَهُ عليه أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ وَأَثْبَتَ عليه بَيِّنَةً أو أَقَرَّ له الذي هو في يَدَيْهِ بِدَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ منه وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ على دَفْعِهِ
____________________

(4/275)


- * الرَّجُلُ يَرْهَنُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ قِيمَتُهَا ثُمَّ سَبَاهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الرَّاهِنُ بِثَمَنٍ أو غَيْرِ ثَمَنٍ فَهِيَ على الرَّهْنِ كما كانت لَا يُخْرِجُهَا السِّبَاءُ من الرَّهْنِ وَلَوْ وُجِدَتْ في يَدَيْ رَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ أُخْرِجَتْ من يَدَيْهِ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا الذي سُبِيَتْ عنه وَكَانَتْ على الرَّهْنِ وإذا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْحُرَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدَ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ مَتَى ظَهَرَ عليه الْمُسْلِمُونَ قبل الْمَقَاسِمِ أو بَعْدَهَا أُخْرِجَ من يَدَيْ من هو في يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْحُرَّةُ حُرَّةً وَالْمُكَاتَبَةُ مُكَاتَبَةً وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً وَالْأَمَةُ أَمَةً وَالْعَبْدُ عَبْدًا وَأُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَالْمَتَاعُ على حَالِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَلَكُوهُ عليهم مَلَكَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ مَلَكُوا الْحُرَّةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ كما يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُسْلِمُونَ فَيُقِرُّ المسبى خَوْلًا لِلسَّابِي - * الْمُدَبَّرَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ ثُمَّ تَلِدُ ثُمَّ يَقْدِرُ عليها صَاحِبُهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْمُدَبَّرَةَ فَوَطِئَهَا رَجُلٌ منهم فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَوْلَادُهَا رُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا الذي دبرها ( ( ( دبر ) ) ) وَأَوْلَادَهَا كما تُرَدُّ الْمَمْلُوكَةُ غير مُدَبَّرَةٍ وَلَا يُبْطِلُ السَّبَاءُ تَدْبِيرَهَا وَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فيه الْمُدَبَّرُ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قبل أَنْ يُحْرِزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَأَوْلَادُهَا في قَوْلِ من أَعْتَقَ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِعِتْقِهَا وَوَلَاؤُهَا لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَوَلَاءُ وَلَدِهَا الَّذِينَ أُعْتِقُوا بِعِتْقِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُمْ أَوْلَادًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ وقال في الْمُكَاتَبَةِ كما قال في الْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا إنَّمَا تعتق ( ( ( عتق ) ) ) بِالْأَدَاءِ - * الْمُكَاتَبَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ فَتَلِدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْلَادًا في دَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ مَسْبِيَّةٌ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ عَتَقَ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا في قَوْلٍ يُعْتَقُ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَإِنْ عَجَزَتْ رَقَّتْ وَرَقَّ وَلَدُهَا - * أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْمَلَ له في مَوْضِعِهَا ما يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَإِنْ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ خلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يَجُوزُ فيها ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الناس من أَنْ تُعْتَقَ وَتَسْعَى في قِيمَتِهَا من قِبَلِ أنها إنْ كان الْإِسْلَامُ يُعْتِقُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عليها سِعَايَةٌ وَإِنْ كان الْإِسْلَامُ لَا يُعْتِقُهَا فما سَبَبُ عِتْقِهَا وما سَبَبُ سِعَايَتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِتْقُ لو كان من قِبَلِ سَيِّدِهَا وَأَعْتَقَ منها سَهْمًا من مِائَةِ سَهْمٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا ولم يَكُنْ الْعِتْقُ من قِبَلِ سَيِّدِهَا وَلَا من قِبَلِ شَرِيكٍ له فَإِنْ قال من قِبَلِ نَفْسِهَا فَهِيَ لَا تَقْدِرُ على أَنْ تُعْتِقَ نَفْسَهَا فَإِنْ قال منهم قَائِلٌ وَهَلْ ثَبَتَ الرِّقُّ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ قِيلَ أنت تُثْبِتُهُ قال وَأَيْنَ قلت زَعَمْت أَنَّ عَبْدَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَأَعْتَقَهُ الْكَافِرُ أو بَاعَهُ أو وَهَبَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ أَجَزْت هذا كُلَّهُ فيه وَلَوْ كان الْإِسْلَامُ يُزِيلُ مِلْكَهُ عنه ما جَازَ له من هذا شَيْءٌ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَافِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُؤْمِنَ ثُمَّ يَكُونُ عليه بَيْعُهُ وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ على مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَقُولُ لِلْكَافِرِ بِعْهُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ قِيلَ فَقُلْ هذا في مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَإِنْ قُلْت لَا قِيلَ فَكَذَا قُلْ في أُمِّ وَلَدِهِ ليس الْإِسْلَامُ بِعِتْقٍ لها وَلَا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا لِمَا سَبَقَ فيها وَلَا يَجُوزُ قَوْلُ من قال أَعْتَقَهَا وَلَا سِعَايَةَ عليها من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْأَمَةَ لم تَلِدْ إذَا أَسْلَمَتْ وَهِيَ لِنَصْرَانِيٍّ
____________________

(4/276)


وَلَا الْعَبْدَ وَيَقُولُ آمُرُهُ بِبَيْعِهِمَا وَالرَّجُلُ لَا يَكُونُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عليه إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ وهو يُجِيزُ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَالِكٍ فَإِنْ قال لَا أَجِدُهُ يَمْلِكُ من أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الْوَطْءَ فَقَدْ حَرَّمَ عليه الْوَطْءَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجُلَ من أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا وَكَسْبَهَا وَالْجِنَايَةُ عليها وَيَسْتَعِمَّهَا وَتَمُوتُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ ما حَوَتْ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ وَطْئِهَا وَلَوْ كان إذَا حَرَّمَ عليه الْفَرْجَ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ كان لو زَوَّجَ مَالِكٌ أُمَّ وَلَدِهِ أو كَاتَبَهَا انْبَغَى أَنْ يُعْتِقَهَا عليه من قِبَلِ أَنَّهُ قد حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا وَحَوْلٌ بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْفَرْجِ بِسَبَبٍ لَا يَمْنَعُ شيئا غَيْرَهُ وقد قال قَائِلٌ تَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَهَا حُرًّا بِالْوَلَدِ وَنِصْفَهَا مَمْلُوكًا إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ وَلَا أَعْرِفُ لِلْوَلَدِ حِصَّةً من الْعِتْقِ مُتَبَعِّضَةً ( 1 ) وَلَوْ كانت حُرَّةً كُلَّهَا من قِبَلِ أَنَّ الْوَلَدَ من السَّيِّدِ وهو لو أَعْتَقَ السَّيِّدُ منها سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ جَعَلَهَا حُرَّةً كُلَّهَا فَلَا أَعْرِفُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَجْهًا وإذا دخل الْحَرْبِيُّ بِعَبْدِهِ أو أَمَتِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا فَأَسْلَمَا جُبِرَ على بَيْعِهِمَا ولم يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِمَا - * الْأَسِيرُ لَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وَفَاتِهِ عُرِفَ مَكَانُهُ أو خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ - * ما يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في مَالِهِ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما صَنَعَ الْأَسِيرُ من الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ أو دَارِ الْإِسْلَامِ أو الْمَسْجُونِ وهو صَحِيحٌ في مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عليه فَهُوَ جَائِزٌ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذلك فَهُوَ جَائِزٌ لَا نُبْطِلُ على وَاحِدٍ منهم إلَّا ما نُبْطِلُ على الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كان مَرِيضًا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ في حُكْمِهِ وَهَكَذَا ما صَنَعَ الرَّجُلُ في الْحَرْبِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَبْلَ ذلك ما لم يُجْرَحْ وَهَكَذَا ما صَنَعَ إذَا قَدِمَ لِيَقْتُلَ فِيمَا من قَتْلُهُ فيه بُدٌّ وَفِيمَا يَجِدُ قَاتِلُهُ السَّبِيلَ إلَى تَرْكِهِ مِثْلُ الْقَتْلِ في الْقِصَاصِ الذي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَفْوُهُ وَمِثْلُ قَتْلِ عصبته ( ( ( عصبة ) ) ) الْقَاتِلِ الذي قد تَتْرُكُهُ وأما ( ( ( وما ) ) ) إذَا قَدِمَ لِيُرْجَمَ في الزنى فَلَا يَجُوزُ له في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهِ وَالْحَامِلُ يَجُوزُ ما صَنَعَتْ في مَالِهَا ما لم يَحْدُثْ لها مَرَضٌ مع حَمْلِهَا أو يَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فإن ذلك مَرَضٌ مَخُوفٌ فَأَمَّا ما قبل ذلك فما صَنَعْت فيه فَهُوَ جَائِزٌ وَهَكَذَا الرَّجُلُ في السَّفِينَةِ في الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ من الْغَرَقِ وَغَيْرِ الْمَخُوفِ لِأَنَّ النَّجَاةَ قد تَكُونُ في الْمَخُوفِ وَالْهَلَاكُ قد يَكُونُ في غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ من قال تجوز ( ( ( نجوز ) ) ) عَطِيَّةَ الْحَامِلِ حتى تَسْتَكْمِلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَكُونُ كَالْمَرِيضِ في عَطِيَّتِهَا بَعْدَ السِّتَّةِ عِنْدِي وَلَا لِمَا تَأَوَّلَ من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل حَمَلَتْ { حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فلما أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا } وَلَيْسَ في هذا دَلَالَةٌ على حَدِّ الْإِثْقَالِ مَتَى هو أَهُوَ التَّاسِعُ أو الثَّامِنُ أو السَّابِعُ أو السَّادِسُ أو الْخَامِسُ أو الرَّابِعُ أو الثَّالِثُ حتى يَتَبَيَّنَ وَمَنْ ادَّعَى هذا بِوَقْتٍ لم يَجُزْ له إلَّا بِخَبَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِثْقَالُ الْمَخُوفُ إلَّا حين تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ فَإِنْ قِيلَ هِيَ بَعْدَ سِتَّةٍ مَخَافَةً لها قبل سِتَّةٍ فَكَذَلِكَ هِيَ بَعْدَ شَهْرٍ مُخَالِفَةً لها قبل الشَّهْرِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وفي كل يَوْمٍ زَادَتْ فيه أَنْ يَكْبُرَ وَلَدُهَا وَتَقْرَبَ من وَضْعِ حَمْلِهَا وَلَيْسَ إلَّا ما قُلْنَا أو أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ الْحَمْلُ كُلُّهُ مَرَضٌ وَلَا يُفَرَّقُ بين أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنْ قال هذا فَهُوَ مَعْرُوفٌ في الْإِثْقَالِ وَغَيْرِ الْإِثْقَالِ فَالْمَرَضُ الثَّقِيلُ وَالْمَرَضُ الْخَفِيفُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الناس في الْعَطِيَّةِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ في الْحُكْمِ بين الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عليه الدَّنَفُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الْخَفِيفِ الْمَرَضِ فِيمَا أَعْطَيَا وَوَهَبَا وقد يُقَالُ لِهَذَا ثَقِيلٌ وَلِهَذَا خَفِيفٌ وما أَعْلَمُ الْحَامِلَ بَعْدَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَثْقَلَ وَأَسْوَأَ حَالًا وَأَكْثَرَ قَيْئًا وَامْتِنَاعًا من الطَّعَامِ
____________________

(4/277)


وَأَشْبَهَ بِالْمَرِيضِ منها بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَيْفَ تَجُوزُ عَطِيَّتُهَا في الْوَقْتِ الذي هِيَ فيه أقرب ( ( ( قرب ) ) ) من الْمَرَضِ وَتُرَدُّ عَطِيَّتُهَا في الْوَقْتِ الذي هِيَ فيه أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ فَإِنْ قال هذا وَقْتٌ يَكُونُ فيه الْوَلَدُ تَامًّا لو خَرَجَ فَخُرُوجُهُ تَامًّا أَشْبَهُ لِسَلَامَةِ أمة من خُرُوجِهِ لو خَرَجَ سَقْطًا وَالْحُكْمُ إنَّمَا هو لِأُمِّهِ ليس له وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ بِأَمَانٍ وَلَهُ مَالٌ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَخَلَّفَ في دَارِ الْحَرْبِ أَمْوَالًا وَوَدَائِعَ في يَدِ مُسْلِمٍ وَيَدَيْ حَرْبِيٍّ وَيَدَيْ وَكِيلٍ له ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا سَبِيلَ عليه وَلَا على مَالِهِ وَلَا على وَلَدِهِ الصِّغَارِ ما كان له عَقَارٌ أو غَيْرُهُ وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ في بِلَادِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا سَبِيلَ على مَالِ مُسْلِمٍ حَيْثُ كان أَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ القرظيان وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامَهُمَا أَنْفُسِهِمَا وَأَمْوَالَهُمَا دُورًا كانت أو عَقَارًا أو غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ يَجْرِي عليهم ما يَجْرِي على أَهْلِ الْحَرْبِ من الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلًا منه لم يَكُنْ إلَى إرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أبيه وَلَا يَجْرِي السِّبَاءُ على مُسْلِمٍ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ مَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا داخل ( ( ( دخل ) ) ) الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ بها فَدَيْنُهُ وَوَدَائِعُهُ وما كان له من مَالٍ مَغْنُومٍ عنه لَا فَرْقَ بين الدَّيْنِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) وإذا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ فَالْأَمَانُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ من مَالِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَلَا يُقْبَلُ إنْ لم تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ شَهَادَةَ أَحَدٍ غَيْرٍ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ في هذه الْحَالِ وَلَا في غَيْرِهَا شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ لِقَوْلٍ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلُهُ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الشَّهَادَاتِ - * في الْحَرْبِيِّ يَعْتِقُ عَبْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا ولم يُحْدِثْ له قَهْرًا في بِلَادِ الْحَرْبِ يَسْتَعْبِدُهُ بِهِ فَأَرَادَ اسْتِعْبَادَهُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ مُسْلِمًا كان الْعَبْدُ أو كَافِرًا أو مُسْلِمًا كان السَّيِّدُ أو كَافِرًا وَلَوْ أَحْدَثَ له قَهْرًا بِبِلَادِ الْحَرْبِ أو لِحُرٍّ مِثْلِهِ ولم يَعْتِقْهُ حتى خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ كان عَبْدًا له قال وَإِنْ كانت الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ من أَهْلِ الشِّرْكِ بِلَادَ عَنْوَةٍ أو صُلْحٍ تُخْلَى منه أَهْلُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ على شَيْءٍ أَخَذُوهُ منهم أمان ( ( ( بأمان ) ) ) أو غَيْرِهِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كما يُمْلَكُ الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُهَا الَّذِينَ كانت لهم مِمَّنْ أَوْجَفَ عليها أو غَيْرِهِمْ فَوَقَفَهَا السُّلْطَانُ على الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ منها الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا وَعَلَيْهِ ما تَكَارَاهَا بِهِ وَالْعُشْرُ كما يَكُونُ عليه ما تُكَارَى بِهِ أَرْضُ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرِ - * الصُّلْحُ على الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْرِفُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَحَدًا من أَهْلِ الْجِزْيَةِ على شَيْءٍ إلَّا ما أَصِفُ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ على ثلاثمائة دِينَارٍ وكان عَدَدُهُمْ ثلاثمائة رَجُلٍ وَصَالَحَ نَصْرَانِيًّا بِمَكَّةَ يُقَالُ له مَوْهَبٌ على دِينَارٍ
____________________

(4/278)


وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ على دِينَارٍ دِينَارٍ وَجَعَلَهُ على الْمُحْتَلِمِينَ من أَهْلِ الْيَمَنِ وَأَحْسَبُ كَذَلِكَ جَعَلَهُ في كل مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يُحْكَ في الْخَبَرِ كما حكى خَبَرُ الْيَمَنِ ثُمَّ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ على حُلَلٍ يُؤَدُّونَهَا فَدَلَّ صُلْحُهُ إيَّاهُمْ على غَيْرِ الدَّنَانِيرِ على أَنَّهُ يَجُوزُ ما صَالَحُوا عليه وَصَالَحَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه أَهْلَ الشَّامِ على أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَرَوَى عنه بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُوسِرَ من ذِمَّتِهِمْ على ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْوَسَطَ على أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَاَلَّذِي دُونَهُ على اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَا بَأْسَ بِمَا صَالَحَ عليه أَهْلَ الذِّمَّةِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من هذا إذَا كان الْعَقْدُ على شَيْءٍ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَإِنْ كان أَضْعَافَ هذا وإذا انعقد ( ( ( عقد ) ) ) لهم الْعَقْدَ على شَيْءٍ مُسَمًّى لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُزَادَ على أَحَدٍ منهم فيه بَالِغًا يُسْرُهُ ما بَلَغَ وَإِنْ صَالَحُوا على ضِيَافَةٍ مع الْجِزْيَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو صَالَحُوا على مَكِيلَةِ طَعَامٍ كان ذلك كما يُصَالِحُونَ عليه من الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا تَكُونُ الْجِزْيَةُ إلَّا في كل سَنَةٍ مَرَّةً وَلَوْ حَاصَرْنَا أَهْلَ مَدِينَةٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ لم يَكُنْ لنا قِتَالُهُمْ إذَا أَعْطُونَاهَا وَأَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُنَا وَإِنْ قالوا نُعْطِيكُمُوهَا وَلَا يَجْرِي عَلَيْنَا حُكْمُكُمْ لِمَ لم يَلْزَمْنَا أَنْ نَقْبَلَهَا منهم لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فلم أَسْمَعْ مُخَالِفًا في أَنَّ الصَّغَارَ أَنْ يَعْلُوَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ على حُكْمِ الشِّرْكِ وَيَجْرِي عليهم وَلَنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم مُتَطَوِّعِينَ وَعَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ لم يَجْرِ عليهم الْحُكْمُ كما يَكُونُ لنا تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَلَوْ عَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ وَيَجْرِي عليهم الْحُكْمُ فَاخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَهُمْ في الْجِزْيَةِ فَقُلْنَا لَا نَقْبَلُ إلَّا كَذَا وَقَالُوا لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا كَذَا رَأَيْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَلْزَمَنَا أَنْ نَقْبَلَ منهم دِينَارًا دِينَارًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَخَذَهُ من نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمِنْ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ ولم يَلْزَمْنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم أَقَلَّ منه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا لم نَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ أَخَذَ منهم أَقَلَّ منه وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا في زَمَانِ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كانت دِينَارًا فَإِنْ كان أَخَذَهَا فَهِيَ دِينَارٌ وَهِيَ أَقَلُّ ما أُخِذَ وَنَزْدَادُ منهم ما لم نَعْقِدْ لهم شيئا مِمَّا قَدَرْنَا عليه وَإِنْ كتب ( ( ( كنت ) ) ) في الْعَقْدِ لهم أَنْ يُخَفِّفَ عَمَّنْ افْتَقَرَ منهم إلَى أَنْ يَجِدَ كان ذلك جَائِزًا وَإِنْ لم يَكُنْ في الْعُقْدَةَ كان ذلك لَازِمًا لهم وَالْبَالِغُونَ منهم في ذلك سَوَاءٌ الزَّمِنُ وَغَيْرُ الزَّمِنِ فَإِنْ أَعْوَزَ أَحَدُهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عليه يُؤْخَذُ منه مَتَى قَدَرَ عليها وَإِنْ غَابَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ أُخِذَتْ منه لِتِلْكَ السِّنِينَ إذَا كانت غَيْبَتُهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْحَقُّ لَا يُوضَعُ عن شَيْخٍ وَلَا مُقْعَدٍ وَلَوْ حَالَ عليه حَوْلٌ أو أَحْوَالٌ ولم تُؤْخَذْ منه ثُمَّ أَسْلَمَ أُخِذَتْ منه لِأَنَّهَا كانت لَزِمَتْهُ في حَالِ شِرْكِهِ فَلَا يَضَعُ الْإِسْلَامُ عنه دَيْنًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عليه ليس لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ قَبْلَهُ كما لم يَكُنْ له تَرْكُهُ قَبْلَهُ في حَالِ شِرْكِهِ - * فَتْحُ السَّوَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَعْرِفُ ما أَقُولُ في أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا ظَنًّا مَقْرُونًا إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ في السَّوَادِ ليس فيه بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ من أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ منها أَنَّهُمْ يَقُولُونَ السَّوَادُ صُلْحٌ وَيَقُولُونَ السَّوَادُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ إنَّ جَرِيرَ بن عبد اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فيه * أخبرنا الثِّقَةُ عن بن أبي خَالِدٍ عن قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ عن جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ قال كانت بَجِيلَةُ رُبْعُ الناس فَقُسِمَ لهم رُبْعُ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلَاثَ أو أَرْبَعَ سِنِينَ أنا شَكَكْت ثُمَّ قَدِمْت على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَمَعِي فُلَانَةُ ابْنَةُ فُلَانٍ امْرَأَةٌ منهم لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهَا فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) لَتَرَكْتُكُمْ على ما قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا على الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان في حَدِيثِهِ ( وعاضني من حَقِّي فيه نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا ) وكان في حَدِيثِهِ فقالت فُلَانَةُ قد شهدا ( ( ( شهد ) ) ) أبي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلَا أُسَلِّمُهُ حتى تُعْطِيَنِي كَذَا أو تُعْطِيَنِي
____________________

(4/279)


كَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ قال وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ عِوَضًا من سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا من سَهْمِ أَبِيهَا أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عليه فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ منه فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا حَلَالٌ لِلْإِمَامِ لو افْتَتَحَ الْيَوْمَ أَرْضًا عَنْوَةً فَأَحْصَى من افْتَتَحَهَا وَطَابُوا نَفْسًا عن حُقُوقِهِمْ منها أَنْ يَجْعَلَهَا الْإِمَامُ وَقْفًا وَحُقُوقُهُمْ منها إلَّا الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ ويوفى أَهْلَ الْخُمْسِ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعَ الْبَالِغُونَ منهم حُقُوقَهُمْ فَيَكُونُ ذلك لهم وَالْحُكْمُ في الْأَرْضِ كَالْحُكْمِ في الْمَالِ وقد سَبَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هَوَازِنَ وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بين الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عليهم بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ما أُخِذَ منهم فَخَيَّرَهُمْ بين الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ فَقَالُوا خَيَّرْتَنَا بين أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا فَتَرَكَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا له حُقُوقَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا له حُقُوقَهُمْ ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ من الْمُهَاجِرِينَ الْآخَرِينَ وَالْفَتْحِيِّينَ فَأَمَرَ فَعَرَفَ على كل عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قال ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ من بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا من الْإِبِلِ إلَى وَقْتِ كَذَا فجاءوه ( ( ( فجاؤه ) ) ) بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بن حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بن بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَبَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فلم يُكْرِهْهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ذلك حتى كَانَا هُمَا تَرَكَا بَعْدُ بِأَنْ خُدِعَ عُتَيْبَةَ عن حَقِّهِ وسلم لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَقَّ من طَابَ نَفْسًا عن حَقِّهِ وَهَذَا أَوْلَى الْأُمُورِ بِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه تَعَالَى عِنْدَنَا في السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كانت عَنْوَةً فَهُوَ كما وَصَفْت ظَنَّ عليه دَلَالَةَ يَقِينٍ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ يقينا بِالدَّلَالَةِ أَنَّ الحديث الذي فيه تَنَاقُضٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسَمَ إلَّا عن أَمْرِ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لِكِبَرِ قَدْرِهِ وَلَوْ تَفَوَّتَ عليه فيه ما انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عنه قسمة ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَوْ كان الْقَسْمُ ليس لِمَنْ قَسَمَ له ما كان لهم منه عِوَضٌ وَلَكَانَ عليهم أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْغَلَّةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ كان ولم أَجِدْ فيه حَدِيثًا يُثْبِتُ إنَّمَا أَجِدُهَا مُتَنَاقِضَةً وَاَلَّذِي هو أَوْلَى بِعُمَرَ عِنْدِي الذي وَصَفْت فَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأَرْضُهَا وَدَارُهَا كَدَنَانِيرِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَهَكَذَا صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فَلِمَنْ أَوْجَفَ عليها أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ من الْأَرْضِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عن حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ حَلَالٌ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا على الْمُسْلِمِينَ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ على أَهْلِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ منهم وَمَنْ لم يَطِبْ عنه نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِحَقِّهِ وَأَيُّمَا أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا على أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا وَيُؤَدُّونَ عنها خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا من أَيْدِي أَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ فيها الْخَرَاجُ وما أُخِذَ من خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهُ فَيْءٌ من مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بين هذا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ ذلك وَإِنْ كان من مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فيه فَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلَا صَاحِبُ فَيْءٍ وَلَا غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا من وُقِفَتْ عليه من غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وإذا كانت الْأَرْضُ صُلْحًا فَإِنَّهَا لِأَهْلِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا منهم الْمُسْلِمُونَ بِكِرَاءٍ وَيَزْرَعُونَهَا كما نَسْتَأْجِرُ منهم إبِلَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ وما يَجُوزُ لهم إجَارَتُهُ منهم وما دُفِعَ إلَيْهِمْ أو إلَى السُّلْطَانِ بِوَكَالَتِهِمْ فَلَيْسَ بِصَغَارٍ عليهم إنَّمَا هو دَيْنٌ عليه يُؤَدِّيهِ وَالْحَدِيثُ الذي يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنَّمَا هو خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كان خَرَاجُ الْكِرَاءِ ما حَلَّ له أَنْ يَتَكَارَى من مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ شيئا وَلَكِنَّهُ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ إنَّمَا هو كِرَاءٌ لَا مُحَرَّمٌ عليه وإذا كان الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْتَقَهُ وهو على النَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وإذا كان الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ بِالدَّيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ مِمَّنْ عليه الْجِزْيَةُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا كما لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ
____________________

(4/280)


- * في الذِّمِّيِّ إذَا اتَّجَرَ في غَيْرِ بَلَدِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى أُفُقٍ من الْآفَاقِ في السَّنَةِ مِرَارًا لم يُؤْخَذْ منه إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كما لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وقد ذُكِرَ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَا ظَهَرَ من أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ منهم شَيْءٌ وَقْتَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لهم بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ من الْحَوْلِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ منهم ما أَخَذْنَا منهم فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إيَّاهُ منهم على أَصْلِ صُلْحٍ أَنَّهُمْ إذَا اتَّجَرُوا أَخَذَ منهم ولم يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ من أَحَدٍ في سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ فلما كانت الْجِزْيَةُ في كل سَنَةٍ مَرَّةً كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا عِنْدَنَا في كل سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عِنْدَ الْفَتْحِ على أَكْثَرَ من ذلك فَيَكُونُ لنا أَنْ نَأْخُذَ منهم ما صُولِحُوا عليه وَلَسْنَا نَعْلَمُهُمْ صُولِحُوا على أَكْثَرَ وَيُؤْخَذُ منهم كما أَخَذَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه من الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ اتِّبَاعًا له على ما أَخَذَهُ لَا نُخَالِفُهُ - * نَصَارَى الْعَرَبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذ ( ( ( وإذا ) ) ) صَالَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ وكان نَصْرَانِيًّا عَرَبِيًّا على الْجِزْيَةِ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ على الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ على الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عن عُمَرَ في نَصَارَى الْعَرَبِ من تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرَوَى عنه أَنَّهُ صَالَحَهُمْ على أَنْ تُضَاعَفَ عليهم الصَّدَقَةُ وَلَا يُكْرَهُوا على غَيْرِ دِينِهِمْ وَلَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ في النَّصْرَانِيَّةِ وَعَلَّمَنَا أَنَّهُ كان يَأْخُذُ جِزْيَتَهُمْ نِعَمًا ثُمَّ رَوَى أَنَّهُ قال بَعْدَ ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْفُلْجَة أو ابْنِهِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من النَّصَارَى من الْعَرَبِ كما وَصَفْت وَأَمَّا ذَبَائِحُهُمْ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهَا خَبَرًا عن عُمَرَ وَعَنْ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وقد نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ وَلَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ فَلَوْ كان من حَلَّ لنا أَخْذُ الْجِزْيَةِ منه حَلَّ لنا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ أَكَلْنَا ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِ وَلَا نُنْكِرُ إذَا كان في أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وكان أَحَدُ صِنْفَيْهِمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَالصِّنْفُ الثَّانِي من الْمَجُوسِ لَا تَحِلُّ لنا ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ وَالْجِزْيَةُ تَحِلُّ مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا في نَصَارَى الْعَرَبِ فَيَحِلُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منهم وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَاَلَّذِي يُرْوَى من حديث بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ إنَّمَا هو من حديث عِكْرِمَةَ أَخْبَرَنِيهِ بن الدَّرَاوَرْدِيِّ وبن أبي يحيى عن ثَوْرٍ الدَّيْلَمِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سئل عن ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فقال قَوْلًا حَكْئًا هو إحْلَالُهَا وَتَلَا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنه منهم وَلَكِنَّ صَاحِبَنَا سَكَتَ عن اسْمِ عِكْرِمَةَ وَثَوْرٌ لم يَلْقَ بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الصَّدَقَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عن رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صَالَحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ على أَنْ لَا يصبغوا ( ( ( يصبغوه ) ) ) أَبْنَاءَهُمْ وَلَا يُكْرَهُوا على غَيْرِ دِينِهِمْ وَأَنْ تُضَاعَفَ عليهم الصَّدَقَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَسَاقُوهُ أَحْسَنَ من هذا السِّيَاقِ فَقَالُوا رَامَهُمْ على الْجِزْيَةِ فَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ وَلَا نُؤَدِّي ما تُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كما يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ من بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ فقال عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا هذا فَرْضٌ على الْمُسْلِمِينَ
____________________

(4/281)


فَقَالُوا فَزِدْ ما شِئْت بهذا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هو وَهُمْ على أَنْ ضَعَّفَ عليهم الصَّدَقَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَعْلَمُهُ فَرَضَ على أَحَدٍ من نَصَارَى الْعَرَبِ وَلَا يَهُودِهَا الَّذِينَ صَالَحَ وَاَلَّذِينَ صَالَحَ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ إلَّا هذا الْفَرْضَ فَأَرَى إذَا عَقَدَ لهم هذا أَنْ يُؤْخَذَ منهم عليه وَأَرَى لِلْإِمَامِ في كل دَهْرٍ إنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَقْتَصِرَ عليهم بِمَا قُبِلَ منهم فَإِنْ قَبِلُوا أَخَذَهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا جَاهَدَهُمْ عليه وقد وَضَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ على أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا على كل حَالِمٍ وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ منهم وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ على كِسْوَةٍ تُؤْخَذُ منهم وَكَذَلِكَ تُؤْخَذُ منهم وفي هذا دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ على ما صَالَحُوا عليه وَالْأُخْرَى أَنَّهُ ليس لِمَا صَالَحُوا عليه وَقْتٌ إلَّا ما تَرَاضَوْا عليه كَائِنًا ما كان وإذا ضُعِّفَتْ عليهم الصَّدَقَةُ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وما أَصَابُوا من مَعَادِنِ بِلَادِهِمْ وَرِكَازِهَا كُلُّ ما أَخَذْت فيه من مُسْلِمٍ خَمْسًا فَخُذْ منهم خَمْسِينَ وَعُشْرًا فَخُذْ منهم عِشْرِينَ وَنِصْفَ عُشْرٍ فَخُذْ منهم عُشْرًا وَرُبْعَ عُشْرٍ فَخُذْ منهم نِصْفَ عُشْرٍ وَعَدَدًا من الْمَاشِيَةِ فَخُذْ منهم ضِعْفَ ذلك الْعَدَدِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَاتُهُمْ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تُؤْخَذُ منهم من أَمْوَالِهِمْ حتى يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ من الصنف ( ( ( النصف ) ) ) من الْمَالِ ما لو كان لِمُسْلِمٍ وَجَبَ فيه الزَّكَاةُ فإذا كان ذلك ضَعَّفَ عليهم الزَّكَاةَ وقد رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَضَعَ الْجِزْيَةَ عن النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا قال خُذْ من كل حَالِمٍ دِينَارًا فَقَدْ دَلَّ على أَنَّهُ وَضَعَ عَمَّنْ دُونَ الْحَالِمِ وَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ من النِّسَاءِ ( 1 ) وَلَا يُؤْخَذُ من نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُمْ من الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ ذلك منهم على الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ منهم على الْجِزْيَةِ وَإِنْ نحى عَنْهُمْ من اسْمِهَا وَلَا يُكْرَهُونَ على دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من أُكَيْدِرَ دُومَةَ وهو عَرَبِيٌّ وَأَخَذَهَا من عَرَبِ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَأَخَذَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ منهم وَأَخَذَهَا منهم على أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ أخبرنا الثِّقَةُ سُفْيَانُ أو عبد الْوَهَّابِ أو هُمَا عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ قال قال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لم يَتَمَسَّكُوا من نَصْرَانِيَّتِهِمْ أو من دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ) [ شَكَّ الشَّافِعِيُّ ] ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا تَرَكْنَا أَنْ نُجْبِرَهُمْ على الْإِسْلَامِ أو نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا قد أَقَرُّوهُمْ وَإِنْ كان عُمَرُ قد قال هَكَذَا وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لنا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ لنا من أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عليهم نَزَلَ وَجَمِيعُ ما أُخِذَ من ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ قال ( ( ( وقال ) ) ) وما تجر ( ( ( اتجر ) ) ) بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ ذِمَّتِهِمْ فَإِنْ كَانُوا يَهُودًا فَسَوَاءٌ تُضَاعَفُ عليهم فيه الصَّدَقَةُ وما تجر ( ( ( اتجر ) ) ) بِهِ نَصَارَى بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فِيهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ منهم في بَعْضِ تِجَارَاتِهِمْ الْعُشْرَ وفي بَعْضِهَا نِصْفَ الْعُشْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا من عُمَرَ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عليه كما صَالَحَهُمْ على الْجِزْيَةِ الْمُسَمَّاةِ وَلَسْت أَعْرِفُ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ على ذلك من الَّذِينَ لم يُصَالِحْهُمْ فَعَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّقَ الْكُتُبَ في الْآفَاقِ وَيَحْكِيَ لهم ما صَنَعَ عُمَرُ فإنه لَا يَدْرِي من صَنَعَ بِهِ ذلك منهم دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ رَضُوا بِهِ أَخَذَهُ منهم وَإِنْ لم يَرْضَوْا بِهِ جَدَّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا فيه كما يُجَدَّدُ فِيمَنْ ابْتَدَأَ صُلْحَهُ مِمَّنْ دخل في الْجِزْيَةِ الْيَوْمَ وَإِنْ صَالَحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا في كل سَنَةٍ مَرَّةً من غَيْرِ بُلْدَانِهِمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ صَالَحُوا أَنْ نَأْخُذَ منهم كُلَّمَا اخْتَلَفُوا وَإِنْ اخْتَلَفُوا في السَّنَةِ مِرَارًا فَذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ في الضِّيَافَةِ صُلْحًا فإنه روى عن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ جَعَلَ عليهم ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وروى عنه أَنَّهُ جَعَلَ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإذا جَدَّدَ عليهم الصُّلْحَ في الضِّيَافَةِ جَدَّدَ بِأَمْرٍ بين أَنْ يُضِيفَ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ كَذَا وَالْوَسَطَ كَذَا وَلَا يُضَيِّفُ الْفَقِيرَ وَلَا الصَّبِيَّ وَلَا الْمَرْأَةَ وَإِنْ
____________________

(4/282)


كَانَا غَنِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ وَالضِّيَافَةُ صِنْفٌ منها وسمي أَنْ يُطْعِمُوهُمْ خُبْزَ كَذَا بِأُدْمِ كَذَا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ من التِّبْنِ كَذَا وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَا حتى يَعْرِفَ الرَّجُلُ عَدَدَ ما عليه إذَا نَزَلَ بِهِ ليس أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْعَسَاكِرُ فَيُكَلَّفُ ضِيَافَتُهُمْ وَلَا يَحْتَمِلُهَا وَهِيَ مُجْحِفَةٌ بِهِ وَكَذَلِكَ يُسَمِّي أَنْ يَنْزِلَهُمْ من مَنَازِلِهِمْ الْكَنَائِسَ أو فُضُولَ مَنَازِلِهِمْ أو هُمَا مَعًا ( قال الشافعى ) حَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ من نَصَارَى الْعَرَبِ ضُعِّفَ عليه الصَّدَقَةُ كما وَصَفْت وَحَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ لم يَكُنْ عليه في زَرْعِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا الْخَرَاجُ كِرَاءُ الْأَرْضِ كما لو تَكَارَى أَرْضًا من رَجُلٍ فَزَرَعَهَا أَدَّى الْكِرَاءَ وَالْعُشْرَ وَالنَّصْرَانِيُّ من نَصَارَى الْعَرَبِ إذَا زَرَعَ الْخَرَاجَ ضَعَّفْت عليه الْعُشْرَ وَأَخَذْت منه الْخَرَاجَ وإذا قَدِمَ الْمُسْتَأْمَنُ من أَرْضِ الْحَرْبِ فَكَانَ على النَّصْرَانِيَّةِ أو الْمَجُوسِيَّةِ أو الْيَهُودِيَّةِ فَنَكَحَ وَزَرَعَ فَلَا خَرَاجَ عليه وَيُقَالُ له إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَصَالِحْنَا على أَنْ تؤدى الْجِزْيَةَ وَجِزْيَتُهُ على ما صَالَحَ عليه وَإِنْ أَبَى الصُّلْحَ أُخْرِجَ وَإِنْ غَفَلَ عنه سَنَةً أو سِنِينَ فَلَا خَرَاجَ عليه وَلَا يَجِبُ عليه الْخَرَاجُ إلَّا بِصُلْحِهِ وَنَمْنَعُهُ الزَّرْعَ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ عنه ما صَالَحَ عليه وَإِنْ غَفَلَ حتى يَصْرِمَهُ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ وَإِنْ كان الْمُسْتَأْمَنُ وَثَنِيًّا لم يُتْرَكْ حتى يُقِيمَ في دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً ولم تُؤْخَذْ منه جِزْيَةٌ وَإِنْ غَفَلَ عنه حتى زَرَعَ سَنَةً أو أَكْثَرَ دَفَعَ إلَيْهِ وَأَخْرَجَ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةً فَتَزَوَّجَتْ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَهَا تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَهَا حَبَسْنَاهَا له بِسُلْطَانِ الزَّوْجِ على حَبْسِ امْرَأَتِهِ لَا بغير ( ( ( يغير ) ) ) ذلك وَمَتَى طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَإِنْ كان لها منه وَلَدٌ فَلَيْسَ لها أَنْ تُخْرِجَ أَوْلَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِنَفْسِهَا وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أو أَغَارَ الْعَدُوُّ على بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَسَبَوْا عَبِيدًا وَظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَسَمُوا الْعَبِيدَ أو لم يَقْتَسِمُوا فَسَادَتُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا يَكُونُ الْعَدُوُّ يَمْلِكُونَ على مُسْلِمٍ شيئا إذَا لم يَمْلِكْ المسلم على الْمُسْلِمُ بِالْغَلَبَةِ فَالْمُشْرِكُ الذي هو خَوَلٌ لِلْمُسْلِمِ إذَا قَدَرَ عليه أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ على مُسْلِمٍ وَلَا يَعْدُو الْمُشْرِكُونَ فِيمَا غَلَبُوا عليه أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لهم كَمِلْكِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فإذا كان هذا هَكَذَا مَلَكُوا الْحُرَّ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وما سِوَى ذلك من الرَّقِيقِ وَالْأَمْوَالِ ثُمَّ لم يَكُنْ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذَهُ قبل الْقِسْمَةِ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِقِيمَةٍ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ سَائِرَ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ أو لَا يَكُونُ مِلْكُ الْعَدُوِّ مِلْكًا فَيَكُونُ كُلُّ امْرِئٍ على أَصْلِ مِلْكِهِ وَمَنْ قال لَا يَمْلِكُ الْعَدُوُّ الْحُرَّ وَلَا الْمُكَاتَبَ وَلَا أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةَ وهو يَمْلِكُ ما سِوَاهُنَّ فَهُوَ يَتَحَكَّمُ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحَالًا فيقول يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ ظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قبل الْقَسْمِ فَهُوَ له بِلَا شَيْءٍ وَإِنْ كان بَعْدَ الْقَسْمِ فَهُوَ له إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ فَهَؤُلَاءِ ملكوه ولا مَلَكُوهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَهُ قِيلَ لَا إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَإِنْ قال فَهَلْ لَك حُجَّةٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِحَالٍ قُلْنَا الْمَعْقُولُ فيه ما وَصَفْنَا وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا وَلَنَا فيه حُجَّةٌ بِمَا لَا يَنْبَغِي خِلَافُهُ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّابِتَةِ وهو يروي عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أخبرنا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عُمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا فَأَصَابُوا امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَنَاقَةً لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ انْفَلَتَتْ الْمَرْأَةُ فَرَكِبَتْ النَّاقَةَ فَأَتَتْ الْمَدِينَةَ فَعُرِفَتْ نَاقَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت ( إنِّي نَذَرْت لَئِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عليها لَأَنْحَرَنَّهَا ) فَمَنَعُوهَا أَنْ تَنْحَرَهَا حتى يَذْكُرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أن نَجَّاك اللَّهُ عليها ثُمَّ تَنْحَرِيهَا لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) وَقَالَا مَعًا أو أَحَدُهُمَا في الحديث وَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ أَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ بعد ما أَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ وَأَحْرَزَتْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ على الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانت الْأَنْصَارِيَّةُ أَحْرَزَتْ عليهم شيئا ليس لِمَالِكٍ كان لها في قَوْلِنَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وفي قَوْلِ غَيْرِنَا كان لها ما أَحْرَزَتْ
____________________

(4/283)


لَا خُمْسَ فيه وقد أَخْبَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها لَا تَمْلِكُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ بِلَا قِيمَةٍ أخبرنا الثِّقَةُ عن مَخْرَمَةَ بن بُكَيْرٍ عن أبيه لَا أَحْفَظُ عَمَّنْ رَوَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه قال فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا غَلَبُوا عليه أو أَبَقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ مَالِكُوهُ أَحَقُّ بِهِ قبل الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ اُقْتُسِمَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ من يَدَيْ من صَارَ في سَهْمِهِ وَعُوِّضَ الذي صَارَ في سَهْمِهِ قِيمَتَهُ من خُمْسِ الْخُمْسِ وَهَكَذَا حُرٌّ إنْ اُقْتُسِمَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على حُرِّيَّتِهِ - * في الْأَمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) قال فإذا أَمَّنَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ حُرٌّ أو عَبْدٌ يُقَاتِلُ أو لَا يُقَاتِلُ أو امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ وإذا أَمَّنَ من دُونَ الْبَالِغِينَ وَالْمَعْتُوهِ قَاتَلُوا أو لم يُقَاتِلُوا لم نُجِزْ أَمَانَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَّنَ ذِمِّيٌّ قَاتَلَ أو لم يُقَاتِلْ لم نُجِزْ أَمَانَهُ وَإِنْ أَمَّنَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَعَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلَا نَعْرِضُ لهم في مَالٍ وَلَا نَفْسٍ من قِبَلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يُفَرِّقُونَ بين من في عَسْكَرِنَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَلَا يَجُوزُ وَنَنْبِذُ إلَيْهِمْ فَنُقَاتِلُهُمْ وإذا أَشَارَ إلَيْهِمْ الْمُسْلِمُ بِشَيْءٍ يَرَوْنَهُ أَمَانًا فقال أَمَّنْتُهُمْ بِالْإِشَارَةِ فَهُوَ أَمَانٌ فَإِنْ قال لم أُؤَمِّنْهُمْ بها فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَقُولَ شيئا فَلَيْسُوا بِآمَنِينَ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لهم الْوَالِي أَمَانًا وَعَلَى الْوَالِي إذَا مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ أو قال وهو حَيٌّ لم أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَنْبِذَ إلَيْهِمْ قال اللَّهُ تَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } وقال اللَّهُ عز وجل في غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَحَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ من لم يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ بِالْإِيمَانِ لَا غَيْرِهِ وَحَقَنَ دِمَاءَ من دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ أو إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ لَا أَعْرِفُ منهم خَارِجًا من هذا من الرِّجَالِ وَقَتَلَ يوم حُنَيْنٍ دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ بن مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً في شِجَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يُنْكِرْ قَتْلَهُ وَلَا أَعْرِفُ في الرُّهْبَانِ خِلَافٌ أَنْ يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ أو يُقْتَلُوا وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلَا أَعْرِفُ يُثْبِتُ عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه خِلَافَ هذا وَلَوْ كان يَثْبُتُ لَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ على قِتَالِ من يُقَاتِلُهُمْ وَأَنْ لَا يَتَشَاغَلُوا بِالْمُقَامِ على صَوَامِعِ هَؤُلَاءِ كما يُؤْمَرُونَ أَنْ لَا يُقِيمُوا على الْحُصُونِ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ ( 1 ) وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّ ذلك أَنْكَى لِلْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ مُحَرَّمٌ عليهم وَذَلِكَ أَنَّ مُبَاحًا لهم أَنْ يُتْرَكُوا ( 2 ) وَلَا يُقْتَلُوا كان التَّشَاغُلُ بِقِتَالِ من يُقَاتِلُهُمْ أَوْلَى بِهِمْ وَكَمَا يُرْوَى عنه أَنَّهُ نهى عن قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى بَأْسًا بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّهُ قد حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْطَعُ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ على بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَالطَّائِفِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد وَعَدَ بِفَتْحِ الشَّامِ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ قَطْعِهِ لِتَبْقَى لهم مَنْفَعَتُهُ إذْ كان وَاسِعًا لهم تَرْكُ قَطْعِهِ وَتُسْبَى نِسَاءُ الدِّيَارَاتِ وَصِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْتَلُ الْفَلَّاحُونَ وَالْأُجَرَاءُ وَالشُّيُوخُ الْكِبَارُ حتى يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ
____________________

(4/284)


- * الْمُسْلِمُ أو الْحَرْبِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْحَرْبِيُّ مَالًا وَدِيعَةً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَأَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ مَالَانِ فَمَالٌ يُغْصَبُونَ عليه وَيُتَمَوَّلُ عليهم فَسَوَاءٌ من غَصَبَهُ عليهم من مُسْلِمٍ أو حَرْبِيٍّ منهم أو من غَيْرِهِمْ وإذا أَسْلَمُوا مَعًا أو بَعْضُهُمْ قبل بَعْضٍ لم يَكُنْ على الْغَاصِبِ لهم أَنْ يَرُدَّ عليهم من ذلك شيئا لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كانت مُبَاحَةً غير مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا ذِمَّتِهِمْ وَلَا أَمَانَ لهم وَلَا لِأَمْوَالِهِمْ من خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ وَمَالٌ له أَمَانٌ وما كان من الْمَالِ له أَمَانٌ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَمَّنَ صَاحِبَهُ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ منه بِحَالٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْدَعَ مُسْلِمًا أو حَرْبِيًّا في دَارِ الْحَرْبِ أو في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدِيعَةً وَأَبْضَعَ منه بِضَاعَةً فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ من بِلَادِ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو الْحَرْبِيُّ فَأَسْلَمَ كان عَلَيْهِمَا مَعًا أَنْ يُؤَدِّيَا إلَى الْحَرْبِيِّ مَالَهُ كما يَكُونُ عَلَيْنَا لو أَمَّنَّاهُ على مَالِهِ أَنْ لَا نَعْرِضَ لِمَالِهِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) إذَا أُودِعْنَا أو أُبْضِعَ مَعَنَا فَذَلِكَ أَمَانٌ منه لنا وَمِثْلُ أَمَانِهِ على مَالِهِ أو أَكْثَرُ وَهَكَذَا الدَّيْنُ - * في الْأَمَةِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَمَةِ لِلْمُسْلِمِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ فَيَطَؤُهَا رَجُلٌ منهم فَتَلِدُ له أَوْلَادًا وَيُولَدُ لِأَوْلَادِهَا أَوْلَادٌ فيتناتجون ثُمَّ يَظْهَرُ عليهم الْمُسْلِمُونَ فإنه يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا وَأَوْلَادَهَا الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَنَنْظُرُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا فَنَأْخُذُ بَنِي بَنَاتِهَا وَلَا نَأْخُذُ بَنِي بَنِيهَا من قِبَلِ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأُمِّ لَا بِالْأَبِ كما يَنْكِحُ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَكَمَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ كلهم أَحْرَارًا - * في الْعِلْجِ يَدُلُّ على الْقَلْعَةِ على أَنَّ له جَارِيَةً سَمَّاهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه في عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ على قَلْعَةٍ على أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فلما انْتَهَوْا إلَى الْقَلْعَةِ صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ على أَنْ يَفْتَحَهَا لهم وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فإذا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك قِيمَتَهَا وَإِنْ لم تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا ما صَالَحْنَاك عليه غَيْرَك فَإِنْ رضي الْعِوَضَ أُعْطِيهِ وَتَمَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لم يَرْضَ الْعِوَضَ قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ قد صَالَحْنَا هذا على شَيْءٍ صَالَحْنَاك عليه بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ فَإِنْ سَلَّمْت إلَيْهِ عَوَّضْنَاك منه وَإِنْ لم تُسَلِّمْهُ إلَيْهِ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ قد أَسْلَمَتْ قبل أَنْ يُظْفَرَ بها فَلَا سَبِيلَ إلَيْهَا ويعطي قِيمَتَهَا وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ منها بِالْقِيمَةِ وَلَا يَبِينُ في الْمَوْتِ كما يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ - * في الْأَسِيرِ يُكْرَهُ على الْكُفْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَسِيرِ يُكْرَهُ على الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَا تَبِينُ منه امْرَأَتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِالشِّرْكِ وَلَا يَحْرُمُ مِيرَاثُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُحْرَمُونَ مِيرَاثَهُمْ منه إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا قال ذلك مُكْرَهًا وَعِلْمُهُمْ ذلك أَنْ يَقُولَ قبل قَوْلِهِ أو مع قَوْلِهِ أو بَعْدَ قَوْلِهِ إنِّي إنَّمَا قُلْت ذلك مُكْرَهًا وَكَذَلِكَ ما أَكْرَهُوا عليه من غَيْرِ ضُرِّ أَحَدٍ من أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أو دُخُولِ كَنِيسَةٍ فَفَعَلَ وَسِعَهُ ذلك وَأَكْرَهُ له أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ من الصَّلَاةِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ إذَا سَكِرَ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذلك مُحَرَّمٌ عليه وإذا وُضِعَ عنه الشِّرْكُ بِالْكُرْهِ وُضِعَ عنه ما دُونَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّ أَحَدًا وَلَوْ أَكْرَهُوهُ على أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا لم يَكُنْ له أَنْ يَقْتُلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه في رَجُلٍ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ وَلَهُ امْرَأَةٌ فَمَرَّ بِهِ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَفَ عليهم وهو في الْحِصْنِ فقال إنَّمَا تَنَصَّرْت بِلِسَانِي وأنا أُصَلِّي إذَا خَلَوْت فَهَذَا مُكْرَهٌ وَلَا تَبِينُ منه امْرَأَتُهُ
____________________

(4/285)


- * النَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ في وَسَطِ السَّنَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قبل حُلُولِ وَقْتِ الْجِزْيَةِ سَقَطَتْ عنه وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ حُلُولِهَا فَهِيَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه كُلُّ من خَالَفَ الْإِسْلَامَ من أَهْلِ الصَّوَامِعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ من السَّيْفِ أو الْجِزْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ شَيْءٍ بِيعَ وَفِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْقَدَحِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّرْجِ فَلَا يُبَاعُ حتى تُخْلَعَ الْفِضَّةُ فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَيُبَاعُ السَّيْفُ على حِدَةٍ وَيُبَاعُ ما كان عليه من فِضَّةٍ بِالذَّهَبِ وَلَا يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ - * الزَّكَاةُ في الْحِلْيَةِ من السَّيْفِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه الْخَاتَمُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ من فِضَّةٍ وَالْحِلْيَةُ لِلسَّيْفِ لَا زَكَاةَ عليه في وَاحِدٍ مِنْهُمَا في قَوْلِ من رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ وَإِنْ كانت الْحِلْيَةُ لِمُصْحَفٍ أو كان الْخَاتَمُ لِرَجُلٍ من ذَهَبٍ لم تَسْقُطْ عنه الزَّكَاةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ وَأَنَّهُ كان في سَيْفِهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ ما جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الزَّكَاةَ فيه من رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ لِأَنَّ الْحُلِيَّ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ - * الْعَبْدُ يَأْبَقُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ كَافِرًا كان أو مُسْلِمًا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ على مِلْكِ سَيِّدِهِ وَأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا وَإِنْ كان مُسْلِمًا فَارْتَدَّ فَكَذَلِكَ غير أَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ - * في السَّبْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا سبى النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالْوِلْدَانُ ثُمَّ أُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّجَالِ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ وَالْمُسْلِمِينَ قد فَادَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَسْرَى فَرَجَعُوا إلَى مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا عَدُوَّهُ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ فَدَائِهِمْ وَمَنَّ عليهم وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ الْمَنِّ عليهم وَفَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّبْيِ البوالغ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَمَنْ كان من الْوِلْدَانِ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَلَا يُصَلَّى عليه إنْ مَاتَ قد بَاعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سبى بَنِي قُرَيْظَةَ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ فَبَعَثَ بِهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَثُلُثًا إلَى الشَّامِ وَأُولَئِكَ مُشْرِكُونَ فِيهِمْ الْوَثَنِيُّ وَغَيْرُ الْوَثَنِيِّ وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ مع أُمَّهَاتِهِمْ ولم أَعْلَمْ منهم أَحَدًا كان خَلِيًّا من أُمِّهِ فإذا كان مَوْلُودٌ خَلِيًّا من أُمِّهِ لم أَرَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا من مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ كان السَّبْيُ من أَهْلِ الْكِتَابِ أو من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَمَنْ وَصَفْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَنَّ عليهم كَانُوا من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وقد مَنَّ على بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فلم يُقْتَلْ وَقُتِلَ أَعْمَى من بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْإِسَارِ وَهَذَا يَدُلُّ على قَتْلِ من لَا يُقَاتِلُ من الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أو الْجِزْيَةَ قال وَيُقْتَلُ الْأَسِيرُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا وقد قَتَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من قَتَلَ في ذلك الْأَسْرِ وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ كُلُّ مُشْرِكٍ بَالِغٍ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أو الْجِزْيَةَ وإذا دَعَا الْإِمَامُ الْأَسِيرَ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لم يَدْعُهُ وَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الْأَسِيرَ قبل بُلُوغِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ في دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ منها بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا غرم ( ( ( عزم ) ) ) عليه من قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا كان لِلْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَيَقْتُلَهُ ويفادى بِهِ كان
____________________

(4/286)


حُكْمُهُ غير حُكْمِ الْأَمْوَالِ التي ليس لِلْإِمَامِ إلَّا إعْطَاؤُهَا من أَوْجَفَ عليها وَلَكِنَّهُ لو قَتَلَ طِفْلًا أو امْرَأَةً عُوقِبَ وَغَرِمَ أَثْمَانَهُمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا غَرِمَ ثَمَنَهُ وإذا سِيقَ السَّبْيُ فَأَبْطَئُوا أَوْجَفُوا وَلَا مَحْمَلَ لهم بِحَالٍ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا الرِّجَالَ وَإِنْ شاؤوا تَرَكُوهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ خِيفُوا وَلَيْسَ لهم قَتْلُ النِّسَاءِ وَلَا الْوِلْدَانِ بِحَالٍ وَلَا قَتْلُ شَيْءٍ من الْبَهَائِمِ إلَّا ذَبْحًا لِمَأْكَلِهِ لَا غَيْرِهِ لَا فَرَسَ وَلَا غَيْرَهُ فَإِنْ اتَّهَمَ الْإِمَامُ الذي يَسُوقُ السَّبْيَ أَحَلَفَهُ وَلَا شَيْءَ عليه وإذا جَنَتْ الْجَارِيَةُ من السَّبْيِ جِنَايَةً لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهَا من الْمَجْنِيِّ عليه وَلَا يَفْدِيهَا من مَالِ الْجَيْشِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كان ثَمَنُهَا أَقَلَّ من الْجِنَايَةِ أو مِثْلُهَا دَفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ كان أَكْثَرَ فَلَيْسَتْ له الزِّيَادَةُ على أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالزِّيَادَةُ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ كان مَعَهَا مَوْلُودٌ صَغِيرٌ وَوَلَدَتْ بعد ما جَنَتْ وَقَبِلَ تُبَاعَ بِيعَتْ وَمَوْلُودُهَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فما أَصَابَهَا كان لِلْمَجْنِيِّ عليه كما وَصَفْت وما أَصَابَ وَلَدَهَا فَلِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ ليس لِلْجَانِي قال وَالْبَيْعُ في أَرْضِ الْحَرْبِ جَائِزٌ فَمَنْ اشْتَرَى شيئا من الْمَغْنَمِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَقِيَهُ الْعَدُوُّ فَأَخَذُوهُ منه فَلَا شَيْءَ له وكان يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَبْعَثَ مع الناس من يَحُوطُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجَزِّئُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ الْمَوْلُودُ على الْإِسْلَامِ الصَّغِيرُ وَوَلَدُ الزنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْعَدُوُّ يُغَلِّقُونَ الْحُصُونَ على النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْأَسْرَى هل تُرْمَى الْحُصُونُ بِالْمَنْجَنِيقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إذَا كان في حِصْنِ الْمُشْرِكِينَ نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَأَسْرَى مُسْلِمُونَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْصَبَ الْمَنْجَنِيقُ على الْحِصْنِ دُونَ الْبُيُوتِ التي فيها السَّاكِنُ إلَّا أَنْ يَلْتَحِمَ الْمُسْلِمُونَ قَرِيبًا من الْحِصْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُرْمَى بُيُوتُهُ وَجُدْرَانُهُ فإذا كان في الْحِصْنِ مُقَاتِلَةٌ مُحَصَّنُونَ رُمِيَتْ الْبُيُوتُ وَالْحُصُونُ وإذا تَتَرَّسُوا بِالصِّبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْمِدُوا الْمُقَاتِلَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانِ وَإِنْ كَانُوا غير مُلْتَحِمِينَ أَحْبَبْت له الْكَفَّ عَنْهُمْ حتى يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ غير مُتَتَرِّسِينَ وَهَكَذَا إنْ أَبْرَزُوهُمْ فَقَالُوا إنْ رَمَيْتُمُونَا وَقَاتَلْتُمُونَا قَاتَلْنَاهُمْ وَالنِّفْطُ وَالنَّارُ مِثْلُ الْمَنْجَنِيقِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالدُّخَانُ - * في قَطْعِ الشَّجَرِ ( 1 ) وَحَرْقِ الْمَنَازِلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَتَحْرِيقِهِ من بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِ ما قَدَرَ لهم عليه من مَالٍ وَطَعَامٍ لَا رُوحَ فيه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ وَقَطَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في بَنِي النَّضِيرِ { ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا } الْآيَةُ فَأَمَّا ما له رُوحٌ فإنه يَأْلَمُ مِمَّا أَصَابَهُ فَقَتْلُهُ مُحَرَّمٌ إلَّا بِأَنْ يُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمُغَايَظَةِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عنها ) قِيلَ وما حَقُّهَا يا رَسُولَ اللَّهِ قال ( يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ ) وَلَا يُحَرِّقُ نَحْلًا وَلَا يُغْرِقُ لِأَنَّهُ له رُوحٌ وإذا كان الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى أو مُسْتَأْمَنِينَ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ في هذا كُلِّهِ الْحُكْمُ كما يَكُونُ عليهم لو فَعَلُوهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لو زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا أدعى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كما لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً
____________________

(4/287)


وَالْحُدُودُ فَرْضٌ عليهم كما هذه فَرْضٌ عليهم قال وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وهو مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عليه من اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ عليه حَدًّا لِلَّهِ عز وجل فَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ ما أَقَمْنَا الْحَدَّ عليه أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ من كل مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالْعِلَّةُ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عنه الْحَدُّ إبْطَالًا لِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعِلَّةِ جَهَالَةٍ وَغَيًّا قد أَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منها وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منه وإذا أَصَابَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِجُرْحٍ خَطَأً فَلَا يَكُونُ له عَقْلٌ على نَفْسِهِ وَلَا على عَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَرْءُ ما جَنَى على نَفْسِهِ وقد يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ ضَرَبَ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ في غُزَاةٍ أَظُنُّهَا خَيْبَرَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَ السَّيْفُ عليه فَأَصَابَهُ فَرُفِعَ ذلك إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَجْعَلْ له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك عَقْلًا وإذا نَصَبَ الْقَوْمُ الْمَنْجَنِيقَ فَرَمَوْا بها فَرَجَعَ الْحَجَرُ على أَحَدِهِمْ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ على عَوَاقِلِ الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَإِنْ كان مِمَّنْ رَمَى بِهِ مَعَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عَشَرَةً هو عَاشِرُهُمْ فَجِنَايَةُ الْعَشْرِ على نَفْسِهِ مَرْفُوعَةٌ عن نَفْسِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ هو وَلَا عَاقِلَتُهُ عَمَّا جَنَى على نَفْسِهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ وَعَلَى الرَّامِينَ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَكُونُ كَفَّارَةٌ وَلَا عَقْلٌ على من سَدَّدَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ وَأَمَرَهُمْ حَيْثُ يَرْمُونَ لِأَنَّهُ ليس بِفَاعِلٍ شيئا إنَّمَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ على الَّذِينَ كان بِفِعْلِهِمْ الْقَتْلُ وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ شَيْءٍ كان من الْخَطَأِ وَلَوْ كان دِرْهَمًا أو أَقَلَّ منه إذَا حَمَلَتْ الْأَكْثَرَ حَمَلَتْ الْأَقَلَّ وقد قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ الْجَنِينِ وإذا دخل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فادان دَيْنًا من أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَهُ الْحَرْبِيُّ الذي أَدَانَهُ مُسْتَأْمَنًا قَضَيْت عليه بِدَيْنِهِ كما أَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ في دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ على الْمُسْلِمِ حَيْثُ كان لَا نُزِيلُ الْحَقَّ عنه بِأَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ من الْمَوَاضِعِ كما لَا تَزُولُ عنه الصَّلَاةُ أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَإِنْ قال رَجُلٌ الصَّلَاةُ فَرْضٌ فَكَذَلِكَ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَلَوْ كان الْمُتَدَايِنَانِ حَرْبِيَّيْنِ فَاسْتَأْمَنَّا ثُمَّ تُطَالَبَا ذلك الدَّيْنَ فَإِنْ رَضِيَا حُكْمَنَا فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لَهُمَا بِالدَّيْنِ حتى نَعْلَمَ أَنَّهُ من حَلَالٍ فإذا عَلِمْنَا أَنَّهُ من حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ وَكَذَلِكَ لو أَسْلَمَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ إذَا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) لِصَاحِبِهِ بِالْحَقِّ لَا غَاصِبَ له عليه فَإِنْ كان غَصَبَهُ عليه في دَارِ الْحَرْبِ لم أُتْبِعْهُ بِشَيْءٍ لِأَنِّي أُهْدِرُ عَنْهُمْ ما تغاصبوا بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّك تَقْضِي له بِهِ إذَا لم يَغْصِبْهُ قِيلَ له أربى ( ( ( أبى ) ) ) أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ في الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وقال في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ } فلم يُبْطِلْ عَنْهُمْ رؤوس أَمْوَالِهِمْ إذَا لم يَتَقَابَضُوا وقد كَانُوا مُقِرِّينَ بها وَمُسْتَيْقِنِينَ في الْفَضْلِ فيها فَأَهْدَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم ما أَصَابُوا من دَمٍ أو مَالٍ لِأَنَّهُ كان على وَجْهِ الْغَصْبِ لَا على وَجْهِ الْإِقْرَارِ بِهِ وإذا أَحْصَنَ الذِّمِّيَّانِ ثُمَّ زَنَيَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا رَجَمْنَاهُمَا وَكَذَلِكَ لو أَسْلَمَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا ثُمَّ زَنَيَا مُسْلِمَيْنِ رَجَمْنَاهُمَا إذَا عَدَدْنَا إحْصَانَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ إحْصَانًا نَرْجُمُهُمَا بِهِ فَهُوَ إحْصَانٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا وَلَا يَكُونُ إحْصَانًا مَرَّةً وَسَاقِطًا أُخْرَى وَالْحَدُّ على الْمُسْلِمِ أَوْجَبُ منه على الذِّمِّيِّ وإذا أَتَيَا جميعا فرضى أَحَدُهُمَا ولم يَرْضَ الْآخَرُ حَكَمْنَا على الرَّاضِي بِحُكْمِنَا وَأَيُّ رَجُلٍ أَصَابَ زَوْجَةً صَحِيحَةَ النِّكَاحِ حُرَّةً ذِمِّيَّةً أو أَمَةً مُسْلِمَةً وهو حُرٌّ بَالِغٌ فَهُوَ مُحْصَنٌ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الذِّمِّيَّةُ يُصِيبُهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ أو الذِّمِّيُّ إنَّمَا الْإِحْصَانُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ لَا غَيْرِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا جِمَاعًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهُوَ إحْصَانٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا وإذا دخل الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ في أَيْدِيهِمْ أَسْرَى رِجَالًا وَنِسَاءً من الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ من دَارِ الْحَرْبِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عليهم بِمَا أَعْطَى لم يَكُنْ ذلك له وكان مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ لِمَا ليس يُبَاعُ من الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانُوا أَمَرُوهُ بِشِرَائِهِمْ رَجَعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ من
____________________

(4/288)


قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ قال بَعْضُ الناس ثُمَّ رَجَعَ فَنَقَضَ قَوْلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو دخل بِلَادَ الْحَرْبِ وفي أَيْدِيهِمْ عَبْدٌ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّجُلِ وَلَا الْعَبْدِ كان له إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مُتَطَوِّعٍ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ هذا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَرْجِعُ على سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ من ثَمَنِهِ وَهَكَذَا نَقُولُ في الْعَبْدِ كما نَقُولُ في الْحُرِّ لَا يَخْتَلِفَانِ وَإِنَّمَا غَلِطَ فيه من قِبَلِ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ من مَالِكٍ وَيَدْخُلُ عليه في هذا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه رَدُّهُ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ من مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لو كان الذِّمِّيُّ اشْتَرَاهُ وإذا أُسِرَتْ الْمُسْلِمَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أو وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ لم تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا وَلَدُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كان لها زَوْجٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَلْحَقْ بِهِ هذا الْوَلَدُ وَلَحِقَ بِالنَّاكِحِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وإذا دخل الْمُسْتَأْمَنُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في مَالِهِ وَدِيَتِهِ فَإِنْ كان يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا فَثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كان مَجُوسِيًّا أو وَثَنِيًّا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ فَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ في مَالِهِ حَالَّةً فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ على عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في مَالِهِ * أخبرنا فُضَيْلُ بن عِيَاضٍ عن مَنْصُورٍ عن ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أربعة آلاف أَرْبَعَةَ آلَافٍ وفي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ قال أُرْسِلْنَا إلَى سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عن دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قال قَضَى فيه عُثْمَانُ بن عَفَّانَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ كان مع هذا الْمُسْتَأْمَنِ الْمَقْتُولِ مَالٌ رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ كما يُرَدُّ مَالُ الْمُعَاهَدِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا كان الدَّمُ مَمْنُوعًا بِالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانِ فَالْمَالُ مَمْنُوعٌ بِذَلِكَ وإذا دخل الْمُسْلِمُ أو الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ من مَالِهِمْ يَشْتَرِي لهم بِهِ شيئا فَأَمَّا ما مع الْمُسْلِمِينَ فَلَا نَعْرِضُ له وَيُرَدُّ على أَهْلِهِ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ ما فيه أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فيه ( 1 ) وإذا اسْتَأْمَنَ الْعَبْدُ من الْمُشْرِكِينَ على أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَيُعْتَقَ فَذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَمَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حِصَارِ ثَقِيفٍ من نَزَلَ إلَيْهِ من عَبْدٍ فَأَسْلَمَ فَشَرَطَ لهم أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَنَزَلَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا من عَبِيدِ ثَقِيفٍ فَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ جاء سَادَتُهُمْ بَعْدَهُمْ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فقال هُمْ أَحْرَارٌ لَا سَبِيلَ عليهم ولم يَرُدَّهُمْ وإذا وُجِدَ الرَّجُلُ من أَهْلِ الْحَرْبِ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وقال جِئْت رَسُولًا مُبَلِّغًا قُبِلَ منه ولم نَعْرِضْ له فَإِنْ اُرْتِيبَ بِهِ أُحْلِفَ فإذا حَلَفَ تُرِكَ وَهَكَذَا لو كان معه سِلَاحٌ وكان مُنْفَرِدًا ليس في جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا لِأَنَّ حَالَهُمَا جميعا يُشْبِهُ ما ادَّعَيَا وَمَنْ ادَّعَى شيئا يُشْبِهُ ما قال لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وإذا أتى الرَّجُلُ من أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ عَقَدَ له الْمُسْلِمُونَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ فهذه ( ( ( فبهذه ) ) ) الدَّارِ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أو معطى جِزْيَةٍ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ له إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لم تُرِدْهُ فَارْجِعْ إلَى مَأْمَنِك فَإِنْ اسْتَنْظَرَ فَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا في الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ ما يَجْعَلُ له أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ في الْحَوْلِ فَلَا يُقِيمُ في دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ من يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا يُؤَدِّيهَا وَإِنْ كان من أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ بِحَالٍ عَرَبِيًّا كان أو أَعْجَمِيًّا وَلَا ينظر ( ( ( ينظرا ) ) ) إلَّا كَإِنْظَارِ هذا وَذَلِكَ دُونَ الْحَوْلِ وإذا دخل قَوْمٌ من الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلَا سَبِيلَ عليهم لِأَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ حَالُ من لم يَزَلْ يُؤَمِّنُ من التُّجَّارِ وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلُ يُؤْخَذُ فَلَا سَبِيلَ عليه وَلَا على مَالِهِ وَلَوْ كان جَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْحَرْبِ فَفَعَلُوا هذا كان هذا هَكَذَا وَلَوْ قَاتَلُوا ثُمَّ أُسِرُوا فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ فَيْءٌ
____________________

(4/289)


وَأَمْوَالُهُمْ وَلَا سَبِيلَ على دِمَائِهِمْ لِلْإِسْلَامِ فإذا كان هذا بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَأَسْلَمَ رَجُلٌ في أَيِّ حَالٍ ما أَسْلَمَ فيها قبل أَنْ يُؤْسَرَ أَحْرَزَ له إسْلَامُهُ دَمَهُ ولم يَكُنْ عليه رِقٌّ وَهَكَذَا إنْ صلى فَالصَّلَاةُ من الْإِيمَانِ أَمْسَكَ عنه فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤَمَّنٌ فَقَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ وَأَنَّهُ على غَيْرِ الْإِيمَانِ كان فَيْئًا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ - * الْحَرْبِيُّ إذَا لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لَجَئُوا إلَى الْحَرَمِ فَكَانُوا مُمْتَنِعِينَ فيه أُخِذُوا كما يُؤْخَذُونَ في غَيْرِ الْحَرَمِ فَنَحْكُمُ فِيهِمْ من الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كما نَحْكُمُ فِيمَنْ كان في غَيْرِ الْحَرَمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُهُمْ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَكَّةَ ( هِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لم تَحْلُلْ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ولم تَحْلُلْ لي إلَّا سَاعَةً من نَهَارٍ ) وهي ( ( ( وهل ) ) ) سَاعَتُهَا هذه مُحَرَّمَةٌ قِيلَ إنَّمَا مَعْنَى ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أنها لم تَحْلُلْ أَنْ يَنْصَبَّ عليها الْحَرْبُ حتى تَكُونَ كَغَيْرِهَا فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَمَا قُتِلَ عَاصِمُ بن ثَابِتٍ وَخُبَيْبٌ ( 1 ) وبن حَسَّانَ بِقَتْلِ أبي سُفْيَانَ في دَارِهِ بِمَكَّةَ غِيلَةً إنْ قُدِرَ عليه وَهَذَا في الْوَقْتِ الذي كانت فيه مُحَرَّمَةً فَدَلَّ على أنها لَا تَمْنَعُ أَحَدًا من شَيْءٍ وَجَبَ عليه وَأَنَّهَا إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَنْصَبَّ عليها الْحَرْبُ كما يَنْصَبُّ على غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَيَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مَفْسُوخًا وَأَنْ يَكُونَ على مِلْكِ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) الْأَوَّلِ أو يَكُونَ الشِّرَاءُ جَائِزًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ لم يَظْهَرْ عليه حتى يَهْرُبَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ عليه فَهُوَ له إنْ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ فَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ دَارَ الْحَرْبِ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِسْلَامِ إلَّا في مَوْضِعٍ وهو أَنْ يَخْرُجَ من بِلَادِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا كما أَعْتَقَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من خَرَجَ من حِصْنِ ثَقِيفٍ مُسْلِمًا فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إنْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْخُرُوجِ من بِلَادِ الْحَرْبِ قِيلَ له قد جاء النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَهُ سَيِّدُهُ يَطْلُبُهُ فَاشْتَرَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منه بِعَبْدَيْنِ وَلَوْ كان ذلك يُعْتِقُهُ لم يَشْتَرِ منه حُرًّا ولم يُعْتِقْهُ هو بَعْدُ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ غير خَارِجٍ من بِلَادٍ مَنْصُوبٍ عليها حَرْبٌ - * عبد الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ في بِلَادِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَلَوْ أَسْلَمَ عبد الْحَرْبِيِّ في دَارِ الْحَرْبِ ولم يَخْرُجْ منها حتى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عليها كان رَقِيقًا مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ - * الْغُلَامُ يُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَسْلَمَ الْغُلَامُ الْعَاقِلُ قبل أَنْ يَحْتَلِمَ أو يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وهو الذِّمِّيُّ وَوَصْفُ الْإِسْلَامِ كان أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَبِيعَهُ وَأَنْ يُبَاعَ عليه وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاعَ عليه حتى يَصِفَ الإسلام ( ( ( والإسلام ) ) ) بَعْدَ الْحُلُمِ أو
____________________

(4/290)


بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَيَكُونُ في السِّنِّ التي لو أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهَا قُتِلَ وَإِنَّمَا قُلْت أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُبَاعَ عليه قِيَاسًا على من أَسْلَمَ من عَبِيدِهِ ( 1 ) أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ وهو لم يَصِفْ الْإِسْلَامَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ مُسْلِمًا بِحُكْمِ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وهو يَعْقِلُهُ في مِثْلِ ذلك الْمَعْنَى أو أَكْثَرَ منه وَإِنْ كان قد يُخَالِفُهُ فَيَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا كان صَحِيحًا وَهَذَا قِيَاسٌ فيه شُبْهَةٌ - * في الْمُرْتَدِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحْمَةُ اللَّهُ عليه وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أو هَرَبَ فلم يَدْرِ أَيْنَ هو أو خَرِسَ أو عَتِهَ أَوْقَفْنَا مَالَهُ فلم نَقْضِ فيه بِشَيْءٍ وَإِنْ لم يُسْلِمْ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ بَانَتْ منه وَأَوْقَفْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَمِيعَ مَالِهِ وَبِعْنَا من رَقِيقِهِ ما لَا يُرَدُّ عليه وما كان بَيْعُهُ نَظَرًا له ولم يَحْلُلْ من دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ شَيْءٌ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ دَفَعْنَا إلَيْهِ مَالَهُ كما كان بيده قبل ما صَنَعَ فَإِنْ مَاتَ أو قتل قبل الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُخَمَّسُ فَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ فَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ قد أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها أعطى مَالُهُ وَرَثَتَهُ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يَأْتِ بها وقد عَلِمْت منه الرِّدَّةَ فَمَالُهُ فَيْءٌ وَإِنْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَتَلَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْضُ الْمُرْتَدِّينَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَ عليه الْقَوَدُ وقد خَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس وقد كَتَبْنَاهُ في كِتَابِ الْمُرْتَدِّ وإذا عَرَضَتْ الْجَمَاعَةُ لِقَوْمٍ من مَارَّةِ الطَّرِيقِ وَكَابَرُوهُمْ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا وَإِنْ قَتَلُوا ولم يَأْخُذُوا مَالًا قَتِّلُوا ولم يُصَلَّبُوا وإذا أَخَذُوا الْمَالَ ولم يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ وَإِنْ لم يَقْتُلُوا ولم يَأْخُذُوا الْمَالَ نُفُوا من الْأَرْضِ وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا فَيُنْفَوْا من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فإذا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَتْ عليهم أَيْ هذه الْحُدُودِ كان حَدُّهُمْ وَلَا يَقْطَعُونَ حتى يَبْلُغَ قَدْرُ ما أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم رُبْعَ دِينَارٍ فَإِنْ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عليهم سَقَطَ عَنْهُمْ ما لِلَّهِ من هذه الْحُدُودِ وَلَزِمَهُمْ ما لِلنَّاسِ من مَالٍ أو جُرْحٍ أو نَفْسٍ حتى يَكُونُوا يَأْخُذُونَهُ أو يَدَعُونَهُ فَإِنْ كانت منهم جَمَاعَةٌ رِدْءًا لهم حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ أو يَسْمَعُونَهُ عُزِّرُوا ولم يُصْنَعْ بِهِمْ شَيْءٌ من هذه الْحُدُودِ وَلَا يُحَدُّ مِمَّنْ حَضَرَ الْمَعْرَكَةَ إلَّا من فَعَلَ هذا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هو بِالْفِعْلِ لَا بِالْحُضُورِ وَلَا التَّقْوِيَةِ وَسَوَاءٌ كان هذا الْفِعْلُ في قَرْيَةٍ أو صَحْرَاءَ وَلَوْ أَعْطَاهُمْ السُّلْطَانُ أَمَانًا على ما أَصَابُوا ( 2 ) كان ما أَعْطَاهُمْ عليه الْأَمَانُ من حُقُوقِ الناس بَاطِلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ لهم حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعُوهَا وَلَوْ فَعَلُوا غير مُرْتَدِّينَ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ ثُمَّ تَابُوا أُقِيمَتْ عليهم تِلْكَ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهَا وَهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ قبل فِعْلِ هذا ثُمَّ فَعَلُوهُ مُرْتَدِّينَ ثُمَّ تَابُوا لم نُقِمْ عليهم شيئا من هذا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ مُمْتَنِعُونَ قد ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَ ثَابِتَ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بن مُحْصِنٍ بيده ثُمَّ أَسْلَمَ فلم يُقَدْ منه ولم يَعْقِلْ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذلك في حَالِ الشِّرْكِ وَلَا تَبَاعَةَ عليه في الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ في يَدَيْهِ فَيُؤْخَذُ منه وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا ثُمَّ فَعَلُوا هذا ثُمَّ تَابُوا ثُمَّ فَعَلُوا مثله أُقِيمَتْ عليهم الْحُدُودُ في الْفِعْلِ الذي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ ولم تُقَمْ عليهم في الْفِعْلِ الذي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ( قال ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُسْلِمًا مُمْتَنِعًا وَغَيْرَ مُمْتَنِعٍ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِالرِّدَّةِ إنْ لم تَزِدْهُ شَرًّا لم تَزِدْهُ خَيْرًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ( قال الرَّبِيعُ ) قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ من الْمَغْنَمِ فَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ تَمَامَ سَهْمِ
____________________

(4/291)


حُرٍّ وَأَكْثَرَ فَكَانَ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَكْثَرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْعَبْدِ سَهْمَ رَجُلٍ فإذا بَلَغَ سَهْمَ رَجُلٍ وَاَلَّذِي بَلَغَهُ بَعْدَ سَهْمِ رَجُلٍ رُبْعَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ من السَّهْمِ بِرُبْعٍ قُطِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الْعَبْدُ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ على أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ فَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَمَاتَ في يَدَيْهِ ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ وكان كَالْغَاصِبِ وَإِنْ لم يَمُتْ كان لِسَيِّدِهِ عليه أُجْرَتُهُ في الْمُدَّةِ التي حَبَسَهُ عنه فيها وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً يَكُونُ في مِثْلِهَا قِصَاصٌ اُقْتُصَّ منه وَإِنْ لم يَكُنْ فيها قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ إلَّا السَّارِقُ وقد ضَرَبَ صَفْوَانُ بن الْمُعَطَّلِ حَسَّانَ بن ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا شَدِيدًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يُقْطَعْ صَفْوَانُ وَعَفَا حَسَّانُ بَعْدَ أَنْ بَرَأَ فلم يُعَاقِبْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَفْوَانَ وَهَذَا يَدُلُّ أَنْ لَا عُقُوبَةَ على من كان عليه قِصَاصٌ فعفى عنه في دَمٍ وَلَا جُرْحٍ وَإِلَى الْوَالِي قَتْلُ من قَتَلَ على الْمُحَارِبَةِ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وقد قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذلك قال وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ من غَيْرِ نَائِرَةٍ وَاحْتَجَّ لهم بَعْضُ من يَذْهَبُ مَذَاهِبَهُمْ بِأَمْرِ الْمُحَدَّرِ بن زِيَادٍ وَلَوْ كان حَدِيثُهُ مِمَّا نُثْبِتُهُ قُلْنَا بِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كما قالوا وَلَا أَعْرِفُهُ إلَى يَوْمِي هذا ثَابِتًا وَإِنْ لم يَثْبُتْ فَكُلُّ مَقْتُولٍ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُحَارِبِ فَالْقَتْلُ فيه إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يقول { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فَبَيَّنَ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ جَعَلَ الْعَفْوَ أو الْقَتْلَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ دُونَ السُّلْطَانِ إلَّا في الْمُحَارِبِ فإنه قد حَكَمَ في الْمُحَارِبِينَ أَنْ يُقْتَلُوا أو يُصَلَّبُوا فَجَعَلَ ذلك حُكْمًا مُطْلَقًا لم يذكر فيه أَوْلِيَاءَ الدَّمِ وإذا كان مِمَّنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ من أَخَذَ الْمَالَ ولم يَقْتُلْ وكان أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرَّجُلِ الْيُسْرَى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى وَالْحُكْمُ الأول ( ( ( الأولى ) ) ) في يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى ما بَقِيَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِمَا فإذا لم يَبْقَ مِنْهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ فيه حُكْمُ تَحَوُّلِ الْحُكْمِ إلَى الطَّرَفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ فِيهِمَا وَلَا نَقْطَعُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إلَّا فِيمَا تُقْطَعُ فيه السُّرَّاقُ وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم فَصَاعِدًا أو قِيمَتُهُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْعَصَا وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ مِثْلُهُ بِالسِّلَاحِ من الْحَدِيدِ وإذا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِقَوْمٍ فَلَا حَدَّ إلَّا في فِعْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ فَحُدُودُهُمْ بِقَدْرِ أَفْعَالِهِمْ من قَتَلَ منهم وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَصُلِّبَ وَمَنْ قَتَلَ منهم ولم يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ ولم يُصَلَّبْ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى من خِلَافٍ وَمَنْ كَثُرَ جَمَاعَتُهُمْ ولم يَفْعَلْ شيئا من هذا قَاسَمَهُمْ ما أَصَابُوا أو لم يُقَاسِمْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَدَّهُمْ بِالْقَتْلِ أو الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أو الْقَطْعِ ولم يذكر الْأَوْلِيَاءَ كما ذَكَرَهُمْ في الْقِصَاصِ في الْآيَتَيْنِ فقال عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال في الْخَطَأِ { ودية ( ( ( فدية ) ) ) مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } وَذَكَرَ الْقِصَاصَ في الْقَتْلَى ثُمَّ قال عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فذكر في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ ولم يَذْكُرْهُمْ في الْمُحَارِبَةِ فَدَلَّ على أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما اسْتَهْلَكَ الْمُحَارَبُ أو السَّارِقُ من أَمْوَالِ الناس فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أُخِذَ وَإِنْ لم يُوجَدْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عليه يُتْبَعُ بِهِ قال وَإِنْ تَابَ الْمُحَارِبُونَ من قَبْلِ أَنْ نَقْدِرَ عليهم سَقَطَ عَنْهُمْ ما لِلَّهِ عز وجل من الْحَدِّ وَلَزِمَهُمْ ما لِلنَّاسِ من حَقٍّ فَمَنْ قَتَلَ منهم دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ حَالًّا من مَالِ الْقَاتِلِ وَمَنْ جَرَحَ منهم جُرْحًا فيه قِصَاصٌ فالمجروح ( ( ( فالجروح ) ) ) بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرُوحِ فَإِنْ كان فِيهِمْ عَبْدٌ فَأَصَابَ دَمًا عَمْدًا فَوَلِيُّ الدَّمِ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْتُلَهُ أو يُبَاعَ له فَتُؤَدَّى إلَيْهِ دِيَةُ قتيله ( ( ( قتله ) ) ) إنْ كان حُرًّا وَإِنْ كان عَبْدًا فَقِيمَةُ قَتِيلِهِ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ إلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عن الدِّيَةِ لم يَضْمَنْ مَالِكُهُ شيئا وَإِنْ كان كَفَافًا لِلدِّيَةِ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالِكُ الْعَبْدِ إذَا عفى ( ( ( عفا ) ) ) له عن الْقِصَاصِ
____________________

(4/292)


أَنْ يَتَطَوَّعَ بِدِيَةِ الذي قَتَلَهُ عَبْدُهُ أو قِيمَتَهُ وإذا كانت في الْمُحَارَبِينَ امْرَأَةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرِّجَالِ لِأَنِّي وَجَدْت أَحْكَامَ اللَّهِ عز وجل على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الْحُدُودِ وَاحِدَةً قال اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ولم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في أَنْ تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ إذَا قَتَلَتْ وإذا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُ حَدَثًا في دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مُقِيمًا بها مُمْتَنِعًا أو مُسْتَخْفِيًا أو لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلَ الْأَمَانَ على إحْدَاثِهِ فَإِنْ كان فيها حُقُوقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لم يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عليها وَلَوْ أَمَّنَهُ عليها فَجَاءَ طَالِبُهَا وَجَبَ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ بها وَإِنْ كان ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ أو جاء مُؤْمِنًا سَقَطَ عنه جَمِيعَ ما أَحْدَثَ في الرِّدَّةِ وَالِامْتِنَاعِ قد ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ عن الْإِسْلَامِ وَثَنِيًّا وَقَتَلَ ثَابِتُ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بن مُحْصِنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فلم يُقَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يُؤْخَذْ منه عَقْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فقال { وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } ولم أَعْلَمْ أمر بِذَلِكَ في أَحَدٍ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فلم لَا تَجْعَلُ ذلك في أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُمْتَنِعِينَ كما تَجْعَلُهُ في الْمُشْرِكِينَ الْمُمْتَنِعِينَ قِيلَ لَمَّا وَصَفْنَا من سُقُوطِ ما أَصَابَ الْمُشْرِكُ في شِرْكِهِ وَامْتِنَاعِهِ من دَمٍ أو مَالٍ عنه وَثُبُوتُ ما أَصَابَ الْمُسْلِمُ في امْتِنَاعِهِ مع إسْلَامِهِ فإن الْحُدُودَ إنَّمَا هِيَ على الْمُؤْمِنِينَ لَا على الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل حَدَّ الْمُحَارِبِينَ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ كما حَدَّ غَيْرَهُمْ وَزَادَهُمْ في الْحَدِّ بِزِيَادَةِ ذَنْبِهِمْ ولم يُسْقِطْ عَنْهُمْ بِعِظَمِ الذَّنْبِ شيئا كما أَسْقَطَ عن الْمُشْرِكِينَ وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ من سَيِّدِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ الْإِمَامَ على أَنْ لَا يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ لو قال على أَنَّك حُرٌّ كان عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَأَمَانُ الْإِمَامِ في حُقُوقِ الناس بَاطِلٌ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ على رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبُوهُ أو ابْنُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنْ كان ما أَخَذَ من حِصَّةِ الذي ليس بِأَبِيهِ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ كان مَالُهُمَا مُخْتَلِطًا أو لم يَكُنْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ بِمُخَالَطَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَيْقَنَّا أَنْ قد وَصَلَ إلَيْهِ رُبْعُ دِينَارٍ من غَيْرِ مَالِ أبيه أو ابْنِهِ قَطَعْنَاهُ وإذا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ على الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حُدُودَ الْمُسْلِمِينَ وإذا قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ حُدُّوا حُدُودَهُمْ لو قَطَعُوا على الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنِّي أَتَوَقَّفُ في أَنْ أَقْتُلَهُمْ إنْ قَتَلُوا أو أُضَمِّنَهُمْ الدِّيَةَ وإذا سَرَقَ الرَّجُلُ من الْمَغْنَمِ وقد حَضَرَ الْقِتَالَ عَبْدًا كان أو حُرًّا لم يُقْطَعْ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فيه نَصِيبٌ الْحُرُّ بِسَهْمِهِ وَالْعَبْدُ بِمَا يُرْضَخُ له وَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من سَرَقَ من بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ من سَرَقَ من زَكَاةِ الْفِطْرِ وهو من أَهْلِ الْحَاجَةِ وَمَنْ سَرَقَ خَمْرًا من كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا غُرْمَ عليه وَلَا قَطْعَ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مَيْتَةً من مَجُوسِيٍّ فَلَا قَطْعَ وَلَا غُرْمَ لَا يَكُونُ الْقَطْعُ وَالْغُرْمُ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فإذا بَلَغَتْ قِيمَةُ الظَّرْفِ رُبْعَ دِينَارٍ قَطَعْتُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ سَارِقٌ لِشَيْئَيْنِ وِعَاءٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إذَا غُسِلَ وَخَمْرٌ قد سَقَطَ الْقَطْعُ فيها كما يَكُونُ عليه الْقَطْعُ لو سَرَقَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا ذَكِيَّةً وَالْأُخْرَى مَيِّتَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الذَّكِيَّةِ رُبْعَ دِينَارٍ لم يَسْقُطْ عنه الْقَطْعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَيِّتَةٌ وَالْمَيِّتَةُ كَلَا شَيْءٍ وَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالذَّكِيَّةِ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(4/293)


3 (1) * - * ما يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ إلَّا ما قد سَلَفَ } قال فَلَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بين الْأُخْتَيْنِ بِحَالٍ من نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَهُ مُطْلَقًا فَلَا يَحْرُمُ من الْحَرَائِرِ شَيْءٌ إلَّا حَرُمَ من الْإِمَاءِ بِالْمِلْكِ مِثْلُهُ إلَّا الْعَدَدُ فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى انْتَهَى بِالْحَرَائِرِ إلَى أَرْبَعٍ وَأَطْلَقَ الْإِمَاءَ فقال عز ذِكْرُهُ { أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لم يَنْتَهِ بِذَلِكَ إلَى عَدَدٍ
( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن مُطَرِّفٍ عن أبي الْجَهْمِ عن أبي الْأَخْضَرِ عن عُمَارَةَ أَنَّهُ كَرِهَ من الْإِمَاءِ ما كَرِهَ من الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن حَسَّانَ وَأَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال قال بن مَسْعُودٍ يُكْرَهُ من الْإِمَاءِ ما يُكْرَهُ من الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا من قَوْلِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في مَعْنَى الْقُرْآنِ وَبِهِ نَأْخُذُ قال وَالْعَدَدُ ليس من النَّسَبِ وَلَا الرِّضَاعِ بِسَبِيلٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن قَبِيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ عن الْأُخْتَيْنِ من مِلْكِ الْيَمِينِ هل يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فقال عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَمَّا أنا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذلك قال فَخَرَجَ من عِنْدِهِ فلقى رَجُلًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لو كان لي من الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت أَحَدًا فَعَلَ ذلك لَجَعَلْته نَكَالًا قال مَالِكٌ قال بن شِهَابٍ أَرَاهُ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قال مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عن الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ مِثْلُ ذلك
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سُئِلَ عن الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ هل تُوطَأُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فقال عُمَرُ ما أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جميعا وَنَهَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبيه قال سُئِلَ عُمَرُ عن الْأُمِّ وَابْنَتِهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ فقال ما أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جميعا فقال عُبَيْدُ اللَّهِ قال أبي فَوَدِدْت أَنَّ عُمَرَ كان أَشَدَّ في ذلك مِمَّا هو فيه
أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ قال سَمِعْت بن أبي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ أَنَّ مُعَاذَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن مَعْمَرٍ جاء إلَى عَائِشَةَ فقال لها إنَّ لي سُرِّيَّةً قد أَصَبْتهَا وَأَنَّهَا قد بَلَغَتْ لها ابْنَةٌ جَارِيَةٌ لي أفأستسر ابْنَتَهَا فقالت لَا فقال فَإِنِّي وَاَللَّهِ لَا أَدَعُهَا إلَّا أَنْ تَقُولِي لي حَرَّمَهَا اللَّهُ فقالت لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ من أَهْلِي وَلَا أَحَدٌ أَطَاعَنِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا فَكَانَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ جَامِعٍ بين الْأُخْتَيْنِ وإذا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَفِي ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لم يُحَرِّمْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى وَهَذِهِ مَنْكُوحَةٌ بَعْدَ الْأُخْرَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَأَرَادَ وَطْءَ أُخْتِهَا لم يَجُزْ له وَطْءُ التي أَرَادَ أَنْ يَطَأَ حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي كان يَطَأُ بِنِكَاحٍ أو كِتَابَةٍ أو خُرُوجٍ من مِلْكِهِ فإذا فَعَلَ بَعْضَ هذا ثُمَّ وطىء الْأُخْتَ ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أو رُدَّتْ الْمَنْكُوحَةُ كانت التي أُبِيحَ
____________________
1- * كِتَابُ النِّكَاحِ

(5/3)


له فَرْجُهَا أَوَّلًا ثُمَّ حَرُمَتْ عليه غير حَلَالٍ له حتى يَحْرُمَ فَرْجُ التي وطىء بَعْدَهَا كما حَرُمَ فَرْجُهَا قبل أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا وَسَوَاءٌ وَلَدَتْ له التي وطىء أَوَّلًا وَآخِرًا أو لم تَلِدْ لِأَنَّهُ في كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ إنَّمَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وإذا اجْتَمَعَ النِّكَاحُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ في أُخْتَيْنِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لَا يُفْسِدُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ كان النِّكَاحُ قَبْلُ أو بَعْدُ فَلَوْ كانت لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَوَلَدَتْ له أو لم تَلِدْ حتى يَنْكِحَ أُخْتَهَا كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَحَرُمَ عليه فَرْجُ الْأُخْتِ بِالْوَطْءِ ما كانت أُخْتُهَا زَوْجَةً له وَأَحَبُّ إلى لو حَرَّمَ فَرْجَ أُخْتَهَا الْمَمْلُوكَةِ حين يَعْقِدُ نِكَاحَ أُخْتِهَا ( 1 ) بِالنِّكَاحِ أو قَبْلَهُ بِكِتَابَةٍ أو عِتْقٍ أو أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم أُجْبِرْهُ على ذلك وَلَا على بَيْعِهَا وَنَهَيْته عن وَطْئِهَا كما لَا أُجْبِرُهُ على بَيْعِ جَارِيَةٍ له وطىء ابْنَتَهَا وَأَنْهَاهُ عن وَطْئِهَا وَلَوْ كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ زَوْجَةٌ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حُرَّةً كان نِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَابْنَتَهُ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا يَحْرُمُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا له وَلَا رِضَاعَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ في بَعْضِ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ بِمَنْ جَمَعَهُنَّ إلَيْهِ وَقَامَ الرِّضَاعُ مَقَامَ النَّسَبِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ قِيلَ له النِّكَاحُ يُثْبِتُ لِلرَّجُلِ حَقًّا على الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ حَقًّا على الرَّجُلِ وَمِلْكُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ يَقُومُ في تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ مَقَامَ الْوَطْءِ في الْأَمَتَيْنِ فَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ عُقْدَةَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ في عُقْدَةٍ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهُمَا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَوَّلُ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ مَلَكَ امْرَأَةً وَأُمَّهَاتِهَا وَأَوْلَادَهَا في صَفْقَةِ بَيْعٍ لم نُفْسِدْ الْبَيْعَ وَلَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ في الْبَيْعِ إنَّمَا يَحْرُمُ جَمْعُ الْوَطْءِ في الْإِمَاءِ فَأَمَّا جَمْعُ عُقْدَةِ الْمِلْكِ فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ وطىء أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا من سَاعَتِهِ أو أَعْتَقَهَا أو كَاتَبَهَا أو بَاعَ بَعْضَهَا كان له أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا مَكَانَهُ وَلَيْسَ له في الْمَرْأَةِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ له وَلَا أَنْ يُمَلِّكَ الْمَرْأَةَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْ يُحَرِّمَهَا عليه بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَوَلَدُ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لم يُقِرَّ بِوَطْءٍ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَوَلَدُ الْأَمَةِ لَا يَلْزَمُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ بِوَطْءٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً له وَيَحِلُّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمَةُ تَكُونُ مَمْلُوكَةً له وَفَرْجُهَا حَلَالٌ لِغَيْرِهِ إذَا زَوَّجَهَا وَحَرَامٌ عليه وهو مَالِكٌ رَقَبَتَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةُ يُحِلُّ عَقْدُهَا جِمَاعَهَا وَلَا يَحْرُمُ جِمَاعُهَا وَالْعَقْدُ ثَابِتٌ عليها إلَّا بِعِلَّةِ صَوْمٍ أو إحْرَامٍ أو ما أَشْبَهَهُ مِمَّا إذَا ذَهَبَ حَلَّ فَرْجُهَا قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له امْرَأَةٌ من أَهْلِ الشِّرْكِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ وَاشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ في الْعِدَّةِ حَرُمَ عليه فَرْجُ جَارِيَتِهِ التي اشْتَرَى ولم تُبَعْ عليه وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ امْرَأَتَهُ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُسْلِمَةُ قَبْلَهُ وَاشْتَرَى أُخْتَهَا أو كانت له فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ قال وَلَوْ كانت عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَوَطِئَهَا فلم يَحْرُمْ عليه فَرْجُهَا حتى وطىء أُخْتَهَا اُجْتُنِبَتْ التي وطىء آخِرًا بِوَطْءِ الْأَوْلَى وَأَحَبُّ إلى لو اجْتَنَبَ الْأُولَى حتى يَسْتَبْرِئَ الْآخِرَةَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَسَوَاءٌ في هذا وَلَدَتْ التي وُطِئَتْ أَوَّلًا أو آخِرًا أو هُمَا أو ( ( ( أم ) ) ) لم تَلِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ حَرُمَ فَرْجُ التي وطىء أَوَّلًا بَعْدَ وَطْءِ الْآخِرَةِ أَبَحْتُ له وَطْءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ لو حَلَّ له فَرْجُ التي زُوِّجَ فَحَرُمَ فَرْجُهَا عليه بِأَنْ يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا أو تَكُونَ مُكَاتَبَةً فَتَعْجِزُ لم تَحِلَّ له هِيَ وَكَانَتْ التي وطىء حَلَالًا له حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُهَا فَتَحِلُّ له الْأُولَى ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَلَّ له فَرْجُ وَاحِدَةٍ فَوَطِئَهَا حَرُمَ عليه وَطْءُ الْأُخْرَى حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي حَلَّتْ له ثُمَّ يَحِلُّ له فَرْجُ التي حَرُمَتْ عليه فَيَكُونُ تَحْرِيمُ فَرْجِهَا كَطَلَاقِ الرَّجُلِ الزَّوْجَةَ الذي لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ يُبَاحُ له نِكَاحُ أُخْتِهَا فإذا نَكَحَهَا لم يَحِلَّ له نِكَاحُ التي طَلَّقَهَا حتى تَبِينَ هذه منه إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في أَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ أُخْتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَلَا يَمْلِكُ عَقْدَ أُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ - * من يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ - *

(5/4)



( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن صَفْوَانَ جَمَعَ بين امْرَأَةِ رَجُلٍ من ثَقِيفٍ وَابْنَتِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع الْحَسَنَ بن مُحَمَّدٍ يقول جَمَعَ بن عُمَرَ لي بين ابْنَتَيْ عَمٍّ له فَأَصْبَحَ النِّسَاءُ لَا يَدْرِينَ أَيْنَ يَذْهَبْنَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو قَوْلُ من لَقِيت من الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يُرْوَى من وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا عن أبي هُرَيْرَةَ وقد رُوِيَ من وَجْهٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث من وَجْهٍ آخَرَ وفي هذا حُجَّةٌ على من رَدَّ الحديث وَعَلَى من أَخَذَ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ إنَّمَا تَبِعَتْ في تَحْرِيمِ أَنْ يَجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ ولم نَعْلَمْ فَقِيهًا سُئِلَ لِمَ حَرُمَ الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا إلَّا قال بِحَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا أَثْبَتَ بِحَدِيثٍ مُنْفَرِدٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا فَحَرَّمَهُ بِمَا حَرَّمَهُ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عِلْمَ له أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ إلَّا من حديث أبي هُرَيْرَةَ وَجَبَ عليه إذَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ أو غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثًا آخَرَ لَا يُخَالِفُهُ أَحَدٌ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُحَرِّمَ بِهِ ما حَرَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُحِلَّ بِهِ ما أَحَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد فَعَلْنَا هذا في حديث التَّغْلِيسِ وَغَيْرِ حَدِيثٍ وَفَعَلَهُ غَيْرُنَا في غَيْرِ حديث ثُمَّ يَتَحَكَّمُ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَامَعْنَا على تَثْبِيتِ الحديث فَيُثْبِتُهُ مَرَّةً وَيَرُدُّهُ أُخْرَى وَأَقَلُّ ما عَلِمْنَا بهذا أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا في التَّثْبِيتِ أو في الرَّدِّ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَثْبِيتُهَا مَرَّةً وَرَدُّهَا أُخْرَى وَحُجَّتُهُ على من قال لَا أَقْبَلُ إلَّا الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إجْمَاعًا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَيْسَ يُسْأَلُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْتُهُ إلَّا قال إنَّمَا نُثْبِتُهُ من الحديث وهو يَرُدُّ مِثْلَ هذا الحديث وَأَقْوَى منه مِرَارًا قال وَلَيْسَ في الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ في الْكِتَابِ مَعْنًى إلَّا أَنَّا إذَا قَبِلْنَا تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَبِلْنَاهُ بِمَا فَرَضَ من طَاعَتِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل من حَرُمَ من النِّسَاءِ وَأَحَلَّ ما وَرَاءَهُنَّ قِيلَ الْقُرْآنُ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ منه مُحْتَمَلٌ وَاسِعٌ ذَكَرَ اللَّهُ من حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ في الْأَصْلِ وَمَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فَعَلَ النَّاكِحُ أو غَيْرُهُ فيه شيئا مِثْلَ الرَّبِيبَةِ إذَا دخل بِأُمِّهَا حَرُمَتْ وَمِثْلَ امْرَأَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ إذَا نَكَحَهَا أَبُوهُ حَرُمَتْ عليه بِكُلِّ حَالٍ وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بين الْأُخْتَيْنِ فَحَرَّمَهُ وَلَيْسَ في تَحْرِيمِهِ الْجَمْعَ بين الْأُخْتَيْنِ إبَاحَةُ أَنْ يَجْمَعَ بين ما عَدَا الْأُخْتَيْنِ إذَا كان ما عَدَا الْأُخْتَيْنِ مُخَالِفًا لَهُمَا كان أَصْلًا في نَفْسِهِ وقد يَذْكُرُ اللَّهُ عز وجل الشَّيْءَ في كِتَابِهِ فَيُحَرِّمُهُ وَيُحَرِّمُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرَهُ مِثْلُ قَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ليس فيه إبَاحَةٌ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِتَحْلِيلِ النِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِغَيْلَانَ بن سَلَمَةَ وَأَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ فَأَبَانَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ بِتَحْلِيلِهِ إلَى أَرْبَعٍ حَظْرٌ لِمَا وَرَاءَ أَرْبَعٍ وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك نَصًّا في الْقُرْآنِ وَحَرُمَ من غَيْرِ جِهَةِ الْجَمْعِ وَالنَّسَبِ النِّسَاءُ الْمُطَلَّقَاتُ ثَلَاثًا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِالْقُرْآنِ وَامْرَأَةُ الْمُلَاعَنِ بِالسُّنَّةِ وما سِوَاهُنَّ مِمَّا سُمِّيَتْ كِفَايَةٌ لِمَا اسْتَثْنَى منه قال وَالْقَوْلُ في الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَعَمَّاتِهَا من قِبَلِ آبَائِهَا وَخَالَتِهَا وَخَالَاتِهَا من قِبَلِ أُمَّهَاتِهَا وَإِنْ بَعُدْنَ كَالْقَوْلِ في الْأَخَوَاتِ سَوَاءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَ ابْنَتَهَا ابْنَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرُ ابْنِهِ قد يَحْرُمُ على الرَّجُلِ ما لَا يَحْرُمُ على ابْنِهِ وَكَذَلِكَ يُزَوِّجُهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ - * الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُجْمَعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا

(5/5)


إنْ نَكَحَ وَاحِدَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْرَى بَعْدَهَا ثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى وَسَقَطَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَإِنْ نَكَحَهُمَا في عُقْدَةٍ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحَهُمَا وَإِنْ نَكَحَ الْعَمَّةَ قبل بِنْتِ الْأَخِ أو ابْنَةَ الْأَخِ قبل الْعَمَّةِ فَسَوَاءٌ هو جَامِعٌ بَيْنَهُمَا فَيَسْقُطُ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ وَسَوَاءٌ دخل بِالْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْآخِرَةِ أو بِالْآخِرَةِ دُونَ الْأُولَى أو لم يَدْخُلْ وَهَكَذَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالرِّضَاعِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ في الْوَطْءِ وَالنِّكَاحِ سَوَاءٌ وما لم يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أو الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أو الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا فَنَكَحَ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ في عُقْدَةٍ فَالْعُقْدَةُ مُنْفَسِخَةٌ كُلُّهَا وإذا نَكَحَ إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَنِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخٌ وَلَا يَصْنَعُ الدُّخُولُ شيئا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْعُقْدَةُ وما نهى اللَّهُ عن الْجَمْعِ بَيْنَهُ من الْأَخَوَاتِ وما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْجَمْعِ بين الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحِلُّ بَعْدَ الْأُخْرَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْتَ فإذا مَاتَتْ أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أو طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَهِيَ في عِدَّتِهَا أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْرَى وَهَكَذَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَكُلُّ من نهى عن الْجَمْعِ بَيْنَهُ - * نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيمُ إمَائِهِمْ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أنها نَزَلَتْ في مُهَاجِرَةٍ من أَهْلِ مَكَّةَ فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ ابْنَةَ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } نَزَلَتْ فِيمَنْ هَاجَرَ من أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا وَإِنَّمَا نَزَلَتْ في الْهُدْنَةِ وقال قال اللَّه عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } وقد قِيلَ في هذه الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ في جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ كما حَرَّمَ أَنْ ننكح ( ( ( تنكح ) ) ) رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ قال فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَاتُ ثَابِتَةٌ ليس فيها مَنْسُوخٌ قال وقد قِيلَ هذه الْآيَةُ في جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ بَعْدَهَا في إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كما جَاءَتْ في إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهم وَالْمُحْصَنَاتُ من الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { أُجُورَهُنَّ } وقال فَأَيُّهُمَا كان فَقَدْ أُبِيحَ فيه نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وفي إبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى نِكَاحَ حَرَائِرِهِمْ دَلَالَةٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على تَحْرِيمِ إمَائِهِمْ لِأَنَّ مَعْلُومًا في اللِّسَانِ إذَا قَصَدَ قَصْدَ صِفَةٍ من شَيْءٍ بِإِبَاحَةٍ أو تَحْرِيمٍ كان ذلك دَلِيلًا على أَنَّ ما قد خَرَجَ من تِلْكَ الصِّفَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَقْصُودِ قَصْدُهُ كما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَدَلَّ ذلك على إبَاحَةِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ من السِّبَاعِ وَإِنْ كانت الْآيَةُ نَزَلَتْ في تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ على الْمُشْرِكِينَ وفي مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ على الْمُشْرِكِينَ منهم بِالْقُرْآنِ على كل حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بين الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وما لم يَخْتَلِفْ الناس فيه عَلِمْته قال وَالْمُحْصَنَاتُ من الْمُؤْمِنَاتِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرَائِرُ وقال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } إلَى قَوْلِهِ { ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } وفي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ على ما شَرَطَ لِمَنْ لم يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ دَلَالَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مع إيمَانِهِنَّ لِأَنَّ كُلَّ ما أَبَاحَ بِشَرْطٍ لم يَحْلِلْ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ كما أَبَاحَ التَّيَمُّمَ في السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ في الْمَاءِ فلم يَحْلِلْ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُتَيَمِّمُ وَلَيْسَ إمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُؤْمِنَاتٍ فَيَحْلِلْنَ بِمَا حَلَّ بِهِ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ من الشَّرْطَيْنِ مع الْإِيمَانِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } إلَى { وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ }

(5/6)


- * تَفْرِيعٌ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ على الْمُشْرِكِينَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهُنَّ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَأَحَبُّ إلى لو لم يَنْكِحْهُنَّ مُسْلِمٌ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يُسْأَلُ عن نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فقال تَزَوَّجْنَاهُنَّ زَمَانَ الْفَتْحِ بِالْكُوفَةِ مع سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَنَحْنُ لَا نَكَادُ نَجِدُ الْمُسْلِمَاتِ كَثِيرًا فلما رَجَعْنَا طَلَّقْنَاهُنَّ وقال فقال لَا يَرِثْنَ مُسْلِمًا وَلَا يَرِثُونَهُنَّ وَنِسَاؤُهُنَّ لنا حِلٌّ وَنِسَاؤُنَا حَرَامٌ عليهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمَجُوسِ قال وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ في أَصْلِ ما يُحِلُّونَ من الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ كما يَحْرُمُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ على أَصْلِ الْكِتَابِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ فَلَا يُحَرِّمُ ذلك نِسَاءَهُمْ وَهُمْ منهم يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ بِمَا يَحِلُّ بِهِ نِسَاءُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لم يَلْزَمْهُ اسْمُ صَابِئٍ وَلَا سَامِرِيٍّ قال وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرَ من دَانَ من الْعَرَبِ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ كان الْحَنِيفِيَّةَ ثُمَّ ضَلُّوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا انْتَقَلُوا إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَهُ لَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا الَّذِينَ دَانُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَضَلُّوا عنها وَأَحْدَثُوا فيها إنَّمَا ضَلُّوا عن الْحَنِيفِيَّةِ ولم يَكُونُوا كَذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ أَعْجَمِيٍّ كان أَصْلُ دِينِ من مَضَى من آبَائِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ ولم يَكُنْ من أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَدَانَ دِينَهُمْ لم يَحِلَّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا من أَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ قِيلَ نعم
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا الْفَضْلُ بن عِيسَى الرَّقَاشِيُّ قال كَتَبَ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ إلَى عَدِيٍّ أَنْ يَسْأَلَ الْحَسَنَ لِمَ أَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بُيُوتَ النِّيرَانِ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَنِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَسَأَلَهُ فقال الْحَسَنُ لِأَنَّ الْعَلَاءَ بن الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْبَحْرَيْنِ أَقَرَّهُمْ على ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا ما لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا بين أَحَدٍ لَقِيتُهُ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْحَارِثِيِّ مولى عُمَرَ أو عبد اللَّهِ بن سَعْدٍ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما يَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال سَأَلْت عُبَيْدَةَ عن ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فقال لَا تَأْكُلْ ذَبَائِحَهُمْ فَإِنَّهُمْ لم يَتَمَسَّكُوا من نَصْرَانِيَّتِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا أَحْفَظُهُ وَلَا أَحْسَبُهُ وَغَيْرَهُ إلَّا وقد بَلَغَ بِهِ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بهذا الْإِسْنَادِ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ ليس نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ إنَّمَا أَهْلُ الْكِتَابِ بنوا ( ( ( بنو ) ) ) إسْرَائِيلَ وَاَلَّذِينَ جَاءَتْهُمْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَأَمَّا من دخل فِيهِمْ من الناس فَلَيْسُوا منهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتُنْكَحُ الْمُسْلِمَةُ على الْكِتَابِيَّةِ وَالْكِتَابِيَّةُ على الْمُسْلِمَةِ وَتُنْكَحُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ كما تُنْكَحُ أَرْبَعُ مُسْلِمَاتٍ وَالْكِتَابِيَّةُ في جَمِيعِ نِكَاحِهَا وَأَحْكَامِهَا التي تَحِلُّ بها وَتَحْرُمُ كَالْمُسْلِمَةِ لَا تُخَالِفُهَا في شَيْءٍ وَفِيمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لها وَلَا تُنْكَحُ الْكِتَابِيَّةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَبِوَلِيٍّ من أَهْلِ دِينِهَا كَوَلِيِّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أو وُلِدَتْ على الْإِسْلَامِ أو أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ لم تَبْلُغْ حَرُمَ على كل مُشْرِكٍ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ نِكَاحُهَا بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ كان أَبَوَاهَا مُشْرِكَيْنِ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَهِيَ تَعْقِلُ صِفَتَهُ مَنَعْتُهَا من أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ فَإِنْ وَصَفَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ صِفَتَهُ كان أَحَبَّ إلى أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ وَلَا يَبِينُ لي فَسْخُ نِكَاحِهَا لو ( ( ( ولو ) ) ) نَكَحَهَا في هذه الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ - *

(5/7)


الْمُسْلِمَةِ جَازَ في دِينِهِمْ غَيْرُ ذلك أو لم يَجُزْ وَلَسْتُ أَنْظُرُ فيه إلَّا إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زُوِّجَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا في الْإِسْلَامِ وهو عِنْدَهُمْ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كان نِكَاحُهَا صَحِيحًا وَلَا يُرَدُّ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ من شَيْءٍ إلَّا رُدَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ من مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِشَيْءٍ إلَّا جَازَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ بمثله وَلَا يَكُونُ وَلِيُّ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمًا وَإِنْ كان أَبَاهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَزَوَّجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أبي سُفْيَانَ وولى عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ( 1 ) بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ وكان مُسْلِمًا وأبو سُفْيَانَ حَيٌّ فَدَلَّ ذلك على أَنْ لَا وِلَايَةَ بين أَهْلِ الْقَرَابَةِ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ وَإِنْ كان أَبًا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالْقَرَابَةِ وَاجْتِمَاعِ الدِّينَيْنِ قال وَيَقْسِمُ لِلْكِتَابِيَّةِ مِثْلَ قِسْمَتِهِ لِلْمُسْلِمَةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا عليه ما لِلْمُسْلِمَةِ وَلَهُ عليها ماله على الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أو آلَى منها أو ظَاهَرَ أو قَذَفَهَا لَزِمَهُ في ذلك كُلِّهِ ما يَلْزَمُهُ في الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ على من قَذَفَ كِتَابِيَّةً وَيُعَزَّرُ وإذا طَلَّقَهَا فَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ في الْعِدَّةِ وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُسْلِمَةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثلاث ( ( ( ثلاثا ) ) ) فَنَكَحَتْ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَأُصِيبَتْ لم تَحْلِلْ له وَإِنْ نَكَحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا بَعْدَ مُضِيّ الْعِدَّةِ ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلُقَتْ أو مَاتَ عنها وَكَمُلَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ كُلُّ زَوْجٍ أَصَابَهَا يَثْبُتُ نِكَاحُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْإِحْدَادُ كما يَكُونُ على الْمُسْلِمَةِ وإذا مَاتَتْ فَإِنْ شَاءَ شَهِدَهَا وَغَسَّلَهَا وَدَخَلَ قَبْرَهَا وَلَا يصلى عليها وَأَكْرَهُ لها أَنْ تُغَسِّلَهُ لو كان هو الْمَيِّتَ فَإِنْ غَسَّلَتْهُ أَجْزَأَ غُسْلُهَا إيَّاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَلَهُ جَبْرُهَا على الْغُسْلِ من الْحَيْضَةِ وَلَا يَكُونُ له إصَابَتُهَا إذَا طَهُرَتْ من الْحَيْضِ حتى تَغْتَسِلَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { حتى يَطْهُرْنَ } فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ حتى تَرَى الطُّهْرَ قال { فإذا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ في سَفَرٍ لَا تَجِدُ الْمَاءَ فَتَتَيَمَّمُ فإذا صَارَتْ مِمَّنْ تَحِلُّ لها الصَّلَاةُ بِالطُّهْرِ حَلَّتْ له (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْبِرَهَا على الْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ وَعَلَى النَّظَافَةِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَأَخْذِ الْأَظْفَارِ وَالتَّنَظُّفِ بِالْمَاءِ من غَيْرِ جَنَابَةٍ ما لم يَكُنْ ذلك وَهِيَ مَرِيضَةٌ يَضُرُّ بها الْمَاءُ أو في بَرْدٍ شَدِيدٍ يَضُرُّ بها الْمَاءُ وَلَهُ مَنْعُهَا من الْكَنِيسَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْأَعْيَادِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيْهِ إذَا كان له مَنْعُ الْمُسْلِمَةِ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ وهو حَقٌّ كان له في النَّصْرَانِيَّةِ مَنْعُ إتْيَانِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَهُ مَنْعُهَا شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَقْلَهَا وَمَنْعُهَا أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إذَا كان يَتَقَذَّرُ بِهِ وَمَنْعُهَا أَكْلَ ما حَلَّ إذَا تَأَذَّى بِرِيحِهِ من ثُومٍ وَبَصَلٍ إذَا لم تَكُنْ بها ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ وَإِنْ قُدِّرَ ذلك من حَلَالٍ لَا يُوجَدُ رِيحُهُ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا إيَّاهُ وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ له مَنْعُهَا لُبْسَ ما شَاءَتْ من الثِّيَابِ ما لم تَلْبَسْ جِلْدَ مَيْتَةٍ أو ثَوْبًا مُنْتِنًا يُؤْذِيهِ رِيحُهُمَا فَيَمْنَعُهَا مِنْهُمَا قال وإذا نَكَحَ الْمُسْلِمُ الْكِتَابِيَّةَ فَارْتَدَّتْ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ أو إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ لم تَرْجِعْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَلَا نَفَقَةَ لها في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ له نَفْسَهَا بِالرِّدَّةِ قال وَلَا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ من انْتَقَلَ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ إنَّمَا يُقْتَلُ من خَرَجَ من دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى الشِّرْكِ فَأَمَّا من خَرَجَ من بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ فَلَا يُقْتَلُ وَيُنْفَى من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أو يَعُودَ إلَى أَحَدِ الْأَدْيَانِ التي يُؤْخَذُ من أَهْلِهَا الْجِزْيَةُ يَهُودِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ فَيُقَرُّ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ قال وَلَوْ ارْتَدَّتْ من يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ لم تَحْرُمْ عليه لِأَنَّهُ كان يَصْلُحُ له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا لو كانت من أَهْلِ الدِّينِ الذي خَرَجَتْ إلَيْهِ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي أَحْفَظُ من قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قال إذَا كان نَصْرَانِيًّا فَخَرَجَ إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ أَنَّهُ يُقَالُ له ليس لك أَنْ تُحْدِثَ دِينًا لم تَكُنْ عليه قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ فَإِنْ أَسْلَمْتَ أو رَجَعْت إلَى دِينِك الذي كنا نَأْخُذُ مِنْكَ عليه الْجِزْيَةَ تَرَكْنَاكَ وَإِلَّا أَخْرَجْنَاكَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَنَبَذْنَا إلَيْكَ وَمَتَى قَدَرْنَا عَلَيْكَ قَتَلْنَاكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَبُّ إلَى الرَّبِيعِ * ( 1 )

(5/8)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى + { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فمن ( ( ( فمما ) ) ) ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ } الْآيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هذه الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بهذا الْأَحْرَارُ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا على الْأَحْرَارِ وَلَهُمْ دُونَ الْمَمَالِيكِ قِيلَ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ عَبْدٍ وَلَا حُرٍّ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت من نَصِّ الْقُرْآنِ وَدَلَالَتِهِ قال وَأَيُّ صِنْفٍ من الْمُشْرِكِينَ حَلَّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَلَّ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَأَيُّ صِنْفٍ حَرُمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَرُمَ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالْمِلْكِ كما تَحِلُّ حَرَائِرُهُمْ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ بِالْمِلْكِ كما لَا يَحِلُّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَلَوْ كان أَصْلُ نَسَبِ أَمَةٍ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ دَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ لم يَحِلَّ وَطْؤُهَا كما لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ منهم وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ بِحَالٍ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في مَعْنَى من حَرُمَ من الْمُشْرِكَاتِ وَغَيْرُ حَلَالٍ مَنْصُوصَةٌ بِالْإِحْلَالِ كما نَصَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ في النِّكَاحِ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَيَيْنِ سَوَاءٌ أَنْ لَا يَجِدَ النَّاكِحُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ وَالشَّرْطَانِ في إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ على أَنَّ نِكَاحَهُنَّ أُحِلَّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وفي ذلك دَلِيلٌ على تَحْرِيمِ من خَالَفَهُنَّ من إمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ ثَالِثٌ وَالْأَمَةَ الْمُشْرِكَةَ خَارِجَةٌ منه فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ أَمَةً كِتَابِيَّةً كان النِّكَاحُ فَاسِدًا يُفْسَخُ عليه قبل الْوَطْءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ وطىء فَلَا صَدَاقَ لها وَإِنْ كان وطىء فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالنَّاكِحِ وهو مُسْلِمٌ وَيُبَاعُ على مَالِكِهِ إنْ كان كِتَابِيًّا وَإِنْ كان مُسْلِمًا لم يُبَعْ عليه وَلَوْ وطىء أَمَةً غير كِتَابِيَّةٍ مُنِعَ أَنْ يَعُودَ لها حَبِلَتْ أو لم تَحْبَلْ وَإِنْ حَبِلَتْ فَوَلَدَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له وَلَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا لِدِينِهَا كما يَكُونُ أَمَةٌ له وَلَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا لِدِينِهَا فإذا مَاتَ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَيْسَ له بَيْعُهَا وَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَيَسْتَخْدِمَهَا فِيمَا تُطِيقُ كما يَسْتَخْدِمُ أَمَةً غَيْرَهَا وَإِنْ كانت لها أُخْتٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ حَلَّ له نِكَاحُهَا وَهَكَذَا إنْ كانت لها أُخْتٌ لِأُمِّهَا حُرَّةً كِتَابِيَّةً أَبُوهَا كِتَابِيٌّ فَاشْتَرَاهَا حَلَّ له وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ولم يَكُنْ هذا جَمْعًا بين الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ وَطْءَ الْأُولَى التي هِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ له وَإِنَّمَا الْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بين من يَحِلُّ وَطْؤُهُ على الِانْفِرَادِ وَإِنْ كانت لها أُخْتٌ من أَبِيهَا تَدِينُ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لم تَحِلَّ له بِالْمِلْكِ لِأَنَّ نَسَبَهَا إلَى أَبِيهَا وَأَبُوهَا غَيْرُ كِتَابِيٍّ إنَّمَا أَنْظُرُ فِيمَا يَحِلُّ من الْمُشْرِكَاتِ إلَى نَسَبِ الْأَبِ وَلَيْسَ هذا كَالْمَرْأَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْرِكُهُ شِرْكٌ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُ الشِّرْكَ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ الدِّينُ له ما لم تَبْلُغْ الْجَارِيَةُ وَلَوْ أَنَّ أُخْتَهَا بَلَغَتْ وَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَبُوهَا وَثَنِيٌّ أو مَجُوسِيٌّ لم يَحِلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كما لَا يَحِلُّ وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهَا غَيْرُ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَوْ نَكَحَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَلَهَا أُخْتٌ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ أو مُسْلِمَةٌ ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا الْحُرَّةَ قبل أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كان نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أو الْكِتَابِيَّةِ جَائِزًا لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُفْسِدُهُ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ التي هِيَ أُخْتُ الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَهَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى غَيْرُ نِكَاحِ وَلَوْ وَطِئَهَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَطْءَ في نِكَاحٍ مَفْسُوخٍ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شيئا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ فَيَحْرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُخْتِهَا قال وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً على أنها مُسْلِمَةٌ فإذا هِيَ كَافِرَةٌ كتابية ( ( ( يفسخ ) ) ) كان ( ( ( نكاحها ) ) ) له فسخ النكاح بلا نصف مهر وَلَوْ تزوجها ( ( ( تزوج ) ) ) على أنها كِتَابِيَّةٌ فإذا هِيَ مُسْلِمَةٌ لم يَكُنْ له فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ من كِتَابِيَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ولم يُخْبَرْ أنها مُسْلِمَةٌ وَلَا كِتَابِيَّةٌ فإذا هِيَ كِتَابِيَّةٌ وقال إنَّمَا نَكَحْتُهَا على أنها مُسْلِمَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ما نَكَحَهَا وهو يَعْلَمُهَا كِتَابِيَّةً - * ما جاء في مَنْعِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ - *

(5/9)


الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُخَاطَبَ بِأَنْ يُقَالَ إنْ لم يَجِدْ مَالًا من يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ إنَّمَا يُمْلَكُ أَبَدًا لِغَيْرِهِ قال وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا كما وَصَفْت في أَصْلِ نِكَاحِهِنَّ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَالْعَنَتُ الزنى فإذا اجْتَمَعَ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الزنى حَلَّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ انْفَرَدَ فيه أَحَدُهُمَا لم يَحْلِلْ له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وهو لَا يَخَافُ الْعَنَتَ أو يَخَافُ الْعَنَتَ وهو يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إنَّمَا رُخِّصَ له في خَوْفِ الْعَنَتِ على الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى يكن أَنَّهُ لو عَشِقَ أمرأة وَثَنِيَّةً يَخَافُ أَنْ يزنى بها لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَوْ كان عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَعَشِقَ خَامِسَةً لم يَحِلَّ له نِكَاحُهَا إذَا تَمَّ الْأَرْبَعُ عِنْدَهُ أو كانت له امْرَأَةٌ فَعَشِقَ أُخْتَهَا لم يَحْلِلْ له أَنْ يَنْكِحَهَا ما كانت عِنْدَهُ أُخْتُهَا وَكَذَلِكَ ما حَرُمَ عليه من النِّكَاحِ من أَيِّ الْوُجُوهِ حَرُمَ لم أُرَخِّصْ له في نِكَاحِ ما يَحْرُمُ عليه خَوْفَ الْعَنَتِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عليه يَحِلُّ له بها النِّكَاحُ وَلَا ضَرُورَةَ في مَوْضِعِ لَذَّةٍ يَحِلُّ بها الْمُحَرَّمُ إنَّمَا الضَّرُورَةُ في الْأَبَدَانِ التي تَحْيَا من الْمَوْتِ وَتُمْنَعُ من أَلَمِ الْعَذَابِ عليها وَأَمَّا اللَّذَّاتُ فَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ ما تَحِلُّ بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال هذا غَيْرُكَ قِيلَ الْكِتَابُ كَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فيه من قَوْلِ غَيْرِي وقد قَالَهُ غَيْرِي
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرًا يقول من وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحُ أَمَةً
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني بن طَاوُسٍ عن أبيه قال لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وهو يَجِدُ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً قُلْت يَخَافُ الزنى قال ما عَلِمْته يَحِلُّ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال سَأَلَ عَطَاءٌ أَبَا الشَّعْثَاءِ وأنا أَسْمَعُ عن نِكَاحِ الْأَمَةِ ما تَقُولُ فيه أَجَائِزٌ هو فقال لَا يَصْلُحُ الْيَوْمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالطَّوْلُ هو الصَّدَاقُ وَلَسْت أَعْلَمُ أَحَدًا من الناس يَجِدُ ما يَحِلُّ له بِهِ أَمَةٌ إلَّا وهو يَجِدُ بِهِ حُرَّةً فَإِنْ كان هذا هَكَذَا لم يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِحُرٍّ وَإِنْ لم يَكُنْ هذا هَكَذَا فَجَمَعَ رَجُلٌ حُرٌّ الْأَمْرَيْنِ حَلَّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْأَمَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ له في فِرَاقِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا بِحَالٍ أَبَدًا بَلَغَ يُسْرُهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْلُغَ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كان صَحِيحًا يوم وَقَعَ فَلَا يَحْرُمُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً على أَمَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ فَهُوَ في غَيْرِ مَعْنَى ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ لَا يَنْكِحُ أَمَةً على حُرَّةٍ فَإِنْ نَكَحَ أَمَةً على أَمَةٍ أو حُرَّةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قال وَلَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحَ أَمَتَيْنِ مَعًا كان نِكَاحُهُمَا مَفْسُوخًا بِلَا طَلَاقٍ وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ إذَا كان مِمَّنْ له نِكَاحُ الْإِمَاءِ كما يَكُونُ هَكَذَا في الْأُخْتَيْنِ يَعْقِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَإِنْ نَكَحَ الْأَمَةَ في الْحَالِ التي قُلْت لَا يَجُوزُ له فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا صَدَاقَ لها إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا فَيَكُونَ لها الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وَلَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ إذَا كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ نَكَحَهَا وهو يَجِدُ طَوْلًا فلم يُفْسَخْ نِكَاحُهَا حتى لَا يَجِدَهُ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ أَصْلَهُ كان فَاسِدًا وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَهَا إنْ شَاءَ وَلَوْ نَكَحَهَا وَلَا زَوْجَةَ له فقال نَكَحْتُهَا وَلَا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَوَلَدَتْ له أو لم تَلِدْ إذَا قال نَكَحْتهَا وَلَا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ وُجِدَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ قد يُعْسِرُ ثُمَّ يُوسِرُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ حين عَقَدَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا كان وَاجِدًا لَأَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ قبل الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ قال نَكَحْتهَا وأنا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أو لَا أَخَافُ الْعَنَتَ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا مَهْرَ عليه إنْ لم يَكُنْ أَصَابَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كان مَفْسُوخًا وَلَا يُصَدَّقُ على الْمَهْرِ إن لم يَكُنْ دخل بها فَلَهَا نِصْفُ ما سَمَّى لها وَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدُ جَعَلْتهَا في الْحُكْمِ تَطْلِيقَةً وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ وقد قال غَيْرُنَا يُصَدَّقُ وَلَا شَيْءَ عليه إنْ لم يُصِبْهَا قال وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عليها حُرَّةً وَحَرَائِرَ حتى يُكْمِلَ أَرْبَعًا وَلَا يَكُونُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَلَ

(5/10)


الْحَرَائِرِ عليها طَلَاقًا لها وَلَا لَهُنَّ وَلَا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خِيَارٌ كُنَّ عَلِمْنَ أَنَّ تَحْتَهُ أَمَةً أو لم يَعْلَمْنَ لِأَنَّ عَقْدَ نِكَاحِهَا كان حَلَالًا فلم يَحْرُمْ بِأَنْ يُوسِرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تَحْرُمُ الْمَيْتَةُ وَتُحِلُّهَا الضَّرُورَةُ فإذا وَجَدَ صَاحِبُهَا عنها غِنًى حَرَّمْتهَا عليه قِيلَ إنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كل أَحَدٍ بِكُلِّ وَجْهٍ مَالِكِهَا وَغَيْرِ مَالِكِهَا وَغَيْرُ حَلَالِ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ أَكْلَهَا يَحِلُّ في الضَّرُورَةِ وَالْأَمَةُ حَلَالٌ بِالْمِلْكِ وَحَلَالٌ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ وَحَلَالُ النِّكَاحِ لِلْحُرِّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَلَا تُشْبِهُ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا في حَالِ الْمَوْتِ وَلَا يُشْبِهُ الْمَأْكُولُ الْجِمَاعَ وَكُلُّ الْفُرُوجِ مَمْنُوعَةٌ من كل أَحَدٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِمَا أُحِلَّ بِهِ من نِكَاحٍ أو مِلْكٍ فإذا حَلَّ لم يَحْرُمْ إلَّا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ يَحْرُمُ بِهِ ليس الْغِنَى منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ حَلَالًا في حَالٍ حَرَامًا بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مع الِاتِّبَاعِ لِئَلَّا يَكُونَ الْفَرْجُ حَلَالًا في حَالٍ حَرَامًا في آخَرَ الْفَرْجُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يَحِلَّ على الْأَبَدِ ما لم يَحْدُثْ فيه شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ ليس الغني عنه مِمَّا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالتَّيَمُّمُ يَحِلُّ في حَالِ الْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ فإذا وَجَدَ الْمَاءَ قبل أَنْ يصلى بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ قُلْت التَّيَمُّمُ ليس بِالْفَرْضِ المؤدى فَرْضَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لَا تُؤَدَّى إلَّا بِنَفْسِهَا وَعَلَى المصلى أَنْ يصلى بِطَهُورِ مَاءٍ وإذا لم يَجِدْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ تَوَضَّأَ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في الْفَرْضِ ولم يُؤَدِّهِ وإذا صلى أو دخل في الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لم تُنْقَضْ صَلَاتُهُ ولم يُعِدْ لها وَتَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ بَعْدَهَا وَهَكَذَا النَّاكِحُ الْأَمَةِ لو أَرَادَ نِكَاحَهَا وَأُجِيبَ إلَيْهِ وَجَلَسَ له فلم يَنْكِحْهَا ثُمَّ أَيْسَرَ قبل أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا لم يَكُنْ له نِكَاحُهَا وَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لم تَحْرُمْ عليه كما كان المصلى إذَا دخل بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لم تَحْرُمْ الصَّلَاةُ عليه بَلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ في أَكْثَرَ من حَالِ الدَّاخِلِ في الصَّلَاةِ الدَّاخِلُ في الصَّلَاةِ لم يُكْمِلْهَا وَالنَّاكِحُ الْأَمَةِ قد أَكْمَلَ جَمِيعَ نِكَاحِهَا وَإِكْمَالُ نِكَاحِهَا يُحِلُّهَا له على الْأَبَدِ كما وَصَفْت قال وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمًا وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ معه مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ يُوفِيهِنَّ الْقِسْمَ سَوَاءٌ على يَوْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَيَوْمًا لِلْأَمَةِ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَ ذلك يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ وَإِنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ دَارَ على الْحَرَائِرِ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أتى الْأَمَةَ يَوْمًا فَإِنْ عَتَقَتْ في ذلك الْيَوْمِ فَدَارَ إلَى الْحُرَّةِ أو إلَى الْحَرَائِرِ قَسَمَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا يَوْمًا يَوْمًا بَدَأَ في ذلك بِالْأَمَةِ قبل الْحَرَائِرِ أو بِالْحَرَائِرِ قبل الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لم يَقْسِمْ لَهُنَّ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ حتى صَارَتْ الْأَمَةُ من الْحَرَائِرِ التي لها ما لَهُنَّ مَعًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَقْسِمَ لِلْأَمَةِ ما خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فإذا فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَسْمُ لها وَلِلْمَوْلَى إخْرَاجُهَا في غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهَا وَيَقْسِمُ لِغَيْرِهَا قَسْمَ من لَا امْرَأَةَ عِنْدَهُ وَهَكَذَا الْحُرَّةُ تَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يَبْطُلُ حَقُّهَا في الْأَيَّامِ التي خَرَجَتْ فيها وَكُلُّ زَوْجَةٍ لم تَكْمُلْ فيها الْحُرِّيَّةُ فَقَسْمُهَا قَسْمُ الْأَمَةِ وَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ تُنْكَحُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبَةِ الِامْتِنَاعُ من زَوْجِهَا في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَلَا لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا لِلطَّلَبِ بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ حَلَّلَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا من يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا ولم يَحْلِلْهُ السَّيِّدُ حَلَّ له وَلَوْ حَلَّلَهُ السَّيِّدُ ولم تُحْلِلْهُ لم يَحِلَّ له لِأَنَّهُ حَقٌّ لها دُونَ السَّيِّدِ وَلَوْ وَضَعَ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا عنه حَلَّ له لِأَنَّهُ مَالٌ له دُونَهَا وَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُنْفِقَ عليها إذَا وَضَعَ نَفَقَتَهَا عن الزَّوْجِ وَلَوْ وَضَعَتْ هِيَ نَفَقَتَهَا عن الزَّوْجِ لم يَحِلَّ له إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَالُ السَّيِّدِ - * نِكَاحُ الْمُحْدِثِينَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) اُخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ هذه الْآيَةِ فَقِيلَ نَزَلَتْ في بَغَايَا كانت لَهُنَّ رَايَاتٌ وَكُنَّ غير مُحْصَنَاتٍ فَأَرَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ فَنَزَلَتْ هذه الْآيَةُ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَنْكِحْنَ إلَّا من أَعْلَنَ بِمِثْلِ ما أَعْلَنَّ بِهِ أو مُشْرِكًا وَقِيلَ كُنَّ زَوَانِيَ مُشْرِكَاتٍ فَنَزَلَتْ لَا يَنْكِحُهُنَّ إلَّا زَانٍ مِثْلُهُنَّ مُشْرِكٌ أو مشرك ( ( ( مشركة ) ) ) وَإِنْ لم يَكُنْ زَانِيًا { وَحُرِّمَ ذلك على الْمُؤْمِنِينَ } وَقِيلَ غَيْرُ هذا وَقِيلَ هِيَ عَامَّةٌ وَلَكِنَّهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً } إلَى { الْمُؤْمِنِينَ }

(5/11)


نُسِخَتْ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ في قَوْلِهِ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً } قال هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَهِيَ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالِاخْتِيَارُ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْكِحَ زَانِيَةً وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ زَانِيًا فَإِنْ فَعَلَا فَلَيْسَ ذلك بِحَرَامٍ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَتْ مَعْصِيَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في نَفْسِهِ تُحَرِّمُ عليه الْحَلَالَ إذَا أَتَاهُ قال وَكَذَلِكَ لو نَكَحَ امْرَأَةً لم يَعْلَمْ أنها زَنَتْ فَعَلِمَ قبل دُخُولِهَا عليه أنها زَنَتْ قبل نِكَاحِهِ أو بَعْدَهُ لم تَحْرُمْ عليه ولم يَكُنْ له أَخْذُ صَدَاقِهِ منها وَلَا فَسْخُ نِكَاحِهَا وكان له إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَ وَكَذَلِكَ إنْ كان هو الذي وَجَدَتْهُ قد زَنَى قبل أَنْ يَنْكِحَهَا أو بعد ما نَكَحَهَا قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ لها في فِرَاقِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا وَلَا تَحْرُمُ عليه وَسَوَاءٌ حُدَّ الزَّانِي مِنْهُمَا أو لم يُحَدَّ أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أو اعْتَرَفَ لَا يُحَرِّمُ زِنَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا زِنَاهُمَا وَلَا مَعْصِيَةٌ من الْمَعَاصِي الْحَلَالَ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ دِينَاهُمَا بِشِرْكٍ وَإِيمَانٍ - * لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } إلَى { بِالْمَعْرُوفِ } وقال عز وجل { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ } الْآيَةُ وقال في الْإِمَاءِ { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ مَعْقِلَ بن يَسَارٍ كان زَوَّجَ أُخْتًا له بن عَمٍّ له فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ وَأَرَادَتْ نِكَاحَهُ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا فأبي مَعْقِلٌ وقال زَوَّجْتُك وَآثَرْتُك على غَيْرِك فَطَلَّقْتهَا لَا أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَ { وإذا طَلَّقْتُمْ } يَعْنِي الْأَزْوَاجُ { النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يَعْنِي فَانْقَضَى أَجَلُهُنَّ يعنى عِدَّتَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ يَعْنِي أَوْلِيَاءَهُنَّ { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } إنْ طَلَّقُوهُنَّ ولم يَبُتُّوا طَلَاقَهُنَّ وما أَشْبَهَ مَعْنَى ما قالوا من هذا بِمَا قالوا وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِأَنْ لَا يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ من له سَبَبٌ إلَى الْعَضْلِ بِأَنْ يَكُونَ يَتِمُّ بِهِ نِكَاحُهَا من الْأَوْلِيَاءِ وَالزَّوْجُ إذَا طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ منها فَيَعْضُلُهَا وَإِنْ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَقَدْ يَحْرُمُ عليها أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ وهو لَا يَعْضُلُهَا عن نَفْسِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ ما في الْقُرْآنِ من أَنَّ لِلْوَلِيِّ مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا حَقًّا وَأَنَّ على الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَعْضُلَهَا إذَا رَضِيَتْ أَنْ تَنْكِحَ بِالْمَعْرُوفِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجَاءَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في زَانِيَةٍ وَزَانٍ من الْمُسْلِمِينَ لم نَعْلَمْهُ حَرَّمَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكِحَ غير زَانِيَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا حَرَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمَا على زوجة فَقَدْ أَتَاهُ مَاعِزُ بن مَالِكٍ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ بالزنى مِرَارًا لم يَأْمُرْهُ في وَاحِدَةٍ منها أَنْ يَجْتَنِبَ زَوْجَةً له إنْ كانت وَلَا زَوْجَتَهُ أَنْ تَجْتَنِبَهُ وَلَوْ كان الزنى يُحَرِّمُهُ على زَوْجَتِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ له إنْ كانت لك زَوْجَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْك أو لم تَكُنْ لم يَكُنْ لك أَنْ تَنْكِحَ ولم نَعْلَمْهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَا أَنْ لَا يَنْكِحَ وَلَا غَيْرَهُ أَنْ لَا يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وقد ذَكَرَ له رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ فلم يَأْمُرْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا عَلِمْنَا زَوْجَهَا بِاجْتِنَابِهَا وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عليها فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وقد جَلَدَ بن الْأَعْرَابِيِّ في الزنى مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا ولم يَنْهَهُ عِلْمَنَا أَنْ يَنْكِحَ وَلَا أَحَدًا أَنْ يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وقد رَفَعَ الرَّجُلُ الذي قَذَفَ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ أَمْرَ امْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَانْتَفَى من حَمْلِهَا فلم يَأْمُرْهُ بِاجْتِنَابِهَا حتى لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وقد رُوِيَ عنه أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا فقال له إنِّي أُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بها
أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن هَارُونَ بن رياب ( ( ( رئاب ) ) ) عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ قال أتى رَجُلٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لي امْرَأَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلِّقْهَا قال إنِّي أُحِبُّهَا قال فَأَمْسِكْهَا إذًا وقد حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ على الْمُؤْمِنِينَ الزُّنَاةِ وَغَيْرِ الزُّنَاةِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ من غَيْرِهِ وَلَهُ بن من غَيْرِهَا فَفَجَرَ الْغُلَامُ بِالْجَارِيَةِ فَظَهَرَ بها حَمْلٌ فلما قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ رُفِعَ ذلك إلَيْهِ فسألهما ( ( ( فسألها ) ) ) فَاعْتَرَفَا فَجَلَدَهُمَا عُمَرُ الْحَدَّ وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فأبي الْغُلَامُ

(5/12)


السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وقال بَعْضُهُمْ في الحديث فَإِنْ اشْتَجَرُوا وقال غَيْرُهُ منهم فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عِكْرِمَةُ بن خَالِدٍ قال جَمَعَتْ الطَّرِيقُ رَكْبًا فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَوَلَّتْ رَجُلًا منهم أَمْرَهَا فَزَوَّجَهَا رَجُلًا فَجَلَدَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ النَّاكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرُو بن دِينَارٍ عن عبد الرحمن بن مَعْبَد بن عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَمْرُو بن دِينَارٍ نَكَحَتْ امْرَأَةٌ من بَنِي بَكْرِ بن كِنَانَةَ يُقَالُ لها بِنْتُ أبي ثُمَامَةَ عُمَرَ بن عبد اللَّهِ بن مُضَرِّسٍ فَكَتَبَ عَلْقَمَةُ بن عَلْقَمَةَ الْعُتْوَارِيُّ إلَى عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ وهو بِالْمَدِينَةِ إنِّي وَلِيُّهَا وَإِنَّهَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ أَمْرِي فَرَدَّهُ عُمَرُ وقد أَصَابَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مع أَبٍ فإذا مَاتَ فَالْجَدُّ أبو الْأَبِ فإذا مَاتَ فَالْجَدُّ أبو الْجَدِّ لِأَنَّ كُلَّهُمْ أَبٌ وَكَذَلِكَ الْآبَاءُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُزَوَّجَةَ من الْآبَاءِ وَلَيْسَتْ من الْإِخْوَةِ وَالْوِلَايَةُ غَيْرُ الْمَوَارِيثِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ من الْأَجْدَادِ دُونَهُ أَبٌ أَقْرَبُ إلَى الْمُزَوَّجَةِ منه فإذا لم يَكُنْ آبَاءٌ فَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مع الْإِخْوَةِ وإذا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ فَبَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى من بَنِي الْأَبِ فإذا لم يَكُنْ بَنُو أُمٍّ وَأَبٍ فَبَنُو الْأَبِ أَوْلَى من غَيْرِهِمْ وَلَا وِلَايَةَ لِبَنِي الْأُمِّ بالأم وَلَا لِجَدٍّ أبي أُمٍّ إنْ لم يَكُنْ عَصَبَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ كَانُوا بَنِي عَمٍّ وَلَا أَقْرَبَ منهم كانت لهم الْوِلَايَةُ بِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَإِنْ كان مَعَهُمْ مِثْلُهُمْ من الْعَصَبَةِ كَانُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بِأُمٍّ وإذا لم يَكُنْ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا أَبٍ وكان بَنُو أَخٍ لأب وَأُمٍّ وَبَنُو أَخٍ لِأَبٍ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى من بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِنْ كان بَنُو أَخٍ لِأَبٍ وَبَنُو أَخٍ لِأُمٍّ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى وَلَا وِلَايَةَ لِبَنِي الْأَخِ لِلْأُمِّ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً قال وإذا تَسَفَّلَ بَنُو الْأَخِ فانسبهم إلَى الْمُزَوَّجَةِ فَأَيُّهُمْ كان أَقْعُدَ بها وَإِنْ كان بن أَبٍ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَقْعَدِ أَقْرَبُ من قَرَابَةِ أُمٍّ غير وَلَدِهَا أَقْعَدَ منه وإذا اسْتَوَوْا فَكَانَ فِيهِمْ بن أَبٍ وَأُمٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِقُرْبِهِ مع الْمُسَاوَاةِ قال وَإِنْ حَرُمَ النَّسَبُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كان بَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَبَنُو عَمٍّ دَنِيَّةً فَبَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ قبل بَنِي الْعَمِّ وَهَكَذَا إنْ كان بَنُو أَخٍ وَعُمُومَةٍ فَبَنُو الْأَخِ أَوْلَى وَإِنْ تَسَفَّلُوا لِأَنَّ الْعُمُومَةَ غَيْرُ آبَاءٍ فَيَكُونُونَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَوَّجَةَ من الْأَبِ فإذا انْتَهَتْ الْأُبُوَّةُ فَأَقْرَبُ الناس
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ أذن وَلِيِّهَا فَلَا نِكَاحَ لها لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ منها بِمَا قَضَى لها بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ في كل نِكَاحٍ فَاسِدٍ بِالْمَسِيسِ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ بِهِ الزَّوْجُ على من غَرَّهُ لِأَنَّهُ إذَا كان لها وقد غَرَّتْهُ من نَفْسِهَا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عليها وهو لها وهو لو كان يَرْجِعُ بِهِ فَكَانَتْ الْغَارَّةُ له من نَفْسِهَا بَطَلَ عنها وَلَا يَرْجِعُ زَوْجٌ أَبَدًا بِصَدَاقٍ على من غَرَّهُ امْرَأَةٌ كانت أو غَيْرُ امْرَأَةٍ إذَا أَصَابَهَا قال وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ على السُّلْطَانِ إذَا اشْتَجَرُوا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كان الْوَلِيُّ عَاضِلًا أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنْ زَوَّجَ فَحَقٌّ أَدَّاهُ وَإِنْ لم يُزَوِّجْ فَحَقٌّ مَنَعَهُ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ أو يُوَكِّلَ وَلِيًّا غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَ وَالْوَلِيُّ عَاصٍ بِالْعَضْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } وَإِنْ ذَكَرَ شيئا نَظَرَ فيه السُّلْطَانُ فَإِنْ رَآهَا تَدْعُو إلَى كَفَاءَةٍ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا وَإِنْ دَعَاهَا الْوَلِيُّ إلَى خَيْرٍ منه وَإِنْ دَعَتْ إلَى غَيْرِ كَفَاءَةٍ لم يَكُنْ له تَزْوِيجُهَا وَالْوَلِيُّ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنَّمَا الْعَضْلُ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مِثْلِهَا أو فَوْقِهَا فَيَمْتَنِعُ الْوَلِيُّ - * اجْتِمَاعُ الْوُلَاةِ وَافْتِرَاقُهُمْ - *

(5/13)


بِالْمُزَوَّجَةِ أَوْلَاهُمْ بها وَبَنُو أَخِيهَا أَقْرَبُ بها من عُمُومَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ دُونَ الْأَبِ الذي يَجْمَعُهَا بِالْعُمُومَةِ وإذا لم يَكُنْ بَنُو أخ ( ( ( الأخ ) ) ) وَكَانُوا بَنِي عَمٍّ فَكَانَ فِيهِمْ بَنُو عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَنُو عَمٍّ لِأَبٍ فَاسْتَوَوْا فَبَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى وَإِنْ كان بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ أَقْعَدَ فَهُمْ أَوْلَى وإذا لم يَكُنْ لها قَرَابَةٌ من قِبَلِ الْأَبِ وكان لها أَوْصِيَاءُ لم يَكُنْ الْأَوْصِيَاءُ وُلَاةَ نِكَاحٍ وَلَا وُلَاةَ مِيرَاثٍ وَهَكَذَا إنْ كان لها قَرَابَةٌ من قِبَلِ أُمِّهَا أو بَنِي أَخَوَاتِهَا لَا وِلَايَةَ لِلْقَرَابَةِ في النِّكَاحِ إلَّا من قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ كان لِلْمُزَوَّجَةِ وَلَدٌ أو وَلَدُ وَلَدٍ فَلَا وِلَايَةَ لهم فيها بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فَتَكُونَ لهم الْوِلَايَةُ بِالْعَصَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ عنها وَلَا يَنْتَسِبُونَ من قَبِيلِهَا إنَّمَا قَبِيلُهَا نَسَبُهَا من قِبَلِ أَبِيهَا أو لَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأُمِّ لَا يَكُونُونَ وُلَاةَ نِكَاحٍ فإذا كانت الْوِلَايَةُ لَا تَكُونُ بِالْأُمِّ إذَا انْفَرَدَتْ فَهَكَذَا وَلَدُهَا لَا يَكُونُونَ وُلَاةً لها وإذا كان وَلَدُهَا عَصَبَةً وكان مع وَلَدِهَا عَصَبَةٌ أَقْرَبُ منهم هُمْ أَوْلَى منهم فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى وَإِنْ تَسَاوَى الْعَصَبَةُ في قَرَابَتِهِمْ بها من قِبَلِ الْأَبِ فَهُمْ أَوْلَى كما يَكُونُ بَنُو الْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْلَى من بَنِي الْأَبِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فَالْوَلَدُ أَوْلَى - * وِلَايَةُ الموالي ( ( ( المولى ) ) ) - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَخْتَلِفُونَ في ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ زَوَّجَهَا مولى نِعْمَةٍ وَلَا يَعْلَمُ لها قَرِيبًا من قِبَلِ أَبِيهَا ثُمَّ عَلِمَ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ كما لو زَوَّجَهَا وَلِيُّ قَرَابَةٍ يُعْلَمُ أَقْرَبُ منه كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا - * مَغِيبُ بَعْضِ الْوُلَاةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ بِنَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ وَأَوْلَى منه حَيٌّ غَائِبًا كان أو حَاضِرًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ مُنْقَطِعَهَا مُؤَيَّسًا منه مَفْقُودًا أو غير مَفْقُودٍ وَقَرِيبَهَا مَرْجُوَّ الْإِيَابِ غَائِبًا وإذا كان الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ من التَّزْوِيجِ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ الذي يَلِيه في الْقَرَابَةِ وَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا السُّلْطَانُ الذي يَجُوزُ حُكْمُهُ فإذا رُفِعَ ذلك إلَى السُّلْطَانِ فَحَقَّ عليه أَنْ يَسْأَلَ عن الْوَلِيِّ فَإِنْ كان غَائِبًا سَأَلَ عن الْخَاطِبِ فَإِنْ رضي بِهِ أَحْضَرَ أَقْرَبَ الْوُلَاةِ بها وَأَهْلَ الْمَحْرَمِ من أَهْلِهَا وقال هل تَنْقِمُونَ شيئا فَإِنْ ذَكَرُوهُ نَظَرَ فيه فَإِنْ كان كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) وَرَضِيَتْهُ أَمَرَهُمْ بِتَزْوِيجِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا زَوَّجَهُ وَإِنْ لم يَأْمُرْهُمْ وَزَوَّجَهُ فَجَائِزٌ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ من أَنْ يُزَوِّجَهَا من رَضِيَتْ صَنَعَ ذلك بِهِ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ الذي لَا أَقْرَبَ منه حَاضِرًا فَوَكَّلَ قام وَكِيلُهُ مَقَامَهُ وَجَازَ تَزْوِيجُهُ كما يَجُوزُ إذَا وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهُ أو وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ من رَأَى فَزَوَّجَهُ كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِهِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ زَوَّجَ غير كُفْءٍ لم يَجُزْ وكان هذا منه تَعَدِّيًا مَرْدُودًا كما يُرَدُّ تعدى الْوُكَلَاءِ - * من لَا يَكُونُ وَلِيًّا من ذِي الْقَرَابَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا لِامْرَأَةٍ بِنْتًا كانت أو أُخْتًا أو بِنْتَ عَمٍّ أو امْرَأَةً هو أَقْرَبُ الناس إلَيْهَا نَسَبًا أو وَلَاءً حتى يَكُونَ الْوَلِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا رَشِيدًا يَعْقِلُ مَوْضِعَ الْحَظِّ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً وَلَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا بِوَلَاءٍ وَلِلْمُزَوَّجَةِ نَسَبٌ من قِبَلِ أَبِيهَا يُعْرَفُ وَلَا لِلْأَخْوَالِ وِلَايَةٌ بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فإذا لم يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَصَبَةٌ وَلَهَا مَوَالٍ فَمَوَالِيهَا أَوْلِيَاؤُهَا وَلَا وَلَاءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ ثُمَّ أَقْرَبُ الناس بِمُعْتِقِهَا وَلِيُّهَا كما يَكُونُ أَقْرَبُ الناس بِهِ وَلِيَّ وَلَدِ الْمُعْتِقِ لها قال وَاجْتِمَاعُ الْوُلَاةِ من أَهْلِ الْوَلَاءِ في وِلَايَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَاجْتِمَاعِهِمْ في النَّسَبِ

(5/14)


يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ وَإِنْ كانت بِنْتَه وَلَا وِلَايَةَ له على كَافِرَةٍ إلَّا أَمَتَهُ فإن ما صَارَ لها بِالنِّكَاحِ مِلْكٌ له قال وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِمُسْلِمَةٍ وَإِنْ كانت بِنْتَهُ قد زَوَّجَ بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمُّ حَبِيبَةَ وأبو سُفْيَانَ حَيٌّ لِأَنَّهَا كانت مُسْلِمَةً وبن سَعِيدٍ مُسْلِمٌ لَا أَعْلَمُ مُسْلِمًا أَقْرَبَ بها منه ولم يَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فيها وِلَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَوَارِيثَ وَالْعَقْلَ وَغَيْرَ ذلك قال فَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحَاكِمُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ لِأَنَّهُ بِحُكْمٍ لَا وِلَايَةَ إذَا حَاكَمَتْ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ إذَا كان بَالِغًا مُسْلِمًا وَلِيًّا إنْ كان سَفِيهًا مُوَلِّيًا عليه أو غير عَالَمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ زَوَّجَهُ إذَا كان هذا لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ يُزَوِّجُهَا كان أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ أَبْعَدَ وَإِنْ لم يَكُنْ هذا وَلِيًّا لِلسَّفَهِ أو ضَعْفِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ الذي لَا يُفِيقُ بَلْ هُمَا أَبْعَدُ من أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ قال وَمَنْ خَرَجَ من الْوِلَايَةِ بِأَحَدِ هذه الْمَعَانِي حتى لَا يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَالْوَلِيُّ أَقْرَبُ الناس بِهِ مِمَّنْ يُفَارِقُ هذه الْحَالَ وَهَذَا كَمَنْ لم يَكُنْ وَكَمَنْ مَاتَ وَلَا وِلَايَةَ له ما كان بِهَذِهِ الْحَالِ فإذا صَلُحَتْ حَالُهُ صَارَ وَلِيًّا لِأَنَّ الْحَالَ التي مُنِعَ بها الْوِلَايَةُ قد ذَهَبَتْ - * الْأَكْفَاءُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا اجْتَمَعَ الْوُلَاةُ فَكَانُوا شَرْعًا فَأَيُّهُمْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَهُوَ كَأَفْضَلِهِمْ وَسَوَاءٌ الْمُسِنُّ منهم وَالْكَهْلُ وَالشَّابُّ وَالْفَاضِلُ وَاَلَّذِي دُونَهُ إذَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا كُفُؤًا جَازَ وَإِنْ سَخِطَ ذلك من بقى من الْوُلَاةِ وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا غير كُفُؤٍ فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ عليه وَكَذَلِكَ لو اجْتَمَعَتْ جَمَاعَتُهُمْ على تَزْوِيجِ غَيْرِ كُفْءٍ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ كان النِّكَاحُ مَرْدُودًا بِكُلِّ حَالٍّ حتى تَجْتَمِعَ الْوُلَاةُ مَعًا على إنْكَاحِهِ قبل إنْكَاحِهِ فَيَكُونَ حَقًّا لهم تَرَكُوهُ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ أَقْرَبَ مِمَّنْ دُونَهُ فَزَوَّجَ غير كُفْءٍ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لِمَنْ بقى من الْأَوْلِيَاءِ الذي هو أَوْلَى منهم رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لهم معه قال وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفْءِ مُحَرَّمًا فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هو نَقْصٌ على الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلَاةِ فإذا رَضِيَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَمَنْ له الْأَمْرُ مَعَهَا بِالنَّقْصِ لم أَرُدَّهُ قال وإذا زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْوَاحِدُ كُفُؤًا بِأَمْرِ الْمَرْأَةِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا لم يَكُنْ لِمَنْ بقى من الْوُلَاةِ رَدُّ النِّكَاحِ وَلَا أَنْ يَقُومُوا عليه حتى يُكْمِلُوا لها مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ ليس في نَقْصِ الْمَهْرِ نَقْصُ نَسَبٍ إنَّمَا هو نَقْصُ الْمَالِ وَنَقْصُ الْمَالِ ليس عليها وَلَا عليهم فيه نَقْصُ حَسَبٍ وَهِيَ أَوْلَى بِالْمَالِ منهم وإذا رضي الْوَلِيُّ الذي لَا أَقْرَبَ منه بِإِنْكَاحِ رَجُلٍ غَيْرِ كُفْءٍ فَأَنْكَحَهُ بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ وَالْوُلَاةِ الَّذِينَ هُمْ شَرْعٌ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ وَالْوُلَاةُ رَدَّهُ لم يَكُنْ لهم بَعْدَ رِضَاهُمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إيَّاهُ بِرِضَا الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا زَوَّجُوهَا بِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ من صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهَا في مَالِهَا فَلَهَا تَمَامُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ كما لو بَاعَتْ وَهِيَ مَحْجُورَةٌ بَيْعًا فَاسْتُهْلِكَ وقد غُبِنَتْ فيه لَزِمَ مُشْتَرِيَهُ قِيمَتُهُ قال وإذا كانت الْمَرْأَةُ مَحْجُورًا عليها مَالُهَا فَسَوَاءٌ من حَابَى في صَدَاقِهَا أَبٌ أو غَيْرُهُ لَا تَجُوزُ الْمُحَابَاةُ وَيُلْحَقُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ دَخَلَتْ أو لم تَدْخُلْ وَإِنْ طَلُقَتْ قبل ذلك أُخِذَ لها نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أَعْلَمُ في أَنَّ لِلْوُلَاةِ أَمْرًا مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا شيئا جُعِلَ لهم أَبْيَنَ من أَنْ لَا تُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِئَلَّا يُزَوَّجَ إلَّا نِكَاحًا صَحِيحًا قِيلَ قد يُحْتَمَلُ ذلك أَيْضًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كان الْوُلَاةُ لو زَوَّجُوهَا غير نِكَاحٍ صَحِيحٍ لم يَجُزْ كان هذا ضَعِيفًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ له جُعِلَ لِلْوُلَاةِ مَعَهَا أَمْرٌ فَأَمَّا الصَّدَاقُ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ من الْوُلَاةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ جَازَ وَلَا مَعْنَى له أَوْلَى بِهِ من أَنْ لَا يُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا بَلْ لَا أَحْسِبُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَ لهم أَمْرٌ مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا إلَّا لِئَلَّا تَنْكِحَ إلَّا كُفُؤًا

(5/15)


- * ما جاء في تَشَاحِّ الْوُلَاةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا إذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيَّيْهَا أَنْ يُزَوِّجَاهَا من رَأَيَا أو وامرها أَحَدُهُمَا في رَجُلٍ فقالت زَوِّجْهُ وَأَمَرَهَا آخَرُ في رَجُلٍ فقالت زَوِّجْهُ فَزَوَّجَاهَا مَعًا رَجُلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُفُؤَيْنِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ أَوَّلًا فَالْأَوَّلُ الزَّوْجُ الذي نِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَطَلَاقُهُ وما بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِمَّا بين الزَّوْجَيْنِ لَازِمٌ وَنِكَاحُ الذي بَعْدَهُ سَاقِطٌ دخل بها الْآخَرُ أو لم يَدْخُلْ أو الْأَوَّلُ أو لم يَدْخُلْ لَا يَحِقُّ الدُّخُولُ لِأَحَدٍ شيئا إنَّمَا يُحِقُّهُ أَصْلُ الْعُقْدَةِ فَإِنْ أَصَابَهَا آخَرُهُمَا نِكَاحًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا لم يَصِحَّ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لم تَصِحَّ بِشَيْءٍ بَعْدَهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وإذا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ وَلِيَّيْنِ جَازَ لِلْوَلِيِّ الذي لَا أَمْرَ لِلْمَرْأَةِ معه أَنْ يُوَكِّلَ وَهَذَا لِلْأَبِ خَاصَّةً في الْبِكْرِ ولم يَجُزْ لِوَلِيِّ غَيْرِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُمْ أَمْرٌ أَنْ يُوَكِّلَ أَبٌ في ثَيِّبٍ وَلَا وَلِيٌّ غَيْرُ أَبٍ إلَّا بِأَنْ تَأْذَنَ له أَنْ يُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا فَيَجُوزُ بِإِذْنِهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ وَوَكَّلَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وهو فَأَيُّهُمَا أَنْكَحَ أَوَّلًا فَالنِّكَاحُ نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ الْوَكِيلُ أو الْأَبُ وَإِنْ دخل بها الْآخَرُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْوَلَدُ لا حق وَلَا مِيرَاثَ لها منه وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا له منها لو مَاتَتْ وَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ منها الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهِ لها الصَّدَاقُ يُحَاسَبُ بِهِ من مِيرَاثِهِ وَهَكَذَا لو أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مَعًا أو لِوَلِيٍّ أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ وَكِيلًا أو لِوَلِيَّيْنِ كَذَلِكَ فَوَكَّلَا وَكِيلَيْنِ أَيَّ هذا كان فَالتَّزْوِيجُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ وَالْوُكَلَاءُ ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ إذَا عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ فَعَلَ ذلك قبل صَاحِبِهِ قال وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ على يَوْمٍ وَاحِدٍ ولم يُثْبِتُوا السَّاعَةَ أو أَثْبَتُوهَا فلم يَكُنْ في إثْبَاتِهِمْ دَلَالَةٌ على أَيِّ النِّكَاحَيْنِ كان أَوَّلًا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا شَيْءَ لها من وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ دخل بها أَحَدُهُمَا على هذا فَأَصَابَهَا كان لها منه مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ كان الزَّوْجَانِ في هذا لَا يَعْرِفَانِ أَيَّ النِّكَاحِ كان قَبْلُ أو يَتَدَاعَيَانِ فيقول كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كان نِكَاحِي قَبْلُ وَهُمَا يُقِرَّانِ أنها لَا تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا كان أَوَّلًا وَيُقِرَّانِ بِأَمْرٍ يَدُلُّ على أنها لَا تَعْلَمُ ذلك مِثْلُ أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً عن النِّكَاحِ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي تَزَوَّجَتْ بِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا وَلَوْ ادَّعَيَا عليها أنها تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا أَوَّلُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ نِكَاحَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْوُلَاةُ شَرْعًا فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يلى التَّزْوِيجَ دُونَ بَعْضٍ فَذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ تولى أَيَّهُمْ شَاءَتْ فَإِنْ قالت قد أَذِنْت في فُلَانٍ فَأَيُّ وُلَاتِي أَنْكَحَنِيهِ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَأَيُّهُمْ أنكحه ( ( ( أنكحها ) ) ) فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَإِنْ ابْتَدَرَهُ اثْنَانِ فزوجاه ( ( ( فزوجاها ) ) ) فنكاحه ( ( ( فنكاحها ) ) ) جَائِزٌ وَإِنْ تَمَانَعُوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ السُّلْطَانُ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنْ لم يَتَرَافَعُوا إلَى السُّلْطَانِ عَدَلَ بَيْنَهُمْ أَمَرَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ زَوَّجَ وَإِنْ تَرَكُوا الْإِقْرَاعَ أو تَرَكَهُ السُّلْطَانُ لم أُحِبَّهُ لهم وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَازَ - * إنْكَاحُ الْوَلِيَّيْنِ وَالْوَكَالَةُ في النِّكَاحِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ قال وَبَيَّنَ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَوَّلُ أَحَقُّ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَكُونُ بَاطِلًا وَأَنَّ نِكَاحَ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَكُونُ حَقًّا بِأَنْ يَكُونُ الْآخَرُ دخل ولم يَدْخُلْ الْأَوَّلُ وَلَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ حَقًّا لو كان هو الدَّاخِلُ قبل الْآخَرِ هو أَحَقُّ بِكُلِّ حَالٍ قال وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْوَكَالَةَ في النِّكَاحِ جَائِزَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحُ وَلِيَّيْنِ متكافيا ( ( ( متكافئا ) ) ) حتى يَكُونَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا بِوَكَالَةٍ منها مع تَوْكِيلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أبي سُفْيَانَ

(5/16)


كان أَوَّلًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا لِلَّذِي زَعَمَتْ أَنَّ نِكَاحَهُ آخِرًا وَإِنْ قالت لَا أَعْلَمُ أَيَّهُمَا كان أَوَّلًا وَادَّعَيَا عِلْمَهَا أُحْلِفَتْ ما تَعْلَمُ وما يَلْزَمُهَا نِكَاحُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال وَلَوْ كانت خَرْسَاءَ أو مَعْتُوهَةً أو صَبِيَّةً أو خَرِسَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ لم يَكُنْ عليها يَمِينٌ وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَوَكِيلٌ له في هذه الْحَالِ فقال الْأَبُ إنْكَاحِي أَوَّلًا أو إنْكَاحُ وَكِيلِي أَوَّلًا كان أو قال ذلك الْوَكِيلُ لم يَكُنْ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهَا وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ كانت عَاقِلَةً بَالِغَةً فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا أَنَّ نِكَاحَهُ كان أَوَّلًا لَزِمَهَا النِّكَاحُ الذي أَقَرَّتْ أَنَّهُ كان أَوَّلًا ولم تَحْلِفْ للاخر لِأَنَّهَا لو أَقَرَّتْ له بِأَنَّ نِكَاحَهُ أَوَّلًا لم يَكُنْ زَوْجَهَا وقد لَزِمَهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةَ الْآخَرِ وَلَوْ كان وَلِيُّهَا الذي هو أَقْرَبُ إلَيْهَا من وَلِيِّهَا الذي يَلِيهِ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا وَوَلِيُّهَا الذي هو أَبْعَدُ منه بِإِذْنِهَا فَإِنْكَاحُ الْوَلِيِّ الذي دُونَهُ من هو أَقْرَبُ منه بَاطِلٌ وَلَوْ كان على الِانْفِرَادِ وإذا كان هذا هَكَذَا فَنِكَاحُ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ جَائِزٌ كان قبل نِكَاحِ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أو بَعْدُ أو دخل الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ الذي لَا وِلَايَةَ له مع من هو أَقْرَبُ وَلَوْ دخل بها الزَّوْجَانِ مَعًا أَثْبَتُّ نِكَاحَ الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ وَآمُرُ بِاجْتِنَابِهَا حتى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا من الزَّوْجِ غَيْرِهِ ثُمَّ خلى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وكان لها على الزَّوْجِ الْمَهْرُ الذي سَمَّى وَعَلَى النَّاكِحِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لها وَلَوْ اشْتَمَلَتْ على حَمْلٍ وُقِفَا عنها وَهِيَ في وَقْفِهِمَا عنها زَوْجَةُ الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ إنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا وَمَتَى جَاءَتْ بِوَلَدٍ أُرِيَهُ الْقَافَةُ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقَاهُ لَحِقَ وَإِنْ لم يُلْحِقَاهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أو أَلْحَقَاهُ بِهِمَا أو لم يَكُنْ قَافَةٌ وُقِفَ حتى يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ قال وَإِنْ انْتَفَيَا منه ولم تَرَهُ الْقَافَةُ لَاعَنَاهَا مَعًا ونفى عنهما مَعًا فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا نَسَبَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ وَقَفَتْهُ حتى تَرَاهُ الْقَافَةُ وكان كَالْمَسْأَلَةِ على الِابْتِدَاءِ وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ بعد ما أَقَرَّ بِهِ الْأَوَّلُ ولم يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ من الْأَوَّلِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ بِإِذْنِهَا فَدَخَلَ بها صَاحِبُ التَّزْوِيجِ الْآخَرِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتُنْزَعُ منه وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ وَيَمْسِكُ عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من الدَّاخِلِ بها - * ما جاء في نِكَاحِ الْآبَاءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان من سنة رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْجِهَادَ يَكُونُ على بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ في الْحُدُودِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِذَلِكَ في الْيَتَامَى فقال { حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } ولم يَكُنْ له الْأَمْرُ في نَفْسِهِ إلَّا بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً أو ابْنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ أو الْجَارِيَةَ الْمَحِيضَ قبل ذلك فَيَكُونُ لَهُمَا أَمْرٌ في أَنْفُسِهِمَا دَلَّ إنْكَاحُ أبي بَكْرٍ عَائِشَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْنَةَ سِتٍّ وَبِنَاؤُهُ بها ابْنَةَ تِسْعٍ على أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالْبِكْرِ من نَفْسِهَا وَلَوْ كانت إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا كانت أَحَقَّ بِنَفْسِهَا منه أَشْبَهَ أَنْ لَا يَجُوزَ له عليها حتى تَبْلُغَ فَيَكُونَ ذلك بِإِذْنِهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تستاذن في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عبد الرحمن وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ زَيْدِ بن جَارِيَةَ عن خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّ وَلِيِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أو بِكْرٍ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ إلَّا الْآبَاءَ في الْأَبْكَارِ وَالسَّادَةَ في الْمَمَالِيكِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) خذام ( ( ( خدام ) ) ) حين زَوَّجَهَا أَبُوهَا كَارِهَةً ولم يَقُلْ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تَبَرِّي أَبَاكِ فَتُجِيزِي إنْكَاحَهُ لو كانت أجازته إنْكَاحَهَا تُجِيزُهُ أَشْبَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها قالت نكحنى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا ابْنَةُ سِتٍّ أو سَبْعٍ وَبَنَى بِي وأنا ابْنَةُ تِسْعٍ الشَّكُّ من الشَّافِعِيِّ

(5/17)


أَنْ تُجِيزَ إنْكَاحَ أَبِيهَا وَلَا يُرَدُّ بِقُوَّتِهِ عليها (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُشْبِهُ في دَلَالَةِ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا فَرَّقَ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَجَعَلَ الثَّيِّبَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَجَعَلَ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ الذي عَنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَبُ خَاصَّةً فَجَعَلَ الْأَيِّمَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا منه فَدَلَّ ذلك على أَنَّ أَمْرَهُ أَنْ تُسْتَأْذَنَ الْبِكْرُ في نَفْسِهَا أَمْرُ اخْتِيَارٍ لَا فَرْضٍ لِأَنَّهَا لو كانت إذَا كَرِهَتْ لم يَكُنْ له تَزْوِيجُهَا كانت كَالثَّيِّبِ وكان يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فيها أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ ولم أَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا في أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ من الاولياء غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلَا ثَيِّبًا إلَّا بِإِذْنِهَا فإذا كَانُوا لم يُفَرِّقُوا بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْبَالِغَيْنِ لم يَجُزْ إلَّا ما وَصَفْت في الْفَرْقِ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ في الْأَبِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ كان لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ إنْكَاحُ الْبِكْرِ إلَّا بِإِذْنِهَا في نَفْسِهَا ما كان له أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا في حَالِهَا تِلْكَ وما كان بين الْأَبِ وَسَائِرِ الْوُلَاةِ فَرْقٌ في الْبِكْرِ كما لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ في الثَّيِّبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُسْتَأْمَرَ الْبِكْرُ في نَفْسِهَا قِيلَ يُشْبِهُ أَمْرُهُ أَنْ يَكُونَ على اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ يَكُونَ بها دَاءٌ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَتَذْكُرُهُ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ أو تَكْرَهُ الْخَاطِبَ لِعِلَّةٍ فَيَكُونُ اسْتِئْمَارُهَا أَحْسَنَ في الِاحْتِيَاطِ وَأَطْيَبَ لِنَفْسِهَا وَأَجْمَلَ في الْأَخْلَاقِ وَكَذَلِكَ نَأْمُرُ أَبَاهَا وَنَأْمُرُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَامَرُ لها فيه أَقْرَبَ نِسَاءِ أَهْلِهَا وَأَنْ يَكُونَ تفضى إلَيْهَا بِذَاتِ نَفْسِهَا أُمًّا كانت أو غير أُمٍّ وَلَا يَعْجَلُ في إنْكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ إخْبَارِهَا بِزَوْجٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إنْ عَلِمَ منها كَرَاهَةً لِمَنْ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ فَعَلَ فَزَوَّجَهَا من كَرِهَتْ جَازَ ذلك عليها وإذا كان يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ عليها من كَرِهَتْ فَكَذَلِكَ لو زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما يَدُلُّ على أَنَّهُ قد يُؤْمَرُ بِمُشَاوِرَةِ الْبِكْرِ وَلَا أَمْرَ لها مع أَبِيهَا الذي أُمِرَ بِمُشَاوِرَتِهَا قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } ولم يَجْعَلْ اللَّهُ لهم معه أَمْرًا إنَّمَا فَرَضَ عليهم طَاعَتَهُ وَلَكِنَّ في الْمُشَاوِرَةِ اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِمْ وَأَنْ يَسْتَنَّ بها من ليس له على الناس ما لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَنْ يأتى من بَعْضِ الْمُشَاوِرِينَ بِالْخَيْرِ قد غَابَ عن الْمُسْتَشِيرِ وما أَشْبَهَ هذا قال وَالْجَدُّ أبو الْأَبِ وَأَبُوهُ وأبو أبيه يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ في تَزْوِيجِ الْبِكْرِ وَوِلَايَةِ الثَّيِّبِ ما لم يَكُنْ دُونَ وَاحِدٍ منهم أَبٌ أَقْرَبَ منه وَلَوْ زُوِّجَتْ الْبِكْرُ أَزْوَاجًا مَاتُوا عنها أو فَارَقُوهَا وَأَخَذَتْ مُهُورًا وَمَوَارِيثَ دخل بها أَزْوَاجُهَا أو لم يَدْخُلُوا إلَّا أنها لم تُجَامِعْ زُوِّجَتْ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا اسْمُ بِكْرٍ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا وَسَوَاءٌ بَلَغَتْ سِنًّا وَخَرَجَتْ الْأَسْوَاقَ وَسَافَرَتْ وَكَانَتْ قَيِّمَ أَهْلِهَا أو لم يَكُنْ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّهَا بِكْرٌ في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ( قال ) وإذا جُومِعَتْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أو فَاسِدٍ أو زِنًا ( 1 ) صَغِيرَةً كانت بَالِغًا أو غير بَالِغٍ كانت ثَيِّبًا لَا يَكُونُ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا يَكُونُ له تَزْوِيجُهَا إذَا كانت ثَيِّبًا وَإِنْ كانت لم تَبْلُغْ إنَّمَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إذَا كانت بِكْرًا لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا إذَا كانت صَغِيرَةً وَلَا بَالِغًا مع أَبِيهَا قال وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلَا ثَيِّبًا صَغِيرَةً لَا بِإِذْنِهَا وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حتى تَبْلُغَ فَتَأْذَنَ في نَفْسِهَا وَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ صَغِيرَةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَقَعُ عليها طَلَاقٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ في جَمِيعِ أَمْرِهِ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا مِيرَاثٌ وَالْآبَاءُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَوْلِيَاءِ في الثَّيِّبِ سَوَاءٌ لَا يُزَوِّجُ أَحَدٌ الثَّيِّبَ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذْنُهَا الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وإذا زَوَّجَ الْأَبُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ رَضِيَتْ بَعْدُ أو لم تَرْضَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ في الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ * ( 1 )

(5/18)


- * الْأَبُ يُنْكِحُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ غير الْكُفْءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَبَيَّنَ فيه أَنَّ الْوَلِيَّ رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ فَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أَبَدًا لِغَيْرِهَا وإذا لم تَكُنْ وَلِيًّا لِنَفْسِهَا كانت أَبْعَدَ من أَنْ تَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهَا وَلَا تَعْقِدُ عَقْدَ نِكَاحٍ
أخبرنا الثِّقَةُ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه قال كانت عَائِشَةُ تُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ من أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ فإذا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قالت لِبَعْضِ أَهْلِهَا زَوِّجْ فإن الْمَرْأَةَ لَا تلى عُقْدَةَ النِّكَاحِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن حَسَّانَ عن بن سِيرِينَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فإن البغى إنَّمَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُزَوِّجَ جَارِيَتَهَا لم يَجُزْ أَنْ تُزَوِّجَهَا هِيَ وَلَا وَكِيلُهَا إنْ لم يَكُنْ وَلِيًّا لِلْمَرْأَةِ إذَا لم تَكُنْ هِيَ وَلِيًّا لِجَارِيَتِهَا لم يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبَبِهَا وَلِيًّا إذَا لم يَكُنْ من الْوُلَاةِ كما لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ بنفسها ( ( ( نفسها ) ) ) من يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيًّا وَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمَرْأَةِ السَّيِّدَةِ الذي كان يُزَوِّجُهَا هِيَ أو السُّلْطَانُ إذَا أَذِنَتْ سَيِّدَتُهَا بِتَزْوِيجِهَا كما يُزَوِّجُونَهَا هِيَ إذَا أَذِنَتْ بِتَزْوِيجِهَا وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُوَلِّيَ امْرَأَةً تُزَوِّجُهَا إذَا لم تَكُنْ وَلِيًّا في نَفْسِهَا لم تَكُنْ وَلِيًّا بِوَكَالَةٍ وَلَا يُزَوِّجُ جَارِيَتَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَيَجُوزُ وَكَالَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ في النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ امْرَأَةً لِمَا وَصَفْت وَلَا كَافِرًا بِتَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّ وَاحِدًا من هَذَيْنِ لَا يَكُونُ وَلِيًّا بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ عَبْدًا وَلَا من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ مَحْجُورًا عليه وَلَا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُونَ وُلَاةً بِحَالٍ - * ما جاء في الْأَوْصِيَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْلِيَاءَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْوُلَاةَ هُمْ الْعَصَبَةُ وَأَنَّ الْأَخْوَالَ لَا يَكُونُونَ وُلَاةً إنْ لم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَمْرُ الْأَبِ على الْبِكْرِ في النِّكَاحِ إذَا كان النِّكَاحُ حَظًّا لها أو غير نَقْصٍ عليها وَلَا يَجُوزُ إذَا كان نَقْصًا لها أو ضَرَرًا عليها كما يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ عليها بِلَا ضَرَرٍ عليها في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ من غَيْرِ ما لَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُهُ الصَّغِيرُ قال وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ عَبْدًا له أو لِغَيْرِهِ لم يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ كُفْءٍ لم يَجُزْ وفي ذلك عليها نَقْصٌ بِضَرُورَةٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا غير كُفْءٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ في ذلك عليها نَقْصًا وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا أَجْذَمَ أو أَبْرَصَ أو مَجْنُونًا أو خَصِيًّا مَجْبُوبًا أو غير مَجْبُوبٍ لم يَجُزْ عليها لِأَنَّهَا لو كانت بَالِغًا كان لها الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ هِيَ بِدَاءٍ من هذه الْأَدْوَاءِ وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا صَحِيحًا ثُمَّ عَرَضَ له دَاءٌ من هذه الْأَدْوَاءِ لم يَكُنْ له أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى تَبْلُغَ فإذا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ ( قال ) وَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ عليها لِرَجُلٍ بِهِ بَعْضُ الْأَدْوَاءِ ثُمَّ ذَهَبَ عنه قبل أَنْ تَبْلُغَ أو عِنْدَ بُلُوغِهَا فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه لم يَكُنْ لها ذلك لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كان مَفْسُوخًا ( قال ) ولو زَوَّجَ ابْنَهُ صَغِيرًا أو مَخْبُولًا أَمَةً كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَالْمَخْبُولَ لَا يُعْرِبُ عن نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِدُ طَوْلًا وَلَوْ زَوَّجَهُ جَذْمَاءَ أو بَرْصَاءَ أو مَجْنُونَةً أو رَتْقَاءَ لم يَجُزْ عليه النِّكَاحُ وَكَذَلِكَ لو كان زَوَّجَهُ امْرَأَةً في نِكَاحِهَا ضَرَرٌ عليه أو ليس له فيها وَطَرٌ مِثْلُ عَجُوزٍ فَانِيَةٍ أو عَمْيَاءَ أو قَطْعَاءَ أو ما أَشْبَهَ هذا - * الْمَرْأَةُ لَا يَكُونُ لها الْوَلِيُّ - *

(5/19)


يَكُونُوا عَصَبَةً فَبَيَّنَ في قَوْلِهِمْ أَنْ لَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ إنْ لم يَكُنْ من الْعَصَبَةِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ جُعِلَتْ لِلْعَصَبَةِ لِلْعَارِ عليهم والوصى مِمَّنْ لَا عَارَ عليه فِيمَا أَصَابَ غَيْرَهُ من عَارٍ وَسَوَاءٌ وَصَّى الْأَبُ بِالْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبَاتِ وَوَصَّى غَيْرَهُ فَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ في النِّكَاحِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس بِوَكِيلِ الْوَلِيِّ وَلَا بِوَلِيٍّ وَالْخَالُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عليه عَارٌ من الوصى وهو لَا وِلَايَةَ له إذَا لم يَكُنْ له نَسَبٌ من قِبَلِ الْأَبِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ من لَقِيت من أَهْلِ الْآثَارِ وَالْقِيَاسُ وقد قال قَائِلٌ يَجُوزُ نِكَاحُ وَصِيِّ الْأَبِ على الْبِكْرِ خَاصَّةً دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُنْكِحَ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُهُ الثَّيِّبَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا إلَى الْوُلَاةِ وَيَقُولُ وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ وَصِيِّ وَلِيٍّ غَيْرِ وَصِيِّ الْأَبِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ التي لم تَبْلُغْ أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ وَإِنْ زَوَّجَهَا فَالتَّزْوِيجُ مَفْسُوخٌ وَالْأَجْدَادُ آبَاءٌ إذَا لم يَكُنْ أَبٌ يَقُومُونَ مَقَامَ الْآبَاءِ في ذلك وَلَا يُزَوِّجُ الْمَغْلُوبَةَ على عَقْلِهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ فَإِنْ لم يَكُنْ آبَاءٌ رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَ ما اُشْتُهِرَ عِنْدَهُ أنها مَغْلُوبَةٌ على عَقْلِهَا فَإِنْ يُقْدِمْ على ذلك زَوَّجَهَا إيَّاهُ وَإِنَّمَا مَنَعْتُ الْوُلَاةَ غير الْآبَاءِ تَزْوِيجَ الْمَغْلُوبَةِ على عَقْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً إلَّا بِرِضَاهَا فلما كانت مِمَّنْ لَا رِضَا لها لم يَكُنْ النِّكَاحُ لهم تَامًّا وَإِنَّمَا أَجَزْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْكِحَهَا لِأَنَّهَا قد بَلَغَتْ أو أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّكَاحِ وَأَنَّ في النِّكَاحِ لها عَفَافًا وَغِنَاءً وَرُبَّمَا كان لها فيه شِفَاءٌ وكان إنْكَاحُهُ إيَّاهَا كَالْحُكْمِ لها وَعَلَيْهَا وَإِنْ أَفَاقَتْ فَلَا خِيَارَ لها وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا كُفُؤًا وإذا أَنْكَحَهَا فَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَتَرِثُ وَتُورَثُ وَإِنْ غَلَبَ على عَقْلِهَا من مَرَضٍ أو بِرْسَامٍ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يُنْكِحَهَا حتى يَتَأَنَّى بها فَإِنْ أَفَاقَتْ أَنْكَحَهَا الْوَلِيُّ من كان بِإِذْنِهَا وَإِنْ لم تُفِقْ حتى طَالَ ذلك وَيُؤَيَّسُ من إفَاقَتِهَا زَوَّجَهَا الْأَبُ أو السُّلْطَانُ وَإِنْ كان بها مع ذَهَابِ الْعَقْلِ جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ أَعْلَمَ ذلك الزَّوْجَ قبل أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ كان بها ضَنًى يَرَى أَهْلُ الْخِبْرَةِ بها أنها لَا تُرِيدُ النِّكَاحَ معه لم أَرَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ زَوَّجَهَا لم أُرِدْ تَزْوِيجَهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ ازْدِيَادٌ لها لَا مُؤْنَةٌ عليها فيه وَسَوَاءٌ إذَا كانت مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا أَبٌ أو سُلْطَانٌ بِلَا أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها - * نِكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ من الرِّجَالِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْكَبِيرِ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ لِأَبِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ له في نَفْسِهِ وَإِنْ كان يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهُ حتى يَأْذَنَ له وهو مُفِيقٌ في أَنْ يُزَوِّجَ فإذا أَذِنَ فيه زَوَّجَهُ وَلَا أَرُدُّ إنْكَاحَهُ إيَّاهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غير الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ له في نَفْسِهِ وَيُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَسْأَلُ عنه فَإِنْ كان يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ ذَكَرَ لِلْمُزَوَّجَةِ حاله فَإِنْ رَضِيَتْ حاله زَوَّجَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ فِيمَا يَرَى بِزَمَانَةٍ أو غَيْرِهَا * ( 1 ) *
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يَزْعُمُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ وَكَالَتُهُ فَإِنْ كان الْوَصِيُّ وَكِيلًا عِنْدَهُ كَوَكِيلِ الْحَيِّ فَوَكِيلُ الْأَبِ وَالْأَخِ ( 1 ) وَلِيُّ الْأَوْلِيَاءِ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَجُوزُ إنْكَاحُهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِوَكَالَةِ من وَكَّلَهُمْ ما جَازَ لِمَنْ وَكَّلَهُمْ بِالنِّكَاحِ وَيُقِيمُهُمْ مُقَامَ من وَكَّلَهُ وهو لَا يُجِيزُ لِوَصِيِّ الْأَبِ ما يُجِيزُ لِلْأَبِ وَيَقُولُ ليس بِوَكِيلٍ وَلَا أَبٍ فَيُقَالُ فَوَلِيُّ قَرَابَةٍ فيقول لَا فَيُقَالُ ما هو فيقول وصى وَلِيٍّ فيقول يَقُومُ مَقَامُهُ وَلَا يدرى ما يقول وَيُقَالُ فما لِغَيْرِ الْأَبِ فيقول الْوَصِيُّ ليس بِوَلِيٍّ وَلَا وَكِيلٍ فَيَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَيْسَ من النِّكَاحِ بِسَبِيلٍ فيقول قَوْلًا مُتَنَاقِضًا يُخَالِفُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ - * إنْكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِين - *

(5/20)


لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا لِأَبِيهِ إلا أَنْ يَكُونَ تَزْوِيجُهُ لِيُخْدَمَ فَيَجُوزَ تَزْوِيجُهُ لِذَلِكَ وللاباء ما لِلْأَبِ في الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ وفي الصَّغِيرَةِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وللاباء تَزْوِيجُ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَلَا خِيَارَ له إذَا بَلَغَ وَلَيْسَ ذلك لِسُلْطَانٍ وَلَا وَلِيٍّ وَإِنْ زَوَّجَهُ سُلْطَانٌ أو ولى غَيْرُ الْآبَاءِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّا إنَّمَا نُجِيزُ عليه أَمْرَ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ في النَّظَرِ له ما لم يَكُنْ له في نَفْسِهِ أَمْرٌ وَلَا يَكُونُ له خِيَارٌ إذَا بَلَغَ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَيْسَ ذلك له وَلَوْ كان الصَّبِيُّ مَجْبُوبًا أو مَخْبُولًا فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ كان نِكَاحُهُ مَرْدُودًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ قال وإذا زَوَّجَ الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخَالِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا عليه وَلَا يُزَوَّجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بَالِغًا وَبَعْدَ ما يُسْتَدَلُّ على حَاجَتِهِ إلي النِّكَاحِ وَلَوْ طَلَّقَهَا لم يَكُنْ طَلَاقُهُ طَلَاقًا وَكَذَلِكَ لو آلَى منها أو تَظَاهَرَ لم يَكُنْ عليه إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه وَكَذَلِكَ لو قَذَفَهَا وَانْتَفَى من وَلَدَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَلَوْ قالت هو عِنِّينٌ لَا يَأْتِينِي لم نضرب ( ( ( تضرب ) ) ) له أَجَلًا وَذَلِكَ أنها إنْ كانت ثَيِّبًا فَقَدْ يَأْتِيهَا وَتَجْحَدُ وهو لو كان صَحِيحًا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَإِنْ كانت بِكْرًا فَقَدْ تَمْتَنِعُ من أَنْ يَنَالَهَا فَلَا يَعْقِلُ أَنْ يَدْفَعَ عن نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ أنها تَمْتَنِعُ وَيَمْتَنِعُ وَيُؤْمَرُ إشَارَةً بِإِصَابَتِهَا وَلَوْ ارْتَدَّ لم تَحْرُمْ عليه لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه وَلَوْ ارْتَدَّتْ هِيَ فلم تَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بَانَتْ منه وَهَكَذَا إذَا نَكَحَتْ الْمَغْلُوبَةُ على عَقْلِهَا لم يَكُنْ لِأَبِيهَا وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُخَالِعَ عنها بِدِرْهَمٍ من مَالِهَا وَلَا يُبْرِئُ زَوْجَهَا من نَفَقَتِهَا وَلَا شَيْءَ وَجَبَ لها عليه فَإِنْ هَرَبَتْ أو امْتَنَعَتْ منه لم يَكُنْ لها عليه نَفَقَةٌ ما دَامَتْ هَارِبَةً أو مُمْتَنِعَةً وَإِنْ آلَى منها وَطَلَبَ وَلِيُّهَا وَقْفَهُ قِيلَ له اتَّقِ اللَّهَ وَفِئْ أو طَلِّقْ وَلَا يُجْبَرُ على طَلَاقٍ كما لَا يُجْبَرُ لو طَلَبَتْهُ هِيَ وَكَذَلِكَ إنْ كان عِنِّينًا لم يُؤَجِّلْ لها من قِبَلِ أَنَّ هذا شَيْءٌ إنْ كانت صَحِيحَةً كان لها طَلَبُهُ لِتُعْطَاهُ أو يُفَارِقَ وَإِنْ تَرَكَتْهُ لم يَحْمِلْ فيه الزَّوْجُ على الْفِرَاقِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَاهَا وَامْتِنَاعِهِ من الْفَيْءِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ طَلَبٌ أَنْ يُفَارِقَ بِحُكْمٍ يَلْزَمُ زَوْجَهَا غَيْرُهَا وَهِيَ مِمَّنْ لَا طَلَبَ له وَلَوْ طَلَبَتْ لم يَكُنْ ذلك على الزَّوْجِ وَهَكَذَا الصَّبِيَّةُ التي لَا تَعْقِلُ في كل ما وَصَفْت قال وَلَوْ قَذَفَ الْمَجْنُونَةَ وَانْتَفَى من وَلَدِهَا قِيلَ له إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْفِيَ الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ فَالْتَعِنْ فإذا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا وَلَا يُرَدَّ عليه وَيُنْفَى عنه الْوَلَدُ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يُعَزَّرُ ولم يَنْكِحْهَا أَبَدًا فَإِنْ أبي أَنْ يَلْتَعِنَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَلَا يُعَزَّرُ لها قال وَأَيُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ ما كانت في مِلْكِهِ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهَا وَلَدٌ فقال لم تَلِدْهُ وَلَا قَافَةَ وريئت تَدِرُّ عليه وَتُرْضِعُهُ وتحنو ( ( ( وتحنوا ) ) ) عليه حُنُوَّ الْأُمِّ لم تَكُنْ أُمُّهُ إلَّا بِأَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أنها وَلَدَتْهُ أو يُقِرَّ هو بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فَيُلْحِقَهُ وَإِنْ كانت قَافَةٌ فَأَلْحَقُوهُ بها فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلَيْسَ لِلْأَبِ في الصَّبِيَّةِ وَالْمَغْلُوبَةِ على عَقْلِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا عَبْدًا وَلَا غير كُفْءٍ لها وَأَنْظُرُ كُلَّ امْرَأَةٍ كانت بَالِغًا ثَيِّبًا فَدَعَتْ إلَيْهِ كان لِأَبِيهَا وَوَلِيِّهَا مَنْعُهَا منه وَلَيْسَ لِلْأَبِ عليها إدْخَالُهَا فيه وَلَا لِلْأَبِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا أن يزوجها مجنونا ولا مجذوما ولا أبرص ولا مغلوبا على عقله لأنه قد كان لها لو تزوجته برضاها إذا علمت أن تفسخ نكاحه وكذلك ليس له أَنْ يُزَوِّجَهَا مَجْبُوبًا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ بِنِكَاحٍ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَيَبِيعَهَا منه وَلَا لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَجْنُونَةً وَلَا جَذْمَاءَ وَلَا بَرْصَاءَ وَلَا مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا وَلَا امْرَأَةً لَا تُطِيقُ جِمَاعًا بِحَالٍ وَلَا أَمَةً وَإِنْ كان لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ
____________________

(5/21)


- * النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ قد زَوَّجْتُكِ حَمْلَ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو قال ذلك الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ في حَبَلِ امْرَأَتِهِ قد زَوَّجْتُكَ أَوَّلَ جَارِيَةٍ تَلِدُهَا امْرَأَتِي وَقَبِلَ الرَّجُلُ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ من هذا نِكَاحًا أَبَدًا وَلَا نِكَاحَ لِمَنْ لم يُولَدْ أَلَا تَرَى أنها قد لَا تَلِدُ جَارِيَةً وقد لَا تَلِدُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نِكَاحَ لِلْأَبِ في ثَيِّبٍ وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ في بِكْرٍ وَلَا ثَيِّبٍ غَيْرِ مَغْلُوبَةٍ على عَقْلِهَا حتى يَجْمَعَ النِّكَاحُ أَرْبَعًا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ بَالِغٌ وَالْبُلُوغُ أَنْ تَحِيضَ أو تَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَيَرْضَى الزَّوْجُ الْبَالِغُ وَيُنْكِحُ الْمَرْأَةَ وَلِيٌّ لَا أَوْلَى منه أو السُّلْطَانُ وَيَشْهَدُ على عَقْدِ النِّكَاحِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَإِنْ نَقَصَ النِّكَاحُ وَاحِدًا من هذا كان فَاسِدًا قال وَلِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَأَحَبُّ إلى أن كانت بَالِغًا أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا وَذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ في أَمَتِهِ وَلَيْسَ ذلك لِسَيِّدِ الْعَبْدِ في عَبْدِهِ وَلَا لِأَحَدٍ من الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْآبَاءِ في الْبِكْرِ وَهَكَذَا لِأَبِي الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغِ أَنْ يُزَوِّجَهَا تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا وَلَيْسَ ذلك لِغَيْرِ الأباء إلَّا السُّلْطَانَ - * النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ أَيْضًا - *
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خَيْثَمٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ قال لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَأَحْسَبُ مُسْلِمَ بن خَالِدٍ قد سَمِعَهُ من بن خَيْثَمٍ أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ قال أتى عُمَرُ بِنِكَاحٍ لم يَشْهَدْ عليه إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فقال هذا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فيه لَرَجَمْت قال وَلَوْ شَهِدَ النِّكَاحَ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَثُرُوا من أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أو شَهَادَةُ عَبِيدٍ مُسْلِمِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ لم يَجُزْ النِّكَاحُ حتى يَنْعَقِدَ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ قال وإذا كان ( ( ( كانا ) ) ) الشَّاهِدَانِ لَا يُرَدَّانِ من جِهَةِ التَّعْدِيلِ وَلَا الْحُرِّيَّةِ وَلَا الْبُلُوغِ وَلَا عِلَّةَ في أَنْفُسِهِمَا خَاصَّةً جَازَ النِّكَاحُ قال وإذا كَانَا عَدْلَيْنِ عَدُوَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ أو لِلرَّجُلِ فَتَصَادَقَ الزَّوْجَانِ على النِّكَاحِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَإِنْ تَجَاحَدَا لم يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنِّي لَا أُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا على عَدُوَّيْهِمَا وَأَحْلَفْت الْجَاحِدَ مِنْهُمَا فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتْ له النِّكَاحَ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم أُثْبِتْ له نِكَاحًا وَإِنْ رؤى رَجُلٌ يَدْخُلُ على امْرَأَةٍ فقالت زَوْجِي وقال زَوْجَتِي نَكَحْتهَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم نَعْلَمْ الشَّاهِدَيْنِ قال وَلَوْ عُقِدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَشْهَدَ بَعْدَ ذلك على حِيَالِهِ وَأَشْهَدَتْ وَوَلِيُّهَا على حِيَالِهِمَا لم يَجُزْ النِّكَاحُ وَلَا نُجِيزُ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا عُقِدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وما وَصَفْت معه وَلَا يَكُونُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالنِّكَاحِ غير جَائِزٍ لم يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ غَيْرِهِ وَلَوْ كان الشَّاهِدَانِ عَدْلَيْنِ حِين حَضَرَا النِّكَاحَ ثُمَّ سَاءَتْ حَالُهُمَا حتى رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَتَصَادَقَا أَنَّ النِّكَاحَ قد كان وَالشَّاهِدَانِ عَدْلَانِ أو قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ جَازَ وَإِنْ قَالَا كان النِّكَاحُ وَهُمَا بِحَالِهِمَا لم يَجُزْ وقال إنَّمَا أَنْظُرُ في عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَلَا أَنْظُرُ أَيْنَ يَقُومَانِ هذا يُخَالِفُ الشَّهَادَةَ على الْحَقِّ غير النِّكَاحِ في هذا الْمَوْضِعِ الشَّهَادَةُ على الْحَقِّ يوم يَقَعُ الْحُكْمُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى حَالَ الشَّاهِدَيْنِ قَبْلُ وَالشَّهَادَةُ على النِّكَاحِ يوم يَقَعُ الْعَقْدُ قال وَلَوْ جَهِلَا حَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَتَصَادَقَا على النِّكَاحِ بِشَاهِدَيْنِ جَازَ النِّكَاحُ وَكَانَا على الْعَدْلِ حتى أَعْرِفَ الْجُرْحَ يوم وَقَعَ النِّكَاحُ وإذا وَقَعَ النِّكَاحُ ثُمَّ أَمَرَهُ الزَّوْجَانِ بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ وَالشَّاهِدَيْنِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَأَكْرَهُ لَهُمَا السِّرَّ لِئَلَّا يَرْتَابَ بِهِمَا - * ما جاء في النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ وَنِكَاحُ من لم يُولَدْ - *

(5/22)


غُلَامًا أَبَدًا فإذا كان الْكَلَامُ مُنْعَقِدًا على غَيْرِ شَيْءٍ لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا على عَيْنٍ بِعَيْنِهَا وَلَوْ قال الرَّجُلُ إذَا كان غَدًا فَقَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَقَبِلَ ذلك الرَّجُلُ أو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ إذَا كان غَدًا فَقَدْ زَوَّجْت ابْنِي ابْنَتَك وَقَبِلَ أبو الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَانِ لم يَجُزْ له لِأَنَّهُ قد يَكُونُ غَدًا وقد مَاتَ ابْنُهُ أو ابْنَتُهُ أو هُمَا وإذا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَانْعِقَادُهُ الْكَلَامُ بِهِ فَكَانَ في وَقْتٍ لَا يَحِلُّ له فيه الْجِمَاعُ وَلَا يَتَوَارَثُ الزَّوْجَانِ لم يَجُزْ وكان ذلك في مَعْنَى الْمُتْعَةِ التي تَكُونُ زَوْجَةً في أَيَّامٍ وَغَيْرِ زَوْجَةٍ في أَيَّامٍ وفي أَكْثَرَ من مَعْنَى الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ قد جَاءَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الْعَقْدِ لم يُوجَبْ فيها النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ هذا نِكَاحًا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ من أَجَازَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ هذا أَفْسَدُ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ - * ما يَجِبُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ الْوَالِدَةُ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُنَّ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ كما لَزِمَ الْجَدَّاتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا خَطَبَ الرَّجُلُ على نَفْسِهِ فقال زوجني ( ( ( زوجتي ) ) ) فلانه أو وَكِيلُ الرَّجُلِ على من وَكَّلَهُ فقال ذلك أو أبو الصَّبِيِّ الْمُوَلَّى عليه الْمَرْأَةَ إلَى وَلِيِّهَا بعد ما أَذِنَتْ في إنْكَاحِ الْخَاطِبِ أو الْمَخْطُوبِ عليه فقال الْوَلِيُّ قد زَوَّجْتُك فُلَانَةَ التي سَمَّى فَقَدْ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أو من وَلِيَ عَقْدَ نِكَاحِهِ بِوَكَالَتِهِ قد قَبِلْت إذَا بَدَأَ فَخَطَبَ فَأُجِيبَ بِالنِّكَاحِ قال وَلَوْ احْتَجْت إلَى هذا لم أُجِزْ نِكَاحًا أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يولى الرَّجُلُ وَتُوَلِّيَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا وَاحِدًا فَيُزَوِّجَهُمَا وَذَلِكَ أَنِّي إذَا احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ الْخَاطِبُ وقد بَدَأَ بِالْخِطْبَةِ إذَا زَوَّجَ قد قَبِلْت لِأَنِّي لَا أَدْرِي ما بَدَا لِلْخَاطِبِ احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ قد أَجَزْت لِأَنِّي لَا أَدْرِي ما بَدَا له إنْ كان إذَا زَوَّجَ لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ إلَّا بِإِحْدَاثِ الْمُنْكِحِ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ احْتَجْت إلَى أَنْ أَرُدَّ الْقَوْلَ على الزَّوْجِ ثُمَّ هَكَذَا على وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ بهذا الْمَعْنَى نِكَاحٌ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يلى العقد عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ بِوَكَالَتِهِمَا وَلَكِنْ لو بَدَأَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ فقال لِرَجُلٍ قد زَوَّجْتُك ابْنَتِي لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَقُولَ الرَّجُلُ قد قَبِلْت لِأَنَّ هذا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ ليس جَوَابَ مُخَاطَبَةٍ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يُجِبْهُ الْأَبُ حتى يَقُولَ الْخَاطِبُ قد رَجَعْت في الْخُطْبَةِ فَزَوَّجَهُ الْأَبُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ زَوَّجَ غير خَاطِبٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ تَزْوِيجِ الْأَبِ قد قَبِلْت وَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فلم يُجِبْهُ الرَّجُلُ حتى غُلِبَ على عَقْلِهِ ثُمَّ زَوَّجَهُ لم يَكُنْ هذا نِكَاحًا لِأَنَّهُ عقده من قد بَطَلَ كَلَامُهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَهَكَذَا لو كان الْخَاطِبُ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَ وَلَكِنْ لو عَقَدَ عليه ثُمَّ غَلَبَ على عَقْلِهِ كان النِّكَاحُ جَائِزًا إذَا عَقَدَ وَمَعَهُ عَقْلُهُ وَلَوْ كان هذا في امْرَأَةٍ أَذِنَتْ في أَنْ تَنْكِحَ فلم تَنْكِحَ حتى غُلِبَتْ على عَقْلِهَا ثُمَّ أَنُكِحَتْ بَعْدَ الْغَلَبَةِ على عَقْلِهَا كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لم يَلْزَمْهَا شَيْءٌ من النِّكَاحِ حتى غُلِبَ على عَقْلِهَا فَبَطَلَ إذْنُهَا وَهَذَا كما قُلْنَا في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا قال وَلَوْ زُوِّجَتْ قبل أَنْ تُغْلَبَ على عَقْلِهَا ثُمَّ غُلِبَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ على عَقْلِهَا لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَوْ قال الرَّجُلُ لِأَبِي الْمَرْأَةِ أَتُزَوِّجُنِي فلانه فقال قد زَوَّجْتُكَهَا لم يَثْبُتُ النِّكَاحُ حتى يَقْبَلَ الْمُزَوَّجُ لِأَنَّ هذا ليس خِطْبَةً وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ وإذا خَطَبَهَا على نَفْسِهِ ولم يُسَمِّ صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ بِإِذْنِهَا كان الصَّدَاقُ له وَلَهَا لَازِمًا - * ما يَحْرُمُ من النِّسَاءِ بِالْقَرَابَةِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } الْآيَةُ

(5/23)


اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ وَتَبَاعَدْنَ منه وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأَخَوَاتُ من وَلَدِ أبيه لِصُلْبِهِ أو أُمِّهِ نَفْسِهَا وَعَمَّاتِهِ من وَلَدِ جَدِّهِ الْأَدْنَى أو الْأَقْصَى وَمَنْ فَوْقَهُمَا من أَجْدَادِهِ وَخَالَاتِهِ من ولدته ( ( ( والدته ) ) ) أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّهَا وَمَنْ فَوْقَهُمَا من جَدَّاتِهِ من قَبْلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلُّ ما وَلَدَ الْأَخُ لِأَبِيهِ أو لِأُمِّهِ أو لَهُمَا من وَلَدٍ وَلَدَتْهُ وَالِدَتُهُ فَكُلُّهُمْ بَنُو أَخِيهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ دَلَالَةُ السُّنَّةِ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسِ عن ( ( ( بن ) ) ) عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِ حَفْصَةَ فقالت عَائِشَةُ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ هذا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِك فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ من الرَّضَاعَةِ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ لو كان فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا من الرَّضَاعَةِ أَيَدْخُلُ عَلَيَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعَتْ بن جُدْعَانَ قال سَمِعَتْ بن الْمُسَيِّبِ يحدث عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يا رَسُولَ اللَّهِ هل لَك في ابْنَةِ عَمِّك بِنْتِ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ في قُرَيْشٍ فقال أَمَا عَلِمْت أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي من الرَّضَاعَةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ من الرَّضَاعَةِ ما حَرَّمَ من النَّسَبِ أَخْبَرَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ابْنَةِ حَمْزَةَ مِثْلَ حديث سُفْيَانَ في بِنْتِ حَمْزَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي نَفْسِ السُّنَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ وَأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ كما يُحَرِّمُ وِلَادَةُ الْأَبِ يُحَرِّمُ لَبَنُ الْأَبِ لَا اخْتِلَافَ في ذلك
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ أَنَّ بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عن رَجُلٍ كانت له امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ له هل يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فقال لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عن لَبَنِ الْفَحْلِ أَيُحَرِّمُ فقال نعم فَقُلْت له أَبَلَغَك من ثَبَتَ فقال نعم قال بن جُرَيْجٍ قال عَطَاءٌ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ فَهِيَ أُخْتُك من أَبِيك أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بن دِينَارٍ أخبره أَنَّهُ سمع أَبَا الشَّعْثَاءِ يَرَى لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وقال بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ قال لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أو طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها لم أَرَ له أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ليس فيها شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ في الرَّبَائِبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ من الْمُفْتِينَ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال سُئِلَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ عن رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَفَارَقَهَا قبل أَنْ يُصِيبَهَا هل تَحِلُّ له أُمُّهَا فقال زَيْدُ بن ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ ليس فيها شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ في الرَّبَائِبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ وَجَدَّاتُهَا لِأَنَّهُنَّ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يَدْخُلْ بها حتى مَاتَتْ أو طَلَّقَهَا فَكُلُّ بِنْتٍ لها وَإِنْ سَفَلْنَ حَلَالٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها ثُمَّ نَكَحَ ابْنَتَهَا حَرُمَتْ عليه أُمُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْأُخْتَ من الرَّضَاعَةِ فَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهَا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من الرَّضَاعَةِ فَأَقَامَهُمَا في التَّحْرِيمِ مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من النَّسَبِ أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ فما حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعِ مِثْلِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْقِيَاسُ على الْقُرْآنِ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْرُمَ من الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَلَا يَحْرُمُ سُوَاهُمَا

(5/24)


امْرَأَتِهِ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وقد كانت قَبْلُ من نِسَائِهِ غير أَنَّهُ لم يَدْخُلْ بها وَلَوْ كان دخل بِالْأُمِّ لم تَحِلَّ له الْبِنْتُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ وَلَدَتْهُ الْبِنْتُ أَبَدًا لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُهُ من امْرَأَتِهِ التي دخل بها قال اللَّهُ عز وجل { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ على أبيه دخل بها الِابْنُ أو لم يَدْخُلْ وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ على جَمِيعِ آبَائِهِ من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ من نَكَحَ وَلَدُ وَلَدِهِ من قِبَلِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا قال اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ إلَّا ما قد سَلَفَ } فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ على وَلَدِهِ دخل بها الْأَبُ أو لم يَدْخُلْ بها وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ من قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الأبوه تَجْمَعُهُمْ مَعًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ وَلَا يَكُونُ الرَّضَاعِ من هذا في شَيْءٍ وَحَرَّمْنَا من الرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ قِيَاسًا عليه وَبِمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ إلَّا ما قد سَلَفَ } وفي قَوْلِهِ { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ إلَّا ما قد سَلَفَ } كان أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ على امْرَأَةِ أبيه وكان الرَّجُلُ يَجْمَعُ بين الْأُخْتَيْنِ فَنَهَى اللَّهُ عز وجل عن أَنْ يَكُونَ منهم أَحَدٌ يَجْمَعُ في عُمْرِهِ بين أُخْتَيْنِ أؤ يَنْكِحَ ما نَكَحَ أَبُوهُ إلَّا ما قد سَلَفَ في الْجَاهِلِيَّةِ قبل عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ ليس أَنَّهُ أَقَرَّ في أَيْدِيهِمْ ما كَانُوا قد جَمَعُوا بَيْنَهُ قبل الْإِسْلَامِ كما أَقَرَّهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ الذي لَا يَحِلُّ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما حَرَّمْنَا على الْآبَاءِ من نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَعَلَى الْأَبْنَاءِ من نِسَاءِ الْآبَاءِ وَعَلَى الرَّجُلِ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَبَنَاتِ نِسَائِهِ اللَّاتِي دخل بِهِنَّ بِالنِّكَاحِ فَأُصِيبَ فَأَمَّا بالزنى فَلَا حُكْمَ لِلزِّنَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لم تَحْرُمْ عليه وَلَا على ابْنِهِ وَلَا على أبيه وَكَذَلِكَ لو زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أو بِنْتِ امْرَأَتِهِ لم تَحْرُمْ عليه امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كانت تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَزَنَى بِأُخْتِهَا لم يَجْتَنِبْ امْرَأَتَهُ ولم يَكُنْ جَامِعًا بين الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ كانت الْإِصَابَةُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ احْتَمَلَ أَنْ يُحَرِّمَ من قِبَلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فيه النَّسَبُ وَيُؤْخَذُ فيه الْمَهْرُ وَيُدْرَأُ فيه الْحَدُّ وَتَكُونُ فيه الْعِدَّةُ وَهَذَا حُكْمُ الْحَلَالِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَحْرُمَ بِهِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَأَصَابَهَا لم يَحِلَّ له عِنْدِي أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا وَلَا ابْنَتَهَا وَلَا يَنْكِحُهَا أَبُوهُ وَلَا ابْنُهُ وَإِنْ لم يُصِبْ النَّاكِحُ نِكَاحًا فَاسِدًا لم يُحَرِّمْ عليه النِّكَاحُ الْفَاسِدُ بِلَا إصَابَةٍ فيه شيئا من قِبَلِ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ فيه صداق ولا يلحق فيه نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صَدَاقٌ وَلَا يَلْحَقُ فيه طَلَاقٌ وَلَا شَيْءٌ مِمَّا بين الزَّوْجَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال غَيْرُنَا لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَإِنْ كان فيه الْإِصَابَةُ كما لَا يُحَرِّمُ الزنى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الْأَزْوَاجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا وَلَا ما بين الزَّوْجَيْنِ وقد قال غَيْرُنَا وَغَيْرُهُ كُلُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ امْرَأَةِ أَبٍ أو بن حَرَّمْتهَا على ابْنِهِ أو أبيه بِنَسَبٍ فَكَذَلِكَ أُحَرِّمُهَا إذَا كانت امْرَأَةَ أَبٍ أو أبن من الرَّضَاعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ من الرَّضَاعَةِ قِيلَ بِمَا وَصَفْت من جَمْعِ اللَّهِ بين الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من الرَّضَاعَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ من النَّسَبِ في التَّحْرِيمِ ثُمَّ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ فَإِنْ قال فَهَلْ تَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِيمَ أَنْزَلَهَا فَأَمَّا مَعْنَى ما سَمِعْت مُتَفَرِّقًا فَجَمَعْته فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَةَ جَحْشٍ فَكَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بن حَارِثَةَ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَبَنَّاهُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرِهِ أَنْ يُدْعَى الْأَدْعِيَاءُ لِآبَائِهِمْ { فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ } وقال { وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { ومواليكم ( ( ( مواليكم ) ) ) } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { فلما قَضَى زَيْدٌ منها وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ على الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } الْآيَةُ

(5/25)


ما حَرَّمَهُ الْحَلَالُ فَالْحَرَامُ أَشَدُّ له تَحْرِيمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْنَا في كِتَابِ الِاخْتِلَافِ ذِكْرَ هذا وَغَيْرَهُ وجماعه أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَجَعَلَ ذلك نِعْمَةً من نِعَمِهِ على خَلْقِهِ فَمَنْ حَرَّمَ من النِّسَاءِ على الرِّجَالِ فَيُحَرِّمُهُ الرِّجَالُ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ على الرِّجَالِ من الصِّهْرِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رضي النِّكَاحَ وَأَمَرَ بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ التي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بها على أَنَّ من أتى ( ( ( أبى ) ) ) شيئا دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ كَالزَّانِي الْعَاصِي لِلَّهِ الذي حَدَّهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ له النَّارَ إلَّا أَنْ يعفو ( ( ( يعفوا ) ) ) عنه وَذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هو نِعْمَةٌ لَا نِقْمَةٌ فَالنِّعْمَةُ التي تَثْبُتُ بِالْحَلَالِ لَا تَثْبُتُ بِالْحَرَامِ الذي جَعَلَ اللَّه فيه النِّقْمَةَ عَاجِلًا وَآجِلًا وَهَكَذَا لو زَنَى رَجُلٌ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لم يَكُنْ هذا جَمْعًا بَيْنَهُمَا ولم يَحْرُمْ عليه أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا التي زَنَى بها مَكَانَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ مَوْلُودًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ أَبُوهُ وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا لِأَنَّهَا لم تُرْضِعْهُ هو وكذلك ( ( ( كذلك ) ) ) إنْ لم يَتَزَوَّجْهَا الْأَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَخُو الْمُرْضَعَ الذي لم تُرْضِعْهُ هو لِأَنَّهُ ليس ابْنَهَا وَكَذَلِكَ يَتَزَوَّجُ وَلَدَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلَامُ الْمُرْضَعُ ابْنَةَ عَمِّهِ وَابْنَةَ خَالِهِ من الرَّضَاعِ كما لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ من النَّسَبِ وَلَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بين الْأُخْتَيْنِ من الرَّضَاعَةِ بِنِكَاحٍ وَلَا وَطْءِ مِلْكٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا من الرَّضَاعَةِ يَحْرُمُ من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ من الرَّضَاعَةِ مِمَّا يَحْرُمُ من نِكَاحِهِنَّ وَيُسَافَرُ بِهِنَّ كَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ من النَّسَبِ وَسَوَاءٌ رَضَاعَةُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ كُلُّهُنَّ أُمَّهَاتٌ وَكُلُّهُنَّ يَحْرُمْنَ كما تَحْرُمُ الْحُرَّةُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَسَوَاءٌ وُطِئَتْ الْأَمَةُ بِمِلْكٍ أو نِكَاحٍ كُلُّ ذلك يَحْرُمُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَامْرَأَةَ أَبِيهَا من الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَرِبَ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ لَبَنَ بَهِيمَةٍ من شَاةٍ أو بَقَرَةٍ أو نَاقَةٍ لم يَكُنْ هذا رَضَاعًا إنَّمَا هذا كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بين من شَرِبَهُ إنَّمَا يَحْرُمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ لَا الْبَهَائِمِ وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ } وقال في الرَّضَاعَةِ { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ كَمَالَ الرَّضَاعِ حَوْلَانِ وَجَعَلَ على الرَّجُلِ يُرْضَعُ له ابْنُهُ أَجْرُ الْمُرْضِعِ وَالْأَجْرُ على الرَّضَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا على ماله مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ على الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ منها إلَى كَمَالِ رَضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ على كل رَضَاعٍ وَإِنْ كان بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان هَكَذَا وَجَبَ على أَهْلِ الْعِلْمِ طَلَبُ الدَّلَالَةِ هل يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بِأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الرَّضَاعِ أو مَعْنًى من الرَّضَاعِ دُونَ غَيْرِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أنها قالت كان فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى في الْقُرْآنِ < عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ > ثُمَّ نُسْخِنْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتَوَفَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ من الْقُرْآنِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حُرِّمَ من الرَّضَاعِ ما حُرِّمَ من النَّسَبِ لم يَحِلَّ له أَنْ يَنْكِحَ من بَنَاتِ الْأُمِّ التي أَرْضَعَتْهُ وَإِنْ سَفَلْنَ وَبَنَاتِ بَنِيهَا ( 1 ) وَبَنَاتِهَا وَكُلِّ من وَلَدَتْهُ من قِبَلِ وَلَدٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى امْرَأَةٌ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهَا وَكُلُّ من ولدها ( ( ( ولد ) ) ) لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهَا لِأَنَّهُنَّ خَالَاتُهُ وَكَذَلِكَ عَمَّاتُهَا وَخَالَاتُهَا لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُ أُمِّهِ وَخَالَاتُ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الرَّجُلِ الذي أَرْضَعَتْهُ لَبَنَهُ وَأُمَّهَاتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَخَالَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَكَذَلِكَ من أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ الذي أَرْضَعَتْهُ من الْأُمِّ التي أَرْضَعَتْهُ أو غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ من أُرْضِعَ بِلَبَنِ وَلَدِ الْمَرْأَةِ التي أَرْضَعَتْهُ من أبيه الذي أَرْضَعَهُ بِلَبَنِهِ أو زَوْجٍ غَيْرِهِ

(5/26)


عَائِشَةَ أنها كانت تَقُولُ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ صُيِّرْنَ إلَى خَمْسٍ يُحَرِّمْنَ فَكَانَ لَا يَدْخُلُ على عَائِشَةَ إلَّا من اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن الْحَجَّاجِ بن الْحَجَّاجِ أَظُنُّهُ عن أبي هُرَيْرَةَ قال لَا يُحَرِّمُ من الرَّضَاعِ إلَّا ما فَتَقَ الْأَمْعَاءَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةَ أبي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ تُحَرِّمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بن عبد اللَّهِ أخبره أَنَّ عَائِشَةَ أَرْسَلَتْ بِهِ وهو يَرْضَعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فَأَرْضَعَتْهُ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فلم تُرْضِعْهُ غير ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فلم أَكُنْ أَدْخُلُ على عَائِشَةَ من أَجْلِ أَنِّي لم يَتِمَّ لي عَشْرُ رَضَعَاتٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُحَرِّمُ من الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَذَلِكَ أَنْ يَرْضَعَ الْمَوْلُودُ ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ يَرْضَعَ ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ فإذا رَضَعَ في وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ قد وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ ما قَلَّ منه وَكَثُرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ وإذا قَطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا أو أَكْثَرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ الْتَقَمَ الْمُرْضَعُ الثَّدْيَ ثُمَّ لها بِشَيْءٍ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ كانت رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ الْقَطْعُ إلَّا ما انْفَصَلَ انْفِصَالًا بَيِّنًا كما يَكُونُ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ بِالنَّهَارِ إلَّا مَرَّةً فَيَكُونُ يَأْكُلُ وَيَتَنَفَّسُ بَعْدَ الِازْدِرَادِ إلَى أَنْ يَأْكُلَ فَيَكُونُ ذلك مَرَّةً وَإِنْ طَالَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ ذلك قَطْعًا بَيِّنًا بَعْدَ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ من الطَّعَامِ ثُمَّ أَكَلَ كان حَانِثًا وكان هذا أَكْلَتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَخَذَ ثَدْيَهَا الْوَاحِدَ فَأَنْفَدَ ما فيه ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْآخَرِ مَكَانَهُ فأنفذ ( ( ( فأنفد ) ) ) ما فيه كانت هذه رَضْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الرَّضَاعَ قد يَكُونُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وَالْإِرْسَالِ وَالْعَوْدَةِ كما يَكُونُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وهو طَعَامٌ وَاحِدٌ وَلَا يُنْظَرُ في هذا إلَى قَلِيلِ رَضَاعِهِ وَلَا كَثِيرِهِ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ منه شَيْءٌ فَهُوَ رَضْعَةٌ وما لم يُتِمَّ خَمْسًا لم يَحْرُمْ بِهِنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ السَّعُوطُ لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تُحَرِّمْ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ وقد قال بَعْضُ من مَضَى أنها تُحَرِّمُ قِيلَ بِمَا حَكَيْنَا أَنَّ عَائِشَةَ تَحْكِي أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ نُسْخِنَ بِخَمْسٍ وَبِمَا حَكَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُرْضَعَ سَالِمٌ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُ بِهِنَّ فَدَلَّ ما حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ وما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ بِهِ على أَقَلِّ اسْمِ الرَّضَاعِ ولم يَكُنْ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وقد قال بَعْضُ من مَضَى بِمَا حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ وَالْكِفَايَةُ فِيمَا حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يُشْبِهُ هذا قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } فَسَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقَطْعَ في رُبْعِ دِينَارٍ وفي السَّرِقَةِ من الْحِرْزِ وقال تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَرَجَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ ولم يَجْلِدْهُمَا فَاسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ من السَّارِقِينَ وَالْمِائَةِ من الزُّنَاةِ بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضُ السَّارِقِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَزِنًا فَهَكَذَا اسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا من لَزِمَهُ اسْمُ رَضَاعٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ أَنْ يَرْضَعَ عَشْرًا لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الرَّضَاعِ ولم يَتِمَّ له خَمْسٌ فلم يَدْخُلْ عليها وَلَعَلَّ سَالِمًا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عليه قَوْلُ عَائِشَةَ في الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ فَنُسْخِنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَحَدَّثَ عنها بِمَا عَلِمَ من أَنَّهُ أَرْضَعَ ثَلَاثًا فلم يَكُنْ يَدْخُلُ عليها وَعَلِمَ أَنَّ ما أَمَرَتْ أَنْ يُرْضِعَ عَشْرًا فرأي أَنَّهُ إنَّمَا يُحِلُّ الدُّخُولَ عليها عَشْرٌ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحِكَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُنَّ يُحَرِّمْنَ وَأَنَّهُنَّ من الْقُرْآنِ

(5/27)


- * رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فقال أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ وكان من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد كان شَهِدَ بَدْرًا وكان قد تَبَنَّى سَالِمًا الذي يُقَالُ له سَالِمُ مولى أبي حُذَيْفَةَ كما تَبَنَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْدَ بن حَارِثَةَ فَأَنْكَحَ أبو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وهو يَرَى أَنَّهُ ابْنَهُ فَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ من الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ من أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ فلما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في زَيْدِ بن حَارِثَةَ ما أَنْزَلَ فقال { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ رَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ من أُولَئِكَ من تَبَنَّى إلَى أبيه فَإِنْ لم يَعْلَمْ أَبَاهُ رَدَّهُ إلَى الموالي ( ( ( المولى ) ) ) فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أبي حُذَيْفَةَ وَهِيَ من بَنِي عَامِرِ بن لُؤَيٍّ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ كنا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وكان يَدْخُلُ عَلَيَّ وأنا فُضُلٌ وَلَيْسَ لنا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى في شَأْنِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا من الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ فِيمَنْ كانت تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عليها من الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ لها من أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عليها من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وأبي سَائِرُ أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ من الناس وَقُلْنَ ما نَرَى الذي أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً في سَالِمٍ وَحْدَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هذا من الْخَبَرِ كان أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت حَدِيثَ سَالِمٍ الذي يُقَالُ له مولى أبي حُذَيْفَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةَ أبي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ وقالت ( ( ( قالت ) ) ) أُمُّ سَلَمَةَ في الحديث وكان ذلك في سَالِمٍ خَاصَّةً وإذا كان هذا لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَالْخَاصُّ لَا يَكُونُ إلَّا مُخْرَجًا من حُكْمِ الْعَامِّ وإذا كان مُخْرَجًا من حُكْمِ الْعَامِّ فَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ وَلَا يَجُوزُ في الْعَامِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ وَلَا بُدَّ إذَا اخْتَلَفَ الرَّضَاعُ في الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ من طَلَبِ الدَّلَالَةِ على الْوَقْتِ الذي إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمُرْضِعُ فَأَرْضَعَ لم يَحْرُمْ ( قال ) وَالدَّلَالَةُ على الْفَرْقِ بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مَوْجُودَةٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فَجَعَلَ اللَّهُ عز وجل تَمَامَ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ وقال { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قبل الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ على أَنَّ إرْخَاصَهُ عز وجل في فِصَالِ الْحَوْلَيْنِ على أَنَّ ذلك إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا على فِصَالِهِ قبل الْحَوْلَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ من وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ أَنَّ فِصَالَهُ قبل الْحَوْلَيْنِ خَيْرٌ له من إتْمَامِ الرَّضَاعِ له لِعِلَّةٍ تَكُونُ بِهِ أو بِمُرْضِعَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَضَاعَ غَيْرِهَا أو ما أَشْبَهَ هذا وما جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى له غَايَةً فالحكم ( ( ( بالحكم ) ) ) بَعْدَ مضى الْغَايَةِ فيه غَيْرَهُ قبل مُضِيِّهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما ذلك قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى { وإذا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ } الْآيَةُ فَكَانَ لهم أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ وكان في شَرْطِ الْقَصْرِ لهم بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ دَلِيلٌ على أَنَّ حُكْمَهُمْ في غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ الْقَصْرِ وقال تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَكُنَّ إذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَقْرَاءُ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا غَيْرُ حُكْمِهِنَّ فيها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال عُرْوَةُ قال غَيْرُ عَائِشَةَ من أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما نَرَى هذا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا رُخْصَةً في سَالِمٍ قِيلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في سَالِمٍ مولى أبي حُذَيْفَةَ خَاصَّةً

(5/28)


فَقَوْلُ عُرْوَةَ عن جَمَاعَةِ أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرِ عَائِشَةَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ زَيْنَبَ عن أُمِّهَا أَنَّ ذلك رُخْصَةٌ مع قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ في الحديث هو خَاصَّةً وَزِيَادَةُ قَوْلِ غَيْرِهَا ما نَرَاهُ إلَّا رُخْصَةً مع ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي قد حَفِظْت عن عِدَّةٍ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَضَاعَ سَالِمٍ خَاصٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا خَبَرٌ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا قُلْت في رَضَاعِ الْكَبِيرِ قِيلَ نعم
أخبرنا مَالِكٌ عن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ قال جاء رَجُلٌ إلَى بن عُمَرَ وأنا معه عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فقال بن عُمَرَ جاء رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال كانت لي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عليها فقالت دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول لَا رَضَاعَ إلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ في الصِّغَرِ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى قال رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ ما أَرَاهَا إلَّا تُحَرِّمُ فقال بن مَسْعُودٍ اُنْظُرْ ما يُفْتِي بِهِ الرَّجُلُ فقال أبو مُوسَى فما تَقُولُ أنت فقال لَا رَضَاعَةَ إلَّا ما كان في الْحَوْلَيْنِ فقال أبو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عن شَيْءٍ ما كان هذا الْحَبْرُ بين أَظْهُرِكُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ أَقَلَّ من حَوْلَيْنِ ثُمَّ قُطِعَ رَضَاعُهُ ثُمَّ أُرْضِعَ قبل الْحَوْلَيْنِ أو كان رَضَاعُهُ مُتَتَابِعًا حتى أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى في الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَلَوْ تُوبِعَ رَضَاعُهُ فلم يُفْصَلْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أو حَوْلَيْنِ أو سِتَّةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَأُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لم يُحَرِّمْ الرَّضَاعُ شيئا وكان بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ أُرْضِعَ في الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ وَبَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْخَامِسَةَ وَأَكْثَرَ لم يُحَرِّمْ وَلَا يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ إلَّا ما تَمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ في الْحَوْلَيْنِ وَسَوَاءٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ وَالْوَجُورُ وَإِنْ خُلِطَ لِلْمَوْلُودِ لَبَنٌ في طَعَامٍ فَيَطْعَمُهُ كان اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ أو الطَّعَامُ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ وَسَوَاءٌ شِيبَ له اللَّبَنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ أو قَلِيلٍ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كُلُّهُ كَالرَّضَاعِ وَلَوْ جُبِّنَ له اللَّبَنُ فَأُطْعِمَ جُبْنًا كان كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ لو استسعطه لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ وَلَوْ حقنه كان في الْحُقْنَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أنها تُفْطِرُ الصَّائِمَ لو احْتَقَنَ وَالْآخَرُ أَنَّ ما وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كما وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ يغتذي من الْمَعِدَةِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أُطْعِمَ لَبَنَ امْرَأَةٍ في طَعَامٍ مَرَّةً وَأُوجِرَهُ أُخْرَى وَأَسْعَطهُ أُخْرَى وَأُرْضِعَ أُخْرَى ثُمَّ أُوجِرَهُ وَأُطْعِمَ حتى يَتِمَّ له خَمْسُ مَرَّاتٍ كان هذا الرَّضَاعُ الذي يُحَرِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ لو كان من صِنْفِ هذا خَمْسٌ مرار ( ( ( مرارا ) ) ) أو كان هذا من أَصْنَافٍ شَتَّى وإذا لم تَتِمَّ له الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَنَتَيْنِ لم يَحْرُمْ وَإِنْ تَمَّتْ له الْخَامِسَةُ حين يُرْضَعُ الْخَامِسَةَ فَيَصِلُ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ أو ما وَصَفْت أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الرَّضَاعِ مع مضى سَنَتَيْنِ قبل كَمَالِهَا فَقَدْ حَرُمَ وَإِنْ كان ذلك قبل كَمَالِهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أو مع كَمَالِهَا إذَا لم يَتَقَدَّمْ كَمَالُهَا - * في لَبَنِ الرجل ( ( ( المرأة ) ) ) والمرأة ( ( ( والرجل ) ) ) - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّبَنُ إذَا كان من حَمْلٍ وَلَا أَحْسَبُهُ يَكُونُ إلَّا من حَمْلٍ فَاللَّبَنُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كما يَكُونُ الْوَلَدُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَانْظُرْ إلَى الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ فَإِنْ كان لَبَنُهَا نَزَلَ بِوَلَدٍ من رَجُلٍ نُسِبَ ذلك الْوَلَدُ إلَى وَالِدٍ لِأَنَّ حَمْلَهُ من الرَّجُلِ فَإِنْ رَضَعَ بِهِ مَوْلُودٌ فَالْمَوْلُودُ أو الْمُرْضَعُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ بن الرَّجُلِ الذي الِابْنُ ابْنُهُ من النَّسَبِ كما يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ وَكَمَا يَثْبُتُ الْوَلَدُ منه وَمِنْهَا وَإِنْ كان اللَّبَنُ الذي أَرْضَعَتْ بِهِ الْمَوْلُودَ لَبَنَ وَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ من الرَّجُلِ الذي الْحَمْلُ منه فَأَسْقَطَ اللَّبَنَ فَلَا يَكُونُ الْمُرْضَعُ بن الذي الْحَمْلُ منه إذَا سَقَطَ النَّسَبُ الذي هو أَكْبَرُ منه سَقَطَ اللَّبَنُ الذي أُقِيمَ مَقَامَ النَّسَبِ في التَّحْرِيمِ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ وَبِحِكَايَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَجِمَاعُ فَرْقِ ما بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ في الْحَوْلَيْنِ فإذا أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ في الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كما وَصَفْت فَقَدْ كَمُلَ رَضَاعُهُ الذي يُحَرِّمُ

(5/29)


عَائِشَةَ تَحْرِيمَهُ في الْقُرْآنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ بِكْرًا لم تُمْسَسْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ أو ثَيِّبًا ولم يُعْلَمْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَمْلٌ نَزَلَ لَهُمَا لَبَنٌ فَحُلِبَ فَخَرَجَ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتَا بِهِ مَوْلُودًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كان بن كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا أَبَ له وكان في غَيْرِ مَعْنَى وَلَدِ الزنى وَإِنْ كانت له أُمٌّ وَلَا أَبَ له لِأَنَّ لَبَنَهُ الذي أُرْضِعَ بِهِ لم يَنْزِلْ من جِمَاعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ وَلَا يُعْرَفُ لها زَوْجٌ ثُمَّ جاء رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ كان نَكَحَهَا صَحِيحًا وَأَقَرَّ بِوَلَدِهَا وَأَقَرَّتْ له بِالنِّكَاحِ فَهُوَ ابْنُهَا كما يَكُونُ الْوَلَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَكَحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَلَدَتْ من ذلك النِّكَاحِ وَلَدًا وكان النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أو بِغَيْرِ شُهُودٍ عُدُولٍ أو أَيَّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ما كان ما خَلَا أَنْ تَنْكِحَ في عِدَّتِهَا من زَوْجٍ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ أو حَمَلَتْ فَنَزَلَ لها لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ مَوْلُودًا كان بن الرَّجُلِ النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ كما يَكُونُ الْحَمْلُ بن النَّاكِحِ نِكَاحًا صَحِيحًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَكَحَتْ في عِدَّتِهَا من وَفَاةِ زَوْجٍ صَحِيحٍ أو فَاسِدٍ أو طَلَاقِهِ رَجُلًا وَدَخَلَ بها في عِدَّتِهَا فَأَصَابَهَا فَجَاءَتْ بِحَمْلٍ فَنَزَلَ لها لَبَنٌ أو وَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِذَلِكَ اللَّبَنِ مَوْلُودًا كان ابْنَهَا وكان أَشْبَهَ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا في الرَّجُلَيْنِ مَعًا حتى يَرَى ابْنَهَا الْقَافَةُ فَأَيَّ الرَّجُلَيْنِ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ لَحِقَ الْوَلَدُ وكان الْمُرْضَعُ بن الذي يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَسَقَطَتْ عنه أُبُوَّةُ الذي سَقَطَ عنه نَسَبُ الْوَلَدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان حَمْلُ الْمَرْأَةِ سِقْطًا لم يَبِنْ خَلْقُهُ أو وَلَدَتْ وَلَدًا فَمَاتَ قبل أَنْ يَرَاهُ الْقَافَةُ فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا لم يَكُنْ الْمَوْلُودُ الْمُرْضَعُ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ في الْحُكْمِ كما لَا يَكُونُ الْمَوْلُودُ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ في الْحُكْمِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ ابْنَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنْ لَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَنَاتِهِ حَسْرًا وَلَا الْمُرْضِعَةَ إنْ كانت جَارِيَةً وَلَا يَكُونُ مع هذا مَحْرَمًا لَهُنَّ يَخْلُو أو يُسَافِرُ بِهِنَّ وَلَوْ كان الْمَوْلُودُ عَاشَ حتى تَرَاهُ الْقَافَةُ فَقَالُوا هو ابْنُهُمَا مَعًا فَأَمْرُ الْمَوْلُودِ مَوْقُوفٌ فَيَنْتَسِبُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا انْقَطَعَ عنه أُبُوَّةُ الذي تَرَكَ الِانْتِسَابَ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَتْرُكَ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يُجْبَرُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَنْتَسِبَ أو بَلَغَ مَعْتُوهًا لم يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَمُوتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَيَقُومُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ في أَنْ يَنْتَسِبُوا إلَى أَحَدِهِمَا أو لَا يَكُونُ له وَلَدٌ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَوْضِعٌ فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرْضِعَ مُخَالِفٌ لِلِابْنِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلِابْنِ على الْأَبِ وَلِلْأَبِ على الِابْنِ حُقُوقُ الْمِيرَاثِ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ لِلدَّمِ وَنِكَاحُ الْبَنَاتِ وَغَيْرُ ذلك من أَحْكَامِ الْبَنِينَ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُرْضِعِ على ابْنِهِ الذي أَرْضَعَهُ وَلَا لِابْنِهِ الذي أَرْضَعَهُ عليه من ذلك شَيْءٌ وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ في الِامْتِنَاعِ من أَنْ يَكُونَ ابْنَهُمَا مَعًا لِهَذَا السَّبَبِ فَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ جَعَلَ الْمُرْضِعَ ابْنَهُمَا مَعًا ولم يَجْعَلْ له الْخِيَارَ في أَنْ يَكُونَ بن أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وقال ذلك في الْمَسَائِلِ قَبْلَهُ التي في مَعْنَاهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْوَلَدُ أَنْ يَكُونَ أَبَاهُ فَهُوَ أَبُوهُ وأبو الْمُرْضَعِ وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْضِعِ أَنْ يَخْتَارَ غير الذي اخْتَارَ الْمَوْلُودُ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ ولم يَخْتَرْ كان لِلْمُرْضِعِ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَكُونَ أَبَاهُ وَيَنْقَطِعَ عنه أُبُوَّةُ الْآخَرِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ بَنَاتِ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ لَهُنَّ مَحْرَمًا يَرَاهُنَّ بِانْقِطَاعِ أُبُوَّتِهِ عنه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ حَمَلَتْ من الزنى اعْتَرَفَ الذي زِنَا بها أو لم يَعْتَرِفْ فارضعت مَوْلُودًا فَهُوَ ابْنُهَا وَلَا يَكُونُ بن الذي زَنَى بها وَأَكْرَهُ له في الْوَرَعِ أَنْ يَنْكِحَ بَنَاتِ الذي وُلِدَ له من زِنًا كما أَكْرَهُهُ لِلْمَوْلُودِ من زِنًا وَإِنْ نَكَحَ من بَنَاتِهِ أَحَدًا لم أَفْسَخْهُ لِأَنَّهُ ليس بِابْنِهِ في حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من حُجَّةٍ فِيمَا وَصَفْت قِيلَ نعم قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِابْنِ أَمَةَ زَمْعَةَ لِزَمْعَةَ وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ منه لِمَا رَأَى منه من شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فلم يَرَهَا وقد قَضَى أَنَّهُ أَخُوهَا حتى لَقِيَتْ اللَّهَ عز وجل لِأَنَّ تَرْكَ رويتها مُبَاحٌ وَإِنْ كان أَخًا لها وَكَذَلِكَ تَرْكُ رُؤْيَةِ الْمَوْلُودِ من نِكَاحِ أُخْتِهِ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من فَسْخِهِ أَنَّهُ ليس بِابْنِهِ إذَا كان من زِنًا

(5/30)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وقد دخل بها أو مَاتَ عنها وَهِيَ تُرْضِعُ وَكَانَتْ تَحِيضُ في رَضَاعِهَا ذلك ثَلَاثَ حَيْضٍ وَلَبَنُهَا دَائِمٌ أَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَالْمَوْلُودُ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الذي طَلَّقَ أو مَاتَ وَاللَّبَنُ منه لِأَنَّهُ لم يَحْدُثْ لها زَوْجٌ غَيْرُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا بَعْدَ انْقِطَاعِ لَبَنِهَا أو قَبْلَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ لَبَنُهَا وَأَصَابَهَا الزَّوْجُ فَثَابَ لَبَنُهَا ولم يَظْهَرْ بها حَمْلٌ فَاللَّبَنُ من الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَمَنْ أَرْضَعَتْ فَهُوَ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ بن الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَحْبَلَهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ بَعْدَ انْقِطَاعِ لَبَنِهَا من الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَثَابَ لَبَنُهَا سُئِلَ النِّسَاءُ عن الْوَقْتِ الذي يَثُوبُ فيه اللَّبَنُ وَيَبِينُ الْحَمْلُ فَإِنْ قُلْنَ الْحَمْلُ لو كان من امْرَأَةٍ بِكْرٍ أو ثَيِّبٍ ولم تَلِدْ قَطُّ أو امْرَأَةٍ قد وَلَدَتْ لم يَأْتِ لها لَبَنٌ في هذا الْوَقْتِ إنَّمَا يَأْتِي لَبَنُهَا في الثَّامِنِ من شُهُورِهَا أو التَّاسِعِ فَاللَّبَنُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ دَامَ فَهُوَ بن لِلْأَوَّلِ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْوَقْتُ الذي يَكُونُ لها فيه لَبَنٌ من حَمْلِهَا الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ثَابَ لها اللَّبَنُ في الْوَقْتِ الذي يَكُونُ لها فيه لَبَنٌ من حَمْلِهَا الْآخَرِ كان اللَّبَنُ من الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنِّي على عِلْمٍ من لَبَنِ الْأَوَّلِ وفي شَكٍّ من أَنْ يَكُونَ خَلَطَهُ لَبَنُ الْآخَرِ فَلَا أُحَرِّمُ بِالشَّكِّ شيئا وَأُحِبُّ له أَنْ يَتَوَقَّى بَنَاتِ الزَّوْجِ الْآخَرِ في هذا الْوَقْتِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَكَّ رَجُلٌ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ أَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ قُلْت الْوَرَعُ أَنْ يَكُفَّ عن رُؤْيَتِهَا حَاسِرًا وَلَا يَكُونُ مَحْرَمًا لها بِالشَّكِّ وَلَوْ نَكَحَهَا أو أَحَدًا من بَنَاتِهَا لم أَفْسَخْ النِّكَاحَ لِأَنِّي على غَيْرِ يَقِينٍ من أنها أُمٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَبَنُهَا انْقَطَعَ فلم يَثِبْ حتى كان هذا الْحَمْلُ الْآخَرُ في وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ يَثُوبَ فيه اللَّبَنُ من الْآخَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّبَنَ بِكُلِّ حَالٍ من الْأَوَّلِ وَإِنْ ثَابَ بِتَحْرِيكِ نُطْفَةِ الْآخَرِ فَهُوَ كما يَثُوبُ بِأَنْ تَرْحَمَ الْمَوْلُودَ فَتُدِرَّ عليه وَتَشْرَبَ الدَّوَاءَ أو تَأْكُلَ الطَّعَامَ الذي يَزِيدُ في اللَّبَنِ فَتُدِرَّ عليه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا ثُمَّ ثَابَ فَهُوَ من الْآخَرِ وَإِنْ كان لَا يَثُوبُ بِحَالٍ من الْآخَرِ لَبَنٌ تُرْضِعُ بِهِ حتى تَلِدَ أُمَّهُ فَهُوَ من الْأَوَّلِ في جَمِيعِ هذه الْأَقَاوِيلِ وَإِنْ كان لَا يَثُوبُ شَيْءٌ تُرْضِعُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ مِنْهُمَا مَعًا فَمَنْ لم يُفَرِّقْ بين اللَّبَنِ وَالْوَلَدِ قال هو لِلْأَوَّلِ أَبَدًا لِأَنَّهُ لم يُحْدِثْ وَلَدًا ولم يَكُنْ بن لِآخَرَ إذَا كان بن الْأَوَّلِ من الرَّضَاعَةِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قال هو مِنْهُمَا مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ طَلُقَتْ امْرَأَةٌ فلم يَنْقَطِعْ لَبَنُهَا وَكَانَتْ تَحِيضُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَحَاضَتْ ثَلَاثَ حَيْضٍ وَنَكَحَتْ زَوْجًا فَدَخَلَ بها فَأَصَابَهَا فَحَمَلَتْ فلم يَنْقَطِعْ اللَّبَنُ حتى وَلَدَتْ فَالْوِلَادُ قَطَعَ اللَّبَنَ الْأَوَّلَ وَمَنْ أَرْضَعَتْهُ فَهُوَ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الْآخَرِ لَا يَحِلُّ له أَحَدٌ وَلَدَتْهُ وَلَا وَلَدَهُ الزَّوْجُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ أَبُوهُ وَيَحِلُّ له وَلَدُ الْأَوَّلِ من غَيْرِ الْمَرْأَةِ التي أَرْضَعَتْهُ لِأَنَّهُ ليس بِأَبِيهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ حُلِبَ منها لَبَنٌ ثُمَّ مَاتَتْ فَأُوجِرَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا كان ابْنَهَا كما يَكُونُ ابْنَهَا لو أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا في الْحَيَاةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَضَعَهَا الْخَامِسَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا أو حُلِبَ له منها لَبَنٌ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأُوجِرَهُ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ فِعْلٌ له حُكْمٌ بِحَالٍ وَلَوْ كانت نَائِمَةً فَحُلِبَتْ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ حَرُمَ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَيَّةِ يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وإن الْحَيَّةَ النَّائِمَةَ يَكُونُ لها جِنَايَةٌ بِأَنْ تَنْقَلِبَ على إنْسَانٍ أو تَسْقُطَ عليه فَتَقْتُلَهُ فَيَكُونَ فيه الْعَقْلُ وَلَوْ تَعَقَّلَ إنْسَانٌ بِمَيِّتَةٍ أو سَقَطَتْ عليه فَقَتَلَتْهُ لم يَكُنْ له عَقْلٌ لِأَنَّهَا لَا جِنَايَةَ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت لم تُكْمِلْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَحُلِبَ لها لَبَنٌ كَثِيرٌ فَقَطَعَ ذلك اللَّبَنَ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا حتى يُتِمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَبَنٌ وَاحِدٌ وَلَا يَكُونُ إلَّا رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَاللَّبَنِ يَحْدُثُ في الثَّدْيِ كُلَّمَا خَرَجَ منه شَيْءٌ حَدَثَ غَيْرُهُ فَيُفَرَّقُ فيه الرَّضَاعُ حتى يَكُونَ خَمْسًا ( قال الرَّبِيعُ ) وفي قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا حُلِبَ منها لَبَنٌ فَأُرْضِعَ بِهِ الصَّبِيُّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَكُلُّ مَرَّةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا بِلَبَنِ وَلَدٍ فَانْتَفَى أبو الْمَوْلُودِ منه فَلَاعَنَهَا فنفى عنه نَسَبُهُ لم يَكُنْ أَبًا لِلْمُرْضَعِ فَإِنْ رَجَعَ الْأَبُ يَنْسُبُهُ إلَيْهِ ضُرِبَ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَرَجَعَ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَبَا الْمُرْضَعِ من الرَّضَاعَةِ==

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشعار النساء - ط عالم الكتب المؤلف المرزباني

  أشعار النساء للمرزباني ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر)...